مسعود صعد شجرة يجتني الكبات فجعل الناس يعجبون من دقة ساقيه فقال رسول الله ( ص ) والذي نفسي بيده لهما في الميزان اثقل من أحد وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد نظر الى قصره وكان يوازي بقامته الجلوس فجعل يتبعه بصره ثم قال هو كنيف مليء علما وقد شهد ابن مسعود بعد النبي ( ص ) مواقف كثيرة منها اليرموك وغيرها وكان قدم من العراق حاجا فمر بالربذه فشهد وفاة ابي ذر ودفنه ثم قدم الى المدينة فمرض بها فجاءه عثمان بن عفان عائدا فيروى انه قال له ما تشتكي قال ذنوبي قال فما تشتهي قال رحمه ربي قال الا آمر لك بطبيب فقال الطبيب امرضني قال الا آمر لك بعطائك وكان قد تركه سنتين فقال لاحاجة لي فيه فقال يكون لبناتك من بعدك فقال اتخشى على بناتي الفقر اني أمرت بناتي ان يقرآن كل ليلة سورة الواقعه واني سمعت رسول الله 0 ص ) يقول من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة ابدا واوصى عبد الله بن مسعود الى الزبير بن العوام فيقال انه هو الذي صلى عليه ليلا ثم عاتب عثمان الزبير علىذلك وقيل بل صلى عليه عثمان وقيل عمار فالله اعلم ودفن بالبقيع عن بضع وستين سنة
عبد الرحمن بن عوف
ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة ابو محمد القرشي الزهري اسلم فديما على يدي ابي بكر وهاجر الى الحبشة والى المدينة وآخى رسول الله ( ص ) بينه وبين سعد ابن الربيع وشهد بدرا وما بعدها وأمره رسول الله ( ص ) حين بعثه الى بني كلب وأرخى له عذته بين كتفية لتكون امارة عليه للامارة وهو احد العشرة المشهود لهم بالجنة واحد الثمانية السابقين الى الاسلام واحد الستة اصحاب الشورى ثم احد الثلاثة الذين انتهت اليهم منهم كما ذكرنا ثم كان هو الذي اجتهد في تقديم عثمان رضي الله عنه وقد تقاول هو وخالد بن الوليد في بعض الغزوات فأغلظ له خالد في المقال فلما بلغ ذلك رسول الله ( ص ) قال لاتسبوا اصحابي فوالذي نفسي بيد ه لو انفق احدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه وهو في الصحيح وقال معمر عن الزهري تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد النبي 0 ص ) بشطر ماله اربعة آلاف ثم ثم تصدق بأربعين الفا ثم تصدق باربعين الف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله ثم حمل على خمسمائة راحله في سبيل الله وكان عامة ماله من التجارة فأما الحديث الذي قال عبد بن حميد في مسنده ثنا يحيى بن اسحق ثنا عمارة بن زاذان عن ثابت البناني عن انس بن مالك ان عبد الرحمن بن عوف لما هاجر آخى رسول الله ( ص ) بينه وبين عثمان بن عفان فقال له ان لي حائطين فاختر ايهما شئت فقال بارك الله لك في حائطيك مالهذا اسلمت دلني على السوق قال فدله فكان يشتري السمنة والاقيطة والاهاب فجمع فتزوج فأتى النبي ( ص ) فقال بارك الله لك اولم ولو بشاة (7/163)
قال فكثر ماله حتى قدمت له سبعمائة راحله تحمل البر وتحمل الدقيق والطعام قال فلما دخلت المدينة سمع لاهل المدينة رجه فقالت عائشة ما هذه الرجه فقيل لها عير قدمت بعبد الرحمن بن عوف سبعمائة تحمل البر والدقيق والطعام فقالت عائشة سمعت رسول الله ( ص ) يقول يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوا فلما بلغ عبد الرحمن ذلك قال اشهدك يا امة انها باحمالها واحلاسها واقتابها في سبيل الله وقال الامام احمد ثنا عبد الصمد بن حسان ثنا عمارة هو ابن زاذان عن ثابت عن انس قال بينما عائشة في بيتها اذ سمعت صوتا في المدينة قالت ماهذا قالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل كل شيء قال وكانت سبعمائة بعير قال فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة سمعت رسول الله ( ص ) يقول قد رأيت عبد الرحمن ابن عوف يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف قال لئن استطعت لادخلها قائما فجعلها فأقتابها واحمالها في سبيل الله فقد تفرد به عمارة بن زاذان الصيدلاني وهو ضعيف واما قوله في سياق عبد بن حميد انه آخى بينه وبين عثمان بن عفان فغلط محض مخالف لما في صحيح البخاري من أن الذي آخى بينه وبينه انما هو سعد بن الربيع الانصاري رضي الله عنهما وثبت في الصحيح ان رسول الله ( ص ) صلى وراءه الركعة الثانية من صلاة الفجر في بعض الأسفار وهذه منقبة عظيمة لاتبارى ولما حضرته الوفاة اوصى لكل رجل ممن بقي من اهل بدر باربعمائة دينار وكانوا مائة فاخذوها حتى عثمان وعلي وقال علي اذهب يا ابن عوف فقد ادركت صفوها وسبقت زيفها واوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كثير حتى كانت عائشة تقول سقاه الله من السلسبيل واعتق خلقا من مماليكه ثم ترك بعد ذلك كله مالا جزيلا من ذلك ذهب قطع الفؤس حتى مجلت ايدي الرجال وترك الف بعير ومائة فرس وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع وكان نساؤه اربعا فصولحت احداهن من ربع الثمن بثمانين الفا ولما مات صلى عليه عثمان بن عفان وحمل في جنازته سعد بن ابي وقاص ودفن بالبقيع عن خمس وسبعين سنة وكان ابيض مشربا حمرة حسن الوجه دقيق البشرة اعين اهدب الأشفار اقنى له جمة ضخم الكفين غليظ الأصابع لايغير شيبة رضي الله عنه
ابو ذر الغفاري
واسمه جندب بن جنادة علي المشهور اسلم قديما بمكة فكان رابع اربعة او خامس خمسة وقصة اسلامه تقدمت قبل الهجرة وهو اول من حيا رسول الله ( ص ) بتحية الاسلام ثم رجع الى بلاده وقومه فكان هناك حتى هاجر رسول الله ( ص ) الى المدينة فهاجر بعد الخندق ثم لزم رسول الله ( ص ) حضرا وسفرا وروى عنه احاديث كثيرة وجاء في فضله احاديث كثيرة من (7/164)
اشهرها مارواه الأعمش عن ابي اليقظان عثمان بن عمير عن ابي حرب بن ابي الأسود عن عبد الله ابن عمرو ان رسول الله ( ص ) قال ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء اصدق لهجة من ابي ذر وفيه ضعف ثم لما مات رسول الله ( ص ) ومات ابو بكر خرج الى الشام فكان فيه حتى وقع بينه وبين معاوية فاستقدمه عثمان الى المدينة ثم نزل الربذه فاقام بها حتى مات في ذي الحجة من هذه السنة وليس عنده سوى امرأته وأولاده فينما هم كذلك لايقدرون على دفنه اذ قدم عبد الله بن مسعود من العراق في جماعة من اصحابه فحضروا موته وأوصاهم كيف يفعلون به وقيل قدموا بعد وفاته فولوا غسله ودفنه وكان قد امر أهله ان يطبخوا لهم شاة من غنمه ليأكلوه بعد الموت وقد ارسل عثمان بن عفان الى اهله فضمهم مع اهله
ثم دخلت سنة ثلات وثلاثين
فيها كان فتح قبرص في قول ابي معشر وخالفه الجمهور فذكروها قبل ذلك كما تقدم وفيه غزا عبد الله بن سعد بن ابي سرح افريقية ثانية حين نقض اهلها العهد وفيها سير امير المؤمنين جماعة من قراء اهل الكوفة الى الشام وكان سبب ذلك انهم تكلموا بكلام قبيح في مجلس سعيد بن عامر فكتب الى عثمان في امرهم فكتب اليه عثمان ان يجليهم عن بلده الى الشام وكتب عثمان الى معاوية امير الشام انه قد اخرج اليك قراء من اهل الكوفة فانزلهم واكرمهم وتألفهم فلما قدموا انزلهم معاوية واكرمهم واجتمع بهم ووعظهم ونصحهم فيما يعتمدونه من اتباع الجماعة وترك الانفراد والابتعاد فاجابه متكلمهم والمترجم عنهم بكلام فيه بشاعة وشناعة فاحتملهم معاوية لحلمه واخذ في مدح قريش وكانوا قد نالوا منهم واخذ في المدح لرسول الله ( ص ) والثناء عليه والصلاة والتسليم وافتخر معاوية بوالده وشرفه في قومه وقال فيما قال واظن ابا سفيان لو ولد الناس كلهم لم يلد الا حازما فقال له صعصعة بن صوحان كذبت قد ولد الناس كلهم لمن هو خير من ابي سفيان من خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وامر الملائكة فسجدوا له فكان فيهم البر والفاجر والأحمق والكيس ثم بذل لهم النصح مرة اخرى فاذ هم يتمادون في غيهم ويستمرون على جهالتهم وحماقتهم فعند ذلك اخرجهم من بلده ونفاهم عن الشام لئلا يشوشوا عقول الطغام وذلك انه كان يشتمل مطاوى كلامهم على القدح في قريش كونهم فرطوا وضيعوا ما يجب عليهم من القيام فيه من نصرة الدين وقمع المفسدين وانما يريدون بهذا التنقيص والعيب ورجم الغيب وكانوا يشتمون عثمان وسعيد بن العاص وكانوا عشرة وقيل تسعة وهو الأشبه منهم كميل بن زياد والأشتر النخعي واسمه مالك بن يزيد وعلقمة بن قيس النخعيان وثابت بن قيس النخعي وجندب بن زهير العامري وجندب بن كعب الأزدي وعروة بن الجعد (7/165)
وعمرو بن الحمق الخزاعي فلما خرجوا من دمشق اووا الى الجزيرة فاجتمع بهم عبدالرحمن بن خالد بن الوليد وكان نائبا على الجزيرة ثم ولى حمص بعد فهددهم وتوعدهم فاعتذروا اليه وانابوا الى الاقلاع عما كانوا عليه فدعا لهم وسير مالكا الاشتر النخعي الى عثمان بن عفان ليعتذر اليه عن اصحابه بين يديه فقبل منهم وكف عنهم وخيرهم ان يقيموا حيث احبوا فاختاروا ان يكونوا في معاملة عبدالرحمن بن خالد بن الوليد فقدموا عليه حمص فامرهم بالمقام بالساحل واجرى عليهم الرزق ويقال بل لما مقتهم معاوية كتب فيهم الى عثمان فجاءه كتاب عثمان ان يردهم الى سعيد بن العاص بالكوفة فردهم اليه فلما رجعوا كانوا ازلق السنة واكثر شرا فضج منهم سعيد بن العاص الى عثمان فامره ان يسيرهم الى عبدالرحمن بن خالد بن الوليد بحمص وان يلزموا الدروب وفي هذه السنة سير عثمان بعض اهل البصرة منها الى الشام والى مصر باسباب مسوغة لما فعله رضى الله عنه فكان هؤلاء ممن يؤلب عليه ويمالىء الاعداء في الحط والكلام فيه وهم الظالمون في ذلك وهو البار الراشد رضى الله عنه وفي هذه السنة حج بالناس امير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه وتقبل الله منه
ثم دخلت سنة اربع وثلاثين
قال ابو معشر فيها كانت وقعة الصواري والصحيح في قول غيره انها كانت قبل ذلك كما تقدم وفي هذه السنة تكاتب المنحرفون عن طاعة عثمان وكان جمهورهم من اهل الكوفة وهم في معاملة عبدالرحمن بن خالد بن الوليد بحمص منفيون عن الكوفة وثاروا على سعيد بن العاص امير الكوفة وتالبوا عليه ونالوا منه ومن عثمان وبعثوا الى عثمان من يناظره فيما فعل وفيما اعتمد من عزل كثير من الصحابة وتوليه جماعة من بنى امية من اقربائه واغلظوا له في القول وطلبوا منه ان ( 1 ) كذا في الحلبية والذي في المصرية
كميل بن زياد والاشتر النخعي واسمه مالك بن الحارث وصعصعة بن صوحان واخوه زيد بن صوحان وكعب بن مالك الاوسي والاسود بن زيد بن علقمة بن قيس النخعيان وثابت بن قيس النخعى وجندب بن زهير الغامدي وجندب بن كعب الازدي وعروة بن الجعد وعمرو ابن الحمق الخزاعي
والذي في الطبري
مالك بن الحارث الأشتر وثابت بن قيس النخعى وكميل بن زياد النخعي وزيد بن صوحان العبدي وجندب بن زهير الغامدي وجندب بن كعب الازدي وعروة بن الجعد وعمرو ابن الحمق الخزاعي (7/166)
يعزله ويستبدل ائمة غيرهم من السابقين ومن الصحابة حتى شق ذلك عليه جدا وبعث الى امراء الاجناد فاحضرهم عنده ليستشيرهم فاجتمع اليه معاوية بن ابي سفيان امير الشام وعمرو بن العاص امير مصر وعبدالله ابن سعد بن ابي سرح امير المغرب وسعيد بن العاص امير الكوفة وعبدالله بن عامر امير البصرة فاستشارهم فيما حدث من الامر وافتراق الكلمة فاشار فاشار عبدالله بن عامر ان يشغلهم بالغزو عما هم فيه من الشر فلا يكون هم احدهم الا نفسه وما هو فيه من دبر دابته وقمل فروته فان غوغاء الناس اذا تفرغوا وبطلوا واشتغلوا بما لا يغني وتكلموا بما لا يرضى واذا تفرقوا نفعوا انفسهم وغيرهم واشار سعيد بن العاص بأن يستاصل شأفة المفسدين ويقطع دابرهم واشار معاوية بان يرد عماله الى اقاليمهم وان لا يلتفت إلى هؤلاء وما تالبوا عليه من الشر فانهم اقل واضعف جندا واشار عبدالله بن سعد بن ابي سرح بان يتالفهم بالمال فيعطيهم منه ما يكف به شرهم ويامن غائلتهم ويعطف به قلوبهم اليه واما عمرو بن العاص فقام فقال اما بعد يا عثمان فانك قد ركبت الناس ما يكرهون فاما ان تعزل عنهم ما يكرهون واما ان تقدم فتنزل عمالك على ما هم عليه وقال له كلاما فيه غلظة ثم اعتذر إليه في السر بانه انما قال هذا ليبلغ عنه من كان حاضرا من الناس ليرضوا من عثمان بهذا فعند ذلك قرر عثمان عماله على ما كانوا عليه وتالف قلوبهم اولئك بالمال وامر بان يبعثوا الى الغزو الى الثغور فجمع بين المصالح كلها ولما رجعت العمال الى اقاليمها امتنع اهل الكوفة من ان يدخل عليهم سعيد بن العاص ولبسوا السلاح وحلفوا ان لا يمكنوه من الدخول فيها حتى يعزله عثمان ويولي عليهم ابا موسى الاشعري وكان اجتماعهم بمكان يقال له الجرعة ( 1 ) وقد قال يومئذ الاشتر النخعي والله لا يدخلها علينا ما حملنا سيوفنا وتواقف الناس بالجرعة ( 2 ) واحجم سعيد عن قتالهم وصمموا على منعه وقد اجتمع في مسجد الكوفة في هذا اليوم حذيفة وابو مسعود عقبة بن عمرو فجعل ابو مسعود يقول والله لا يرجع سعيد بن العاص حتى يكون دماء فجعل حذيقة يقول ( 3 ) والله ليرجعن ولا يكون فيها محجمة من دم وما اعلم اليوم شيئا الا وقد علمته ومحمد صلى الله عليه و سلم حي والمقصود ان سعيد بن العاصص كر راجعا الى المدينة وكسر الفتنة فاعجب ذلك اهل الكوفة وكتبوا الى عثمان ان يولي عليهم ابا موسى الاشعري بذلك فاجابهم عثمان الى ما سالوا ازاحة لعذرهم وازالة لشبههم وقطعا لعللهم
وذكر سيف بن عمر ان سبب تالب الاحزاب على عثمان ان رجلا يقال له عبدالله بن سبأ كان يهوديا فاظهر الاسلام وصار الى مصر فاوحى الى طائفة من الناس كلاما اخترعه من عند نفسه مضمونه انه يقول للرجل فيقول له فرسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل منه فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا وهو اشرف من اليس قد ثبت ان عيسى بن مريم سيعود الى هذه الدنيا فيقول الرجل نعم عيسى ابن مريم عليه السلام ثم يقول وقد كان اوصى الى علي بن ابي طالب فمحمد خاتم الانبياء (7/167)
وعلى خاتم الاوصياء ثم يقول فهو احق بالامرة من عثمان وعثمان معتد في ولايته ما ليس له فانكروا عليه واظهروا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فافتتن به بشر كثير من اهل مصر وكتبوا الى جماعات من عوام اهل الكوفة والبصرة فتمائلوا على ذلك وتكاتبوا فيه وتواعدوا ان يجتمعوا في الانكار على عثمان وارسلوا اليه من يناظره ويذكر له ما ينقمون عليه من توليته اقرباءه وذوى رحمه وعزله كبار الصحابة فدخل هذا في قلوب كثير من الناس فجمع عثمان بن عفان نوابه من الامصار فاستشارهم فأشاروا عليه بما تقدم ذكرنا له فالله اعلم
وقال الواقدي فيما رواه عن عبدالله بن محمد عن ابيه قال لما كانت سنة اربع وثلاثين اكثر الناس بالمقالة على عثمان بن عفان ونالوا منه اقبح ما نيل من احد فكلم الناس علي بن ابي طالب ان يدخل على عثمان فدخل عليه فقال له ان الناس ورائي وقد كلموني فيك ووالله ما ادري ما اقول لك وما اعرف شيئا تجهله ولا ادلك على امر لا تعرفه انك لتعلم ما نعلم ما سبقناك الى شىء فنخبرك عنه ولا خلونا بشىء فنبلغكه وما خصصنا بامور خفى عنك ادراكها وقد رايت وسمعت وصحبت رسول الله صلى الله عليه و سلم ونلت صهره وما ابن ابي قحافة باولى بعمل الحق منك ولا ابن الخطاب باولى بشىء من الخير منك وانك اقرب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم رحما ولقد نلت من صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لم ينالا ولا سبقاك الى شىء فالله الله في نفسك فانك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهل وان الطريق لواضح بين وان اعلام الدين لقائمة تعلم يا عثمان ان افضل عباد الله عند الله امام عادل هدى وهدى فاقام سنة معلومة وامات بدعة معلومة فوالله ان كلا لبين وان السنن لقائمة لها اعلام وان البدع لقائمة لها اعلام وان شر الناس عندالله امام جائر ضل واضل به فامات سنة معلومة واحيا بدعة متروكة واني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم فيدور فيها كما تدور الرحا ثم يرتطم في غمرة جهنم واني احذرك الله واحذرك سطوته ونقمته فان عذابه اليم شديد واحذر ان تكون امام هذه الامة المقتول فانه كان يقال يقتل في هذه الامة امام فيفتح عليها القتل والقتال الى يوم القيامة وتلبس امورها عليها ويتركون شيعا لا يبصرون الحق من الباطل يموجون فيها موجا ويمرحون فيها مرحا فقال عثمان قد والله علمت لتقولن الذي قلت اما والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا اسلمتك ولا عبت عليك ولا جئت منكرا انى وصلت رحما وسددت خلة وآويت ضائعا ووليت شبيها بمن كان عمر يولى انشدك الله يا علي هل تعلم ان المغيرة بن شعبة ليس هناك قال نعم قال فتعلم ان عمر ولاه قال نعم قال فلم تلوموني ان وليت ابن عامر في رحمه وقرابته فقال علي ساخبرك ان عمر كان كلما ولى اميرا فانما يطا على صماخيه وانه ان بلغه حرف جاء به ثم بلغ (7/168)
به اقصى الغاية في العقوبة وانت لا تفعل ضعفت ورفقت على اقربائك فقال عثمان هم اقرباؤك ايضا فقال على لعمري ان رحمهم منى لقريبة ولكن الفضل في غيرهم قال عثمان هل تعلم ان عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته فقال على انشدك الله هل تعلم ان معاوية كان اخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه قال نعم قال علي فان معاوية يقطع الامور دونك وانت تعلمها ويقول للناس هذا امر عثمان فليبلغك فلا تنكر ولا تغير على معاوية ثم خرج علي من عنده وخرج عثمان على اثره فصعد المنبر فوعظ وحذر وانذر وتهدد وتوعد وابرق وارعد فكان فيما قال الا فقد والله عبتم على بما اقررتم به لابن الخطاب ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما احببتم او كرهتم ولنت لكم واوطات لكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم فاجتراتم علي اما والله لانا اعز نفرا واقرب ناصرا واكثر عددا واقمن ان قلت هلم الى الى ولقد اعددت لكم اقرانكم وافضلت عليكم فضولا وكشرت لكم عن نابي فاخرجتم منى خلقا لم اكن احسنه ومنطقا لم انطق به فكفوا السنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم فاني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يليكم لرضيتم منه دون منطقي هذا الا فما تفقدون من حقكم فوالله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي ثم اعتذر عما كان يعطي اقرباءه بانه من فضل ماله فقام مروان بن الحكم فقال ان شئتم والله حكمنا بيننا وبينكم السيف نحن والله وانتم كما قال الشاعر ... فرشنا لكم اعراضنا فنبت بكم ... مغارسكم تبنون في دمن الثرى ...
فقال عثمان اسكت لاسكت دعني واصحابي ما منطقك في هذا الم أتقدم اليك ان لا تنطق
فسكت مروان ونزل عثمان رضى الله عنه
وذكر سيف بن عمر وغيره ان معاوية لما ودعه عثمان حين عزم على الخروج الى الشام عرض عليه ان يرحل معه الى الشام فانهم قوم كثيرة طاعتهم للامراء فقال لا اختار بجوار رسول الله صلى الله عليه و سلم سواه فقال اجهز لك جيشا من الشام يكونون عندك ينصرونك فقال اني اخشى ان اضيق بهم بلد رسول الله صلى الله عليه و سلم على اصحابه من المهاجرين والانصار قال معاوية فوالله يا امير المؤمنين لتغتالن او قال لتغزين فقال عثمان حسبي الله ونعم الوكيل ثم خرج معاوية من عنده وهو متقلد السيف وقوسه في يده فمر على ملأ من المهاجرين والانصار فيهم علي بن ابي طالب وطلحة والزبير فوقف عليهم واتكا على قوسه وتكلم بكلام بليغ يشتمل على الوصاة بعثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه والتحذير من اسلامه الى اعدائه ثم انصرف ذاهبا فقال الزبير ما رايت اهيب في عينى من يومه هذا وذكر ابن جرير ان معاوية استشعر الامر لنفسه من قدمته هذه إلى المدينة وذلك انه سمع حاديا يرتجز في ايام الموسم في هذا العام وهو يقول (7/169)
قد علمت ضوامر المطى وضمرات عوج القسى ان الامير بعده علي وفي الزبير خلف رضى وطلحة الحامي لها ولي
فلما سمعها معاوية لم يزل ذلك في نفسه حتى كان ما كان على ما سنذكره في موضعه ان شاء الله وبه الثقة قال ابن جرير وفي هذ السنة مات ابو عبس بن جبير بالمدينة وهو بدري ومات ايضا مسطح بن اثاثة وغافل بن البكير وحج بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان
وكان السبب في ذلك ان عمرو بن العاص حين عزله عثمان عن مصر ولى عليها عبدالله بن سعد بن ابي سرح وكان سبب ذلك ان الخوارج من المصريين كانوا محصورين من عمرو بن العاص مقهورين معه لا يستطيعون ان يتكلموا بسوء في خليفة ولا امير
فما زالوا حتى شكوه الى عثمان لينزعه عنهم وولى عليهم من هو الين منه فلم يزل ذلك دابهم حتى عزل عمرا عن الحرب وتركه على الصلاة وولى على الحرب والخراج عبدالله بن سعد بن ابي سرح ثم سعوا فيما بينهما بالنميمة فوقع بينهما حتى كان بينهما كلام قبيح فارسل عثمان فجمع لابن ابي سرح جميع عمالة مصر خراجها وحربها وصلاتها وبعث الى عمرو يقول له لا خير لك في المقام عند من يكرهك فاقدم الى فانتقل عمرو بن العاص الى المدينة وفي نفسه من عثمان امر عظيم وشر كبير فكلمه فيما كان من امره بنفس وتقاولا في ذلك وافتخر عمرو بن العاص بابيه على عثمان وانه كان اعز منه فقال له عثمان دع هذا فانه من امر الجاهلية وجعل عمرو بن العاص يؤلب الناس على عثمان وكان بمصر جماعة يبغضون عثمان ويتكلمون فيه بكلام قبيح على ما قدمنا وينقمون عليه في عزله جماعة من علية الصحابة وتوليته من دونهم او من لا يصلح عندهم للولاية
وكره اهل مصر عبدالله بن سعد بن ابي سرح بعد عمرو بن العاص واشتغل عبدالله بن سعد عنهم بقتال اهل المغرب وفتحه بلاد البربر والاندلس وافريقية وانشأ بمصر طائفة من ابناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه والانكار عليه وكان عظم ذلك مسندا الى محمد بن ابي بكر ومحمد بن ابي حذيفة حتى استنفرا نحوا من ستمائة راكب يذهبون الى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب لينكروا على عثمان فساروا اليها تحت اربع رفاق وامر الجميع الى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعبدالرحمن بن عديس البلوى وكنانة بن بشر التيجي وسودان بن حمران السكوني واقبل معهم محمد بن ابي بكر واقام بمصر محمد بن ابي حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء وكتب عبدالله بن سعد بن ابي سرح الى عثمان يعلمه بقدوم هؤلاء القوم الى المدينة منكرين عليه في صفة المعتمرين فلما اقتربوا من المدينة امر عثمان علي بن ابي طالب ان يخرج اليهم ليردهم الى بلادهم قبل ان يدخلوا المدينة ويقال بل ندب الناس اليهم فانتدب علي لذلك فبعثه (7/170)
وخرج معه جماعة الاشراف وامره ان ياخذ معه عمار بن ياسر فقال على لعمار فابى عمار ان يخرج معه فبعث عثمان سعد بن ابي وقاص ان يذهب الى عمار ليحرضه على الخروج مع علي اليهم فابى عمار كل الاباء وامتنع اشد الامتناع وكان متعصبا على عثمان بسبب تاديبه له فيما تقدم على امر وضربه اياه في ذلك وذلك بسبب شتمه عباس بن عتبة بن ابي لهب فادبهما عثمان فتآمر عمار عليه لذلك وجعل يحرض الناس عليه فنهاه سعد بن ابي وقاص عن ذلك ولامه عليه فلم يقلع عنه ولم يرجع ولم ينزع فانطلق علي بن ابي طالب اليهم وهم بالجحفة وكانوا يعظمونه ويبالغون في امره فردهم وانبهم وشتمهم فرجعوا على انفسهم بالملامة وقالوا هذا الذي تحاربون الامير بسببه وتحتجون عليه به ويقال انه ناظرهم في عثمان وسألهم ماذا ينقمون عليه فذكروا اشياء منها انه حمى الحمى وحرق المصاحف وانه اتم الصلاة وانه اولى الاحداث الولايات وترك الصحابة الاكابر واعطى بني امية اكثر من الناس فاجاب علي عن ذلك اما الحمى فانما حماه لإبل الصدقة لتسمن ولم يحمه لابله ولا لغنمه وقد حماه عمر من قبله واما المصاحف فانما حرق ما وقع فيه اختلاف وابقى لهم المتفق عليه كما ثبت في العرضة الاخيرة واما إتمامه الصلاة بمكة فانه كان قد تاهل بها ونوى الاقامة فاتمها واما توليته الاحداث فلم يول الا رجلا سويا عدلا وقد ولى رسول الله صلى الله عليه و سلم عتاب بن اسيد على مكة وهو ابن عشرين سنة وولى اسامة بن زيد بن حارثة وطعن الناس في امارته فقال انه لخليق بالامارة واما ايثاره قومه بنى امية فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤثر قريشا على الناس ووالله لو ان مفتاح الجنة بيدي لادخلت بنى امية اليها ويقال انهم عتبوا عليه في عمار ومحمد بن ابي بكر فذكر عثمان عذره في ذلك وانه اقام فيهما ما كان يجب عليهما وعتبوا عليه في ايوائه الحكم بن ابي العاص وقد نفاه اليها قال فقد نفاه رسول الله صلى إلى الطائف فذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قد نفاه إلى الطائف ثم رده ثم نفاه إليها قال فقد نفاه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم رده وروى ان عثمان خطب الناس بهذا كله بمحضر الله عليه وسلم من الصحابة وجعل يستشهد بهم فيشهدون له فيما فيه شهادة له ويروى انهم بعثوا طائفة منهم فشهدوا خطبة عثمان هذه فلما تمهدت الاعذار وانزاحت عللهم ولم يبق لهم شبهة اشار جماعة من الصحابة على عثمان بتأديبهم فصفح عنهم رضى الله عنه وردهم الى قومهم فرجعوا خائبين من حيث اتوا ولم ينالوا شيئا مما كانوا املوا وراموا ورجع علي الى عثمان فاخبره برجوعهم عنه وسماعهم منه واشار على عثمان ان يخطب الناس خطبة يعتذر اليهم فيها مما وقع من الاثرة لبعض اقاربه ويشهدهم عليه بانه تاب من ذلك واناب الى الاستمرار على ما كان عليه من سيرة الشيخين قبله وانه لا يحيد عنها كما كان الامر اولا في مدة ست سنين الاول فاستمع عثمان هذه النصيحة وقابلها بالسمع والطاعة ولما كان يوم الجمعة وخطب الناس رفع يديه في اثناء الخطبة وقال اللهم اني استغفرك (7/171)
واتوب اليك اللهم انى اول تائب مما كان منى وارسل عينيه بالبكاء فبكى المسلمون اجمعون وحصل للناس رقة شديدة على امامهم واشهد عثمان الناس على نفسه بذلك وانه قد لزم ما كان عليه الشيخان ابو بكر وعمر رضى الله عنهما وانه قد سبل بابه لمن اراد الدخول عليه لا يمنع احد من ذلك ونزل فصلى بالناس ثم دخل منزله وجعل من اراد الدخول على امير المؤمنين لحاجة او مسألة او سؤال لا يمنع احد من ذلك مدة قال الواقدي فحدثني على بن عمر عن ابيه قال ثم ان عليا جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له تكلم كلاما تسمعه الناس منكم ويشهدون عليك ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والانابة فان البلاد قد تمخضت عليك ولا آمن ركبا آخرين يقدمون من قبل الكوفة فتقول يا علي اركب اليهم ويقدم آخرون من البصرة فتقول يا علي اركب اليهم فان لم افعل قطعت رحمك واستخففت بحقك قال فخرج عثمان فخطب الخطبة التى نزع فيها واعلم الناس من نفسه التوبة فقام فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله ثم قال اما بعد ايها الناس فوالله ما عاب من من عاب شيئا اجهله وما جئت شيئا الا وانا اعرفه ولكن ضل رشدي ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من زل فليتب ومن اخطا فليتب ولا يتمادى في الهلكة ان من تمادى في الجور كان ابعد عن الطريق فانا اول اتعظ استغفر الله مما فعلت واتوب فمثلى نزع وتاب فاذا نزلت فلياتني اشرافكم فوالله لاكونن كالمرقوق ان ملك صبر وان عتق شكر وما عن الله مذهب الا اليه قال فرق الناس له وبكى من بكى وقال الي سعيد بن زيد فقال يا امير المؤمنين الله الله في نفسك فاتمم على ما قلت فلما انصرف عثمان الى منزله وجد به حماعة من اكابر الناس وجاءه مروان بن الحكم فقال اتكلم يا امير المؤمنين ام اصمت فقالت امرأة عثمان نائلة بنت الفرافصة الكلبية من وراء الحجاب بل اصمت فوالله انهم لقاتلوه ولقد قال مقالة لا ينبغى النزوع عنها فقال لها وما انت وذاك فوالله لقد مات ابوك وما يحسن ان يتوضأ فقالت له دع ذكر الاباء ونالت من ابيه الحكم فاعرض عنها مروان وقال لعثمان يا امير المؤمنين اتكلم ام اصمت فقال له عثمان بل تكلم فقال مروان بابي انت وامي لوددت ان مقالتك هذه كانت وانت ممنع منيع فكنت اول من رضى بها واعان عليها ولكنك قلت ما قلت حين جاوز الحزام الطبيين وبلغ السيل الزبا وحين اعطى الخطة الذليلة الذليل والله لا قامة على خطيئة يستغفر منها خير من توبة خوف عليها وانك لو شئت لعزمت التوبة ولم تقرر لنا بالخطيئة وقد اجتمع اليك على الباب مثل الجبال من الناس فقال عثمان قم فاخرج اليهم فكلمهم فاني استحي ان اكلمهم قال فخرج مروان الى الباب والناس يركب بعضهم بعضا فقال ما شانكم (7/172)
كانكم قد جئتم لنهب شاهت الوجوه كل انسان آخذ باذن صاحبه الا من اريد ( 1 ) س جئتم تريدون ان تنزعوا ملكنا من ايدينا اخرجوا عنا اما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم امر يسؤكم ولا تحمدوا غبه ارجعوا الى منازلكم فوالله ما نحن مغلوبين على مابايدينا قال فرجع الناس وخرج بعضهم حتى اتى عليا فاخبره الخبر فجاء على مغضبا حتى دخل على عثمان فقال اما رضيت من مروان ولا رضى منك الا بتحويلك عن دينك وعقلك وان مثلك مثل جمل الضعينة سار حيث يسار به والله ما مروان بذى راي في دينه ولا نفسه وايم والله انى لأراه سيوردك ثم لا يصدرك وما انا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك اذهبت سوقك وغلبت امرك فلما خرج علي دخلت نائلة على عثمان فقالت اتكلم او اسكت فقال تكلمي فقالت سمعت قول علي انه ليس يعاودك وقد اطعت مروان حيث شاء قال فما اصنع قالت تتقي الله وحده لا شريك له وتتبع سنة صاحبيك من قبلك فانك متى اطعت مروان قتلك ومروان ليس له عند الله قدر ولا هيبة ولا محبة فارسل الى علي فاستصلحه فان له قرابة منك وهو لا يعصى قال فارسل عثمان الى علي فابى ان ياتيه وقال لقد اعلمته اني لست بعائد قال وبلغ مروان قول نائلة فيه فجاء الى عثمان فقال اتكلم او اسكت فقال تكلم فقال إن نائلة بنت الفرافصة فقال عثمان لا تذكرها بحرف فاسوء الى وجهك فهي والله انصح لي منك قال فكف مروان
ذكر مجىء الاحزاب الى عثمان للمرة الثانية من مصر
وذلك ان اهل الأمصار لما بلغهم خبر مروان وغضب علي على عثمان بسببه ووجدوا الامر على ما كان عليه لم يتغير ولم يسلك سيرة صاحبيه كاتب تكاتب اهل مصر واهل الكوفة اهل البصرة وتراسلوا وزورت كتب على لسان الصحابة الذين بالمدينة وعلى لسان علي وطلحة والزبير يدعون الناس الى قتال عثمان ونصر الدين وانه اكبر الجهاد اليوم وأذكر سيف بن عمر التميمي عن محمد وطلحة وابي حارثة وابي عثمان وقاله غيرهم ايضا قالوا لما كان في شوال سنة خمس وثلاثين وخرج اهل مصر في اربع رفاق على اربعة امراء المقلل لهم يقول ستمائة والمكثر يقول الف على الرفاق عبدالرحمن ابن عديس البلوى وكنانة بن بشر الليثي وسودان بن حمران السكوني وقتيرة السكوني وعلي القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي وخرجوا فيما يظهرون للناس حجاجا ومعهم ابن السوداء وكان اصله ذميا فاظهر الاسلام واحدث بدعا قولية وفعلية قبحه الله وخرج اهل الكوفة في عدتهم من اربع رفاق وامراؤهم زيد بن صوحان والاشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثى وعبدالله بن الاصم وعلى الجميع عمرو بن الاصم وخرج الله البصرة في عدتهم ايضا في اربع (7/173)
رايات مع حكيم بن جبلة العبدي وبشر بن شريح بن ضبيعة القيسي وذريح بن عباد العبدي وعليهم كلهم حرقوص بن زهير السعدي واهل مصر مصرون على ولاية علي بن ابي طالب واهل الكوفة عازمون على تامير الزبير واهل البصرة مصممون على تولية طلحة لا تشك كل فرقة ان امرها سيتم فسار كل طائفة من بلدهم حتى توافوا حول المدينة كما تواعدوا في كتبهم في شهر شوال فنزل طائفة منهم بذي خشب وطائفة بالاعوص والجمهور بذي المروة وهم على وجل من اهل المدينة فبعثوا قصادا وعيونا بين ايديهم ليخبروا الناس انهم انما جاؤا للحج لا لغيره وليستعفوا هذا الوالي من بعض عماله ما جئنا الا لذلك واستاذنوا للدخول فكل الناس ابى دخولهم ونهى عنه فتجاسروا واقتربوا من المدينة وجاءت طائفة من المصريين الى علي وهو في عسكر عند احجار الزيت عليه حلة اصواف معتم بشقيقة حمراء يمانية متقلدا السيف وليس عليه قميص وقد ارسل ابنه الحسن الى عثمان فيمن اجتمع اليه فسلم عليه المصريون فصاح بهم وطردهم وقال لقد علم الصالحون ان جيش ذى المروة وذي خشب نعم وانصرفوا من عنده على ذلك وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة اخرى الى جنب علي وقد ارسل ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه و سلم فارجعوا لا صبحكم الله قالوا ابنيه الى عثمان فسلموا عليه فصاح بهم وطردهم وقال لهم كما قال علي لاهل مصر وكذلك كان رد الزبير على اهل الكوفة فرجع كل فريق منهم الى قومهم واظهروا للناس انهم راجعون الى بلدانهم وساروا اياما راجعين ثم كرو عائدين الى المدينة فما كان غير قليل حتى سمع اهل المدينة التكبير واذا القوم قد زحفوا على المدينة واحاطوا بها وجمهورهم عند دار عثمان بن عفان وقالوا للناس من كف يده فهو آمن فكف الناس ولزموا بيوتهم واقام الناس على ذلك اياما هذا كله ولا يدري الناس ما القوم صانعون ولا على ما هم عازمون وفي كل ذلك وامير المؤمنين عثمان بن عفان يخرج من داره فيصلي بالناس فيصلي وراءه اهل المدينة واولئك الآخرون وذهب الصحابة الى هؤلاء يؤنبونهم ويعذلونهم على رجوعهم حتى قال على لاهل مصر ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رايكم فقالوا وجدنا مع بريد كتابا بقتلنا وكذلك قال البصريون لطلحة والكوفيون للزبير وقال اهل كل مصر انما جئنا لننصر اصحابنا فقال لهم الصحابة كيف علمتم بذلك من اصحابكم وقد افترقتم وصار بينكم مراحل انما هذا امر اتفقتم عليه فقالوا ضعوه على ما اردتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا ونحن نعتزله يعنون انه ان نزل عن الخلافة تركوه آمنا وكان المصريون فيما ذكر لما رجعوا الى بلادهم وجدوا في الطريق بريدا يسير فاخذوه ففتشوه فاذا معه في ادواة كتابا على لسان عثمان فيه الامر بقتل طائفة منهم وبصلب آخرين وبقطع أيدي آخرين منهم وارجلهم وكان على الكتاب طابع بخاتم عثمان والبريد احد غلمان عثمان وعلى جمله فلما رجعوا جاءوا بالكتاب (7/174)
وداروا به على الناس فكلم الناس امير المؤمنين في ذلك فقال بينة على بذلك والا فوالله لا كتبت ولا امليت ولا دريت بشىء من ذلك والخاتم قد يزور على الخاتم فصدقه الصادقون في ذلك وكذبه الكاذبون ويقال ان اهل مصر كانوا قد سالوا من عثمان ان يعزل عنهم ابن ابي سرح ويولي محمد بن ابي بكر فاجابهم الى ذلك فلما رجعوا وجدوا ذلك البريد ومعه الكتاب بقتل محمد ابن ابي بكر وآخرين معه فرجعوا وقد حنقوا عليه حنقا شديدا وطافوا بالكتاب على الناس فدخل ذلك في اذهان كثير من الناس وروى ابن جرير من طريق محمد بن اسحاق عن عمه عبدالرحمن بن يسار ان الذي كان معه الرسالة من جهة عثمان الى مصر ابو الاعور السلمي على جمل لعثمان وذكر ابن جرير من هذه الطريق ان الصحابة كتبوا الى الافاق من المدينة يأمرون الناس بالقدوم على عثمان ليقاتلوه وهذا كذب على الصحابة وانما كتبت كتب مزورة عليهم كما كتبوا من جهة علي وطلحة والزبير الى الخوارج كتبا مزورة عليهم انكروها وهكذا زور هذا الكتاب على عثمان ايضا فانه لم يامر به ولم يعلم به ايضا واستمر عثمان يصلي بالناس في تلك الايام كلها وهم احقر في عينه من التراب فلما كان في بعض الجمعات وقام على المنبر وفي يده العصا التي كان يعمد اليها رسول الله صلى الله عليه و سلم في خطبته وكذلك ابو بكر وعمر رضى الله عنهما من بعده فقام اليه رجل من اولئك فسبه ونال منه وانزله عن المنبر فطمع الناس فيه من يومئذ كما قال الواقدي حدثنى اسامة بن يزيد بن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب عن ابيه قال بينا انا انظر الى عثمان على عصا النبي صالى الله عليه وسلم التى يخطب عليها وابو بكر وعمر فقال له جهجاه قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر واخذ العصا فكسرها على ركبته اليمنى فدخلت شظية منها فيها فبقى الجرح حتى اصابته الاكلة فرايتها تدود فنزل عثمان وحملوه وامر بالعصا فشدوها فكانت مضببة فما خرج بعد ذلك اليوم الا خرجة او خرجتين حتى حصر فقتل
قال ابن جرير وحدثنا احمد بن ابراهيم حدثنا عبدالله ابن ادريس عن عبيدالله بن عمر عن نافع ان الجهجاه الغفاري اخذ عصا كانت في يد عثمان فكسرها على ركبته فرمى في ذلك المكان بأكلة وقال الواقدي وحدثني ابن ابي الزناد عن موسى بن عقبة عن ابن ابي حبيبة قال خطب عثمان الناس في بعض ايامه فقال عمرو بن العاص يا امير المؤمنين انك ركبت بهاتير وركبناها معك فتب نتب معك فاستقبل عثمان القبلة وشمر يديه وقال ابن ابي حبيبة فلم ار يوما اكثر باكيا ولا باكية من يومئذ ثم لما كان بعد ذلك خطب الناس فقام اليه جهجاه الغفاري فصاح اليه يا عثمان الا ان هذه شارف قد جئنابها عليها عباءة وجامعة فانزل فلندرجك في العباة ولنطرحك في الجامعة (7/175)
ولنحملك على الشارف ثم نطرحك في جبل الدخان فقال عثمان قبحك الله وقبح ما جئت به ثم نزل عثمان قال ابن ابي حبيبة وكان آخر يوم رايته فيه وقال الواقدي حدثني ابو بكر بن اسماعيل عن ابيه عن عامر بن سعد قال كان اول من اجترا على عثمان بالنطق السىء جبلة بن عمرو الساعدي مر به عثمان وهو في نادي قومه وفي يد جبلة جامعة فلما مر عثمان سلم فرد القوم فقال جبلة لم تردون عليه رجل قال كذا وكذا ثم اقبل على عثمان فقال والله لاطرحن هذه الجامعة في عنقك او لتتركن بطانتك هذه فقال عثمان ابي بطانة فوالله لأتخير الناس فقال مروان تخيرته ومعاوية تخيرته وعبدالله بن عامر بن كريز تخيرته وعبدالله بن سعد بن ابي سرح تخيرته منهم من نزل القرآن بذمه واباح رسول الله صلى الله عليه و سلم دمه قال فانصرف عثمان فما زال الناس مجترئين عليه الى هذا اليوم قال الواقدي وحدثني محمد بن صالح عن عبيدالله بن رافع بن نقاخة عن عثمان بن الشريد قال مر عثمان على جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره ومعه جامعة فقال يا نعثل والله لاقتلنك ولاحملنك على قلوص جرباء ولاخرجنك الى حرة النار ثم جاءه مرة اخرى وعثمان على المنبر فانزله عنه وذكر سيف بن عمر ان عثمان بعد ان صلى بالناس يوم الجمعة صعد المنبر فخطبهم ايضا فقال في خطبته يا هؤلاء الغرباء الله الله فوالله ان اهل المدينة ليعلمون انكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه و سلم فامحوا الخطأ بالصواب فان الله لا يمحو السىء الا بالحسن فقام محمد بن مسلمة فقال انا اشهد بذلك فاخذه حكيم بن جبلة فاقعده فقام زيد بن ثابت فقال انه في الكتاب فثار اليه من ناحية اخرى محمد بن ابي مريرة فاقعده وقال يا نطع وثار القوم باجمعهم فحصبوا الناس حتى اخرجوهم من المسجد وحصبوا عثمان حتى صرع من المنبر مغشيا عليه فاحتمل وادخل داره وكان المصريون لا يطمعون في احد من الناس ان يساعدهم الا محمد بن ابي بكر ومحمد بن جعفر وعمار ابن ياسر واقبل على وطلحة والزبير الى عثمان في اناس يعودونه ويشكون اليه بثهم وما حل بالناس ثم رجعوا الى منازلهم واستقبل جماعة من الصحابة منهم ابو هريرة وابن عمر وزيد بن ثابت في المحاربة عن عثمان فبعث اليهم يقسم عليهم لما كفوا ايديهم وسكنوا حتى يقضى الله ما يشاء
ذكر حصر امير المؤمنين عثمان بن عفان
لما وقع ما وقع يوم الجمعة وشج امير المؤمنين عثمان وهو في راس المنبر وسقط مغشيا عليه واحتمل الى داره وتفاقم الامر وطمع فيه اولئك الاجلاف الاخلاط من الناس والجاوه الى داره وضيقوا عليه واحاطوا بها محاصرين له ولزم كثير من الصحابة بيوتهم وسار اليه جماعة من ابناء الصحابة عن امر أبائهم منهم الحسن والحسين وعبدالله بن الزبير وكان امير الدار وعبدالله ابن عمرو وصاروا يحاجون عنه ويناضلون دونه ان يصل اليه احد منهم واسلمه بعض الناس (7/176)
رجاء ان يجيب اولئك الى واحدة مما سالوا فانهم كانوا قد طلبوا منه اما ان يعزل نفسه او يسلم اليهم مروان بن الحكم ولم يقع في خلد احد ان القتل كان في نفس الخارجين وانقطع عثمان عن المسجد فكان لا يخرج الا قليلا في اوائل الامر ثم انقطع بالكلية في آخره وكان يصلي بالناس في هذه الايام الغافقي بن حرب وقد استمر الحصر اكثر من شهر وقيل اربعين يوما حتى كان آخر ذلك ان قتل شهيدا رضى الله عنه على ما سنبينه ان شاء الله تعالى والذي ذكره ابن جرير ان الذي كان يصلي بالناس في هذه المدة وعثمان محصور طلحة بن عبيدالله وفي صحيح البخاري عن ( 1 ) وروى الواقدي ان عليا صلى ايضا وصلى ابو ايوب وصلى بهم سهل بن حنيف وكان يجمع بهم علي وهوالذي صلى بهم بعد وقد خاطب الناس في غبوب ذلك باشياء وجرت امور سنورد منها ما تيسر وبالله المستعان
قال الامام احمد حدثنا بهز ثنا ابو عوانة حدثنا حصين عن عمرو بن جاوان قال قال الاحنف انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة فبينا نحن في منزلنا اذ جاءنا آت فقال الناس في المسجد فانطلقت انا وصاحبي فاذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد قال فتخللتهم حتى قمت عليهم فاذا علي بن ابي طالب والزبير وطلحة وسعد بن ابي وقاص قال فلم يكن ذلك قالوا نعم قال ههنا طلحة قالوا نعم قال ههنا سعد بن أبي وقاص قالوا نعم قال انشدكم باسرع من ان جاء عثمان يمشي فقال ههنا على قالوا نعم قال ههنا الزبير بالله الذي لا اله الا هو تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته فاتيت رسول الله قالوا نعم قال أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من يبتاع بئر رومة فابتعتها بكذا وكذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت إني قد ابتعتها يعني بئر رومة قال اجعلها صلى الله عليه و سلم فقلت اني قد ابتعته فقال اجعله في مسجدنا وأجره لك سقاية للمسلمين ولك أجرها قالوا نعم قال انشدكم بالله الذي لا اله الا هو تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة فقال من يجهز هؤلاء غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا قالوا اللهم نعم فقال اللهم اشهد اللهم اشهد ثم انصرف ورواه النسائي من حديث حصين وعنده جاء رجل وعليه ملاءة صفراء
طريق اخرى
قال عبدالله بن احمد حدثني عبدالله بن عمر القواريري حدثنى القاسم بن الحكم بن اوس (7/177)
الانصاري حدثنى ابو عبادة الدرقى الانصاري من اهل الحديبية عن زيد بن اسلم عن ابيه قال شهدت عثمان يوم حصر في موضع الجنائز ولو القى حجر لم يقع الا على راس رجل فرايت عثمان اشرف من الخوخة التي تلى مقام جبريل فقال ايها الناس افيكم طلحة فسكتوا ثم قال ايها الناس افيكم طلحة فسكتوا ثم قال ايها الناس افيكم طلحة فقام طلحة بن عبيدالله فقال له عثمان الا اراك ههنا ما كنت ارى انك تكون في جماعة قوم تسمع نداى الى آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني انشدك الله يا طلحة تذكر يوم كنت وانا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في موضع كذا وكذا ليس معه احد من الصحابة غيرى وغيرك فقال نعم قال فقال لله رسول الله صلى الله عليه و سلم يا طلحة انه ليس من نبي الا ومعه من اصحابه رفيق من امته معه في الجنة وان عثمان بن عفان هذا يعني رفيقي في الجنة فقال طلحة اللهم نعم ثم انصرف لم يخرجوه
طريق اخرى
قال عبدالله بن احمد حدثنا محمد بن ابي بكر المقدسي ثنا محمد بن عبدالله الانصاري حدثنا هلال بن اسحاق عن الجريري عن ثمامة بن جزء القشيري قال شهدت الدار يوم اصيب عثمان فاطلع عليه اطلاعه فقال ادعوا لي صاحبيكم اللذين الباكم عل فدعيا له فقال انشدكما الله تعلمان ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة ضاق المسجد باهله فقال من يشتري هذه البقعة من خالص ماله فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين وانتم تمنعونى ان اصلي فيه ركعتين ثم قال انشدكم الله اتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه الا بئر رومة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من يشتر يها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين وله خير منها في الجنة فاشتريتها من خالص مالي وانتم تمنعوني ان اشرب منها ثم قال هل تعلمون اني صاحب جيش العسرة قالوا اللهم نعم وقد رواه الترمذي عن عبدالله بن عبدالرحمن الدرامي وعباس الدوري وغير واحد اخرجه النسائي عن زياد بن ايوب كلهم عن سعيد بن عامر عن يحيى بن ابي الحجاج المنقري عن ابي مسعود الجريري به وقال الترمذي حسن صحيح طريق اخرى
قال الامام احمد حدثنا عبدالصمد حدثنا القاسم يعنى ابن المفضل حدثنا عمرو بن مرة عن سالم ابن ابي الجعد قال دعا عثمان رجالا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم عمار بن ياسر فقال اني سائلكم واني احب ان تصدقوني نشدتكم الله اتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يؤثر قريش اعلى الناس ويؤثر بنى هاشم على سائر قريش فسكت القوم فقال لو ان بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها (7/178)
بنى امية حتى يدخلوا من عند آخرهم فبعث الى طلحة والزبير فقال عثمان الا احدثكما عنه يعنى عمارا اقبلت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم اخذ بيدي يمشى في البطحاء حتى اتى على ابيه وامه وهم يعذبون فقال ابو عمار يا رسول الله الدهر هكذا فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اصبر ثم قال اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت تفرد به احمد ولم يخرجه احد من اصحاب الكتب
طريق اخرى
قال الامام احمد حدثنا اسحاق بن سليمان سمعت معاوية بن سلم ان سلمة يذكر عن مطرف عن نافع ابن عمر ان عثمان اشرف على اصحابه وهو محصور فقال على لم تقتلونني فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يحمل دم امرىء الا باحدى ثلاث رجل زنى بعد احصانه فعليه الرجم او قتل عمدا فعليه القتل او ارتد بعد اسلامه فعليه القتل فوالله ما زنيت في جاهلية ولا اسلام ولا قتلت احدا فاقيد نفسي منه ولا ارتددت منذ اسلمت اني اشهد ان لا اله الا الله ووان محمدا عبده رسوله ورواه النسائى عن احمد بن الازهر عن اسحاق بن سليمان به
طريق اخرى
قال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن زيد حدثنا يحيى بن سعيد عن ابي امامة ين سهل بن حنيف قال كنت مع عثمان في الدار وهو محصور قال وكنا ندخل مدخلا اذا دخلناه سمعنا كلام من على البلاط قال فدخل عثمان يوما لحاجته فخرج الينا منتقعا لونه فقال انهم ليتواعدوني بالقتل آنفا قال قلنا يكفيكهم الله يا امير المؤمنين قال ولم يقتلونني فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث رجل كفر بعد اسلامه او زنى بعد احصانه او قتل نفسا بغير نفس فوالله ما زنيت في جاهلية ولا اسلام قط ولا تمنيت بدلا بديني منذ هداني الله له ولا قتلت نفسا فبم يقتلونني وقد رواه اهل السنن الاربعة من حديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد حدثنى ابو اسامة زاد النسائي وعبدالله بن عامر بن ربيعة قالا كنا مع عثمان فذكره وقال الترمذي حسن وقد رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد فرفعه طريق اخرى
قال الامام احمد حدثنا قطن حدثنا يونس يعني ابن ابي اسحاق عن ابيه عن ابي سلمة بن عبدالرحمن قال اشرف عثمان من القصر وهو محصور فقال انشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حراء اذا اهتز الجبل فركله بقدمه ثم قال اسكن حراء ليس عليك الا نبي او صديق او شهيد وانا معه فانتشد له الرجال ثم قال انشد بالله من شهد رسول الله يوم بيعة الرضوان اذ بعثنى الى المشركين الى اهل مكة فقال هذه يدي وهذه يد عثمان ووضع يديه احداهما على الاخرى فبايع لي فانتشد له رجال ثم قال (7/179)
قال أنشد بالله من شهد رسول الله قال من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد بنيت له بيتا في الجنة فابتعته من مالي فوسعت به المسجد فانتشد له رجال ثم قال أنشد بالله من شهد رسول الله يوم جيش العسرة قال من ينفق اليوم نفقة متقبلة فجهزت نصف الجيش من مالي فانتشد له رجال ثم قال انشد بالله من شهد رومة يباع ملؤها ابن السبيل فابتعتها من مالي فأبحتها ابن السبيل قال فانتشد له رجال ورواه النسائي عن عمران بن بكار عن حطاب بن عثمان عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن جده أبي إسحاق السبيعي به
وقد ذكر ابن جرير أن عثمان رضي الله عنه لما رأى ما فعل هؤلاء الخوارج من أهل الأمصار من محاصرته في داره ومنعه الخروج إلى المسجد كتب إلى معاوية بالشام وإلى ابن عامر بالبصرة وإلى أهل الكوفة يستنجدهم في بعث جيش يطردون هؤلاء من المدينة فبعث معاوية مسلمة بن ابن حبيب وانتدب يزيد بن أسد القشيري في جيش وبعث أهل الكوفة جيشا وأهل البصرة جيشا فلما سمع اولئك بخروج الجيوش إليهم صمموا في الحصار فما اقترب الجيوش إلى المدينة حتى جاءهم قتل عثمان رضي الله عنه كما سنذكره وذكر ابن جرير أن عثمان استدعى الأشتر النخعي وضعت لعثمان وسادة في كوة من داره فأشرف على الناس فقال له عثمان يا أشتر ماذا يريدون فقال إنهم يريدون منك إما أن تعزل نفسك عن الأمرة وإما أن تفتدي من نفسك من قد ضربته أو جلدته أو حبسته وإما أن يقتلوك وفي رواية أنهم طلبوا منه أن يعزل نوابه عن الأمصار ويولي عليها من يريدون هم وإن لم يعزل نفسه أن يسلم لهم مروان ابن الحكم فيعاقبوه كما زور على عثمان كتابه إلى مصر فخشى عثمان إن سلمه إليهم أن يقتلوه فيكون سببا في قتل امرىء مسلم وما فعل من الأمر ما يستحق بسببه القتل واعتذر عن الاقتصاص مما قالوا بأنه رجل ضعيف البدن كبير السن وأما ما سألوه من خلعه نفسه فأنه لا يفعل ولا ينزع قميصا قمصه الله إياه ويترك أمة محمد يعدو بعضها على بعض ويولي السفهاء من الناس من يختاروه هم فيقع الهرج ويفسد الأمر بسبب ذلك ووقع الأمر كما ظنه فسدت الأمة ووقع الهرج وقال لهم فيما قال وأي شيء إلى من الأمر إن كنت كلما كرهتم أميرا عزلته وكلما رضيتم عنه وليته وقال لهم فيما قال والله لئن قتلتموني لا تتحابوا بعدي ولا تصلوا جميعا ابدا ولا تقاتلوا بعدي عدوا جميعا أبدا وقد صدق رضي الله عنه فيما قال
وقال الأمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن أبي قيس حدثني النعمان بن بشير قال كتب معي عثمان إلى عائشة كتابا فدفعت إليها كتابه فحدثتني أنها سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) يقول لعثمان إن الله لعله يقمصك قميصا فأن أرادك أحد على خلعه فلا تخلعه ثلاث مرات قال النعمان فقلت يا أم المؤمنين فأين كنت عن هذا الحديث فقالت يا بني والله أنسيته وقد رواه الترمذي من حديث الليث عن معاوية بن صالح (7/180)
عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن عامر عن النعمان عن عائشة به ثم قال هذا حديث حسن غريب ورواه ابن ماجه من حديث الفرج بن فضالة عن ربيعة بن يزيد عن النعمان فأسقط عبد الله بن عامر
قال الأمام أحمد حدثنا يحيى بن إسماعيل ثنا قيس عن أبي سهلة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ادعو لي بعض أصحابي قلت أبو بكر قال لا قلت عمر قال لا قلت ابن عمك علي قال لا قالت قلت عثمان قال نعم فلما جاء قال تنحى فجعل يساره ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار وحصر فيها قلنا يا أمير المؤمنين ألا تقاتل قال لا إن رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد إلى عهدا وإني صابر نفسي عليه تفرد به أحمد وقال محمد بن عائد الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن عمرو أنه سمع أبا ثور الفقيمي يقول قدمت على عثمان فبينا أنا عنده فخرجت فإذا بوفد أهل مصر قد رجعوا فدخلت على عثمان فأعلمته قال فكيف رأيتهم فقلت رأيت في وجوههم الشر وعليهم ابن عديس البلوي فصعد ابن عديس منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بهم الجمعة وتنقص عثمان في خطبته فدخلت على عثمان فأخبرته بما قال فيهم فقال كذب والله ابن عديس ولولا ما ذكر ما ذكرت إني رابع أربعة في الأسلام ولقد أنكحني رسول الله صلى الله عليه و سلم ابنته ثم توفيت فأنكحني ابنته الأخرى ولا زنيت ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام ولا تعنيت ولا تمنيت منذ أسلمت ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا أتت على جمعة إلا وأنا أعتق فيها رقبة منذ أسلمت إلا أن لا أجدها في تلك الجمعة فأجمعها في الجمعة الثانية ورواه يعقوب بن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن لهيعة قال لقد أختبأت عند ربي عشرا فذكرهن فصل
كان الحصار مستمرا من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة فلما كان قبل ذلك بيوم قال عثمان للذين عنده في الدار من المهاجرين والأنصار وكانوا قريبا من سبعمائة فيهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين ومروان وأبو هريرة وخلق من مواليه ولو تركهم لمنعوه فقال لهم أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله وعنده من أعيان الصحابة وابنائهم جم غفير وقال لرقيقه من أغمد سيفه فهو حر فبرد القتال من داخل وحمى من خارج واشتد الأمر وكان سبب ذلك أن عثمان رأى في المنام رؤيا دلت على اقتراب أجله فاستسلم لأمر الله رجاء موعوده وشوقا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وليكون خيرا بني آدم حيث (7/181)
قال حين أراد أخوه قتله إني أريد أن تبوء بأثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين وروى أن آخر من خرج من عند عثمان من الدار بعد أن عزم عليهم في الخروج الحسن بن علي وقد خرج وكان أمير الحرب على أهل الدار عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وروى موسى بن عقبة عن سالم أو نافع أن ابن عمر لم يلبس سلاحه بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا يوم الدار ويوم نجرة الحروري قال أبو جعفر الداري عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر أن عثمان رضي الله عنه أصبح يحدث الناس قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقال يا عثمان افطر عندنا فأصبح صائما وقتل من يومه وقال سيف بن عمر عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن رجل قال دخل عليه كثير بن الصلت فقال يا أمير المؤمنين أخرج فاجلس بالفناء فيرى الناس وجهك فأنك إن فعلت ارتدعوا فضحك وقال يا كثير رأيت البارحة وكأني دخلت على نبي الله وعنده أبو بكر وعمر فقال ارجع فانك مفطر عندي غدا ثم قال عثمان ولن تغيب الشمس والله غدا أو كذا وكذا إلا وأنا من أهل الآخرة قال فوضع سعد وابو هرير السلاح وأقبلا حتى دخلا على عثمان وقال موسى بن عقبة حدثني أبو علقمة مولى لعبد الرحمن بن عوف حدثني ابن الصلت قال أغفى عثمان بن عفان في اليوم الذي قتل فيه فاستيقظ فقال لولا أن يقول الناس تمنى عثمان أمنية لحدثتكم قال قلنا أصلحك الله حدثنا فلسنا نقول ما يقول الناس فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في منامي هذا فقال إنك شاهد معنا الجمعة وقال ابن أبي الدنيا حدثنا أبو عبد الرحمن القرشي ثنا خلف بن تميم ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي ثنا عبد الملك بن عمير حدثني كثير بن الصلت قال دخلت على عثمان وهو محصور فقال لي يا كثير ما أراني إلا مقتولا يومي هذا قال قلت ينصرك الله على عدوك يا أمير المؤمنين قال ثم أعاد علي فقلت وقت لك في هذا اليوم شيء أو قيل لك شيء قال لا ولكني سهرت في ليلتي هذا الماضية فلما كان وقت السحر أغفيت إغفاءه فرأيت فيما يرى النائم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبا بكر وعمر ورسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لي يا عثمان الحقنا لا تحبسنا فأنا ننتظرك قال فقتل من يومه ذلك وقال ( 1 ) ابن أبي الدنيا حدثنا إسحاق بن إسماعيل ثنا يزيد بن هارون عن فرج بن فضالة عن مروان بن أبي أمية عن عبد الله بن سلام قال أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور فدخلت عليه فقال مرحبا بأخي رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم الليلة في هذه الخوخة قال وخوخة في البيت فقال يا عثمان حصروك قلت نعم قال عطشوك قلت نعم فأدلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت حتى إني (7/182)
لاجد برده بين ثديي بين كتفي وقال لي إن شئت نصرت عليهم وإن شئت أفطرت عندنا فاخترت أن افطر عنده فقتل ذلك اليوم
وقال محمد بن سعد أناعفان بن مسلم ثنا وهيب ثنا داود عن زياد بن عبد الله عن ام هلال بنت وكيع عن امرأة عثمان قال وأحسبها بنت الفرافصة قالت أغفى عثمان فلما استيقظ قال إن القوم يقتلونني قلت كلا يا أمير المؤمنين قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبا بكر وعمر فقالوا أفطر عندنا الليلة أو إنك مفطر عندنا الليلة وقال الهيثم بن كليب حدثنا عيسى بن أحمد العسقلاني ثنا شبابة ثنا يحيى بن أبي راشد مولى عمر بن حريث عن محمد بن عبد الرحمن الجرشي وعقبة بن أسد عن النعمان بن بشير عن نائلة بنت الفرافصة الكلبية امرأة عثمان قالت لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان فيه قتله صائما فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا عليه وقالوا دونك ذلك الركي وركى في الدار الذي يلقى فيه النتن قالت فلم يفطر فرأيت جارا على أحاجير متواصلة وذلك في السحر فسألتهم الماء العذب فأعطوني كوزا من ماء فأتيته فقلت هذا ماء عذب أتيتك به قالت فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال إني أصبحت صائما قالت فقلت ومن اين أكلت ولم أر احدا أتاك بطعام ولا شراب فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم اطلع على من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال اشرب يا عثمان فشربت حتى رويت ثم قال ازدد فشربت حتى نهلت ثم قال أما أن القوم سينكرون عليك فإن قاتلتهم ظفرت وإن تركتهم أفطرت عندنا قالت فدخلوا عليه من يومه فقتلوه
وقال أبو يعلى الموصلي وعبد الله بن الإمام أحمد حدثني عثمان بن أبي شيبة ثنا يونس بن أبي يعفور العبدي عن أبيه عن مسلم عن أبي سعيد مولى عثمان بن عفان أن عثمان أعتق عشرين مملوكا ودعا بسراويل فشدها ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام وقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام وأبا بكر وعمر وأنهم قالوا لي اصبر فأنك تفطر عندنا القابلة ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه فقتل وهو بين يديه قلت إنما لبس السراويل رضي الله عنه في هذا اليوم لئلا تبدو عورته إذا قتل فأنه كان شديد الحياء كانت تستحي منه ملائكة السماء كما نطق بذلك النبي صلى الله عليه و سلم ووضع بين يديه المصحف يتلو فيه واستسلم لقضاء الله عز و جل وكف يده عن القتال وأمر الناس وعزم عليهم أن لا يقاتلوا دونه ولولا عزيمته عليهم لنصروه من أعدائه ولكن كان أمر الله قدرا مقدرا وقال هشام بن عروة عن أبيه إن عثمان رضي الله عنه أوصى إلى الزبير وقال الأصمعي عن العلاء بن الفضل عن أبيه قال لما قتل عثمان فتشوا خزانته فوجدوا فيها صندوقا مقفلا ففتحوه (7/183)
فوجدوا فيه حقة فيها ورقة مكتوب فيها هذه وصية عثمان بسم الله الرحمن الرحيم عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد عليها يحيى وعليها يموت وعليها يبعث إن شاء الله تعالى
وروى ابن عساكر أن عثمان رضي الله عنه قال يوم دخلوا عليه فقتلوه ... أرى الموت لا يبقى عزيزا ولم يدع ... لعاذ ملاذا في البلاد ومرتعا ...
وقال أيضا ... يبيت أهل الحصن والحصن مغلق ... ويأتي الجبال الموت في شماريخها العلا ... صفة قتله رضي الله عنه
وقال خليفة بن خياط حدثنا ابن علية ثا ابن عوف عن الحسن قال أنبأني رباب قال بعثني عثمان فدعوت له الأشتر فقال ما يريد الناس قال ثلاث ليس من إحداهن بد قال ما هن قال يخبرونك بين أن تخلع لهم أمرهم فتقول هذا أمركم فاختاروا من شئتم وبين أن تقتص من نفسك فأن أبيت فأن القوم قاتلوك فقال أما أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله وأما أن اقتص لهم من نفسي فوالله لئن قتلتموني لا تحابون بعدي ولا تصلون بعدي جميعا ولا تقاتلون بعدي جميعا عدوا أبدا قال وجاء رويجل كأنه ذئب فاطلع من باب ورجع وجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلا فأخذ بلحيته فعال بها حتى سمعت وقع أضراسه فقال ما أغنى عنك معاوية وما أغنى عنك ابن عامر وما أغنت عنك كتبك قال اسل لحيتي يا ابن أخي قال فأنا رأيته استعدي رجلا من القوم بعينه يعين أشار إليه فقام إليه بمشقص فوجى به رأسه قلت ثم مه قال ثم تعاوروا عليه حتى قتلوه
قال سيف بن عمر التميمي رحمه الله عن العيص بن القاسم عن رجل عن خنساء مولاة أسامة بن زيد وكانت تكون مع نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان أنها كانت في الدار ودخل محمد بن أبي بكر وأخذ بلحيته وأهوى بمشاقص معه فبحأ بها في حلقه فقال مهلا يا ابن أخي فوالله لقد أخذت مأخذا ما كان أبوك ليأخذ به فتركه وانصرف مستحييا نادما فاستقبله القوم على باب الصفة فردهم طويلا حتى غلبوه فدخلوا وخرج محمد راجعا فأتاه رجل بيده جريدة يقدمهم حتى قام على عثمان فضرب بها رأسه فشجه فقطر دمه على المصحف حتى لطخه ثم تعاوروا عليه فأتاه رجل فضربه على الثدي بالسيف ووثبت نائلة بنت الفرافصة الكلبية فصاحت وألقت نفسها عليه وقالت (7/184)
يا بنت شيبة أيقتل أمير المؤمنين وأخذت السيف فقطع الرجل يدها وانتهبوا متاع ( 1 ) الدار ومر رجل على عثمان ورأسه مع المصحف فضرب رأسه برجله ونحاه عن المصحف وقال ما رأيت كاليوم وجه كافر أحسن ولا مضجع كافر أكرم قال والله ما تركوا في داره شيئا حتى الأقداح إلا ذهبوا به
وروى الحافظ ابن عساكر أن عثمان لما عزم على أهل الدار في الأنصراف ولم يبق عنده سوى أهله تسوروا عليه الدار وأحرقوا الباب ودخلوا عليه وليس فيهم أحد من الصحابة ولا ابنائهم إلا محمد بن أبي بكر وسبقه بعضهم فضربوه حتى غشى عليه وصاح النسوة فانزعروا وخرجوا ودخل محمد بن أبي بكر وهو يظن أنه قد قتل فلما رآه قد أفاق قال على أي دين أنت يا نعثل قال على دين الإسلام ولست بنعثل ولكني أمير المؤمنين فقال غيرت كتاب الله فقال كتاب الله بيني وبينكم فتقدم إليه وأخذ بلحيته وقال إنا لا يقبل منا يوم القيامة أن نقول ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا وشطحه بيده من البيت إلى باب الدار وهو يقول يا ابن أخي ما كان أبوك ليأخذ بلحيتي وجاء رجل من كندة من أهل مصر يلقب حمارا ويكنى بأبي رومان وقال قتادة أسمه رومان وقال غيره كان أزرق أشقر وقيل كان أسمه سودان بن رومان المرادي وعن ابن عمر قال كان اسم الذي قتل عثمان أسود بن حمران ضربه بحربة وبيده السيف صلتا قال ثم جاء فضربه به في صدره حتى أقعصه ثم وضع ذباب السيف في بطنه واتكى عليه وتحامل حتى قتله وقامت نائلة دونه فقطع السيف أصابعها رضي الله عنها ويروى أن محمد بن أبي بكر طعنه بمشاقص في أذنه حتى دخلت حلقه والصحيح أن الذي فعل ذلك غيره وأنه استحى ورجع حين قال له عثمان لقد أخذت بلحية كان أبوك يكرمها فتذمم من ذلك وغطى وجهه ورجع وحاجز دونه فلم يفد وكان أمر الله قدرا مقدورا وكان ذلك في الكتاب مسطورا
وروى ابن عساكر عن ابن عون أن كنانة بن بشر ضرب جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فخر لجنبيه وضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خر لجنبه فقتله وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال أما ثلاث منهن فلله وست لما كان في صدري عليه
وقال الطبراني حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي وإسحاق بن داود الصواف التستري قالا ثنا محمد بن خالد بن خداش ثنا مسلم بن قتيبة ثنا مبارك عن الحسن قال حدثني سياف عثمان أن رجلا من الأنصار دخل على عثمان فقال ارجع يا ابن أخي فلست بقاتلي قال وكيف (7/185)
علمت ذلك قال لأنه أتى بك النبي صلى الله عليه و سلم يوم سابعك فحنكك ودعا لك بالبركة ثم دخل عليه رجل آخر من الأنصار فقال له مثل ذلك سواء ثم دخل محمد بن أبي بكر فقال أنت قاتلي قال وما يدريك يا نعثل قال لأنه أتى بك رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم سابعك ليحنكك ويدعو لك بالبركة فحربت على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فوثب على صدره وقبض على لحيته ووجأه بمشاقص كانت في يده هذا حديث غريب جدا وفيه نكارة وثبت من غير وجه أن أول قطرة من دمه سقطت على قوله تعالى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ويروى أنه كان قد وصل إليها في التلاوة ايضا حين دخلوا عليه وليس ببعيد فأنه كان قد وضع المصحف يقرأ فيه القرآن
وروى ابن عساكر أنه لما طعن قال بسم الله توكلت على الله فلما قطر الدم قال سبحان الله العظيم وقد ذكر ابن جرير في تاريخه بأسانيده أن المصريين لما وجدوا ذلك الكتاب مع البريد إلى أمير مصر فيه الأمر بقتل بعضهم وصلب بعضهم وبقطع أيدي بعضهم وأرجلهم وكان قد كتبه مروان بن الحكم على لسان عثمان متأولا قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من لأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم وعنده أن هؤلاء الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه من جملة المفسدين في الأرض ولا شك أنهم كذلك لكن لم يكن له أن يفتات على عثمان ويكتب على لسانه بغير علمه ويزور على خطه وخاتمه ويبعث غلامه على بعير بعد ما وقع الصلح بين عثمان وبين المصريين على تأمير محمد بن أبي بكر على مصر بخلاف ذلك كله ولهذا لما وجدوا هذا الكتاب على خلاف ما وقع الاتفاق عليه وظنوا أنه من عثمان أعظموا ذلك مع ما هم مشتملون عليه من الشر فرجعوا إلى المدينة فطافوا به على رؤس الصحابة وأعانهم على ذلك قوم آخرون حتى ظن بعض الصحابة أن هذا عن أمر عثمان رضي الله عنه فلما قيل لعثمان رضي الله عنه في أمر هذا الكتاب بحضرة جماعة من أعيان الصحابة وجمهور المصريين حلف بالله العظيم وهو الصادق البار الراشد أنه لم يكتب هذا الكتاب ولا أملاه على من كتبه ولا علم به فقالوا له فإن عليه خاتمك فقال إن الرجل قد يزور علىخطه وخاتمه قالوا فأنه مع غلامك وعلى جملك فقال والله لم أشعر بشيء من ذلك فقالوا له بعد كل مقالة إن كنت قد كتبته فقد خنت وإن لم تكن قد كتبته بل كتب على لسانك وأنت لا تعلم فقد عجزت ومثلك لا يصلح للخلافة إما لخيانتك وإما لعجزك وهذا الذي قالوا باطل على كل تقدير فإنه لو فرض أنه كتب الكتاب وهو لم يكتبه في نفس الأمر لا يضره ذلك لأنه قد يكون رآى ذلك مصلحة للأمة في إزالة شوكة هؤلاء البغاة الخارجين على الإمام وأما إذا لم يكن قد علم به فأي (7/186)
عجز ينسب إليه إذا لم يكن قد اطلع عليه وزور على لسانه وليس هو بمعصوم بل الخطأ والغفلة جائزان عليه رضي الله عنه وإنما هؤلاء الجهلة البغاة متعنتون خونة ظلمة مفترون ولهذا صمموا بعد هذا على حصره والتضييق عليه حتى منعوه الميرة والماء والخروج إلى المسجد وتهددوه بالقتل ولهذا خاطبهم بما خاطبهم به من توسعة المسجد وهو أول من منع منه ومن وقفه بئر رومة على المسلمين وهو أول من منع ماءها ومن أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا باحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة وذكر أنه لم يقتل نفسا ولا ارتد بعد إيمانه ولا زنى في جاهلية ولا إسلام بل ولا مس فرجه بيمينه بعد أن بايع بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي رواية بعد أن كتب بها المفصل ثم ذكر لهم من فضائله ومناقبه ما لعله ينجع فيهم بالكف عنه والرجوع إلى الطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر منهم فأبوا إلا الاستمرار على ما هم عليه من البغي والعدوان ومنعوا الناس من الدخول إليه والخروج من عنده حتى اشتد عليه الحال وضاق المجال ونفذ ما عنده من الماء فاستغاث بالمسلمين في ذلك فركب علي بنفسه وحمل معه قربا من الماء فبالجهد حتى أوصلها إليه بعد ما ناله من جهله اولئك كلام غليظ وتنفير لدابته وإخراق عظيم بليغ وكان قد زجرهم أتم الزجر حتى قال لهم فيما قال والله إن فارس والروم لا يفعلون كفعلكم هذا بهذا الرجل والله إنهم ليأسرون فيطعمون ويسقون فأبوا أن يقبلوا منه حتى رمى بعمامته في وسط الدار وجاءت أم حبيبة راكبة بغلة وحولها حشمها وخدمها فقالوا ما جاء بك فقالت إن عنده وصايا بني أمية لأيتام وأرامل فأحببت أن أذكره بها فكذبوها في ذلك ونالها منهم شدة عظيمة وقطعوا حزام البغلة وندت بها وكادت أو سقطت عنها وكادت تقتل لولا تلاحق بها الناس فأمسكوا بدابتها ووقع أمر كبير جدا ولم يبق يحصل لعثمان وأهله من الماء إلا ما يوصله إليهم آل عمرو بن حزم في الخفية ليلا فإنا لله وإنا إليه راجعون
ولما وقع هذا أعظمه الناس جدا ولزم أكثر الناس بيوتهم وجاء وقت الحج فخرجت أم المؤمنين عائشة في هذه السنة إلى الحج فقيل لها إنك لو أقمت كان أصلح لعل هؤلاء القوم يهابونك فقالت إني أخشى أن أشير عليهم برأى فينالني منهم من الأذية ما نال أم حبيبة فعزمت على الخروج واستخلف عثمان رضي الله عنه في هذه السنة على الحج عبد الله بن عباس فقال له عبد الله ابن عباس إن مقامي على بابك أحاجف عنك أفضل من الحج فعزم عليه فخرج بالناس إلى الحج واستمر الحصار بالدار حتى مضت أيام التشريق ورجع اليسير من الحج فأخبر بسلامة الناس وأخبر اولئك بأن أهل الموسم عازمون على الرجوع إلى المدينة ليكفوكم عن أمير المؤمنين وبلغتهم (7/187)
ايضا أن معاوية قد بعث جيشا مع حبيب بن مسلمة وأن عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد نفذ آخر مع معاوية بن خديج وأن اهل الكوفة قد بعثوا القعقاع بن عمرو في جيش وأن أهل البصرة بعثوا مجاشعا في جيش فعند ذلك صمموا على امرهم وبالغوا فيه وانتهزوا الفرصة بقلة الناس وغيبتهم في الحج وأحاطوا بالدار وجدوا في الحصار وأحرقوا الباب وتسوروا من الدار المتاخمة للدار كدار عمرو بن حزم وغيرها وحاجف الناس عن عثمان أشد المحاجفة واقتتلوا على الباب قتالا شديدا وتبارزوا وتراجزوا بالشعر في مبارزتهم وجعل أبو هريرة يقول هذا يوم طاب في الضراب فيه وقتل طائفة من أهل الدار وآخرين من اولئك الفجار وجرح عبد الله بن الزبير جراحات كثيرة وكذلك جرح الحسن بن علي ومروان ابن الحكم فقطع إحدى علباويه فعاش أوقص حتى مات ومن أعيان من قتل من أصحاب عثمان زياد بن نعيم الفهري والمغيرة بن الأخنس بن شريق ونيار بن عبد الله الأسلمي في أناس وقت المعركة ويقال إنه انهزم أصحاب عثمان ثم رجعوا ولما رأى عثمان ذلك عزم على الناس لينصرفوا إلى بيوتهم فانصرفوا كما تقدم فلم يبق عنده أحد سوى أهله فدخلوا عليه من الباب ومن الجدران وفزع عثمان إلى الصلاة وافتتح سورة طه وكان سريع القراءة فقرأها والناس في غلبة عظيمة قد احترق الباب والسقيفة التي عنده وخافوا أن يصل الحريق إلى بيت المال ثم فرغ عثمان من صلاته وجلس وبين يديه المصحف وجعل يتلو هذه الآية الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فكان أول من دخل عليه رجل يقال له الموت الأسود فخنقه خنقا شديدا حتى غشى عليه وجعلت نفسه تتردد في حلقه فتركه وهو يظن أنه قد قتله وخل ابن أبي بكر فمسك بلحيته ثم ند وخرج ثم دخل عليه آخر ومعه سيف فضربه به فاتقاه بيده فقطعها فقيل إنه أبانها وقيل بل قطعها ولم يبنها إلا أن عثمان قال والله إنها أول يد كتبت المفصل فكان أول قطرة دم منها سقطت على هذه الآية فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ثم جاء آخر شاهرا سيفه فاستقبلته نائلة بنت الفرافصة لتمنعه منه وأخذت السيف فانتزعه منها فقطع أصابعها ثم إنه تقدم إليه فوضع السيف في بطنه فتحامل عليه رضي الله عن عثمان وفي رواية أن الغافقي بن حرب تقدم إليه بعد محمد بن أبي بكر فضربه بحديدة في فيه ورفس المصحف الذي بين يديه برجله فاستدار المصحف ثم استقر بين يدي عثمان رضي الله عنه وسالت عليه الدماء ثم تقدم سودان بن حمران بالسيف فما نعته نائلة فقطع أصابعها فولت فضرب عجيزتها بيده وقال إنها لكبيرة العجيزة وضرب عثمان فقتله فجاء غلام عثمان فضرب سودان فقتله فضرب الغلام رجل يقال له قترة فقتله
وذكر ابن جرير أنهم أرادوا حز رأسه بعد قتله فصاح النساء وضربن وجوههن فيهن أمرأتاه (7/188)
نائلة وأم البنين وبناته فقال ابن عديس اتركوه فتركوه ثم مال هؤلاء الفجرة على ما في البيت فنهبوه وذلك أنه نادى مناد منهم أيحل لنادمه ولا يحل لنا ماله فانتهبوه ثم خرجوا فأغلقوا الباب على عثمان وفسيلين معه فلما خرجوا إلى صحن الدار وثب غلام لعثمان على قترة فقتله وجعلوا لا يمرون على شيء إلا أخذوه حتى استلب رجل يقال له كلثوم التجيبي ملاءة نائلة فضربه غلام لعثمان فقتله وقتل الغلام ايضا ثم تنادى القوم أن أدركوا بيت المال لا تستبقوا إليه فسمعهم حفظه بيت المال فقالوا يا قوم النجا النجا فإن هؤلاء القوم لم يصدقوا فيما قالوا من أن قصدهم قيام الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك مما ادعوا أنهم إنما قاموا لأجله وكذبوا إنما قصدهم الدنيا فانهزموا وجاء الخوارج فاخذوا مال بيت المال وكان فيه شيء كثير جدا فضل
ولما وقع هذا الأمر العظيم الفضيع الشنيع أسقط في أيدي الناس فأعظموه جدا وندم أكثر هؤلاء الجهلة الخوارج بما صنعوا وأشبهوا تقدمهم ممن قص الله علينا خبرهم في كتابة العزيز من الذين عبدوا العجل في قوله تعالى ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين
ولما بلغ الزبير مقتل عثمان وكان قد خرج من المدينة قال إنا لله وإنا إليه راجعون ثم ترحم على عثمان وبلغه أن الذين قتلوه ندموا فقال تبا لهم ثم تلا قوله تعالى ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون وبلغ عليا قتله فترحم عليه وسمع بندم الذين قتلوه فتلا قوله تعالى كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ولما بلغ سعد بن أبي وقاص قتل عثمان استغفر له وترحم عليه وتلا في حق الذين قتلوه قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ثم قال سعد اللهم اندمهم ثم خذهم وقد أقسم بعض السلف بالله إنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولا رواه ابن جرير
وهكذا ينبغي أن يكون لوجوه منها دعوة سعد المستجابة كما ثبت في الحديث الصحيح وقال بعضهم ما مات أحد منهم حتى جن وقال الواقدي حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث قال الذي قتل عثمان كنانة بن بشر بن عتاب النجيبي وكانت امرأة منظور بن سيار الفزاري تقول خرجنا إلى الحج وما علمنا لعثمان بقتل حتى إذا كنا بالمرج سمعنا رجلا يغني تحت الليل (7/189)
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة ... قتيل النجيبي الذي جاء من مصر ...
ولما رجع الحج وجدوا عثمان رضي الله عنه قد قتل وبايع الناس على بن أبي طالب رضي الله عنه ولما بلغ أمهات المؤمنين في أثناء الطريق أن عثمان قد قتل رجعن إلى مكة فأقمن بها نحوا من أربعة أشهر كما سيأتي فصل
كانت مدة حصار عثمان رضي الله عنه في داره اربعين يوما على المشهور وقيل كانت بضعا وأربعين يوما وقال الشعبي كانت ثنتين وعشرين ليلة ثم كان قتله رضي الله عنه في يوم الجمعة بلا خلاف قال سيف بن عمر عن مشايخه في آخر ساعة منها ونص عليه مصعب بن الزبير وآخرون وقال آخرون ضحوة نهارها وهذا أشبه وكان ذلك لثماني عشر ليلة خلت من ذي الحجة على المشهور وقيل في أيام التشريق ورواه ابن جرير حدثني أحمد بن زهير ثنا أبو خيثمة ثنا وهب بن جرير سمعت يونس عن يزيد عن الزهري قال قتل عثمان فزعم بعض الناس أنه قتل في أيام التشريق وقال بعضهم قتل يوم الجمعة لثلاث خلت من ذي الحجة وقيل قتل يوم النحر حكاه ابن عساكر ويستشهد له بقول الشاعر ... ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا ...
قال والأول هو الأشهر وقيل إنه قتل يوم الجمعة لثماني عشرة حلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين على الصحيح المشهور وقيل سنة ست وثلاثين قال مصعب بن الزبير وطائفة وهو غريب فكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا اثنى عشر يوما لأنه بويع له في مستهل المحرم سنة أربع وعشرين فأما عمره رضي الله عنه فإنه جاوز ثنتين وثمانين سنة وقال صالح بن كيسان توفي عن ثنتين وثمانين سنة وأشهر وقيل أربع وثمانون سنة وقال قتادة توفي عن ثمان وثمانين أو تسعين سنة وفي رواية عنه توفي عن ست وثمانين سنة وعن هشام بن الكلبي توفي عن خمس وسبعين سنة وهذا غريب جدا وأغرب منه ما رواه سيف بن عمر عن مشايخه وهم محمد وطلحة وأبو عثمان وأبو حارثة أنهم قالوا قتل عثمان رضي الله عنه عن ثلاث وستين سنة
وأما موضع قبره فلا خلاف أنه دفن بحش كوكب شرقي البقيع وقد بنى عليه زمان بني أمية قبة عظيمة وهي باقية إلى اليوم قال الإمام مالك رضي الله عنه بلغني أن عثمان رضي الله عنه كان يمر بمكان قبره من حش كوكب فيقول إنه سيدفن ههنا رجل صالح
وقد ذكر ابن جرير أن عثمان رضي الله عنه بقي بعد أن قتل ثلاثة أيام لا يدفن قلت وكأنه (7/190)
اشتغل الناس عنه بمبايعة علي رضي الله عنه حتى تمت وقيل إنه مكث ليلتين وقيل بل دفن من ليلته ثم كان دفنه ما بين المغرب والعشاء خيفة من الخوارج وقيل بل استؤذن في ذلك بعض رؤسائهم فخرجوا به في نفر قليل من الصحابة فيهم حكيم بن حزام وحويطب بن عبد العزي وأبو الجهم بن حذيفة ونيار بن مكرم الأسلمي وجبير بن مطعم وزيد بن ثابت وكعب بن مالك وطلحة والزبير وعلي بن أبي طالب وجماعة من أصحابه ونسائه منهن امرأتاه نائلة وأم البنين بنت عتبة بن حصين وصبيان وهذا مجموع من كلام الواقدي وسيف بن عمر التميمي وجماعة من خدمه حملوه على باب بعد ما غسلوه وكفنوه وزعم بعضهم أنه لم يغسل ولم يكفن والصحيح الأول وصلى عليه جبير بن مطعم وقيل الزبير بن العوام وقيل حكيم بن حزام وقيل مروان ابن الحكم وقيل المسور بن مخرمة وقد عارضه بعض الخوارج وأرادوا رجمه وإلقاءه عن سريره وعزموا على أن يدفن بمقبرة اليهود بدير سلع حتى بعث علي رضي الله عنه إليهم من نهاهم عن ذلك وحمل جنازته حكيم بن حزام وقيل مروان بن الحكم وقيل المسور بن مخرمة وأبو جهم بن حذيفة ونيار بن مكرم وجبير بن مطعم وذكر الواقدي أنه لما وضع ليصلي عليه عند مصلى الجنائز أراد بعض الأنصار أن يمنعهم من ذلك فقال أبو جهم بن حذيفة ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته ثم قالوا لا يدفن في البقيع ولكن ادفنوه وراء الحائط فدفنوه شقري البقيع تحت نخلات هناك
وذكر الواقدي أن عمير بن ضابي نزل على سريره وهو موضوع للصلاة عليه فكسر ضلعا من أضلاعه وقال أحبست ضابيا حتى مات في السجن وقد قتل الحجاج فيما بعد عمير بن ضابي هذا وقال البخاري في التاريخ حدثنا موسى بن إسماعيل عن عيسى بن منهال ثنا غالب عن محمد بن سيرين قال كنت أطوف بالكعبة وإذا رجل يقول اللهم اغفر لي وما أظن أن تغفر لي فقلت يا عبد الله ما سمعت أحدا يقول ما تقول قال كنت أعطيت لله عهدا إن قدرت أن الطم وجه عثمان إلا لطمته فلما قتل وضع علي سريره في البيت والناس يجيئون يصلون عليه فدخلت كأني أصلي عليه فوجدت خلوة فرفعت الثوب عن وجهه ولحيته ولطمته وقد يبست يميني قال بان سيرين فرأيتها يابسة كأنها عود ثم أخرجوا بعبدي عثمان اللذين قتلا في الدار وهما صبيح ونجيح رضي الله عنهما فدفنا إلى جانبه بحش كوكب وقيل إن الخوارج لم يمكنوا من دفنهما بل جروهما بأرجلهما حتى ألقوهما بالبلاط فأكلتهما الكلاب وقد اعتنى معاوية في أيام إمارته بقبر عثمان ورفع الجدار بينه وبين البقيع وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله حتى اتصلت بمقابر المسلمين (7/191)
ذكر صفته رضي الله عنه
كان رضي الله عنه حسن الوجه دقيق البشرة كبير اللحية معتدل القامة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين كثير شعر الرأس حسن الثغر فيه سمرة وقيل كان في وجهه شيء من آثار الجدرى رضي الله عنه وعن الزهري كان حسن الوجه والثغر مربوعا أصلع أزوح الرجلين يخضب بالصفرة وكان قد شد أسنانه بالذهب وقد كسى ذراعيه الشعر
وقال الواقدي حدثنا ابن أبي سبرة عن سعيد بن أبي زيد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة قال كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم ومائة ألف دينار فانتهبت وذهبت وترك ألف بعير بالربذة وترك صدقات كان تصدق بها بئر أريس وخيبر ووادي القرى فيه مائتا ألف دينار وبئر رومة كان اشتراها في حياة النبي صلى الله عليه و سلم وسبلها ( 1 ) فصل
قال الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة أنه قال أول الفتن قتل عثمان وآخر الفتن الدجال وروى الحافظ بن عساكر من طريق شبابه عن حفص بن مورق الباهلي عن حجاج بن أبي عمار الصواف عن زيد بن وهب عن حذيفة قال أول الفتن قتل عثمان وآخر الفتن خروج الدجال والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه وإن لم يدركه آمن به في قبره وقال أبو بكر بن أبي الدنيا وغيره أنا محمد بن سعد أنا عمرو بن عاصم الكلابي ثنا أبو الأشهب حدثني عوف عن محمد بن سيرين أن حذيفة بن اليمان قال اللهم إن كان قتل عثمان بن عفان خيرا فليس لي فيه نصيب وإن كان قتله شرا فأنا منه برىء والله لئن كان قتله خيرا ليحلبنه لبنا وإن كان قتله شرا ليمتص به دما وقد ذكره البخاري في صحيحه
طريق أخرى عنه
قال محمد بن عائذ ذكر محمد بن حمزة حدثني أبو عبد الله الحراني أن حذيفة بن اليمان في مرضه الذي هلك فيه كان عنده رجل من إخوانه وهو يناجي امرأته ففتح عينيه فسألهما فقالا خيرا فقال شيئا تسرأنه دوني ما هو بخير قال قتل الرجل يعني عثمان قال فاسترجع ثم قال اللهم أني كنت من هذا الأمر بمعزل فان كان خيرا فهو لمن حضره وأنا منه برىء وإن كان شرا فهو لمن حضره وأنا منه برىء اليوم تغيرت القلوب يا عثمان الحمد لله الذي سبق بي الفتن قادتها وعلوجها الخطى من تردي بغيره فشبع شحما وقبل عمله وقال الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن (7/192)
علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي موسى الأشعري قال لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبنا ولكنه كان ضلالا فاحتلبت به الأمة دما وهذا منقطع وقال محمد بن سعد أنا حازم بن الفضل أنا الصعق بن حزن ثنا قتادة عن زهدم الجرمي قال خطب ابن عباس فقال لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء وقد روى من غير هذا الوجه عنه وقال الأعمش وغيره عن ثابت بن عبيد عن أبي جعفر الأنصاري قال لما قتل عثمان جئت عليا وهو جالس في المسجد وعليه عمامة سوداء فقلت له قتل عثمان فقال تبا لهم آخرالدهر وفي رواية خيبة لهم وقال أبو القاسم البغوي أنبأنا على بن الجعد أنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن ابن أبي ليلى قال سمعت عليا وهو بباب المسجد أو عند أحجار الزيت رافعا صوته يقول اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان وقال أبو هلال عن قتادة عن الحسن قال قتل عثمان وعلي غائب في ارض له فلما بلغه قال اللهم إني لم أرض ولم أمالىء وروى الربيع بن بدر عن سيار بن سلامة عن أبي العالية أن عليا دخل على عثمان فوقع عليه وجعل يبكي حتى ظنوا أنه سيلحق به وقال الثوري وغيره عن ليث عن طاووس عن ابن عباس قال قال علي يوم قتل عثمان والله ما قتلت ولا أمرت ولكني غلبت ورواه غير ليث عن طاووس عن ابن عباس عن علي نحوه وقال حبيب بن أبي العالية عن مجاهد عن ابن عباس قال قال علي إن شاء الناس حلفت لهم عند مقام إبراهيم بالله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله ولقد نهيتهم فعصوني وقد روي من غير وجه عن علي بنحوه وقال محمد بن يونس الكديمي ثنا هارون بن إسماعيل ثنا قره بن خالد عن الحسن عن قيس بن عباد قال سمعت عليا يوم الجمل يقول اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة فقلت والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأستحيي ممن تستحي منه الملائكة وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل في الأرض لم يدفن بعد فانصرفوا فلما دفن رجع الناس يسألوني البيعة فقلت اللهم إني أشفق مما أقدم عليه ثم جاءت عزمه فبايعت فلما قالوا أمير المؤمنين كان صدع قلبي وأسكت نفرة من ذلك وقد اعتنى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر بجمع الطرق الواردة عن علي أنه تبرأ من دم عثمان وكان يقسم على ذلك في خطبه وغيرها أنه لم يقتله ولا أمر بقتله ولا مالا ولا رضى به ولقد نهى عنه فلم يسمعوا منه ثبت ذلك عنه من طرق تفيد القطع عند كثير من ائمة الحديث ولله الحمد والمنة وثبت عنه ايضا من غير وجه أنه قال إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى فيهم ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين وثبت عنه أيضا من غير وجه أنه قال كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وفي رواية (7/193)
أنه قال كان عثمان رضي الله عنه خيرنا وأوصلنا للرحم وأشدنا حياء وأحسننا طهورا وأتقانا للرب عز و جل وروى يعقوب بن سفيان عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن مجالد عن عمير ابن رودي كذا أبي كثير قال خطب على فقطع الخوارج عليه خطبته فنزل فقال إن مثلي ومثل عثمان كمثل أثوار ثلاثة أحمر وأبيض وأسود ومعهم في أجمة أسد فكان كلما أراد قتل أحدهم منعه الآخران فقال للأسود والأحمر إن هذا الأبيض قد فضحنا في هذه الأجمة فخليا عنه حتى آكله فخليا عنه فأكله ثم كان كلما أراد أحدهما منعه الآخر فقال للأحمر إن هذا الأسود قد فضحنا في هذه الأجمة وإن لوني على لونك فلو خليت عنه أكلته فخلى عنه الأحمر فأكله ثم قال للأحمر إني آكلك فقال دعني حتى أصيح ثلاث صيحات فقال دونك فقال ألا أني انما أكلت يوم أكل البيض ثلاثا فلو أني نصرته لما أكلت ثم قال علي وإنما أنا وهنت يوم قتل عثمان ولو أني نصرته لما وهنت قالها ثلاثا وروى ابن عساكر من طريق محمد بن هارون الحضرمي عن سويد بن عبد الله القشيري القاضي عن ابن مهدي عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال كانت المرأة تجيء في زمان عثمان إلى بيت المال فتحمل وقرها وتقول اللهم بدل اللهم غير فقال حسان بن ثابت حين قتل عثمان رضي الله عنه ... قلتم بدل فقد بدلكم ... سنة حرى وحربا كاللهب ... ما نقتم من ثياب خلفة ... وعبيد وإماء وذهب ...
قال وقال أبو حميد أخو بني ساعدة وكان ممن شهد بدرا وكان ممن جانب عثمان فلما قتل قال والله ما أردنا قتله ولا كنا نرى أن يبلغ منه القتل اللهم إن لك على أن لا أفعل كذا وكذا ولا أضحك حتى ألقاك وقال محمد بن سعد أنا عبد الله بن إدريس أنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال لقد رأيتني وأن عمر موثقى وأخته على الأسلام ولو أرفض أحد فيما صنعتم بابن عفان لكان حقيقا وهكذا رواه البخاري في صحيحه وروى محمد بن عائذ عن إسماعيل بن عباس عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير قال سمع عبد الله بن سلام رجلا يقول لآخر قتل عثمان بن عفان فلم ينتطح فيه عنزان فقال ابن سلام أجل إن البقر والمعز لا تنتطح في قتل الخليفة ولكن ينتطح فيه الرجال بالسلاح والله لنقتلن به أقوام إنهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد وقال ليث عن طاووس قال قال ابن سلام يحكم عثمان يوم القيامة في القاتل والخاذل وقال أبو عبد الله المحاملي ثنا أبو الأشعث ثنا حزم بن أبي حزم سمعت أبا الأسود يقول سمعت أبا بكرة يقول لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أشرك في قتل عثمان وقال أبو يعلى ثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ثنا محمد بن عباد الهباني ثنا البراء (7/194)
ابن أبي فضال ثنا الحضرمي عن أبي مريم رضيع الجارود قال كنت بالكوفة فقام الحسن بن علي خطيبا فقال أيها الناس رأيت البارحة في منامي عجبا رأيت الرب تبارك وتعالى فوق عرشه فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قام عند قائمة من قوائم العرش فجاء أبو بكر فوضع يده على منكب النبي صلى الله عليه و سلم ثم جاء عمر فوضع يده على منكب أبي بكر ثم جاء عثمان فكان بيده يعني رأسه فقال رب سل عبادك فيم قتلوني فانبعث من السماء ميزابان من دم في الأرض قال فقيل لعلي ألا ترى ما يحدث به الحسن فقال حدث بما رأى ورواه أبو يعلى أيضا عن سفيان بن وكيع عن جميع بن عمير عن عبد الرحمن بن مجالد عن حرب العجلي سمعت الحسن بن علي يقول ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رأيتها رأيت العرش ورأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم متعلق بالعرش ورأيت أبا بكر واضعا يده على منكب رسول الله وكان عمر واضعا يده على منكب أبي بكر ورأيت عثمان واضعا يده على منكب عمر ورأيت دما دونهم فقتلت ما هذا فقيل دم عثمان يطلب الله به وقال مسلم بن إبراهيم ثنا سلام بن مسكين عن وهب بن شبيب عن زيد بن صوحان أنه قال يوم قتل عثمان نفرت القلوب منافرها والذي نفسي بيده لا تتألف إلى يوم القيامة وقال محمد بن سيرين قالت عائشة مصصتموه مص الأناء ثم قتلتموه وقال خليفة بن خياط ثنا أبو قتيبة ثنا يونس بن إبي إسحاق عن عون بن عبد الله ابن عتبة قال قالت عائشة غضبت لكم من السوط ولا أغضب لعثمان من السيف استعتبتموه حتى إذا تركتموه كالعقب المصفى قتلتموه وقال أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن مسروق قال قالت عائشة حين قتل عثمان تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه وفي رواية ثم قربتموه ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش فقال لها مسروق هذا عملك أنت كتبت إلى الناس تأمربهم أن يخرجوا إليه فقالت لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا قال الأعمش فكانوا يرون أنه كتب على لسانها وهذا إسناد صحيح إليها وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاء الخوارج قبحهم الله وزوروا كتبا على لسان الصحابة إلى الآفاق يحرضونهم على قتال عثمان كما قدمنا بيانه ولله الحمد والمنة
وقال أبو داود الطيالسي حدثنا حزم القطعي ثنا أبو الأسود بن سوادة أخبرني طلق بن حسان قال قال قتل عثمان فتفرقنا في أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم نسألهم عن قتله فسمعت عائشة تقول قتل مظلوما لعن الله قتلته وروى محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابيه عن ثمامة عن أنس قال قالت أم سليم لما سمعت بقتل عثمان رحمه الله أما إنه لم يحلبوا بعده إلا دما
وأما كلام أئمة التابعين في هذا الفصل فكثير جدا يطول ذكرنا له فمن ذلك قول أبي مسلم الخولاني حين رأى الوفد الذين قدموا من قتله انكم مثلهم أو أعظم جرما ... أما مررتم ببلاد ثمود ... قالوا نعم قال فأشهد (7/195)
انكم مثلهم لخليفة الله أكرم عليه من ناقته وقال ابن علية عن يونس بن عبدي عن الحسن قال لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبنا ولكنه كان ضلالا فاحتلبت به الأمة دما وقال أبو جعفر الباقر كان قتل عثمان على غير وجه الحق
وهذا ذكر بعض ما رثي به رضي الله عنه
قال مجالد عن الشعبي ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك ... فكف يديه ثم أغلق بابه ... وأيقن أن الله ليس بغافل ... وقال لأهل الدار لا تقتلوهم ... عفا الله عن كل أمرىء لم يقاتل ... فكيف رأيت الله صب عليهم ... العداوة والبغضاء بعد التواصل ... وكيف رايت الخير أدبر بعده ... عن الناس إدبار النعام الجوافل ...
وقد نسب هذه الأبيات سيف بن عمر إلى أبي المغيرة الأخنس بن شريق وقال سيف بن عمر وقال حسان بن ثابت ... ماذا أردتم من أخي الدين باركت ... يد الله في ذاك الأديم المقدد ... قتلتم ولي الله في جوف داره ... وجئتم بأمر جائر غير مهتد ... فهلا رعيتم ذمة الله بينكم ... وأوفيتم بالعهد عهد محمد ... ألم يك فيكم ذا بلاء ومصدق ... وأوفاكم عهدا لدى كل مشهد ... فلا ظفرت أيمان قوم تبايعوا ... على قتل عثمان الرشيد المسدد ...
وقال ابن جرير وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه ... من سره الموت صرفا لا مزاج له ... فليأت مأسدة في دار عثمانا ... مستحقبى حلق الماذى قد سفعت ... فوق المخاطم بيض زان أبدانا ... ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا ... صبرا فدى لكم أمي وما ولدت ... قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا ... فقد رضينا بأرض الشام نافرة ... وبالأمير وبالأخوان إخوانا ... إني لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا ... ما دمت حيا وما سميت حسانا ... لتسمعن وشيكا في ديارهم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا ... يا ليت شعري وليت الطير تخبرني ... ما كان شأن علي وابن عفانا ...
وهو القائل أيضا (7/196)
إن تمس دار ابن آروى منه خاوية ... باب صريع وباب محرق خرب ... فقد يصادف باغي العرف حاجته ... فيها ويأوى إليها المجد والحسب ... يا معشر الناس ابدوا ذات انفسكم ... لا يستوي الصدق عند الله والكذب ...
وقال الفرزدق
إن الخلافة لما إظعنت ظعنت ... عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا ... صارت إلى أهلها منهم ووارثها ... لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا ... السافكي دمه ظلما ومعصية ... أي دم لاهدوا من غيتهم سفكوا ...
( )
وقال راعي الإبل النميري في ذلك ... عشية يدخلون بغير إذن ... على متوكل أوفى وطابا ... خليل محمد ووزير صدق ... ورابع خير من وطىء الترابا ... فصل إن قال قائل كيف وقع قتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة وفيها جماعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم فجوابه من وجوه أحدها أن كثيرا منهم بل أكثرهم أو كلهم لم يكن يظن أنه يبلغ الأمر إلى قتله فإن اولئك الأحزاب لم يكونوا يحاولون قتله عينا بل طلبوا منه أحد أمور ثلاثة إما أن يعزل نفسه أو يسلم إليهم مروان بن الحكم أو يقتلوه فكانوا يرجون أن يسلم إلى الناس مروان أو أن يعزل نفسه ويستريح من هذه الضائقة الشديدة وأما القتل فما كان يظن أحد أنه يقع ولا أن هؤلاء يجترؤن عليه إلىما هذا حده حتى وقع ما وقع الله والله أعلم الثاني أن الصحابة مانعوا دونه أشد الممانعة ولكن لما وقع التضييق الشديد عزم عثمان على الناس أن يكفوا أيديهم ويغمدوا أسلحتهم ففعلوا فتمكن اولئك مما أرادوا ومع هذا ما ظن أحد من الناس أنه يقتل بالكلية الثالث أن هؤلاء الخوارج لما اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في ايام الحج ولم تقدم الجيوش من الآفاق للنصرة بل لما اقترب مجيئهم انتهزوا فرصتهم قبحهم الله وصنعوا ما صنعوا من الأمر العظيم الرابع أن هؤلاء الخوارج كانوا قريبا من ألفي مقاتل من الأبطال وربما لم يكن في أهل المدينة هذه العدة من المقاتلة لأن الناس كانوا في الثغور وفي الأقاليم في كل جهة ومع هذا كان كثير من الصحابة اعتزل هذه الفتنة ولزموا بيوتهم ومن كان يحضر منهم المسجد لا يجيء إلا ومعه السيف يضعه على حبوته إذا احتبى والخوارج محدقون بدار عثمان رضي الله عنه وربما (7/197)
لو أرادوا صرفهم عن الدار لما أمكنهم ذلك ولكن كبار الصحابة قد بعثوا أولادهم إلى الدار يحاجفون عن عثمان رضي الله عنه لكي تقدم الجيوش من الأمصار لنصرته فما فجىء الناس إلا وقد ظفر اولئك بالدار من خارجها وأحرقوا بابها وتسوروا عليه حتى قتلوه وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه بل كلهم كرهه ومقته وسب من فعله ولكن بعضهم كان يود لو خلع نفسه من الأمر كعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وعمرو بن الحمق وغيرهم
وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة سهم بن خنش أو خنيش أو خنش الأزدي وكان قد شهد الدار ورواه محمد بن عائذ عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن يزديد الرجي عنه وكان قد استعاده عمر بن عبد العزيز إلى دير سمعان فسأله عن مقتل عثمان فذكر ما ملخصه أن وفد السبائية وفد مصر كانوا قد قدموا على عثمان فأجازهم وأرضاهم فانصرفوا راجعين ثم كروا إلى المدينة فوافقوا عثمان قد خرج لصلاة الغداة أو الظهر فحصبوه بالحصا والنعال والخفاف فانصرف إلى الدار ومعه أبو هريرة والزبير وابنه عبد الله وطلحة ومروان والمغيرة بن الأخنس في ناس وطاف وفد مصر بداره فاستشار الناس فقال عبد الله ابن الزبير يا أمير المؤمنين إني أشير بأحدى ثلاث خصال إما أن تحرم بعمرة فيحرم عليهم دماؤنا وإما أن نركب معك إلى معاوية بالشام وإما أن نخرج فنضرب بالسيف إلى أن يحكم الله بيننا وبينهم فأنا على الحق وهم على الباطل فقال عثمان أما ما ذكرت من الأحياء بعمرة فتحرم دماؤنا فأنهم يرونا ضلالا الان وحال الأحرام وبعد الإحرام ومن الذهاب إلى الشام فأني استحيي أن أخرج من بينهم خائفا فيراني أهل الشام وتسمع الأعداء من الكفار ذلك وأما القتال فأني أرجو أن ألقى الله وليس يهراق بسببي محجمة دم قال ثم صلينا معه صلاة الصبح ذات يوم فلما فرغ أقبل على الناس فقال إني رأيت أبا بكر وعمر أتياني الليلة فقالا لي صم يا عثمان فأنك تفطر عندنا وإني أشهدكم إني قد أصبحت صائما وإني أعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الاخر أن يخرج من الدار سالما مسلوما منه فقلنا يا أمير المؤمنين إن خرجنا لم نأمن منهم علينا فأذن لنا أن نكون معه في بيت من الدار تكون لنا فيه جماعة ومنعة ثم أمر بباب الدار ففتح ودعا بالمصحف فأكب عليه وعنده أمرأتاه بنت الفرافصة وابنه شيبة فكان أول من دخل عليه محمد بن أبي بكر فأخذ بلحيته فقال دعها يا ابن أخي فوالله لقد كان أبوك يتلهف لها بأدنى من هذا فاستحيي فخرج فقال للقوم قد أشعرته لكم وأخذ عثمان ما امتعط من لحيته فأعطاه إحدى امرأتيه ثم دخل رومان بن سودان رجل أزرق قصير محدد عداده من مراد معه حرف من حديد فاستقبله فقال علي أي ملة أنت يا نعثل فقال عثمان لست بنعثل ولكني عثمان بن عفان وأنا على ملة إبراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشركين فقال كذبت وضربه بالحرف على صدغه الأيسر فقتله فخر فأدخلته نائلة بينها وبين ثيابها وكانت جسيمة ضليعة فألقت نفسها عليه وألقت بنت شيبة نفسها على ما بقي من جسده ودخل رجل من أهل مصر بالسيف مصلتا فقال والله لأقطعن أنفه فعالج المرأة عنه فغلبته فكشف عنها درعها من (7/198)
خلفها حتى نظر إلى متنها فلما لم يصل إليه أدخل السيف بين قرطها ومنكبها فقبضت على السيف فقطع أناملها فقالت يا رباح لغلام عثمان أسود يا غلام ادفع عني هذا الرجل فمشى إليه الغلام فضربه فقتله وخرج أهل البيت يقاتلون عن أنفسهم فقتل المغيرة بن الأخنس وجرح مروان قال فلما أمسينا قلنا إن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به فاحتملناه إلى بقيع الفرقد في جوف الليل وغشينا سواد من خلفنا فهبناهم وكدنا أن نتفرق عنه فنادى مناديهم أن لا روع عليكم البثوا إنما جئنا لنشهده معكم وكان أبو حبيش يقول هم ملائكة الله فدفناه ثم هربنا إلى الشام من ليلتنا فلقينا الجيش بوادي القرى عليه حبيب بن مسلمة قد أتوا في نصرة عثمان فأخبرناهم بقتله ودفنه
قال أبو عمر بن عبد البر دفنوا عثمان رضي الله عنه بحش كوكب وكان قد اشتراه وزاده في البقيع ولقد أحسن بعض السلف إذ يقول وقد سئل عن عثمان هو أمير البررة وقتيل الفجرة مخذول من خذله منصور من نصره
وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي في آخر ترجمة عثمان وفضائله بعد حكايته هذا الكلام الذين قتلوه أو ألبوا عليه قتلوا إلى عفو الله ورحمته والذين خذلوه خذلوا وتنغص عيشهم وكان الملك بعده في نائبه ومعاوية وبنيه ثم في وزيره مروان وثمانية من ذريته استطالوا حياته وملوه مع فضله وسوابقه فتملك عليهم من هو من بني عمه بضعا وثمانين سنة فالحكم لله العلي الكبير وهذا لفظه بحروفه
بعض الأحاديث الواردة في فضائل عثمان بن عفان
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مصر بن نزار بن معد بن عدنان أبو عمرو وأبو عبد الله القرشي الأموي أمير المؤمنين ذو النورين شمس وأمها أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو أحد العشرة وصاحب الهجرتين وزوج الابنتين وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى وأحد الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة من الستة ثم تعينت في بأجماع المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فكان ثالث الخلفاء الراشدين والائمة المهديين المأمور بأتباعهم والاقتداء بهم
أسلم عثمان رضي الله عنه قديما على يدي أبي بكر الصديق وكان سبب إسلامه عجيبا فيما ذكره الحافظ ابن عساكر وملخص ذلك أنه لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوج ابنته رقية وكانت ذات جمال من ابن عمها عتبة بن أبي لهب تأسف إذ لم لم يكن هو تزوجها فدخل على أهله مهموما فوجد عندهم خالته سعدى بنت كريز وكانت كاهنة فقالت له أبشر وحييت ثلاثا تترا ثم ثلاثا (7/199)
وثلاثا أخرى ثم بأخرى كي تتم عشرا أتاك خير ووقيت شرا أنكحت والله حصانا زهرا وأنت بكر ولقيت بكرا وافيتها بنت عظيم قدرا بنيت أمرا قد أشاد ذكرا قال عثمان فعجبت من أمرها حيث تبشرني بالمرأة قد تزوجت بغيري فقلت يا خالة ما تقولين فقالت عثمان لك الجمال ولك اللسان هذا النبي معه البرهان أرسله بحقه الديان وجاءه التنزيل والفرقان فاتبعه لا تغتالك الأوثان قال فقلت إنك لتذكرين امرا ما وقع ببلدنا فقالت محمد بن عبد الله رسول من عند الله جاء بتنزيل الله يدعو به إلى الله ثم قالت مصباحه مصباح ودينه فلاح وامره نجاح وقرنه نطاح ذلت له البطاح ما ينفع الصياح لو وقع الذباح وسلت الصفاح ومدت الرماح قال عثمان فانطلقت مفكرا فلقيني أبو بكر فأخبرته فقال ويحك يا عثمان إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل ما هذه الأصنام التي يعبدها قومنا أليست من حجارة صم لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع قال قلت بلى والله إنها لكذلك فقال والله لقد صدقتك خالتك هذا رسول الله محمد بن عبد الله قد بعثه الله إلى خلقه برسالته هل لك أن تأتيه فاجتمعنا برسول الله فقال يا عثمان أجب الله إلى حقه فأنى رسول الله إليك وإلى خلقه قال فوالله ما تمالكت نفسي منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثم لم ألبث أن تزوجت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يقال ... أحسن زوج رآه إنسان ... رقية وزوجها عثمان ...
فقالت في ذلك سعدي بنت كريز ... هدى الله عثمانا بقولي إلى الهدى ... وأرشده والله يهدي إلى الحق ... فتابع بالرأي السديد محمدا ... وكان برأي لا يصد عن الصدق ... وأنكحه المبعوث بالحق بنته ... فكانا كبدر مازج الشمس في الأفق ... فداؤك يا ابن الهاشميين مهجتي ... وأنت أمين الله أرسلت للخلق ...
قال ثم جاء أبو بكر من الغد بعثمان بن مظعون وبأبي عبيد وعبد الرحمن بن عوف وأبي سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا وكانوا مع من اجتمع مع رسول الله ثمانية وثلاثون رجلا وهاجر إلى الحبشة أول الناس ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة فلما كانت وقعة بدر اشتغل بتمريض ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقام بسببها في المدينة وضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه منها وأجره فيها فهو معدود فيمن شهدها فلما توفيت زوجه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأختها أم كلثوم فتوفيت ايضا في صحبته وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كان عندنا أخرى لزوجناها بعثمان وشهد احدا وفر يومئذ فيمن تولى وقد نص الله على العفو عنهم وشهد (7/200)
الخندق والحديبية وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ باحدى يديه وشهد خيبر وعمرة القضاء وحضر الفتح وهوازن والطائف وغزوة تبوك وجهز جيش العسرة وتقدم عن عبد الرحمن بن خباب أنه جهزهم يومئذ بثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها وعن عبد الرحمن بن سمرة أنه جاء يومئذ بألف دينار فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال صلى الله عليه و سلم ماضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم مرتين وحج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع وتوفي وهو عنه راض وصحب أبا بكر فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض وصحب عمر فأحسن صحبته وتوفي وهو عنه راض ونص عليه في أهل الشورى الستة فكان خيرهم كما سيأتي
فولى الخلافة بعده ففتح الله على يديه كثيرا من الأقاليم والأمصار وتوسعت المملكة الإسلامية وامتدت الدولة المحمدية وبلغت الرسالة المصطفوية في مشارق الأرض ومغاربها وظهر للناس مصداق قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا وقوله تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وقوله صلى الله عليه و سلم إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله وهذا كله تحقق وقوعه وتأكد وتوطد زمان عثمان رضي الله عنه
وقد كان رضي الله عنه حسن الشكل مليح الوجه كريم الأخلاق ذا حياء كثير وكرم غزير يؤثر أهله وأقاربه في الله تأليفا لقلوبهم من متاع الحياة الدنيا الفاني لعله يرغبهم في إيثار ما يبقى على ما يفنى كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يعطى أقواما ويدع آخرين يعطى أقواما خشية أن يكبهم الله على وجوههم في النار ويكل آخرين إلى ما جعل الله في قلوبهم من الهدى والإيمان وقد تعنت عليه بسبب هذه الخصلة أقوام كما تعنت بعض الخوارج على رسول الله صلى الله عليه و سلم في الإيثار وقد قدمنا ذلك غزوة حنين حيث قسم غنائمها وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل عثمان رضي الله عنه نذكر ما تيسر منها إن شاء الله وبه الثقة وهي قسمان الأول فيما ورد في فضائله مع غيره
فمن ذلك الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه حدثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم قال صعد النبي صلى الله عليه و سلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف فقال اسكن أحد أظنه ضربه برجله فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان تفرد به دون مسلم وقال الترمذي ثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وطلحة والزبير (7/201)
فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه و سلم اهدني فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ثم قال في الباب عن عثمان بن سعيد بن زيد وابن عباس وسهيل بن سعد وأنس بن مالك وبريدة الأسلمي وهذا حديث صحيح قلت ورواه أبو الدرداء ورواه الترمذي عن عثمان في خطبته يوم الدار وقال على ثبير
حديث آخر
وهو عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حائط فأمرني بحفظ الباب فجاء رجل يستأذن فقلت من هذا قال أبو بكر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عمر فقال ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عثمان فقال ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فدخل وهو يقول اللهم صبرا وفي رواية الله المستعان رواه عنه قتادة وأيوب السختياني وقال البخاري وقال حماد بن زيد حدثنا عاصم الأحول وعلي بن الحكم سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى الأشعري بنحوه زاد عاصم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قاعدا في مكان قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها وهو في الصحيحين أيضا من حديث سعيد بن المسيب عن ابي موسى وفيه أن ابا بكر وعمر دليا أرجلهما مع رسول الله في باب القف وهو في البئر وجاء عثمان فلم يجد له موضعا قال سعيد فأولت ذلك قبورهم اجتمعت وانفرد عثمان
وقال الإمام احمد حدثنا يزيد بن مروان ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال قال نافع بن الحارث خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخل حائطا فقال امسك على الباب فجاء حتى جلس على القف ودلى رجليه فضرب الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر قال ائذن له وبشره بالجنة فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله قال عمر قلت يا رسول الله هذا عمر قال ائذن لي وبشره بالجنة ففعلت فجاء فجلس مع رسول الله على القف ودلى رجليه في البئر ثم ضرب الباب فقلت من عليه وسلم على القف ودلى رجليه في البئر ثم ضرب الباب فقلت من هذا هذا قال عثمان قلت يا رسول الله هذا عثمان قال ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء فأذنت له وبشرته بالجنة فجلس مع رسول الله صلى الله صلى الله عليه و سلم على القف ودلى رجليه في البئر هكذا وقع في هذه الرواية وقد أخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي سلمة فيحتمل أن أبا موسى ونافع بن عبد الحارث كانا موكلين بالباب أو أنها قصة أخرى
وقد رواه الإمام أحمد عن عفان عن وهيب عن موسى بن عقبة سمعت أبا سلمة ولا أعلمه إلا عن نافع بن عبد الحارث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل حائطا فجلس على قف البئر فجاء أبو بكر (7/202)
فأستاذن فقال لأبي موسى ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عمر فقال ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عثمان فقال ائذن له وبشره بالجنة وسيلقى بلاء وهذا السياق أشبه من الأول على أنه قد رواه النسائي من حديث صالح بن كيسان عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى الأشعري فالله أعلم
وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد أنا همام عن قتادة عن ابن سيرين ومحمد بن عبيد عن عبد الله ابن عمر وقال كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء أبو بكر فاستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عمر فقال ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عثمان فاستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة قال قلت فأين أنا قال أنت مع ابيك تفرد به أحمد وقد رواه البزار وأبو يعلى من حديث أنس بن مالك بنحو ما تقدم
حديث آخر
قال الأمام أحمد حدثنا حجاج ثنا ليث حدثني عقيل عن ابن شهاب عن يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على النبي صلى الله عليه و سلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف فاستأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحالة فقضى إليه حاجته ثم انصرف قال عثمان ثم استأذنت عليه فجلس وقال اجمعي عليك ثيابك فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت فقالت عائشة يا رسول الله مالي لا أراك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن عثمان رجل حبي وإني خشيت إن أدنت له على تلك الحالة لا يبلغ إلى حاجته قال الليث وقال جماعة الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعائشة ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة ( 1 ) ورواه مسلم من حديث محمد بن أبي حرملة عن عطاء وسليمان بن يسار عن أبي سلمة عن عائشة ورواه أبو يعلى الموصلي من حديث سهيل عن أبيه عن عائشة ورواه جبير بن نفير وعائشة بنت طلحة وقال الإمام أحمد حدثنا مروان ثنا عبدالله بن يسار سمعت عائشة بنت طلحة تذكر عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان جالسا كاشفا ع عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه فلما قاموا قلت يا رسول الله استأذن عليك أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك فقال يا عائشة ألا نستحي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه تفرد به أحمد من هذا الوجه عنها (7/203)
طريق أخرى عن حفصة
رواه الحسن بن عرفة وأحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن ابن جريج أخبرني أبوخالد عثمان بن خالد عن عبد الله بن أبي سعيد المدني حدثتني حفصة فذكر مثل حديث عائشة وفيه فقال ألا نستحي ممن تستحي منه الملائكة
طريق أخرى عن ابن عباس
قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا أبو كريب ثنا يونس بن بكير ثنا النضر هو ابن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا نستحي ممن تستحي منه الملائكة عثمان بن عفان ثم قال البزار لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد قلت هو على شرط الترمذي ولم يخرجوه
طريق أخرى عن ابن عمر
قال الطبراني حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا أبو معشر حدثني إبراهيم بن عمر أبان حدثني أبي عمر بن أبان عن أبيه قال سمعت عبد الله بن عمر يقول بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس وعائشة وراءه إذ استأذن أبو بكر فدخل ثم استأذن عمر فدخل ثم استأذن سعد بن مالك فدخل ثم استأذن عثمان بن عفان فدخل ورسول الله صلى الله عليه و سلم يتحدث كاشفا عن ركبته فرد ثوبه على ركبته حين استأذن عثمان وقال لأمراته استأخري فتحدثوا ساعة ثم خرجوا فقالت عائشة يا نبي الله دخل أبي وأصحابه فلم تصلح ثوبك على ركبتك ولم تؤخرني عنك فقال النبي صلى الله عليه و سلم ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة والذي نفسي بيده إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله ورسوله ولو دخل وأنت قريب مني لم يتحدث ولم يرفع رأسه حتى يخرج هذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه زيادة على ما قبله وفي سنده ضعف قلت وفي الباب عن علي وعبد الله بن أبي أوفى وزيد بن ثابت وروى أبو مروان القرشي عن أبيه عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عثمان حي تستحي من الملائكة
حديث آخر
قال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ارحم أمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر وأشدها حياء عثمان وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأقرؤها لكتاب الله أبي وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من (7/204)
حديث خالد الحذاء وقال الترمذي حسن صحيح وفي صحيح البخاري ومسلم آخره ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ( 1 ) وقد روى هشيم عن كريز بن حكيم عن نافع عن ابن عمر مثل حديث أبي قلابة عن أنس أو نحوه
حديث آخر
قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن عبد ربه ثنا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن ابن شهاب عن عمرو بن أبان بن عثمان بن جابر بن عبد الله أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أرى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه و سلم وأما ما ذكره رسول الله صلى الله عليه و سلم من نوط بعضهم ببعض فهؤلاء ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه و سلم ورواه أبو داود عن عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب ثم قال ورواه يونس وشعيب عن الزهري فلم يذكرا عمرا حديث آخر
قال الإمام أحمد حدثنا أبو داود عمر بن سعد ثنا بدر بن عثمان عن عبيد الله بن مروان عن أبي عائشة عن ابن عمر قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال رأيت قبل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين فأما المقاليد فهذه المفاتيح وأما الموازين فهي التي يوزن بها فوضعت في كفه ووضعت أمتي في كفه فوزنت بهم فرجحت ثم جىء بأبي بكر فوزن فوزن بهم ثم جىء بعمر فوزن فوزن بهم ثم جىء بعثمان فوزن فوزن بهم ثم رفعت تفرد به أحمد وقال يعقوب بن سفيان حدثنا هشام بن عمار ثنا عمرو بن واقد ثنا يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني رأيت أني وضعت في كفه وأمتي في كفة فعدلتها ثم وضع أبو بكر في كفة وأمتي في كفة فعدلها ثم وضع عمر في كفة وأمتي في كفة فعدلها قال أبو يعلى حدثنا عبدالله بن مطيع ثنا هشيم عن العوام عمن حدثه عن عائشة قالت لما أسس رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه وجاء أبو بكر بحجر فوضعه وجاء عمر بحجر فوضعه وجاء عثمان بحجر فوضعه قالت فسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال هم أمراء الخلافة من بعدي وقد تقدم هذا الحديث في بناء مسجده أول مقدمه المدينة عليه الصلاة و السلام وكذلك تقدم في دلائل النبوة من حديث الزهري عن رجل عن أبي ذر في تسبيح الحصا في يده ثم وضع عثمان في كفة وأمتي في كفة فعدلها حديث آخر (7/205)
عليه السلام ثم في كف أبي بكر ثم في كف عمر ثم في كف عثمان رضي الله عنهم وفي بعض الروايات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه خلافة النبوة وسيأتي حديث سفينة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا فكانت ولاية عثمان ومدتها ثنتي عشرة سنة من جملة هذه الثلاثين بلا خلاف بين العلماء العاملين كما أخبر به سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم وعلى آله وصحبه أجمعين
حديث آخر
وهو ما روى من طرق متعددة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه شهد للعشرة بالجنة وهو أحدهم بنص النبي صلى الله عليه و سلم حديث آخر
قال البخاري حدثنا محمد بن حازم بن بزيغ ثنا شاذان ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كنا في زمن النبي صلى الله عليه و سلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نذر أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم لا نفاضل بينهم تابعه عبد الله بن صالح بن عبد العزيز تفرد به البخاري ورواه إسماعيل بن عياش والفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر ورواه أبو يعلى عن أبي معشر عن يزيد بن هارون عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن عمر به
طريق آخرى عن ابن عمر
قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن عمر قال كنا نعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه متوافرون أبو بكر وعمر وعثمان ثم نسكت
طريق أخرى عن ابن عمر بلفظ آخر
قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عمرو بن علي وعقبة بن مكرم قالا ثنا أبو عاصم عن عمر بن محمد عن سالم عن أبيه قال كنا نقول في عهد النبي صلى الله عليه و سلم أبو بكر وعمر وعثمان يعني في الخلافة وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجوه لكن قال البزار وهذا الحديث قد روى عن ابن عمر من وجوه كنا نقول أبو بكر وعمر وعثمان ثم لا نفاضل بعد وعمر بن محمد لم يكن بالحافظ وذلك يتبين في حديثه إذا روى عن غير سالم فلم يقل شيئا وقد رواه غير واحد من الضعفاء عن الزهري عن سالم عن أبيه به وقد اعتنى الحافظ بن عساكر بجمع طرقه عن ابن عمر فأفاد وأجاد فأما الحديث الذي قال الطبراني حدثنا سعيد بن عبد ربه الصفار البغدادي حدثنا علي بن جميل الرقي أنا جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الجنة شجرة أو ما في الجنة شجرة شك على بن حنبل ما عليها ورقة إلا مكتوب عليها لا إله (7/206)
إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين فأنه حديث ضعيف في إسناده من تكلم فيه ولايخلو من نكارة والله أعلم
القسم الثاني فيما ورد من فضائله وحده
قال البخاري حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبو عوانة ثنا عثمان بن موهب قال جاء رجل من أهل مصر حج البيت فرآى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القوم قالوا قريش قال فمن الشيخ فيهم قالوا عبد الله بن عمر قال يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد قال نعم قال تعلم أنه تغيب يوم بدر ولم يشهدها قال نعم قال تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ولم يشهدها قال نعم قال الله أكبر قال ابن عمر تعال ابين لك أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له وأما تغيبه عن بدر فأنه كان تحته بنت رسول الله وكانت مريضة فقال له رسول الله إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه و سلم بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان فقال له ابن عمر اذهب بها الآن معك تفرد به دون مسلم
طريق أخرى
وقال الإمام أحمد حدثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن عاصم عن سفيان قال لقي عبد الرحمن ابن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد مالي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان فقال له عبد الرحمن أبلغه أني لم أفر يوم حنين قال عاصم يقول يوم أحد ولم اتخلف عن يوم بدر ولم أترك سنة عمر قال فانطلق فخبر بذلك عثمان فقال أما قوله إني لم أفر يوم حنين فكيف يعيرني بذلك وقد عفا الله عني فقال إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم وأما قوله إني تخلفت يوم بدر فأني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهم فقد شهد وأما قوله ولم أترك سنة عمر فأني لا أطيقها ولا هو فأنه يحدثه بذلك
حديث آخر
قال البخاري حدثنا أحمد بن شبيب بن سعد ثنا أبي عن يونس قال ابن شهاب أخبرني عروة أن عبيد الله بن عدي بن الحبار أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه فقصدت لعثمان حين خرج إلى الصلاة فقلت إن لي إليك حاجة وهي نصيحة لك فقال يا أيها المرء منك قال (7/207)
أبو عبد الله قال معمر أعوذ بالله منك فانصرفت فرجعت إليهم إذ جاء رسول عثمان فأتيته فقال ما نصيحتك فقلت إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن أستجاب لله ولرسوله وهاجرت الهجرتين وصحبت رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد فقال أدركت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت لا ولكن خلص إلى من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها قال أما بعد فإن الله بعث محمدا بالحق وكنت ممن استجاب لله ولرسوله فأمنت بما بعث به وهاجرت الهجرتين كما قلت وصحبت رسول الله صلى الله عليه و سلم وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله عز و جل ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله ثم استخلفت أفليس لي من الحق مثل الذي لهم قلت بلى قال فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم أما ما ذكرت من شأن الوليد فسآخذ فيه بالحق إن شاء الله ثم دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين
حديث آخر
قال الإمام أحمد حدثنا أبو المغيرة ثنا الوليد بن مسلم حدثني ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن عامر عن النعمان بن بشير عن عائشة رضي الله عنها قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عثمان بن عفان فجاء فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأينا إقبال رسول الله صلى الله عليه و سلم على عثمان أقبلت إحدانا على الأخرى فكان من آخر كلمة أن ضرب منكبه وقال يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ثلاثا فقلت لها يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك قالت نسيته والله ما ذكرته قال فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن أكتبي إلى به فكتبت إليه به كتابا وقد رواه أبو عبد الله الجيري عن عائشة وحفصة بنحو ما تقدم ورواه قيس بن أبي حازم وأبو سلمة عنها وراه أبو سهلة عن عثمان إن رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد إلى عهدا فأنا صابر نفسي عليه ورواه فرج بن فضالة عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكره قال الدارقطني تفرد به الفرج بن فضالة ورواه أبو مروان محمد عن عثمان بن خالد العماني عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن هشام بن عروة عن أبيه ( 1 ) عن عائشة ورواه ابن عساكر من طريق المنهال بن عمر عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عنها ورواه ابن أسامة عن الجريري حدثني أبو بكر العدوى قال سألت عائشة وذكر عنها نحو ما تقدم تفرد به الفرج بن فضالة ( 2 ) ورواه حصين عن مجاهد عن وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن كنانة الأسدي أبو يحيى ثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه قال عائشة بنحوه (7/208)
بلغني أن عائشة قالت ما استمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا مرة فإن عثمان جاءه في حبر الظهيرة فظننت أنه جاءه في أمر النساء فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه فسمعته يقول إن الله ملبسك قميصا يريدك أمتي على خلعه فلا تخلعه فلما رأيت عثمان يبذل لهم ما سألوه إلا خلعه علمت أنه عهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي عهد إليه
طريق آخرى
قال الطبراني حدثنا مطلب بن سعيد الأزدي ثنا عبد الله بن صالح ثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف قال كنا عند شفي الأصبحي فقال حدثنا عبد الله بن عمر قال التفت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا عثمان إن الله كساك قميصا فأرادك الناس على خلعه فلا تخلعه فوالله لئن خلعته لاترى الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وقد رواه أبو يعلى من طريق عبد الله بن عمر عن أخته حفصة أم المؤمنين وفي سياق متنه غرابة والله أعلم
حديث آخر
قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثتني فاطمة بنت عبد الرحمن قالت حدثتني أمي أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقال قولي إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان فأن الناس قد شتموه فقالت لعن الله من لعنه فوالله لقد كان قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن رسول الله لمسند ظهره إلي وإن جبريل ليوحي إليه القرآن وإنه ليقول له اكتب يا عثيم قالت عائشة فما كان الله لينزل تلك المنزلة إلا كريما على الله ورسوله ثم رواه الإمام أحمد عن يونس عن عمر بن إبراهيم اليشكري عن أمه عن أمها أنها سألت عائشة عند الكعبة عن عثمان فذكرت مثله حديث آخر
قال البزار حدثنا عمر بن الخطاب قال ذكر أبو المغيرة عن صفوان بن عمرو عن ماعز التميمي عن جابر إن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر فتنة فقال أبو بكر أنا أدركها فقال لا فقال عمر أنا يا رسول الله أدركها قال لا فقال عثمان يا رسول الله فأنا أدركها قال بك يبتلون قال البزار وهذا لا نعلمه يروي إلا من هذا الوجه حديث آخر
قال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عمر ثنا سنان بن هارون ثنا كليب بن واصل عن ابن عمر قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم فتنة فقال يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان ورواه الترمذي عن إبراهيم بن سعيد عن شاذان به وقال حسن غريب (7/209)
حديث آخر
قال الإمام أحمد حدثنا عفان ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة حدثني أبو أمي أبو حنيفة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا أو قال اختلافا وفتنة فقال له قائل من الناس فمن لنا يا رسول الله قال عليكم بالأمين وأصحابه وهو يشير إلى عثمان بذلك تفرد به أحمد وإسناده جيد حسن ولم يخرجوه من هذا الوجه
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو أسامة ثنا حماد بن أسامة ثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن شقيق حدثني هرم بن الحارث وأسامة بن خزيم وكانا يغازيان فحدثاني حديثا ولم يشعر كل واحد منهما أن صاحبه حدثنيه عن مرة البهزي قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في طريق من طرق المدينة فقال كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر قالوا نصنع ماذا يا رسول الله قال عليكم هذا وأصحابه أو اتبعوا هذا وأصحابه قال فأسرعت حتى عييت فأدركت الرجل فقلت هذا يا رسول الله قال هذا فإذا هو عثمان بن عفان فقال هذا وأصحابه فذكره طريق أخرى وقال الترمذي في جامعه حدثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني أن خطبا قامت بالشام وفيهم رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم رجل يقال له مرة بن كعب فقال لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ما تكلمت وذكر الفتن فقر بها فمر رجل متقنع في ثوب فقال هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان فأقبلت عليه بوجهه فقلت هذا قال نعم ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة قلت وقد رواه أسد بن موسى عن معاوية بن صالح حدثني سليم بن عامر عن جبير بن نفير عن مرة بن كعب البهزي فذكر نحوه وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية عن صالح عن سليم بن عامر عن جبير بن نفير عن كعب بن مرة البهزي ( 1 ) الصحيح مرة بن كعب كما تقدم وأما حديث ابن حوالة فقال حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن عبد الله بن سفيان ( 2 ) عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن حوالة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أنت وفتنة تكون في أقطار الأرض قلت ما خار الله لي ورسوله قال اتبع هذا الرجل فأنه يومئذ ومن اتبعه على الحق قال فاتبعته فأخذت بمنكبه ففتلته فقلت هذا (7/210)
يا رسول الله فقال نعم فإذا هو عثمان بن عفان وقال حرملة بن أبن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط عن ابن حوالة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث من نجا منهن فقد نجا موتي وخروج الدجال وقتل خليفة مصطبر قوام بالحق يعطيه
وأما حديث كعب بن عجرة فقال الإمام أحمد حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي أخبرني معاوية بن مسلم عن مطر الوراق عن ابن سيرين عن كعب بن عجرة قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم فتنة فقربها وعظمها قال ثم مر رجل مقنع في ملحفة فقال هذا يومئذ على الحق قال فانطلقت مسرعا أو محضرا وأخذت بضبعيه فقلت هذا يا رسول الله قال هذا فإذا هو عثمان بن عفان ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كعب بن عجرة فذكر مثله ورواه أبو يعلى عن هدبة عن همام عن قتادة عن محمد بن سيرين عن كعب بن عجرة وكذا رواه أبو عون عن ابن سيرين عن كعب وقد تقدم حديث أبي ثور التميمي عنه في قوله في الخطبة التي خاطب بها الناس من داره والله ما تغنيت ولا تمنيت ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنه كان يعتق كل يوم جمعة عتيقا فإن تعذر عليه أعتق في الجمعة الأخرى عتيقين وقال مولاه حمران كان عثمان يغتسل كل يوم منذ أسلم رضي الله عنه
حديث آخر
قال الإمام أحمد حدثنا علي بن عباس ثنا الوليد بن مسلم أنبأنا الأوزاعي عن محمد بن عبد الملك ابن مروان أنه حدثه عن المغيرة بن شعبة أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال إنك إمام العامة وقد نزل بك ما ترى وإني أعرض عليك خصالا ثلاثا اختر إحداهن إما أن تخرج فتقاتلهم فان معك عددا وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل وإما أن تخرق بابا سوى الذي هم عليه فتقعد على رواحلك فتلحق مكة فأنهم لن يستحلوك وأنت بها وإما أن تلحق بالشام فأنهم أهل الشام وفيهم معاوية فقال عثمان أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم في أمته يسفك الدماء وأما أن أخرج إلى مكة فأنهم لن يستحلوني بها فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم ولن أكون أنا وأما أن ألحق بالشام فأنهم أهل الشام وفيهم معاوية فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال الإمام أحمد ثنا أبو المغيرة ثنا أرطاة يعني ابن المنذر حدثني أبو عون الأنصاري أن عثمان قال لابن مسعود هل أنت منته عما بلغني عنك فاعتذر بعض العذر فقال عثمان ويحك إني قد سمعت وحفظت وليس كما سمعت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال سيقتل أمير ويتبري متبرىء وإني أنا المقتول وليس عمر إنما قتل عمر واحد وأنه يجتمع علي وهذا الذي قاله لابن مسعود قبل مقتله بنحو من أربع سنين فأنه مات قبله بنحو ذلك (7/211)
حديث آخر
قال عبد الله بن أحمد ثنا عبيد الله بن عمر الفريري ثنا القاسم بن الحكم بن أوس الأنصاري حدثني أبو عبادة الزرقي الأنصاري من أهل المدينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال وشهدت عثمان يوم حصر في موضع الجنائز ولو ألقى حجر لم يقع إلا على رأس رجل فرأيت عثمان أشرف من الخوخة التي تلي باب مقام جبريل فقال أيها الناس أفيكم طلحة فسكتوا ثم قال أيها الناس أفيكم طلحة بن عبيد الله فسكتوا ثم قال أيها الناس أفيكم طلحة فقام طلحة بن عبيد الله فقال له عثمان ألا أراك ههنا ما كنت أرى أنك تكون في جماعة قوم تسمع نداي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيئني أنشدك الله يا طلحة تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله فقال نعم قال فقال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه ما من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق صلى الله عليه و سلم في موضع كذا وكذا ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك في الجنة وإن عثمان بن عفان هذا يعني نفسه رفيقي في الجنة فقال طلحة اللهم نعم تفرد به أحمد ( 1 )
حديث آخر عن طلحة
قال الترمذي حدثنا أبو هشام الرفاعي ثنا يحيى بن اليمان عن شريح بن زهرة عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي وثاب عن طلحة بن عبيد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لكل نبي رفيق ورفيقي في الجنة عثمان ثم قال هذا حديث غريب وليس إسناده بالقوي وإسناده منقطع ورواه أبو عثمان محمد بن عثمان عن أبيه عن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة وقال الترمذي حدثنا الفضل بن أبي طالب البغدادي وغير واحد قالوا حدثنا عثمان بن زفر حدثنا محمد بن زياد عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر قال أتى النبي صلى الله عليه و سلم بجنازة رجل ليصلي عليه فلم يصل عليه فقيل يا رسول الله ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا فقال إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله عز و جل ثم قال الترمذي هذا حديث غريب ومحمد بن زياد هذا صاحب ميمون ابن مهران ضعيف الحديث جدا ومحمد بن زياد صاحب أبي هريرة بصرى ثقة يكنى أبا الحارث ومحمد بن زياد الألهاني صاحب أبي أمامة ثقة شامي يكنى أبا سفيان حديث آخر
روى الحافظ بن عساكر من حديث أبي مروان العثماني ثنا ابي عثمان بن خالد عن عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقي عثمان بن عفان علي (7/212)
باب المسجد فقال يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل مصاحبتها وقد روى ابن عساكر أيضا من حديث ابن عباس وعائشة وعمارة بن رويبة وعصمة بن مالك الخطمي وأنس بن مالك وابن عمر وغيرهم وهو غريب ومنكر من جميع طرقه وروى بأسناد ضعيف عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لو كان لي أربعون ابنة لزوجتهن بعثمان واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة وقال محمد بن سعيد الأموي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن المهلب بن أبي صفرة قال سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لم قلتم في عثمان أعلانا فوقا قالوا لأنه لم يتزوج رجل من الأولين والآخرين ابنتي نبي غيره رواه ابن عساكر
وقال إسماعيل بن عبد الملك عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم رافعا يديه حتى يبدو ضبعيه إلا لعثمان بن عفان إذا دعا له وقال مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال رايت رسول الله صلى الله عليه و سلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه يدعو لعثمان يقول اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه وفي رواية يقول لعثمان غفر الله لك ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة ورواه الحسن بن عرفة عن محمد ابن القاسم الأسدي عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا وقال ابن عدي عن أبي يعلى عن عمار بن ياسر المستملى عن إسحاق بن إبراهيم المستملى عن أبي إسحاق عن أبي وائل عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إلى عثمان يستعينه في غزاة غزاها فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار فوضعها بين يديه فجعل يقلبها بين يديه ويدعو له غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى يوم القيامة ما يبالي عثمان ما فعل بعدها
حديث آخر
وقال ليث بن ابي سليم أول من خبص الخبيص عثمان خلط بين العسل والنقي ثم بعث به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى منزل أم سلمة فلم يصادفه فلما جاء وضعوه بين يديه فقال من بعث هذا قالوا عثمان قالت فرفع يديه إلى السماء فقال اللهم إن عثمان يترضاك فارض عنه حديث آخر
روى أبو يعلى عن سنان بن فروخ عن طلحة بن يزيد عن عبيدة بن حسان عن عطاء الكيخاراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتنق عثمان وقال أنت ولي في الدنيا وولي في الآخرة حديث آخر قال أبو داود الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد عن الجريري عن عبيد الله بن (7/213)
شقيق عن عبد الله بن حوالة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تهجمون على رجل معتجر ببردة من أهل الجنة يبايع الناس قال فهجمنا على عثمان بن عفان فرأيناه معتجرا يبايع الناس ذكر شيء من سيرته وهي دالة على فضيلته
قال ابن مسعود لما توفي عمر بايعنا خيرنا ولم نأل وفي رواية بايعوا خيرهم ولم يألوا وقال الأصمعي عن أبي الزناد عن أبيه عن عمرو بن عثمان بن عفان قال كان نقش خاتم عثمان آمنت بالذي خلق فسوى وقال محمد بن المبارك بلغني أنه كان نقش خاتم عثمان آمن عثمان بالله العظيم وقال البخاري في التاريخ ثنا موسى بن إسماعيل ثنا مبارك بن فضالة قال سمعت الحسن يقول أدركت عثمان على ما نقموا عليه قل ما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيرا يقال لهم يا معشر المسلمين اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافرة ثم يقال لهم اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافرة ثم يقال لهم اغدوا على السمن والعسل الأعطيات جارية والأرزاق دارة والعدو متقى وذات البين حسن والخير كثير وما من مؤمن يخاف مؤمنا ومن لقيه فهو أخوه قد كان من إلفته ونصيحته ومودته قد عهد إليهم أنها ستكون أثره فإذا كانت فاصبروا قال الحسن فلو أنهم صبروا حين رأوها لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق والخير الكثير بل قالوا لا والله ما نصابرها فوالله ما وردوا وما سلموا والأخرى كان السيف مغمدا عن أهل الإسلام فسلوه على أنفسهم فوالله ما زال مسلولا إلى يوم الناس هذا وأيم الله إني لأراه سيفا مسلولا إلى يوم القيامة وقال غير واحد عن الحسن البصري قال سمعت عثمان يأمر في خطبته بذبح وقتل الكلاب وروى سيف ابن عمر أن أهل المدينة اتخذ بعضهم الحمام ورمى بعضهم بالجلاهقات فوكل عثمان رجلا من بني ليث يتبع ذلك فيقص الحمام ويكسر الجلاهقات وهي قسى البندق وقال محمد بن سعد أنبأنا القعنبي وخالد بن مخلد ثنا محمد بن هلال عن جدته وكانت تدخل على عثمان وهو محصور فولدت هلالا ففقدها يوما فقيل له إنها قد ولدت هذه الليلة غلاما قالت فأرسل إلي بخمسين درهما وشقيقة سنبلانية وقال هذا عطاء ابنك وكسوته فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مائة وروى الزبير ابن أبي بكر عن محمد بن سلام عن ابن بكار قال قال ابن سعيد بن يربوع بن عتكة المخزومي انطلقت وأنا غلام في الظهيرة ومعي طير أرسله في المسجد والمسجد بيننا فإذا شيخ جميل حسن الوجه نائم تحت رأسه لبنة أو بعض لبنة فقمت أنظر إليه أتعجب من جماله ففتح عينيه فقال من أنت يا غلام فأخبرته فإذا غلام نائم قريبا منه فدعاه فلم يجبه فقال لي ادعه فدعوته فأمره بشيء وقال لي اقعد فذهب الغلام فجاء بحلة وجاء بألف درهم ونزع ثوبي وألبسني الحلة وجعل الألف (7/214)
درهم فيها فرجعت إلى أبي فأخبرته فقال يا بني من فعل هذا بك فقلت لا أدري إلا أنه رجل في المسجد نائم لم أر قط أحسن منه قال ذاك أمير المؤمنين عثمان بن عفان وقال عبد الرزاق عن ابن جرير أخبرني يزيد بن خصيفة عن أبي السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التميمي أهي صلاة طلحة بن عبيد الله عن صلاة عثمان قال نعم قال قلت لأغلبن الليلة النفر على الحجر يعني المقام فلما قمت فإذا رجل يرجمني مقنعا قال فالتفت فإذا بعثمان يرحمني فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد بسجود القرآن حتى إذا قلت هذا هو أذان الفجر أوتر بركعة لم يصل غيرها ثم انطلق وقد روى هذا من غير وجه أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر الأسود أيام الحج وقد كان هذا من دأبه رضي الله عنه ولهذا روينا عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قال هو عثمان بن عفان وقال ابن عباس في قوله تعالى هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم قال هو عثمان وقال حسان ... ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرانا ...
وقال سفيان بن عيينة ثنا إسرائيل بن موسى سمعت الحسن يقول قال عثمان لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا وإني لأكره أن يأتي علي يوم لا أنظر في المصحف وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم النظر فيه وقال أنس ومحمد بن سيرين قالت امرأة عثمان يوم الدار اقتلوه أو دعوه فوالله لقد كان يحيى بالقرآن في ركعة وقال غير واحد إنه رضي الله عنه كان لا يوقظ احدا من أهله إذا قام من الليل ليعينه على وضوئه إلا أن يجده يقظانا وكان يصوم الدهر وكان يعاتب فيقال لو أيقظت بعض الخدم فيقول لا الليل لهم يستريحون فيه وكان إذا اغتسل لا يرفع المئزر عنه وهو في بيت مغلق عليه ولا يرفع صلبه جيدا من شدة حيائه رضي الله عنه
شيء من خطبه
قال الواقدي حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عن أبيه أن عثمان لما بويع خرج إلى الناس فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أول كل مركب صعب وإن بعد اليوم أياما وإن أعش تأتكم الخطب على وجهها وما كنا خطباء وسيعلمنا الله وقال الحسن خطب عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس اتقوا الله فإن تقوى الله غنم وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت واكتسب من نور الله نورا لظلمة القبر وليخش عبد أن يحشره الله أعمى وقد كان بصيرا وقد يلقى الحكيم جوامع الكلم والأصم ينادي من مكان بعيد واعلموا أن من كان الله له لم يخف شيئا ومن كان الله (7/215)
عليه فمن يرجو بعده وقال مجاهد خطب عثمان فقال ابن آدم أعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطى إلى غيرك منذ أنت في الدنيا وكأنه قد تخطى غيرك إليك وقصدك فخذ حذرك واستعدله ولا تغفل فأنه لا يغفل عنك واعلم ابن آدم إن غفلت عن نفسك ولم تستعد لها لم يستعد لها غيرك ولا بد من لقاء الله فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك والسلام وقال سيف بن عمر عن بدر بن عثمان عن عمه قال آخر خطبة خطبها عثمان في جماعة إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الاخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى لا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية وآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله اتقوا الله فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } إلى آخر الآيتين
قال الإمام أحمد حدثنا هشيم ث ثنا محمد بن قيس الأسدي عن موسى بن طلحة قال سمعت عثمان بن عفان وهو على المنبر والمؤذن يقيم الصلاة وهو يستخبر الناس يسألهم عن أخبارهم وأسفارهم وقال أحمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا يونس يعني ابن عبيد حدثني عطاء بن فروخ مولى القشيين أن عثمان اشترى من رجل أرضا فأبطأ عليه فلقيه فقال ما منعك من قبض مالك قال إنك غبنتني فما ألقى من الناس أحدا إلا وهو يلومني قال أذلك يمنعك قال نعم قال فاختر بين أرضك ومالك ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أدخل الله الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا وروى ابن جرير أن طلحة لقى عثمان وهو خارج إلى المسجد فقال له طلحة إن الخمسين ألفا التي تلك عندي قد حصلت فأرسل من يقبضها فقال له عثمان إنا قد وهبناكها لمروءتك وقال الأصمعي استعمل ابن عامر قطن بن عوف الهلالي على كرمان فأقبل جيش من المسلمين أربعة آلاف وجرى الوادي فقطعهم عن طريقهم وخشى قطن الفوت فقال من جاز الوادي فله ألف درهم فحملوا أنفسهم على العوم فكان إذا جاز الرجل منهم قال قطن اعطوه جائزته حتى جازوا جميعا وأعطاهم أربعة آلاف درهم فأبى ابن عامر أن يحسبها له فكتب بذلك إلى عثمان بن عفان فكتب عثمان أن أحسبها له فأنه إنما أعان المسلمين في سبيل الله فمن ذلك اليوم سميت الجوائز لا جازة الوادي فقال الكناني ذلك
... فدى للأكرمين بني هلال ... على علاتهم أهلي ومالي (7/216)
هموا سنو الجوائز في معد ... فعادت سنة أخرى الليالي ... رماحهم تزيد على ثمان ... وعشر قبل تركيب النصال ... فصل ومن مناقبة الكبار وحسناته العظيمة أنه جمع الناس على قارءة واحدة وكتب المصحف على العرضة الأخيرة التي درسها جبريل على رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر سني حياته وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان كان في بعض الغزوات وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود وأبي الدرداء وجماعة من أهل العراق ممن يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود وأبي موسى وجعل من لا يعلم بسوغان القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره وربما خطأ الآخر أو كفره فأدى ذلك إلى اختلاف شديد وانتشار في الكلام السىء بين الناس فركب حذيفة إلى عثمان فقال يا أمير المؤمنين أدرك هذه المة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم وذكر له ما شاهد من اختلاف الناس في القراءة فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه لما رأى في ذلك من مصلحة كف المنازعة ودفع الاختلاف فاستدعى بالصحف التي كان الصديق أمر زيد بن ثابت يجمعها فكانت عند الصديق أيام حياته ثم كانت عند عمر فلما توفي صارت إلى حفصة أم المؤمنين فاستدعى بها عثمان وأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكتب وأن يملي عليه سعيد بن العاص الأموي بحضرة عبد الله بن الزبير الأسدي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش فكتب لأهل الشام مصحفا ولأهل مصر آخر بعث إلى البصرة مصحفا وإلى الكوفة بآخر وأرسل إلى مكة مصحفا وإلى اليمين مثله وأقر بالمدينة مصحفا ويقال لهذه المصاحف الائمة وليست كلها بخط عثمان بل ولا واحد منها وإنما هي بخط زيد بن ثابت وإنما يقال لها المصاحف الائمة وليست كلها بخط عثمان بل ولا واحد منها وإنما هي بخط زيد بن ثابت وإنما يقال لها المصاحف العثمانيه نسبة إلى أمره وزمانه وإمارته كما يقال دينار هرقلي أي ضرب في زمانه ودولته قال الواقدي حدثنا ابن أبي سبرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ورواه غيره من وجه آخر عن أبي هريرة قال لما نسخ عثمان المصاحف دخل عليه أبو هريرة فقال أصبت ووفقت أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن أشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون ولم يروني يعملون بما في الورق المعلق فقلت أي ورق حتى رأيت المصاحف قال فأعجب ذلك عثمان وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف وقال والله ما علمت أنك لتجلس علينا حديث نبينا (7/217)
صلى الله عليه و سلم ثم عمد إلى بقية المصاحف التي بأيدي الناس مما يخالف ما كتبه فحرقه لئلا يقع بسببه اختلاف فقال أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن قالا ثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة قال قال لي علي حين حرق عثمان المصاحف لو لم يصنعه هو لصنعته وهكذا رواه أبو داود الطيالسي وعمرو بن مرزوق عن شعبة مثله وقد رواه البيهقي وغيره من حديث محمد بن أبان زوج أخت حسين عن علقمة بن مرثد قال سمعت العيزار بن جرول سمعت سويد بن غفلة قال قال علي أيها الناس إياكم والغلو في عثمان تقولون حرق المصاحف والله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ولو وليت مثل ما ولي لفعلت مثل الذي فعل وقد روى عن ابن مسعود أنه تعتب لما أخذ منه مصحفه فحرق وتكلم في تقدم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف وأمر أصحابه أن يغلوا مصاحفهم وتلا قوله تعالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة فكتب إليه عثمان رضي الله عنه يدعوه إلى اتباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة ذلك وجمع الكلمة وعدم الاختلاف فأناب وأجاب إلى المتابعة وترك المخالفة رضي الله عنهم أجمعين
وقد قال أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله بن مسعود دخل مسجد مني فقال كم صلى أمير المؤمنين الظهر قالوا أربعا فصلى ابن مسعود أربعا فقالوا ألم تحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبا بكر وعمر صلوا ركعتين فقال نعم وأنا أحدثكموه الان ولكني أكره الاختلاف وفي الصحيح أن ابن مسعود قال ليت حظي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين وقال الأعمش حدثني معاوية بن قرة بواسط عن أشياخه قالوا صلى عثمان الظهر بمنى أربعا فبلغ ذلك ابن مسعود فعاب عليه ثم صلى بأصحابه العصر في رحله أربعا فقيل له عتبت على عثمان وصليت أربعا فقال إني أكره الخلاف وفي رواية الخلاف شر فإذا كان هذا متابعة من ابن مسعود إلى عثمان في هذا الفرغ فكيف بمتابعته إياه في أصل القرآن والاقتداء به في التلاوة التي عزم على الناس أن يقرؤا بها لا بغيرها وقد حكى الزهري وغيره أن عثمان إنما أتم خشية على الأعراب أن يعتقدوا أن فرض الصلاة ركعتان وقيل بل قد تأهل بمكة فروى يعلى وغيره من حديث عكرمة بن إبراهيم حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن ابي ذباب عن أبيه أن عثمان صلى بهم بمنى أربع ركعات ثم أقبل عليهم فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا تزوج الرجل ببلد فهو من أهله وإني أتممت لأني تزوجت بها منذ قدمتها وهذا الحديث لا يصح وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم في عمرة القضاء بميمونة بنت الحارث ولم يتم الصلاة وقد قيل إن عثمان تأول أنه أمير المؤمنين حيث كان وهكذا تأولت عائشة فأتمت وفي هذا التأويل نظر فأن رسول الله صلى الله عليه و سلم هو رسول الله (7/218)
حيث كان ومع هذا ما أتم الصلاة في الأسفار ومما كان يعتمده عثمان بن عفان أنه كان ( 1 ) يلزم عماله بحضور الموسم كل عام ويكتب إلى الرعايا من كانت له عند أحد منهم مظلمة فليواف إلى الموسم فأني آخذ له حقه من عامله وكان عثمان قد سمح لكثير من كبار الصحابة في المسير حيث شاءوا من البلاد وكان عمر يحجر عليهم في ذلك حتى ولافى الغزو ويقول إني أخاف أن تروا الدنيا وأن يراكم ابناؤها فلما خرجوا في زمان عثمان اجتمع عليهم الناس وصار لكل واحد أصحاب وطمع كل قوم في تولية صاحبهم الإمارة العامة بعد عثمان فاستعجلوا موته واستطالوا حياته حتى وقع ما وقع من بعض أهل الأمصار كما تقدم فأنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم العلي العظيم
ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم
تزوج برقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فولد له منها عبد الله وبه كان يكنى بعد ما كان يكنى في الجاهلية بأبي عمرو ثم لما توفيت تزوج بأختها أم كلثوم ثم توفيت فتزوج بفاختة بنت غزوان بن جابر فولد له منها عبيد الله الأصفر وتزوج بأم عمرو بنت جندب بن عمرو الأزدية فولدت له عمرا وخالدا وأبانا وعمر ومريم وتزوج بفاطمة بنت الوليد بن عبد شمس المخزومية فولدت له الوليد وسعيدا وتزوج أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزارية فولدت له عبد الملك ويقال عتبة وتزوج رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي فولدت له عائشة وأم أبان وأم عمرو بنات عثمان وتزوج نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن حصن ابن ضمضم بن عدي بن حيان بن كليب فولدت له مريم ويقال وعنبسة وقتل رضي الله عنه وعنده اربع نائلة ورملة وأم البنين وفاختة ويقال إنه طلق أم البنين وهو محصور فضل
تقدم في دلائل النبوة الحديث الذي رواه الأمام أحمد وأبو داود من حديث سفيان الثوري عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية الكاهلي عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن رحا الإسلام ستدور لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فإن تهلك فسبيل ما هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما قال فقال عمر يا رسول الله أبما مضى أم بما بقى قال بل بما بقى وفي لفط له ولأبي داود تدور رحا الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين الحديث وكان هذا الشك من الراوي والمحفوظ في نفس الأمر خمس وثلاثين فإن فيها قتل أمير المؤمنين (7/219)
عثمان علي الصحيح وقيل ست وثلاثين والصحيح الأول وكانت أمور شنيعة ولكن الله سلم ووقى بحوله وقوته فلم يكن بأسرع من أن بايع الناس علي بن أبي طالب رضي الله عنه وانتظم الأمر واجتمع الشمل ولكن جرت بعد ذلك أمور في يوم الجمل وأيام صفين على ما سنبينه إن شاء الله تعالى
فصل في ذكر من توفي زمان عثمان ممن لا يعرف وقت وفاته على التعيين
أنس بن معاذ بن أنس بن قيس الأنصاري النجاري ويقال له أنيس أيضا شهد المشاهد كلها رضي الله عنه
أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت الأنصاريان شهد بدرا وأوس هو زوج المجادلة المذكور في قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير وأمرأته خولة بنت ثعلبة
أوس بن خولى الأنصاري من بني الحبلى شهد بدرا وهو المنفرد من بين الأنصار بحضور غسل النبي صلى الله عليه و سلم والنزول مع أهله في قبره عليه الصلاة و السلام
الحر بن قيس كان سيدا في الأنصار ولكن كان بخيلا ومتهما بالنفاق يقال إنه شهد بيعة الرضوان فلم يبايع واستتر ببعير له وهو الذي نزل فيه قوله تعالى ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنى ألا في الفتنة سقطوا الآية وقد قيل إنه تاب وأقلع فالله أعلم
الحطيئة الشاعر المشهور قيل اسمه جرول ويكنى بأبي مليكة من بني عبس أدرك أيام الجاهلية وأدرك صدرا من الإسلام وكان يطوف في الآفاق يمتدح الرؤساء من الناس ويستجديهم ويقال كان بخيلا مع ذلك سافر مرة فودع امرأته فقال لها ... عدي السنين إذا خرجت لغيبة ... ودعي الشهور فأنهن قصار ...
وكان مداحا هجاء وله شعر جيد ومن شعره ما قاله بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فاستجاد منه قوله ... من يفعل الخير لم يعدم جوائزه ... لا يذهب العرف بين الله والناس ...
( )
خبيب بن يساف بن عتبة الأنصاري أحد من شهد بدرا سلمان بن ربيعة الباهلي يقال له صحبه كان من الشجعان الأبطال المذكورين والفرسان المشهورين ولاه عمر قضاء الكوفة ثم (7/220)
ولي في زمن عثمان إمرة على قتال الترك فقتل ببلنجر فقبره هناك في تابوت يستسقى به الترك إذا قحطوا عبد الله بن حذافة بن قيس القرشي السهمي هاجر هو وأخوه قيس إلى الحبشة وكان من سادات الصحابة وهو القائل يا رسول الله من أبى وكان إذا لاحى الرجال دعى لغير أبيه فقال أبوك حذافة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسله إلى كسرى فدفع كتابه إلى عظيم بصرى فبعث معه من يوصله ( 1 ) إلى هرقل كما تقدم وقدأسرته الروم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي جملة ثمانين من المسلمين فأرادوه على الكفر فأبى عليهم فقال له الملك قبل رأسي وأنا أطلقك ومن معك من المسلمين فقبل رأسه فأطلقهم فلما قدم على عمر قال له حق على كل مسلم أن يقبل رأسك ثم قام عمر فقبل رأسه قبل الناس رضي الله عنه عبد الله بن سراقة بن المعتمر العدوي صحابي أحدى وزعم الزهري أنه شهد بدرا فالله أعلم عبد الله بن قيس بن خالد الأنصاري شهد بدرا ( 3 ) عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري الحارثي شهد أحدا وما بعدها وقال ابن عبد البر شهد بدرا استعمله عمر على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان وقد نهشته حية فرقاه عمارة بن حزم وهو القائل لأبي بكر وقد جاءته جدتان فأعطى السدس أم الأم وترك الأخرى وهي أم الأب فقال له أعطيت التي لو ماتت لم يرثها وتركت التي لو ماتت لورثها فشرك بينهما عمروبن سراقة بن المعتمر العدوي أخو عبد الله بن سراقة وهو بدرى كبير روى أنه جاع مرة فربط حجرا على بطنه من شدة الجوع ومشى يومه ذلك إلى الليل فأضافه قوم من العرب ومن معه فلما شبع قال لأصحابه كنت أحسب الرجلين يحملان البطن فإذاالبطن يحمل الرجلين
عمير ( 4 ) بن سعد الأنصاري الأوسي صحابي جليل القدر كبير المحل كان يقال له نسيج وحده لكثرة زهادته وعبادته شهد فتح الشام مع أبي عبيدة وناب بحمص وبدمشق ايضا في زمان عمر فلما كانت خلافة عثمان عزله وولى كان شاعرا مغرما في ابنه عم له وهي عفراء بنت مهاجر يقول فيها الشعر واشتهر معاوية الشام بكماله وله أخبار يطول ذكرها عروة بن حزام أبو سعيد العدوي بحبها فارتحل أهلها من الحجاز إلى الشام فتبعهم عروة فخطبها إلى عمه فامتنع من تزويجه لفقره وزوجها بابن عمها الآخر فهلك عروة هذا في محبتها وهو مذكور في كتاب مصارع العشاق ومن شعره فيها قوله ... وما هي إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب ... واصرف عن رأيي الذي كنت أرتأي ... وأنسى الذي أعددت حين تغيب ... قطبة بن عامر أبو زيد الأنصاري عقبى بدرى قيس بن مهدى بن قيس بن ثعلبة الأنصاري (7/221)
النجاري له حديث في الركعتين قبل الفجر وزعم ابن ماكولا أنه شهد بدرا قال مصعب الزبيري هو جد يحيى بن سعيد الأنصاري وقال الأكثرون بل هو جد أبي مريم عبد الغفار ابن القاسم الكوفي فالله أعلم لبيد بن ربيعة أبو عقيل العامري الشاعر المشهور صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ... ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وتمام البيت وكل نعيم لا محالة زائل ...
فقال عثمان بن مظعون إلا نعيم الجنة وقد قيل إنه توفي سنة إحدى وأربعين فالله أعلم المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي شهد بيعة الرضوان وهو والد سعيد بن المسيب سيد البالغين معاذ بن عمرو بن الجموح الأنصاري شهد بدرا وضرب يومئذ أبا جهل بسيفه فقطع رجله وحمل عكرمة بن أبي جهل على معاذ هذا فضربه بالسيف فحل يده من كتفه فقاتل بقية يومه وهي معلقة يسحبها خلفه قال معاذ فلما انتهيت وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتىطرحتها رضي الله عنه وعاش بعد ذلك إلى هذه السنة سنة خمس وثلاثين
محمد بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي ولد لأبيه وهو بالحبشة فلما هاجر إلى المدينة سنة خيبر وتوفي يوم مؤتة شهيدا جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم إلىمنزلهم فقال لأمهم أسماء بنت عميس ايتيني ببني وأخي فجىء بهم كأنهم أفرخ فجعل يقبلهم ويشمهم ويبكي فبكت أمهم فقال أتخافين عليهم العيلة وأنا وليهم في الدنيا والاخرة ثم أمر الحلاق فحلق رؤسهم وقد مات محمد وهو شاب في أيام عثمان كما ذكرنا وزعم ابن عبد البر أنه توفي في تستر فالله أعلم معبد بن العباس بن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل شابا بأفريقية من بلاد المغرب معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي صاحب خاتم النبي صلى الله عليه و سلم قيل توفي في أيام عثمان وقيل قبل ذلك وقيل سنة أربعين والله أعلم منقذ عمرو الأنصاري أحد بني مازن بن النجار كان قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه وضعف عقله وكان يكثر من البيع والشراء فقال له النبي صلى الله عليه و سلم من بايعت فقل لا خلابة ثم أنت بالخيار في كل ما تشتريه ثلاثة أيام قال الشافعي كان مخصصا باثبات الخيار ثلاثة في كل بيع سواء اشترط الخيار أم لا نعيم بن مسعود أبو سلمة الغطفاني وهو الذي خذل بين الأحزاب وبين بني قريظة كما قدمناه فله بذلك اليد البيضاء والراية العليا أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي الشاعر أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم وشهد يوم السقيفة وصلى على النبي صلى الله عليه و سلم وكان أشعر هذيل وهذيل أشعر العرب وهو القائل ... وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع ... وتجلدي للشامتين أريهم ... أين لريب الدهر لا اتضعضع ...
توفي غازيا بافريقية في خلافة عثمان أبو رهم سبرة ابن عبد العزي القرشي الشاعر ذكره (7/222)
في هذا الفصل محمد بن سعد وحده أبو زبيد الطائي الشاعر اسمه حرملة بن المنذر كان نصرانيا وكان يجالس الوليد بن عقبة فأدخله على عثمان فاستنشده شيئا من شعره فأنشده قصيدة له في الأسد بديعة فقال له عمثان تفتأ تذكر الأسد ما حييت إني لأحسبك جبانا نصرانيا أبو سبرة بن أبي رهم العامري أخو أبي سلمة بن عبد الأسد أمهما برة بنت عبد المطلب هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا وما بعدها قال الزبير لا نعلم بدريا سكن مكة بعد النبي صلى الله عليه و سلم سواه قال وأهله ببدر في ذلك أبو لبابة بن عبد المنذر أحد نقباء ليلة العقبة وقيل إنه توفي في خلافة على والله أعلم أبو هاشم بن عتبة تقدم وفاته في سنة إحدى وعشرين وقيل في خلافة عثمان والله أعلم
خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب واسمه شيبة بن هاشم واسمه عمرو ابن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو الحسن والحسين ويكنى بأبي تراب وأبي القسم الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وختنه على ابنته فاطمة الزهراء وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ويقال إنها أول هاشمية ولدت هاشميا وكان له من الاخوة طالب وعقيل وجعفر وكانوا أكبر منه بين كل واحد منهم وبين الاخر عشر سنين وله أختان أم هانىء وجمانة وكلهم من فاطمة بنت أسد وقد أسلمت وهاجرت كان على أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى وكان ممن توفى ورسول الله صلى الله عليه و سلم راض عنهم وكان رابع الخلفاء الراشدين وكان رجلا آدم شديدا لأدمة أشكل العينين عظيمهما ذو بطن أصلع وهو إلى القصر أقرب وكان عظيم اللحية قد ملأت صدره ومنكبيه أبيضها وكان كثير شعر الصدر والكتفين حسن الوجه ضحوك السن خفيف المشي على الأرض أسلم على قديما وهو ابن سبع وقيل ابن ثمان وقيل تسع وقيل عشر وقيل أحد عشر وقيل إثنى عشر وقيل ثلاثة عشر وقيل أربع عشرة وقيل ابن خمس عشرة أو ست عشرة سنة قاله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن ويقال إنه أول من أسلم والصحيح أنه أول من أسلم من الغلمان كما أن خديجة أول من أسلمت من النساء وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي وأبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال الأحرار وكان سبب إسلام على صغيرا أنه كان في كفالة رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه كان قد أصابتهم سنة مجاعة فأخذوه من أبيه فكان عنده فلما (7/223)
بعثه الله بالحق آمنت خديجة وأهل البيت ومن جملتهم على وكان الإيمان النافع المتعدى نفعه إلى الناس إيمان الصديق رضي الله عنه وقد ورد عن علي أنه قال أنا أول من أسلم ولا يصح إسناده إليه وقد روى في هذا المعنى أحاديث أوردها ابن عساكر كثيرة منكرة لا يصح شيء منها والله أعلم وقد روى الإمام أحمد من حديث شعبة عن عمرو بن مرة سمعت أبا حمزة رجلا من موالي الأنصار قال سمعت زيد بن أرقم يقول أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم علي وفي رواية أول من صلى قال عمرو فذكرت ذلك للنخعي فأنكره وقال أبو بكر أول من أسلم وقال محمد بن كعب القرظي أول من آمن من النساء خديجة وأول رجلين آمنا ابو بكر وعلي ولكن كان أبو بكر يظهر إيمانه وعلي يكتم إيمانه قلت يعني خوفا من أبيه ثم أمره أبوه بمتابعة ابن عمه ونصرته وهاجر على بعد خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة وكان قد أمره بقضاء ديونه ورد ودائعه ثم يلحق به فامتثل ما أمره به ثم هاجر وآخى النبي صلى الله عليه و سلم بينه وبين سهل بن حنيف وذكر ابن إسحاق وغيره من أهل السير والمغازي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم آخى بينه وبين نفسه وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة لا يصح شيء منها لضعف أسانيدها وركة بعض متونها فان في بعضها أنت أخي ووارثي وخليفتي وخير من أمر بعدي وهذا الحديث موضوع مخالف لما ثبت في الصحيحين وغيرهما والله أعلم وقد شهد علي بدرا وكانت له اليد البيضاء فيها بارز يومئذ فغلب وظهر وفيه وفي عمه حمزة وابن عمه عبيدة ابن الحارث وخصومهم الثلاثة عتبة وشيبة والوليد بن عتبة نزل قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية وقال الحكم وغيره عن مقسم عن ابن عباس قال دفع النبي صلى الله عليه و سلم الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة وقال الحسن بن عرفة حدثني عمار بن محمد عن سعيد بن محمد الحنظلي عن أبي جعفر محمد بن علي قال نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي قال ابن عساكر وهذا مرسل وإنما تنفل رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه ذا الفقار يوم بدر ثم وهبه من علي بعد ذلك وقال يونس بن بكير عن مسعر عن أبي عوف عن أبي صالح عن علي قال قيل لي يوم بدر ولأبي بكر قيل لأحدنا معك جبريل ومع الآخر ميكائيل قال وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل ويكون في الصف وشهد علي أحدا وكان على الميمنة ومعه الراية بعد مصعب ابن عمير وعلى الميسره المنذر بن عمرو الأنصاري وحمزة بن عبد المطلب على القلب وعلى الرجالة الزبير بن العوام وقيل المقداد بن الأسود وقد قاتل علي يوم أحد قتالا شديدا وقتل خلقا كثيرا من المشركين وغسل عن وجه النبي صلى الله عليه و سلم الدم الذي كان أصابه من الجراح حين شج في وجهه وكسرت رباعتيه وشهد يوم الخندق فقتل يومئذ فارس العرب وأحد شجعانهم المشاهير عمرو ابن عبدود العامري كما قدمنا ذلك في غزوة الخندق وشهد الحديبية وبيعة الرضوان وشهد خيبر (7/224)
وكانت له بها مواقف هائلة ومشاهد طائلة منها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فبات الناس يذكرون أيهم يعطاها فدعا عليا وكان أرمد فدعا له وبصق في عينه فلم يرمد بعدها فبرأ وأعطاه الراية ففتح الله على يديه وقتل مرحبا اليهودي
وذكر محمد بن إسحاق عن عبد الله بن حسن عن بعض أهله عن أبي رافع أن يهوديا ضرب عليا فطرح ترسه فتناول بابا عند الحصن فتترس به فلم يزل في يده حتى فتح الله على يديه ثم ألقاه من يده قال أبو رافع فلقد رأيتني أنا وسبعة معي نجتهد أن نقلب ذلك الباب على ظهره يوم خيبر فلم نستطع وقال ليث عن أبي جعفر عن جابر أن عليا حمل الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها فلم يحملوه إلا أربعون رجلا ومنها أنه قتل مرحبا فارس يهود وشجعانهم وشهد علي عمرة القضاء وفيها قال له النبي صلى الله عليه و سلم أنت مني وأنا منك وما يذكره كثير من القصاص في مقاتلته الجن في بئر ذات العلم وهو بئر قريب من الجحفة فلا أصل له وهو من وضع الجهلة من الأخباريين فلا يغتر به وشهد الفتح وحنينا والطائف وقاتل في هذه المشاهد قتالا كثيرا واعتمر من الجعرانة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 1 ) إلى تبوك واستخلفه على المدينة قال له يا رسول الله اتخلفني مع النساء والصبيان فقال ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم أميرا وحاكما على اليمن ومعه خالد ابن الوليد ثم وافى رسول الله صلى الله عليه و سلم عام حجة الوداع إلى مكة وساق معه هديا وأهل كأهلال النبي صلى الله عليه و سلم فأشركه في هديه واستمر على إحرامه ونحرا هديهما بعد فارغ نسكهما كما تقدم ( 2 ) ولما مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له العباس سل رسول الله صلى الله عليه و سلم فيمن الأمر بعده فقال والله لا أسأله فإنه إن منعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدا والأحاديث الصحيحة الصريحة دالة على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يوص إليه ولا إلى غيره بالخلافة بل لوح بذكر الصديق وأشار إشارة مفهمة ظاهرة جدا إليه كما قدمنا ذلك ولله الحمد
وأما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصاص الأغبياء من أنه أوصى إلى علي بالخلافة فكذب وبهت وافتراء عظيم يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده على ترك إنفاذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه وصرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى ولا لسبب وكل مؤمن بالله ورسوله يتحقق أن دين الأسلام هو الحق يعلم بطلان هذا الافتراء لأن الصحابة كانوا خير الخلق بعد الأنبياء وهم خير قرون هذه الأمة التي هي أشرف الأمم بنص القرآن وإجماع (7/225)
السلف والخلف في الدنيا والآخرة ولله الحمد وما قد يقصه بعض القصاص من العوام وغيرهم في الأسواق وغيرها من الوصية لعلي في الآداب والأخلاق في المأكل والمشرب والملبس مثل ما يقولون يا علي لا تعتم وأنت قاعد يا علي لا تلبس سراويلك وأنت قائم يا علي لا تمسك عضادتي الباب ولا تجلس على أسكفة الباب ولا تخيط ثوبك وهو عليك ونحو ذلك كل ذلك من الهذيانات فلا أصل لشيء منه بل هو اختلاق بعض السفلة الجهلة ولا يعول على ذلك ويغتر به إلا غبي عيى ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم كان علي من جملة من غسله وكفنه وولي دفنه كما تقدم ذلك مفصلا ولله الحمد والمنة وسيأتي في باب فضائله ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه و سلم له من فاطمة بعد وقعة بدر فولد له منها حسن وحسين ومحسن كما قدمنا وقد وردت أحاديث في ذلك لا يصح شيء منها بل أكثرها من وضع الروافض والقصاص ولما بويع الصديق يوم السقيفة كان علي من جملة من بايع بالمسجد كما قدمنا وكان بين يدي الصديق كغيره من أمراء الصحابة يرى طاعته فرضا عليه وأحب الأشياء إليه ولما توفيت فاطمة بعد ستة أشهر وكانت قد تغضبت بعض الشيء على أبي بكر بسبب الميراث الذي فاتها من أبيها عليه السلام ولم تكن اطلعت علىالنص المختص بالأنبياء وأنهم لا يورثون فلما بلغها سألت أبا بكر أن يكون زوجها ناظرا على هذه الصدقة فأبى ذلك عليها فبقي في نفسها شيء كما قدمنا واحتاج علي أن يداريها بعض المداراه فلما توفيت جدد البيعة مع الصديق رضي الله عنهما فلما توفي أبو بكر وقام عمر في الخلافة بوصية أبي بكر إليه بذلك كان علي من جملة من بايعه وكان معه يشاوره في الأمور ويقال إنه استقضاه في أيام خلافته وقدم معه من جملة سادات أمراء الصحابة إلى الشام وشهد خطبته بالجابية فلما طعن عمر وجعل الأمر شورى في ستة أحدهم علي ثم خلص منهم بعثمان وعلي كما قدمنا فقدم عثمان على علي فسمع وأطاع فلما قتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمسة وثلاثين على المشهور
عدل الناس إلى علي فبايعوه قبل أن يدفن عثمان وقيل بعد دفنه كما تقدم وقد امتنع علي من إجابتهم إلى قبول الإمارة حتى تكرر قولهم له وفر منهم إلى حائط بني عمرو بن مبدول وأغلق بابه فجاء الناس فطرقوا الباب وولجوا عليه وجاؤوا معهم بطلحة والزبير فقالوا له إن هذا الأمر لا يمكن بقاؤه بلا أمير ولم يزالوا به حتى أجاب
ذكر بيعة علي رضي الله عنه بالخلافة
يقال أن أول من بايعه طلحة بيده اليمنى وكان شلاء من يوم أحد لما وقى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بعض القوم والله إن هذا الأمر لا يتم وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وعمامة خز ونعلاه في يده توكأ على قوسه فبايعه عامة الناس وذلك يوم السبت التاسع عشر (7/226)
من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ويقال إن طلحة والزبير إنما بايعاه بعد أن طلبهما وسألاه أن يؤمرهما على البصرة والكوفة فقال لهما بل تكونا عندي أستأنس بكما ومن الناس من يزعم أنه لم يبايعه طائفة من الأنصار منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد ومحمد بن مسلمة والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة ذكره ابن جرير من طريق المدائني عن شيخ من بني هاشم عن عبد الله بن الحسن قال المدائني حدثني من سمع الزهري يقول هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم بايعوا عليا ولم يبايعه قدامة بن مظعون وعبد الله بن سلام والمغيرة بن شعبة قلت وهرب مروان بن الحكم والوليد بن عقبة وآخرون إلى الشام وقال الواقدي بايع الناس عليا بالمدينة وتربص سبعة نفر لم يبايعوا منهم ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وصهيب وزيد بن ثابت ومحمد بن أبي مسلمة وسلمة بن سلامة بن رقش وأسامة بن زيد ولم يتخلف أحد من الأنصار إلا بايع فيما نعلم وذكر سيف بن عمر عن جماعة من شيوخه قالوا بقيت المدينة خمسة أيام بعد مقتل عثمان وأميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر والمصريون يلحون على علي وهو يهرب منهم إلى الحيطان ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه والبصريون يطلبون طلحة فلا يجيبهم فقالوا فيما بينهم لا نولي أحدا من هؤلاء الثلاثة فمضوا إلى سعد بن أبي وقاص فقالوا إنك من أهل الشورى فلم يقبل منهم ثم راحوا إلى ابن عمر فأبى عليهم فحاروا في أمرهم ثم قالوا أن نحن رجعنا إلى أمصارنا بقتل عثمان من إمرة اختلف الناس في أمرهم ولم نسلم فرجعوا إلى علي فألحوا عليه وأخذ الأشتر بيده فبايعه وبايعه الناس وأهل الكوفة يقولون أول من بايعه الأشتر النخعي وذلك يوم الخميس الرابع والعشرون من ذي الحجة وذلك بعد مراجعة الناس لهم في ذلك وكلهم يقول لا يصلح لها إلا علي فلما كان يوم الجمعة وصعد على المنبر بايعه من لم يبايعه بالأمس وكان أول من بايعه طلحة بيده الشلاء فقال قائل إنا لله وإنا إليه راجعون ثم الزبير ثم قال الزبير إنما بايعت عليا واللج على عنقي والسلام ثم راح إلى مكة فأقام أربعة أشهر وكانت هذه البيعة يوم الجمعة لخمسة بقين من ذي الحجة وكان أول خطبة خطبها أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله تعالى أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر فخذوا بالخير ودعوا الشر إن الله حرم حرما مجهولة وفضل حرمة المسلم عل الحرم كلها وشد بالاخلاص والتوحيد حقوق المسلمين والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق لا يحل لمسلم أذى مسلم إلا بما يجب بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت فان الناس أمامكم وإنما خلفكم الساعة تحدو بكم فتخففوا تلحقوا فإنما ينتظر بالناس أخراهم اتقوا الله عباده في عباده وبلاده فإنكم مسؤلون حتى عن البقاع والبهائم ثم أطيعوا الله ولا تعصوه (7/227)
وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض الآية فلما فرغ من خطبته قال المصريون ... خذها إليك واحذرن أبا الحسن ... إنما نمر الأمر إمرار الرسن ... صولة آساد كآساد السفن ... بمشرفيات كغدران اللبن ... ونطعن الملك بلين كالشطن ... حتى يمرن على غير عنن ...
فقال علي مجيبا لهم
... إن عجزت عجزة لا اعتذر ... سوف أكيس بعدها وأستمر ... أرفع من ذيلي ما كنت أجر ... وأجمع الأمر الشتيت المنتشر ... إن لم يشاغبني العجول المنتصر ... أو يتركوني والسلاح يبتدر ...
وكان على الكوفة أبو موسى الأشعري على الصلاة وعلى الحرب القعقاع بن عمرو وعلى الخراج جابر بن فلان المزني وعلى البصرة عبد الله بن عامر وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقد تغلب عليه محمد بن أبي حذيفة وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان ونوابه على حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعلى قنسرين حبيب بن سلمة وعلى الأردن أبو الأعور وعلى فلسطين حكيم بن علقمة وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس وعلى قرقيسيا جرير بن عبد الله البجلي وعلى حلوان عتيبة بن النهاس وعلى قيسارية مالك بن حبيب وعلى همذان حبيش هذا ما ذكره ابن جرير من نواب عثمان الذين توفي وهم نواب الأمصار وكان على بيت المال عقبة بن عمرو وعلى قضاء المدينة زيد بن ثابت ولما قتل عثمان بن عفان خرج النعمان بن بشير ومعه قميص عثمان مضمخ بدمه ومعه أصابع نائلة التي أصيبت حين حاجفت عنه بيدها فقطعت مع بعض الكف فورد به على معاوية بالشام فوضعه معاوية على المنبر ليراه الناس وعلق الأصابع في كم القميص وندب الناس إلى الأخذ بهذا الثأر والدم وصاحبه فتباكى الناس حول المنبر وجعل القميص يرفع تارة ويوضع تارة والناس يتباكون حوله سنة وحث بعضهم بعضا على الأخذ بثأره واعتزل اكثر الناس النساء في هذا العام وقام في الناس معاوية وجماعة من الصحابة معه يحرضون الناس على المطالبة بدم عثمان ممن قتله من اولئك الخوارج منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو أمامة وعمرو بن عنبسة وغيرهم من الصحابة ومن التابعين شريك بن حباشة وأبو مسلم الخولاني وعبد الرحمن بن غنم وغيرهم من التابعين ولما استقر أمر بيعة على دخل عليه طلحة والزبير ورؤس الصحابة رضي الله عنهم وطلبوا منه إقامة الحدود والأخذ بدم عثمان فاعتذر إليهم بأن هؤلاء لهم مدد وأعوان وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا فطلب منه الزبير أن يوليه (7/228)
إمرة الكوفة ليأتيه بالجنود وطلب منه طلحة أن يوليه إمرة البصرة ليأتيه منها بالجنود ليقوى بهم على شوكة هؤلاء الخوارج وجهلة الأعراب الذين كانوا معهم في قتل عثمان رضي الله عنه فقال لهما مهلا على حتى أنظر في هذا الأمر ودخل عليه المغيرة بن شعبة على إثر ذلك فقال له إني أرى أن تقر عمالك على البلاد فإذا أتتك طاعتهم استبدلت بعد ذلك بمن شئت وتركت من شئت ثم جاءه من الغد فقال له إني أرى أن تعزلهم لتعلم من يطيعك ممن يعصيك فعرض ذلك علي على ابن عباس فقال لقد نصحك بالأمس وغشك اليوم فبلغ ذلك المغيرة فقال نعم نصحته فلما لم يقبل غششته ثم خرج المغيرة فلحق بمكة ولحقه جماعة منهم طلحة والزبير وكانوا قد استأذنوا عليا في الاعتمار فأذن لهم ثم إن ابن عباس أشار على علي باستمرار نوابه في البلاد إلى أن يتمكن الأمر وأن يقر معاوية خصوصا على الشام وقال له إني أخشى إن عزلته عنها أن يطلبك بدم عثمان ولا آمن طلحة والزبير أن يتكلما عليك بسبب ذلك فقال علي إني لا أرى هذا ولكن اذهب أنت إلى الشام فقد وليتكها فقال ابن عباس لعلي إني أخشى من معاوية أن يقتلني بعثمان أو يحبسني لقرابتي منك ولكن اكتب معي إلى معاوية فمنه وعده فقال علي والله إن هذا مالا يكون أبدا فقال بان عباس يا أمير المؤمنين الحرب خدعة كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فوالله لئن أطعتني لأوردنهم بعد صدرهم ونهى ابن عباس عليا فيما أشار عليه أن يقبل من هؤلاء الذين يحسنون إليه الرحيل إلى العراق ومفارقة المدينة فأبى عليه ذلك كله وطاوع أمر اولئك الأمراء من اولئك الخوارج من أهل الأمصار
قال ابن جرير وفي هذه السنة قصد قسطنطين بن هرقل بلاد المسلمين في ألف مركب فأرسل الله عليه قاصفا من الريح فغرقه الله بحوله وقوته ومن معه ولم ينج منهم أحد إلا الملك في شرذمة قليلة من قومه فلما دخل صقليه عملوا له حماما فدخله فقتلوه فيه وقالوا أنت قتلت رجالنا
ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة
استهلت هذه السنة وقد تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الخلافة وولى على الأمصار نوابا فولى عبد الله بن عباس على اليمن وولى سمرة بن جندب ( 1 ) على البصرة وعمارة بن شهاب على الكوفة وقيس بن سعد بن عبادة على مصر وعلى الشام سهل بن حنيف بدل معاوية فسار حتى بلغ تبوك فتلقه خيل معاوية فقالوا من أنت فقال أمير قالوا على أي شيء قال علي الشام فقالوا إن كان عثمان بعثك فحي هلابك وإن كان غيره فارجع فقال أو ما سمعتم الذي (7/229)
كان قالوا بلى فرجع إلى علي وأما قيس بن سعد فاختلف عليه أهل مصر فبايع له الجمهور وقالت طائفة لا نبايع حتى نقتل قتلة عثمان وكذلك أهل البصرة وأما عمارة بن شهاب المبعوث أميرا على الكوفة فصده عنها طلحة بن خويلد غضبا لعثمان فرجع إلى علي فأخبره وانتشرت الفتنة وتفاقم الأمر واختلفت الكلمة وكتب أبو موسى إلى علي بطاعة أهل الكوفة ومبايعتهم إلا القليل منهم وبعث علي إلى معاوية كتبا كثيرة فلم يرد عليه جوابها وتكرر ذلك مرارا إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر ثم بعث معاوية طومارا مع رجل فدخل به علي على فقال ما وراءك قال جئتك من عند قوم لا يريدون إلا القود كلهم موتور تركت سبعين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان وهو على منبر دمشق فقال علي اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ثم خرج رسول معاوية من بين يدي علي فهم به اولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان يريدون قتله فما أفلت إلا بعد جهد وعزم على رضي الله عنه على قتال أهل الشام وكتب إلى قيس بن سعد بمصر يستنفر الناس لقتالهم وإلى أبي موسى بالكوفة وبعث إلى عثمان بن حنيف بذلك وخطب الناس فحثهم على ذلك وعزم على التجهز وخرج من المدينة واستخلف عليها قثم بن العباس وهو عازم أن يقاتل بمن أطاعه من عصاه وخرج عن أمره ولم يبايعه مع الناس وجاء إليه ابنه الحسن ابن علي فقال يا أبتي دع هذا فان فيه سفك دماء المسلمين ووقوع الاختلاف بينهم فلم يقبل منه ذلك بل صمم على القتال ورتب الجيش فدفع اللواء إلى محمد بن الحنفية وجعل ابن العباس على الميمنة وعمرو بن أبي سلمة على الميسرة وقيل جعل على الميسرة عمرو بن سفيان بن عبد الأسد وجعل على مقدمته أبا ليلى بن عمرو بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة واستخلف على المدينة قثم بن العباس ولم يبق شيء إلا أن يخرج من المدينة قاصدا إلى الشام حتى جاءه ما شغله عن ذلك كله وهو ما سنورده
ابتداء وقعة الجمل
لما وقع قتل عثمان بعد أيام التشريق كان أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أمهات المؤمنين قد خرجن إلى الحج في هذا العام فرارا من الفتنة فلما بلغ الناس أن عثمان قد قتل أقمن بمكة بعد ما خرجوا منها ورجعوا إليها وأقاموا بها وجعلوا ينتظرون ما يصنع الناس ويتجسسون الأخبار فلما بويع لعلي وصار حظ الناس عنده بحكم الحال وغلبة الرأي لاعن اختيار منه لذلك رؤس أولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان مع أن عليا في نفس الأمر يكرههم ولكنه تربص بهم الدوائر ويود لو تمكن منهم ليأخذ حق الله منهم ولكن لما وقع الأمر هكذا واستحوذوا عليه وحجبوا عنه علية الصحابة فر جماعة من بني أمية وغيرهم إلى مكة واستأذنه طلحة والزبير في الاعتمار فأذن لهما فخرجا إلى (7/230)
مكة وتبعهم خلق كثير وجم غفير وكان على لما عزم على قتال أهل الشام قد ندب أهل المدينة إلى الخروج معه فأبوا عليه فطلب عبد الله بن عمر بن الخطاب وحرضه على الخروج معه فقال إنما أنا رجل من أهل المدينة إن خرجوا خرجت على السمع والطاعة ولكن لا أخرج للقتال في هذا العام ثم تجهز ابن عمر وخرج إلى مكة وقدم إلى مكة ايضا في هذا العام يعلى بن أمية من اليمن وكان عاملا عليها لعثمان ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم وقدم لها عبد الله بن عامر من البصرة وكان نائبها لعثمان فاجتمع فيها خلق من سادات الصحابة وأمهات المؤمنين فقامت عائشة رضي الله عنها في الناس تخطبهم وتحثهم على القيام بطلب دم عثمان وذكرت ما افتات به اولئك من قتله في بلد حرام وشهر حرام ولم يراقبوا جوار رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد سفكوا الدماء وأخذوا الأموال فاستجاب الناس لها وطاوعوها على ما تراه من الأمر بالمصلحة وقالوا لها حيثما ما سرت سرنا معك فقال قائل نذهب إلى الشام فقال بعضهم إن معاوية قد كفاكم أمرها ولو قدموها لغلبوا واجتمع الأمر كله لهم لأن أكابر الصحابة معهم ( 1 ) وقال آخرون نذهب إلى المدينة فنطلب من علي أن يسلم إلينا قتلة عثمان فيقتلوا وقال آخرون بل نذهب إلى البصرة فنتقوى من هنالك بالخيل والرجال ونبدأ بمن هناك من قتلة عثمان فاتفق الرأى على ذلك وكان بقية أمهات المؤمنين قد وافقن عائشة على المسير إلى المدينة فلما اتفق الناس على المسير إلى البصرة رجعن عن ذلك وقلن لا نسير إلى غير المدينة وجهز الناس يعلى بن أمية فأنفق فيهم ستمائة بعير وستمائة ألف درهم وجهزهم ابن عامرايضا بمال كثير وكانت حفصة بنت عمر أم المؤمنين قد وافقت عائشة على المسير إلى البصرة فمنعها أخوها عبد الله من ذلك وأبى هو أن يسير معهم إلى غير المدينة وسار الناس صحبة عائشة في ألف فارس وقيل تسعمائة فارس من أهل المدينة ومكة وتلاحق بهم آخرون فصاروا في ثلاثة آلاف وأم المؤمنين عائشة تحمل في هودج على جمل اسمه عسكر اشتراه يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار وقيل بثمانين دينارا وقيل غير ذلك وسار معها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق ففارقنها هنالك وبكين للوداع وتباكى الناس وكان ذلك اليوم يسمى يوم النحيب وسار الناس قاصدين البصرة وكان الذي يصلي بالناس عن أمر عائشة ابن أختها عبد الله ابن الزبير ومروان بن الحكم يؤذن للناس في أوقات الصلوات وقد مروا في مسيرهم ليلا بماء يقال له الحوأب فنبحتهم كلاب عنده فلما سمعت ذلك عائشة قالت ما اسم هذا المكان قالوا الحوأب فضربت بإحدى يديها على الأخرى وقالت إنا لله وإنا إليه راجعون ما أظنني إلا راجعة قالوا ولم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لنسائه ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب (7/231)
الحوأب ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت ردوني ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب وقد أوردنا هذا الحديث بطرقه وألفاظه في دلائل النبوة كما سبق فأناخ الناس حولها يوما وليلة وقال لها عبد الله بن الزبير إن الذي أخبرك أن هذا ماء الحوأب قد كذب ثم قال الناس النجا النجا هذا جيش علي بن أبي طالب قد أقبل فارتحلوا نحو البصرة فلما اقتربت من البصرة كتبت إلى الأحنف بن قيس وغيره من رءوس الناس أنها قد قدمت فبعث عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي إليها ليعلما ما جاءت له فلما قدما عليها سلما عليها واستعلما منها ما جاءت له فذكرت لهما ما الذي جاءت له من القيام بطلب دم عثمان لأنه قتل مظلوما في شهر حرام وبلد حرام وتلت قوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما فخرجا من عندها فجاءا إلى طلحة فقالا له ما أقدمك فقال الطلب بدم عثمان فقالا ما بايعت عليا قال بلى والسيف على عنقي ولا أستقبله إن هو لم يخل بيننا وبين قتلة عثمان فذهبا إلى الزبير فقال مثل ذلك قال فرجع عمران وأبو الأسود إلى عثمان بن حنيف فقال أبو الأسود ... يا إبن الأحتف قد أتيت فانفر ... وطاعن القوم وجالد واصبر ... واخرج لهم مستلثما وشمر ...
فقال عثمان بن حنيف إنا لله وإنا إليه راجعون دارت رحا الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زيفان نزيف فقال عمران إي والله لتعركنكم عركا طويلا يشير عثمان بن حنيف إلى حديث ابن مسعود مرفوعا تدور رحا الإسلام لخمس وثلاثين الحديث كما تقدم ثم قال عثمان بن حنيف لعمران بن حصين أشر علي فقال اعتزل فأني قاعد في منزلي أو قال قاعد على بعيري فذهب فقال عثمان بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين فنادى في الناس يأمرهم بلبس السلاح والاجتماع في المسجد فاجتمعوا فأمرهم بالتجهز فقام رجل وعثمان على المنبر فقال أيها الناس إن كان هؤلاء القوم جاؤا خائفين فقد جاؤا من بلد يأمن فيه الطير وإن كانوا جاؤا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلته فأطيعوني وردوهم من حيث جاؤا من فقام الأسود بن سريع السعدي فقال إنما جاؤا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا فحصبه الناس فعلم عثمان بن حنيف أن لقتلة عثمان بالبصرة أنصارا فكره ذلك وقدمت أم المؤمنين بمن معها من الناس فنزلوا المربد من أعلاه قريبا من البصرة وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد فتكلم طلحة وكان على الميمنة فندب إلى الأخذ بثأر عثمان والطلب بدمه وتابعه الزبير فتكلم بمثل مقالته فرد عليهما ناس من جيش عثمان بن حنيف وتكلمت أم المؤمنين فحرضت وحثت على (7/232)
القتال فتناور طوائف من أطراف الجيش فتراموا بالحجارة ثم تحاجز الناس ورجع كل فريق إلى حوزته وقد صارت طائفة من جيش عثمان بن حنيف إلى جيش عائشة فكثروا وجاء حارثة ابن قدامة السعدي فقال يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة للسلاح إن كنت أتيتينا طائعة فارجعي من حيث جئت إلى منزلك وإن كنت أتيتينا مكرهة فاستعيني بالناس في الرجوع وأقبل حكيم بن جبلة وكان على خيل عثمان بن حنيف فأنشب القتال وجعل أصحاب أم المؤمنين يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال وجعل حكيم يقتحم عليهم فاقتتلوا على فم السكة وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن وحجز الليل بينهم فلما كان اليوم الثاني قصدوا للقتال فاقتتلوا قتالا شديدا إلى أن زال النهار وقتل خلق كثير من أصحاب ابن حنيف وكثرت الجراح في الفريقين فلما عضتهم الحرب تداعوا إلى الصلح على أن يكتبوا بينهم كتابا ويبعثوا رسولا إلى أهل المدينة يسأل أهلها إن كان طلحة والزبير أكرها على البيعة خرج عثمان بن حنيف عن البصرة وأخلاها إن لم يكونا أكرها على البيعة خرج طلحة والزبير عنها وأخلوها لهم وبعثوا بذلك كعب بن سور القاضي فقدم الميدنة يوم الجمعة فقام في الناس فسألهم هل بايع طلحة والزبير طائعين أو مكرهين فسكت الناس فلم يتكلم إلا أسامة بن زيد فقال بل كانا مكرهين فثار إليه بعض الناس فأرادوا ضربه فحاجف دونه صهيب وأبو أيوب وجماعة حتى خلصوه وقالوا له ما وسعك ما وسعنا من السكوت فقال لا والله ما كنت أرى أن الأمر ينتهي إلى هذا وكتب علي إلى عثمان بن حنيف يقول له إنهما لم يكرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل فان كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرا ونظرنا وقد كعب بن سور على عثمان بكتاب علي فقال عثمان هذا أمر آخر غير ما كنا فيه وبعث طلحة والزبير إلى عثمان بن حنيف أن يخرج إليهما فأبى فجمعا الرجال في ليلة مظلمة وشهدا بهم صلاة العشاء في المسجد الجامع ولم يخرج عثمان بن حنيف تلك الليلة فصلى بالناس عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ووقع من رعاع الناس من أهل البصرة كلام وضرب فقتل منهم نحوا أربعين رجلا ودخل الناس على عثمان بن حنيف قصره فأخرجوه إلى طلحة والزبير ولم يبق في وجهه شعرة إلا نتفوها فاستعظما ذلك وبعثا إلى عائشة فأعلماها الخبر فأمرت أن تخلي سبيله فأطلقوه وولوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر وقسم طلحة والزبير أموال بيت المال في الناس وفضلوا أهل الطاعة وأكب عليهم الناس يأخذون أرزاقهم وأخذوا الحرس واستبدوا في الأمر بالبصرة فحمى لذلك جماعة من قوم قتلة عثمان وأنصارهم فركبوا في جيش قريب من ثلثمائة ومقدمهم حكيم بن جبلة وهو أحد من باشر قتل عثمان فبارزوا وقاتلوا (7/233)
فضرب رجل رجل حكيم بن جبلة فقطعها فزحف حتى أخذها وضرب بها ضاربه فقتله ثم أتكأ عليه وجعل يقول ... يا ساق لن تراعي ... إن لك ذراعي ... أحمى بها كراعي ...
وقال أيضا
... ليس على أن أموت عار ... والعار في الناس هو الفرار ... والمجد لا يفضحه الدمار ...
فمر عليه رجل وهو متكىء برأسه على ذلك الرجل فقال له من قتلك فقال له وسادتي ثم مات حكيم قتيلا هو ونحو من سبعين من قتلة عثمان وأنصارهم أهل المدينة فضعف جأش من خالف طلحة والزبير من أهل البصرة ويقال إن أهل البصرة بايعوا طلحة والزبير وندب الزبير ألف فارس يأخذها معه ويلتقي بها عليا قبل أن يجيء فلم يجبه أحد وكتبوا بذلك إلى أهل الشام يبشرونهم بذلك وقد كانت هذه الوقعة لخمس ليال يقين من ربيع الآخرة سنة ست وثلاثين وقد كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان تدعوه إلى نصرتها والقيام معها فإن لم يجيء فليكف يده وليلزم منزله أي لا يكون عليها ولا لها فقال أنا في نصرتك ما دمت في منزلك وأبى أن يطيعها في ذلك وقال رحم الله أم المؤمنين أمرها الله أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل فخرجت من منزلها وأمرتنا بلزوم بيوتنا التي كانت هي أحق بذلك منا وكتبت عائشة إلى أهل اليمامة والكوفة بمثل ذلك
مسير علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة بدلا من الشام
بعد أن كان قد تجهز قاصدا الشام كما ذكرنا فلما بلغه قصد طلحة والزبير البصرة خطب الناس وحثهم على المسير إلى البصرة ليمنع اولئك من دخولها إن أمكن أو يطردهم عنها إن كانوا قد دخلوها فتثاقل عنه أكثر أهل المدينة واستجاب له بعضهم قال الشعبي مما نهض معه في هذا الأمر غير ستة نفر من البدريين ليس لهم سابع وقال غيره أربعة وذكر ابن جرير وغيره قال كان ممن استجاب له من كبار الصحابة أبو الهيثم بن التيهان وأبو قتادة الأنصاري وزياد بن حنظلة وخزيمة بن ثابت قالوا وليس بذي الشهادتين ذاك مات في زمن عثمان رضي الله عنه وسار على من المدينة نحو البصرة على تعبئته المتقدم ذكرها غير أنه استخلف علىالمدينة تمام بن عباس وعلى مكة قثم بن عباس وذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وخرج علي من المدينة في نحو من تسعمائة مقاتل وقد لقي عبد الله بن سلام رضي الله عنه علياذ وهو بالربذة فأخذ بعنان فرسه وقال يا أمير المؤمنين لا تخرج منها فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا فسبه بعض الناس فقال علي دعوه فنعم الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وجاء الحسن بن علي إلى أبيه في الطريق فقال لقد نهيتك فعصيتنى تقتل غدا بمضيعة لا ناصر لك فقال له علي إنك لا تزال (7/234)
تحن على حنين الجارية وما الذي نهيتني عنه فعصيتك فقال ألم آمرك قبل مقتل عثمان أن تخرج منها لئلا يقتل وأنت بها فيقول قائل أو يتحدث متحدث ألم آمرك أن لا تبايع الناس بعد قتل عثمان حتى يبعث إليك أهل كل مصر ببيعتهم وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلان أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فعصيتني في ذلك كله فقال له علي أما قولك أن أخرج قبل مقتل عثمان فلقد أحيط بنا كما أحيط به وأما مبايعتي قبل مجيء بيعة الأمصار فكرهت أن يضيع هذا الأمر وأما أن أجلس وقد ذهب هؤلاء إلى ما ذهبوا إليه فتريد مني أن أكون كالضبع التي يحاط بها ويقال ليست هاهنا حتى يشق عرقوبها فتخرج فإذا لم أنظر فيما يلزمني في هذا الأمر ويعنيني فمن ينظر فيه فكف عني يا بني ولما انتهى إليه خبر ما صنع القوم بالبصرة من الأمر الذي قدمنا كتب إلى أهل الكوفة مع محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر إني قد اخترتكم على ألأمصار فرغبت إليكم وفرغت لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وانصارا وانهضوا إلينا فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانا فمضيا وأرسل إلى المدينة فأخذ ما أراد من سلاح ودواب وقام في الناس خطيبا فقال إن الله أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد فجرى الناس على ذلك ما شاء الله الاسلام دينهم والحق قائم بينهم والكتاب إمامهم حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة ألا وإن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلها فنعوذ بالله من شر ما هو كائن ثم عاد ثانية فقال إنه لا بد مما هو كائن أن يكون ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة شرها فرقة تحبني ولا تعمل بعملي وقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهتدوا بهدني فإنه هدى نبيكم واتبعوا سنته وأعرضوا عما أشكل عليكم حتى تعرضوه الكتاب فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردوه وأرضوا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن حكما وإماما قال فلما عزم على المسير من الربذة قام إليه ابن أبي رفاعة بن رافع فقال يا أمير المؤمنين أي شيء تريد وأين تذهب بنا فقال أما الذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابوا إليه قال فان لم يجيبوا إليه قال ندعهم بغدرهم ونعطيهم الحق ونصبر قال فإن لم يرضوا قال ندعهم ما تركونا قال فإن لم يتركونا قال امتنعنا منهم قال فنعم إذا فقام إليه الحجاج بن غزية الأنصاري فقال لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول والله لينصرني الله كما سمانا أنصارا قال وأتت جماعة من طىء وعلى الربذة فقيل له هؤلاء جماعة جاؤا من طىء منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد السلام عليك فقال جزى الله كلا خيرا وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما قالوا فسار علي من الربذة على تعبئته وهو راكب ناقة حمراء يقود فرسا كميتا فلما كان بفيد جاءه جماعة من أسد (7/235)
وطىء فعرضوا أنفسهم عليه فقال فيمن معي كفاية وجاء رجل من أهل الكوفة يقال له عامر بن مطر الشيباني فقال له علي ما وراءك فأخبره الخبر فسأله عن ابي موسى فقال إن أردت الصلح فأبو سوسى صاحبه وإن أردت القتال فليس بصاحبه فقال علي والله ما أريد إلا الصلح ممن تمرد علينا وسار فلما اقترب من الكوفة وجاءه الخبر بما وقع من الأمر على جليته من قتل ومن إخراج عثمان بن حنيف من البصره وأخذهم أموال بيت المال جعل يقول اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير فلما انتهى إلى ذي قار أتاه عثمان بن حنيف مهشما وليس في وجهه شعرة فقال يا أمير المؤمنين بعثتني إلى البصرة وأنا ذو لحية وقد جئتك أمردا فقال أصبت خيرا وأجرا وقال عن طلحة والزبير اللهم احلل ما عقدا ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما وأرهما المساءة فيما قد عملا يعني في هذا الأمر وأقام علي بذي قار ينتظر جواب ما كتب به مع محمد بن أبي بكر وصاحبه محمد بن جعفر وكانا قد قدما بكتابه على أبي موسى وقاما في الناس بأمره فلم يجابا في شيء فلما أمسوا دخل أناس من ذوي الحجي على أبي موسى يعرضون عليه الطاعة لعلي فقال كان هذا بالأمس فغضب محمد ومحمد فقالا له قولا غليظا فقال لهما والله إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما فإن لم يكن بد من قتال فلا نقاتل أحدا حتى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا ومن كانوا فانطلقا إلى علي فأخبراه الخبر وهو بذي قال فقال للأشتر أنت صاحب أبي موسى والمعرض في كل شيء فاذهب أنت وابن عباس فأصلح ما أفسدت فخرجا فقدما الكوفة وكلما أبا موسى واستعانا عليه بنفر من الكوفة فقام في الناس فقال أيها الناس إن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم الذين صحبوه أعلم بالله ورسوله ممن لم يصحبه وإن لكم علينا حقا وأنا مؤد إليكم نصيحة كان الرأي أن لا تستخفا بسلطان الله وإن لا تجترئوا على أمره وهذه فتنة النائم فيها خير من اليقظان واليقظان خير من القاعد والقاعد خير من القائم والقائم خير من الراكب والراكب خير من الساعي فاغمدوا السيوف وانصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار وأووا المضطهد والمظلوم حتى يلتئم هذا الأمر وتنجلى هذه الفتنة فرجع ابن عباس والأشتر إلى علي فأخبراه الخبر فأرسل الحسن وعمار بن ياسر وقال لعمار انطلق فأصلح ما أفسدت فانطلقا حتى دخلا المسجد فكان أول من سلم عليهما مسروق بن الأجدع فقال لعمار علام قتلتم عثمان فقال على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا فقال والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولو صبرتم لكان خيرا للصابرين قال وخرج أبو موسى فلقي الحسن بن علي فضمه إليه وقال لعمار يا ابا اليقظان أعدوت على أمير المؤمنين عثمان قتلته فقال لم أفعل ولم يسؤني ذلك فقطع عليهما الحسن بن علي فقال لأبي موسى لم تثبط الناس عنا فوالله ما أردنا إلا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء فقال صدقت (7/236)
بأبي وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت من النبي صلى الله عليه و سلم يقول إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب وقد جعلنا الله إخوانا وحرم علينا دماءنا وأموالنا فغضب عمار وسبه وقال يا أيها الناس إنما قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم وحده أنت فيها قاعدا خير منك قائما فغضب رجل من بني تميم لأبي موسى ونال من عمار وثار آخرون وجعل أبو موسى يكفكف الناس وكثر اللغط وارتفعت الأصوات وقال أبو موسى أيها الناس أطيعوني وكونوا خير قوم من خير أمم العرب يأوي إليهم المظلوم ويأمن فيهم الخائف وإن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذ أدبرت تبينت ثم أمر الناس بكف أيديهم ولزوم بيوتهم فقام زيد بن صوحان فقال أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين سيروا إليه أجمعون فقام القعقاع بن عمرو فقال إن الحق ما قاله الأمير ولكن لا بد للناس من أمير يردع الظالم ويعدي المظلوم وينتظم به شمل الناس وأمير المؤمنين على ملى بما ولى وقد أنصف بالدعاء وإنما يريد الأصلاح فانفروا إليه وقام عبد خير فقال الناس أربع فرق علي بمن معه في ظاهر الكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقه بالحجاز لا نقاتل ولا عناء بها فقال أبو موسى اولئك خير الفرق وهذه فتنة ثم تراسل الناس في الكلام ثم قام عمار والحسن بن علي في الناس علي المنبر يدعوان الناس إلى النفير إلى أمير المؤمنين فأنه إنما يريد الإصلاح بين الناس وسمع عمار رجلا يسب عائشة فقال اسكت مقبوحا منبوحا والله إنها لزوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها رواه البخاري وقام حجر بن عدي فقال أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون وجعل الناس كلما قام رجل فحرض الناس على النفير يثبطهم أبو موسى من فوق المنبر وعمار والحسن معه على المنبر حتى قال له الحسن بن علي ويحك أعتزلنا لا أم لك ودع منبرنا ويقال إن عليا بعث الأشتر فعزل أبا موسى عن الكوفة وأخرجه من قصر الامارة من تلك الليلة واستجاب الناس للنفير فخرج مع الحسن تسعة آلاف في البر وفي دحلة ويقال سار معه اثنى عشر ألف رجل ورجل واحد وقدموا على أمير المؤمنين فتلقاهم بذي قار إلى أثناء الطريق في جماعة منهم ابن عباس فرحب بهم وقال يا أهل الكوفة أنتم لقيتم ملوك العجم ففضضتم جموعهم وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن يرجعوا فذاك الذي نريده وإن ابوا داويناهم بالرفق حتى يبدؤنا بالظلم ولم ندع أمرا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى فاجتمعوا عنده بذي قار وكان من المشهورين من رؤساء من الضاف إلى علي القعقاع بن عمرو وسعد بن مالك وهند بن عمرو والهيثم بن شهاب وزيد بن صوحان (7/237)
والأشتر وعدي بن حاتم والمسيب بن نجية ويزيد بن قيس وحجر بن عدي وأمثالهم وكانت عبد القيس بكمالها بين على وبين البصرة ينتظرونه وهم ألوف فبعث على القعقاع رسولا إلى طلحة والزبير بالبصرة يدعوهما إلى الألفة والجماعة ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين فقال أي أماه ما أقدمك هذا البلد فقالت أي بني الاصلاح بين الناس فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها فحضرا فقال القعقاع إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها فقالت إنما جئت للاصلاح بين الناس فقالا ونحن كذلك قال فأخبراني ما وجه هذا الأصلاح وعلى أي شيء يكون فوالله لئن عرفناه لنصطلحن ولئن أنكرناه لا نصطلحن قالا قتلة عثمان فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن فقال قتلتما قتلته من أهل البصرة وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم قتلتم ستمائة رجل فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف فان تركتموهم وقعتم فيما تقولون وإن قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم وفرقتم من هذا الأمر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه يعني أن الذي تريدونه من قتل قتلة عثمان مصلحة ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد قتله فعلى أعذر في تركه الآن قتل قتلة عثمان وإنما أخر قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكن منهم فان الكلمة في جميع الأمصار مختلفة ثم أعلمهم أن خلقا من ربيعة ومضر قد اجتمعوا لحربهم بسبب هذا الأمر الذي وقع فقالت له عائشة أم المؤمنين فماذا تقول أنت قال أقول إن هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين فإذا سكن اختلجوا فإن انتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة وإدراك الثأر وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر وائتنافه كانت علامة شر وذهاب هذا الملك فآثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا ولا تعرضونا للبلاء فتتعرضوا له فيصرعنا الله وإياكم وإيم الله إني لأقول قولي هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف أن لا يتم حتى يأخذ الله حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل فإن هذا الأمر الذي قد حدث أمر عظيم وليس كقتل الرجل الرجل ولا النفر الرجل ولا القبيلة القبيلة فقالوا قد أصبت وأحسنت فارجع فإن قدم على وهو على مثل رأيك صلح الأمر قال فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك وأشرف القوم على الصلح كره ذلك من كرهه رضيه من رضيه وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح ففرح هؤلاء وهؤلاء وقام علي في الناس خطيبا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه و سلم على الخليفة أبي بكر الصديق ثم بعده على عمر بن الخطاب ثم علي عثمان ثم حدث هذا (7/238)
الحدث الذي جرى على الأمة أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها وعلى الفضيلة التي من الله بها وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها والله بالغ أمره ثم قال ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس فلما قال هذا اجتمع من رؤسهم جماعة كالأشتر النخعي وشريح بن أوفى وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وسالم بن ثعلبة وغلاب بن الهيثم وغيرهم في ألفين وخمسمائة وليس فيهم صحابي ولله الحمد فقالوا ما هذا الرأي وعلى والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان وأقرب إلى العمل بذلك وقد قال ما سمعتم غدا يجمع عليكم الناس وإنما يريد القوم كلهم أنتم فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم فقال الأشتر قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا فإن كان الأمر هكذا ألحقنا عليا بعثمان فرضى القوم منا بالسكوت فقال ابن السوداء بئس ما رايت لو قتلناه قتلنا فأنا يا معشر قتلة عثمان في ألفين وخمسمائة وطلحة والزبير وأصحابهما في خمسة آلاف لا طاقة لكم بهم وهم إنما يريدونكم فقال غلاب بن الهيثم دعوهم وارجعوا بنا حتى نتعلق ببعض البلاد فنمتنع بها فقال ابن السوداء بئس ما قلت إذا والله كان يتخطفكم الناس ثم قال ابن السوداء قبحه الله يا قوم إن عيركم في خلطة الناس فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون فمن أنتم معه لا يجد بدا من أي يمتنع ويشغل الله طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون ويأتيهم ما يكرهون فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه وأصبح علي مرتحلا ومر بعبد القيس فساروا من معه حتى نزلوا بالزاوية وسار منها يريد البصرة وسار طلحة والزبير ومن معهما للقائه فاجتمعوا عند قصر عبيد الله بن زياد ونزل الناس كل في ناحية وقد سبق علي جيشه وهم يتلاحقون به فمكثوا ثلاثة أيام والرسل بينهم فكان ذلك للنصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين فأشار بعض الناس علي طلحة والزبير بانتهاز الفرصة من قتلة عثمان فقالا إن عليا أشار بتسكين هذا الأمر وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك وقام علي في الناس خطيبا فقام إليه الأعور بن نيار المنقري فسأله عن إقدامه على أهل البصرة فقال الأصلاح وإطفاء الثائرة ليجتمع الناس على الخير ويلتئم شمل هذه الأمة قال فأن لم يجيبونا قال تركناهم ما تركونا قال فان لم يتركونا قال دفعناهم عن أنفسنا قال فهل لهم في هذا الأمر مثل الذي لنا قال نعم وقام إليه أبو سلام الدالاني فقال هل لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله في ذلك قال نعم قال فهل لك من حجة في تأخيرك ذلك قال نعم قال فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا قال إني لأرجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقى قلبه لله إلا أدخله الله الجنة وقال في خطبته أيها الناس أمسكوا عن هؤلاء القوم أيديكم (7/239)
وألسنتكم وإياكم أن يسبقونا غدا فإن المخصوم غدا مخصوم اليوم وجاء في غبون ذلك الأحنف بن قيس في جماعة فانضاف إلى علي وكان قد منع حرقوص بن زهير من طلحة والزبير وكان قد بايع عليا بالمدينة وذلك أنه قدم المدينة وعثمان محصور فسأل عائشة وطلحة والزبير إن قتل عثمان من أبايع فقالوا بايع عليا فلما قتل عثمان بايع عليا قال ثم رجعت إلى قومي فجاءني بعد ذلك ما هو أفظع حتى قال الناس هذه عائشة جاءت لتأخذ بدم عثمان فحرت في امري لمن اتبع فمنعني الله بحديث سمعته من أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد بلغه أن الفرس قد ملكوا عليهم ابنة كسرى فقال لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري والمقصود أن الأحنف لما انحاز إلى علي ومعه ستة آلاف قوس فقال لعلي إن شئت قاتلت معك وإن شئت كففت عنك عشرة آلاف سيف فقال اكفف عنا عشرة آلاف سيف ثم بعث علي إلى طلحة والزبير يقول إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الأمر فأرسلا إليه في جواب رسالته إنا على ما فارقنا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس فأطمأنت النفوس وسكنت واجتمع كل فريق باصحابه من الجيشين فلما أمسوا بعث علي عبد الله بن عباس إليهم وبعثوا إليه محمد بن طليحةالسجاد وبات الناس بخير ليلة وبات قتلة عثمان بشر ليلة وباتوا يتشاورون وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي رجل فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فهجموا عليهم بالسيوف فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم وقام الناس من منامهم إلى السلاح فقالوا طرقتنا أهل الكوفة ليلا وبيتونا وغدروا بنا وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي فبلغ الأمر عليا فقال ما للناس فقالوا بيتنا أهل البصرة فثار كل فريق إلى سلاحه ولبسوا اللأمة وركبوا الخيول ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر وكان أمر الله قدرا مقدورا وقامت الحرب على ساق وقدم وتبارز الفرسان وجالت الشجعان فنشبت الحرب وتوافق الفريقان وقد اجتمع مع علي عشرون ألفا وألتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفا فانا لله وإنا إليه راجعون والسابئة أصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل ومنادى علي ينادي ألا كفوا إلا كفوا فلا يسمع أحد وجاء كعب بن سوار قاضي البصرة فقال يا أم المؤمنين أدركي الناس لعل الله أن يصلح بك بين الناس فجلست في هودجها فوق بعيرها وستروا الهودج بالدروع وجاءت فوقفت بحيث تنظر إلى الناس عند حركاتهم فتصاولوا وتجاولوا وكان في جملة من تبارز الزبير وعمار فجعل عمار ينخره بالرمح والزبير كاف عنه ويقول له أتقتلني يا ابا اليقظان فيقول لا يا ابا عبد الله وإنما تركه الزبير لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم تقتلك الفئة الباغية وإلا فالزبير أقدر عليه منه عليه فلهذا كف عنه وقد كان من سنتهم في هذا اليوم أنه لا يذفف على (7/240)
جريح ولا يتبع مدبر وقد قتل مع هذا خلق كثير جدا حتى جعل على يقول لابنه الحسن يا بني ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين عاما فقال له يا ابت قد كنت أنهاك عن هذا قال سعيد بن أبي عجرة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة قال قال علي يوم الجمل يا حسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة فقال له يا أبه قد كنت أنهاك عن هذا قال يا بني إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا وقال مبارك بن فضالة عن الحسن بن أبي بكرة لما اشتد القتال يوم الجمل ورأى على الرؤس تندر أخذ علي ابنه الحسن فضمه إلى صدره ثم قال إنا لله يا حسن أي خير يرجى بعد هذا فلما ركب الجيشان وترآى الجمعان وطلب على طلحة والزبير ليكلمهما فاجتمعوا حتى التفت أعناق خيولهم فيقال إنه قال لهما إني أراكما قد جمعتما خيلا ورجالا وعددا فهل أعددتما عذرا يوم القيامة فاتقيا الله ولا وأحرم دمكما فهل من حديث أحل لكما دمي فقال طلحة ألبت علي عثمان فقال علي تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ألم أكن حاكما في دمكما تحرمان دمى يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ثم قال لعن الله قتله عثمان ثم قال يا طلحة أجئت بعرس رسول الله صلى الله عليه و سلم تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت أما بايعتني قال بايعتك والسيف على عنقي وقال للزبير ما أخرجك قال أنت ولا أراك بهذا الأمر أولى به مني فقال له علي أما تذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني غنم فنظر إلى وضحك وضحكت إليه فقلت لا يدع ابن أبي طالب زهوه فقال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه ليس بمتمرد لتقاتلنه وأنت ظالم له فقال الزبير اللهم نعم ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا ووالله لا أقاتلك وفي هذا السياق كله نظر والمحفوظ منه الحديث فقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي فقال حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الدوري حدثنا أبو عاصم عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي عن جده عبد الملك عن أبي حزم المازني قال شهدت عليا والزبير حين تواقفا فقال له علي يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنك تقاتلني وأنت ظالم قال نعم لم أذكره إلا في موقفي هذا ثم انصرف وقد رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي الوليد الفقيه عن الحسن بن سفيان عن قطن بن بشير عن جعفر بن سليمان عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي عن جده عن أبي حزم المازني عن علي والزبير به وقال عبد الرزاق أنا معمر رعن قتادة قال لما ولي الزبير يوم الجمل بلغ عليا فقال لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولي وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة فقال أتحبه يا زبير فقال وما يمنعني قال فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له قال فيرون أنه إنما ولى لذلك قال البيهقي وهذا مرسل وقدروى موصولا من وجه آخر أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن القاضي أنا أبو عامر بن مطر أنا ابو العباس عبد الله بن (7/241)
محمد بن سوار الهاشمي الكوفي أنا منجاب بن الحارث ثنا عبد الله بن الأجلح ثنا أبي عن مرثد الفقيه عن أبيه قال وسمعت فضل بن فضالة يحدث عن حرب بن أبي الأسود الدؤلي دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه قال لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ودنت الصفوف بعضها من بعض خرج علي وهو على بغله رسول الله صلى الله عليه و سلم فنادى ادعوا لي الزبير بن العوام فأني علي فدعى له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما فقال علي يا زبير نشدتك الله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن في مكان كذا وكذا فقال يا زبير ألا تحب عليا فقلت ألا أحب أبن خالي وابن عمي وعلي ديني فقال يا زبير أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له فقال الزبير بلى والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ذكرته الآن والله لا أقاتلك فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير فقال مالك فقال ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم سمعته يقول لتقاتلنه وأنت ظالم له فقال أو للقتال جئت إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله بك هذا الأمر قال قد حلفت أن لا أقاتله قال اعتق غلامك سرجس وقف حتى تصلح بين الناس فأعتق غلامه ووقف فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه قالوا فرجع الزبير إلى عائشة فذكر أنه قد آلى أن لا يقاتل عليا فقال له ابنه عبد الله إنك جمعت الناس فلمال ترآى بعضهم لبعض خرجت من بينهم كفر عن يمينك واحضر فأعتق غلاما وقيل غلامه سرجس وقد قيل إنه إنما رجع عن القتال لما رأى عمارا مع علي وقد سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية فخشى أن يقتل عمار في هذا اليوم
وعندي أن الحديث الذي أوردناه إن كان صحيحا عنه فما رجعه سواه ويبعد أن يكفر عن يمينه ثم يحضر بعد ذلك لقتال علي والله أعلم
والمقصود أن الزبير لما رجع يوم الجمل سار فنزل واديا يقال له وادي السباع فاتبعه رجل يقال له عمرو بن جرموز فجاءه وهو نائم فقتله غيلة كما سنذكر تفضيله وأما طلحة فجاءه في المعركة سهم غرب يقال رماه به مروان بن الحكم فالله أعلم فانتظم رجله مع فرسه فجمحت به الفرس فجعل يقول إلى عباد الله إلى عباد الله فاتبعه مولى له فأمسكها فقال له ويحك أعدل بي إلى البيوت وامتلأ خفه دما فقال لغلامه اردفني وذلك أنه نزفه الدم وضعف فركب وراءه وجاء به إلى بيت في البصرة فمات فيه رضي الله عنه
وتقدمت عائشة رضي الله عنها في هودجها وناولت كعب بن سوار قاضي البصرة مصحفا وقالت دعهم إليه وذلك أنه حين اشتد الحرب وحمى القتال ورجع الزبير وقتل طلحة رضي الله عنهما (7/242)
فلما تقدم كعب بن سوار بالمصحف يدعو إليه استقبله مقدمة جيش الكوفيين وكان عبد الله بن سبأ وهو ابن السوداء وأتباعه بين يدي الجيش يقتلون من قدروا عليه من أهل البصرة لا يتوقفون في أحد فلما رأوا كعب بن سوار رافعا المصحف رشقوه بنبالهم رشقة رجل واحد فقتلوه ووصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فجعلت تنادى الله الله يا بني اذكروا يوم الحساب ورفعت يديها تدعو على اولئك النفر من قتلة عثمان فضج الناس معها بالدعاء حتى بلغت الضجة إلى علي فقال ما هذا فقالوا أم المؤمنين تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم فقال اللهم العن قتلة عثمان وجعل اولئك النفر لا يقلعون عن رشق هودجها بالنبال حتى لقى مثل القنفذ وجعلت تحرض الناس على منعهم وكفهم فحملت معه الحفيظة فطردوهم حتى وصلت الحملة إلىالموضع الذي فيه علي بن أبي طالب فقال لابنه محمد بن الحنفية ويحك تقدم بالراية فلم يستطع فأخذها علي من يده فتقدم بها وجعلت الحرب تأخذ وتعطى فتارة لأهل البصرة وتارة لأهل الكوفة وقتل خلق كثير وجم غفير ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة وجعلت عائشة تحرض الناس على اولئك النفر من قتلة عثمان ونظرت عن يمينها فقالت من هولاء القوم فقالوا نحن بكر بن وائل فقالت لكم يقول القائل ... وجاؤا إلينا بالحديد كأنهم ... من الغرة القعساء بكر بن وائل ...
ثم لجأ إليها بنو ناجية ثم بنو ضبة فقتل عنده منهم خلق كثير ويقال إنه قطعت يد سبعين رجلا وهي آخذة بخطام الجمل فلما انحنوا تقدم بنو عدي بن عبد مناف فقاتلوا قتالا شديداورفعوا رأس الجمل وجعل اولئك يقصدون الجمل وقالوا لا يزال الحرب قائما ما دام هذا الجمل واقفا ورأس الجمل في يد عمرة بن يثربي وقيل أخوه عمرو بن يثربي ثم صمد عليه علباء بن الهيثم وكان من الشجعان المذكورين فتقدم إليه عمرو الجملي فقتله ابن يثربي وقتل زيد بن صوحان وأرنث صعصعة ابن صوحان فدعاه عمار إلى البراز فبرز له فتجاولا بين الصفين وعمارا راجعون الآن يلحق عمارا بأصحابه فضربه ابن يثربى بالسيف فاتقاه عمار بدرقته بن تسعين سنة عليه فروة قد ربط وسطه بحبل ليف فقال الناس إنا لله وإنا إليه فغض فيها السيف ونشب وضربه عمار فقطع رجليه وأخذ أسيرا إلى بين يدي على فقال استبقني يا أمير المؤمنين فقال أبعد ثلاثة تقتلهم ثم أمر به فقتل واستمر زمام الجمل بعده بيد رجل كان قد استنابه فيه من بني عدي فبرز إليه ربيعة العقيلي فتجاولا حتى قتل كل واحد صاحبه وأخذ الزمام الحارث الضبي فما رأى أشد منه وجعل يقول ... نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... نبارز القرن إذا القرن نزل ... ننعى ابن عفان بأطراف الأسل ... الموت أحلى عندنا من العسل (7/243)
ردوا علينا شيخنا ثم يجل ...
وقيل إن هذه الأبيات لوسيم بن عمرو الضبي فكلما قتل واحد ممن يمسك الجمل يقوم غيره حتى قتل منهم أربعون رجلا قالت عائشة ما زال جملى معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة ثم أخذ الخطام سبعون رجلا من قريش وكل واحد يقتل بعد صاحبه فكان منهم محمد بن طلحة المعروف بالسجاد فقال لعائشة مريني بأمرك يا أمه فقالت آمرك أن تكون كخير ابني آدم فامتنع أن ينصرف وثبت في مكانه وجعل يقول حم لا ينصرون فتقدم إليه نفر فحملوا عليه فقتلوه وصار لكل واحد منهم بعد ذلك يدعى قتله وقد طعنه بعضهم بحربة فأنفذه وقال ... وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم ... هتكت له بالريح جيب قميصه ... فخر صريعا لليدين وللفم ... يناشدتى حم والمرح شاجن ... فهلا تلا حم قبل التقدم ... على غير شيء غير أن ليس تابعا ... عليا ومن لا يتبع الحق يندم ...
وأخذ الخطام عمرو بن الأشرف فجعل لا يدنو منه أحد إلا حطه بالسيف فأقبل إليه الحارث بن زهير الأزدي وهو يقول ... يا أمنا يا خير أم نعلم ... أما ترين كما شجاع يكلم ... وتجتلي هامته والمعصم ...
واختلفا ضربتين فقتل كل واحد صاحبه وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة فكان لا يأخذ الراية ولا بخطام الجمل إلا شجاع معروف فيقتل من قصده ثم يقتل بعد ذلك وقد فقأ بعضهم عين عدي بن حاتم ذلك اليوم ثم تقدم عبد الله بن الزبير فأخذ بحطام الجمل وهو لا يتكلم فقيل لعائشة إنه ابنك ابن أختك فقالت واثكل أسماء وجاء مالك بن الحارث الأشتر النخعي فاقتتلا فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحا شديدا وضربه عبد الله ضربة خفيفة ثم اعتنقا وسقطا إلى الأرض يعتركان فجعل عبد الله بن الزبير يقول ... اقتلوني ومالكا ... واقتلوا مالكا معي ...
فجعل الناس لا يعرفون مالكا من هو وإنما هو معروف بالأشتر فحمل اصحاب علي وعائشة فخلصوهما وقد جرح عبد الله بن الزبير يوم الجمل بهذه الجراحة سبعا وثلاثين جراحة وجرح مروان بن الحكم ايضا ثم جاء رجل فضرب الجمل علي قوائمه فعقره وسقط إلى الأرض فسمع له عجيج ما سمع أشد ولا أنفذ منه وآخر من كان الزمام بيده زفر بن الحارث فعقر الجمل وهو في يده ويقال إنه اتفق هو وبجير بن دلجة على عقره ويقال إن الذي أشار بعقر الجمل علي وقيل القعقاع بن عمرو لئلا تصاب أم المؤمنين فإنها بقيت غرضا للرماة ومن يمسك بالزمام برجاسا للرماح ولينفصل هذا الموقف الذي (7/244)
قد تفاني فيه الناس ولما سقط البعير إلى الأرض انهزم من حوله من الناس وحمل هودج عائشة وأنه لكالقنفذ من السهام ونادى منادى علي في الناس أنه لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح ولا يدخلوا الدور وأمر على نفرا أن يحملوا الهودج من بين القتلى وأمر محمد بن أبي بكر وعمارا أن يضربا عليها قبة وجاء إليها أخوها محمد فسألها هل وصل إليك شيء من الجراج فقالت لا وما أنت ذاك يا ابن الخثعمية وسلم عليها عمار فقال كيف أنت يا أم فقالت ليس لك بأم قال بلى وإن كرهت وجاء إليها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين مسلما فقال كيف أنت يا أمه قالت بخير فقال يغفر الله لك وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان يسلمون على أم المؤمنين رضي الله عنها ويقال إن أعين بن ضبيعة المجاشعي اطلع في الهودج فقالت إليك لعنك الله فقال والله ما أرى إلا حميراء فقالت هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمى عريانا في خربة من خرابات الأزد فلما كان الليل دخلت أم المؤمنين البصرة ومعها أخوها محمد بن ابي بكر فنزلت في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة على صفية بنت الحارث بن أبي طلحة بن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار وهي أم طلحة الطلحات عبد الله بن خلف وتسلل الجرحى من بين القتلى فدخلوا البصرة وقد طاف على بين القتلى فجعل كلما مر برجل يعرفه ترحم عليه ويقول يعز على أن ارى قريشا صرعى وقد مر على ما ذكر على طلحة بن عبيد الله وهو مقتول فقال لهفي عليك يا أبا محمد إنا لله وإنا إليه راجعون والله لقد كنت كما قال الشاعر ... فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر ...
وأقام علي بظاهر البصرة ثلاثا ثم صلى على القتلى من الفريقين وخص قريشا بصلاة من بينهم ثم جمع ما وجد لأصحاب عائشة في المعسكر وأمر به أن يحمل إلى مسجد البصرة فمن عرف شيئا هو لأهلهم فليأخذه إلا سلاحاص كان في الخزائن عليه سمة السلطان وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء رحمهم الله ورضي عن الصحابة منهم وقد سأل بعض أصحاب على عليا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير فأبى عليه فطعن فيه السبائية وقالوا كيف يحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم فبلغ ذلك عليا فقال أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه فسكت القوم ولهذا لما دخل البصرة فض في أصحابه أموال بيت المال فنال كل رجل منهم خمسمائة وقال لكم مثلها من الشام فتكلم فيه السبائية ايضا ونالوا منه من وراء وراء (7/245)
فصل
ولما فرغ علي من أمر الجمل أتاه وجوه الناس يسلمون عليه فكان ممن جاءه الأحنف بن قيس في بني سعد وكانوا قد اعتزلوا القتال فقال له علي تربعت يعني بنا فقال ما كنت أراني إلا قد أحسنت وبامرك كان ما كان يا أمير المؤمنين فارفق فإن طريقك الذي سلكت بعيد وأنت إلى فإني أحوج منك أمس فاعرف إحساني واستبق مودتي لغد ولا تقل مثل هذا فأني لم أزل لك ناصحا قالوا ثم دخل علي البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة وجاءه عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي فبايعه فقال له علي أين المريض يعني أباه فقال إنه والله مريض يا أمير المؤمنين وإنه على مسرتك لحريص فقال امش أمامي فمضى إليه فعاده واعتذر إليه أبو بكر فعذره وعرض عليه البصرة فامتنع وقال رجل من أهلك يسكن إليه الناس وأشار عليه بابن عباس فولاه على البصرة وجعل معه زياد بن أبيه على الخراج وبيت المال وأمر ابن عباس أن يسمع من زياد وكان زياد معتزلا ثم جاء علي إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة فاستأذن ودخل فسلم عليها ورحبت به وإذا النساء في دار بني خلف يبكين على من قتل منهم عبد الله وعثمان ابنا خلف فعبد الله قتل مع عائشة وعثمان قتل مع علي فلما دخل علي قالت له صفية امرأة عبد الله أم طلحة الطلحات أيتم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي فلم يرد عليها علي شيئا فلما خرج أعادت عليه المقالة ايضا فسكت فقال له رجل يا أمير المؤمنين أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع فقال ويحك إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهن مشركات أفلا نكف عنهن وهن مسلمات فقال له رجل يا أمير المؤمنين إن على الباب رجلين ينالان من عائشة فأمر علي القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة وأن يخرجهما من ثيابهما وقد سألت عائشة عمن قتل معها من المسلمين ومن قتل من عسكر علي فجعلت كلما ذكر لها واحد منهم ترحمت عليه ودعت له ولما أرادت أم المؤمنين عائشة الخروج من البصرة بعث إليها علي رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يرجع إلا أن يحب المقام واختار لها أربعين إمرأه من نساء أهل البصرة المعروفات وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي فوقف على الباب وحضر الناس وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت لهم وقالت يا بني لا يعتب بعضنا على بعض إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه على معتبتي لمن الأخيار فقال علي صدقت والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه و سلم في الدنيا والاخرة وسار علي معها (7/246)
ودعا ومشيعا أميالا وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم وكان يوم السبت مستهل رجب سنة ست وثلاثين وقصدت في مسيرهاذلك إلى مكة فأقامت بها إلى أن حجت عامها ذلك ثم رجعت إلى المدينة رضي الله عنها
وأما مروان بن الحكم فأنه لما فر استجار بمالك بن مسمع فأجاره ووفى له ولهذا كان بنو مروان يكرمون مالكا ويشرفونه ويقال إنه نزل دار بني خلف فلما خرجت عائشة خرج معها فلما سارت هي إلى مكة سار إلى المدينة قالوا وقد علم من بين مكة والمدينة والبصرة بالوقعة يوم الوقعة وذلك مما كانت النسور وتخطفه من الأيدي والأقدام فيسقط منها هنالك حتى أن أهل المدينة علموا بذلك يوم الجمل قبل أن تغرب الشمس وذلك أن نسرا مر بهم ومعه شيء فسقط فإذا هو كف فيه خاتم نقشه عبد الرحمن بن عتاب
هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير رحمه الله عن ائمة هذا الشأن وليس فيما ذكره أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم من الأحاديث المختلفة على الصحابة والأخبار الموضوعة التي ينقلونها بما فيها وإذا دعوا إلى الحق الواضح اعرضوا عنه وقالوا لنا أخبارنا ولكم أخباركم فنحن حينئذ نقول لهم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين فصل
في ذكر أعيان من قتل يوم الجمل من السادة النجباء من الصحابة وغيرهم من الفريقين رضي الله عنهم أجمعين وقد قدمنا أن عدة القتلى نحو من عشرة آلاف وأما الجرحى فلا يحصون كثرة فممن قتل يوم الجمل في المعركة
طلحة بن عبيد الله
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة أبو محمد القرشي التيمي ويعرف بطلحة الخير وطلحة الفياض لكرمه ولكثرة جوده أسلم قديما على يدي أبي بكر الصديق فكان نوفل بن خويلد بن العدوية يشدهما في حبل واحد ولا تستطيع بنو تميم أن تمنعهما منه فلذلك كان يقال لطلحة وأبي بكر القرينان وقد هاجر وآخي رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين أبي أيوب الأنصاري وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بدرا فإنه كان بالشام لتجارة وقيل في رسالة ولهذا ضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه وأجره من بدر وكانت له يوم أحد اليد البيضاء وشلت يده يوم أحد وقى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم واستمرت كذلك إلى أن مات وكان الصديق إذا حدث عن يده أحد يقول ذاك يوم كان كله لطلحة وقد (7/247)
قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ أوجب طلحة وذلك أنه كان على رسول الله صلى الله عليه و سلم درعان فأراد أن ينهض وهما عليه ليصعد صخرة هنالك فما استطاع فطأطأ له طلحة فصعد على ظهره حتى استوى عليها وقال أوجب طلحة وهو أحدالعشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى وقد صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحسن صحبته حتى توفي وهو عنه راض وكذلك أبو بكر وعمر فلما كان قضية عثمان اعتزل عنه فنسبه بعض الناس إلى تحامل فيه فلهذا لما حضر يوم الجمل واجتمع به علي فوعظه تأخر فوقف في بعض الصفوف فجاءه سهم غرب فوقع في ركبته وقيل في رقبته والأول اشهر وانتظم السهم مع ساقه خاصرة الفرس فجمح به حتى كاد يلقيه وجعل يقول إلى عباد الله فأدركه مولى له فركب وراءه وأدخله البصرة فمات بدار فيها ويقال إنه مات بالمعركة وإن عليا لما دار بين القتلى رآه فجعل يمسح عن وجهه التراب وقال رحمة الله عليك أبا محمد يعز علي أن أراك مجدولا تحت نجوم السماء ثم قال إلى الله اشكو عجري ويجري والله لوددت أني كنت مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة ويقال إن الذي رماه بهذا السهم مروان بن الحكم وقال لأبان بن عثمان قد كفيتك رجالا من قتلة عثمان وقد قيل إن الذي رماه غيره وهذا عندي أقرب وإن كان الأول مشهورا والله أعلم
وكان يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ودفن طلحة إلى جانب الكلأ وكان عمره ستين سنة وقيل بضعا وستين سنة وكان آدم وقيل أبيض حسن الوجه كثير الشعر إلى القصر أقرب وكانت غلته في كل يوم ألف درهم
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبيه أن رجلا رأى طلحة في منامه وهو يقول حولوني عن قبري فقد أذاني الماء ثلاث ليال فأتى ابن عباس فأخبره وكان نائبا على البصرة فاشتروا له دارا بالبصر بعشرة آلاف درهم فحولوه من قبره إليها فإذا قد أخضر من جسده ما بلى الماء وإذا هو كهيئته يوم أصيب وقد وردت له فضائل كثير فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن أبي عاصم حدثنا الحسن بن علي بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عن جده عن موسى بن طلحة عن أبيه قال سماني رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد طلحة الخير ويوم العسرة طلحة الفياض ويوم حنين طلحة الجود وقال أبو يعلى الموصلي ثنا أبو كريب ثنا يونس عن ابن بكر عن طلحة بن يحيى عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا لأعرابي جاء يسأل عمن قضى نحبه فقالوا سل رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله في المسجد فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم أطلعت من باب المسجد وعلى ثياب خضر فقال رسول الله اين السائل قال ها أنا ذا فقال هذا ممن قضى نحبه وقال أبو القاسم البغوي ثنا داود بن رشيد ثنا مكي ثنا علي (7/248)
ابن إبراهيم ثناالصلت بن دينار عن ابي نضرة عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله وقال الترمذي حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو عبد الرحمن بن منصور العنزي اسمه النضر ثنا عقبة بن علقمة اليشكري سمعت علي بن أبي طالب يقول سمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول طلحة والزبير جاراي في الجنة وقد روى من غير وجه عن علي أنه قال إني لأرجو أن أكون أناوطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب أن رجلا كان يقع في طلحة والزبير وعثمان وعلي رضي الله عنهم فجعل سعد ينهاه ويقول لا تقع في إخواني فأبى فقام فصلى ركعتين ثم قال اللهم إن كان سخطا لك فيما يقول فأرني فيه اليوم آية واجعله للناس عبره فخرج الرجل فإذا ببختي يشق الناس فأخذه بالبلاط فوضعه بين كركرته والبلاط فسحقه حتى قتله قال سعيد بن المسيب فأنا رأيت الناس يتبعون سعدا ويقولون هنيئا لك ابا إسحاق أجيبت دعوتك
والزبير بن العوام بن خويلد
ابن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة أبو عبد الله القرشي الأسدي وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم أسلم قديما وعمره خمس عشرة سنة وقيل أقل وقيل أكثرها جر إلى الحبشة ثم إلى المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين سلمة بن سلامة بن وقش وقد شهد المشاهد كلها وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال أنا ثم ندب الناس فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لكل نبي حورايا وحوارى الزبير ثبت ذلك من رواية زر عن علي وثبت عن الزبير أنه قال جمع لي رسول الله صلى الله عليه و سلم أبويه يوم بني قريظة وروى أنه أول من سل سيفا في سبيل الله وذلك بمكة حين بلغ الصحابة أن رسول الله قد قتل فجاء شاهرا سيفه حتى رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم فشام سيفه وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة الذين توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عنهم راض وصحب الصديق فأحسن صحبته وكان ختنه علىابنته أسماء بنت الصديق وابنه عبد الله منها أول مولود ولد للمسلمين بعد الهجرة وخرج مع الناس إلى الشام مجاهدا فشهد اليرموك فتشرفوا بحضوره وكانت له بها اليد البيضاء والهمة العلياء اخترق جيوش الروم وصفوفهم مرتين من أولهم إلى آخرهم وكان من جملة من دافع عن عثمان وحاجف عنه فلما كان يوم الجمل ذكره علي بما ذكره به فرجع عن القتال وكر راجعا إلى المدينة فمر بقوم الأحنف بن قيس وكانوا قد انعزلوا عن الفريقين فقال قائل يقال له الأحنف ما بال هذا جمع بين الناس (7/249)
حتى إذا التقوا كر راجعا إلى بيته من رجل يكشف لنا خبره فاتبعه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع في طائفة من غواة بني تميم فيقال إنهم لما ادركوه تعاونوا عليه حتى قتلوه ويقال بل أدركه عمرو بن جرموز فقال له عمرو إن لي إليك حاجة فقال ادن فقال مولى الزبير واسمه عطية إن معه سلاحا فقال وإن فتقدم إليه فجعل يحدثه وكان وقت الصلاة فقال له الزبير الصلاة فقال الصلاة فتقدم الزبير ليصلي بهما فطعنه عمرو بن جرموز فقتله ويقال بل أدركه عمرو بواد يقال له وادي السباع وهو نائم في القائله فهجم عليه فقتله وهذا القول هو الأشهر ويشهد له شعر امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت آخر من تزوجها وكانت قبله تحت عمر بن الخطاب فقتل عنها وكانت قبله تحت عبد الله بن أبي بكر الصديق فقتل عنها فلما قتل الزبير رثته بقصيدة محكمة المعنى فقالت ... غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غر معرد ... ياعمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعش الجنان ولا اليد ... ثكلتك أمك أن طفرت بمثله ... ممن بقي ممن يروح ويغتدي ... كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طراك يا ابن فقع العردد ... والله ربي إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد ...
ولما قتله عمرو بن جرموز فاختز رأسه وذهب به إلى علي ورأى أن ذلك يحصل له به حظوة عنده فاستأذن فقال علي لا تأذنوا له وبشروه بالنار وفي رواية أن عليا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بشر قاتل ابن صفية بالنار ودخل ابن جرموز ومعه سيف الزبير فقال علي إن هذا السيف طال ما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقال إن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه وقيل بل عاش إلى أن تأمر مصعب بن الزبير على العراق فاختفى منه فقيل لمصعب إن عمرو بن جرموز ها هنا وهو مختف فهل لك فيه فقال مروه فليظهر فهو آمن والله ما كنت لأقيد للزبير منه فهو أحقر من أن أجعله عدلا للزبير وقد كان الزبير ذا مال جزيل وصدقات كثيرة جدا لما كان يوم الجمل أوصى إلى ابنه عبد الله فلما قتل وجدوا عليه من الدين ألفي ألف ومائتا ألف فوفوها عنه وأخرجوا بعد ذلك ثلث ماله الذي أوصى به ثم قسمت التركة بعد ذلك فأصاب كل واحدة من الزوجات الأربع من ربع الثمن ألف ألف ومائتا ألف درهم فعلى هذا يكون مجموع ما قسم بين الورثة ثمانية وثلاثين ألف ألف واربعمائة ألف والثلث الموصى به تسعة عشر ألف ألف ومائتا ألف فتلك الجملة سبعة وخمسون الف ألف وستمائة ألف والدين المخرج قبل ذلك ألفا ألف ومائتا ألف فعلى هذا يكون جميع ما تركه من الدين والوصية والميراث تسعة وخمسين ألف ألف وثمانمائة (7/250)
ألف وإنا نبهنا على هذا لأنه وقع في صحيح البخاري ما فيه نظر ينبغي أن ينبه له والله أعلم
وقد جمع ماله هذا بعد الصدقات الكثيرة والمآثر الغزيرةمما أفاء الله عليه من الجهاد ومن خمس الخمس ما يخص امه منه ومن التجارة المبرورة من الخلال المشكورة وقد قيل إنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فربما تصدق في بعض الأيام بخراجهم كلهم رضي الله عنه وأرضاه وكان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وقد نيف على الستين بست او سبع وكان أسمر ربعة من الرجال معتدل اللحم خفيف اللحية رضي الله عنه
وفي هذه السنة اعني سنة ست وثلاثين
ولي علي بن أبي طالب نيابة الديار المصرية لقيس بن سعد بن عبادة وكان على نيابتها في أيام عثمان عبد الله بن سعد بن أبي سرح فلما توجه اولئك الأحزاب من خوارج المصريين إلى عثمان وكان الذي جهزهم إليه مع عبد الله بن سبأ المعروف بأبن السوداء محمد بن أبي حذيفة بن عتبة وكان لما قتل أبوه باليمامة أوصى به إلى عثمان فكفله ورباه في حجره ومنزله وأحسن إليه إحسانا كثيرا ونشأ في عبادة وزهادة وسأل من عثمان أن يوليه عملا فقال له متى ما صرت أهلا لذلك وليتك فتعتب في نفسه على عثمان فسأل من عثمان أن يخرج إلى الغزو فأذن له فقصد الديار المصرية وحضر مع أميرها عبد الله بن سعد بن أبي سرح غزوة الصواري كما قدمنا وجعل ينتقص عثمان رضي الله عنه وساعده على ذلك محمد بن أبي بكر فكتب بذلك ابن أبي سرح إلى عثمان يشكوهما إليه فلم يعبأ بهما عثمان ولم يزل ذلك داب محمد بن أبي حذيفة حتى استنفر اولئك إلى عثمان فلما بلغه أنهم قد حصروا عثمان تغلب على الديار المصرية وأخرج منها عبد الله بن سعد بن أبي سرح وصلى بالناس فيها فلما كان ابن أبي سرح ببعض الطريق جاءه الخبر بقتل أمير المؤمنين عثمان فقال إنا لله وإنا إليه راجعون وبلغه أن عليا قد بعث علي إمرة مصر قيس بن سعد بن عبادة فشمت بمحمد بن أبي حذيفة إذ لم يمنع بملك الديار المصرية سنة وسار عبد الله بن سعد إلى الشام إلى معاوية فأخبره بما كان من أمره بديار مصر وأن محمد بن أبي حذيفة قد استحوذ عليها فسار معاوية وعمرو بن العاص ليخرجاه منها لأنه من أكبر الأعوان على قتل عثمان مع أنه كان قد رباه وكفله وأحسن إليه فعالجا دخول مصر فلم يقدرا فلم يزالا يخدعانه حتى خرج إلى العريش في ألف رجل فتحصن بها وجاء عمرو بن العاص فنصب عليه المنجنيق حتى نزل في ثلاثين من أصحابه فقتلوا ذكره محمد بن جرير ثم سار إلى مصر قيس ابن سعد بن عبادة بولاية من علي فدخل مصر في سبعة نفر فرقي المنبر وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المؤمنين (7/251)
والمسلمين سلام عليكم فأني أحمد الله كثيرا الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الله بحسن صنيعه وتقديره وتدبيره اختار الإسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله وبعث به الرسل إلى عباده وخص به من انتخب من خلقه فكان مما أكرم الله به هذه الآمة وخصهم به من الفضيلة أن بعث محمدا صلى الله عليه و سلم يعلمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة لكيما يهتدوا وجمعهم لكيما يتفرقوا وزكاهم لكي يتطهروا ووفقهم لكيلا يجوروا فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله إليه صلوات الله وسلامه عليه وبركاته ورحمته ثم إن المسلمين استخلفوا بعده أميرين صالحين عملا بالكتاب وأحسنا السيره ولم يعدوا السنة ثم توفاهما الله فرحمهما الله ثم ولى بعدهما وال أحدث احداثا فوجدت الأمة عليه مقالا فقالوا ثم نقموا عليه فغيروا ثم جاءوني فبايعوني فأستهدى الله بهداه وأستعينه على التقوى ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسول الله والقيام عليكم بحقه والنصح لكم بالغيب والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل وقد بعثت إليكم قيس بن سعد بن عبادة فوازروه وكانفوه وأعينوه على الحق وقد أمرته بالإحسان إني محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بعوامكم وخواصكم وهو ممن أرضى هديه وأرجو صلاحه ونصيحته أسأل الله لناولكم عملا زاكيا وثوابا جزيلا ورحمة واسعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وكتب عبد الله بن أبي رافع في صفر سنة ست وثلاثين قال ثم قام قيس بن سعد فخطب الناس ودعاهم إلى البيعة لعلي فقام الناس فبايعوه واستقامت له طاعة بلاد مصر سوى قرية منها يقال لها خربتا فيها ناس قد اعظموا قتل عثمان وكانوا سادة الناس ووجوههم وكانوا في نحو من عشرة آلاف وعليهم رجل يقال له يزيد بن الحارث المدلجي وبعثوا إلى قيس بن سعد فوادعهم وكذلك مسلمة بن مدلج الأنصاري تأخر عن البيعة فتركه قيس بن سعد ووادعه ثم كتب معاوية ابن أبي سفيان وقد استوثق له أمر الشام بحذافيره إلى أقصى بلاد الروم والسواحل وجزيرة قبرص ايضا تحت حكمه وبعض بلاد الجزيرة كالرها وحران وقرقيسيا وغيرها وقد ضوى إليها الذين هربوا يوم الجمل من العثمانية وقد أراد الأشتر انتزاع هذه البلاد من يد نواب معاوية فبعث إليه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ففر منه الأشتر واستقر أمر معاوية على تلك البلاد فكتب إلى قيس بن سعد يدعوه إلى القيام بطلب دم عثمان وأن يكون مؤازرا له على ما هو بصددة من القيام في ذلك ووعده أن يكون نائبه على العراقين إذا تم له الأمر ما دام سلطانا فلما بلغه الكتاب وكان قيس رجلا حازما لم يخالفه ولم يوافقه بل بعث يلاطف معه الأمر وذلك لبعده عن علي وقر به من بلاد الشام وما مع معاوية من الجنود فسلله قيس وتاركه ولم يواقعه على ما دعاه إليه ولا وافقه عليه فكتب إليه معاويةإنه لا يسعك معي تسويتك بي وخديعتك لي ولا بد أن أعلم أنك سلم أو (7/252)
عدو وكان معاويةحازما أيضا فكتب إليه بما صمم عليه إني مع على إذ هو أحق بالأمر منك فلما بلغ ذلك معاوية بن ابي سفيان يئس منه ورجع ثم أشاع بعض أهل الشام أن قيس بن سعد يكابتهم في الباطن ويمالئهم على أهل العراق وروى ابن جرير أنه جاء من جهته كتاب مزور بمبايعته معاوية والله أعلم بصحته ولما بلغ ذلك عليا فاتهمه وكتب له أن يغزو أهل خربتا الذين تخلفوا عن البيعة فبعث إليه يعتذر إليه بأنهم عدد كثير وهم وجوه الناس وكتب إليه إن كنت إنما أمرتني بهذا لتختبرني لأنك اتهمتني فابعث على عملك بمصر غيري فبعث على علي إمرة مصر الأشتر النخعي فسار إليها الأشتر النخعي فلما بلغ القلزم شرب شربة من عسل فكان فيها حتفه فبلغ ذلك أهل الشام فقالوا إن لله جندا من عسل فلما بلغ عليا مهلك الأشتر بعث محمد بن أبي بكر على إمرة مصر وقد قيل وهو الأصح إن عليا ولي محمد بن أبي بكر بعد قيس بن سعد فارتحل قيس إلى المدينة ثم ركب هو وسهل بن حنيف إلى علي فاعتذر إليه قيس بن سعد فعذره علي وشهدا معه صفين كما سنذكره فلم يزل محمد بن أبي بكر بمصر قائم الأمر مهيبا بالديار المصرية حتى كانت وقعة صفين وبلغ أهل مصر خبر معاوية ومن معه من أهل الشام على قتال أهل العراق وصاروا إلى التحكيم فطمع أهل مصر في محمد بن أبي بكر واجترأوا عليه وبارزوه بالعداوة فكان من أمره ما سنذكره وكان عمر بن العاص قد بايع معاوية على القيام بطلب دم عثمان وكان قد خرج من المدينة حين أرادوا حصره لئلا يشهد مهلكه مع أنه كان متعتبا عليه بسبب عزله له عن ديار مصر وتوليته بدله عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح فتسرح عن المدينة علي تغضب فنزل قريبا من الأردن فلما قتل عثمان صار إلى معاوية فبايعه على ما ذكرنا
فصل في وقعة صفين
بين أهل العراق وبين أهل الشام
قد تقدم ما رواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين أنه قال هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرات الألوف فلم يحضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين وقال الإمام أحمد حدثنا أمية بن خلد قال لشعبة إن ابا شيبة روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلا فقال كذب أبو شيبة والله لقد ذاكرنا الحكم في ذلك فما وجدناه شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت وقد قيل أنه شهدها من أهلي بدر سهل بن حنيف وكذا أبو أيوب الأنصاري قاله شيخنا العلامة ابن تيمية في (7/253)
كتاب الرد على الرافضة وروى ابن بطة باسناده عن بكير بن الأشج أنه قال أما إن رجالا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم
وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنه لما فرغ من وقعة الجمل ودخل البصرة وشيع أم المؤمنين عائشة لما أرادت الرجوع إلى مكة سار من البصرة إلى الكوفة قال ابو الكنود عبد الرحمن بن عبيد فدخلها علي يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين فقيل له انزل بالقصر الأبيض فقال لا إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله فأنا أكرهه لذلك فنزل في الرحبة وصلى في الجامع الأعظم ركعتين ثم خطب الناس فحثهم على الخير ونهاهم عن الشر ومدح أهل الكوفة في خطبته هذه ثم بعث إلى جرير بن عبد الله وكان على همذان ممن زمان عثمان وإلى الأشعث بن قيس وهو على نيابة أذربيجان من زمان عثمان أن يأخذا البيعة على من هنالك من الرعايا ثم يقبلا إليه ففعلا ذلك فلما أراد علي رضي الله عنه أن يبعث إلى معاوية رضي الله عنه يدعوه إلى بيعته قال جرير بن عبد الله أنا أذهب إليه يا أمير المؤمنين فأن بيني وبينه ودا فآخذ لك منه البيعة فقال الأشتر لا تبعثه يا أمير المؤمنين فأني أخشى أن يكون هواه معه فقال علي دعه وبعثه وكتب معه كتابا إلى معاوية يعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته ويخبره بما كان في وقعة الجمل ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس فلما انتهى إليه جرير بن عبد الله أعطاه الكتاب فطلب معاوية عمرو بن العاص ورؤس أهل الشام فاستشارهم فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان وإن لم يفعل قاتلوه ولم يبايعوه حتى يقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه فرجع جرير إلى علي فأخبره بما قالوا فقال الأشتر يا أمير المؤمنين ألم أنهك أن تبعث جريرا فلو كنت بعثتني لما فتح معاوية بابا إلا أغلقته فقال له جرير لو كنت ثم لقتلوك بدم عثمان فقال الأشتر والله لو بعثني لم يعنني جواب معاوية ولأعجلنه عن الفكرة ولو أطاعني قبل لحبسك وأمثالك حتى يستقيم أمر هذه الأمة فقام جرير مغضبا وأقام بقرقيسيا وكتب إلى معاوية يخبره بما قال وما قيل له فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه وخرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من الكوفة عازما على الدخول إلى الشام فعسكر بالنخيلة واستخلف على الكوفة ابا مسعود عقبة ابن عامر البدري الأنصاري وكان قد أشار عليه جماعة بأن يقيم بالكوفة ويبعث الجنود وأشار آخرون أن يخرج فيهم بنفسه وبلغ معاوية أن عليا قد خرج بنفسه فاستشار عمرو بن العاص فقال له اخرج أنت أيضا بنفسك وقام الجمل ولم يبق مع على إلا شرذمة قليلة من الناس ممن قتل وقد قتل عمرو بن العاص في الناس فقال إن صناديد أهل الكوفة والبصرة قد تفانوا يوم (7/254)
الخليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان فالله الله في حقكم أن تضيعوه وفي دمكم أن تطلوه وكتب إلى أجناد الشام فحضروا وعقدت الألوية والرايات للأمراء وتهيأ أهل الشام وتأهبواوخرجوا ايضا إلى نحو الفرات من ناحية صفين حيث يكون مقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسار علي رضي الله عنه بمن معه من الجنود من النخيلة قاصدا ارض الشام قال أبو إسرائيل عن الحكم ابن عيينة وكان في جيشه ثمانون بدريا ومائة وخمسون ممن بايع تحت الشجرة رواه ابن ديزيل وقد اجتاز في طريقه براهب فكان من أمره ما ذكره الحسين بن ويزيل في كتابه فيما رواه عن يحيى ابن عبد الله الكرابيسي عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد حدثني مسلم الأعور عن حبة العرني قال لما أتى على الرقة نزل بمكان يقال له البلبخ على جانب الفرات فنزل إليه راهب من صومعته فقال لعلي إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى بن مريم عليهما السلام أعرضه عليك فقال علي نعم فقرأ الراهب الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر وكتب فيما كتب أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويدلهم على سبيل الله لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل شرف وفي كل صعود وهبوط تذل ألسنتهم بالتهليل والتكبير وينصره الله على كل من ناوأه فإذا توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت ثم يمر رجل من أمته بشاطىء هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق ولا ينكس الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد أو قال التراب في يوم عصفت فيه الريح والموت أهون عليه من شرب الماء يخاف الله في السر وينصح في العلانية ولا يخاف في الله لومة لائم فمن أدرك ذلك النبي من أهل البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فأن القتل معه شهادة ثم قال لعلي فأنا أصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك فبكى علي ثم قال الحمد لله الذي لم يجعلني عنده نسيا منسيا والحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار فمضى الراهب معه وأسلم فكان مع علي حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يطلبون قتلاهم قال علي اطلبوا الراهب فوجدوه قتيلا فلما وجدوه صلى عليه ودفنه واستغفر له وقد بعث على بين يديه زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف ومعه شريح بن هانى في أربعة آلاف فساروا في طريق بين يديه غير طريقه وجاء علي فقطع دجلة من جسر منبج وسارت المقدمتان فبلغهم أن معاوية ركب في أهل الشام ليلتقي أمير المؤمنين عليا فهموا بلقياه فخافوا من قلة عددهم بالنسبة إليه فعدلوا عن طريقهم وجاؤا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات فساروا (7/255)
فعبروا من هيت ثم لحقوا عليا وقد سبقهم فقال علي مقدمتي تأتي من ورائي فاعتذروا إليه بما جرى لهم فعذرهم ثم قدمهم أمامه إلى معاوية بعد أن عبر الفرات فتلقاهم أبو الأعور عمرو بن سفيان السلمى في مقدمة أهل الشام فتواقفوا ودعاهم زياد بن النضر أمير مقدمة أهل العراق إلى البيعة فلم يجيبوه بشيء فكتب إلى علي بذلك فبعث إليهم على الأشتر النخعي أميرا وعلى ميمنته زياد وعلى ميسرته شريح وأمره أن لا يتقدم إليهم بقتال حتى يبدءوه بالقتال ولكن ليدعهم إلى البيعة مرة بعد مرة فان امتنعوا فلا يقاتلهم حتى يقاتلوه ولا يقرب منهم قرب من يريد الحرب ولا يبتعد منهم ابتعاد من يهاب الرجال ولكن صابرهم حتى آتينك فأنا حثيت السير وراءك إن شاء الله فتحاجزوا يومهم ذلك فلما كان آخر النهار حمل عليهم أبو الأعور السلمى وبعث معه بكتاب الأمارة علىالمقدمة مع الحارث بن جهمان الجعفي فلما قدم الأشتر على المقدمة امتثل ما أمره به علي فتواقف هو ومقدمة معاوية وعليها أبو الأعور السلمي فثبتوا له واصطبروا لهم ساعة ثم انصرف أهل الشام عند المساء فلما كان الغد تواقفوا ايضا وتصابروا فحمل الأشتر فقتل عبد الله بن المنذر التنوخي وكان من فرسان أهل الشام قتله رجل من أهل العراق يقال له ظبيان بن عمارة التميمي فعند ذلك حمل عليهم أبو الأعور بمن معه فتقدموا إليهم وطلب الأشتر من أبي الأعور أن يبارزه فلم يجبه أبو الأعور إلى ذلك وكأنه رآه غير كفء له في ذلك والله أعلم وتحاجز القوم عن القتال عند إقبال الليل من اليوم الثاني فلما كان صباح اليوم الثالث أقبل علي رضي الله عنه في جيوشه وجاء معاوية رضي الله عنه في جنوده فتواجه الفريقان وتقابل الطائفتان فبالله المستعان فتواتفوا طويلا وذلك بمكان يقال له صفين وذلك في أوائل ذي الحجة ثم عدل علي رضي الله عنه فارتاد لجيشه منزلا وقد كان معاوية سبق بجيشه فنزلوا على مشرعة الماء في أسهل موضع وأفسحه فلما نزل على نزل بعيدا من الماء وجاء سرعان أهل العراق ليردوا من الماء فمنعهم أهل الشام فوقع بينهم مقاتلة بسبب ذلك وقد كان معاوية وكل علي الشريعة أبا لأعور السلمي وليس هناك مشرعة سواها فعطش أصحاب علي عطشا شديدا فبعث علي الأشعث بن قيس الكندي في جماعة ليصلوا إلى الماء فمنعهم اولئك وقال موتوا عطشا كما منعتم عثمان الماء فتراموا بالنبل ساعة ثم تطاعنوا بالرماح أخرى ثم تقاتلوا بالسيوف بعد ذلك كله وأمد كل طائفة أهلها حتى جاء الأشتر النخعي من ناحية العراقيين وعمرو بن العاص من ناحية الشاميين واشتدت الحرب بينهم أكثر مما كانت وقد قال رجل من أهل العراق وهو عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي وهو يقاتل ... خلوا لنا ماء الفرات الجاري ... أو أثبتوا بجحفل جرار ... لكل قرم مشرب تيار ... مطاعن برمحه كرار (7/256)
ضراب هامات العدي مغوار ...
ثم ما زال أهل العراق يكشفون الشاميين عن الماء حتى أزاحوهم وخلوا بينهم وبينه ثم اصطلحوا على الورود حتى صاروا يزدحمون في تلك الشريعة لا يكلم أحد أحدا ولا يؤذي إنسان إنسانا وفي رواية أن معاوية لما أمر ابا لأعور بحفظ الشريعة وقف دونها برماح مشرعة وسيوف مسللة وسهام مفوقة وقسى موترة فجاءأصحاب علي عليا فشكوا إليه ذلك فبعث صعصعة بن صوحان إلى معاوية يقول له إناجئنا كافين عن قتالكم حتى نقيم عليكم الحجة فبعثت إلينا مقدمتك فقاتلتنا قبل أن نبدأكم ثم هذه أخرى قد منعونا الماء فلما بلغه ذلك قال معاوية للقوم ماذا يريدون فقال عمر وخل بينهم وبينه فليس من النصف أن نكون ريانين وهم عطاش وقال الوليد دعهم يذوقوا من العطش ما أذاقوا أمير المؤمنين عثمان حين حصروه في داره ومنعوه طيب الماء والطعام أربعين صباحا وقال عبد الله بن سعد بن أبي سرج امنعهم الماء إلى الليل فلعلهم يرجعون إلى بلادهم فسكت معاوية فقال له صعصعة بن صوحان ماذا جوابك فقال سيأتيكم رأيي بعد هذا فلما رجع صعصعة فأخبر الخبر ركب الخيل والرجال فما زالوا حتىأزاحوهم عن الماء ووردوه قهرا ثم اصطلحوا فيما بينهم على ورود الماء ولا يمنع أحد أحدا منه وأقام على يومين لا يكاتب معاوية ولا يكاتبه معاوية ثم دعا على بشير بن عمرو الأنصاري وسعيد بن قيس الهمذاني وشبيث بن ربعي السهمي فقال إيتوا هذا الرجل فادعوه إلى الطاعة والجماعة واسمعوا ما يقول لكم فلما دخلوا علي معاوية قال له بشير بن عمرو يا معاوية إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة والله محاسبك بعملك ومجازيك بما قدمت يداك وإني أنشدك الله أن تفرق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءها بينها فقال له معاوية هلا أوصيت بذلك صاحبكم فقال له إن صاحبي أحق هذه البرية بالأمر في فضله ودينه وسابقته وقرابته وإنه يدعوك إلى مبايعته فأنه اسلم لك في ديناك وخير لك في آخرتك فقال معاوية ويطل دم عثمان لا والله لا أفعل ذلك أبدا ثم أراد سعيد بن قيس الهمداني أن يتكلم فبدره شبيث بن ربعي فتكلم قبله بكلام فيه غلظة وجفاء في حق معاوية فزجره معاوية وزبره في افتياته على من هو أشرف منه وكلامه بما لا علم له به ثم أمر بهم فأخرجوا من بين يديه وصمم على القيام بطلب دم عثمان الذي قتل مظلوما فعند ذلك نشبت الحرب بينهم وأمر علي بالطلائع والأمراء أن تتقدم للحرب وجعل على يؤمر على كل قوم من الحرب أميرا فمن أمرائه علىالحرب الأشتر النخعي وهو أكبر من كان يخرج للحرب وحجر بن عدي وشبيث بن ربعي وخالد بن المعتمر وزياد بن النضر وزياد بن حفصة وسعيد بن ايس ومعقل بن قيس وقيس بن سعد وكذلك كان معاوية يبعث على الحرب كل يوم أميرا (7/257)
فمن أمرائه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وأبو الأعور السلمي وحبيب بن مسلم وذو الكلاع الحميري وعبيد الله بن عمر بن الخطاب وشرحبيل بن السمط وحمزة بن مالك الهمداني وربما اقتتل الناس في اليوم مرتين وذلك في شهر ذي الحجة بكماله وحج بالناس في هذه السنة عبد الله ابن عباس عن أمر علي له بذلك فلما انسلخ ذوالحجة ودخل المحرم تداعى الناس للمتاركة لعل الله أن يصلح بينهم على أمر يكون فيه حقن دمائهم فكان ما سنذكره
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين
استهلت هذه السنة وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه متواقف هو ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كل منهما في جنوده بمكان يقال له صفين بالقرب من الفرات شرقي بلاد الشام وقد اقتتلوا في مدة شهر ذي الحجة كل يوم وفي بعض الأيام ربما اقتتلوا مرتين وجرت بينهم حروب يطول ذكرها والمقصود أنه لما دخل شهر المحرم تحاجز القوم رجاء أن يقع بينهم مهادنة وموادعة يؤول أمرها إلى الصلح بين الناس وحقن دمائهم فذكر ابن جرير من طريق هشام عن أبي مخنف مالك حدثني سعيد بن المجاهد الطائي عن محل بن خليفة أن عليا بعث عدي بن حاتم ويزيد ابن قيس الأرحبي وشبيث بن ربعي وزياد بن حفصة إلى معاوية فلما دخلوا عليه وعمرو بن العاص إلى جانبه قال عدي بعد حمد الله والثناء عليه أما بعد يا معاوية فأنا جئناك ندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمرنا وتحقن به الدماء ويأمن به السبل ويصلح ذات البين إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في ألاسلام أثرا وقد استجمع له الناس وقد أرشدهم الله بالذي رأوا فلم يبق أحد غيرك وغير من معك من شيعتك فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك مثل يوم الحمل فقال له معاوية كأنك إنما جئت مهددا ولم تأت مصلحا هيهات والله يا عدي كلا والله إني لابن حرب لا يقعقع لي بالشنان أما والله إنك لمن المجلبين علي ابن عفان وإنك لمن قتلته وإني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله به وتكلم شبيث بن ربعي وزياد بن حفصة فذكرا من فضل علي وقالا اتق الله يا معاوية ولا تخالفه فأنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلها منه فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فانكم دعوتموني إلى الجماعة والطاعة فأما الجماعة فمعنا هي وأما الطاعة فكيف أطيع رجلا أعان على قتل عثمان وهو يزعم أنه لم يقتله ونحن لا نرد ذلك عليه ولا نتهمه به ولكنه آوى قتلته فيدفعهم إلينا حتى نقتلهم ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة فقال له شبيث بن ربعي أنشدك الله يا معاوية لو تمكنت من عمار أكنت قاتله بعثمان قال معاوية لو تمكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان ولكني كنت قتلته بغلام عثمان فقال له شبيث بن ربعي وإله الأرض والسماء لا تصل إلى قتل عمار حتى تندر الرؤس (7/258)
عن كواهلها ويضيق فضاء الأرض ورحبها عليك فقال معاوية ولو قد كان ذلك كانت عليك أضيق وخرج القوم من بين يديه فذهبوا إلى علي فأخبروه بما قال وبعث معاوية حبيب بن مسلمة الهفري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس إلى علي فدخلوا عليه فبدأ حبيب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فأن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا عمل بكتاب الله وثبت لأمر الله فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع إلينا قتلته إن زعمت أنك لم تقتله ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم فيولي الناس أمرهم من جمع عليه رأيهم فقال له علي وما أنت لا أم لك وهذا الأمر وهذا العزل فاسكت فأنك لست هناك ولا بأهل لذاك فقال له حبيب أما والله لتريني حيث تكره فقال له علي وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك لا أبقى الله عليك إن أبقيت اذهب فصعد وصوب ما بدا لك ثم ذكر أهل السير كلاما طويلا جرى بينهم وبين علي وفي صحة ذلك عنهم وعنه نظر فإن في مطاوي ذلك الكلام من علي ما ينتقص فيه معاوية وأباه وإنهم انما دخلوا في الإسلام ولم يزالا في تردد فيه وغير ذلك وإنه قال في غبون ذلك لا أقول إن عثمان قتل مظلوما ولا ظالما فقالوا نحن نبرأ ممن لم يقل إن عثمان قتل مظلوما وخرجوا من عنده فقال علي إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ثم قال لأصحابه لا يكن هؤلاء أولى بالجد في ضلالتهم منكم بالجد في حقكم وطاعة نبيكم وهذا عندي لا يصح عن علي رضي الله عنه
وروى ابن ديزيل من طريق عمرو بن سعد بأسناده أن قراء أهل العراق وقراء أهل الشام عسكروا ناحية وكانوا قريبا من ثلاثين ألفا وأن جماعة من قراء العراق منهم عبيده السلماني وعلقمة بن قيس وعامر بن عبد قيس وعبد الله بن عتبة بن مسعود وغيرهم جاؤا معاوية فقالوا له ما تطلب قال أطلب بدم عثمان قالوا فمن تطلب به قال عليا قالوا أهو قتله قال نعم وآوى قتلته فانصرفوا إلى علي فذكروا له ما قال فقال كذب لم أقتله وأنتم تعلمون أني لم أقتله فرجعوا إلى معاوية فقال إن لم يكن قتله بيده فقد أمر رجالا فرجعوا إلى علي فقال والله لا قتلت ولا أمرت ولا ماليت فرجعوا فقال معاوية فان كان صادقا فليقدنا من قتلة عثمان فانهم في عسكره وجنده فرجعوا فقال علي تأول القوم عليه القرآن في فتنة ووقعت الفرقه لأجلها وقتلوه في سلطانه وليس لي عليهم وسبيل فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال إن كان الأمر عل ما يقول فماله أنفذ الأمر دوننا من غير مشورة منا ولا ممن ها هنا فرجعوا إلى علي فقال علي إنما الناس مع المهاجرين والأنصار فهم شهود الناس على ولايتهم وأمر دينهم ورضوا وبايعوني ولست أستحل (7/259)
أن أدع مثل معاوية يحكم على الأمة ويشق عصاها فرجعوا إلى معاوية فقال ما بال من هاهنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر فرجعوا فقال علي إنما هذا للبدريين دون غيرهم وليس على وجه الأرض بدرى إلا وهو معي وقد بايعني وقد رضي فلا يغرنكم من دينكم وأنفسكم قال فأقاموا يتراسلون في ذلك شهر ربيع الآخر وجماديين ويقرعون في غبون ذلك القرعة بعد القرعة ويزحف بعضهم على بعض ويحجز بينهم القراء فلا يكون قتال قال فقرعوا في ثلاثة أشهر خمسة وثمانين قرعة قال وخرج أبو الدرداء وأبو أمامة فدخلا على معاوية فقالا له يا معاوية على م تقاتل هذا الرجل فوالله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلاما وأقرب منك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأحق بهذا الأمر منك فقال أقاتله على دم عثمان وإنه آوى قتلته فاذهبا إليه فقولا له فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من بايعه من أهل الشام فذهبا إلى علي فقالا له ذلك فقال هؤلاء الذين تريان فخرج خلق كثير فقالوا كلنا قتلة عثمان فمن شاء فليرمنا قال فرجع أبو الدرداء وأبو أمامة فلم يشهدا لهم حربا وقال عمرو بن سعد باسناده حتى إذا كان رجب وخشي معاوية أن تبايع القراء كلهم عليا كتب في سهم من عبد الله الناصح يا معشر أهل العراق إن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات ليغرقكم فخذوا حذركم ورمى به في جيش أهل العراق فأخذه الناس فقرؤه وتحدثوا به وذكروه لعلي فقال إن هذا مالا يكون ولا يقع وشاع ذلك وبعث معاوية مائتي فاعل يحفورن في جنب الفرات وبلغ الناس ذلك فتشوش أهل العراق من ذلك وفزعوا إلى علي فقال ويحكم إنه يريد خديعتكم ليزيلكم عن مكانكم هذا وينزل فيه لأنه خير من مكانه فقالوا لا بد من أن نخلي عن هذا الموضع فارتحلوا منه وجاء معاوية فنزل بجيشه وكان على آخر من ارتحل فنزل بهم وهو يقول ... فلو أني أطعت عصمت قومي ... إلى ركن اليمامه أوشآم ... ولكني إذا أبرمت أمرا ... يخالفه الطغام بنو الطغام ...
قال فأقاموا إلى شهر ذي الحجة ثم شرعوا في المقاتله فجعل على يؤمر على الحرب كل يوم رجلا وأكثر من كان يؤمر الأشتر وكذلك معاوية يؤمر كل يوم أميرا فاقتتلوا شهر ذي الحجة بكماله وربما اقتتلوا في بعض الأيام مرتين قال ابن جرير رحمه الله ثم لم تزل الرسل تتردد بين على ومعاوية والناس كافون عن القتال حتى انسلخ المحرم من هذه السنة ولم يقع بينه صلح فأمر علي ابن أبي طالب يزيد بن الحارث الجشمي فنادى أهل الشام عند غروب الشمس ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم إني قد أستأ نيتكم لتراجعوا الحق وأقمت عليكم الحجة فلم تجيبوا وإني قد نبذت إليك على سواء إن الله لا يحب الخائنين ففزع أهل الشام إل امرائهم فأعلموهم بما سمعوا المنادى (7/260)
ينادى فنهض عند ذلك معاوية وعمرو فعبيا الجيش ميمنة وميسرة وبات على يعبى جيشه من ليلته فجعل علي خيل أهل الكوفة الأشتر النخعي وعلى رجالتهم عمار بن ياسر وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حنيف وعلى رجالتهم قيس بن سعد وهاشم بن عتبة وعلى قرائهم سعد بن فدكى التميمي وتقدم على إلى الناس أن لا يبدأوا واحدا بالقتال حتى يبدأ أهل الشام وأنه لا يذفف على جريح ولا يتبع مدبر ولا يكشف ستر امرأة ولا تهان وإن شتمت امراء الناس وصلحاءهم وبرز معاوية صبح تلك الليلة وقد جعلت علي الميمنة ابن ذي الكلاع الحميري وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة الفهري وعلى المقدمة أبا الأعور السلمي وعلى خيل دمشق عمرو بن العاص وعلى رجالتهم الضحاك بن قيس ذكره ابن جرير
وروى ابن ديزيل من طريق جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر ويزيد بن الحسن بن علي وغيرهما قالوا لما بلغ معاوية سير علي سار معاوية نحو علي واستعمل على مقدمته سفيان بن عمرو أبا الأعور السلمي وعلى الساقة بسر بن أبي أرطأة حتى توافوا جميعا سائرين إلى جانب صفين وزاد ابن الكلبي فقال جعل علي المقدمة أبا الأعور السلمي وعلى الساقة بسرا وعلى الخيل عبد الله بن عمر ودفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وجعل على الميمنة حبيب بن مسلمة وعلى رجالتها زيد بن زحر العنسي وعلى الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص وعلى رجالتها حابس بن سعد الطائي وعلى خيل دمشق الضحاك بن قيس وعلى رجالتهم يزيد بن لبيد بن كرز البجلي وجعل على أهل حمص ذال الكلاع وعلى أهل فلسطين مسلمة بن مخلد وقام معاوية في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس والله ما أصبت الشام إلا بالطاعة ولا أضبط حرب أهل العراق إلا بالصبر ولا أكابد أهل الحجاز إلا باللطف وقد تهيأتم وسرتم لتمنعوا الشام وتأخذوا العراق وسار القوم ليمنعوا العراق ويأخذوا الشام ولعمري أما للشام رجال العراق ولا أموالها ولا للعراق خبرة أهل الشام ولا بصائرها مع أن القوم وبعدهم اعدادهم وليس بعدكم غيركم فإن غلبتموهم لم تغلبوا إلا من أناتكم وإن غلبوكم غلبوا من بعدكم والقوم لا قوكم بكيد أهل العراق ورقة أهل اليمن وبصائر اهل الحجاز وقسوة أهل مصر وإنما ينصر غدا من ينصر اليوم استعينوا بالله واصبروا إن الله مع الصابرين وقد بلغ عليا خطبة معاوية فقام في أصحابه فحرضهم على الجهاد ومدحهم بالصبر وشجعهم بكثرتهم بالنسبة إلى أهل الشام قال جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر وزيد بن أنس وغيرهما قالوا سار على في مائة وخمسين ألفا من أهل العراق وأقبل معاوية في نحو منهم من أهل الشام وقال غيرهم أقبل علي في مائة ألف أو يزيدون وأقبل معاوية في مائة ألف وثلاثين ألفا رواها ابن ديزيل في كتابه وقد تعاقد جماعة من أهل الشام على أن لا يفروا فعقلوا أنفسهم بالعمائم وكان هؤلاء خمسة (7/261)
صفوف ومعهم ستة صفوف آخرين وكذلك أهل العراق كانو أحد عشر صفا أيضا فتواقفوا على هذه الصفة أول يوم من صفر وكان ذلك يوم الأربعاء وكان أمير الحرب يومئذ للعراقيين الأشتر النخعي وأمير الحرب يومئذ للشاميين حبيب بن مسلمة فاقتتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا ثم تراجعوا من آخر يومهم وقد انتصف بعضهم من بعض وتكافؤا في القتال ثم أصبحوا من الغد يوم الخميس وأمير حرب أهل العراق هاشم بن عتبة وأمير الشاميين يومئذ أبا الأعور السلمي فاقتتلوا قتالا شديدا تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال ثم تراجعوا من آخر يومهم وقد صبر كل من الفريقين للآخر وتكافؤا ثم خرج في اليوم الثالث وهو يوم الجمعة عمار بن ياسر من ناحية أهل العراق وخرج إليه عمرو بن العاص في الشاميين فاقتتل الناس قتالا شديدا وحمل عمار على عمرو بن العاص فأزاله عن موقفه وبارز زياد بن النضر الحارث وكان على الخيالة رجلا فلما تواقفا تعارفا فإذا هما أخوان من أم فانصرف كل واحد منهما إلى قومه وترك صاحبه وتراجع الناس من العشى وقد صبر كل فريق لصاحبه وخرج في اليوم الرابع وهو يوم السبت محمد بن علي وهو ابن الحنفية ومعه جمع عظيم فخرج إليه في كثير من جهة الشاميين عبيد الله بن عمر فاقتتل الناس قتالا شديدا وبرز عبيد الله بن عمر فطلب من ابن الحنفية أن يبرز إليه فبرز إليه فلما كادا أن يقتربا قال علي من المبارز قالوا محمد ابنك وعبيد الله فيقال إن عليا حرك دابته وأمر ابنه أن يتوقف وتقدم إلى عبيد الله فقال له تقدم إلى قال له لا حاجة لي في مبارزتك فقال بلى فقال لا فرجع عنه علي وتحاجز الناس يومهم ذلك ثم خرج في اليوم الخامس وهو يوم الأحد في العراقيين عبد الله بن عباس وفي الشاميين الوليد بن عقبة واقتتل الناس قتالا شديدا وجعل الوليد ينال من ابن عباس فيما ذكره أبو مخنف ويقول قتلتم خليفتكم ولم تنالوا ما طلبتم ووالله إن الله ناصرنا عليكم فقال له ابن عباس فابرز إلى فأبى عليه ويقال إن ابن عباس قاتل يومئذ قتالا شديدا بنفسه رضي الله عنه ثم خرج في اليوم السادس وهو يوم الاثنين وعلى الناس من جهة العراقيين قيس بن سعد ومن جهة أهل الشام بن ذي الكلاع فاقتتلوا قتالا شديدا ايضا وتصابروا ثم تراجعوا ثم خرج الأشتر النخعي في اليوم السابع وهو يوم الثلاثاء وخرج إليه قرنه حبيب بن مسلمة فاقتتلوا قتالا شديدا ايضا ولم يغلب أحد أحدا في هذه الأيام كلها قال أبو مخنف حدثني مالك بن أعين الجهني عن زيد بن وهب أن عليا قال حتى متى لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا ثم قام في الناس عشية الأربعاء بعد العسر سر فقال الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض وما أبرم لم ينقضه الناقضون لو شاء ما اختلف اثنان من خلقه ولا تنازعت الأمة في شيء من أمره ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار وألقت بيننا في هذا المكان فنحن من ربنا بمرأى ومسمع (7/262)
فلو شاء لعجل النقمة وكان منه التعسير حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق أين مصيره ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة عنده هي دار القرار ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ألا وأنكم لاقوا القوم غدا فاطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن وأسألوا الله النصر والصبر والقوة بالجد والحزم وكونوا صادقين قال فوثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها قال ومر بالناس وهم كذلك كعب بن جعل التغلبي فرآى ما يصفون فجعل يقول ... أصبحت الأمة في أمر عجب ... والملك مجموع غدا لمن غلب ... فقلت قولا صادقا غير كذب ... إن غدا تهلك أعلام العرب ...
قال ثم أصبح علي في جنوده قد عبأهم كما أراد وركب معاوية في جيشه قد عبأهم كما أراد وقد أمر على كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام فتقاتل الناس قتالا عظيما لا يفر أحد من أحد ولا يغلب أحد أحدا ثم تحاجزوا عند العشي وأصبح على فصل الفجر بغلس وباكر القتال ثم استقبل أهل الشام فاستقبلوه بوجوههم فقال علي فيما رواه ابن مخنف عن مالك بن أعين عن ريد بن وهب اللهم رب السقف المحفوظ المكفوف الذي جعلته سقفا لليل والنهار وجعلت فيه مجرى الشمس والقمر ومنازل النجوم وجعلت فيه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة ورب الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام والأنعام وما لا يحصى مما نرى ومالا نرى من خلقك العظيم ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض ورب البحر المسجور المحبط بالعالم ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي والفساد وسددنا للحق وإن أظهرتهم علينا فارزقني الشهادة وجنب بقية أصحابي من الفتنة ثم تقدم علي وهو في القلب في أهل المدينة وعلى ميمنتة يومئذ عبد الله بن بديل وعلى الميسرة عبد الله بن عباس وعلى القراء عمار بن ياسر وقيس بن سعد والناس على راياتهم فزحف بهم إلى القوم وأقبل معاوية وقد بايعه أهل الشام على الموت فتواقف الناس في موطن مهول وأمر عظيم وحمل عبد الله بن بديل أمير ميمنة على علي ميسرة أهل الشام وعليها حبيب ابن مسلمة فاضطره حتى ألجأه إلى القلب وفيه معاوية وقام عبد الله بن بديل خطيبا في الناس يحرضهم على القتال ويحثهم على الصبر والجهاد وحرض أمير المؤمنين على الناس على الصبر والثبات والجهاد وحثهم على قتال أهل الشام وقام كل أمير في أصحابه يحرضهم وتلا عليهم آيات القتال من أماكن متفرقة من القرآن فمن ذلك قوله تعالى إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ثم قال قدموا المدارع وآخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فأنه أنكى للسيوف (7/263)
عن الهام وألبوا إلى أطراف الرماح فأنه افوق للأسنة وغضوا الأبصار فأنه اربط للجاش وأسكن للقلب وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار راياتكم لا تميلوها ولا نزيلوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم وقد ذكر علماء التاريخ وغيرهم أن عليا رضي الله عنه بارز في أيام صفين وقاتل وقتل خلقا حتى ذكر بعضهم أنه قتل خمسمائة فمن ذلك أن كريب بن الصباح قتل أربعة من أهل العراق ثم وضعهم تحت قدميه ثم نادى هل من مبارز فبرز إليه على فتجاولا ساعة ثم ضربه علي فقتله ثم قال علي هل من مبارز فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتله ثم برز إليه راود ابن الحارث الكلاعي فقتله ثم برز إليه المطاع بن المطلب القيسي فقتله فتلا علي قوله تعالى والحرمات قصاص ثم نادى ويحك يا معاوية ابرز إلى ولا تفنى العرب بيني وبينك فقال له عمرو بن العاص اغتنمه فأنه قد أثخن بقتل هؤلاء الأربعة فقال له معاوية والله لقد علمت أن عليا لم يقهر قط وإنما أردت قتلى لتصيب الخلافة من بعدي اذهب إليك فليس مثلي يخدع
وذكروا أن عليا حمل على عمرو بن العاص يوما فضربه بالريح فألقاه إلى الأرض فبدت سوءته فرجع عنه فقال له أصحابه مالك يا أمير المؤمنين رجعت عنه فقال أتدرون ما هو قالوا لا قال هذا عمرو بن العاص تلقاني بسوءته نذكرنى بالرحم فرجعت عنه فلما رجع عمرو إلى معاوية قال له احمد الله وأحمد إسنك وقال إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ثنا يحيى ثنا نصر ثنا عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن نمير الأنصاري قال والله لكأني أسمع عليا وهو يقول لأصحابه يوم صفين أما تخافون مقت الله حتى متى ثم انفتل إلى القبله يدعو ثم قال والله ما سمعنا برئيس أصاب بيده ما أصاب علي يومئذ إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة رجل يخرج فيضرب بالسيف حتى ينحني ثم يجيء فيقول معذرة إلى الله وإليكم والله لقد هممت أن أقلعه ولكن يحجزني عنه أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي قال فيأخذه فيصلحه ثم يرجع به وهذا إسناد ضعيف وحديث منكر وحدثنا يحيى ثنا ابن وهب أخبرني الليث عن يزيد بن حبيب أنه أخبره من حضر صفين مع علي ومعاوية قال ابن وهب وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط قال شهدنا صفين مع علي ومعاوية قال فمطرت السماء علينا دما عبيطا قال الليث في حديثه حتى أن كانوا ليأخذونه بالصحاف والآنية قال ابن لهيعة فتمتلى ونهريقها وقد ذكرنا أن عبد الله بن بديل كسر الميسرة التي فيها حبيب بن مسلمة حتى أضافها إلى القلب فأمر معاوية الشجعان أن يعاونوا حبيبا على الكرة وبعث إليه معاوية يأمره بالحملة والكره على ابن بديل فحمل حبيب بمن معه من الشجعان على ميمنة أهل العراق فأزالوهم عن أماكنهم وانكشفوا عن أميرهم حتى لم يبق معه إلا زهاء ثلثمائه وانجفل بقية أهل العراق ولم يبق مع على من تلك القبائل إلا أهل (7/264)
مكة وعليهم سهل بن حنيف وثبت ربيعة مع علي رضي الله عنه واقترب أهل الشام منه حتى جعلت نبالهم تصل إليه وتقدم إليه مولى لبني أمية فاعترضه مولى لعلي فقتله الأموي وأقبل يريد عليا وحوله بنوه الحسن الحسين ومحمد بن حنفية فلما وصل إلى علي أخذه علي بيده فرفعه ثم ألقاه على الأرض فكسر عضده ومنكبه وابتدره الحسين ومحمد بأسيافهما فقتلاه فقال علي للحسن ابنه وهو واقف معه ما منعك أن تصنع كما صنعا فقال كفيان أمره يا أمير المؤمنين وأسرع إلى علي أهل الشام فجعل على لا يزيده قربهم منه سرعة في مشيته بل هو سائر على هينته فقال له ابنه الحسن يا أبة لو سعيت أكثر من مشيتك هذه فقال يا بني إن لأبيك يوما لن يعدوه ولا يبطىء به عنه السعي ولا يعجل به إليه المشي إن أباك والله ما يبالي وقع على الموت أو وقع عليه ثم إن عليا أمر الأشتر النخعي أن يلحق المنهزمين فيردهم فسار فأسرع حتى استقبل المنهزمين من العراق فجعل يؤنبهم ويوبخهم ويحرض القبائل والشجعان منهم على الكرة فجعل طائفة تتابعه وآخرون يستمرون في هزيمتهم فلم يزل ذلك دأبة حتى اجتمع عليه خلق عظيم من الناس فجعل لا يلقى قبيلة إلا كشفها ولا طائفة إلا ردها حتى انتهى إلى أمير الميمنة وهو عبد الله بن بديل ومعه نحو في ثلثمائة قد ثبتوا في مكانهم فسألوا عن أمير المؤمنين فقالوا حي صالح فالتفوا إليه فتقدم بهم حتى تراجع كثير من الناس وذلك ما بين صلاة العصر إلى الغروب واراد ابن بديل أن يتقدم إلى أهل الشام فأمره الأشتر أن يثبت مكانه فأنه خير له فأبى عليه ابن بديل وحمل نحو معاوية فلما انتهى إليه وجده واقفا أمام أصحابه وفي يده سيفان وحوله كتائب أمثال الجبال فلما اقترب ابن بديل تقدم إليه جماعة منهم فقتلوه وألقوه إلى الأرض قتيلا وفر أصحابه منهزمين وأكثرهم مجروح فلما انهزم أصحابه قال معاوية لأصحابه انظروا إلى أميرهم فجاؤا إليه فلم يعرفوه فتقدم معاوية إليه فإذا هو عبد الله بن بديل فقال معاوية هذا والله كما قال الشاعر وهو حاتم الطائي ... أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت يوما به الحرب شمرا ... ويحمي إذا ما الموت كان لقاؤه ... كذلك ذو الأشبال يحمي إذا ما تأمرا ... كليث هزبر كان يحمي ذماره ... رمته المنايا سهمها فتقطرا ...
ثم حمل الأشتر النخعي بمن رجع معه من المنهزمين فصدق الحملة حتى خالط الصفوف الخمسة الذين تعاقدوا أن لا يفروا وهم حول معاوية فخرق منهم أربعة وبقي بينه وبين معاوية صف قال الأشتر فرأيت هولا عظيما وكدت أن أفر فما ثبتني إلا قول ابن الأطنابة وهي أمه من بلقين وكان هو من الأنصار وهو جاهلي ... أبت لي عفتي وأبي بلائي ... وإقدامي على البطل المشيح (7/265)
وإعطائى على المكروه مالي ... وضربي هامة الرجل السميح ... وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي ...
قال فثبت ونظر معاوية إلى عمرو بن العاص فقال اليوم صبر وعذا وإذا فخر فقال له عمرو صدقت قال معاوية فأصبت خير الدنيا وأنا أرجو أن أصيب خير ألاخرة ورواه محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن حاطب عن معاوية وبعث معاوية إلى خالد بن المعتمر وهو أمير الخيالة لعلي فقال له اتبعني على ما أنت عليه ولك إمرة العراق فطمع فيه فلما ولى معاوية ولاه العراق فلم يصل إليها خالد رحمه الله ثم إن عليا لما رأى الميمنة قد اجتمعت رجع إلى الناس فأنب بعضهم وعذر بعضهم وحرض الناس وثبتهم ثم تراجع أهل العراق فاجتمع شملهم ودارت رحى الحرب بينهم وجالوا في الشاميين وصالوا وتبارز الشجعان فقتل خلق كثير من الأعيان من الفريقين فإنا لله وإنا إليه راجعون وقيل ممن قتل في هذا اليوم عبيد الله بن عمر بن الخطاب من الشاميين واختلفوا فيمن قتله من العراقيين وقد ذكر إبراهيم بن الحسين بن ديزيل أن عبيد الله لما خرج يومئذ أميرا على الحرب أحضر أمرأتيه أسماء بنت عطارد بن حاجب التميمي وبحرية بنت هانىء بن قبيصة الشيباني فوقفتا وراءه في راحلتين لينظرا إلى قتاله وشجاعته وقوته فواجهته من جيش العراقيين ربيعة الكوفة وعليهم زياد بن حفصة التميمى فشدوا عليه شدة رجل واحد فقتلوه بعد ما انهزم عنه أصحابه ونزلت ربيعة فضربوا لأميرهم خيمة فبقي طنب منها لم يجدوا له وتدا فشدوه برجل عبيد الله وجاءت أمرأتاه يولولان حتى وقفتا عليه وبكتا عنده وشفعت امرأته بحرية إلى الأمير فأطلقه لهما فاحتملتاه معهما في هودجهما وقتل معه ايضا ذو الكلاع قال الشعبي ففي مقتل عبيد الله بن عمر يقول كعب بن جعل التغلبي ... ألا إنما تبكى العيون لفارس ... بصفين ولت خيله وهو واقف ... تبدل من أسماء أسياف وائل ... وكان فتى لو أخطأته المتالف ... تركن عبيد الله بالقاع ثاويا ... تسيل دماه والعروق نوازف (7/266)
ينوء ويغشاه شآبيب من دم ... كما لاح من جيب القميص الكفائف ... وقد صبرت حول ابن عم محمد ... لدى الموت أرباب المناقب شارف ... فما برحوا حتى رآى الله صبرهم ... وحتى رقت فوق الأكف المصاحف ... وزاد غيره فيها ... معاوي لا تنهض بغير وثيقة ... فأنك بعد اليوم بالذل عارف ...
وقد أجابه أبو جهم الأسدي بقصيدة فيها أنواع من الهجاء تركناها قصدا
وهذا مقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه مع أمير المؤمنين على بن أبي طالب قتله أهل الشام
وبان وظهر بذلك سر ما أخبر به الرسول صلى الله عليه و سلم من أنه تقتله الفئة الباغية وبان بذلك أن عليا محق وأن معاوية باغ وما في ذلك من دلائل النبوة ذكر ابن جرير من طريق أبي مخنف حدثني مالك ابن أعين الجهني عن زيد بن وهب الجهني أن عمارا قال يومئذ من يبتغي رضوان ربه ولا يلوي إلى مال ولا ولد قال فأتته عصابة من الناس فقال أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبتغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما والله ما قصدهم الخذ بدمه ولا الأخذ بثأره ولكن القوم ذاقوا الدنيا واستحلوها واستمروا الأخرة فقلوها وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم وشهواتهم ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس لهم ولا الولاية عليهم ولا تمكنت من قلوبهم خشية الله التي تمنع من تمكنت من قلبه عن نيل الشهوات وتعقله عن إرادة الدنيا وطلب العلو فيها وتحمله على اتباع الحق والميل إلى أهله فخدعوا أتباعهم بقولهم إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ولولا ذلك ما تبعهم من الناس رجلان ولكانوا أذل وأخس وأقل ولكن قول الباطل له حلاوة في أسماع الغافلين فسيروا إلى الله سيرا جميلا واذكروا ذكرا كثيرا ثم تقدم فلقيه عمرو بن العاص وعبيد الله بن عمر فلامهما وأنبهما ووعظمها وذكروه من كلامه لهما ما فيه غلظة الله فالله أعلم
وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن سلمة يقول رأيت عمارا يوم صفين شيخا كبيرا آدم طوالا أخذ الحربة بيده ويده ترعد فقال والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات وهذه الرابعة والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على الضلالة وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة وحجاج حدثني شعبة سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة قال حجاج سمعت أبا نضرة عن قيس بن عباد قال قلت لعمار بن ياسر أرايت قتالكم مع علي رأيا (7/267)
رأيتموه فإن الرأي يخطى ويصيب أو عهد عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة وقد رواه مسلم من حديث شعبة وله تمام عن عمار عن حذيفة في المنافقين
وهذا كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من التابعين منهم الحارث بن سويد وقيس ابن عبادة وأبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي ويزيد بن شريك وأبو حسان الأجرد وغيرهم أن كلا منهم قال قلت لعلي هل عندكم شيء عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يعهده إلى الناس فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله عبدا في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة فإذا فيها العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر وأن المدينة حرم ما بين ثبير إلى ثور
وثبت في الصحيحين أيضا من حديث الأعمش عن أبي وائل عن سفيان بن مسلم عن سهل بن حنيف أنه قال يوم صفين يا أيها الناس اتهموا الرأي علىالدين فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أقدر لرددت على رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره ووالله ما حملنا سيوفنا على عواتقنا منذ أسلمنا الأمر يقطعنا إلا أسهل ؟ إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا فأنا لا نسد منه خصما إلا انفتح لنا غيره لا ندري كيف نبالي له
وقال أحمد حدثنا وكيع ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ابي البختري قال قام عمار يوم صفين فقال إيتوني بشربة لبن فأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال آخر شربة تشربها من الدنيا تشربها يوم تقتل وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن حبيب عن أبي البختري أن عمارا أتى بشربة لبن فضحك وقال إن رسول الله قال لي آخر شراب أشربه لبن حين أموت وقال إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ثنا يحيى بن نصر ثنا عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال سمعت الشعبي عن الأحنف بن قيس قال ثم حمل عمار بن ياسر عليهم فحمل عليه ابن جوى السكسكي وأبو الغادية الفزاري فأما أبو الغادية فطعنه وأما ابن جوى فاحتز رأسه وقد كان ذو الكلاع سمع قول عمرو بن العاص يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية وآخر شربة تشربها صاع لبن فكان ذو الكلاع يقول لعمرو ويحك ما هذا يا عمرو فيقول له عمرو إنه سيرجع إلينا قال فلما أصيب عمار بعد ذو الكلاع قال عمرو لمعاوية ما أدرى بقتل أيهما أنا أشد فرحا بقتل عمار أو ذى الكلاع والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمار لمال بعامة أهل الشام ولأفسد علينا جندنا قال وكان لا يزال يجىء رجل فيقول لمعاوية وعمرو أنا قتلت (7/268)
عمارا فيقول له عمرو فما سمعته يقول فيخلطون حتى جاء جوى فقال أنا سمعته يقول ... اليوم ألقى الأحبة ... محمدا وحزبه ...
فقال له عمرو صدقت أنت إنك لصاحبه ثم قال له رويدا أما والله ما ظفرت يداك ولقد أسخطت ربك وقد روى ابن ديزيل من طريق ابي يوسف عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الرحمن الكندي عن أبيه عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمار تقتلك الفئة الباغية ورواه ايضا من حديث جماعة من التابعين أرسلوه منهم عبد الله بن أبي الهذيل ومجاهد وحبيب بن أبي ثابت وحبة العرني وساقه من طريق إبان عن أنس مرفوعا ومن حديث عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي الزبير عن حذيفة مرفوعا ما خير عمار بين شيئين إلا اختار أرشدهما وبه عن عمرو بن شمر عن السرى عن يعقوب بن راقط قال اختصم رجلان في سلب عمار وفي قتله فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص ليتحاكما إليه فقال لهما ويحكما اخرجا عني فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ولعبت قريش بعمار ما لهم ولعمار عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قاتله وسالبه في النار قال فبلغني أن معاوية قال إنما قتله من أخرجه يخدع بذلك أهل الشام وقال إبراهيم بن الحسين حدثنا يحيى ثنا عدي بن عمر ثنا هشيم ثنا العوام بن حوشب بن الأسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد وكان ناس عند علي ومعاوية قال بينا هو عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في قتل عمار فقال لهما عبد الله بن عمرو ليطب كل واحد منكما نفسا لصاحبه بقتل عمار فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول تقتله الفئة الباغية فقال معاوية لعمرو ألا تنهي عنا مجنونك هذا ثم أقبل معاوية على عبد الله فقال له فلم تقاتل معنا فقال له إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني بطاعة والدي ما كان حيا وأنا معكم ولست أقاتل وحدثنا يحيى بن نصر ثنا حفص بن عمران البرجمي حدثني نافع بن عمر الجمحي عن ابن ابي مليكة أن عبد الله ابن عمر وقال لأبيه لولا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني بطاعتك ما سرت معك هذا المسير أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية وحدثنا يحيى ثنا عبد الرحمن بن زياد ثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي قال جاء قاتل عمار يستأذن علي معاوية وعنده عمرو فقال ائذن له وبشره بالنار فقال الرجل أو ما تسمع ما يقول عمرو قال صدق إنما قتله الذين جاؤا به وهذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من التابعين منهم الحارث بن سويد وقيس بن عبادة وأبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي ويزيد بن شريك وأبو حسان الأجرد وغيرهم أن كلا منهم قال قلت لعلي هل عندكم شيء عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يعهده إلىالناس فقال لا والذي فلق (7/269)
الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله عبدا في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة فإذا فيها العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر وأن المدينة حرام ما بين ثبير إلى ثور وثبت في الصحيحين ايضا من حديث الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن سهل بن حنيف أنه قال يوم صفين أيها الناس اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أقدر أن ارد على رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره لرددته والله ما حملنا سيوفنا على عواتقنا منذ أسلمنا لأمر يقطعنا إلا أسهل بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا وقال ابن جرير وحدثنا أحمد بن محمد ثنا الوليد بن صالح ثنا عطاء بن مسلم عن الأعمش قال قال أبو عبد الرحمن السلمي قال كنا مع على بصفين وكنا قد وكلنا بفرسه نفسين يحفظانه يمنعانه أن يحمل فكان إذا حانت منهما غفلة حمل فلا يرجع حتى يخضب سيفه وإنه حمل ذات يوم فلم يرجع حتى أنثنى سيفه فألقاه إليهم وقال لولا أنه أنثنى ما رجعت قال ورأيت عمارا لا يأخذ واديا من أودية صفين إلا أتبعه من كان هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأيته جاء إلى هاشم بن عتبة وهو صاحب راية علي فقال يا هاشم تقدم الجنة تحت ظلال السيوف والموت في أطراف الأسنة وقد فتحت أبواب الجنة وتزينت الحور العين ... اليوم ألقى الأحبة ... محمدا وحزبه ...
ثم حملا هو وهاشم فقتلا رحمهما الله تعالى قال وحمل حينئذ علي وأصحابه على أهل الشام حملة رجل واحد كأنهما كان يعني عمارا وهاشما علما لهم قال فلما كان الليل قلت لأدخلن الليلة إلى العسكر الشاميين حتى أعلم هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا وكنا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم فركبت فرسي وقد هدأت الرجل ثم دخلت عسكرهم فإذا أنا بأربعة يتسامرون معاوية وأبو الأعور السلمي وعمرو بن العاص وابنه عبد الله بن عمرو وهو خير الأربعة قال فادخلت فرسي بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول بعضهم لبعض فقال عبد الله لأبيه يا أبة قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا وقد قال فيه رسول الله ما قال قال وما قال قال ألم يكن معنا ونحن نبني المسجد والناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين فأتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول ويحك يا ابن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين رغبة منك في الأجر وكنت مع ذلك ويحك تقتلك الفئة الباغية قال فرجع عمرو وصدر فرسه ثم جذب معاوية إليه فقال يا معاوية أما تسمع ما يقول عبد الله قال وما يقول قال يقول وأخبره الخبر فقال معاوية إنك شيخ أخرق ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك أو نحن قتلنا عمارا إنما قتل عمارا من جاء به قال فخرج الناس من عند فساطيطهم وأخبيتهم وهم يقولون إنما قتل عمارا من جاء (7/270)
به فلا أدرى من كان أعجب هو أو هم وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي زياد قال إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص فقال عبد الله بن عمرو يا أبة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعمار ويحل يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية قال فقال عمرو لمعاوية ألا تسمع ما يقول عبد الله هذا فقال معاوية لا يزال يأتينا بهنة بعد هنة أنحن قتلناه إنما قتله الذين جاءوا به ثم رواه أحمد عن أبي نعيم عن سفيان الثوري عن الأعمش به نحوه تفرد به أحمد بهذا السياق من هذا الوجه وهذا التأويل الذي سلكه معاوية رضي الله عنه بعيد ثم لم ينفرد عبد الله بن عمرو بهذا الحديث بل قد روى من وجوه أخر قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن خالد عن عكرمة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمار تقتلك الفئة الباغية وقد روى البخاري في صحيحه من حديث عبد العزيز بن المختار وعبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن عكرمة عن أبي سعيد في قصة بناء المسجد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمار يا ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال يقول عمار أعود بالله من الفتن وفي بعض نسخ البخاري يا ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وقال أحمد حدثنا سليمان بن داود ثنا شعبة ثنا عمرو بن دينار عن أبي هشام عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال لعمار تقتلك الفئة الباغية وروى مسلم من حديث شعبة عن أبي نضرة عن ابي سعيد قال حدثني من هو خير مني يعني أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمار تقتلك الفئة الباغية وروى مسلم ايضا من حديث شعبة عن خالد الحذاء عن الحسن وسعيد ابني أبي الحسن عن أمهما حرة عن أم سلمة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمار تقتلك الفئة الباغية ورواه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن علية عن ابن عون عن الحسن عن أبيه عن أم سلمة به وفي رواية وقاتله في النار وروى البيهقي عن الحاكم وغيره عن الأصم عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصنعاني عن أبي الجواب عن عمار بن زريق عن عمار الذهبي عن سالم بن أبي الجعد عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعمار إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق وقال إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في سيرة علي ثنا يحيى بن عبيد الله الكرابيسي ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن عمار بن زريق عن عمار الذهبي عن سالم بن أبي الجعد قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال إن الله قد أمننا أن يظلمنا ولم يؤمنا أن يفتننا أرأيت إذا نزلت فتنة كيف أصنع قال عليك بكتاب الله قلت أرأيت إن جاء قوم كلهم يدعون إلى كتاب الله فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق وروى ابن ديزيل عن عمرو بن العاص ؟ نفسه حديثا في ذكر عمار وأنه مع فرقه الحق وإسناده غريب وقال البيهقي أنا علي بن (7/271)
أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الله الصفار ثنا الأسقاطي ثنا أبو مصعب ثنا يوسف بن الماجشون عن أبيه عن أبي عبيدة عن محمد بن عمار بن ياسر عن مولاة لعمار قالت اشتكى عمار شكوى أرق منها فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله فقال ما تبكون أتخشون أن أموت على فراشي أخبرني حبيبي صلى الله عليه و سلم أنه تقتلني الفئة الباغية وأن آخر زادي من الدنيا مذقة من لبن وقال أحمد ثنا ابن أبي عدي عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ببناء المسجد فجعلنا ننقل لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فتترب راسه قال فحدثني أصحابي ولم أسمعه ؟ من أن رسول الله أنه جعل ينفض راسه ويقول ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية تفرد به أحمد وما زاده الروافض في هذا الحديث بعد قوله الباغية لا أنالها والله شفاعتي يوم القيامة فهو كذب وبهت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنه قد ثبتت الأحاديث عنه صلوات الله عليه وسلامه بتسمية الفريقين مسلمين كما سنورده قريبا إن شاء الله قال ابن جرير وقد ذكر أن عمارا لما قتل قال على لربيعة وهمدان أنتم درعي ورمحي فانتدب له نحو من اثني عشر ألفا وتقدمهم على ببغلته فحمل وحملوا معه حملة رجل واحد فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض وقتلوا كل من انتهوا إليه حتى بلغوا معاوية وعلى يقاتل ويقول ... أضربهم ولا أرى معاوية ... الجاحظ العين عظيم الحاوية ...
قال ثم دعى على معاوية إلى أن يبارزه فأشار عليه بالخروج إليه عمرو بن العاص فقال له معاوية إنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله ولكنك طمعت فيها بعدي ثم قدم على ابنه محمد في عصابة كثيرة من الناس فقاتلوه قتالا شديدا ثم تبعه علي في عصابة أخرى فحمل بهم فقتل في هذا الموطن خلق كثير من الفريقين لا يعلمهم إلا الله وقتل من العراقيين خلق كثير ايضا وطارت أكف ومعاصم ورؤس عن كواهلها رحمهم الله ثم حانت صلاة المغرب فما صلى بالناس إلا إيماء صلاتي العشاء واستمر القتال في هذه الليلة كلها وهي من أعظم الليالي شرا بين المسلمين وتسمى هذه الليلة ليلة الهرير وكانت ليلة الجمعة تقصفت الرماح ونفذت النبال وصار الناس إلى السيوف وعلي رضي الله عنه يحرض القبائل ويتقدم إيهم يأمر بالصبر والثبات وهو أمام الناس في قلب الجيش وعلى الميمنة الأشتر تولاها بعد قتل عبد الله بن بديل عشية الخميس ليلة الجمعة وعلى الميسرة ابن عباس والناس يقتتلون من كل جانب فذكر غير واحد من علمائنا علماء السير أنهم قتتلوا الرماح حتى تقصفت وبالنبال حتى فنيت وبالسيوف حتى تحطمت ثم صاروا إلى أن تقاتلوا الأيدي والرمي بالحجارة والتراب في الوجوه وتعاضوا بالأسنان يقتتل الرجلان حتى يثخنا ثم يجلسان يستريحان وكل واحد منهما يهمر على الآخر ويهمر عليه ثم يقومان فيقتتلان كما كانا فانا لله (7/272)
وإنا إليه راجعون ولم يزل ذلك دأبهم حتى أصبح الناس من يوم الجمعة وهم كذلك وصلى الناس الصبح إيماء وهم في القتال حتى تضاحي النهار وتوجه النصر لأهل العراق على أهل الشام وذلك أن الأشتر النخعي صارت إليه إمرة الميمنة فحمل بمن فيها على أهل الشام وتبعه على فتنقضت غالب صفوفهم وكادوا ينهزمون فعند ذلك
رفع أهل الشام المصاحف
فوق الرماح وقالوا هذا بيننا وبينكم وقد فنى الناس فمن للثغور ومن لجهاد المشركين والكفار
وذكر ابن جرير وغيره من أهل التاريخ أن الذي أشار بهذا هو عمرو بن العاص وذلك لما رأى أن أهل العراق قد استظهروا في ذلك الموقف أحب أن ينفصل الحال وأن يتأخر الأمر فأن كلا من الفريقين صابر للآخر والناس يتفانون فقال إلى معاوية إني قد رايت أمرا لا يزيدنا هذه الساعة إلا اجتماعا ولا يزيدهم إلا فرقه ارى أن نرفع المصاحف وندعوهم إليها فأن أجابوا كلهم إلى ذلك برد القتال وإن اختلفوا فيما بينهم فمن قائل نجيبهم وقائل لا نجيبهم فشلوا وذهب ريحهم وقال الإمام أحمد حدثنا يعلى بن عبيد عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي بالنهر وإن فيما استجابوا له وفيما فارقوه وفيما استحل قتالهم فقال كنا بصفين فلما استحر القتال بأهل الشام اعتصموا بتل فقال عمرو بن العاص لمعاوية أرسل إلى علي بمصحف فأدعه إلى كتاب الله فأنه لن يأبى عليك فجاء به رجل فقال بيننا وبينكم كتاب الله ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم ويتولى فريق منهم بعد ذلك وهم معرضون آل عمران فقال علي نعم أنا أولى بذلك بيننا وبينكم كتاب الله قال فجاءته الخوارج ونحن ندعوهم يومئذ القراء وسيوفهم على عواتقهم فقالوا يا أمير المؤمنين ما ينتظر هؤلاء القوم الذين على التل ألا نمشي إليهم سيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم فتكلم سهل بن حنيف فقال يا أيها الناس اتهموا أنفسكم فلقد رايتنا يوم الحديبية يعني الصلح الذي كان بين رسول الله وبين المشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر إلى رسول الله فقال يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل وذكر تمام الحديث كما تقدم في موضعه رفع أهل الشام المصاحف
فلما رفعت المصاحف قال أهل العراق نجيب إلى كتاب الله وننيب إليه قال أبو مخنف حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي عن أبي أن عليا قال عباد الله أمضوا إلى حقكم وصدقكم وقتال عدوكم فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك ابن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم منكم صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال ويحكم والله إنهم ما رفعوها إنهم يقرأونها ولا يعملون بما فيها وما (7/273)
رفعوها إلا خديعة ودهاء ومكيدة فقالوا له ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله فقال لهم إني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم الكتاب فأنهم قد عصوا الله فيما أمرهم به وتركوا عهده ونبذوا كتابه فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي ثم السبائي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا بعد ذلك خوارج يا علي أجب إلى كتاب الله إذا دعيت إليه وإلا دفعناك برمتك إلى القوم أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفان إنه غلبنا أن يعمل بكتاب الله فقتلناه والله لتفعلنها أو لنفعلنها بك قال فاحفظوا عني نهيي إياكم وأحفظوا مقالتكم لي أما أنا فأن تطيعوني فقاتلوا وأن تعصوني فاصنعوا ما بدالكم قالوا فابعث إلى الأشتر فليأتك ويكف عن القتال فبعث إليه علي ليكف عن القتال وقد ذكر الهيثم بن عدي في كتابه الذي صنفه في الخوارج فقال قال ابن عباس فحدثني محمد بن المنتشر الهمداني عن من شهد صفين وعن ناس من رؤس الخوارج ممن لا يتهم على كذب أن عمار بن ياسر كره ذلك وأبى وقال في علي بعض ما أكره ذكره ثم قال من رائح إلى الله قبل أن يبتغي غير الله حكما فحمل فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه وكان ممن دعا إلى ذلك سادات الشاميين عبد الله بن عمرو بن العاص قام في أهل العراق فدعاهم إلى الموادعة والكف وترك القتال والائتمار بما في القرآن وذلك عن أمر معاوية له بذلك رضي الله عنهما وكان ممن أشار على علي بالبول والدخول في ذلك الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه فروى أبو مخنف من وجه آخر أن عليا لما بعث إلى الأشتر قال قل له إنه ليس هذه ساعة ينبغي أن لاتزيلني عن موقفي فيها إني قد رجوت أن يفتح الله علي فلا تعجلني فرجع الرسول وهو يزيد بن هانىء إلى علي فأخبره عن الأشتر بما قال وصمم الأشتر على القتال لينتهز الفرصة فارتفع الهرج وعلت الأصوات فقال اولئك القوم لعلي والله ما نراك إلا أمرته أن يقاتل فقال أرأيتموني ساررته ألم أبعث إليه جهر وأنتم تسمعون فقالوا فابعث إليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك فقال علي لزيد بن هانىء ويحك قال له أقبل إلى فأن الفتنة قد وقعت فلما رجع إليه يزيد بن هانىء فأبلغه عن أمير المؤمنين أنه ينصرف عن القتال ويقبل إليه جعل يتململ ويقول ويحك ألا ترى إلى ما نحن فيه من النصر ولم يبق إلا القليل فقلت أيهما أحب إليك أن تقبل أو يقتل أمير المؤمنين كما قتل عثمان ثم ماذا يغنى عنك نصرتك هاهنا قال فأقبل الأشتر إلى علي وترك القتال فقال يا أهل العراق يا أهل الذل والوهن أحين علوتم القوم وظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها وقد والله تركوا ما أمر الله به فيها وسنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فإنى قد أحسست بالفتح قالوا لا قال أمهلوني عدو الفرس فأني قد طمعت في النصر قالوا إذا ندخل معك في خطيئتك ثم أخذ الأشتر يناظر اولئك القراء الداعين إلى إجابة أهل الشام (7/274)
بماحاصله إن كان أول قتالكم هؤلاء حقا فاستمروا عليه وإن كان باطلا فاشهدوا لقتلاكم بالنار فقالوا دعنا منك فأنا لا نطيعك ولا صاحبك أبدا ونحن قاتلنا هؤلاء في الله وتركنا قتالهم لله فقال لهم الأشتر خدعتم والله فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب السوء كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقا إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم بربانيين بعدها فابعدوا كما بعد القوم الظالمون فسبوه وسبهم فضربوا وجه دابته بسياطهم وجرت بينهم أمور طويلة ورغب أكثر الناس من العراقيين وأهل الشام بكمالهم إلى المصالحة والمسالمة مدة لعله يتفق أمر يكون فيه حقن لدماء المسلمين فان الناس تفانوا في هذه المدة ولا سيما في هذه الثلاثة الأيام المتأخرة التي آخر أمرها ليلة الجمعة وهي ليلة الهرير كل من الجيشين فيه من الشجاعة والصبر ما ليس يوجد في الدنيا مثله ولهذا لم يفر أحد عن أحد بل صبروا حتى قتل من الفريقين فيما ذكره غير واحد سبعون ألفا خمسة وأربعون ألفا من أهل الشام وخمسة وعشرون ألفا من أهل العراق قاله غير واحد منهم ابن سيرين وسيف وغيره وزاد أبو الحسن ابن البراء وكان في أهل العراق خمسةوعشرون بدريا قال وكان بينهم في هذه المدة تسعون زحفا واختلفا في مدة المقام بصفين فقال سيف سبعة اشهر أو تسعة أشهر وقال أبو الحسن بن البراء مائة وعشرة ايام قلت ومقتضى كلام أبي مخنف أنه كان من مستهل ذي الحجة في يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من صفر وذلك سبعة وسبعون يوما فالله أعلم وقال الزهري بلغني أنه كان يدفن في القبر الواحد خمسون نفسا هذا كله ملخص من كلام ابن جرير وابن الجوزي في المنتظم
وقد روى البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي اليمان عن صفوان بن عمرو كان أهل الشام ستين ألفا فقتل منهم عشرون ألفا وكان أهل العراق مائة وعشرين ألفا فقتل منهم أربعون ألفا وحمل البيهقي هذه الوقعة على الحديث الذي أخرجاه في الصحيحين من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة ورواه البخاري من حديث شعيب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومن حديث شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يقتل بينهما مقتلة عظيمة ودعواهما واحدة ورواه مجالد عن أبي الحواري عن ابي سعيد مرفوعا مثله ورواه الثوري عن ابن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعوتهما واحدة فبينما هم كذلك مرق منهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق وقد تقدم ما رواه الإمام أحمد عن مهدي وإسحاق عن سفيان عن منصور عن ربعي بن خراش عن البراء بن ناجية الكاهلي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن رحى الإسلام ستزول لخمس وثلاثين أو ست (7/275)
وثلاثين فان يهلكوا فسبيل من هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما فقال عمر يا رسول الله أمما مضى أم مما بقى قال بل مما بقى وقد رواه إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في كتاب جمعه في سيرة على عن ابي نعيم الفضل بن دكين عن شريك عن منصور به مثله وقال ايضا حدثنا أبو نعيم ثنا شريك بن عبد الله النخعي عن مجالد عن عامر الشعبي عن مسروق عن عبد الله قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إن رحى الإسلام ستزول بعد خمس وثلاثين سنة فان يصطلحوا فيما بينهم يأكلوا الدنيا سبعين عاما رغدا وإن يقتتلوا يركبوا سنن من كان قبلهم وقال ابن ديزيل حدثنا عبد الله بن عمر ثنا عبد الله بن خراش الشيباني عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التميمي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تدور رحى الإسلام عند قتل رجل من بني أمية يعني عثمان رضي الله عنه وقال ايضا حدثنا الحكم عن نافع عن صفوان بن عمرو عن الأشياخ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعى إلى جنازة رجل من الأنصار فقال وهو قاعد ينتظرها كيف أنتم إذا راعيتم حملين ؟ كذا في الإسلام قال أبو بكر أو يكون ذلك في أمة إلهها واحد ونبيها واحد قال نعم قال أفأدرك ذلك يا رسول الله قال لا قال عمر أفادرك ذلك يا رسول الله قال لا قال عثمان أفادرك ذلك يا رسول الله قال نعم بك يفتنون وقال ايضا عمر لابن عباس كيف يختلفون وإلههم واحد وكتابهم واحد وملتهم واحدة فقال إنه سيجىء قوم لا يفهمون القرآن كما نفهمه فيختلفون فيه فإذا اختلفوا فيه اقتتلوا فأقر عمر بن الخطاب بذلك وقال ايضا حدثنا أبو نعيم ثنا سعيد بن عبد الرحمن أخو أبي حمزة ثنا محمد بن سيرين قال لما قتل عثمان قال عدي بن حاتم لا ينتطح في قتله عنزان فلما كان يوم صفين فقئت عينه فقيل لا ينتطح في قتله عنزان فقال بلى وتفقأ عيون كثيرة وروى عن كعب الأحبار أنه مر بصفين فرآى حجارتها فقال لقد اقتتل في هذا الموضع بنو إسرائيل تسع مرات وإن العرب ستقتتل فيها العاشرة حتى يتقاذفوا بالحجاة التي تقاذف فيها بنو إسرائيل ويتفانوا كما تفانوا وقد ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من سواهم فيستبيح بيضتهم فأعطانيها وسألته أن لا يسلط بعضهم على بعض فمنعنيها ذكرنا ذلك عند تفسير قوله تعالى أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض } قال رسول الله هذا أهون
قصة التحكيم
ثم تراوض الفريقان بعد مكاتبات ومراجعات يطول ذكرها علىالتحكيم وهو أن يحكم كل واحد من الأميرين على ومعاوية رجلا من جهته ثم يتفق الحكمان على ما فيه مصلحة للمسلمين فوكل معاوية عمرو بن العاص وأراد على أن يوكل عبد الله بن عباس وليته فعل (7/276)
ولكنه منعه القراء ممن ذكرنا وقالوا لا نرضى إلا بأبي موسى الأشعري وذكر الهيثم بن عدي في كتاب الخوارج له أن أول من أشار بأبي موسى الأشعري الأشعث بن قيس وتابعه أهل اليمن ووصفوه أنه كان ينهي الناس عن الفتنة والقتال وكان أبو موسى قد اعتزل في بعض أرض الحجاز قال علي فأني أجعل الأشتر حكما فقالوا وهل سعر الحرب وشعر الأرض إلا الأشتر قال فاصنعوا ما شئتم فقال الأحنف لعلي والله لقد رميت بحجر إنه لا يصلح هؤلاء القوم إلا رجل منهم يدنو منهم حتى يصيرفي أكفهم ويبتعد حتى يصير بمنزلة النجم فإن أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا وثالثا فأنه لن يعقد عقدة إلا أحلها ولا يحل عقدة عقدتها إلا عقدت لك أخرى مثلها أو أحكم منها قال فأبوا إلا أبا موسى الأشعري فذهبت الرسل إلى أبي موسى الأشعري وكان قد اعتزل فلما قيل له إن الناس قد اصطلحوا قال الحمد لله قيل له وقد جعلت حكما فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ثم أخذوه حتى أحضروه إلى علي رضي الله عنه وكتبوا بينهم كتابا هذه صورته
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين فقال عمرو بن العاص اكتب اسمه واسم أبيه هو أميركم وليس بأميرنا فقال الأحنف لا تكتب إلا أمير المؤمنين فقال علي امح امير المؤمنين واكتب هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب ثم استشهد علي بقصة الحديبية حين امتنع أهل مكة هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فامتنع المشركون من ذلك وقالوا اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فكتب الكاتب هدا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضى على علي أهل العراق ومن معهم من شيعتهم والمسلمين وقاضى معاوية على أهل الشام ومن كان معه من المؤمنين والمسلمين إنا ننزل عند حكم الله وكتابه ونحيى ما أحيى الله ونميت ما أمات الله فما وجد الحكمان في كتاب الله وهما أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص عملا به وما لم يجدا في كتاب الله فالسنة العادلة الجامعة غير المتفرقة
ثم أخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين العهود والمواثيق أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كليهما عهد الله وميثاقه أنهما على ما في هذه الصحيفة وأجلا القضاء إلى رمضان وإن أحبا أن يوخرا ذلك على تراض منهما وكتب في يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين على أن يوافى على ومعاوية موضع الحكمين بدومة الجندل في رمضان ومع كل واحد من الحكمين اربعمائة من أصحابه فأن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح وقد ذكر الهيثم في كتابه في الخوارج أن الأشعث بن قيس لما ذهب إلى معاوية بالكتاب وفيه هذا ما قاضى عبد الله علي (7/277)
أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان قال معاوية لو كان أمير المؤمنين لم أقاتله ولكن ليكتب اسمه وليبدأ به قبل اسمى لفضله وسابقته فرجع إلى علي فكتب كما قال معاوية وذكر الهيثم أن أهل الشام أبوا أن يبدأ باسم على قبل معاوية وباسم أهل العراق قبلهم حتى كتب كتابان كتاب لهؤلاء فيه تقديم معاوية على علي وكتاب آخر لأهل العراق بتقديم اسم علي وأهل العراق على معاوية وأهل الشام وهذه تسمية من شهد على هذا التحكيم من جيش علي عبد الله بن عباس والأشعث ابن قيس الكندي وسعيد بن قيس الهمداني وعبد الله بن الطفيل المعافري وحجر بن يزيد الكندي وورقاء بن سمى العجلي وعبد الله بن بلال العجلي وعقبة بن زياد الأنصاري ويزيد ابن جحفة التميمي ومالك بن كعب الهمداني فهؤلاء عشرة وأما من الشاميين فعشرة آخرون وهم أبو الأعور السلمي وحبيب بن مسلمة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ومخارق بن الحارث الزبيدي ووائل بن علقمة العدوى وعلقمة بن يزيد الحضرمي وحمزة بن مالك الهمداني وسبيع بن يزيد الحضرمي وعتبة بن أبي سفيان أخو معاوية ويزيد بن الحر العبسي وخرج الأشعث بن قيس بذلك الكتاب يقرؤه على الناس ويعرضه على الطائفتين ثم شرع الناس في دفن قتلاهم قال الزهري بلغني أنه دفن في كل قبر خمسون نفسا وكان على قد أسر جماعة من أهل الشام فلما أراد الانصراف أطلقهم وكان مثلهم أو قريب منهم في يد معاوية وكان قد عزم على قتلهم لظنه أنه قد قتل أسراهم فلما جاءه اولئك الذين أطلقهم أطلق معاويه الذين في يده ويقال إن رجلا يقال له عمرو بن أوس من الأزد كان من الأسارى فأراد معاوية قتله فقال امنن علي فأنك خالي فقال ويحك من أين أنا خالك فقال إن أم حبيبة زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي أم المؤمنين وأنا ابنها وأنت أخوها وأنت خالي فأعجب ذلك معاوية وأطلقه وقال عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وذكر أهل صفين فقال كانوا عربا يعرف بعضهم بعضا في الجاهلية فالتقوا في الآسلام معهم على الحمية وسنة الإسلام فتصابروا واستحيوا من الفرار وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء وهؤلاء في عسكر هؤلاء فيستخرجون قتلاهم فيدفنوهم قال الشعبي هم أهل الجنة لقى بعضهم بعضا فلم يفر أحد من أحد
خروج الخوارج
وذلك أن الأشعث بن قيس مر على ملأ من بني تميم فقرأ عليهم الكتاب فقام إليه عروة بن أذينة وهي أمه وهو عروة بن جرير من بني ربيعة بن حنظلة وهو أخو أبي بلال بن مرداس بن جرير فقال أتحكمون في دين الله الرجال ثم ضرب بسيفه عجز دابة الأشعث بن قيس فغضب الأشعث وقومه وجاء الأحنف بن قيس وجماعة من رؤسائهم يعتذرون إلى الأشعث بن قيس من ذلك (7/278)
قال الهيثم بن عدي والخوارج يزعمون أن أول من حكم عبد الله بن وهب الراسبي قلت والصحيح الأول وقد أخذ هذه الكلمة من هذا الرجل طوائف من أصحاب علي من القراء وقالوا لا حكم إلا الله فسموا المحكمية وتفرق الناس إلى بلادهم من صفين وخرج معاوية إلى دمشق بأصحابه ورجع علي إلى الكوفة على طريق هيت فلما دخل الكوفة سمع رجلا يقول ذهب على ورجع في غير شيء فقال علي للذين فارقناهم خير من هؤلاء وأنشأ يقول ... أخوك الذي إن أحرجتك ملمة ... من الدهر لم يبرح لبثك راحما ... وليس أخوك بالذي إن تشعبت ... عليك أمور ظل يلحاك لائما ...
ثم مضى فجعل يذكر الله حتى دخل قصر الأمارة من الكوفة ولما كان قد قارب دخول الكوفة اعتزل من جيشه قريب من اثنى عشر ألفا وهم الخوارج وأبوا أن يساكنوه في بلده ونزلوا بمكان يقال له حروراء وأنكروا عليه أشياء فيما يزعمون أنه ارتكبها فبعث إليهم علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس فناظرهم فرجع أكثرهم وبقي بقيتهم فقاتلهم علي بن أبي طالب وأصحابه كما سيأتي بيانه وتفصيله قريبا إن شاء الله تعالى والمقصود أن هؤلاء الخوارج هم المشار إليهم في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال تمرق مارقة على حين فرقة من الناس وفي رواية من المسلمين وفي رواية من أمتي فيقتلها أولى الطائفتين وهذا الحديث له طرق متعددة وألفاظ كثيرة
قال الإمام أحمد حدثنا وكيع وعفان بن القاسم بن الفضل عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق رواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن القاسم بن محمد به وقال أحمد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم تكون أمتي فرقتين تخرج بينهما مارقة تلي قتلها أولاهما ورواه مسلم من حديث قتادة وداود بن أبي هند عن أبي نضرة به وقال أحمد حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق هم شر الخلق أو من شر الخلق يقتلهم أدنى الطائفتين من الحق قال أبو سعيد فأنتم قتلتموهم يا أهل العراق وقال احمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تفترق أمتي فرقتين فتمرق بينهما مارقة فيقتلها أولى الطائفتين بالحق ورواه عن يحيى القطان عن عوف وهو الأعرابي به مثله فهذه طرق متعددة عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العبدي وهو أحد الثقات الرفعاء ورواه مسلم ايضا من حديث سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن الضحاك الشرقى عن أبي سعيد بنحوه (7/279)
فهذاالحديث من دلائل النبوة إذ قد وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة و السلام وفيه الحكم بإسلام الطائفتين أهل الشام وأهل العراق لا كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطغام من تكفيرهم أهل الشام وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن عليا هو المصيب وإن كان معاوية مجتهدا وهو مأجور إن شاء الله ولكن على هو الإمام فله أجران كما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر وسيأتي بيان كيفية قتال علي رضي الله عنه للخوارج وصفة المخدج الذي أخبر عنه عليه السلام فوجد كما أخبر ففرح بذلك علي رضي الله عنه وسجد للشكر فصل
قد تقدم أن عليا رضي الله عنه لما رجع من الشام بعد وقعة صفين ذهب إلى الكوفة فلما دخلهاانعزل عنه طائفة من جيشه قيل ستة عشر ألفا وقيل اثنى عشر ألفا وقيل أقل من ذلك فباينوه وخرجوا عليه وأنكروا أشياء فبعث إليهم عبد الله بن عباس فناظرهم فيها ورد عليهم ما توهموه شبهة ولم يكن له حقيقة في نفس الأمر فرجع بعضهم واستمر بعضهم على ضلالهم حتى كان منهم ما سنورده قريبا ويقال إن عليا رضي الله عنه ذهب إليهم فناظرهم فيما نقموا عليه حتى استرجعهم عما كانوا عليه ودخلوا معه الكوفة ثم إنهم عاهدوا فنكثوا ما عدهدوا عليه وتعاهدوا فيما بينهم على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام على الناس في ذلك ثم تحيزوا إلى موضع يقال له النهروان وهناك قاتلهم على كما سيأتي قال الإمام أحمد حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع حدثني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الله بن عياض بن عمرو القارىء قال جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها مرجعه من العراق ليالي قبل علي فقالت له يا عبد الله بن شداد هل أنت صادقى عما أسالك عنه فحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي فقال ومالي لا أصدقك قالت فحدثني عن قصتهم قال فإن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة وأنهم عتبوا عليه فقالوا انسلخت من قميص ألبسكه الله واسم سماك به الله ثم انطلقت فحكمت في دين الله ولا حكم إلا لله فلما أن بلغ عليا ما عتبوا عليه وفارقوه عليه أمر فأذن مؤذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين رجل إلا رجلا قد حمل القرآن فلما أن أمتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم فوضعه بين يديه فجعل يصكه بيده ويقول أيها المصحف حدث الناس فناداه الناس فقالوا (7/280)
يا أمير المؤمنين ما تسأل عنه إنما هو مداد في ورق ونحن نتكلم بما روينا منه فماذا تريد قال أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله يقول الله تعالى في كتابه في أمرأة ورجل وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما فأمة محمد صلى الله عليه و سلم أعظم دما وحرمة من أمرأة ورجل ونقموا على أن كاتبت معاوية كتبت علي بن أبي طالب وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحدييية حين صالح قومه قريشا فكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل لا اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال كيف تكتب قال أكتب باسمك اللهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اكتب فكتب فقال اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشا يقول الله تعالى في كتابه لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه حتى إذا توسطت عسكرهم فقام ابن الكوا فخطب الناس فقال يا حملة القرآن هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه ممن يخاصم في كتاب الله بما لا يعرفه هذا ممن نزل فيه وفي قومه بل هم قوم خصمون فردوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله قال بعضهم والله لنواضعنه فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه وإن جاء بباطل لنكبتنه بباطله فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب فيهم ابن الكوا حتى أدخلهم على علي الكوفة فبعث علي إلى بقيتهم فقال قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه و سلم بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما أو تقطعوا سبيلا أو تظلموا ذمة فانكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء إن الله لا يحب الخائنين فقالت له عائشة يا ابن شداد فقتلهم فقالوا والله ما بعثت إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء واستحلوا أهل الذمة فقالت الله قال الله لا إله إلا هو قد كان ذلك قالت فما شيء بلغني عن أهل العراق يقولون ذو الثدى وذو الثدية قال قد رايته وكنت مع علي في القتلى فدعا الناس فقال أتعرفون هذا فما أكثر من جاء يقول قد رايته في مسجد بني فلان ورأيته في مسجد بني فلان يصلى ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذلك قالت فما قول علي حيث قام عليه كما يزعم أهل العراق قال سمعته يقول صدق الله ورسوله قالت هل سمعت منه أنه قال غير ذلك قال اللهم لا قالت أجل صدق الله ورسوله يرحم الله عليا إنه كان لا يرى شيئا يعجبه إلا قال صدق الله ورسوله فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه في الحديث تفرد به أحمد وإسناده صحيح واختاره الضياء ففي هذا السياق ما يقتضى أن عدتهم كانوا ثمانية آلاف لكن من القراء وقد يكون واطأهم على مذهبهم آخرون من غيرهم حتى بلغوا (7/281)
أثني عشر ألفا أو ستة عشر ألفا ولما ناظرهم ابن عباس رجع منهم أربعة آلاف وبقي بقيتهم علىماهم عليه وقد رواه يعقوب بن سفيان عن موسى بن مسعود عن عكرمة بن عمار عن سماك أبي زميل عن ابن عباس فذكر القصة وأنهم عتبوا عليه في كونه حكم الرجال وأنه محى اسمه من الأمرة وأنه غزا يوم الجمل فقتل الأنفس الحرام ولم يقسم الأموال والسبي فأجاب عن الأولين بما تقدم وعن الثالث بما قال قد كان في السبي أم المؤمنين فأن قلتم لست لكم بأم فقد كفرتم وإن استحللتم سبي أمهاتكم فقد كفرتم قال فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم فتقاتلوا وذكر غيره أن ابن عباس لبس حلة لما دخل عليهم فناظروه في لبسه إياها فاحتج بقوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق الآية وذكر ابن جرير أن عليا خرج بنفسه إلى بقيتهم فلم يزل يناظرهم حتى رجعوا معه إلى الكوفةوذلك يوم عيد الفطر أو الأضحى شك الراوي في ذلك ثم جعلوا يعرضون له في الكلام ويسمعونه شتما ويتأولون بتأويل في قوله قال الشافعي رحمه الله قال رجل من الخوارج لعلي وهو في الصلاة لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فقرأ علي فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون
وقد ذكر ابن جرير أن هذا كان وعلي في الخطبة وذكر ابن جرير ايضا أن عليا بينما هو يخطب يوما إذ قام إليه رجل من الخوارج فقال يا علي أشركت في دين الله الرجال ولا حكم إلا لله فتنادوا من كل جانب لاحكم إلا لله لا حكم إلا لله فجعل علي يقول هذه كلمة حق يراد بها باطل ثم قال إن لكم علينا أن لا نمنعكم فيئا ما دامت أيديكم معنا وأن لا نمنعكم مساجد الله وأن لا نبدأكم بالقتال حتى تبدؤنا ثم إنهم خرجوا بالكلية عن الكوفة وتحيزوا إلى النهروان وأن علي ما سنذكره بعد حكم الحكمين
اجتماع الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاص بدومة الجندل
وذلك في شهر رمضان كما تشارطوا عليه وقت التحكيم بصفين وقال الواقدي اجتمعوا في شعبان وذلك أن عليا رضي الله عنه لما كان مجىء رمضان بعث أربعمائة فارس مع شريح بن هانىء ومعهم أبو موسى وعبد الله بن عباس وإليه الصلاة وبعث معاوية عمرو بن العاص في اربعمائة فارس من أهل الشام ومنهم عبد الله بن عمر فتوافوا بدومة الجندل بأذرح وهي نصف المسافة بين الكوفة والشام بينها وبين كل من البلدين تسع مراحل وشهد معهم جماعة من رؤس الناس كعبد الله ابن عمر وعبد الله بن الزبير والمغيرة بن شعبة وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي (7/282)
وعبد الرحمن بن عبد يغوث الزهري وأبي جهم بن حذيفة وزعم بعض الناس أن سعد بن ابي وقاص شهدهم ايضا وأنكر حضوره آخرون وقد ذكر ابن جرير أن عمر بن سعد خرج إلى ابيه وهو على ماء لبني سليم بالبادية معتزل فقال يا أبة قد بلغك ما كان الناس بصفين وقد حكم الناس أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص وقد شهدهم نفر من قريش فاشهدهم فأنك صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأحد أصحاب الشورى ولم تدخل في شيء كرهته هذه الأمة فاحضر إنك أحق الناس بالخلافة فقال لا افعل إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنه ستكون فتنة خير الناس فيها الخفي البقي والله لا أشهد شيئا من هذا الأمر أبدا وقد قال الإمام أحمد حدثنا أبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد ثنا بكر بن سمار عن عامر بن سعد أن أخاه عمر انطلق إلى سعد في غنم له خارجا من المدينة فلما رآه سعد قال أعوذ بالله من شر هذا الراكب فلما أتاه قال يا أبة أرضيت أن تكون أعرابيا في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة فضرب سعد صدر عمر وقال اسكت فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي وهكذا رواه مسلم في صحيحه وقال أحمد أيضا حدثنا عبد الملك بن عمرو ثنا كثير بن زيد الأسلمي عن المطلب عن عمر بن سعد عن أبيه أنه جاءه ابنه عامر فقال يا ابة الناس يقاتلون على الدنيا وأنت ههنا فقال يا بني أفي الفئة تأمرني أن أكون رأسا لا والله حتى أعطى سيفا إن ضربت به مؤمنا نبا عنه وإن ضربت به كافرا قتلته سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله يحب الغني الخفي التقى وهذا السياق كان عكس الأول والظاهر أن عمر بن سعد استعان بأخيه عامر على أبي ليشير عليه أن يحضر أمر التحكيم لعلهم يعدلون عن معاوية وعلي ويولونه فامتنع سعد من ذلك وأباه أشد الأباء وقنع بما هو فيه من الكفاية والخفاء كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه وكان عمر بن سعد هذا يحب الإمارة فلم يزل ذلك دأبه حتى كان هو أمير السرية التي قتلت الحسين بن علي رضي الله عنه كما سيأتي بيانه في موضعه ولو قنع بما كان أبوه عليه لم يكن شيء من ذلك والمقصود أن سعدا لم يحضر أمر التحكيم ولا أراد ذلك ولاهم به وإنما حضره من ذكرنا فلما اجتمع الحكمان تراوضا على المصلحة للمسلمين ونظرا في تقدير أمور ثم اتفقا على أن يعزلا عليا ومعاوية ثم يجعلا الأمر شورى بين الناس ليتفقوا على الأصلح لهم منهما أو من غيرهما وقد أشار أبو موسى بتولية عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له عمرو فول ابني عبد الله فأنه يقاربه في العلم والعمل والزهد فقال له أبو موسى إنك قد غمست ابنك في الفتن معك وهو مع ذلك رجل صدق
قال أبو مخنف فحدثني محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال قال عمرو بن العاص إن هذا (7/283)
الأمر لا يصلحه إلا رجل له ضرس يأكل ويطعم وكان ابن عمر فيه غفلة فقال له ابن الزبير افطن وانتبه فقال ابن عمر لا والله لا أرشو عليها شيئا أبدا ثم قال يا ابن العاص إن العرب قد أسندت إليك أمرها بعد ما تقارعت بالسيوف وتشاكت بالرماح فلا تردنهم في فتنة مثلها أو أشد منها ثم إن عمرو بن العاص حاول أبا موسى على أن يقر معاوية وحده على الناس فأبى عليه ثم حاوله ليكون ابنه عبد الله بن عمرو هو الخليفه فابى ايضاوطلب أبو موسى من عمرو أن يوليا عبد الله بن عمر فامتنع عمرو ايضا ثم اصطلحا على أن يخلعا معاوية وعليا ويتركا الأمر شورى بين الناس ليتفقوا على من يختاروه لأنفسهم ثم جاءا إلى المجمع الذي فيه الناس وكان عمرو لا يتقدم بين يدي ابي موسى بل يقدمه في كل الأمور أدبا وإجلالا فقال له يا أبا موسى قم فأعلم الناس بما اتفقنا عليه فخطب ابو موسى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على رسول الله صلى لله عليه وسلم ثم قال أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أمرا أصلح لها ولا ألم لشعثها م رآى اتفقت أنا وعمرو عليه وهو أنا نخلع عليا ومعاوية ونترك الأمر شورى وتستقبل الأمة هذا الأمر فيولوا عليهم من أحبوه وإني قد خلعت عليا ومعاوية ثم تنحى وجاء عمرو فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن هذا قد قال ما سمعتم وإنه قد خلع صاحبه وإني قد خلعته كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فأنه ولى عثمان بن عفان والطالب بدمه وهو أحق الناس بمقامه وكان عمرو بن العاص رآى أن ترك الناس بلا إمام والحالة هذه يؤدى إلى مفسدة طويلة عريضة أربى مما الناس فيه من الأختلاف فأقر معاوية لما رأى ذلك من المصلحة والاجتهاد يخطىء ويصيب ويقال إن ابا موسى تكلم معه بكلام فيه غلظة ور عليه عمرو بن العاص مثله
وذكر ابن جرير أن شريح بن هانى مقدم جيش علي وثب على عمرو بن العاص فضربه بالسوط وقالم إليه ابن لعمر فضربه بالسوط وتفرق الناس في كل وجه إلى بلادهم فأما عمرو وأصحابه فدخلوا على معاوية فسلموا عليه بتحية الخلافةوأما أبو موسى فاستحيى من علي فذهب إلى مكة ورجع ابن عباس وشريح بن هانىء إلى علي فأخبراه بما فعل أبو موسى وعمرو فاستضعفوا رأي أبي موسى وعرفوا أنه لا يوازن عمرو بن العاص فذكر أبو مخنف عن أبي حباب الكلبي أن عليا لما بلغه ما فعل عمرو كان يلعن في قنوته معاوية وعمرو بن العاص وأبا الأعور السلمي وحبيب ابن مسلمة والضحاك بن قيس وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد والوليد بن عتبة فلما بلغ ذلك معاوية كان يلعن في قنوته عليا وحسنا وحسينا وابن عباس والأشتر النخعي ولا يصح هذا والله اعلم فأما الحديث الذي قال البيهقي في الدلائل أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا إسماعيل بن الفضل ثنا قتيبة بن سعيد عن جرير عن زكريا بن يحيى عن عبد الله (7/284)
ابن يزيد وحبيب بن يسار عن سويد بن غفلة قال إني لأمشي مع علي بشط الفرات فقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا وإن هذه الأمة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثواحكمين فيضلان ويضلان من اتبعهما فأنه حديث منكر ورفعه موضوع والله أعلم إذ لو كان هذا معلوما عند علي لم يوافق على تحكيم الحكمين حتى لا يكون سببا لاضلال الناس كما نطق به هذا الحديث وآفة هذا الحديث هو زكريا بن يحيى وهو الكندي الحميري الأعمى قال ابن معين ليس بشيء
خروج الخوارج من الكوفة ومبارزتهم عليا
لما بعث على أبا موسى ومن معه من الجيش إلى دومة الجندل اشتد أمر الخوارج وبالغوافي النكير على علي وصرحوا بكفره فجاء إليه رجلان منهم وهما زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فقالا لا حكم إلا لله فقال علي لا حكم إلا لله فقال له حرقوص تب من خطيئتك واذهب بنا إلى عدونا حتى نقاتلهم حتى نلقى ربنا فقال علي قد أردتكم على ذلك فأبيتم وقد كتبنا بيننا وبين القوم عهودا وقد قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم الآية فقال له حرقوس ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه فقال علي ما هو بذنب ولكنه عجز من الرأي وقد تقدمت إليكم فيما كان منه ونهيتكم عنه فقال له زرعة بن البرج أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله لأقاتلنك أطلب بذلك رحمة الله ورضوانه فقال علي تبا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسقى عليك الريح فقال وددت أن قد كان ذلك فقال له علي إنك لو كنت محقا كان في الموت تعزية عن الدنيا ولكن الشيطان قد استهواكم فخرجا من عنده يحكمان وفشى فيهم ذلك وجاهروا به الناس وتعرضوا لعلي في خطبه وأسمعوه السب والشتم والتعريض بآيات من القرآن وذلك أن عليا قام خطيبا في بعض الجمع فذكر أمر الخوارج فذمه وعابه فقام جماعة منهم كل يقول لا حكم إلا لله وقام رجل منهم وهو واضع إصبعه في أذنيه يقول ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فجعل علي يقلب يديه هكذا وهكذا وهو على المنبر ويقول حكم الله ننتظر فيكم ثم قال إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا مالم تخرجوا علينا ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفىء ما دامت أيديكم مع ايدينا ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا وقال أبو محنف عن عبد الملك عن أبي حره أن عليا لما بعث أبا موسى لانفاذ الحكومة اجتمع الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبي فخطبهم خطبة بليغة زهدهم في هذه الدنيا ورغبهم في الآخرة والجنة (7/285)
وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم قال فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى جانب هذا السواد إلى بعض كور الجبال أو بعض هذه المدائن منكرين لهذه الأحكام الجائرة ثم قام حرقوس بن زهير فقال بعد حمد الله والثناء عليه إن المتاع بهذه الدنيا قليل وإن الفراق لها وشيك فلا يدعونكم زينتها أو بهجتها إلى المقام بها ولا تلتفت بكم عن طلب الحق وإنكار الظلم إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فقال سنان بن حمزة الأسدي يا قوم إن الرأي ما رأيتم وإن الحق ما ذكرتم فولوا أمركم رجلا منكم فأنه لا بد لكم من عماد وسناد ومن راية تحفون بها وترجعون إليها فبعثوا إلى زيد بن حصن الطائي وكان من رؤسهم فعرضوا عليه الأمارة فأبى ثم عرضوها على حرقوص بن زهير فأبى وعرضوها على حمزة بن سنان فابى وعرضوها على شريح بن أبي أوفى العبسي فأبى وعرضوها على عبد الله بن وهب الراسبي فقبلها وقال أما والله لا أقبلها رغبة في الدنيا ولا أدعها فرقا من الموت واجتمعوا ايضا في بيت زيد بن حصن الطائي السنبسي فخطبهم وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتلا عليهم آيات من القرآن منها قوله تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله الآية وقوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } وكذا التي بعدها وبعدها الظالمون الفاسقون ثم قال فأشهد علىأهل دعوتنا من أهل قبلتنا أنهم قد اتبعوا الهوى ونبذوا حكم الكتاب وجاروا في القول والأعمال وأن جهادهم حق على المؤمنين فبكى رجل منهم يقال له عبد الله بن سخبرة السلمي ثم حرض اولئك على الخروج على الناس وقال في كلامه اضربوا وجوههم وجباههم بالسيوف حتى يطاع الرحمن الرحيم فأن أنتم ظفرتم وأطيع الله كما أردتم أثابكم ثواب المطيعين له العاملين بأمره وإن قتلتم فأي شيء أفضل من المصير إلىرضوان الله وجنته قلت وهذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم فسبحان من نوع خلقه كما أراد وسبق في قدره العظيم وما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج إنهم المذكورون في قوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا اولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا والمقصود أن هؤلاء الجهلة الضلال والأشقياء في الأقوال والأفعال اجتمع رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين وتواطئوا على المسير إلى المدائن ليملكوها عل الناس ويتحصنوا بها ويبعثوا إلى إخوانهم وأضرابهم ممن هو علي رايهم ومذهبهم من أهل البصرة وغيرها فيوافوهم إليها ويكون اجتماعهم عليها فقال لهم زيد بن حصن الطائي إن المدائن لا تقدرون عليها فأن بها جيشا لا تطيقونه وسيمنعوها منكم ولكن واعدوا إخوانكم إلى جسر نهر جوخى ولا تخرجوا من الكوفة جماعات (7/286)
ولكن اخرجوا وحدانا لئلا يفطن بكم فكتبوا كتابا عاما إلى من هو علي مذهبهم ومسلكهم من أهل البصرة وغيرها وبعثوا به إليه ليوافوهم إلى النهر ليكونوا يدا واحدة عل الناس ثم خرجوا يتسللون وحدانا لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج فخرجوا من بين الآباء والأمهات والأخوال والخالات وفارقوا سائر القرابات يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضى رب الأرض والسموات ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر الموبقات والعظائم والخطيئات وأنه مما زينه لهم إبليس الشيطان الرجيم المطرود عن السموات الذي نصب العداوة لأبينا آدم ثم لذريته ما دامت أرواحهم في أجسادهم مترددات والله المسئول أن يعصمنا منه بحوله وقوته إنه مجيب الدعوات وقد تدارك جماعة من الناس بعض أولادهم وإخوانهم فردوهم وأنبوهم ووبخوهم فمنهم من استمر على الاستقامة ومنهم من فر بعد ذلك فلحق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة وذهب الباقون إلى ذلك الموضع ووافى إليهم من كانوا كتبوا إليه من أهل البصر وغيرها واجتمع الجميع بالنهروان وصارت لهم شوكة ومنعه وهم جند مستقلون وفيهم شجاعة وعندهم أنهم متقربون بذلك فهم لا يصطلى لهم بنار ولا يطمع في أن يؤخذ منهم بثأر وبالله المستعان وقال أبو مخنف عن أبي رزق ؟ عن الشعبي أن عليا لما خرجت الخوارج إلى النهروان وأن وهرب ابو موسى إلى مكة ورد ابن عباس إلى البصرة قام في الناس بالكوفة خطيبا فقال الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدثان الجليل الكادح وأشهد أن لا إله غيره وأن محمدا رسول الله أما بعد فأن المعصية تشين وتسوء وتورث الحسره وتعقب الندم وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة بأمري ونحلتكم رأيي فأبيتم إلا ما أردتم فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن ... بذلت لهم نصحى بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلاضحى الغد ...
ثم تكلم فيما فعله الحكمان فرد عليهما ما حكما به وأنبهما وقال ما فيه حط عليهما ثم ندب الناس إلى الخروج إلى الجهاد في أهل الشام وعين لهم يوم الاثنين يخرجون فيه وإلى ابن عباس وإلى البصرة يستنفر له الناس إلى الخروج إلىأهل الشام وكتب إلى الخوارج يعلمهم أن الذي حكم به الحكمان مردود عليهما وأنه قد عزم على الذهاب إلى الشام فهلموا حتى نجتمع على قتالهم فكتبوا إليه أما بعد فأنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك وإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نابذناك على سواء إن الله لا يحب الخائنين فلما قرأ على كتابهم يئس منهم وعزم على الذهاب إلى أهل الشام ليناجزهم وخرج من الكوفة إلى النخيلة في عسكر كثيف خمسة وستين ألفا وبعث إليه ابن عباس بثلاثة آلاف ومائتي فارس من أهل البصرة مع جارية بن قدامة ألف وخمسمائة ومع أبي الأسود (7/287)
الدؤلي ألف وسبعمائة فكمل جيش علي في ثمانية وستين ألف فارس ومائتي فارس وقام على أمير المؤمنين خطيبا فحثهم على الجهاد والصبر عند لقاء العدو وهو عازم على الشام فبينما هو كذلك إذ بلغه أن الخوارج قد عاثوا في الأرض فسادا وسفكوا الدماء وقطعوا السبل واستحلوا المحارم وكان من جملة من قتلوه عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم اسروه وامرأته معه وهي حامل فقالوا من أنت قال أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنكم قد روعتموني فقالوا لا بأس عليك حدثنا ما سمعت من أبيك فقال سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي فاقتادوه بيده فبينما هو يسير معهم إذ لقي بعضم خنزيرا لبعض أهل الذمة فضربه بعضهم فشق جلده فقال له آخر لم فعلت هذا وهو لذمي فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه وبينا هو معهم إذ سقطت تمرة من نخلة فأخذها أحدهم فألقاها في فمه فقال له آخر بغير إذن ولا ثمن فألقاها ذاك من فمه ومع هذا قدموا عبد الله بن خباب فذبحوه وجاؤا إلى امرأته فقالت إني امرأة حبلى ألا تتقون الله فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها فلما بلغ الناس هذا من صنيعهم خافوا إن هم ذهبوا إلى الشام واشتغلوا بقتال أهله أن يخلفهم هؤلاء في ذراريهم وديارهم بهذا الصنع فخافوا غائلتهم وأشاروا على علي بأن يبدأ بهؤلاء ثم إذا فرغ منهم ذهب إلى أهل الشام بعد ذلك والناس آمنون من شر هؤلاء فاجتمع الرأي على هذا وفيه خيرة عظيمة لهم ولأهل الشام ايضا فأرسل علي إلى الخوارج رسولا من جهته وهو الحرب بن مرة العبدي فقال اخبر لي خبرهم واعلم لي أمرهم واكتب إلى به على الجلية فلما قدم عليهم قتلوه ولم ينظروه فلما بلغ ذلك عليا عزم على الذهاب إليهم أولا قبل أهل الشام
مسير أمير المؤمنين علي إلى الخوارج
لما عزم علي ومن معه من الجيش على البداءة بالخوارج نادى مناديه في الناس بالرحيل فعبر الجسر فصلى ركعتين عنده ثم سلك على دير عبد الرحمن ثم دير أبي موسى ثم على شاطىء الفرات فلقيه هنالك منجم فأشار عليه بوقت من النهار يسير فيه ولا يسير في غيره فأنه يخشى عليه فخالفه علي فسار على خلاف ما قال فأظفره الله وقال علي إنما أردت أن أبين للناس خطأه وخشيت أن يقول جاهل إنما ظفر لكونه وافقه وسلك على ناحية الأنبار وبعث بين يديه قيس ابن سعد وأمره أن يأتي المدائن وأن يتلقاه بنائبها سعد بن مسعود وهو أخو عبد الله بن مسعود الثقفي في جيش المدائن فاجتمع الناس هنالك على علي وبعث إلى الخوارج أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم حتى أقتلهم ثم أنا تارككم وذاهب إلى العرب يعني أهل الشام ثم لعل الله أن يقبل بقلوبكم ويردكم إلى خير مما أنتم عليه فبعثوا إلى علي يقولون كلنا قتل إخوانكم ونحن (7/288)
مستحلون دماءهم ودماءكم فتقدم إليهم قيس بن سعد بن عبادة فوعظهم فيما ارتكبوه من الأمر العظيم والخطب الجسيم فلم ينفع وكذلك ابو أيوب الأنصاري أنبهم ووبخهم فلم ينجع ؟ وتقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إليهم فوعظهم وخوفهم وحذرهم وأنذرهم وتوعدهم وقال إنكم أنكرتم علىأمرا أنتم دعوتموني إليه فنهيتكم عنه فلم تقبلوا وها أنا وأنتم فارجعوا إلى ما خرجتم منه ولا ترتكبوا محارم الله فأنكم قد سولت لكم أنفسكم أمرا تقتلون عليه المسلمين والله لو قتلتم عليه دجاجة لكان عظيما عند الله فكيف بدماء المسلمين فلم يكن لهم جواب إلا أن تنادوا فيما بينهم أن لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيؤا للقاء الرب عز و جل الرواح الرواح إلى الجنة وتقدموا فاصطفوا للقتال وتأهبوا للنزال فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصن الطائي السنبسي وعلى الميسرة شريح بن أوفى وعلىخيالتهم حمزة بن سنان وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي ووقفوا مقاتلين لعلي وأصحابه وجعل علي على ميمنته حجر بن عدي وعلى الميسرة شبيث بن ربعي ومعقل بن قيس الرياحي وعلىالخيل أبا أيوب الأنصاري وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري وعلى أهل المدينة وكانوا في سبعمائة قيس بن سعد بن عبادة وأمر علي ابا ايوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول لهم من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا فانصرف منهم طوائف كثيرون وكانوا في أربعة آلاف فلم يبق منهم إلا ألف او أقل مع عبد الله بن وهب الراسبي فزحفوا إلى علي فقدم علي بين يديه الخيل وقدم منهم الرماة وصف الرجاله وراء الخيالة وقال لأصحابه كفوا عنهم حتى يبدؤكم وأقبلت الخوارج يقولون لا حكم إلا لله الرواح الرواح إلى الجنة فحملوا على الخيالة الذين قدمهم على ففرقوهم حتى أخذت طائفة من الخيالة إلى الميمنة وأخرى إلى الميسرة فاستقبلتهم الرماة بالنبل فرموا وجوههم وعطفت عليهم الخيالة من الميمنة والميسرة ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف فأناموا الخوارج فصاروا صرعى تحت سنابك الخيول وقتل امراؤهم عبد الله بن وهب وحرقوص بن زهير وشريح بن أوفى وعبد الله بن سخبرة السلمي قبحهم الله قال أبو أيوب وطعنت رجلا من الخوارج بالرمح فانفذته من ظهره وقلت له أبشر يا عدو الله بالنار فقال ستعلم اينا أولى بها صليا قالوا ولم يقتل من أصحاب على إلا سبعة نفر وجعل علي يمشي بين القتل منهم ويقول بؤسا لكم لقد ضركم من غركم فقالوا يا أمير المؤمنين ومن غرهم قال الشيطان وأنفس بالسوء أمارة غرتهم بالأماني وزينت لهم المعاصي ونبأتهم أنهم ظاهرون ثم أمر بالجرحى من بينهم فإذا هم اربعمائة فسلمهم إلى قبائلهم ليداووهم وقسم ما وجد من سلاح ومتاع لهم وقال الهيثم بن عدي في كتاب الخوارج وحدثنا محمد بن قيس الأسدي ومنصور بن دينار عن عبد الملك (7/289)
ابن ميسرة عن النزال بن سبرة أن عليا لم يخمس ما أصاب من الخوارج يوم النهروان ولكن رده إلى أهله كله حتى كان آخر ذلك مرجل أتى به فرده وقال أبو مخنف حدثنى عبد الملك بن أبي حرة أن عليا خرج في طلب ذى الثدية ومعه سليمان بن ثمامة الحنفي أبو حرة والريان بن صبرة بن هوذة فوجده الرياني في حفرة على جانب النهر في أربعين أو خمسين قتيلا قال فلما استخرج نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدى المرأة له حلمة عليها شعرات سود فإذا مدت امتدت حتى تحاذى يده الأخرى ثم تنزل فتعود إلى منكبه كثدى المرأة فلما رآه علي قال أما والله ما كذبت لولا أن تتكلوا على العمل لأخبرتكم بما قضى الله في قتالهم عارفا للحق وقال الهيثم بن عدي في كتابه في الخوارج وحدثني محمد بن ربيعة الأخنسي عن نافع بن مسلمة الأخنسي قال كان ذو الثدية رجلا من عرنة من بجيلة وكان أسود شديد السواد له ريح منتنة معروف في العسكر وكان يرافقنا قبل ذلك وينازلنا وننازله وحدثني أبو إسماعيل الحنفي عن الريان بن صيرة الحنفي قال شهدنا النهروان مع علي فلما وجد المخدج سجد سجدة طويلة وحدثني سفيان الثوري عن محمد بن قيس الهمدانى عن رجل من قومه يكنى أبا موسى أن عليا لما وجد المخدج سجد سجدة طويلة وحدثني يونس بن أبي إسحاق حدثني إسماعيل عن حبة العرنى قال لما أقبل أهل النهروان جعل الناس يقولون الحمد لله يا أمير المؤمنين الذى قطع دابرهم فقال على وكلا والله إنهم لفى أصلاب الرجال وأرحام النساء فإذا خرجوا من بين الشرايين فقل ما يقلون أحدا إلا ألبوا أن يظهروا عليه قال وكان عبد الله بن وهب الراسبي قد قحلت مواضع السجود منه من شدة اجتهاده وكثرة السجود وكان يقال له ذو البينات وروى الهيثم عن بعض الخوارج أنه قال ما كان عبد الله بن وهب من بغضه عليا يسميه إلا الجاحد وقال الهيثم بن عدى ثنا إسماعيل عن خالد عن علقمة بن عامر قال سئل علي عن أهل النهروان أمشركون هم فقال من الشرك فروا قيل أفمنافقون قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا فقيل فماهم يا أمير المؤمنين قال إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا فهذا ما أورده ابن جرير وغيره في هذا المقام
ما ورد فيهم من الأحاديث الشريفة
الحديث الأول عن علي رضي الله عنه ورواه عنه زيد بن وهب وسويد بن غفلة وطارق ابن زياد وعبد الله بن شداد وعبيد الله بن أبي رافع وعبيدة بن عمرو السلماني وكليب أبو عاصم وأبو كثير وأبو مريم وأبو موسى وأبو وائل الوضى فهذه اثنتا عشرة طريقا إليه ستراها بأسانيدها وألفاظها ومثل هذا يبلغ حد التواتر (7/290)
الطريق الأولى
قال مسلم بن الحجاج في صحيحه حدثنا عبد بن حميد ثنا عبد الرزاق عن همام ثنا عبد الملك ابن أبي سليمان ثنا سلمة بن كهيل حدثني زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يخرج قوم من أمتي يقرؤن القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرؤن القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه و سلم لا تكلوا على العمل وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس لها ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض فيذهبون إلى معاوية وأهل الشام ويتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم وإني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فأنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله قال سلمة فذكر زيد بن وهب منزلا منزلا حتى مروا على قنطرة فلما التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم القوا الرماح وسلوا سيوفكم وكسروا جفونها فأني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء فرجعوا فوحشوا برماحهم وسلوا السيوف فشجرهم الناس برماحهم قال وقتل بعضهم على بعض وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان قال علي التمسوا فيهم المخدج فالتمسوه فلم يجدوه فقام علي بنفسه حتى آتى ناسا بعضهم إلى بعض فقال أخروه فوجدوه مما يلي الأرض فقال أخروهم فوجدوهم مما يلي الأرض فكبر ثم قال صدق الله وبلغ رسوله قال فقام إليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم إني والله الذي لا إله إلا هو فاستحلفه ثلاثا وهو يحلف له أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا لفظ مسلم وقد رواه أبو داود عن الحسن بن علي الخلال عن عبد الرزاق
طريق أخرى عن علي
قال الإمام أحمد حدثنا وكيع ثنا الأعمش وعبد الرحمن عن سفيان عن الأعمش بن خيثمة عن سويد بن غفلة قال قال علي إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلأن أخر من السماء أحب إلى من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فإن الحرب خدعة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يخرج قوم من أمتى في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم قال عبد الرحمن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراة لمن قاتلهم عند الله يوم القيامة وأخرجاه في الصحيحين من طرق عن الأعمش به بنحوه (7/291)
طريق أخرى
قال الإمام أحمد حدثنا أبو نعيم ثنا الوليد بن القاسم الهمداني ثنا إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن طارق بن زياد قال سار علي إلى النهروان قال الوليد في روايته وخرجنا معه قتل الخوارج فقال اطلبوا المخدج فأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال سيجيء قوم يتكلمون بكلمة الحق لا تجاوز حلوقهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم أو فيهم رجل أسود مخدج اليد في يده شعرات سود إن كان فيهم فقد قتلتم شر الناس وإن لم يكن فيهم فقد قتلتم خير الناس قال الوليد في روياته فبكينا قال إنا وجدنا المخدج فخررنا سجودا وخر على ساجدا معنا تفرد به احمد من هذا الوجه طريق أخرى
رواه عبد الله بن شداد عن علي كما تقدم قريبا إيراده بطوله
طريق أخرى عن علي
قال مسلم حدثني أبو الطاهر ويونس بن عبد الأعلى ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن بشر بن سعيد عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب قالوا لا حكم إلا لله قال علي كلمة حق أريد بها باطل إن رسول الله صلى الله وعليه سلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بالسنتهم لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى خلقة من أبغض خلق الله منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال ارجعوا فانظروا فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين او ثلاثا فوجدوه في خربة فأتوا به عليا حتى وضعوه بين يديه قال عبيد الله وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم زاد يونس في روايته قال بكير وحدثني رجل عن ابن حنين أنه قال رأيت ذلك الأسود تفرد به مسلم طريق اخرى قال أحمد حدثنا إسماعيل ثنا أيوب عن محمد عن عبيدة عن علي قال ذكرت الخوارج عند علي فقال فيهم مخدج اليد أو مثدون اليد أو قال مودن اليد ولولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه و سلم قال قلت أنت سمعته من محمد قال إي ورب الكعبة أي ورب الكعبة أي ورب الكعبة وقال أحمد ثنا وكيع ثنا جرير بن حازم وابو عمرو بن العلاء عن ابن سيرين سمعاه عن عبيدة عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج قوم فيهم رجل مودن اليد او مثدون اليد أو مخدج اليد ولولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان (7/292)
نبيه صلى الله عليه و سلم قال عبيدة قلت لعلي أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أي ورب الكعبة أي ورب الكعبة وقال أحمد ثنا يزيد ثنا هشام عن محمد عن عبيدة قال قال علي لأهل النهروان بهم رجل مثدون اليد أو مخدوج اليد ولولا أن تبطروا لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم لمن قتلهم قال عبيدة فقلت لعلي أنت سمعته قال إي ورب الكعبة يحلف عليها ثلاثا وقال أحمد ثنا ابن أبي عدي عن أبي بن عون عن محمد قال قال عبيدة لا أحدثك إلا ما سمعت منه قال محمد فحلف لنا عبيدة ثلاث مرات وحلف له علي قال قال لولا أن تبطروا لأنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه و سلم قال قلت أنت سمعته قال أي ورب الكعبة أي ورب الكعبة أي ورب الكعبة فيهم رجل مخدج اليد او مثدون اليد أحسبه قال أو مودن اليد وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن علية وحماد بن زيد كلاهما عن أيوب وعن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي عن ابن عون كلاهما عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي وقد ذكرناه من طرق متعددة تفيد القطع عند كثيرين عن محمد بن سيرين وقد حلف على أنه سمعه من عبيدة وحلف عبيدة أنه سمعه من علي أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد قال علي لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم
طريق أخرى
قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل حدثني إسماعيل ابو معمر ثنا عبد الله بن إدريس ثنا عاصم بن كليب عن أبيه قال كنت جالسا عند علي إذ دخل رجل عليه ثياب السفر فاستأذن على على وهو يكلم الناس فشغل عنه فقال علي إني دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعنده عائشة فقال كيف أنت ويوم كذا وكذا فقلت الله ورسوله أعلم قال فقال قوم يخرجون من قبل المشرق يقرؤن القرآن لا يجارز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فيهم رجل مخدج اليد كأن يديه يدي حبشية أنشدكم بالله هل أخبرتكم أنه فيهم فذكر الحديث بطوله ثم رواه عبد الله ابن أحمد عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن القاسم بن مالك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن علي فذكر نحوه إسناد جيد طريق أخرى
قال الحافظ ابو بكر الخطيب البغدادي أخبرنا أبو القاسم الأزهري أنا علي بن عبد الرحمن لكناني أنا محمد بن عبد الله بن عطاء عن سليمان الحضرمي أنا يحيى بن عبد الحميد الحماني انا خالد بن عبيد الله عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال قال أبو جحيفة قال علي حين فرغنا من الحرب إن فيهم رجلا ليس في عضده عظم ثم عضده كحلمة الثدي عليها شعرات طوال عقف فالتمسوه (7/293)
يجدوه قال فما رأيت عليا جزع جزعا أشد من جزعه يومئذ فقالوا ما نجده يا أمير المؤمنين فقال ويلكم ما أسم هذا المكان قالوا النهروان قال كذبتم إنه لفيهم فثورنا القتلى فلم نجده فعدنا إليه فقلنا يا أمير المؤمنين ما نجده قال ما اسم هذا المكان قلنا النهروان قال صدق الله ورسوله وكذبتم إنه لفيهم فالتمسوه فالتمسناه فوجدناه في ساقيه فجئنا به فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم وعليها كحلمة ثدي المرأة عليها شعرات طوال عقف
طريق أخرى
قال الإمام أحمد حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا إسماعيل بن مسلم العبدي ثنا ابو كثير مولى الأنصار قال كنت مع سيدي مع علي بن أبي طالب حيث قتل أهل النهروان فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم فقال علي يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون فيه أبدا حتى يرجع السهم على فوقه وإن آية ذلك إن فيهم رجلا أسود مخدج اليد إحدى يديه كثدي المرأة لهاحلمة كحلمة ثدي المرأة حوله سبع هلبات فالتمسوه فأني أراه فيهم فالتمسوه فوجدوه إلى شفير النهر تحت القتلى فأخرجوه فكبر علي فقال الله أكبر صدق الله ورسوله وإنه لمتقلد قوسا له عربية فأخذها بيده فجعل يطعن بها في مخدجته ويقول صدق الله ورسوله وكبر الناس حين رأوه واستبشروا وذهب عنهم ما كانوا يجدون تفرد به أحمد طريق أخرى
قال عبد الله بن أحمد حدثنا أبو خيثمة ثنا شبابة بن سوار حدثني نعيم بن حكيم حدثني أبو مريم ثنا علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن قوما يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم طوبى لمن قتلهم وقتلوه علامتهم رجل مخدج وقال أبو داود في سننه حدثنا بشر بن خالد ثنا شبابة بن سوار عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم قال إن كان ذاك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد نجالسه الليل والنهار وكان فقيرا ورأيته مع المساكين يشهد طعام على مع الناس وقد كسوته برنسا لي قال ابو مريم وكان المخدج يسمى نافعا ذا الثدية ودان في يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعرات مثل سبالة السنور طريق أخرى
قال الحافظ ابو بكر البيهقي في الدلائل أخبرنا أبو علي الروزباري أنا أبو محمد عبد الله بن عمرو ابن شوذب المقري الواسطي بها ثنا شعيب بن أيوب ثنا أبو الفضل بن دكين عن سفيان هو الثوري عن محمد بن قيس عن أبي موسى رجل من قومه قال كنت مع علي فجعل يقول التمسوا المخدج فالتمسوه فلم يجدوه قال فأخذ يعرق ويقول والله ما كذبت ولا كذبت فوجدوه في نهر (7/294)
أود إليه فسجد
طريق أخرى
قال أبو بكر البزار حدثني محمد بن مثنى ومحمد بن معمر ثنا عبد الصمد ثنا سويد بن عبيد العجلي ثنا أبو مؤمن قال شهدت علي بن أبي طالب يوم قتل الحرورية وأنا مع مولاي فقال أنظروا فإن فيهم رجلا إحدى يديه مثل ثدي المرأة وأخبرني النبي صلى الله عليه و سلم أني صاحبه فقلبوا القتلى فلم يجدوه وقالوا سبعة نفر تحت النخلة لم نقلبهم بعد قال ويلكم انظروا قال أبو مؤمن فرايت في رجليه حبلين يجرونه بهما حتى ألقوه بين يديه فخر علي ساجدا وقال أبشروا قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار ثم قال البزار لا نعلم روى أبو موسى عن علي غير هذا الحديث طريق أخرى
قال البزار حدثنا يوسف بن موسى ثنا إسحاق بن سليمان الرازي سمعت ابا سفيان عن حبيب ابن أبي ثابت قال قلت لشقيق بن سلمة يعني أبا وائل حدثني عن ذي الثدية قال لما قاتلناهم عقال علي اطلبوا رجلا علامته كذا وكذا فطلبناه فلم نجده فبكى وقال اطلبوه فوالله ما كذبت ولا كذبت قال فطلبناه فلم نجده فبكى وقال اطلبوه فوالله ما كذبت ولا كذبت قال فطلبناه فلم نجده قال وركب بغلته الشهباء فطلبناه فوجدناه تحت بردى فلما رآه سجد ثم قال البزار لا نعلم روى حبيب عن شقيق عن علي إلا هذا الحديث طريق أخرى
قال عبد الله بن أحمد حدثني عبيد الله بن عمر والقواريري ثنا حماد بن زيد ثنا جميل بن مرة عن أبي الوضى قال شهدت عليا حين قتل أهل النهروان قال التمسوا المخدج فطلبوه في القتلى فقالوا ليس نجده نجده فقال ارجعوا فالتمسوه فوالله ما كذبت ولا كذبت فرجعوا فطلبوه فردد ذلك مرارا كل ذلك يحلف بالله ما كذبت ولا كذبت فانطلقوا فوجدوه تحت القتلى في طين فاستخرجوه فجيء به قال أبو الوضىفكأني أنظر إليه حبشي عليه ثدي قد طبق إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها شعرات مثل شعرات تكون على ذنب اليربوع وقد رواه أبو داود عن محمد بن عبيد بن حساب عن حماد بن زيد ثنا جميل بن مرة ثنا أبو الوضى واسمه عباد بن نسيب ولكنه اختصره وقال عبد الله بن أحمد ايضا حدثنا حجاج بن يوسف الشاعر حدثني عبدالصمد بن عبد الوارث ثنا يزيد بن أبي صالح أن ابا الوضى عبادا حدثه أنه قال كنا عائدين إلى الكوفة مع علي بن أبي طالب فلما بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاثا من حروراء شذ منا ناس كثيرون فذكرنا ذلك لعلي فقال لايهولنكم أمرهم فإنهم سيرجعون فذكر الحديث بطوله قال فحمد الله علي بن أبي طالب وقال إن خليلي أخبرني أن قائد هؤلاء رجل مخدج اليد على حلمة ثديه شعرات كأنهن ذنب اليربوع فالتمسوه فلم يجدوه فأتيناه (7/295)
فقلنا إنا لم نجده فجعل يقول اقلبوا ذا اقلبوا ذا حتى جاء رجل من أهل الكوفة فقال هو هذا فقال علي الله أكبر لا يأتيكم أحد يخبركم من أبوه فجعل الناس يقولون هذا مالك هذا مالك فقال علي اين من وقال عبد الله بن أحمد ايضا حدثني حجاج بن الشاعر حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا يزيد بن أبي صالح أن ابا الوضي عبادا حدثه قال كنا عائدين إلى الكوفة مع علي فذكر حديث المخدج قال علي فوالله ما كذبت ولا كذبت ثلاثا ثم قال علي أما أن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن هذا أكبرهم والثاني له جمع كثير والثالث فيه ضعف وهذا السياق فيه غرابة جدا وقد يمكن أن يكون ذو الثدية من الجن بل هو من الشياطين إما شياطين الأنس أو شياطين الجن إن صح هذا السياق والله تعالىأعلم والمقصود أن هذه طرق متواترة عن علي إذ قد روى من طرق متعددة عن جماعة متباينة لا يمكن تواطؤهم على الكذب فأصل القصة محفوظ وإن كان بعض الألفاظ وقع فيها اختلاف بين الرواة ولكن معناها وأصلها الذي تواطأت الروايات عليه صحيح لا يشك فيه عن علي أنه رواه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه أخبر عن صفة الخوارج وذي الثدية الذي هو علامة عليهم وقد روى ذلك من طريق جماعة من الصحابة غير علي كما تراها بأسانيدها وألفاظها وبالله المستعان وقد رواه جماعة من الصحابة منهم أنس بن مالك وجابر بن عبد الله ورافع بن عمرو الغفاري وسعد بن أبي وقاص وأبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الأنصاري وسهل بن حنيف وعبد الله بن عباس وعب الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله ابن مسعود وعلي وأبو ذر وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين
وقد قدمنا حديث علي بطرقه لأنه أحد الخلفاء الأربعة وأحد العشرة وصاحب القصة ولنذكر بعده حديث ابن مسعود لتقدم وفاته على وقعة الخوارج
الحديث الثاني عن ابن مسعود رضي الله عنه
قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن أبي بكير ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن ذر عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج قوم في آخر الزمان سفهاء الأحلام أحداث أو حدثاء الأسنان يقولون من خير قول الناس يقرؤن القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية فمن أدركهم فليقتلهم فأن في قتلهم أجر عظيما عند الله لمن قتلهم وقد رواه الترمذي عن ابي كريب وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن عامر بن ذرارة ثلاثتهم عن أبي بكر بن عياش به وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ابن مسعود مات قبل ظهور الخوارج بنحو من خمس سنين فخبره في ذلك من أقوى الأسانيد (7/296)
الحديث الثالث عن أنس بن مالك
قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل ثنا سليمان التميمي ثنا أنس قال ذكر لي أن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال ولم أسمعه منه إن فيكم فرقة يتعبدون ويدينون حتى يعجبوا الناس وتعجبهم انفسهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
طريق أخرى
قال الإمام أحمد حدثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي حدثني قتادة عن أنس بن مالك وأبي سعيد قال أحمد وقد حدثنا أبو المغيرة فقال عن أنس عن أبي سعيد ثم رجع أن النبي صلى الله عليه و سلم قال سيكون في أمتي اختلاف وفرقة قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم صيامه مع وصيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه هم شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم أو قتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء من قاتلهم كان أولى بالله منهم قالوا يا رسول الله ما سيماهم قال التحليق وقد رواه أبو داود في سننه عن نصر بن عاصم الانطاكي عن الوليد بن مسلم وقيس بن إسماعيل الحلبي كلاهما عن الأوزاعي عن قتادة وأبي سعيد عن أنس به وأخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس وحده وقد روى البزار من طريق أبي سفيان وأبو يعلى من طريق يزيد الرقاشي كلاهما عن أنس بن مالك حديثا في الخوارج قريبا من حديث أبي سعيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى
الحديث الرابع عن جابر بن عبد الله
قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى ثنا ابن شهاب عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الجعرانة وهو يقسم فضة في ثوب بلال للناس فقال رجل يا رسول الله اعدل فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل لقد خبت إن لم أكن أعدل فقال عمر يا رسول الله دعني أقتل هذا المنافق فقال معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا واصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم أو تراقيهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية وقال أحمد حدثنا علي بن عياش ثنا إسماعيل بن عياش حدثني يحيى بن سعيد أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابرا يقول بصر عيني وسمع أذني رسول الله صلى الله عليه و سلم بالجعرانة وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه و سلم بقبضها للناس يعطيهم فقال رجل اعدل فقال ويلك من يعدل إذا لم أكن أعدل فقال عمر بن الخطاب دعني أقتل هذا المنافق الخبيث فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم (7/297)
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم رواه أحمد عن أبي المغيرة عن معاذ بن رفاعة ثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم غنائم هوازن بالجعرانه قام رجل من بني تميم فقال اعدل يا محمد فقال ويلك ومن يعدل إن لم أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أعدل قال فقال عمر يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق قال معاذ الله أن يتسامع الأمم أن محمدا يقتل أصحابه ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن هذا وأصحابا له يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال معاذ فقال لي أبو الزبير فعرضت هذا الحديث على الزهري فما خالفني فيه إلا أنه قال النضو وقلت القدح قال ألست رجلا عربيا وقد رواه مسلم عن محمد بن رمح عن الليث وعن محمد بن مثنى عن عبد الوهاب الثقفي وأخرجه النسائي من حديث الليث ومالك بن أنس كلهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري به بنحوه حديث رافع بن عمرو الأنصاري مع حديث أبي ذر رضي الله عنهما
الحديث الخامس عن سعد بن أبي وقاص
قال يعقوب بن سفيان حدثنا الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة حدثني العلاء بن أبي عياش أنه سمع ابا الطفيل يحدث عن بكر بن قرواش عن سعد بن أبي وقاص قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم ذا الثدية فقال شيطان الردهة كراعي الخيل يحتذره رجل من بجيلة يقال له الأشهب أو ابن الأشهب علابة في قوم ظلمة قال سفيان فأخبرني عمار الذهبي أنه جاء رجل يقال له الأشهب وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة به مختصرا ولفظه شيطان الردهة يحتذره رجل من بجيلة تفرد به أحمد وحكى البخاري عن علي بن المديني قال لم أسمع بذكر بكر بن قرواش إلا في هذا الحديث وروى يعقوب بن سفيان عن عبد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبه عن ابي إسحاق عن حامد الهمداني قال سمعت سعيد بن أبي وقاص يقول قتل علي شيطان الردهة قال الحافظ أبو بكر البيهقي يريد والله أعلم قتله أصحاب علي بأمره وقال الهيثم بن عدي حدثنا إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق السبيعي عن رجل قال بلغ سعد بن أبي وقاص أن عليا بن أبي طالب قتل الخوارج فقال قتل علي بن أبي طالب شيطان الردهة
الحديث السادس عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الأنصاري وله طرق عنه الاولى منها
قال الإمام أحمد حدثنا بكر بن عيسى ثنا جامع بن قطر الحبطي ثنا أبو روية شداد بن عمر (7/298)
العنسي عن أبي سعيد الخدري أن أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم اذهب إليه فاقتله قال فذهب إليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم لعمر اذهب إليه فاقتله قال فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر فكره أن يقتله فرجع فقال يا رسول الله إني رأيته متخشعا فكرهت أن أقتله قال يا علي اذهب فاقتله فذهب علي فلم يره فرجع فقال يا رسول الله إني لم أره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية تفرد به أحمد وقد روى البزار في مسنده من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك وأبو يعلى عن أبي خيثمة عن عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار وعن يزيد الرقاشي عن أنس من هذه القصة وأطول منها وفيها زيادات أخرى
الطريق الثاني
قال الإمام أحمد حدثنا أبو أحمد ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم في حديث ذكر قوما يخرجون على فرقة من الناس مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق أخرجاه في الصحيحين كما سيأتي في ترجمة أبي سلمة عن ابي سعيد
الطريق الثالث قال الإمام أحمد ثنا وكيع ثنا عكرمة بن عمار ثنا عاصم بن شميخ عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حلف فاجتهد في اليمين قال والذي نفس أبي القاسم بيده ليخرجن قوم من أمتي تحقرون أعمالكم عند أعمالهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية قالوا فهل من علامة يعرفون بها قال فيهم رجل ذو يدية أو ثدية محلقي رؤسهم قال أبو سعيد فحدثني عشرون أو بضع وعشرون من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أن عليا ولى قتلهم قال فرأيت أبا سعيد بعد ما كبر ويديه ترتعش ويقول قتالهم عندي من أحل من قتال عدتهم من الترك وقد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل به
الطريق الرابع
قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن أبيه عن ابن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري قال بعث علي وهو باليمن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بذهيبة في تربتها فقسمها رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الأقرع ابن حابس الحنظلي ثم أحد بني مجاشع وبين عيينة بن بدر الفزاري وبين علقمة بن علاثة أو عامر ابن الطفيل أحد بني كلاب وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بني نبهان قال فغضبت قريش (7/299)
والأنصار قالوا تعطى صناديد أهل نجد وتدعنا قال إنما أتألفهم قال فأقبل رجل غائر العينين ناتىء الجبين كث اللحية مشرف الوجنتين محلوق الرأس فقال يا محمد اتق الله فقال من يطيع الله إذا عصيته يأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني قال فسأل رجل من القوم قتله النبي صلى الله عليه و سلم أراه خالد بن الوليد فمنعه فلما ولي قال إن من ضئضىء هذا قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون اهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد رواه البخاري من حديث عبد الرزاق به ثم رواه أحمد عن محمد ابن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد وفيه الجزم بأن خالدا سأل أن يقتل ذلك الرجل ولا ينافى سؤال عمر بن الخطاب وهو في الصحيحين من حديث عمارة بن القعقاع من سيرته وقال فيه إنه سيخرج من صلبه ونسله لأن الخوارج الذين ذكرنا لم يكونوا من سلالة هذا بل ولا أعلم أحدا منهم من نسله وإنما أراد من ضئضىء هذا أي من شكله وعلى صفته فالله أعلم وهذا لرجل هو ذو الخويصرة التميمي وسماه بعضهم حرقوصا فالله أعلم
الطريق الخامس
قال الإمام أحمد ثنا عفان ثنا مهدي بن ميمون ثنا محمد بن سيرين عن معبد بن سيرين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يخرج اناس من قبل المشرق يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه قيل ما سيماهم قال سيماهم التحليق أو التسبيد ورواه البخاري عن أبي النعمان محمد بن الفضل عن مهدي بن ميمون به
الطريق السادس
قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبيد ثنا سويد بن نجيح عن يزيد الفقير قال قلت لأبي سعيد إن منا رجالاهم أقرؤنا للقرآن وأكثرنا صلاة وأوصلنا للرحم وأكثرنا صوما خرجوا علينا بأسيافهم فقال أبو سعيد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول يخرج قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية تفرد به أحمد ولم يخرجوه في الكتب الستة ولا واحد منهم وإسناده لا بأس به رجاله كلهم ثقات وسويد بن نجيح هذا مستور
الطريق السابع
قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد قال بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي فقال اعدل يا رسول الله فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضرب عنقه فقال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون (7/300)
من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد في شيء ثم ينظر في نضبه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في رضافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فترة من الناس فنزلت فيه ومنهم من يلمزك في الصدقات الآية قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأشهد أن عليا حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل علىالنعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه البخاري عن أبي بكر بن أبي شيبة عن هشام بن يوسف عن معمر ورواه البخاري من حديث شعبة ومسلم من حديث يونس بن يزيد عن الزهري به لكن في رواية مسلم عن حرملة وأحمد بن عبد الرحمن كلاهما عن ابن وهب عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة والضحاك الهمداني عن أبي سعيد به ثم رواه أحمد عن محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة والضحاك المشرقي عن أبي سعيد فذكر نحو ما تقدم من هذا السياق وفيه أن عمر هو استأذن في قتله وفيه يخرجون على حين فرقة من الناس يقتلهم أولى الطائفتين بالله قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأني شهدت عليا حين قتلهم فالتمس في القتلى فوجد على النعت الذي نعته رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه البخاري عن دحيم عن الوليد عن الأوزاعي كذلك وقال أحمد قرأت على عبد الرحمن بن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ابي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يرى شيئا ثم ينظر في القدح فلا يرى شيئا ثم ينظر في الريش فلا يرى شيئا ويتمارى في الفوق قال عبد الرحمن حدثنا به مالك يعني هذا الحديث ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ورواه البخاري ومسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وعطاء بن يسار عن أبي سعيد وقال أحمد حدثنا يزيد أنا محمد بن عمرو عن ابي سلمة قال جاء رجل إلى أبي سعيد فقال هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر في الحرورية شيئا فقال سمعته يذكر قوما يتعمقون في الدين يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم وصومه عند صومهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أخد سهمه فينظر في نصله فلم ير شيئا ثم ينظر في رضافه فلم ير شيئا ثم ينظر في القذذ فيماري هل يرى شيئا أم لا ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون به (7/301)
الطريق الثامن
قال الإمام أحمد حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق ثم هم شر الخلق ومن شر الخلق تقتلهم أولى الطائفتين بالحق قال فضرب النبي صلى الله عليه و سلم لهم مثلا أو قال قولا الرجل يرمي الرمية أو قال الغرض فينظر في النصل فلا يرى بصيرة وينظر في النضى فلا يرى بصيرة وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة فقال أبو سعيد وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق وقد رواه عن محمد بن المثنى عن محمد بن أبي عدي عن سليمان وهو ابن طرخان التيمي عن أبي نضرة واسمه المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد الخدري بنحوه
الحديث الثامن عن سلمان الفارسي
قال الهيثم بن عدي ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال جاء رجل إلى قوم فقال لمن هذه الخباء قالوا لسلمان الفارسي قال أفلا تنطلقون معي فيحدثنا ونسمع منه فانطلق معه بعض القوم فقال يا أبا عبد الله لو أدنيت خباك وكنت منا قريبا فحدثتنا وسمعنا منك فقال ومن أنت قال فلان بن فلان قال سلمان قد بلغني عنك معروف بلغني أنك تخف في سبيل الله وتقاتل العدو وتخدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأن أخطأتك واحدة أن تكون من هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا فوجد ذلك الرجل قتيلا في أصحاب النهروان
الحديث التاسع
عن سهل بن حنيف الأنصاري
قال الإمام احمد حدثنا أبو النضر ثنا حزام بن إسماعيل العامري عن ابي إسحاق الشيباني عن بسر بن عمرو قال دخلت على سهل بن حنيف فقلت حدثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في الحرورية قال أحدثك ما سمعت من النبي صلى الله عليه و سلم لا أزيدك عليه شيئا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر قوما يخرجون من ها هنا وأشار بيده نحو العراق يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال قلت هل ذكر لهم علامة قال هذا ما سمعت لا أزيدك عليه وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الواحد بن زياد ومسلم من حديث على ابن مسهر والعوام بن حوشب والنسائي من حديث محمد بن فضيل كلهم عن أبي إسحاق الشيباني به وقد رواه مسلم ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن بسر بن عمر وقال سألت سهل بن حنيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر الخوارج فقال سمعته وأشار بيده نحو المشرق (7/302)
قوم يقرؤن القرآن بآلسنتهم لا يعدو تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية حدثناه أبو كامل ثنا عبد الواحد ثنا سليمان الشيباني بهذا الإسناد وقال يخرج منه أقوام حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق جميعا عن يزيد قال أبو بكر حدثنا يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب ثنا أبو إسحاق الشيباني عن بسر بن عمرو عن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه و سلم قال فتنة قوم قبل المشرق محلقة رؤسهم
الحديث العاشر عن ابن عباس
قال الحافظ أبو بكر البزار ثنا يوسف بن موسى ثنا الحسن بن الربيع ثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه و سلم يقرأ القرآن أقوام من أمتي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد كلاهما عن أبي الأحوص باسناده مثله
الحديث الحادي عشر عن ابن عمر
قال الإمام أحمد حدثنا يزيد ثنا أبو حساب يحيى بن أبي حبة عن شهر بن حوشب قال سمعت عبد الله بن عمر يقول لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم قال يزيد لا أعلمه إلا قال يحقر أحدكم عمله مع عملهم يقتلون أهل الإسلام فأذا خرجوا فاقتلوهم فطوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه كلما طلع منهم قرن قطعه الله كلما طلع منهم قرن قطعه الله كلما طلع منهم قرن قطعه الله فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرين مرة أو أكثر وأنا اسمع تفرد به أحمد من هذا الوجه وقد ثبت من حديث سالم ونافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الفتنة من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان وأشار بيده نحو المشرق
الحديث الثاني عشر عن عبد الله بن عمرو
قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب قال لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه نوف البكالى فجئته فجاء رجل فانتبذ الناس عليه خميصة فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص فلما رآه نوف أمسك عن الحديث فقال عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها تلفظهم أرضهم تقذرهم نفس الرحمن تحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل من تخلف قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول سيخرج ناس من أمتي قبل المشرق يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج منهم قرن قطع حتى عدها زيادة على عشر مرات كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجال في (7/303)
بقيتهم وقد روى أبو داود أوله في كتاب الجهاد من سننه عن القواريري عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة وقد تقدم حديث عبد الله بن مسعود وحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنهما
الحديث الثالث عشر عن أبي ذر
قال مسلم بن الحجاج حدثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة ثنا حبيب بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بعدي من أمتي أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية لا يعودون في شر الخلق والخليقة قال ابن الصامت فلقيت زلفع بن عمرو الغفاري أخا الحاكم الغفاري قال ما حدث سمعت من أبي ذر كذا كذا فقال وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يروه البخاري
الحديث الرابع عشر عن أم المؤمنين عائشة
قال الحافظ البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن ابي عمرو ثنا أبو العباس الأصم ثنا السري عن يحي ثنا أحمد بن يونس ثنا علي بن عباس عن حبيب بن مسلمة قال قال علي لقد علمت عائشة أن جيش المرده وأهل النهروان وأن ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه و سلم قال ابن عباس جيش المشرق قتلة عثمان رضي الله عنه وقال الهيثم بن عدي حدثني إسرائيل عن يونس عن جده ابي إسحاق السبيعي عن رجل عن عائشة قال بلغها قتل علي الخوارج فقالت قتل علي بن أبي طالب شيطان الردهة تعني المخدج وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح ثنا سهل بن عامر البجلي ثنا أبو خالد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم الخوارج فقال شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي قال وحدثناه إبراهيم بن سعيد ثنا حسين بن محمد ثنا سليمان بن قرم ثنا عطاء ابن السائب عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكر نحوه قال فرأيت عليا قتلهم وهم أصحاب النهروان ثم قال البزار لا نعلم روى عن عطاء عن أبي الضحى عن مسروق إلا هذا الحديث ولا نعلم رواه عن عطاء إلا سليمان بن قرم وسليمان بن قرم قد تكلموا فيه لكن الإسناد الأول يشهد لهذا كما أن هذا يشهد للأول فيها متعاضدان وهو غريب من حديث أم المؤمنين وقد تقدم في حديث عبد الله بن شعث عن علي ما يدل على أن عائشة استغربت حديث الخوارج ولا سيما خبر ذي الثديةكما تقدم وإنما أوردناه هذه الطرق كلها ليعلم الواقف عليها أن ذلك حق وصدق وهو من أكبر دلالات النبوة كما ذكره غير واحد من الائمة فيها والله تعالى أعلم وقال سألت عائشة رضي الله عنها بعد ذلك عن خبر ذي الثدية فتيقنته من طرق متعددة وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل أنا أبو عبد الله أنا الحسين بن الحسن بن عامر الكندي بالكوفة من أصل سماعة ثنا محمد بن صدقة الكاتب حدثني (7/304)
احمد بن أبان فقرأت فيه حدثني الحسن بن عيينة وعبد الله بن أبي السفن بن عامر الشعبي عن مسروق قالت عائشة عندك علم عن ذي الثدية الذي أصابه علي في الحرورية قلت لا قالت فاكتب لي بشهادة من شهدهم فرجعت إلى الكوفة وبها يومئذ أسباع فكتبت شهادة عشرة من كل سبع ثم أتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها قالت أكل هؤلاء عاينوه قلت لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينوه فقالت لعن الله فلانا فأنه كتب إلى أنه أصابهم بليل مصر ثم ارخت عينيها فبكت فلما سكنت عبرتها قالت رحم الله عليا لقد كان على الحق وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها
حديث آخر عن رجلين من الصحابة
قال الهيثم بن عدي في كتاب الخوارج حدثني سليمان بن المغيرة عن حبيب بن هلال قال أقبل رجلان من أهل الحجاز حتى قدما العراق فقيل لهما ما أقدمكما العراق قالا رجونا أن ندرك هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدنا علي بن أبي طالب قد سبقنا إليهم يعنيان أهل النهروان
حديث في مدح علي رضي الله عنه على قتال الخوارج
قال الإمام حدثنا حسين بن محمد ثنا مطر عن إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الربيدي عن أبيه قال سمعت أبا سعيد يقول كنا جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج علينا من بيوت بعض نسائه قال فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها على يخصفها فمضى رسول الله صلى الله عليه و سلم ومضينا معه ثم قام ينتظره وقمنا معه فقال إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرف لها وفيهم أبو بكر وعمر فقال لا ولكنه خاصف النعل قال فجئنا نبشره قال فكأنه قد سمعه ورواه أحمد عن وكيع وأبي أسامة عن قطر بن خليفة فأما الحديث الذي قال الحافظ أبو يعلى حدثنا إسماعيل بن موسى ثنا الربيع بن سهل عن سعيد بن عبيد عن علي بن ربيعة قال سمعت عليا على منبركم هذا يقول عهد إلى النبي صلى الله عليه و سلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وقد رواه أبو بكر بن المقرىء عن الجد بن عبادة البصري عن يعقوب بن عباد عن الربيع بن سهل الفزاري به فأنه حديث غريب ومنكر على أنه قد روى من طرق عن علي وعن غيره ولا تخلو واحدة منها عن ضعف والمراد بالناكثين يعني أهل الجمل وبالقاسطين أهل الشام وأما المارقون فالخوارج لأنهم مرقوا من الدين وقد رواه الحافظ أبو أحمد بن عدي في كامله عن أحمد بن حفص البغدادي عن سليمان بن يوسف عن عبيد الله بن موسى عن قطر عن حكيم بن جبير عن إبراهيم عن علقمة عن علي قال أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين وقال الحافظ أبو بكر الخطيب (7/305)
البغدادي أخبرني الأزهري ثنا محمد بن المظفر ثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال وجدت في كتاب جدي محمد بن ثابت ثنا شعيب بن الحسن السلمي عن جعفر الأحمر عن يونس بن الأرقم عن أبان عن خليد المصري قال سمعت عليا أمير المؤمنين يقول يوم النهروان أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين وقد رواه الحافظ أبو القاسم بن عساكر من حديث محمد بن فرج الجند يسابوري أنا هارون بن إسحاق ثنا أبو غسان عن جعفر أحسبه الأحمر عن عبد الجبار الهمداني عن أنس بن عمرو عن أبيه عن علي قال أمرت بقتال ثلاثة المارقين والقاسطين والناكثين وقال الحاكم أبو عبد الله أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن غنم الحنظلي بقنطرة بردان ثنا محمد الحسن بن عطية بن سعد العوفي حدثني أبي حدثني عمي عن عمرو بن عطية بن سعد عن أخيه الحسن بن عطية حدثني جدي بن جنادةعن علي رضي الله عنه قال أمرت بقتال ثلاثة القاسطين والناكثين والمارقين فأما القاسطون فأهل الشام وأما الناكثون فذكرهم وأما المارقون فأهل النهروان يعني الحرورية وقال الحافظ ابن عساكر أنا أبو القسم زاهر بن طاهر أنا ابو سعد الأديب أنا السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين ثنا محمد بن أحمد الصوفي ثنا محمد بن عمرو الباهلي ثنا كثير بن يحيى ثنا أبو عوانة عن أبي الجارود عن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي قال أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين
حديث ابن مسعود في ذلك
قال الحافظ حدثنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسن الفقيه أنا الحسن بن علي ثنا زكريا بن يحيى الخراز المقرىء ثنا إسماعيل بن عباد المقرىء ثنا شريك عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتى منزل أم سلمة فجاء علي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أم سلمة هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي
حديث أبي سعيد في ذلك
قال الحاكم حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ثنا الحسين بن الحكم الحيري ثنا إسماعيل بن أبان ثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فقلت يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من فقال مع علي بن أبي طالب معه يقتل عمار بن ياسر
حديث أبي أيوب في ذلك
قال الحاكم أنا أبو الحسن علي بن حماد المعدل ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ثنا عبد العزيز (7/306)
ابن الخطاب ثنا محمد بن كثير عن الحرث بن خضيرة عن أبي صادق عن مخنف بن سليمان قال أتينا ابا أيوب فقلنا قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم جئت تقاتل المسلمين فقال أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين قال الحاكم وحدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد بن بالويه ثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري ثنا محمد بن حميد ثنا سلمة بن الفضل حدثني أبو زيد الأموي عن عتاب بن ثعلبة في خلافة عمر بن الخطاب قال أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي بن أبي طالب وقال الخطيب البغدادي حدثنا الحسن بن علي بن عبد الله المقرىء ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا محمد بن جعفر المطيري ثنا أحمد بن عبد الله المؤدب بسر من راى ثنا المعلى بن عبد الرحمن ببغداد ثنا شريك عن سليمان بن مهران عن الأعمش عن علقمة والأسود قالا أتينا ابا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له يا ابا أيوب إن الله أكرمك بنزول محمد صلى الله عليه و سلم وبمجىء ناقته تفضلا من الله وإكراما لك حين اناخت ببابك دون الناس ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله فقال يا هذا إن الرائد لا يكذب أهله وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فأما الناكثون فقد قاتلناهم وهم أهل الجمل طلحة والزبير وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم يعني معاوية وعمرا وأما المارقون فهم أهل الطرقات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروان والله ما أدري أين هم ولكن لا بد من قتالهم إن شاء الله قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعمار يا عمار تقتللك الفئة الباغية وأنت مذ ذاك مع الحق والحق معك يا عمار بن ياسر إن رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس غيره فاسلك مع علي فأنه لن يدليك في ردي ولن يخرجك من هدى يا عمار من تقلد سيفا أعان به عليا على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ومن تقلد سيفا أعان به عدو على عليه قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار فقلنا يا هذا حسبك رحمك الله حسبك رحمك الله هذا السياق الظاهر أنه موضوع وآفته من جهة المعلي بن عبد الرحمن فأنه متروك الحديث فصل
قال الهيثم بن عدي في كتابه الذي جمعه في الخوارج وهو من أحسن ما صنف في ذلك قال وذكر عيسى بن دآب قال لما انصرف رضي الله عنه من النهروان قام في الناس خطيبا فقال بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم أما بعد فأن الله قد أعز نصركم فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام فقاموا إليه فقالوا يا أمير المؤمنين نفذت نبالنا وكلت سيوفنا (7/307)
ونصلت أسنتنا فانصرف بنا إلى مصرنا حتى نستعد بأحسن عدتنا ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة من فارتنا وهلك منا فإنه أقوى لنا علي عدونا وكان الذي تكلم بهذا الأشعث بن قيس الكندي فبايعهم وأقبل بالناس حتى نزل بالنخيلة وأمرهم أن يلزموا معسكرهم ويوطنوا أنفسهم على جهاد عدوهم ويقلوا زيارة نسائهم وابنائهم فأقاموا معه أياما متمسكين برأيه وقوله ثم تسللوا حتى لم يبق منهم أحد إلا وصى أصحابه فقام علي فيهم خطيبا فقال الحمد لله فاطر الخلق وفالق الأصباح وناشر الموتى وباعث من في القبور وأشهد أن لا إله إلله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأوصيكم بتقوى الله فأن أفضل ما توسل به العبد الإيمان والجهاد في سبيله وكلمة الأخلاص فأنها الفطرة وإقام الصلاة فأنها الملة وإيتاء الزكاة فأنها من فريضته وصوم شهر رمضان فانه جنة من عذابه وحج البيت فانه منفاة للفقر مدحضة للذنب وصلة الرحم فأنها مثراة في المال منساة في الأجل محبة في الأهل وصدقة السر فأنها تكفر الخطيئة وتطفىء غضب الرب وصنع المعروف فأنه يدفع مينة السوء ويقي مصارع الهول أفيضوا في ذكر الله فأنه أحسن الذكر وارغبوا فيما وعد المتقون فان وعد الله أصدق الوعد واقتدوا بهدى نبيكم صلى الله عليه و سلم فأنه افضل الهدى واستسنوا بسنته فأنها أفضل السنن وتعلموا كتاب الله فأنه أفضل الحديث وتفقهوا في الدين فأنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فانه شفاء لما في الصدور وأحسنوا تلاوته فأنه أحسن القصص وإذا قرىء عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علتم به لعلكم تهتدون فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الجائر الذي لا يستقيم عن جهله بل قد رأيت أن الحجة أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه على هذا الجاهل المتحير في جهله وكلاهما مضلل مثبور لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا ولا ترخصوا لأنفسكم فتذهلوا ولا تذهلوا في الحق فتخسروا ألا وان من الحزم أن تثقوا ومن الثقة أن لا تغتروا وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه وإن أغشكم لنفسه أعصاكم لربه من يطع الله يأمن ويستبشر ومن يعص الله يخف ويندم ثم سلوا الله اليقين وارغبوا إليه في العافية وخير ما دام في القلب اليقين إن عوازم الأمور أفضلها وإن محدثاتها شرارها وكل محدث بدعة وكل محدث مبتدع ومن ابتدع فقد ضيع وما أحدث محدث بدعة إلا ترك بها سنة المغبون من غبن دينه والمغبون من خسر نفسه وإن الريا من الشرك وإن الإخلاص من العمل والإيمان ومجالس اللهو تنسى القرآن ويحضرها الشيطان وتدعو إلى كل غي ومجالسة النساء تزيغ القلوب وتطمح إليه الأبصار وهي مصائد الشيطان فأصدقوا الله فأن الله مع من صدق وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب للأيمان ألا إن الصدق على شرف منجاة وكرامة وإن الكذب على شرف ردىء وهلكه ألا وقولوا الحق تعرفوا به (7/308)
واعملوا به تكونوا من أهله وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم وصلوا أرحام من قطعكم وعودوا بالفضل على من حرمكم وإذ عاهدتم فأوفوا وإذا حكمتم فاعدلوا ولا تفاخروا بالآباء ولا تنابزوا بالالقاب ولا تمازحوا ولا يغضب بعضكم بعضا وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وارحموا الأرملة واليتيم وافشوا السلام وردوا التحية على أهلها بمثلها أو بأحسن منها وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان واتقوا الله أن الله شديد العقاب وأكرموا الضيف وأحسنوا إلى الجار وعودوا المرضى وشيعوا الجنائز وكونوا عباد الله إخوانا أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع وإن الآخرة قد أظلت وأشرفت باطلاع وإن المضمار اليوم وغدا السباق وإن السبقة الجنة والغاية النار ألا وإنكم في أيام مهل من ورائها أجل يحثه عجل فمن أخلص لله عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد أحسن عمله ونال أمله ومن قصر عن ذلك فقد خسر عمله وخاب أمله وضره أمله فاعملوا في الرغبة والرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله واجمعوا معها رهبة وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله واجمعوا معها رغبة فان الله قد تأذن المسلمين بالحسنى ولمن شكر بالزيادة وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها ولا أكثر مكتسبا من شيء كسبه ليوم تدخر فيه الدخائر وتبلى فيه السرائر وتجتمع في الكبائر وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل ومن لا يستقيم به الهدى يجر به الضلال ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك ومن لا ينفعه حاضره فعازبه عنه أعور وغائبه عنه أعجز وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم إثنان طول الأمل واتباع الهوى فأما طول الأمل فينسى الآخرة وأما اتباع الهوى فيبعد عن الحق ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم ولا تكونوا من بني الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل وهذه خطبة بليغة نافعة جامعة للخير ناهية عن الشر وقد روى لها شواهد من وجوه أخر متصلة ولله الحمد والمنة وقد ذكر ابن جرير أن عليا رضي الله عنه لما نكل أهل العراق عن الذهاب إلى الشام خطبهم فوبخهم وأنبهم وتوعدهم وهددهم وتلا عليهم آيات في الجهاد من سور متفرقة وحث على المسير إلى عدوهم فأبوا من ذلك وخالفوه ولم يوافقوه واستمروا في بلادهم وتفرقوا عنه هاهنا وهاهنا فدخل على الكوفة فصل وقد ذكر الهيثم بن عدي أنه خرج على علي بعد النهروان يقال له الحارث بن راشد الناجي قدم مع أهل البصرة فقال لعلي إنك قد قاتلت أهل النهروان في كونهم أنكروا عليك (7/309)
قصة التحكيم وتزعم أنك قد أعطيت أهل الشام عهودك ومواثيقك وأنك لست بناقضها وهذان الحكمان قد اتفقا على خلعك ثم اختلفا في ولاية معاوية فولاه عمر وامتنع أبو موسى من ذلك فأنت مخلوع باتفاقهما وأنا قد خلعتك وخلعت معاوية معك وتبع الحارث هذا بشر كثير من قومه بني ناجية وغيرهم وتحيزوا ناحية فبعث إليهم على معقل بن قيس الرماحي في جيش كثيف فقتلهم معقل قتلا ذريعا وسبى من بني ناجية خمسمائة أهل بيت فقدم بهم ليقدم بهم على علي فتلقاه رجل يقال له مصقلة بن هبيرة أبو المغلس وكان عاملا لعلي على بعض الأقاليم فتضرروا إليه وشكوا ما هم فيه من السبي فاشتراهم مصقلة من معقل بخمسمائة ألف درهم وأعتقهم فطالبه بالثمن فهرب منه إلى ابن عباس بالبصرة فكتب معقل إلىابن عباس فقال له مصقلة إني انما جئت لأدفع ثمنهم إليك ثم هرب منه إلىعلي فكتب ابن عباس ومعقل إلى علي فطالبه علي فدفع من الثمن مائتي ألف ثم انشمر هاربا فلحق بمعاوية بن أبي سفيان بالشام فأمضى على عتقهم وقال ما بقي من المال في ذمة مصقلة وأمر بداره في الكوفة فهدمت وقد روى الهيثم عن سفيان الثوري وإسرائيل عن عمار الذهبي عن أبي الطفيل أن بني ناجية ارتدوا فبعث إليهم معقل بن قيس فسباهم فاشتراهم مصقله من علي بثلثمائة ألف فأعتقهم ثم هرب إلى معاوية قال الهيثم وهذا قول الشيعة ولم يسمع بحيي من العرب ارتدوا بعد الردة التى كانت في أيام الصديق وقال الهيثم حدثني عبد الله ( 1 ) بن تميم بن طرفة الطائى حدثني أبي أن عدي بن حاتم قال مرة لعلي بن أبي طالب وهو يخطب قتلت أهل النهروان على انكار الحكومة وقتلت الحريث بن راشد على مسألتهم إياك ايضا الحكومة والله ما بينهما موضع قدم فقال له علي أسكت إنما كنت أعرابيا تأكل الضبع بجبل طىء بالأمس فقال له عدي وأنت والله قد رأيناك بالأمس تأكل البلح بالمدينة قال الهيثم ثم خرج على علي رجل من أهل البصرة فقتل فأمر أصحابه عليهم الأشرس بن عوف الشيباني فقتل هو وأصحابه قال ثم خرج علي على الأشهب بن بشر البجلي ثم أحد عرينة من أهل الكوفة فقتل هو وأصحابه قال ثم خرج علي على سعيد بن نغد التميمي ثم من بني ثعلبة من أهل الكوفة فقتل بقنطرة درربجان فوق المدائن قال الهيثم أخبرني بذلك عبد الله بن عياش عن مشيخته فصل ذكر ابن جرير عن أبي مخنف لوط بن يحيى وهو أحد ائمة هذا الشأن أن قتال علي للخوارج يوم النهروان كان في هذه السنة أعنى سنة سبع وثلاثين قال ابن جرير وأكثر أهل السير (7/310)
على أن ذلك كان في سنة ثمان وثلاثين وصححه ابن جرير قلت وهو الأشبه كما سننبه عليه في السنة الآتية إن شاء الله تعالى قال ابن جرير وحج بالناس في هذه السنة يعني سنة سبع وثلاثين عبيد الله بن عباس نائب علي على اليمن ومخالفيها وكان نائب مكة قثم بن العباس وعلى المدينة تمام بن عباس وقيل سهل بن حنيف وعلى البصرة عبد الله بن عباس وعلى قضائها أبو الأسود الدؤلي وعلى مصر محمد بن أبي بكر وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين مقيم بالكوفة ومعاوية بن أبي سفيان مستحوذ على الشام قلت ومن نيته أن يأخذ مصر من محمد بن أبي بكر
ذكر من توفي فيها من الأعيان
خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة كان قد أصابه سبي في الجاهلية فأشترته أنمار الخزاعية التي كانت تختن النساء وهي أم سباع بن عبد العزي الذي قتله حمزة يوم أحد وحالف بني زهرة أسلم خباب قديما قبل دار الأرقم وكان ممن يؤذى في الله فيصبر ويحتسب وهاجر وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد قال الشعبي دخل يوما على عمر فأكرم مجلسه وقال ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا بلال فقال يا أمير المؤمنين إن بلالا كان يؤذى وكان له من يمنعه وإني كنت لا ناصر لي والله لقد سلقوني يوما في نار أججوها ووضع رجل رجله على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري ثم كشف عن ظهره فإذا هو برص رضي الله عنه ولما مرض دخل عليه أناس من الصحابة يعودونه فقالوا أبشر غدا تلقى الأحبة محمدا وحزبه فقال والله إن إخواني مضوا ولم يأكلوا من دنياهم شيئا وإنا قد أينعت لنا ثمرتها فنحن نهدبها فهذا الذي يهمني قال وتوفى بالكوفة في هذه السنة عن ثلاث وستين سنة وهو أول من دفن بظاهر الكوفة
خزيمة بن ثابت
ابن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الأنصاري ذو الشهادتين وكانت راية بني حطمة معه يوم الفتح وشهد صفين مع علي وقتل يومئذ رضي الله عنه
سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قدمنا ترجمته في الموالي المنسوبين إليه صلوات الله وسلامه عليه
عبد الله بن الأرقم بن ابي الأرقم
اسلم عام الفتح وكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تقدم مع كتاب الوحي عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي قتل يوم صفين وكان أمير الميمنة لعلي فصارت أمرتها للأشتر النخعي عبد الله بن خباب بن الأرت ولد في حياة النبي صلى الله عليه و سلم وكان موصوفا بالخير قتله الخوارج كما قدمنا بالنهروان في هذه السنة فلما جاء علي قال لهم أعطونا قتلته ثم أنتم آمنون فقالوا كلنا قتله فقاتلهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح أحد كتاب الوحي ايضا أسلم قديما وكتب الوحي (7/311)
ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام عام الفتح واستأمن له عثمان وكان أخاه لامه وحسن إسلامه وقد ولاه عثمان نيابة مصر بعد موت عمرو بن العاص فغزا إفريقية وبلاد النوبة وفتح الأندلس وغزا ذات الصواري مع الروم في البحر فقتل منهم ما صبغ وجه الماء من الدماء ثم لما حصر عثمان تغلب عليه محمد بن أبي حذيفة وأخرجه من مصر فمات في هذه السنة وهو معتزل عليا ومعاوية في صلاة الفجر بين التسليمتين رضي الله عنه
عمار بن ياسر أبو اليقظان العبسي
من عبس اليمن وهو حليف بني مخزوم أسلم قديما وكان ممن يعذب في الله هو وأبوه وأمه سمية ويقال إنه أول من اتخذ مسجدا في بيته يتعبد فيه وقد شهد بدرا وما بعدها وقد قدمنا كيفية مقتله يوم صفين وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال تقتلك الفئة الباغية وروى الترمذي من حديث الحسن عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان وفي الحديث الآخر الذي رواه الثوري وقيس بن الربيع وشريك القاضي وغيرهم عن أبي إسحاق عن هانىء بن هانىء عن علي أن عمارا استأذن علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مرحبا بالطيب المطيب وقال إبراهيم ابن الحسين حدثنا يحيى حدثني نصر ثنا سفيان الثوري عن أبي الأعمش عن أبي عمار عن عمرو ابن شرحبيل عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لقد ملىء عمار إيمانا من قدمه إلى مشاشه وحدثنا يحيى بن معلي عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة أنها قالت مامن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أشاء أن أقول فيه إلا عمار بن ياسر فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم إن عمار بن ياسر حشى ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا وحدثنا يحيى ثنا عمرو بن عون أنا هشيم عن العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة قال أتيت أهل الشام فلقيت خالد بن الوليد فحدثني قال كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام في شيء فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا خالد لا تؤذ عمارا فأنه من ببغض عمارا يبغضه الله ومن يعاد عمارا يعاده الله قال فعرضت له بعد ذلك فسللت ما في نفسه وله أحاديث كثيرة في فضائله رضي الله عنه قتل بصفين عن إحدى وقيل ثلاث وقيل أربع وتسعين سنة طعنه أبو الغادية فسقط ثم أكب عليه رجل فاحتز رأسه ثم اختصما إلى معاوية أيهما قتله فقال لهما عمرو بن العاص اندرا فوالله إنكما لتختصمان في النار فسمعها منه معاوية فلامه على تسميعه إياهما ذلك فقال له عمرو والله إنك لتعلم ذلك ولوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة قال الواقدي حدثني الحسن بن الحسين بن عمارة عن أبي إسحاق عن عاصم أن عليا صلى عليه ولم يغسله وصلى معه على هاشم بن عتبة فكان عمار مما يلي عليا وهاشم إلى نحو القبلة قالوا وقبر هنالك وكان آدم اللون طويلا بعيدا ما بين (7/312)
المنكبي أشهل العينين رجلا لا يغير شيبه رضي الله عنه
الربيع بن معوز بن عفراء
أسلمت قديما وكانت تخرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الغزوات فتداوى الجرحى وتسقى الماء للكلمى وروت أحاديث كثيرة وقد قتل في هذه السنة في أيام صفين خلق كثير وجم غفير فقيل قتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا ومن أهل العراق خمسةوعشرون ألفا وقيل قتل من أهل العراق اربعون ألفا من مائة وعشرين ألفا وقتل من أهل الشام عشرون ألفا من ستين ألفا وبالجملة فقد كان فيهم أعيان ومشاهير يطول استقصاؤهم وفيما ذكرناه كفاية والله تعالى أعلم
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين
فيها بعث معاوية عمرو بن العاص إلى ديار مصر فأخذها من محمد بن أبي بكر واستناب معاوية عمرا عليها وذلك كما سنبينه وقد كان علي رضي الله عنه استناب عليها قيس بن سعد بن عبادة وانتزعها من يد محمد بن أبي حذيفة حين كان استحوذ عليها ومنع عبد الله بن سعد بن ابي سرح من التصرف فيها حين حصر عثمان وقد كان عثمان استخلفه عليها وعزل عنها عمرو بن العاص وعمرو كان هو الذي افتتحها كما قدمنا ذكر ذلك ثم عزل قيس بن سعد عنها وذلك أنه كان كفوا لمعاوية وعمرو ولما ولى محمد بن أبي إن عليا عزل قيس بن سعد عنها وولى عليها محمد بن أبي بكر وقد ندم على على بكر لم يكن فيه قوة تعادل معاوية وعمرا وحين عزل قيس بن سعد عنها رجع إلى المدينة ثم سار إلى علي بالعراق فكان معه وكان معاوية يقول والله لقيس بن سعد عند علي أبغض إلى من مائة ألف مقاتل بدله عنده فشهد معه صفين فلما فرغ علي من صفين وبلغه أن أهل مصر قد استخفوا بمحمد بن ابي بكر لكونه شاب ابن ست وعشرين سنة أو نحو ذلك عزم على رد مصر إلى قيس بن سعد وكان قد جعله على شرطته أو إلى الأشتر النخعي وقد كان نائبه على الموصل ونصيبين فكتب إليه بعد صفين فاستقدمه عليه ثم ولاه مصر فلما بلغ معاوية تولية على للأشتر النخعي ديار مصر بدل محمد بن ابي بكر عظم ذلك عليه وذلك أنه كان قد طمع في مصر واستنزاعها من يد محمد ابن أبي بكر وعلم أن الأشتر سيمنعها منه لحزمه وشجاعته فلما سار الأشتر إليها وانتهى الى القلزم استقبله الخانسار وهو مقدم على الخراج فقدم إليه طعاما وسقاه شرابا من عسل فمات منه فلما بلغ ذلك معاوية وعمرا وأهل الشام قالوا إن لله جنودا من عسل وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن معاوية كان قد تقدم إلى هذا الرجل في أن يحتال على الأشتر ليقتله ووعده على ذلك بأمور ففعل ذلك وفي هذا نظر وبتقدير صحته فمعاوية يستجيز قتل الأشتر لأنه من قتلة عثمان رضي الله عنه والمقصود أن معاوية وأهل الشام فرحوا فرحا شديدا بموت الأشتر النخعي ولما بلغ ذلك عليا (7/313)
تأسف على شجاعته وغنائه وكتب إلى محمد بن أبي بكر باستقراره واستمراره بديار مصر غير أنه ضعف جاشه مع ما كان فيه من الخلاف عليه من العثمانية الذين ببلد خربتا وقد كانوا استفحل أمرهم حين انصرف على من صفين وحين كان من أمر التحكيم ما كان وحين نكل أهل العراق عن قتال أهل الشام وقد كان أهل الشام حين انقضت الحكومة بدومة الجندل سلموا على معاوية بالخلافة وقوى أمرهم جدا فعند ذلك جمع معاوية أمراءه عمرو بن العاص وشرحبيل بن السمط وعبد الرحمن ابن خالد بن الوليد والضحاك بن قيس وبسر بن ابي أرطاة وأبا الأعور السلمي وحمزة بن سنان الهمداني وغيرهم فاستشارهم في المسير إلى ديار مصر فاستجابوا له وقالوا سر حيث شئت فنحن معك وعين معاوية نيابتها لعمرو بن العاص إذا فتحها ففرح بذلك عمرو بن العاص ثم قال عمرو لمعاوية أرى أن تبعث إليهم رجالا مع رجل مأمون عارف بالحرب فان بها جماعة ممن يوالي عثمان فيساعدونه على حرب من خالفهم فقال معاوية لكن أرى أن أبعث إلى شيعتنا ممن هنالك كتابا يعلمهم بقدومهم عليهم ونبعث إلى مخالفينا كتابا ندعوهم فيه إلى الصلح وقال معاوية إنك يا عمرو رجل بورك لك في العجلة وإني أمرؤ بورك لي في التؤدة فقال عمرو أفعل ما أراك الله فوالله ما أمرك وأمرهم الاسيصير إلى الحرب العوان فكتب عند ذلك معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري وإلى معاوية بن خديج السكوني وهما رئيسا العثمانية ببلاد مصر ممن لم يبايع عليا ولم يأتمر بأمر نوابه بمصر في نحو من عشرة آلاف يخبرهم بقدوم الجيش عليهم سريعا وبعث به مع مولى له يقال له سبيع فلما وصل الكتاب إلى مسلمه ومعاوية بن خديج فرحا به وردا جوابه بالاستبشار والمعاونة والمناصرة له ولمن يبعثه من الجيوش والجند والمدد إن شاء الله تعالى فعند ذلك جهز معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف وخرج معاوية مودعا وأوصاه بتقوى الله والرفق والمهل والتؤدة وأن يقتل من قاتل ويعفو عمن أدبر وأن يدعو الناس إلى الصلح والجماعة فإذا أنت ظهرت فليكن أنصارك آثر الناس عندك فسار عمرو بن العاص إلى مصر فلما قدمها اجتمعت عليه العثمانية فقادهم وكتب عمرو بن العاص إلى محمد بن أبي بكر أما بعد فتنح فأني لا أحب أن يصيبك مني ظفر فأن الناس قد اجتمعوا بهذه البلاد على خلافك ورفض أمرك وندموا على أتباعك فهم مسلموك لو قد التقت خلقتا البطان فاخرج منها فإني لك لمن الناصحين والسلام وبعث إليه عمرو ايضا بكتاب معاوية إليه أما بعد فأن غب البغي والظلم عظيم الوبال وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة وإنا لا نعلم أحدا كان أشد خلافا على عثمان منك حين تطعن بمشاقصك بين حشاشته وأوراحه ثم إنك تظن أني عنك نائم أوناس ذلك لك حتى تأتي فتأمر على بلاد أنت بها جاري وجل أهلها أنصاري وقد بعثت إليك بجيوش يتقربون إلى الله (7/314)
بجهادك ولن يسلمك الله من القصاص أينما كنت والسلام قال فطوى محمد بن أبي بكر الكتابين وبعث بهما إلى علي وأعلمه بقدوم عمرو إلى مصر في جيش من قبل معاوية فأن كانت لك بارض مصر حاجة فابعث إلى بأموال ورجال والسلام فكتب إليه يأمره بالصبر وبمجاهدة العدو وأنه سيبعث إليه الرجال والأموال ويمده بما أمكنه من الجيوش وكتب محمد بن ابي بكر كتابا إلى معاوية في جواب ما قال وفيه غلظة وكذلك كتب إلى عمرو بن العاص وفيه كلام غليظ وقام محمد ابن أبي بكر في الناس فخطبهم وحثهم على الجهاد ومناجزة من قصدهم من أهل الشام وتقدم عمرو ابن العاص إلى مصر في جيوشه ومن لحق به من العثمانية المصريين والجميع في قريب من ستة عشر ألفا وركب محمد بن أبي بكر في ألفي فارس الذين انتدبوا معه من المصريين وقدم على جيشه بين يديه كنانة بن بشر فجعل لا يلقان أحد من الشاميين إلا قاتلهم حتى يلحقهم مغلوبين إلى عمرو ابن العاص فبعث عمرو بن العاص إليه معاوية بن خديج فجاءه من ورائه وأقبل إليه الشاميون حتى أحاطوا به من كل جانب فترجل عند ذلك كنانة وهو يتلو وما كان لنفس أن تموت إلا باذن الله كتابا مؤجلا الآية ثم قاتل حتى قتل وتفرق أصحاب محمد بن أبي بكر عنه ورجع يمشي فرأى خربة فآوى إليها ودخل عمرو بن العاص فسطاط مصر وذهب معاوية بن خديج في طلب محمد بن أبي بكر فمر بعلوج في الطريق فقال لهم هل مر بكم أحد تستنكرونه قالوا لا فقال رجل منهم إني رأيت رجلا جالسا في هذه الخربة فقال هو هو ورب الكعبة فدخلوا عليه فاستخرجوه منها وقد كاد يموت عطشا فانطلق أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص وكان قد قدم معه إلى مصر فقال أيقتل أخي صبرا فبعث عمرو بن العاص إلى معاوية بن خديج أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر ولا يقتله فقال معاوية كلا والله أيقتلون كنانة بن بشر وأترك محمد بن أبي بكر وقد كان ممن قتل عثمان وقد سألهم عثمان الماء وقد سألهم محمد بن ابي بكر أن يسقوه شربة من الماء فقال معاوية لاسقاني الله إن سقيتك قطرة من الماء ابدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فتلقاه الله بالرحيق المختوم وقد ذكر ابن جرير وغيره أن محمد بن أبي بكر نال من معاوية بن خديج هذا ومن عمرو بن العاص ومن معاوية ومن عثمان بن عفان ايضا فعند ذلك غضب معاوية بن خديج فقدمه فقتله ثم جعله في جيفة حمار فأحرقه بالنار فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وضمت عياله إليها وكان فيهم ابنه القاسم وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات
وذكر الواقدي أن عمرو بن العاص قدم مصر في أربعة آلاف فيهم أبو الأعور السلمي فالتقوا مع المصريين بالمسناة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي فهرب عند (7/315)
ذلك محمد بن أبي بكر فاختبأ عند رجل يقال له جبلة بن مسروق فدل عليه فجاء معاوية بن خديج وأصحابه فأحاطوا به فخرج إليهم محمد بن أبي بكر فقاتل حتى قتل قال الواقدي وكان ذلك في صفر من هذه السنة قال الواقدي ولما قتل محمد بن أبي بكر بعت ؟ على الأشتر النخعي إلى مصر فمات في الطريق فالله أعلم قال وكانت ادرخ في شعبان في هذه السنة ايضا وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية يخبره بما كان من الأمر وأن الله قد فتح عليه بلاد مصر ورجعوا إلى السمع والطاعة واجتماع الجماعة وبما عهد لهم من الأمر وقد زعم هشام بن محمد الكلبي أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة مسك بعد مقتل محمد بن أبي بكر وكان من جملة المحرضين على قتل عثمان فبعثه عمرو بن العاص إلى معاوية ولم يبادر إلى قتله لأنه ابن خال معاوية فحبسه معاوية بفلسطين فهرب من السجن فلحقه رجل يقال له عبد الله بن عمرو بن ظلام بأرض البلقاء فاختفى محمد بغار فجاءت حمر وحش لتأوى إليه فلما رأته فيه نفرت فتعجب من نفرها جماعة من الحصادين هنالك فذهبوا إلى الغار فوجدوه فيه فجاء اولئك إليه فخشى عبد الله بن عمرو بن ظلام أن يرده إلىمعاوية فيعفو عنه فضرب عنقه هكذا ذكر ذلك ابن الكلبي وقد ذكر الواقدي وغيره أن محمد بن أبي حذيفة قتل في سنة ست وثلاثين كما قدمنا فالله أعلم
وقال إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في كتابه ثنا عبد الله بن صالح حدثني ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب أن عمرو بن العاص استحل مال قبطى من قبط مصر لأنه استقر عنده أنه كان يظهر الروم علىعورات المسلمين يكتب إليهم بذلك فاستخرج منه بضعا وخمسين اردبا دنانير قال أبو صالح والأردب ست ويبات والويبة مثل القفيز واعتبرنا الويبة فوجدناها تسعا وثلاثين ألف دينار قلت فعلى هذا يكون يبلغ ما كان أخذ من القبطي ما يقارب ثلاثة عشر ألف ألف دينار قال أبو مخنف باسناده ولما بلغ علي بن أبي طالب مقتل محمد بن أبي بكر وما كان بمصر من الأمر وتملك عمرو لها واجتماع الناس عليه وعلى معاوية قام في الناس خطيبا فحثهم على الجهاد والصبر والمسير إلىأعدائهم من الشاميين والمصريين وواعدهم الجرعة بين الكوفة والحيرة فلما كان الغد خرج يمشي إليها حتى نزلها فلم يخرج إليه أحد من الجيش فلما كان العشى بعث إلى اشراف الناس فدخلوا عليه وهو حزين كئيب فقام فيهم خطيبا فقال الحمد لله على ما قضى من أمر وقدر من فعل وابتلاني بكم ولا ومن لا يطيع إذا أمرت ولا يجيب إدا دعوت أو ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه بغير عطاء ولا معونة ويجيبونه في السنة مرتين والثلاث إلى أي وجه شاء وأنا أدعوكم وأنتم اولو النهي وبقية الناس على المعونة وطائفة من العطاء فتفرقون عني وتعصونني وتختلفون علي (7/316)
فقام إليه مالك بن كعب الأوسي فندب إلى امتثال أمر علي والسمع والطاعة له فانتدب ألفان فأمر عليهم مالك بن كعب هذا فسار بهم خمسا ثم قدم على علي جماعة ممن كان مع محمد بن ابي بكر بمصر فأخبروه كيف وقع الأمر وكيف قتل محمد بن ابي بكر وكيف استقر أمر عمرو بها فبعث إلى مالك بن كعب فرده من الطريق وذلك أنه خشى عليهم من أهل الشام قبل وصولهم إلى مصر واستقر أمر العراقيين على مخالفة علي فيما يأمرهم به وينهاهم عنه والخروج عليه والبعد عن أحكامه وأقواله وأفعاله لجهلهم وقلة عقلهم وجفائهم وغلظتهم وفجور كثير منهم فكتب علي عند ذلك إلى ابن عباس وهو نائبه على البصرة يشكو إليه ما يلقاه من الناس من المخالفة والمعاندة فرد عليه ابن عباس يسليه في ذلك ويعزيه في محمد بن أبي بكر ويحثه على تلافي الناس والصبر على مسيئهم فان ثواب الله خير من الدنيا ثم ركب ابن عباس من البصرة إلى علي وهو بالكوفة واستخلف ابن عباس على البصره زيادا وفي هذا الحين بعث معاوية بن أبي سفيان كتابا مع عبد الله بن عمرو الحضرمي إلى أهل البصره يدعوهم إلى الاقرار بما حكم له عمرو بن العاص فلما قدمها نزل على بني تميم فأجاروه فنهض إليه زياد وبعث إليه أعين بن ضبيعة في جماعة من الناس فساروا إليهم فاقتتلوا فقتل أعين بن ضبيعة فكتب زياد إلى علي يعلمه بما وقع بالبصرة بعد خروج ابن عباس منها فبعث عند ذلك على جارية بن قدامة التميمي في خمسين رجلا إلى قومه بني تميم وكتب معه كتابا إليهم فرجع أكثرهم عن ابن الحضرمي وقصده جارية فحصره في دار هو وجماعة معه قيل كان عددهم أربعين وقيل سبعين فحرقهم بالنار بعد أن أعذر إليهم وأنذرهم فلم يقبلوا ولم يرجعوا عما جاؤا له فصل
وقد صحح ابن جرير أن قتال علي لأهل النهروان كان في هذه السنة وكذلك خروج الحريث ابن راشد الناجي كان في هذه السنة ايضا وكان مع الحريث ثلثمائة رجل من قومه بني ناجية وكان مع علي بالكوفة فجاء إلى علي فقام بين يديه وقال والله يا علي لا أطيع أمرك ولا أصلي خلفك إني لك غدا لمفارق فقال له علي ثكلتك أمك إذا تعصى ربك وتنقض عهدك ولا تضر إلا نفسك ولم تفعل ذلك قال لأنك حكمت في الكتاب وضعفت عن قيام الحق إذ جد الجد وركنت إلى القوم الظالمين فأنا عليك زاري وعليك ناقم وإنا لكم جميعا مباينون ثم رجع إلى أصحابه فسار بهم نحو بلاد البصرة فبعث إليهم معقل بن قيس ثم أردفه بخالد بن معدان الطائي وكان من أهل الصلاح والدين والبأس والنجدة وأمره أن يسمع له ويطيع فلما اجتمعوا صاروا جيشا واحدا ثم خرجوا في آثار الحريث وأصحابه فلحقوهم وقد أخذوا في جبال رامهرمز قال فصففنا لهم ثم أقبلنا (7/317)
إليهم فجعل معقل على ميمنته يزيد بن معقل وعلى ميسرته منجاب بن راشد الضبي ووقف الحريث فيمن معه من العرب فكانوا ميمنة وجعل من اتبعه من الاكراد والعلوج ميسرة قال وسارفينا معقل بن قيس فقال عباد الله لا تبدؤا القوم وغضوا أبصاركم وأقلوا الكلام ووطنوا أنفسكم على الطعن والضرب وأبشروا في قتالكم بالأجر إنما تقاتلون مارقة مرقت من الدين وعلوجا كسروا الخراج ولصوصا وأكرادا فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد ثم تقدم فحرك دابته تحريكتين ثم حمل عليهم في الثالثة وحملنا معه جميعنا فوالله ما صبروا لنا ساعة واحدة حتى ولوا منهزمين وقتلنا من العلوج والأكراد نحوا من ثلثمائة وفر الحريث منهزما حتى لحق باساف وبها جماعة من قومه كثيره فاتبعوه فقتلوه مع جماعة من أصحابه بسيف البحر قتله النعمان بن صهبان وقتل معه في المعركة مائة وسبعون رجلا ثم ذكر ابن جرير وقعات كثير ةكانت بين أصحاب علي والخوارج فيها ايضا ثم قال حدثني عمر بن شيبة ثنا أبو الحسن يعني المدائني علي بن محمد بن علي بن مجاهد قال قال الشعبي لما قتل علي أهل النهر خالفه قوم كثير وانتقضت أطرافه وخالفه بنو ناجية وقدم ابن الحضرمي إلى البصرة وانتقض أهل الجبال وطمع أهل الخراج في كسره وأخرجوا سهل بن حنيف من فارس وكان عاملا عليها فأشار عليه ابن عباس بزياد بن أبيه أن يوليه إياها فولاه إياها فسار إليها في السنة الآتية في جمع كثير فوطئهم حتى أدوا الخراج
قال ابن جرير وغيره وحج بالناس في هذه السنة قثم بن العباس نائب على علي مكة وأخوه عبيد الله ابن عباس نائب اليمن وأخوها عبد الله نائب البصرة وأخوهم تمام بن عباس نائب المدينة وعلى خراسان خالد بن قرة اليربوعي وقيل ابن أبزي وأما مصر فقد استقرت بيد معاوية فاستناب عليها عمرو بن العاص
ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان سهل بن حنيف
ابن واهب بن العليم بن ثعلبة الأنصاري الأوسي شهد بدرا وثبت يوم أحد وحضر بقية المشاهد وكان صاحبا لعلي بن أبي طالب وقد شهد معه مشاهده كلها ايضا غير الجمل فأنه كان قد استخلفه على المدينة ومات سهل بن حنيف في سنة ثمان وثلاثين بالكوفة وصلى عليه على فكبر خمسا وقيل ستا وقال إنه من أهل بدر رضي الله عنه
صنوان بن بيضاء أخو سهيل بن بيضاء
شهد المشاهد كلها وتوفي في هذه السنة في رمضانها وليس له عقب
صهيب بن سنان بن مالك
الرومي وأصله من اليمن أبو يحيى بن قاسط وكان أبوه أو عمه عاملا لكسرى على الأيلة وكانت (7/318)
منازلهم على دجلة عند الموصل وقيل على الفرات فاغارت على بلادهم الروم فأسرته وهو صغير فأقام عندهم حينا ثم اشترته بنو كلب فحملوه إلى مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان فأعتقه وأقام بمكة حينا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم آمن به وكان ممن أسلم قديما هو وعمار في يوم واحد بعد بضعة وثلاثين رجلا وكان من المستضعفين الذين يعذبون في الله عز و جل ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم هاجر صهيب بعده بأيام فلحقه قوم من المشركين يريدون أن يصدوه عن الهجرة فلما أحس بهم نثل كنانته فوضعها بين يديه وقال والله لقد علمتم أني من أرماكم ووالله لا تصلون إلى حتى أقتل بكل سهم من هذه رجلا منكم ثم أقاتلكم بسيفي حتى أقتل وإن كنتم تريدون المال فأنا أدلكم على مالي هو مدفون في مكان كذا وكذا فانصرفوا عنه فأخذوا ماله فلما قدم قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ربح البيع أبا يحيى وأنزل الله ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد ورواه حماد بن سلمةعن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب وشهد بدرا واحدا وما بعدهماولما جعل عمر الأمر شورى كان هو الذي يصلي بالناس حتىتعين عثمان وهو الذي ولى الصلاة على عمر وكان له صاحبا وكان أحمر شديد الحمرة ليس بالطويل ولا بالقصير أقرن الحاجبين كثير الشعر وكان لسانه فيه عجمة شديدة وكان مع فضله ودينه فيه دعابة وفكاهة وانشراح روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رآه يأكل بقثاء رطبا وهو أرمد إحدى العينين فقال أتأكل رطبا وأنت أرمد فقال إنما آكل من ناحية عيني الصحيحة فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت وفاته بالمدينة سنة ثمان وثلاثين وقيل سنة تسع وثلاثين وقد نيف علىالسبعين
محمد بن أبي بكر الصديق
ولد في حياة النبي صلى الله عليه و سلم في حجةالوداع تحت الشجرة عند الحرم وأمه أسماء بنت عميس ولمااحتضر الصديق أوصى أن تغسله فغسلته ثم لما انقصت عدتها تزوجها علي فنشأ في حجره فلما صارت إليه الخلافة استنابه على بلاد مصر بعد قيس بن سعد بن عبادة كما قدمنا فلما كانت هذه السنة بعث معاوية عمر بن العاص فاستلب منه بلاد مصر وقتل محمد بن أبي بكر كما تقدم وله من العمر دون الثلاثين رحمه الله وBه
اسماء بنت عميس
ابن معبد بن الحارث الخثعمية أسلمت بمكة وهاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة وقدمت معه إلى خيبر ولها منه عبد الله ومحمد وعون ولما قتل جعفر بموتة تزوجها بعده أبو بكر الصديق فولدت منه محمد بن أبي بكر أمير مصر ثم لما مات الصديق تزوجها بعده علي بن أبي طالب فولدت له يحيى وعونا وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها وكذلك هي أخت أم (7/319)
الفضل امرأة العباس لأمها وكان لها من الأخوات لأمها تسع أخوات وهي أخت سلمى بنت عميس امرأة العباس التي له منها بنت اسمها عمارة
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين
فيها جهز معاوية بن أبي سفيان جيوشا كثيرة ففرقها في أطراف معاملات علي بن أبي طالب وذلك أن معاوية رأى بعد أن ولاه عمرو بن العاص بعد اتفاقه مع أبي موسى علىعزل علي أن ولايته وقعت الموقع فهو الذي يجب طاعته فيما يعتقده ولأن جيوش علي من أهل العراق لا تطيعه في كثير من الأمر ولا يأتمرون بأمره فلا يحصل بمباشرته المقصود من الإمارة والحالة هذه فهو يزعم أنه أولى منه إذ كان الأمر كذلك وكان ممن بعث في هذه السنة النعمان بن بشير في ألفي فارس إلى عين التمر وعليها مالك بن كعب الأرحبي في ألف فارس مسلحة لعلي فلما سمعوا بقدوم الشاميين ارفضوا عنه فلم يبق مع مالك بن كعب إلا مائة رجل فكتب عند ذلك إلى علي يعلمه بما كان من الأمر فندب على الناس إلى مالك بن كعب فتثاقلوا ونكلوا عنه ولم يجيبوا إلى الخروج فخطبهم علي عند ذلك فقال في خطبته يا أهل الكوفة كلما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام انجحر كل منكم في بيته وغلق عليه بابه انجحار الضب في جحره والضبع في وجاره المغرور والله من غررتموه ولمن فارقكم فاز بالسهم الأصيب لا أحرار عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاة إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا منيت به منكم عمى لا تبصرون وبكم لا تنطقون وصم لا تسمعون إنا لله وإنا إليه راجعون ودهمهم النعمان بن بشير فاقتتلوا قتالا شديدا وليس مع مالك بن كعب إلا مائة رجل قد كسر واجفون سيوفهم واستقتلوا فبيناهم كذلك إذ جاءهم نجدة من جهة مخنف بن سليم مع ابنه عبد الرحمن بن مخنف في خمسين رجلا فلما رآهم الشاميون ظنوا أنهم مدد عظيم ففروا هرابا فاتبعهم مالك بن كعب فقتل منهم ثلاثة أنفس وذهب الباقون على وجوههم ولم يتم لهم أمر من هذا الوجه وفيها بعث معاوية سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره بأن يأتي هيت فيغير عليها ثم يأتي الأنبار والمدائن فسار حتى انتهى إلى هبت فلم يجد بها احدا ثم إلى الأنبار وفيها مسلحة لعلي نحو من خمسمائة فتفرقوا ولم يبق منهم إلا مائة رجل فقاتلوا مع قلتهم وصبروا حتى قتل أميرهم وهو أشرس بن حسان البلوى في ثلاثين رجلا من أصحابه واحتملوا ما كان بالانبار من الأموال وكروا راجعين إلى الشام فلما بلغ الخبر عليا رضي الله عنه ركب بنفسه فنزل بالنخيلة فقال له الناس نحن نكفيك ذلك يا أمير المؤمنين فقال والله ما تكفونني ولا أنفسكم وسرح سعد بن قيس في أثر القوم فسار وراءهم حتىبلغ هيت فلم يلحقهم فرجع وفيها بعث معاوية عبد الله بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة إلى تيماء وأمره أن يصدق أهل البوادي ومن (7/320)
امتنع من اعطاءه فليقتله ثم يأتي المدينة ومكة والحجاز فسار إلى تيماء واجتمع عليه بشر كثير فلمابلغ عليا بعث المسيب بن نجيبة الفزاري في ألفي رجل فالتقوا بتيماء فاقتتلوا قتالا شديدا عند زوال الشمس وحمل المسيب بن نجية علي ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات وهو لايريد قتله بل يقول له النجا النجا فانحاز ابن مسعدة في طائفة من قومه إلى حصن هناك فتحصنوا به وهرب بقيتهم إلى الشام وانتهبت الأعراب ما كان جمعه ابن نجية من إبل الصدقة وحاصرهم المسيب بن نجية ثلاثة أيام ثم ألقى الحطب على الباب وألهب فيه النار فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا من الحصن ومتوا إليه بأتهم من قومه فرق لهم وأطفأ النار فلما كان الليل فتح باب الحصن وخرجوا هرابا إلى الشام فقال عبد الرحمن بن شبيب للمسيب بن نجية سر حتى ألحقهم فقال لا فقال غششت أمير المؤمنين داهنت في أمرهم وفيها وجه معاوية الضحاك بن قيس في ثلاثة آلاف وأمره أن يغير علىأطراف جيش علي فجهز علي حجر بن عدي في أربعة آلاف وأنفق فيهم خمسين درهما خمسين درهما فالتقوا بتدمر فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا ومن أصحاب حجر بن عدي رجلان وغشيهم الليل فتفرقوا واستمر الضحاك بأصحابه فارا إلى الشام وفيها سار معاوية بنفسه في جيش كثيف حتى بلغ دجلة ثم كر راجعاص ذكره محمد بن سعد عن الواقدي باسناده وأبو معشر ايضا
وفي هذه السنة ولي علي بن أبي طالب زياد بن أبيه على أرض فارس وكانوا قد منعوا الخراج والطاعة وسبب ذلك حين قتل ابن الحضرمي وأصحابه بالنار حين حرقهم جارية بن قدامة في تلك الدار كما قدمنا فلما اشتهر هذا الصنيع في البلاد تشوش قلوب كثير من الناس على علي واختلفوا على علي ومنع أكثر أهل تلك النواحي خراجهم ولا سيما أهل فارس فانهم تمردوا وأخرجوا عاملهم سهل بن حنيف كما تقدم في العام الماضي من بين أظهرهم فاستشار على الناس فيمن يوليه عليهم فأشار ابن عباس وجارية بن قدامة أن يولى عليهم زياد بن أبيه فانه صليب الرأي عالم بالسياسة فقال علي هو لها فولاه فارس وكرمان وجهزه إليهما في أربعة آلاف فارس فسار إليها في هذه السنة فدوخ أهلها وقهرهم حتى استقاموا وأدوا الخراج وما كان عليهم من الحقوق ورجعوا إلى السمع والطاعة وسار فيهم بالمعدلة والامانة حتى كان أهل تلك البلاد يقولون مارأينا سيرة اشبه بسيرة كسرى أنوشروان من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة والعلم بما يأتي وصفت له تلك البلاد بعدله وعلمه وصرامته واتخذ للمال قلعة حصينة فكانت تعرفه بقلعة زياد ثم لما تحصن فيها منصور اليشكري فيما بعد ذلك عرفت به فكان يقال لها قلعة منصور
قال الواقدي وفي هذه السنة بعث علي بن أبي طالب عبد الله بن عباس على الموسم وبعث معاوية يزيد بن سخبرة الرهاوي ليقيم للناس الحج فلما اجتمعا بمكة تنازعا وابي كل واحد (7/321)
منهما أن يسلم لصاحبه فاصطلحا على شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الحجبي فحج بالناس وصلى بهم في ايام الموسم قال أبو الحسن المدائني لم يشهد عبد الله بن عباس الموسم في أيام على حتى قتل والذي نازعه يزيد بن سخبرة إنما هو قثم بن العباس حتى اصطلحا على شيبة بن عثمان قال ابن جرير وكما قال ابو الحسن المدائني قال أبو مصعب قال ابن جرير وأما عمال علي على الأمصار فهم الذين ذكرنا في السنة الماضية غير ان ابن عباس كان قد سار من البصرة إلى الكوفة واستخلف على البصرة زياد بن أبيه ثم سار زياد في هذه السنة إلى فارس وكرمان كما ذكرنا
ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان سعد القرظي
مؤذن مسجد قبا في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما ولى عمر الخلافة ولاه أذان المسجد النبوي وكان أصله مولى لعمار بن ياسر وهو الذي كان يحمل العنزة بين يدي أبي بكر وعمر وعلي إلىالمصلى يوم العيد وبقي الأذان في ذريته مدة طويلة
عقبة بن عمرو بن ثعلبة
أبو مسعود البدري سكن ماء بدر ولم يشهد الوقعة بها على الصحيح وقد شهد العقبة وهو من سادات الصحابة وكان ينوب لعلي بالكوفة إذا خرج لصفين وغيرها
سنة أربعين من الهجرة
قال ابن جرير فمما كان في هذه السنة من الأمور الجليلة توجيه معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز فذكر عن زياد بن عبد الله البكائى عن عوانة قال ارسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي ارطاة هو رجل من بني عامر بن لؤي في جيش فساروا من الشام حتىقدموا المدينة وعامل على عليها يومئذ أبو أيوب ففر منهم أبو أيوب فأتى عليا بالكوفة ودخل بسر المدينة ولم يقاتله أحد فصعد منبرها فنادى على المنبر يا دينار ويا نجار ويارزيق شيخي شيخي عهدي به ها هنا بالأمس فأين هو يعني عثمان بن عفان ثم قال يا أهل المدينة والله لولا ما عهد إلى معاوية ما تركت بها محتلما إلا قتلته ثم بايع أهل المدينة وأرسل إلى بني سلمة فقال والله مالكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله يعني حتى يبايعه فانطلق جابر إلى أم سلمة فقال لها ماذا ترين إني خشيت أن أقتل وهذه بيعة ضلالة فقالت أرى أن تبايع فأني قد أمرت ابني عمر وختني عبد الله بن زمعة وهو زوج ابنتها زينب أن يبايعا فأتاه جابر فبايعه قال وهدم بسر دورا بالمدينة ثم مضى حتى أتى مكة فخافه ابو موسى الأشعري أن يقتله فقال (7/322)
له بسر ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك فخلى عنه وكتب أبو موسى قبل ذلك إلى أهل اليمن أن خيلا مبعوثة من عند معاوية تقتل من أبي أن يقر بالحكومة ثم مضى بسر إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس ففر إلى الكوفة حتى لحق بعلي واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد الله بن المدان الحاوي فلما دخل بسر اليمن قتله وقتل ابنه ولقي بسر ثقل عبيد الله بن عباس وفيه ابنان صغيران له فقتلهما وهما عبد الرحمن وقثم ويقال إن بسرا قتل خلقا من شيعة علي في مسيره هذا وهذا الخبر مشهور عند اصحاب المغازي والسير وفي صحته عندي نظر والله تعالى اعلم ولما بلغ عليا خبر بسر وجه جارية بن قدامة في ألفين ووهب بن مسعود في ألفين فسار جارية حتى بلغ نجران فخرق بها وقتل ناسامن شيعة عثمان وهرب بسر وأصحابه فابتعهم حتى بلغ مكة فقال لهم جارية بايعوا فقالوا لمن نبايع وقد هلك أمير المؤمنين فلمن نبايع فقال بايعوا لمن بايع له أصحاب علي فتثاقلوا ثم بايعوا من خوف ثم سار حتى أتى المدينة وأبو هريرة يصلى بهم فهرب منه فقال جارية والله لو أخذت أبا سنور لضربت عنقه ثم قال لأهل المدينة بايعوا للحسن ابن علي فبايعوا وأقام عندهم ثم خرج منصرفا إلى الكوفة وعاد أبو هريرة يصلى بهم قال ابن جرير وفي هذه السنة جرت بين علي ومعاوية المهادنة بعد مكاتبات يطول ذكرها على وضع الحرب بينهما وأن يكون ملك العراق لعلي ولمعاوية الشام ولا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غاره ولا غزوة ثم ذكر عن زياد عن ابن إسحاق ما هذا مضمونه أن معاوية كتب إلى علي أما بعد فأن الأمة قد قتل بعضها بعضا يعني فلك العراق ولي الشام فأقر بذلك علي رضي الله عنه وأمسك كل واحد منهما عن قتال الاخر وبعث الجيوش إلى بلاده واستقر الأمر على ذلك قال ابن جرير وفي هذه السنة خرج ابن عباس من البصرة إلى مكةوترك العمل في قول عامة أهل السير وقد أنكر ذلك بعضهم وزعم أنه لم يزل عاملا على البصرة حتى صالح على معاوية وأنه كان شاهدا للصلح ممن البصرة وذلك أنه كلم ابا الأسود الدؤلي القاضي بكلام فيه غض من أبي نص على ذلك أبو عبيدة كما سيأتى ثم ذكر ابن جرير سبب خروج ابن عباس عن الأسود فكتب أبو الأسود إلى علي يشكو إليه ابن عباس وينال من عرضه فأنه تناول شيئا من أموال بيت المال فبعث علي إلى ابن عباس فعاتبه في ذلك وحرر عليه التبعة فغضب ابن عباس من ذلك وكتب إلى علي ابعث إلى عملك من أحببت فأني ظاعن عنه والسلام ثم سار ابن عباس إلى مكة مع أخواله بني هلال وتبعهم قيس كلها وقد أخذ شيئا من بيت المال مما كان اجتمع له من العمالة والفىء ولما سار تبعه أقوام أخر فلحقهم بنو غنم وأرادوا منعهم من المسير فكان بينهم قتال ثم تحاجزوا ودخل ابن عباس مكة (7/323)
ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أي طالب وما ورد من الأحاديث النبوية من الأخبار بمقتله وكيفيته
كان أمير المؤمنين رضي الله عنه قد تنغصت عليه الأمور واضطرب عليه جيشه وخالفه أهل العراق ونكلوا عن القيام معه واستفحل أمر أهل اشام وصالوا وجالوا يمينا وشمالا زاعمين أن الأمرة لمعاوية بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما عليا وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الأمرة عن أحد وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاويةالأمير وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان أعبدهم وأزهدهم وأعلمهم وأخشاهم لله عز و جل ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه حتى كره الحياة وتمنى الموت وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن فكان يكثر أن يقول ما يحبس اشقاها أي ما ينتظر ماله لا يقتل ثم يقول والله لتخضبن هذه ويشير إلى لحيته من هذه ويشير إلى هامته كما قال البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني ثنا أبو الحراب الأحوص بن حراب ثنا عمار بن زريق عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد قال قال علي والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه للحيته من رأسه فما يحبس أشقاها فقال عبد الله بن سبع والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لأبدنا عترته فقال أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي فقالوا يا أمير المؤمنين ألا تستخلف فقال لا ولكن أترككم كما ترككم رسول الله قالوا فما تقول لربك إذا لقيته وقد تركتنا هملا قال أقول اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك ثم قبضتني وتركتك فيهم فان شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم
طريق أخرى
قال أبو داود الطيالسي في مسنده ثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن وهب قال جاءت الخوارج إلى علي فقالوا له اتق الله فانك ميت قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولكن مقتول من ضربه علي هذه تخضب هذه واشار بيده إلى لحيته عهد معهود وقضى مقضى وقد خاب من افترى
طريق أخرى عنه
قال الحافظ أبو يعلى ثنا سويد بن سعيد ثنا رشدين بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة عن عثمان بن صهيب عن أبيه قال قال علي قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم من أشقى الأولين قلت عاقر الناقة قال صدقت فمن أشقى الآخرين قلت لا علم لي يارسول الله قال الذي يضربك (7/324)
الأزارقة أصحاب قطري بن الفجاءة بالأهواز
قال ابن جرير وفيها بعث عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي إلى عبد الله بن الزبير ليحاصره بمكة قال وكان السبب في بعثه له دون غيره أن عبد الملك بن مروان لما أراد الرجوع إلى الشام بعد قتله مصعبا وأخذه العراق ندب الناس إلى قتال عبد الله بن الزبير بمكة فلم يجبه أحد إلى ذلك فقام الحجاج وقال يا أمير المؤمنين أنا له وقص الحجاج على عبد الملك مناما زعم أنه رآه قال رأيت يا أمير المؤمنين كأني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فابعث به إليه فأني قاتله فبعثه في جيش كثيف من أهل الشام وكتب معه امانا لأهل مكة إن هم أطاعوه قالوا وفخرج الحجاج في جمادى من هذه السنة ومعه ألفا فارس من أهل الشام فسلك طريق العراق ولم يعرض للمدينة حتىنزل الطائف وجعل يبعث البعوث إلى عرفة ويرسل ابن الزبير الخيل فيلتقيان فيهزم خيل ابن الزبير وتظفر خيل الحجاج ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم ومحاصرة ابن الزبير فأنه قد كلت شوكته وملت جماعته وتفرق عنه عامة أصحابه وسأله أن يمده برجال ايضا فكتب عبد الملك إلى طارق بن عمرو يأمره أن يلحق بمن معه بالحجاج وارتحل الحجاج من الطائف فنزل بئر ميمونة وحصر ابن الزبير بالمسجد فلما دخل ذو الحجة حج بالناس الحجاج في هذه السنة وعليه وعلى أصحابه السلاح وهم وقوف بعرفات وكذا فيما بعدها من المشاعر وابن الزبير محصور لم يتمكن من الحج هذه السنة بل نحر بدنا يوم النحر وهكذا لم يتمكن كثير ممن معه من الحج وكذا لم يتمكن كثير ممن مع الحجاج وطارق بن عمرو أن يطوفوا بالبيت فبقوا على إحرامهم لم يحصل لهم التحلل الثاني والحجاج وأصحابه نزول بين الحجون وبئر ميمونة فأنا لله وإنا إليه راجعون
قال ابن جرير وفي هذه السنة كتب عبد الملك إلى عبد الله بن خازم أمير خراسان يدعوه إلى بيعته ويقطعه خراسان سبع سنين فلما وصل إليه الكتاب قال للرسول بعثك أبو الذبان والله لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك ولكن كل كتابه فأكله وبعث عبد الملك إلى بكير بن وشاح نائب ابن خازم على مرو يعده بأمره خراسان إن هو خلع عبد الله بن خازم فخلعه فجاء ابن خازم فقاتله فقتل في المعركة عبد الله بن خازم أمير خراسان قتله رجل يقال له وكيع بن عميرة لكن كان قد ساعده غيره فجلس وكيع على صدره وفيه رمق فذهب لينوء فلم يتمكن من ذلك وجعل وكيع يقول يا ثارات دويلة يعني أخاه وكان دويلة قد قتله ابن خازم ثم إن ابن خازم تنخم في وجه وكيع قال وكيع لم أر أحدا أكثر ريقا منه في تلك الحال وكان أبو هريرة إذا ذكر هذا يقول هذه والله هي البسالة وقال له ابن خازم ويحك أتقتلني بأخيك لعنك الله أتقتل كبش مصر بأخيك (7/325)
إلا ابن عيينة هكذا قال وقد رأيت من الطرق المتعددة خلاف ذلك وقال البيهقي بعد ذكره طرفا من هذه الطرق وقد رويناه في كتاب السنن باسناد صحيح عن زيد بن أسلم عن أبي سنان الدؤلي عن علي في إخبار النبي صلى الله عليه و سلم بقتله
حديث آخر في ذلك
قال الخطيب البغدادي أخبرني علي بن القاسم البصري ثنا علي بن إسحاق المارداني أنا محمد ابن إسحاق الصنعاني ثنا إسماعيل بن أبان الوراق ثنا ناصح بن عبد الله المحلمي عن سماك عن جابر ابن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي من أشقى الأولين قال عاقر الناقة قال فمن أشقى الآخرين قال الله ورسوله أعلم قال قاتلك
حديث آخر في معنى ذلك
وروى البيهقي من طريق فطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة الحمانى قال سمعت عليا على المنبر وهو يقول والله إنه لعهد النبي الأمي إلى إن الأمة ستعذر بك بعدي قال البخاري ثعلبة بن زيد الحمانى في حديثه هذا نظر قال البيهقي وقد رويناه باسناد آخر عن علي أن كان محفوظا أخبرنا أبو علي الروذبارى أنا أبو محمد بن شوذب الواسطي بها ثنا شعيب بن أيوب ثنا عمرو بن عون عن هشيم عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأزدي عن علي قال إن مما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الأمة ستغدر بك بعدي قال البيهقي فان صح فيحتمل أن يكون المراد به والله أعلم في خروج من خرج عليه ثم في قتله وقال الأعمش عن عمرو بن مرة ابن عبد الله بن الحارث عن زهير بن الأرقم قال خطبنا علي يوم جمعة فقال نبئت أن بسرا قد طلع اليمن وإني والله لأحسب أن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم وما يظهرون عليكم إلا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم وخيانتكم وأمانتهم وإفسادكم في أرضكم وإصلاحهم قد بعثت فلانا فخان وغدر وبعثت فلانا فخان وغدر وبعث المال إلى معاوية لو ائتمنت أحدكم على قدح لأخذ علاقته اللهم سئمتهم وسئموني وكرهتهم وكرهوني الله فأرحهم مني وأرحني منهم قال فما صلى الجمعة الأخرى حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه
صفة مقتله رضي الله عنه
ذكر ابن جرير وغير واحد من علماء التاريخ والسير وأيام الناس أن ثلاثة من الخوارج وهم عبد الرحمن بن عمرو المعروف بابن ملجم الحميري ثم الكندي حليف بني حنيفة من كندة المصري وكان أسمر حسن الوجه أبلح شعره مع شحمة أذنيه وفي وجهه أثر السجود والبرك بن عبد الله التميمي وعمرو بن بكر التميمي ايضا اجتمعوا فتذاكروا قتل على إخوانهم من أهل النهروان فترحموا عليهم (7/326)
وقالوا ماذا نصنع بالبقاء بعدهم كانوا لا يخافون في الله لومة لائم فلو شرينا أنفسنا فأتينا ائمة الضلال فقتلناهم فأرحنا منهم البلاد وأخذنا منهم ثأر إخواننا فقال ابن ملجم أما أنا فأكفيكم على ابن أبي طالب وقال البرك وأنا أكفيكم معاوية وقال عمرو بن بكر وأنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه فأخذوا أسيافهم فسموها واتعدوا لسبع عشرة من رمضان أن يبيت كل واحد منهم صاحبه في بلده الذي هو فيه فأما ابن ملجم فسار إلى الكوفة فدخلها وكتم أمره حتى عن أصحابه من الخوارج الذين هم بها فبينما هو جالس في قوم من بني الرباب يتذاكرون قتلاهم يوم النهروان إذ أقبلت أمرأة منهم يقال قطام بنت الشجنة قد قتل على يوم النهروان أباها وأخاها وكانت فائقة الجمال مشهورة به وكانت قد انقطعت في المسجد الجامع تتعبد فيه فلما رآها ابن ملجم سلبت عقله ونسى حاجته التي جاء لها وخطبها إلى نفسها فاشترطت عليه ثلاثة آلاف درهم وخادما وقينة وأن يقتل لها علي بن أبي طالب قال فهو لك ووالله ما جاء بي إلى هذه البلدة إلا قتل علي فتزوجها ودخل بها ثم شرعت تحرضه على ذلك وندبت له رجلا من قومها من تيم الرباب يقال له وردان ليكون معه ردءا واستمال عبد الرحمن ابن ملجم رجلا آخر يقال له شبيب بن نجدة الأشجعي الحروري قال له ابن ملجم هل لك في شرف الدنيا والآخرة فقال وما ذاك قال قتل علي فقال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إذا كيف تقدر عليه قال أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه فان نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا فقال ويحك لو غير على كان أهون على قد عرفت سابقته في الإسلام وقرابته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فما أجدني أنشرح صدرا لقتله فقال أما تعلم أنه قتل أهل النهروان فقال بلى قال فنقتله بمن قتل من أخواننا فأجابه إلى ذلك بعدلأى ودخل شهر رمضان فواعدهم ابن ملجم ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت وقال هذه الليلة التي واعدت أصحابي فيها أن يثأروا بمعاوية وعمرو بن العاص فجاء هؤلاء الثلاثة وهم ابن ملجم ووردان وشبيب وهم مشتملون على سيوفهم فجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها على فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة ويقول الصلاة الصلاة فثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع في الطاق فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته رضي الله عنه ولما ضربه ابن ملجم قال لاحكم إلا لله ليس لك يا علي ولا لأصحابك وجعل يتلو قوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد ونادى علي عليكم به وهرب وردان فأدركه رجل من حضرموت فقتله وذهب شبيب فنجا بنفسه وفات الناس ومسك ابن ملجم وقدم على جعدة بن هبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس صلاة الفجر وحمل (7/327)
على إلى منزله وحمل إليه عبد الرحمن بن ملجم فأوقف بين يديه وهو مكتوف قبحه الله فقال له أي عدو الله ألم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على هذا قال شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه فقال له على لا أراك إلا مقتولا به ولا أراك إلا من شر خلق الله ثم قال إن مت فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به فقال جندب بن عبد الله يا أمير المؤمنين إن مت نبايع الحسن فقال لا آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر ولما احتضر على جعل يكثر من قول لا إله إلا الله لا يتلفظ بغيرها وقد قيل إن آخر ماتكلم به فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقد أوصى ولديه الحسن والحسين بتقوى الله والصلاة والزكاة وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجاهل والتفقه في الدين والتثبت في الأمر والتعاهد للقرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش ووصاهما بأخيهما محمد بن الحنفية ووصاه بما وصاهما به وأن يعظمهما ولا يقطع أمرا دونهما وكتب ذلك كله في كتاب وصيته رضي الله عنه وأرضاه
وصورة الوصية بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين أوصيك يا حسن وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فإنى سمعت أبا القاسم صلى الله عليه و سلم يقول إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام أنظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوا ليهون الله عليكم الحساب الله الله في الأيتام فلا تعفو أفواهم ولا يضيعن بحضرتكم والله الله في جيرانكم فأنهم وصية نبيكم ما زال يوصى بهم حتى ظننا أنه سيورثهم والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم والله الله في الصلاة فأنها عمود دينكم والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فأنه إن ترك لم تناظروا والله الله في شهر رمضان فأن صيامه جنة من النار والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم والله الله في الزكاة فأنها تطفىء غضب الرب والله الله في ذمة نبيكم لا تظلمن بين ظهرانيكم والله الله في أصحاب نبيكم فأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصى بهم والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معاشكم والله الله فيما ملكت أيمانكم فأن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قال أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله ولا نتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم وعليكم بالتواصل والتباذل وإياكم (7/328)
والتدابر والتقاطع والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الآثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت وحفظ عليكم نبيكم أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض في شهر رمضان سنة أربعين
وقد غسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن فكبر عليه تسع تكبيرات وقال الإمام أحمد حدثنا أبو أحمد الزبيري ثنا شريك عن عمران بن ظبيان عن أبي يحيى قال لما ضرب ابن ملجم عليا قال لهم افعلوا به كما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يفعل برجل أراد قتله فقال اقتلوه ثم حرقوه وقد روى أن أم كلثوم قالت لابن ملجم وهو واقف ويحك لم ضربت أمير المؤمنين قال إنما ضربت أباك فقالت إنه لا بأس عليه فقال لم تبكين والله لقد ضربته ضربة لو أصابت أهل المصر لماتوا أجمعين والله لقد سمحت هذا السيف شهرا ولقد اشتريته بألف وسممته بألف
قال الهيثم بن عدي حدثني رجل من بجيلة عن مشيخة قومه أن عبد الرحمن بن ملجم رأى امرأة من تيم الرباب يقول لها قطام كانت من أجمل النساء ترى رأى الخوارج قد قتل على قومها على هذا الرأي فلما أبصرها عشقها فخطبها فقالت لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف وعبد وقينة فتزوجها على ذلك فلما بنى بها قالت له يا هذا قد فرعت فأفرع فخرج ملبسا سلاحه وخرجت معه فضربت له قبة في المسجد وخرج علي يقول الصلاة الصلاة فاتبعه عبد الرحمن فضربه بالسيف على قرن رأسه فقال الشاعر قال ابن جرير هو ابن مياس المرادي ... فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام بينأ غير معجم ... ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وقتل علي بالحسام المصمم ... فلا مهر أغلا من علي وإن غلا ... ولافتك إلا دون فتك ( 1 ) ابن ملجم ...
وقد عزى ابن جرير هذه الأبيات إلى ابن شاس المرادى وأنشد له ابن جرير في قتلهم عليا ... ونحن ضربنا مالك الخير حيدرا ... ابا حسن مأمومه فتقطرا ... ونحن خلعنا ملكه من نظامه ... بضربه سيف إذ علا وتجبرا ... ونحن كرام في الهياج أعزة ... إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا ...
وقد امتدح ابن ملجم بعض الخوارج المتأخرين في زمن التابعين وهو عمران بن حطان وكان أحد العباد ممن يروى عن عائشة في صحيح البخاري فقال فيه ... يا ضربة من تقى ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا (7/329)
إني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا ...
وأما صاحب معاوية وهو البرك فأنه حمل عليه وهو خارج إلى صلاة الفجر في هذااليوم فضربه بالسيف وقيل بخنجر مسموم فجاءت الضربة في وركه فجرحت إليته ومسك الخارجي فقتل وقد قال لمعاوية اتركني فأني أبشرك ببشارة فقال وما هي فقال إن أخي قد قتل في هذا اليوم علي بن أبي طالب قال فلعله لم يقدرعليه قال بلى إنه لا حرس معه فأمر به فقتل وجاء الطبيب فقال لمعاوية إن جرحك مسموم فاما أن أكويك وأما أن أسقيك شربة فيذهب السم ولكن ينقطع نسلك فقال معاوية أماالنار فلا طاقة لي بها وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما تقر به عيني فسقاه شربة فبرأ من ألمه وجراحه واستقل وسلم رضي الله عنه ومن حينئذ عملت المقصورة في المسجد الجامع وجعل الحرس حولها في حال السجود فكان أول من اتخذها معاوية لهذه الحادثة
وأما صاحب عمرو بن العاص وهو عمرو بن بكر فأنه كمن له ليخرج إلى الصلاة فاتفق أن عرض لعمرو بن العاص مغص شديد في ذلك اليوم فلم يخرج إلا نائبه إلى الصلاة وهو خارجة بن أبي حبيبة من بني عامر بن لؤي وكان على شرطة عمرو بن العاص فحمل عليه الخارجي فقتله وهو يعتقده عمرو بن العاص فلما أخذ الخارجي قال أردت عمرا وأراد الله خارجة فأرسلها مثلا وقتل قبحه الله وقد قيل إن الذي قالها عمرو بن العاص وذلك حين جىء بالخارجي فقال ما هذا قالوا قتل نائبك خارجة ثم أمر به فضربت عنقه
والمقصود أن عليا رضي الله عنه لما مات صلى عليه ابنه الحسن فكبر عليه تسع تكبيرات ودفن بدار الامارة بالكوفةخوفا عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته هذا هو المشهور ومن قال إنه حمل على راحلته فذهبت به فلا يدري أين ذهب فقد أخطأ وتكلف ما لا علم له به ولا يسيغه عقل ولا شرع وما يعتقده كثير من جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف فلا دليل على ذلك ولا أصل له ويقال إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة حكاه الخطيب البغدادي عن ابي نعيم الحافظ عن ابي بكر الطلحي عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ عن مطر أنه قال لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة هذا قبر المغيرة بن شعبة قال الواقدي حدثني ابو بكر ابن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر كم كان سن علي يوم قتل قال ثلاثا وستين سنة قلت أين دفن قال دفن بالكوفة ليلا وقد غبى عن دفنه وفي رواية عن جعفر الصادق أنه كان عمره ثمانية وخمسين سنة وقد قيل إن عليا دفن قبلي المسجد الجامع من الكوفة قاله الواقدي والمشهور بدار الامارة وقد حكى الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الفضل بن دكين أن الحسن والحسين حولاه فنقلاه إلى المدينة فدفناه بالبقيع (7/330)
عند قبر فاطمة وقيل إنهم لما حملوه على البعير ضل منهم فأخذته طىء يظنونه مالا فلما رأوا أن الذي في الصندوق ميت ولم يعرفوه دفنوا الصندوق بما فيه فلا يعلم أحد أين قبره حكاه الخطيب أيضا وروى الحافظ ابن عساكر عن الحسن قال دفنت عليا في حجرة من دور آل جعدة وعن عبد الملك بن عمير قال لما حفر خالد بن عبد الله اساس دار ابنه يزيد استخرجوا شيخا مدفونا أبيض الرأس واللحية كأنما دفن بالأمس فهم باحراقه ثم صرفه الله عن ذلك فاستدعى بقباطى فلفه فيها وطيبه وتركه مكانه قالوا وذلك المكان بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد في بيت اسكاف وما يكاد يقر في ذلك الموضع أحد إلا انتقل منه وعن جعفر بن محمد الصادق قال صلى على علي ليلا ودفن بالكوفة وعمي موضع قبره ولكنه عند قصر الإمارة وقال ابن الكلبي شهد دفنه في الليل الحسن والحسين وابن الحنفية وعبد الله بن جعفر وغيرهم من أهل بيتهم فدفنوه في ظاهر الكوفة وعموا قبره خيفة عليه من الخوارج وغيرهم وحاصل الأمر أن عليا قتل يوم الجمعة سحرا وذلك لسبع عشرة خلت من رمضان من سنة أربعين وقيل إنه قتل في ربيع الأول والأول هو الأصح الأشهر والله أعلم ودفن بالكوفة عن ثلاث وستين سنة وصححه الواقدي وابن جرير وغير واحد وقيل عن خمس وستين وقيل عن ثمان وستين سنة رضي الله عنه وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر فلما مات علي إني أعرض عليك خصلة قال وما رضي الله عنه استدعى الحسن بابن ملجم فقال له ابن ملجم هي قال إني كنت عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما فأن خليتني ذهبت إلى معاوية على أني لم أقتله أو قتلته وبقيت فلله على أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك فقال له الحسن كلا والله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله ثم أخذه الناس فأدرجوه في بوراي ثم أحرقوه بالنار وقد قيل إن عبد الله بن جعفر قطع يديه ورجليه وكحلت عيناه وهو مع ذلك يقرأ سورة أقرأ باسم ربك الذي خلق إلى آخرها ثم جاءوا ليقطعوا لسانه فجزع وقال إني أخشى أن تمر على ساعة لا أذكر الله فيها ثم قطعوا لسانه ثم قتلوه ثم حرقوه في قوصرة والله أعلم وروى ابن جرير قال حدثني الحارث ثنا ابن سعد عن محمد بن عمر قال ضرب علي يوم الجمعة فمكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفى ليلة الأحد لاحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة قال الواقدي وهو المثبت عندنا والله أعلم بالصواب
ذكر زوجاته وبنيه وبناته
قال الإمام أحمد حدثنا حدثنا حجاج ثنا إسرائيل عن ابي إسحاق عن هانىء بن هانىء عن علي قال لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اروني ابني ما سميتموه فقلت سميته حربا فقال بل هو حسن فلما ولد الحسين قال أروني ابني ما سميتموه فقلت سميته حربا قال بل هو (7/331)
حسين فلما ولد الثالث جاء النبي ( ص ) فقال اروني ابني ما سميتموه فقلت حربا فقال بل هو محسن ثم قال اني سميتهم اسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر وقد رواه محمد بن سعد عن يحيى ابن عيسى التيمي عن الاعمش عن سالم بن ابي الجعد قال قال علي كنت رجلا احب الحرب فلما ولد الحسن هممت ان اسميه حربا فذكر الحديث بنحو ما تقدم لكن لم يذكر الثالث وقد ورد في بعض الاحاديث ان عليا سمى الحسن اولا بحمزة وحسينا بجعفر فغير اسميهما رسول الله ( ص ) فأول زوجه تزوجها علي رضي الله عنه فاطمة بنت رسول الله ( ص ) بنى بها بعد وقعة بدر فولدت له الحسن وحسينا ويقال ومحسنا ومات وهو صغير وولدت له زينب الكبرى وام كلثوم وهذه تزوج بها عمر بن الخطاب كما تقدم ولم يتزوج علي على فاطمة حتى توفيت بعد رسول الله ( ص ) بستة اشهرفلما ماتت تزوج بعدها بزوجات كثيرة منهن من توفيت في حياته ومنهن من طلقها وتوفي عن اربع كما سياتي فمن زوجاته ام البنين بنت حرام وهو المحل بن خالد بن ربيعة بن كعب بن عامر ابن كلاب فولدت له العباس وجعفر وعبد الله وعثمان وقد قتل هؤلاء مع اخيهم الحسين بكر بلاء ولا عقب لهم سوى العباس ومنهن ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك من بني تميم فولدت له عبيد الله وابا بكر قال هشام بن الكلبي وقد قتلا بكر بلاء ايضا وزعم الواقدي ان عبيد الله قتله المختارين بن ابي عبيد يوم الدار ومنهن اسماء بنت عميس الخثعمية فولدت له يحيى ومحمدا الاصغر قاله الكلبي وقال الواقدي ولدت له يحيى وعونا قال الواقدي فأما محمد الاصغر فمن ام ولد ومنهن ام حبيبة بنت زمعة بن بحر بن العبد بن علقمة وهي ام ولد من السبي الذين سباهم خالد من بني تغلب حين اغار على عين التمر فولدت له عمر وقد عمر خمسا وثلاثين سنة ورقية ومنهن أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن مغيث بن مالك الثقفي فولدت له ام الحسن ورملة الكبرى ومنهن ابنة امرئ القيس بن عدي بن اوس بن جابر بن كعب بن عليم بن كلب الكلبية فولد له جارية فكانت تخرج مع علي الى المسجد وهي صغيرة فيقال لها من اخوالك فتقول وه وه تعني بني كلب ومنهن أمامه بنت ابي العاص بن الربيع بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وامها زينب بنت رسول الله ( ص ) وهي التي كان رسول الله ( ص ) يحملها وهو في الصلاة اذا قام حملها واذا سجد وضعها فولدت له محمدا الاوسط واما ابنه محمد الاكبر فهو ابن الحنفية وهي خولة بنت جعفر بن قيس ابن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي ابن بكر بن وائل سباها خالد ايام الصديق ايام الردة من بني حنيفة فصارت لعلي بن ابي طالب فولدت له محمدا هذا ومن الشيعة من يدعي فيه الامامة والعصمة وقد كان من سادات المسلمين ولكن ليس بمعصوم ولا ابوه معصوم بل ولا من هو افضل من ابيه من الخلفاء الراشدين قبله ليسوا (7/332)
بواجبي العصمة كما هو مقرر في موضعه والله اعلم وقد كان لعلى اولاد كثيرة آخرون من امهات اولاد شتى فانه مات عن اربع نسوة وتسع عشرة سريه رضى الله عنه فمن اولاده رضى الله عنهم مما لا يعرف اسماء امهاتهم ام هانىء وميمونة وزينب الصغرى ورملة الكبرى وام كلثوم الصغرى وفاطمة وامامة وخديجة وام الكرام وام جعفر وام سلمة وجمانة قال ابن جرير فجميع ولد على اربعة عشر ذكرا وسبع عشرة انثى قال الواقدي وانما كان النسل من خمسة وهو الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية والعباس بن ( 1 ) الكلابية وعمر بن التغلبية رضى الله عنهم اجمعين وقد قال ابن جرير حدثني ابن سنان القزاز حدثنا ابو عاصم حدثنا مسكين بن عبدالعزيز أنا حفص بن خالد حدثني ابي خالد بن جابر قال سمعت الحسن لما قتل علي قام خطيبا فقال لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها القرآن ورفع فيها عيسى بن مريم وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى والله ما سبقه احد من قبله ولا يدركه احد يكون بعده والله ان كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليبعثه في السرية جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره والله ما ترك صفراء ولا بيضاء الا ثمانمائة او تسعمائة ارصدها لحادثة وهذا غريب جدا وفيه نكارة والله اعلم هكذا رواه ابو يعلي عن ابراهيم بن الحجاج عن مسكين به
وقال الإمام احمد حدثنا وكيع عن شريك عن ابي اسحاق عن هبيرة قال خطبنا الحسن بن علي قال لقد فارقكم رجل بالامس لم يسبقه الاولون بعلم لا يدركه الآخرون وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح له ورواه زيد العمي وشعيب ابن خالد عن ابي اسحاق وقال ما ترك الا سبعمائة كان ارصدها يشتري بها خادما وقال الامام احمد حدثنا حجاج حدثنا شريك عن عاصم بن كريب عن محمد بن كعب القرظي ان عليا قال لقد رايتنى مع رسول الله وانى لاربط الحجر على بطني من الجوع وان صدقتي اليوم لتبلغ اربعين الفا ورواه عن اسود عن شريك به وقال ان صدقتي لتبلغ اربعين الفا
شيء من فضائل امير المؤمنين على بن ابي طالب من ذلك انه اقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسبا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فانه علي بن ابي طالب ابن عبدالمطلب واسمه شيبة بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصى واسمه زيد ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ابو الحسن القرشي الهاشمي فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وامه فاطمة بنت اسد بنت هاشم بن عبدمناف قال الزبير بن بكار وهي اول هاشمية ولدت هاشميا وقد اسلمت وهاجرت وابوه هو العم الشقيق الرفيق ابو طالب واسمه عبدمناف كذا (7/333)
نص على ذلك الامام احمد بن حنبل هو وغير واحد من علماء النسب وايام الناس وزعمت الروافض ان اسم ابي طالب عمران وانه المراد من قوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين وقد أخطأوا في ذلك خطأ كثيرا ولم يتأملوا القرآن قبل ان يقولوا هذا البهتان من القول في تفسيرهم له على غير مراد الله تعالى فانه قد ذكر بعد هذه قوله تعالى اذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا فذكر ميلاد مريم بنت عمران عليها السلام وهذا ظاهر ولله اعلم وقد كان ابو طالب كثير المحبة الطبيعية لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يؤمن به الى ان مات على دينه كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من رواية سعيد بن المسيب عن ابيه في عرضه عليه السلام على عمه ابي طالب وهو في السياق ان يقول لا اله الا الله فقال له ابو جهل وعبدالله بن ابي امية يا ابا طالب اترغب عن ملة عبدالمطلب فقال كان آخر ما قال هو على ملة عبدالمطلب وابي ان يقول لا إله الاالله فخرج رسول الله وهو يقول انا لاستغفرن لك مالم انه عنك فنزل ذلك قوله تعالى انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين ثم نزل بالمدينة قوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى من بعد ما تبين لهم انهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ان ابراهيم لأواه حليم وقد قررنا ذلك في اوائل المبعث وذهنا على خطأ الرافضة في دعواهم انه اسلم وافترائهم ذلك بلا دليل على مخالفة النصوص الصريحة واما على رضى الله عنه فانه اسلم قديما وهو دون البلوغ على المشهور ويقال انه اول من اسلم من الغلمان كما ان خديجة اول من اسلم من النساء وابو بكر الصديق اول من اسلم من الرجال الاحرار وزيد بن حارثة اول من اسلم من الموالي وقد روى الترمذي وابو يعلي عن اسماعيل بن السدي عن علي بن عياش عن مسلم الملائي عن حبة بن جوين عن علي وحبة لا يساوى حبة عن انس بن مالك قال بعث رسول الله يوم الاثنين وصلى على يوم الثلاثاء ورواه بعضهم عن مسلم الملائي عن حبة ابن جوين عن علي وحبة لا يساوى حبة وقد روى سلمة بن كهيل عن حبة عن علي قال عبدت الله مع رسول الله سبع سنين قبل ان يعبده احد وهذا لا يصح ابدا وهو كذب وروى سفيان الثوري وشعبة عن سلمة عن حبة عن علي قال انا اول من اسلم وهذا لا يصح ايضا وحبة ضعيف وقال سويد بن سعيد حدثنا نوح بن قيس بن سليمان بن عبدالله عن معاذة العدوية قالت سمعت على بن ابي طالب على منبر البصرة يقول انا الصديق الاكبر آمنت قبل ان يؤمن ابو بكر واسلمت قبل ان يسلم وهذا لا يصح قاله البخاري وقد ثبت عنه بالتواتر انه قال على منبر الكوفة ايها الناس ان خير هذه الامة بعد نبيها ابو بكر ثم وعمر ولو شئت ان اسمى الثالث لسميت (7/334)
وقد تقدم ذلك في فضائل الشيخين رضى الله عنهما وارضاهما قال الامام احمد حدثنا سليمان بن داود حدثنا ابو عوانة عن ابي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال اول من صلى وفي رواية أسلم مع رسول الله بعد خديجة علي بن ابي طالب ورواه الترمذي من حديث شعبة عن ابي بلج به وقد روى عن زيد بن ارقم وابي ايوب اللانصاري انه صلى قبل الناس بسبع سنين وهذا لا يصح من أى وجه كان روى عنه وقد ورد في انه اول من اسلم من هذه الامة احاديث كثيرة لا يصح منها شىء واجود ما في ذلك ما ذكرنا على أنه قد خولف فيه وقد اعتنى الحافظ الكبير ابو القاسم بن عساكر في تاريخه بتطريق هذه الروايات فمن اراد كشف ذلك فعليه بكتابة التاريخ والله الموفق للصواب وقد روى الترمذي والنسائي عن عمرو بن مرة عن طلحة بن زيد عن زيد ابن ارقم قال اول من اسلم على قال الترمذي حسن صحيح وصحب على رسول الله صلى الله عليه و سلم مدة مقامه بمكة وكان عنده في المنزل وفي كفالته في حياة ابيه لفقر حصل لابيه في بعض السنين مع كثرة العيال ثم استمر في نفقة رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك الى زمن الهجرة وقد خلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم ليؤدي ما كان عنده عليه السلام من ودائع الناس فانه كان يعرف من ؟ قومه بالأمين فكانوا يودعونه الاموال والاشياء النفيسة ثم هاجر على بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وصحب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى ان توفي وهو راض عنه وحضر معه مشاهده كلها وجرت له مواقف شريفة بين يديه في مواطن الحرب كما بينا ذلك في السيرة بما اغنى عن اعادته هاهنا كيوم بدر واحد والاحزاب وخيبر وغيرها ولما استخلفه عام تبوك على اهله بالمدينة قال اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي وقد ذكرنا تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ودخوله بها بعد وقعة بدر بما اغنى عن اعادته ولما رجع عليه السلام من حجة الوداع فكان بين مكة والمدينة بمكان يقال له غدير خم خطب الناس هنالك في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة فقال في خطبته من كنت مولاه فعلى مولاه وفي بعض الروايات اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله والمحفوظ الاول وانما كان سبب هذه الخطبة والتنبيه على فضله ما ذكره ابن اسحاق من ان عليا لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن اميرا هو وخالد بن الوليد ورجع على فوافى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة في حجة الوداع وقد كثرت فيه المقالة وتكلم فيه بعض من كان معه بسبب استرجاعه منهم خلعا كان خلعها نائبه عليهم لما تعجل السير الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما تفرغ رسول الله من حجة الوداع احب ان يبرىء ساحة على بما نسب اليه من القول الذي لا اصل له وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيدا فكانت تضرب فيه الطبول ببغداد في ايام بنى بويه في حدود الاربعمائة كما سننبه عليه اذا انتهينا اليه ان شاء الله ثم بعد ذلك بنحو من عشرين يوما تعلق المسوح على أبواب (7/335)
الدكاكين ويذر التبن والرماد وتدور الذراري والنساء في سكك البلد تنوح على الحسين بن علي يوم عاشوراء صبيحة قراءتهم المصرع المكذوب في قتله وسنبين الحق في صفة قتله كيف وقع الامر على الجلية ان شاء الله تعالى وقد كان بعض بنى امية يعيب عليا بتسميته ابا تراب وهذا الاسم انما سماه به رسول الله صلى الله عليه و سلم كما ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد ان عليا غاضب فاطمة فراح الى المسجد فجاءه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجده نائما وقد لصق التراب بجلده فجعل ينفض عنه التراب ويقول إجلس ابا تراب
حديث المؤاخاة
قال الحاكم حدثنا ابو بكر محمد بن عبدالله الجنيد حدثنا الحسين بن جعفر القرشي حدثننا العلاء بن عمرو والحنفي حدثنا ايوب بن مدرك عن مكحول عن ابي امامة قال لما آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الناس آخى بينه وبين علي ثم قال الحاكم لم نكتبه من حديث مكحول الا من هذا الوجه وكان المشايخ يعجبهم هذا الحديث لكونه من رواية اهل الشام قلت وفي صحة هذا الحديث نظر وورد من طريق انس وعمر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال انت اخي في الدنيا والاخرة وكذلك من طريق زيد بن ابي اوفى وابن عباس ومحدوج بن زيد الذهلي وجابر بن عبدالله وعامر بن ربيعة وابي ذر وعلي نفسه نحو ذلك واسانيدها أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها بعدى إلا كذاب وقال الترمذي ثنا كلها ضعيفة لا يقوم بشىء منها حجة والله اعلم وقد جاء من غير وجه أنه قال أنا يوسف بن موسى القطان البغدادي ثنا علي بن قادم ثنا علي بن صالح بن حيي عن حكيم بن جبير عن جميع بن عمير التيمي عن ابن عمر قال آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين اصحابه فجاء على تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين اصحابك ولم تواخي بينى وبين احد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم انت اخى في الدنيا والآخرة ثم قال هذا حديث حسن غريب وفيه عن زيد بن أبي اوفى وقد شهد بدرا وقد قال رسول الله لعمر وما يدريك لعل الله قد اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وبارز يومئذ كما تقدم وكانت له اليد البيضاء ودفع اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم الراية يومئذ وهو ابن عشرين سنة قاله الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال وكانت تكون معه راية المهاجرين في المواقف كلها وكذلك قال سعيد بن المسيب وقتادة وقال خيثمة بن سليمان الاطرابلسي الحافظ حدثنا احمد بن حازم عن ابن ابي غرزة ثنا اسماعيل بن ابان ثنا ناصح بن عبدالله المحملي عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قالوا يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة قال ومن عسى ان يحملها يوم القيامة الا من كان يحملها في الدنيا علي بن ابي طالب وهذا اسناد ضعيف ورواه ابن عساكر عن انس بن مالك ولا يصح ايضا وقال الحسن بن عرفة حدثني عمار بن محمد عن سعيد بن محمد الحنظلي عن ابي جعفر محمد بن علي قال نادى مناد في السماء يوم بدر (7/336)
لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي قال الحافظ بن عساكر وهذا مرسل وانما تنفل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه ذا الفقار يوم بدر ثم وهبه لعلى بعد ذلك وقال الزبير بن بكار حدثني علي بن المغيرة عن معمر بن المثنى قال كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن ابي طلحة فقتله علي بن ابي طالب ففى ذلك يقول الحجاج بن علاط السلمي ... لله أى مذنب عن حربه ... اعنى ابن فاطمة المعم المخولا ... جادت يداك له بعاجل طعنة ... تركت طليحة للجبين مجندلا ... وشددت شدة باسل فكشفتهم ... بالحق اذ يهوون اخول اخولا ... وعللت سيفك بالدماء ولم تكن ... لترده حران حتى ينهلا ...
وشهد بيعة الرضوان وقد قال الله تعالى لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لن يدخل احد بايع تحت الشجرة النار وقد ثبت في الصحاح وغيرها ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم خيبر لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار يفتح الله على يديه فبات الناس يدوكون ايهم يعطاها حتى قال عمر ما احببت الامارة الا يومئذ فلما اصبح اعطاها عليا ففتح الله على يديه ورواه جماعة منهم مالك والحسن ويعقوب ابن عبدالرحمن وجرير بن عبدالحميد وحماد بن سلمة وعبدالعزيز بن المختار وخالد بن عبدالله ابن سهيل عن ابيه عن ابي هريره اخرجه مسلم ورواه ابن ابي حازم عن سهل بن سعد اخرجاه في الصحيحين وقال في حديثه فدعا به رسول الله وهو ارمد فبصق في عينه فبرأ ورواه اياس بن سلمة بن الاكوع عن ابيه ويزيد بن ابي عبيد عن مولاه سلمة ايضا وحديثه عنه في الصحيحين
وقال محمد بن اسحاق حدثنى بريدة عن سفيان عن ابي فروة الاسلمي عن ابيه عن سلمة بن عمرو ابن الاكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم الى ابي بكر الصديق برايته الى بعض حصون خيبر فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث عمر بن الخطاب فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار قال سلمة فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا وهو ارمد فتفل في عينيه ثم قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك قال سلمة فخرج والله بها يهرول هرولة وانا لخلفه نتبع اثره حتى ركز رايته في رجم من حجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي من راس الحصن فقال من انت قال علي بن ابي طالب قال اليهودي غلبتم ومن انزل التوراة على موسى قال فما رجع حتى فتح الله علي يديه وقد رواه عكرمة بن عمار عن عطاء مولى السائب عن سلمة بن الاكوع وفيه انه هو الذي جاء به يقوده وهو ارمد حتى بصق رسول الله في عينيه فبرأ (7/337)
رواية بريدة بن الحصيب وقال الامام احمد حدثنا زيد بن الحباب ثنا الحسين بن واقد حدثني عبدالله بن بريدة حدثني بريدة بن الحصيب قال حاصرنا خيبر فاخذ اللواء ابو بكر فانصرف ولم يفتح له ثم اخذه من الغد عمر فخرج فرجع ولم يفتح له واصاب الناس يومئذ شدة وجهد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم انى دافع اللواء غدا الى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له وبتنا طيبة انفسنا ان الفتح غدا قال فلما اصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الغداة ثم قام قائما فدعا ياللواء والناس على مصافهم فدعا عليا وهو ارمد فتفل في عينيه ودفع اليه اللواء ففتح له قال بريدة وانا فيمن تطاول لها ورواه النسائي من حديث الحسين بن واقد به اطول منه ثم رواه احمد عن محمد بن جعفر وروح كلاهما عن عوف عن ميمون ابي عبدالله الكردي عن عبدالله ابن بريدة عن ابيه به نحوه واخرجه النسائي عن بندار وغند ربه وفيه الشعر
رواية عبدالله بن عمر
ورواه هشيم عن العوام بن حوشب عن حبيب بن ابي ثابت عن ابن عمر فذكر سياق حديث بريدة ورواه كثير من النواء عن جميع بن عمير عن ابن عمر نحوه وفيه قال علي فما رمدت بعد يومئذ ورواه احمد بن وكيع عن هشام بن سعيد عن عمر بن اسيد عن ابن عمر كما سياتى
رواية ابن عباس
وقال ابو يعلي حدثنا يحيى بن عبدالحميد ثنا ابو عوانة عن ابي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاعطين الراية غدا رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فقال اين علي قالوا يطحن قال وما احد منهم يرضى ان يطحن فاتى به فدفع اليه الراية فجاء بصفية بنت حيي بن اخطب وهذا غريب من هذا الوجه وهو مختصر من حديث طويل ورواه الامام احمد بن يحيى بن حماد عن ابي عوانة عن ابي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس فذكره بتمامه فقال الامام احمد عن يحيى بن حماد حدثنا ابو عوانة حدثنا ابو بلج ثنا عمر بن ميمون قال إنى لجالس إلى عن ابن عباس إذا اتاه تسعة رهط فقالوا يا ابن عباس اما ان تقوم معنا واما ان تخلونا هؤلاء فقال بل أقوم معكم وهو يومئذ صحيح قبل ان يعمى قال ابتداوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا قال فجاء ينفض ثوبه ويقول اف وتف وقعوا في رجل له عشر وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه و سلم لابعثن رجلا لا يخزيه الله ابدا يحب الله ورسوله قال فاستشرف لها من استشرف قال اين علي قالوا في الرحا يطحن قال وما كان احدكم ليطحن قال فجاء وهو ارمد لا يكاد ان يبصر فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا فأعطاها اياه فجاء بصفية بنت حيي بن اخطب قال ثم بعث فلانا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها ثم قال لا يذهب بها الا رجل منى وانا منه قال وقال لبنى عمه ايكم يواليني في الدنيا والآخرة فابوا (7/338)
قال وعلى معه جالس فقال علي انا اواليك في الدنيا والآخرة قال فتركه ثم اقبل على رجال منهم فقال ايكم يواليني في الدنيا والآخرة فابوا فقال علي انا اواليك في الدنيا والآخرة فقال انت وليي في الدنيا والآخرة قال وكان اول من اسلم من الناس بعد خديجة قال واخذ رسول الله ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال إنما يريد الله لبيذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا قال وشرى على نفسه لبس ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نام مكانه قال وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء ابو بكر وعلي نائم وابو بكر يحسب انه نبي الله فقال يا نبي الله فقال له علي ان نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمونة فادركه قال فانطلق ابو بكر فدخل معه الغار قال وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يتضرر وقد لف راسه في الثوب لا يخرجه حتى اصبح ثم كشف عن راسه فقالوا انك لئيم كان صاحبك ترميه فلا يتضرر وانت تتضرر وقد استنكرنا ذلك قال وخرج يعنى رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فقال له على اخرج معك فقال له النبي صلى الله عليه و سلم لا فبكى على فقال اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا انك لست بنبي انه لا ينبغي ان اذهب الا وانت خليفتي قال وقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم انت ولي كل مؤمن بعدي قال وسد ابواب المسجد غير باب علي فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره قال وقال من كنت مولاه فان عليا مولاه قال واخبرنا الله في القرآن انه قد رضى عن اصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم فهل حدثنا انه سخط عليهم بعد قال وقال نبي الله صلى الله عليه و سلم لعمر حين قال ائذن لي ان اضرب عنق هذا المنافق يعنى حاطب بن ابي بلتعة قال وما يدريك لعل الله قد اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وقد روى الترمذي بعضه من طريق شعبة عن ابي بلج يحيى ابن ابي سليم واستغربه واخرج النسائي بعضه ايضا عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد به وقال البخاري في التاريخ حدثنا عمر بن عبدالوهاب الرماحي حدثنا معمر بن سليمان عن ابيه عن منصور عن ربعي عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لادفعن الراية الى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فبعث الى علي وهو ارمد فتفل في عينيه واعطاه الراية فما رد وجهه وما اشتكاهما علي بن هاشم عن محمد بن علي عن منصور عن ربعي عن عمران فذكره واخرجه النسائي بعد ورواه ابو القاسم البغوي عن إسحاق ابن إبراهيم عن أبي موسى الهروى عن عن عباس العنبري عن عمر بن عبدالوهاب به
رواية ابي سعيد في ذلك
قال الامام احمد حدثنا مصعب بن المقدام وحجين بن المثنى قالا ثنا اسرائيل حدثنا عبدالله بن عصمة قال سمعت ابا سعيد الخدري يقول ان رسول الله صلى الله عليه و سلم اخذ الراية فهزها ثم قال من يأخذها بحقها فجاء فلان فقال انا فقال امض ثم جاء رجل آخر فقال (7/339)
انا فقال امض ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم والذي اكرم وجه محمد لأعطينها رجلا لا يفر فجاء على فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما وقديدههما ورواه ابو يعلي عن حسين بن محمد عن اسرائيل وقال في سياقه فجاء الزبير فقال انا فقال امض ثم جاء آخر فقال امض وذكره تفرد به احمد
رواية علي بن ابي طالب في ذلك
وقال الامام احمد حدثنا وكيع عن ابن ابي ليلى عن المنهال عن عبدالرحمن بن ابي ليلى قال كان ابي يسير مع علي وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف فقيل له لو سألته فسأله فقال ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث الى وانا ارمد العين يوم خيبر فقلت يا رسول الله اني ارمد العين فتفل في عيني فقال اللهم اذهب عنه الحر والبرد فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ وقال لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار فتشرف لها اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فأعطانيها تفرد تفرد به احمد وقد رواه غير واحد عن محمد بن عبدالرحمن بن ابي ليلى عن ابيه عن علي به مطولا وقال ابو يعلي حدثنا زهير حدثنا جرير عن مغيرة عن ام موسى قالت سمعت عليا يقول ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله وجهى وتفل في عينى يوم خيبر واعطاني الراية
رواية سعد بن ابي وقاص في ذلك
وثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن سعد بن ابراهيم بن سعد بن ابي وقاص عن ابيه عن سعد بن ابي وقاص ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي قال احمد ومسلم والترمذي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم بن اسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر ابن سعد بن ابي وقاص عن ابيه قال له امر معاوية بن ابي سفيان سعدا فقال ما يمنعك ان تسب ابا تراب فقال اما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه و سلم لان تكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وخلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله اتخلفنى مع النساء والصبيان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولت لها قال ادعوا لي علي فاتى به ارمد فبصق في عينيه ودفع الرايةاليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الاية فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ثم قال اللهم هؤلاء اهلي وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سعيد بن المسيب عن سعد ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي انت منى بمنزلة هارون من موسى وقال الترمذي ويستغرب من رواية سعيد عن سعد وقال الامام احمد حدثنا احمد الزبيري حدثنا عبدالله بن حبيب بن ابي ثابت عن حمزة بن عبدالله عن ابيه يعنى عبدالله بن عمر عن سعد قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى تبوك خلف عليا فقال (7/340)
أتخلفني قال اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي وهذا اسناد جيد ولم يخرجوه وقال الحسن بن عرفة العبدي حدثنا محمد بن حازم ابو معاوية الضرير عن موسى بن مسلم الشيباني عن عبدالرحمن بن سابط عن سعد بن ابي وقاص قال قدم معاوية في بعض حجاته فاتاه سعد بن ابي وقاص فذكروا عليا فقال سعد له ثلاث خصال لان تكون لي واحدة منهن احب الى من الدنيا وما فيها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من كنت مولاه فعلي ومولاه وسمعته يقول لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وسمعته يقول انت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي لم يخرجوه واسناده حسن وقال ابو زرعة الدمشقي ثنا احمد بن خالد الذهبي ابو سعيد ثنا محمد بن اسحاق عن عبدالله بن ابي نجيح عن ابيه قال لما حج معاوية اخذ بيد سعد بن ابي وقاص فقال يا ابا اسحاق انا قوم قد اجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا ان ننسى بعض سننه فطف نطف بطوافك قال فلما فرغ ادخله دار الندوة فاجلسه معه على سريره ثم ذكر علي بن ابي طالب فوقع فيه فقال ادخلتني دارك واجلستني على سريرك ثم وقعت في على تشتمه والله لان يكون في احدى خلاله الثلاث احب الي من ان يكون لي ما طلعت عليه الشمس ولان يكون لي ما قال حين غزا تبوكا الا ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي احب الى مما طلعت عليه الشمس ولان يكون لي ما قال له يوم خيبر لآعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه الولد ماله أحب إلى من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس لا ادخل عليك دارا بعد ه ليس بفرار احب الي مما طلعت عليه الشمس ولأن أكون صهره على ابنته ولى منها من هذا اليوم ثم نفض رداءه ثم خرج وقال احمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن سعد بن ابي وقاص قال خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن ابي طالب فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان قال اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي اسناده على شرطهما ولم يخرجاه وهكذا رواه ابو عوانة عن الاعمش عن الحكم بن مصعب عن ابيه ورواه ابوداود الطيالسي عن شعبة عن عاصم عن مصعب عن ابيه فالله اعلم وقال احمد ثنا ابو سعيد مولى بنى هاشم ثنا سليمان بن بلال حدثنا الجعد بن عبدالرحمن الجعفي عن عائشة بنت سعد عن ابيها ىان عليا خرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جاء ثنية الوداع وعلي يبكي يقول تخلفني مع الخوالف فقال اوما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا النبوة وهذا اسناد صحيح ايضا ولم يخرجوه وقد رواه غير واحد عن عائشة بنت سعد عن ابيها قال الحافظ ابن عساكر وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وابن عباس وعبدالله (7/341)
ابن جعفر ومعاوية وجابر بن عبدالله وجابر بن سمرة وابو سعيد والبراء بن عازب وزيد بن ارقم وزيد بن ابي اوفى ونبيط بن شريط وحبشي بن جنادة ومالك بن الحويرث وانس بن مالك وابو الفضل وام سلمة واسماء بنت عميس وفاطمة بنت حمزة وقد تقصى الحافظ ابن عساكر هذه الاحاديث في ترجمة على في تاريخه فاجاد وافاد وبرز على النظراء والاشباه والانداد رحمه رب العباد يوم التناد
رواية عمر بن الخطاب رضى الله عنه في ذلك
قال ابو يعلي حدثنا عبدالله بن عمر ثنا عبدالله بن جعفر اخبرني سهل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريرة قال قال عمر لقد اعطى علي بن ابي طالب ثلاث خصال لان تكون لي خصلة منها احب الى من حمر النعم قيل وما هن يا امير المؤمنين قال تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بحل له فيه ما بحل له والراية يوم خيبر وقد روى عن عمر من غير وجه
رواية ابن عمر رضى الله عنهما
وقد رواه الامام احمد عن وكيع عن هشام بن سعد عن عمر بن اسيد عن ابن عمر قال كنا نقول في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم خير الناس ابو بكر ثم عمر ولقد اوتي ابن ابي طالب ثلاث لان اكون اعطيتهن احب الي من حمر النعم فذكر هذه الثلاث وقد روى احمد والترمذي من حديث عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي ورواه احمد احمد من حديث عطية عن ابي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال انت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدى ورواه الطبراني من طريق عبدالعزيز بن حكيم عن ابن عمر مرفوعا ورواه سلمة بن كهيل عن عامر بن سعد عن ابيه عن ام سلمة ان رسول الله قال لعلي اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي قال سلمة وسمعت مولى لبنى موهب يقول سمعت ابن عباس يقول قال النبي صلى الله عليه و سلم مثله
تزويجه فاطمة الزهراء رضى الله عنهما
قال سفيان الثوري عن ابن نجيح عن ابيه سمع رجل عليا على منبر الكوفة يقول اردت ان اخطب الى رسول الله ابنته ثم ذكرت ان لا شىء لي ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها فقال هل عندك شىء قلت لا قال فاين درعك الحطمية التى اعطيتك يوم كذا وكذا قلت عندي قال فاعطها فاعطيتها فزوجني فلما كان ليلة دخلت عليها قال لا تحدثا شيئا حتى آتيكما قال فاتانا وعلينا قطيفة او كساء فتحثثنا فقال مكانكما ثم دعا بقدح من ماء فدعا فيه ثم رشه على وعليها فقلت يا رسول الله انا احب اليك ام هي قال هي احب الى وانت اعز علي منها وقد روى النسائي من طريق عبدالكريم بن سليط عن ابن بريدة عن ابيه فذكره بابسط من هذا السياق وفيه أنه اولم عليها بكبش من عند سعد وآصع من الذرة من عند جماعة من الانصار وانه دعا لهما بعد ما صب عليهما الماء فقال اللهم بارك لهما في شملهما يعنى (7/342)
الجماع وقال محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن ابي كثير عن ابي سلمة عن ابي هريرة قال لما خطب علي فاطمة دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لها اي بنية ان ابن عمك عليا قد خطبك فماذا تقولين فبكت ثم قالت كانك يا ابت انما دخرتني لفقير قريش فقال والذي بعثني بالحق ما تكلمت فيه حتى اذن الله لي فيه من السموات فقالت فاطمة رضيت بما رضى الله ورسوله فخرج من عندها واجتمع المسلمون اليه ثم قال يا علي اخطب لنفسك فقال علي الحمد الله الذي لا يموت وهذا محمد رسول الله زوجنى ابنته على صداق مبلغه اربعمائة درهم فاسمعوا ما يقول واشهدوا قالوا ما تقول يا رسول الله قال اشهدكم اني قد زوجته رواه ابن عساكر وهو منكر وقد ورد في هذا الفصل احاديث كثيرة منكرة وموضوعة ضربنا عنها لئلا يطول الكتاب بها وقد اورد منها طرفا جيدا الحافظ ابن عساكر في تاريخه وقال وكيع عن ابي خالد عن الشعيي قال قال علي ما كان لنا الا اهاب كبش ننام على ناحيته وتعجن فاطمة على ناحيته وفي رواية مجالد عن الشعبي ونعلف عليه الناضح بالنهار وما لي خادم عليهاغيرها
حديث اخر
قال احمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن ميمون ابي عبدالله عن زيد بن ارقم قال كنا لنفر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ابواب شارعة في المسجد قال فقال يوما سدوا هذه الابواب الا باب علي قال فتكلم في ذلك اناس فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فاني امرت بسد هذه الابواب غير باب علي فقال فيه قائلكم وانى والله ما سددت شيئا الا فتحته ولكن امرت بشىء فاتبعته وقد رواه ابو الاشهب عن عوف عن ميمون عن البراء بن عازب فذكره وقد تقدم ما رواه احمد والنسائي من حديث ابي عوانة عن ابي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس الحديث الطويل وفيه سد أبو يعلى ثنا موسى بن محمد بن حسان ثنا محمد بن إسماعيل بن جعفر الطحان ثنا الابواب غير باب علي وكذا رواه شعبة عن أبي بلج ورواه سعد بن أبي وقاص قال غسان بن بسر الكاهلي عن مسلم عن خثيمة عن سعد ان رسول الله صلى الله عليه و سلم سد ابواب المسجد وفتح باب علي فقال الناس في ذلك فقال ما انا فتحته ولكن الله فتحه وهذا لا ينافي ما ثبت في صحيح البخاري من امره عليه السلام في مرض الموت بسد الابواب الشارعة الى المسجد الا باب ابي بكر الصديق لان نفي هذا في حق على كان في حال حياته لاحتياج فاطمة الى المرور من بيتها الى بيت ابيها فجعل هذا رفقا بها واما بعد وفاته فزالت هذه العلة فاحتيج الى فتح باب الصديق لاجل خروجه الى المسجد ليصلي بالناس اذ كان الخليفة عليهم بعد موته عليه السلام وفيه اشارة الى خلافته وقال الترمذي ثنا علي بن المنذر حدثنا ابن فضيل عن سالم بن ابي حفصة عن عطية عن ابي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي يا علي لا يحل لأحد يجنب في المسجد غيري وغيرك قال علي بن (7/343)
المنذر قلت لضرار بن صرد ما معنى هذا الحديث قال لا يحل لاحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك ثم قال الترمذي وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه وقد سمع محمد ابن اسماعيل هذا الحديث وقد رواه ابن عساكر من طريق كثير النواء عن عطية عن ابي سعيد به ثم اورده من طريق ابي نعيم حدثنا عبدالملك بن ابي عيينة عن ابي الخطاب عمر الهروي عن محدوج عن جسرة بنت دجاجة اخبرتني ام سلمة قالت خرج النبي صلى الله عليه و سلم في مرضه حتى انتهى الى صرحة المسجد فنادى بأعلى صوته انه لا يحل لجنب او لحائض الا لمحمد وازواجه وعلي وفاطمة بنت محمد الاهل بينت لكم الاسماء ان تضلوا وهذا اسناد غريب وفيه ضعف ثم ساقه من حديث ابي رافع بنحوه وفي اسناده غرابة ايضا
حديث اخر
قال الحاكم وغير واحد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة بن الحصيب قال غزوت مع علي الى اليمن فرايت منه جفوة فقدمت على الله صلى الله عليه و سلم فذكرت عليا فتنقصته فرايت وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم يتغير فقال يا بريدة الست اولى بالمؤمنين من انفسهم فقلت بلى يا رسول الله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه وقال الامام احمد حدثنا ابن نمير ثنا الاجلح الكندي عن عبدالله بن بريدة عن ابيه بريدة قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثتين الى اليمن على احداهما علي بن ابي طالب وعلى الاخرى خالد بن الوليد وقال اذا التقيتما فعلى على الناس واذا افترقتما فكل واحد منكما على جنده قال فلقينا بنى زيد من اهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى على امرأة من السبي لنفسه قال بريدة فكتب معى خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبره بذلك فلما اتيت رسول الله دفعت إليه الكتاب فقرىء عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وامرتني ان اطيعه فبلغت ما ارسلت به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقع في علي فانه منى وانا منه وهو وليكم بعدي هذه الفظة منكرة والاجلح شيعي ومثله لا يقبل اذا تفرد بمثلها وقد تابعه فيها من هو اضعف منه والله اعلم والمحفوظ في هذا رواية احمد عن وكيع عن الاعمش عن سعد بن عبيدة عن عبدالله بن بريدة عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كنت عن أبي كريب عن أبي معاوية به وقال أحمد حدثنا روح بن علي ابن سويد بن منجوف مولاه فعلي وليه ورواه احمد أيضا والحسن بن عرفة عن الأعمش به ورواه النسائي ع عن عبدالله بن بريدة عن ابيه قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا الى خالد بن الوليد ليقبض الخمس قال فاصبح وراسه تقطر فقال خالد لبريدة الا ترى ما يصنع هذا قال فلما رجعت الى رسول الله اخبرته ما صنع علي قال وكنت ابغض عليا فقال يا بريدة اتبغض عليا فقلت نعم قال لا تبغضه واحبه فان له في الخمس اكثر من ذلك وقد رواه البخاري في (7/344)
الصحيح عن بندار عن روح به مطولا وقال احمد حدثنا يحيى بن سعيد ثنا عبدالجليل قال انتهيت الى الحلقة فيها ابو مجلز وابنا بريدة وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا فبعث ذلك الرجل على فقال عبدالله بن بريدة حدثنى ابي بريدة قال أبغضت عليا لم أبغضه أحدا قال خيل قال فصحبته ما اصحبه الا على بغضه عليا فاصبنا سبيا فكتبنا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ان ابعث الينا من يخمسه فبعث الينا عليا قال وفي السبي وصيفة هي من افضل السبي فخمس وقسم فخرج وراسه يقطر فقلنا يا ابا الحسن ما هذا قال الم ترو الى الوصيفة التى كانت في السبي فاني قسمت وخمست فصارت في الخمس ثم صارت في اهل بيت النبي صلى الله عليه و سلم ثم صارت في آل علي فوقعت بها قال وكتب الرجل الى نبي الله صلى الله عليه و سلم فقلت ابعثنى فبعثني مصدقا قال فجعلت اقرأ الكتاب واقول صدق قال فامسك النبي صلى الله عليه و سلم بيدي والكتاب قال اتبغض عليا قال قلت نعم قال فلا تبغضه وان كنت تحبه فازدد له حبا فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس افضل من وصيفة قال فما كان من الناس احد بعد قول رسول الله صلى الله عليه و سلم احب الى من علي قال عبدالله فوالذي لا اله غيره ما بينى وبين النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث غير ابي بريدة وتفرد به احمد وقد روى غير واحد هذا الحديث عن ابي الجواب عن يونس بن ابي اسحاق عن ابيه عن البراء بن عازب نحو رواية بريدة بن الحصيب وهذا غريب وقد رواه الترمذي عن عبدالله بن ابي زياد عن ابي الجواب الاحوص بن جواب به وقال حسن غريب لا نعرفه الا من حديثه وقال الامام احمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا جعفر بن سليمان حدثني يزيد الرشك عن مطرف بن عبدالله عن عمران بن حصين قال بعث رسول الله سرية وامر عليها علي بن ابي طالب فاحدث شيئا في سفره فتعاقد اربعة من اصحاب محمد ان يذكروا امره الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عمران وكنا إذا قدمنا من سفر بدانا برسول الله فسلمنا عليه قال فدخلوا عليه فقام رجل منهم فقال يا رسول الله ان عليا فعل كذا وكذا فاعرض عنه ثم قام الثاني فقال يا رسول الله ان عليا فعل كذا وكذا فاعرض عنه ثم قام الثالث فقال يا رسول الله ان عليا فعل كذا وكذا ثم قام الرابع فقال يا رسول الله ان عليا فعل كذا وكذا قال فاقبل رسول الله على الرابع وقد تغير وجهه وقال دعوا عليا دعوا عليا دعوا عليا ان عليا منى وانا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي وقد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن جعفر بن سليمان وسياق الترمذي مطول وفيه انه اصاب جارية من السبي ثم قال حسن غريب لا نعرفه الا من حديث جعفر بن سليمان ورواه ابو يعلي الموصلي عن عبدالله بن عمر القواريري والحسن بن عمر بن شقيق الحرمي والمعلى بن مهدي كلهم عن جعفر بن سليمان به وقال خيثمة بن سليمان حدثنا احمد بن حازم اخبرنا عبيدالله بن موسى بن يوسف بن صهيب عن دكين (7/345)
عن وهب بن حمزة قال سافرت مع علي بن ابي طالب من المدينة الى مكة فرايت منه جفوة فقلت لئن رجعت فلقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم لانالن منه قال فرجعت فلقيت رسول الله فذكرت عليا فنلت منه فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقولن هذا لعلي فان عليا وليكم بعدي وقال ابو داود الطيالسي عن شعبة عن ابي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي انت ولي كل مؤمن بعدي وقال الامام احمد حدثنا يعقوب بن ابراهيم حدثنا ابي عن ابي اسحاق حدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب وكانت عند ابي سعيد الخدري عن ابي سعيد قالت اشتكى عليا الناس فقام رسول الله فينا خطيبا فسمعته يقول ايها الناس لا تشكوا عليا فوالله انه لأجيش في ذات الله او في سبيل الله تفرد به احمد وقال الحافظ البيهقي اخبرنا ابو الحسين بن الفضل القطان أنا ابو سهل بن زياد القطان ثنا ابو اسحاق القاضي ثنا اسماعيل بن ابي ادريس حدثني اخي عن سليمان بن بلال عن سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة عن ابي سعيد قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن ابي طالب الى اليمن قال ابو سعيد فكنت فيمن خرج معه فلما احضر ابل الصدقة سالناه ان نركب منها ونريح ابلنا وكنا قد راينا في ابلنا خللا فأبى علينا وقال انما لكم منها سهم كما للمسلمين قال فلما فرغ علي وانصرف من اليمن راجعا امر علينا انسانا فاسرع هو فادرك الحج فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه و سلم ارجع الى اصحابك حتى تقدم عليهم قال ابو سعيد وقد كنا سالنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا اياه ففعل فلما جاء على عرف في ابل الصدقة انها قد ركبت وغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأذكرن لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولأخبرته ما لقينا من الغلظة راى اثر المراكب فذم الذى امره ولامه فقلت اما إن الله على إن قدمت المدينة والتضييق قال فلما قدمنا المدينة غدوت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم اريد ان اذكر له ما كنت حلفت عليه فلقيت ابا بكر خارجا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآني وقف معي ورحب بي وساءلني وساءلته وقال متى قدمت قلت قدمت البارحة فرجع معي الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال هذا سعد بن مالك بن الشهيد قال ائذن له فدخلت فحييت رسول الله صلى الله عليه و سلم وحياني وسلمت عليه وسالني عن نفسي وعن اهلي فأخفى المسألة فقلت يا رسول الله لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق فابتدر رسول الله وجعلت انا اعدد ما لقينا منه حتى اذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم على فخذي وكنت منه قريبا وقال سعد بن مالك بن الشهيد مه بعض قولك لأخيك علي فوالله لقد علمت انه جيش في سبيل الله قال فقلت في نفسي ثكلتك امك سعد بن مالك الا اراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما ادري لا جرم والله لا اذكره (7/346)
بسوء ابدا سرا ولا علانية وقال يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني ابان بن صالح عن عبدالله بن دينار الأسلمي عن خاله عمرو بن شاش الاسلمي وكان من اصحاب الحديبية قال كنت مع علي في خيله التي بعثه فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن فجفاني على بعض الجفاء فوجدت عليه في نفسي فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيته فاقبلت يوما ورسول الله جالس في المسجد فلما رآني انظر الى عينيه نظر الى حتى جلست اليه فلما جلست اليه قال اما انه والله يا عمرو لقد آذيتني فقلت انا لله وانا اليه راجعون اعوذ بالله والاسلام ان اوذي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من آذى عليا فقد آذاني وقد رواه احمد عن يعقوب عن ابيه ابراهيم بن سعد عن محمد بن اسحاق عن ابان بن صالح عن الفضل بن معقل عن عبدالله بن دينار عن خاله عمرو بن شاش فذكره وكذا رواه غير واحد عن محمد بن اسحاق عن ابان بن الفضل وكذلك رواه سيف بن عمر عن عبدالله بن سعيد عن ابان بن صالح به ولفظه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من آذى مسلما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله وروى عباد بن يعقوب الرواجني عن موسى بن عمير عن عقيل بن نجدة بن هبيرة عن عمرو بن شاش قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عمرو وان من آذى عليا فقد آذاني وقال ابو يعلي ثنا محمود بن خداش ثنا مروان بن معاوية ثنا فنان بن عبدالله النهمي ثنا مصعب بن سعد بن ابي وقاص عن ابيه قال كنت جالسا في المسجد انا ورجلان معي فنلنا من علي فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي وجهه الغضب فتعوذت بالله من غضبه فقال مالكم ومالي من آذى عليا فقد آذاني
حديث غدير خم
قال الامام احمد حدثنا حسين بن محمد وابو نعيم المعنى قالا ثنا فطر عن ابي الطفيل قال جمع على الناس في الرحبة ثم قال لهم انشد الله كل امرىء مسلم سمع رسول الله يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام كثير من الناس قال ابو نعيم فقام ناس كثير فشهدوا حين اخذ بيده فقال للناس اتعلمون اني اولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فخرجت كأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن ارقم فقلت له اني سمعت عليا يقول كذا وكذا قال فما تنكر وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ذلك له ورواه النسائي من حديث حبيب بن ابي ثابت عن ابي الطفيل عنه اتم من ذلك وقال ابو بكر الشافعي ثنا محمد بن سليمان بن الحارث حدثنا عبيد الله ابن موسى ثنا ابو إسرائيل الملائي عن الحكم عن ابي سليمان المؤذن عن زيد بن ارقم ان عليا انتشد الناس من سمع رسول الله يقول من كنت مولاه فعلي مولاه الهم وال من والاه وعاد من عاداه فقام ستة عشر رجلا فشهدوا بذلك وكنت فيهم وقال ابو يعلي وعبدالله بن احمد في مسند ابيه حدثنا القواريري ثنا يونس بن ارقم ثنا يزيد بن ابي زياد عن عبدالرحمن بن ابي ليلى قال (7/347)
شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس انشد بالله من سمع رسول الله يقول يوم غديرخم من كنت مولاه فعلى مولاه لما قام فشهد قال عبدالرحمن فقام اثنا عشر بدريا كأني انظر الى احدهم عليه سراويل فقالوا نشهد انا سمعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم غديرخم ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجي امهاتهم قلنا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثم رواه عبدالله بن احمد عن احمد بن عمر الوكيعي عن زيد بن الحباب عن الوليد بن عقبة بن نيار عن سماك بن عبيد بن الوليد العبسى عن عبدالرحمن بن ابي ليلى فذكره قال فقام اثنا عشر رجلا فقالوا قد رايناه وسمعناه حين اخذ بيدك يقول اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وهكذا رواه ابو داود الطهوي واسمه عيسى ابن مسلم عن عمرو بن عبدالله بن هند الجملي وعبدالاعلى بن عامر التغلبي كلاهما عن عبدالرحمن ابن ابي ليلى فذكره بنحوه قال الدار قطني غريب تفرد به عنهما ابو داود الطهوي وقال الطبراني ثنا احمد بن ابراهيم بن عبدالله بن كيسان المديني سنة تسعين ومائتين حدثنا اسماعيل بن عمرو البجلي ثنا مسعر عن طلحة بن مصرف عن عميرة بن سعد قال شهدت عليا على المنبر يناشد اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من سمع رسول الله يوم غديرخم يقول ما قال فقام اثنا عشر رجلا منهم ابو هريرة وابو سعيد وانس بن مالك فشهدوا انهم سمعوا رسول الله يقول من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ورواه ابو العباس بن عقدة الحافظي الشيعي عن الحسن بن علي بن عفان العامري عن عبدالله بن موسى عن قطن عن عمرو بن مرة وسعيد بن وهب وعن زيد بن نتيع قالوا سمعنا عليا يقول في الرحبة فذكر نحوه فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا ان رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واحب من احبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله قال ابو اسحاق حين فرغ من هذا الحديث يا ابا بكر اي اشياخ هم وكذلك رواه عبدالله بن احمد عن علي بن حكيم الاودي عن اسرائيل عن ابي اسحاق فذكر نحوه وقال عبد الرزاق عن ابي اسحاق عن سعيد بن وهب وعبد خير قالا سمعنا عليا برحبة الكوفة يقول انشد الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فقام عدة من اصحاب رسول الله فشهدوا انهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول على الناس فقام خمسة أو ستة من أصحاب رسول الله فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وقال أحمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت سعيد بن وهب قال نشد من كنت مولاه فعلى مولاه وقال أحمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حسين بن الحرث بن لقيط الاشجعي عن رباح بن الحرث قال جاء رهط الى علي بالرحبة فقالوا الشلام عليكم ياا مولانا فقال كيف اكون مولاكم (7/348)
وانتم قوم عرب قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غديرخم يقول من كنت مولاه فإن هذا على مولاه قال رباح فلما مضوا اتبعتهم فسالت من هؤلاء قالوا نفر من الانصار فيهم ابو أيوب الانصاري وقال ابو بكر بن ابي شيبة حدثنا شريك عن حنش عن رباح بن الحرث قال بينا نحن جلوس في الرحبة مع علي اذ جاء رجل عليه اثر السفر فقال السلام عليك يا مولاي قالوا من هذا فقال ابو ايوب سمعت رسول الله يقول من كنت مولاه فعلي مولاه وقال احمد حدثنا محمد بن عبدالله ثنا الربيع يعني ابن ابي صالح الاسلمي حدثني زياد بن ابي زياد الاسلمي سمعت علي بن ابي طالب ينشد الناس فقال انشد الله رجلا مسلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم غديرخم ما قال فقام اثنا عشر رجلا بدريا فشهدوا وقال احمد حدثنا ابن نمير ثنا عبدالملك عن ابي عبدالرحمن الكندي عن زاذان ان ابن عمر قال سمعت عليا في الرحبة وهو ينشد الناس من شهد رسول الله يوم غديرخم وهو يقول ما قال فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا انهم سمعوا رسول الله يقول من كنت مولاه فعلي مولاه وقال احمد ثنا الحجاج بن الشاعر ثنا شبابة ثنا نعيم بن حكيم حدثني ابو مريم ورجل من جلساء علي عن علي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم غديرخم من كنت مولاه فعلي مولاه قال فزاد الناس بعد اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وقد روى هذا من طرق متعددة عن علي رضى الله عنه وله طرق متعددة عن زيد بن ارقم وقال غندر عن شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت ابا الطفيل يحدث عن ابي مريم او زيد بن ارقم شعبة الشاك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كنت مولاه فعلي مولاه قال سعيد بن جبير وانا قد سمعته قبل هذا من ابن عباس رواه الترمذي عن بندار عن غندر وقال حسن غريب وقال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا ابو عوانة عن المغيرة عن ابي عبيد عن ميمون بن ابي عبدالله قال قال زيد بن ارقم وانا اسمع نزلنا مع رسول الله بواد يقال له وادخم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير قال فخطبنا وظلل لرسول الله صلى الله عليه و سلم بثوب على شجرة سمر من الشمس فقال الستم تعلمون او لستم تشهدون انى اولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه اللهم عاد من عاداه ووال من والاه وكذا رواه احمد عن غندر عن شعبة عن ميمون بن ابي عبدالله عن زيد بن ارقم وقد رواه عن زيد بن ارقم ابن واثلة وقد رواه معروف بن حر بوذ عن ابي الطفيل عن حذيفة بن اسيد قال لما قفل رسول الله من حجة الوداع نهى اصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات ان ينزلوا حولهن ثم بعث اليهن فصلى تحتهن ثم قام فقال ايها الناس قد نبأني اللطيف الخبير انه لم يعمر نبي الا مثل نصف عمر الذي قبله وانى لاظن ان يوشك ان ادعى فأجيب وانى مسئول وانتم مسؤلون فماذا انتم قائلون (7/349)
قالوا نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك اللة خيرا قال ألستم تشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وان جنته حق وان ناره حق وان الموت حق وان الساعة اتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور قالوا بلى نشهد بذلك قال اللهم اشهد ثم قان يا ايها الناس ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين وانا اولى بهم من انفسهم من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثم قال ايها الناس اني فرطكم وانكم واردون على الحوض حوض اعرض مما بين بصرى وصنعاء فيه آنية عدد النجوم قدحان من فضه وإنى سائلكم حين تردون على عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الاكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترني اهل بيتي فانه قد نبأني اللطبيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض رواه ابن عساكر بطوله من طريق معروف كما ذكرنا وقال عبد الرزاق انا معمر عن على بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله حتى نزلنا غديرخم بعث مناديا ينادي فلما اجتمعنا قال الست اولى بكم من انفسكم قلنا بلى يارسول الله قال الست اولى يا رسول الله قال ألست ألست ألست قلنا بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلى بكم من امهاتكم قلنا بلى يا رسول الله قال ألست أولى بكم من آبائكم قلنا بلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقال عمر بن الخطاب هنيئا لك يا ابن ابي طالب اصبحت اليوم ولي كل مؤمن وكذا رواه ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد وابي هارون العبدي عن عدي بن ثابت عن البراء به وهكذا رواه موسى بن عثمان الحضرمي عن ابي اسحاق عن البراء به وقد روى هذا الحديث عن سعد وطلحة بن عبيد الله وجابر بن عبدالله وله طرق عنه وابي سعيد الخدري وحبشي بن جنادة وجرير بن عبدالله وعمر بن الخطاب وابي هريرة ثنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران أنا علي بن عمر الحافظ انا ابو نصر وله عنه طرق منها وهى اغربها الطريق الذي قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي حبشون بن موسى بن ايوب الخلال ثنا علي بن سعيد الرملي حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر ابن حوشب عن ابي هريرة قال من صام يوم ثماني عشرة ذى الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غديرخم لما اخذ النبي صلى الله عليه و سلم بيد علي بن ابي طالب فقال الست ولي المؤمنين قالوا بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا ابن ابي طالب اصبحت مولاي ومولى كل مسلم فأنزل الله عز و جل اليوم اكملت لكم دينكم ومن صام يوم سبعة ( 1 ) وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهرا وهو اول يوم نزل جبريل في الرسالة قال (7/350)
الخطيب اشتهر هذا الحديث برواية حبشون وكان يقال انه تفرد به وقد تابعه عليه احمد بن عبيد الله بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النبري عن علي بن سعيد الشامي قلت وفيه نكارة من وجوه منها قوله نزل فيه اليوم اكملت لك دينكم وقد ورد مثله من طريق ابن هارون العبدي عن ابي سعيد الخدري ولا يصح ايضا وانما نزل يوم عرفة كما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب وقد تقدم وقد روى عن جماعة من الصحابة غير من ذكرنا في قوله عليه السلام من كنت مولاه والاسانيد اليهم ضعيفة
حديث الطير
وهذا الحديث قد صنف الناس فيه وله طرق متعددة وفي كل منها نظر ونحن نشير الى شىء من ذلك قال الترمذي حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا عبدالله بن موسى عن عيسى بن عمر عن السري عن انس قال كان عند النبي صلى الله عليه و سلم طير فقال اللهم ائتني باحب خلقك اليك ياكل معى من هذا الطير فجاء علي فأكل معه ثم قال الترمذي غريب لا نعرفه من حديث السري الا من هذا الوجه قال وقد روى من غير وجه عن انس وقد رواه ابو يعلى عن الحسين بن حماد عن شهر بن عبدالملك عن عيسى بن عمر به وقال ابو يعلي ثنا قطن بن بشير ثنا جعفر بن سليمان الضبعي ثنا عبدالله بن مثنى ثنا عبدالله بن انس عن انس بن مالك قال اهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم حجل مشوي يخبزه وضيافة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم ائتني بأحب خلقك اليك ياكل معى من هذا الطعام فقالت عائشة اللهم اجعله ابي وقالت حفصة اللهم اجعله ابي وقال انس وقلت اللهم اجعله سعد بن عبادة قال انس فسمعت حركة بالباب فقلت ان رسول الله صلى الله عليه و سلم على حاجة فانصرف فانصرف ثم سمعت حركة بالباب فسلم علي فسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم سمعت حركة بالباب فخرجت فإذا على بالباب فقلت إن رسول الله صلى الله عليه و سلم على حاجة صوته فقال انظر من هذا فخرجت فإذا هو علي فجئت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته فقال ائذن له يدخل علي فأذنت له فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم وال من والاه والى ورواه الحاكم في مستدركه عن ابي على الحافظ عن محمد بن احمد الصفار وحميد بن يونس الزيات كلاهما عن محمد بن احمد بن عياض عن ابي غسان احمد بن عياض عن ابي ظبية عن يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن انس فذكره وهذا اسناد غريب ثم قال الحاكم هذا الحديث على شرط البخاري ومسلم وهذا فيه نظر فان أبا علائة محمد بن احمد بن عياض هذا غير معروف لكن روى هذا الحديث عنه جماعة عن ابيه وممن رواه عنه ابو القاسم الطبراني ثم قال تفرد به عن ابيه والله اعلم قال الحاكم وقد رواه عن انس اكثر من ثلاثين نفسا قال شيخنا الحافظ الكبير ابو عبدالله الذهبي فصلهم بثقة يصح الاسناد اليه ثم قال الحاكم وصحت الرواية عن علي وابي سعيد وسفينة قال شيخنا ابو عبدالله لا والله ما صح (7/351)
شىء من ذلك ورواه الحاكم من طريق ابراهيم بن ثابت القصار وهو مجهول عن ثابت البناني عن انس قال دخل محمد بن الحجاج فجعل يسب عليا فقال انس اسكت عن سب علي فذكر الحديث مطولا وهو منكر سندا ومتنا لم يورد الحاكم في مستدركه غير هذين الحديثين وقد رواه ابن ابي حاتم عن عمار بن خالد الواسطي عن اسحاق الأزرق عن عبدالملك بن ابي سليمان عن انس وهذا اجود من اسناد الحاكم ورواه عبدالله بن زياد ابو العلاء عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن انس بن مالك فقال اهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم طير مشوى فقال اللهم ائتني باحب خلقك اليك ياكل معي من هذا الطير فذكره نحوه ورواه محمد بن مصفى عن حفص بن عمر عن موسى ابن سعد عن الحسن عن انس فذكره ورواه علي بن الحسن الشامي عن خليل بن دعلج عن قتادة عن انس بنحوه ورواه احمد بن يزيد الورتنيس عن زهير عن عثمان الطويل عن انس فذكره ورواه عبيد الله بن موسى عن مسكين بن عبدالعزيز عن ميمون ابي خلف حدثني انس بن مالك فذكره قال الدارقطني من حديث ميمون ابي خلف تفرد به مسكين بن عبدالعزيز ورواه الحجاج بن يوسف بن قتيبة عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن انس ورواه ابن يعقوب اسحاق بن الفيض ثنا المضاء بن الجارود عن عبدالعزيز بن زياد ان الحجاج بن يوسف دعا انس بن مالك من البصرة فسأله عن علي بن ابي طالب فقال اهدى للنبي صلى الله عليه و سلم طائر فأمر به فطبخ وصنع فقال اللهم ائتني باحب الخلق الى يأكل معي فذكره وقال الخطيب البغدادي انا الحسن بن ابي بكير أنا ابو بكر محمد بن العباس بن نجيح حدثنا محمد بن القاسم النحوي ابو عبد الله ثنا ابو عاصم عن ابي الهندي عن انس فذكره ورواه الحاكم بن محمد عن محمد بن سليم عن انس بن مالك فذكره وقال ابو يعلي حدثنا الحسن بن حماد الوراق ثنا مسهر بن عبدالملك ابن سلع ثقة ثنا عيسى بن عمر عن اسماعيل السدي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان عنده طائر فقال اللهم ائتني باحب خلقك اليك يأكل معى من هذا الطير فجاء ابو بكر فرده ثم جاء عمر فرده ثم جاء عثمان فرده ثم جاء علي فأذن له وقال ابو القاسم بن عقدة ثنا محمد بن احمد بن الحسن ثنا يوسف بن عدي ثنا حماد بن المختار لكوفي ثنا عبدالملك بن عمير عن انس بن مالك قال اهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم طائر فوضع بين يديه فقال اللهم ائتني بأحب خلقك اليك يأكل معى قال فجاء على فدق الباب فقلت من ذا فقال انا علي فقلت ان رسول الله على حاجة حتى فعل ذلك ثلاثا فجاء الرابعة فضرب الباب برجله فدخل فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما حبسك فقال جئت ثلاث مرات فيحبسني انس فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما حملك على ذلك قال قلت كنت احب ان يكون رجلا من قومي وقد رواه الحاكم النيسابوري عن عبدان بن يزيد عن يعقوب الدقاق عن ابراهيم بن الحسن (7/352)
الشامي عن ابي توبة الربيع بن نافع عن حسين بن سليمان بن عبدالملك بن عمير عن انس فذكره ثم قال الحاكم لم نكتبه الا بهذا الاسناد وساقه ابن عساكر من حديث الحرث بن نبهان عن اسماعيل رجل من أهل الكوفة عن انس بن مالك فذكره ومن حديث حفص بن عمر المهرقاني عن الحكم بن شبير بن اسماعيل ابي سليمان اخي اسحاق بن سليمان الرازي عن عبدالملك بن ابي سليمان عن أنس فذكره ومن حديث سليمان بن قرم عن محمد بن علي السلمي عن ابي حذيفة العقيلي عن انس فذكره وقال ابو يعلي ثنا ابو هشام ثنا ابن فضيل ثنا مسلم الملائي عن انس قال اهدت ام ايمن الى رسول الله صلى الله عليه و سلم طيرا مشويا فقال اللهم ائتني بمن تحبه يأكل معى من هذا الطير قال فجاء انس فجاء علي فاستاذن فقلت هو علي حاجته فرجع ثم عاد فاستأذن فقلت هو على حاجته فرجع ثم عاد فاستأذن فسمع النبي صلى الله عليه و سلم صوته فقال ائذن له فدخل وهو موضوع بين يديه فاكل منه وحمد الله فهذه طرق متعددة عن انس بن مالك وكل منها فيه ضعف ومقال وقال شيخنا ابو عبدالله الذهبي في جزء جمعه في هذا الحديث بعد ما اورد طرقا متعددة نحوا ما ذكرنا ويروى هذا الحديث من وجوه باطلة او مظلمة عن حجاج بن يوسف وابي عاصم خالد بن عبيد ودينار ابي كيسان وزياد بن محمد الثقفي وزياد العبسي وزياد بن المنذر وسعد بن ميسرة البكري وسليمان التيمي وسليمان بن علي الامير وسلمة بن وردان وصباح بن محارب وطلحة بن مصرف وابي الزناد وعبدالاعلى بن عامر وعمر بن راشد وعمر بن ابي حفص الثقفي الضرير وعمر بن سليم البجلي وعمر بن يحيى الثقفي وعثمان الطويل وعلي بن ابي رافع وعيسى بن طهمان وعطية العوفى وعباد بن عبدالصمد وعمار الذهبي وعباس بن علي وفضيل بن غزوان وقاسم بن جندب وكلثوم بن جر ومحمد ابن علي الباقر والزهري ومحمد بن عمرو بن علقمة ومحمد بن مالك الثقفي ومحمد بن جحادة وميمون بن مهران وموسى الطويل وميمون بن جابر السلمي ومنصور بن عبد الحميد ومعلى بن انس وميمون ابي خلف الجراف وقيل ابو خالد ومطر بن خالد ومعاوية بن عبدالله بن جعفر وموسى بن عبدالله الجهني ونافع مولى ابن عمر والنضر بن انس بن مالك ويوسف بن ابراهيم ويونس بن حيان ويزيد بن سفيان ويزيد بن أبي حبيب وابي المليح وابي الحكم وابي داود السبيعي وابي حمزة الواسطي وابي حذيفة العقيلي وابراهيم بن هدبة ثم قال بعد ان ذكر الجميع الجميع بضعة وتسعون نفسا اقربها غرائب ضعيفة واردؤها طرق مختلفة مفتعلة وغالبها طرق واهية وقد روى من حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ابو القاسم البغوي وابو يعلى الموصلي قالا حدثنا القواريري ثنا يونس بن ارقم ثنا مطير ابن ابي خالد عن ثابت البجلي عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اهدت امرأة من الانصار طائرين بين رغيفين ولم يكن في البيت غيري وغير انس فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا بغذائه فقلت (7/353)
يا رسول الله قد اهدت لك امرأة من الانصار هدية فقدمت الطائرين اليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم ائتني باحب خلقك اليك والى رسولك فجاء علي بن ابي طالب فضرب الباب خفيا فقلت من هذا قال ابو الحسن ثم ضرب الباب ورفع صوته فقال رسول الله من هذا قلت علي بن ابي طالب قال افتح له ففتحت له فأكل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من الطيرين حتى فنيا وروى عن ابن عباس فقال ابو محمد يحيى بن محمد بن صاعد ثنا ابراهيم بن سعيد الجوهري ثنا حسين بن محمد ثنا سليمان بن قرم عن محمد بن شعيب عن داود بن عبدالله بن عباس عن ابيه عن جده ابن عباس قال ان النبي صلى الله عليه و سلم اتى بطائر فقال اللهم ائتني برجل يحبه الله ورسوله فجاء علي فقال اللهم والى وروى عن علي نفسه فقال عباد بن يعقوب ثنا عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي حدثنى ابي عن ابيه عن جده عن علي قال اهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم طير يقال له الحباري فوضعت بين يديه وكان انس بن مالك يحجبه فرفع النبي صلى الله عليه و سلم يده الى الله ثم قال اللهم ائتني بأحب خلقك اليك يأكل معى هذا الطير قال فجاء علي فاستأذن فقال له انس ان رسول الله يعنى على حاجته فرجع ثم اعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم الدعاء فرجع ثم دعا الثالثة فجاء علي فادخله فلما رآه رسول الله قال اللهم والى فاكل معه فلما اكل رسول الله وخرج علي قال انس سمعت عليا فقلت يا ابا الحسن استغفر لي فان لي اليك ذنب وإن عندي بشارة فأخبرته بما كان من النبي صلى الله عليه و سلم فحمد الله واستغفر لي ورضى عنى اذهب ذنبي عنده بشارتي اياه ومن حديث جابر بن عبدالله الانصاري اورده ابن عساكر من طريق عبدالله بن صالح كاتب الليث عن ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر عن جابر فذكره بطوله وقد روى ايضا من حديث ابي سعيد الخدري وصححه الحاكم ولكن اسناده مظلم وفيه ضعفاء وروى من حديث حبشي بن جنادة ولا يصح ايضا ومن حديث يعلي بن مرة والاسناد اليه مظلم ومن حديث ابي رافع نحوه وليس بصحيح وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة منهم ابو بكر بن مردويه والحافظ ابو طاهر محمد بن احمد بن حمدان فيما رواه شيخنا ابو عبد الله الذهبي ورايت فيه مجلدا في جمع طرقه والفاظه لابي جعفر بن جرير الطبري المفسر صاحب التاريخ ثم وقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه سندا ومتنا للقاضى ابي بكر الباقلاني المتكلم وبالجملة ففي القلب من صحة الحديث هذا نظر وان كثرت طرقه والله اعلم
حديث اخر في فضل علي
قال ابو بكر الشافعي ثنا بشر بن موسى الاسدي ثنا زكريا بن عدي ثنا عبدالله بن عمرو عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبدالله قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى امرأة من الانصار في نخل لها يقال له الاسراف ففرشت لرسول الله صلى الله عليه و سلم تحت صور لها مرشوش فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الآن يأتيكم رجل من اهل الجنة فجاءه (7/354)
ابو بكر ثم قال الآن يأتيكم رجل من اهل الجنة فجاء عمر ثم قال الآن ياتيكم رجل من اهل الجنة قال فلقد رايته مطاطيا راسه تحت الصور ثم يقول اللهم ان شئت جعلته عليا فجاء علي ثم ان الانصارية ذبحت لرسول الله صلى الله عليه و سلم شاة وصنعتها فاكل واكلنا فلما حضرت الظهر قام يصلي وصلينا ما توضأ ولا توضأنا فلما حضرت العصر صلى وما توضا ولا توضأنا
حديث آخر
قال ابو يعلي حدثنا الحسن بن حماد الكوفي ثنا ابن ابي عتبة عن ابيه عن الشيباني عن جميع بن عمير قال دخلت مع ابي على عائشة فسألتها عن علي فقالت ما رايت رجلا كان احب لرسول الله صلى الله عليه و سلم منه ولا امراة كانت احب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من امرأته وقد رواه غير واحد من الشيعة عن جميع بن عمير به حديث آخر
قال الامام احمد ثنا يحيى بن بكير عن اسرائيل عن ابي اسحاق عن ابي عبدالله الجدلي البجلي قال دخلت على ام سلمة فقالت لي ايسب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيكم فقلت معاذ الله او سبحان الله او كلمة نحوها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من سب عليا فقد سبنى وقد رواه ابو يعلي عن عبيدالله بن موسى عن عيسى بن عبدالرحمن البجلي من بجيلة من سليم عن السدي عن ابي عبدالله البجلي قال قالت لى ام سلمة ايسب رسول الله فيكم على المنابر قال قلت وانى ذلك قالت اليس يسب على ومن احبه فاشهد ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحبه وقد روى من غير هذا الوجه عن ام سلمة وقد ورد من حديثها وحديث جابر وابي سعيد ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي كذب من زعم انه يحبنى ويبغضك ولكن اسانيدها كلها ضعيفة لا يحتج بها
حديث اخر
قال عبدالرزاق أنا الثوري عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش قال سمعت عليا يقول والذي فلق الحبة وبرا النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه و سلم الى انه لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق ورواه احمد عن ابن عمير ووكيع عن الاعمش وكذلك رواه ابو معاوية ومحمد بن فضيل وعبدالله بن داود الحربي وعبيدالله بن موسى ومحاضر بن المورع ويحيى بن عيسى الرملي عن الاعمش به واخرجه مسلم في صحيحه عن ( 1 ) ورواه غسان بن حسان عن شعبة عن عدي بن ثابت عن علي فذكره وقد روى من غير وجه عن علي وهذا الذي اوردناه هو الصحيح من ذلك والله اعلم وقال الامام احمد ثنا عثمان بن ابي شيبة ثنا محمد بن فضيل عن عبيدالله بن عبدالرحمن ابي نصر حدثني مساور الحميري عن ابيه قال سمعت ام سلمة تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعلي لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق وقد روى من غير هذا الوجه عن ام سلمة بلفظ آخر ولا يصح وروى ابن عقدة عن الحسن بن علي بن بزيغ ثنا عمرو بن ابراهيم ثنا سوار بن مصعب عن الحكم عن يحيى (7/355)
الخزار عن عبدالله بن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من زعم انه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن وهذا الاسناد مختلق لا يثبت والله اعلم وقال الحسن ابن عرفة حدثني سعيد بن محمد الوراق عن علي بن الحراز سمعت ابا مريم الثقفي سمعت عمار بن ياسر يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لعلي طوبى لمن احبك وصدق فيك وويل لمن ابغضك وكذب فيك وقد روى في هذا المعنى احاديث كثيرة موضوعة لا اصل لها وقال غير واحد عن ابي الازهر احمد بن الازهر ثنا عبدالرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبدالله بن عبيدالله عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نظر الى علي فقال انت سيد في الدنيا سيد في ألآخرة من احبك فقد احبني وحبيبك حبيب الله ومن ابغضك فقد ابغضني وبغيضك بغيض الله وويل لمن ابغضك من بعدي وروى غير واحد ايضا عن الحارث بن حصيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي قال دعاني رسول الله فقال ان فيك من عيسى ابن مريم مثلا ابغضته اليهود حتى بهتوا امه واحبوه النصارى حتى انزلوه بالمنزل الذي هو له قال علي الا وانه يهلك في اثنان محب مطري ومفرط يفرطني بما ليس في ومبغض يحمله شنآني على ان يبهتني الا واني لست بنبي ولا يوحى الي ولكنى اعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت فما امرتكم من طاعة الله حق عليكم طاعتي فيما احببتم وكرهتم لفظ عبدالله بن احمد قال يعقوب بن سفيان ثنا يحيى بن عبدالحميد ثنا مسهر عن الاعمش عن موسى بن طريف عن عباية عن علي قال انا قسيم النار اذا كان يوم القيامة قلت هذا لك وهذا لي قال يعقوب وموسى بن طريف ضعيف يحتاج الى من يعدله وعباية اقل منه ليس بشىء حديثه وذكر ان ابا معاوية لام الاعمش على تحديثه بهذا فقال له الاعمش اذا نسيت فذكروني ويقال ان الاعمش انما رواه على سبيل الاستهزاء بالروافض والتنقيص لهم في تصديقهم ذلك قلت وما يتوهمه 0 بعض العوام بل هو مشهور بين كثير منهم ان عليا هو الساقي على الحوض فليس له اصل ولم يجىء من طريق مرضى يعتمد عليه والذي ثبت ان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الذي يسقى الناس وهكذا الحديث الوارد في انه ليس احد ياتي يوم القيامة راكبا الا اربعة رسول الله صلى الله عليه و سلم على البراق وصالح على ناقته وحمزة على العضباء وعلي على ناقة من نوق الجنة رافعا صوته بالتهليل وكذلك ما في افواه الناس من اليمين بعلي يقول احدهم خذ بعلي اعطنى بعلي ونحو ذلك كل ذلك لا اصل له بل ذلك من نزعات الروافض ومقالاتهم ولا يصح من شىء من الوجوه وهو من وضع الرافضة ويخشى على من اعتاد ذلك سلب الايمان عند الموت ومن حلف بغير الله فقد اشرك
حديث اخر
قال الامام احمد حدثني يحيى عن شعبة ثنا عمرو بن مرة عن عبدالله بن سلمة عن علي قال مر بي رسول الله صلى الله عليه و سلم وانا وجع وانا اقول اللهم ان كان (7/356)
ان كان اجلي قد حضر فأرحني وان كان آجلا فارفع عني وان كان بلاء فصبرني قال ما قلت فأعدت عليه فضربني برجله وقال ما قلت فاعدت عليه فقال اللهم عافه او اشفه فما اشتكيت ذلك الوجع بعد
حديث آخر
قال محمد بن مسلم بن داره ثنا عبيدالله بن موسى ثنا ابو عمر الازدي عن ابي راشد الحراني عن ابي الحمراء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من اراد ان ينظر الى آدم في علمه والى نوح في فهمه والى ابراهيم في حلمه والى يحيى بن زكريا في زهده والى موسى في بطشه فلينظر الى علي بن ابي طالب وهذا منكر جدا ولا يصح اسناده
حديث اخر
في رد الشمس
قد ذكرناه في دلائل النبوة باسانيده والفاظه فاغنى له عن اعادته
حديث أخر
قال ابو عيسى الترمذي حدثنا علي بن المنذر الكوفي ثنا ثنا محمد بن فضيل عن الاجلح عن ابي الزبير عن جابر قال دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا يوم الطائف فانتجاه فقال الناس لقد طال بخواه مع ابن عمه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما انتجيته ولكن الله انتجاه ثم قال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه الا من حديث الاجلح وقد رواه غير ابن فضيل عن الاجلح ومعنى قوله ولكن الله انتجاه ان الله امرني ان انتجي معه حديث اخر
قال الترمذي ثنا محمد بن بشار ويعقوب بن ابراهيم وغير واحد ثنا ابو عاصم عن ابي الجراح عن جابر بن صبح حدثتنى امي ام شراحيل حدثتني ام عطية قالت بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشا فيهم علي قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم رافعا يديه يقول اللهم لا تمتنى حتى ترني عليا ثم قال هذا حديث حسن حديث اخر
قال الامام احمد حدثنا علي بن عاصم قال حصين انا على عن هلال بن يساف عن عبدالله بن ظالم المازني قال لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة قال فأقام خطباء يقعون في علي قال وانا الى جنب سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل قال قغضب فقام وأخذ بيدي وتبعته فقال الا ترى الى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من اهل الكوفة واشهد على التسعة انهم من اهل الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم قال قلت وما ذاك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اثبت حرا فليس عليك الا نبي او صديق او شهيد قال قلت من هم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وابو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبدالرحمن ابن عوف وسعد بن مالك قال قلت ومن العاشر قال قال انا وينبغى ان يكتب هاهنا حديث ام سلمة المتقدم قريبا انها قالت لابي عبدالله الجدلي ايسب رسول الله فيكم على المنابر الحديث رواه احمد حديث اخر
قال الامام احمد حدثنا يحيى بن آدم وابن ابي بكير قالا ثنا اسرائيل عن ابي اسحاق عن حبشي بن جنادة السلولي وكان قد شهد حجة الوداع قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على مني وانا منه ولا يؤدي عنى الا انا او علي ثم رواه احمد عن ابي احمد الزبيري عن اسرائيل حديث اخر
قال احمد حدثنا وكيع قال قال اسرائيل قال ابو اسحاق (7/357)
عن زيد بن بثيغ عن ابي بكر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه ببراءة الى اهل مكة لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا نفس مؤمنة من كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله الى مدته والله برىء من المشركين ورسوله قال فسار بها ثلاثا ثم قال لعلي الحقه ورد علي ابا بكر وبلغها انت قال فلما قدم ابو بكر على رسول الله بكى وقال يا رسول الله حدث في شىء قال ما حدث فيك الا خير ولكن امرت ان لا يبلغه الا انا او رجل من اهل بيتي وقال عبدالله بن احمد حدثني محمد بن سليمان ؟ حدثنا محمد بن جابر عن سماك بها ليقرأها على أهل مكة ثم دعائى فقال لي ادرك ابا بكر فحيث لحقته فخذ الكتاب عن حبشي عن علي قال لما نزلت عشر آيات من براءة دعا رسول الله أبا بكر فبعثه ب فاذهب به الى اهل مكة فاقراه عليهم فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع ابو بكر فقال يا رسول الله نزل في شىء قال لا ولكن جبريل جاءني فقال لا يؤدي عنك الا انت او رجل من بيتك وقد رواه كثير النواء عن جميع بن عمير عن ابن عمر بنحوه وفيه نكارة من جهة امره برد الصديق فان الصديق لم يرجع بل كان هو امير الحج في سنة تسع وكان على هو ببراءة وقد قررنا ذلك في حجة الصديق وفي اول تفسير سورة البراءة
حديث آخر وجماعة معه بعثهم الصديق يطوفون برحاب منى في يوم النحر وأيام التشريق ينادون
روى من حديث ابي بكر الصديق وعمر وعثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعمران بن حصين وانس وثوبان وعائشة وابي ذر وجابر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال النظر الى وجه علي عبادة وفي حديث عائشة ذكر علي عبادة ولكن لا يصح شىء منها فإنه لا يخلو كل سند منها عن كذاب او مجهول لا يعرف حاله وهو شيعي
حديث الصدقة بالخاتم وهو راكع
قال الطبراني ثنا عبدالرحمن بن مسلم الرازي ثنا محمد بن يحيى عن ضريس العبدي ثنا عيسى بن عبدالله بن عبيدالله بن عمر بن علي بن ابي طالب حدثني ابي عن ابيه عن جده عن علي قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه و سلم انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم واذا سائل فقال يا سائل هل اعطاك احد شيئا فقال لا الا هاذاك الراكع لعلي اعطاني خاتمه وقال الحافظ ابن عساكر أنا خالى المعالي القاضى أنا أبو الحسن الخلعي أنا ابو العباس احمد بن محمد الشاهد ثنا ابو الفضل محمد بن عبدالرحمن ابن عبدالله بن الحارث الرملي ثنا القاضى جملة بن محمد ثنا ابو سعيد الاشج ثنا ابو نعيم الاحول عن موسى بن قيس عن سلمة قال تصدق على بخاتمه وهو راكع فنزلت انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وهذا لا يصح بوجه من الوجوه لضعف اسانيده ولم ينزل في علي شىء من القرآن بخصوصيته وكل ما يريدونه في قوله تعالى انما انت منذر (7/358)
ولكل قوم هاد وقوله ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا وقوله اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وغير ذلك من الآيات والاحاديث الواردة في انها نزلت في علي لا يصح شىء منها واما قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم فثبت في الصحيح انه نزل في علي وحمزة وعبيدة من المؤمنين وفي عتبة وشيبة والوليد بن عتبة من الكافرين وما روى عن ابن عباس انه قال ما نزل في احد من الناس ما نزل في علي وفي رواية عنه انه قال نزل فيه ثلثمائة آية فلا يصح ذلك عنه لا هذا ولا هذا
حديث أخر
قال ابو سعيد بن الاعرابي ثنا محمد بن زكريا الغلابي ثنا العباس بن بكار ابو الوليد ثنا عبدالله بن المثنى الانصاري عن عمه ثمامة بن عبدالله بن انس عن انس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا بالمسجد وقد اطاف به اصحابه اذ اقبل علي فسلم ثم وقف فنظر مكانا يجلس فيه فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم الى وجوه اصحابه ايهم يوسع له وكان ابو بكر عن يمين رسول الله صلى الله عليه و سلم فتزحزح ابو بكر عن مجلسه وقال هاهنا يا ابا الحسن فجلس بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين ابي بكر فرأينا السرور في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم اقبل على ابي بكر فقال يا ابا بكر انما يعرف الفضل لأهل الفضل فأما الحديث الوارد عن علي وحذيفة مرفوعا على خير البشر من ابي فقد كفر ومن رضى فقد شكر فهو موضوع من الطريقين معا قبح الله من وضعه واختلقه حديث أخر
سويد بن غفلة عن الصنابحي عن علي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا دار الحكمة وعلى بابها ثم قال هذا الحديث غريب قال وروى بعضهم هذا الحديث عن ابن عباس قلت قال ابو عيسى الترمذي ثنا إسماعيل بن موسى بن عمر الرومى ثنا شريك عن كهيل عن رواه سويد بن سعيد عن شريك عن سلمة عن الصنابحي عن علي مرفوعا انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد العلم فليات باب المدينة واما حديث ابن عباس فرواه ابن عدي من طريق احمد بن سلمة ابي عمر الجرحاني ثنا ابو معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد العلم فليأتها من قبل بابها قال ابن عدي وهذا الحديث يعرف بابي الصلت الهروي عن ابي معاوية سرقه منه احمد بن سلمة هذا ومعه جماعة من الضعفاء هكذا قال رحمه الله وقد روى احمد بن محمد بن القاسم بن محرز عن ابن معين انه قال اخبرني ابن ايمن ان ابا معاوية حدث بهنا الحديث قديما ثم كف عنه قال وكان ابو الصلت رجلا موسرا يكرم المشايخ ويحدثونه بهذه الاحاديث وساقه ابن عساكر باسناد مظلم عن جعفر الصادق عن ابيه عن جده عن جابر بن عبدالله فذكره مرفوعا ومن طريق اخرى عن جابر قال ابن عدي وهو موضوع ايضا وقال ابو الفتح الاودي لا يصح في هذا الباب شىء حديث أخر
يقرب مما قبله قال ابن عدي حدثنا احمد بن (7/359)
حبرون النيسابوري ثنا ابن ايوب ابو اسامة وهو جعفر بن هذيل ثنا ضرار بن صرد ثنا يحيى بن عيسى الرملي عن الاعمش عن بن عباية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال علي عيينة علي
حديث اخر
في معنى ما تقدم قال ابن عدي ثنا ابو يعلي حدثنا كامل بن طلحة ثنا ابن لهيعة ثنا يحيى بن عبدالله عن ابي عبدالرحمن الجيلي عن عبدالله بن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في مرضه ادعوا لي اخى فدعوا له ابا بكر فاعرض عنه ثم قال ادعوا لي اخى فدعوا له عمر فأعرض عنه ثم قال ادعوا لي اخي فدعوا له عثمان فأعرض عنه ثم قال ادعوا لي اخي فدعى له علي بن ابي طالب فستره بثوب واكب عليه فلما خرج من عنده قيل له ما قال قال علمني الف باب يفتح كل باب الى الف باب قال ابن عدي هذا حديث منكر ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة فانه شديد الافراط في التشيع وقد تكلم فيه الائمة ونسبوه الى الضعف حديث اخر
قال ابن عساكر انبانا ابو يعلي ثنا المقري انا ابو نعيم الحافظ أنا ابو احمد الغطريفي ثنا ابو الحسين بن ابي مقاتل ثنا محمد بن عبيد بن عتبة حدثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي ثنا احمد بن عمران بن سلمة وكان ثقة عدلا مرضيا ثنا سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم عن علقمة عن عبدالله قال كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فسئل عن علي فقال قسمت الحكمة عشرة اجزاء اعطي علي تسعة والناس جزءا واحدا وسكت الحافظ ابن عساكر على هذا الحديث ولم ينبه على امره وهو منكر بل موضوع مركب على سفيان الثوري باسناده قبح الله واضعه ومن افتراه واختلقه
حديث أخر
قال ابو يعلي ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا يحيى عن سعيد عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن ابي البختري عن علي قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن وانا حديث السن ليس لي علم بالقضاء قال فضرب في صدري وقال ان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك قال فما شككت في قضاء بين اثنين بعد وقد ثبت عن عمر انه كان يقول علي اقضانا وابى اقرؤنا للقرآن وكان عمر يقول اعوذ بالله من معضلة ولا ابو حسن لها حديث أخر
قال الامام احمد حدثنا عبدالله بن محمد ثنا جرير بن عبدالحميد عن مغيرة عن ام موسى عن ام سلمة قالت والذي احلف به ان كان علي بن ابي طالب لاقرب الناس عهدا برسول الله عدنا رسول الله غداة بعد غداة يقول جاء علي مرارا واظنه كان بعثه في حاجة قالت فجاء بعد فظننت ان له اليه حاجة فخرجنا من البيت عند الباب فقعدنا عند الباب فكنت من ادناهم الى الباب فاكب عليه علي فجعل يساره ويناجيه ثم قبض من يومه ذلك فكان اقرب الناس به عهدا وهكذا رواه عبدالله بن احمد وابو يعلي عن ابي بكر بن ابي شيبة به
حديث اخر في معناه
قال ابو يعلى حدثنا عبدالرحمن بن صالح ثنا ابو بكر بن غياض ؟ عن صدقة عن جميع بن عمير ان امه وخالته دخلتا على عائشة فقالتا يا ام المؤمنين اخبرينا عن علي (7/360)
قالت اي شىء تسالن عن رجل وضع يده من رسول الله موضعا فسالت نفسه في يده فمسح بها وحهه ثم اختلفوا في دفنه فقال إن أحب الاماكن الى الله مكان قبض فيه نبيه صلى الله عليه و سلم قالتا فلم خرجت عليه قالت امر قضى لوددت اني افديه بما على الارض وهذا منكر جدا وفي الصحيح ما يرد هذا والله اعلم
حديث اخر
قال الامام احمد ثنا اسود بن عامر حدثني عبدالحميد بن ابي جعفر يعنى الفراء عن اسرائيل عن ابي اسحاق عن زيد بن يثيغ عن علي قال قيل يا رسول الله من نؤمر بعدك قال ان تؤمروا ابا بكر تجدوه امينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة وان تؤمروا عمر تجدوه قويا امينا لا يخاف في الله لومة لائم وان تؤمروا عليا ولا اراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم وقد روى هذا الحديث من طريق عبدالرزاق عن النعمان ابن ابي شيبة وعن يحيى بن العلاء عن الثوري عن ابي اسحاق عن زيد بن يثيغ عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه و سلم بنحوه ورواه ابو الصلت الهروي عبدالسلام بن صالح عن ابن نمير عن الثوري عن شريك عن ابي اسحاق عن زيد بن يثيغ عن حذيفة به وقال الحاكم ابو عبدالله النيسابوري أنا ابو عبدالله محمد بن علي الآدمي بمكة ثنا اسحاق بن ابراهيم الصنعاني أنا عبدالرزاق بن همام عن ابيه عن ابن ميناء عن عبدالله بن مسعود قال كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة وفد الجن قال فتنفس فقلت ما شانك يا رسول الله قال نعيت الى نفسي قلت فاستخلف قال من قلت ابا بكر قال فسكت ثم مضى ثم تنفس قلت ما شانك يا رسول الله قال نعيت الى نفسي يا ابن مسعود قلت فاستخلف قال من قلت عمر قال فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس قال فقلت ما شانك يا رسول الله قال نعيت الي نفسي يا ابن مسعود قلت فاستخلف قال من قلت علي بن ابي طالب قال اما والذي نفسي بيده لئن اطاعوه ليدخلن الجنة اجمعين اكتعين قال ابن عساكر همام وابن ميناء مجهولان حديث اخر
قال ابو يعلي ثنا أبو موسى يعني محمد بن المثنى حدثنا سهيل ابن حماد ابو غياث الدلال ثنا مختار بن نافع الفهمي ثنا ابوحيان التيمي عن ابيه عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رحم الله ابا بكر زوجني ابنته وحملنى الى دار الهجرة واعتق بلالا من ماله رحم الله عمر يقول الحق وان كان مرا تركه الحق وماله من صديق رحم الله عثمان تستحيه الملائكة رحم الله عليا دار الحق معه حيث دار وقد ورد عن ابي سعيد وام سلمة ان الحق مع علي رضى الله عنه وفي كل منهما نظر والله اعلم حديث اخر
قال ابو يعلي ثنا عثمان بن جرير عن الاعمش عن اسماعيل ابن رجاء عن ابيه عن ابي سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ان منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال ابو بكر انا هو يا رسول الله قال فقال عمر انا هو يا رسول الله قال لا ولكنه خاصف النعل وكان قد اعطى عليا نعله يخصفه ورواه الامام (7/361)
البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن احمد بن عبدالجبار عن ابي معاوية عن الاعمش به ورواه الامام احمد عن وكيع وحسين بن محمد عن فطر بن خليفة عن اسماعيل بن رجاء به ورواه البيهقي ايضا من حديث ابي نعيم عن فطر بن خليفة عن اسماعيل بن رجاء عن ابيه ابي سعيد به ورواه فضيل ابن مرزوق عن عطية عن ابي سعيد وروى من حديث علي نفسه وقد قدمنا هذا الحديث في موضعه في قتال علي اهل البغى والخوارج ولله الحمد وقدمنا ايضا حديث على للزبير ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لك انك تقاتلني وانت ظالم فرجع الزبير وذلك يوم الجمل ثم قتل بعد مرجعه في وادي السباع وقدمنا صبره وصرامته وشجاعته في يومي الجمل وصفين وبسالته وفضله في يوم النهروان وما ورد في فضل طائفته الذين قتلوا الخوارج من الاحاديث وذكرنا الحديث الوارد من غير طريق عن علي وابي سعيد وابي ايوب ان رسول الله صلى الله عليه و سلم امره بقتال المارقين والقاسطين والناكثين وفسروا الناكثين بأصحاب الجمل والقاسطبن بأهل الشام اوالمارقين بالخوارج والحديث ضعيف (7/362)
فى ذكر شىء من سيرته الفاضلة ومواعظه وقضاياه الفاصلة وخطبه وحكمه التى هى الى القلوب واصلة
قال عبد الوارث عن أبى عمرو بن العلاء عن أبيه قال خطب على الناس فقال أيها الناس والله الذى لا إله إلا هو ما زريت من مالكم قليلا ولا كثيرا إلا هذه وأخرج قارورة من كم قميصه فيها طيب فقال أهداها إلى الدهقان وفى رواية بضم الدال وقال ثم أتيت بيت المال فقال خذوا وأنشأ يقول ... أفلح من كانت له قوصرة ... يأكل منها كل يوم تمرة ... وفى رواية مرة وفى رواية طوبى لمن كانت له قوصرة وقال حرملة عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن عبد الله بن أبى رزين الغافقى قال دحلنا مع على يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة فقلنا أصلحك الله لو قدمت إلينا هذا البط والأوز فان الله قد أكثر الخير فقال يا ابن رزين إنى سمعت رسول الله ( ص ) يقول لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان قصعة يأكلها (8/2)
هو واهله وقصعة يطعمها بين الناس وقال الامام أحمد حدثنا حسن وأبو سعيد مولى بنى هاشم قالا ثنا ابن لهيعة ثنا عبد الله بن هبيرة عن عبد الله بن رزين أنه قال دخلت على على بن أبى طالب قال حسن يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة فقلنا أصلحك الله لو أطعمتنا هذا البط يعني الأوز فان الله قد أكثر الخير قال يا ابن رزين إني سمعت رسول الله يقول لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان قصعة يأكلها هو وأهله وقصعة يضعها بين يدى الناس وقال أبو عبيد ثنا عباد بن العوام عن مروان بن عنترة عن أبيه قال دخلت على على بن أبى طالب بالخورنق وعليه قطيفة وهو يرعد من البرد فقلت يا أمير المؤمن إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك نصيبا في هذا المال وأنت ترعد من البرد إنى والله لا أرزأ من مالكم شيئا وهذه القطيفة هى التى خرجت بها من بيتى أو قال من المدينة وقال أبو نعيم سمعت سفيان الثورى يقول ما بنى عليه لبنة ولا قصبة على لبنة وإن كان ليؤتى بحبونه من المدينة فى جراب وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو بكر الحميدى ثنا سفيان أبو حسان عن مجمع بن سمعان التميمى قال خرج على بن أبى طالب بسيفه الى السوق فقال من يشترى منى سيفى هذا فلو كان عندى أربعة دراهم أشترى بها إزارا ما بعته وقال الزبير بن بكار حدثنى سفيان عن جعفر قال اظنه عن أبيه إن عليا كان إذا لبس قميصا مد يده فى كمه فما فضل من الكم عن أصابعه قطعة وقال ليس للكم فضل عن الأصابع وقال أبو بكر بن عياش عن يزيد بن أبى زياد عن مقسم عن ابن عباس قال اشترى على قميصا بثلاثة دراهم وهو خليفة وقطع كمه من موضع الرسغين وقال الحمد لله الذى هذا من رياشه وروى الامام أحمد فى الزهد عن عباد بن العوام عن هلال بن حبان عن مولى لأبى غصين قال رأيت عليا خرج فأتى رجلا من أصحاب الكرابيس فقال له عندك قميص سنبلانى قال فأخرج إليه قميصا فلبسه فإذا هو إلى نصف ساقيه فنظر عن يمينه وعن شماله فقال ما أرى إلا قدرا حسنا بكم هذا قال بأربعة دراهم يا أمير المؤمنين قال فحلها من إزاره فدفعها إليه ثم انطلق وقال محمد بن سعد انا الفضل بن دكين أنا الحسن بن جرموز عن أبيه قال رأيت عليا وهو يخرج من القصر وعليه قبطيتان ازار إلى نصف الساق ورداء مشمر قريب منه ومعه درة له يمشى بها فى الأسواق ويأمر الناس بتقوى الله وحسن البيع ويقول اوفوا الكيل والميزان ويقول لا تنفخوا اللحم وقال عبد الله بن مبارك فى الزهد أنا رجل حدثنى صالح بن ميثم ثنا يزيد بن وهب الجهنى قال خرج علينا على بن أبى طالب ذات يوم وعليه بردان متزر بأحدهما مرتد بالآخر قد أرخى جانب إزاره ورفع جانبا قد رفع إزاره بخرقة فمر به أعرابى فقال أيها الانسان البس من هذه الثياب فانك ميت أو مقتول فقال أيها الأعرابى إنما ألبس هذين الثوبين ليكونا أبعد لى (8/3)
من الزهو وخيرا لى فى صلاتى وسنة للمؤمن وقال عبد بن حميد ثنا محمد بن عبيد ثنا المختار بن نافع عن أبى مطر قال خرجت من المسجد فاذا رجل ينادى من خلفى ارفع إزارك فانه أبقى لثوبك وأتقى لك وخذ من رأسك إن كنت مسلما فمشيت خلفه وهو مؤتزر بازار ومرتد برداء ومعه الدرة كأنه أعرابى بدوى فقلت من هذا فقال لى رجل أراك غريبا بهذا البلد فقلت أجل انا رجل من أهل البصرة فقال هذا على بن أبى طالب أمير المؤمنين حتى انتهى إلى دار بنى أبى معيط وهو يسوق الابل فقال بيعوا ولا تحلفوا فان اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة ثم اتى أصحاب التمر فاذا خادم تبكى فقال ما يبكيك فقالت باعنى هذا الرجل تمرا بدرهم فرده موالى فأبى أن يقبله فقال له على خذ تمرك واعطها درهمها فانها ليس لها أمر فدفعه فقلت أتدرى من هذا فقال لا فقلت هذا على بن أبى طالب أمير المؤمنين فصبت تمره واعطاها درهمها ثم قال الرجل أحب أن ترضى عنى يا أمير المؤمنين قال ما أرضانى عنك إذا أوفيت الناس حقوقهم ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال يا أصحاب التمر أطعموا المساكين يرب كسبكم ثم مر جتازا ومعه المسلمون حتى انتهى إلى أصحاب السمك فقال لا يباع فى سوقنا طافى ثم أتى دار فرات وهى سوق الكرابيس فأتى شيخا فقال يا شيخ أحسن بيعى فى قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ثم آخر فلما عرفه لم يشترى منه شيئا فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم وكمه ما بين الرسغين إلى الكعبين يقول فى لبسه الحمد لله الذى رزقنى من الرياش ما أتجمل به فى الناس وأوارى به عورتى فقيل له يا أمير المؤمنين هذا شىء ترويه عن نفسك أو شىء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا بل شىء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوله عند الكسوة فجاء أبو الغلام صاحب الثوب فقيل له يا فلان قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم قال أفلا أخذت منه درهمين فأخذ منه أبوه درهما ثم جاء به إلى أمير المؤمنين وهو جالس مع المسلمين على باب الرحبة فقال امسك هذا الدرهم فقال ما شأن هذا الدرهم فقال إنما ثمن القميص درهمين فقال باعنى رضاى وأخذ رضاه وقال عمر بن شمر عن جابر الجعفى عن الشعبى قال وجد على بن أبى طالب درعه عند رجل نصرانى فأقبل إلى شريح يخاصمه قال فجاء علي حتى جلس جنب شريح وقال يا شريح لو كان خصمى مسلما ما جلست إلا معه ولكنه نصرانى وقد قال رسول الله ص إذا كنتم وإياهم فى طريق فاضطروهم إلى مضايقه وصغروا بهم كما صغر الله بهم من غير أن تطغوا ثم قال هذا الدرع درعى ولم أبع ولم أهب فقال شريح للنصرانى ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين فقال النصرانى ما الدرع إلا درعى وما أمير المؤمنين عندى بكاذب فالتفت شريح إلى على فقال يا أمير المؤمنين هل من بينة فضحك على وقال أصحاب شريح مالى بينة فقضى بها شريح للنصرانى قال فأخذه النصرانى (8/4)
ومشى خطا ثم رجع فقال أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء أمير المؤمنين يدفعني إلى قاضيه يقضى عليه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين فخرجت من بعيرك الأورق فقال أما إذ أسلمت فهى لك وحمله على فرس قال الشعبى فأخبرنى من رأه يقاتل الخوارج يوم النهروان وقال سعيد بن عبيد عن على بن ربيعة جاء جعدة بن هبيرة إلى على فقال يا أمير المؤمنين يأتيك الرجلان أنت أحب إلى أحدهما من أهله وماله والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك فتقضى لهذا على هذا قال فلهزه على وقال إن هذا شىء لو كان لى فعلت ولكن إنما ذا شىء لله وقال أبو القاسم البغوى حدثنى جدى ثنا على ابن هاشم عن صالح بياع الأكسيه عن جدته قالت رأيت عليا إشترى تمرا بدرهم فحمله فى ملحفته فقال رجل يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك فقال أبو العيال أحق بحمله وعن أبى هاشم عن زاذان قال كان على يمشى فى الأسواق وحده وهو خليفة يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ تلك الدار الأخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا ثم يقول نزلت هذه الآية فى أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس وعن عبادة بن زياد عن صالح بن أبى الأسود عمن حدثه أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى رجليه إلى موضع واحد ثم قال أنا الذى أهنت الدنيا وقال يحيى بن معين عن على ابن الجعد عن الحسن بن صالح قال تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون فلان وقال قائلون فلان فقال عمر بن عبد العزيز أزهد الناس فى الدنيا على بن أبى طالب وقال هشام ابن حسان بينا نحن عند الحسن البصري إذ أقبل رجل من الأزارقة فقال يا أبا سعيد ما تقول فى على بن أبى طالب قال فاحمرت وجنتا الحسن وقال رحم الله عليا إن عليا كان سهما لله صائبا فى أعدائه وكان فى محلة العلم أشرفها وأقربها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان رهبانى هذه الأمة لم يكن لمال الله بالسروقة ولا فى أمر الله بالنومه أعطى القرآن عزائمه وعمله وعلمه فكان منه فى رياض مونقة وأعلام بينة ذاك على بن أبى طالب يالكع وقال هشيم عن يسار عن عمار قال حدت رجل على بن أبى طالب بحديث فكذبه فما قام حتى عمى وقال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثنى شريح بن يونس ثنا هشيم عن إسماعيل بن سالم عن عمار الحضرمى عن زاذان أبى عمر أن رجلا حدث عليا بحديث فقال ما أراك إلا قد كذبتنى قال لم أفعل قال أدعو عليك إن كنت كذبت قال أدع فدعا فما برح حتى عمى وقال ابن أبى الدنيا حدثنا خلف بن سالم ثنا محمد بن بشر عن أبى مكين قال مررت أنا وخالى أبو أمية على دارا فى محل حى من مراد قال ترى هذه الدار قلت نعم قال فإن عليا مر عليها وهم يبنونها فسقطت عليه قطعة فشجته فدعا الله أن لا يكمل (8/5)
بناؤها قال فما وضعت عليها لبنه قال فكنت فيمن يمر عليها لا تشبه الدور وقال ابن أبى الدنيا حدثنى عبد الله بن يونس بن بكير الشيبانى عن أبيه عن عبد الغفار بن القاسم الأنصارى عن أبى بشير الشيبانى قال شهدت الجمل مع مولاى فما رأيت يوما قط أكثر ساعدا نادرا وقدما نادرة من يومئذ ولا مررت بدار الوليد قط إلا ذكرت يوم الجمل قال فحدثنى الحكم بن عيينه أن على دعا يوم الجمل فقال اللهم خذ أيديهم وأقدامهم
ومن كلامه الحسن رضى الله عنه قال ابن أبى الدنيا حدثنا على بن الجعد أنا عمرو بن شمر حدثنى إسماعيل السدى سمعت أبا أراكة يقول صليت مع على صلاة الفجر فلما إنفتل عن يمينه مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين ثم قلب يده فقال والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم لقد كانوا يصبحون صفرا شعثا غبرا بين أعينهم كأمثال ركب المعزى قد بانوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يتراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر فى يوم الريح وهملت أعينهم حتى تنبل ثيابهم والله لكأن القوم باتوا غافلين ثم نهض فما رؤى بعد ذلك مفترا يضحك حتى قتله ابن ملجم عدو الله الفاسق وقال وكيع عن عمرو بن منبه عن أوفى بن دلهم عن على بن أبى طالب أنه قال تعلموا العلم تعرفوا به واعملوا تكونوا من أهله فإنه يأتى من بعدكم زمان ينكر فيه من الحق تسعة أعشاره وإنه لا ينجو منه إلا كل أواب منيب أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ليسوا بالعجل المذابيع البذر ثم قال ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة إن الآخرة قد أتت مقبلة ولكل واحدة بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ألا وإن الزاهدين فى الدنيا اتخذوا الأرض بساطا والتراب فراشا والماء طيبا ألا من اشتاق إلى الآخرة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ومن طلب الجنة سارع إلى الطاعات ومن زهد فى الدنيا هانت عليه المصائب ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة فى الجنة مخلدين وأهل النار فى النار معذبين شرورهم مأمونة وقلوبهم محزونة وأنفسهم عفبفة وحوائجهم خفيفة صبروا أيام قليلة لحقي راحة طويلة أما الليل فصافون أقدامهم تجرى دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله فى فكاك رقابهم واما النهار فظماء حلماء بررة أتقياء كأنهم القداح ينظروا إليهم الناظر فيقول مرضى وما بالقوم من مرض وخولطوا ولقد خالط القوم أمر عظيم وعن الأصبغ بن نباتة قال صعد على ذات يوم المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر الموت فقال عباد الله الموت ليس منه فوت إن أقمتم له أخذكم وإن فررتم منه ادرككم فالنجا النجا والوحا الوحا إن وراءكم طالب حثيث القبر فاحذروا ضغطته وظلمته ووحشته ألا وإن القبر حفرة من حفر النار أو روضة من رياض (8/6)
الجنة ألا وإنه يتكلم فى كل يوم ثلاث مرات فيقول أنا بيت الظلمة أنا بيت الدود أنا بيت الوحشة ألا وإن وراء ذلك يوم يشيب فيه الصغير ويسكر فيه الكبير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ألا وإن وراء ذلك ما هو أشد منه نار حرها شديد وقعرها بعيد وحليها ومقامعها حديد وماؤها صديد وخازنها مالك ليس لله فيه رحمة قال ثم بكى وبكى المسلمون حوله ثم قال ألا وإن وراء ذلك جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين جعلنا الله وإياكم من المتقين وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم ورواه ليث بن أبى سليم عن مجاهد حدثنى من سمع عليا فذكر نحوه وقال وكيع عن عمرو بن منبه عن أوفى بن دلهم قال خطب على فقال أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع وإن الآخرة قد أقبلت أشرفت باطلاع وإن المضمار اليوم وغدا السباق ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خاب عمله الرغبة كما تعملون له فى الرهبة ألا وأنه لم أر كالجنة نام طالبها ولم أر كالنار نام هاربها وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل ومن لم يستقم به الهدى حاد به الضلال ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن وذللتم على زاد ألا أيها الناس إنما الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وإن الآخرة وعد الصادق يحكم فيها ملك قادر إلا أن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم أيها الناس أحسنوا فى أعماركم تحفظوا فى أعقابكم فإن الله وعد جنته من أطاعه وأوعد ناره من عصاه إنها نار لا يهدأ زفيرها ولا يفك أسيرها ولا يجبرك كسيرها حرها شديد وقرعها بعيد وماؤها صديد وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل وفى رواية فإن اتباع الهوى يصد عن الحق وإن طول الأمل ينسى الآخرة وعن عاصم بن ضمرة قال ذم رجل الدنيا عند على فقال على الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار نجاة لمن فهم عنها ودار غنا وزاد لمن تزود منها ومهبط وحى الله ومصلى ملائكتة ومسجد أنبيائه ومتجر أوليائه ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة فمن ذا يذمها وقد آذنت بغيلها ونادت بفراقها وشابت بشرورها السرور وببلائها الرغبة فيها والحرص عليها ترغيبا وترهيبا فيا أيها الذام للدنيا المعلل نفسه بالأمالى متى خدعتك الدنيا أو متى اشتدمت إليك أبمصارع أبائك فى البلا أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى كم مرضت بيديك وعللت بكفيك ممن تطلب له الشفاء وتستوصف له الأطباء لا يغنى عنه دواؤك ولا ينفعه بكاؤك وقال سفيان الثورى والأعمش عن عمرو بن مرة عن أبى البخترى قال جاء رجل إلى على فأطراه وكان يبغض عليا فقال له لست كما تقول وأنا فوق ما فى نفسك وروى ابن عساكر أن رجلا قال لعلى ثبتك الله قال على صدرك قال ابن أبى الدنيا حدثنا إسحاق بن إسماعيل ثنا (8/7)
سفيان بن عيينه عن أبى حمزة عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر قال قال على إن الأمر ينزل إلى السماء كقطر المطر لكل نفس ما كتب الله لها من زيادة أو نقصان فى نفس أو أهل أو مال فمن رأى نقصا فى نفسه أو أهله أو ماله ورأى لغيره عثرة فلا يكونن ذلك له فتنة فإن المسلم ما لم يعش دناه يظهر تخشعا لها إذا دكرت ويغرى به لئام الناس كالبائس العالم ينتظر أول فورة من قداحة توجب له المغنم وتدفع عنه المغرم فكذلك المسلم البرىء من الخيانة من إحدى الحسنيين إذا ما دعا الله فما عند الله خير له وإما أن يرزقه الله مالا فإذا هو ذو أهل ومال ومعه حسبه ودينه وإما أن يعطيه الله فى الآخرة فالآخرة خير وأبقى الحرث حرثان فحرث الدنيا المال والتقوى وحرث الآخرة الباقيات الصالحات وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام قال سفيان الثورى ومن يحسن أن يتكلم بهذا الكلام إلا على وقال عن زبيد اليامى عن مهاجر العامرى قال كتب على بن أبى طالب عهدا لبعض أصحابه على بلد فيه أما بعد فلا تطولن حجابك على رعيتك فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة الضيق وقلة علم بالأمور والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيضعف عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل وإنما الوالى بشر لا يعرف ما يوارى عنه الناس به من الأمور وليس على القوم سمات يعرف بها ضروب الصدق من الكذب فتحصن من الادخال فى الحقوق بلين الحجاب فإنما أنت أحد الرجلين إما امرؤ شحت نفسك بالبذل فى الحق ففيم احتجابك من حق واجب عليك أن تعطيه وخلق كريم تسد به وإما مبتلى بالمنع والشح فما أسرع زوال نعمتك وما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا يئسوا من ذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك مالا مؤنة فيه عليك من شكاية مظلمة أو طلب أنصاف فانتفع بما وصفت لك واقتصر على حظك ورشدك إن شاء الله وقال المدائنى كتب على إلى بعض عماله رويدا فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذى ينادى المغتر بالحسرة ويتمنى المضيع التوبة والظالم الرجعة وقال هشيم أنا عمر بن أبى زائدة عن الشعبى قال كان أبو بكر يقول الشعر وكان عمر يقول الشعر وكان على يقول الشعر وكان على اشعر الثلاثة ورواه هشام بن عمار عن إبراهيم بن أعين عن عمر بن أبى زائدة عن عبد الله بن أبى السفر عن الشعبى فذكره وقال أبو بكر بن دريد قال وأخبرنا عن دماد عن أبى عبيدة قال كتب معاوية إلى على يا أبا الحسن إن لى فضائل كثيرة وكان أبى سيدا فى الجاهلية وصرت ملكا فى الاسلام وأنا صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم وخال المؤمنين وكاتب الوحى فقال على أبا لفضائل يفخر على ابن آكلة الأكباد ثم قال اكتب يا غلام ... محمد النبى أخى وصهري ... وحمزة سيد الشهداء عمى (8/8)
وجعفر الذى يمسى ويضحى ... يطير مع الملائكة ابن أمى ... وبنت محمد سكني وعرسي ... مسوط لحمها بدمي ولحمي ... وسبطا أحمد ولداي منها ... فأيكم له سهم كسهمي ... سبقتكم إلى الاسلام طرا ... صغيرا ما بلغت أوان حلمى ...
قال فقال معاوية اخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلون إلى ابن أبى طالب وهذا منقطع بين أبى عبيدة وزمان على ومعاوية وقال الزبير بن بكار وغيره حدثنى بكر بن حارثة عن الزهرى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله قال سمعت عليا ينشد ورسول الله صلى الله عليه و سلم يسمع
... أنا أخو المصطفى لا شك فى نسبى ... معه ربيت وسبطاه هما ولدى ... جدى وجد رسول الله منفرد ... وفاطم زوجتى لا قول ذى فند ... صدقته وجميع الناس فى بهم ... من الضلالة والاشراك والنكد ... فالحمد لله شكرا لا شريك له ... البر بالعبد والباقى بلا أمد ...
قال فتبسم رسول الله ص وقال صدقت يا على وهذا بهذا الاسناد منكر والشعر فيه ركاكة وبكر هذا لا يقبل منه تفرده بهذا السند والمتن والله أعلم وروى الحافظ ابن عساكر من طريق أبى زكريا الرملى ثنا يزيد بن هارون عن نوح بن قيس عن سلامة الكندى عن الأصبغ ابن نباتة عن على أنه جاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين إن لى إليك حاجة فرفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك فان أنت قضيتها حمدت الله وشكرتك وإن أنت لم تقضها حمدت الله وعذرتك فقال على اكتب حاجتك على الأرض فانى أكره أن أرى ذل السؤال فى وجهك فكتب إنى محتاج فقال على على بحلة فأتى بها فأخذها الرجل فلبسها ثم أنشأ يقول
... كسوتنى حلة تبلى محاسنها ... فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا ... إن نلت حسن ثنائى نلت مكرمة ... ولست أبغى بما قد قلته بدلا ... إن الثناء ليحيى ذكر صاحبه ... كالغيث يحيى نداه السهل والجبلا ... لا تزهد الدهر فى خير تواقعه ... فكل عبد سيجزى بالذى عملا ...
فقال على على بالدنانير فأتى بمائة دينار فدفعها إليه قال الأصبغ فقلت يا أمير المؤمنين حلة ومائة دينار قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أنزلوا الناس منازلهم وهذه منزلة هذا الرجل عندى وروى الخطيب البغدادى من طريق أبى جعفر أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط عن أبيه عن جده قال قال على بن أبى طالب (8/9)
إذا اشتملت على الناس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب ... وأوطنت المكاره واطمأنت ... وأرست فى أماكنها الخطوب ... ولم تر لانكشاف الضر وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب ... أتاك على قنوط منك غوث ... يمن به القريب المستجيب ... وكل الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب ...
ومما أنشده أبو بكر محمد بن يحيى الصولى لأمير المؤمنين على بن أبى طالب ... ألا فاصبر على الحدث الجليل ... وداو جواك بالصبر الجميل ... ولا تجزع فان أعسرت يوما ... فقد أيسرت فى الدهر الطويل ... ولا تظنن بربك ظن سوء ... فان الله أولى بالجميل ... فان العسر يتبعه يسار ... وقول الله أصدق كل قيل ... فلو أن العقول تجر رزقا ... لكان الرزق عند ذوى العقول ... فكم من مؤمن قد جاع يوما ... سيروى من رحيق السلسبيل ...
فمن هوان الدنيا على الله أنه سبحانه يجيع المؤمن من نفاسته ويشبع الكلب مع خساسته والكافر يأكل ويشرب ويلبس ويتمتع والمؤمن يجوع ويعرى وذلك لحكمة اقتضتها حكمة احكم الحاكمين ومما أنشده على بن جعفر الوراق لأمير المؤمنين على بن أبى طالب ... أجد الثياب إذا اكتسيت فانها ... زين الرجال بها تعز وتكرم ... ودع التواضع فى الثياب تخشعا ... فالله يعلم ما تجن وتكتم ... فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة ... عند الاله وأنت عبد مجرم ...
وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن
... تخشى الاله وتتقى ما يحرم ...
وهذا كما جاء فى الحديث إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ثيابكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم وقال الثورى ليس الزهد فى الدنيا بلبس العبا ولا بأكل الخشن إنما الزهد فى الدنيا قصر الامل
وقال أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المبره كان مكتوبا على سيف على ... للناس حرص على الدنيا وتدبير ... وفى مراد الهوى عقل وتشمير ... وإن أتوا طاعة لله ربهم ... فالعقل منهم عن الطاعات مأسور ... لأجل هذا وذاك الحرص قد مزجت ... صفاء عيشاتها هم وتكدير ... لم يرزقوها بعقل عند ما قسمت ... لكنهم رزقوها بالمقادير (8/10)
كم من أديب لبيب لا تساعده ... ومائق نال دنياه بتقصير ... لو كان عن قوة أو عن مغالبة ... طار البزاة بأرزاق العصافير ...
وقال الأصمعى ثنا سلمة بن بلال عن مجالد عن الشعبى قال قال على بن أبى طالب لرجل كره له صحبة رجل ... فلا تصحب أخا الجهل واياك واياه ... فكم من جاهل جاهل أودى حليما حين آخاه ... يقاس المرء بالمرء وإذا ما المرء ما شاه ... وللشىء على الشى مقاييس وأشباه ... وللقلب على القلب دليل حين يلقاه ...
وعن عمرو بن العلاء عن أبيه قال وقف على على قبر فاطمة وأنشأ يقول ... ذكرت أبا أروى فبت كأننى ... برد الهموم الماضيات وكيل ... لكل اجتماع من خليلين فرقة ... وكل الذى قبل الممات قليل ... وإن افتقادى واحدا بعد واحد ... دليل على أن لا يدوم خليل ... سيعرض عن ذكرى وتنسى مودتى ... ويحدث بعدى للخليل خليل ... إذا انقطعت يوما من العيش مدتى ... فان غناء الباكيات قليل ...
وأنشد بعضهم لعلى رضى الله عنه ... حقيق بالتواضع من يموت ... ويكفى المرء من دنياه قوت ... فما للمرء يصبح ذا هموم ... وحرص ليس تدركه النعوت ... صنيع مليكنا حسن جميل ... وما أرزاقه عنا تفوت ... فياهذا سترحل عن قليل ... إلى قوم كلامهم السكوت ...
وهذا الفصل يطول استقصاؤه وقد ذكرنا منه ما فيه مقنع لمن أراده ولله الحمد والمنه
وقال حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى أنه قال من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله ومن أحب عليا فقد استمسك بالعروة الوثقى ومن قال الحسنى فى أصحاب رسول الله ص فقد برىء من النفاق غريبة من الغرائب وأبدة من الأوابد
قال ابن أبى خيثمة ثنا أحمد بن منصور ثنا سيار ثنا عبد الرزاق قال قال معمر مرة وأنا مستقبلة وتبسم وليس معنا أحد فقلت له ما شأنك قال عجبت من أهل الكوفة كأن الكوفة إنما بنيت على حب على ما كلمت أحدا منهم إلا وجدت المقتصد منهم الذى يفضل عليا على أبى بكر وعمر منهم سفيان الثورى قال فقلت لمعمر ورأيته كأنى أعظمت ذاك فقال معمر وما ذاك لو أن (8/11)
رجلا قال على أفضل عندى منهما ما عبته إذا ذكر فضلهما ولو أن رجلاص قال عمر عندى افضل من على وابى بكر ما عنفته قال عبد الرزاق فذكرت ذلك لوكيع بن الجراح ونحن خاليين فاستهالها من سفيان وضحك وقال لم يكن سفيان يبلغ بنا هذا الحد ولكنه افضى إلى معمر بما لم يفض إلينا وكنت أقول لسفيان يا أبا عبد الله أرأيت إن فضلنا عليا على أبى بكر وعمر ما تقول فى ذلك فيسكت ساعة ثم يقول أخشى أن يكون ذلك طعنا على أبى بكر وعمر ولكنا نقف قال عبد الرزاق واما ابن التيمى يعنى معتمرا فقال سمعت أبى يقول فضل على بن أبى طالب بمائة منقبة وشاركهم فى مناقبهم وعثمان أحب إلى منه هكذا رواه ابن عساكر فى تاريخه بسنده عن ابن أبى خيثمة به وهذا الكلام فيه تخبيط كثير ولعله اشتبه على معمر فان المشهور عن بعض الكوفيين تقديم على على عثمان فأما على الشيخين فلا ولا يخفى فضل الشيخين على سائر الصحابة إلا على غبى فكيف يخفى على هؤلاء الأئمة بل قد قال غير واحد من العلماء كأيوب والدارقطنى من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وهذا الكلام حق وصدق وصحيح ومليح وقال يعقوب بن أبى سفيان ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأريسى ثنا إبراهيم بن سعيد عن شعبة عن أبى عون محمد بن عبد الله الثقفى عن أبى صالح الخنفى قال رأيت على بن أبى طالب أخذ المصحف فوضعه على رأسه حتى أنى لأرى ورقه يتقعقع قال ثم قال اللهم إنهم منعونى أن أقوم فى الأمة بما فيه فأعطى ثواب ما فيه ثم قال اللهم إنى قد مللتهم وملونى وأبغضتهم وأبغضونى وحملونى على غير طبيعتى وخلقى وأخلاق لم تكن تعرف لى اللهم فأبدلنى بهم خيرا منهم وأبدلهم بى شرا منى اللهم أمت قلوبهم موت الملح فى الماء قال إبراهيم يعنى أهل الكوفة وقال ابن أبى الدنيا حدثنى عبد الرحمن بن صالح ثنا عمرو بن هشام الخبى عن أبى خباب عن أبى عوف الثقفى عن أبى عبد الرحمن السلمى قال قال لى الحسن بن على قال لى على إن رسول الله صلى الله عليه و سلم سنح لى الليلة فى منامى فقلت يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأود واللدد قال ادع عليهم فقلت اللهم أبدلنى بهم من هو خير لى منهم وأبدلهم بى من هو شر منى فخرج فضربه الرجل [ الأود العوج واللدد الخصومة ] وقد قدمنا الحديث الوارد بالأخبار بقتله وأنه يخضب لحيته من قرن رأسه فوقع كما أخبر صلوات الله وسلامه على رسوله وروى أبو داود فى كتاب القدر أنه لما كان أيام الخوارج كان أصحاب على يحرسونه كل ليلة عشرة يبيتون فى المسجد بالسلاح فرآهم على فقال ما يجلسكم فقالوا نحرسك فقال من أهل السماء ثم قال إنه لا يكون فى الأرض شىء حتى يقضى فى السماء وإن على من الله جنة حصينة وفى رواية وإن الرجل جنة محصونة وإنه ليس من الناس أحد إلا وقد وكل به ملك فلا تريده دابة ولا شىء إلا قال اتقه اتقه (8/12)
فاذا جاء القدر خلا عنه وفى رواية ملكان يدفعان عنه فاذا جاء القدر خليا عنه وإنه لا يجد عبد حلاوة الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وكان على يدخل المسجد كل ليلة فيصلى فيه فلما كانت الليلة التى قتل فى صبيحتها قلق تلك الليلة وجمع أهله فلما خرج إلى المسجد صرخ الأوز فى وجهه فسكتوهن عنه فقال ذروهن فأنهن نوائح فلما خرج إلى المسجد ضربه ابن ملجم فكان ما ذكرنا قبل فقال الناس يا أمير المؤمنين لا نقتل مرادا كلها فقال لا ولكن احبسوه وأحسنوا إساره فان مت فاقتلوه وإن عشت فالجروح قصاص وجعلت أم كلثوم بنت على تقول مالى ولصلاة الغداة قتل زوجى عمر أمير المؤمنين صلاة الغداة وقتل أبى أمير المؤمنين صلاة الغداة رضى الله عنها وقيل لعلى ألا تستخلف فقال لا ولكن أترككم كما ترككم رسول الله فان يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خيركم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذا اعتراف منه فى آخر وقت الدنيا بفضل الصديق وقد ثبت عنه بالتواتر أنه خطب بالكوفة فى أيام خلافته ودار إمارته فقال أيها الناس إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت أن أسمى الثالث لسميت وعنه أنه قال وهو نازل من المنبر ثم عثمان ثم عثمان ولما مات على ولى غسله ودفنه أهله وصلى عليه ابنه الحسن وكبر أربعا وقيل أكثر من ذلك ودفن على بدار الخلافة بالكوفة وقيل تجاه الجامع من القبلة فى حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة بحذاء باب الوراقين وقيل بظاهر الكوفة وقيل بالكناسة وقيل دفن بالبرية وقال شريك القاضى وأبو نعيم الفضل بن دكين نقله الحسن بن على بعد صلحه مع معاوية من الكوفة فدفنه بالمدينة بالبقيع إلى جانب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال عيسى بن دآب بل لما تحملوا به حملوه فى صندوق على بعير فلما مروا به ببلاد طىء أضلوا ذلك البعير فأخذته طىء تحسب فيه مالا فلما وجدوا بالصندوق ميتا دفنوه فى بلادهم فلا يعرف قبره إلى الأن والمشهور أن قبره إلى الأن بالكوفة كما ذكر عبد الملك ابن عمران أن خالد بن عبد الله القسرى نائب بنى أمية فى زمان هشام لما هدم دورا ليبنيها وجد قبرا فيه شيخ أبيض الرأس واللحية فاذا هو على فأراد أن يحرقه بالنار فقيل له أيها الأمير إن بنى أمية لا يريدون منك هذا كله فلفه فى قباطى ودفنه هناك فقالوا فلا يقدر أحد أن يسكن تلك الدار التى هو فيها إلا ارتحل منها رواه ابن عساكر ثم إن الحسن بن على استحضر عبد الرحمن بن ملجم من السجن فأحضر الناس النفط والبوارى ليحرقوه فقالوا لهم أولاد على دعونا نشتفى منه فقطعت يداه ورجلاه فلم يجزع ولا فتر عن الذكر ثم كحلت عيناه وهو فى ذلك يذكر الله وقرأ سورة اقرأ باسم ربك إلى آخرها وإن عينيه لتسيلان على خديه ثم حاولوا لسانه ليقطعوه فجزع من ذلك جزعا شديدا فقيل له في ذلك فقال إنى أخاف 8 أن أمكث فى الدنيا فواقا لا أذكر الله (8/13)
خلافة الحسن بن على رضى الله عنه
قد ذكرنا أن عليا رضى الله عنه لما ضربه ابن ملجم قالوا له استخلف يا أمير المؤمنين فقال ولكن أدعكم كما ترككم رسول الله ص يعنى بغير استخلاف فان يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خيركم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله ص فلما توفى وصلى عليه ابنه الحسن لأنه أكبر بنيه رضى الله عنهم ودفن كما ذكرنا بدار الإمارة على الصحيح من أقوال الناس فلما فرغ من شأنه كان أول من تقدم إلى الحسن بن على رضى الله عنه قيس بن سعد بن عبادة فقال له ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه فسكت الحسن فبايعه ثم بايعه الناس بعده وكان ذلك يوم مات على وكان موته يوم ضرب على قول وهو يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين وقيل إنما مات بعد الطعنة بيومين وقيل مات فى العشر الأخير من رمضان ومن يومئذ ولى الحسن ابن على وكان قيس بن سعد على إمرة أذربيجان تحت يده أربعون الف مقاتل قد بايعوا عليا على الموت فلما مات على ألح قيس بن سعد على الحسن فى النفير لقتال أهل الشام فعزل قيسا عن إمرة أذربيجان وولى عبيد الله بن عباس عليها ولم يكن فى نية الحسن أن يقاتل أحدا ولكن غلبوه على رأيه فاجتمعوا اجتماعا عظيما لم يسمع بمثله فأمر الحسن بن على قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة فى اثنى عشر ألفا بين يديه وسار هو بالجيوش فى أثره قاصدا بلاد الشام ليقاتل معاوية وأهل الشام فلما اجتاز بالمدائن نزلها وقدم المقدمة بين يديه فبينما هو فى المدائن معسكرا بظاهرها إذ صرخ فى الناس صارخ ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل فثار الناس فانتهبوا أمتعة بعضهم بعضا حتى انتهبوا سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا كان جالسا عليه وطعنه بعضهم حين ركب طعنة أثبتوه وأشرته فكرههم الحسن كراهية شديدة وركب فدخل القصر الأبيض من المدائن فنزله وهو جريح وكان عامله على المدائن سعد بن مسعود الثقفى أخو أبى عبيد صاحب يوم الجسر فلما استقر الجيش بالقصر قال المختار بن أبى عبيد قبحه الله لعمه سعد بن مسعود هل لك فى الشرف والغنى قال ماذا قال تأخذ الحسن بن على فتقيده وتبعثه إلى معاوية فقال له عمه قبحكم الله وقبح ما جئت به أغدر بابن بنت رسول الله ص ولما رأى الحسن بن على تفرق جيشه عليه مقتهم وكتب عند ذلك إلى معاوية بن أبى سفيان وكان قد ركب فى أهل الشام فنزل مسكن يراوضه على الصلح بينهما فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة فقدما عليه الكوفة فبذلا له ما أراد من الأموال فاشترط أن ياخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف درهم وأن يكون خراج دار أبجرد له وأن لا يسب على وهو يسمع فاذا فعل ذلك نزل عن الامرة (8/14)
لمعاوية ويحقن الدماء بين المسلمين فاصطلحوا على ذلك واجتمعت الكلمة على معاوية على ما سيأتى بيانه وتفصيله وقد لام الحسين لأخيه الحسن على هذا الرأى فلم يقبل منه والصواب مع الحسن رضى الله عنه كما سنذكر سنذكر دليله قريبا وبعث الحسن بن على إلى أمير المقدمة قيس بن سعد أن يسمع ويطيع فأبى قيس بن سعد من قبول ذلك وخرج عن طاعتهما جميعا واعتزل بمن أطاعه ثم راجع الأمر فبايع معاوية بعد قريب كما سنذكره ثم المشهور أن مبايعة الحسن لمعاوية كانت فى سنة أربعين ولهذا يقال له عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على معاوية والمشهور عند ابن جرير وغيره من علماء السير أن ذلك كان فى أوائل سنة إحدى واربعين كما سنذكره إن شاء الله وحج بالناس فى هذه السنة أعنى سنة أربعين المغيرة بن شعبة وزعم ابن جرير فيما رواه عن إسماعيل بن راشد أن المغيرة بن شعبة افتعل كتابا على لسان معاوية ليلى إمرة الحج عامته وبادر إلى ذلك عتبة بن أبى سفيان وكان معه كتاب من أخيه بامرة الحج فتعجل المغيرة فوقف بالناس يوم الثامن ليسبق عتبة إلى الامرة وهذا الذى نقله ابن جرير لا يقبل ولا يظن بالمغيرة رضى الله عنه ذلك وإنما نبهنا على ذلك ليعلم أنه باطل فان الصحابة أجل قدرا من هذا ولكن هذه نزغة شيعية قال ابن جرير وفى هذه السنة بويع لمعاوية بايلياء يعنى لما مات على قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن على رضى الله عنه ليمانعوا به أهل الشام فلم يتم لهم ما أرداوه وما حاولوه وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وسيد المسلمين وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوى آرائهم والدليل على أنه أحد الخلفاء الراشدين الحديث الذى أوردناه فى دلائل النبوة من طريق سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكا وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن على فانه نزل عن الخلافة لمعاوية فى ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله ص فانه توفى فى ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليما وقد مدحه رسول الله صلى الله عليه و سلم على صنيعه هذا وهو تركه الدنيا الفانية ورغبته فى الآخرة الباقية وحقنه دماء هذه الأمة فنزل عن الخلافة وجعل الملك بيد معاوية حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد وهذا المدح قد ذكرناه وسنورده فى حديث أبى بكر الثقفى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صعد المنبر يوما وجلس الحسن بن على إلى جانبه فجعل ينظر إلى الناس مرة وإليه أخرى ثم قال أيها الناس إن ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين رواه البخارى (8/15)
فيه فقتل عند ذلك وحرق بالنار قبحه الله قال محمد بن سعد كان ابن ملجم رجلا أسمر حسن الوجه أبلج شعره مع شحمة أذنه فى جبهته أثر السجود قال العلماء ولم ينتظر بقتله بلوغ العباس ابن على فانه كان صغيرا يوم قتل أبوه قالوا لأنه كان قتل محاربة لا قصاصا والله أعلم وكان طعن على يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين بلا خلاف فقيل مات من يومه وقيل يوم الأحد التاسع عشر منه قال الفلاس وقيل ضرب ليلة إحدى وعشرين ومات ليلة أربع وعشرين عن بضع أو ثمان وخمسين سنة وقيل عن ثلاث وستين سنة وهو المشهور قاله محمد بن الحنفية وأبو جعفر الباقر وأبو إسحاق السبيعى وأبو بكر بن عياش وقال بعضهم عن ثلاث أو أربع وستين سنة وعن أبى جعفر الباقر خمس وستين سنة وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر وقيل أربع سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوما رضى الله عنه وقال جرير عن مغيرة قال لما جاء نعى على بن أبى طالب إلى معاوية وهو نائم مع امرأته فاخته بنت قرطة فى يوم صائف جلس وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون وجعل يبكى فقالت له فاخته أنت بالأمس تطعن عليه واليوم تبكى عليه فقال ويحك إنما أبكى لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره وذكر ابن أبى الدنيا فى كتاب مكائد الشيطان أن رجلا من أهل الشام من امرأء معاوية غضب ذات ليلة على ابنه فأخرجه من منزله فخرج الغلام لا يدرى أين يذهب فجلس وراء الباب من خارج فنام ساعة ثم استيقظ وبابه يخمشه هر أسود برى فخرج إليه الهر الذى فى منزلهم فقال له البرى ويحك افتح فقال لا أستطيع فقال ويحك ائتنى بشىء أتبلغ به فانى جائع وأنا تعبان هذا أوان مجيء من الكوفة وقد حدث الليلة حدث عظيم قتل على بن أبى طالب قال فقال له الهر الاهلى والله إنه ليس هاهنا شىء إلا وقد ذكروا اسم الله عليه غير سفود كانوا يشوون عليه اللحم فقال ائتنى به فجاء به فجعل يلحسه حتى اخذ حاجته وانصرف وذلك بمرأى من الغلام ومسمع فقام إلى الباب فطرقة فخرج إليه أبوه فقال من فقال له افتح فقال ويحك مالك فقال افتح ففتح فقص عليه خبر ما رأى فقال له ويحك أمنام هذا قال لا والله قال ويحك أفأصابك جنون بعدى قال لا والله ولكن الأمر كما وصفت لك فاذهب إلى معاوية الآن فاتخذ عنده بما قلت لك فذهب الرجل فاستأذن على معاوية فأخبره خبر ما ذكر له ولده فأرخوا ذلك عندهم قبل مجىء البرد ولما جاءت البرد وجدوا ما أخبروهم به مطابقا لما كان أخبر به أبو الغلام هذا ملخص ما ذكره وقال أبو القاسم ثنا على بن الجعد ثنا زهير بن معاوية عن أبى إسحاق عن عمرو بن الأمم قال قلت للحسين بن على إن هذه الشيعة يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة فقال كذبوا والله ما هؤلاء بالشيعة لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا قسمنا ماله ورواه أسباط بن محمد عن مطرف عن إسحاق عن عمرو بن الأصم عن الحسن بن على بنحوه (8/16)
سنة إحدى وأربعين
قال ابن جرير فيها سلم الحسن بن على الأمر لمعاوية بن أبى سفيان ثم روى عن الزهرى أنه قال لما تابع أهل العراق الحسن بن على طفق يشترط عليهم أنهم سامعون مطيعون مسالمون [ من سالمت ] محاربون [ من حاربت ] فارتاب به أهل العراق وقالوا ما هذا لكم بصاحب فما كان عن قريب حتى طعنوه فأشووه فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا فعند ذلك عرف تفرقهم واختلافهم عليه وكتب إلى معاوية يسالمه ويراسله فى الصلح بينه وبينه على ما يختاران وقال البخارى فى كتاب الصلح حدثنا عبد الله بن محمد ثنا سفيان عن أبى موسى قال سمعت الحسن يقول استقبل والله الحسن بن على معاوية بن أبى سفيان بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إنى لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها فقال معاوية وكان والله خير الرجلين إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لى بأمور الناس من لى بضعفتهم من لى بنسائهم فبعث إليه رجلين من قريش من بنى عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر قال اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فكلما وقالا له وطلبا إليه فقال لهما الحسن بن على إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت فى دمائها قالا فانه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسالمك قال فمن لى بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به فصالحه قال الحسن ولقد سمعت أبا بكرة يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر والحسن بن على إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول إن ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين قال البخارى قال لى على بن المدينى إنما ثبت عندنا سماع الحسن بن أبى بكرة بهذا الحديث قلت وقد روى هذا الحديث البخارى فى كتاب الفتن عن على بن عبد الله وهو ابن المدينى وفى فضائل الحسن عن صدقة بن الفضل ثلاثتهم عن سفيان ورواه أحمد عن سفيان وهو ابن عيينة عن إسرائيل بن موسى البصرى به ورواه أيضا فى دلائل النبوة عن عبد الله بن محمد وهو ابن أبى شيبة ويحيى بن آدم كلاهما عن حسين بن على الجعفى عن إسرائيل عن الحسن وهو البصرى به واخرجه أحمد وأبو داود والنسائى من حديث حماد بن زيد عن على بن زيد عن الحسن البصرى به ورواه أبو داود أيضا والترمذى من طريق أشعث عن الحسن به وقال الترمذى حسن صحيح وقد رواه النسائى من طريق عوف الأعرابى وغيره عن الحسن البصرى مرسلا وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق أنا معمر أخبرنى من سمع الحسن يحدث عن أبى بكرة قال كان النبى ص يحدثنا يوما والحسن بن على فى حجره فيقبل على أصحابه فيحدثهم ثم يقبل على الحسن فيقبله ثم قال إن ابنى (8/17)
هذا سيد إن يعش يصلح بين طائفتين من المسلمين قال الحافظ ابن عساكر كذا رواه معمر ولم يسم الذى حدثه به عن الحسن وقد رواه جماعة عن الحسن منهم أبو موسى إسرائيل ويونس بن عبيد ومنصور بن زاذان وعلى بن زيد وهشام بن حسان وأشعث بن سوار والمبارك بن فضالة وعمرو بن عبيد القدرى ثم شرع ابن عساكر فى تطريق هذه الروايات كلها فأفاد وأجاد قلت والظاهر أن معمرا رواه عن عمرو بن عبيد فلم يفصح باسمه وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار عنه وسماه ورواه أحمد بن هاشم عن مبارك بن فضالة عن الحسن بن أبى بكرة فذكر الحديث قال الحسن فوالله وإليه بعد أن يولى لم يهراق فى خلافته ملء محجمه بدم قال شيخنا أبو الحجاج المزى فى أطرافه وقد رواه بعضهم عن الحسن عن أم سلمة وقد روى هذا الحديث من طريق جابر بن عبد الله الأنصارى رضى الله عنه قال قال رسول الله ص للحسن إن ابنى هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين وكذا رواه عبد الرحمن بن معمر عن الأعمش به وقال أبو يعلى ثنا أبو بكرة ثنا زيد بن الحباب ثنا محمد بن صالح التمار المدنى ثنا محمد بن مسلم بن أبى مريم عن سعيد بن أبى سعيد المدنى قال كنا مع أبى هريرة إذ جاء الحسن بن على قد سلم علينا قال فتبعه [ فلحقه ] وقال وعليك السلام يا سيدى وقال سمعت رسول الله ص يقول إنه سيد وقال ابو الحسن على بن المدينى كان تسليم الحسن الأمر لمعاوية فى الخامس من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وقال غيره فى ربيع الآخر ويقال فى غرة جمادى الأولى فالله أعلم قال وحينئذ دخل معاوية إلى الكوفة فخطب الناس بها بعد البيعة وذكر ابن جرير أن عمرو بن العاص أشار على معاوية أن يأمر الحسن بن على أن يخطب الناس ويعلمهم بنزوله عن الأمر لمعاوية فأمر معاوية الحسن فقام فى الناس خطيبا فقال فى خطبته بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله ص أما بعد أيها الناس فان الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دول وإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه و سلم وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين فلما قالها غضب معاوية وأمره بالجلوس وعتب على عمرو بن العاص فى إشارته بذلك ولم يزل فى نفسه لذلك والله أعلم فأما الحديث الذى قال أبو عيسى الترمذى فى جامعه حدثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطيالسى ثنا القاسم بن فضل الحدانى عن يوسف بن سعد قال قام رجل إلى الحسن بن على بعد ما بايع معاوية قال سودت وجوه المؤمنين أو يا مسود وجوه المؤمنين فقال لا تؤنبنى رحمك الله فان النبى ص أرى بنى أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت إنا أعطيناك الكوثر يا محمد يعنى نهرا فى الجنة ونزلت إنا أنزلناه فى ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر بملكها بعدك بنو أمية يا محمد قال الفضل فعددنا فاذا هى ألف شهر لا تزيد يوما (8/18)
ولا تنقص ثم قال الترمذى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل وهو ثقة وثقة يحيى القطان وابن مهدى قال وشيخه يوسف بن سعد ويقال يوسف بن ماذن رجل مجهول قال ولا يعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه فانه حديث غريب بل منكر جدا وقد تكلمنا عليه فى كتاب التفسير بما فيه كفاية وبينا وجه نكارته وناقشنا القاسم ابن الفضل فيما ذكره فمن أراد ذلك فليراجع التفسير والله أعلم وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادى ثنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر ثنا محمد بن احمد بن إبراهيم الحكمى ثنا عباس بن محمد ثنا أسود بن عامر ثنا زهير بن معاوية ثنا أبو روق الهمدانى ثنا أبو العريف قال كنا فى مقدمة الحسن بن على إثنا عشر ألفا بمسكن مستميتين من الجد على قتال أهل الشام وعلينا أبو الغمر طه فلما جاءنا بصلح الحسن بن على كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ فلما قدم الحسن بن على الكوفة قال له رجل منا يقال له أبو عامر سعيد بن النتل السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال لا تقل هذا يا عامر لست بمذل المؤمنين ولكنى كرهت أن أقتلهم على الملك ولما تسلم معاوية البلاد ودخل الكوفة وخطب بها واجتمعت عليه الكلمة فى سائر الأقاليم والآفاق ورجع إليه قيس بن سعد أحد دهاة العرب وقد كان عزم على الشقاق وحصل على بيعة معاوية عامئذ الاجماع والاتفاق ترحل الحسن ابن علي ومعه أخوه الحسين وبقية إخوتهم وابن عمهم عبد الله بن جعفر من أرض العراق إلى أرض المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وجعل كلما مر بحى من شيعتهم يبكتونه على ما صنع من نزوله عن الأمر لمعاوية وهو فى ذلك هو البار الراشد الممدوح وليس يجد فى صدره حرجا ولا تلوما ولا ندما بل هو راض بذلك مستبشر به وإن كان قد ساء هذا خلقا من ذويه وأهله وشيعتهم ولا سيما بعد ذلك بمدد وهلم جرا إلى يومنا هذا والحق فى ذلك اتباع السنة ومدحه فيما حقن به دماء الأمة كما مدحه على ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم كما تقدم فى الحديث الصحيح ولله الحمد والمنة وسيأتى فضائل الحسن عند ذكر وفاته رضى الله عنه وأرضاه وجعل جنات الفردوس متقلبه ومثواه وقد فعل وقال محمد بن سعد أنا أبو نعيم ثنا شريك عن عاصم عن أبى رزين قال خطبنا الحسن بن على يوم الجمعة فقرأ سورة إبراهيم على المنبر حتى ختمها وروى ابن عساكر عن الحسن أنه كان يقرأ كل ليلة سورة الكهف فى لوح مكتوب يدور معه حيث دار من بيوت أزواجه قبل أن ينام وهو فى الفراش رضى الله عنه معاوية بن أبى سفيان وملكه قد تقدم فى الحديث أن الخلافة بعده عليه السلام ثلاثون سنة ثم تكون ملكا وقد انقضت الثلاثون بخلافة الحسن بن على فأيام معاوية أول الملك فهو أول ملوك الاسلام وخيارهم قال (8/19)
الطبرانى حدثنا على بن عبد العزيز ثنا أحمد بن يونس ثنا الفضل بن عياض عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن ثعلبة الخشنى عن معاذ بن جبل وأبى عبيدة قالوا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن هذا الأمر بدا رحمة ونبوة ثم يكون رحمة وخلافة ثم كائن ملكان عضوضا ثم كائن عنوا وجبرية وفسادا فى الأرض يستحلون الحرير والفروج والخمور ويرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله عز و جل إسناده جيد وقد ذكرنا فى دلائل النبوة الحديث الوارد من طريق إسماعيل بن إبراهيم ابن مهاجر وفيه ضعف عن عبد الملك بن عمر قال قال معاوية والله ما حملنى على الخلافة إلا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لى يا معاوية إن ملكت فأحسن رواه البيهقى عن الحاكم عن الأصم عن العباس بن محمد عن محمد بن سابق عن يحيى بن زكريا بن أبى زائدة عن إسماعيل ثم قال البيهقى وله شواهد من وجوه آخر منها حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص عن جده سعبد أن معاوية أخذ الاداوة فتبع رسول الله فنظر إليه فقال يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل قال معاوية فما زلت أظن أنى مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ومنها حديث راشد بن سعد عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم قال أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه و سلم فنفعه الله بها ثم روى البيهقى من طريق هشيم عن العوام بن حوشب عن سليمان بن أبى سليمان عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الخلافة بالمدينة والملك بالشام غريب جدا وروى من طريق أبى إدريس عن أبى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بينا أنا نائم رأيت الكتاب احتمل من تحت رأسى فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصرى فعمد به إلى الشام وإن الإيمان حين تقع الفتنة بالشام وقد رواه سعيد عن عبد العزيز عن عطية ابن قيس عن يونس بن ميسرة عن عبد الله بن عمرو ورواه الوليد بن مسلم عن عفير بن معدان عن سليمان عن عامر عن أبى أمامة وروى يعقوب بن سفيان عن نصر بن محمد بن سليمان السلمى الحمصى عن أبيه عن عبد الله بن قيس سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسى ساطعا حتى استقر بالشام وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن عبد الله بن صفوان قال قال رجل يوم صفين اللهم العن أهل الشام فقال له على لا نسب أهل الشام فان بها الابدال فان بها الابدال فان بها الابدال وقد روى هذا الحديث من وجه آخر مرفوعا فضل معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه هو معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى ابو عبد الرحمن القرشى الأموى خال المؤمنين وكاتب وحى رب العالمين أسلم هو وأبوه وأمه هند (8/20)
بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يوم الفتح وقد روى عن معاوية أنه قال أسلمت يوم عمرة القضاء ولكنى كتمت إسلامى من أبى إلى يوم الفتح وقد كان أبوه من سادات قريش فى الجاهلية وآلت إليه رياسة قريش بعد يوم بدر فكان هو أمير الحروب من ذلك الجانب وكان رئيسا مطاعا ذا مال جزيل ولما أسلم قال يا رسول الله مرنى حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم ثم سأل أن يزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بابنه وهى عزة بنت أبى سفيان واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة فلم يقع ذلك وبين رسول الله ص أن ذلك لا يحل له وقد تكلمنا على هذا الحديث فى غير موضع وأفردنا له مصنفا على حدة ولله الحمد والمنة والمقصود أن معاوية كان يكتب الوحى لرسول الله ص مع غيره من كتاب الوحى رضى الله عنهم ولما فتحت الشام ولاه عمر نيابة دمشق بعد أخيه يزيد بن أبى سفيان واقره على ذلك عثمان ابن عفان وزاده بلادا أخرى وهو الذى بنى القبة الخضراء بدمشق وسكنها أربعين سنة قاله الحافظ ابن عساكر ولما ولى على بن أبى طالب الخلافة أشار عليه كثير من أمرائه ممن باشر قتل عثمان أن يعزل معاوية عن الشام ويولى عليها سهل بن حنيف فعزله فلم ينتظم عزله والتف عليه جماعة من أهل الشام ومانع عليا عنها وقد قال لا أبايعه حتى يسلمنى قتلة عثمان فانه قتل مظلوما وقد قال الله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وروى الطبرانى عن ابن عباس أنه قال ما زلت موقنا أن معاوية يلى الملك من هذه الآية أوردنا سنده ومتنه عند تفسير هذه الآية فلما امتنع معاوية من البيعة لعلى حتى يسلمه القتلة كان من صفين ما قدمنا ذكره ثم آل الأمر إلى التحكيم فكان من أمر عمرو بن العاص وأبى موسى ما أسلفناه من قوة جانب أهل الشام فى الصعدة الظاهرة واستفحل أمر معاوية ولم يزل أمر على فى اختلاف مع أصحابه حتى قتله ابن ملجم كما تقدم فعند ذلك بايع أهل العراق الحسن بن على وبايع أهل الشام لمعاوية بن أبى سفيان ثم ركب الحسن فى جنود العراق عن غير إرادة منه وركب معاوية فى أهل الشام فلما تواجه الجيشان وتقابل الفريقان سعى الناس بينهما فى الصلح فانتهى الحال إلى أن خلع الحسن نفسه من الخلافة وسلم الملك إلى معاوية بن أبى سفيان وكان ذلك فى ربيع الأول من هذه السنة أعنى سنة إحدى وأربعين ودخل معاوية إلى الكوفة فخطب الناس بها خطبة بليغة بعد ما بايعه الناس واستوثقت له الممالك شرقا وغربا وبعدا وقربا وسمى هذا العام عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على أمير واحد بعد الفرقة فولى معاوية قضاء الشام لفضالة بن عبيد ثم بعده لأبى إدريس الخولانى وكان على شرطته قيس بن حمزة وكان كاتبه وصاحب أمره سرحون بن منصور الرومى ويقال إنه أول من اتخذ الحرس واول من حزم الكتب وختمها وكان أول الأحداث فى دولته رضى الله عنه (8/21)
خروج طائفة من الخوارج عليه
وكان سبب ذلك أن معاوية لما دخل الكوفة وخرج الحسن وأهله منها قاصدين إلى الحجاز قالت فرقة من الخوارج نحو من خمسمائة جاء مالا يشك فيه فسيروا إلى معاوية فجاهدوه فساروا حتى قربوا من الكوفة وعليهم قروه بن نوفل فبعث إليهم معاوية خيلا من أهل الشام فطردوا الشاميين فقال معاوية لا أمان لكم عندى حتى تكفوا بوائقكم فخرجوا إلى الخوارج فقالت لهم الخوارج ويلكم ما تبغون أليس معاوية عدوكم وعدونا فدعونا حتى نقاتله فإن أصبناه كنا قد كفينا كموه وإن أصبنا كنتم قد كفيتمونا فقالوا لا والله حتى نقاتلكم فقالت الخوارج يرحم الله إخوننا من أهل النهروان كانوا أعلم بكم يا أهل الكوفة فاقتتلوا فهزمهم أهل الكوفة وطردوهم ثم إن معاوية أراد أن يستخلف على الكوفة عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له المغيرة بن شعبة توليه الكوفة وأباه مصر وتبقى أنت بين لحيى الأسد فثناه عن ذلك وولى عليها المغيرة بن شعبة فاجتمع عمرو بن العاص بمعاوية فقال أتجعل المغيرة على الخراج هلا وليت الخراج رجلا آخر فعزله عن الخراج وولاه على الصلاة فقال المغيرة لعمرو فى ذلك فقال له ألست المشير على أمير المؤمنين فى عبد الله بن عمرو قال بلى قال فهذه بتلك وفى هذه السنة وثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وتغلب عليها فبعث معاوية جيشا ليقتلوه ومن معه فجاء أبو بكرة الثقفى إلى معاوية فسأله فى الصفح والعفو فعفى عنهم وأطلقهم وولى على البصرة بسر بن أبى أرطاة فتسلط على أولاد زياد يريد قتلهم وذلك أن معاوية كتب إلى أبيهم ليحضر إليه فلبث فكتب إليه بسر لئن لم تسرع إلى أمير المؤمنين وإلا قتلت بنيك فبعث أبو بكرة إلى معاوية فى ذلك وقد قال معاوية لأبى بكرة هل من عهد تعهده إلينا قال نعم أعهد إليك يا أمير المؤمنين إن تنظر لنفسك ورعيتك وتعمل صالحا فانك قد تقلدت عظيما خلافة الله فى خلقه فاتق الله فان لك غاية لا تعدوها ومن ورائك طالب حثيث واوشك أن يبلغ المدى فيلحق الطالب فتصير إلى من يسألك عما كنت فيه وهو أعلم به منك وإنما هى محاسبة وتوقيف فلا تؤثرن على رضا الله شيئا ثم ولى معاوية فى آخر هذه السنة البصرة لعبد الله بن عامر وذلك أن معاوية أراد أن يوليها لعتبة بن أبى سفيان فقال له ابن عامر إن لى بها أموالا وودائع وإن توليتها هلكت فولاه إياها وأجابه إلى سؤاله فى ذلك قال أبو معشر وحج بالناس فى هذه السنة عتبة بن أبى سفيان وقال الواقدى إنما حج بهم عنبسة بن أبى سفيان فالله أعلم
من أعيان من توفى هذا العام
رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان شهد العقبة وبدرا وما بعد ذلك (8/22)
ركانة بن عبد العزيز
ابن هشام بن عبد المطلب القرشى وهو الذى صارعه النبى ص فصرعه وكان هذا من أشد الرجال وكان غلب رسول الله صلى الله عليه و سلم له من المعجزات كما قدمنا فى دلائل النبوة أسلم عام الفتح وقيل قبل ذلك بمكة فالله أعلم
صفوان بن أمية
ابن خلف بن وهب بن حذافة بن وهب القرشى أحد الرؤساء تقدم أنه هرب من رسول الله ص عام الفتح ثم جاء فأسلم وحسن إسلامه وكان الذى استأمن له عمير بن وهب الجمحى وكان صاحبه وصديقه فى الجاهلية كما تقدم وقدم به فى وقت صلاة العصر فاستأمن له فأمنه رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة أشهر واستعار منه أدرعا وسلاحا ومالا وحضر صفوان حنينا مشركا ثم أسلم ودخل الايمان قلبه فكان من سادات المسلمين كما كان من سادات الجاهلية قال الواقدى ثم لم يزل مقيما بمكة حتى توفى بها فى أول خلافة معاوية عثمان بن طلحة
ابن أبى طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار العبدرى الحجبى أسلم هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص فى أول سنة ثمان قبل الفتح وقد روى الواقدى حديثا طويلا عنه فى صفة إسلامه وهو الذى أخذ منه رسول الله مفتاح الكعبة عام الفتح ثم رده إليه وهو يتلو قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وقال له خذها يا عثمان خالدة تالدة لا ينتزعها منكم إلا ظالم وكان على قد طلبها فمنعه من ذلك قال الواقدى نزل المدينة حياة رسول الله فلما مات نزل بمكة فلم يزل بها حتى مات فى أول خلافة معاوية
عمرو بن الأسود السكونى
كان من العباد الزهاد وكانت له حلة بمائتى درهم يلبسها إذا قام إلى الصلاة الليل وكان إذا خرج إلى المسجد وضع يمينه على شماله مخافة الخيلاء روى عن معاذ وعبادة بن الصامت والعرباض بن سارية وغيرهم وقال أحمد فى الزهد ثنا أبو اليمان ثنا ابن بكر عن حكيم بن عمير وضمرة بن حبيب قالا قال عمر بن الخطاب من سره أن ينظر إلى هدى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلينظر إلى هدى عمرو بن الأسود
عاتكة بنت زيد
ابن عمرو بن نفيل بن عبد العزى وهى أخت سعيد بن زيد أحد العشرة أسلمت وهاجرت وكانت من حسان النساء وعبادهن تزوجها عبيد الله بن أبى بكر فتتيم بها فلما قتل في غزوة الطائف آلت أن لا تزوج بعده فبعث إليها عمر بن الخطاب وهو ابن عمها فتزوجها فلما (8/23)
قتل عنها خلف بعده عليها الزبير بن العوام فقتل بوادى السباع فبعث إليها على بن أبى طالب يخطبها فقالت إنى أخشى عليك ان تقتل فأبت أن تتزوجه ولو تزوجته لقتل عنها أيضا فانها لم تزل حتى ماتت فى أول خلافة معاوية فى هذه السنة رحمها الله
سنة ثنتين وأربعين
فيها غزا المسلمون اللان والروم فقتلوا من أمرائهم وبطارقتهم خلقا كثيرا وغنموا وسلموا وفيها ولى معاوية مروان بن الحكم نيابة المدينة وعلى مكة خالد بن العاص بن هشام وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة وعلى قضائها شريح القاضى وعلى البصرة عبد الله بن عامر وعلى خراسان قيس ابن الهيثم من قبل عبد الله بن عامر وفى هذه السنة تحركت الخوارج الذين كانوا قد عفى عنهم على يوم النهروان وقد عوفى جرحاهم وثابت إليهم قواهم فلما بلغهم مقتل على ترحموا على قاتله ابن ملجم وقال قائلهم لا يقطع الله يدا علت قذال على بالسيف وجعلوا يحمدون الله على قتل على ثم عزموا على الخروج على الناس وتوافقوا على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيما يزعمون وفى هذه السنة قدم زياد بن أبيه على معاوية وكان قد امتنع عليه قريبا من سنة فى قلعة عرفت به يقال لها قلعة زياد فكتب إليه معاوية ما يحملك على أن تهلك نفسك أقدم على فأخبرنى بما صار إليك من أموال فارس وما صرفت منها وما بقى عندك فائتنى به وأنت آمن فان شئت أن تقيم عندنا فعلت وإلا ذهبت حيث ما شئت من الأرض فأنت آمن فعند ذلك أزمع زياد السير إلى معاوية فبلغ المغيرة قدومه فخشى أن يجتمع بمعاوية قبله فسار نحو دمشق إلى معاوية فسبقه زياد إلى معاوية بشهر فقال معاوية للمغيرة ما هذا وهو أبعد منك وأنت جئت بعده بشهر فقال يا أمير المؤمنين إنه ينتظر الزيادة وأنا أنتظر النقصان فأكرم معاوية زيادا وقبض ما كان معه من الأموال وصدقه فيما صرفه
سنة ثلاث وأربعين
فيها غزا بسر بن أبى أرطاة بلاد الروم فتوغل فيها حتى بلغ مدينة قسطنطينية وشتى ببلادهم فيما زعمه الواقدى وأنكر غيره ذلك وقالوا لم يكن بها مشتى لأحد قط فالله أعلم قال ابن جرير وفيها مات عمرو بن العاص بمصر ومحمد بن مسلمة قلت وسنذكر ترجمة كل منهما فى آخرها فولى معاوية بعد عمرو بن العاص على ديار مصر ولده عبد الله بن عمرو قال الواقدى فعمل له عليها سنتين وقد كانت فى هذه السنة أعنى سنة ثلاث وأربعين وقعة عظيمة بين الخوارج وجند الكوفة وذلك أنهم صمموا كما قدمنا على الخروج على الناس فى هذا الحين فاجتمعوا فى قريب من ثلثمائة عليهم المستورد بن علقمة فجهز عليهم المغيرة بن شعبة جندا عليهم معقل بن قيس فى ثلاثة آلاف فصار إليهم وقدم بين يديه أبا الرواع فى طليعة هى ثلثمائة على عدة الخوارج فلقيهم أبو (8/24)
الرواع بمكان يقال له المذار فاقتتلوا معهم فهزمهم الخوارج ثم كروا عليهم فهزمتهم الخوارج ولكن لم يقتل أحد منهم فلزموا مكانهم فى مقاتلتهم ينتظرون قدوم أمير الجيش معقل بن قيس عليهم فما قدم عليهم إلا في آخر نهار غربت فيه الشمس فنزل وصلى بأصحابه ثم شرع فى مدح أبى الرواع فقال له أيها الأمير إن لهم شدات منكرة فكن أنت ردا الناس ومر الفرسان فليقاتلوا بين يديك فقال معقل بن قيس نعم ما رأيت فما كان إلا ريثما قال له ذلك حتى حملت الخوارج على معقل وأصحابه فانجفل عنه عامة أصحابه فترجل عند ذلك معقل بن قيس وقال يا معشر المسلمين الأرض الأرض فترجل معه جماعة من الفرسان والشجعان قريب من مائتى فارس منهم أبو الرواع الشاكرى فحمل عليهم المستورد بن علقمة بأصحابه فاستقبلوهم بالرماح والسيوف ولحق بقية الجيش بعض الفرسان فدمرهم وعبرهم وأنبهم على الفرار فرجع الناس إلى معقل وهو يقاتل الخوارج بمن معه من الأنصار قتالا شديدا والناس يتراجعون فى أثناء الليل فصفهم معقل بن قيس ميمنة وميسرة ورتبهم وقال لا تبرحوا على مصافكم حتى نصبح فنحمل عليهم فما أصبحوا حتى هزمت الخوارج فرجعوا من حيث أتوا فسار معقل فى طلبهم وقدم بين يديه ابا الرواع فى ستمائة فالتقوا بهم عند طلوع الشمس فثار إليهم الخوارج فتبارزوا ساعة ثم حملوا حملة رجل واحد فصبر لهم أبو الرواع بمن معه وجعل يدمرهم ويعيرهم ويؤنبهم على الفرار ويحثهم على الصبر فصبروا وصدقوا فى الثبات حتى ردوا الخوارج إلى أماكنهم فلما رأت الخوارج ذلك خافوا من هجوم معقل عليهم فما يكون دون قتلهم شىء فهربوا بين أيديهم حتى قطعوا دجلة فى أرض نهز شير وتبعهم أبو الرواع ولحقه معقل بن قيس ووصلت الخوارج إلى المدينة العتيقة فركب إليهم شريك بن عبيد نائب المدائن ولحقهم أبو الرواع بمن معه من المقدمة وحج بالناس فى هذه السنة مروان بن الحكم نائب المدينة
وممن توفى بها عمرو بن العاص ومحمد بن مسلمة رضى الله عنهما أما عمرو بن العاص [ فهو عمرو ابن العاص ] بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى بن غالب انقرشى السهمى أبو عبد الله ويقال أبو محمد أحد رؤساء قريش فى الجاهلية وهو الذى أرسلوه إلى النجاشى ليرد عليهم من هاجر من المسلينن إلى بلاده فلم يجبهم إلى ذلك لعدله ووعظ عمرو بن العاص فى ذلك فيقال إنه أسلم على يديه والصحيح أنه إنما أسلم قبل الفتح بستة أشهر هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة العبدرى وكان أحد أمراء الاسلام وهو أمير ذات السلاسل وأمده رسول الله صلى الله عليه و سلم بمدد عليهم أبو عبيدة ومعه الصديق وعمر الفاروق واستعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم على عمان فلم يزل عليها مدة حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقره عليها الصديق وقد قال الترمذى ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة ثنا مشرح بن عاهان عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أسلم (8/25)
الناس وآمن عمرو بن العاص وقال أيضا ثنا إسحاق بن منصور ثنا أبو أسامة عن نافع عن عمر الجمحى عن ابن أبى ملكية قال قال طلحة بن عبيد الله سمعت رسول الله يقول إن عمرو بن العاص من صالحى قريش وفى الحديث الآخر ابنا العاص مؤمنان وفى الحديث الآخر نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله رووه فى فضائل عمرو بن العاص ثم إن الصديق بعثه فى جملة من بعث من أمراء الجيش إلى الشام فكان ممن شهد تلك الحروب وكانت له الآراء السديدة والمواقف الحميدة والأحوال السعيدة ثم بعثه عمر إلى مصر فافتتحها واستنابه عليها وأقره فيها عثمان بن عفان أربع سنين ثم عزله كما قدمنا وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبى سرح فاعتزل عمرو بفلسطين وبقى فى نفسه من عثمان رضى الله عنهما فلما قتل سار إلى معاوية فشهد مواقفه كلها بصفين وغيرها وكان هو أحد الحكمين ثم لما ان استرجع معاوية مصر وانتزعها من يد محمد بن أبى بكر استعمل عمرو بن العاص عليها فلم يزل نائبها إلى أن مات فى هذه السنة على المشهور وقيل إنه توفى سنة سبع وأربعين وقيل سنة ثمان وأربعين وقيل سنة إحدى وخمسين رحمه الله وقد كان معدودا من دهاة العرب وشجعانهم وذوى آرائهم وله أمثال حسنة وأشعار جيدة وقد روى عنه أنه قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم ألف مثل ومن شعره ... إذا المرء لم يترك طعاما يحبه ... ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما ... قضى وطرا منه وغادر سبة ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما ... وقال الامام أحمد حدثنا على بن إسحاق ثنا عبد الله يعنى ابن المبارك أنا ابن لهيعة حدثنى يزيد بن أبى حبيب أن عبد الرحمن بن شماسة حدثه قال لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له ابنه عبد الله لم تبكى أجزعا على الموت فقال لا والله ولكن مما بعد الموت فقال له قد كنت على خير فجعل يذكره صحبة رسول الله وفتوحه الشام فقال عمرو تركت أفضل من ذلك كله شهادة أن لا إله إلا الله إنى كنت على ثلاثة أطباق ليس فيها طبق إلا عرفت نفسى فيه كنت أول قريش كافرا وكنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلومت حينئذ وجبت لى النار فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم كنت أشد الناس حياء منه فما ملأت عينى من رسول الله ولا راجعته فيما أريد حتى لحق بالله حياء فلومت يومئذ قال الناس هنيئا لعمرو أسلم وكان على خير فمات عليه نرجو له الجنة ثم تلبست بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا أدرى على أم لى فاذا مت فلا تبكين على باكية ولا يتبعنى مادح ولا نار وشدوا على إزارى فانى مخاصم وشنوا على التراب شنا فان جنبى الأيمن ليس أحق بالتراب من جنبى الأيسر ولا تجعلن فى قبرى خشبة ولا حجرا وإذا واريتمونى فاقعدوا عندى قدر نحر جزور أستأنس بكم وقد روى مسلم هذا الحديث فى صحيحه من (8/26)
حديث يزيد بن أبى حبيب باسناده نحوه وفيه زيادات على هذا السياق فمنها قوله كى أستأنس بكم لأنظر ماذا أراجع رسل ربى عز و جل وفى رواية أنه بعد هذا حول وجهه إلى الجدار وجعل يقول اللهم أمرتنا فعصينا ونهيتنا فما انتهينا ولا يسعنا إلا عفوك وفى رواية أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال اللهم لا قوى فانتصر ولا برىء فأعتذر ولا مستنكر بل مستغفر لا إله إلا أنت فلم يزل يرددها حتى مات رضى الله عنه
وأما محمد بن مسلمة الأنصارى [ فقد ] أسلم على يدى مصعب بن عمير قبل أسيد بن حضير وسعد ابن معاذ شهد بدرا وما بعدها إلا تبوك فانه استخلفه رسول الله على المدينة فى قول وقيل استخلفه فى قرقرة الكدر وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف اليهودى وقيل أنه الذى قتل مرحبا اليهودى يوم خيبر أيضا وقد أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم على نحو من خمس عشرة سرية وكان ممن اعتزل تلك الحروب بالجمل وصفين ونحو ذلك واتخذ سيفا من خشب وقد ورد فى حديث قدمناه أنه أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك وخرج إلى الربذة وكان من سادات الصحابة وكان هو رسول عمر إلى عماله وهو الذى شاطرهم عن أمره وله وقائع عظيمة وصيانة وأمانة بليغة رضى الله عنه واستعمله على صدقات جهينة وقيل إنه توفى سنة ست أو سبع وأربعين وقبل غير ذلك وقد جاوز السبعين وترك بعده عشرة ذكور وست بنات وكان أسمر شديد السمرة طويلا أصلع رضى الله عنه
وممن توفى فيها عبد الله بن سلام أبو يوسف الاسرائيلى أحد أحبار اليهود أسلم حين قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة قال لما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل إليه فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب فكان أول ما سمعته يقول أيها الناس افشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام تدخلوا الجنة بسلام وقد ذكرنا صفة إسلامه أول الهجرة وماذا سأل عنه رسول الله ص من الأسئلة النافعة الحسنة رضى الله عنه وهو ممن شهد له رسول الله بالجنة وهو ممن يقطع له بدخولها
سنة أربع وأربعين
فيها غزا عبد الرحمن بن خالد الوليد بلاد الروم ومعه المسلمون وشتوا هنالك وفيها غزا بسر ابن أبى أرطاة فى البحر وفيها عزل معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة وذلك أنه ظهر فيها الفساد وكان لين العريكة سهلا يقال إنه كان لا يقطع لصا ويريد أن يتألف الناس فذهب عبد الله بن أبى أوفى المعروف بابن الكوا فشكاه إلى معاوية فعزل معاوية ابن عامر عن البصرة وبعث إليها الحرث بن عبد الله الأزدى ويقال إن معاوية استدعاه إليه ليزوره فقدم ابن عامر على معاوية دمشق فأكرمه ورده على عمله فلما ودعه قال له معاوية ثلاث أسألكهن فقل هى لك وأنا ابن أم (8/27)
حكيم ترد على عملى ولا تغضب قال ابن عامر قد فعلت قال معاوية وتهب لى مالك بعرفة قال قد فعلت قال وتهب لى دورك بمكة قال قد فعلت فقال له معاوية وصلتك رحما فقال ابن عامر يا أمير المؤمنين وإنى سائلك ثلاثا فقل هى لك وأنا ابن هند قال ترد على مالى بعرفة قال قد فعلت قال ولا تحاسب لى عاملا ولا أميرا قال قد فعلت قال وتنكحنى ابنتك هندا قال قد فعلت ويقال إن معاوية خيره بين هذه الثلاث وبين الولاية على بصرة فاختار هذه الثلاث واعتزل عن البصرة قال ابن جرير وفى هذه السنة استلحق معاوية زياد ابن أبيه فألحقه بأبى سفيان وذلك أن رجلا شهد على إقرار أبى سفيان أنه عاهر بسميه أم زياد فى الجاهلية وأنها حملت بزياد هذا منه فلما استلحقه معاوية قيل له زياد بن أبى سفيان وقد كان الحسن البصرى ينكر هذا الاستلحاق ويقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقال أحمد ثنا هشيم ثنا خالد عن أبى عثمان قال لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت ما هذا الذى صنعتم سمعت سعد بن أبى وقاص يقول سمعت أذنى رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من ادعى أبا فى الاسلام غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام فقال أبو بكرة وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجناه من حديث أبى عثمان عنهما قلت أبو بكرة وأسمه نفيع وأمه سمية أيضا وحج بالناس فى هذه السنة معاوية وفيها عمل معاوية المقصورة بالشام ومروان مثلها بالمدينة
وفى هذه السنة توفيت أم حبيبة بنت أبى سفيان أم المؤمنين واسمها رملة أخت معاوية أسلمت قديما وهاجرت هى وزوجها عبد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فتنصر هناك زوجها وثبت على دينها رضى الله عنها وحبيبة هى أكبر أولادها منه ولدتها بالحبشة وقيل بمكة قبل الهجرة ومات زوجها هنالك لعنه الله وقبحه ولما تأيمت من زوجها بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشى فزوجها منه وولى العقد خالد بن سعيد بن العاص وأصدقها عنه النجاشى أربعمائة دينار وحملها إليه فى سنة سبع ولما جاء أبوها عام الفتح ليشهد العقد دخل عليها فثت عنه فراش رسول الله فقال لها والله يا بنية ما أدرى أرغبت بهذا الفراش عنى أم بى عنه فقالت بل هو فراش رسول الله وانت رجل مشرك فقال لها والله يا بنية لقد لقيت بعدى شرا وقد كانت من سيدات أمهات المؤمنين ومن العابدات الورعات رضى الله عنها قال محمد بن عمر الواقدى حدثنى أبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عوف بن الحارث قال سمعت عائشة تقول دعتنى أم حبيبة عند موتها فقالت قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فقلت يغفر الله لى ولك ما كان من ذلك كله وتجاوزت وحاللتك فقالت سررتينى سرك الله وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لهل مثل ذلك (8/28)
سنة خمس وأربعين
فبها ولى معاوية البصرة للحارث بن عبد الله الأزدى ثم عزله بعد أربعة أشهر وولى زيادا فقدم زياد الكوفة وعليها المغيرة فأقام بها ليأتيه رسول معاوية بولاية البصرة فظن المغيرة أنه قد جاء على إمرة الكوفة فبعث إليه وائل بن حجر ليعلم خبره فاجتمع به فلم يقدر منه على شىء فجاء البريد إلى زياد أن يسير إلى البصرة واستعمله على خراسان وسجستان ثم جمع له الهند والبحرين وعمان ودخل زياد البصرة فى مستهل جمادى الأول فقام فى أول خطبة خطبها وقد وجد الغسق ظاهرا فقال فيها أيها الناس كأنكم لم تسمعوا ما أعد الله من الثواب لأهل الطاعة والعذاب لأهل المعصية تكونون كمن طرقت جبينه الدنيا وفسدت مسامعه الشهوات فاختار الفانية على الباقية ثم ما زال يقيم أمر السلطان ويجرد السيف حتى خافه الناس خوفا عظيما وتركوا ما كانوا فيه من المعاصى الظاهرة واستعان بجماعة من الصحابة وولى عمران بن حصين القضاء بالبصرة وولى الحكم بن عمرو الغفارى نيابة خراسان وولى سمرة بن جندب وعبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك وكان حازم الرأي ذا هيبة داهية وكان مفوها فصيحا بليغا قال الشعبى ما سمعت متكلما قط تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفا من أن يسىء إلا زيادا فانه كان كلما أكثر كان أجمد كلاما وقد كانت له وجاهة عند عمر بن الخطاب وفى هذه السنة غزا الحكم بن عمر نائب زياد على خراسان جبل الأسل عن أمر زياد فقتل منهم خلقا كثيرا وغنم أموالا جمة فكتب إليه زياد إن أمير المؤمنين قد جاء كتابه أن يصطفى له كل صفراء أو بيضاء يعنى الذهب والفضة يجمع كله من هذه الغنيمة لبيت المال فكتب الحكم بن عمرو إن كتاب الله مقدم على كتاب امير المؤمنين وإنه والله لو كانت السموات والأرض على عدو فاتقى الله يجعل له مخرجا ثم نادى فى الناس أن اغدوا على قسم غنيمتكم فقسمها بينهم وخالف زيادا فيما كتب إليه عن معاوية وعزل الخمس كما أمر الله ورسوله ثم قال الحكم إن كان لى عندك خير فاقبضنى إليك فمات بمرو من خراسان رضى الله عنه قال ابن جرير وحج بالناس فى هذه السنة مروان بن الحكم وكان نائب المدينة
وفى هذه السنة توفى زيد بن ثابت الأنصارى أحد كتاب الوحى وقد ذكرنا ترجمته فيهم فى أواخر السيرة وهو الذى كتب هذا المصحف الامام الذى بالشام عن أمر عثمان بن عفان وهو خط جيد قوى جدا فيما رأيته وقد كان زيد بن ثابت من أشد الناس ذكاءا تعلم لسان يهود وكتابهم فى خمسة عشر يوما قال أبو الحسن بن البراء تعلم الفارسية من رسول كسرى فى ثمانية عشر يوما وتعلم الحبشية والرومية والقبطية من خدام رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الواقدى واول مشاهده الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة وفى الحديث الذى رواه أحمد والنسائى وأعلمهم بالفرائض زيد بن (8/29)
ثابت وقد استعمله عمر بن الخطاب على القضاء وقال مسروق كان زيد بن ثابت من الراسخين وقال محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن ابن عباس أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب فقال له تنح يا ابن عم رسول الله فقال لا هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا وقال الأعمش عن ثابت عن عبيدة قال كان زيد بن ثابت من أفكه الناس فى بيته ومن أذمها إذا خرج إلى الرجال وقال محمد بن سيرين خرج زيد بن ثابت إلى الصلاة فوجد الناس راجعين منها فتوارى عنهم وقال من لا يستحيى من الناس لا يستحيى من الله مات فى هذه السنة وقيل فى سنة خمسن وخمسين والصحيح الأول وقد قارب الستين وصلى عليه مروان وقال ابن عباس لقد مات اليوم عالم كبير وقال أبو هريرة مات حبر هذه الأمة
وفيها مات سلمة بن سلامة بن وقش عن سبعين وقد شهد بدرا وما بعدها ولا عقب له وعاصم ابن عدى وقد استخلفه رسول الله حين خرج إلى بدر على قبا واهل العالية وشهد أحدا وما بعدها وتوفى عن خمس وعشرين ومائة وقد بعثه رسول الله هو ومالك بن الدخشم إلى مسجد الضرار فحرقاه
وفيها توفيت حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت حنيس بن حذافة السهمى وهاجرت معه إلى المدينة فتوفى عنها بعد بدر فلما انقضت عدتها عرضها أبوها على عثمان بعد وفاة زوجته رقية بنت الرسول الله صلى الله عليه و سلم فأبى أن يتزوجها فعرضها على أبى بكر فلم يرد عليه شيئا فما كان عن قريب حتى خطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم فتزوجها فعاتب عمر أبا بكر بعد ذلك فى ذلك فقال له أبو بكر إن رسول الله كان قد ذكرها فما كنت لأفشى سر رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو تركها لتزوجتها وقد روينا فى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طلق حفصة ثم راجعها وفى رواية أن جبريل أمره بمراجعتها وقال إنها صوامة قوامة وهى زوجتك فى الجنة وقد أجمع الجمهور أنها توفيت فى شعبان من هذه السنة عن ستين سنه وقيل أنها توفيت أيام عثمان والأول أصح
سنة ست وأربعين
فيها شتى المسلمون ببلاد الروم مع أميرهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وقيل كان أميرهم غيره والله أعلم وحج بالناس عتبة بن أبى سفيان أخو معاوية والعمال على البلاد هم المتقدم ذكرهم وممن توفى فى هذه السنة سالم بن عمير أحد البكائين المذكورين فى القرآن شهد بدرا وما بعدها من المشاهد كلها (8/30)
سراقة بم كعب شهد بدرا وما بعدها عبد الرحمن بن خال بن الوليد
القرشى المخزومى وكان من الشجعان المعروفين والأبطال المشهورين كابيه وكان قد عظم ببلاد الشام لذلك حتى خاف منه معاوية ومات وهو مسموم رحمه الله وأكرم مثواه قال ابن منده وابو نعيم الأصبهانى أدرك النبى صلى الله عليه و سلم وقد روى ابن عساكر من طريق أبى عمر أن عمرو بن قيس روى عنه عن النبى صلى الله عليه و سلم فى الحجامة بين الكتفين قال البخارى وهو منقطع يعنى مرسلا وكان كعب بن جعيل مداحا له ولأخويه مهاجر وعبد الله وقال الزبير بن بكار كان عظيم القدر فى أهل الشام شهد صفين مع معاوية وقال ابن سميع كان يلى الصوائف زمن معاوية وقد حفظ عن معاوية وقد ذكر ابن جرير وغيره أن رجلا يقال له ابن أثال وكان رئيس الذمة بأرض حمص سقاه شربة فيها سم فمات وزعم بعضهم أن ذلك عن أمر معاوية له فى ذلك ولا يصح ورثاه بعضهم فقال ... أبوك الذى قاد الجيوش مغريا ... إلى الروم لما أعطت الخرج فارس ... وكم من فتى نبهته بعد هجعة ... بقرع لجام وهو أكتع ناعس ... وما يستوى الصفان صف لخالد ... وصف عليه من دمشق البرانس ...
وقد ذكروا أن خالد بن عبد الرحمن بن خالد قدم المدينة فقال له عروة بن الزبير ما فعل ابن أثال فسكت ثم رجع إلى حمص فثار على ابن أثال فقتله فقال قد كفيتك إياه ولكن ما فعل ابن جرموز فسكت عروة ومحمد بن مسلمة فى قول وقد تقدم
{ هرم بن حبان العبدى } وهو أحد عمال عمر بن الخطاب ولقى أويسا القرنى وكان من عقلاء الناس وعلمائهم ويقال إنه لما دفن جاءت سحابة فروت قبره وحده ونبت العشب عليه من وقته والله أعلم
سنة سبع وأربعين
فيها شتى المسلمون ببلاد الروم وفيها عزل معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص عن ديار مصر وولى عليها معاوية بن خديج وحج بالناس عتبة وقيل أخوه عنبسة بن أبى سفيان فالله أعلم
وممن توفى فيها قيس بن عاصم المنقرى كان من سادات الناس فى الجاهلية والإسلام وكان ممن حرم الخمر فى الجاهلية والاسلام وذلك أنه سكر يوما فعبث بذات محرم منه فهربت منه فلما أصبح قيل له فى ذلك فقال فى ذلك ... رأيت الخمر منقصة وفيها ... مقابح تفضح الرجل الكريما ... فلا والله أشربها حياتى ... ولا أشفى بها أبدا سقيما ... وكان إسلامه مع وفد بنى تميم وفى بعض الأحاديث أن رسول الله قال هذا سيد أهل الوبر (8/31)
وكان جوادا ممدحا كريما وهو الذى يقول فيه الشاعر ... وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما ...
وقال الأصمعى سمعت أبا عمرو بن العلاء وأبا سفيان بن العلاء يقولان قيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم قال من قيس بن عاصم المنقرى لقد اختلفنا إليه فى الحكم كما يختلف إلى الفقهاء فبينا نحن عنده يوما وهو قاعد بفنائه محتب بكسائه أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف فقالوا هذا ابنك قتله ابن أخيك قال فوالله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه ثم التفت إلى ابن له فى المسجد فقال اطلق عن ابن عمك ووار أخاك واحمل إلى أمه مائة من الابل فانها غريبة ويقال إنه لما حضرته الوفاة جلس حوله بنوه وكانوا اثنين وثلاثين ذكرا فقال لهم يا بنى سودوا عليكم أكبركم تخلفوا أباكم ولا تسودوا أصغركم فيزدرى بكم أكفاؤكم وعليكم بالمال واصطناعه فانه نعم ما يهبه الكريم ويستغنى به عن اللئيم واياكم ومسألة الناس فانها من أخس مكسبة الرجل ولا تنوحوا على فان رسول الله لم ينح عليه ولا تدفنونى حيث يشعر بكر بن وائل فانى كنت أعاديهم فى الجاهلية وفيه يقول الشاعر
... عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما ... تحية من أوليته منك منة ... إذا ذكرت مثلها تملأ الفما ... فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما ... ثم دخلت سنة ثمان وأربعين
فيها شتى أبو عبد الرحمن القنبي بالمسلمين ببلاد انطاكيا وفيها غزا عقبة بن عامر بأهل مصر البحر وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم نائب المدينة
سنة تسع وأربعين
فيها غزا يزيد بن معاوية بلاد الروم حتى بلغ قسطنطينية ومعه جماعات من سادات الصحابة منهم ابن عمرو ابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب الأنصارى وقد ثبت فى صحيح البخارى أن رسول الله ص قال أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فكان هذا الجيش أول من غزاها وما وصلوا إليها حتى بلغوا الجهد وفيها توفى أبو أيوب خالد بن زيد الأنصارى و [ قيل ] لم يمت فى هذه الغزوة بل بعدها سنة إحدى أو ثنتين أو ثلاث وخمسين كما سيأتى وفيها عزل معاوية مروان عن المدينة وولى عليها سعيد بن العاص فاستقضى سعيد عليها أبا سلمة بن عبد الرحمن وفيها شتى مالك بن هبيرة الفزارى بأرض الروم وفيها كانت غزوة فضالة بن عبيد وشتى هنالك ففتح البلد وغنم شيئا كثيرا وفيها كانت صائفة عبد الله بن كرز وفيها وقع الطاعون بالكوفة فخرج (8/32)
منها المغيرة فارا فلما ارتفع الطاعون رجع إليها فأصابه الطاعون فمات والصحيح أنه مات سنة خمسين كما سيأتى فجمع معاوية لزياد الكوفة إلى البصرة فكان أول من جمع له بينهما فكان يقيم فى هذه ستة أشهر وهذه ستة أشهر وكان يستخلف على البصرة سمرة بن جندب وحج بالناس فى هذه السنة سعيد بن العاص
ذكر من توفى فى هذه السنة من الأعيان
الحسن بن على بن أبى طالب
أبو محمد القرشى الهاشمى سبط رسول الله ص ابن ابنته فاطمة الزهراء وريحانته وأشبه خلق الله به فى وجهه ولد للنصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة فحنكه رسول الله بريقه وسماه حسنا وهو أكبر ولد أبويه وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبه حبا شديدا حتى كان يقبل ذبيبته وهو صغير وربما مص لسانه واعتنقه وداعبه وربما جاء رسول الله ص ساجد فى الصلاة فيركب على ظهره فيقره على ذلك ويطيل السجود من أجله وربما صعد معه إلى المنبر وقد ثبت فى الحديث أنه عليه السلام بينما هو يخطب إن رأى الحسن والحسين مقبلين فنزل إليهما فاحتضنهما وأخذهما معه إلى المنبر وقال صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة إنى رأيت هذين يمشيان ويعثران فلم أملك أن نزلت إليهما ثم قال إنكم لمن روح الله وإنكم لتبجلون وتحببون وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي عاصم عن عمر بن سعيد سعيد بن أبي حسين عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث أن أبا بكر صلى بهم العصر بعد وفاة رسول الله بليال ثم خرج هو وعلى يمشيان فرأى الحسن يلعب مع الغلمان فاحتمله على عنقه وجعل يقول يابابى شبه النبى ليس شبيها بعلى قال وعلى يضحك وروى سفيان الثورى وغير واحد قالوا ثنا وكيع ثنا إسماعيل بن أبى خالد سمعت أبا جحيفة يقول رأيت النبى ص وكان الحسن بن على يشبهه ورواه البخارى ومسلم من حديث إسماعيل بن أبى خالد قال وكيع لم يسمع إسماعيل من أبى جحيفة إلا هذا الحديث وقال أحمد ثنا أبو داود الطيالسى ثنا زمعة عن ابن أبى مليكة قالت كانت فاطمة تنقر للحسن بن على وتقول يابابى شبه النبى ليس شبيها بعلى وقال عبد الرزاق وغيره عن معمر عن الزهرى عن أنس قال كان الحسن بن على أشبههم وجها برسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه أحمد عن عبد الرزاق بنحوه وقال أحمد ثنا حجاج ثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن هانىء عن على قال الحسن أشبه برسول الله ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه برسول الله ما أسفل من ذلك ورواه الترمذي من حديث إسرائيل وقال حسن غريب وقال أبو داود الطيالسى ثنا قيس عن أبى إسحاق عن هانىء بن هانىء عن على قال كان الحسن أشبه الناس برسول الله من وجهه إلى سرته وكان الحسين أشبه الناس به (8/33)
ما أسفل من ذلك وقد روى عن ابن عباس وابن الزبير أن الحسن بن على كان يشبه النبى ص وقال أحمد ثنا حازم بن الفضيل ثنا معتمر عن أبيه قال سمعت أبا تميمة يحدث عن أبى عثمان النهدى يحدثه أبو عثمان عن أسامة بن زيد قال كان النبى ص يأخذنى فيقعدنى على فخده ويقعد الحسن على فخده الأخرى ثم يضمنا ثم يقول اللهم ارحمهما فأنى ارحمهما كذا رواه البخارى عن النهدى عن محمد بن الفضيل أخو حازم به وعن على بن المدينى عن يحيى القطان عن سليمان التيمى عن أبى تميمة عن أبى عثمان عن أسامة وأخرجه أيضا عن موسى بن إسماعيل ومسدد عن معتمر عن أبيه عن أبى عثمان عن أسامة فلم يذكر أبا تميمة والله أعلم وفى رواية اللهم إنى أحبهما فأحبهما وقال شعبة عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب قال رأيت النبى صلى الله عليه و سلم والحسن بن على عاتقه وهو يقول اللهم إنى أحبه فأحبه أخرجاه من حديث شعبة ورواه على بن الجعد عن فضيل بن مرزوق عن عدى عن البراء فزاد وأحب من أحبه وقال الترمذى حسن صحيح وقال أحمد ثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبى يزيد عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبى هريرة عن النبى ص قال للحسن بن على اللهم إنى أحبه فأحبه وأحب من يحبه ورواه مسلم عن أحمد وأخرجاه من حديث شعبة وقال أحمد ثنا أبو النضر ثنا ورقاء عن عبيد الله عن أبى يزيد عن نافع بن جبير عن أبى هريرة قال كنت مع النبى ص فى سوق من أسواق المدينة فانصرف وانصرفت معه فجاء إلى فناء فاطمة فقال أى لكع أى لكغ أى لكع فلم يجبه أحد فانصرف وانصرفت معه إلى فناء فقعد قال فجاء الحسن بن على قال أبو هريرة ظننا أن أمه حبسته لتجعل فى عنقه السخاب فلما دخل التزمه رسول الله والتزم هو رسول الله ثم قال إنى أحبه وأحب من يحبه ثلاث مرات وأخرجاه من حديث سفيان بن عيينة عن عبد الله به وقال أحمد ثنا حماد الخياط ثنا هشام بن سعد عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبى هريرة قال خرج رسول الله إلى سوق بنى قينقاع متكئا على يدى فطاف فيها ثم رجع فاحتبى فى المسجد وقال أين لكاع ادعوا لى لكاع فجاء الحسن فاشتد حتى وثب فى حبوته فأدخل فمه فى فمه ثم قال اللهم إنى أحبه فأحبه وأحب من يحبه ثلاثا قال أبو هريرة ما رأيت الحسن إلا فاضت عينى أو قال دمعت عينى أو بكيت وهذا على شرط مسلم ولم يخرجوه وقد رواه الثورى عن نعيم عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة فذكر مثله أو نحوه ورواه معاوية بن أبى برود عن أبيه عن أبى هريرة بنحوه وفيه زيادة وروى أبو إسحاق عن الحارث عن على نحوا من هذا ورواه عثمان بن أبى اللباب عن ابن أبى مليكة عن عائشة بنحوه وفيه زيادة وروى أبو إسحاق عن الحارث عن على نحوا من هذا السياق وقال سفيان الثورى وغيره عن سالم بن أبى حفصة عن أبى حازم عن أبى هريرة قال قال (8/34)
رسول الله ص من أحب الحسن والحسين فقد أحبنى ومن أبغضهما فقد أبغضنى غريب من هذا الوجه وقال أحمد ثنا ابن نمير ثنا الحجاج يعنى ابن دينار عن جعفر بن إياس عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبى هريرة قال خرج علينا رسول الله ومعه حسن وحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال له رجل يا رسول الله إنك لتحبهما فقال من أحبهما فقد أحبنى ومن أبغضهما فقد أبغضنى تفرد به أحمد وقال أبو بكر ابن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله قال كان رسول الله ص يصلى فجاء الحسن والحسين فجعلا يتوثبان على ظهره إذا سجد فأراد الناس زجرهما فلما سلم قال للناس هذان ابناى من أحبهما فقد أحبنى ورواه النسائى من حديث عبيد الله بن موسى عن على بن صالح عن عاصم به وقد ورد عن عائشة وأم سلمة أمى المؤمنين أن رسول الله اشتمل على الحسن والحسين وأمهما وأبيهما فقال اللهم هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وقال محمد بن سعد ثنا محمد ابن عبد الله الأسدى ثنا شريك عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن ابن على وقد رواه وكيع عن الربيع بن سعد عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر فذكر مثله وإسناده لا بأس به ولم يخرجوه وجاء من حديث على وأبى سعيد وبريده أن رسول الله قال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما وقال أبو القاسم البغوى ثنا داود بن عمرو ثنا إسماعيل ابن عياش حدثنى عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعد بن راشد عن يعلى بن مرة قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله فجاء أحدهما قبل الآخر فجعل يده تحت رقبته ثم ضمه إلى إبطه ثم جاء الآخر فجعل يده إلى الأخرى فى رقبته ثم ضمه إلى إبطه وقبل هذا ثم قبل هذا ثم قال اللهم إنى أحبهما فأحبهما ثم قال أيها الناس إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عم أبى خيثم عن محمد بن الأسود بن خلف عن أبيه أن رسول الله أخذ حسنا فقبله ثم أقبل عليهم فقال إن الولد مبخلة مجبنة وقال ابن خزيمة ثنا عبدة بن عبد الله الخزاعى ثنا زيد بن الحباب ح وقال أبو يعلى أبو خيثمة ثنا زيد بن الحباب حدثنى حسين بن واقد حدثنى عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله ص يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان فنزل رسول الله إليهما فأخذهما فوضعهما فى حجره على المنبر ثم قال صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين الصبين فلم أصبر ثم أخذ فى خطته وقد رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه من حديث الحسين بن واقد وقال الترمذى حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه وقد رواه محمد الضمرى عن زيد بن أرقم فذكر القصة للحسن وحده وفى (8/35)
حديث عبد الله بن شداد عن أبيه أن رسول الله صلى بهم إحدى صلاتى العشى فسجد سجدة أطال فيها السجود فلما سلم قال الناس له فى ذلك قال إن ابنى هذا يعنى الحسن ارتحلنى فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته وقال الترمذى عن أبى الزبير عن جابر قال دخلت على رسول الله وهو حامل الحسن والحسين على ظهره وهو يمشى بهما على أربع فقلت نعم الحمل حملكما فقال ونعم العدلان هما على شرط مسلم ولم يخرجوه وقال أبو يعلى ثنا أبو هاشم ثنا أبو عامر ثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج رسول الله وهو حامل الحسن على عاتقه فقال له رجل يا غلام نعم المركب ركبت فقال رسول الله ونعم الراكب هو وقال أحمد حدثنا تليد بن سليمان ثنا أبو الحجاف عن أبى حازم عن أبى هريرة قال نظر رسول الله إلى على وحسن وحسين وفاطمة فقال أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم وقد رواه النسائى من حديث أبى نعيم وابن ماجه من حديث وكيع كلاهما عن سفيان الثورى عن أبى الحجاف داود بن أبى عوف قال وكيع وكان مريضا عن أبى حازم عن أبى هريرة أن رسول الله قال عن الحسن والحسين من أحبهما فقد أحبنى ومن أبغضهما فقد أبغضنى وقد رواه أسباط عن السدى عن صبيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم فذكره وقال بقية عن يجير بن سعيد عن خالد ابن معدان عن المقدام بن معدى كرب قال سمعت رسول الله يقول الحسن مني والحسين من على فيه نكارة لفظا ومعنى وقال أحمد ثنا محمد بن أبى عدى عن ابن عوف عن عمير بن إسحاق قال كنت مع الحسن بن على فلقينا أبو هريرة فقال أرنى أقبل منك حيث رأيت رسول الله يقبل فقال بقميصه قال فقبل سرته تفرد به أحمد ثم رواه عن إسماعيل بن علية عن ابن عوف وقال أحمد ثنا هاشم بن القاسم عن جرير عن عبد الرحمن أبى عوف الجرشى عن معاوية قال رأيت رسول الله يمص لسانه أو قال شفته يعنى الحسن بن على وإنه لن يعذب لسان أو شفتان يمصهما رسول الله صلى الله عليه و سلم تفرد به أحمد وقد ثبت فى الصحيح عن أبى بكرة وروى أحمد عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ص قال إن ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وقد تقدم هذا الحديث فى دلائل النبوة وتقدم قريبا عند نزول الحسن لمعاوية عن الخلافة ووقع ذلك تصديقا لقوله صلى الله عليه و سلم هذا وكذلك ذكرناه فى كتاب دلائل النبوة ولله الحمد والمنة وقد كان الصديق يجله ويعظمه ويكرمه ويحبه ويتفداه وكذلك عمر ابن الخطاب فروى الواقدى عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى عن أبيه أن عمر لما عمل الديوان فرض للحسن والحسين مع أهل بدر فى خمسة آلاف خمسة آلاف وكذلك كان عثمان بن عفان يكرم الحسن والحسين ويحبهما وقد كان الحسن بن على يوم الدار وعثمان بن عفان محصور (8/36)
عنده ومعه السيف متقلدا به يحاجف عن عثمان فخشى عثمان عليه فأقسم عليه ليرجعن إلى منزلهم تطييا لقلب على وخوفا عليه رضى الله عنهم وكان على يكرم الحسن إكراما زائدا ويعظمه ويبجله وقد قال له يوما يا بنى ألا تخطب حتى أسمعك فقال إنى أستحى أن أخطب وأنا أراك فذهب على فجلس حيث لا يراه الحسن ثم قام الحسن فى الناس خطيبا وعلى يسمع فأدى خطبة بليغة فصيحة فلما انصرف جعل على يقول ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم وقد كان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ويرى هذا من النعم عليه وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما رضى الله عنهما وأرضاهما وكان ابن الزبير يقول والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن على وقال غيره كان الحسن إذا صلى الغداة فى مسجد رسول الله يجلس فى مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس ويجلس إليه من يجلس من سادات الناس يتحدثون عنده ثم يقول فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهن وربما أتحفنه ثم ينصرف إلى منزله ولما نزل لمعاوية عن الخلافة من ورعه صيانة لدماء المسلمين كان له على معاوية فى كل عام جائزة وكان يفد إليه فربما أجازه بأربعمائة درهم وراتبه فى كل سنة مائة ألف فانقطع سنة عن الذهاب وجاء وقت الجائزة فاحتاج الحسن اليها وكان من أكرم الناس فأراد أن يكتب إلى معاوية ليبعث بها إليه فلما نام تلك الليلة رأى رسول الله فى المنام فقال له يا بنى أتكتب إلى مخلوق بحاجتك وعلمه دعاء يدعو به فترك الحسن ما كان هم به من الكتابة فذكره معاوية وافتقده وقال ابعثوا إليه بمائتى ألف فلعل له ضرورة فى تركه القدوم علينا فحملت إليه من غير سؤال قال صالح بن أحمد سمعت أبي يقول الحسن بن على مدنى ثقة حكاه ابن عساكر فى تاريخه قالوا وقاسم الله ماله ثلاث مرات وخرج من ماله مرتين وحج خمسا وعشرين مرة ماشيا وإن الجنائب لتقاد بين يديه وروى ذلك البيهقى من طريق عبيد الله بن عمير عن ابن عباس وقال على بن زيد بن جدعان وقد علق البخارى فى صحيحه أنه حج ماشيا والجنائب تقاد بين يديه وروى داود بن رشيد عن حفص عن جعفر بن محمد عن أبيه قال حج الحسن بن على ماشيا والجنائب تقاد بين يديه ونجائبه تقاد إلى جنبه وقال العباس بن الفضل عن القاسم عن محمد بن على قال قال الحسن بن على إنى لأستحى من ربى أن ألقاه ولم امش إلى بيته فمشى عشرين مرة إلى المدينة عى رجليه قالوا وكان يقرأ فى بعض خطبه سورة إبراهيم وكان يقرأ كل ليلة سورة الكهف قبل أن ينام يقرؤها من لوح كان يدور معه حيث كان من بيوت نسائه فيقرؤه بعد ما يدخل فى الفراش قبل أن ينام رضى الله عنه وقد كان من الكرم على جانب عظيم قال محمد بن سيرين ربما أجاز الحسن بن على على الرجل الواحد بمائة ألف وقال سعيد بن عبد العزيز سمع الحسن رجلا (8/37)
إلى جانبه يدعو الله أن يملكه عشرة آلاف درهم فقام إلى منزله فبعث بها إليه وذكروا أن الحسن رأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة ويطعم كلبا هناك لقمة فقال له ما حملك على هذا فقال إنى أستحى منه أن آكل ولا أطعمه فقال له الحسن لا تبرح من مكانك حتى آتيك فذهب إلى سيده فاشتراه واشترى الحائط الذى هو فيه فأعتقه وملكه الحائط فقال الغلام يا مولاى قد وهبت الحائط للذى وهبتنى له قالوا وكان كثير التزوج وكان لا يفارقه أربع حرائر وكان مطلاقا مصداقا يقال أنه أحصن سبعين امرأة وذكروا أنه طلق امرأتين فى يوم واحدة من بنى أسد وأخرى من بنى فزارة فزارية وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف وبزقاق من عسل وقال للغلام اسمع ما تقول كل واحدة منهما فاما الفزارية فقالت جزاه الله خيرا ودعت له واما الأسدية فقالت متاع قليل من حبيب مفارق فرجع الغلام إليه بذلك فارتجع الأسدية وترك الفزارية وقد كان علي يقول لأهل الكوفة لا تزوجوه فانه مطلاق فبقولون والله يا أمير المؤمنين لو خطب إلينا كل يوم لزوجناه منا من شاء ابتغاء فى صهر رسول الله ص وذكروا أنه نام مع امرأته خولة بنت منظور الفزارى وقيل هند بنت سهيل فوق إجار فعمدت المرأة فربطت رجله بخمارها إلى خلخالها فلما استيقظ قال لها ما هذا فقالت خشيت أن تقوم من وسن النوم فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب فأعجبه ذلك منها واستمر بها سبعة أيام بعد ذلك وقال أبو جعفر الباقر جاء رجل إلى الحسين بن على فاستعان به فى حاجة فوجده معتكفا فاعتذر إليه فذهب إلى الحسن فاستعان به فقضى حاجته وقال لقضاء حاجة أخ لى فى الله أحب إلى من اعتكاف شهر وقال هشيم عن منصور عن ابن سيرين قال كان الحسن بن على لا يدعو إلى طعامه أحدا يقول هو أهون من أن يدعى إليه أحد وقال أبو جعفر قال على يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن بن على فانه مطلاق فقال رجل من هذان والله لنزوجنه فما رضى أمسك وما كره طلق وقال أبو بكر الخرائطى فى كتاب مكارم الأخلاق ثنا ابن المنذر هو إبراهيم ثنا القواريرى ثنا عبد الأعلى عن هشام عن محمد بن سيرين قال تزوج الحسن بن على امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم وقال عبد الرزاق عن الثورى عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن الحسن بن سعد عن أبيه قال متع الحسن بن على امرأتين بعشرين ألفا وزقاق من على فقالت أحداهما وأراها الحنفية متاع قليل من حبيب مفارق وقال الواقدى حدثنى على بن عمر عن أبيه عن على بن الحسين قال كان الحسن بن على مطلاقا للنساء وكان لا يفارق امرأة إلا وهى تحبه وقال جويرية بن أسماء لما مات الحسن بكى عليه مروان فى جنازته فقال له الحسين أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه فقال إنى كنت أفعل إلى أحلم من هذا وأشار هو (8/38)
إلى الجبل وقال محمد بن سعد أنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدى عن ابن عون عن محمد بن إسحاق قال ما تكلم عندى أحد كان أحب إلى اذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن على وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة فانه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة فقال ليس له عندنا إلا ما رغم أنفه فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه قط قال محمد بن سعد وانا الفضل بن دكين أنا مساور الجصاص عن رزين بن سوار قال كان بين الحسن ومروان خصومة فجعل مروان يغلظ للحسن وحسن ساكت فامتخط مروان بيمينه فقال له الحسن ويحك أما علمت أن اليمنى للوجه والشمال للفرج أف لك فسكت مروان وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد قيل للحسن بن على إن أبا زر يقول الفقر أحب إلى من الغنى والسقم أحب إلى من الصحة فقال رحم الله أبا زر اما أنا فأقول من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أن يكون فى غير الحالة التى اختار الله له وهذا أحد الوقوف على الرضا بما تعرف به القضاء وقال أبو بكر محمد بن كسيان الأصم قال الحسن ذات يوم لأصحابه إنى أخبركم عن أخ لى كان من أعظم الناس فى عينى وكان عظيم ما عظمه فى عينى صغر الدنيا فى عينه كان خارجا عن سلطان بطنه فلا يشتهى مالا يجد ولا يكثر إذا وجد وكان خارجا عن سلطان فرجه فلا يستخف له عقله ولا رأيه وكان خارجا عن سلطان جهله فلا يمد يدا إلا على ثقة المنفعة ولا يخطو خطوة إلا لحسنة وكان لا يسخط ولا يتبرم كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت كان أكثرهم دهره صامتا فإذا قال يذر القائلين وكان لا يشارك فى دعوى ولا يدخل فى مراء ولا يدلى بحجة حتى يرى قاضيا يقول مالا يفعل ويفعل مالا يقول تفضلا وتكرما كان لا يغفل عن إخوته ولا يستخص بشىء منهم كان لا يكرم أحدا فيما يقع العذر بمثله كان إذا ابتداه أمران لا يرى أيهما أقرب إلى الحق نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه رواه ابن عساكر والخطيب وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا الحريرى ثنا بدر بن الهيثم الحضرمى ثنا على بن المنذر الطريفى ثنا عثمان ابن سعيد الدارمى ثنا محمد بن عبد الله أبو رجاء من أهل تستر ثنا شعبة بن الحجاج الواسطى عن أبى إسحاق الهمدانى عن الحارث الأعور أن عليا سأل ابنه يعنى الحسن عن أشياء من المروءة فقال يا بنى ما السداد قال يا أبة السداد دفع المنكر بالمعروف قال فما الشرف قال اصطناع العشيرة وحمل الجريرة قال فما المروءة قال العفاف واصلاح المرء ماله قال فما الدنيئة قال النظر فى اليسير ومنع الحقير قال فما اللوم قال احتراز المرء نفسه وبذله عرسه قال فما السماحة قال البذل فى العسر واليسر قال فما الشح قال أن ترى ما فى يديك سرفا وما أنفقته تلفا قال فما الاخاه قال الوفاء فى الشدة والرخاء قال فما الجبن قال الجرأة (8/39)
على الصديق والنكول عن العدو قال فما الغنيمة قال الرغبة فى التقوى والزهادة فى الدنيا قال فما الحلم قال كظم الغيظ وملك النفس قال فما الغنى قال رضى النفس بما قسم الله لها وإن قل فانما الغنى غنى النفس قال فما الفقر قال شره النفس فى كل شىء قال فما المنعة قال شدة البأس ومقارعة أشد الناس قال فما الذل قال الفزع عند المصدوقية قال فما الجرأة قال موافقة الأقران قال فما الكلفة قال كلامك فيما لا يعنيك قال فما المجد قال أن تعطى فى الغرم وأن تعفو عن الجرم قال فما العقل قال حفظ القلب كل ما استرعيته قال فما الخرق قال معاداتك أمامك ورفعك عليه كلامك قال فما الثناء قال إتيان الجميل وترك القبيح قال فما الحزم قال طول الأناة والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم قال فما الشرف قال موافقة الاخوان وحفظ الجيران قال فما السفه قال اتباع الدناة ومصاحبة الغواة قال فما الغفلة قال تركك المسجد وطاعتك المفسد قال فما الحرمان قال تركك حظك وقد عرض عليك قال فمن السيد قال الأحمق فى المال المتهاون بعرضه يشتم فلا يجيب المتحرن بأمر العشيرة هو السيد قال ثم قال على يا بنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا فقر أشد من الجهل ولا مال أفضل من العقل ولا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا عقل كالتدبير ولا حسب كحسن الخلق ولا ورع كالكف ولا عبادة كالتفكر ولا إيمان كالحياء ورأس الإيمان الصبر وآفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان وآفة الحلم السفه وآفة العبادة الفتره وآفة الطرف الصلف وآفة الشجاعة البغى وآفة السماحة المن وآفة الجمال الخيلاء وآفة الحب الفخر ثم قال على يا بنى لا تستخفن برجل تراه أبدا فان كان أكبر منك فعده أباك وإن كان مثلك فهو أخاك وإن كان أصغر منك فاحسب أنه إبنك فهذا ما سأل على ابنه عن أشياء من المروءة قال القاضى أبو الفرج ففى هذا الخبر من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه وحفظه ووغاه وعمل به وأدب نفسه بالعمل عليه وهذبها بالرجوع إليه وتتوفر فائدته بالوقوف عنده وفيما رواه أمير المؤمنين وأضعافه عن النبى ص مالا غنى لكل لبيب عليم وقدرة حكيم عن حفظه وتأمله والمسعود من هدى لتلقيه والمجدود من وفق لامتثاله وتقبله قلت ولكن إسناد هذا الأثر وما فيه من الحديث المرفوع ضعيف ومثل هذه الألفاظ فى عبارتها ما يدل ما فى بعضها من النكارة على أنه ليس بمحفوظ والله أعلم وقد ذكر الأصمعى والعتبى والمدائنى وغيرهم أن معاوية سأل الحسن عن أشياء تشبه هذا فأجابه بنحوما تقدم لكن هذا السياق أطول بكثير مما تقدم فالله أعلم وقال على بن العباس الطبرانى كان على خاتم الحسن بن على مكتوبا (8/40)
قدم لنفسك ما استطعت من التقى ... إن المنية نازلة بك يا فتى ... أصبحت ذا فرح كأنك لا ترى ... أحباب قلبك فى المقابر والبلى ...
قال الامام أحمد حدثنا مطلب بن زياد بن محمد ثنا محمد بن أبان قال قال الحسن بن على لبنيه وبنى أخيه تعلموا فأنكم صغار قوم اليوم وتكونوا كبارهم غدا فمن لم يحفظ منكم فليكتب ورواه البهيقى عن الحاكم عن عبد الله بن أحمد عن أبيه وقال محمد بن سعد ثنا الحسن بن موسى وأحمد بن يونس قالا ثنا زهير بن معاوية ثنا أبو إسحاق عن عمرو لأصم قال قلت للحسن بن على إن هذه الشيعة تزعم أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة قال كذبوا والله ما هؤلاء بالشيعة لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا اقتسمنا ماله وقال عبد الله بن أحمد حدثنى أبو على سويد الطحان ثنا على بن عاصم ثنا أبو ريحانة عن سفينة عن النبى صلى الله عليه و سلم قال الخلافة بعدى ثلاثون سنة فقال رجل كان حاضرا فى المجلس قد دخلت من هذه الثلاثين سنة شهور فى خلافة معاوية فقال من هاهنا أتيت تلك الشهور كانت البيعة للحسن بن على بايعه أربعون ألفا أواثنان وأربعون ألفا
وقال صالح بن أحمد سمعت أبى يقول بايع الحسن تسعون ألفا فزهد فى الخلافة وصالح معاوية ولم يسل فى أيامه محجمة من دم وقال ابن أبى خيثمة وحدثنا أبى ثنا وهب بن جرير قال قال أبى فلما قتل على بايع أهل الكوفة الحسن بن على وأطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لأبيه وقال ابن أبى خيثمة ثنا هارون بن معروف ثنا ضمرة عن ابن شوذب قال لما قتل على سار الحسن فى أهل العراق وسار معاوية فى أهل الشام فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن جعل العهد للحسن من بعده قال فكان أصحاب الحسن يقولون يا عار المؤمنين قال فيقول لهم العار خير من النار وقال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثنا العباس بن هشام عن أبيه قال لما قتل على بايع الناس الحسن بن على فوليها سبعة وأحد عشر يوما وقال غير عباس بايع الحسن أهل الكوفة وبايع أهل الشام معاوية بايلياء بعد قتل على وبويع بيعة العامة ببيت المقدس يوم الجمعة من آخر سنة أربعين ثم لقى الحسن معاوية بمسكن من سواد الكوفة فى سنة إحدى وأربعين فاصطلحا وبايع الحسن معاوية وقال غيره كان صلحهما ودخول معاوية الكوفة فى ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وقد تكلمنا على تفصيل ذلك فيما تقدم بما أغنى عن إعادته ها هنا
وسأصل ؟ ؟ ذلك أنه اصطلح مع معاوية على أن يأخذ ما فى بيت المال الذى بالكوفة فوفى له معاوية بذلك فاذا فيه خمسة آلاف ألف وقيل سبعة آلاف ألف وعلى أن يكون خراج وقيل دار ايجرد له فى كل عام فامتنع أهل تلك الناحية عن أداء الخراج إليه فعوضه معاوية عن كل ستة آلاف ألف درهم فى كل عام فلم يزل يتناولها مع ماله فى كل زيادة من الجوائز والتحف والهدايا إلى أن توفى فى (8/41)
هذا العام وقال محمد بن سعد عن هودة بن خليفة عن عوف عن محمد بن سيرين قال لما دخل معاوية الكوفة وبايعه الحسن بن على قال أصحاب معاوية لمعاوية مر الحسن بن على أن يخطب فانه حديث السن عينى فلعله يتلعثم فيتضع فى قلوب الناس فأمره فقام فاختطب فقال فى خطبته أيها الناس لو اتبعتم بين جابلق وجابرس رجلا جده نبي يرى وغير أخى لم تجدوه وإنا قد أعطينا بيعتنا لمعاوية ورأينا أن حقن دماء المسلمين خير من إهراقها والله ما أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين وأشار إلى معاوية فغضب من ذلك وقال ما أردت من هذه قال أردت منها ما أراد الله منها فصعد معاوية وخطب بعده وقد رواه غير واحد وقدمنا أن معاوية عتب على أصحابه
وقال محمد بن سعد ثنا أبو داود الطيالسى ثنا شعبة عن يزيد قال سمعت جبير بن نفير الحضرمى يحدث عن أبيه قال قلت للحسن بن على إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة فقال كانت جماجم العرب بيدى يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله ثم أثيرها ثانيا من أهل الحجاز وقال محمد بن سعد أنا على بن محمد عن إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم قال دخل رجل على الحسن بن على وهو بالمدينة وفى يده صحيفة فقال ما هذه فقال ابن معاوية يعدنيها ويتوعد قال قد كنت على النصف منه قال أجل ولكن خشيت أن يجىء يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون ألفا أو أكثر أو أقل تنضح أوداجهم دما كلهم يستعدى الله فيم هريق دمه وقال الأصمعى عن سلام بن مسكين عن عمران بن عبد الله قال رأى الحسن بن على فى منامه أنه مكتوب بين عينيه قل هو الله أحد ففرح بذلك فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقى من أجله قال فلم يلبث الحسن بن على بعد ذلك إلا أياما حتى مات وقال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثنا عبد الرحمن بن صالح العتكى ومحمد بن عثمان العجلى قالا ثنا أبو أسامة عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال دخلت أنا ورجل آخر من قريش على الحسن ابن على فقام فدخل المخرج ثم خرج فقال لقد لفظت طائفة من كبدى أقلبها بهذا العود ولقد سقيت السم مرارا وما سقيت مرة هى أشد من هذه قال وجعل يقول لذلك الرجل سلنى قبل أن لا تسألنى فقال ما أسألك شيئا يعافيك الله قال فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من الغد وقد أخذ فى السوق فجاء حسين حتى قعد عند رأسه فقال أى أخى من صاحبك قال تريد قتله قال نعم قال لئن كان صاحبى الذى أظن لله أشد نقمة وفى رواية فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا وإن لم يكنه ما أحب أن تقتل بى بريئا ورواه محمد بن سعد عن ابن علية عن أبى عون وقال محمد بن عمر الواقدى حدثنى عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور قالت الحسن سقى مرارا كل ذلك يفلت منه حتى كانت المرة الآخرة التى مات فيها فانه كان يختلف كبده فلما مات أقام (8/42)
نساء بنى هاشم عليه النوح شهرا وقال الواقدى وحدثنا عبدة بنت نائل عن عائشة قالت حد نساء بنى هاشم على الحسن بن على سنة قال الواقدى وحدثنى عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن حسن قال كان الحسن بن على كثير نكاح النساء وكان قل ما يحظين عنده وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وضنت به فيقال أنه كان سقى سما ثم أفلت ثم سقي فأفلت ثم كانت االآخرة توفى فيها فلما أحضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه هذا رجل قطع السم إمعاءه فقال الحسين يا أبا محمد أخبرنى من سقاك قال ولما يا أخى قال أقتله والله قبل أن أدفنك ولا أقدر عليه أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه فقال يا أخى إنما هذه الدنيا ليال فانية دعه حتى ألتقى أنا وهو عند الله وأبى أن يسميه وقد سمعت بعض من يقول كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما قال محمد بن سعد وأنا يحيى بن حمال أنا أبو عوانة عن المغيرة عن أم موسى أن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم فاشتكى منه شكاة قال فكان يوضع تحته طشت ويرفع آخر نحوا من أربعين يوما وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سمى الحسن وانا أتزوجك بعده ففعلت فلما مات الحسن بعثت إليه فقال انا والله لم نرضك للحسن إفنرضاك لأنفسنا وعندى أن هذا ليس بصحيح وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى وقد قال كثير نمرة فى ذلك ... يا جعد بكيه ولا تسأمى ... بكاء حق ليس بالياطل ... لن تسترى البيت على مثله ... فى الناس من حاف ولا ناعل ... أعنى الذى أسلمه أهله ... للزمن المستخرج الماحل ... كان إذا شبت له ناره ... يرفعها بالنسب الماثل ... كما يراها بائس مرمل ... أو فرد قوم ليس بالآهل ... تغلى بنى اللحم حتى إذا ... أنضج لم تغل على آكل ...
قال سفيان بن عيينة عن رقبة بن مصقلة قال لما احتضر الحسن بن على قال أخرجونى إلى الصحن أنظر فى ملكوت السموات فأخرجوا فراشه فرفع رأسه فنظر فقال اللهم إنى أحتسب نفسى عندك فانها أعز الأنفس على قال فكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه عنده وقال عبد الرحمن بن مهدى لما اشتد بسفيان الثورى المرض جزع جزعا شديدا فدخل عليه مرحوم بن عبد العزيز فقال ما هذا الجزع يا أبا عبد الله تقدم على رب عبدته ستين سنة صمت له صليت له حججت له قال فسرى عن الثورى وقال أبو نعيم لما اشتد بالحسن بن على الوجع جزع فدخل عليه رجل فقال له يا أبا محمد ما هذا الجزع ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك فتقدم على (8/43)
أبويك على وفاطمة وعلى جديك النبى صلى الله عليه و سلم وخديجة وعلى أعمامك حمزة وجعفر وعلى أخوالك القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم وعل خالاتك رقية وام كلثوم وزينب قال فسرى عنه وفى رواية أن القائل له ذلك الحسين وأن الحسن قال له يا أخى إنى أدخل فى أمر من أمر الله لم أدخل فى مثله وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط قال فبكى الحسين رضى الله عنهما رواه عباس الدورى عن ابن معين ورواه بعضهم عن جعفر بن محمد عن أبيه فذكر نحوهما وقال الواقدى ثنا إبراهيم بن الفضل عن أبى عتيق قال سمعت جابر عبد الله يقول شهدنا حسن بن على يوم مات وكادت الفتنة تقع بين الحسين بن على ومروان بن الحكم وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول الله فان خاف أن يكون فى ذلك قتال أو شر فليدفن بالبقيع فأبى مروان ان يدعه ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضى معاوية ولم يزل مروان عدوا لبنى هاشم حتى مات قال جابر فكلمت يومئذ حسين بن على فقلت يا أبا عبد الله اتق الله ولا تثر فتنة فان أخاك كان لا يحب ما ترى فادفنه بالبقيع مع أمه ففعل ثم روى الواقدى حدثنى عبد الله بن نانع عن أبيه عن عمر قال حضرت موت الحسن بن على فقلت للحسين بن على اتق الله ولا تثر فتنة ولا تسفك الدماء وادفن أخاك إلى جانب أمه فان أخاك قد عهد بذلك إليك قال ففعل الحسين وقد روى الواقدى عن أبى هريرة نحوا من هذا وفى رواية أن الحسن بعث يستأذن عائشة فى ذلك فأذنت له فلما مات لبس الحسين السلاح وتسلح بنو أمية وقالوا لا ندعه يدفن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن الحسن بن على فى الحجرة فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبى وقاص وأبو هريرة وجابر وابن عمر على الحسين أن لايقاتل فامتثل ودفن أخاه قريبا من قبر أمه بالبقيع رضى الله عنه وقال سفيان الثورى عن سالم بن أبى حفصة عن أبى حازم قال رأيت الحسين بن على قدم يومئذ سعيد بن العاص فصلى على الحسن وقال لولا أنها سنة ما قدمته وقال محمد بن إسحاق حدثنى مساور مولى بنى سعد بن بكر قال رأيت أبا هريرة قائما على مسجد رسول الله يوم مات الحسن بن على وهو ينادى بأعلا صوته يا أيها الناس مات اليوم حب رسول الله فابكوا وقد اجتمع الناس لجنازته حتى ما كان البقيع يسع أحدا من الزحام وقد بكاه الرجال والنساء سبعا واستمر نساء بنى هاشم ينحن عليه شهرا وحدت نساء بنى هاشم عليه سنة قال يعقوب بن سفيان حدثنا محمد بن يحيى ثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل على وهو ابن ثمان وخمسين سنة ومات لها حسن وقتل لها الحسين رضى الله عنهم وقال شعبة عن أبى بكر بن حفص قال توفى سعد والحسن ابن على فى أيام بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين وقال علية عن جعفر بن محمد عن أبيه قال توفى الحسن وهو ابن سبع وأربعين وكذا قال غير واحد وهو أصح والمشهور أنه مات سنة (8/44)
تسع وأربعين كما ذكرنا وقال آخرون مات سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين
سنة خمسين من الهجرة
ففى هذه السنة توفى أبو موسى الأشعرى فى قول والصحيح سنة ثنتين وخمسين كما سيأتى فيها حج بالناس معاوية وقيل ابنه يزيد وكان نائب المدينة فى هذه السنة سعيد بن العاص وعلى الكوفة والبصرة والمشرق وسجستان وفارس والسند والهند زياد وفى هذه السنة اشتكى بنو ونهشل على الفرزدق إلى زياد فهرب منه إلى المدينة وكان سبب ذلك أنه عرض بمعاوية فى قصيدة له فتطلبه زياد أشد الطلب ففر منه إلى المدينة فاستجار بسعيد بن العاص وقال فى ذلك أشعارا ولم يزل فيما بين مكة والمدينة حتى توفى زياد فرجع إلى بلاده وقد طول ابن جرير هذه القصة وقد ذكر ابن جرير فى هذه السنة من الحوادث ما رواه من طريق الواقدى حدثنى يحيى بن سعيد بن دينار عن أبيه أن معاوية كان قد عزم على تحويل المنبر النبوى من المدينة إلى دمشق وأن يأخذ العصاة التى كان النبى صلى الله عليه و سلم يمسكها فى يده إذا خطب فيقف على المنبر وهو ممسكها حتى قال أبو هريرة وجابر بن عبد الله يا امير المؤمنين نذكرك الله أن تفعل هذا فان هذا لا يصلح أن يخرج المنبر من موضع وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن يخرج عصاه من المدينة فترك ذلك معاوية ولكن زاد فى المنبر ست درجات واعتذر إلى الناس ثم روى الواقدى أن عبد الملك بن مروان فى أيامه عزم على ذلك أيضا فقيل له إن معاوية كان قد عزم على هذا ثم ترك وأنه لما حرك المنبر خسفت الشمس فترك ثم لما حج الوليد بن عبد الملك أراد ذلك أيضا فقيل له إن معاوية وأباك أرادا ذلك ثم تركاه وكان السبب فى تركه أن سعيد بن المسيب كلم عمر بن عبد العزيز أن يكلمه فى ذلك ويعظه فترك ثم لما حج سليمان أخبره عمر بن عبد العزيز بما كان عزم عليه الوليد وأن سعيد بن المسيب نهاه عن ذلك فقال ما أحب أن يذكر هذا عن عبد الملك ولا عن الوليد وما يكون لنا أن نفعل هذا مالنا وله وقد أخذنا الدنيا فهى فى أيدينا فنريد أن نعمد إلى علم من أعلام الاسلام يفد إليه الناس فنحمله إلى ما قبلنا هذا مالا يصلح رحمه الله
وفى هذه السنة عزل معاوية عن مصر معاوية بن خديج وولى عليها من إفريقية مسلمة بن خلد وفيها افتتح عقبة بن نافع الفهرى عن أمر معاوية بلاد إفريقية واختط القيروان وكان غيضه تأوى إليها السباع والوحوش والحيات العظام فدعا الله تعالى فلم يبق فيها شىء من ذلك حتى ان السباع صارت تخرج منها تحمل أولادها والحيات يخرجن من أجمارهن هوارب فأسلم خلق كثير من البربر فبنى فى مكانها القيروان وفيها غزا بسر بن أبى أرطاة وسفيان بن عوف أرض الروم وفيها غزا فضالة بن عبيد البحر وفيها توفى مرلاج بن عمرو السلمى صحابى جليل شهد (8/45)
المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم أر له ذكرا فى الصحابة
صفية بنت حييى بن أخطب
ابن شعبة بن ثعلبة بن عبد كعب بن الخزرج بن أبى حبيب بن النضير بن النحام بن نحوم أم المؤمنين النضرية من سلالة هارون عليه السلام وكانت مع أبيها وابن عمها أخطب بالمدينة فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بني النضير ساروا إلى خيبر وقتل أبوها مع بني قريظة صبرا كما قدمنا فلما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر كانت فى جملة السبى فوقعت فى سهم دحية بن خليفة الكلبى له جمالها وأنها بنت ملكهم فاصطفاها لنفسه وعوضه منها وأسلمت وأعتقها وتزوجها فلما حلت بالصهباء بنى بها وكانت ماشطتها أم سليم وقد كانت تحت ابن عمها كنانة بن أبى الحقيق فقتل فى المعركة ووجد رسول الله بخدها لطمة فقال ما هذه فقالت إنى رأيت كأن القمر أقبل من يثرب فسقط فى حجرى فقصيت المنام على ابن عمى فلطمنى وقال تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب فهذه من لطمته وكانت من سيدات النساء عبادة وورعا وزهادة وبرا وصدقة رضى الله عنها وأرضاها قال الواقدى توفيت سنة خمسين وقال غيره سنة ست وثلاثين والأول أصح
واما ام شريك الأنصارية
ويقال العامرية فهى التى وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه و سلم فقيل قبلها وقيل لم يقبلها ولم تتزوج حتى مات رضى الله عنها وهى التى سقيت بدلو من السماء لما منعها المشركون الماء فأسلموا عند ذلك واسمها غزية وقيل عزيلة بنى عامر على الصحيح قال ابن الجوزى ماتت سنة خمسين ولم أره لغيره
وأما عمرو بن أمية الضمري
فصحابى جليل أسلم بعد أحد وأول مشاهدة بئر معونة وكان ساعى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه إلى النجاشى فى تزويج أم حبيبة وأن يأتى بمن بقى من المسلمين وله أفعال حسنة وآثار محمودة رضى الله عنه توفى فى خلافة معاوية
وذكر أبو الفرج ابن الجوزى فى كتابه المنتظم أن فى هذه السنة توفى جبير بن مطعم وحسان بن ثابت والحكم بن عمرو الغفارى ودحية بن خليفة الكلبى وعقيل بن أبى طالب وعمرو بن أمية الضمرى بدرى وكعب بن مالك والمغيرة بن شعبة وجويرية بنت الحارث وصفية بنت حيى وأم شريك الأنصارية رضى الله عنهم أجمعين
أما جبير بن مطعم
ابن عدى بن نوفل بن عبد مناف القرشى النوفلى أبو محمد وقيل أبو عدى المدنى فانه قدم وهو مشرك فى فداء أسارى بدر فلما سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم فى سورة الطور أم خلقوا من غير (8/46)
شىء أم هم الخالقون دخل فى قلبه الاسلام ثم أسلم عام خيبر وقيل زمن الفتح والأول أصح وكان من سادات قريش وأعلمها بالأنساب أخذ ذلك عن الصديق والمشهور أنه توفى سنة ثمان وخمسين وقيل سنة تسع وخمسين
واما حسان بن ثابت
شاعر الاسلام فالصحيح أنه توفى سنة أربع وخمسين كما سيأتى
وأما الحكم بن عمر بن مجدع الغفاري
أخو رافع بن عمرو ويقال له الحكم بن الأقرع فصحابى جليل له عند البخارى حديث واحد فى النهى عن لحوم الحمر الانسية استنابه زياد بن أبيه على غزو جبل الاشل فغنم شيئا كثيرا فجاء كتاب زياد إليه على لسان معاوية أن يصطفى من الغنيمة لمعاوية ما فيها من الذهب والفضة لبيت ماله فرد عليه إن كتاب الله قبل كتاب المؤمنين أو لم يسمع لقوله عليه السلام لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق وقسم فى الناس غنائمهم فيقال إنه حبس إلى أن مات بمرو فى هذه السنة وقيل فى سنة إحدى وخمسين رحمه الله
واما دحية بن خليفة الكلبى
فصحابى جليل كان جميل الصورة فلهذا كان جبريل يأتى كثيرا فى صورته وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسله إلى قيصر أسلم قديما ولكن لم يشهد بدرا وشهد ما بعدها ثم شهد اليرموك وأقام بالمرة غربى دمشق إلى أن مات فى خلافة معاوية
وفيها توفى عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس القرشى أبو سعيد العبشمى أسلم يوم الفتح وقيل شهد موته وغزا خراسان وافتتح سجستان وكابل وغيرها وكانت له دار بدمشق وأقام بالبصرة وقيل بمرو قال محمد بن سعد وغير واحد مات بالبصرة سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين وصلى عليه زياد وترك عدة من الذكور وكان اسمه فى الجاهلية عبد كلال وقيل عبد كلوب وقيل عبد الكعبة فسماه رسول صلى الله عليه و سلم عبد الرحمن وهو كان أحد السفيرين بين معاوية والحسن رضى الله عنهما وفيها توفى عثمان بن أبى العاص الثقفى أبو عبد الله الطائفى له ولأخيه الحكم صحبة قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فى وفد ثقيف فاستعمله رسول الله على الطائف وأمره عليها أبو بكر وعمر فكان أميرهم وإمامهم مدة طويلة حتى مات سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين رضى الله عنه
واما عقيل بن أبى طالب
أخو على فكان أكبر من جعفر بعشر سنين وجعفرا أكبر من على بعشر سنين كما أن طالب أكبر من عقيل بعشر وكلهم أسلم إلا طالبا أسلم عقيل قبل الحديبية وشهد موته وكان من أنسب قريش وكان قد ورث أقرباءه الذين هاجروا وتركوا أموالهم بمكة ومات فى خلافة معاوية (8/47)
وفيها كانت وفاة عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعى أسلم قبل الفتح وهاجر وقيل إنه إنما أسلم عام حجة الوداع وورد فى حديث أن رسول الله دعا له أن يمتعه الله بشبابه فبقى ثمانين سنة لا يرى فى لحيته شعرة بيضاء ومع هذا كان أحد الأربعة الذين دخلوا على عثمان ثم صار بعد ذلك من شيعة على فشهد معه الجمل وصفين وكان من جملة من أعان حجر بن عدى فتطلبه زياد فهرب إلى الموصل فبعث معاوية إلى نائبها فوجدوه قد اختفى فى غار فنهشته حية فمات فقطع رأسه فبعث به إلى معاوية فطيف به فى الشام وغيرها فكان أول رأس طيف به ثم بعث معاوية برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد وكانت فى سجنه فألقى فى حجرها فوضعت كفها على جبينه ولثمت فمه وقالت غيبتموه عنى طويلا ثم أهديتموه إلى قتيلا فأهلا بها من هدية غير قالية ولا مقلية
وأما كعب بن مالك الأنصارى السلمى
شاعر الاسلام فأسلم قديما وشهد العقبة ولم يشهد بدرا كما ثبت فى الصحيحين فى سياق توبه الله عليه فانه كان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم من تخلفهم عن غزوة تبوك كما ذكرنا ذلك مفصلا فى التفسير وكما تقدم فى غزوة تبوك وغلط ابن الكلبى فى قوله إنه شهد بدرا وفى قوله إنه توفى قبل إحدى وأربعين فان الواقدى وهو أعلم منه قال توفى سنة خمسين وقال القاسم بن عدى سنة إحدى وخمسين رضى الله عنه
المغيرة بن شعبة
ابن أبى عامر بن مسعود أبو عيسى ويقال أبو عبد الله الثقفى وعروة بن مسعود الثقفى عم أبيه كان المغيرة من دهاة العرب وذوى آرائها أسلم عام الخندق بعد ما قتل ثلاثة عشر من ثقيف رجعهم من عند المقوقس واخذ أموالهم فغرم دياتهم عروة بن مسعود وشهد الحديبية وكان واقفا يوم الصلح على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف صلتا وبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد إسلام أهل الطائف هو وأبو سفيان بن حرب فهدما اللات وقدمنا كيفية هدمهما أياها وبعثه الصديق إلى البحرين وشهد اليمامة واليرموك فأصيبت عينه يومئذ وقيل بل نظر إلى الشمس وهى كاسفة فذهب ضوء عينه وشهد القادسية وولاه عمر فتوحا كثيرة منه همدان وميسان وهو الذى كان رسول سعد إلى رستم فكلمه بذلك الكلام البليغ فاستنابه عمر على البصرة فلما شهد عليه بالزنا ولم يثبت عزله عنها وولاه الكوفة واستمر به عثمان حينا ثم عزله فبقى معتزلا حتى كان أمر الحكمين فلحق بمعاوية فلما قتل على وصالح معاوية الحسن ودخل الكوفة ولاه عليها فلم يزل أميرها حتى مات فى هذه السنة على المشهور قاله محمد بن سعد وغيره وقال الخطيب أجمع الناس على ذلك وذلك فى رمضان منها عن سبعين سنة وقال أبو عبيد مات سنة تسع وأربعين وقال ابن عبد البر سنة إحدى وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين وقيل سنة ست وثلاثين وهو غلط (8/48)
قال محمد بن سعد وكان أصهب الشعر جدا أكشف مقلص الشفتين أهتم ضخم الهامة عبل الذراعين بعيد ما بين المنكبين وكان يفرق رأسه أربعة قرون وقال الشعبى القضاة أربعة أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو موسى والدهاة أربعة معاوية وعمرو والمغيرة وزياد وقال الزهرى الدهاة فى الفتنة خمسة معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وكان معتزلا وقيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل بن ورقاء وكانا مع على قلت والشيعة يقولون الأشباح خمسة رسول الله وعلى فاطمة والحسن والحسين والاضداد خمسة أبو بكر وعمر ومعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وقال الشعبى سمعت المغيرة يقول ما غلبنى أحد إلا فتى مرة أردت أن أتزوج امرأة فاستشرته فيها فقال أيها الأمير لا أرى لك ان تتزوجها فقلت له لم فقال إنى رأيت رجلا يقبلها ثم بلغنى عنه أنه تزوجها فقلت له ألم تزعم أنك رأيت رجلا يقبلها فقال نعم رأيت أباها يقبلها وهى صغيرة وقال أيضا سمعت فبيصة بن جابر يقول صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها وقال ابن وهب سمعت مالكا يقول كان المغيرة بن شعبة يقول صاحب المرأة الواحدة يحيض معها ويمرض معها وصاحب المرأتين بين نارين يشتعلان وصاحب الأربعة قرير العين وكان يتزوج أربعة معا ويطلقهن معا وقال عبد الله بن نافع الصائغ أحصن المغيرة ثلثمائة امرأة وقال غيره ألف امرأة وقيل مائة امرأة وقيل ثمانين امرأة
جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار الخزاعية المصطلقية
وكان سباها رسول صلى الله عليه و سلم فى غزوة المريسيع وهى غزوة المصطلق وكان أبوها ملكهم فأسلمت فأعتقها رسول الله صلى الله عليه و سلم وتزوجها وكانت قد وقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس وكاتبها فأتت رسول الله تستعينه فى كتابتها فقال أو خير من ذلك قالت وما هو يا رسول الله قال أشتريك وأعتقك وأتزوجك فأعتقها فقال الناس أصهار رسول الله ص فاعتقوا ما بأيديهم من سبى بنى المصطلق نحوا من مائة أهل بيت فقالت عائشة لا أعلم امرأة أعظم بركة على أهلها منها وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه و سلم جويرية وكانت امرأة ملاحة أى حلوة الكلام توفيت فى هذا العام سنة خمسين كما ذكره ابن الجوزى وغيره عن خمس وستين سنة وقال الواقدى سنة ست وخمسين رضى الله عنها وأرضاها والله أعلم
سنة إحدى وخمسين
فيها كان مقتل حجر بن عدى بن جبل بن عدى بن ربيعة بن معاوية الأكبر بن الحارث بن معاوية بن ثور بن يزيغ بن كندى الكوفى ويقال له حجر الخير ويقال له حجر بن الأدبر لأن (8/49)
أباه عديا طعن موليا فسمى الأدبر وهو من كندة من رؤساء أهل الكوفة قال ابن عساكر وفد إلى النبى صلى الله عليه و سلم وسمع عليا وعمارا وشراحيل بن مرة ويقال شرحبيل بن مرة وروى عنه أبو ليلى مولاه وعبد الرحمن بن عباس وأبو البخترى الطائى وغزا الشام فى الجيش الذين افتتحوا عذراء وشهد صفين مع على أميرا وقيل بعذراء من قرا دمشق ومسجد قبره بها معروف ثم ساق ابن عساكر بأسانيده إلى حجر يذكر طرفا صالحا من روايته عن على وغيره وقد ذكره محمد بن سعد فى الطبقة الرابعة من الصحابة وذكر له وفادة ثم ذكره فى الأول من تابعى أهل الكوفة قال وكان ثقة معروفا ولم يرو عن غير على شيئا قال ابن عساكر بل قد روى عن عمار وشراحيل بن مرة وقال أبو أحمد العسكرى أكثر المحدثين لا يصححون له صحبة شهد القادسية وافتتح برج عذراء وشهد الجمل وصفين وكان مع على حجر الخير وهو حجر بن عدى هذا وحجر الشرف وهو حجر ابن يزيد بن سلمة بن مرة وقال المرزبانى قد روى أن حجر بن عدى وفد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أخيه هانىء بن عدى وكان هذا الرجل من عباد الناس وزهادهم وكان بارا بأمه وكان كثير الصلاة والصيام قال أبو معشر ما أحدث قط إلا توضأ ولا توضأ إلا صلى ركعتين هكذا قال غير واحد من الناس وقد قال الامام أحمد حدثنا يعلى بن عبيد حدثنى الأعمش عن أبى إسحاق قال قال سلمان لحجر يا ابن أم حجر لو تقطعت أعضاؤك ما بلغت الايمان وكان إذ كان المغيرة بن شعبة على الكوفة إذا ذكر عليا فى خطبته يتنقصه بعد مدح عثمان وشيعته فيغضب حجر هذا ويظهر الانكار عليه ولكن كان المغيرة فيه حلم وإناة فكان يصفح عنه ويعظه فيما بينه وبينه ويحذره غب هذا الصنيع فان معارضة السلطان شديد وبالها فلم يرجع حجر عن ذلك فلما كان فى آخر أيام المغيرة قام حجر يوما فأنكر عليه فى الخطبة وصاح به وذمه بتأخيره العطاء عن الناس وقام معه فئام الناس لقيامه يصدقونه ويشنعون على المغيرة ودخل المغيرة بعد الصلاة قصر الامارة ودخل معه جمهور الأمراء فأشاروا عليه بردع حجر هذا عما تعاطاه من شق العصى والقيام على الأمير وذمروه وحثوه على التنكيل فصفح عنه وحلم به وذكر يونس بن عبيد أن معاوية كتب إلى المغيرة يستمد بمال يبعثه من بيت المال فبعث عيرا تحمل مالا فاعترض لها حجر فأمسك بزمام أولها وقال لا والله حتى يوفى كل ذى حق حقه فقال شباب ثقيف للمغيرة ألا نأتيك برأسه فقال ما كنت لأفعلن ذلك بحجر فتركه فلما بلغ معاوية ذلك عزل المغيرة وولى زيادا والصحيح أنه لم يعزل المغيرة حتى مات فلما توفى المغيرة بن شعبة رضى الله عنه وجمعت الكوفة مع البصرة لزياد دخلها وقد التف على حجر جماعات من شيعة على يقولون أمره ويشدون على يده ويسبون معاوية ويتبرؤن منه فلما كان أول خطبة خطبها زياد بالكوفة ذكر فى آخرها فضل عثمان وذم من قتله (8/50)
أو أعان على قتله فقام حجر كما كان يقوم فى أيام المغيرة وتكلم بنحو مما قال للمغيرة فلم يعرض له زياد ثم ركب زياد إلى البصرة وأراد أن يأخذ حجرا معه إلى البصرة لئلا يحدث حدثا فقال إنى مريض فقال والله إنك لمريض الدين والقلب والعقل والله لئن أحدثت شيئا لأسعين فى قتلك ثم سار زياد إلى البصرة فبلغه أن حجرا واصحابه أنكروا على نائبه بالكوفة وهو عمرو بن حريث وحصبوه وهو على المنبر يوم الجمعة فركب زياد إلى الكوفة فنزل فى القصر ثم خرج إلى المنبر وعليه قباء سندس ومطرف خز أحمر قد فرق شعره وحجر جالس وحوله أصحابه أكثر ما كانوا يومئذ وكانمن لبس من أصحابه يومئذ نحو من ثلاثة آلاف وجلسوا حوله فى المسجد فى الحديد والسلاح فخطب زياد فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فان غب البغى والغى وخيم وإن هؤلاء أمنونى فاجترأوا على وايم الله لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم ثم قال ما أنا بشىء إن لم أمنع ساحة الكوفة من حجر واصحابه وادعه نكالا لمن بعده ويل امك يا حجر سقط بك العشاء على سرحان ثم قال ... أبلغ نصحية أن راعى إبلها ... سقط العشاء به على سرحان ... وجعل زياد يقول فى خطبته إن من حق أمير المؤمنين يعنى كذا وكذا فأخذ حجر كفا حصباء فحصبة زياد وقال كذبت عليك لعنة الله فانحدر زياد فصلى ثم دخل القصر واستحضر حجرا ويقال إن زيادا لما خطب طول الخطبة وأخر الصلاة فقال له حجر الصلاة فمضى فى خطبته فلما خشى فوت الصلاة عمد إلى كف حصباء ونادى الصلاة وثار الناس معه فلما رأى ذلك زيادنزل فصلى بالناس فلما انصرف من صلاته كتب إلى معاوية فى أمره وكثر عليه فكتب إليه معاوية أن شده فى الحديد واحمله إلى فبعث إليه زياد والى الشرطة وهو شداد بن الهيثم ومعه أعوانه فقال له إن الأمير يطلبك فامتنع من الحضور إلى زياد وقام دونه اصحابه فرجع الوالى إلى زياد فأعلمه فاستنهض زياد جماعات من القبائل فركبوا مع الوالى إلى حجر وأصحابه فكان بينهم قتال بالحجارة والعصى فعجزوا عنه فندب محمد بن الأشعث وامهله ثلاثا وجهز معه جيشا فركبوا فى طلبه ولم يزالوا حتى أحضروه إلى زياد وما أغنى عنه قومه ولا من كان يظن أن ينصره فعند ذلك قيده زياد وسجنه عشرة أيام وبعث به إلى معاوية وبعث معه جماعة يشهدون عليه أنه سب الخليفة وأنه حارب الأمير وأنه يقول إن هذا الأمر لا يصلح إلا فى آل على بن أبى طالب وكان من جملة الشهود عليه أبو بردة بن أبى موسى ووائل بن حجر وعمر بن سعد بن أبى وقاص وإسحاق وإسماعيل وموسى بنو طلحة بن عبيد الله والمنذر بن الزبير وكثير بن شهاب وثابت بن ربعى فى سبعين ويقال إنه كتبت شهادة شريح القاضى فيهم وإنه أنكر ذلك وقال (8/51)
إنما قلت لزياد إنه كان صواما قواما ثم بعث زياد حجرا وأصحابه مع وائل بن حجر وكثير بن شهاب إلى الشام وكان مع حجر بن عدى بن جبلة الكندى من أصحابه جماعة قيل عشرون وقيل أربعة عشر رجلا منهم الأرقم بن عبد الله الكندى وشريك بن شداد الحضرمى وصيفى بن فسيل وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسى وكريم بن عفيف الخثعمى وعاصم بن عوف البجلى وورقاء بن سمى البجلى وكدام بن حبان وعبد الرحمن بن حسان العريان من بنى تميم ومحرز ابن شهاب التميمى وعبيد الله بن حوية السعدى التميمي أيضا فهؤلاء أصحابه الذين وصلوا معه فساروا بهم إلى الشام ثم إن زيادا أتبعهم برجلين آخرين عتبة بن الأخنس من بنى سعد وسعد ابن عمران الهمدانى فكملوا أربعة عشر رجلا فيقال إن حجرا لما دخل على معاوية قال السلام عليك يا أمير المؤمنين فغضب معاوية غضبا شديدا وامر بضرب عنقه هو ومن معه ويقال إن معاوية ركب فتلقاهم فى برج عذراء ويقال بل بعث إليهم من تلقاهم إلى عذراء تحت الثنية ثنية العقاب فقتلوا هناك وكان الذين بعث إليهم ثلاثة وهم هدبة بن فياض القضاعى وحضير بن عبد الله الكلابى وأبو شريف البدوى فجاؤا إليهم فبات حجر واصحابه يصلون طول الليل فلما صلوا الصبح قتلوهم وهذا هو الأشهر والله أعلم وذكر محمد بن سعد أنهم دخلوا عليه ثم ردهم فقتلوا بعذراء وكان معاوية قد استشار الناس فيهم حتى وصل بهم إلى برج عذراء فمن مشير بقتلهم ومن مشير بتفريقهم فى البلاد فكتب معاوية إلى زياد كتابا آخر فى امرهم فأشار عليه بقتلهم إن كان له حاجة فى ملك العراق فعند ذلك أمر بقتلهم فاستوهب منه الأمراء واحدا بعد واحد حتى استوهبوا منه ستة وقتل منهم ستة أولهم حجر بن عدى ورجع آخر فعفى عنه معاوية وبعث بآخر نال من عثمان وزعم أنه أول من جار فى الكلم ومدح عليا فبعث به معاوية إلى زياد وقال له لم تبعث إلى فيهم أردى من هذا فلما وصل إلى زياد ألقاه فى الناطف حيا وهو عبد الرحمن بن حسان الفرى وهذه تسمية الذين قتلوا بعذراء حجر بن عدى وشريك بن شداد وصيفى بن فسيل وقبيصة بن ضبيعة ومحرز بن شهاب المنقرى وكرام بن حبان ومن الناس من يزعم أنهم مدفونون بمسجد القصب فى عرفه والصحيح بعذراء ويذكر أن حجرا لما أرادوا قتله قال دعونى حتى أتوضأ فقالوا توضأ فقال دعونى حتى أصلى ركعتين فصلاهما وخفف فيهما ثم قال لولا أن يقولوا ما بى جزع من الموت لطولتهما ثم قال قد تقدم لهما صلوات كثيرة ثم قدموه للقتل وقد حفرت قبورهم ونشرت أكفانهم فلما تقدم إليه السياف ارتعدت فرائصه فقيل له إنك قلت لست بجازع فقال ومالى لا أجزع وانا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا فأرسلها مثلا ثم تقدم إليه السياف وهو أبو شريف البدوى وقيل تقدم إليه رجل أعور فقال له أمدد عنقك (8/52)
فقال لا أعين على قتل نفسى فضربه فقتله وكان قد أوصى ان يدفن فى قيوده ففعل به ذلك وقيل بل صلوا عليه وغسلوه وروى أن الحسن بن على قال أصلوا عليه ودفنوه فى قيوده قالوا نعم قال حجهم والله والظاهر أن الحسين قائل هذا فان حجرا قتل فى سنة إحدى وخمسين وقيل سنة ثلاث وخمسين وعلى كل تقدير فالحسن قد مات قبله والله أعلم فقتلوه رحمه الله وسامحه وروينا أن معاوية لما دخل على أم المؤمنين عائشة فسلم عليها من وراء حجاب وذلك بعد مقتله حجرا وأصحابه قالت له أين ذهب عنك حلمك يا معاوية حين قتلت حجرا واصحابه فقال لها فقدته حين غاب عنى من قومى مثلك يا أماه ثم قال لها فكيف برى بك يا أمه فقالت إنك بى لبار فقال يكفينى هذا عند الله وغدا لى ولحجر موقف بين يدى الله عز و جل وفى رواية أنه قال إنما قتله الذين شهدوا عليه وروى ابن جرير أن معاوية جعل يفرغر بالموت وهو يقول إن يومى بك يا حجر بن عدى لطويل قالها ثلاثا فالله أعلم
وقال محمد بن سعد فى الطبقات ذكر بعض أهل العلم أن حجرا وفد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أخيه هانىء بن عدى وكان من أصحاب على فلما قدم زياد بن أبى سفيان واليا على الكوفة دعا بحجر بن عدى فقال تعلم أنى أعرفك وقد كنت أنا واباك على أمر قد علمت يعنى من حب على وأنه قد جاء غير ذلك وإنى أنشدك الله أن تقطر لى من دمك قطرة فأستفرغه كله املك عليك لسانك وليسعك منزلك وهذا سريرى فهو مجلسك وحوائجك مقضية لدى فاكفنى نفسك فإنى أعرف عجلتك فأنشدك الله فى نفسك وإياك وهذه السقطة وهؤلاء السفهاء أن يستنزلوك عن رأيك فقال حجر قد فهمت ثم انصرف إلى منزله فأتاه الشيعة فقالوا ما قال لك قال قال لى كذا وكذا وسار زياد إلى البصرة ثم جعلوا يترددون إليه يقولون له أنت شيخنا وإذا جاء المسجد مشوا معه فأرسل إليه عمرو بن حريث نائب زياد على الكوفة يقول ما هذه الجماعة وقد أعطيت الأمير ما قد علمت فقال للرسول إنهم ينكرون ما أنتم عليه إليك وراءك اوسع لك فكتب عمرو بن حريث إلى زياد إن كان لك حاجة بالكوفة فالعجل العجل فأعجل زياد السير إلى الكوفة فلما وصل بعث إليه عدى بن حاتم وجرير بن عبد الله البجلى وخالد بن عرفطة فى جماعة من أشراف الكوفة لينهوه عن هذه الجماعة فأتوه فجعلوا يحدثونه ولا يرد عليهم شيئا بل جعل يقول يا غلام أعلفت البكر لبكر مربوط فى الدار فقال له عدى بن حاتم امجنون أنت نكلمك وأنت تقول أعلفت البكر ثم قال عدى لأصحابه ما كنت أظن هذا البائس بلغ به الضعف كل ما أرى ثم نهضوا فأخبروا زيادا ببعض الخبر وكتموه بعضا وحسنوا أمره وسألوه لرفق به فلم يقبل بل بعث إليه الشرط والمحاربة فأتى به وبأصحابه فقال له مالك ويلك قال (8/53)
إنى على بيعتى لمعاوية فجمع زياد سبعين من أهل الكوفة فقال اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه ففعلوا ثم أوفدهم إلى معاوية وبلغ الخبر عائشة فأرسلت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلى سبيلهم فلما دخلوا على معاوية قرأ كتاب زياد فقال معاوية اخرجوا بهم إلى عذراء فاقتلوهم هناك فذهبوا بهم ثم قتلوا منهم سبعة ثم جاء رسول معاوية بالتخلية عنهم وأن يطلقوهم كلهم فوجدوا قد قتلوا منهم سبعة وأطلقوا السبعة الباقين ولكن كان حجر فيمن قتل فى السبعة الأول وكان قد سألهم أن يصلى ركعتين قبل أن يقتلوه فصلى ركعتين فطول فيهما وقال إنهما لأخف صلاة صليتها وجاء رسول عائشة بعد ما فرغ من شأنهم فلما حج معاوية قالت له عائشة أين عزب عنك حلمك حين قتلت حجرا فقال حين غاب عني مثلك من قومى ويروى أن عبد الرحمن بن الحارث قال لمعاوية اقتلت حجر بن الأدبر فقال معاوية قتله احب إلى من أن أقتل معه مائة ألف وقد ذكر ابن جرير وغيره عن حجر بن عدى واصحابه انهم كانوا ينالون من عثمان ويطلقون فيه مقالة الجور وينتقدون على الأمراء ويسارعون فى الانكار عليهم ويبالغون فى ذلك ويتولون شيعة على ويتشددون فى الدين ويروى أنه لما اخذ فى قيوده سائرا من الكوفة إلى الشام تلقته بناته فى الطريق وهن يبكين فمال نحوهن فقال إن الذى يطعمكم ويكسوكم هو الله وهو باق لكن بعدى فعليكن بتقوى الله وعبادته وإنى إما أن أقتل فى وجهى وهى شهادة أو أن ارجع إليكن مكرما والله خليفتى عليكم ثم انصرف مع أصحابه فى قيوده ويقال إنه أوصى أن يدفن فى قيوده ففعل به ذلك ولكن صلوا عليهم ودفنوهم مستقبل القبلة رحمهم الله وسامحهم وقد قالت امراة من المتشيعات ترثى حجرا وهند بنت زيد بن مخرمة الأنصارية ويقال إنها لهند أخت حجر فالله أعلم ... ترفع أيها القمر المنير ... تبصر هل ترى حجرا يسير ... يسير إلى معاوية بن حرب ... ليقتله كما زعم الأمير ... يرى قتل الخيار عليه حقا ... له من شر أمته وزير ... ألا يا ليت حجرا مات يوما ... ولم ينحر كما نحر البعير ... تجبرت الجبابر بعد حجر ... وطاب لها الخورنق والسدير ... واصبحت البلاد له محولا ... كأن لم يحيها مزن مطير ... ألا يا حجر حجر بن عدى ... تلقتك السلامة والسرور ... أخاف عليك ما أردى عديا ... وشيخا فى دمشق له زبير ... فان تهلك فكل زعيم قوم ... من الدنيا إلى هلك يصير (8/54)
فرضوا أن الاله عليك ميتا ... وجنات بها نعم وحور ...
وذكر ابن عساكر له مراثى كثيرة وقال يعقوب بن سفيان حدثنى حرملة أنا ابن وهب أخبرنى ابن لهبعة عن أبى الأسود قال دخل معاوية على عائشة فقالت ما حملك على قتل أهل عذراء حجرا واصحابه فقال يا أم المؤمنين إنى رأيت فى قتلهم صلاحا للأمة وفى مقامهم فسادا للأمة فقالت سمعت رسول الله يقول سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء وهذا إسناد ضعيف منقطع وقد رواه عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن أبى الأسود أن عائشة قالت بلغنى أنه سيقتل بعذراء اناس يغضب الله لهم واهل السماء وقال يعقوب حدثنى ابن لهيعة حدثنى الحارث بن يزيد عن عبد الله بن رزين الغافقى قال سمعت عليا يقول يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود قال يقتل حجر وأصحابه ابن لهيعة ضعيف وروى الامام أحمد عن ابن علية عن ابن عون عن نافع قال كان ابن عمر فى السوق فنعى له حجر فأطلق حبوته وقام وغلب عليه النحيب وروى احمد عن عفان عن ابن علية عن أيوب عن عبد الله بن أبى مليكة أو غيره قال لما قدم معاوية المدينة دخل على عائشة فقالت أقتلت حجرا فقال يا ام المؤمنين إنى وجدت قتل رجل فى صلاح الناس خير من استحيائه فى فسادهم وقال حماد بن سلمة عن على بن زيد عن سعيد بن المسيب عن مروان قال دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة ففقالت يا معاوية قتلت حجرا وأصحابه وفعلت الذى فعلت أما خشيت أن أخبا لك رجلا يقتلك فقال لا إنى فى بيت الأمان سمعت رسول الله يقول الايمان ضد الفتك لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وامرك قالت صالح قال فدعينى وحجرا حتى نلتقى عند ربنا عز و جل وفى رواية أنها حجبته وقالت لا يدخل على أبدا فلم يزل يتلطف حتى دخل فلامته فى قتله حجرا فلم يزل يعتذر حتى عذرته وفى رواية أنها كانت تتوعده وتقول لولا يغلبنا سفهاؤنا لكان لى ولمعاوية فى قتله حجرا شأن فلما اعتذر إليها عذرته وذكر ابن الجوزى فى المنتظم أنه توفى فى هذه السنة من الأكابر جرير بن عبد الله البجلى وجعفر بن أبى سفيان بن الحارث وحارثة بن النعمان وحجر بن عدى وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الله بن أنيس وابو بكرة نفيع بن الحارث الثقفى رضى الله عنهم
فأما جرير بن عبد الله البجلى
فأسلم بعد نزول المائدة وكان إسلامه فى رمضان سنة عشر وكان قدومه ورسول الله يخطب وكان قد قال فى خطبته إنه يقدم عليكم من هذا الفج من خير ذى يمن وإن على وجهه مسحة ملك فلما دخل نظر الناس إليه فكان كما وصف رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخبروه بذلك فحمد الله (8/55)
تعالى ويروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما جالسه بسط له رداءه وقال إذا جاءكم كريم قوم فاكرموه قال ابن جرير وفى هذه السنة ولى زياد على خراسان بعد موت الحكم بن عمرو الربيع بن زياد الحارثى ففتح بلخ صلحا وكانوا قد غلقوها بعد ما صالحهم الأحنف وفتح قوهستان عنوة وكان عندها اتراك فقتلهم ولم يبق منهم إلا ترك طرخان فقتله قتيبة بن مسلم بعد ذلك كما سيأتى وفى هذه السنة غزا الربيع ما وراء النهر فغنم وسلم وكان قد قطع ما وراء النهر قبله الحكم بن عمرو وكان أول من شرب من النهر غلام للحكم فسقى سيده وتوضأ الحكم وصلى وراء النهر ركعتين ثم رجع فلما كان الربيع هذا غزا ما وراء النهر فغنم وسلم وفى هذه السنة حج بالناس يزيد بن معاوية فيما قاله أبو معشر والواقدى وبعثه رسول الله إلى ذى الخلصة وكان بيتا تعظمه دوس فى الجاهلية فذكر أنه لا يثبت على الخيل فضرب فى صدره وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فذهب فهدمه وفى الصحيحين أنه قال ما حجبنى رسول الله منذ أسلمت ولا رآنى إلا تبسم وكان عمر بن الخطاب يقول جرير يوسف هذه الأمة وقال عبد الملك بن عمير رأيت جريرا كأن وجهه شقة قمر وقال الشعبى كان جرير هو وجماعة مع عمر فى بيت فاشتم عمر من بعضهم ريحا فقال عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ فقال جرير أونقوم كلنا فنتوضأ يا أمير المؤمنين فقال عمر نعم السيد كنت فى الجاهلية ونعم السيد أنت فى الاسلام وقد كان عاملا لعثمان على همدان يقال أنه أصيبت عينه هناك فلما قتل عثمان اعتزل عليا معاوية ولم يزل مقيما بالجزيرة حتى توفى بالسراة سنة إحدى وخمسين قاله الواقدى وقيل سنة أربع وقيل سنة ست وخمسين
وأما جعفر بن أبي سفيان بن عبد المطلب
فأسلم مع أبيه حين تلقياه بين مكة والمدينة عام الفتح فلما ردهما قال أبو سفيان والله لئن لم يأذن لي عليه لآخذن بيد هذا فأذهبن في الأرض فلا يدري أين أذهب فلما بلغ ذلك رسول الله رق له وأذن له وقبل إسلامهما فأسلما إسلاما حسنا بعد ما كان أبو سفيان يؤذي رسول الله أذى كثيرا وشهد حنينا وكان ممن ثبت يومئذ رضي الله عنهما
واما حارثة بن النعمان الأنصارى النجارى
فشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد وكان من فضلاء الصحابة وروى أنه رأى جبريل مع رسول الله بالمقاعد يتحدثان بعد خيبر وأنه رآه يوم بنى قريظة فى صورة دحية وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع قراءته فى الجنة قال محمد بن سعد حدثنا عبد الرحمن بن يونس ثنا محمد بن إسماعيل بن أبى فديك ثنا محمد بن عثمان عن ابيه أن حارثة بن النعمان كان قد كف بصره فجعل خيطا من مصلاه إلى باب حجرته فاذا جاءه المسكين أخذ من ذلك التمر ثم اخذ يمسك بذلك الخيط حتى (8/56)
يضع ذلك فى يد المسكين وكان أهله يقولون له نحن نكفيك ذلك فيقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ط مناولة المسكين تقى ميتة السوء واما حجر بن عدى فقد تقدمت قصته مبسوطة
واما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشى
فهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وهو ابن عم عمر بن الخطاب واخته عاتكة زوجة عمر واخت عمر فاطمة زوجة سعيد أسلم قبل عمر هو وزوجته فاطمة وهاجرا وكان من سادات الصحابة قال عروة والزهرى وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والواقدى وغير واحد لم يشهد بدرا لأنه قد كان بعثه رسول الله هو وطلحة بن عبيد الله بين يديه يتجسسان أخبار قريش فلم يرجعا حتى فرغ من بدر فضرب لهما رسول الله بسهمهما وأجرهما ولم يذكره عمر فى أهل الشورى لئلا يحابى بسبب قرابته من عمر فيولى فتركه لذلك وإلا فهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه و سلم بالجنة فى جملة العشرة كما صحت بذلك الأحاديث المتعددة الصحيحة ولم يتول بعده ولاية وما زال كذلك حتى مات بالكوفة وقيل بالمدينة وهو الأصح قال الفلاس وغيره سنة إحدى وخمسين وقيل سنة ثنتين وخمسين والله أعلم وكان رجلا طوالا أشعر وقد غسله سعد وحمل من العقيق على رقاب الرجال إلى المدينة وكان عمره يومئذ بضعا وسبعين سنة
واما عبد الله أنيس بن الجهنى أبو يحيى المدنى
فصحابى جليل شهد العقبة ولم يشهد بدرا وشهد ما بعدها وكان هو ومعاذ يكسران أصنام الأنصار له فى الصحيح حديث أن ليلة القدر ثلاث وعشرين وهو الذى بعثه رسول الله إلى خالد بن سفيان الهذلى فقتله بعرنة وأعطاه رسول الله مخصره وقال هذه آية ما بينى وبينك يوم القيامة فأمر بها فدفنت معه فى أكفانه وقد ذكر ابن الجوزى أنه توفى سنة إحدى وخمسين وقال غيره سنة أربع وخمسين وقيل سنة ثمانين
واما أبو بكرة نفيع بن الحارث
ابن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبى سلمة الثقفى فصحابى جليل كبير القدر ويقال كان اسمه مسروح وإنما قيل له أبو بكرة لأنه تدلى فى بكرة يوم الطائف فأعتقه رسول الله وكل مولى فر إليهم يومئذ وامه سمية هى أم زياد وكانا ممن شهد على المغيرة بالزنا هو واخوه زياد ومعهما سهل بن معبد ونافع بن الحارث فلما تلكأ زياد فى الشهادة جلد عمر الثلاثة الباقين ثم استتابهم فتابوا إلا أبا بكرة فانه صمم على الشهادة وقال المغيرة يا أمير المؤمنين اشفنى من هذا العبد فنهره عمر وقال له اسكت لو كملت الشهادة لرجمتك بأحجارك وكان أبو بكرة خير هؤلاء الشهود وكان ممن اعتزل الفتن فلم يكن فى خيرهما ومات فى هذه السنة وقيل قبلها بسنة وقيل بعدها بسنة وصلى عليه أبو (8/57)
برزة الأسلمى وكان قد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه و سلم
وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم فى عمرة القضاء سنة سبع قال ابن عباس وكان ابن أختها أم الفضل لبابة بنت الحارث تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو محرم وثبت فى صحيح مسلم عنها أنهما كانا حلالين وقولها مقدم عند الأكثرين على قوله وروى الترمذى عن ابى رافع وكان السفير بينهما أنهما كانا حلالين ويقال كان اسمها برة فسماها رسول الله ميمونة وتوفيت بسرف بين مكة والمدينة حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فى هذه السنة وقيل فى سنة ثلاث وستين وقيل سنة ست وستين والمشهور الأول وصلى عليها ابن أختها عبد الله بن عباس رضى الله عنهما
ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين
ففيها غزا بلاد الروم وشتى بها سفيان بن عوف الأزدى فمات هنالك واستخلف على الجند بعده عبد الله بن مسعدة الفزارى وقيل إن الذى كان امير الغزو ببلاد الروم هذه السنة بسر بن أبى أرطاة ومعه سفيان بن عوف وحج بالناس فى هذه السنة سعيد بن العاص نائب المدينة قاله أبو معشر والواقدى وغيرهما وغزا الصائفة محمد بن عبد الله الثقفى وعمال الأمصار فى هذه السنة عمالها فى السنة الماضية
ذكر من توفى فيها من الأعيان
خالد بن زيد بن كليب
أبو أيوب الأنصارى الخزرجى شهد بدرا والعقبة والمشاهد كلها وشهد مع على قتال الحرورية وفى داره كان نزول رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة فأقام عنده شهرا حتى بنى المسجد ومساكنه حوله ثم تحول إليها وقد كان أبو أيوب أنزل رسول الله فى أسفل داره ثم تحرج من أن يعلو فوقه فسأل من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصعد إلى العلو ويكون هو وأم أيوب فى السفل فأجابه وقد روينا عن ابن عباس أنه قدم عليه ابو أيوب البصرة وهو نائبها فخرج له عن داره وأنزله بها فلما أراد الانصراف خرج له عن كل شىء بها وزاده تحفا وخدما كثيرا أربعين ألفا وأربعين عبدا إكراما له لما كان أنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فى داره وقد كان من أكبر الشرف له وهو القائل لزوجته أم أيوب حين قالت له اما تسمع ما يقول الناس فى عائشة فقال أكنت فاعلة ذلك يا ام أيوب فقالت لا والله فقال والله لهى خير منك فأنزل الله لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا الآية وكانت وفاته ببلاد الروم قريبا من سور قسطنطينية من هذه السنة وقيل فى التى قبلها وقيل فى التى بعدها وكان فى جيش يزيد بن معاوية وإليه أوصى وهو الذى صلى عليه وقد قال الامام أحمد حدثنا عثمان ثنا همام ثنا أبو عاصم عن رجل من أهل مكة أن يزيد بن (8/58)
معاوية كان اميرا على الجيش الذى غزا فيه أبو أيوب فدخل عليه عند الموت فقال له إذا انا مت فاقرأوا على الناس منى السلام وأخبروهم انى سمعت رسول صلى الله عليه و سلم يقول من مات لا يشرك بالله شيئا جعله الله فى الجنة ولينطلقوا فيبعدو بى فى أرض الروم ما استطاعوا قال فحدث الناس لما مات أبو أيوب فأسلم الناس وانطلقوا بجنازته وقال أحمد حدثنا أسود بن عامر ثنا أبو بكر عن الأعمش عن أبى ظبيان قال غزا أبو أيوب مع يزيد بن معاوية قال فقال إذا مت فأدخلونى فى أرض العدو فادفنونى تحت أقدامكم حيث تلقون العدو قال ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ورواه أحمد عن ابن نمير ويعلى بن عبيد عن الأعمش سمعت أبا ظبيان فذكره وقال فيه سأحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم لولا حالى هذا ما حدثتكموه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول 0 من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وقال أحمد حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنى محمد بن قيس قاضى عمر بن عبد العزيز عن أبى صرمة عن أبى أيوب الأنصارى أنه قال حين حضرته الوفاة قد كنت كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم سمعته يقول لولا أنكم تذنبون لخلق الله قوما يذنبون فيغفر لهم وعندى أن هذا الحديث والذى قبله هو الذى حمل يزيد بن معاوية على طرف من الأرجاء وركب بسببه أفعالا كثيرة أنكرت عليه كما سنذكره فى ترجمته والله تعالى أعلم
قال الواقدى مات أبو أيوب بأرض الروم سنة ثنتين وخمسين ودفن عند القسطنطينية وقبره هنالك يستسقى به الروم إذا قحطوا وقيل إنه مدفون فى حائط القسطنطينية وعلى قبره مزار ومسجد وهم يعظمونه وقال أبو زرعة الدمشقى توفى سنة خمس وخمسين والأول أثبت والله أعلم وقال أبو بكر بن خلاد حدثنا الحارث بن أبى أسامة ثنا داود بن المحبر ثنا ميسرة بن عبد ربه عن موسى بن عبيدة عن الزهرى عن عطاء بن يزيد عن أبى أيوب الانصارى عن النبى صلى الله عليه و سلم قال إن الرجلين ليتوجهان إلى المسجد فيصليان فينصرف أحدهما وصلاته أوزن من صلاة الآخر وينصرف الآخر وما تعدل صلاته مثقال ذرة إذا كان أورعهما عن محارم الله وأحرصهما على المسارعة إلى الخير وعن أبى أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل سأله أن يعلمه ويوجز فقال له إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع ولا تكلمن بكلام تعتذر منه واجمع اليأس مما فى أيدى الناس وفيها كانت وفاة أبى موسى عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن غز بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن وائل بن ناجية بن جماهر بن الأشعر الأشعر أسلم ببلاده وقدم مع جعفر واصحابه عام خيبر وذكر محمد بن إسحاق أنه هاجر اولا إلى مكة ثم هاجر إلى اليمن وليس هذا بالمشهور وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم مع معاذ على اليمن واستنابه عمر على البصرة وفتح تستر (8/59)
وشهد خطبة عمر بالجابية وولاه عثمان الكوفة وكان أحد الحكمين بين على ومعاوية فلما اجتمعا خدع عمرو ابا موسى وكان من قراء الصحابة وفقهائهم وكان أحسن الصحابة صوتا فى زمانه قال أبو عثمان النهدى ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار أطيب من صوت أبي موسى وثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود وكان عمر يقول له ذكرنا ربنا يا أبا موسى فيقرأ وهم يسمعون وقال الشعبى كتب عمر فى وصيته أن لا يقر لي عامل أكثر من سنة إلا أبا موسى فليقر أربع سنين وذكر ابن الجوزي في المنتظم أنه توفى فى هذه السنة وهو قول بعضهم وقيل إنه توفي قبلها بسنة وقيل فى سنة ثنتين وأربعين وقيل غير ذلك والله أعلم وكانت وفاته بمكة لما اعتزل الناس بعد التحكيم وقيل بمكان يقال له الثوبة على ميلين من الكوفة وكان قصيرا نحيف الجسم أسبط أي لا لحية له رضي الله عنه وذكر ابن الجورى أنه توفى فى هذه السنة أيضا من الصحابة عبد الله بن المغفل المزنى
وكان أحد البكائين وأحد العشرة الذين بعثهم عمر إلى البصرة ليفقهوا الناس وهو أول من دخل تستر من المسلمين حين فتحها لكن الصحيح ما حكاه البخارى عن مسدد أنه توفى سنة سبع وخمسين وقال ابن عبد البر توفى سنة ستين وقال غيره سنة إحدى وستين فالله أعلم ويروى عنه أنه رأى فى منامه كان القيامة قد قامت وكان هناك مكان من وصل إليه نجا فجعل يحاول الوصول إليه فقيل له أتريد أن تصل إليه وعندك ما عندك من الدنيا فاستيقظ فعمد إلى عيبة عنده فيها ذهب كثير فلم يصبح عليه الصباح إلا وقد فرقها فى المساكين والمحاويج والأقارب رضى الله عنه
وفيها توفى عمران بن حصين بن عبيد
ابن خلف أبو نجيد الخزاعى أسلم هو وابو هريرة عام خيبر وشهد غزوات وكان من سادات الصحابة استقضاه عبد الله بن عامر على البصرة فحكم له بها ثم استعفاه فأعفاه ولم يزل بها حتى مات فى هذه السنة قال الحسن وابن سيرين البصرى ما قدم البصرة راكب خير منه وقد كانت الملائكة تسلم عليه فلما اكتوى انقطع عنه سلامهم ثم عادوا قبل موته بقليل فكانوا يسلمون عليه رضى الله عنه وعن أبيه
كعب بن عجزة الأنصارى أبو محمد المدنى
صحابى جليل وهو الذى نزلت فيه آية الفدية فى الحج مات فى هذه السنة وقيل قبلها بسنة عن خمس أو سبع وسبعين سنة
معاوية بن خديج
ابن جفنة بن قتيرة الكندى الخولانى المصرى صحابى على قول الأكثرين وذكره ابن (8/60)
حبان فى التابعين من الثقاة والصحيح الأول شهد فتح مصر وهو الذى وفد إلى عمر بفتح الاسكندرية وشهد مع عبد الله بن سعد بن أبى سرح قتال البربر وذهبت عينه يومئذ وولى حروبا كثيرة فى بلاد المغرب وكان عثمانيا فى أيام على ببلاد مصر ولم يبايع عليا بالكلية فلما أخذ معاوية بن أبى سفيان مصر أكرمه ثم استنابه بها بعد عبد الله بن عمرو بن العاص فانه ناب بها بعد ابيه سنتين ثم عزله معاوية وولى معاوية بن خديج هذا فلم يزل بمصر حتى مات بها فى هذه السنة
هانىء بن نيار ابو بردة البلوي
المخصوص بذبح العناق وإجرزائها عن غيرها من الأضاحى وشهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها وكانت راية بنى حارثة معه يوم الفتح رضى الله عنه
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين
ففيها غزا عبد الرحمن بن ام الحكم بلاد الروم وشتى بها وفيها افتتح المسلمون وعليهم جنادة ابن أبى أمية جزيرة رودس فأقام بها طائفة من المسلمين كانوا أشد شيء على الكفار يعترضون لهم فى البحر ويقطعون سبيلهم وكان معاوية يدر عليهم الأرزاق والأعطيات الجزيلة وكانوا على حذر شديد من الفرنج يبيتون فى حصن عظيم عنده فيه حوائجهم ودوابهم وحواصلهم ولهم نواطير على البحر ينذرونهم إن قدم عدو أو كادهم احد وما زالوا كذلك حتى كانت إمرة يزيد بن معاوية بعد أبيه فحولهم من تلك الجزيرة وقد كانت للمسلمين بها أموال كثيرة وزراعات غزيرة وحج بالناس فى هذه السنة سعيد بن العاص والى المدينة أيضا قاله أبو معشر والواقدى وفى هذه السنة توفى جبلة ابن الأيهم الغسانى كما ستأتى ترجمته فى آخر هذه التراجم
وفيها توفى الربيع بن زياد الحارثى اختلف فى صحبته وكان نائب زياد على خراسان وكان قد ذكر حجر بن عدى فأسف عليه وقال والله لو ثارت العرب له لما قتل صبرا ولكن أقرت العرب فذلت ثم لما كان يوم الجمعة دعا الله على المنبر ان يقبضه إليه فما عاش إلى الجمعة الأخرى واستخلف على عمله ابنه عبد الله بن الربيع فأقره زياد على ذلك فمات بعد ذلك بشهرين واستخلف على عملهم بخراسان خليد بن عبد الله الحنفى فأقره زياد
رويفع بن ثابت
صحابى جليل شهد فتح مصر وله آثار جيدة فى فتح بلاد المغرب ومات ببرقة واليا من جهة مسلمة بن مخلد نائب مصر
وفى هذه السنة أيضا توفى زياد بن أبى سفيان ويقال له زياد بن أبيه وزياد بن سمية وهى أمه (8/61)
فى رمضان من هذه السنة مطعونا وكان سبب ذلك أنه كتب إلى معاوية يقول له إنى قد ضبطت لك العراق بشمالى ويمينى فارغة فارع لى ذلك وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز ايضا فلما بلغ أهل الحجاز جاءوا إلى عبد الله بن عمر فشكوا إليه ذلك وخافوا أن يلى عليهم زياد فيعسفهم كما عسف أهل العراق فقام ابن عمر فاستقبل القبلة فدعا على زياد والناس يؤمنون فطعن زياد بالعراق فى يده فضاق ذرعا بذلك واستشار شريحا القاضى فى قطع يده فقال له شريح إنى لا أرى ذلك فانه إن لم يكن فى الأجل فسحة لقيت الله أجذم قد قطعت يدك خوفا من لقائه وإن كان لك أجل بقيت فى الناس اجذم فيعير ولدك بذلك فصرفه عن ذلك فلما خرج شريح من عنده عاتبه بعض الناس وقالوا هلا تركته فقطع يده فقال قال رسول الله ص المستشار مؤتمن ويقال إن زيادا جعل يقول أأنام أنا والطاعون فى فراش واحد فعزم على قطع يده فلما جىء بالمكاوى والحديد خاف من ذلك فترك ذلك وذكر أنه جمع مائة وخمسين طبيبا ليداووه مما يجد من الحر فى باطنه منهم ثلاثة ممن كان يطب كسرى بن هرمز فعجزوا عن رد القدر المحتوم والأمر المحموم فمات فى ثالث شهر رمضان فى هذه السنة وقد قام فى إمرة العراق خمس سنين ودفن بالثوبة خارج الكوفة وقد كان برز منها قاصدا إلى الحجاز أميرا عليها فلما بلغ خبر موته عبد الله بن عمر قال اذهب إليك يا ابن سمية فلا الدنيا بقيت لك ولا الآخرة أدركت قال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثنى أبي يمن هشام بن محمد حدثنى يحيى بن ثعلبة أبو المقدم الأنصارى عن امه عن عائشة عن أبيها عبد الرحمن بن السائب الأنصارى قال جمع زياد أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرض عليهم البراءة من على بن أبى طالب قال عبد الرحمن فانى لمع نفر من أصحابى من الأنصار والناس فى أمر عظيم من ذلك وفى حصر قال فهومت تهويمة أى نعست نعسة فرأيت شيئا أقبل طويل العنق له عنق مثل عنق البعير أهدب أهدل فقلت ما أنت فقال أنا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر فاستيقظت فزعا فقلت لأصحابى هل رأيتم ما رأيت قالوا لا فأخبرتهم وخرج علينا خارج من القصر فقال إن الأمير يقول لكم انصرفوا عنى فانى عنكم مشغول وإذا الطاعون قد أصابه وروى ابن أبى الدنيا ان زيادا لما ولى الكوفة سأل عن أعبدها فدل على رجل يقال له أبو المغيرة الحميرى فجاء به فقال له الزم بيتك ولا تخرج منه وأنا أعطيك من المال ما شئت فقال لو أعطيتنى ملك الأرض ما تركت خروجى لصلاة الجماعة فقال الزم الجماعة ولا تتكلم بشىء فقال لا أستطيع ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فأمر به فضربت عنقه ولما احتضر قال له ابنه يا أبة قد هيأت لك ستين ثوبا أكفنك فيها فقال يا بنى قد دنا من ابيك أمر إما لباس خير من لباسه وإما سلب سريع وهذا غريب جدا (8/62)
صعصعة بن ناجية
ابن عفان بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم كان سيدا فى الجاهلية وفى الاسلام يقال أنه أحيى فى الجاهلية ثلثمائة وستين موؤدة وقيل أربعمائة وقيل ستا وتسعين موؤدة فلما أسلم قال له رسول الله ص لك أجر ذلك إذ من الله عليك بالاسلام ويروى عنه أنه أول ما أحيى الموؤدة أنه ذهب فى طلب ناقتين شردتا له قال فبينما أنا فى الليل أسير إذ انا بنار تضىء مرة وتخبو أخرى فجعلت لا أهتدى إليها فقلت اللهم لك على إن أوصلتنى إليها أن أدفع عن أهلها ضيما إن وجدته بهم قال فوصلت إليها وإذا شيخ كبير يوقد نارا وعنده نسوة مجتمعات فقلت ما أنتن فقلن إن هذه امرأة قد حبستنا منذ ثلاث تطلق ولم تخلص فقال الشيخ صاحب المنزل وما خبرك فقلت إنى فى طلب ناقتين ندتالى فقال قد وجدتهما إنهما لفى إبلنا قال فنزلت عنده قال فما هو الا أن نزلت إذ قلن وضعت فقال الشيخ إن كان ذكرا فارتحلوا وإن كان أنثى فلا تسمعننى صوتها فقلت علام تقتل ولدك ورزقه على الله فقال لا حاجة لى بها فقلت أنا أفتديها منك وأتركها عندك حتى تبين عنك أو تموت قال بكم قلت بإحدى ناقتى قال لا قلت فبهما قال لا إلا أن تزيدنى بعيرك هذا فانى أراه شابا حسن اللون قلت نعم على أن تردنى إلى أهلى قال نعم فلما خرجت من عندهم رأيت أن الذى صنعته نعمة من الله من بها على هدانى إليها فجعلت لله على أن لا أجده موؤدة إلا افتديتها كما افتديت هذه قال فما جاء الاسلام حتى أحييت مائة موؤدة إلا أربعة ونزل القرآن بتحريم ذلك على المسلمين
وممن توفى فى هذه السنة من المشاهير المذكورين جبلة بن الأيهم الغسانى ملك نصارى العرب وهو جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبى شمر واسمه المنذر بن الحارث وهو ابن مارية ذات القرطين وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة واسمه كعب أبو عامر بن حارثة بن امرىء القيس ومارية بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة ويقال غير ذلك فى نسبه وكنيته جبلة أبو المنذر الغسانى الجفنى وكان ملك غسان وهم نصارى العرب أيام هرقل وغسان أولاد عم الانصار أوسها وخزرجها وكان جبلة آخر ملوك غسان فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا مع شجاع بن وهب يدعوه إلى الاسلام فأسلم وكتب باسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال ابن عساكر إنه لم يسلم قط وهكذا صرح به الواحدى وسعيد بن عبد العزيز وقال الواقدى شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك فى أيام عمر فاتفق أنه وطىء رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزنى فدفعه أصحاب جبلة إلى أبى عبيدة فقالوا هذا لطم جبلة قال أبو عبيدة فيلطمه جبلة فقالوا أو ما يقتل قال لا قالوا فما تقطع يده قال لا إنما أمر الله (8/63)
بالقود فقال جبلة أترون أنى جاعل وجهى بدلا لوجه مازنى جاء من ناحية المدينة بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانيا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان إن صديقك جبلة ارتد عن الاسلام فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ثم قال ولم قال لطمه رجل من مزينة فقال وحق له فقام إليه عمر بالدرة فضربه ورواه الواقدى عن معمر وغيره عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وساق ذلك بأسانيده إلى جماعة من الصحابة وهذا القول هو أشهر الأقوال وقد روى ابن الكلبى وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة وقيل بل استأذنه جبلة فى القدوم عليه فأذن له فركب فى خلق كثير من قومه قيل مائة وخمسين راكبا وقيل خمسمائة وتلقته هدايا عمر ونزله قبل ان يصل إلى المدينة بمراحل وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد البس خيوله قلائد الذهب والفضة ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلى والجواهر وفيه قرطا مارية جدته وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه فلما سلم على عمر رحب به عمر وادنى مجلسه وشهد الحج مع عمر فى هذه السنة فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطىء ازاره رجل من بنى فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل ومن الناس من يقول إنه قلع عينه فاستعدى عليه الفزارى إلى عمر ومعه خلق كثير من بنى فزارة فاستحضره عمر فاعترف جبلة فقال له عمر أقدته منك فقال كيف وانا ملك وهو سوقة فقال إن الاسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى فقال جبلة قد كنت أظن أن أكون فى الاسلام أعز منى فى الجاهلية فقال عمر دع ذاعنك فانك إن لم ترضى الرجل أقدته منك فقال إذا أتنصر فقال إن تنصرت ضربت عنقك فلما رأى الحد قال سأنظر فى أمرى هذه الليلة فانصرف من عند عمر فلما ادلهم الليل ركب فى قومه ومن أطاعه فسار إلى الشام ثم دخل بلاد الروم ودخل على هرقل فى مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل واقطعه بلادا كثيرة وأجرى عليه أرزاقا جزيلة وأهدى إليه هدايا جميلة وجعله من سماره فمكث عنده دهرا ثم إن عمر كتب كتابا إلى هرقل مع رجل يقال له جثامة بن مساحق الكنانى فلما بلغ هرقل كتاب عمر بن الخطاب قال له هرقل هل لقيت ابن عمك جبلة قال لا قال فالقه فذكر اجتماعه به وما هو فيه من النعمة والسرور والحبور الدنيوى فى لباسه وفرشه ومجلسه وطيبه وجواريه حواليه الحسان من الخدم والقيان ومطعمه وشرابه وسروره وداره التى ثعوض بها عن دار الاسلام وذكر أنه دعاه إلى الاسلام والعود إلى الشام فقال أبعد ما كان منى من الارتداد فقال نعم إن الأشعث بن قيس ارتد وقاتلهم بالسيوف ثم لما رجع إلى الحق قبله منه وزوجه الصديق بأخته أم فروة قال فالتهى عنه بالطعام والشراب وعرض عليه الخمر فأبى عليه وشرب جبلة من الخمر شيئا كثيرا حتى سكر (8/64)
ثم أمر جواريه المغنيات فغنينه بالعيدان من قول حسان يمدح بنى عمه من غسان والشعر فى والدجبلة هذا الحيوان ... لله در عصابة نادمتهم ... يوما بحلق فى الزمان الأول ... أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل ... يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل ... بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول ... يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل ...
قال فأعجبه قولهن ذلك ثم قال هذا شعر حسان بن ثابت الأنصارى فينا وفى ملكنا ثم قال لى كيف حاله قلت تركته ضريرا شيخا كبيرا ثم قال لهن أطربننى فاندفعن يغنين لحسان أيضا
... لمن الديار اوحشت بمغان ... بين أعلا اليرموك فالصمان ... فالقريات من بلامس فداريا ... فسكاء لقصور الدوائى ... فقفا جاسم فأودية الصفر ... مغنى قبائل وهجان ... تلك دار العزيز بعد أنيس ... وحلوك عظيمة الأركان ... صلوات المسيح فى ذلك الدير ... دعاء القسيس والرهبان ... ذاك مغنى لآل جفنة فى الدهر ... محاه تعاقب الأزمان ... قد أرانى هناك حق مكين ... عند ذى التاج مجلسى ومكانى ... ثكلت أمهم وقد ثكلتهم ... يوم حلوا بحارث الحولانى ... وقددنا الفصح فالولائد ينظمن ... سراعا أكلة المرجان ... ثم قال هذا لابن الفريعة حسان بن ثابت فينا وفى ملكنا وفى منازلنا بأكناف غوطة دمشق قال ثم سكت طويلا ثم قال لهن بكيننى فوضعن عيدانهن ونكسن رؤوسهن وقلن ... تنصرت الأشراف من عار لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر ... تكنفنى فيها اللجاج ونخوة ... وبعت بها العين الصحيحة بالعوز ... فياليت أمى لم تلدنى وليتنى ... رجعت إلى القول الذى قاله عمر ... وياليتنى أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر ... ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة ... أجالس قومى ذاهب السمع والبصر ... أدين بما دانوا به من شريعة ... وقد يصبر العود الكبير على الدبر ... قال فوضع يده على وجهه فبكى حتى بل لحيته بجموعه وبكيت معه ثم استدعى بخمسمائة دينار (8/65)
هرقلية فقال خذ هذه فأوصلها إلى حسان بن ثابت وجاء بأخرى فقال خذ هذه لك فقلت لا حاجة لى فيها ولا أقبل منك شيئا وقد ارتددت عن الاسلام فيقال إنه أضافها إلى التى لحسان فبعث بألف دينار هرقلية ثم قال له أبلغ عمر بن الخطاب منى السلام وسائر المسلمين فلما قدمت على عمر أخبرته خبره فقال ورأيته يشرب الخمر قلت نعم قال أبعده الله تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته ثم قال وما الذى وجه به لحسان قلت خمسمائة دينار هرقلية فدعا حسانا فدفعها إليه فأخذها وهو يقول ... إن ابن جفنة من بقية معشر ... لم يغرهم آباؤهم باللوم ... لم ينسنى بالشام إذ هو ربها ... كلا ولا متنصرا بالروم ... يعطى الجزيل ولا يراه عنده ... إلا كبعض عطية المحروم ... وأتيته يوما فقرب مجلسى ... وسقا فروانى من المذموم ...
ثم لما كان فى هذه السنة من أيام معاوية بعث معاوية عبد الله بن مسعدة الفزارى رسولا إلى ملك الروم فاجتمع بجبلة بن الأيهم فرأى ما هو فيه من السعادة الدنيوية والأموال من الخدم والحشم والذهب والخيول فقال له جبلة لو أعلم أن معاوية يقطعنى أرض البثينة فانها منازلنا وعشرين قرية من غوطة دمشق ويفرض لجماعتنا ويحسن جوائزنا لرجعت إلى الشام فأخبر عبد الله بن مسعدة معاوية بقوله فقال معاوية أنا أعطيه ذلك وكتب إليه كتابا مع البريد بذلك فما أدركه البريد إلا وقد مات فى هذه السنة قبحه الله وذكر أكثر هذه الأخبار الشيخ أبو الفرج ابن الجوزى فى المنتظم وأرخ وفاته هذه السنة أعنى سنة ثلاث وخمسين وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر فى تاريخه فأطال الترجمة وأفاد ثم قال فى آخرها بلغنى أن جبلة توفى فى خلافة معاوية بأرض الروم بعد سنة أربعين من الهجرة
سنة أربع وخمسين
ففيها كان شتى محمد بن مالك بأرض الروم وغزا الصائفة معن بن يزيد السلمى وفيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن إمرة المدينة ورد إليها مروان بن الحكم وكتب إليه أن يهدم دار سعيد بن العاص ويصطفى أمواله التى [ بأرض الحجاز فجاء مروان إلى دار سعيد ليهدمها فقال سعيد ما كنت لتفعل ذلك فقال إن أمير المؤمنين كتب إلى بذلك ولو كتب إليك فى دارى لفعلته فقام سعيد فأخرج إليه كتاب معاوية إليه حين ولاه المدينة أن يهدم دار مروان ويصطفى ماله وذكر انه لم يزل يحاجف دونه حتى صرف ذلك عنه فلما رأى مروان الكتاب إلى سعيد بذلك ثناه ذلك عن سعيد ولم يزل يدافع عنه حتى تركه معاوية فى داره وأقر عليه أمواله وفيها (8/66)
عزل معاوية سمرة بن جندب عن البصرة وكان زياد استخلفه عليها فأقره معاوية ستة أشهر وولى عليها عبد الله بن عمرو بن غيلان وروى ابن جرير وغيره عن سمرة أنه قال لما عزله معاوية لعن الله معاوية لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبنى أبدا وهذا لا يصح عنه وأقر عبد الله بن خالد بن أسيد على نيابة الكوفة وكان زياد قد استخلفه عليها فأبقاه معاوية وقدم فى هذه السنة عبيد الله بن زياد على معاوية فأكرمه وسأله عن نواب أبيه على البلاد فأخبره عنهم ثم ولاه إمرة خراسان وهو ابن خمس وعشرين سنة فسار إلى مقاطعته وتجهز من فوره غاديا إليها فقطع النهر إلى جبال بخارا ففتح رامس ونصف بيكند وهما من معاملة بخارا ولقى الترك هناك فقاتلهم قتالا شديدا وهزمهم هزيمة فظيعة بحيث إن المسلمين أعجلوا امرأة الملك أن تلبس خفيها فلبست واحدة وتركت أخرى فأخذها المسلمون فقوموا جواهرها بمائتى ألف درهم وغنموا مع ذلك غنائم كثيرة وأقام عبيد الله بخراسان سنتين وفى هذه السنة حج بالناس مروان بن الحكم نائب المدينة وكان على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد وقيل بل كان عليها الضحاك بن قيس وكان على البصرة عبد الله بن غيلان
ذكر من توفى فيها من الاعيان
اسامة بن زيد بن حارثة الكلبى
أبو محمد المدنى مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وابن مولاه وحبه وابن حبه وأمه بركة أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وحاضنته ولاه رسول الله الأمره بعد مقتل أبيه فطعن بعض الناس فى إمرته فقال رسول الله ص إن تطعنوا فى إمارته فقد طعنتم فى إمرة ابيه من قبله وايم الله إن كان لخليقا بالامارة وإن كان لمن أحب الناس إلى بعده وثبت فى صحيح البخارى عنه أن رسول الله كان يجلس الحسن على فخذه ويجلس أسامة على فخذه الاخرى ويقول اللهم إنى أحبهما فأحبهما وفضائله كثيرة توفى رسول الله وعمره تسع عشرة سنة وكان عمر إذا لقيه يقول السلام عليك أيها الأمير وصحح أبو عمر بن عبد البر أنه توفى فى هذه السنة وقال غيره سنة ثمان أو تسع وخمسين وقيل توفى بعد مقتل عثمان فالله أعلم
ثوبان بن مجدد مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم تقدمت ترجمته فى مواليه ومن كان يخدمه عليه السلام أصله من العرب فأصابه سبى فاشتراه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعتقه فلزم رسول الله سفرا وحضرا فلما مات أقام بالرملة ثم انتقل إلى حمص فابتنى بها دارا ولم يزل بها حتى مات فى هذه السنة على الصحيح وقيل سنة أربع واربعين وهو غلط ويقال إنه توفى بمصر والصحيح بحمص
جبير بن مطعم تقدم أنه توفى سنة خمسين (8/67)
الحارث بن ربعى
أبو قتادة الأنصارى وقال الواقدى اسمه النعمان بن ربعى وقال غيره عمرو بن ربعى وهو أبو قتادة الأنصارى السلمى المدنى فارس الاسلام شهد أحدا وما بعدها وكان له يوم ذى قرد سعى مشكور كما قدمنا هناك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة بن الاكوع وزعم أبو أحمد الحاكم أنه شهد بدرا وليس بمعروف وقال أبو سعيد الخدرى أخبرنى من هو خير منى أبو قتادة الأنصارى ان رسول الله قال لعمار تقتلك الفئة الباغية قال الواقدى وغير واحد توفى فى هذه السنة يعنى سنة أربع وخمسين بالمدينة عن سبعين سنة وزعم الهيثم بن عدى وغيره توفى بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه على بن ابى وهذا غريب حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب القرشى الاسدى أبو خالد المكى أمه فاخته بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وعمته خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأم أولاده سوى إبراهيم ولدته أمه فى جوف الكعبة قبل الفيل بثلاث عشرة سنة وذلك أنها دخلت تزور فضربها الطلق وهى فى الكعبة فوضعته على نطع وكان شديد المحبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولما كان بنو هاشم وبنو المطلب فى الشعب لا يبايعوا ولا يناكحوا كان حكيم يقبل بالعير يقدم من الشام فيشتريها بكمالها ثم يذهب بها فيضرب أدبارها حتى يلج الشعب يحمل الطعام والكسوة تكرمة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولعمته خديجة بنت خويلد وهو الذى اشترى زيد بن حارثة فابتاعته منه عمته خديجة فوهبته لرسول الله فأعتقه وكان اشترى حلة ذى يزن فأهداها لرسول الله صلى الله عليه و سلم فلبسها قال فما رأيت شيئا أحسن منه فيها ومع هذا ما أسلم إلا يوم الفتح هو واولاده كلهم قال البخارى وغيره عاش فى الجاهلية ستين سنة وفى الاسلام ستين سنة وكان من سادات قريش وكرمائهم وأعلمهم بالنسب وكان كثير الصدقة والبر والعتاقة فلما أسلم سأل عن ذلك رسول الله فقال أسلمت على ما أسلمت من خير وقد كان حكيم شهد مع المشركين بدرا وتقدم إلى الحوض فكاد حمزة أن يقتله فما سحب إلا سحبا بين يديه فلهذا كان إذا اجتهد فى اليمين يقول لا والذى نجانى يوم بدر ولما ركب رسول الله إلى فتح مكة ومعه الجنود بمر الظهران خرج حكيم وأبو سفيان يتجسسان الأخبار فلقيهما العباس فأخذ أبا سفيان فأجاره وأخذ له أمانا من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأسلم أبو سفيان ليلتئذ كرها ومن صبيحة ذلك اليوم أسلم حكيم وشهد مع رسول الله ص حنينا وأعطاه مائة من الابل ثم سأله فأعطاه ثم سأله فأعطاه ثم قال يا حكيم إن هذه المال حلوة خضرة وإنه من أخذه بسخاوة بورك له فيه ومن أخذه باسراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذى يأكل ولا يشبع فقال (8/68)
حكيم والذى بعثك بالحق لا ارزا بعدك أبدا فلم يرزا أحدا بعده وكان أبو بكر يعرض عليه العطاء فيأبى وكان عمر يعرض عليه العطاء فيأبى فيشهد عليه المسلمين ومع هذا كان من أغنى الناس مات الزبير يوم مات ولحكيم عليه مائة ألف وقد كان بيده حين أسلم الرفادة ودار الندوة فباعها بعد من معاوية بمائة ألف وفى رواية بأربعين ألف دينار فقال له ابن الزبير بعت مكرمة قريش فقال له حكيم ابن أخى ذهبت المكارم فلا كرم إلا التقوى يا ابن أخى إنى اشتريتها فى الجاهلية بزق خمر ولأشترين بها دارا فى الجنة أشهدك انى قد جعلتها فى سبيل الله وهذه الدار كانت لقريش بمنزلة دار العدل وكان لا يدخلها أحد إلا وقد صار سنة أربعين سنة إلا حكيم بن حزام فانه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة ذكره الزبير بن بكار وذكر الزبير أن حكيما حج عاما فأهدى مائة بدنة مجللة والف شاة واوقف معه بعرفات وصيف فى أعناقهم أطوقة الفضة وقد نقش فيها هؤلاء عتقاء الله عن حكيم بن حزام فأعتقهم وأهدى جميع تلك الانعام رضى الله عنه توفى حكيم فى هذه السنة على الصحيح وقيل غير ذلك وله مائة وعشرون سنة
حويطب بن عبد العزى العامرى
صحابى جليل أسلم عام الفتح وكان قد عمر دهرا طويلا ولهذا جعله عمر فى النفر الذين جددوا أنصاب الحرم وقد شهد بدرا ملح المشركين ورأى الملائكة يومئذ بين السماء والأرض وشهد الحديبية وسعى فى الصلح فلما كان عمرة القضاء كان هو وسهيل هما اللذان أمرا رسول الله ص بالخروج من مكة فأمر بلالا أن لا تغرب الشمس وبمكة أحد من أصحابه قال وفى كل هذه المواطن أهم بالاسلام ويأبى الله إلا ما يريد فلما كان زمن الفتح خفت خوفا شديدا وهربت فلحقنى أبو ذر وكان لى خليلا فى الجاهلية فقال يا حويطب مالك فقلت خائف فقال لا تخف فانه أبر الناس واوصل الناس وأنا لك جار فاقدم معى فرجعت معه فوقف بى على رسول الله وهو بالبطحاء ومعه أبو بكر وعمر وقد علمنى أبو ذر أن أقول السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته فلما قلت ذلك قال حويطب قلت نعم أشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله فقال الحمد لله الذى هداك وسر بذلك واستقرضنى مالا فأقرضته أربعين ألفا وشهدت معه حنينا والطائف واعطانى من غنائم حنين مائة بعير ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها وله بها دار ولما ولى عليها مروان بن الحكم جاءه حويطب وحكيم بن حزام ومخرمة بن نوفل فسلموا عليه وجعلوا يتحدثون عنده ثم تفرقوا ثم اجتمع حويطب بمروان يوما آخر فسأله مروان عن عمره فأخبره فقال له تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث فقال حويطب الله المستعان والله لقد هممت بالاسلام غير مرة كل ذلك يعوقنى أبوك تضع شرفك وتدع دين آبائك لدين (8/69)
محدث وتصير تابعا قال فاسكت مروان وندم على ما كان قال له ثم قال حويطب اما كان أخبرك عثمان ما كان لقى من أبيك حين أسلم قال فازداد مروان غما وكان حويطب ممن شهد دفن عثمان واشترى منه معاوية داره بمكة بأربعين الف دينار فاستكثرها الناس فقال وما هى فى رجل له خمسة من العيال قال الشافعى كان حويطب جيد الاسلام وكان أكثر قريش ريعا جاهليا وقال الواقدى عاش حويطب فى الجاهلية ستين سنة وفى الاسلام ستين سنة ومات حويطب فى هذه السنة بالمدينة وله مائة وعشرون سنة وقال غيره توفى بالشام له حديث واحد رواه البخارى ومسلم والنسائى من حديث السائب بن يزيد عنه عن عبد الله بن السعدى عن عمر فى العمالة وهو من عزيز الحديث لأنه اجتمع فيه أربعة من الصحابة رضى الله عنهم
معبد بن يربوع بن عنكثة
ابن عامر بن مخزوم أسلم عام الفتح وشهد حنينا وأعطاه رسول الله خمسين من الابل وكان اسمه صرما وفى رواية أصرم فسماه معبدا وكان فى جملة النفر الذين أمرهم عمر بتجديد أنصاب الحرم وقد أصيب بصره بعد ذلك فأتاه عمر يعزيه فيه رواه البخارى قال الواقدى وخليفة وغير واحد مات فى هذه السنة بالمدينة وقيل بمكة وهو ابن مائة وعشرين سنة وقيل أكثر من ذلك
مرة بن شراحيل الهمداني
يقال له مرة الطيب ومرة الخير روى عن أبى بكر وعمر وعلى وابن مسعود وغيرهم كان يصلى كل يوم وليلة ألف ركعة فلما كبر صلى أربعمائة ركعة ويقال إنه سجد حتى أكل التراب جبهته فلما مات رؤى فى المنام وقد صار ذلك المكان نورا فقيل له أين منزلك فقال بدار لا يظعن أهلها ولا يموتون
النعيمان بن عمرو
ابن رفاعة بن الحر شهد بدرا وما بعدها ويقال إنه الذى كان يؤتى به فى الشراب فقال رجل لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تلعنه فانه يحب الله ورسوله
سودة بن ؟ زمعة
القرشية العامرية أم المؤمنين تزوجها رسول الله بعد خديجة وكانت قبله عند السكران بن عمرو أخى سهيل بن عمرو فلما كبرت هم رسول الله بطلاقها ويقال إنه طلقها فسألته أن يبقيها فى نسائه وتهب يومها لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أنزل الله [ وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ] الآية وكانت ذات عبادة وورع وزهادة قالت عائشة ما من امرأة احب إلى أن أكون فى مسلاخها غير أن فيها حدة تسرع منها الفيئة ذكر ابن الجوزى وفاتها فى هذه السنة وقال ابن أبى خيثمة توفيت فى آخر خلافة عمر بن الخطاب فالله أعلم (8/70)
ثم دخلت سنة خمس وخمسين
فيها عزل معاوية عبد الله بن غيلان عن البصرة وولى عليها عبيد الله بن زياد وكان سبب عزل معاوية بن غيلان عن البصرة أنه كان يخطب الناس فحصبه رجل من بنى ضبة فأمر بقطع يده فجاء قومه إليه فقالوا له إنه متى بلغ أمير المؤمنين أنك قطعت يده فى هذا الصنع فعل به وبقومه نظير ما فعل بحجر بن عدى فاكتب لنا كتابا أنك قطعت يده فى شبهة فكتب لهم فتركوه عندهم حينا ثم جاؤا معاوية فقالوا له إن نائبك قطع يد صاحبنا فى شبهة فأقدنا منه قال لا سبيل إلى القود من نوابى ولكن الدية فأعطاهم الدية وعزل ابن غيلان وقال لهم اختاروا من تريدون فذكروا رجالا فقال لا ولكن أولى عليكم ابن أخى عبيد الله بن زياد فولاه فاستخلف ابن زياد على خراسان أسلم بن زرعة فلم يغز ولم يفتح شيئا وولى قضاء البصرة لزرارة بن أوفى ثم عزله وولى ابن أذينة وولى شرطتها عبد الله بن الحصين وحج بالناس فى هذه السنة مروان بن الحكم نائب المدينة وفيها عزل معاوية عبد الله بن خالد بن أسيد عن الكوفة وولى عليها الضحاك بن قيس رضى الله عنه
ذكر من توفى من الأعيان فى هذه السنة أرقم بن أبى الأرقم
عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أسلم قديما يقال سابع سبعة وكانت داره كهفا للمسليمن يأوى إليها رسول الله ومن أسلم من قريش وكانت عند الصفا وقد صارت فيما بعد ذلك للمهدى فوهبها لامرأته الخيزران أم موسى الهادى وهارون الرشيد فبنتها وجددتها فعرفت بها ثم صارت لغيرها وقد شهد الأرقم بدرا وما بعدها من المشاهد ومات بالمدينة فى هذه السنة وصلى عليه سعد بن أبى وقاص أوصى به رضى الله عنهما وله بضع وثمانون سنة
سحبان بن زفر بن إياس
ابن عبد شمس بن الأجب الباهلى الوائلى الذى يضرب بفصاحته المثل فيقال أفصح من سحبان وائل ووائل هو ابن معد بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار وباهلة امرأة مالك بن أعصر ينسب إليها ولدها وهى باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة قال ابن عساكر سحبان المعروف بسحبان وائل بلغنى أنه وفد إلى معاوية فتكلم فقال معاوية أنت الشيخ فقال إى والله وغير ذلك ولم يزد ابن عساكر على هذا وقد نسبه ابن الجوزى فى كتابه المنتظم كما ذكرنا ثم قال وكان بليغا بليغا يضرب المثل بفصاحته دخل يوما على معاوية وعنده خطباء القبائل فلما رأوه خرجوا لعلمهم بقصورهم عنه فقال سحبان ... لقد علم الحيى اليمانون اننى ... إذا قلت أما بعد أنى خطيبها ... فقال له معاوية اخطب فقال انظروا لى عصى تقيم من أودى فقالوا وماذا تصنع بها (8/71)
وأنت بحضرة أمير المؤمنين فقال ما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربه فأخذها وتكلم من الظهر إلى ان قاربت العصر ما تنحنح ولا سعل ولا توقف ولا ابتدأ فى معنى فخرج عنه وقد بقيت عليه بقية فيه فقال معاوية الصلاة فقال الصلاة أمامك ألسنا فى تحميد وتمجيد وعظة وتنبيه وتذكير ووعد ووعيد فقال معاوية أنت أخطب العرب قال العرب وحدها بل أخطب الجن والأنس قال كذلك أنت سعد بن أبى وقاص
واسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب أبو إسحاق القرشى الزهرى أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله وهو عنهم راض أسلم قديما قالوا وكان يوم أسلم عمره سبع عشرة سنة وثبت عنه فى الصحيح أنه قال ما أسلم أحد فى اليوم الذى أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإنى لثلث الاسلام سابع سبعة وهو الذى كوف الكوفة ونفى عنها الأعاجم وكان مجاب الدعوة وهاجر وشهد بدرا وما بعدها وهو أول من رمى بسهم فى سبيل الله وكان فارسا شجاعا من أمراء رسول الله ص وكان فى أيام الصديق معظما جليل المقدار وكذلك فى أيام عمر وقد استنابه على الكوفة وهو الذى فتح المدائن وكانت بين يديه وقعة جلولاء وكان سيدا مطاعا وعزله عن الكوفة عن غير عجز ولا خيانة ولكن لمصلحة ظهرت لعمر فى ذلك وقد ذكره فى الستة أصحاب الشورى ثم ولاه عثمان بعدها ثم عزله عنها وقال الحميدى عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال شهد سعد بن أبى وقاص وابن عمر دومة الجندل يوم الحكمين وثبت فى صحيح مسلم أن ابنه عمر جاء إليه وهو معتزل فى إبله فقال الناس يتنازعون الامارة وانت ها هنا فقال يا بنى إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله يحب العبد الغنى الخفى التقى قال ابن عساكر ذكر بعض أهل العلم أن ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبى وقاص جاءه فقال له يا عم هاهنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر فقال أريد من مائة الف سيفا واحدا إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا وإذا ضربت به الكافر قطع وقال عبد الرزاق عن ابن جريج حدثنى زكريا بن عمرو أن سعد بن أبى وقاص وفد على معاوية فأقام عنده شهر رمضان يقصر الصلاة ويفطر وقال غيره فبايعه وما سأله سعد شيئا إلا أعطاه إياه قال أبو يعلى حدثنا زهير ثنا إسماعيل بن علية عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم قال قال سعد إنى لأول رجل رمى بسهم فى المشركين وما جمع رسول الله أبويه لأحد قبلى ولقد سمعته يقول ارم فداك أبى وأمى وقال أحمد حدثنا يزيد بن هارون ثنا إسماعيل عن قيس سمعت سعد بن مالك يقول والله إنى لأول العرب رمى بسهم فى سبيل الله (8/72)
ولقد كنا نغزو مع رسول الله وما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة وهذا السمر حتى ان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط ثم أصبحت بنو أسد تعزرنى على الدين لقد خبت إذا وضل عملى وقد رواه شعبةة ووكيع وغير واحد عن إسماعيل بن أبى خالد به وقال أحمد حدثنا ابن سعيد عن يحيى ابن سعيد الآنصارى عن سعيد بن المسيب عن سعد قال جمع لى رسول الله ص أبويه يوم أحد ورواه أحمد أيضا عن غندر عن شعبة عن يحيى بن سعيد الأنصارى وقد رواه الليث وغير واحد عن يحيى الأنصارى ورواه غير واحد عن سعيد بن المسيب عن سعد ورواه الناس من حديث عامر بن سعد عن أبيه وفى بعض الروايات فداك أبى وأمى وفى رواية فقال ارم وأنت الغلام الحزور قال سعيد وكان سعد جيد الرمى وقال الأعمش عن أبى خالد عن جابر بن سمرة قال أول الناس رمى بسهم فى سبيل الله سعد رضى الله عنه وقال أحمد حدثنا وكيع ثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد سمعت عليا يقول ما سمعت رسول الله يفدى أحدا بأبويه إلا سعد بن مالك وإنى سمعته يقول له يوم أحد ارم سعد فداك أمى وأبى ورواه البخارى عن أبى نعيم عن مسعر عن سعد بن أبراهيم به ورواه شعبة عن سعد بن إبراهيم ورواه سفيان بن عيينة وغير واحد عن يحيى بن سعيد الأنصارى عن سعيد بن المسيب عن على بن أبى طالب فذكره وقال عبد الرزاق انا معمر عن أيوب أنه سمع عائشة بنت سعد تقول أنا بنت المهاجر الذى فداه رسول الله ص بالأبوين وقال الواقدى حدثنى عبيدة بن نابل عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال لقد رأيتنى أرمى بالسهم يوم أحد فيرده على رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه حتى كان بعد ذلك فظننت أنه ملك وقال أحمد حدثنا سليمان بن داود الهاشمى ثنا إبراهيم عن سعد عن أبيه عن سعد بن أبى وقاص قال لقد رايت عن يمين رسول الله ص وعن يساره يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد ورواه الواقدى حدثنى إسحاق بن أبى عبد الله عن عبد العزيز جد ابن أبى عون عن زياد مولى سعد عن سعد قال رأيت رجلين يوم بدر يقاتلان عن رسول الله أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وإنى لأراه ينظر إلى ذا مرة وإلى ذا مرة مسرورا بما ظفره الله عز و جل وقال سفيان عن أبى إسحاق عن أبى عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فيما أصبنا من الغنيمة فجاء سعد بأسيرين ولم أجىء أنا وعمار بشىء وقال الأعمش عن إبراهيم بن علقمة عن ابن مسعود قال لقد رأيت سعد بن أبى وقاص يوم بدر يقاتل قتال الفارس للراجل وقال مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع عبد الله بن عامر يقول قالت عائشة بات رسول الله أرقا ذات ليلة ثم قال ليت رجلا صالحا يحرسنى الليلة قالت إذ سمعنا صوت (8/73)
السلاح فقال من هذا قال أنا سعد بن أبى وقاص أنا أحرسك يا رسول الله قالت فنام رسول الله ص حتى سمعت غطيطه أخرجاه من حديث يحيى بن سعيد وفى رواية فدعا له رسول الله ص ثم نام وقال أحمد حدثنا قتيبة ثنا رشدين بن سعد عن يحيى بن الحجاج بن شداد عن أبى صالح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة فدخل سعد بن أبى وقاص وقال أبو يعلى حدثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الله بن قيس الرقاشى الخرار بصرى ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال كنا جلوسا عند رسول الله ص فقال يدخل عليكم من ذا الباب رجل من أهل الجنة قال فليس منا أحد إلا وهو يتمنى أن يكون من أهل بيته فاذا سعد بن أبى وقاص قد طلع وقال حرملة عن ابن وهب أخبرنى حيوة أخبرنى عقيل عن ابن شهاب حدثنى من لاأتهم عن أنس بن مالك قال بينا نحن جلوس عند رسول الله ص فقال يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة فاطلع سعد بن أبى وقاص حتى إذا كان الغد قال رسول الله مثل ذلك قال فاطلع سعد بن أبى وقاص على ترتيبه الأول حتى إذا كان الغد قال رسول الله مثل ذلك قال فطلع على ترتيبه فلما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم ثار عبد الله بن عمرو بن العاص فقال إنى غاضبت أبى فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاث ليال فإن رأيت أن تؤوينى إليك حتى تنحل يمينى فعلت قال أنس فزعم عبد الله بن عمرو أنه بات معه ليلة حتى إذا كان الفجر فلم يقم تلك الليلة شيئا غير أنه كان إذا انقلب على فراشه ذكر الله وكبره حتى يقوم مع الفجر فاذا صلى المكتوبة أسبغ الوضوء وأتمه ثم يصبح مفطرا قال عبد الله بن عمرو فرمقته ثلاث ليال وأيامهن لا يزيد على ذلك غير أنى لا أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الليالى الثلاث وكدت أحتقر عمله قلت إنه لم يكن بينى وبين أبى غضب ولا هجر ولكنى سمعت رسول الله قال ذلك فى ثلاث مرات فى ثلاث مجالس يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فاطلعت أنت أولئك المرات الثلاث فأردت أن آوى إليك حتى أنظر ما عملك فأقتدى بك لأنال ما نلت فلم أرك تعمل كثير عمل ما الذى بلغ بك ما قال رسول الله فقال ما هو إلا الذى رأيت قال فلما رأيت ذلك انصرفت فدعى بى حين وليت فقال ما هو إلا ما رأيت غير أنى لا أجد فى نفسى سوءا لأحد من المسلمين ولا أنوى له شرا ولا أقوله قال قلت هذه التى بلغت بك وهى التى لا أطيق
وهكذا رواه صالح المزى عن عمر بن دينار مولى الزبير عن سالم عن أبيه فذكر مثل رواية أنس ابن مالك وثبت فى صحيح مسلم من طريق سفيان الثورى عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد فى قوله تعالى [ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ] نزلت فى سنة أنا وابن مسعود منهم وفى رواية أنزل الله فى [ وإن جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم ] وذلك أنه لما أسلم (8/74)
امتنعت أمه من الطعام والشراب أياما فقال لها تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت دينى هذا لشىء إن شئت فكلى وأن شئت فلا تأكلى فنزلت هذه الآية وأما حديث الشهادة للعشرة بالجنة فثبت فى الصحيح عن سعيد بن زيد وجاء من حديث سهيل عن أبيه عن أبى هريرة فى قصة حراء ذكر سعد بن أبى وقاص منهم وقال هشيم وغير واحد عن مجالد عن الشعبى عن جابر قال كنا مع رسول الله فأقبل سعد فقال رسول الله ص هذا خالى فليرنى امرؤ خاله وقال الطبرانى حدثنا الحسين بن إسحاق التسترى ثنا عبد الوهاب ابن الضحاك ثنت إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن ماعز التميمى عن جابر قال كنا مع رسول الله ص إذ أقبل سعد فقال هذا خالى وثبت فى الصحيح من حديث مالك وغيره عن الزهرى عن عامر بن سعد عن أبيه ان رسول الله جاءه يعوده عام حجة الوداع من وجع اشتد به فقلت يا رسول الله إنى ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة أفأتصدق بثلثى مالى قال لا قلت فالشطر يا رسول الله قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تضعها فى فم امرأتك قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابى فقال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغى به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون ثم قال اللهم أمض لأصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد ابن خولة يرثى له رسول الله إن مات بمكة ورواه أحمد عن يحيى بن سعيد عن الجعد بن أوس عن عائشة بنت سعد عن أبيها فذكر نحوه وفيه قال فوضع يده على جبهته فمسح وجهه وصدره وبطنه وقال اللهم اشف سعدا وأتم له هجرته قال سعد فما زلت يخيل إلى أنى أجد برده على كبدى حتى الساعة وقال ابن وهب حدثنى موسى بن على بن رباح عن أبيه أن رسول الله ص عاد سعدا فقال اللهم أذهب عنه الباس إله الناس ملك الناس أنت الشافى لا شافى له إلا أنت بسم الله أرقيك من كل شىء يؤذيك من حسد وعين اللهم أصح قلبه وجسمه واكشف سقمه وأجب دعوته
وقال ابن وهب أخبرنى عمر وعن بكر بن الأشج قال سألت عامر بن سعد عن قول رسول الله لسعد وعسى أن تبقى وينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون فقال أمر سعد على العراق فقتل قوما على الردة فضرهم واستناب قوما كانوا سجعوا سجع مسيلمة الكذاب فتابوا فانتفعوا به
وقال الامام أحمد حدثنا المغيرة ثنا معاذ بن رفاعة حدثنى على بن زيد عن القاسم أبى عبد الرحمن عن أبى أمامة قال جلسنا الى رسول الله فذكرنا ورققنا فبكى سعد بن أبى قاص فأكثر البكاء وقال يا ليتنى مت فقال رسول الله ص يا سعد إن كنت للجنة خلقت فما طال عمرك أو حسن (8/75)
من عملك فهو خير لك وقال موسى بن عقبة وغيره عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس عن سعد إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اللهم سدد رميته واجب دعوته ورواه سيار بن بشير عن قيس عن أبى بكر الصديق قال سمعت رسول الله يقول لسعد اللهم سدد سهمه واجب دعوته وحببه إلى عبادك وروى من حديث ابن عباس وفى رواية محمد بن عائد الدمشقى عن الهيثم بن حميد عن مطعم عن المقدام وغيره أن سعدا قال يا رسول الله ادع الله أن يجيب دعوتى فقال إنه لا يستجيب الله دعوة عبد حتى يطيب مطعمه فقال يا رسول الله ادع الله أن يطيب مطعمى فدعا له قالوا فكان سعد يتورع من السنبلة يجدها فى زرعه فيردها من حيث أخذت وقد كان كذلك مجاب الدعوة لا يكاد يدعو بدعاء إلا استجيب له فمن اشهر ذلك ما روى فى الصحيحين من طريق عبد الملك بن عمير عن جابر بن سلمة أن أهل الكوفة شكوا سعدا إلى عمر فى كل شىء حتى قالوا لا يحسن يصلى فقال سعد أما إنى لا آلو أن أصلى بهم صلاة رسول الله اطيل الأوليين وأحذف الأخرتين فقال الظن بك يا أبا إسحاق وكان قد بعث من يسأل عنه بمحال الكوفة فجعلوا لا يسألون أهل مسجد إلا أثنوا خيرا حتى مروا بمسجد لبنى عبس فقام رجل منهم يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة فقال إن سعدا كان لا يسير فى السرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل فى الرعية القضية فبلغ سعدا فقال اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة فأطل عمره وادم فقره وأعم بصره وعرضه للفتن قال فأنا رأيته بعد ذلك شيخا كبيرا قد سقطت حاجباه على عينيه يقف فى الطريق فيغمز الجوارى فيقال له فيقول شيخ مفتون أصابته دعوة سعد وفى رواية غريبة أنه أدرك فتنة المختار بن أبى عبيد فقتل فيها وقال الطبرانى ثنا يوسف القاضى ثنا عمرو بن مرزوق ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب قال خرجت جارية لسعد يقال لها زبراء وعليها قميص جديد فكشفتها الريح فشد عليها عمر بالدرة وجاء سعد ليمنعه فتناوله عمر بالدرة فذهب سعد يدعو على عمر فناوله الدرة وقال اقنص منى فعفى عن عمر وروى أيضا أنه كان بين سعد وابن مسعود كلام فهم سعد أن يدعو عليه فخاف ابن مسعود وجعل يشتد فى الهرب وقال سفيان بن عيينة لما كان يوم القادسية كان سعد على الناس وقد أصابته جراح فلم يشهد يوم الفتح فقال رجل من بجيلة ... ألم تر أن الله اظهر دينه ... وسعد بباب القادسية معصم ... فأبنا وقد أيمت نساء كثيرة ... ونسوة سعد ليس فيهن أيم ...
فقال سعد اللهم اكفنا يد ولسانه فجاءه سهم غرب فاصابه فخرس ويبست يداه جميعا وقد أسند زياد البكائى وسيف بن عمر عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر عن ابن عمر فذكر (8/76)
مثله وفيه ثم خرج سعد فأرى الناس ما به من القروح فى ظهره ليعتذر إليهم وقال هشيم عن أبى بلح عن مصعب بن سعد ان رجلا نال من على فنهاه سعد فلم ينته فقال سعد ادعو عليك فلم ينته فدعا الله عليه حتى جاء بعير ناد فتخبطه وجاء من وجه آخر عن عامر بن سعد ان سعدا رأى جماعة عكوفا على رجل فأدخل رأسه من بين اثنين فاذا هو يسب عليا وطلحة والزبير فنهاه عن ذلك فلم ينته فقال أدعو عليك فقال الرجل تتهددنى كأنك نبى فانصرف سعد فدخل دار آل فلان فتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه فقال اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما قد سبق لهم منك سابقة الحسنى وأنه قد أسخطك سبه إياهم فاجعله اليوم آية وعبرة قال فخرجت بختية نادة من دار آل فلان لا يردها شىء حتى دخلت بين أضعاف الناس فافترق الناس فأخذته بين قوائمها فلم يزل تتخبطه حتى مات قال فلقد رأيت الناس يشتدون وراء سعد يقولون استجاب الله دعاءك يا أبا إسحاق ورواه حماد بن سلمة عن على بن زيد عن سعيد بن المسيب فذكر نحوه وقال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثنى الحسن بن داود بن محمد بن المنكدر القرشى ثنا عبد الرزاق عن أبيه عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف أن امرأة كانت تطلع على سعد فنهاها فلم تنته فاطلعت يوما وهو يتوضأ فقال شاه وجهك فعاد وجهها فى قفاها وقال كثير النورى عن عبد الله بن بديل قال دخل سعد على معاوية فقال له مالك لم تقاتل معنا فقال إنى مرت بى ريح مظلمة فقلت اخ اخ فأنخت راحلتى حتى انجلت عنى ثم عرفت الطريق فسرت فقال معاوية ليس فى كتاب الله اخ اخ ولكن قال الله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله ) فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة ولا مع العادلة على الباغية فقال سعد ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله ص أنت منى بنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبى بعدى فقال معاوية من سمع هذا معك فقال فلان وفلان وام سلمة فقال معاوية أما إنى لو سمعته منه ص لما قاتلت عليا وفى رواية من وجه آخر أن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة فى حجة حجها معاوية وأنهما قاما إلى أم سلمة فسألاها فحدثتهما بما حدث به سعد فقال معاوية لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادما لعلى حتى يموت او أموت وفى إسناد هذا ضعف والله أعلم وقد روى عن سعد أنه سمع رجلا يتكلم فى على وفى خالد فقال إنه لم يبلغ ما بيننا إلى ديننا وقال محمد بن سيرين طاف سعد على تسع جوار فى ليلة فلما انتهى إلى العاشرة أخذه النوم فاستحيت أن توقظه
ومن كلامه الحسن أنه قال لابنه مصعب يا بنى إذا طلبت شيئا فاطلبه بالقناعة فانه من لا قناعة له لم يغنه المال وقال حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد قال كان رأس أبى (8/77)
فى حجرى وهو يقضى فبكيت فقال ما يبكيك يا بنى والله إن الله لا يعذبنى أبدا وإنى من أهل الجنة إن الله يدين للمؤمنين بحسناتهم فاعملوا لله وأما الكفار فيخفف عنهم بحسناتهم فاذا نفدت قال ليطلب كل عامل ثواب عمله ممن عمل له وقال الزهرى لما حضرت سعدا الوفاة دعا بخلق جبة فقال كفنونى فى هذه فانى لقيت فيها المشركين يوم بدر وإنما خبأتها لهذا اليوم
وكانت وفاة سعد بالعقيق خارج المدينة فحمل إلى المدينة على أعناق الرجال فصلى مروان وصلى بصلاته أمهات المؤمنين الباقيات الصالحات ودفن بالبقيع وكان ذلك فى هذه السنة سنة خمس وخمسين على المشهور الذى عليه الأكثرون وقد جاوز الثمانين على الصحيح قال على بن المدينى وهو آخر العشرة وفاة وقال غيره كان آخر المهاجرين وفاة رضى الله عنه وعنهم أجمعين وقال الهيثم بن عدى سنة خمسين وقال أبو معشر وأبو نعيم مغيث بن المحرر توفى سعد سنة ثمان وخمسين زاد مغيث وفيها توفى الحسن بن على وعائشة وأم سلمة والصحيح الأول خمس وخمسين قالوا وكان قصيرا غليظا شثن الكفين أفطس أشعر الجسد يخضب بالسواد وكان ميراثه مائتى ألف وخمسين ألفا
فضالة بن عبيد الأنصارى الأوسي
أول مشاهده أحد وشهد بيعة الرضوان ودخل الشام وتولى القضاء بدمشق فى أيام معاوية بعد أبى الدرداء قال أبو عبيد مات سنة ثلاث وخمسين وقال غيره سنة سبع وستين وقال ابن الجوزى فى المنتظم توفى فى هذه السنة والله أعلم
قثم بن العباس بن عبد المطلب
كان أشبه الناس برسول الله ص تولى نيابة المدينة فى أيام على وشهد فتح سمرقند فاستشهد بها
كعب بن عمرو أبو اليسر
الأنصارى السلمى شهد العقبة وبدرا وأسر يومئذ العباس بن عبد المطلب وشهد ما بعد ذلك من المشاهد كلها مع رسول الله ص قال أبو حاتم وغيره مات سنة خمس وخمسين زاد غيره وهو آخر من مات من أهل بدر
ثم دخلت سنة ست وخمسين
وذلك فى أيام معاوية ففيها شتى جنادة بن أبى أمية بأرض الروم وقيل عبد الرحمن بن مسعود ويقال فيها غزا فى البحر يزيد بن سمرة وفى البر عياض بن الحارث وفيها اعتمر معاوية فى رجب وحج بالناس فيها الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وفيها ولى معاوية سعيد بن عثمان بلاد خراسان وعزل عنها عبيد الله بن زياد فسار سعيد إلى خراسان والتقى مع الترك عند صغد سمرقند فقتل (8/78)
منهم خلقا كثيرا واستشهد معه جماعة منهم فيما قيل قثم بن العباس بن عبد المطلب قال ابن جرير سأل سعيد بن عثمان بن عفان معاوية أن يوليه خراسان فقال إن بها عبيد الله بن زياد ؟ ؟ فقال أما لقد اصطنعك أبى ورقاك حتى بلغت باصطناعه المدى الذى لا يجزى ؟ ؟ إليه ولا يسامى فما شكرت بلاءه ولا جازيته بآلائه وقدمت علة هذا يعنى يزيد من معاوية وبايعت له ووالله لأنا خير منه أبا وأما ونفسا فقال له معاوية اما بلاء أبيك عندى فقد يحق على الجزاء به وقد كان من شكرى لذلك أنى طلبت بدمه حتى تكشفت الأمور ولست بلائم لنفسى فى التشمير واما فضل أبيك على أبيه فأبوك والله خير منى وأقرب برسول الله ص واما فضل أمك على أمه فما لا ينكر فان امرأة من قريش خير من امرأة من كلب واما فضلك عليه فوالله ما أحب أن الغوطة دحست ليزيد رجالا مثلك يعنى أن الغوطة لو ملئت رجالا مثل سعيد بن عثمان كان يزيد خيرا وأحب إلى منهم فقال له يزيد يا أمير المؤمنين ابن عمك وأنت أحق من نظر فى أمره وقد عتب عليك فى فأعتبه فولاه حرب خراسان فأتى سمرقند فخرج إليه أهل الصغد من الترك فقاتلهم وهزمهم وحصرهم فى مدينتهم فصالحوه وأعطوه رهنا خمسين غلاما يكونون فى يده من أبناء عظمائهم فأقام بالترمذ ولم يف لهم وجاء بالغلمان الرهن معه إلى المدينة وفيها دعا معاوية الناس إلى البيعة ليزيد ولده أن يكون ولى عهده من بعده وكان قد عزم قبل ذلك على هذا فى حياة المغيرة بن شعبة فروى ابن جرير من طريق الشعبى أن المغيرة كان قد قدم على معاوية وأعفاه من إمرة الكوفة فأعفاه لكبره وضعفه وعزم على توليتها سعيد بن العاص فلما بلغ ذلك المغيرة كأنه ندم فجاء إلى يزيد ابن معاوية فأشار عليه بأن يسأل من ابيه أن يكون ولى العهد فسأل ذلك من ابيه فقال من أمرك بهذا قال المغيرة فأعجب ذلك معاوية من المغيرة ورده إلى عمل الكوفة وامره أن يسعى فى ذلك فعند ذلك سعى المغيرة فى توطيد ذلك وكتب معاوية إلى زياد يستشيره فى ذلك فكره زياد ذلك لما يعلم من لعب يزيد وإقباله على اللعب والصيد فبعث إليه من يثنى رأيه عن ذلك وهو عبيد ابن كعب بن النميرى وكان صاحبا أكيدا لزياد فسار إلى دمشق فاجتمع بيزيد أولا فكلمه عن زياد وأشار عليه بان لا يطلب ذلك فان تركه خير له من السعى فيه فانزجر يزيد عما يريد من ذلك واجتمع بأبيه واتفقا على ترك ذلك فى هذا الوقت فلما مات زياد وكانت هذه السنة شرع معاوية فى نظم ذلك والدعاء إليه وعقد البيعة لولده يزيد وكتب إلى الآفاق بذلك فبايع له الناس فى سائر الأقاليم إلا عبد الرحمن بن أبى بكر وعبد الله بن عمر والحسين بن على وعبد الله بن الزبير وابن عباس فركب معاوية إلى مكة معتمرا فلما اجتاز بالمدينة مرجعه من مكة استدعى كل واحد من هؤلاء الخمسة فأوعده وتهدده بانفراده فكان من أشدهم عليه ردا واجلدهم فى الكلام (8/79)
عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق وكان ألينهم كلاما عبد الله بن عمر بن الخطاب ثم خطب معاوية وهؤلاء حضور تحت منبره وبايع الناس ليزيد وهم قعود ولم يوافقوا ولم يظهروا خلافا لما تهددهم وتوعدهم فاتسقت البيعة ليزيد فى سائر البلاد ووفدت الوفود من سائر الأقاليم إلى يزيد فكان فيمن قدم الأحنف بن قيس فأمره معاوية أن يحادث يزيد فجلسا ثم خرج الأحنف فقال له معاوية ماذا رأيت من ابن أخيك فقال إنا نخاف الله إن كذبنا ونخافكم إن صدقنا وأنت أعلم به فى ليله ونهاره وسره وعلانيته ومدخله ومخرجه وأنت أعلم به بما أردت وإنما علينا أن نسمع ونطيع وعليك أن تنصح للأمة وقد كان معاوية لما صالح الحسن عهد للحسن بالأمر من بعده فلما مات الحسن قوى أمر يزيد عند معاوية ورأى أنه لذلك أهلا وذاك من شدة محبة الوالد لولده ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته وكان ظن أن لا يقوم أحد من أبناء الصحابة فى هذا المعنى ولهذا قال لعبد الله ابن عمر فيما خاطبه به إنى خفت أن أذر الرعية من بعدى كالغنم المطيرة ليس لها راع فقال له ابن عمر إذا بايعه الناس كلهم بايعته ولو كان عبدا مجدع الأطراف وقد عاتب معاوية فى ولايته يزيد سعيد بن عثمان بن عفان وطلب منه أن يوليه مكانه وقال له سعيد فيما قال إن أبى لم يزل معتنيا بك حتى بلغت ذروة المجد والشرف وقد قدمت ولدك على وأنا خير منه أبا واما ونفسا فقال له أما ما ذكرت من إحسان أبيك إلى فانه أمر لا ينكر واما كون أبيك خير من أبيه فحق وامك قرشية وامه كلبية فهى خير منها واما كونك خيرا منه فوالله لو ملئت إلى الغوطة رجالا مثلك لكان يزيد أحب إلى منكم كلكم وروينا عن معاوية أنه قال يوما فى خطبته اللهم إن كنت تعلم أنى وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته وإن كنت وليته لأنى أحبه فلا تتمم له ما وليته وذكر الحافظ ابن عساكر أن معاوية كان قد سمر ليلة فتكلم أصحابه فى المرأة التى يكون ولدها نجيبا فذكروا صفة المرأة التى يكون ولدها نجيبا فقال معاوية وددت لو عرفت بامرأة تكون بهذه المئابة فقال أحد جلسائه قد وجدت ذلك يا أمير المؤمنين قال ومن قال ابنتى يا أمير المؤمنين فتزوجها معاوية فولدت له يزيد بن معاوية فجاء نجيبا ذكيا حاذقا ثم خطب امرأة أخرى فحظيت عنده وولدت له غلاما آخر وهجر أم يزيد فكانت عنده فى جنب داره فبينما هو فى النظارة ومعه امرأته الأخرى إذ نظر إلى أم يزيد وهى تسرحه فقالت امرأته قبحها الله وقبح ما تسرح فقال ولم فوالله إن ولدها أنجب من ولدك وإن أحببت بينت لك ذلك ثم استدعى ولدها فقال له إن أمير المؤمنين قد عن له أن يطلق لك ما تتمناه عليه فاطلب منى ما شئت فقال أسأل من أمير المؤمنين أن يطلق لى كلابا للصيد وخيلا ورجالا يكونون معى فى الصيد فقال قد أمرنا لك (8/80)
بذلك ثم استدعى يزيد فقال له كما قال لأخيه فقال يزيد أو يعفينى أمير المؤمنين فى هذا الوقت عن هذا فقال لا بد لك أن تسأل حاجتك فقال أسال واطال الله عمر أمير المؤمنين أن أكون ولى عهده من بعده فانه بلغنى أن عدل يوم فى الرعية كعبادة خمسمائة عام فقال قد أجبتك إلى ذلك ثم قال لامرأته كيف رأيت فعلمت وتحققت فضل يزيد على ولدها
وقد ذكر ابن الجوزى فى هذه السنة وفاة أم حرام بنت ملحان الأنصارية امرأة عبادة بن عبادة بن الصامت والصحيح الذى لم يذكر العلماء غيره أنها توفيت سنة سبع وعشرين فى خلافة عثمان وكانت هى وزوجها مع معاوية حين دخل قبرص وقصتها بغلتها فماتت هناك وقبرها بقبرص والعجب أن ابن الجوزى أورد فى ترجمتها حديثها المخرج فى الصحيحين فى قيلولة النى ص فى بيتها ورؤياه منامه قوما من أمته يركبون ثبج البحر مثل الملوك على الأسرة غزاة فى سبيل الله وأنها سألته أن يدعو لها أن تكون منهم فدعا لها ثم نام فرأى كذلك فقالت ادعو الله أن يجعلنى منهم فقال لا أنت من الأولين وهم الذين فتحوا قبرص فكانت معهم وذلك فى سنة سبع وعشرين ولم تكن من الآخرين الذين غزوا بلاد الروم سنة إحدى وخمسين مع يزيد بن معاوية ومعهم أبو أيوب وقد توفى هناك فقبره قريب من سور قسطنطينية وقد ذكرنا هذا مقرارا فى دلائل النبوة
سنة سبع وخمسين
فيها كان مشتى عبد الله بن قيس بأرض الروم قال الواقدى وفى شوالها عزل معاوية مروان ابن الحكم عن المدينة وولى عليها الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وهو الذى حج بالناس فى هذه السنة لأنه صارت إليه إمرة المدينة وكان على الكوفة الضحاك بن قيس وعلى البصرة عبيد الله ابن زياد وعلى خراسان سعيد بن عثمان قال ابن الجوزى وفيها توفى عثمان بن حنيف الأنصارى الأوسى وهو أخو عبادة وسهل ابنى حنيف بعثه عمر لمساحة خراج السواد بالعراق واستنابه عمر على الكوفة فلما قدم طلحة والزبير صحبة عائشة وامتنع من تسليم دار الامارة نتفت لحيته وحواجبه وأشفار عينيه ومثل به فلما جاء على وسلمه البلد قال له يا أمير المؤمنين فارقتك ذا لحية واجتمعت بك أمرد فتبسم على رضى الله عنه وقال لك أجر ذلك عند الله وله فى المسند والسنن حديث الأعمى الذى سأل رسول الله ص أن يدعو له ليرد الله عليه ضوء بصره فرده الله عليه وله حديث آخر عند النسائى ولم أر أحدا أرخ وفاته بهذه السنة سوى ابن الجوزى والله أعلم
سنة ثمان وخمسين
فيها غزا مالك بن عبد الله الخثعمى أرض الروم قال الواقدى وفيها قيل شتى يزيد بن شجرة فى البحر وقيل بل غزا البحر وبلاد الروم جنادة بن أبى أمية وقيل إنما شتى بأرض الروم عمرو (8/81)
ابن يزيد الجهنى قال أبو معشر والواقدى وحج بالناس فيها الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وفيها ولى معاوية الكوفة لعبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن ربيعة الثقفى ابن أم الحكم وأم الحكم هى أخت معاوية وعزل عنها الضحاك بن قيس فولى ابن أم الحكم على شرطته زائدة بن قدامة وخرجت الخوارج فى أيام ابن أم الحكم وكان رئيسهم فى هذه الوقعة حيان بن ضبيان السلمى فبعث إليهم جيشا فقتلوا الخوارج جميعا ثم إن ابن أم الحكم أساء السيرة فى أهل الكوفة فأخرجوه من بين أظهرهم طريدا فرجع إلى خاله معاوية فذكر له ذلك فقال لأولينك مصرا هو خير لك فولاه مصر فلما سار إليها تلقاه معاوية بن خديج على مرحلتين من مصر فقال له ارجع إلى خالك معاوية فلعمرى لا ندعك تدخلها فتسير فيها وفينا سيرتك فى إخواننا أهل الكوفة فرجع ابن أم الحكم إلى معاوية ولحقه معاوية بن خديج وافدا على معاوية فلما دخل عليه وجد عنده أخته أم الحكم وهى أم عبد الرحمن الذى طرده أهل الكوفة واهل مصر فلما رآه معاوية قال بخ بخ هذا معاوية بن خديج فقالت أم الحكم لامر حبابه تسمع بالمعيدى خير من أن تراه فقال معاوية بن خديج على رسلك يا أم الحكم أما والله لقد تزوجت فما أكرمت وولدت فما أنجبت أردت أن يلى ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار فى إخواننا أهل الكوفة فما كان الله ليريه ذلك ولو فعل ذلك لضربناه ضربا يطأطىء منه رأسه أو قال لضربنا ما صاصا ؟ ؟ منه وإن كره ذلك الجالس فالتفت إليها معاوية فقال كفى
قصة غريبة
ذكرها ابن الجوزى فى كتابه المنتظم بسنده وهو أن شابا من بنى عذرة جرت له قصة مع ابن أم الحكم وملخصها أن معاوية بينما هو يوما على السماط إذا شاب من بنى عذرة قد تمثل بين يديه فأنشده شعرا مضمونه التشوق إلى زوجته سعاد فاستدناه معاوية واستحكاه عن أمره فقال يا أمير المؤمنين إنى كنت مزوجا بابنة عم لى وكان لى إبل وغنم وأنفقت ذلك عليها فلما قل ما بيدى رغب عنى أبوها وشكانى إلى عاملك بالكوفة ابن أم الحكم وبلغه جمالها فحبسنى فى الحديد وحملنى على أن أطلقها فلما انقضت عدتها أعطاها عاملك عشرة آلاف درهم فزوجه إياها وقد أتيتك يا أمير المؤنين وأنت غياث المحزون الملهوف المكروب وسند المسلوب فهل من فرج ثم بكى وأنشأ يقول ... فى القلب منى نار والنارفيها شرار ... والجسم منى نحيل ... واللون فيه اصفرار ... والعين تبكى بشجو ... فدمعها مدرار ... والحب ذا عبر ... فيه الطبيب يحار (8/82)
حملت فيه عظيما ... فما عليه اصطبار ... فليس ليلى بليل ... ولا نهارى نهار ...
قال فرق له معاوية وكتب إلى ابن أم الحكم يؤنبه على ذلك ويعيبه عليه ويأمره بطلاقها قولا واحدا فلما جاءه كتاب معاوية تنفس الصعداء وقال وددت أن أمير المؤمنين خلى بينى ووبينها سنة ثم عرضنى على السبف وجعل يؤامر نفسه على طلاقها فلا يقدر على ذلك ولا تجيبه نفسه وجعل البريد الذى ورد عليه بالكتاب يستحثه فطلقها وأخرجها عنه وسيرها مع الوفد إلى معاوية فلما وقفت بين يديه رأى منظرا جميلا فلما استنطقها فاذا أفصح الناس وأحلاهم كلاما وأكملهم جمالا دلالا فقال لابن عمها يا أعرابى هل من سلو عنها بأفضل الرغبة قال نعم إذا فرقت بين رأسى وجسدى ثم أنشأ يقول ... لا تجعلنى والامثال تضرب بى ... كالمستغيث من الرمضاء بالنار ... اردد سعاد على حيران مكتئب ... يمسى ويصبح فى هم وتذكار ... قد شفه قلق ما مثله قلق ... وأسعر القلب منه أى إسعار ... والله والله لا أنسى محبتها ... حتى أغيب فى رمسى وأحجارى ... كيف السلو وقدهام الفؤاد بها ... وأصبح القلب عنها غير صبار ...
فقال معاوية فانا نخيرها بينى وبينك وبين ابن أم الحكم فأنشأت تقول ... هذا وإن اصبح فى إطار ... وكان فى نقص من اليسار ... أحب عندى من أبى وجارى ... وصاحب الدرهم والدينار ... اخشى إذا غدرت حر النار ...
قال فضحك معاوية وامر له بعشرة آلاف درهم ومركب ووطاء ولما انقضت عدتها زوجه بها وسلمها إليه حذفنا منها أشعارا كثيرة مطولة
وجرت فى هذه السنة فصول طويلة بين عبيد الله بن زياد والخوارج فقتل منهم خلقا كثيرا وجمعا غفيرا وحبس منهم آخرين وكان صارما كأبيه مقداما فى أمرهم والله سبحانه وتعالى أعلم
ذكر من توفى فيها من الأعيان
توفى فى هذا العام سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى قتل أبوه يوم بدر كافرا قتله على بن أبى طالب ونشأ سعيد فى حجر عثمان بن عفان رضى الله عنه وكان عمر سعيد يوم مات رسول الله صلى الله عليه و سلم تسع سنين وكان من سادات المسلمين والاجواد المشهورين وكان جده سعيد بن العاص ويكنى بأبى أجنحة رئيسا فى قريش يقال له (8/83)
ذو التاج لأنه كان إذا اعتم لا يعتم أحد يومئذ إعظاما له وكان سعيد هذا من عمال عمر على السواد وجعله عثمان فيمن يكتب المصاحف لفصاحته وكان أشبه الناس لحية برسول الله ص وكان فى جملة الاثنى عشر رجلا الذين يستخرجون القرآن ويعلمونه ويكتبونه منهم أبى بن كعب وزيد بن ثابت واستنابه عثمان على الكوفة بعد عزله الوليد بن عقبة فافتتح طبرستان وجرجان ونقض العهد أهل أذربيجان فغزاهم ففتحها فلما مات عثمان اعتزل الفتنة فلم يشهد الجمل ولا صفين فلما استقر الأمر لمعاوية وفد إليه فعتب عليه فاعتذر إليه فعذره فى كلام طويل جدا وولاه المدينة مرتين وعزله عنها مرتين بمروان بن الحكم وكان سعيد هذا لا يسب عليا ومروان يسبه وروى عن النبى ص وعن عمر بن الخطاب وعثمان وعائشة وعنه ابناه عمرو بن سعيد الاشدق وأبو سعيد وسالم بن عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وغيرهم وليس له فى المسند ولا فى الكتب الستة شىء وقد كان حسن السيرة جيد السريرة وكان كثيرا ما يجمع أصحابه فى كل جمعة فيطعمهم ويكسوهم الحلل ويرسل إلى بيوتهم بالهدايا والتحف والبر الكثير وكان يصر الصرر فيضعها بين يدى المصلين من ذوى الحاجات فى المسجد قال ابن عساكر وقد كانت له دار بدمشق تعرف بعده بدار نعيم وحمام نعيم بنواحى الديماس ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى أن مات وكان كريما جوادا ممدحا ثم أورد شيئا من حديثه من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أبو سعيد الجعفى ثنا عبد الله بن الاجلح ثنا هشام بن عروة عن أبيه أن سعيد بن العاص قال إن رسول الله ص قال خياركم فى الاسلام خياركم فى الجاهلية وفى طريق الزبير بن بكار حدثنى رجل عن عبد العزيز بن ابان حدثنى خالد بن سعيد عن أبيه عن ابن عمر قال جاءت امرأة إلى رسول الله ص ببرد فقالت إنى نذرت أن أعطى هذا الثوب أكرم العرب فقال اعطه هذا الغلام يعنى سعيد بن العاص وهو واقف فلذلك سميت الثياب السعيدية وأنشد الفرزدق قوله فيه ... ترى الغر الجحاجح من قريش ... إذا ما الخطب فى الحدثان عالا ... قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا ...
وذكر أن عثمان عزل عن الكوفة المغيرة وولاها سعيد بن أبى وقاص ثم عزله وولاها الوليد ابن عتبة ثم عزله وولى سعيد بن العاص فأقام بها حينا ولم تحمد سيرته فيهم ولم يحبوه ثم ركب مالك بن الحارث وهو الأشتر النخعى فى جماعة إلى عثمان وسألوه أن يعزل عنهم سعيدا فلم يعزله وكان عنده بالمدينة فبعثه إليهم وسبق الأشتر إلى الكوفة فخطب الناس وحثهم على منعه من الدخول إليهم وركب الأشتر فى جيش يمنعوه من الدخول قيل تلقوه إلى العذيب وقد نزل سعيد بالرعثة فمنعوه من الدخول إليهم ولم يزالوا به حتى ردوه إلى عثمان وولى الأشتر أبا موسى (8/84)
الأشعرى على الصلاة والثغر وحذيفة بن اليمان على الفىء فأجاز ذلك أهل الكوفة وبعثوا إلى عثمان فى ذلك فأمضاه وسره ذلك فيما أظهره ولكن هذا كان أول وهن دخل على عثمان وأقام سعيد بن العاص بالمدينة حتى كان زمن حصر عثمان فكان عنده بالدار ثم لما ركب طلحة والزبير مع عائشة من مكة يريدون قتلة عثمان ركب معهم ثم انفرد عنهم هو والمغيرة بن شعبة وغيرهما فأقام بالطائف حتى انقضت تلك الحروب كلها ثم ولاه معاوية إمرة المدينة سنة تسع وأربعين وعزل مروان فأقام سبعا ثم رد مروان وقال عبد الملك بن عمير عن قبيضة بن جابر قال بعثنى زياد فى شغل إلى معاوية فلما فرغت من أمورى قلت يا أمير المؤمنين لمن يكون الأمر من بعدك فسكت ساعة ثم قال يكون بين جماعة إما كريم قريش سعيد بن العاص وإما فتى قريش حياء ودهاء وسخاء عبد الله بن عامر وإما الحسن بن على فرجل سيد كريم وإما القارى لكتاب الله الفقيه فى دين الله الشديد فى حدود الله مروان بن الحكم واما رجل فقيه عبد الله بن عمر وإما رجل يتردد الشريعة مع دواهى السباع ويروغ زوغان الثعلب فعبد الله بن الزبير وروينا أنه استسقى يوما فى بعض طرق المدينة فأخرج له رجل من دار ماء فشرب ثم بعد حين رأى ذلك يعرض داره للبيع فسأل عنه لم يبيع داره فقالوا عليه دين أربعة آلاف دينار فبعث إلى غريمه فقال هى لك على وأرسل إلى صاحب الدار فقال استمتع بدارك وكان رجل من القراء الذين يجالسونه قد افتقر وأصابته فاقة شديدة فقالت له امرأته إن أميرنا هذا يوصف بكرم فلو ذكرت له حالك فلعله يسمح لك بشىء فقال ويحك لا تحلقى وجهى فالحت عليه فى ذلك فجاء فجلس إليه فلما انصرف الناس عنه مكث الرجل جالسا فى مكانه فقال له سعيد أظن جلوسك لحاجة فسكت الرجل فقال سعيد لغلمانه انصرفوا قم قال له سعيد لم يبق غيرى وغيرك فسكت فأطفأ المصباح ثم قال له رحمك الله لست ترى وجهى فاذكر حاجتك فقال أصلح الله الأمير أصابتنا فاقة وحاجة فأحببت ذكرها لك فاستحييت فقال له إذا أصبحت فالق وكيلى فلانا فلما أصبح الرجل لقى الوكيل فقال له الوكيل إن الأمير قد أمر لك بشىء فأت بمن يحمله معك فقال ما عندى من يحمله ثم انصرف الرجل إلى امرأته فلامها وقال حملتينى على بذل وجهى للأمير فقد أمر لى بشىء يحتاج إلى من يحمله وما أراه أمر لى إلا بدقيق أو طعام ولو كان مالا لما احتاج إلى من يحمله ولأعطانيه فقالت له المرأة فمهما أعطاك فانه يقوتنا فخذه فرجع الرجل إلى الوكيل فقال له الوكيل إنى أخبرت الأمير أنه ليس لك أحد يحمله وقد أرسل بهؤلاء الثلاثة السودان يحملونه معك فذهب الرجل فلما وصل إلى منزله إذا على رأس كل واحد منهم عشرة آلاف درهم فقال للغلمان ضعوا ما معكم وانصرفوا فقالوا إن الأمير قد أطلقنا لك فانه ما بعث (8/85)
مع خادم هدية إلى أحد إلا كان الخادم الذى يحملها من جملتها قال فحسن حال ذلك الرجل وذكر ابن عساكر أن زياد بن أبى سفيان بعث إلى سعيد بن العاص هدايا وأموالا وكتابا ذكر فيه أنه يخطب إليه ابنته أم عثمان من آمنة بنت جرير بن عبد الله البجلى فلما وصلت الهدايا والأموال والكتاب قرأه ثم فرق الهدايا فى جلسائه ثم كتب إليه كتابا لطيفا فيه بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى والسلام وروينا أن سعيدا خطب أم كلثوم بنت على من فاطمة التى كانت تحت عمر بن الخطاب فأجابت إلى ذلك وشاورت اخويها فكرها ذلك وفى رواية إنما كره ذلك الحسين وأجاب الحسن فهيأت دراها ونصبت سريرا وتواعدوا للكتاب وأمرت ابنها زيد بن عمر ان يزوجها منه فبعث إليها بمائة ألف وفى رواية بمأتى ألف مهرا واجتمع عنده أصحابه ليذهبوا معه فقال إنى أكره أن أخرج أمى فاطمة فترك التزويج واطلق جميع ذلك المال لها وقال ابن معين وعبد الأعلى بن حماد سأل أعرابى سعيد بن العاص فأمر له بخمسمائة فقال الخادم خمسمائة درهم أو دينار فقال إنما أمرتك بخمسمائة درهم وإذ قد جاش فى نفسك أنها دنانير فادفع إليه خمسمائة دينار فلما قبضها الأعرابى جلس يبكى فقال له مالك ألم تقبض نوالك قال بلى والله ولكن ابكى على الأرض كيف تأكل مثلك وقال عبد الحميد بن جعفر جاء رجل فى حمالة أربع ديات سأل فيها أهل المدينة فقيل له عليك بالحسن ابن على او عبد الله بن جعفر أو سعيد بن العاص أو عبد الله بن عباس فانطلق إلى المسجد فإذا سعيد داخل إليه فقال من هذا فقيل سعيد بن العاص فقصده فذكر له ما أقدمه فتركه حتى انصرف من المسجد إلى المنزل فقال للأعرابى إئت بمن يحمل معك فقال رحمك الله إنما سألتك مالا لا تمرا فقال أعرف إئت بمن يحمل معك فأعطاه أربعين ألفا فأخذها الأعرابى وانصرف ولم يسأل غيره وقال سعيد بن العاص لابنه يا بنى أجر لله المعروف إذا لم يكن ابتداء من غير مسألة فأما إذا أتاك الرجل تكاد ترى دمه فى وجهه أوجاءك مخاطرا أتعطيه أم تمنعه فوالله لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته وقال سعيد لجليسى على ثلاث إذا دنا رحبت به وإذ جلس أوسعت له وإذا حدث أقبلت عليه وقال أيضا يا بنى لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنىء فتهون عليه وفى رواية فيجترىء عليك وخطب يوما فقال من رزقه الله حسنا فليكن أسعد الناس به إنما يتركه لأحد رجلين إما مصلح فيسعد بما جمعت له وتخيب أنت والمصلح لا يقل عليه شىء وإما مفسد فلا يبقى له شىء فقال أبو معاوية جمع أبو عثمان طرف الكلام وروى الأصمعى عن حكيم بن قيس قال قال سعيد بن العاص موطنان لا أستحي من رفقى فيهما والتأنى عندهما مخاطبتى جاهلا أو سفيها وعند مسألتى حاجة لنفسى ودخلت عليه 2 (8/86)
امرأة من العابدات وهو أمير الكوفة فأكرمها واحسن إليها فقالت لاجعل الله لك إلى لئيم حاجة ولا زالت المنة لك فى أعناق الكرام وإذا أزال عن كريم نعمة جعلك سببا لردها عليه وقد كان له عشرة من الولد ذكورا وإناثا وكانت إحدى زوجاته أم البنين بنت الحكم بن أبى العاص أخت مروان بن الحكم ولما حضرت سعيدا الوفاة جمع بنيه وقال لهم لا يفقدن أصحابى غير وجهى وصلوهم بما كنت أصلهم به واجروا عليهم ما كنت أجرى عليهم واكفوهم مؤنة الطلب فان الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه وارتعدت فرائضه مخافة أن يرد فوالله لرجل يتململ على فراشه يراكم موضعا لحاجته أعظم منة عليكم مما تعطونه ثم أوصاهم بوصايا كثيرة منها أن يوفوا ما عليه من الدين والوعود وأن لا يزوجوا أخواتهم إلا من الأكفاء وان يسودوا أكبرهم فتكفل بذلك كله ابنه عمرو بن سعيد الأشدق فلما دفنه بالبقيع ثم ركب عمرو إلى معاوية فعزاه فيه واسترجع معاوية وحزن عليه قال هل ترك من دين عليه قال نعم قال وكم هو قال ثلثمائة ألف درهم وفى رواية ثلاث آلاف ألف درهم فقال معاوية هى على فقال ابنه يا أمير المؤمنين إنه أوصانى أن لا أفضى دينه إلا من ثمن أراضيه فاشترى منه معاوية أراضى بمبلغ الدين وسأل منه عمرو أن يحملها إلى المدينة فحملها له ثم شرع عمرو يقضى ما على أبيه من الدين حتى لم يبق أحد فكان من جملة من طالبه شاب معه رقعة من أديم فيها عشرون ألفا فقال له عمر كيف استحققت هذه على أبى فقال الشاب إنه كان يوما يمشى وحده فأحببت أن أكون معه حتى يصل إلى منزله فقال ابغنى رقعة من أدم فذهبت إلى الجزارين فأتيته بهذه فكتب لى فيها هذا المبلغ واعتذر بأنه ليس عنده اليوم شىء فدفع إليه عمرو ذلك المال وزاده شيئا كثيرا ويروى أن معاوية قال لعمرو بن سعيد من ترك مثلك لم يمت ثم قال رحم الله أبا عثمان ثم قال قد مات من هو أكبر منى ومن هو أصغر منى وانشد قول الشاعر ... إذا سار من دون امرىء وامامه ... واوحش من إخوانه فهو سائر ...
وكانت وفاة سعيد بن العاص فى هذه السنة وقيل فى التى قبلها وقيل فى التى بعدها وقال بعضهم كانت وفاته قبل عبد الله بن عامر بجمعة
شداد بن أوس بن ثابت
ابن المنذر بن حرام أبو يعلى الأنصارى الخزرجى صحابى جليل وهو ابن أخى حسان بن ثابت وحكى ابن منده عن موسى بن عقبة انه قال شهد بدرا قال ابن منده وهو وعم وكان من الاجتهاد فى العبادة على جانب عظيم كان إذا أخذ مضجعه تعلق على فراشه ويتقلب عليه ويتلوى كما تتلوى الحية ويقول اللهم إن خوف النار قد أقلقنى ثم يقوم إلى صلاته قال عبادة بن الصامت (8/87)
كان شداد من الذين أوتوا العلم والحلم نزل شداد فلسطين وبيت المقدس ومات فى هذه السنة عن خمس وسبعين سنة وقيل مات سنة أربع وستين وقيل سنة إحد واربعين فالله أعلم
عبد الله بن عامر
ابن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القرشى العبشمى ابن خال عثمان بن عفان ولد فى حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وتفل فى فيه فجعل يبتلع ريق رسول الله ص فقال إنه لمسقاء فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء وكان كريما ممدحا ميمون النقيبة استنابه عثمان على البصرة بعد أبى موسى وولاه بلاد فارس بعد عثمان بن أبى العاص وعمره إذ ذاك خمسا وعشرين سنة ففتح خراسان كلها واطراف فارس وسجستان وكرمان وبلا غزنة وقتل كسرى ملك الملوك فى أيامه وهو يزد جرد ثم أحرم عبد الله بن عامر بحجة وقيل بعمرة من تلك البلاد شكرا لله عز و جل وفرق فى أهل المدينة أموالا كثيرة جزيلة وهو أول من لبس الخز بالبصرة والله سبحانه وتعالى أعلم وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة واجرى إليها الماء المعين والعين ولم يزل على البصرة حتى قتل عثمان فأخذ أموال بيت المال وتلقى بها طلحة والزبير وحضر معهم الجمل ثم سار إلى دمشق ولم يسمع له ذكر فى صفين ولكن ولاه معاوية البصرة بعد صلحه مع الحسن وتوفى فى هذه السنة بأرضه بعرفات وأوصى إلى عبد الله بن الزبير له حديث واحد وليس له فى الكتب شىء وروى مصعب الزبيرى عن أبيه عن حنظلة بن قيس عن عبد الله ابن عامر أن رسول الله ص قال من قتل دون ماله فهو شهيد وقد زوجه معاوية بابنته هند وكانت جميلة فكانت تلى خدمته بنفسها من محبتها له فنظر يوما فى المرآة فرأى صباحه وجهها وشيبة فى لحيته فطلقها وبعث إلى أبيها أن يزوجها بشاب كأن وجهه ورقة مصحف توفى فى هذه السنة وقيل بعدها بسنة
عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما
وهو اكبر ولد أبى بكر الصديق قاله الزبير بن بكار قال وكانت فيه دعابة وامه أم رمان وام عائشة فهو شقيقها بارز يوم بدر وأخذ مع المشركين وأراد قتل أبيه أبى بكر فتقدم إليه أبوه أبو بكر فقال له رسول الله ص أمتعنا بنفسك ثم أسلم عبد الرحمن بعد ذلك فى الهدنة وهاجر قبل الفتح ورزقه رسول الله ص من خيبر كل سنة أربعين وسقا وكان من سادات المسلمين وهو الذى دخل على رسول الله ص يوم مات وعائشة مسندته إلى صدرها ومع عبد الرحمن سواك رطب فأخذه بصره فأخذت عائشة ذلك السواك فقضمته وطيبته ثم دفعته إلى (8/88)
رسول الله ص فاستن به أحسن استنان ثم قال اللهم فى الرفيق الأعلا ثم قضى قالت فجمع الله بين ريقى وريقه ومات بين سحرى ونحرى فى بيتى ويومى لم أظلم فيه أحدا
وقد شهد عبد الرحمن فتح اليمامة وقتل يومئذ سبعة وهو الذى قتل محكم بن الطفيل صديق مسيلمة على باطله كان محكم واقفا فى ثلمة حائط فرماه عبد الرحمن فسقط محكم فدخل المسلمون من الثلمة فخلصوا إلى مسيلمة فقتلوه وقد شهد فتح الشام وكان معظما بين أهل الاسلام ونفل ليلى بنت الجودى ملك عرب الشام نفله إياها خالد بن الوليد عن أمر عمر بن الخطاب كما سنذكره مفصلا وقد قال عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن سعيد بن المسيب قال حدثنى عبد الرحمن بن أبى بكر ولم يجرب عليه كذبة قط ذكر عنه حكاية أنه لما جاءت بيعة يزيد بن معاوية إلى المدينة قال عبد الرحمن لمروان جعلتموها والله هرقلية وكسروية يعنى جعلتم ملك الملك لمن بعده من ولده فقال له مروان اسكت فانك أنت الذى انزل الله فيك [ والذى قال لوالديه أف لكما أتعدانى أن أخرج ] فقالت عائشة ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أنه أنزل عذرى ويروى أنها بعثت إلى مروان تعتبه وتؤنبه وتخبره بخبر فيه ذم له ولأبيه لا يصح عنها قال الزبير ابن بكار حدثنى إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهرى عن أبيه عن جده قال بعث معاوية إلى عبد الرحمن بن أبى بكر بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية فردها عبد الرحمن وأبى أن يأخذها وقال أبيع دينى بدنياى وخرج إلى مكة فمات بها وقال أبو زرعة الدمشقى ثنا أبو مسهر ثنا مالك قال توفى عبد الرحمن بن أبى بكر فى نومة نامها ورواه أبو مصعب عن مالك عن يحيى بن سعيد فذكره وزاد فأعتقت عنه عائشة رقابا ورواه الثوري عن يحيى بن سعيد عن القاسم 2 فذكره ولما توفى كانت وفاته بمكان يقال له الحبشى على ستة أميال من مكة وقيل اثنى عشر ميلا فحمله الرجال على أعناقهم حتى دفن بأعلا مكة فلما قدمت عائشة مكة زارته وقالت اما والله لو شهدتك لم أبك عليك ولو كنت عندك لم أنقلك من موضعك الذى مت فيه ثم تمثلت بشعر متمم بن نويرة فى أخيه مالك ... وكنا كند مانى جذيمة برهة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا ... فلما تفرقنا كأنى ومالك ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ...
رواه الترمذى وغيره وروى ابن سعد ان ابن عمر مرة رأى فسطاسا مضروبا على قبر عبد الرحمن ضربته عائشة بعد ما ارتحلت فأمر ابن عمر بنزعه وقال إنما يظله عمله وكانت وفاته فى هذا العام فى قول كثير من علماء التاريخ ويقال إن عبد الرحمن توفى سنة ثلاث وخمسين قاله الواقدى وكاتبه محمد بن سعد وأبو عبيد وغير واحد وقيل سنة أربع وخمسين فالله أعلم (8/89)
قصته مع ليلى بنت الجودى ملك عرب الشام
قال الزبير بن بكار حدثنى محمد بن الضحاك الحزامى عن أبيه أن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق رضى الله عنهما قدم الشام فى تجارة يعنى فى زمان جاهليته فرأى امرأة يقال لها ليلى ابنة الجودى على طنفسة لها وحولها ولائدها فأعجبته قال ابن عساكر رآها بأرض بصرى فقال فيها ... تذكرت ليلى والسماوة دونها ... فمال ابنة الجودى ليلى وماليا ... وانى تعاطى قلبه حارثية ... تؤمن بصرى أوتحل الحوابيا ... وانى بلاقيها بلى ولعلها ... إن الناس حجوا قابلا أن توافيا ...
قال فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام قال للأمير على الجيش إن ظفرت بليلى بنت الجودى عنوة فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبى بكر فظفر بها فدفعها إليه فأعجب بها وآثرها على نسائه حتى جعلن يشكونها إلى عائشة فعاتبته عائشة على ذلك فقال والله كأنى أرشف بأنيابها حب الرمان فأصابها وجع سقط له فوها فجفاها حتى شكته إلى عائشة فقالت له عائشة يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت وأبغضتها فأفرطت فلما أن تنصفها وإما أن تجهزها إلى أهلها قال الزبيرى وحدثنى عبد الله بن نافع عن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال إن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن ابى بكر ليلى بنت الجودى حين فتح دمشق وكانت ابنة ملك دمشق يعنى ابنة ملك العرب الذين حول دمشق والله أعلم
عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب
القرشى الهاشمى ابن عم النبى ص وكان أصغر من أخيه عبد الله بسنة وأمها أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية وكان عبيد الله كريما جميلا وسيما يشبه أباه فى الجمال روينا أن رسول الله ص كان يصف عبد الله وعبيد الله وكثيرا صفا ويقول من سبق إلى فله كذا فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم وقد استنابه على بن أبى طالب فى ايام خلافته على اليمن وحج بالناس سنة ست وثلاثين وسنة سبع وثلاثين فلما كان سنة ثمان وثلاثين اختلف هو ويزيد بن سمرة الرهاوى الذى قدم على الحج من جهة معاوية ثم اصطلحا على شيبة بن عثمان الحجبى فأقام للناس الحج عامئذ ثم لما صارت الشوكة لمعاوية تسلط على عبيد الله بسر بن أبى أرطاه فقتل له ولدين وجرت أمور باليمن قد ذكرنا بعضها وكان يقدم هو واخوه عبد الله المدينة فيوسعهم عبد الله علما ويوسعهم عبيد الله كرما وقد روى أنه نزل فى مسير له مع مولى له على خيمة رجل من الأعراب فلما رآه الأعرابى أعظمه واجله ورأى حسنه وشكله فقال لامرأته ويحك ماذا عندك لضيفنا هذا فقالت ليس عندنا إلا هذه الشويهة التى حياة ابنتك من لبنها (8/90)
فقال إنه لا بد من ذبحها فقالت أتقتل ابنتك فقال وإن فأخذ الشفرة والشاة وجعل يذبحها ويسلخها وهو يقول مرتجزا ... يا جارتى لا توقظى البنية ... إن توقظيها تنتحب عليه ... وتنتزع الشفرة من يديه ...
ثم هيأها طعاما فوضعها بين يدى عبيد الله ومولاه فعشاهما وكان عبيد الله قد سمع محاورته لامرأته فى الشاة فلما أراد الارتحال قال لمولاه ويلك ماذا معك من المال فقال معى خمسمائة دينار فضلت من نفقتك فقال ادفعها إلى الأعرابى فقال سبحان الله تعطيه خمسمائة دينار وإنما ذبح لك شاة واحدة تساوى خمسة دراهم فقال ويحك والله لهو أسخى من واجود لانا إنما أعطيناه بعض ما نملك وجاد هو علينا بجميع ما يملك وآثرنا على مهجة نفسه وولده فبلغ ذلك معاوية فقال لله در عبيد الله من أى بيضة خرج ومن أى شىء درج قال خليفة بن خياط توفى سنة ثمان وخمسين وقال غيره توفى فى أيام يزيد بن معاوية قال أبو عبيد القاسم بن سلام توفى فى سنة سبع وثمانين وكانت وفاته بالمدينة وقيل باليمن وله حديث واحد قال أحمد ثنا هشيم ثنا يحيى بن إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عباس قال جاءت العميصا أو الرميصا إلى رسول الله ص تشكو زوجها تزعم أنه لا يصل إليها فما كان إلا يسيرا حتى جاء زوجها فزعم أنها كاذبة وأنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول فقال رسول الله ص ليس لك ذلك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره واخرجه النسائى عن على بن حجرة عن هشيم به وممن توفى فيها
أم المؤمنين عائشة بنت أبو بكر الصديق
وزوجة رسول الله ص واحب أزواجه إليه المبرأة من فوق سبع سموات رضى الله عنها وعن أبيها وامها هى أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية تكنى عائشة بأم عبد الله قيل كناها بذلك رسول الله ص وسلم بابن أختها عبد الله بن الزبير وقيل إنها أسقطت من رسول الله سقطا فسماه عبد الله ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بكرا غيرها ولم ينزل عليه الوحى فى لحاف امرأة غيرها ولم يكن فى أزواجه أحب إليه منها تزوجها بمكة بعد وفاة خديجة وقد أتاه الملك بها فى المنام فى سرقة من حريرة مرتين أو ثلاثا فيقول هذه زوجتك قال فأكشف عنك فاذا هى أنت فأقول إن يكن هذا من عند الله يمضه فخطبها من أبيها فقال يا رسول الله أو تحل لك قال نعم قال أولست أخوك قال بلى فى الاسلام وهى لى حلال فتزوجها رسول الله ص فحضيت عنده وقد قدمنا ذلك فى أول السيرة وكان ذلك قبل الهجرة بسنتين وقيل بسنة ونصف وقيل بثلاث سنين وكان عمرها إذ ذاك ست سنين ثم دخل بها وهى بنت تسع سنين بعد بدر فى شوال من سنة ثنتين من الهجرة فأحبها ولما تكلم فيها أهل الافك بالزور (8/91)
والبهتان غار الله لها فأنزل لها براءتها فى عشر آيات من القرآن تتلى على تعاقب الزمان وقد ذكرنا ذلك مفصلا فيما سلف وشرحنا الايات والأحاديث الواردة فى ذلك فى غزوة المريسيع وبسطنا ذلك أيضا فى كتاب التفسير بما فيه كفاية ومقنع ولله الحمد والمنة وقد اجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها واختلفوا فى بقية أمهات المؤمنين هل يكفر من قذفهن أم لا على قولين وأصحهما أنه يكفر لأن المقذوفة زوجة رسول الله ص والله تعالى إنما غضب لها لأنها زوجة رسول الله ص فهى وغيرها منهن سواء ومن خصائصها رضى الله عنها أنها كان لها فى القسم يومان يومها ويوم سودة حين وهبتها ذلك تقربا إلى رسول الله ص وانه مات فى يومها وفى بيتها وبين سحرها ونحرها وجمع الله بين ريقه وريقها فى آخر ساعة من ساعاته فى الدنيا وأول ساعة من الآخرة ودفن فى بيتها وقد قال الامام أحمد حدثنا وكيع عن إسماعيل عن مصعب بن إسحاق ابن طلحة عن عائشة عن النبى ص قال إنه ليهون على أنى رأيت بياض كف عائشة فى الجنة تفرد به أحمد وهذا فى غاية ما يكون من المحبة العظيمة أنه يرتاح لأنه رأى بياض كفها أمامه فى الجنة ومن خصائصها أنها أعلم نساء النبى ص بل هى أعلم النساء على الاطلاق قال الزهرى لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواجه وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل وقال عطاء بن أبى رباح كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس واحسن الناس رأيا فى العامة وقال عروة ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة ولم ترو امرأة ولا رجل غير أبى هريرة عن رسول الله ص من الأحاديث بقدر روايتها رضى الله عنها وقال أبو موسى الأشعرى ما أشكل علينا أصحاب محمد حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما رواه الترمذى وقال أبو الضحى عن مسروق رأيت مشيخة أصحاب محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض فاما ما يلهج به كثير من الفقهاء وعلماء الأصول من إبراد حديث خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء فانه ليس له أصل ولا هو مثبت في شيء من أصول الإسلام وسألت عنه شيخا أبا الحجاج المزي فقال لا أصل له ثم لم يكن فى النساء أعلم من تلميذاتها عمرة بنت عبد الرحمن وحفصة بنت سيرين وعائشة بنت طلحة وقد تفردت أم المؤمنين عائشة بمسائل عن الصحابة لم توجد إلا عندها وانفردت باختيارات أيضا وردت أخبار بخلافها بنوع من التأويل وقد جمع ذلك غير واحد من الأئمة فمن ذلك قال الشعبى كان مسروق إذا حدث عن عائشة قال حدثتنى الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله المبرأة من فوق سبع سموات وثبت فى صحيح البخارى من حديث أبى عثمان النهدى عن عمرو بن العاص قال قلت يا رسول الله أى الناس احب عليك قال عائشة قلت ومن الرجال قال أبوها وفى صحيح البخارى أيضا عن أبى موسى قال قال رسول الله ص كمل (8/92)
من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وقد استدل كثير من العلماء ممن ذهب إلى تفضيل عائشة على خديجة بهذا الحديث قال فانه دخل فيه سائر النساء الثلاث المذكورات وغيرهن ويعضد ذلك أيضا الحديث الذى رواه البخارى حدثنا إسماعيل بن خليل ثنا على بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله ص فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال اللهم هالة قالت عائشة فغرت وقلت ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت فى الدهر الأول قد أبدلك الله خيرا منها هكذا رواه البخارى فأما ما يروى فيه من الزيادة والله ما أبدلنى خيرا منها فليس يصح سندها وقد ذكرنا ذلك مطولا عند وفاة خديجة وذكرنا حجة من ذهب إلى تفضيلها على عائشة بما أغنى عن إعادته ههنا وروى البخارى عن عائشة أن النبى ص قال يوما يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام فقلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى مالا أرى وثبت فى صحيح البخارى أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة فاجتمع أزواجه إلى أم سلمة وقلن لها قولى له يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان فقالت أم سلمة فلما دخل على قلت له ذلك فأعرض عنى ثم قلن لها ذلك فقالت له فأعرض عنها ثم لما دار إليها قالت له فقال يا أم سلمة لا تؤذينى فى عائشة فانه والله ما نزل على الوحى فى بيت وانا فى لحاف امرأة منكن غيرها وذكر انهن بعثن فاطمة ابنته إليه فقالت إن نساءك ينشدونك العدل فى ابنة أبى بكر بن أبى قحافة فقال يا بنية ألا تحبين من أحب قالت قلت بلى قال فأحبى هذه ثم بعثن زينب بنت جحش فدخلت على رسول الله ص وعنده عائشة فتكلمت زينب ونالت من عائشة فانتصرت عائشة منها وكلمتها حتى أفحمتها فجعل رسول الله ص ينظر إلى عائشة ويقول إنها ابنة أبى بكر وذكرنا أن عمارا لما جاء يستصرخ الناس ويستفزهم إلى قتال طلحة والزبير أيام الجمل صعد هو والحسن بن على على منبر الكوفة فسمع عمار رجلا ينال من عائشة فقال له اسكت مقبوحا منبوذا والله إنها لزوجة رسول الله ص فى الدنيا وفى الآخرة ولكن الله ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أو إياها وقال الامام أحمد حدثنا معاوية بن عمر وثنا زائدة ثنا عبد الله بن خيثم حدثنى عبد الله بن أبى مليكة أنه حدثه ذكوان حاجب عائشة أنه جاء عبد الله بن عباس يستأذن على عائشة فجئت وعند رأسها عبد الله بن أخيها عبد الرحمن فقلت هذا ابن عباس يستأذن فأكب عليها ابن أخيها عبد الله فقال هذا عبد الله بن عباس يستأذن وهى تموت فقالت دعنى من ابن عباس فقال يا أماه إن ابن عباس من صالح بنيك يسلم عليك (8/93)
ويودعك فقالت ائذن له ان شئت قال فأدخلته فلما جلس قال أبشرى فقالت بماذا فقال ما بينك وبين أن تلقى محمدا والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد وكنت أحب نساء رسول الله ص إليه ولم يكن رسول الله ص يحب إلا طيبا وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فأصبح رسول الله ص وأصبح الناس وليس معهم ماء فأنزل الله آية التيمم فكان ذلك فى سببك وما أنزل الله من الرخصة لهذه الأمة وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء بها الروح الأمين فأصبح ليس مسجد من مساجد الله إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار فقالت دعنى منك يا ابن عباس والذى نفسى بيده لوددت أنى كنت نسيا منسيا والأحاديث فى فضائلها ومناقبها كثيرة جدا وقد كانت وفاتها فى هذا العام سنة ثمان وخمسين وقيل قبله بسنة وقيل بعده بسنة والمشهور فى رمضان منه وقيل فى شوال والأشهر ليلة الثلاثاء السابع عشر من رمضان واوصت أن تدفن بالبقيع ليلا وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر ونزل فى قبرها خمسة وهم عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبى بكر والقاسم وعبد الله ابنا أخيها محمد بن ابى بكر وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر وكان عمرها يومئذ سبعا وستين سنة لانه توفى رسول الله ص وعمرها ثمان عشرة سنة وكان عمرها عام الهجرة ثمان سنين أو تسع سنين فالله أعلم ورضى الله تعالى عن أبيها وعن الصحابة أجمعين
ثم دخلت سنة تسع وخمسين
فيها شتى عمرو بن مرة الجهنى فى أرض الروم فى البر قاله الواقدى ولم يكن فيها غزو فى البحر وقال غيره بل غزا فى البحر عامئذ جنادة بن أبى أمية وفيها عزل معاوية ابن أم الحكم عن الكوفة لسوء سيرته فيهم وولى عليهم النعمان بن بشير وفيها ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد ولاية خراسان وعزل عنها سعيد بن عثمان بن عفان فصار عبيد الله على البصرة وأخوه عبد الرحمن هذا على خراسان وعباد بن زياد على سجستان ولم يزل عبد الرحمن عليها واليا إلى زمن يزيد فقدم عليه بعد مقتل الحسين فقال له كم قدمت به من هذا المال قال عشرون ألف ألف فقال له إن شئت حاسبناك وإن شئت سوغناكها وعزلناك عنها على أن تعطى عبد الله بن جعفر خمسمائة ألف درهم قال بل سوغها واما عبد الله بن جعفر فأعطيه ما قلت ومثلها معها فعزله وولى غيره وبعث عبد الرحمن بن زياد إلى عبد الله بن جعفر بألف ألف درهم وقال خمسمائة ألف من جهة أمير المؤمنين وخمسمائة ألف من قبلى وفى هذه السنة وفد عبيد الله بن زياد على معاوية ومعه أشراف أهل البصرة والعراق فاستأذن لهم عبد الله عليه على منازلهم منه وكان آخر من أدخله على معاوية الأحنف بن قيس ولم يكن عبيد الله يجله فلما رأى معاوية الأحنف رحب به (8/94)
وعظمه وأجله واجلسه معه على السرير ورفع منزلته ثم تكلم القوم فأثنوا على عبيد الله والأحنف ساكت فقال له معاوية مالك يا أبا بحر لا تتكلم فقال له إن تكلمت خالفت القوم فقال معاوية انهضوا فقد عزلته عنكم فاطلبوا واليا ترضونه فمكثوا أياما يترددون إلى أشراف بنى أمية يسألون كل واحد أن يتولى عليهم فلم يقبل أحد منهم ذلك ثم جمعهم معاوية فقال من اخترتم فاختلفوا عليه والأحنف ساكت فقال له معاوية مالك لا تتكلم فقال يا أمير المؤمنين إن كنت تريد غير أهل بيتك فرأيك فقال معاوية قد أعدته إليكم وقال ابن جرير قال الأحنف يا أمير المؤمنين إن وليت علينا من أهل بيتك فانا لا نعدل بعبيد الله بن زياد أحدا وإن وليت علينا من غيرهم فانظر لنا فى ذلك فقال معاوية قد أعدته إليكم ثم إن معاوية أوصى عبيد الله ابن زياد بالأحنف خيرا وقبح رأيه فيه وفى مباعدته فكان الأحنف بعد ذلك أخص أصحاب عبيد الله ولما وقعت الفتنة لم يف لعبيد الله غير الأحنف بن قيس والله أعلم
قصة يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميرى مع ابني زياد عبيد الله وعباد
ذكر ابن جرير عن ابى عبيدة معمر بن المثنى وغيره أن هذا الرجل كان شاعرا وكان مع عباد بن زياد بسجستان فاشتغل عنه بحرب الترك وضاق على الناس علف الدواب فقال ابن مفرغ شعرا يهجو به ابن زياد على ما كان منه فقال ... ألا ليت اللحى كانت حشيشا ... فنعلفها خيول المسلمينا ...
وكان عباد بن زياد عظيم اللحية كبيرها جدا فبلغه ذلك فغضب وتطلبه فهرب منه وقال فيه قصائد يهجوه بها كثيرة فمن ذلك قوله ... إذا أودى معاوية بن حرب ... فبشر شعب قعبك بانصداع ... فأشهد أن أمك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع ... ولكن كان أمرا فيه لبس ... على خوف شديد وارتياع ... وقال أيضا ... ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغة من الرجل اليمانى ... أتغضب أن يقال أبوك عف ... وترضى أن يقال أبوك زانى ... فأشهد أن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان ...
فكتب عباد بن زياد إلى أخيه عبيد الله وهو وافد على معاوية بهذه الأبيات فقرأها عبيد الله على معاوية واستأذنه فى قتله فقال لا تقتله ولكن أدبه ولا تبلغ به القتل فلما رجع عبيد الله إلى البصرة استحضره وكان قد استجار بوالد زوجة عبيد الله بن زياد وهو المنذر بن الجارود وكانت (8/95)
ابنته بحرية عند عبيد الله فأجاره وآواه إلى داره وجاء الجارود مسلما على عبيد الله وبعث عبيد الله الشرط إلى دار المنذر فجاؤا بابن مفرع ؟ ؟ فأوقف بين يديه فقال المنذر إنى قد أجرته فقال يمدحك ويمدح أباك فترضى عنه ويهجونى ويهجو الى ثم تجيره على ثم أمر عبيد الله بابن مفرع فسقى دواء مسهلا وحملوه على حمار عليه إكاف وجعلوا يطوفون به فى الأسواق وهو يسلح والناس ينظرون غليه ثم أمر به فنفى إلى سجستان إلى عند أخيه عباد فقال ابن مفرغ لعبيد الله بن زياد ... يغسل الماء ما صنعت وقولى ... راسخ منك فى العظام البوالى ...
فلما أمر عبيد الله بنفى ابن مفرغ إلى سجستان كلم اليمانيون معاوية فى أمر ابن مفرغ وأنه إنما بعثه إلى أخيه ليقتله فبعث معاوية إلى ابن مفرغ وأحضره فلما وقف بين يديه بكى وشكى إلى معاوية ما فعل به ابن زياد فقال له معاوية إنك هجوته ألست القائل كذا ألست القائل كذا فأنكر ان يكون قال من ذلك شيئا وذكر أن القائل ذلك هو عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان وأحب ان يسندها إلى فغضب معاوية على عبد الرحمن بن الحكم ومنعه العطاء حتى يرضى عنه عبيد الله بن زياد وأنشد ابن مفرع ما قاله فى الطريق فى معاوية يخاطب راحلته ... عدس ما لعباد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق ... لعمري لقد نجاك من هوة الردى ... إمام وحبل للأنام وثيق ... سأشكر ما أوليت من حسن نعمة ... ومثلى بشكر المنعمين حقيق ...
فقال له معاوية أما لو كنا نحن الذين هجوتنا لم يكن من أذانا شىء يصل إليك ولم نتعرض لذلك فقال يا امير المؤمنين إنه ارتكب فى مالم يرتكب مسلم من مسلم على غير حدث ولا جرم قال ألست القائل كذا ألست القائل كذا فقد عفونا عن جرمك أما إنك لو إيانا تعامل لم يكن مما كان شىء فانظر الآن من تخاطب ومن تشاكل فليس كل أحد يحتمل الهجاء ولا تعامل أحدا إلا بالحسنى وانظر لنفسك أى البلاد أحب إليك تقيم بها حتى نبعثك إليها فاختار الموصل فأرسله إليها ثم استأذن عبيد الله فى القدوم إلى البصرة والمقام فأذن له ثم إن عبد الرحمن ركب إلى عبيد الله فاسترضاه فرضى عنه وانشده عبد الرحمن ... لأنت زيادة فى آل حرب ... أحب إلى من إحدى بنانى ... أراك أخا وعما وابن عم ... فلا أدرى بغيب ما ترانى ... فقال له عبيد الله أراك والله شاعر سوء ثم رضى عنه وأعاد إليه ما كان منعه من العطاء قال أبو معشر والواقدى وحج بالناس فى هذه السنة عثمان بن محمد بن أبى سفيان وكان نائب المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وعلى الكوفة النعمان بن بشير وقاضيها شريح وعلى البصرة (8/96)
عبيد الله بن زياد وعلى سجستان عباد بن زياد وعلى كرمان شريك بن الأعور والحارثى من قبل عبيد الله بن زياد من توفي فى هذه السنة من الأعيان
قال ابن الجوزى توفى فيها أسامة بن زيد والصحيح قبلها كما تقدم
الحطيئة الشاعر
واسمه جرول بن مالك بن جرول بن مالك بن جوية بن مخزوم بن مالك بن قطيعة بن عيسى ابن مليكة الشاعر الملقب بالحطيئة لقصره أدرك الجاهلية وأسلم فى زمن الصديق وكان كثير الهجاء حتى يقال إنه هجا أباه وأمه وخاله وعمه ونفسه وعرسه فمما قال فى أمه قوله ... تنحى فاقعدى عنى بعيدا ... أراح الله منك العالمينا ... أغربالا إذا استودعت سرا ... وكانونا على المتحدثينا ... جزاك الله شرا من عجوز ... ولقاك العقوق من البنينا ...
وقال فى أبيه وعمه وخاله ... لحاك الله ثم لحاك حقا ... أبا ولحاك من عم وخال ... فنعم الشيخ أنت لدى المخازى ... وبئس الشيخ أنت لدى المعالي ... ومما قال فى نفسه بذمها ... أبت شفتاى اليوم أن تتكلما ... بشر فما أدرى لمن انا قائله ... أرى لى وجها شوه الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله ...
وقد شكاه الناس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأحضره وحبسه وكان سبب ذلك أن الزبرقان ابن بدر شكاه لعمر أنه قال له يهجوه ... دع المكارم لا نرحل لبغيتها ... واقعد فانك أنت الطاعم الكاسى ...
فقال له عمر وا أراه هجاك أما ترضى أن تكون طاعما كاسيا فقال يا أمير المؤمنين إنه لا يكون هجاء أشد من هذا فبعث عمر إلى حسان بن ثابت فسأله عن ذلك فقال يا امير المؤمنين ما هجاه ولكن سلح عليه فعند ذلك حبسه عمر وقال يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين ثم شفع فيه عمرو بن العاص فأخرجه واخذ عليه العهد أن لا يهجو الناس واستنابه ويقال إنه أراد أن يقطع لسانه فشفعوا فيه حتى أطلقه وقال الزبير بن بكار حدثنى محمد بن الضحاك بن عثمان الحرامى عن عبد الله بن مصعب حدثنى عن ربيعة بن عثمان عن زيد بن أسلم عن أبيه قال أمر عمر باخراج الحطيئة من الحبس وقد كلمه فيه عمرو بن العاص وغيره فأخرج وانا حاضر فأنشأ يقول (8/97)
ماذا تقول لافراخ بذى مرح ... زعب الحواصل لا ماء ولا شجر ... غادرت كاسبهم فى قعر مظلمة ... فارحم هداك مليك الناس يا عمر ... أنت الامام الذى من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليد النهى البشر ... لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر ... فامنن على صبية بالرمل مسكنهم ... بين الأباطح يغشاهم بها القدر ... نفسى فداؤك كم بينى وبينهم ... من عرض وادية يعمى بها الخبر ...
قال فلما قال الحطيئة ماذا تقول الافراخ بذى مرح بكى عمر فقال عمرو بن العاص ما أظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء أعدل من رجل يبكى على تركه الحطيئة ثم ذكروا أنه أراد قطع لسان الحطيئة لئلا يهجو به الناس فأجلسه على كرسى وجىء بالموسى فقال الناس لا يعود يا أمير المؤمنين وأشاروا إليه قل لا أعود فقال له عمر النجا فلما ولى قال له عمر ارجع يا حطيئة فرجع فقال له كأنى بك عند شاب من قريش قد كسر لك نمرقة وبسط لك أخرى وقال يا حطيئة غننا فاندفعت تغنيه بأعراض الناس قال أسلم فرأيت الحطيئة بعد ذلك عند عبيد الله ابن عمر وقد كسر له نمرقة وبسط له أخرى وقال يا حطيئة غننا فاندفع حطيئة يغنى فقلت له يا حطيئة أتذكر يوم عمر حين قال لك ما قال ففزع وقال رحم الله ذلك المرء لو كان حيا ما فعلنا هذا فقلت لعبيد الله إنى سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك الرجل وقال الزبير حدثنى محمد بن الضحاك عن ابيه قال قال عمر للحطيئة دع قول الشعر قال لا أستطيع قال لم قال هو مأكلة عيالى وعلة لسانى قال فدع المدحة المجحفة قال وما هى يا أمير المؤمنين قال تقول بنو فلان أفضل من بنى فلان امدح ولا تفضل فقال أنت أشعر منى يا أمير المؤمنين ومن مديحه الجيد المشهور قوله ... أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أوسدوا المكان الذى سدوا ... أولئك قومى إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا ... وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا ...
قالوا ولما احتضر الحطيئة قيل له أوص قال أوصيكم بالشعر ثم قال
... الشعر صعب وطويل سلمة ... إذا ارتقى فيه الذى لا يعلمه ... زلت به إلى الحضيض قدمه ... والشعر لا يستطيعه من يظلمه ... أراد أن يعربه فأعجمه ... قال أبو الفرج الجوزى فى المنتظم توفى الحطيئة فى هذه السنة وذكر أيضا فيها وفاة (8/98)
عبد الله بن عامر بن كريز وقد تقدم فى التى قبلها عبد الله بن 0 مالك بن القشب
واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله بن رافع الأزدى أبو محمد حليف بنى عبد المطلب المعروف بابن بحينة وهى أمه بحينة بنت الأرت واسمه الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف أسلم قديما وصحب رسول الله ص وكان ناسكا قواما صواما وكان ممن يسرد صوم الدهر كله قال ابن سعد كان ينزل بطن ريم على ثلاثين ميلا من المدينة ومات فى عمل مروان فى المرة الثانية ما بين سنة أربع وخمسين إلى ثمان وخمسين والعجب أن ابن الجوزى نقل من كلام محمد بن سعد ثم إنه ذكر وفاته فى هذه السنة يعنى سنة تسع وخمسين فالله أعلم
قيس بن سعد بن عبادة الخزرجى
صحابى جليل كأبيه له فى الصحيحين حديث وهو القيام للجنازة بقوله فى المسند حديث فى صوم عاشوراء وحديث غسل رسول الله ص فى دارهم وغير ذلك وخدم رسول الله ص عشر سنين وثبت فى صحيح البخارى عن أنس قال كان قيس بن سعد من النبى ص بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير وحمل لواء رسول الله ص فى بعض الغزوات واستعمله على الصدقة ولما بعث رسول الله ص أبا عبيدة بن الجراح ومعه ثلثمائة من المهاجرين والأنصار فأصابهم ذلك الجهد الكثير فنحر لهم قيس بن سعد تسع جزائر حتى وجدوا تلك الدابة على سيف البحر فأكلوا منها وأقاموا عليها شهرا حتى سمنوا وكان قيس سيدا مطاعا كريما ممدحا شجاعا ولاه على نيابة مصر وكان يقاوم بدهائه وخديعته وسياسته لمعاوية وعمرو بن العاص ولم يزل معاوية يعمل عليه حتى عزله [ على ] عن مصر وولى عليها محمد بن أبى بكر الصديق فاستخفه معاوية ولم يزل حتى أخذ منه مصر كما قدمنا واقام قيس عند على فشهد معه صفين والنهروان ولزمه حتى قتل ثم صار إلى المدينة فلما اجتمعت الكلمة على معاوية جاءه ليبايعه كما بايعه أصحابه قال عبد الرزاق عن ابن عيينة قال قدم قيس بن سعد على معاوية فقال له معاوية وأنت يا قيس تلجم على مع من ألجم اما والله لقد كنت أحب أن لا تأتينى هذا اليوم إلا وقد ظفر بك ظفر من أظافرى موجع فقال له قيس وأنا والله قد كنت كارها أن أقوم فى هذا المقام فأحييك بهذه التحية فقال له معاوية ولم وهل أنت إلا حبر من أحبار اليهود فقال له قيس وأنت يا معاوية كنت صنما من أصنام الجاهلية دخلت فى الإسلام كارها وخرجت منه طائعا فقال معاوية اللهم غفرا مد يدك فقال له قيس بن سعد إن شئت زدت وزدت وقال موسى بن عقبة قالت عجوز لقيس أشكو إليك قلة فأر بيتى فقال قيس ما أحسن هذه الكناية املأوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا (8/99)
وقال غيره كانت له صحفة يدار بها حيث دار وكان ينادى له مناد هلموا إلى اللحم والثريد وكان أبوه وجده من قبله يفعلان كفعله وقال عروة بن الزبير باع قيس بن سعد من معاوية أرضا بتسعين ألفا فقدم المدينة فنادى مناديه من أراد القرض فليأت فأقرض منها خمسين ألفا واطلق الباقى ثم مرض بعد ذلك فقل عواده فقال لزوجته قريبة بنت أبى عتيق أخت ابى بكر الصديق إنى أرى قلة من عادنى فى مرضى هذا وإنى لأرى ذلك من أجل مالى على الناس من القرض فبعث إلى كل رجل ممن كان له عليه دين بصكه المكتوب عليه فوهبهم ماله عليهم وقيل إنه أمر مناديه فنادى من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو منه فى حل فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه من كثرة العواد وكان يقول اللهم ارزقنى مالا وفعالا فانه لا يصلح الفعال إلا بالمال وقال سفيان الثورى اقترض رجل من قيس بن سعد ثلاثين الفا فلما جاء ليوفيه غياها قال له قيس إنا قوم ما أعطينا أحدا شيئا فنرجع فيه وقال الهيثم بن عدى اختلف ثلاثة عند الكعبة فى أكرم اهل زمانهم فقال أحدهم عبد الله بن جعفر وقال الآخر قيس بن سعد وقال الآخر عرابة الأوسى فتماروا فى ذلك حتى ارتفع ضجيجهم عند الكعبة فقال لهم رجل فليذهب كل رجل منكم إلى صاحبه الذى يزعم أنه أكرم من غيره فلينظر ما يعطيه وليحكم على العيان فذهب صاحب عبد الله بن جعفر إليه فوجده قد وضع رجله فى الغرز ليذهب إلى ضيعة له فقال له يا ابن عم رسول الله ابن سبيل ومنقطع به قال فأخرج رجله فى الغرز وقال ضع رجلك واستو عليها فهى لك بما عليها وخذ ما فى الحقيبة ولا تخدعن عن السيف فانه من سيوف على فرجع إلى أصحابه بناقة عظيمة وإذا فى الحقيبة أربعة آلاف دينار ومطارف من خز وغير ذلك واجل ذلك سيف على بن أبى طالب ومضى صاحب قيس بن سعد إليه فوجده نائما فقالت له الجارية ما حاجتك إليه قال ابن سبيل ومنقطع به قالت فحاجتك أيسر من إيقاظه هذا كيس فيه سبعمائة دينار ما فى دار قيس مال غيره اليوم واذهب إلى مولانا فى معاطن الإبل فخذلك ناقة وعبدا واذهب راشدا فلما استيقظ قيس من نومه أخبرته الجارية بما صنعت فأعتقها شكرا على صنيعها ذلك وقال هلا أيقظتينى حتى أعطيه ما يكفيه أبدا فلعل الذى أعطيتيه لا يقع منه موقع حاجته وذهب صاحب عرابة الأوسى إليه فوجده وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو يتوكأ على عبدين له وكان قد كف بصره فقال له يا عرابة فقال قل فقال ابن سبيل ومنقطع به قال فخلى عن العبدين ثم صفق بيديه باليمنى على اليسرى ثم قال أوه أوه والله ما أصبحت ولا أمسيت وقد تركت الحقوق من مال عرابة شيئا ولكن خذ هذين العبدين قال ما كنت لأفعل فقال إن لم تأخذهما فهما حران فان شئت فأعتق وإن شئت فخذ واقبل يلتمس الحائط بيده قال فأخذهما وجاء (8/100)
بهما إلى صاحبيه قال فحكم الناس على أن ابن جعفر قد جاد بمال عظيم وان ذلك ليس بمستنكر له إلا أن السيف أجلها وأن قيسا أحد الأجواد حكم مملوكته فى ماله بغير علمه واستحسن فعلها وعتقها شكرا لها على ما فعلت واجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الأوسى لأنه جاد بجميع ما يملكه وذلك جهد من مقل وقال سفيان الثورى عن عمرو عن أبى صالح قال قسم سعد بن عبادة ماله بين أولاده وخرج إلى الشام فمات بها فولد له ولد بعد وفاته فجاء أبو بكر وعمر إلى قيس ابن سعد فقالا إن أباك قسم ماله ولم يعلم بحال هذا الولد إذ كان حملا فاقسموا له معكم فقال قيس إنى لا أغير ما فعله سعد ولكن نصيبى له ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن محمد ابن سيرين فذكره ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنى عطاء فذكره وقال ابن أبى خيثمة ثنا أبو نعيم ثنا مسعر عن معبد بن خالد قال كان قيس بن سعد لا يزال هكذا رافعا اصبعه المسبحة يعنى يدعو وقال هشام بن عمار ثنا الجراح بن مليح ثنا أبو رافع عن قيس بن سعد قال لولا أنى سمعت رسول الله ص يقول المكر والخديعة فى النار لكنت من أمكر هذه الأمة وقال الزهرى دهات العرب حين ثارت الفتنة خمسة معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وقيس بن سعد وعبد الله بن بديل وكانا مع على وكان المغيرة معتزلا بالطائف حتى حكم الخصمان فصارا إلى معاوية وقد تقدم أن محمد بن أبى حذيفة كان قد تغلب على مصر وأخرج منها عبد الله بن سعد بن أبى سرح نائب عثمان بعد عمرو بن العاص فأقره عليها على مدة يسيرة ثم عزله بقيس بن سعد فلما دخلها سار فيها سيرة حسنة وضبطها وذلك سنة ست وثلاثين فثقل أمره على معاوية وعمرو بن العاص فكاتباه ليكون معهما على على فامتنع وأظهر للناس مناصحته لهما وفى الباطن هو مع على فبلغ ذلك عليا فعزله وبعث إلى مصر الأشتر النخعى فمات الأشتر فى الرملة قبل أن يصل إليها فبعث على محمد بن أبى بكر فخف أمره على معاوية وعمرو فلم يزالا حتى أخذا منهالمصرية وقتل محمد بن أبي بكر هذا وأحرق فى جيفه حمار ثم سار قيس إلى المدينة ثم سار إلى على بن أبى طالب إلى العراق فكان معه فى حروبه حتى قتل على ثم كان مع الحسن ابن على حين سار إلى معاوية ليقاتله فكان قيس على مقدمة الجيش فلما بايع الحسن معاوية ساء قيسا ذلك وما أحبه وامتنع من طاعته معاوية ثم ارتحل إلى المدينة ثم قدم على معاوية فى وفد من الأنصار فبايع معاوية بعد معاتبة شديدة وقعت بينهما وكلام فيه غلظة ثم أكرمه معاوية وقدمه وحظى عنده فبينما هو مع الوفود عند معاوية إذ قدم كتاب ملك الروم على معاوية وفيه أن بعث إلى بسراويل أطول رجل فى العرب فقال معاوية ما أرانا إلا قد احتجنا إلا سراريلك وكان قيس مديد القامة جدا لا يصل أطول الرجال إلى صدره فقام قيس فتنحى ثم خلع سراويله (8/101)
فألقاها إلى معاوية فقال له معاوية لو ذهبت إلى منزلك ثم أرسلت بها إلينا فأنشأ قيس يقول عند ذلك ... أردت بها كى يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود ... وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل غادى سمد وثمود ... وإنى من الحى اليمانى لسيد ... وما الناس إلا سيد ومسود ... فكدهم بمثلى إن مثلى عليهم ... شديد وخلقى فى الرجال مديد ... وفضلنى فى الناس أصل ووالد ... وباع به أعلو الرجال مديد ...
قال فأمر معاوية أطول رجل فى الوفد فوضعها على أنفه فوقعت بالأرض وفى رواية أن ملك الروم بعث إلى معاوية برجلين من جيشه يزعم أن أحدهما أقوى الروم والآخر أطول الروم فانظر هل فى قومك من يفوقهما فى قوة هذا وطول هذا فان كان فى قومك من يفوقهما بعثت إليك من الأسارى كذا وكذا ومن التحف كذا وكذا وإن لم يكن فى جيشك من هو أقوى واطول منهما فهادنى ثلاث سنين فلما حضرا عند معاوية قال من لهذا القوى فقالوا ماله إلا أحد رجلين إما محمد بن الحنفية أو عبد الله بن الزبير فجىء بمحمد بن الحنفية وهو ابن على بن أبى طالب فلما اجتمع الناس عند معاوية قال له معاوية أتعلم فيم ارسلت إليك قال لا فذكر له أمر الرومى وشدة بأسه فقال للرومى إما أن تجلس لى أو أجلس إليك وتناولنى يدك أو أناولك يدى فأينا قدر على أن يقيم الآخر من مكانه غلبه وإلا فقد غلب فقال له ماذا تريد تجلس أو أجلس فقال له الرومى بل اجلس أنت فجلس محمد بن الحنفية وأعطى الرومى يده فاجتهد الرومى بكل ما يقدر عليه من القوة أن يزيله من مكانه أو يحركه ليقيمه فلم يقدر على ذلك ولا وجد إليه سبيلا فغلب الرومى عند ذلك وظهر لمن معه من الوفود من بلاد الروم أنه قد غلب ثم قام محمد بن الحنفية فقال للرومى اجلس لى فجلس وأعطى محمدا يده فما أمهلة أن أقامه سريعا ورفعه فى الهواء ثم ألقاه على الأرض فسر بذلك معاوية سرورا عظيما ونهض قيس بن سعد فتنحى عن الناس ثم خلع سراويله وأعطاها لذلك الرومى الطويل فلبسها فبلغت إلى ثدييه واطرافها تخط بالأرض فاعترف الرومى بالغلب وبعث ملكهم ما كان التزمه لمعاوية وعاتب الأنصار قيس بن سعد فى خلعه سراويله بحضرة الناس فقال ذلك الشعر المتقدم معتذرا به إليهم وليكون ذلك ألزم للحجة التى تقوم على الروم واقطع لما حاولوه ورواه الحميدى عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال كان قيس بن سعد رجلا ضخما جسيما صغير الرأس له لحية فى ذقنه وكان إذا ركب الحمار العالى خطت رجلاه بالأرض وقال الواقدى وخليفة بن خياط وغير واحد توفى بالمدينة فى آخر خلافة معاوية وذكر ابن الجوزى وفاته فى هذه السنة فتبعناه فى ذلك (8/102)
معقل بن يسار المزني
صحابى جليل شهد الحديبية وكان هو الذى كان يرفع أغصان الشجرة عن وجه رسول الله ص وهو يبايع الناس تحتها وكانت من السمر وهى المذكورة فى القرآن فى قوله تعالى لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة وقد ولاه عمر إمرة البصرة فحفر بها النهر المنسوب إليه فيقال نهر معقل وله بها دار قال الحسن البصرى دخل عبيد الله بن زياد على معقل بن يسار يعوده فى مرضه الذى مات فيه فقال له معقل إنى محدثك حديثا سمعته من رسول الله ص لو لم أكن على حالتى هذه لم أحدثك به سمعته يقول من استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة لم يجد رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام وممن توفى فى هذه السنة
أبو هريرة الدوسي رضى الله عنه
وقد اختلف فى اسمه فى الجاهلية والاسلام واسم أبيه على أقوال متعددة وقد بسطنا أكثرها فى كتابنا التكميل وقد بسط ذلك ابن عساكر فى تاريخه والأشهر أن اسمه عبد الرحمن بن صخر وهو من الأزد ثم من دوس ويقال كان اسمه فى الجاهلية عبد شمس وقيل عبدنهم وقيل عبد غنم ويكنى بأبى الأسود فسماه رسول الله ص عبد الله وقيل عبد الرحمن وكناه بأبى هريرة وروى عنه أنه قال وجدت هريرة وحشية فأخذت أولادها فقال لى أبى ما هذه فى حجرك فأخبرته فقال أنت أبو هريرة وثبت فى الصحيح أن رسول الله ص قال له أبا هر وثبت أنه قال له يا أبا هريرة قال محمد بن سعد وابن الكلبى والطبرانى اسم أمه ميمونة بنت صفيح بن الحارث بن أبى صعب بن هبة بن سعد بن ثعلبة أسلمت وماتت مسلمة وروى أبو هريرة عن رسول الله ص الكثير الطيب وكان من حفاظ الصحابة وروى عن أبى بكر وعمر وأبى بن كعب وأسامة بن زيد ونضرة بن ابى نضرة والفضل بن العباس وكعب الأحبار وعائشة أم المؤمنين وحدث عنه خلائق من أهل العلم قد ذكرناهم مرتبين على حروف المعجم فى التكميل كما ذكره شيخنا فى تهذيبه قال البخارى روى عنه نحو من ثمانمائة رجل أو اكثر من أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم وقال عمرو بن على الفلاس كان ينزل المدينة وكان إسلامه سنة خيبر قال الواقدى وكان بذى الحليفة له دار وقال غيره كان آدم اللون بعيد ما بين المنكبين ذا طفرتين أقرن الثنتين وقال أبو داود الطيالسى وغير واحد عن أبى خلدة خالد بن دينار عن أبى العالية عن أبى هريرة قال لما أسلمت قال رسول الله ص ممن أنت فقلت من دوس فوضع يده على جبهته وقال ما كنت أرى أن فى دوس رجلا فيه خير وقال الزهرى عن سعيد عن أبى هريرة قال شهدت مع رسول الله ص خيبر وروى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن (8/103)
إسماعيل عن قيس قال قال أبو هريرة جئت يوم خيبر بعد ما فرغوا من القتال وقال يعقوب بن سفيان حدثنا سعيد بن أبى مريم ثنا الدراوردى قال حدثنى خيثم عن عراك بن مالك عن أبيه عن أبى هريرة قال خرج رسول الله ص واستحلف على المدينة سباع بن عرفطة قال أبو هريرة وقدمت المدينة فهاجروا فصليت الصبح وراء سباع فقرأ فى السجدة الأولى سورة مريم وفى الثانية ويل للمطففين قال أبو هريرة فقلت فى نفسى ويل لأبى فلان لرجل كان بأرض الأزد وكان له مكيالان مكيال يكيل به لنفسه ومكيال يبخس به الناس وقد ثبت فى صحيح البخارى أنه ضل غلام له فى الليلة التى اجتمع فى صبيحتهاا برسول الله ص وأنه جعل ينشد ... يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نجت ...
فلما قدم على رسول الله ص قال له هذا غلامك فقال هو حر لوجه الله عز و جل وقد لزم أبو هريرة رسول الله ص بعد إسلامه فلم يفارقه فى حضر ولا سفر وكان أحرص شىء على سماع الحديث منه وتفقه عنه وكان يلزمه على شبع بطنه وقال أبو هريرة وقد تمخط يوما فى قميص له كتان بخ بخ ابو هريرة يتمخط فى الكتان لقد رأيتنى أخر فيما بين المنبر والحجر من الجوع فيمر المار فيقول به جنون وما بى إلا الجوع والله الذى لا إله إلا هو لقد كنت أعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد أستقرىء أحدهم الآية وأنا أعلم بها منه وما بى إلا أن يستتبعنى إلى منزله فيطعمنى شيئا وذكر حديث اللبن مع أهل الصفة كما قدمناه فى دلائل النبوة وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرحمن ثنا عكرمة بن عامر حدثنى أبو كثير وهو يزيد بن عبد الرحمن بن أذينة السحيمى الأعمى حدثنى أبو هريرة قال والله ما خلق الله مؤمنا يسمع بى ولا يرانى إلا أحبنى قلت وما علمك بذلك يا أبا هريرة قال إن أمى كانت امرأة مشركة وإنى كنت أدعوها إلى الاسلام وكانت تأبى على فدعوتها يوما فأسمعتنى فى رسول الله ص ما أكره فأتيت رسول الله ص وأنا أبكى فقلت يا رسول الله إنى كنت أدعو أمى إلى الاسلام فكانت تأبى على وإنى دعوتها اليوم فأسمعتنى فيك ما أكره فادع الله أن يهدى أبي أ [ ى هريرة فقال اللهم اهد أم أبى هريرة فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول الله ص لها فلما أتيت الباب إذا هو مجاف وسمعت خضخضة ( خشخشة ) وسمعت خشف رجل يعنى وقعها فقالت يا أبا هريرة كما أنت ثم فتحت الباب وقد لبست درعها وعجلت عن خمارها أن تلبسه وقالت إنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أبكى من الفرح كما بكيت من الحزن فقلت يا رسول الله أبشر فقد استجاب الله دعاءك قد هدى الله أم أبى هريرة وقلت يا رسول الله ادعو الله أن يحببنى وأمى إلى عبادة المؤمنين فقال (8/104)
اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما قال أبو هريرة فما خلق الله من مؤمن يسمع بى ولا يرانى أو يرى أمى إلا وهو يحبنى وقد رواه مسلم من حديث عكرمة عن عمار نحوه وهذا الحديث من دلائل النبوة فان أبا هريرة محبب إلى جميع الناس وقد شهر الله ذكره بما قدره أن يكون من روايته من إيراد هذا الخبر عنه على رؤوس الناس فى الجوامع المتعددة فى سائر الأقاليم فى الأنصات يوم الجمعة بين يدى الخطبة والأمام على المنبر وهذا من تقدير الله العزيز العليم ومحبة الناس له رضى الله عنه وقال هشام بن عمار حدثنا سعيد ثنا عبد الحميد بن جعفر عن المقبرى عن سالم مولى النضريين انه سمع أبا هريرة يقول سمعت رسول الله ص يقول إنما محمد بشر أغضب كما يغضب البشر وإنى قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما رجل من المسليمن آذيته أو شتمته أو جلدته فاجعلها له قربة بها عندك يوم القيامة قال أبو هريرة لقد رفع على رسول الله ص يوما الدرة ليضربنى بها فلأن يكون ضربنى بها أحب إلى من حمر النعم ذلك بأنى أرجو أن أكون مؤمنا وأن يستجاب لرسول الله ص دعوته وقال ابن أبى ذيب عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة قال قلت يا رسول الله إنى أسمع منك حديثا كثيرا فأنساه فقال أبسط رداءك فبسطته ثم قال ضمه فضممته فما نسيت حديثا بعد رواه البخارى وقال الامام أحمد حدثنا سفيان عن الزهرى عن عبد الرحمن الأعرج قال سمعت أبا هريرة يقول إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ص والله الموعد إنى كنت امرأ مسكينا أصحب رسول الله ص على ملء بطنى وكان المهاجرون يشغلهم الصفق فى الأسواق وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم فحضرت من رسول الله ص يوما مجلسا فقال من بسط رداءه حتى أقضى مقالتى ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئا سمعه منى فبسطت بردة على حتى قضى مقالته ثم قبضتها إلى فوالذى نفسى بيده ما نسيت شيئا سمعته منه بعد ذلك وقد رواه ابن وهب عن يونس عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة وله طرق أخر عنه وقد قيل إن هذا كان خاصا بتلك المقالة لم ينس منها شيئا بدليل أنه نسى بعض الأحاديث كما هو مصرح به فى الصحيح حيث نسى حديث لا عدوى ولا طيرة مع حديثه لا يورد ممرض على مصح وقيل إن هذا كان عاما فى تلك المقالة وغيرها والله أعلم وقال الدراوردى عن عمرو بن أبى عمرو عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة أنه قال يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة فقال لقد ظننت يا أبا هريرة أن أحدا لا يسألنى عن هذا الحديث أول منك لما رأيت من حرصك على الناس إن أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه ورواه البخارى من حديث عمرو ابن أبى عمرو به وقال ابن أبى ذيب عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة أنه قال حفظت من (8/105)
رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته فى الناس واما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم رواه البخارى من حديث ابن أبى ذيب ورواه غير واحد عن أبى هريرة وهذا الوعاء الذى كان لا يتظاهر به هو الفتن والملاحم وما وقع بين الناس من الحروب والقتال وما سيقع التى لو أخبر بها قبل كونها لبادر كثير من الناس إلى تكذيبه وردوا ما أخبر به من الحق كما قال لو أخبرتكم أنكم تقتلون إمامكم وتقتتلون فيما بينكم بالسيوف لما صدقتمونى وقد يتمسك بهذا الحديث طوائف من أهل الأهواء والبدع الباطلة والاعمال الفاسدة ويسندون ذلك إلى هذا الجراب الذى لم يقله أبو هريرة ويعتقدون أن ما هم عليه كان فى هذا الجراب الذى لم يخبر به أبو هريرة وما من مبطل مع تضاد أقوالهم إلا وهو يدعى هذا وكلهم يكذبون فاذا لم يكن أبو هريرة قد أخبر به فمن علمه بعده وإنما كان الذى فيه شىء من الفتن والملاحم كما أخبر بها هو وغيره من الصحابة مما ذكرناه ومما سنذكره فى كتاب الفتن والملاحم وقال حماد بن زيد حدثنا عمرو بن عبيد الأنصارى ثنا أبو لزعيزعة كاتب مروان بن الحكم أن مروان دعا أبا هريرة واقعده خلف السرير وجعل مروان يسأل وجعلت أكتب عنه حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به وأقعده من وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك الكتاب فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر وروى أبو بكر بن عياش وغيره عن الأعمش عن أبى صالح قال كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله ص ولم يكن بأفضلهم وقال الربيع قال الشافعى أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى دهره وقال أبو القاسم البغوى حدثنا أبو خيثمة ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال تواعد الناس ليلة من اللياليى إلى قبة من قباب معاوية فاجتمعوا فيها فقام أبو هريرة فحدثهم عن رسول الله ص حتى أصبح وقال سفيان بن عيينة عن معمر عن وهب بن منبه عن أخيه همام بن منبه قال سمعت أبا هريرة يقول ما من أحد من أصحاب رسول الله ص أكثر حديثا عنه منى إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فانه كان يكتب ولا أكتب وقال أبو زرعة الدمشقى حدثنى محمد بن زرعة الرعينى ثنا مروان بن محمد ثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبد الله عن السائب بن يزيد قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبى هريرة لتتركن الحديث عن رسول الله ص ولألحقنك بأرض دوس وقال لكعب الأحبار لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة قال أبو زرعة وسمعت أبا مسهر يذكره عن سعيد بن عبد العزيز نحوا منه ولم يسنده وهذا محمول من عمر على أنه خشى من الأحاديث التى قد تضعها الناس على غير مواضعها وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص وأن الرجل إذا اكثر من الحديث ربما وقع فى أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك وقد جاء أن عمر أذن بعد ذلك فى التحديث فقال مسدد (8/106)
حدثنا خالد الطحان ثنا يحيى بن عبد الله عن أبيه عن أبى هريرة قال بلغ عمر حديثى فأرسل إلى فقال كنت معنا يوم كنا مع رسول الله ص فى بيت فلان قال قلت نعم وقد علمت لم تسألنى عن ذلك قال ولم سألتك قلت إن رسول الله ص قال يومئذ من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار قال أما إذا فاذهب فحدث وقال الامام أحمد حدثنا عفان ثنا عبد الواحد يعنى ابن زياد ثنا عاصم بن كليب حدثنى أبى قال سمعت أبا هريرة يقول وكان يبتدىء حديثه بأن يقول قال رسول الله ص الصادق المصدوق من كذب على عامدا فليتبوأ مقعده من النار وروى مثله من وجه آخر عنه وقال ابن وهب حدثنى يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان أن أبا هريرة كان يقول إنى لاحدث أحاديث لو تكلمت بها فى زمان عمر أو عند عمر لشج رأسى وقال صالح بن أبى الاخضر عن الزهرى عن أبى سلمة سمعت أبا هريرة يقول ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله ص حتى قبض عمر وقال محمد بن يحيى الذهلى ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى قال قال عمر أقلوا الرواية عن رسول الله ص إلا فيما يعمل به قال ثم يقول أبو هريرة أفكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حى أما والله إذا لأيقنت أن المحففة ستباشر ظهرى [ فان عمر كان يقول اشتغلوا بالقرآن كلام الله ولهذا لما بعث أبا موسى إلى العراق قال له إنك تأتى قوما لهم فى مساجدهم دوى بالقرآن كدوى النحل فدعهم على ما هم عليه ولا تشغلهم بالأحاديث وأنا شريكك فى ذلك هذا معروف عن عمر رضى الله عنه ] وقال الامام أحمد حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن ابن عمر أنه مر بأبى هريرة وهو يحدث عن النبى ص أنه قال من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط فان شهد دفنها فله قيرطان القيراط أعظم من أحد فقال له ابن عمر أبا هر انظر ما تحدث عن رسول الله ص فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة فقال لها يا أم المؤمنين أنشدك بالله أسمعت رسول الله ص يقول من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط فان شهد دفنها فله قيراطان فقال اللهم نعم فقال أبو هريرة إنه لم يكن يشغلنى عن رسول الله ص غرس بالوادى وصفق بالأسواق إنى إنما كنت أطلب من رسول الله ص كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها فقال له ابن عمر أنت يا أبا هر كنت ألزمنا رسول الله ص وأعلمنا بحديثه وقال الواقدى حدثنى عبد الله بن نافع عن أبيه قال كنت مع ابن عمر فى جنازة أبى هريرة وهو يمشى أمامها ويكثر الترحم عليه ويقول كان ممن يحفظ حديث رسول الله ص على المسلمين وقد روى أن عائشة تأولت أحاديث كثيرة من أن أبى هريرة ووهمته فى بعضها وفى الصحيح أنها عابت عليه سرد الحديث أى الاكثار منه فى (8/107)
الساعة الواحدة وقال أبو القاسم البغوى حدثنا بشر بن الوليد الكندى ثنا إسحاق بن سعد عن سعيد أن عائشة قالت لأبى هريرة أكثرت الحديث عن رسول الله ص يا أبا هريرة قال إنى والله ما كانت تشغلنى عنه المكحلة والخضاب ولكن أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثى قالت لعله وقال أبو يعلى حدثنا إبراهيم الشامى ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبى رافع أن رجلا من قريش أتى أبا هريرة فى حلة وهو يتبختر فيها فقال يا أبا هريرة إنك تكثر الحديث عن رسول الله ص فهل سمعته يقول فى حلتى هذه شيئا قال والله إنكم لتؤذوننا ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه ما حدثتكم بشىء سمعت أبا القاسم ص يقول إن رجلا ممن كان قبلكم بينما هو يتبختر فى حلة إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة فوالله ما أدرى لعله كان من قومك أومن رهطك شك أبو يعلى وقال محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر حدثنى كثير بن زيد عن الوليد بن رباح قال سمعت أبا هريرة يقول لمروان والله ما أنت بوال وإن الوالى لغيرك فدعه يعنى حين أرادوا يدفنون الحسن مع رسول الله ص ولكنك تدخل فيما لايعنيك إنما تريد بهذا إرضاء من هو غائب عنك يعنى معاوية قال فأقبل عليه مروان مغضبا فقال يا أبا هريرة إن الناس قد قالوا إنك أكثرت على رسول الله ص الحديث وإنما قدمت قبل وفاة النبى ص بيسير فقال أبو هريرة نعم قدمت ورسول الله ص بخيبر سنة سبع وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات وأقمت معه حتى توفى أدور معه فى بيوت نسائه وأخدمه وأنا والله يومئذ مقل وأصلى خلفه وأحج وأغزو معه فكنت والله أعلم الناس بحديثه قد والله سبقنى قوم بصحبته والهجرة إليه من قريش والأنصار وكانوا يعرفون لزومى له فيسألونى عن حديثه منهم عمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير فلا والله ما يخفى على كل حديث كان بالمدينة وكل من أحب الله ورسوله وكل من كانت له عند رسول الله ص منزلة وكل صاحب له وكان أبو بكر صاحبه فى الغار وغيره وقد أخرجه رسول الله ص أن يساكنه يعرض بأبى مروان الحكم بن العاص ثم قال أبو هريرة ليسألنى أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه فانه يجد عندى منه علما جما ومقالا قال فوالله ما زال مروان يقصر عن أبى هريرة ويتقيه بعد ذلك ويخافه ويخاف جوابه [ وفى رواية أن أبا هريرة قال لمروان إنى أسلمت وهاجرت اختيارا وطوعا واحببت رسول الله ص حبا شديدا وأنتم أهل الدار وموضع الدعوة أخرجتم الداعى من أرضه وآذيتموه وأصحابه وتأخر إسلامكم عن إسلامى إلى الوقت المركوه إليكم فندم مروان على كلامه له واتقاه ] ( 1 ) وقال ابن أبى خيثمة حدثنا هارون بن معروف ثنا محمد بن سلمة ثنا محمد بن إسحاق عن (8/108)
عمر أو عثمان بن عروة عن أبيه يعنى عروة بن الزبير بن العوام قال قال لى أبي الزبير ادننى من هذا اليمانى يعنى أبا هريرة فانه يكثر الحديث عن رسول الله ص قال فأدنيته منه فجعل أبو هريرة يحدث وجعل الزبير يقول صدق كذب صدق كذب قال قلت يا أبة ما قولك صدق كذب قال يا بنى أما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله ص فلا أشك ولكن منها ما يضعه على مواضعه ومنها ما وضعه على غير مواضعه وقال على بن المدينى عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبى اليسر بن أبى عامر قال كنت عند طلحة بن عبيد الله إذ دخل رجل فقال يا ابا محمد والله ما ندرى هذا اليمانى أعلم برسول الله ص منكم أم يقول على رسول الله ص ما لم يسمع أو ما لم يقل فقال طلحة والله ما نشك أنه قد سمع من رسول الله ص ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم إنا كنا قوما أغنياء لنا بيوتات وأهلون وكنا نأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفى النهار ثم نرجع وكان هو مسكينا لا مال له ولا أهل وإنما كانت يده مع رسول الله ص وكان يدور معه حيث دار فما نشك أنه قد علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع وقد رواه الترمذى بنحوه وقال شعبة عن أشعث بن سليم عن أبيه قال سمعت أبا أيوب يحدث عن أبى هريرة فقيل له أنت صاحب رسول الله ص وتحدث عن أبى هريرة فقال إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع وإنى إن أحدث عنه أحب إلى من أن أحدث عن رسول الله ص يعنى ما لم أسمعه منه وقال مسلم بن الحجاج حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى ثنا مروان الدمشقى عن الليث بن سعد حدثنى بكير بن الأشج قال قال لنا بشر بن سعيد اتقوا الله وتحفظوا من الحديث فوالله لقد رأيتنا تجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله ص ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم فأسمع بعض ما كان معنا يجعل حديث رسول الله ص عن كعب وحديث كعب عن رسول الله ص وفى رواية يجعل ما قاله كعب عن رسول الله وما قاله رسول الله عن كعب فاتقوا الله وتحفظوا فى الحديث وقال يزيد بن هارون سمعت شعبة يقول أبو هريرة كان يدلس أى يروى ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله ص ولا يميز هذا من هذا ذكره ابن عساكر وكان شعبة يشير بهذا إلى حديثه من أصبح جنبا فلا صيام له فانه لما حوقق عليه قال أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله ص وقال شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال كان أصحابنا يدعون من حديث أبى هريرة وروى الأعمش عن إبراهيم قال ما كانوا يأخذون بكل حديث أبى هريرة وقال الثورى عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يرون فى أحاديث أبى هريرة شيئا وما كانوا يأخذون بكل حديث أبى هريرة إلا ما كان من حديث صفة جنة أو نار أو حث على عمل صالح أو نهى عن شرجاء القرآن به وقد انتصر ابن عساكر لأبى هريرة ورد هذا الذى قاله إبراهيم (8/109)
النخعى وقد قال ما قاله إبراهيم طائفة من الكوفيين والجمهور على خلافهم
وقد كان أبو هريرة من الصدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم قال حماد بن زيد عن عباس الجريرى عن أبى عثمان النهدى قال كان أبو هريرة يقوم ثلث الليل وامرأته ثلثه وابنته ثلثه يقوم هذا ثم يوقظ هذا ثم يوقظ وهذا وفى الصحيحين عنه أنه قال أوصا خليلى ص بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتى الضحى وأن أوتر قبل أن أنام وقال ابن جريج عمن حدثه قال قال أبو هريرة إنى أجزىء الليل ثلاثة أجزاء فجزءا لقراءة القرآن وجزءا أنام فيه وجزءا أتذكر فيه حديث رسول الله ص وقال محمد بن سعد ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا إسحاق بن عثمان القرشى ثنا أبو أيوب قال كان لأبى هريرة مسجد فى مخدعه ومسجد فى بيته ومسجد فى حجرته ومسجد على باب داره إذا خرج صلى فيها جميعها وذا دخل صلى فيها جميعا وقال عكرمة كان أبو هريرة يسبح كل ليلة ثنتى عشرة ألف تسبيحة يقول أسبح على قدر ديتى وقال هشيم عن يعلى بن عطاء عن ميمون بن أبى ميسرة قال كانت لأبى هريرة صيحتان فى كل يوم أول النهار صيحة يقول ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار وإذا كان العشي يقول ذهب النهار وجاء الليل وعرض ىل فرعون على النار فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله من النار وقال عبد الله بن المبارك حدثنا موسى بن عبيدة عن زياد بن ثوبان عن أبى هريرة قال لا تغبطن فاجرا بنعمة فإن من ورائه طالبا حثيثا طلبه جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا وقال ابن لهيعة عن أبى يونس عن أبى هريرة أنه صلى بالناس يوما فلما سلم رفع صوته فقال الحمد لله الذى جعل الدين قواما وجعل أبا هريرة إماما بعدما كان أجيرا لابنة غزوان على شبع بطنه وحمولة رجله [ وقال إبراهيم بن إسحاق الحربى ثنا عفان ثنا سليم بن حيان قال سمعت أبى يحدث عن أبى هريرة قال نشأت يتيما وهاجرت مسكينا وكنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطنى وعقبة رجلى أحد بهم إذا ركبوا وأحتطب إذا نزلوا فالحمد لله الذى جعل الدين قواما وجعل أبا هريرة إماما ] ( 1 ) ثم يقول والله يا أهل الاسلام إن كانت إجارتى معهم إلا على كسرة يابسة وعقبة فى ليلة غبراء مظلمة ثم زوجنيها الله فكنت أركب إذا ركبوا واخدم إذا خدموا وأنزل إذا نزلوا وقال إبراهيم بن يعقوب الجورجانى حدثنا الحجاج بن نصر ثنا هلال ابن عبد الرحمن الحنفى عن عطاء بن أبى ميمونة عن أبى سلمة قال قال أبو هريرة وأبو ذر باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا وباب نعلمه عملنا به أو لم نعمل به أحب إلينا من مائة ركعة تطوعا وقالا سمعنا رسول الله ص يقول إذا جاء طالب العلم الموت وهو على هذه الحال (8/110)
مات وهو شهيد وهذا حديث غريب من هذا الوجه وروى غير واحد عن أبى هريرة أنه كان يتعوذ فى سجوده أن يزنى أو يسرق أو يكفر أو يعمل كبيرة فقيل له أتخاف ذلك فقال ما يؤمننى وإبليس حى ومصرف القلوب يصرفها كيف يشاء وقالت له ابنته يا أبة إن البنات يعيرننى يقلن لم لا يحليك أبوك بالذهب فقال يا بنية قولى لهن إن أبى يخشى على حر اللهب وقال أبو هريرة أتيت عمر بن الخطاب فقمت له وهو يسبح بعد الصلاة فانتظرته فلما انصرف دنوت منه فقلت اقرئنى آيات من كتاب الله قال وما أريد إلا الطعام قال فأقرأنى آيات من سورة آل عمران فلما بلغ أهله دخل وتركنى على الباب فقلت ينزع ثيابه ثم أمر لى بطعام فلم أر شيئا فلما طال على قمت فمشيت فاستقبلنى رسول الله ص فكلمنى فقال يا ابا هريرة إن خلوف فمك الليلة لشديد فقلت أجل يا رسول الله لقد ظللت صائما وما أفطرت بعد وما أجد ما أفطر عليه قال فانطلق فانطلقت معه حتى أتى بيته فدعا جارية له سوداء فقال إيتنا بتلك القصعة فأتينا بقصعة فيها وضر من طعام أراه شعيرا قد أكل وبقى فى جوانبها بعضة وهو يسير فسميت وجعلت اتتبعه فأكلت حتى شبعت وقال الطبرانى ثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين أن أبا هريرة قال لابنته لا تلبسى الذهب فانى أخشى عليك حر اللهب وقد روى هذا عن أبى هريرة من طرق وقال الأمام أحمد حدثنا حجاج ثنا شعبة عن سماك بن حرب عن أبى الربيع عن أبى هريرة أنه قال إن هذه الكناسة مهلكة دنياكم وآخرتكم يعنى الشهوات وما يأكلونه وروى الطبرانى عن ابن سيرين عن أبى هريرة أن عمر بن الخطاب دعاه ليستعمله فأبى أن يعمل له فقال أتكره العمل وقد عمل من هو خير منك أو قال قد طلبه من هو خير منك قال من قال يوسف عليه السلام فقال أبو هريرة يوسف نبى ابن نبى وأنا أبو هريرة بن أميمة فأخشى ثلاثا أو اثنتين فقال عمر أفلا قلت خمسا قال أخشى أن أقول بغير علم وأقضى بغير حلم وأن يضرب ظهرى وينتزع مالى ويشتم عرضى وقال سعيد بن أبى هند عن أبى هريرة أن رسول الله ص قال له لا تسألنى من هذه الغنائم التى سألنى أصحابك فقلت أسألك أن تعلمنى مما علمك الله قال فنزع نمرة على ظهرى فبسطها بينى وبينه حتى كأنى إلى القمل يدب عليها فحدثنى حتى إذا استوعب حديثه قال اجمعها إليك فصرها فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثنى وقال أبو عثمان النهدى قلت لأبى هريرة كيف تصوم قال أصوم أول الشهر ثلاثا فان حدث بى حدث كان لى أجر شهرى وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أبى عثمان النهدى أن أبا هريرة كان فى سفر ومعه قوم فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه ليأكل معهم فقال إنى صائم فلما كادوا أن يفرغوا من أكلهم جاء فجعل (8/111)
يأكل فجعل القوم ينظرون إلى رسولهم الذى أرسلوه إليه فقال لهم أراكم تنظرون إلى قد والله أخبرنى أنه صائم فقال أبو هريرة صدق إنى سمعت رسول الله ص يقول صوم شهر صوم الصبر وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر فأنا مفطر فى تخفيف الله صائم فى تضعيف الله عز و جل وروى الامام أحمد حدثنا عبد الملك بن عمرو ثنا إسماعيل عن أبى المتوكل عن أبى هريرة أنه كان هو وأصحاب له إذا صاموا يجلسون فى المسجد وقالوا نظهر صيامنا وقال الامام أحمد حدثنا أبو عبيدة الحداد حدثنا عثمان الشحام أبو سلمة ثنا فرقد السبخى قال كان أبو هريرة يطوف بالبيت وهو يقول ويل لى من بطنى إن أشبعته كهظنى وإن أجعته أضعفنى وروى الامام أحمد عن عكرمة قال قال أبو هريرة إنى لأستغفر الله عز و جل وأتوب إليه كل يوم اثنتى عشرة ألف مرة وذلك على قدر ديتى وروى عبد الله بن أحمد عن أبى هريرة أنه كان له خيط فيه اثنا عشر ألف عقدة يسبح به قبل أن ينام وفى رواية ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به وهو أصح من الذى قبله ولما حضره الموت بكى فقيل له ما يبكيك فقال ما أبكى على دنياكم هذه ولكن أبكى على بعد سفرى وقلة زادى وإنى أصبحت فى صعود ومهبط على جنة ونار لا أدرى إلى أيهما يؤخذ بى وروى قتيبة بن سعيد ثنا الفرج بن فضالة عن أبى سعيد عن أبى هريرة قال إذا زوقتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم وروى الطبرانى عن معمر قال بلغنى عن أبى هريرة أنه كان إذا مر به جنازة قال روحوا فانا غادون أو اغدوا فانا رائحون موعظة بليغة وعقلة سريعة يذهب الأول ويبقى الآخر لا عقل له وقال الحافظ أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنى أبو بكر ليث بن خالد البجلى ثنا عبد المؤمن بن عبد الله السدوسى قال سمعت أبا يزيد المدينى يقول قام أبو هريرة على منبر رسول الله ص دون مقام رسول الله ص بعتبة فقال ويل للعرب من شر قد اقترب ويل لهم من إمارة الصبيان يحكمون فيهم بالهوى ويقتلون بالغضب وقال الامام أحمد حدثنا على بن ثابت عن أسامة ابن زيد عن أبى زياد مولى ابن عباس عن أبى هريرة قال كانت لى خمس عشرة ثمرة فأفطرت على خمس وتسحرت بخمس وأبقيت خمسا لفطرى وقال أحمد حدثنا عبد الملك بن عمرو ثنا إسماعيل يعنى العبدى عن أبى المتوكل أن أبا هريرة كانت لهم زنجية قد غمتهم بعملها فرفع عليها يوما السوط ثم قال لولا القصاص يوم القيامة لأغشينك به ولكن سأبيعك ممن يوفينى ثمنك أجوج ما أكون إليه اذهبى فأنت حرة لله عز و جل وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة أن أبا هريرة مرض فدخلت عليه أعوده فقلت اللهم اشف أبا هريرة فقال اللهم لا ترجعها ثم قال يا أبا سلمة يوشك أن يأتى على الناس زمان يكون الموت أحب (8/112)
إلى أحدهم من الذهب الأحمر وروى عطاء عن أبى هريرة قال إذا رأيتم ستا فان كانت نفس أحدكم فى يده فليرسلها فلذلك أتمنى الموت أخاف أن تدركنى إذا أمرت السفهاء وبيع الحكم وتهون بالدم وقطعت الأرحام وكثرت الجلاوزة ونشأ نشو يتخذون القرآن مزامير وقال ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث عن يزيد بن زياد القرظى أن ثعلبة بن أبى مالك القرظى حدثه أن أبا هريرة أقبل فى السوق يحمل حزمتى حطب وهو يومئذ أمير لمروان بن الحكم فقال أوسع الطريق للأمير يا ابن أبى مالك [ فقلت يرحمك الله يكفى هذا فقال اوسع الطريق للأمير والحزمة عليه ]
وله فضائل ومناقب كثيرة وكلام حسن ومواعظ جمة أسلم كما قدمنا عام خيبر فلزم رسول الله ص ولم يفارقه إلا حين بعثه مع العلاء بن الحضرمى إلى البحرين ووصاه به فجعله العلاء مؤذنا بين يديه وقال له أبو هريرة لا تسبقنى بآمين أيها الأمير وقد استعمله عمر بن الخطاب عليها فى أيام إمارته وقاسمه مع جملة العمال قال عبد الرزاق حدثنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين فقدم بعشرة الاف فقال له عمر استأثرت بهذه الأموال أى عدو الله وعدو كتابه فقال أبو هريرة لست بعدو الله ولا عدو كتابه ولكن عدو من عاداهما فقال فمن أين هى لك قال خيل نتجت وغلة ورقيق لى وأعطية تتابعت على فنظروا فوجدوه كما قال فلما كان بعد ذلك دعاه عمر ليستعمله فأبى أن يعمل له فقال له تكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك طلبه يوسف عليه السلام فقال إن يوسف نبى ابن نبى ابن نبى ابن نبى وأنا أبو هريرة بن أمية وأخشى ثلاثا واثنين قال عمر فهلا قلت خمسة قال أخشى أن أقول بغير علم وأقضى بغير حلم أو يضرب ظهرى وينزع مالى ويشتم عرضى وذكر غيره أن عمر غرمه فى العمالة الأولى اثنى عشر ألفا فلهذا امتنع فى الثانية وقال عبد الرزاق عن عمر عن محمد بن زياد قال كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة فاذا غضب عليه عزله وولى مروان بن الحكم فاذا جاء أبو هريرة إلى مروان حجبه عنه فعزل مروان ورجع أبو هريرة فقال لمولاه من جاءك فلا ترده واحجب مروان فلما جاء مروان دفع الغلام فى صدره فما دخل إلا بعد جهد جهيد فلما دخل قال إن الغلام حجبنا عنك فقال له أبو هريرة إنك أحق الناس أن لا تغضب من ذلك والمعروف أن مروان هو الذى كان يستنيب أبا هريرة فى إمرة المدينة ولكن كان يكون عن إذن معاوية فى ذلك والله أعلم وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أبى رافع كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة فيركب الحمار ويلقى الرجل فيقول الطريق قد جاء الأمير يعنى نفسه وكان يمر بالصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب وهو أمير فلا يشعرون إلا وقد ألقى نفسه بينهم ويضرب برجليه (8/113)
كأنه مجنون يريد أن يضحكهم فيفزغ الصبيان منه ويفرون عنه ههنا وههنا يتضاحكون قال أبو رافع وربما دعانى أبو هريرة إلى عشائه بالليل فيقول دع العراق للأمير يعنى قطع اللحم قال فانظر فإذا هو ثريد بالزيت وقال ابن وهب حدثنى عمرو بن الحارث عن يزيد بن زياد القرظى أن ثعلبة بن أبى مالك حدثه أن أبا هريرة أقبل فى السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة مروان فقال أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك فقلت أصلحك الله تلقى هذا فقال أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه وقد تقدم هذا وروى نحوه من غير وجه وقال أبو الزعيزعة كاتب مروان بعث مروان إلى أبى هريرة بمائة دينار فلما كان الغد بعث إليه إنى غلطت ولم أردك بها وإنى إنما أردت غيرك فقال أبو هريرة قد أخرجتها فاذا خرج عطائى فخذها منه وكان قد تصدق بها وإنما أراد مروان اختباره وقال الامام أحمد حدثنا عبد الأعلا بن عبد الجبار ثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال كان معاوية إذا أعطى أبا هريرة سكت وإذا أمسك عنه تكلم وروى غير واحد عن أبى هريرة أنه جاءه شاب فقال يا أبا هريرة إنى أصبحت صائما فدخلت على أبى فجاءنى بخبز ولحم فأكلت ناسيا فقال طعمة أطعمكها الله لا عليك قال ثم دخلت دارا لأهلى فجىء بلبن لقحة ؟ فشربته ناسيا قال لا عليك قال ثم نمت فاستيقظت فشربت ماء وفى رواية وجامعت ناسيا فقال أبو هريرة إنك يا ابن أخى لم تعتد الصيام [ وقال غير واحد كان أبو هريرة إذا رأى الجنازة قال روحوا فانا غادون أو اغدوا فانا رائحون وروى غير واحد أنه لما حضرته الوفاة بكى فقيل ما يبكيك قال على قلة الزاد وشدة المفازة وأنا على عقبة هبوط إما إلى الجنة أو إلى نار فما أدرى إلى أيهما أصير ] وقال مالك عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى قال دخل مروان على أبى هريرة فى مرضه الذى مات فيه فقال شفاك الله يا أبا هريرة فقال أبو هريرة اللهم إنى أحب لقاءك فأحب لقائى قال فما بلغ مروان أصحاب القطن حتى مات أبو هريرة وقال يعقوب ابن سفيان عن دحيم عن الوليد بن جابر عن عمير بن هانىء قال قال أبو هريرة اللهم لا تدركنى سنة ستين قال فتوفى فيها أو قبلها بسنة وهكذا قال الواقدى إنه توفى سنة تسع وخمسين عن ثمان وسبعين سنة قال الواقدى وهو الذى صلى على عائشة فى رمضان وعلى أم سلمة فى شوال سنة تسع وخمسين ثم توفى أبو هريرة بعدهما فيها كذا قال والصواب أن أم سلمة تأخرت بعد أبى هريرة وقد قال غير واحد إنه توفى سنة تسع وخمسين وقيل ثمان وقيل سبع وخمسين والمشهور تسع وخمسين قالوا وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبى سفيان نائب المدينة وفى القوم ابن عمر وأبو سعيد وخلق من الصحابة وغيرهم وكان ذلك عند صلاة العصر وكانت وفاته فى داره بالعقيق (8/114)
فحمل إلى المدينة فصلى عليه ثم دفن بالبقيع رحمه الله ورضى عنه وكتب الوليد بن عتبة إلى معاوية بوفاة أبى هريرة فكتب إليه معاوية أن انظر ورثته فأحسن إليهم واصرف إليهم عشرة آلاف درهم واحسن جوارهم واعمل إليهم معروفا فانه كان ممن نصر عثمان وكان معه فى الدار رحمهما الله تعالى
سنة ستين من الهجرة النبوية
فيها كانت عزوة مالك بن عبد الله مدينة سورية قال الواقدى وفيها دخل جنادة بن أبى أمية جزيرة رودس وفيها أخذ معاوية البيعة ليزيد من الوفد الذين قدموا صحبة عبيد الله بن زياد إلى دمشق وفيها مرض معاوية مرضه الذى توفى فيه فى رجب منها كما سنبينه فروى ابن جرير من طريق أبى مخنف حدثنى عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ أن معاوية لما مرض مرضته التى هلك فيها دعا ابنه يزيد فقال يا بنى إنى قد كفيتك الرحلة والرجال ووطأت لك الاشياء ودللت لك الأعراء وأخضعت لك أعناق العرب وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذى أسسته إلا أربعة نفر الحسين بن على وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبى بكر كذا قال والصحيح أن عبد الرحمن كان قد توفى قبل موت معاوية بسنتين كما قدمنا فاما ابن عمر فهو رجل ثقة قد وقدته العبادة وإذا لم يبق أحد غيره بايعك وأما الحسين فان أهل العراق خلفه لا يدعونه حتى يخرجونه عليك فان خرج فظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسة وحقا عظيما وأما ابن أبى بكر فهو رجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثله ليست له همة إلا النساء واللهو وأما الذى يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك روغان الثعلب وإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فان هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إربا إربا قال غير واحد فحين حضرت معاوية الوفاة كان يزيد فى الصيد فاستدعى معاوية الضحاك بن قيس النهرى وكان على شرطه دمشق ومسلم بن عقبة فأوصى إليهما أن يبلغا يزيد السلام ويقولان له يتوصى بأهل الحجاز وإن سأله أهل العراق فى كل يوم أن يعزل عنهم عاملا ويولى عليهم عاملا فليفعل فعزل واحد وأحب إليك من أن يسل عليك مائة سيف وأن يتوصى بأهل الشام وأن يجعلهم أنصاره وأن يعرف لهم حقهم ولست أخاف عليه من قريش سوى ثلاثة الحسين وابن عمر وابن الزبير ولم يذكر عبد الرحمن بن أبى بكر وهذا أصح فأما ابن عمر فقد وقدته العبادة وأما الحسين فرجل ضعيف وأرجو أن يكفيه الله تعالى بمن قتل أباه وخذل أخاه وإن له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من محمد ص ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه فان قدرت عليه فافصح عنه فأنى لو صاحبته عفوت عنه وأما ابن الزبير فانه خب ضب فان شخص لك فانبذ إليه إلا أن يلتمس منك صلحا فان فعل فاقبل منه واصفح عن دماء قومك ما استطعت (8/115)
وكان موت معاوية لاستهلال رجب من هذه السنة قاله هشام بن الكلبى وقيل للنصف منه قاله الواقدى وقيل يوم الخميس لثمان بقين منه قال قاله المرائنى قال ابن جرير واجمعوا على أنه هلك فى رجب منها وكان مدة مكة استقلالا من جمادى سنة إحدى وأربعين حين بايعه الحسن بن على بادرج فذلك تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وكان نائبا فى الشام عشرين سنة تقريبا وقيل غير ذلك وكان عمره ثلاثا وسبعين سنة وقيل خمسا وسبعين سنة وقيل ثمانيا وسبعين سنة وقيل خمسا وثمانين سنة وسيأتى بقية الكلام فى آخر ترجمته وقال أبو السكن زكريا بن يحيى حدثنى عم أبى زحر بن حصين عن جده حميد بن منهب قال كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة المخزومى وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن فخلا ذلك البيت يوما فاضطجع الفاكه وهند فيه فى وقت القائلة ثم خرج الفاكه لبعض شأنه وأقبل رجل ممن كان يغشاه فولج البيت فلما رأى المرأة فيه ولى هاربا ورآه الفاكه وهو خارج من البيت فأقبل إلى هند وهى مضطجعة فضربها برجله وقال من هذا الذى عندك قالت ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتنى أنت فقال لها الحقى بأبيك وتكلم فيها الناس فقال لها أبوها يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك القالة فأنبئينى نبأك فان يكن الرجل عليك صادقا دسست إليه من يقتله فينقطع عنك القالة وإن يك كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن فعند ذلك حلفت هند لأبيها بما كانوا يحلفون فى الجاهلية إنه لكاذب عليها فقال عتبة بن ربيعة للفاكه يا هذا إنك قد رميت ابنتى بأمر عظيم [ وعار كبير لا يغسله الماء وقد جعلتنا فى العرب بمكان ذلة ومنقصة ولولا أنك منى ذو قرابة لقتلتك ولكن سأحاكمك إلى كاهن اليمن ] ( 1 ) فحاكمنى إلى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه فى بعض جماعة من بنى مخزوم أقاربه وخرج عتبة فى جماعة من بنى عبد مناف وخرجوا بهند ونسوة معها من أقاربهم ثم ساروا قاصدين بلاد اليمن فلما شارفوا بلاد الكاهن قالوا غدا نأتى الكاهن فلما سمعت هند ذلك تنكرت حالها وتغير وجهها واخذت فى البكاء فقال لها أبوها يا بنية قد أرى ما بك من تنكر الحال وكثرة البكاء وما ذاك أراه عندك إل 4 ا لمكروه أحدثتيه وعمل اقترفتيه فهلا كان هذا قبل أن يشيع فى الناس ويشتهر مسيرنا فقالت والله يا أبتاه ما هذا الذى تراه منى لمكروه وقع منى وإنى لبريئة ولكن هذا الذى تراه من الحزن وتغير الحال هو أنى أعلم أنكم تأتون هذا الكاهن وهو بشر يخطىء ويصيب وأخاف أن يخطىء فى أمرى بشىء يكون عاره على آخر الدهر ولا أمنة آمنة أن يسمنى ميسما تكون على سبة فى العرب فقال لها أبوها لا تخافى فانى سوف أختبره وأمتحنه قبل أن يتكلم فى شأنك وأمرك فان (8/116)
أخطأ فيما أمتحنه به لم أدعه يتكلم فى أمرك ثم إنه انفرد عن القوم وكان راكبا مهرا حتى توارى عنهم خلف رابية فنزل عن فرسه ثم صفر له حتى أدلى ثم أخذ حبة بر فأدخلها فى احليل المهر وأوكى عليها بسير حتى أحكم ربطها ثم صفر له حتى اجتمع احليله ثم أتى القوم فظنوا أنه ذهب ليقضى حاجة له ثم أتى الكاهن فلما قدموا عليه أكرمهم ونحر لهم فقال له عتبة انا قد جئناك فى أمر ولكن لا أدعك تتكلم فيه حتى تبين لنا ما خبأت لك فأنى قد خبأت لك خبيئا فانظر ما هو فأخبرنا به قال الكاهن ثمرة فى كمرة قال أريد أبين من هذا قال حبات بر فى إحليل مهر قال صدقت فخذ لما جئناك له انظر فى أمر هؤلاء النسوة فأجلس النساء خلفه وهند معهم لا يعرفها ثم جعل يدنو من إحداهن فيضرب كتفها ويبريها ويقول انهضى حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال انهضى حصان رزان غير رسخا ولا زانية ولتلدن ملكا يقال له معاوية فوثب إليها الفاكه فأخذ بيدها فنترت يدها من يده وقالت له إليك عنى والله لا يجمع رأسى ورأسك وسادة والله لأحرصن أن يكون هذا الملك من غيرك فتزوجها أبو سفيان بن حرب فجاءت منه بمعاوية هذا وفى رواية أن أباها هو الذى قال للفاكه ذلك والله سبحانه أعلم
وهذه ترجمة معاوية وذكر شىء من أيامه وما ورد فى مناقبه وفضائله
وهو معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القرشى الأموى أبو عبد الرحمن خال المؤمنين وكاتب وحى رسول رب العالمين وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس اسلم معاوية عام الفتح وروى عنه أنه قال أسلمت يوم القضية ولكن كتمت إسلامى من أبى ثم علم بذلك فقال لى هذا أخوك يزيد وهو خير منك على دين قومه فقلت له لم آل نفسى جهدا قال معاوية ولقد دخل على رسول الله ص مكة فى عمرة القضاء وإنى لمصدق به ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامى فجئته فرحب بى وكتبت بين يديه قال الواقدى وشهد معه حنينا وأعطاه مائة من الإبل وأربعين اوقية من ذهب وزنها بلال وشهد اليمامة وزعم بعضهم أنه هو الذى قتل مسيلمة حكاه ابن عساكر وقد يكون له شرك فى قتله وإنما الذى طعنه وحشى وجلله أبو دجانة سماك بن خرشة بالسيف وكان أبوه من سادات قريش وتفرد بالسؤدد بعد يوم بدر ثم لما أسلم حسن بعد ذلك إسلامه وكان له مواقف شريفة وآثار محمودة فى يوم اليرموك وما قبله وما بعده وصحب معاوية رسول الله ص وكتب الوحى بين يديه مع الكتاب وروى عن رسول الله ص أحاديث كثيرة فى الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين قال أبو بكر بن أبى الدنيا كان معاوية طويلا (8/117)
أبيض جميلا إذا ضحك انقلبت شفته العليا وكان يخضب حدثنى محمد بن يزيد الأزدى ثنا أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز عن أبى عبد رب قال رأيت معاوية يصفر لحيته كأنها الذهب وقال غيره كان أبيض طويلا أجلح أبيض الرأس واللحيةة يخضبهما بالحناء والكتم وقد أصابته لوقة فى آخر عمره فكان يستر وجهه ويقول رحم الله عبدا دعا لي بالعافية فقد رميت فى أحسنى وما يبدو منى ولولا هواى فى يزيد لأبصرت رشدى وكان حليما وقورا رئيسا سيدا فى الناس كريما عادلا شهما وقال المدائنى عن صالح بن كيسان قال رأى بعض متفرسى العرب معاوية وهو صبى صغير فقال إنى لأظن هذا الغلام سيسود قومه فقالت هند ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه وقال الشافعى قال أبو هريرة رأيت هندا بمكة كأن وجهها فلقة قمر وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس ومعها صبى يلعب فمر رجل فنظر إليه فقال إنى لأرى غلاما إن عاش ليسودن قومه فقالت هند إن لم يسد إلا قومه فأماته الله وهو معاوية بن أبى سفيان وقال محمد بن سعد أنبأنا على بن محمد بن عبد الله بن أبى سيف قال نظر أبو سفيان يوما إلى معاوية وهو غلام فقال لهند إن ابنى هذا لعظيم الرأس وإنه لخليق أن يسود قومه فقالت هند قومه فقط ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة وكانت هند تحمله وهو صغير وتقول ... إن بنى معرق كريم ... محبب فى أهله حليم ... ليس بفحاش ولا لئيم ... ولا ضجور ولا سؤوم ... صخر بنى فهر به زعيم ... لا يخلف الظن ولا يخيم ...
قال فلما ولى عمر يزيد بن أبى سفيان ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية فقال أبو سفيان لهند كيف رأيت صار ابنك تابعا لابنى فقالت إن اضطربت خيل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابنى فلما مات يزيد بن أبى سفيان سنة بضع عشرة وجاء البريد إلى عمر بموته رد عمر البريد إلى الشام بولاية معاوية مكان أخيه يزيد ثم عزى أبا سفيان فى ابنه يزيد فقال يا أمير المؤمنين من وليت مكانه قال أخوه معاوية قال وصلت رحما يا أمير المؤمنين وقالت هند لمعاوية فيما كتبت به إليه والله يا بنى إنه قل أن تلد حرة مثلك وإن هذا الرجل قد استنهضك فى هذا الأمر فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت وقال له أبوه يا بنى إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسوله وقصر بنا تأخيرنا فصاروا قادة وسادة وصرنا أتباعا وقد ولوك جسيما من أمورهم فلا تخافهم فانك تجرى إلى امد فنافس فان بلغته أورثته عقبك فلم يزل معاوية نائبا على الشام فى الدولة العمرية والعثمانية مدة خلافة عثمان وافتتح فى سنة سبع وعشرين جزيرة قبرص وسكنها المسلمون قريبا من ستين سنة فى أيامه ومن بعده ولم تزل الفتوحات (8/118)
والجهاد قائما على ساقه فى أيامه فى بلاد الروم والفرنج وغيرها فلما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين على ما كان لم يقع فى تلك الأيام فتح بالكلية لا على يديه ولا على يدى على وطمع فى معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه واذله وقهر جنده ودحاهم فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب على تدانى إلى بعض البلاد فى جنود عظيمة وطمع فيه فكتب معاوية إليه والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمى عليك ولأخرجنك من جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة ثم كان من أمر التحكيم ما كان وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسن بن على كما تقدم فانعقدت الكلمة على معاوية واجمعت الرعايا على بيعته فى سنة إحدى وأربعين كما قدمنا فلم يزل مستقلا بالأمر فى هذه المدة إلى هذه السنة التى كانت فيها وفاته والجهاد فى بلاد العدو قائم وكلمة الله عالية والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض والمسلمون معه فى راحة وعدل وصفح وعفو
وقد ثبت فى صحيح مسلم من طريق عكرمة بن عمار عن أبى زميل سماك بن الوليد عن ابن عباس قال قال أبو سفيان يا رسول الله ثلاثا أعطنيهن قال نعم قال تؤمرنى حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم وذكر الثالثة وهو أنه أراد أن يزوج رسول الله ص بابنته الأخرى عزة بنت أبى سفيان واستعان على ذلك باختها أم حبيبة فقال إن ذلك لا يحل لى وقد تكلمنا على ذلك فى جزء مفرد وذكرنا أقوال الائمة واعتذارهم عنه ولله الحمد والمقصود منه أن معاوية كان من جملة الكتاب بين يدى رسول الله ص الذين يكتبون الوحى وروى الامام أحمد ومسلم والحاكم فى مستدركه من طريق أبى عوانة الوضاح ابن عبد الله اليشكرى عن أبى حمزة عمران بن أبى عطاء عن ابن عباس قال كنت ألعب مع الغلمان فاذا رسول الله صلى الله عليه و سلم قد جاء فقلت ما جاء إلا إلى فاختب على باب فجاءنى فخطانى خطاة أو خطاتين ثم قال اذهب فادع لى معاوية وكان يكتب الوحى قال فذهبت فدعوته له فقيل إنه يأكل فأتيت رسول الله ص فقلت إنه يأكل فقال اذهب فادعه فأتيته الثانية فقيل إنه يأكل فأخبرته فقال في الثالثة لا أشبع الله بطنه قال فما شبع بعدها وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة فى دنياه وأخراه أما فى دنياه فانه لما صار إلى الشام أميرا كان يأكل فى اليوم سبع مرات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها ويأكل فى اليوم سبع أكلات بلحم ومن الحلوى والفاكهة شيئا كثيرا ويقول والله ما أشبع وإنما أعيا وهذه نعمة ؟ ؟ ومعدة يرغب فيها كل الملوك وأما فى الآخرة فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذى رواه البخارى وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله ص قال اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد سببته أو جلدته (8/119)
أو دعوت عليه وليس لذلك أهلا فاجعل ذلك كفارة وقربة تقر به بها عندك يوم القيامة فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ولم يورد له غير ذلك وقال المسيب بن واضح عن أبى إسحاق الفزارى عن عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس قال أتى جبريل إلى رسول الله ص فقال يا محمد اقرىء معاوية السلام واستوص به خيرا فانه أمين الله على كتابه ووحيه ونعم الأمين ثم أورده ابن عساكر من وجه آخر عن عبد الملك بن أبى سليمان ثم أورده أيضا من رواية على وجابر بن عبد الله أن رسول الله ص استشار جبريل فى استكتابه معاوية فقال استكتبه فانه امين ولكن فى الأسانيد إليهما غرابة ثم أورد عن على فى ذلك غرائب كثيرة عن غيره أيضا وقال أبو عوانة عن سليمان عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن زهير بن الأقمر الزبيدى عن عبد الله بن عمرو قال كان معاوية يكتب للنبى ص وقال أبو القاسم الطبرانى حدثنا أحمد بن محمد الصيدلانى ثنا السرى عن عاصم ثنا عبد الله بن يحيى بن أبى كثير عن أبيه هشام بن عروة عن عائشة قالت لما كان يوم أم حبيبة من النبى ص دق الباب داق فقال النبى ص انظروا من هذا قالوا معاوية قال ائذنوا له فدخل وعلى أذنه قلم يخط به فقال ما هذا القلم على أذنك يا معاوية قال قلم أعددته لله ولرسوله فقال له جزاك الله عن نبيك خيرا والله ما استكتبتك إلا بوحى من الله وما أفعل من صغيرة ولا كبيرة إلا بوحى من الله كيف بك لو قمصك الله قمصا يعنى الخلافة فقامت أم حبيبة فجلست بين يديه وقالت يا رسول الله وإن الله مقمصه قميصا قال نعم ولكن فيه هنات وهنات فقالت يا رسول الله فادع الله له فقال اللهم اهده بالهدى وجنبه الردى واغفر له الآخرة والأولى قال الطبرانى تفرد به السرى عن عاصم عن عبد الله بن يحيى بن أبى كثير عن هشام وقد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث موضوعة والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا ينبه عليها وعلى نكارتها وضعف رجالها والله الموفق للصواب وقد أوردنا من طريق أبى هريرة وأنس وواثلة بن الأسقع مرفوعا الأمناء ثلاثة جبريل وأنا ومعاوية ولا يصح من جميع وجوهه ومن رواية ابن عباس الأمناء سبعة القلم واللوح وإسرافيل وميكائيل وجبريل وأنا ومعاوية وهذا أنكر من الأحاديث التى قبله وأضعف إسنادا وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن معاوية يعنى ابن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبى رهم عن العرباض بن سارية السلمى قال سمعت رسول الله ص يدعونا إلى السحور فى شهر رمضان هلم إلى الغداء المبارك ثم سمعته يقول اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب تفرد به أحمد ورواه ابن جرير من حديث ابن مهدى وكذلك رواه (8/120)
أسد بن موسى وبشر بن السرى وعبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح باسناده مثله وفى رواية بشر بن السرى وأدخله الجنة ورواه ابن عدى وغيره من حديث عثمان بن عبد الرحمن الجمحى عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله ص اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب وقال محمد بن سعد ثنا سليمان بن حرب والحسين بن موسى الأشيب قال ثنا أبو هلال محمد بن سليم ثنا جبلة بن عطية عن مسلمة بن مخلد وقال الأشهب قال أبو هلال أو عن رجل عن مسلمة بن مخلد وقال سليمان بن حرب أو حدثه مسلمة عن رجل أنه رأى معاوية ياكل فقال لعمرو بن العاص إن ابن عمك هذا لمخضد قال اما أنى أقول لك هذا وقد سمعت رسول الله ص يقول اللهم علمه الكتاب ومكن له فى البلاد وقه العذاب وقد أرسله غير واحد من التابعين منهم الزهرى وعروة بن رويم وجرير بن عثمان الرحبى الحمصى ويونس بن ميسرة بن حلبس وقال الطبرانى ثنا أبو زرعة واحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقيان قالا ثنا أبو مسهر ثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبى عميرة المربى وكان من أصحاب النبى ص أن رسول الله ص قال لمعاوية اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب قال ابن عساكر وهذا غريب والمحفوظ بهذا الاسناد حديث العرباض الذى تقدم ثم روى من طريق الطبرانى عن أبى زرعة عن أبى مسهر عن سعيد عن ربيعة عن عبد الرحمن بن أبى عميرة المزنى قال سمعت رسول الله ص يقول لمعاوية اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به وقال الأمام أحمد حدثنا على بن بحر ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبى عميرة عن النبى ص أنه ذكر معاوية فقال اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به وهكذا رواه الترمذى عن محمد بن يحيى عن أبى مسهر عن سعيد بن عبد العزيز به وقال حسن غريب وقد رواه عمر بن عبد الواحد ومحمد بن سليمان الحرانى كما رواه الوليد بن مسلم وابو مسهر عن سعيد عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبى عميرة ورواه محمد بن المصفى عن مروان بن محمد الطاطرى عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبى إدريس عن ابن أبي عميرة أن رسول الله ص دعا لمعاوية فقال اللهم علمه العلم واجعله هاديا مهديا واهده واهد به وقد رواه سلمة بن شبيب وصفوان بن صالح وعيسى بن هلال وأبو الأزهر عن مروان الطاطرى ولم يذكر أبا إدريس فى اسناده ورواه الطبرانى عن عبدان بن أحمد عن على بن سهل الرملى عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن عبد الرحمن بن أبى عميرة المزنى أنه سمع رسول الله ص وذكر معاوية فقال اللهم اجعله هاديا مهديا واهده قال ابن عساكر وقول الجماعة هو الصواب وقد اعتنى ابن عساكر بهذا الحديث واطنب فيه وأطيب (8/121)
واطرب وافاد واجاد واحسن الانتقاد فC كم له من موطن قد تبرز فيه على غيره من الحفاظ والنقاد وقال الترمذى حدثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الله بن محمد النفيلى ثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حلبس عن أبى إدريس الخولانى قال لما عزل عمر بن الخطاب عمير بن سعد عن الشام وولى معاوية قال للناس عزل عمر عميرا وولى معاوية فقال عمر لا تذكروا معاوية إلا بخير فانى سمعت رسول الله ص يقول اللهم اهد به تفرد به الترمذى وقال غريب وعمرو ابن واقد ضعيف هكذا ذكره أصحاب الأطراف فى مسند عمير بن سعد الأنصارى وعندى أنه ينبغى أن يكون من رواية عمر بن الخطاب ويكون الصواب فقال عمر لا تذكروا معاوية إلا بخير ليكون عذرا له فى توليته له ومما يقوى هذا ان هشام بن عمار قال حدثنا ابن أبى السائب وهو عبد العزيز بن الوليد بن سليمان قال وسمعت أبى يذكر أن عمر بن الخطاب ولى معاوية بن أبى سفيان فقالوا ولى حدث السن فقال تلوموننى فى ولايته وأنا سمعت رسول الله ص يقول اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به وهذا منقطع يقويه ما قبله
قال الطبرانى حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا نعيم بن حماد ثنا محمد بن شعيب بن سابور ثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن عبد الله بن بسر أن رسول الله ص استشار أبا بكر وعمر فى أمر فقال أشيروا على فقالا الله ورسوله أعلم فقال ادعوا معاوية فقال أبو بكر وعمر أما فى رسول الله ص ورجلين من رجال قريش ما يتقنون امرهم حتى يبعث رسول الله ص إلى غلام من غلمان قريش فقال ادعو لى معاوية فدعى له فلما وقف بين يديه قال رسول الله ص أحضروه أمركم وأشهدوه أمركم فانه قوى أمين ورواه بعضهم عن نعيم وزاد وحملوه أمركم ثم ساق ابن عساكر أحاديث كثيرة موضوعة بلا شك فى فضل معاوية أضربنا عنها صفحا واكتفينا بما اوردناه من الأحاديث الصحاح والحسان والمستجادات عما سواها من الموضعات والمنكرات
ثم قال ابن عساكر واصح ما روى فى فضل معاوية حديث أبى حمزة عن ابن عباس أنه كان كاتب النبى ص منذ أسلم أخرجه مسلم فى صحيحه وبعده حديث العرباض اللهم علم معاوية الكتاب وبعده حديث ابن أبى عمير اللهم اجعله هاديا مهديا قلت وقد قال البخارى فى كتاب المناقب ذكر معاوية بن أبى سفيان حدثنا الحسن بن بشر ثنا المعافى عن عثمان ابن الأسود عن ابن ابى مليكة قال أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال أوتر معاوية بعد العشاء فقال دعه فانه قد صحب رسول الله ص حدثنا ابن أبى مريم ثنا نافع بن عمر ثنا ابن أبى مليكة قال قيل لابن عباس هل لك فى (8/122)
امير المؤمنين معاوية ما اوتر إلا بواحدة قال أصاب إنه فقيه ثنا عمرو بن عباس ثنا جعفر ثنا شعبة عن أبى التياح قال سمعت حمدان عن أبان عن معاوية قال إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فما رأيناه يصليهما ولقد نهى عنهما يعنى الركعتين بعد العصر ثم قال البخارى بعد ذلك ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة حدثنا عبدان ثنا عبد الله يونس عن الزهرى حدثنى عروة أن عائشة قالت جاءت هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلى من أن يذلوا من أهل خبائك فقال وأيضا والذى نفسى بيده فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل على من حرج ان أطعم من الذى له عيالنا قال لا إلا بالمعروف فالمدحة فى قوله وأيضا والذى نفسى بيده وهو أنه كان يود أن هندا واهلها وكل كافر يذلوا فى حال كفرهم فلما اسلموا كان يحب ان يعزوا فأعزهم الله يعنى أهل خبائها
وقال الامام أحمد حدثنا روح ثنا أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد 8 قال سمعت جدى يحدث أن معاوية أخذ الاداوة بعد أبى هريرة فتبع رسول الله ص بها وكان أبو هريرة قد اشتكى فبينما هو يوضىء رسول الله ص إذ رفع رأسه إليه مرة أو مرتين وهو يتوضأ فقال يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل قال معاوية فما زلت أظن أنى سأبتلى بعمل لقول النبى ص حتى ابتليت تفرد به أحمد ورواه أبو بكر بن أبى الدنيا عن أبى إسحاق الهمذانى سعيد بن زنبور بن ثابت عن عمرو ابن يحيى بن سعيد ورواه ابن منده من حديث بشر بن الحكم عن عمرو بن يحيى به وقال أبو يعلى حدثنا سويد بن سعيد ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده عن معاوية قال اتبعت رسول الله صلى الله عليه و سلم بوضوء فلما توضأ نظر إلى فقال يا معاوية إن وليت أمرا فاتق واعدل فما زلت اظن أنى مبتلى بعمل حتى وليت ورواه غالب القطان عن الحسن قال سمعت معاوية يخطب وهو يقول صببت يوما على رسول الله صلى الله عليه و سلم وضوءه فرفع رأسه إلى فقال أما إنك ستلى أمر أمتى بعدى فاذا كان ذلك فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم وقال فما زلت أرجو حتى قمت مقامى هذا وروى البيهقى عن الحاكم بسنده إلى إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير قال قال معاوية والله ما حملنى على الخلافة إلا قول رسول الله ص إن ملكت فأحسن قال البيهقى إسماعيل بن إبراهيم هذا ضعيف إلا أن للحديث شواهد وروى ابن عساكر باسناده عن نعيم بن حماد ثنا محمد بن حرب عن أبى بكر بن ابى مريم ثنا محمد بن زياد عن عوف بن مالك الأشجعى قال بينما أنا راقد فى كنيسة يوحنا وهى يومئذ مسجد يصلى فيها إذا انتبهت من نومى فاذا أنا بأسد يمشى بين يدى فوثبت إلى سلاحى فقال الأسد مه إنما أرسلت إليك (8/123)
برسالة لتبلغها قلت ومن ارسلك قال الله أرسلنى إليك لتبلغ معاوية السلام وتعلمه أنه من أهل الجنة فقلت له ومن معاوية قال معاوية بن أبى سفيان ورواه الطبرانى عن أبى يزيد القراطيسى عن المعلى بن الوليد القعقاعى عن محمد بن حبيب الخولانى عن أبى بكر بن عبد الله بن أبى مريم الغسانى وفيه ضعف وهذا غريب جدا ولعل الجميع مناما ويكون قوله إذا انتهيت من نومى مدرجا لم يضبطه ابن أبى مريم والله أعلم
وقال محمد بن عائذ عن الوليد عن ابن لهيعة عن يونس عن الزهرى قال قدم عمر الجابية فنزع شرحبيل وامر عمرو بن العاص بالمسير إلى مصر ونفى الشام على أميرين أبى عبيدة ويزيد ثم توفى أبو عبيدة فاستخلف عياض بن غنم ثم توفى يزيد فأمر معاوية مكانه ثم نعاه عمر لأبى سفيان فقال لأبى سفيان احتسب يزيد بن أبى سفيان قال من أمرت مكانه قال معاوية فقال وصلت رحما يا أمير المؤمنين فكان معاوية على الشام وعمير بن سعد حتى قتل عمر رضى الله عنهم وقال محمد بن إسحاق مات أبو عبيدة فى طاعون عمواس واستخلف معاذا فمات معاذ واستخلف يزيد بن أبى سفيان فمات واستخلف أخاه معاوية فأقره عمر وولى عمرو بن العاص فلسطين والأردن ومعاوية دمشق وبعلبك والبلقاء وولى سعد بن عامر بن جذيم حمص ثم جمع الشام كلها لمعاوية بن أبى سفيان ثم أمره عثمان بن عفان على الشام وقال إسماعيل بن أمية افرد عمر معاوية بامرة الشام وجعل له فى كل شهر ثمانين دينارا والصواب أن الذى جمع لمعاوية الشام كلها عثمان بن عفان واما عمر فانه إنما ولاه بعض أعمالها وقال بعضهم لما عزيت هند فى يزيد بن أبى سفيان ولم يكن منها قيل لها إنه قد جعل معاوية أميرا مكانه فقالت أو مثل معاوية يجعل خلفا من أحد فوالله لو أن العرب اجتمعت متوافرة ثم رمى به فيها لخرج من أى أعراضها ( نواحيها ) شاء وقال آخرون ذكر معاوية عند عمر فقال دعوا فتى قريش وابن سيدها إنه لمن يضحك فى الغضب ولا ينال منه إلا على الرضا ومن لا ياخذ من فوق رأسه إلا من تحت قدميه وقال ابن أبى الدنيا حدثنى محمد بن قدامة الجوهرى حدثنى عبد العزيز بن يحيى عن شيخ له قال لما قدم عمر بن الخطاب الشام تلقاه معاوية فى موكب عظيم فلما دنا من عمر قال له أنت صاحب الموكب قال نعم يا أمير المؤمنين قال هذا حالك مع ما بلغنى من طول وقوف ذوى الحاجات ببابك قال هو ما بلغك من ذلك قال ولم تفعل هذا لقد هممت أن آمرك بالمشى حافيا إلى بلاد الحجاز قال يا أمير المؤمنين إنا بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يكون فيه عز للاسلام وأهله ويرهبهم به فان أمرتنى فعلت وإن نهيتنى انتهيت فقال له عمر يا معاوية ما سألتك عن شىء إلا تركتنى فى مثل رواجب الضرس لئن كان ما قلت حقا إنه (8/124)
لرأى أريت ولئن كان باطلا إنه لخديعة أديت قال فمرنى يا أمير المؤمنين بما شئت قال لا آمرك ولا أنهاك فقال رجل يا أمير المؤمنين ما أحسن ما صدر الفتى عما اوردته فيه فقال عمر لحسن موارده ومصادره جشمناه ما جشمناه وفى رواية أن معاوية تلقى عمر حين قدم الشام ومعاوية فى موكب كثيف فاجتاز بعمر وهو وعبد الرحمن بن عوف راكبان على حمار ولم يشعر بهما فقيل له إنك جاوزت أمير المؤمنين فرجع فلما رأى عمر ترجل وجعل يقول له ما ذكرنا فقال عبد الرحمن بن عوف ما أحسن ما صدر عما أوردته فيه يا أمير المؤمنين فقال من أجل ذلك جشمناه ما جشمناه
وقال عبد الله بن المبارك فى كتاب الزهد اخبرنا محمد بن ذئب عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر قال قدم علينا معاوية وهو أبيض نص وباص أبض الناس واجملهم فخرج إلى الحج مع عمر فكان عمر ينظر إليه فيعجب منه ثم يضع إصبعه على متن معاوية ثم يرفعها عن مثل الشراك فيقول بخ بخ نحن إذا خير الناس أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة فقال معاوية يا أمير المؤمنين سأحدثك انا بأرض الحمامات والريف والشهوات فقال عمر سأحدثك ما بك إلا إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنيك وذووا الحاجات وراء الباب فقال يا امير المؤمنين علمنى امتثل قال فلما جئنا ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها فوجد عمر منها ريحا كأنه ريح طيب فقال يعمد أحدكم فيخرج حاجا مقلا حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا فى الطيب فلبسهما فقال معاوية إنما لبستهما لأدخل فيهما على عشيرتى وقومى والله لقد بلغنى أذاك ههنا وبالشام فالله يعلم أنى لقد عرفت الحياء فيه ثم نزع معاوية ثوبيه ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما
وقال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثنى أبى عن هشام بن محمد عن أبى عبد الرحمن المدنى قال كان عمر بن الخطاب إذا رأى معاوية قال هذا كسرى العرب وهكذا حكى المدائنى عن عمر أنه قال ذلك وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموى عن جده قال دخل معاوية على عمر وعليه حلة خضراء فنظر إليها الصحابة فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدرة فجعل يضربه بها وجعل معاوية يقول يا أمير المؤمنين الله الله فى فرجع عمر إلى مجلسه فقال له القوم لم ضربته يا أمير المؤمنين وما فى قومك مثله فقال والله ما رأيت إلا خيرا وما بلغنى إلا خير ولو بلغنى غير ذلك لكان منى إليه غير ما رأيتم ولكن رأيته وأشار بيده فأحببت أن أضع منه ما شمخ وقد قال أبو داود حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقى ثنا يحيى بن حمزة ثنا ابن أبى مريم أن القاسم بن مخيمرة اخبره أن أبا مريم الأزدى أخبره قال دخلت على معاوية فقال ما أنعمنا بك أبا فلان وهى كلمة تقولها (8/125)
العرب فقلت حديث سمعته أخبرك به سمعت رسول الله ص يقول من ولاه الله شيئا من امر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجتة ؟ ؟ وخلته وفقره قال فجعل معاوية حين سمع هذا الحديث رجلا على حوائج الناس ورواه الترمذى وغيره
وقال الامام أحمد حدثنا مروان بن معاوية الفزارى ثنا حبيب بن الشهيد عن أبى مجلز قال خرج معاوية على الناس فقاموا له فقال سمعت رسول الله ص يقول من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار [ وفى رواية قال خرج معاوية على ابن عامر وابن الزبير فقام له ابن عامر ولم يقم له ابن الزبير فقال معاوية لابن عامر إجلس فانى سمعت رسول الله ص يقول من أحب ان يتمثل له العباد قياما فليتبوأ مقعده من النار ( 1 ) ورواه أبو داود والترمذى من حديث حبيب بن الشهيد وقال الترمذى حديث حسن وروى أبو داود من حديث الثورى عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد المقرى الحمصى عن معاوية قال قال رسول الله ص إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم قال كلمة سمعها معاوية نفعه الله بها تفرد به أحمد يعنى أنه كان جيد السيرة حسن التجاوز جميل العفو كثير الستر رحمه الله تعالى وثبت فى الصحيحين من حديث الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن عن معاوية أنه قال سمعت رسول الله ص يقول من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين وإنما أنا قاسم والله يعطى ولا يزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم ظاهرون وفى رواية وهم على ذلك وقد خطب معاوية بهذا الحديث مرة ثم قال وهذا مالك ابن يخامر يخبر عن معاذ أن رسول الله ص قال وهم بالشام يحث بهذا أهل الشام على مناجزة أهل العراق وإن أهل الشام هم الطائفة المنصورة على من خالفها وهذا مما كان يحتج به معاوية لأهل الشام فى قتالهم أهل العراق وقال الليث بن سعد فتح معاوية قيسارية سنة تسع عشرة فى دولة عمر بن الخطاب وقال غيره وفتح قبرص سنة خمس وقيل سبع وقيل ثمان وعشرين فى أيام عثمان قالوا وكان عام غزوة المضيق يعنى مضيق القسطنطينية فى سنة ثنتين وثلاثين فى أيامه وكان هو الأمير على الناس عامئذ وجمع عثمان لمعاوية جميع الشام وقيل إن عمر هو الذى جمعها له والصحيح عثمان واستقضى معاوية فضالة بن عبيد بعد أبى الدرداء ثم كان ما كان بينه وبين على بعد قتل عثمان على سبيل الاجتهاد والرأى فجرى بينهما قتال عظيم كما قدمنا وكان الحق والصواب مع على ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفا وخلفا وقد شهدت الأحاديث الصحيحة بالأسلام للفريقين من الطرفين اهل العراق وأهل الشام كما ثبت فى الحديث الصحيح (8/126)
تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين فيقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق فكانت المارقة الخوارج وقتلهم على وأصحابه ثم قتل على فاستقل معاوية بالأمر سنة إحدى وأربعين وكان يغزو الروم فى كل سنة مرتين مرة فى الصيف ومرة فى الشتاء ويأمر رجلا من قومه فيحج بالناس وحج هو سنة خمسين وحج ابنه يزيد سنة إحدى وخمسين وفيها أوفى التى بعدها أغزاه بلاد الروم [ فسار معه خلق كثير من كبراء الصحابة حتى حاصر القسطنطينية وقد ثبت فى الصحيح أول جيش يغزو القسطنطينة مغفور لهم ] وقال وكيع عن الأعمش عن أبى صالح قال كان الحادى يحدو بعثمان فيقول ... إن الأمير بعده على ... وفى الزبير خلف مرضى ...
فقال كعب بل هو صاحب البغلة الشهباء يعنى معاوية فقال يا أبا إسحاق تقول هذا وههنا على والزبير وأصحاب محمد ص فقال أنت صاحبها ورواه سيف عن بدر بن الخليل عن عثمان ابن عطية الأسدى عن رجل من بنى أسد قال ما زال معاوية يطمع فيها منذ سمع الحادى فى أيام عثمان يقول ... إن الأمير بعده على ... وفى الزبير خلف مرضى ...
فقال كعب كذبت بل صاحب البغلة الشهباء بعده يعنى معاوية فقال له معاوية فى ذلك فقال نعم أنت الأمير بعده ولكنها والله لا تصل إليك حتى تكذب بحديثى هذا فوقعت فى نفس معاوية
وقال ابن أبى الدنيا حدثنا محمد بن عباد المكى ثنا سفيان بن عيينة عن أبى هارون قال قال عمر إياكم والفرقة بعدى فان فعلتم فان معاوية بالشام وستعلمون إذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها دونكم ورواه الواقدى من وجه آخر عن عمر رضى الله عنه وقد روى ابن عساكر عن عامر الشعبى أن عليا حين بعث جرير بن عبد الله البجلى إلى معاوية قبل وقعة صفين وذلك حين عزم على على قصد الشام وجمع الجيوش لذلك وكتب معه كتابا إلى معاوية يذكر له فيه أنه قد لزمته بيعته لانه قد بايعه المهاجرون والأنصار فان لم تبايع استعنت بالله عليك وقاتلتك وقد أكثرت القول فى قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلى أحملك وإياهم على كتاب الله فى كلام طويل وقد قدمنا أكثره فقرأه معاوية على الناس وقام جرير فخطب الناس وأمر فى خطبته معاوية بالسمع والطاعة وحذره من المخالفة والمعاندة ونهاه عن إيقاع الفتنة بين الناس وأن يضرب بعضهم بعضا بالسيوف فقال معاوية انتظر حتى آخذ رأى أهل الشام فلما كان بعد ذلك أمر معاوية مناديا فنادى فى الناس الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر فخطب فقال الحمد لله الذى جعل الدعائم للأسلام أركانا والشرائع للأيمان برهانا يتوقد مصباحه (8/127)
بالسنة فى الأرض المقدسة التى جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده فأحلها أهل الشام ورضيهم لها ورضيها لهم لما سبق فى مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم اولياءه فيها والقوام بأمره الذابين عن دينه وحرماته ثم جعلهم لهذه الأمة نظاما وفى أعلام الخير عظاما يردع الله بهم الناكثين ويجمع بهم الألفة بين المؤمنين والله نستعين على إصلاح ما تشعث من أمور المسلمين وتباعد بينهم بعد القرب والألفة اللهم انصرنا على قوم يوقظون نائما ويخيفون آمنا ويريدون هراقة دمائنا وإخافة سبلنا وقد يعلم الله أنا لا نريد لهم عقابا ولا نهتك لهم حجابا غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى وسقط الندى وعرف الهدى وقد علمنا أن الذى حملهم على خلافنا البغى والحسد لنا فالله نستعين عليهم أيها الناس قد علمتم أنى خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأنى خليفة أمير المؤمنين عثمان عليكم وأنى لم أقم رجلا منكم على خزائه قط وإنى ولى عثمان وابن عمه قال الله تعالى فى كتابه ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وقد علمتم أنه قتل مظلوما وأنا أحب أن تعلمونى ذات أنفسكم فى قتل عثمان
فقال أهل الشام بأجمعهم بل نطلب بدمه فأجابوه إلى ذلك وبايعوه ووثقوا له أن يبذلوا فى ذلك أنفسهم وأموالهم أو يدركوا بثأره أو يفنى الله أرواحهم قبل ذلك فلما رأى جرير من طاعة أهل الشام لمعاوية ما رأى أفزعه ذلك وعجب منه وقال معاوية لجرير إن ولانى على الشام ومصر بايعته على أن لا يكون لاحد بعده على بيعة فقال اكتب إلى علي بما شئت وأنا أكتب معك فلما بلغ عليا الكتاب قال هذه خديعة وقد سألنى المغيرة بن شعبة أن أولى معاوية الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك وما كنت متخذ المضلين عضدا ثم كتب إلى جرير بالقدوم عليه فما قدم إلا وقد اجتمعت العساكر إلى على وكتب معاوية إلى عمرو بن العاص وكان معتزلا بفلسطين حين قتل عثمان وكان عثمان قد عزله عن مصر فاعتزل بفلسطين فكتب إليه معاوية يستدعيه ليستشيره فى أموره فركب إليه فاجتمعا على حرب على وقد قال عقبة بن أبى معيط فى كتاب معاوية إلى على حين سأله نيابة الشام ومصر فكتب إلى معاوية يؤنبه ويلومه على ذلك ويعرض بأشياء ؟ ؟ فيه ... معاوى إن الشام شامك فاعتصم ... بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا ... فان عليا ناظر ما تجيبه ... فأهد له حربا يشيب النواصيا ... وحام عليها بالقتال وبالقنا ... ولا تك مخشوش الذراعين وانيا ... وإلا فسلم إن فى الأمن راحة ... لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا (8/128)
وإن كتابا يا ابن حرب كتبته ... على طمع جان عليك الدواهيا ... سألت عليا فيه مالا تناله ... ولو نلته لم يبق إلا لياليا ... إلى أن ترى منه الذى ليس بعدها ... بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا ... ومثل على تغترره بخدعة ... وقد كان ما خربت من قبل بانيا ... ولو نشبت أظفاره فيك مرة ... فراك ابن هند بعد ما كنت فاريا ...
وقد روى من غير وجه أن أبا مسلم الخولانى وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له أنت تنازع عليا أم أنت مثله فقال والله إنى لأعلم أنه خير منى وأفضل واحق بالأمر منى ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما وأنا ابن عمه وأنا أطلب بدمه وامره إلى فقولوا له فليسلم إلى قتلة عثمان وأنا أسلم له أمره فأتوا عليا فكلموه فى ذلك فلم يدفع إليهم أحدا فعند ذلك صمم أهل الشام على القتال مع معاوية وعن عمرو بن شمر عن جابر الجعفى عن عامر الشعبى وأبى جعفر الباقر قال بعث على رجلا إلى دمشق ينذرهم أن عليا قد نهد فى أهل العراق إليكم ليستعلم طاعتكم لمعاوية فلما قدم أمر معاوية فنودى فى الناس الصلاة جامعة فملأوا المسجد ثم صعد المنبر فقال فى خطبته إن عليا قد نهد إليكم فى أهل العراق فما الرأى فضرب كل منهم على صدره ولم يتكلم أحد منهم ولا رفعوا إليه أبصارهم وقام ذو الكلاع فقال يا أمير المؤمنين عليك الرأى وعلينا الفعال ثم نادى معاوية فى الناس أن أخرجوا إلى معسكركم فى ثلاث فمن تخلف بعدها فقد أحل بنفسه فاجتمعوا كلهم فركب ذلك الرجل إلى على فأخبره فأمر على مناديا فنادى الصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فقال إن معاوية قد جمع الناس لحربكم فما الرأى فقال كل فريق منهم مقالة واختلط كلام بعضهم فى بعض فلم يدر على مما قالوا شيئا فنزل عن المنبر وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب والله بها ابن آكلة الأكباد ثم كان من أمر الفريقين بصفين ما كان كما ذكرناه مبسوطا فى سنة ست وثلاثين وقد قال أبو بكر بن دريد أنبأنا أبو حاتم عن أبى عبيدة قال قال معاوية لقد وضعت رجلى فى الركاب وههممت يوم صفين بالهزيمة فما منعنى إلا قول ابن الاطنابة حيث يقول ... أبت لى عفتى وأبى بلائى ... وأخذى الحمد بالثمن الربيح ... وإكراهى على المكروه نفسى ... وضربى هامة البطل المشيح ... وقولى كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدى أو تستريحى ...
وروى البيهقى عن الامام أحمد أنه قال الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلى فقيل له فمعاوية قال لم يكن أحد أحق بالخلافة فى زمان على من على روحم الله معاوية وقال على بن المدينى (8/129)
سمعت سفيان بن عيينة يقول ما كانت فى على خصلة تقصر به عن الخلافة ولم يكن فى معاوية خصلة ينازع بها عليا وقيل لشريك القاضى كان معاوية حليما فقال ليس بحليم من سفه الحق وقاتل عليا رواه ابن عساكر وقال سفيان الثورى عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه ذكر معاوية وأنه لبى عشية عرفة فقال فيه قولا شديدا ثم بلغه أن عليا لبى عشية عرفة فتركه وقال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثنى عباد بن موسى ثنا على بن ثابت الجزرى عن سعيد بن أبى عروبة عن عمر بن عبد العزيز قال رأيت رسول الله ص فى المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده فسلمت عليه وجلست فبينما أنا جالس إذ أتى بعلى ومعاوية فأدخلا بيتا وأجيف الباب وأنا أنظر فما كان بأسرع من أن خرج على وهو يقول قضى لى ورب الكعبة ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول غفر لى ورب الكعبة وروى ابن عساكر عن أبى زرعة الرازى أنه قال له رجل إنى أبغض معاوية فقال له ولم قال لأنه قاتل عليا فقال له أبو زرعة ويحك إن ؟ ؟ ؟ معاوية رحيم وخصم معاوية خصم كريم فايش دخولك أنت بينهما رضى الله عنهما وسئل الامام أحمد عما جرى بين على ومعاوية فقرأ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون وكذا قال غير واحد من السلف
وقال الأوزاعى سئل الحسن عما جرى بين على وعثمان فقال كانت لهذا سابقة ولهذا سابقة ولهذا قرابة ولهذا قرابة فابتلى هذا وعوفى هذا وسئل عما جرى بين على ومعاوية فقال كانت لهذا قرابة ولهذا قرابة ولهذا سابقة ولم يكن لهذا سابقة فابتلينا جميعا وقال كلثوم بن جوشن سأل النضر أبو عمر الحسن البصرى فقال أبو بكر أفضل أم على فقال سبحان الله ولا سواء سبقت لعلى سوابق يشركه فيها أبو بكر واحدث على حوادث لم يشركه فيها أبو بكر أبو بكر أفضل قال فعمر أفضل أم على فقال مثل قوله فى أبى بكر ثم قال عمر أفضل ثم قال عثمان أفضل أم على فقال مثل قوله الأول ثم قال عثمان أفضل قال فعلى أفضل أم معاوية فقال سبحان الله ولا سواء سبقت لعلى سوابق لم يشركه فيها معاوية وأحدث على أحداثا شركه فيها معاوية على أفضل من معاوية وقد روى عن الحسن البصرى أنه كان ينقم على معاوية أربعة أشياء قتاله عليا وقتله حجر بن عدى واستلحاقه زياد بن أبيه ومبايعته ليزيد ابنه وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال لما جاء خبر قتل على إلى معاوية جعل يبكى فقالت له امرأته أتبكيه وقد قاتلته فقال ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم وفى رواية أنها قالت له بالأمس تقاتلنه واليوم تبكينه
قلت وقد كان مقتل على فى رمضان سنة أربعين ولهذا قال الليث بن سعد إن معاوية بويع (8/130)
له بايليا بيعة الجماعة ودخل الكوفة سنة أربعين والصحيح الذى قاله ابن اسحاق والجمهور انه بويع له بايليا فى رمضان سنة أربعين حين بلغ أهل الشام مقتل على ولكنه إنما دخل الكوفة بعد مصالحة الحسن له فى شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وهو عام الجماعة وذلك بمكان يقال له أدرج وقيل بمسكن من أرض سواد العراق من ناحية الانبار فاستقل معاوية بالأمر إلى أن مات سنة ستين قال بعضهم كان نقش خاتم معاوية لكل عمل ثواب وقيل بل كان لا قوة إلا بالله وقال يعقوب بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وسعيد بن منصور قالا ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية بالنخيلة يعنى خارج الكوفة الجمعة فى الضحى ثم خطبنا فقال ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا ؟ ؟ ؟ ولا لتزكوا قد عرفت أنكم تفعلون ذلك ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم فقد أعطانى الله ذلك وأنتم كارهون رواه محمد بن سعد عن يعلى بن عبيد عن الأعمش به وقال محمد بن سعد حدثنا عارم ثنا حماد بن يزيد عن معمر عن الزهرى أن معاوية عمل سنتين عمل عمر ما يخرم فيه ثم إنه بعد عن ذلك وقال نعيم بن حماد حدثنا ابن فضيل عن السرى بن إسماعيل عن الشعبى حدثنى سفيان بن الليل قال قلت للحسن بن على لما قدم من الكوفة إلى المدينة يا مذل المؤمنين قال لا تقل ذلك فإنى سمعت رسول الله ص يقول لا تذهب الايام والليالي حتى يملك معاوية فعلمت أن أمر الله واقع فكرهت أن تهراق بينى وبينه دماء المسلمين وقال مجالد عن الشعبى عن الحارث الأعور قال قال على بعد ما رجع من صفين أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية فانكم لو فقدتموه رأيتم الرؤس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل وقال ابن عساكر باسناده عن أبى داود الطيالسى ثنا أيوب بن جابر عن أبى إسحاق عن الأسود بن يزيد قال قلت لعائشة ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول الله ص فى الخلافة فقالت وما تعجب من ذلك هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون اهل مصر أربعمائة سنة وكذلك غيره من الكفار
وقال الزهرى حدثنى القاسم بن محمد أن معاوية حين قدم المدينة يريد الحج دخل على عائشة فكلمها خاليين لم يشهد كلامهما أحد إلا ذكوان أبو عمر عمرو ومولى عائشة فقالت أمنت أن أخبأ لك رجلا يقتلك بقتلك أخى محمدا فقال صدقتى فلما قضى معاوية كلامه معها تشهدت عائشة ثم ذكرت ما بعث الله به نبيه ص من الهدى ودين الحق والذى سن الخلفاء بعده وحضت ؟ ؟ معاوية على العدل واتباع أثرهم فقالت فى ذلك فلم يترك له عذرا فلما قضت مقالتها قال لها معاوية أنت والله العالمة العاملة بأمر رسول الله ص الناصحة المشفقة البلوغة الموعظة حضضت على الخير وامرت به ولم تأمرينا إلا بالذى هو لنا مصلحة وأنت أهل أن تطاعى وتكلمت هى ومعاوية (8/131)
كلاما كثيرا فلما قام معاوية اتكأ على ذكوان وقال والله ما سمعت خطيبا ليس رسول الله ص أبلغ من عائشة وقال محمد بن سعد حدثنا خالد بن مخلد البجلى ثنا سليمان بن بلال حدثنى علقمة ابن أبى علقمة عن أمه قالت قدم معاوية بن أبى سفيان المدينة فأرسل إلى عائشة أن ارسلى بانبجانية رسول الله ص وشعره فأرسلت به معى أحمله حتى دخلت به عليه فأخذ الانبجانية فلبسها وأخذ شعره فدعا بماء فغسله وشربه وأفاض على جلده وقال الأصمعى عن الهذلى عن الشعبى قال لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقته رجال من وجوه قريش فقالوا الحمد لله الذى أعز نصرك وأعلا أمرك فما رد عليهم جوابا حتى دخل المدينة فقصد المسجد وعلا المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فانى والله ما وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتى ولا تحبونها وإنى لما لم بما فى نفوسكم من ذلك ولكنى خالستكم بسيفى هذا مخالسة ولقد رمت نفسى على عمل ابن ابى قحافة فلم أجدها تقوم بذلك ولا تقدر عليه وأردتها على عمل ابن الخطاب فكانت أشد نفورا وأعظم هربا من ذلك وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت على وأين مثل هؤلاء ومن يقدر على أعمالهم هيهات أن يدرك فضلهم أحد ممن بعدهم رحمة الله ورضوانه عليهم غير أنى سلكت بها طريقا لى فيه منفعة ولكم فيه مثل ذلك ولكل فيه مواكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة وحسنت الطاعة فان لم تجدونى خيركم فأنا خير لكم والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه ومهما تقدم مما علمتموه فقد جعلته دبر أذنى وإن لم تجدونى أقوم بحقكم كله فارضوا منى ببعضه فانها بقاببة قوبها وإن السيل إذا جاء يبرى وإن قل أغنى وإياكم والفتنة فلا تهتموا بها فانها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستيصال أستغفر الله لى ولكم أستغفر الله ثم نزل قال أهل اللغة القاببة البيضة والقوب الفرخ قابت البيضة تقوب إذا انفلقت عن الفرخ
والظاهر أن هذه الخطبة كانت عام حج فى سنة أربع وأربعين أو فى سنة خمسين لا فى عام الجماعة وقال الليث حدثنى علوان بن صالح بن كيسان أن معاوية قدم المدينة أول حجة حجها بعد اجتماع الناس عليه فليقيه ؟ ؟ الحسن والحسين ورجال من قريش فتوجه إلى دار عثمان بن عفان فلما دنا إلى باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها فقال معاوية لمن معه انصرفوا إلى منازلكم فان لى حاجة فى هذه الدار فانصرفوا ودخل فسكن عائشة بنت عثمان وأمرها بالكف وقال لها يا بنت أخى إن الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلما تحته غضب وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا فان أعطيناهم غير ما اشتروا منا شعوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم ومع كل إنسان منهم شيعته وهو يرى مكان شيعته فان نكثناهم نكثوا بنا ثم لا ندرى أتكون (8/132)
لنا الدائرة أم علينا وأن تكونى ابنة عثمان أمير المؤمنين أحب إلى أن تكونى أمة من إماء المسلمين ونعم الخلف انا لك بعد أبيك وقد روى ابن عدى من طريق على بن زيد وهو ضعيف عن أبى نضرة عن أبى سعيد ومن حديث مجالد وهو ضعيف أيضا عن أبي الوداك أبى سعيد أن رسول الله ص قال إذا رأيتم معاوية على منبر فاقتلوه وأسنده أيضا من طريق الحكم بن ظهير وهو متروك عن عاصم عن زرعن ابن مسعود مرفوعا وهذا الحديث كذب بلا شك ولو كان صحيحا لبادر الصحابة إلى فعل ذلك لأنهم كانوا لا تأخذهم فى الله لومة لائم وأرسله عمرو بن عبيد عن الحسن البصرى قال أيوب وهو كذب ورواه الخطيب البغدادى باسناد مجهول عن أبى الزبير عن جابر مرفوعا إذا رأيتم معاوية يخطب على منبرى فاقتلوه ( 1 ) فانه أمين مأمون
وقال أبو زرعة الدمشقى عن دحيم عن الوليد عن الأوزاعى قال أدركت خلافة معاوية عدة من الصحابة منهم أسامة وسعد وجابر وابن عمر وزيد بن ثابت وسلمة بن مخلد وأبو سعيد ورافع بن خديج وأبو أمامة وأنس بن مالك ورجال أكثر وأطيب ممن سمينا بأضعاف مضاعفة كانوا مصابيح الهدى وأوعية العلم حضروا من الكتاب تنزيله ومن الدين جديده وعرفوا من الأسلام ما لم يعرفه غيرهم وأخذوا عن رسول الله ص تأويل القرآن ومن التابعين لهم بأحسان ما شاء الله منهم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وسعيد بن المسيب وعبد الله بن محيريز وفى أشباه لهم لم ينزعوا يدا من جماعة فى أمة محمد صلى الله عليه و سلم
وقال أبو زرعة عن دحيم عن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز قال لما قتل عثمان لم يكن للناس غازية تغزو حتى كان عام الجماعة فأغزوا معاوية أرض الروم ست عشرة غزوة تذهب سرية فى الصيف ويشتوا بأرض الروم ثم تقفل وتعقبها أخرى وكان فى جملة من أغزى ابنه يزيد ومعه خلق من الصحابة فجاز بهم الخليج وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ثم قفل بهم راجعا إلى الشام وكان آخر ما أوصى به معاوية أن قال شد خناق الروم وقال ابن وهب عن يونس عن الزهرى قال حج معاوية بالناس فى أيام خلافته مرتين وكانت أيامه عشرين سنة إلا شهرا وقال أبو بكر بن عياش حج بالناس معاوية سنة أربع وأربعين وسنة خمسين وقال غيره سنة إحدى وخمسين فالله أعلم وقال الليث بن سعد حدثنا بكير عن بشر بن سعيد أن سعد بن أبى وقاص قال ما رأيت أحدا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب يعنى معاوية وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن ثنا المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية قال (8/133)
فلما دخلت عليه حسبت أنه قال سلمت عليه فقال ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور قال قلت ارفضنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له فقال لتكلمنى بذات نفسك قال فلم أدع شيئا أعيبه عليه إلا أخبرته به فقال لا تبرأ من الذنوب فهل لك من الذنوب تخاف أن تهلكك إن لم يغفرها الله لك قال قلت نعم إن لى ذنوبا لم تغفرها هلكت بسببها قال فما الذى يجعلك أحق بأن ترجو أنت المغفرة منى فوالله لما إلى من إصلاح الرعايا وإقامة الحدود والاصلاح بين الناس والجهاد فى سبيل الله والأمور العظام التى لا يحصيها إلا الله ولا نحصيها أكثر مما تذكر من العيوب والذنوب وإنى لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويعفو عن السيئات والله على ذلك ما كنت لأخير بين الله وغيره إلا اخترت الله على غيره مما سواه ففكرت حين قال لى ما قال فعرفت أنه قد خصمنى قال فكان المسور إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير وقد رواه شعيب عن الزهرى عن عروة عن المسور بنحوه
وقال ابن دريد عن أبى حاتم عن العتبى قال قال معاوية يا أيها الناس ما أنا بخيركم وإن منكم لمن هو خير منى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وغيرهما من الأفاضل ولكن عسى أن أكون أنفعكم ولاية وأنكاكم فى عدوكم وأدركم حلبا وقد رواه أصحاب محمد عن ابن سعد عن محمد بن مصعب عن أبى بكر بن أبى مريم عن ثابت مولى معاوية أنه سمع معاوية يقول نحو ذلك وقال هشام بن عمار خطيب دمشق حدثنا عمرو بن واقد ثنا يونس بن حلبس قال سمعت معاوية على منبر دمشق يوم جمعة يقول أيها الناس اعقلوا قولى فلن تجدوا أعلم بأمور الدنيا والآخرة منى أقيموا وجوهكم وصفوفكم فى الصلاة أو ليخالفن الله بين قلوبكم خذوا على أيدى سفهائكم أو ليسلطن الله عليكم عدوكم قليسومنكم سوء العذاب تصدقوا ولا يقولن الرجل إنى مقل فان صدقة المقل أفضل من صدقة الغنى وإياكم وقذف المحصنات وأن يقول الرجل سمعت وبلغنى فلو قذف أحدكم امرأة على عهد نوح لسئل عنها يوم القيامة وقال أبو داود الطيالسى حدثنا يزيد ابن طهمان الرقاشى ثنا محمد بن سيرين قال كان معاوية إذا حدث عن رسول الله ص لم يتهم ورواه أبو القاسم البغوى عن سويد بن سعيد بن همام بن إسماعيل عن أبى قبيل قال كان معاوية يبعث رجلا يقال له أبو الجيش فى كل يوم فيدور على المجالس يسأل هل ولد لأحد مولود أو قدم أحد من الوفود فاذا أخبر بذلك أثبت فى الديوان يعنى ليجرى عليه الرزق وقال غيره كان معاوية متواضعا ليس له مجالد إلا كمجالد الصبيان التى يسمونها المخاريق فيضرب بها الناس وقال هشام بن عمار عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال رأيت معاوية فى سوق دمشق وهو مردف وراءه وصفيا عليه قميص مرقوع الجيب وهو يسير فى أسواق دمشق وقال (8/134)
الأعمش عن مجاهد إنه قال لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدى وقال هشيم عن العوام عن جبلة ابن سحيم عن ابن عمرو قال ما رأيت أحدا أسود من معاوية قال قلت ولا عمر قال كان عمر خيرا منه وكان معاوية أسود منه ورواه أبو سفيان الحيرى عن العوام بن حوشب به وقال ما رأيت أحدا بعد رسول الله ص أسود من معاوية قيل ولا أبو بكر قال كان أبو بكر وعمر وعثمان خيرا منه وهو أسود وروى من طرق عن ابن عمر مثله وقال عبد الرزاق عن معمر عن همام سمعت ابن عباس يقول ما رأيت رجلا كان أخلق بالملك من معاوية وقال حنبل بن إسحاق حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن أبى عتيبة عن شيخ من أهل المدينة قال قال معاوية أنا أول الملوك وقال ابن أبى خيثمة حدثنا هارون بن معروف حدثنا حمزة عن ابن شوذب قال كان معاوية يقول أنا أول الملوك وآخر خليفة قلت والسنة أن يقال لمعاوية ملك ولا يقال له خليفة لحديث سفينة الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا
وقال عبد الملك بن مروان يوما وذكر معاوية فقال ما رأيت مثله فى حلمه واحتماله وكرمه وقال قبيصة بن جابر ما رأيت أحدا أعظم حلما ولا أكثر سؤددا ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجا ولا أرحب باعا بالمعروف من معاوية وقال بعضهم أسمع رجل معاوية كلاما سيئا شديدا فقيل له لو سطوت عليه فقال إنى لأستحى من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتى وفى رواية قال له رجل يا أمير المؤمنين ما أحلمك فقال إنى لأستحيى أن يكون جرم أحد أعظم من حلمى
وقال الأصمعى عن الثورى قال قال معاوية إنى لأستحى أن يكون ذنب أعظم من عفوى أو جهل أكبر من حلمى أو تكون عورة لا أواريها بسترى وقال الشعبي والأصمعى عن أبيه قالا جرى بين رجل يقال له أبو الجهل وبين معاوية كلام فتكلم أبو جهل بكلام فيه غمر لمعاوية فأطرق معاوية ثم رفع رأسه فقال يا أبا الجهل إياك والسلطان فانه يغضب غضب الصبيان ويأخذ أخذ الأسد وإن قليله يغلب كثير الناس ثم أمر معاوية لأبى الجهل بمال فقال أبو جهل فى ذلك يمدح معاوية ... نميل على جوانبه كأنا ... نميل إذا نميل على أبينا ... نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منها كرما ولينا ...
وقال الأعمش طاف الحسن بن على مع معاوية فكان معاوية يمشى بين يديه فقال الحسن ما أشبه أليتيه بأليتى هند فالتفت إليه معاوية فقال أما إن ذلك كان يعجب أبا سفيان وقال ابن أخته عبد الرحمن بن أم الحكم لمعاوية أن فلانا يشتمنى فقال له طأطىء لها فتمر فتجاوزك وقال ابن الأعرابى قال رجل لمعاوية ما رأيت أندل منك فقال معاوية بلى من واجه الرجال بمثل (8/135)
هذا وقال أبو عمرو بن العلاء قال معاوية ما يسر ؟ بى بذل الكرم حمر النعم وقال ما يسر بى بذل الحلم عز النصر وقال بعضهم قال معاوية يا بنى أمية فارقوا قريشا بالحلم فوالله لقد كنت ألقى الرحل فى الجاهلية فيوسعنى شتما وأوسعه حلما فأرجع وهو لى صديق إن استنجدته أنجدنى وأثور به فيثور معى وما وضع الحلم عن شريف شرفه ولا زاده إلا كرما وقال آفة الحلم الذل وقال لا يبلغ الرجل مبلغ الرأى حتى يغلب حلمه جهله وصبره شهوته ولا يبلغ الرجل ذلك إلا بقوة الحلم وقال عبد الله بن الزبير لله در ابن هند إن كنا لنفرقه وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا والله لوددت أنا متعنا به ما دام فى هذا الجبل حجر وأشار إلى أبى قبيس وقال رجل لمعاوية من أسود الناس فقال أسخاهم نفسا حين يسأل وأحسنهم فى المجالس خلقا وأحلمهم حين يستجهل وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى كان معاوية يتمثل بهذه الأبيات كثيرا ... فما قتل السفاهة مثل حلم ... يعود به على الجهل الحليم ... فلا تسفه وإن ملئت غيظا ... على أحد فان الفحش لوم ... ولا تقطع أخا لك عند ذنب ... فان الذنب يغفره الكريم ...
[ وقال القاضى الماوردى فى الأحكام السلطانية وحكى أن معاوية أتى بلصوص فقطعهم حتى بقى واحد من بينهم فقال ... يمينى أمير المؤمنين أعيذهاا ... بعفوك أن تلقى مكانا يشينها ... يدى كانت الحسناء لو تم سترها ... ولا تعدم الحسناء عيبا يشيبها ... فلا خير فى الدنيا وكانت حبيبة ... إذا ما شمالى فارقتها يمينها ...
فقال معاوية كيف أصنع بك قد قطعنا أصحابك فقالت أم السارق يا أمير المؤمنين اجعلها فى ذنوبك التى تتوب منها فخلى سبيله فكان أول حد ترك فى الأسلام ] وعن ابن عباس أنه قال قد علمت بم غلب معاوية الناس كانوا إذا طاروا وقع وإذا وقع طاروا وقال غيره كتب معاوية إلى نائبه زياد إنه لا ينبغى أن يسوس الناس سياسة واحدة باللين فيمرحوا ولا بالشدة فيحمل الناس على المهالك ولكن كن أنت للشدة والفظاظة والغلظة وأنا للين والألفة والرحمة حتى إذا خاف خائف وجد بابا يدخل منه وقال أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز قال قضى معاوية عن عائشة أم المؤمنين ثمانية عشر ألف دينار وما كان عليها من الدين الذى كانت تعطيه الناس وقال هشام بن عروة عن أبيه قال بعث معاوية إلى أم المؤمنين عائشة بمائة ألف (8/136)
ففرقتها من يومها فلم يبق منها درهم فقالت لها خادمتها هلا أبقيت لنا درهما نشترى به لحما تفطرى عليه فقال لو ذكرتينى لفعلت وقال عطاء بعث معاوية إلى عائشة وهى بمكة بطوق قيمته مائة ألف فقبلته وقال زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قال قدم الحسن بن على على معاوية فقال له لأجيزنك بجائزة لم يجزها أحد كان قبلى فأعطاه أربعمائة ألف ألف ووفد إليه مرة الحسن والحسين فأجازهما على الفور بمائتى ألف وقال لهما ما أجاز بهما أحد قبلى فقال له الحسين ولم تعط أحد أفضل منا وقال ابن أبى الدنيا حدثنا يوسف بن موسى ثنا جرير بن مغيرة قال أرسل الحسن بن على وعبد الله بن جعفر إلى معاوية يسألانه المال فبعث إليهما أو إلى كل منهما بمائة ألف فبلغ ذلك عليا فقال لهما ألا تستحيان رجل نطعن فى عينه غدوة وعشية تسألانه المال فقالا بل حرمتنا أنت وجاد هو لنا وروى الأصمعى قال وفد الحسن وعبد الله بن الزبير على معاوية فقال للحسن مرحبا وأهلا بابن رسول الله وأمر له بثلاثمائة ألف وقال لابن الزبير مرحبا وأهلا بابن عمة رسول الله وأمر له بمائة ألف وقال أبو مروان المروانى بعث معاوية إلى الحسن بن على بمائة ألف فقسمها على جلسائه وكانوا عشرة فأصاب كل واحد عشرة آلاف وبعث إلى عبد الله بن جعفر بمائة ألف فاستوهبتها منه امرأته فاطمة فأطلقها لها وبعث إلى مروان بن الحكم بمائة ألف فقسم منها خمسين ألفا وحبس خمسين ألفا وبعث إلى ابن عمر بمائة ألف ففرق منها تسعين واستبقى عشرة آلف فقال معاوية إنه لمقتصد يحب الإقتصاد وبعث إلى عبد الله بن الزبير بمائة ألف فقال للرسول لم جئت بها بالنهار هلا جئت بها بالليل ثم حبسها عنده ولم يعط منها أحدا شيئا فقال معاوية إنه لخب ضب كانك به قد رفع ذنبه وقطع حبله وقال ابن دآب كان لعبد الله بن جعفر على معاوية فى كل سنة ألف ألف ويقضى له معها مائة حاجة فقدم عليه عاما فأعطاه المال وقضى له الحاجات وبقيت منها واحدة فبينما هو عنده إذ قدم أصبغهند سجسنان يطلب من معاوية أن يملكه على تلك البلاد ووعد من قضى له هذه الحاجة من ماله ألف ألف فطاف على رؤوس الأشهاد والأمراء من أهل الشام وأمراء العراق ممن قدم مع الأحنف بن قيس فكلهم يقولون عليك بعبد الله بن جعفر فقصده الدهقان فكلم فيه ابن جعفر معاوية فقضى حاجته تكملة المائة حاجة وأمر الكاتب فكتب له عهده وخرج به ابن جعفر إلى الدهقان فسجد له وحمل إليه ألف ألف درهم فقال له ابن جعفر اسجد لله واحمل مالك إلى منزلك فإنا أهل بيت لا نبيع المعروف بالثمن فبلغ ذلك معاوية فقال لأن يكون يزيد قالها أحب إلى من خراج العراق أبت بنو هاشم إلا كرما وقال غيره كان لعبد الله بن جعفر على معاوية فى كل سنة ألف ألف فاجتمع عليه فى بعض الأوقات دين خمسمائة ألف فألح عليه (8/137)
غرماؤه فاستنظرهم حتى يقم على معاوية فيسأله أن يسلفه شيئا من العطاء فركب إليه فقال له ما أقدمك يا ابن جعفر فقال دين ألح على غرماؤه فقال وكم هو قال خمسمائة ألف فقضاها عنه وقال له إن الألف ألف ستأتيك فى وقتها وقال ابن سعيد حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا ابن هلال عن قتادة قال قال معاوية يا عجبا للحسن بن على شرب شربة عسل يمانية بماء رومة فقضى نحبه ثم قال لابن عباس لا يسؤك الله ولا يحزنك فى الحسن بن على فقال ابن عباس لمعاوية لا يحزننى الله ولا يسوءني ما أبقى الله أمير المؤمنين قال فأعطاه ألف ألف درهم وعروضا وأشياء وقال خذها فاقسمها فى أهلك وقال أبو الحسن المداينى عن سلمة بن محارب قال قيل لمعاوية أيكم كان أشرف أنتم أو بنو هاشم قال كنا أكثر أشرافا وكانوا هم أشرف فيهم واحد لم يكن فى بنى عبد مناف مثل هاشم فلما هلك كنا أكثر عددا وأكثر أشرافا وكان فيهم عبد المطلب لم يكن فينا مثله فلما مات صرنا أكثر عددا واكثر أشرافا ولم يكن فيهم واحد كواحدنا فلم يكن إلا كقرار العين حتى قالوا منا نبى فجاء نبى لم يسمع الأولون والآخرون بمثله محمد صلى الله عليه و سلم فمن يدرك هذه الفضيلة وهذا الشرف وروى ابن أبى خيثمة عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن عمرو بن العاص قص على معاوية مناما رأى فيه أبا بكر وعمر وعثمان وهم يحاسبون على ما ولوه فى أيامهم ورأى معاوية وهو موكل به رجلان يحاسبانه على ما عمل فى أيامه فقال له معاوية وما رأيت ثم دنانير مصر وقال ابن دريد عن أبى حاتم عن العتبى قال دخل عمرو على معاوية وقد ورد عليه كتاب فيه تعزية له فى بعض الصحابة فاسترجع معاوية فقال عمرو بن العاص ... تموت الصالحون وأنت حى ... تخطاك المنايا لا تموت ...
فقال له معاوية ... أترجو أن أموت وأنت حى ... فلست بميت حتى تموت ...
وقال ابن السماك قال معاوية كل الناس استطيع ان أرضيه إلا حاسد نعمة فانه لا يرضيه إلا زوالها وقال الزهرى عن عبد الملك عن أبى بحرية قال قال معاوية المروءة فى أربع العفاف فى الاسلام واستصلاح المال وحفظ الأخوان وحفظ الجار وقال أبو بكر الهذلى كان معاوية يقول الشعر فلما ولى الخلافة قال له أهله قد بلغت الغاية فماذا تصنع بالشعر فارتاح يوما فقال ... صرمت سفاهتى وأرحت حلمى ... وفى على تحملى اعتراضى ... على أنى أجيب إذا دعتنى ... إلى حاجاتها الحدق المراض ...
وقال مغيرة عن الشعبى أول من خطب جالسا معاوية حين كثر شحمه وعظم بظنه وكذا (8/138)
روى عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال أول من خطب جالسا يوم الجمعة معاوية وقال أبو المليح عن ميمون أول من جلس على المنبر معاوية واستأذن الناس فى الجلوس وقال قتادة عن سعيد بن المسيب أول من أذن وأقام يوم الفطر والنحر معاوية وقال أبو جعفر الباقر كانت أبواب مكة لا أغلاق لها وأول من اتخذ الأبواب معاوية وقال أبو اليمان عن شعيب عن الزهرى مضت السنة أن لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر وأول من ورث المسلم من الكافر معاوية وقضى بذلك بنو أمية من بعده حتى كان عمر بن عبد العزيز فراجع السنة وأعاد هشام ما قضى به معاوية وبنو أمية من بعده وبه قال الزهري ومضت السنة أن دية المعاهد كدية المسلم وكان معاوية أول من قصرها إلى النصف وأخذ النصف لنفسه وقال ابن وهب عن مالك عن الزهرى قال سألت سعيد بن المسيب عن أصحاب رسول الله ص فقال لى اسمع يا زهرى من مات محبا لأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وشهد للعشرة بالجنة وترحم على معاوية كان حقا على الله أن لا يناقشه الحساب وقال سعيد بن يعقوب الطالقانى سمعت عبد الله بن المبارك يقول تراب فى أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز وقال محمد بن يحيى بن سعيد سئل ابن المبارك عن معاوية فقال ما أقول فى رجل قال رسول الله ص سمع الله لمن حمده فقال خلفه ربنا ولك الحمد فقيل له أيهما أفضل هو أو عمر بن عبد العزيز فقال لتراب فى منخرى معاوية مع رسول الله ص خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز وقال غيره عن ابن المبارك قال معاوية عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إليه شزرا اتهمناه على القول يعنى الصحابة وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلى وغيره سئل المعافى بن عمران أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فغضب وقال للسائل أتجعل رجلا من الصحابة مثل رجل من التابعين معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحى الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوا لى أصحابى واصهارى فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وكذا قال الفضل بن عتيبة وقال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبى معاوية ستر لأصحاب محمد ص فاذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه وقال الميمونى قال لى أحمد بن حنبل يا أبا الحسن إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الاسلام وقال الفضل ابن زياد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضى فقال إنه لم يجترىء عليهما إلا وله خبيئة سوء ما انتقص أحد احدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء وقال ابن مبارك عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانا قط إلا إنسان شتم معاوية فانه ضربه أسواطا وقال بعض السلف بينما أنا على جبل الشام إذ سمعت هاتفا يقول من أبغض الصديق فذاك زنديق ومن أبغض عمر فالى جهنم زمرا ومن (8/139)
أبغض عثمان فذاك خصمه الرحمن ومن أبغض عليا فذاك خصمه النبى ومن أبغض معاوية سحبته الزبانية إلى جهنم الحامية يرمى به فى الحامية الهاوية وقال بعضهم رأيت رسول الله ص وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاوية إذ جاء رجل فقال عمر يا رسول الله هذا يتنقصنا فكأنه انتهره رسول الله ص فقال يا رسول الله إنى لا أتنقص هؤلاء ولكن هذا يعنى معاوية فقال ويلك أوليس هو من أصحابى قالها ثلاثا ثم أخذ رسول الله ص حربة فناولها معاوية فقال جابها فى لبته فضربه بها وانتبهت فبكرت إلى منزلى فاذا ذلك الرجل قد اصابته الذبحة من الليل ومات وهو راشد الكندى وروى ابن عساكر عن الفضيل بن عياض أنه كان يقول معاوية من الصحابة من العلماء الكبار ولكن ابتلى بحب الدنيا وقال العتبى قيل لمعاوية أسرع إليك الشيب فقال كيف لا ولا ازال أرى رجلا من العرب قائما على رأسى يلقح لى كلاما يلزمنى جوابه فان أصبت لم أحمد وإن أخطأت سارت بها البرود وقال الشعبى وغيره أصابت معاوية فى آخر عمره لوقة [ وروى ابن عساكر فى ترجمة خديج الخصى مولى معاوية قال اشترى معاوية جارية بيضاء جميلة فأدخلتها عليه مجردة وبيده قضيب فجعل يهوى به إلى متاعها يعنى فرجها ويقول هذا المتاع لو كان لى متاع اذهب بها إلى يزيد بن معاوية ثم قال لا ادع لى ربيعة بن عمرو الجرشى وكان فقيها فلما دخل عليه قال إن هذه اتيت بها مجردة فرأيت منها ذاك وذاك وإنى أردت أن أبعث بها إلى يزيد قال لا تفعل يا أمير المؤمنين فانها لا تصلح له فقال نعم ما رأيت قال ثم وهبها لعبد الله بن مسعدة الفزارى مولى فاطمة بنت رسول الله ص وكان أسود فقال له بيض بها ولدك وهذا من فقه معاوية وتحريه حيث كان نظر إليها بشهوة ولكنه استضعف نفسه عنها فتحرج أن يهبها من ولده يزيد لقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء وقد وافقه على ذلك الفقيه ربيعة بن عمرو الجرشى الدمشقى
[ وذكر ابن جرير أن عمرو بن العاص قدم فى أهل مصر إلى معاوية فقال لهم فى الطريق إذا دخلتم على معاوية فلا تسلموا عليه بالخلافة فانه لا يحب ذلك فلما دخل عليه عمرو وقبلهم قال معاوية لحاجبه أدخلهم وأوعز إليه أن يخوفهم فى الدخول ويرعبهم وقال إنى لأظن عمرا قد تقدم إليهم فى شىء فلما أدخلوهم عليه وقد أهانوهم جعل أحدهم إذا دخل يقول السلام عليك يا رسول الله فلما نهض عمرو من عنده قال قبحكم الله نهيتكم عن أن تسلموا عليه بالخلافة فسلمتم عليه بالنبوة
وذكر أن رجلا سأل من معاوية أن يساعده فى بناء داره باثنى عشر ألف جذع من الخشب (8/140)
فقال له معاوية أين دارك قال بالبصرة وكم اتساعها قال فرسخان فى فرسخين قال لا تقل دارى بالبصرة ولكن قل البصرة فى دارى وذكر أن رجلا دخل بابن معه فجلسا على سماط معاوية فجعل ولده يأكل أكلا ذريعا فجعل معاوية يلاحظه وجعل أبوه يريد ان ينهاه عن ذلك فلا يفطن فلما خرجا لامه أبوه وقطعه عن الدخول فقال له معاوية أين ابنك التلقامة قال اشتكى قال قد علمت أن أكله سيورثه داء قال ونظر معاوية إلى رجل وقف بين يديه يخاطبه وعليه عباءة فجعل يزدريه فقال يا أمير المؤمنين إنك لا تخاطب العباءة إنما يخاطبك من بها وقال معاوية أفضل الناس من إذا أعطى شكر وإذا ابتلى صبر وإذا غضب كظم وإذا قد غفر وإذا وعد أنجز وإذا أساء استغفر وكتب رجل من أهل المدينة إلى معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه إذا الرجال ولدت أولادها واضطربت من كبر أعضادها وجعلت أسقامها تعتادها فهى زروع قددنا حصادها فقال معاوية نعى إلى نفسى ]
وقال ابن أبى الدنيا حدثنى هارون بن سفيان عن عبد الله السهمى حدثنى ثمامة بن كلثوم أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال أيها الناس إن من زرع قد استحصد وإنى قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدى خير منى وإنما يليكم من هو شر منى كما كان من وليكم قبلى خيرا منى ويا يزيد إذا دنا أجلى فول غسلى رجلا لبيبا فان اللبيب من الله بمكان فلينعم الغسل وليجهر بالتكبير ثم اعمد إلى منديل فى الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله ص وقراضة من شعره واظفاره فاستودع القراضة أنفى وفمى واذنى وعينى واجعل ذلك الثوب مما يلى جلدى دون لفافى ويا يزيد احفظ وصية الله فى الوالدين فاذا أدرجتمونى فى جريدتى ووضعتمونى فى حفرتى فخلوا معاوية وارحم الراحمين وقال بعضهم لما احتضر معاوية جعل يقول ... لعمرى لقد عمرت فى الدهر برهة ... ودانت لى الدنيا بوقع البواتر ... واعطيت حمر المال والحكم والنهى ... ولى سلمت كل الملوك الجبابر ... فأضحى الذى قد كان مما يسرنى ... كحكم مضى فى المزمنات الغوابر ... فياليتنى لم أعن فى الملك ساعة ... ولم أسمع فى لذات عيش نواضر ... وكنت كذى طمرين عاش ببلغة ... فلم يك حتى زار ضيق المقابر ...
وقال محمد بن سعد أنبأنا على بن محمد عن محمد بن الحكم عمن حدثه أن معاوية لما احتضر أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال كأنه أراد لأن يطيب له لأن عمر بن الخطاب قاسم عماله وذكروا أنه فى آخر عمره اشتد به البرد فكان إذا لبس أو تغطى بشىء ثقيل يغمه فاتخذ له (8/141)
ثوبا من حواصل الطير ثم ثقل عليه بعد ذلك فقال تبا لك من دار ملكتك أربعين سنة عشرين أميرا وعشرين خليفة ثم هذا حالى فيك ومصيرى منك تبا للدنيا ولمحبيها وقال محمد بن سعد أنبأنا أبو عبيدة عن أبى يعقوب الثقفى عن عبد الملك بن عمير قال لما ثقل معاوية وتحدث الناس بموته قال لأهله احشوا عينى إثمدا واوسعول رأسى دهنا ففعلوا وغرقوا وجهه بالدهن ثم مهد له مجلس وقال اسندونى ثم قال إيذنوا للناس فليسلموا على قياما ولا يجلس أحد فجعل الرجل يدخل فيسلم قائما فيراه مكتحلا متدهنا فيقول متقول الناس إن أمير المؤمنين لما به وهو أصح الناس فلما خرجوا من عنده قال معاوية فى ذلك ... وتجلدى للشامتين أريهم ... أنى لريب الدهر لا أتضعضع ... وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع ...
قال وكان به النقابة يعنى لوقة فمات من يومه ذلك رحمه الله وقال موسى بن عقبة لما نزل بمعاوية الموت قال يا ليتنى كنت رجلا من قريش بذى طوى ولم أل من هذا الأمر شيئا وقال أبو السائب المخزومى لما حضرت معاوية الوفاة تمثل بقول الشاعر ... إن تناقش يكن نقاشك يا رب ... عذابا لا طوق لى بالعذاب ... أو تجاوز تجاوز العفو واصفح ... عن مسء ذنوبه كالتراب ...
وقال بعضهم لما احتضر معاوية جعل أهله يقلبونه فقال لهم أى شيخ تقلبون إن نجاه الله من عذاب النار غدا
وقال محمد بن سيرين جعل معاوية لما احتضر يضع خدا على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخد الآخر ويبكى ويقول اللهم إنك قلت فى كتابك إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء اللهم فاجعلنى فيمن تشاء أن تغفر له وقال العتبى عن أبيه تمثل معاوية عند موته بقول بعضهم وهو فى السياق ... هو الموت لا منجا من الموت والذى ... نحاذر بعد الموت أدهى وافظع ...
ثم قال اللهم أقل العثرة واعف عن الزلة وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك فانك واسع المغفرة ليس لذى خطيئة من خطيئته مهرب إلا إليك ورواه ابن دريد عن أبى حاتم عن أبى عبيدة عن أبى عمرو بن العلاء فذكر مثله وزاد ثم مات وقال غيره أغمى عليه ثم أفاق فقال لأهله اتقوا الله فان الله تعالى يقى من اتقاه ولا يقى من لا يتقى ثم مات رحمه الله وقد روى أبو مخنف عن عبد الله بن نوفل قال لما مات معاوية صعد الضحاك بن قيس المنبر فخطب الناس واكفان معاوية على يديه فقال بعد حمد الله والثناء عليه إن معاوية الذى كان سور (8/142)
العرب وعونهم وجدهم قطع الله به الفتنة وملكه على العباد وفتح به البلاد الا إنه قد مات وهذه أكفانه فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ومخلون بينه وبين عمله ثم هول البرزخ إلى يوم القيامة فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى ثم نزل وبعث البريد إلى يزيد بن معاوية يعلمه ويستحثه على المجى
ولا خلاف أنه توفى بدمشق فى رجب سنة ستين فقال جماعة ليلة الخميس للنصف من رجب سنة ستين وقيل ليلة الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين قاله ابن إسحاق وغير واحد وقيل لأربع خلت من رجب قاله الليث وقال سعد بن إبراهيم لمستهل رجب قال محمد بن إسحاق والشافعى صلى عليه ابنه يزيد وقد ورد من غير وجه أنه أوصى إليه أن يكفن فى ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذى كساه إياه وكان مدخرا عنده لهذا اليوم وأن يجعل ما عنده من شعره وقلامة أظفاره فى فمه وأنفه وعينيه وأذنيه وقال آخرون بل كان ابنه يزيد غائبا فصلى عليه الضحاك بن قيس بعد صلاة الظهر بمسجد دمشق ثم دفن فقيل بدار الامارة وهى الخضراء وقيل بمقابر باب الصغير وعليه الجمهور فالله أعلم وكان عمره إذ ذاك ثمانيا وسبعين سنة وقيل جاوز الثمانين وهو الأشهر والله أعلم ثم ركب الضحاك بن قيس فى جيش وخرج ليتلقى يزيد بن معاوية وكان يزيد بحوارين فلما وصلوا إلى ثنية العقاب تلقتهم أثقال يزيد وغذا يزيد راكب على بختى وعليه الحزن ظاهر فسلم عليه الناس بالإمارة وعزوه فى أبيه وهو يخفض صوته فى رده عليهم والناس صامتون لا يتكلم معه إلا الضحاك بن قيس فانتهى إلى باب توما فظن الناس أنه يدخل منه إلى المدينة فأجازه مع السور حتى انتهى إلى الباب الشرقى فقيل يدخل منه لأنه باب خالد فجازه حتى أتى الباب الصغير فعرف الناس أنه قاصد قبر أبيه فلما وصل إلى باب الصغير ترجل عند القبر ثم دخل فصلى على أبيه بعد ما دفن ثم انفتل فلما خرج من المقبرة أتى بمراكب الخلافة فركب
ثم دخل البلد وامر فنودى فى الناس إن الصلاة جامعة ودخل الخضراء فاغتسل ولبس ثيابا حسنة ثم خرج فخطب الناس أول خطبة خطبها وهو أمير المؤمنين فقال بعد حمد الله والثناء عليه أيها الناس إن معاوية كان عبدا من عبيد الله أنعم الله عليه ثم قبضه إليه وهو خير ممن بعده ودون من قبله ولا أزكيه على الله عز و جل فانه أعلم به إن عفى عنه فبرحمته وإن عاقبه فبذنبه وقد وليت الأمر من بعده ولست آسى على طلب ولا أعتذر من تفريط وإذا أراد الله شيئا كان وقال لهم فى خطبته هذه وإن معاوية كان يغزيكم فى البحر وإنى لست حاملا أحدا من المسلمين فى البحر وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم ولست مشتيا أحدا بأرض الروم وإن معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلاثا وأنا أجمعه لكم كله قال فافترق الناس عنه وهم لا يفضلون (8/143)
عليه أحدا وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعى يقول بعث معاوية وهو مريض إلى ابنه يزيد فلما جاءه البريد ركب وهو يقول ... جاء البريد بقرطاس يخب به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا ... قلنا لك الويل ماذا فى صحيفتكم ... قال الخليفة أمسى مثقلا وجعا ... فمادت الأرض أو كادت تميد بنا ... كأن أغبر من أركانها انقلعا ... ثم انبعثنا إلى خوص مضمرة نرمى الفجاج بها ما نأتلى سرعا ... فما نبالى إذا بلغن أرجلنا ... ما مات منهن بالمرمات أو طلعا ... لما انتهينا وباب الدار منصفق ... بصوت رملة ريع القلب فانصدعا ... من لا تزل نفسه توفى على شرف ... توشك مقاليد تلك النفس أن تقعا ... أودى ابن هند وأودى المجد يتبعه ... كأنا جميعا خليطا سالمين معا ... أغر أبلج يستسقى الغمام به ... لو قارع الناس عن أحلامهم قرعا ... لا يرقع الناس ما أوهى وإن جهدوا ... أن يرقعوه ولا يوهون ما رقعا ...
وقال الشافعى سرق يزيد هذين البيتين من الأعشى ثم ذكر أنه دخل قبل موت أبيه دمشق وأنه أوصى إليه وهذا قد قاله ابن إسحاق وغير واحد ولكن الجمهور على أن يزيد لم يدخل دمشق إلا بعد موت أبيه وأنه صلى على قبره بالناس كما قدمناه والله أعلم وقال أبو الورد العنبرى يرثى معاوية رضى الله عنه
... ألا أنعى معاوية بن حرب ... نعاة الحل للشهر الحرام ... نعاه الناعيات بكل فج ... خواضع فى الأزمة كالسهام ... فهاتيك النجوم وهن خرس ... ينحن على معاوية الهمام ...
وقال أيمن بن خريم يرثيه أيضا ... رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا ... فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا ... فانك لو شهدت بكاء هند ... ورملة إذ يصفقن الخدودا ... بكيت بكاء معولة قريح ... أصاب الدهر واحدها الفريدا ...
ذكر من تزوج من النساء ومن ولد له
كان له عبد الرحمن وبه كان يكنى وعبد الله وكان ضعيف العقل وأمهما فاختة بنت قرظة ابن عمرو بن نوفل بن عبد مناف وقد تزوج بأختها منفردة عنها بعدها وهى كنوة بنت قرظة وهى (8/144)
التى كانت معه حين افتتح قبرص وتزوج نائلة بنت عمارة الكلبية فأعجبته وقال لميسون بنت بحدل ادخلى فانظرى إلى ابنة عمك فدخلت فسألها عنها فقالت إنها لكاملة الجمال ولكن رأيت تحت سرتها خالا وإنى لأرى هذه يقتل زوجها ويوضع رأسه فى حجرها فطلقها معاوية فتزوجها بعده حبيب بن سلمة الفهرى ثم خلف عليها بعده النعمان بن بشير فقتل ووضع رأسه فى حجرها ومن أشهر أولاده يزيد وأمه ميسون بنت بعدل بن أنيف بن دلجة بن قنافة الكلبى وهى التى دخلت على نائلة فأخبرت معاوية عنها بما أخبرته وكانت حازمة عظيمة الشأن جمالا ورياسة وعقلا ودينا دخل عليها معاوية يوما ومعه خادم خصى فاستترت منه وقالت ما هذا الرجل معك فقال إنه خصى فأظهرى عليه فقالت ما كانت المثلة لتحل له ما حرم الله عليه ؟ ؟ عنها وفى رواية أنها قالت له إن مجرد مثلتك له لن تحل ما حرمه الله عليه فلهذا أولى الله ابنها يزيد الخلافة بعد أبيه وذكر ابن جرير أن ميسون هذه ولدت لمعاوية بنتا أخرى يقال لها أمة رب المشارق ماتت صغيرة ورملة تزوحها عبيد بن عثمان بن عفان كانت دارها بدمشق عند عقبة السمك تجاه زقاق الرمان قاله ابن عساكر قال ولها طاحون معروفة إلى الآن وهند بنت معاوية تزوجها عبد الله بن عامر فلما أدخلت عليه بالخضراء جوار الجامع أرادها على نفسها فتمنعت عليه وأبت أشد الاباء فضربها فصرخت فلما سمع الجوارى صوتها صرخن وعلت أصواتهن فسمع معاوية فنهض إليهن فاستعلمهن ما الخبر فقلن سمعنا صوت سيدتنا فصحنا فدخل فاذا بها تبكى من ضربه فقال لابن عامر ويحك مثل هذه تضرب فى مثل هذه الليلة ثم قال له أخرج من ههنا فخرج ابن عامر وخلا بها معاوية فقال لها يل بنية إنه زوجك الذى أحله الله لك أو ما سمعت قول الشاعر ... من الخفرات البيض أما حرامها ... فصعب وأما حلها فذلول ...
ثم خرج معاوية من عندها وقال لزوجها ادخل فقد مهدت لك خلقها ووطأته فدخل ابن عامر فوجدها قد طابت أخلاقها فقضى حاجته منها رحمهم الله تعالى
كان على قضاء معاوية أبو الدرداء بولاية عمر بن الخطاب فلما حضره الموت أشار على معاوية بتولية فضالة بن عبيد ثم مات فضالة فولى أبا إدريس الخولانى وكان على حرسه رجل من الموالى يقال له المختار وقيل مالك ويكنى أبا المخارق مولى لحمير وكان معاوية أول من اتخذ الحرس وعلى حجابته سعد مولاه وعلى الشرطة قيس بن حمزة ثم زميل بن عمرو العذرى ثم الضحاك بن (8/145)
قيس الفهرى وكان صاحب أمره سرجون بن منصور الرومى وكان معاوية اول من اتخذ ديوان الخاتم وختم الكتب
وممن ذكر انه توفى فى هذه السنة أعنى سنة ستين ( صفوان بن المعطل ) بن رخصة بن المؤمل ابن خزاعى أبو عمرو وأول مشاهده المريسيع وكان فى الساقة يومئذ وهو الذى رماه أهل الافك بأم المؤمنين فبرأه الله وإياها مما قالوا وكان من سادات المسلمين وكان ينام نوما شديدا حتى كان ربما طلعت عليه الشمس وهو نائم لا يستيقظ فقال له رسول الله ص إذا استيقظت فصل وقد قتل صفوان شهيدا
أبو مسلم الخولانى
عبد بن ثوب الخولانى من خولان ببلاد اليمن دعاه الأسود العنسى إلى أن يشهد أنه رسول الله فقال له أتشهد أنى رسول الله فقال لا أسمع أشهد أن محمدا رسول الله فأجج له نارا والقاه فيها فلم تضره وأنجاه الله منها فكان يشبه بإبراهيم الخليل ثم هاجر فوجد رسول الله ص قد مات فقدم على الصديق فأجلسه بينه وبين عمر وقال له عمر الحمد لله الذى لم يمتنى حتى أرى فى أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم الخليل وقبله بين عينيه وكانت له أحوال ومكاشف والله سبحانه أعلم ويقال إنه توفى فيها النعمان بن بشير والأظهر أنه مات بعد ذلك كما سيأتى إن شاء الله تعالى
يزيد بن معاوية وما جرى فى أيامه
بويع له بالخلافة بعد أبيه فى رجب سنة ستين وكان مولده سنة ست وعشرين فكان يوم بويع ابن أربع وثلاثين سنة فأقر نواب أبيه على الأقاليم لم يعزل أحدا منهم وهذا من ذكائه
قال هشام بن محمد الكلبى عن أبى مخنف لوط بن يحيى الكوفى الأخبارى ولى يزيد فى هلال رجب سنة ستين وامير المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وامير الكوفة النعمان بن بشير وامير البصرة عبد الله بن زياد وامير مكة عمرو بن سعيد بن العاص ولم يكن ليزيد همة حين ولى إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية البيعة ليزيد فكتب إلى نائب المدينة الوليد بن عتبة بسم الله الرحمن الرحيم من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة أما بعد فان معاوية كان عبدا من عباد الله أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له فعاش بقدر ومات بأجل فC فقد عاش محمودا ومات برا تقيا والسلام
وكتب إليه فى صحيفة كأنها أذن الفأرة أما بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن (8/146)
الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام فلما أتاه نعى معاوية فظع به وكبر عليه فبعث إلى مروان فقرأ عليه الكتاب واستشاره فى أمر هؤلاء النفر فقال أرى أن تدعوهم قبل أن يعلموا بموت معاوية إلى البيعة فان أبو ضربت أعناقهم فأرسل من فوره عبد الله ابن عمرو بن عثمان بن عفان إلى الحسين وابن الزبير وهما فى المسجد فقال لهما أجيبا الأمير فقالا انصرف الآن نأتيه فلما انصرف عنهما قال الحسين لابن الزبير إنى أرى طاغيتهم قد هلك قال ابن الزبير وأنا ما أظن غيره قال ثم نهض حسين فأخذ معه مواليه وجاء باب الأمير فاستأذن فأذن له فدخل وحده وأجلس مواليه على الباب وقال إن سمعتم أمرا يريبكم فادخلوا فسلم وجلس ومروان عنده فناوله الوليد بن عتبة الكتاب ونعى إليه معاوية فاسترجع وقال رحم الله معاوية وعظم لك الأجر فدعاه الأمير إلى البيعة فقال له الحسين إن مثلى لا يبايع سرا وما أراك تجتزى منى بهذا ولكن إذا اجتمع الناس دعوتنا معهم فكان أمرا واحدا فقال له الوليد وكان يحب العافية فانصرف على اسم الله حتى تأتينا في جماعة الناس فقال مروان للوليد والله لئن فارقك ولم يبايع الساعة ليكثرن القتل بينكم وبينه فاحبسه ولا تخرجه حتى يبايع وإلا ضربت عنقه فنهض الحسين وقال يا ابن الزرقاء أنت تقتلنى كذبت والله وأتمت ثم انصرف إلى داره فقال مروان للوليد والله لا تراه بعدها أبدا فقال الوليد والله يا مروان ما أحب أن لى الدنيا وما فيها وأنى قتلت الحسين سبحان الله أقتل حسينا أن قال لا أبايع والله إنى لأظن أن من يقتل الحسين يكون خفيف الميزان يوم القيامة وبعث الوليد إلى عبد الله بن الزبير فامتنع عليه وما طله يوما وليلة ثم إن ابن الزبير ركب فى مواليه واستصحب معه أخاه جعفرا وسار إلى مكة على طريق الفرع وبعث الوليد خلف ابن الزبير الرجال والفرسان فلم يقدروا على رده وقد قال جعفر لأخيه عبد الله وهما سائران متمثلا بقول صبرة الحنظلي ... وكل بنى أم سيمسون ليلة ... ولم يبق من أعقابهم غير واحد ... فقال سبحان الله ما أردت إلى هذا فقال والله ما أردت به شيئا يسوءك فقال إن كان إنما جرى على لسانك فهو أكره إلى قالوا وتطير به وأما الحسين بن على فان الوليد تشاغل عنه بابن الزبير وجعل كلما بعث إليه يقول حتى تنظر وننظر ثم جمع أهله وبنيه وركب ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب من هذه السنة بعد خروج ابن الزبير بليلة ولم يتخلف عنه أحد من أهله سوى محمد بن الحنفية فانه قال له والله يا أخى لأنت أعز أهل الأرض على وإنى ناصح لك لا تدخلن مصرا من هذه الأمصار ولكن اسكن البوادى والرمال وابعث إلى الناس فاذا بايعوك واجتمعوا عليك فادخل المصر وإن أبيت إلا سكنى المصر فاذهب إلى مكة فان رأيت ما تحب وإلا ترفعت (8/147)
إلى الرمال والجبال فقال له جزاك الله خيرا فقد نصحت وأشفقت وسار الحسين إلى مكة فاجتمع هو وابن الزبير بها وبعث الوليد إلى عبد الله بن عمر فقال بايع ليزيد فقال إذا بايع الناس باينت فقال رجل إنما تريد أن تختلف الناس ويقتتلون حتى يتفانوا فاذا لم يبق غيرك بايعوك فقال ابن عمر لا أحب شيئا مما قلت ولكن إذا بايع الناس فلم يبق غيرى بايعت وكانوا يتخوفونه وقال الواقدى لم يكن ابن عمر بالمدينة حين قدم نعى معاوية وإنما كان هو وابن عباس بمكة فلقيهما وهما مقبلان منها الحسين وابن الزبير فقال ما وراءكما قالا موت معاوية والبيعة ليزيد بن معاوية فقال لهما ابن عمر اتقيا الله ولا تفرقا بين جماعة المسليمن وقدم ابن عمر وابن عباس إلى المدينة فلما جاءت البيعة من الأمصار بايع ابن عمر مع الناس وأما الحسين وابن الزبير فانهما قدما مكة فوجدا بها عمرو بن سعيد بن العاص فخافاه وقالا إنا جئنا عواذا بهذا البيت
وفى هذه السنة فى رمضان منها عزل يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة عن إمرة المدينة ؟ ؟ واضافها إلى عمرو بن سعيد بن العاص نائب مكة فقدم المدينة فى رمضان وقيل فى ذى القعدة وكان متآلها متكبرا وسلط عمرو بن الزبير وكان عدوا لأخيه عبد الله على حربه وجرده له وجعل عمرو بن سعيد يبعث البعوث إلى مكة لحرب ابن الزبير وقد ثبت فى الصحيحين أن أبا شريح الخزاعى قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة إيذن لى أيها الأمير أن أحدثك حديثا قام به رسول الله ص الغد من يوم الفتح سمعته أذناى ووعاه قلبى حين تكلم به إنه حمد الله وأثنى عليه وقال إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس وإنه لم يحل القتال فيها لأحد كان قبلى ولم تحل لأحد بعدى ولم تحل لى إلا ساعة من نهار ثم قد صارت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب وفى رواية فان أحد ترخص بقتال رسول الله ص فيها فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم فقيل لأبى شريح ما قال لك فقال قال لى نحن أعلم بذلك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة
قال الواقدى ولى عمرو بن سعيد شرطة المدينة عمرو بن الزبير فتتبع أصحاب أخيه ومن يهوى هواه فضربهم ضربا شديدا حتى ضرب من جملة من ضرب أخاه المنذر بن الزبير وإنه لا بد أن يأخذ أخاه عبد الله فى جامعة من فضة حتى يقدم به على الخليفة فضرب المنذر بن الزبير وابنه محمد بن المنذر وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام وخبيب بن عبد الله بن الزبير ومحمد بن عمار بن ياسر وغيرهم ضربهم من الأربعين إلى الخمسين إلى الستين جلدة وفر منه عبد الرحمن بن عثمان التيمى وعبد الرحمن بن عمرو بن سهل فى أناس من مكة ثم جاء العزم من يزيد إلى عمرو بن سعيد فى تطلب ابن الزبير وأنه لا يقبل منه وإن (8/148)
بايع حتى يؤتى به إلى فى جامعة ( 1 ) من ذهب أو من فضة تحت برنسه فلا ترى إلا أنه يسمع صوتها وكان ابن الزبير قد منع الحارث بن خالد المخزومى من أن يصلى بأهل مكة وكان نائب عمرو بن سعيد عليها فحينئذ صمم عمرو على تجهيز سرية إلى مكة بسبب ابن الزبير فاستشار عمرو بن سعيد عمرو ابن الزبير من يصلح أن نبعثه إلى مكة لأجل قتاله فقال له عمرو بن الزبير إنك لا تبعث إليه من هو أنكى له منى فعينه على تلك السرية وجعل على مقدمته انيس بن عمرو الأسلمى فى سبعمائة مقاتل وقال الواقدى إنما عينهما يزيد بن معاوية نفسه وبعث بذلك إلى عمرو بن سعيد فعسكر أنيس بالجرف وأشار مروان بن الحكم على عمرو بن سعيد أن لا يغزو مكة وأن يترك ابن الزبير بها فانه عمل قليل إن لم يقتل يمت فقال أخوه عمرو بن الزبير والله لنغزونه ولو فى جوف الكعبة على رغم انف من رغم فقال مروان والله إن ذلك ليسرنى فسار أنيس واتبعه عمرو بن الزبير فى بقية الجيش وكانوا ألفين حتى نزل بالأبطح وقيل بداره عند الصفا ونزل أنيس بذى طوى فكان عمرو بن الزبير يصلى بالناس ويصلى وراءه أخوه عبد الله بن الزبير وارسل عمرو إلى أخيه يقول له بر يمين الخليفة واته وفى عنقك جامعة من ذهب أو فضة ولا تدع الناس يضرب بعضهم بعضا واتق الله فانك فى بلد حرام فأرسل عبد الله يقول لأخيه موعدك المسجد وبعث عبد الله ابن الزبير عبد الله بن صفوان بن أمية فى سرية فاقتتلوا مع عمرو بن أنيس الأسلمى فهزموا أنيسا هزيمة قبيحة وتفرق عن عمرو بن الزبير أصحابه وهرب عمرو إلى دار ابن علقمة فأجاره أخوه عبيدة بن الزبير فلامه أخوه عبد الله بن الزبير وقال تجير من فى عنقه حقوق الناس ثم ضربه بكل من ضربه بالمدينة إلا المنذر بن الزبير وابنه فانهما أبيا ان يستقيدا من عمرو وسجنه ومعه عارم فسمى سجن عارم وقد قيل إن عمرو بن الزبير مات تحت السياط والله أعلم
قصة الحسين بن على وسبب خروجه من مكة فى طلب الإمارة وكيفية مقتله
ولنبدأ قبل ذلك بشىء من ترجمته ثم نتبع الجميع بذكر مناقبه وفضائله
هو الحسين بن على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم أبو عبد الله القرشى الهاشمى السبط الشهيد بكربلاء ابن بنت رسول الله ص فاطمة الزهراء وريحانته من الدنيا ولد بعد أخيه الحسن وكان مولد الحسن فى سنة ثلاث من الهجرة وقال بعضهم إنما كان بينهما طهر واحد ومدة الحمل وولد لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع وقال قتادة ولد الحسين لست سنين وخمسة أشهر ونصف من التاريخ وقتل يوم الجمعة يوم عاشوراء فى المحرم سنة إحدى وستين وله (8/149)
أربع وخمسون سنة وستة أشهر ونصف رضى الله عنه وروى عن النبى ص أنه حنكة وتفل فى فيه ودعا له وسماه حسينا وقد كان سماه أبوه قبل ذلك حربا وقيل جعفرا وقيل إنما سماه يوم سابعه وعق عنه وقال جماعة عن إسرائيل عن أبى إسحاق عن هانىء بن هانىء عن على رضى الله عنه قال الحسن أشبه برسول الله ص ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه به ما بين أسفل من ذلك وقال الزبير بن بكار حدثنى محمد بن الضحاك الحزامى قال كان وجه الحسن يشبه وجه رسول الله ص وكان جسد الحسين يشبه جسد رسول الله ص وروى محمد بن سيرين وأخته حفصة عن أنس قال كنت عند ابن زياد فجىء برأس الحسين فجعل يقول بقضيب فى أنفه ويقول ما رأيت مثل هذا حسنا فقلت له إنه كان من أشبههم برسول الله ص وقال سفيان قلت لعبيد الله بن أبى زياد رأيت الحسين قال نعم أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا فى مقدم لحيته فلا ادرى أخضب وترك ذلك المكان تشبها برسول الله ص أولم يكن شاب منه غير ذلك وقال ابن جريج سمعت عمر بن عطاء قال رأيت الحسين بن على يصبغ بالوشمة أما هو فكان ابن ستين سنة وكان رأسه ولحيته شديدى السواد فأما الحديث الذى روى من طريقين ضعيفين أن فاطمة سألت رسول الله ص فى مرض الموت أن ينحل ولديها شيئا فقال أما الحسن فله هيبتى وسؤددى وأما الحسين فله جرأتى وجودى فليس بصحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب المعتبرة وقد أدرك الحسين من حياة النبى ص خمس سنين او نحوها وروى عنه أحاديث وقال مسلم بن الحجاج له رؤية من النبى ص وقد روى صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه أنه قال فى الحسن بن على إنه تابعى ثقة وهذا غريب فلأن يقول فى الحسين إنه تابعى بطريق الأولى
وسنذكر ما كان رسول الله ص يكرمهما به وما كان يظهر من محبتهما والحنو عليهما والمقصود أن الحسين عاصر رسول الله ص وصحبه إلى أن توفى وهو عنه راض ولكنه كان صغيرا ثم كان الصديق يكرمه ويعظمه وكذلك عمر وعثمان وصحب أباه وروى عنه وكان معه فى مغازيه كلها فى الجمل وصفين وكان معظما موقرا ولم يزل فى طاعة أبيه حتى قتل فلما آلت الخلافة إلى أخيه وأراد أن يصالح شق ذلك عليه ولم يسدد رأى أخيه فى ذلك بل حثه على قتال أهل الشام فقال له أخوه والله لقد هممت أن أسجنك فى بيت وأطبق عليك بابه حتى أفرغ من هذا الشأن ثم أخرجك فلما رأى الحسين ذلك سكت وسلم فلما استقرت الخلافة لمعاوية كان الحسين يتردد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما معاوية إكراما زائدا ويقول لهما مرحبا وأهلا ويعطيهما عطاء جزيلا وقد أطلق لهما فى يوم واحد مائتى ألف وقال خذاها وأنا ابن هند والله (8/150)
لا يعطيكماها أحد قبلى ولا بعدى فقال الحسين والله لن تعطى أنت ولا أحد قبلك ولا بعدك رجلا أفضل منا ولما توفى الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية فى كل عام فيعطيه ويكرمه وقد كان فى الجيش الذين غزوا القسطنطينية مع ابن معاوية يزيد فى سنة إحدى وخمسين ولما أخذت البيعة ليزيد فى حياة معاوية كان الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبى بكر وابن عمر وابن عباس ثم مات ابن أبى بكر وهو مصمم على ذلك فلما مات معاوية سنة ستين وبويع ليزيد بايع ابن عمر وابن عباس وصمم على المخالفة الحسين وابن الزبير وخرجا من المدينة فارين إلى مكة فأقاما بها فعكف الناس على الحسين يفدون إليه ويقدمون عليه ويجلسون حواليه ويستمعون كلامه حين سمعوا بموت معاوية وخلافة يزيد واما ابن الزبير فانه لزم مصلاه عند الكعبة وجعل يتردد فى غبون ذلك إلى الحسين فى جملة الناس ولا يمكنه أن يتحرك بشىء مما فى نفسه مع وجود الحسين لما يعلم من تعظيم الناس له وتقديمهم إياه عليه غير أنه قد تعينت السرايا والبعوث إلى مكة بسببه ولكن أظفره الله بهم كما تقدم آنفا فانقشعت السرايا عن مكة مفلولين وانتصر عبد الله بن الزبير على من أراد هلاكه من اليزيديين وضرب أخاه عمرا وسجنه واقتص منه وأهانه وعظم شأن ابن الزبير عند ذلك ببلاد الحجاز واشتهر أمره وبعد صيته ومع هذا كله ليس هو معظما عند الناس مثل الحسين بل الناس إنما ميلهم إلى الحسين لانه السيد الكبير وابن بنت رسول الله ص فليس على وجه الأرض يومئذ احد يساميه ولا يساويه ولكن الدولة اليزيدية كانت كلها تناوئه
وقد كثر ورود الكتب عليه من بلاد العراق يدعونه إليهم وذلك حين بلغهم موت معاوية وولاية يزيد ومصير الحسين إلى مكة فرارا من بيعة يزيد فكان أول من قدم عليه عبد الله بن سبع الهمذانى وعبد الله بن وال معمها كتاب فيه السلام والتهنئة بموت معاوية فقدما على الحسين لعشر مضين من رمضان من هذه السنة ثم بعثوا بعدهما نفرا منهم قيس بن مسهر الضدائى وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكوا الأرحبى وعمارة بن عبد الله السلولى ومعهم نحو من مائة وخمسين كتابا إلى الحسين ثم بعثوا هانىء بن هانىء السبيعى وسعيد بن عبد الله الحنفى ومعهما كتاب فيه الاستعجال فى السير إليهم وكتب إليه شيث بن ربعى وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث ابن رويم وعمرو بن حجاج الزبيدى ومحمد بن عمر بن يحيى التميمى اما بعد فقد أخضرت الجنان وأينعت الثمار ولطمت الجمام فاذا شئت فأقدم على جند لك مجندة والسلام عليك فاجتمعت الرسل كلها بكتبها عند الحسين وجعلوا يستحثونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضا عن يزيد بن معاوية ويذكرون فى كتبهم أنهم فرحوا بموت معاوية وينالون منه ويتكلمون فى دولته وانهم (8/151)
لما يبايعوا أحدا إلى الآن وأنهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدموك عليهم فعند ذلك بعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبى طالب إلى العراق ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق فان كان متحتما وامرا حازما محكما بعث إليه ليركب فى أهله وذويه ويأتى الكوفة ليظفر بمن يعاديه وكتب معه كتابا إلى أهل العراق بذلك فلما سار مسلم من مكة اجتاز بالمدينة فأخذ منها دليلين فسارا به على برارى مهجورة المسالك فكان أحد الدليلين منهما أول هالك وذلك من شدة العطش وقد أضلوا الطريق فهلك الدليل الواحد بمكان يقال له المضيق من بطن خبت فتطير به مسلم بن عقيل فتلبث مسلم على ما هنالك ومات الدليل الآخر فكتب إلى الحسين يستشيره فى أمره فكتب إليه يعزم عليه ان يدخل العراق وأن يجتمع بأهل الكوفة ليستعلم أمرهم ويستخبر خبرهم
فلما دخل الكوفة نزل على رجل يقال له مسلم بن عوسجة الأسدى وقيل نزل فى دار المختار ابن أبى عبيد الثقفى فالله أعلم فتسامع أهل الكوفة بقدومه فجاؤا إليه فبايعوه على إمرة الحسين وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفا ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفا فكتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها فقد تمهدت له البيعة والأمور فتجهز الحسين من مكة قاصدا الكوفة كما سنذكره وانتشر خبرهم حتى بلغ أمير الكوفة النعمان بن بشير خبره رجل بذلك فجعل يضرب عن ذلك صفحا ولا يعبأ به ولكنه خطب الناس ونهاهم عن الاختلاف والفتنة وأمرهم بالائتلاف والسنة وقال إنى لا أقاتل من لا يقاتلنى ولا أثب على من لا يثب على ولا آخذكم بالظنة ولكن والله الذى لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته لأقاتلنكم ما دام فى يدى من سيفى قائمته فقام إليه رجل يقال له عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمى فقال له إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالغشمة وإن الذى سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين فقال له النعمان لأن أكون من المستضعفين فى طاعة الله أحب إلى من أن أكون من الأقوياء الأعزين فى معصية الله ثم نزل فكتب ذلك الرجل إلى يزيد يعلمه بذلك وكتب إلى يزيد عمارة ابن عقبة وعمرو بن سعد بن أبى وقاص فبعث يزيد فعزل النعمان عن الكوفة وضمها إلى عبيد الله ابن زياد مع البصرة وذلك باشارة سرجون مولى يزيد بن معاوية وكان يزيد يستشيره فقال سرجون أكنت قابلا من معاوية ما أشار به لو كان حيا قال نعم قال فاقبل منى فانه ليس الكوفة إلا عبيد الله بن زياد فوله إياها وكان يزيد يبغض عبيد الله بن زياد وكان يريد أن يعزله عن البصرة فولاه البصرة والكوفة معا لما يريده الله به وبغيره
ثم كتب يزيد إلى ابن زياد إذا قدمت الكوفة فاطلب مسلم بن عقيل فان قدرت عليه فاقتله أو أنفه وبعث الكتاب مع العهد مع مسلم بن عمرو الباهلى فسار ابن زياد من البصرة إلى (8/152)
الكوفة فلما دخلها متلثما بعمامة سوداء فجعل لا يمر بملأ من الناس إلا قال سلام عليكم فيقولون وعليكم السلام مرحبا بابن رسول الله يظنون أنه الحسين وقد كانوا ينتظرون قدومه وتكاثر الناس عليه ودخلها فى سبعة عشر راكبا فقال لهم مسلم بن عمرو من جهه يزيد تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد فلما علموا ذلك علتهم كآبة وحزن شديد فتحقق عبيد الله الخبر ونزل قصر الأمارة ؟ ؟ من الكوفة فلما استقر امره أرسل مولى أبى رهم وقيل كان مولى له يقال له معقل ومعه ثلاثة آلاف درهم في صورة قاصد من بلاد حمص وأنه إنما جاء لهذه البيعة فذهب ذلك المولى فلم يزل يتلطف ويستدل على الدار التى يبايعون بها مسلم بن عقيل حتى دخلها وهى دار هانىء بن عروة التى تحول إليها من الدار الأولى فبايع وأدخلوه على مسلم بن عقيل فلزمهم أياما حتى اطلع على جلية أمرهم فدفع المال إلى أبى ثمامة العامرى بأمر مسلم بن عقيل وكان هو الذى يقبض ما يؤتى به من الأموال ويشترى السلاح وكان من فرسان العرب فرجع ذلك المولى وأعلم عبيد الله بالدار وصاحبها وقد تحول مسلم بن عقيل إلى دار هانىء بن حميد بن عروة المرادى ثم إلى دار شريك بن الأعور وكان من الأمراء الأكابر وبلغه أن عبيد الله يريد عيادته فبعث إلى هانىء يقول له بعث مسلم بن عقيل حتى يكون فى دارى ليقتل عبيد الله إذا جاء يعودنى فبعثه إليه فقال له شريك كن أنت فى الخباء فاذا جلس عبيد الله فأنى أطلب الماء وهى إشارتى إليك فاخرج فاقتله فلما جاء عبيد الله جلس على فراش شريك وعنده هانىء بن عروة وقام من بين يديه غلام يقال له مهران فتحدث عنده ساعة ثم قال شريك اسقونى فتجبن مسلم عن قتله وخرجت جارية بكوز من ماء فوجدت مسلما فى الخباء فاستحيت ورجعت بالماء ثلاثا ثم قال اسقونى ولو كان فيه ذهاب نفسى أتحموننى من الماء ففهم مهران الغدر فغمز ملاه فنهض سريعا وخرج فقال شريك أيها الأمير إنى أريد أن أوصى إليك فقال سأعود فخرج به مولاه فأركبه وطرد به أى ساق به وجعل يقول له مولاه إن القوم أرادوا قتلك فقال ويحك إنى بهم لرفيق فما بالهم وقال شريك لمسلم ما منعك أن تخرج فتقتله قال حديث بلغنى عن رسول الله ص أنه قال الايمان ضد الفتك لا يفتك مؤمن وكرهت أن أقتله فى بيتك فقال أم لو قتلته لجلست فى القصر لم يستعد منه أحد وليكفينك أمر البصرة ولو قتلته لقتلت ظالما فاجرا ومات شريك بعد ثلاث
ولما انتهى ابن زياد إلى باب القصر وهو متلثم ظنه النعمان بن بشير الحسين قد قدم فأغلق باب القصر وقال ما أنا بمسلم إليك أمانتى فقال له عبيد الله افتح لافتحته ففتح وهو يظنه الحسين فلما تحقق أنه عبيد الله أسقط فى يده فدخل عبيد الله إلى قصر الامارة وامر مناديا فنادى إن الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان (8/153)
امير المؤمنين قد ولانى امركم وثغركم وفيأكم وامرنى بأنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم والاحسان إلى سامعكم ومطيعكم والشدة على مريبكم وعاصيكم وإنما أنا ممتثل فيكم أمره ومنفذ عهده ثم نزل وامر العرفاء أن يكتبوا من عندهم من الزورية وأهل الريب والخلاف والشقاق وأيما عريف لم يطلعنا على ذلك صلب أو نفى واسقطت عرافته من الديوان وكان هانىء أحد الامراء الكبار ولم يسلم على عبيد الله منذ قدم وتمارض فذكره عبيد الله وقال ما بال هانىء لم يأتنى مع الامراء فقالوا أيها الامير إنه يشتكى فقال إنه بلغنى أنه يجلس على باب داره وزعم بعضهم أنه عاده قبل شريك بن الأعور ومسلم بن عقيل عنده وقد هموا بقتله فلم يمكنهم هانىء لكونه فى داره فجاء الامراء إلى هانىء بن عروة فلم يزالوا به حتى أدخلوه على عبيد الله بن زياد فالتفت عبيد الله إلى القاضى فقال متمثلا بقول الشاعر ... أريد حياته ويريد قتلى ... عذيرك من خليلك من مراد ...
فلما سلم هانىء على عبيد الله قال يا هانىء أين مسلم بن عقيل قال لا أدرى فقام ذلك المولى التميمى الذى دخل دار هانىء في صورة قاصد من حمص فبايع فى داره ودفع الدراهم بحضرة هانىء إلى مسلم فقال أتعرف هذا قال نعم فلما رآه هانىء قطع وأسقط فى يده فقال أصلح الله الامير والله ما دعوته إلى منزلى ولكنه جاء فطرح نفسه على فقال عبيد الله فأتنى به فقال والله لو كان تحت قدمى ما رفعتها عنه فقال أدنوه منى فأدنوه فضربه بحربة على وجهه فشجه على حاجبه وكسر أنفه وتناول هانىء سيف شرطى ليسله فدفع عن ذلك وقال عبيد الله قد أحل الله لى دمك لانك حرورى ثم أمر به فحبسه فى جانب الدار وجاء قومه من بنى مذحج مع عمرو بن الحجاج فوقفوا على باب القصر يظنون أنه قد قتل فسمع عبيد الله لهم جلبة فقال لشريح القاضى وهو عنده اخرج إليهم فقل لهم إن الامير لم يحبسه إلا ليسأله عن مسلم بن عقيل فقال لهم إن صاحبكم حى وقد ضربه سلطاننا ضربا لم يبلغ نفسه فانصرفوا ولا تحلوا بأنفسكم ولا بصاحبكم فتفرقوا إلى منازلهم وسمع مسلم بن عقيل الخبر فركب ونادى بشعاره يا منصور امت وفاجتمع ؟ ؟ إليه أربعة آلاف من أهل الكوفة وكان معه المختار بن أبى عبيد ومعه راية خضراء عبد الله بن نوفل بن الحارث براية حمراء فرتبهم ميمنة وميسرة وسار هو فى القلب إلى عبيد الله وهو يخطب الناس فى أمر هانىء ويحذرهم من الاختلاف وأشراف الناس وأمراؤهم تحت منبره فبينما هو كذلك إذ جاءت النظارة يقولون جاء مسلم بن عقيل فبادر عبيد الله فدخل القصر ومن معه وأغلقوا عليهم الباب فلما انتهى مسلم إلى باب القصر وقف بجيشه هناك فأشرف أمراء القبائل الذين عند عبيد الله فى القصر فأشاروا إلى قومهم الذين مع مسلم بالانصراف وتهددوهم وتوعدوهم (8/154)
وأخرج عبيد الله بعض الامراء وامرهم أن يركبوا فى الكوفة يخذلون الناس عن مسلم بن عقيل ففعلوا ذلك فجعلت المرأة تجىء إلى ابنها وأخيها وتقول له ارجع إلى البيت الناس يكفونك ويقول الرجل لابنه وأخيه كأنك غدا بجنود الشام قد أقبلت فماذا تصنع معهم فتخاذل الناس وقصروا وتصرموا وانصرفوا عن مسلم بن عقيل حتى لم يبق إلا فى خمسمائة نفس ثم تقالوا حتى بقى فى ثلاثمائة ثم تقالوا حتى بقى معه ثلاثون رجلا فصلى بهم المغرب وقصد أبواب كندة فخرج منها فى عشرة ثم انصرفوا عنه فبقى وحده ليس معه من يدله على الطريق ولا من يؤانسه بنفسه ولا من يأويه إلى منزله فذهب على وجهه واختلط الظلام وهو وحده يتردد فى الطريق لا يدرى أين يذهب فأتى بابا فنزل عنده وطرقه فخرجت منه امرأة يقال لها طوعة كانت أم ولد للأشعث بن قيس وقد كان لها ابن من غيره يقال له بلال بن أسيد خرج من الناس وأمه قائمة بالباب تنتظره فقال لها مسلم بن عقيل اسقنى ماء فسقته ثم دخلت وخرجت فوجدته فقالت ألم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى أهلك عافاك الله فانه لا يصلح لك الجلوس على بابى ولا أجمله لك فقام فقال يا أمة الله ليس لى فى هذا البلد منزل ولا عشيرة فهل إلى أجر ومعروف وفعل نكافئك به بعد اليوم فقالت يا عبد الله وما هو قال أنا مسلم بن عقيل كذبنى هؤلاء القوم وغرونى فقالت أنت مسلم قال نعم قالت ادخل فأدخلته بيتا من دارها غير البيت الذى يكون فيه وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش فلم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول والخروج فسألها عن شأنها فقالت يا بنى اله عن هذا فألح عليها فأخذت عليه أن لا يحدث أحدا فأخبرته خبر مسلم فاضطجع إلى الصباح ساكتا لا يتكلم وأما عبيد الله بن زياد فانه نزل من القصر بمن معه من الامراء والاشراف بعد العشاء الآخرة فصلى بهم العشاء فى المسجد الجامع ثم خطبهم وطلب منهم مسلم بن عقيل وحث على طلبه ومن وجد عنده ولم يعلم به فدمه هدر ومن جاء به فله ديته وطلب الشرط وحثهم على ذلك وتهددهم فلما أصبح ابن تلك العجوز ذهب إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأعلمه بأن مسلم بن عقيل فى دارهم فجاء عبد الرحمن فسار أباه بذلك وهو عند ابن زياد فقال ابن زياد ما الذى سارك به فأخبره الخبر فنخس بقضيب فى جنبه وقال قم فأتنى به الساعة وبعث ابن زياد عمر بن حريث المخزومى وكان صاحب شرطته ومعه عبد الرحمن ومحمد بن الأشعث فى سبعين أو ثمانين فارسا فلم يشعر مسلم إلا وقد أحيط بالدار التى هو فيها فدخلوا عليه فقام إليهم بالسيف فأخرجهم من الدار ثلاث مرات وأصيبت شفته العليا والسفلى ثم جعلوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار فى أطناب القصب فضاق بهم ذرعا فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم فأعطاه عبد الرحمن الأمان فأمكنه من يده وجاؤا ببغلة فأركبوه عليها وسلبوا عنه سيفه فلم يبق يملك من نفسه شيئا فبكى عند ذلك وعرف أنه مقتول (8/155)
فيئس من نفسه وقال إنا لله وإنا إليه راجعون فقال بعض من حوله إن من يطلب مثل الذى تطلب لا يبكى إذا نزل به هذا فقال أما والله لست أبكى على نفسى ولكن أبكى على الحسين وآل الحسين إنه قد خرج إليكم اليوم أو أمس من مكة ثم التفت إلى محمد بن الأشعث فقال إن استطعت أن تبعث إلى الحسين على لسانى تأمره بالرجوع فافعل فبعث محمد بن الأشعث إلى الحسين يأمره بالرجوع فلم يصدق الرسول فى ذلك وقال كل ما حم الاله واقع قالوا ولما انتهى مسلم بن عقيل الى باب القصر إذا على بابه جماعة من الامراء من أبناء الصحابة ممن يعرفهم ويعرفونه ينتظرون أن يؤذن لهم على ابن زياد ومسلم مخضب بالدماء فى وجهه وثيابه وهو مثخن بالجراح وهو فى غاية العطش وإذا قلة من ماء بارد هنالك فأراد أن يتناولها ليشرب منها فقال له رجل من أولئك والله لا تشرب منها حتى تشرب من الحميم فقال له ويلك يا ابن ناهلة أنت أولى بالحميم والخلود فى نار الجحيم منى ثم جلس فتساند إلى الحائط من التعب والكلال واالعطش فبعث عمارة بن عقبة بن أبى معيط مولى له إلى داره فجاء بقلة عليها منديل ومعه قدح فجعل يفرغ له فى القدح ويعطيه فيشرب فلا يستطيع أن يسيغه من كثرة الدماء التى تعلو على الماء مرتين أو ثلاثا فلما شرب سقطت ثناياه مع الماء فقال الحمد لله لقد كان بقى لى من الرزق المقسوم شربة ماء ثم ادخل على ابن زياد فلما وقف بين يديه لم يسلم عليه فقال له الحرسى ألا تسلم على الأمير فقال لا إن كان يريد قتلى فلا حاجة لى بالسلام عليه وإن لم يرد قتلى فسأسلم عليه كثيرا فأقبل ابن زياد عليه فقال أيه يا ابن عقيل أتيت الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة لتشتتهم وتفرق كلمتهم وتحمل بعضهم على قتل بعض قال كلا لست لذلك أتيت ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعو إلى حكم الكتاب قال وما أنت وذاك يا فاسق لم لا كنت تعمل بذلك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر فقال أنا أشرب الخمر والله إن الله ليعلم أنك غير صادق وأنك قلت بغير علم وأنت أحق بذلك منى فانى لست كما ذكرت وإن أولى بها منى من يلغ فى دماء المسلمين ولغا ويقتل النفس التى حرم الله بغير نفس ويقتل على الغضب والظن وهو يلهو ويلعب كأنه لم يصنع شيئا فقال له ابن زياد يا فاسق إن نفسك تمنيك ما حال الله دونك ودونه ولم يرك أهله قال فمن أهله يا ابن زياد قال أمير المؤمنين يزيد قال الحمد لله على كل حال رضينا بالله حكما بيننا وبينكم قال كأنك تظن أن لكم فى الامر شيئا قال لا والله ما هو بالظن ولكنه اليقين قال له قتلنى الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد فى الاسلام من الناس قال أما إنك أحق من أحدث فى الاسلام ما لم يكن فيه (8/156)
أما إنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة المكتسبة عن كتابكم وجهالكم وأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم حسينا وعليا ومسلم ساكت لا يكلمه رواه ابن جرير عن أبى مخنف وغيره من رواة الشيعة ثم قال له ابن زياد إنى قاتلك قال كذلك قال نعم قال فدعنى أوصى إلى بعض قومى قال أوص فنظر فى جلسائه وفيهم عمر بن سعد بن أبى وقاص فقال يا عمر إن بينى وبينك قرابة ولى إليك حاجة وهى سر فقم معى إلى ناحية القصر حتى أقولها لك فأبى أن يقوم معه حتى أذن له ابن زياد فقام فتنحى قريبا من ابن زياد فقال له مسلم إن على دينا فى الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عنى واستوهب جثتى من ابن زياد فوارها وابعث إلى الحسين فانى كنت كتبت إليه أن الناس معه ولا أراه إلا مقبلا فقام عمر فعرض على ابن زياد ما قال له فأجاز ذلك له كله وقال أما الحسين فانه لم يردنا لا نرده وإن أرادنا لم نكف عنه ثم أمر ابن زياد بمسلم بن عقيل فأصعد إلى أعلا القصر وهو يكبر ويهلل ويسبح ويستغفر ويصلى على ملائكة الله ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وخذلونا ثم ضرب عنقه رجل يقال له بكير ابن حمران ثم ألقى رأسه إلى أسفل القصر وأتبع رأسه بجسده ثم أمر بهانىء بن عروة المذحجى فضربت عنقه بسوق الغنم وصلب بمكان من الكوفة يقال له الكناسة فقال رجل شاعر فى ذلك قصيدة ... فان كنت لا تدرين ما الموت فانظرى ... إلى هانىء فى السوق وابن عقيل ... أصابهما أمر الامام فأصبحا ... أحاديث من يغشى بكل سبيل ... إلى بطل قد هشم السيف وجهه ... وآخر يهوى فى طمار قتيل ... ترى جسدا قد غير الموت لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل ... فان أنتم لم تثأروا بأخيكم ... فكونوا بغيا أرضيت بقليل ...
ثم إن ابن زياد قتل معهما أناسا آخرين ثم بعث برؤسهما إلى يزيد بن معاوية إلى الشام وكتب له كتابا صورة ما وقع من أمرهما
وقد كان عبيد الله قبل أن يخرج من البصرة بيوم خطب أهلها خطبة بليغة ووعظهم فيها وحذرهم وأنذرهم من الاختلاف والفتنة والتفرق وذلك لما رواه هشام بن الكلبى وأبو مخنف عن الصقعب بن زهير عن أبى عثمان النهدى قال بعث الحسين مع مولى له يقال له سلمان كتابا إلى أشراف أهل البصرة فيه أما بعد فان الله اصطفى محمدا على خلقه واكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم قبضه إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل به وكنا أهله واولياءه وورثته وأحق الناس به وبمقامه (8/157)
فى الناس فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه وقد أحسنوا وأصلحوا وتحروا الحق فرحمهم الله وغفر لنا ولهم وقد بعثت إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه فان السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت فتسمعوا قولى وتطيعوا أمرى فان فعلتم أهدكم سبيل الرشاد والسلام عليكم ورحمة الله وعندى فى صحة هذا عن الحسين نظر والظاهر أنه مطرز بكلام مريد من بعض رواة الشيعة قال فكل من قرأ ذلك من الأشراف كتمه إلا المنذر بن الجارود فانه ظن أنه دسيسة من ابن زياد فجاء به إليه فبعث خلف الرسول الذى جاء به من حسين فضرب عنقه وصعد عبيد الله ابن زياد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فوالله ما بى تقرن الصعبة وما يقعقع لى بالشنان وإنى لنكال لمن عادانى وسهام لمن حاربنى أنصف القارة ( 1 ) من رماها يا أهل البصرة إن أمير المؤمنين ولانى الكوفة وأنا غاد إليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبى سفيان وإياكم والخلاف والارجاف فوالذى لا إله غيره لئن بلغنى عن رجل منكم خلاف لأقتلنه وعريفه ووليه ولآخذن الأدنى بالأقصى حتى يستقيم لى الأمر ولا يكن فيكم مخالف ولا مشاقق أنا ابن زياد أشتهته من بين وطىء الحصى ولم يتنزعنى شبه خال ولا عم ثم خرج من البصرة ومعه مسلم ابن عمرو الباهلى فكان من أمره ما تقدم
قال أبو مخنف عن الصقعب بن زهير عن عون بن جحيفة قال كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذى الحجة وقتل يوم الأربعاء لتسع مضين من ذى الحجة وذلك يوم عرفة سنة ستين وكان ذلك بعد مخرج الحسين من مكة قاصدا أرض العراق بيوم واحد وكان خروج الحسين من المدينة إلى مكة يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب سنة ستين ودخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان فأقام بمكة بقية شعبان ورمضان وشوال والقعدة وخرج من مكة لثمان مضين من ذى الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية وفى رواية ذكرها ابن جرير أن مسلم بن عقيل لما بكى قال له عبيد الله بن عباس السلمى إن من يطلب مثل ما تطلب لا يبكى إذ انزل به مثل الذى نزل بك قال إنى والله ما لنفسى أبكى ومالها من القتل أرثى وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ولكننى أبكى لأهلى المقبلين إلى الكوفة أبكى الحسين وآل حسين ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال يا عبد الله إنى والله أراك ستعجز عن أمانى فهل عندك خير تستطيع أن تبعث رجلا على لسانى يبلغ حسينا عنى رسالة فانى لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم أو غدا هو واهل بيته وإن ما تراه من جزعى لذلك فتقول له إن ابن عقيل بعثنى إليك وهو فى أيدى القوم (8/158)
أسير لا يدرى أيصبح أم يمسى حتى يقتل وهو يقول لك ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فانهم أصحاب أبيك الذى كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل أن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبونى وليس لكاذب رأى فقال ابن الاشعث والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد أنى قد أمنتك قال أبو مخنف فدعا محمد بن الأشعث إياس بن العباس الطائى من بنى مالك بن ثمامة وكان شاعرا فقال له اذهب فالق حسينا فأبلغه هذا الكتاب وكتب فيه الذى أمره به ابن عقيل ثم أعطاه راحلة وتكفل له بالقيام بأهله وداره فخرج حتى لقى الحسين بزبالة لأربع ليال من الكوفة فأخبره الخبر وأبلغه الرسالة فقال الحسين كل ما حم نازل عند الله نحتسب وأنفسنا وفساد أئمتنا ولما انتهى مسلم إلى باب القصر وأراد شرب الماء قال له مسلم بن عمرو الباهلى أتراها ما أبردها والله لا تذوقها أبدا حتى تذوق الحميم فى نار جهنم فقال ابن عقيل ويحك من أنت قال أنا من عرف الحق إذ أنكرته ونصح لامامه إذ غششته وسمع وأطاع إذ عصيت أنا مسلم بن عمرو الباهلى فقال له مسلم لأمك الويل ما أجفاك وأفظك وأغلظك يا ابن ناهلة أنت والله أولى بالحميم ونار الجحيم
صفة مخرج الحسين إلى العراق
لما تواترت الكتب إلى الحسين من جهة أهل العراق وتكررت الرسل بينهم وبينه وجاءه كتاب مسلم بن عقيل بالقدوم عليه بأهله ثم وقع فى غبون ذلك ما وقع من قتل مسلم بن عقيل والحسين لا يعلم بشىء من ذلك بل قد عزم على المسير إليهم والقدوم عليهم فاتفق خروجه من مكة أيام التروية قبل مقتل مسلم بيوم واحد فان مسلما قتل يوم عرفة ولما أستشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك وحذروه منه وأشار عليه ذوو الرأى منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق وأمروه بالمقام بمكة وذكره ما جرى لأبيه وأخيه معهم قال سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس قال استشارنى الحسين بن على فى الخروج فقلت لولا أن يزرى بى وبك الناس لشبثت يدى فى رأسك فلم أتركك تذهب فكان الذى رد على أن قال لأن أقتل فى مكان كذا وكذا أحب إلى من أن أقتل بمكة قال فكان هذا الذى سلى نفسى عنه وروى أبو مخنف عن الحارث بن كعب الوالبى عن عقبة بن سمعان أن حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه ابن عباس فقال يا ابن عم إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق فبين لى ما أنت صانع فقال إنى قد أجمعت المسير فى أحد يومى هذين إن شاء الله تعالى فقال له ابن عباس أخبرنى إن كان قد دعوك بعد ما قتلوا أميرهم ونفوا عدوهم وضبطوا بلادهم فسر إليهم وإن كان أميرهم حى وهو مقيم عليهم قاهر لهم وعماله تجبى بلادهم فانهم إنما دعوك للفتنة والقتال ولا آمن عليك (8/159)
أن يستفزوا عليك الناس ويقلبوا قلوبهم عليك فيكون الذى دعوك أشد الناس عليك فقال الحسين إنى أستخير الله وأنظر ما يكون فخرج ابن عباس عنه ودخل ابن الزبير فقال له ما أدرى ما تركنا لهؤلاء القوم ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الامر دونهم أخبرنى ما تريد أن تصنع فقال الحسين والله لقد حدثت نفسى باتيان الكوفة ولقد كتب إلى شيعتى بها وأشرافها بالقدوم عليهم وأستخير الله فقال ابن الزبير أما لو كان لى بها مثل شيعتك ما عدلت عنها فلما خرج من عنده قال الحسين قد علم ابن الزبير أنه ليس له من الأمر معى شىء وأن الناس لم يعدلوا بى غيرى فود أنى خرجت لتخلو له فلما كان من العشى أو من الغد جاء ابن عباس إلى الحسين فقال له يا ابن عم إنى أتصبر ولا أصبر إنى أتخوف عليك فى هذا الوجه الهلاك إن أهل العراق قوم غدر فلا تغترن بهم أقم أمم فى هذا البلد حتى ينفى أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم وإلا فسر إلى اليمن فان به حصونا وشعابا ولأبيك به شيعة وكن عن الناس فى معزل واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم فانى أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب فقال الحسين يا ابن عم والله إنى لأعلم أنك ناصح شفيق ولكنى قد أزمعت المسير فقال له فان كنت ولا بد سائرا فلا تسر بأولادك ونسائك فوالله إنى لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه ثم قال ابن عباس أقررت عين ابن الزبير بتخليتك إياه بالحجاز فوالله الذى لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع على وعليك الناس أطعتنى وأقمت لفعلت ذلك قال ثم خرج من عنده فلقى ابن الزبير فقال قرت عينك يا ابن الزبير ثم قال ... يالك من قنبرة بمعمر ... خلالك الجو فبيضى واصفرى ... ونقرى ما شئت أن تنقرى ... صيادك اليوم قتيل فابشرى ...
ثم قال ابن عباس هذا حسين يخرج إلى العراق ويخليك والحجاز
وقال غير واحد عن شبابة بن سوار قال حدثنا يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسدى قال سمعت الشعبى يحدث عن ابن عمر أنه كان بمكة فبلغه أن الحسين بن على قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال أين تريد قال العراق وإذا معه طوامير وكتب فقال هذه كتبهم وبيعتهم فقال لا تاتهم فأبى فقال ابن عمر إنى محدثك حديثا إن جبريل أتى النبى صلى الله عليه و سلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنك بضعة من رسول الله والله ما يليها أحد منكم أبدا وما صرفها الله عنكم إلا للذى هو خير لكم فأبى أن يرجع قال فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال أستودعك الله من قتيل وقال يحيى بن معين حدثنا أبو عبيدة ثنا سليم بن حيان عن سعيد ابن مينا قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول عجل حسين قدره والله لو أدركته ما تركته يخرج (8/160)
إلا أن يغلبنى ببنى هاشم فتح هذا الأمر وببنى هاشم يختم فاذا رأيت الهاشمى قد ملك فقد ذهب الزمان قلت وهذا مع حديث ابن عمر يدل على أن الفاطميين أدعياء كذبة لم يكونوا من سلالة فاطمة كما نص عليه غير واحد من الأئمة على ما سنذكره فى موضعه إن شاء الله
وقال يعقوب بن سفيان حدثنا أبو بكر الحميدى ثنا أبو سفيان ثنا عبد الله بن شريك عن بشر ابن غالب قال قال ابن الزبير للحسين أين تذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك فقال لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أن تستحل بى يعنى مكة وقال الزبير بن بكار حدثنى عمى مصعب بن عبد الله أخبرنى من سمع هشام بن يوسف يقول عن معمر قال سمعت رجلا يحدث عن الحسين أنه قال لعبد الله بن الزبير أتتنى بيعة أربعين ألفا يحلفون بالطلاق والعناق إنهم معى فقال له ابن الزبير أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك قال هشام فسألت معمرا عن الرجل فقال هو ثقة قال الزبير وقال عمى وزعم بعض الناس أن ابن عباس هو الذى قال هذا وقد ساق محمد بن سعد كاتب الواقدى هذا سياقا حسنا مبسوطا فقال أنبأنا على ابن محمد عن يحيى بن إسماعيل بن أبى المهاجر عن أبيه وعن لوط يحيى العامرى عن محمد بن بشير الهمدانى وغيره وعن محمد بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير عن هارون بن عيسى عن يونس بن إسحاق عن أبيه وعن يحيى بن زكريا بن أبى زائدة عن مجالد عن الشعبى قال محمد بن سعد وغير هؤلاء قد حدثنى أيضا فى هذا الحديث بطائفة فكتبت جوامع حديثهم فى مقتل الحسين رضى الله عنه وأرضاه قالوا لما بايع الناس معاوية ليزيد كان حسين ممن لم يبايع له وكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم فى خلافة معاوية كل ذلك يأبى عليهم فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية يطلبون إليه أن يخرج معهم فأبى وجاء إلى الحسين يعرض عليه أمرهم فقال له الحسين إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا ويستطيلوا بنا ويستنبطوا دماء الناس ودماءنا فأقام حسين على ما هو عليه من الهموم مرة يريد أن يسير إليهم ومرة يجمع الاقامة عنهم فجاءه أبو سعيد الخدرى فقال يا أبا عبد الله إنى لكم ناصح وإنى عليكم مشفق وقد بلغنى أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج إليهم فانى سمعت أباك يقول بالكوفة والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملونى وأبغضونى وما يكون منهم وفاء قط ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب والله ما لهم نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على السيف قال وقدم المسيب بن عتبة الفزارى فى عدة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن فدعوه إلى خلع معاوية وقالوا قد علمنا رأيك ورأى أخيك فقال إنى لأرجو أن يعطى الله أخى على نيته فى حبه الكف وأن يعطينى على نيتى (8/161)
فى حبى جهاد الظالمين وكتب مروان إلى معاوية إنى لست آمن أن يكون حسين مرصدا للفتنة وأظن يومكم من حسين طويلا فكتب معاوية إلى الحسين إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء وقد أنبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق وأهل العراق من قد جربت قد أفسدوا على أبيك وأخيك فاتق الله واذكر الميثاق فانك متى تكدنى أكدك فكتب اليه الحسين أتانى كتابك وأنا بغير الذى بلغك عنى جدير والحسنات لا يهدى لها إلا الله وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا وما أظن لى عند الله عذرا فى ترك جهادك وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة
فقال معاوية إن أثرنا بأبى عبد الله إلا شرا وكتب إليه معاوية أيضا فى بعض ما بلغه عنه إنى لأظن أن فى رأسك نزوة فوددت أنى أدركها فأغفرها لك قالوا فلما احتضر معاوية دعا يزيد فأوصاه بما أوصاه به فقال له انظر حسين بن على بن فاطمة بنت رسول الله فانه أحب الناس إلى الناس فصل رحمه وارفق به يصلح لك أمره فان يكن منه شىء فأنى أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه وتوفى معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين وبايع الناس يزيد فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامرى عامر بن لؤى إلى الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وهو على المدينة أن ادع الناس فبايعهم وابدأ بوجوه قريش وليكن أول من تبدأ به الحسين بن على فان أمير المؤمنين عهد إلى فى أمره الرفق به واستصلاحه فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلى الحسين بن على وعبد الله بن الزبير فأخبرهما بوفاة معاوية ودعاهما إلى البيعة ليزيد ابن معاوية فقالا إلى أن نصبح وننظر ما يصنع الناس ووثب الحسين فخرج وخرج معه ابن الزبير وقالا هو يزيد الذى نعرف والله ما حدث له عزم ولا مروءة وقد كان الوليد أغلظ للحسين فشتمه الحسين وأخذ عمامته فنزعها من رأسه فقال الوليد إن هجنا بأبى عبد الله إلا شرا فقال له مروان أو بعض جلسائه اقتله فقال إن ذلك لدم مضنون به مصون فى بنى عبد مناف قالوا وخرج الحسين وابن الزبير من ليلتهما إلى مكة وأصبح الناس فغدوا على البيعة ليزيد وطلب الحسين وابن الزبير فلم يوجدا فقال المسور بن مخرمة عجل الحسين وابن الزبير يلفته ويرجيه ليخلو بمكة فقدما مكة فنزل الحسين دار العباس ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافرى وجعل يحرض الناس على بنى أمية وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول هم شيعتك وشيعة أبيك وكان ابن عباس ينهاه عن ذلك وقال له عبد الله بن مطيع إنى فداؤك وأبى وأمى فأمتعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذونا عبيدا وخولا قالوا ولقيهما عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وابن أبى ربيعة بالأبواء منصرفين (8/162)
من العمرة فقال لهما ابن عمر أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما فى صالح ما يدخل فيه الناس وتنظر فان اجتمع الناس عليه فلم تشدا وإن افترقوا عليه كان الذى تريدان وقال ابن عمر للحسين لا تخرج فان رسول الله صلى الله عليه و سلم خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة وإنك بضعة منه ولا تنالها يعنى الدنيا واعتنقه وبكى وودعه فكان ابن عمر يقول غلبنا حسين بن على بالخروج ولعمرى لقد رأى فى أبيه واخيه عبرة فرأى من الفتنة وخذلان الناس لهما ما كان ينبغى له أن لا يتحرك ما عاش وأن يدخل فى صالح ما دخل فيه الناس فان الجماعة خير وقال له ابن عباس واين تريد يا ابن فاطمة فقال العراق وشيعتى فقال إنى لكاره لوجهك هذا تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك حتى تركهم سخطة وملالة لهم أذكرك الله أن تغزر بنفسك وقال أبو سعيد الخدرى غلبنى الحسين على الخروج وقلت له اتق الله فى نفسك والزم بيتك ولا تخرج على إمامك وقال أبو واقد الليثى بلغنى خروج الحسين بن على فأدركته بملل فناشدته الله أن لا يخرج فانه يخرج فى غير وجه الخروج إنما خرج يقتل نفسه فقال لا أرجع وقال جابر بن عبد الله كلمت حسينا فقلت اتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض فوالله ما حمدتم ما صنعتم فعصانى وقال سعيد بن المسيب لو أن حسينا لم يخرج لكان خيرا له وقال أبو سلمة ابن عبد الرحمن وقد كان ينبغى لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ولكن شجعه على ذلك ابن الزبير وكتب إليه المسور بن مخرمة إياك أن تغتر بكتب أهل العراق وبقول ابن الزبير الحق بهم فانهم ناصروك وقال له ابن عباس لا تبرح الحرم فانهم إن كانت بهم إليك حاجة فسيضربوه إليك أباط الابل حتى يوافوك فتخرج فى قوة وعدة فجزاه خيرا وقال أستخير الله فى ذلك وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة وتخبره أنه إن لم يفعل إنما يساق إلى مصرعه وتقول أشهد لسمعت عائشة تقول إنها سمعت رسول الله ص يقول يقتل الحسين بأرض بابل فلما قرأ كتابها قال فلا بد لى إذا من مصرعى ومضى وأتاه بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال له يا ابن عم قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره فأذكرك الله فى نفسك فقال جزاك الله يا ابن عم خيرا مهما يقضى الله من أمر يكن فقال ابو بكر إنا لله وإنا إليه راجعون نحتسب أباه عبد الله عند الله وكتب إليه عبد الله بن جعفر كتابا يحذره اهل العراق ويناشده الله إن شخص إليهم فكتب إليه الحسين إنى رأيت رؤيا ورأيت رسول الله ص أمرنى بامر وأنا ماض له ولست بمخبر بها أحدا حتى ألاقى عملى وكتب إليه عمرو بن سعيد بن (8/163)
العاص نائب الحرمين إنى أسأل الله أن يلهمك رشدك وأن يصرفك عما يرديك بلغنى أنك قد عزمت على الشخوص إلى العراق وإنى أعيذك الله من الشقاق فانك إن كنت خائفا فاقبل إلى فلك عندى الامان والبر والصلة فكتب إليه الحسين إن كنت أردت بكتابك برى وصلتى فجزيت خيرا فى الدنيا والآخرة وإنه لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين وخير الأمان أمان الله ولم يؤمن بالله من لم يخفه فى الدنيا فنسأل الله مخافة فى الدنيا توجب لنا أمانا يوم القيامة عنده قالوا وكتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكة وأحسبه قد جاءه رجال من أهل المشرق فمنوه الخلافة وعندك منهم خير وتجربة فان كان قد فعل فقد قطع راسخ القرابة وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه فاكففه عن السعى فى الفرقة وكتب لهذه الأبيات إليه وإلى من بمكة والمدينة من قريش ... يا أيها الراكب العادى مطيته ... على غدافرة فى سيرها فحم ... أبلغ قريشا على نأى المزار بها ... بينى وبين حسين الله والرحم ... وموقف بفناء البيت أنشده ... عهد الاله وما توفى به الذمم ... عنيتم قومكم فخرا بأمكم ... أم لعمرى حصان برة كرم ... هى التى لا يدانى فضلها أحد ... بنت الرسول وخير الناس قد علموا ... وفضلها لكم فضل وغيركم ... من قومكم لهم فى فضلها قسم ... إنى لأعلم أو ظنا كعالمه ... والظن يصدق أحيانا فينتظم ... أن سوف يترككم ما تدعون بها ... قتلى تهاداكم العقبان والرخم ... يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ مسكت ... ومسكوا بحبال السلم واعتصموا ... قد جرب الحرب من قد كان قبلكم ... من القرون وقد باذت بها الأمم ... فانصفوا قومكم لا تهلكوا برحا ... فرب ذى برح زلت به القدم ...
قال فكتب إليه ابن عباس إنى لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه ولست أدع النصيحة له فى كل ما تجتمع به الألفة وتطفى به الثائرة ودخل ابن عباس على الحسين فكلمه طويلا وقال له أنشدك ان تهلك غدا بحال مضيعة لاتأتى العراق وإن كنت لا بد فاعلا فأقم حتى ينقضى الموسم وتلقى الناس وتعلم ما يصدرون ثم ترى رأيك وذلك فى عشر ذى الحجة فأبى الحسين إلا أن يمضى إلى العراق فقال له ابن عباس والله إنى لأظنك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته والله إنى لأخاف أن تكون أنت الذى يقاد به عثمان فأنا لله وإنا إليه راجعون فقال له الحسين أبا العباس إنك شيخ قد كبرت فقال له ابن عباس لولا أن يزرى (8/164)
ذلك بى وبك لنشبت يدى فى رأسك ولو أعلم أنا إذا تباصينا أقمت لفعلت ولكن لا أخال ذلك مانعك فقال الحسين لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أن أقتل بمكة وتستحل بى قال فبكى ابن عباس وقال أقررت عين ابن الزبير بذلك وذلك الذى سلى نفسى عنه قال ثم خرج ابن عباس عنه وهو مغضب وابن الزبير على الباب فلما رآه قال يا ابن الزبير قد أتى ما أحببت قرت عينك هذا أبو عبد الله خارج ويتركك والحجاز ثم قال ... يالك من قنبرة بمعمر ... خلالك الجو فبيضى واصفرى ... ونقرى ما شئت أن تنقرى ... صيادك اليوم قتيل فابشرى ...
قال وبعث الحسين إلى المدينة يقدم عليه من خف من بنى عبد المطلب وهم تسعة عشر رجلا ونساء وصبيان من إخوته وبناته ونسائه وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسينا بمكة فأعلمه ان الخروج ليس له برأى يومه هذا فأبى الحسين أن يقبل فحبس محمد بن الحنفية ولده فلم يبعث أحدا منهم حتى وجد الحسين فى نفسه على محمد وقال ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه فقال وما حاجتى إلى أن تصاب ويصابون معك وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم قالوا وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم فخرج متوجها إليهم فى أهل بيته وستين شخصا من أهل الكوفة صحبته وذلك يوم الاثنين فى عشر ذى الحجة فكتب مروان إلى ابن زياد أما بعد فان الحسين بن على قد توجه إليك وهو الحسين بن فاطمة وفاطمة بنت رسول الله ص وتالله ما احد يسلمه الله احب إلينا من الحسين فاياك أن تهيج على نفسك مالا يسده شىء ولا تنساه العامة ولا تدع ذكره آخر الدهر والسلام وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص أما بعد فقد توجه إليك الحسين وفى مثلها تعتق أو تكون عبدا تسترق كما يسترق العبيد وقال الزبير بن بكار حدثنى محمد بن الضحاك عن أبيه قال كتب يزيد إلى ابن زياد إنه قد بلغنى أن حسينا قد سار إلى الكوفة وقد ابتلى به زمانك من بين الأزمان وبلدك من بين البلدان وابتليت أنت به من بين العمال وعندها تعتق أو تعود عبدا كما ترق العبيد وتعبد فقتله ابن زياد وبعث برأسه إليه
قلت والصحيح أنه لم يبعث برأس الحسين إلى الشام كما سيأتى وفى رواية أن يزيد كتب إلى ابن زياد قد بلغنى أن الحسين قد توجه إلى نحو العراق فضع المناظر والمسالح واحترس واحبس على الظنة وخذ على التهمة غير أن لا تقتل إلا من قاتلك واكتب إلى فى كل ما يحدث من خبر والسلام (8/165)
قال الزبير بن بكار وحدثنى محمد بن الضحاك قال لما أراد الحسين الخروج من مكة إلى الكوفة مر بباب المسجد الحرام وقال ... لا ذعرت السوام فى فلق الصبح ... مغيرا ولا دعيت يزيدا ... يو أعطى مخافة الموت ضيما ... والمنايا ترصدننى أن أحيدا ...
وقال أبو مخنف قال أبو حناب يحيى بن أبى خيثمة عن عدى بن حرملة الأسدى عن عبد الله ابن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديين قالا خرجنا حاجين من الكوفة فقدمنا مكة فدخلنا يوم التروية فاذا نحن بالحسين وابن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين إن شئت ان تقم أقمت فوليت هذا الأمر فوازرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك فقال الحسين إن ابى حدثنى أن لها كبشا يستحل حرمتها يقتل فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش فقال له ابن الزبير فأقم إن شئت وولنى أنا الأمر فتطاع ولا تعصى فقال وما أريد هذا أيضا ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا فما زالا يتناجيان حتى سمعنا دعاة الناس متوجهين إلى منى عند الظهيرة قالا فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة وقصر من شعره وحل من عمرته ثم توجه نحو الكوفة وتوجهنا نحن مع الناس إلى منى
وقال أبو مخنف حدثنى الحارث بن كعب الوالبى عن عقبة بن سمعان قال لما خرج الحسين من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد يعنى نائب مكة عليهم أخوه يحيى بن سعيد فقالوا له انصرف أين تريد فأبى عليهم ومضى وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسياط والعصى ثم إن حسينا واصحابه امتنعوا منهم امتناعا قويا ومضى الحسين على وجهه ذلك فناداه يا حسين الا تتقى الله تخرج من الجماعة وتفرق بين الأمة بعد اجتماع الكلمة قال فتأول الحسين هذه الاية لى عملى ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برىء مما تعملون
قال ثم إن الحسين مر بالتنعيم فلقى بها عيرا قد بعث بها بجير بن زياد الحميرى نائب اليمن قد أرسلها من اليمن إلى يزيد بن معاوية عليها ورس وحلل كثيرة فأخذها الحسين وانطلق بها واستأجر أصحاب الجمال عليها إلى الكوفة ودفع إليهم أجرتهم ثم ساق أبو مخنف باسناده الأول ان الفرزدق لقى الحسين فى الطريق فسلم عليه وقال له أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب فسأله الحسين عن أمر الناس وما وراءه فقال له قلوب الناس معك وسيوفهم مع بنى أمية والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء فقال له صدقت لله الأمر من قبل ومن بعد يفعل ما يشاء وكل يوم ربنا فى شان إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته ثم حرك الحسين راحلته وقال (8/166)
السلام عليكم ثم افترقا وقال هشام بن الكلبى عن عوانة بن الحكم عن ليطة بن غالب بن الفرزدق عن أبيه قال ححجبت بأمى فبينما أنا أسوق بها بعيرها حين دخلت الحرم فى أيام الحج وذلك فى سنة ستين إذ لقيت الحسين خارجا من مكة معه أسيافه وأتراسه فقلت له بأبى وامى يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج فقال لو لم أعجل لأخذت ثم سألنى ممن أنت فقلت امرؤ من العراق فسألنى عن الناس فقلت له القلوب معك والسيوف مع بنى أمية وذكر نحو ما تقدم
قال الفرزدق وسألت الحسين عن أشياء وعن المناسك فأخبرنى بها قال وإذا هو ثقيل اللسان من برسام كان أصابه بمن بالعراق قال ثم مضيت فاذا فسطاط مضروب فى الحرم وهيئة حسنه فاذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص فسألنى فأخبرته أنى لقيت الحسين قال فهلا أتبعته فان الحسين لا يحيك فيه السلاح ولا يجوز فيه وفى أصحابه فندم الفرزدق وهم أن يلحق به ووقع فى قلبه مقالة ابن عمرو ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم فصدنى ذلك عن اللحاق به فلما بلغه أنه قتل لعن ابن عمرو وكان ابن عمرو يقول والله لا تبلغ الشجرة ولا النخلة ولا الصغير حتى يبلغ هذا الأمر ويظهر وإنما أراد ابن عمرو بقوله لا يحيك فيه أي السلاح الذى لم يقدر أن يقتل به وقيل غير ذلك وقيل أراد الهزل بالفرزدق قالوا ثم سار الحسين لا يلوى على شىء حتى نزل ذات عرق
قال أبو مخنف فحدثنى الحارث بن كعب الوالبى عن على بن الحسين بن على قال لما خرجنا من مكة كتب عبد الله بن جعفر إلى الحسين مع ابنه عون ومحمد أما بعد فانى أسائلك بالله لما انصرفت حتى تنظر فى كتابى هذا فانى مشفق عليك من الوجه الذى توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك إن هلكت اليوم طفىء نور الاسلام فانك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا تعجل بالسير فانى فى أثر كتابى والسلام ثم نهض عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد نائب مكة فقال له اكتب إلى الحسين كتابا تجعل له فيه الأمان وتمنيه فى البر والصلة وتوثق له فى كتابك وتساله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع فقال له عمرو اكتب عنى ما شئت وأتنى به حتى أختمه فكتب ابن جعفر على لسان عمرو بن سعيد ما أراد عبد الله ثم جاء بالكتاب إلى عمرو فختمه بخاتمة وقال عبد الله لعمرو بن سعيد ابعث معى أمانك فبعث معه أخاه يحيى فانصرفا حتى لحقا الحسين فقرآ عليه الكتاب فأبى أن يرجع وقال إنى رأيت رسول الله ص فى المنام وقد أمرنى فيها وأنا بامر وأنا ماض له فقالا وما تلك الرؤيا فقال لا أحدث بها أحدا حتى ألقى ربى عز و جل
قال أبو مخنف وحدثنى محمد بن قيس أن الحسين أقبل حتى إذا بلغ الحاجر من بطن ذى الرمة (8/167)
بعث قيس بن مسهر الصيداوى إلى أهل الكوفة وكتب معه إليهم بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن على إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فانى أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو أما بعد فان كتاب مسلم بن عقيل جاءنى يخبرنى فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فنسأل الله أن يحسن لنا الصنيع وأن يتيبكم على ذلك أعظم الأجر وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذى الحجة يوم التروية فاذا قدم عليكم رسولى فاكتموا أمركم وجدوا فانى قادم عليكم فى أيامى هذه إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال وكان كتاب مسلم قد وصل إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة ومضمونه أما بعد فان الرائد لا يكذب أهله وإن جميع أهل الكوفة معك فأقبل حين تقرأ كتابى هذا والسلام عليكم
قال وأقبل قيس بن مسهر الصيداوى بكتاب الحسين إلى الكوفة حتى إذا انتهى إلى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زياد فقال له ابن زياد اصعد إلى أعلا القصر فسب الكذاب ابن الكذاب على بن أبى طالب وابنه الحسين فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن هذا الحسين بن على خير خلق الله وهو ابن فاطمة بنت رسول الله ص وأنا رسوله إليكم وقد فارقته بالحاجز من بطن ذى الرمة فأجيبوه واسمعوا له وأطيعوا ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه واستغفر لعلى والحسين فأمر به ابن زياد فألقى من رأس القصر فتقطع ويقال بل تكسرت عظامه وبقى فيه بقية رمق فقام إليه عبد الملك بن عمير البجلى فذبحه وقال إنما أردت إراحته من الألم وقيل إنه رجل يشبه عبد الملك بن عمير وليس به وفى رواية أن الذى قدم بكتاب الحسين إنما هو عبد الله بن بقطر أخو الحسين من الرضاعة فألقى من أعلى القصر والله أعلم
ثم أقبل الحسين يسير نحو الكوفة ولا يعلم بشىء مما وقع من الأخبار قال أبو مخنف عن أبى على الأنصارى عن بكر بن مصعب المزنى قال وكان الحسين لا يمر بماء من مياه العرب إلا اتبعوه قال قال أبو مخنف عن أبى جناب عن عدى بن حرملة عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديين قالا لما قضينا حجنا لم يكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين فأدركناه وقد مر برجل من بنى أسد فهم الحسين أن يكلمه ويساله ثم ترك فجئنا ذلك الرجل فسألناه عن أخبار الناس فقال والله لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة ورأيتهما يجران بأرجلهما فى السوق قالا فلحقنا الحسين فأخبرناه فجعل يقول إنا لله وإنا إليه راجعون مرارا فقلنا له الله الله فى نفسك فقال لا خير فى العيش بعدهما قلنا خار الله لك وقال له بعض أصحابه والله ما انت مثل مسلم بن عقيل ولو قد قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع وقال غيرهما لما سمع أصحاب الحسين بمقتل مسلم بن عقيل وثب عند ذلك بنو عقيل بن أبى طالب وقالوا لا والله (8/168)
لا ترجع حتى ندرك ثأرنا ما نذوق أخونا فسار الحسين حتى إذا كان بزرود بلغه ايضا مقتل الذى بعثه بكتابه إلى أهل الكوفة بعد أن خرج من مكة ووصل إلى حاجر فقال خذلتنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج عليه وليس عليه منا ذمام قال فتفرق الناس عنه أيادى سبا يمينا وشمالا حتى بقى فى أصحابه الذين جاؤا معه من مكة وإنما فعل ذلك لأنه ظن أن من اتبعه من الأعراب إنما اتبعوه لأنه يأتى بلدا قد استقامت له طاعة اهلها فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على م يقدمون وقد علم أنه إذا بين لهم الأمر لم يصحبه إلا من يريد مواساته فى الموت معه قال فلما كان السحر امر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا منه ثم سار حتى مر ببطن العقبة فنزل بها
وقال محمد بن سعد حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا جعفر بن سليمان عن يزيد الرشك قال حدثنى من شافه الحسين قال رأيت اخبية مضروبة بفلاة من الأرض فقلت لمن هذه قالوا هذه لحسين قال فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خديه ولحيته قال قلت بأبى وأمى يا ابن بنت رسول الله ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التى ليس بها أحد فقال هذه كتب أهل الكوفة إلى ولا أراهم إلا قاتلى فاذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا اذل من قرم الامة يعنى مقنعتها وأخبرنا على بن محمد عن الحسن بن دينار عن معاوية بن قرة قال قال الحسين والله لتعتدن على كما اعتدت بنو إسرائيل فى السبت وحدثنا على بن محمد عن جعفر بن سليمان الضبعى قال قال الحسين والله لا يدعونى حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفى فاذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قرم الامة فقتل بنينوى يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وقال يعقوب بن سفيان حدثنا أبو بكر الحميدى ثنا سفيان ثنا شهاب بن حراش عن رجل من قومه قال كنت فى الجيش الذين بعثهم ابن زياد إلى الحسين وكانوا أربعة آلاف يريدون قتال الديلم فعينهم ابن زياد وصرفهم إلى قتال الحسين فلقيت حسينا فرأيته أسود الرأس واللحية فقلت له السلام عليك أبا عبد الله فقال وعليك السلام وكانت فيه غنة فقال لقد باتت فيكم سللة منذ الليلة يعنى سراقا قال شهاب فحدثت به زيد بن على فأعجبه وكانت فيه غنة قال سفيان بن عيينة وهى فى الحسينيين
قال أبو مخنف عن أبى خالد الكاهلى قال لما صبحت الخيل الحسين بن على رفع يديه فقال اللهم أنت ثقتى فى كل كرب ورجائى فى كل شدة وأنت لى من كل أمر نزل ثقة وعدة فكم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو فأنزلته بك (8/169)
وشكوته إليك رغبة فيه إليك عمن سواك ففرجته وكشفته وكفيتنيه فأنت لى ولى كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل غاية وقال أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنى حجاج بن محمد عن أبى معشر عن بعض مشيخته قال قال الحسين حين نزلوا كربلاء ما اسم هذه الأرض قالوا كربلاء قال كرب وبلاء وبعث عبيد الله بن زياد عمر بن سعد لقتالهم فقال له الحسين يا عمر اختبرنى إحدى ثلاث خصال إما أن تتركنى أرجع كما جئت فان أبيت هذه فسيرنى إلى يزيد فأضع يدى فى يده فيحكم فى ما رأى فان أبيت هذه فسيرنى إلى الترك فأقاتلهم حتى أموت فأرسل إلىابن زياد بذلك فهم أن يسيره إلى يزيد فقال شمر بن ذى الجوشن لا إلا أن ينزل على حكمك فأرسل إلى الحسين بذلك فقال الحسين والله لا أفعل وأبطأ عمر عن قتاله فأرسل ابن زياد شمر بن ذى الجوشن وقال له إن تقدم عمر فقاتل وإلا فاقتله وكن مكانه فقد وليتك الامرة وكان مع عمر قريب من ثلاثين رجلا من أعيان أهل الكوفة فقالوا له يعرض عليكم ابن بنت رسول الله ص ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئا فتحولوا مع الحسين يقاتلون معه
وقال أبو زرعة حدثنا سعيد بن سليمان ثنا عباد بن العوام عن حصين قال أدركت من مقتل الحسين قال فحدثنى سعد بن عبيدة قال فرأيت الحسين وعليه جبة برود ورماه رجل يقال له عمرو ابن خالد الطهوى بسهم فنظرت إلى السهم معلقا بجبته وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عمار الرازى حدثنى سعيد بن سليمان ثنا عباد بن العوام ثنا حصين أن الحسين بعث إليه أهل الكوفة إن معك مائة ألف فبعث إليهم مسلم بن عقيل فذكر قصة مقتل مسلم كما تقدم قال حصين فحدثنى هلال بن يساف أن ابن زياد أمر الناس أن يأخذوا ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة حفظا فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج وأقبل الحسين ولا يشعر بشىء حتى أتى الأعراب فسألهم عن الناس فقالوا والله لا ندرى غير أنك لا تستطيع أن تلج ولا تخرج قال فانطلق يسير نحو يزيد بن معاوية فتلقته الخيول بكربلاء فنزل يناشدهم الله والاسلام قال وكان بعث إليه ابن زياد عمر بن سعد وشمر بن ذى الجوشن وحصين بن نمير فناشدهم الله والاسلام أن يسيروه إلى أمير المؤمنين يزيد فيضع يده فى يده فقالوا له لا إلا أن تنزل على حكم ابن زياد وكان فى جملة من معهم الحر بن يزيد الحنظلى ثم النهشلى على خيل فلما سمع ما يقول الحسين قال لهم ألا تتقون الله ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم والله لو سألتكم هذا الترك والديلم ما حل لكم أن تردوهم فأبوا إلا حكم ابن زياد فضرب الحروجه فرسه وانطلق إلى الحسين فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم فلما دنا منهم قلب ترسه وسلم عليهم ثم كر على أصحاب ابن زياد فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمه الله وذكر أن زهير بن القين البجلى لقى الحسين وكان حاجا فأقبل معه وخرج إليه ابن أبى مخرمة (8/170)
المرادى ورجلان آخران وهما عمرو بن الحجاج ومعن السلمى وأقبل الحسين يكلم من بعث إليه ابن زياد وعليه جبة من برود فلما كلمهم انصرف فرماه رجل من بنى تميم يقال له عمرو الطهوى بسهم بين كتفيه فانى لأنظر إلى السهم بين كتفيه متعلقا بجبته فلما أبوا عليه رجع إلى مصافه وإنى لأنظر إليهم وهم قريب من مائة رجل فيهم لصلب على خمسة ومن بنى هاشم ستة عشر ورجل من بنى سليم حليف لهم ورجل من بنى كنانة حليف لهم وابن عم ابن زياد
وقال حصين حدثنى سعد بن عبيدة قال إنا لمستنقعون الماء مع عمر بن سعد إذ أتاه رجل فساره فقال له قد بعث إليك ابن زياد جويرية بن بدر التميمى وأمره إن لم تقاتل القوم أن يضرب عنقك قال فوثب إلى فرسه فركبها ثم دعا بسلاحه فلبسه وإنه لعلى فرسه ونهض بالناس إليهم فقاتلوهم فجىء برأس الحسين إلى ابن زياد فوضع بين يديه فجعل يقول بقضيبه فى أنفه ويقول إن أبا عبد الله كان قد شمط قال وجىء بنسائه وبناته وأهله قال وكان أحسن شىء صنعه أن أمر لهم بمنزل فى مكان معتزل وأجرى عليهم رزقا وأمر لهم بنفقة وكسوة قال وانطلق غلامان منهم من أولاد عبد الله بن جعفر أو ابن أبى جعفر فأتيا رجلا من طىء فلجآ إليه مستجيران به فضرب أعناقهما وجاء برأسيهما حتى وضعهما بين يدى ابن زياد قال فهم ابن زياد بضرب عنقه وأمر بداره فهدمت قال وحدثنى مولى لمعاوية بن أبى سفيان قال لما أتى يزيد برأس الحسين فوضع بين يديه رأيته يبكى ويقول لو كان بين ابن زياد وبينه رحم ما فعل هذا يعنى ابن زياد قال الحصين ولما قتل الحسين لبثوا شهرين أو ثلاثة كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع
قال أبو مخنف حدثنى لوذان حدثنى عكرمة أن أحد عمومته سأل الحسين أين تريد فحدثه فقال له أنشدك الله لما انصرفت راجعا فوالله ما بين يديك من القوم أحد يذب عنك ولا يقاتل معك وإنما والله أنت قادم على الأسنة والسيوف فان هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطأوا لك الأشياء ثم قدمت عليهم بعد ذلك كان ذلك رأيا فأما على هذه الصفة فانى لا أرى لك أن تفعل فقال له الحسين إنه ليس يخفى على ما قلت وما رأيت ولكن الله لا يغلب على أمره ثم ارتحل قاصدا الكوفة وقال خالد بن العاص ... رب مستنصح يغش ويردى ... وظنين بالغيب يلقى نصيحا ...
وقد حج بالناس فى هذه السنة عمرو بن سعيد بن العاص وكان عامل المدينة ومكة ليزيد وقد عزل يزيد عن إمرة المدينة الوليد بن عتبة وولاها عمرو بن سعيد بن العاص فى شهر رمضان منها والله سبحانه وتعالى أعلم (8/171)
ثم دخلت سنة إحدى وستين
استهلت هذه السنة والحسين بن على سائر إلى الكوفة فيما بين مكة والعراق ومعه أصحابه وقراباته فقتل فى يوم عاشوراء من شهر المحرم من هذه السنة على المشهور الذى صححه الواقدى وغير واحد وزعم بعضهم أنه قتل فى صفر منهاا والأول أصح
وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب
قال أبو مخنف عن أبى جناب عن عدى بن حرملة عن عبد الله بن حرملة عن عبد الله بن سليم والمذرى ( 1 ) بن المشمعل الأسديين قالا أقبل الحسين فلما نزل شرف قال لغلمانه وقت السحر استقوا من الماء فأكثروا ثم ساروا إلى صدر النهار فسمع الحسين رجلا يكبر فقال له مم كبرت فقال رأيت النخيلة فقال له الأسديان إن هذا المكان لم ير أحد منه نخيلة فقال الحسين فماذا تريانه رأى فقالا هذه الخيل قد أقبلت فقال الحسين أما لنا ملجأ نجعله فى ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد فقالا بلى ذو حسم فأخذ ذات اليسار إليها فنزل وأمر بأبنيته فضربت وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمى وهم مقدمة الجيش الذين بعثهم ابن زياد حتى وقفوا فى مقابلته فى نحو الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدون سيوفهم فأمر الحسين أصحابه أن يترووا من الماء ويسقوا خيولهم وأن يسقوا خيول أعدائهم أيضا وروى هو وغيره قالوا لما دخل وقت الظهر أمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفى فأذن ثم خرج الحسين فى إزار ورداء ونعلين فخطب الناس من أصحابه وأعدائه واعتذر إليهم فى مجيئه هذا إلى ههنا بأنه قد كتب إليه أهل الكوفة أنهم ليس لهم إمام وإن أنت قدمت علينا بايعناك وقاتلنا معك ثم أقيمت الصلاة فقال الحسين للحر تريد أن تصلى بأصحابك قال لا ولكن صل أنت ونحن نصلى وراءك فصلى بهم الحسين ثم دخل إلى خيمته واجتمع به أصحابه وانصرف الحر إلى جيشه وكل على أهبته فلما كان وقت العصر صلى بهم الحسين ثم انصرف فخطبهم وحثهم على السمع والطاعة له وخلع من عاداهم من الادعياء السائرين فيكم بالجور فقال له الحر إنا لا ندرى ما هذه الكتب ولا من كتبها فأحضر الحسين خرجين مملوءين كتبا فنثرها بين يديه وقرأ منها طائفة فقال الحر لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك فى شىء وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد فقال الحسين الموت أدنى من ذلك ثم قال الحسين لأصحابه اركبوا فركبوا النساء فلما أراد الانصراف حال القوم بينه وبين الانصراف فقال الحسين للحر ثكلتك امك ماذا تريد (8/172)
فقال له الحر أما والله لو غيرك يقولها لى من العرب وهو على مثل الحال التى أنت عليها لأقتصن منه ولما تركت أمه ولكن لا سبيل إلى ذكر أمك إلا بأحسن ما نقدر عليه وتقاول القوم وتراجعوا فقال له الحر إنى لم أومر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد فإذا أبيت فخذ طريقا لا يقدمك الكوفة ولا تردك إلى المدينة واكتب أنت إلى يزيد واكتب انا إلى ابن زياد إن شئت فلعل الله أن يأتى بأمر يرزقنى فيه العافية من أن أبتلى بشىء من أمرك قال فأخذ الحسين يسارا عن طريق العذيب والقادسية والحر بن يزيد يسايره وهو يقول له يا حسين إنى أذكرك الله فى نفسك فانى أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى فقال له الحسين أفبالموت تخوفنى ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وقد لقيه وهو يريد نصرة رسول الله ص فقال أين تذهب فانك مقتول فقال ... سأمضى وما بالموت عار على الفتى ... إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما ... وآسى الرجال الصالحين بنفسه ... وفارق خوفا ان يعيش ويرغما ...
ويروى على صفة أخرى
... سأمضى وما بالموت عار على امرىء ... إذا ما نوى حقا ولم يلف مجرما ... فان مت لم أندم وإن عشت لم ألم ... كفى بك موتا أن تذل وترغما ...
فلما سمع ذلك الحر منه تنحى عنه وجعل يسير بأصحابه ناحية عنه فانتهوا إلى عذيب الهجانات وإذا سفر أربعة أى أربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يخبون ويجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل قد أقبلوا من الكوفة يقصدون الحسين ودليلهم رجل يقال له الطرماح بن عدى راكب على فرس وهو يقول ... يا ناقتى لا تذعرى من زجرى ... وشمرى قبل طلوع الفجر ... بخير ركبان وخير سفر ... حتى تحلى بكريم النجر ... الماجد الحر رحيب الصدر ... أتى به الله لخير أمر ... ثمت أبقاه بقاء الدهر ...
فأراد الحر أن يحول بينهم وبين الحسين فمنعه الحسين من ذلك فلما خلصوا إليه قال لهم أخبرونى عن الناس وراءكم فقال له مجمع بن عبد الله العامرى أحد النفر الأربعة لاما أشراف الناس فهم إلب عليك لأنهم قد عظمت رشوتهم وملئت غرائرهم يستميل بذلك ودهم ويستخلص به نصيحتهم فهم إلب واحد عليك وأما سائر الناس فأفئدتهم تهوى إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك قال (8/173)
لهم فهل لكم برسولى علم قالوا ومن رسولك قال قيس بن مسهر الصيداوى قالوا نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك فصلى عليك وعلى أبيك ولعن زياد وأباه ودعا الناس إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك فأمر به فألقى من رأس القصر فمات فترقرت عينا الحسين وقرأ قوله تعالى فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر الآية ثم قال اللهم اجعل منازلهم الجنة نزلا واجمع بيننا وبينهم فى مستقر من رحمتك ورغائب مدخور ثوابك ثم إن الطرماح بن عدى قال للحسين انظر فما معك لا أرى معك أحدا إلا هذه الشرذمة اليسيرة وإنى لأرى هؤلاء القوم الذين يسايرونك أكفاء لمن معك فكيف وظاهر الكوفة مملوء بالخيول والجيوش يعرضون ليقصدونك فأنشدك الله إن قدرت أن لا تتقدم إليهم شبرا فافعل فان أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ومن الأسود والأحمر والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى أنزلك القرية ثم تبعث إلى الرجال من باجا وسلمى من طىء ثم أقم معنا ما بدا لك فأنا زعيم بعشرة آلاف طائى يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف فقال له الحسين جزاك الله خيرا فلم يرجع عما هو بصدده فودعه الطرماح ومضى الحسين فلما كان من الليل أمر فتيانه أن يستقوا من الماء كفايتهم ثم سرى فنعس فى مسيره حتى خفق برأسه واستيقظ وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين ثم قال رأيت فارسا على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسرى إليهم فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا فلما طلع الفجر صلى بأصحابه وعجل الركوب ثم تياسر فى مسيره حتى انتهى إلى تينوى فاذاراكب متنكب قوسا قد قدم من الكوفة فسلم على الحر بن يزيد ولم يسلم على الحسين ودفع إلى الحر كتابا من ابن زياد ومضمونه أن يعدل بالحسين فى السير إلى العراق فى غير قرية ولا حصن حتى تأتيه رسله وجنوده وذلك يوم الخميس الثانى من المحرم سنة إحدى وستين فلما كان من الغد قدم عمر بن سعد بن أبى وقاص فى أربعة آلاف وكان قد جهزه ابن زياد فى هؤلاء إلى الديلم فاستعفاه عمر بن سعد من ذلك فقال له ابن زياد إن شئت عفيتك وعزلتك عن ولاية هذه البلاد التى قد استنبتك عليها فقال حتى أنظر فى أمرى فجعل لا يستشير أحدا إلا نهاه عن المسير إلى الحسين حتى قال له ابن أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة إياك أن تسير إلى الحسين فتعصى ربك وتقطع رحمك فوالله لأن تخرج من سلطان الأرض كلها أحب إليك من أن تلقى الله بدم الحسين فقال إنى أفعل إن شاء الله تعالى ثم أن عبيد الله بن زياد تهدده وتوعده بالعزل والقتل فسار إلى الحسين فنازله فى المكان الذى ذكرنا ثم بعث إلى الحسين الرسل ما الذى أقدمك فقال (8/174)
كتب إلى اهل الكوفة أن أقدم عليهم فاذ قد كرهونى فأنا راجع إلى مكة وأذركم فلما بلغ عمر بن سعد هذا قال أرجو أن يعافينى الله من حربه وكتب إلى ابن زياد ذلك فرد عليه ابن زياد أن حل بينهم وبين الماء كما فعل بالتقى الزكى المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان واعرض على الحسين أن يبايع هو ومن معه لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية فاذا فعلوا ذلك رأينا رأينا وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين من الماء وعلى سرية منهم عمرو بن الحجاج فدعا عليهم بالعطش فمات هذا الرجل من شدة العطش ثم إن الحسين طلب من عمر بن سعد أن يجتمع به بين العسكرين فجاء كل واحد منهما فى نحو من عشرين فارسا فتكلما طويلا حتى ذهب هزيع من الليل ولم يدر أحد ما قالا ولكن ظن بعض الناس أنه سأله أن يذهب معه إلى يزيد بن معاوية إلى الشام ويتركا العسكرين متواقفين فقال عمر إذا يهدم ابن زياد داري فقال الحسين أنا أبنيها لك أحسن مما كانت قال إذا يأخذ ضياعى قال أنا أعطيك خيرا منها من مالى بالحجاز قال فتكره عمر بن سعد من ذلك وقال بعضهم بل سأل منه إما أن يذهبا إلى يزيد أو يتركه يرجع إلى الحجاز أو يذهب إلى بعض الثغور فيقاتل الترك فكتب عمر إلى عبيد الله بذلك فقال نعم قد قبلت فقام الشمر بن ذى الجوشن فقال لا والله حتى ينزل على حكمك هو وأصحابه ثم قال والله لقد بلغنى أن حسينا وابن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل فقال له ابن زياد فنعم ما رأيت
وقد روى أبو مخنف حدثنى عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان قال لقد صحبت الحسين من مكة إلى حين قتل والله ما من كلمة قالها فى موطن إلا وقد سمعتها وإنه لم يسأل أن يذهب إلى يزيد فيضع يده إلى يده ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور ولكن طلب منهم أحد أمرين إما أن يرجع من حيث جاء وإما أن يدعوه يذهب فى الأرض العريضة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه ثم إن عبيد الله بعث شمر بن ذى الجوشن فقال اذهب فان جاء حسين وأصحابه على حكمى وإلا فمر عمر بن سعد أن يقاتلهم فان تباطأ عن ذلك فاضرب عنقه ثم أنت الأمير على الناس وكتب إلى عمر بن سعد يتهدده على توانيه فى قتال الحسين وأمره إن لم يجىء الحسين إليه أن يقاتله ومن معه فانهم مشاقون فاستأمن عبيد الله بن أبى المحل لبنى عمته أم البنين بنت حرام من على وهم العباس وعبد الله وجعفر وعثمان فكتب لهم ابن زياد كتاب أمان وبعثه عبيد الله بن المحل مع مولى له يقال له كرمان فلما بلغهم ذلك قالوا أما أمان ابن سمية فلا نريده وإنا لنرجو أمانا خيرا من امان ابن سمية ولما قدم شمر بن ذى الجوشن على عمر بن سعد بكتاب عبيد الله بن زياد قال عمر أبعد الله دارك وقبح ما جئت به والله إنى لأظنك الذى صرفته عن الذى عرضت عليه من الأمور الثلاثة التى طلبها الحسين فقال له شمر فأخبرنى ما أنت صانع أتقاتلهم أنت أو تاركى وأياهم (8/175)
فقال له عمر لا ولا كرامة لك أنا أتولى ذلك وجعله على الرجالة ونهضوا إليهم عشية يوم الخميس التاسع من المحرم فقام شمر بن ذى الجوشن فقال أين بنو أختنا فقام إليه العباس وعبد الله وجعفر وعثمان بنو على بن أبى طالب فقال أنتم آمنون فقالوا إن أمنتنا وابن رسول الله ص وإلا فلا حاجة لنا بأمانك قال ثم نادى عمر بن سعد فى الجيش يا خيل الله اركبى وابشرى فركبوا وزحفوا إليهم بعد صلاة العصر من يومئذ هذا وحسين جالس أمام خيمته محتبيا بسيفه ونعس فخفق برأسه وسمعت أخته الضجة فدنت منه فأيقظته فرجع برأسه كما هو وقال إنى رأيت رسول الله ص فى المنام فقال لى إنك تروح إلينا فلطمت وجهها وقالت يا ويلتنا فقال ليس لك الويل يا أختاه اسكنى رحمك الرحمن وقال له أخوة العباس بن على يا أخى جاءك القوم فقال اذهب إليهم فسلهم ما بدا لهم فذهب إليهم فى نحو من عشرين فارسا فقال ما لكم فقالوا جاء أمر الأمير إما أن تأتوا على حكمه وإما أن نقاتلكم فقال مكانكم حتى أذهب إلى أبى عبد الله فأعلمه فرجع ووقف أصحابه فجعلوا يتراجعون القول ويؤنب بعضهم بعضا يقول أصحاب الحسين بئس القوم أنتم تريدون قتل ذرية نبيكم وخيار الناس فى زمانهم ثم رجع العباس بن على من عند الحسين إليهم فقال لهم يقول لكم أبو عبد الله انصرفوا عشيتكم هذه حتى ينظر فى أمره الليلة فقال عمر بن سعد لشمر بن ذى الجوشن ما تقول فقال أنت الأمير والرأى رأيك فقال عمر بن الحجاج بن سلمة الزبيدى سبحان الله والله لو سألكم ذلك رجل من الدليم لكان ينبغى إجابته وقال قيس بن الأشعث أجبهم إلى ما سألوك فلعمرى ليصبحنك بالقتال غدوة وهكذا جرى الأمر فان الحسين لما رجع العباس قال له ارجع فارددهم هذه العشية لعلنا نصلى لربنا هذه الليلة ونستغفره وندعوه فقد علم الله منى أنى أحب الصلاة له وتلاوة كتابه والاستغفار والدعاء وأوصى الحسين فى هذه الليلة إلى أهله وخطب أصحابه فى أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة وقال لأصحابه من أحب أن ينصرف إلى أهله فى ليلته هذه فقد أذنت له فان القوم إنما يريدوننى فقال مالك بن النضر على دين ولى عيال فقال هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه حجلا ليأخذ كل منكم بيد رجل من أهل بيتى ثم اذهبوا فى بسيط الأرض فى سواد هذا الليل إلى بلادكم ومدائنكم فان القوم إنما يريدوننى فلو قد أصابونى لهوا عن طلب غيرى فاذهبوا حتى يفرج الله عز و جل فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه لا بقاء لنا بعدك ولا أرانا الله فيك ما نكره فقال الحسين يا بنى عقيل حسبكم بمسلم أخيكم أذهبوا فقد أذنت لكم قالوا فما تقول الناس إنا تركنا شيخنا وسيدنا ونبى عمومتنا خير الأعمام لم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف رغبة فى الحياة الدنيا لا والله لا نفعل ولكن نفديك (8/176)
بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك وقال نحو ذلك مسلم بن عوسجة الأسدى وكذلك قال سعيد بن عبد الله الحنفى والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله ص فيك والله لو علمت أنى أقتل دونك ألف قتلة وأن الله يرفع اشرع بذلك القتل عنك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك لأحببت ذلك وإنما هى قتلة واحدة وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا من وجه واحد فقالوا والله لا نفارقك وأنفسنا الفداء لك نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا وأبداننا فاذا نحن قتلنا وفينا وقضينا ما علينا وقال أخوة العباس لا أرانا الله يوم فقدك ولا حاجة لنا فى الحياة بعدك وتتابع أصحابه على ذلك وقال
وقال أبو مخنف حدثنى الحارث بن كعب وأبو الضحاك عن على بن الحسين زين العابدين قال إنى لجالس تلك العشية التى قتل أبى فى صبيحتها وعمتى زينب تمرضنى إذا اعتزل أبى فى خبائه ومعه أصحابه وعنده حوى مولى أبى ذر الغفارى وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبى يقول ... يا دهر أف لك من خليل ... كم لك بالأشراق والآصيل ... من صاحب أو طالب قتيل ... والدهر لا يقنع بالبديل ... وإنما الأمر إلى الجليل ... وكل حى سالك السبيل ...
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى حفظتها وفهمت ما أراد فخنقتنى العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل وأما عمتى فقامت حاسرة حتى انتهت إليه فقالت واثكلاه ليت الموت أعدمنى الحياة اليوم ماتت أمى فاطمة وعلى أبى وحسن أخى يا خليفة الماضى وثمال الباقى فنظر إليها وقال يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان فقالت بأبى أنت وأمى يا أبا عبد الله استقتلت ولطمت وجهها وشقت جيبها وخرت مغشيا عليها فقام إليها فصب على وجهها الماء وقال يا أخيه اتق الله واصبرى وتعزى بعزاء الله واعلمى أن أهل الأرض يموتون وأن أهل السماء لا يبقون وأن كل شىء هالك إلا وجه الله الذى خلق الخلق بقدرته ويميتهم بقهره وعزته ويعيدهم فيعبدونه وحده وهو فرد وحده واعلمى أن أبى خير منى وأمى خير منى وأخى خير منى ولى ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة ثم خرج عليها أن لا تفعل شيئا من هذا بعد مهلكه ثم أخذ بيدها فردها إلى عندى ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يدنوا بيوتهم بعضها من بعض حتى تدخل الأطناب بعضها فى بعض وأن لا يجعلوا للعدو مخلصا إليهم إلا من جهة واحدة وتكون البيوت عن أيمانهم وعن شمائلهم ومن ورائهم وبات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم عليها عزرة بن قيس (8/177)
الأحمسى [ والحسين يقرأ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب الآية فسمعها رجل من تلك الخيل التى كانت تحرس من أصحاب إبن زياد فقال نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا الله منكم قال فعرفته فقلت لزيد ( 1 ) بن حضير أتدرى من هذا قال لا فقلت هذا أبو حرب السبيعى عبيد الله بن شمير وكان مضحاكا بطالا وكان شريفا شجاعا فاتكا وكان سعيد بن قيس ربما حبسه فى خبائه فقال له يزبد بن حصين يا فاسق متى كنت من الطيبين فقال من أنت ويلك قال أنا يزيد بن حصين قال أنا لله هلكت والله عدو الله علام يريد قتلك قال فقلت له يا أبا حرب هل لك أن تتوب من ذنوبك العظام فوالله إنا لنحن الطيبون وأنكم لأنتم الخبيثون قال نعم وأنا على ذلك من الشاهدين قال ويحك أفلا ينفعك معرفتك قال فانتهره عزرة بن قيس أمير السرية التى تحرسنا فانصرف عنا ] ( 1 ) قالوا فلما صلى عمر بن سعد الصبح بأصحابه يوم الجمعة وقيل يوم السبت وكان يوم عاشوراء إنتصب للقتال وصلى الحسين أيضا بأصحابه وهم إثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ثم إنصرف فصفهم فجعل على ميمنته زهير بن القين وعلى الميسرة حبيب بن المطهر وأعطى رايته العباس بن على أخاه وجعلوا البيوت بما فيها من الحرم وراء ظهورهم وقد أمر الحسين من الليل فحفروا وراء بيوتهم خندقا وقذفوا فيه حطبا وخشبا وقصبا ثم أضرمت فيه النار لئلا يخلص أحد إلى بيوتهم من ورائها وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدى وعلى الميسرة شمر بن ذى الجوشن وأسم ذى الجوشن شرحبيل بن الأعور بن عمرو بن معاوية من بنى الضباب بن كلاب وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسى وعلى الرجالة شبيث بن ربعى وأعطى الراية لوردان مولاه وتواقف الناس فى ذلك الموضع فعدل الحسين إلى خيمة قد نصبت فاغتسل فيها وانطلى بالنورة وتطيب بمسك كثير ودخل بعده بعض الأمراء ففعلوا كما فعل فقال بعضهم لبعض ما هذا فى هذه الساعة فقال بعضهم دعنا منك والله ما هذه بساعة باطل فقال يزيد بن حصين والله لقد علم قومى أنى ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا ولكن والله إنى لمستبشر بما نحن لاحقون والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء القوم فيقتلوننا ثم ركب الحسين على فرسه وأخذ مصحفا فوضعه بين يديه ثم استقبل القوم رافعا يديه يدعو بما تقدم ذكره اللهم أنت ثقتى فى كل كرب ورجائى فى كل شدة إلى آخره وركب إبنه على بن الحسين وكان ضعيفا مريضا فرسا يقال له الأحمق ونادى الحسين أيها الناس اسمعوا منى نصيحة أقولها لكم فأنصت الناس كلهم فقال بعد حمد (8/178)
الله والثناء عليه أيها الناس إن قبلتم منى وأنصفتمونى كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم على سبيل وإن لم تقبلوا منى فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون وإن وليى الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين
فلما سمع ذلك أخواته وبناته ارتفت أصواتهن بالبكاء فقال عند ذلك لا يبعد الله ابن عباس يعنى حين أشار عليه أن يخرج بالنساء معه ويدعهن بمكة إلى أن ينتظم الأمر ثم بعث أخاه العباس فسكتهن ثم شرع يذكر للناس فضله وعظمة نسبه وعلو قدره وشرفه ويقول راجعوا أنفسكم وحاسبوها هل يصلح لكم قتال مثلى وأنا ابن بنت نبيكم وليس على وجه الأرض ابن بنت نبى غيرى وعلى أبى وجعفر ذو الجناحين عمى وحمزة سيد الشهداء عم أبي وقال لى رسول الله ص ولأخى هذان سيدا شباب أهل الجنة فان صدقتمونى بما أقول فهو الحق فوالله ما تعمدت كذبة منذ علمت أن الله يمقت على الكذب وإلا فاسألوا أصحاب رسول الله ص عن ذلك جابر بن عبد الله وأبا سعيد وسهل بن سعد وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبرونكم بذلك ويحكم إما تتقون الله أما فى هذا حاجز لكم عن سفك دمى فقال عند ذلك شمر بن ذى الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كنت أدرى ما يقول فقال له حبيب بن المطهر ( 1 ) والله يا شمر إنك لتعبد الله على سبعين حرفا وأما نحن فوالله إنا لندرى ما يقول وإنه قد طبع على قلبك ثم قال أيها الناس ذرونى أرجع إلى مأمنى من الأرض فقالوا ما يمنعك أن تنزل على حكم بنى عمك فقال معاذ الله إنى عذت بربى وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها [ ثم قال أخبرونى أتطلبوني بقتيل لكم قتلته أو مال لكم أكلته أو بقصاصة من جراحه قال فأخذوا لا يكلمونه قال فنادى يا شبيث بن ربعى يا حجار بن أبجر يا قيس بن الأشعث يا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إلى أنه قد أينعت الثمار وأخضر الجناب فأقدم علينا فانك إنما تقدم على جند مجندة فقالوا له لم نفعل فقال سبحان الله والله لقد فعلتم ثم قال يا أيها الناس إذ قد كرهتمونى فدعونى أنصرف عنكم فقال له قيس بن الأشعث ألا تنزل على حكم بنى عمك فانهم لن يؤذوك ولا ترى منهم إلا ما تحب فقال له الحسين أنت أخو أخيك أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم ابن عقيل لا والله لا أعطيهم بيدى إعطاء الذليل ولا أقر لهم إقرار العبيد
قال وأقبلوا يزحفون نحوه وقد تحيز إلى جيش الحسين من أولئك طائفة قريب من ثلاثين فارسا فيما قيل منهم الحر بن يزيد أمير مقدمة جيش ابن زياد فاعتذر إلى الحسين مما كان منهم (8/179)
قال ولو أعلم أنهم على هذه النية لسرت معك إلى يزيد فقبل منه الحسين ثم تقدم بين يدى أصحاب الحسين فخاطب عمر بن سعد فقال ويحكم ألا تقبلون من ابن بنت رسول الله ص ما يعرض عليكم من الخصال الثلاث واحدة منها فقال لو كان ذلك إلى قبلت
قال وخرج من أصحاب الحسين زهير بن القين على فرس له شاك فى السلاح فقال يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ونحن حتى الآن أخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف فاذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه لينظر ما نحن وأنتم عاملون إنا ندعوكم إلى نصره وخذلان الطاغية ابن الطاغية عبيد الله بن زياد فأنكم لم تدركوا منهما إلا سوء عموم سلطانها يسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويقتلان أماثلكم وقراءكم أمثال حجر بن عدى وأصحابه وهانىء بن عروة وأشباهه قال فسبوه وأثنوا على ابن زياد ودعوا له وقالوا لا ننزع حتى نقتل صاحبك ومن معه فقال لهم إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية فان أنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم خلوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية نذهب حيث شاء فلعمرى إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين قال فرماه شمر بن ذى الجوشن بسهم وقال له اسكت اسكت الله نامتك أبرمتنا بكثرة كلامك فقال له زهير يا ابن البوال على عقبية إياك أخاطب إنما أنت بهيمة والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين فابشر بالخزى يوم القيامة والعذاب الأليم فقال له شمر إن الله قاتلك وصاحبك بعد ساعة فقال له زهير أبالموت تخوفنى فوالله للموت معه أحب إلى من الخلود معكم ثم إن زهيرا أقبل على الناس رافعا صوته يقول عباد الله لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافى وأشباهه فوالله لا ينال شفاعة محمد ص قوم أهرقوا دماء ذريته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم
وقال الحر بن يزيد لعمر بن سعد أصلحك الله أمقاتل أنت هذا الرجل قال إى والله قتالا أيسره أن تسقط الرؤس وتطيح الأيدى وكان الحر من أشجع أهل الكوفة فلامه بعض أصحابه على الذهاب إلى الحسين فقال له والله إنى أخير نفسى بين الجنة والنار ووالله لا أختار على الجنة غيرها ولو قطعت وحرقت ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين فاعتذر إليه بما تقدم ثم قال يا أهل الكوفة لامكم الهبل أدعوتم الحسين إليكم حتى إذا أتاكم أسلمتموه رغم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه ومنعتموه التوجه فى بلاد الله العريضة الوسيعة التى لا يمنع فيها الكلب والخنزير وحلتم بينه وبين الماء الفرات الجارى الذى يشرب منه الكلب والخنزير وقد صرعهم (8/180)
العطش بئس ما خلفتم محمدا فى ذريته لاسقاكم الله يوم الظما الأكبر إن لم تتوبوا وترجعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا فى ساعتكم هذه فحملت عليه رجاله لهم ترميه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين وقال لهم عمر بن سعد لو كان الأمر لى لأحببت الحسين إلى ما طلب ولكن أبى على عبيد الله بن زياد وقد خاطب أهل الكوفة وأنبهم ووبخهم وسبهم فقال لهم الحر بن يزيد ويحكم منعتم الحسين ونساءه وبناته الماء الفرات الذى يشرب منه اليهود والنصارى ويتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه فهو كالأسير فى أيديكم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا
قال فتقدم عمر بن سعد وقال لمولاه يا دريد أدن رايتك فأدناها ثم شمر عمر عن ساعده ورمى بسهم وقال أشهدوا أنى أول من رمى القوم قال فترامى الناس بالنبال وخرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله فقالا من يبارز فبرز لهما عبيد الله بن عمر الكلبى بعد استئذانه الحسين فقتل يسارا أولا ثم قتل سالما بعده وقد ضربه سالم ضربة أطار أصابع يده اليسرى وحمل رجل يقال له عبد الله بن حوزة حتى وقف بين يدى الحسين فقال له يا حسين أبشر بالنار فقال له الحسين كلا ويحك إنى أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع بل أنت أولى بالنار قالوا فانصرف فوقصته فرسه فسقط وتعلقت قدمه بالركاب وكان الحسين قد سأل عنه فقال أنا ابن حوزة فرفع الحسين يده وقال اللهم حزه إلى النار فغضب ابن حوزة وأراد أن يقحم عليه الفرس وبينه وبينه نهر فحالت به الفرس فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقى جانبه الآخر متعلقا بالركاب وشد عليه مسلم بن عوسجة فضربه فأطار رجله اليمنى وغارت به فرسه فلم يبقى حجر يمر به إلا ضربه فى رأسه حتى مات
وروى أبو مخنف عن أبى جناب قال كان منا رجل يدعى عبد الله بن عمير من بنى عليم كان قد نزل الكوفة واتخذ دارا عند بئر الجعد من همدان وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط فرأى الناس يتهيئون للخروج إلى قتال الحسين فقال والله لقد كنت على قتال أهل الشرك حريصا وإنى لأرجو أن يكون جهادى مع ابن بنت رسول الله ص لهؤلاء أفضل من جهاد المشركين وأيسر ثوابا عند الله فدخل إلى امرأته فأخبرها بما هو عازم عليه فقالت أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك افعل وأخرجنى معك قال فخرج بها ليلا حتى أتى الحسين ثم ذكر قصة رمى عمر بن سعد بالسهم وقصة قتله يسار مولى ابن زياد وسالم مولى ابن زياد وأن عبد الله ابن عمير استأذن الحسين فى الخروج إليهما فنظر إليه الحسين فرأى رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين فقال الحسين إنى لأحسبه للأقران قتالا اخرج إن شئت (8/181)
فخرج فقالا له من أنت فانتسب لهما فقالا لا نعرفك إلا من خير منكما ثم شد على يسار فكان كأمس الذاهب فانه لمشتغل به إذ حمل عليه سالم مولى ابن زياد فصاح به صائح قد رهقك العبد قال فلم ينتبه حتى غشية فضربه على يده اليسرى فأطار أصابعه ثم مال على الكلبى فضربه حتى قتله وأقبل يرتجز ويقول ... إن تنكرانى فأنا ابن كلب نسبى ... بيتى فى عليم حسبى ... إنى امرؤ ذو مروءة وعضب ... ولست بالخوار عند الكرب ... إنى زعيم لك أم وهب ... بالطعن فيهم مقدما والضرب ... ضرب غلام مؤمن بالرب ...
فأخذت أم وهب عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له فداؤك أبى وأمى قاتل دون الطيبين ذرية محمد عليه السلام فأقبل إليها يردها نحو النساء فأقبلت تجاذبه ثوبه قالت دعنى أكون معك فناداها الحسين انصرفى إلى النساء فاجلسى معهن فانه ليس على النساء قتال فانصرفت إليهن
قال وكثرت المبارزة يومئذ بين الفريقين والنصر فى ذلك لأصحاب الحسين لقوة بأسهم وأنهم مستميتون لاعاصم لهم إلا سيوفهم فأشار بعض الأمراء على عمر بن سعد بعدم المبارزة وحمل عمر بن الحجاج أمير ميمنة جيش ابن زياد وجعل يقول قاتلوا من مرق من الدين وفارق الجماعة فقال له الحسين ويحك يا حجاج أعلى تحرض الناس أنحن مرقنا الدين وأنت تقيم عليه ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولى بصلى النار وقد قتل فى هذه الحملة مسلم بن عوسجة وكان أول من قتل من أصحاب الحسين فمشى إليه الحسين فترحم عليه وهو على آخر رمق وقال له حبيب بن مطهر ابشر بالجنة فقال له بصوت ضعيف بشرك الله بالخير ثم قال له حبيب لولا أنى أعلم أنى على أثرك لاحقك لكنت أقضى ما توصى به فقال له مسلم بن عوسجة أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين إلى أن تموت دونه قالوا ثم حمل شمر بن ذى الجوشن بالميسرة وقصدوا نحو الحسين فدافعت عنه الفرسان من أصحابه دفاعا عظيما وكافحوا دونه مكافحة بليغة فأرسلوا يطلبون من عمر بن سعد طائفة من الرماة الرجالة فبعث إليهم نحوا من خمسمائة فجعلوا يرمون خيول أصحاب الحسين فعقروها كلها حتى بقى جميعهم رجاله ولما عقروا جواد الحر ابن يزيد نزل عنه وفى يده السيف كأنه ليث وهو يقول ... إن تعقروا بى فانا ابن الحر ... أشجع من ذى لبد هزبر ...
ويقال إن ابن عمر بن سعد أمر بتقويض تلك الأبنية التى تمنع من القتال من أتى ناحيتها فجعل أصحاب الحسين يقتلون من يتعاطى ذلك فأمر بتحريقها فقال الحسين دعوهم يحرقونها فانهم (8/182)
لا يستطيعون أن يجوزوا منها وقد أحرقت وجاء شمر بن ذى الجوشن قبحه الله إلى فسطاط الحسين فطعنه برمحه يعنى الفسطاط وقال إيتونى بالنار لأحرقه على من فيه فصاحت النسوة وخرجن منه فقال له الحسين أحرقك الله بالنار وجاء شبيث بن ربعى إلى شمر قبحه الله فقال له ما رأيت أقبح من قولك ولا من فعلك وموقفك هذا أتريد أن ترعب النساء فاستحى وهم بالرجوع وقال حميد بن مسلم قلت لشمر سبحان الله إن هذا لا يصلح لك أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء والله إن فى قتلك الرجال لما ترضى به أميرك قال فقال لى من أنت قلت لا أخبرك من أنا وخشيت أنى إن أخبرته فعرفنى أن يسوءنى عند السلطان
وشد زهير بن القين فى رجال من أصحاب الحسين على شمر بن ذى الجوشن فأزالوه عن موقفه وقتلوا أبا عزة الضبابى وكان من أصحاب شمر وكان الرجل من أصحاب الحسين إذا قتل بان فيهم الخلل وإذا قتل من أصحاب ابن زياد الجماعة الكثيرة لم يتبين ذلك فيهم لكثرتهم ودخل عليهم وقت الظهر فقال الحسين مروهم فليكفوا عن القتال حتى نصلى فقال رجل من أهل الكوفة إنها لا تقبل منكم فقال له حبيب بن مطهر ويحك أتقبل منكم ولا تقبل من آل رسول الله ص [ وقاتل حبيب قتالا شديدا حتى قتل رجلا يقال له بديل بن صريم من بنى عقفان وجعل يقول ... أنا حبيب وأبى مطهر ... فارس هيجاء وحرب مسعر ... أنتم أوفر عدة وأكثر ... ونحن أوفى منكم وأصبر ... ونحن أعلى حجة وأظهر ... حقا وأبقى منكم واطهر ...
ثم حمل على حبيب هذا رجل من بنى تميم فطعنه فوقع ثم ذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه التميمى فاحتز رأسه وحمله إلى ابن زياد فرأى ابن حبيب رأس أبيه فعرفه فقال لحامله اعطنى رأس أبى حتى أدفنه ثم بكى وقال فمكث الغلام إلى أن بلغ أشده ثم لم تكن له همة إلا قتل قاتل أبيه قال فلما كان زمن مصعب بن عمير دخل الغلام عسكر مصعب فاذا قاتل أبيه فى فسطاطه فدخل عليه وهو قائل فضربه بسيفه حتى برد
وقال أبو مخنف حدثنى محمد بن قيس قال لما قتل حبيب بن مطهر هد ذلك الحسين وقال عند ذلك أحتسب نفسى وأخذ الحر يرتجز ويقول للحسين ... آليت لا تقتل حتى أقتلا ... ولن أصاب اليوم إلا مقبلا ... أضربهم بالسيف ضربا مفضلا ... لانا كلا عنهم ولا مهملا ... ثم قاتل هو وزهير بن القين قتالا شديدا فكان إذا شد أحدهما حتى استلحم شد الآخر حتى (8/183)
يخلصه فعلا ذلك ساعة ثم إن رجالا شدوا على الحر بن يزيد فقتلوه وقتل أبو ثمامة الصائدى ابن عم له كان عدو له ثم صلى الحسين بأصحابه الظهر صلاة الخوف ثم اقتتلوا بعدها قتالا شديدا ودافع عن الحسين صناديد أصحابه وقاتل زهير بن القين بين يدى الحسين قتالا شديدا ورمى بعض أصحابه بالنبل حتى سقط بين يدى الحسين وجعل زهير يرتجز ويقول ... أنا زهير وأنا ابن القين ... أذودكم بالسيف عن الحسين ...
قال وأخذ يضرب على منكب الحسين ويقول
... أقدم هديت هاديا مهديا ... فاليوم تلقى جدك النبيا ... وحسنا والمرتضى عليا ... وذا الجناحين الفتى الكميا ... وأسد الله الشهيد الحيا ...
قال فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبى ومهاجر بن أوس فقتلاه
قال وكان من أصحاب الحسين نافع بن هلال الجملى وكان قد كتب على فوق نبله فجعل يرمى بها مسمومة وهو يقول ... أرمى بها معلما أفواقها ... والنفس لا ينفعها شقاقها ... أنا الجملى أنا على دين على ...
فقتل أثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح ثم ضرب حتى كسرت عضداه ثم أسروه فأتوا به عمر بن سعد فقال له ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك فقال إن ربى يعلم ما أردت والدماء تسيل عليه وعلى لحيته ثم قال والله لقد قتلت من جندكم اثنى عشر سوى من جرحت وما ألوم نفسى على الجهد ولو بقيت لى عضد وساعد ما أسرتمونى فقال شمر لعمر اقتله قال أنت جئت به فان شئت اقتله فقام شمر فأنتضى سيفه فقال له نافع أما والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذى جعل منايانا على يدى شرار خلقه ثم قتله ثم أقبل شمر فحمل على أصحاب الحسين وتكاثر معه الناس حتى كادوا أن يصلوا إلى الحسين فلما رأى أصحاب الحسين أنهم قد كثروا عليهم وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا الحسين ولا انفسهم تنافسوا ان يقتلوا بين يديه فجاء عبد الرحمن وعبد الله ابنا عزرة الغفارى فقالا أبا عبد الله عليك السلام حازنا العدو إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك وندفع عنك فقال مرحبا بكما ادنو مني فدنوا منه فجعلا يقاتلان قريبا منه وهما يقولان
... قد علمت حقا بنو غفار ... وخندف بعد بنى نزار ... لنضربن معشر الفجار ... بكل عضب قاطع بتار ... يا قوم ذودوا عن بنى الأخيار ... بالمشر فى والقنا الخطار (8/184)
ثم أتاه أصحابه مثنى وفرادى يقاتلون بين يديه وهو يدعو لهم ويقول جزاكم الله أحسن جزاء المتقين فجعلوا يسلمون على الحسين ويقاتلون حتى يقتلوا ثم جاء عابس بن أبى شبيب فقال يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز على منك ولو قدرت أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشىء أعز على من نفسى ودمى لفعلته السلام عليك با أبا عبد الله أشهد لى أنى على هديك ثم مشى بسيفه صلتا وبه ضربة على جبينه وكان أشجع الناس فنادى ألارجل لرجل ألا ابرزوا إلى فعرفوه فنكلوا عنه ثم قال عمر بن سعد ارضخوه بالحجارة فرمى بالحجارة من كل جانب فلما رأى ذلك ألقى درعه ومخفرة ثم شد على الناس والله لقد رأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس بين يديه ثم إنهم عطفوا عليه من كل جانب فقتل رحمه الله فرأيت رأسه فى أيدى رجال ذوى عدد كل يدعى قتله فأتوا به عمر بن سعد فقال لهم لا تختصموا فيه فانه لم يقتله إنسان واحد ففرق بينهم بهذا القول
ثم قاتل أصحاب الحسين بين يديه حتى تفانوا ولم يبق معه أحد إلا سويد بن عمرو بن أبى مطاع الخثعمى وكان أول قتيل قتل من أهل الحسين من بنى أبى طالب على الأكبر بن الحسين بن على وأمه ليلى بنت أبى مرة بن عروة بن مسعود الثقفى طعنه مرة بن منقذ بن النعمان العبدى فقتله لأنه جعل يقى أباه وجعل يقصد أباه فقال على بن الحسين ... أنا على بن الحسين بن على ... نحن وبيت الله أولى بالنبى ... تالله لا يحكم فينا ابن الدعى ... كيف ترون اليوم سترى عن أبى ...
فلما طعنه مرة احتوشته الرجال فقطعوه بأسيافهم فقال الحسين قتل الله قوما قتلوك يا بنى ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك محارمه فعلى الدنيا بعدك العفاء قال وخرجت جارية كأنها الشمس حسنا فقالت يا أخاه ويا ابن أخياه فاذا هى زينب بنت على من فاطمة فأكبت عليه وهو صريع قال فجاء الحسين فأخذ بيدها فأدخلها الفسطاط وأمر به الحسين فحول من هناك إلى بين يديه عند فسطاطه ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل ثم قتل عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر ثم قتل عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبى طالب ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب
قال أبو مخنف وحدثنى فضيل بن خديج الكندى أن يزيد بن زياد وكان راميا وهو أبو الشعثاء الكنانى من بنى بهدلة جث على ركبتيه بين يدى الحسين فرمى بمائة سهم ما سقط منها على الأرض خمسة أسهم فلما فرغ من الرمى قال قد تبين لى أنى قتلت خمسة نفر ... أنا يزيد وأنا المهاجر ... أشجع من ليث قوى حادر (8/185)
بربي إنى للحسين ناصر ... ولابن سعد تارك وهاجر ...
قالوا ومكث الحسين نهارا طويلا وحده لا يأتى أحد إليه إلا رجع عنه لا يحب أن يلى قتله حتى جاءه رجل من بنى بداء يقال له مالك بن البشر فضرب الحسين على رأسه بالسيف فأدمى رأسه وكان على الحسين برنس فقطعه وجرح رأسه فامتلأ البرنس دما فقال له الحسين لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين ثم ألقى الحسين ذلك البرنس ودعا بعمامة فلبسها
وقال أبو مخنف حدثنى سليمان بن أبى راشد عن حميد قال خرج إلينا غلام كأن وجهه فلقة قمر فى يده السيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنها اليسرى فقال لنا عمر بن سعد بن نفيل الأزدى والله لأشدن عليه فقلت له سبحان الله وما تريد إلى ذلك يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد اعتزلوهم فقال والله لأشدن عليه فشد عليه عمر بن سعد أمير الجيش فضربه وصاح الغلام يا عماه قال فشد الحسين على عمر بن سعد شدة ليث أعضب فضرب عمر بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق فصاح ثم تنحى عنه وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمر من الحسين فاستقبلت عمر بصدورها وحركت حوافرها وجالت بفرسانها عليه ثم انجلت الغبرة فاذا بالحسين قائم على رأس الغلام والغلام يفحص برجله والحسين يقول بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك ثم قال عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت والله كثير عدوه وقل ناصره ثم احتمله فكأنى أنظر إلى رجلى الغلام يخطان في الأرض وقد وضع الحسين صدره على صدره ثم جاء به حتى ألقاه مع ابنه على الأكبر ومع من قتل من أهل بيته فسألت عن الغلام فقيل لى هو القاسم بن الحسن بن على بن أبى طالب
وقال هانىء بن ثبيت الحضرمى إنى لواقف يوم مقتل الحسين عاشر عاشرة ليس منا رجل إلا على فرس إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية وعليه إزار وقميص وهو مذعور يلتفت يمينا وشمالا فكأنى أنظر إلى درتين فى أذنيه تذبذبان كلما التفت إذ أقبل رجل يركض فرسه حتى إذا دنا من الغلام مال عن فرسه ثم أخذ الغلام فقطعه بالسيف قال هشام السكونى هانىء بن ثبيت هو الذى قتل الغلام خاف أن يعاب ذلك عليه فكنى عن نفسه
قال ثم إن الحسين أعيا فقعد على باب فسطاطه وأتى بصبى صغير من أولاده اسمه عبد الله فأجلسه فى حجره ثم جعل يقبله ويشمه ويودعه ويوصى أهله فرماه رجل من بنى أسد يقال له ابن موقد النار بسهم فذبح ذلك الغلام فتلقى حسين دمه فى يده وألقاه نحو السماء وقال رب (8/186)
إن تك قد حبست عنا النصر من السماء فاجعله لما هو خير وانتقم لنا من الظالمين ورمى عبد الله ابن عقبة الغنوى أبا بكر بن الحسين بسهم فقتله أيضا ثم قتل عبد الله والعباس وعثمان وجعفر ومحمد بنوا على بن أبى طالب إخوة الحسين وقد اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر بل مانعوه عنه فخلص إلى شربه منه فرماه رجل يقال له حصين بن تميم بسهم فى حنكة فأثبته فانتزعه الحسين من حنكة ففار الدم فتلقاه بيديه ثم رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دما ثم رمى به إلى السماء وقال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا ودعا عليهم دعاء بليغا
قال فوالله إن مكث الرجل الرامى إلا يسيرا حتى صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى ويسقى الماء مبردا وتارة يبرد له اللبن والماء جميعاا ويسقى فلا يروى بل يقول ويلكم اسقونى قتلنى الظمأ قال فوالله ما لبث إلا يسيرا حتى انفذ بطنه انفداد بطن البعير ثم إن شمر بن ذى الجوشن أقبل فى نحو من عشرة من رجالة الكوفة قبل منزل الحسين الذى فيه ثقلة عياله فمشى نحوهم فحالوا بينه وبين رحله فقال لهم الحسين ويلكم إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا فى دنياكم أحرارا وذوى أحساب امنعوا رحلى وأهلى من طغاتكم وجهالكم فقال ابن ذى الجوشن ذلك لك يا ابن فاطمة ثم أحاطوا به فجعل شمر يحرضهم على قتله فقال له أبو الجنوب وما يمنعك أنت من قتله فقال له شمر إلى تقول ذا فقال أبو الجنوب إلى تقول ذا فاستبا ساعة فقال له أبو الجنوب وكان شجاعا والله لقد هممت أن اخضخض هذا السنان فى عينك فانصرف عنه شمر
ثم جاء شمر ومعه جماعة من الشجعان حتى أحاطوا بالحسين وهو عند فسطاطه ولم يبق معه أحد يحول بينهم وبينه فجاء غلام يشتد من الخيام كأنه البدر وفى أذنيه درتان فخرجت زينب بنت على لترده فامتنع عليها وجاء يحاجف عن عمه فضربه رجل منهم بالسيف فاتقاه بيده فأطنها سوى جلده فقال يا أبتاه فقال له الحسين يا بنى احتسبت أجرك عند الله فأنك تلحق بآبائك الصالحين ثم حمل على الحسين الرجال من كل جانب وهو يجول فيهم بالسيف يمينا وشمالا فيتنافرون عنه كتنافر المعزى عن السبع وخرجت أخته زينب بنت فاطمة إليه فجعلت تقول ليت السماء تقع على الأرض وجاءت عمر بن سعد فقالت يا عمر أرضيت أن يقتل أبو عبد الله وأنت تنظر فتحادرت الدموع على لحيته وصرف وجهه عنها ثم جعل لا يقدم أحد على قتله حتى نادى شمر بن ذى الجوشن ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل فاقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فحملت الرجال من كل جانب (8/187)
على الحسين وضربه زرعة بن شريك التميمى على كتفه اليسرى وضرب على عاتقه ثم انصرفوا عنه وهو ينوء ويكبو ثم جاء إليه سنان بن أبى عمرو بن انس النخعى فطعنه بالرمح فوقع ثم نزل فذبحه وحز رأسه ثم دفع رأسه إلى خولى بن يزيد وقيل إن الذى قتله شمر بن ذى الجوشن وقيل رجل من مذحج وقيل عمرو بن سعد بن أبى وقاص وليس بشىء وإنما كان عمر أمير السرية التى قتلت الحسين فقط والأول أشهر وقال عبد الله بن عمار رأيت الحسين حين اجتمعوا عليه يحمل على من على يمينه حتى انذعروا عنه فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل أولاده وأصحابه أربط جأشا منه ولا أمضى جنانا منه والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وقال ودنا عمر بن سعد من الحسين فقالت له زينب يا عمر أيقتل ابو عبد الله وأنت تنظر فبكى وصرف وجهه عنها
وقال أبو مخنف حدثنى الصقعب بن زهير عن حميد بن مسلم قال جعل الحسين يشد على الرجال وهو يقول أعلى قتلى تحابون أما والله لا تقتلون بعدى عبدا من عباد الله أسخط عليكم بقتله منى وأيم الله إنى أرجو أن يكرمنى الله بهوانكم ثم ينتقم الله لى منكم من حيث لا تشعرون أما والله لو قد قتلتمونى لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم قال ولقد مكث طويلا من النهار ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا ولكن كان يتقى بعضهم ببعض دمه ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء مؤنة قتله حتى نادى شمر بن ذى الجوشن ماذا تنتظرون بقتله فتقدم إليه زرعة بن شريك التميمى فضربه بالسيف على عاتقه ثم طعنه سنان بن أنس بن عمرو النخعى بالرمح ثم نزل فاحتز رأسه ودفعه إلى خولى وقد روى ابن عساكر فى ترجمة شمر بن ذى الجوشن وذو الجوشن صحابى جليل قيل اسمه شرحبيل وقيل عثمان بن نوفل ويقال ابن أوس بن الأعور العامرى الضبابى بطن من كلاب ويكنى شمر بأبى السابغة
ثم روى من طريق عمر بن شبة ثنا أبو أحمد حدثنى عمى فضيل بن الزبير عن عبد الرحيم بن ميمون عن محمد بن عمرو بن حسن قال كنا مع الحسين بنهرى كربلاء فنظر إلى شمر بن ذى الجوشن فقال صدق الله ورسوله قال رسول الله ص كأنى أنظر إلى كلب أبقع بلغ فى دماء أهل بيتى وكان شمر قبحه الله أبرص وأخذ سنان وغيره سلبه وتقاسم الناس ما كان من أمواله وحواصله وما فى خبائه حتى ما على النساء من الثياب الطاهرة
وقال أبو مخنف عن جعفر بن محمد قال وجدنا بالحسين حين قتل ثلاثة وثلاثين طعنة وأربعة وثلاثين ضربة وهم شمر بن ذى الجوشن بقتل على بن الحسين الأصغر زين العابدين وهو صغير مريض حتى صرفه عن ذلك حميد بن مسلم أحد أصحابه وجاء عمر بن سعد فقال ألا لا يدخلن (8/188)
على هذه النسوة أحد ولا يقتل هذا الغلام احد ومن اخذ من متاعهم شيئا فليرده عليهم قال فوالله ما رد احد شيئا فقال له على بن الحسين جزيت خيرا فقد دفع الله عنى بمقالتك شرا قالوا ثم جاء سنان بن انس إلى باب فسطاط عمر بن سعد فنادى بأعلى صوته ... أو قر ركابى فضة وذهبا ... أنا قتلت الملك المحجبا ... قتلت خير الناس اما وأبا ... وخيرهم إذ ينسبون نسبا ...
فقال عمر بن سعد أدخلوه على فلما دخل رماه بالسوط وقال ويحك أنت مجنون والله لو سمعك ابن زياد تقول هذا لضرب عنقك ومن عمر بن سعد على عقبة بن سمعان حين أخبره أنه مولى فلم ينج منهم غيره والمرفع بن يمانة أسر فمن عليه ابن زياد وقتل من أصحاب الحسين اثنان وسبعون نفسا فدفنهم أهل الغاضرية من بنى أسد بعد ما قتلوا بيوم واحد قال ثم أمر عمر بن سعد أن يوطأ الحسين بالخيل ولا يصح ذلك والله أعلم وقتل أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون نفسا وروى عن محمد بن الحنفية أنه قال قتل مع الحسين سبعة عشر رجلا كلهم من أولاد فاطمة وعن الحسن البصرى أنه قال قتل مع الحسين ستة عشر رجلا كلهم من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه وقال غيره قتل معه من ولده إخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلا فمن أولاد على رضى الله عنه جعفر والحسين والعباس ومحمد وعثمان وابو بكر ومن أولاد الحسين على الأكبر وعبد الله ومن أولاد أخيه الحسن ثلاثة عبد الله والقاسم وأبو بكر بنو الحسن بن على ابن أبى طالب ومن أولاد عبد الله بن جعفر اثنان عون ومحمد ومن أولاد عقيل جعفر وعبد الله وعبد الرحمن ومسلم قتل قبل ذلك كما قدمنا فهؤلاء أربعة لصلبه واثنان آخران هما عبد الله بن مسلم بن عقيل ومحمد بن أبى سعيد بن عقيل فكملوا ستة من ولد عقيل وفيهم يقول الشاعر
... واندبى تسعة لصلب على ... قد أصيبوا وستة لعقيل ... وسمى النبى غودر فيهم ... قد علوه بصارم مصقول ...
وممن قتل مع الحسين بكربلاء أخوه من الرضاعة عبد الله بن بقطر وقد قيل إنه قتل قبل ذلك حيث بعث معه كتابا إلى أهل الكوفة فحمل إلى ابن زياد فقتله وقتل من أهل الكوفة من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلا سوى الجرحى فصلى عليهم عمر بن سعد ودفنهم ويقال إن عمر بن سعد أمر عشرة فرسان فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتى ألصقوه بالأرض يوم المعركة وأمر برأسه أن يحمل من يومه إلى ابن زياد مع خولى بن يزيد الأصبحى فلما انتهى به إلى القصر وجده مغلقا فرجع به إلى منزله فوضعه تحت إجانة وقال لامرأته نوار بنت مالك جئتك بعز الدهر فقالت وما هو فقال برأس الحسين فقالت جاء الناس بالذهب والفضة وجئت أنت برأس ابن بنت (8/189)
رسول الله ص والله لا يجمعنى وإياك فراش أبدا ثم نهضت عنه من الفراش واستدعى بامرأة له أخرى من ينى أسد فنامت عنده قالت المرأة الثانية الاسدية والله ما زلت أرى النور ساطعا من تلك الاجانة إلى السماء وطيورا بيضاء ترفرف حولها فلما أصبح غدابه إلى ابن زياد فأحضره بين يديه ويقال إنه كان معه رؤس بقية أصحابه وهو المشهور ومجموعها اثنان وسبعون رأسا وذلك أنه ما قتل قتيل إلا احتزوا رأسه وحملوه إلى ابن زياد ثم بعث بها ابن زياد إلى يزيد بن معاوية إلى الشام
قال الامام أحمد حدثنا حسين ثنا جرير عن محمد عن أنس قال أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعل فى طست ينكت عليه وقال فى حسنه شيئا فقال أنس إنه كان أشبههم برسول الله ص وكان مخضوبا بالوشمة ورواه البخارى فى المناقب عن محمد بن الحسين بن إبراهيم هو ابن إشكاب عن حسين بن محمد عن جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أنس فذكره وقد رواه الترمذى من حديث حفصة بنت سيرين عن أنس قال حسن صحيح وفيه فجعل ينكت بقضيب فى أنفه ويقول ما رأيت مثل هذا حسنا وقال البزار حدثنا مفرج بن شجاع بن عبيد الله الموصلى ثنا غسان بن الربيع ثنا يونس بن عبيدة عن ثابت وحميد عن أنس قال لما أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكت بالقضيب ثناياه ويقول لقد كان أحسبه قال جميلا فقلت والله لأسوءنك إنى رأيت رسول الله ص يلثم حيث يقع قضيبك قال فانقبض تفرد به البزار من هذا الوجه وقال لا نعلم رواه عن حميد غير يونس بن عبدة وهو رجل من أهل البصرة مشهور وليس به بأس ورواه أبو يعلى الموصلى عن إبراهيم بن الحجاج عن حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أنس فذكره ورواه قرة بن خالد عن الحسن عن أنس فذكره
وقال أبو مخنف عن سليمان بن راشد عن حميد بن مسلم قال دعانى عمر بن سعد فسرحنى إلى أهله لأبشرهم بما فتح الله عليه وبعافيته فأجد ابن زياد قد جلس للناس وقد دخل عليه الوفد الذين قدموا عليه فدخلت فيمن دخل فاذا رأس الحسين موضوع بين يديه وإذا هو ينكت فيه بقضيب بين ثناياه ساعة فقال له زيد بن أرقم ارفع هذا القضيب عن هاتين الثنيتين فوالله الذى لا إله إلا هو لقد رأيت شفتى رسول الله ص على هاتين الثنيتين يقبلهما ثم انفضخ الشيخ يبكى فقال له ابن زياد أبكى الله عينك فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك قال فنهض فخرج فلما خرج قال الناس والله لقد قال زيد بن أرقم كلاما لو سمعه ابن زياد لقتله قال فقلت ما قال قالوا مر بنا وهو يقول ملك عبد عبيدا فاتخذهم تليدا أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويسيتعبد شراركم فبعدا لمن رضى بالذل وقد روى من طريق أبى داود باسناده عن زيد بن أرقم بنحوه (8/190)
ورواه الطبرانى من طريق ثابت عن يزيد
وقد قال الترمذى حدثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير قال لما جىء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه فنصبت فى المسجد فى الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون قد جاءت فاذا حية قد جاءت تتخلل الرؤس حتى دخلت فى منخرى عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهه ثم خرجت فذهبت حتى تغيب ثم قالوا قد جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا ثم قال الترمذى حسن صحيح
وأمر ابن زياد فنودى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فذكر ما فتح الله عليه من قتل الحسين الذى أراد أن يسلبهم الملك ويفرق الكلمة عليهم فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدى فقال ويحك يا ابن زياد تقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين فأمر به ابن زياد فقتل وصلب ثم أمر برأس الحسين فنصب بالكوفة وطيف به فى أزقتها ثم سيره مع زحر بن قيس ومعه رؤس أصحابه إلى يزيد بن معاوية بالشام وكان مع زحر جماعة من الفرسان منهم أبو بردة بن عوف الأزدى وطارق بن أبى ظبيان الأزدى فخرجوا حتى قدموا بالرؤوس كلها على يزيد بن معاوية بالشام
قال هشام فحدثنى عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامى عن أبيه عن الغاز بنن ربيعة الجرشى من حمير قال والله إنى لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس فدخل على يزيد فقال له يزيد ويحك ما وراءك فقال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك ونصره ورد علينا الحسين بن على بن أبى طالب وثمانية عشر من أهل بيته وستون رجلا من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال فاختاروا القتال فغدونا إليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى أخذت السيوف مأخذها من هام القوم فجعلوا يهربون إلى غير مهرب ولا وزر ويلوذون منا بالآكام والحفر لواذا كما لاذ الحمام من صقر فوالله ما كانوا إلا حزر جزر أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مزملة وخدودهم معفرة تصهرهم الشمس وتسفى عليهم الريح زوارهم العقبان والرخم
قال فدمعت عينا يزيد بن معاوية وقال كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين لعن الله ابن سمية أما والله لو أنى صاحبه لعفوت عنه ورحم الله الحسين ولم يصل الذى جاء برأسه بشىء ولما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد قال أما والله لو أنى صاحبك ما قتلتك ثم أنشد قول الحسين بن الحمام المرى الشاعر ... يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما (8/191)
قال أبو مخنف فحدثنى أبو جعفر العبسى قال وقام يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم فقال ... لهام بجنب الطف أدنى قرابة ... من ابن زياد العبد ذى الحسب الوغل ... سمية أضحى نسلها عدد الحصى ... وليس لآل المصطفى اليوم من نسل ...
قال فضرب يزيد فى صدر يحيى بن الحكم وقال له اسكت وقال محمد بن حميد الرازى وهو شيعى حدثنا محمد بن يحيى الأحمرى ثنا ليث عن مجاهد قال لما جىء برأس الحسين فوضع بين يدى يزيد تمثل بهذه الأبيات ... ليت أشياخى ببدر شهدوا ... جزع الخزرج فى وقع الأسل ... فأهلوا واستهلوا فرحا ... ثم قالوا لى هنيا لا تسل ... حين حكت بفناء بركها ... واستحر القتل فى عبد الأسل ... قد قتلنا الضعف من أشرافكم ... وعدلنا ميل بدر فاعتدل ( 1 ) ...
قال مجاهد نافق فيها والله ثم والله ما بقى فى جيشه أحد إلا تركه أى ذمه وعابه
وقد اختلف العلماء بعدها فى رأس الحسين هل سيره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا على قولين الأظهر منهما أنه سيره إليه وقد ورد فى ذلك آثار كثيرة فالله أعلم وقال أبو مخنف عن أبى حمزة الثمالى عن عبد الله اليمانى عن القاسم بن بخيت قال لما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينكت بقضيب كان فى يده فى ثغره ثم قال إن هذا وإيانا كما قال الحصين ابن الحمام المرى ... يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كاونا أعق وأظلما ...
فقال له أبو برزة الأسلمى أما والله لقد أخذ قضيبك هذا مأخذا لقد رأيت رسول الله ص يرشفه ثم قال ألا إن هذا سيجىء يوم القيامة وشفيعه محمد وتجىء وشفيعك ابن زياد ثم قام فولى وقد رواه ابن أبى الدنيا عن أبى الوليد عن خالد بن يزيد بن أسد عن عمار الدهنى عن جعفر قال لما وضع رأس الحسين بين يدى يزيد وعنده أبو برزة وجعل ينكت بالقضيب فقال له ارفع قضيبك فلقد رأيت رسول الله ص يلثمه قال ابن ابى الدنيا وحدثنى مسلمة بن شبيب عن الحميدى عن سفيان سمعت سالم بن أبى حفصة قال قال الحسن لما جىء برأس الحسين جعل يزيد ( 1 ) بالهامش لا يتصور أن يكون يزيد قد تمثل بهذه الأبيات هذه الأيام فان المؤرخين قاطبة ذكروا أنه تمثل بها لما جاءه خبر وقعة الحرة بالمدينة الشريفة وقتل الأنصار ووقعة الحرة بعد هذه كما سنراه وأيضا فان قضية الحسين رضى الله عنه لم يكن حاضرها أحد من الخزرج يعلم ذلك من الألمام بالأخبار وأيام الناس والله أعلم (8/192)
يطعن بالقضيب قال سفيان وأخبرت أن الحسن كان ينشد على إثر هذا ... سمية أمسى نسلها عدد الحصى ... وبنت رسول الله ليس لها نسل ...
واما بقية اهله ونسائه فان عمر بن سعد وكل بهم من يحرسهم ويكلؤهم ثم أركبوهم على الرواحل فى الهوادج فلما مروا بمكان المعركة ورأوا الحسين وأصحابه مطرحين هنالك بكته النساء وصرخن وندبت زينب أخاها الحسين وأهلها فقالت وهى تبكى يا محمداه يا محمداه صلى عليك الله ومليك السماه هذا حسين بالعراء مزمل بالدماه مقطع الأعضاء يا محمده وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا قال فأبكت والله كل عدو وصديق
قال قرة بن قيس لما مرت النسوة بالقتلى صحن ولطمن خدودهن قال فما رأيت من منظر من نسوة قط أحسن من منظر رأيته منهن ذلك اليوم والله إنهن لأحسن من مها بيرين وذكر الحديث كما تقدم ثم قال ثم ساروا بهم من كربلاء حتى دخلوا الكوفة فأكرمهم ابن زياد واجرى عليهم النفقات والكساوى وغيرها [ قال دخلت زينب ابنة فاطمة فى أرذل ثيابها قد تنكرت وحفت بها إماؤها فلما دخلت على عبيد الله بن زياد قال من هذه فلم تكلمه فقال بعض إمائها هذه زينب بنت فاطمة فقال الحمد لله الذى فضحكم وقتلكم وكذب أحدوثنكم فقالت بل الحمد لله الذى أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا لا كما نقول وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر قال كيف رأيت صنع الله بأهل بيتكم فقالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فيحاجونك إلى الله فغضب ابن زياد واستشاط فقال له عمرو بن حريث أصلح الله الأمير إنما هى امرأة وهل تؤاخذ المرأة بشىء من منطقها إنها لا تؤاخذ بما تقول ولا تلام على خطل
وقال أبو مخنف عن المجالد عن سعيد إن ابن زياد لما نظر إلى على بن الحسين زين العابدين قال لشرطى انظر أأدرك هذا الغلام فان كان أدرك فانطلقوا به فاضربوا عنقه فكشف إزاره عنه فقال نعم فقال اذهب به فاضرب عنقه فقال له على بن الحسين إن كان بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فابعث معهن رجلا يحافظ عليهن فقال له ابن زياد تعال أنت فبعثه معهن قال أبو مخنف وأما سليمان بن أبى راشد فحدثنى عن حميد بن مسلم قال إنى لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه على بن الحسين فقال له ما أسمك قال أنا على بن الحسين قال أولم يقتل الله على ابن الحسين فسكت فقال له ابن زياد مالك لا تتكلم قال كان لى أخ يقال له على أيضا قتله (8/193)
الناس قال إن الله قتله فسكت فقال مالك لا تتكلم فقال الله يتوفى الأنفس حين موتها وما كان لنفس أن تموت إلا بأذن الله قال انت والله منهم ويحك انظروا هذا أدرك والله إني لأحسبه رجلا فكشف عنه مرى بن معاذ الأحمرى فقال نعم قد أدرك فقال اقتله فقال على بن الحسين من يوكل بهذه النسوة وتعلقت به زيبنب عمته فقالت يا ابن زياد حسبك منا ما فعلت بنا أما رويت من دمائنا وهل ابقيت منا أحدا قال واعتنقته وقالت أسألك بالله إن كنت مؤمنا إن قتلته لما قتلنى معه وناداه على فقال يا ابن زياد إن كان بينك وبينهن قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحبة الاسلام قال فنظر إليهن ساعة ثم نظر إلى القوم فقال عجبا للرحم والله إنى لأظن أنها ودت لو أنى قتلته أن أقتلها معه دعوا الغلام انطلق مع نسائك قال ثم إن ابن زياد أمر بنساء الحسين وصبيانه وبناته فجهزن إلى يزيد وأمر بعلى بن الحسين فغل بغل إلى عنقه وأرسلهم مع محقر بن ثعلبة العائذى من عائذة قريش ومع شمر بن ذى الجوشن قبحه الله فلما بلغوا باب يزيد بن معاوية رفع محقر بن ثعلبة صوته فقال هذا محقر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة فأجابه يزيد بن معاوية ما ولدت أم محقر شر وألأم ] ( 1 ) فلما دخلت الرؤوس والنساء على يزيد دعا أشراف الشام فأجلسهم حوله ثم دعا بعلى بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه فأدخلن عليه والناس ينظرون فقال لعلى بن الحسين يا على أبوك قطع رحمى وجهل حقى ونازعنى سلطانى فصنع الله به ما قد رأيت فقال على ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب فقال يزيد لابنه خالد أجبه قال فما درى خالد ما يرد عليه فقال له يزيد قل ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير فسكت عنه ساعة ثم دعا بالنساء والصبيان فرأى هيئة قبيحة فقال قبح الله ابن مرجانة لو كانت بينهم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بهم ولا بعث بكم هكذا
وروى أبو مخنف عن الحارث بن كعب عن فاطمة بنت على قالت لما أجلسنا بين يدى يزيد رق لنا وأمر لنا بشىء وألطفنا ثم أن رجلا من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه يعنينى وكنت جارية وضيئة فارتعدت فزعة من قوله وظننت أن ذلك جائز لهم فأخذت بثياب أختى زينب وكانت أكبر منى وأعقل وكانت تعلم أن ذلك لا يجوز فقالت لذلك الرجل كذبت والله ولؤمت وما ذلك لك وله فغضب يزيد فقال لها كذبت والله إن ذلك لى ولو شئت أن أفعله لفعلت قالت كلا والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا قالت فغضب يزيد واستطار ثم قال إياى تستقبلين بهذا إنما خرج من (8/194)
الدين أبوك وأخوك فقالت زينب بدين الله ودين أبى ودين أخى وجدى اهتديت أنت وأبوك وجدك قال كذبت يا عدوة الله قالت أنت أمير المؤمنين مسلط تشتم ظالما وتقهر بسلطانك قالت فوالله لكأنه استحى فسكت ثم قام ذلك الرجل فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه فقال له يزيد اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا ثم امر يزيد النعمان بن بشير أن يبعث معهم إلى المدينة رجلا أمينا معه رجال وخيل ويكون على بن الحسين معهن ثم أنزل النساء عند حريمه فى دار الخلافة فاستقبلهن نساء آل معاوية يبكين وينحن على الحسين ثم أقمن المناحة ثلاثة أيام وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا ومعه على بن الحسين وأخوه عمر بن الحسين فقال يزيد يوما لعمر بن الحسين وكان صغيرا جدا أتقاتل هذا يعنى ابنه خالد بن يزيد يريد ذلك ممازحته وملاعبته فقال اعطنى سكينا واعطه سكينا حتى نتقاتل فأخذه يزيد فضمه إليه وقال شنشنة أعرفها من أخزم هل تلد الحية إلا حية
ولما ودعهم يزيد قال لعلى بن الحسين قبح الله بن سمية أما والله لو أنى صاحب أبيك ما سالنى خصلة إلا أعطيته إياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدى ولكن الله قضى ما رأيت ثم جهزه وأعطاه مالا كثيرا وكساهم وأوصى بهم ذلك الرسول وقال له كاتبنى بكل حاجة تكون لك فكان ذلك الرسول الذى أرسله معهن يسير عنهن بمعزل من الطريق ويبعد عنهن بحيث يدركهن طرفه وهو فى خدمتهم حتى وصلوا المدينة فقالت فاطمة بنت على قلت لأختى زينب إن هذا الرجل أرسل معنا قد أحسن صحبتنا فهل لك أن نصله فقالت والله ما معنا شىء نصله به إلا حلينا قالت وقلت لها نعطيه حلينا قالت فأخذت سوارى ودملجى واخذت أختى سوارها ودملجها وبعثنا به إليه واعتذرنا إليه وقلنا هذا جزاؤك بحسن صحبتك لنا فقال لو كان الذى صنعت معكم إنما هو للدنيا كان فى هذا الذى أرسلتموه ما يرضينى وزيادة ولكن والله ما فعلت ذلك إلا لله تعالى ولقرابتكم من رسول الله ص
وقيل إن يزيد لما رأى رأس الحسين قال أتدرون من أين أتى ابن فاطمة وما الحامل له على ما فعل وما الذى أوقعه فيما وقع فيه قالوا لا قال يزعم أن أباه خير من أبى وأمه فاطمة بنت رسول الله ص خير من أمى وجده رسول الله صلى الله عليه و سلم خير من جدى وأنه خير منى وأحق بهذا الأمر منى فأما قوله أبوه خير من أبى فقد حاج أبى أباه إلى الله عز و جل وعلم الناس أيهما حكم له واما قوله أمه خير من أمى فلعمرى إن فاطمة بنت رسول الله ص خير من أمى واما قوله جده رسول الله خير من جدى فلعمرى ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى أن رسول الله فينا عدلا ولا ندا ولكنه إنما أتى من قلة فقهه لم يقرأ قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن (8/195)
تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء الآية وقوله تعالى والله يؤتى ملكه من يشاء فلما دخلت النساء على يزيد قالت فاطمة بنت الحسين وكانت أكبر من سكينة يا يزيد بنات رسول الله ص سبايا فقال يزيد يا بنت أخى أنا لهذا كنت أكره قالت قلت والله ما تركوا لنا خرصا فقال ابنة أخى ما أتى إليك أعظم مما ذهب لك ثم أدخلهن داره ثم أرسل إلى كل امرأة منهن ماذا أخذ لك فليس منهن امرأة تدعى شيئا بالغا ما بلغ إلا أضعفه لها
وقال هشام عن أبى مخنف حدثنى أبو حمزة الثمالى عن عبد الله الثمالى عن القاسم بن نجيب قال لما أقبل وفد الكوفة برأس الحسين دخلوا به مسجد دمشق فقال لهم مروان بن الحكم كيف صنعتم قالوا ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلا فأتينا والله على آخرهم وهذه الرؤوس والسبايا فوثب مروان وانصرف وأتاهم أخوه يحيى بن الحكم فقال ما صنعتم فقالوا له مثل ما قالوا لأخيه فقال لهم حجبتم عن محمد ص يوم القيامة لن أجامعكم على أمر ابدا ثم قام فانصرف قال ولما بلغ اهل المدينة مقتل الحسين بكى عليه نساء بنى هاشم ونحن عليه وروى أن يزيد استشار الناس فى أمرهم فقال رجال ممن قبحهم الله يا أمير المؤمنين لا يتخذن من كلب سوء جروا اقتل على بن الحسين حتى لا يبقى من ذرية الحسين أحد فسكت يزيد فقال النعمان بن بشير يا امير المؤمنين اعمل معهم كما كان يعمل معهم رسول الله ص لو رآهم على هذه الحال فرق عليهم يزيد وبعث بهم إلى الحمام وأجرى عليهم الكساوى والعطايا والاطعمة وأنزلهم فى داره
وهذا يرد قول الرافضة إنهم حملوا على جنائب الابل سبايا عرايا حتى كذب من زعم منهم أن الابل البخاتى إنما نبتت لها الأسمنة من ذلك اليوم لتستر عوراتهن من قبلهن ودبرهن
ثم كتب ابن زياد إلى عمرو بن سعيد أمير الحرمين يبشره بمقتل الحسين فأمر مناديا فنادى بذلك فلما سمع نساء بنى هاشم ارتفعت أصواتهن بالبكاء والنوح فجعل عمرو بن سعيد يقول هذا ببكاء نساء عثمان بن عفان وقال عبد الملك بن عمير دخلت على عبيد الله بن زياد وإذا رأس الحسين بن علي بين يديه على ترس فوالله ما لبث إلا قليلا احتى دخلت على المختار بن أبي عبيد وإذا رأس عبيد الله بن زياد بين يدى المختار على ترس ووالله ما لبثت إلا قليلا حتى دخلت على عبد الملك بن مروان وإذا رأس مصعب بن الزبير على ترس بين يديه
وقال أبو جعفر بن جرير الطبرى فى تاريخه حدثنى زكريا بن يحيى الضرير ثنا أحمد بن خباب المصيصى ثنا خالد بن يزيد عن عبد الله القسرى ثنا عمار الدهنى قال قلت لأبى جعفر حدثنى عن مقتل الحسين كأنى حضرته فقال أقبل الحسين بكتاب مسلم بن عقيل الذى كان قد كتبه إليه يأمره (8/196)
فيه بالقدوم عليه حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد التميميى فقال له أين تريد فقال أريد هذا المصر فقال له ارجع فانى لم أدع لك خلفى خيرا أرجوه فهم الحسين أن يرجع وكان معه أخوة مسلم بن عقيل فقالوا والله لا نرجع حتى نأخذ بثأرنا ممن قتل أخانا أو نقتل فقال لا خير فى الحياة بعدكم فسار فلقيه أوائل خيل ابن زياد فلما رأى ذلك عاد إلى كربلاء فأسند ظهره إلى قصيتا وحلفا ليقاتل من جهة واحدة فنزل وضرب أبنيته وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل وكان عمر بن سعد بن أبى وقاص قد ولاه بن زياد الرى وعهد إليه عهده فقال اكفنى هذا الرجل واذهب إلى عملك فقال اعفنى فأبى أن يعفيه فقال أنظرنى الليلة فأخره فنظر فى أمره فلما أصبح غدا عليه راضيا بما أمره به فتوجه إليه عمر بن سعد فلما أتاه قال له الحسين اختر واحدة من ثلاث إما أن تدعونى فأنصرف من حيث جئت وإما أن تدعونى فأذهب إلى يزيد وإما أن تدعونى فألحق بالثغور فقبل ذلك عمر فكتب إليه عبيد الله ابن زياد لا ولا كرامة حتى يضع يده فى يدى فقال الحسين لا والله لا يكون ذلك أبدا فقاتله فقتل أصحاب الحسين كلهم وفيهم بضعة عشر شابا من أهل بيته وجاءه سهم فأصاب ابنا له فى حجره فجعل يمسح الدم ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا ثم أمر بحبرة فشقها ثم لبسها وخرج بسيفه فقاتل حتى قتل قتله رجل من مذحج وحز رأسه فانطلق به إلى ابن زياد وقال فى ذلك ... أوقر ركابى فضة وذهبا ... فقد قتلت الملك المحجبا ... قتلت خير الناس أما وأبا ... وخيرهم إذ ينسبون نسبا ...
قال فأوفده إلى يزيد بن معاوية فوضع رأسه بين يديه وعنده أبو برزة الأسلمي فجعل يزيد ينكت بالقضيب على فيه ويقول ... يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما أبو برزة ارفع قضيبك فوالله لربما رأيت رسول الله ص واضعا فيه على فيه يلثمه قال وأرسل عمر بن سعد بحرمه وعياله إلى ابن زياد ولم يكن بقى من آل الحسين إلا غلام وكان مريضا مع النساء فأمر به ابن زياد ليقتل فطرحت زينب نفسها عليه وقالت والله لا يقتل حتى تقتلونى فرق لها وكف عنه قال فأرسلهم إلى يزيد فجمع يزيد من كان بحضرته من أهل الشام ثم دخلوا عليه فنهوه بالفتح فقام رجل منهم أحمر أزرق ونظر إلى وصيفة من بناته فقال يا أمير المؤمنين هب لى هذه فقالت زينب لا ولا كرامة لك ولا له إلا أن تخرجا من دين الله قال فأعادها الأزرق فقال له يزيد كف عن هذا ثم أدخلهم على عياله ثم حملهم إلى المدينة فلما دخلوها خرجت امرأة من بنى عبد المطلب ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها تتلقاهم وهى تبكى (8/197)
وتقول ... ماذا تقولون إن قال النبى لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم ... بعترتى وبأهلى بعد مفتقدى ... منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم ... ما كان هذا جزائى إذ نصحت لكم ... أن تخلفونى بسوء فى ذوى رحم ...
وقد روى أبو مخنف عن سليمان بن أبى راشد عن عبد الرحمن بن عبيد أبى الكنود أن بنت عقيل هى التى قالت هذا الشعر وهكذا حكى الزبير بن بكار أن زينب الصغرى بنت عقيل بن أبى طالب هى التى قالت ذلك حين دخل آل الحسين المدينة النبوية وروى أبو بكر بن الأنبارى باسناده أن زينب بنت على بن أبى طالب من فاطمة وهى زوج عبد الله بن جعفر أم بنيه رفعت سجف خبائها يوم كربلاء يوم قتل الحسين وقالت هذه الأبيات فالله أعلم وقال هشام بن الكلبى حدثنى بعض أصحابنا عن عمرو بن المقدام قال حدثنى عمر بن عكرمة قال أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة فاذا مولاة لنا تحدثنا قالت سمعت البارحة مناديا ينادى وهو يقول ... أيها القاتلون ظلما حسينا ... أبشروا بالعذاب والتنكيل ... كل أهل السماء يدعو عليكم ... من نبى ومالك وقبيل ... لقد لعنتم على لسان بن داود ... وموسى وحامل الأنجيل ...
قال ابن هشام حدثنى عمرو بن حيزوم الكلبى عن أمه قالت سمعت هذا الصوت وقال الليث وأبو نعيم يوم السبت ومما أنشده الحاكم أبو عبد الله النيسابورى وغيره لبعض المتقدمين فى مقتل الحسين ... جاؤوا برأسك يا ابن بنت محمد ... متزملا بدمائه تزميلا ... وكأنما بك يا ابن بنت محمد ... قتلوا جهارا عامدين رسولا ... قتلوك عطشانا ولم يتدبروا ... فى قتلك القرآن والتنزيلا ... ويكبرون بأن قتلت وإنما ... قتلوا بك التكبير والتهليلا ... فصل
وكان مقتل الحسين رضى الله عنه يوم الجمعة يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين وقال هشام بن الكلبى سنة اثنتين وستين وبه قال على بن المدينى وقال ابن لهيعة سنة ثنتين أو ثلاث وستين وقال غيره سنة ستين والصحيح الأول بمكان من الطف يقال له كربلاء من أرض العراق وله من العمر ثمان وخمسون سنة أو نحوها وأخطأ أبو نعيم فى قوله إنه قتل وله من العمر خمس أو ست وستون سنة (8/198)
قال الأمام أحمد حدثنا عبد الصمد بن حسان ثنا عمارة يعنى ابن زاذان عن ثابت عن أنس قال أستأذن ملك القطر أن يأتى النبى ص فأذن له فقال لأم سلمة احفظى علينا الباب لا يدخل علينا أحد فجاء الحسين بن على فوثب حتى دخل فجعل يصعد على منكب النبى ص فقال الملك أتحبه قال نعم فقال إن امتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذى يقتل فيه قال فضرب بيده فأراه ترابا أحمر فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته فى طرف ثوبها قال فكنا نسمع أنه يقتل بكربلاء
وقال الامام أحمد حدثنا وكيع حدثنى عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة وأم سلمة أن رسول الله ص قال لقد دخل على البيت ملك لم يدخل قبلها فقال لى إن ابنك هذا حسين مقتول وإن شئت أريتك الأرض التى يقتل بها قال فأخرج تربة حمراء وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أم سلمة ورواه الطبرانى عن أبى أمامة وفيه قصة أم سلمة ورواه محمد بن سعد عن عائشة بنحو رواية أم سلمة فالله أعلم وروى ذلك من حديث زينب بنت جحش ولبابة أم الفضل امرأة العباس وأرسله غير واحد من التابعين
وقال أبو القاسم البغوى حدثنا محمد بن هارون أبو بكر ثنا إبراهيم بن محمد الرقى وعلى بن الحسن الرازى قالا ثنا سعيد بن عبد الملك أبو واقد الحرانى ثنا عطاء بن مسلم ثنا أشعث بن سحيم عن أبيه قال سمعت أنس بن الحارث يقول سمعت رسول الله ص يقول إن ابنى يعنى الحسين يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد منكم ذلك فلينصره قال فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل مع الحسين قال ولا أعلم رواه غيره وقال الامام أحمد حدثنا محمد بن عبيد ثنا شراحيل بن مدرك عن عبد الله بن يحيى عن أبيه أنه سار مع على وكان صاحب مطهرته فلما جاؤا نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى على اصبر أبا عبد الله اصبر ابا عبد الله بشط الفرات قلت وماذا تريد قال دخلت على رسول الله ص ذات يوم وعيناه تفيضان فقلت ما أبكاك يا رسول الله قال بلى قام من عندى جبريل قبل فحدثنى أن الحسين يقتل بشط الفرات قال فقال هل لك أن أشمك من تربته قال فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عينى أن فاضتا تفرد به أحمد
وروى محمد بن سعد عن على بن محمد عن يحيى بن زكريا عن رجل عن عامر الشعبى عن على مثله وقد روى محمد بن سعد وغيره من غير وجه عن على بن أبى طالب أنه مر بكربلاء عند أشجار الحنظل وهو ذاهب إلى صفين فسأل عن أسمها فقيل كربلاء فقال كرب وبلاء فنزل فصلى عند شجرة هناك ثم قال يقتل ههنا شهداء هم خير الشهداء غير الصحابة يدخلون الجنة بغير حساب (8/199)
وأشار إلى مكان هناك فعلموه بشىء فقتل فيه الحسين وقد روى عن كعب الأحبار آثار فى كربلاء وقد حكى أبو الجناب الكلبى وغيره أن أهل كربلاء يلا زالون يسمعون نوح الجن على الحسين وهن يقلن ... مسح الرسول جبينه ... فله بريق فى الخدود ... أبواه من عليا قريش ... جده خير الجدود ...
وقد أجابهم بعض الناس فقال
... خرجوا به وفدا إليه ... فهم له شر الوفود ... قتلوا ابن بنت نبيهم ... سكنوا به نار الخلود ...
وروى ابن عساكر أن طائفة من الناس ذهبوا فى غزوة إلى بلاد الروم فوجدوا فى كنسية مكتوبا
... أترجو أمة قتلت حسينا ... شفاعة جده يوم الحساب ...
فسألوهم من كتب هذا فقالوا إن هذا مكتوب ههنا من قبل مبعث نبيكم بثلاثمائة سنة وروى أن الذين قتلوه رجعوا فباتوا وهم يشربون الخمر والرأس معهم فبرز لهم قلم من حديد فرسم لهم فى الحائط بدم هذا البيت
... أترجو أمة قتلت حسينا ... شفاعة جده يوم الحساب ...
وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرحمن وعفان ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس قال رأيت رسول الله ص فى المنام نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم فقلت بأبى وأمى يا رسول الله ما هذا قال هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم قال عمار فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل فى ذلك اليوم تفرد به أحمد وإسناده قوى
وقال ابن أبى الدنيا حدثنا عبد الله بن محمد بن هانىء أبو عبد الرحمن النحوى ثنا مهدى ابن سليمان ثنا على بن زيد بن جدعان قال استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال قتل الحسين والله فقال له أصحابه لم يا ابن عباس فقال رأيت رسول الله ص ومعه زجاجة من دم فقال أتعلم ما صنعت أمتى من بعدى قتلوا الحسين وهذا دمه ودم أصحابه أرفعهما إلى الله فكتب ذلك اليوم الذى قال فيه وتلك الساعة فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل فى ذلك اليوم وتلك الساعة وروى الترمذى عن أبى سعيد الأشج عن أبى خالد الأحمر عن رزين عن سلمى قالت دخلت على أم سلمة وهى تبكى فقلت ما يبكيك فقالت رأيت رسول الله ص وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت ما لك يا رسول الله قال شهدت قتل الحسين آنفا (8/200)
وقال محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصارى أنبأنا قرة بن خالد أخبرنى عامر بن عبد الواحد عن شهر بن حوشب قال إنا لعند أم سلمة زوج النبى ص فسمعنا صارخة فأقبلت حتى انتهت إلى أم سلمة فقالت قتل الحسين فقالت قد فعلوها ملأ الله قبورهم أو بيوتهم عليهم نارا ووقعت مغشيا عليها وقمنا وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا ابن مسلم عن عمار قال سمعت أم سلمة قالت سمعت الجن يبكين على الحسين وسمعت الجن تنوح على الحسين رواه الحسين بن إدريس عن هاشم بن هاشم عن أمه عن أم سلمة قالت سمعت الجن ينحن على الحسين وهن يقلن ... أيها القاتلون جهلا حسينا ... أبشروا بالعذاب والتنكيل ... كل أهل السماء يدعو عليكم ... ونبى ومرسل وقبيل ... قد لعنتم على لسان ابن داود ... وموسى وصاحب الأنجيل ...
وقد روى من طريق أخرى عن أم سلمة بشعر غير هذا فالله أعلم
وقال الخطيب أنبأنا أحمد بن عثمان بن ساج السكرى ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعى ثنا محمد بن شداد المسمعى ثنا أبو نعيم ثنا عبيد الله بن حبيب بن أبى ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أوحى الله تعالى إلى محمد إنى قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وأنا قاتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا هذا حديث غريب جدا وقد رواه الحاكم فى مستدركه
وقد ذكر الطبرانى ههنا آثارا غريبة جدا ولقد بالغ الشيعة فى يوم عاشوراء فوضعوا أحاديث كثيرة كذبا فاحشا من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم وما رفع يومئذ حجر إلا وجد تحته دم وأن أرجاء السماء احمرت وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه دم وصارت السماء كأنها علقة وأن الكواكب ضرب بعضها بعضا وأمطرت السماء دما أحمر وأن الحمرة لم تكن فى السماء قبل يومئذ ونحو ذلك وروى ابن لهيعة عن أبى قبيل المعافرى أن الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم وقت الظهر وأن رأس الحسين لما دخلوا به قصر الامارة جعلت الحيطان تسيل دما وأن الأرض أظلمت ثلاثة أيام ولم يمس زعفران ولا ورس ( 1 ) بما كان معه يومئذ إلا احترق من مسه ولم يرفع حجر من حجارة بيت المقدس إلا ظهر تحته دم عبيط وأن الإبل التى غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التى لا يصح منها شىء
وأما ما روى من الأحاديث والفتن التى أصابت من قتله فأكثرها صحيح فانه قل من نجا من (8/201)
أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة فى الدنيا فلم يخرج منها حتى أصيب بمرض وأكثرهم أصابهم الجنون وللشيعة والرافضة فى صفة مصرع الحسين كذب كثير وأخبار باطلة وفيما ذكرنا كفاية وفى بعض ما أوردناه نظر ولولا أن ابن جرير وغيره من الحفاظ والأئمة ذكروه ما سقته وأكثره من رواية أبى مخنف لوط بن يحيى وقد كان شيعيا وهو ضعيف الحديث عند الأئمة ولكنه أخبارى حافظ عنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره ولهذا يترامى عليه كثير من المصنفين فى هذا الشأن ممن بعده والله أعلم
وقد أسرف الرافضة فى دولة بنى بويه فى حدود الأربعمائة وما حولها فكانت الدبادب تضرب ببغداد ونحوها من البلاد فى يوم عاشوراء ويذر الرماد والتبن فى الطرقات والأسواق وتعلق المسوح على الدكاكين ويظهر الناس الحزن والبكاء وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين لانه قتل عطشانا ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن وصدورهن حافيات فى الاسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة والهتائك المخترعة وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بنى أمية لانه قتل فى دولتهم
وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة ويظهرون السرور والفرح يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم
وقد تأول عليه من قتله أنه جاء ليفرق كلمة المسلمين بعد اجتماعها وليخلع من بايعه من الناس واجتمعوا عليه وقد ورد فى صحيح مسلم الحديث بالزجر عن ذلك والتحذير منه والتوعد عليه وبتقدير أن تكون طائفة من الجهلة قد تأولوا عليه وقتلوه ولم يكن لهم قتله بل كان يجب عليهم إجابته إلى ما سأل من تلك الخصال الثلاثة المتقدم ذكرها فاذا ذمت طائفة من الجبارين تذم الأمة كلها بكمالها وتتهم على نبيها ص فليس الأمر كما ذهبوا إليه ولا كما سلكوه بل أكثر الأئمة قديما وحديثا كاره ما وقع من قتله وقتل أصحابه سوى شرذمة قليلة من أهل الكوفة قبحهم الله وأكثرهم كانوا قد كاتبوه ليتوصلوا به إلى أغراضهم ومقاصدهم الفاسدة
فلما علم ذلك ابن زياد منهم بلغهم ما يريدون من الدنيا وآخذهم على ذلك وحملهم عليه بالرغبة والرهبة فانكفوا عن الحسين وخذلوه ثم قتلوه وليس كل ذلك الجيش كان راضيا كما وقع من قتله بل ولا يزيد بن معاوية رضى بذلك والله أعلم ولا كرهه والذى يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه كما أوصاه بذلك أبوه وكما صرح هو به مخبرا عن (8/202)
نفسه بذلك وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو ولكن لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك والله أعلم
فكل مسلم ينبغى له أن يحزنه قتله رضى الله عنه فإنه من سادات المسلمين وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله ص التى هى أفضل بناته وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذى لعل أكثره تصنع ورياء وقد كان أبوه أفضل منه فقتل وهم لا يتخذون مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين فان أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر فى السابع عشر من رمضان سنة أربعين وكذلك عثمان كان أفضل من على عند أهل السنة والجماعة وقد قتل وهو محصور فى داره فى أيام التشريق من شهر ذى الحجة سنة ست وثلاثين وقد ذبح من الوريد إلى الوريد ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتما وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلى قتل وهو قائم يصلى فى المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتما وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما ورسول الله ص سيد ولد آدم فى الدنيا والآخرة وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شىء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة مثل كسوف الشمس والحمرة التى تطلع فى السماء وغير ذلك
وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ما رواه على بن الحسين عن جده رسول الله ص أنه قال ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب منها رواه الامام أحمد وابن ماجه
وأما قبر الحسين رضى الله عنه
فقد اشتهر عند كثير من المتأخرين أنه فى مشهد على بمكان من الطف عند نهر كربلاء فيقال إن ذلك المشهد مبنى على قبره فالله أعلم وقد ذكر ابن جرير وغيره أن موضع قتله عفى أثره حتى لم يطلع أحد على تعيينه بخبر وقد كان أبو نعيم الفضل بن دكين ينكر على من يزعم أنه يعرف قبر الحسين وذكر هشام بن الكلبى أن الماء لما أجرى على قبر الحسين ليمحى أثره نضب الماء بعد أربعين يوما فجاء أعرابى من بنى أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها حتى وقع على قبر الحسين فبكى وقال بأبى أنت وأمى ما كان أطيبك تربتك ثم أنشأ يقول ... أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر (8/203)
واما رأس الحسين رضى الله عنه
فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير أنه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ومن الناس من أنكر ذلك وعندى أن الأول أشهر فالله أعلم ثم اختلفوا بعد ذلك فى المكان الذى دفن فيه الرأس فروى محمد بن سعد أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة فدفنه عند أمه بالبقيع وذكر ابن أبى الدنيا من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن محمد بن عمر بن صالح وهما ضعيفان أن الرأس لم يزل فى خزانة يزيد بن معاوية حتى توفى فأخذ من خزانته فكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق قلت ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم داخل باب الفراديس الثانى وذكر ابن عساكر فى تاريخه فى ترجمته ريا حاضنة يزيد بن معاوية أن يزيد حين وضع رأس الحسين بين يديه تمثل بشعر ابن الزبعرى يعنى قوله ... ليت أشياخى ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل ...
قال ثم نصبه بدمشق ثلاثة أيام ثم وضع فى خزائن السلاح حتى كان زمن سليمان بن عبد الملك جىء به إليه وقد بقى عظما أبيض فكفنه وطيبه وصلى عليه ودفنه فى مقبرة المسلمين فلما جاءت المسودة يعنى بنى العباس نبشوه وأخذوه معهم وذكر ابن عساكر أن هذه المرأة بقيت بعد دولة بنى أمية وقد جاوزت المائة سنة فالله أعلم وادعت الطائفة المسمون بالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعامئة إلى ما بعد سنة ستين وستمائة أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر الذى يقال له تاج الحسين بعد سنة خمسمائة وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك وإنما أرادوا ان يروجوا بذلك بطلان ما ادعوه من النسب الشريف وهم فى ذلك كذبة خونة وقد نص على ذلك القاضى الباقلانى وغير واحد من أئمة العلماء فى دولتهم فى حدود سنة أربعمائة كما سنبين ذلك كله إذا انتهينا إليه فى مواضعه إن شاء الله تعالى قلت والناس أكثرهم يروج عليهم مثل هذا فانهم جاؤا برأس فوضعوه فى مكان المسجد المذكور وقالوا هذا رأس الحسين فراج ذلك عليهم واعتقدوا ذلك والله أعلم
فضل
شىء من فضائله
روى البخارى من حديث شعبة ومهدى بن ميمون عن محمد بن أبى يعقوب سمعت ابن أبى نعيم (8/204)
قال سمعت عبد الله بن عمر وسأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب فقال أهل العراق يسألون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله ص وقد قال رسول الله ص هما ريحانتاى من الدنيا ورواه الترمذى عن عقبة بن مكرم عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد ابن أبى يعقوب به نحوه أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب فقال ابن عمر أنظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت محمد ص وذكر تمام الحديث ثم قال حسن صحيح
وقال الامام أحمد حدثنا أبو أحمد ثنا سفيان عن أبى الحجاف عن أبى حازم عن أبى هريرة قال قال رسول الله ص من أحبهما فقد احبنى ومن أبغضهما فقد أبغضنى يعنى حسنا وحسينا وقال الامام أحمد حدثنا تليد بن سليمان كوفى ثنا أبو الحجاف عن أبى حازم عن أبى هريرة قال نظر النبى ص إلى على والحسن والحسين وفاطمة فقال أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم تفرد بهما الامام أحمد وقال الامام أحمد حدثنا ابن عمير ثنا الحجاج يعنى ابن دينار عن جعفر بن إياس عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبى هريرة قال خرج علينا رسول الله ص ومعه حسن وحسين هذا على عاتقه الواحد وهذا على عاتقه الآخر وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال له رجل يا رسول الله والله إنك لتحبهما فقال من أحبهما فقد أحبنى ومن أبغضهما فقد أبغضنى تفرد به أحمد وقال أبو يعلى الموصلى حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنى عقبة بن خالد حدثنى يوسف بن إبراهيم التميمى أنه سمع أنس بن مالك يقول سئل رسول الله ص أى أهل بيتك أحب إليك قال الحسن والحسين قال وكان يقول ادع لى ابنى فيشمهما ويضمهما إليه وكذا رواه الترمذى عن أبى سعيد الأشج به وقال حسن غريب من حديث أنس وقال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر وعفان عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر فبقول الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ورواه الترمذى عن عبد بن حميد عن عفان به وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة
وقال الترمذى حدثنا محمود بن غيلان ثنا أبو أسامة عن فضيل بن مرزوق عن عدى عن ثابت عن البراء أن رسول الله ص أبصر حسنا وحسينا فقال اللهم إنى أححبهما فأحبهما ثم قال حسن صحيح وقد روى الامام أحمد عن زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد وأهل السنن الأربعة من حديث الحسين بن واقد عن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله ص يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله ص عن المنبر (8/205)
فحملهما فوضعهما بين يديه وقال صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثى ورفعتها وهذا لفظ الترمذى وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسين بن واقد ثم قال حدثنا الحسين بن عرفة ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن راشد عن يعلى بن مرة قال قال رسول الله ص حسين منى وانا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط ثم قال الترمذى هذا حديث حسن ورواه أحمد عن عفان عن وهب عن عبد الله بن عثمان بن خيثم به ورواه الطبرانى عن بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح بن راشد بن سعد عن يعلى بن مرة أن رسول الله ص قال الحسن والحسين سبطان من الأسباط وقال الامام أحمد حدثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن يزيد بن أبى زياد عن أبى نعيم عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله ص الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ورواه الترمذى من حديث سفيان الثورى وغيره عن يزيد بن أبى زياد وقال حسن صحيح وقد رواه أبو القاسم البغوى عن داود بن رشيد عن مروان الفزارى عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبى نعيم عن أبيه عن أبى سعيد قال قال رسول الله ص الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا أبنى الخالة يحيى وعيسى ص وأخرجه النسائى من حديث مروان بن معاوية الفزارى به ورواه سويد بن سعيد عن محمد بن حازم عن الأعمش عن عطية عن أبى سعيد
وقال الامام أحمد حدثنا وكيع عن ربيع بن سعد عن أبى سابط قال دخل حسين بن على على المسجد فقال جابر بن عبد الله من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا سمعته من رسول الله ص تفرد به أحمد وروى الترمذى والنسائى من حديث إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة أن أمة بعثته ليستغفر له رسول الله ص ولها قال فأتيته فصليت معه المغرب ثم صلى حين صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتى فقال من هذا حذيفة قلت نعم قال ما حاجتك غفر الله لك ولأمك إن هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قبل هذه الليلة استأذن ربه بأن يسلم علي ويبشرنى بان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم قال الترمذى هذا حديث حسن غريب ولا يعرف إلا من حديث إسرائيل وقد روى مثل هذا من حديث على بن أبى طالب ومن حديث الحسين نفسه وعمر وابنه عبد الله وابن عباس وابن مسعود وغيرهم وفى اسانيده كلها ضعف والله أعلم
وقال ابو داود الطيالسى حدثنا موسى بن عطية عن أبيه عن أبى هريرة قال سمعت رسول (8/206)
الله ص يقول فى الحسن والحسين من أحبنى فليحب هذين
وقال الامام أحمد حدثنا سليمان بن داود ثنا إسماعيل يعنى ابن جعفر أخبرنى محمد يعنى ابن حرملة عن عطاء أن رجلا أخبره أنه رأى النبى ص يضم إليه حسنا وحسينا ويقول اللهم إنى أحبهما فأحبهما وقد روى عن أسامة بن زيد وسلمان الفارسى شىء يشبه هذا وفيه ضعف وسقم والله أعلم
وقد قال الامام أحمد حدثنا أسود بن عامر ثنا كامل وأبو المنذر ابنا كامل قال أسود أنبأنا المعنى عن أبى صالح عن أبى هريرة قال كنا نصلى مع رسول الله ص العشاء فاذا سجد وثب الحسين والحسن على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما أخذا رفيقا فيضعهما على الأرض فإذا عاد عادا حتى قضى صلاته أقعدهما على فخذيه قال فقمت إليه فقلت يا رسول الله أردهما إلى أمهما قال فبرقت برقة فقال لهما الحقا بأمكما قال فمكث ضؤها حتى دخلا على أمهما وقد روى موسى بن عثمان الحضرمى عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة نحوه وقد روى عن أبى سعيد وابن عمر قريب من هذا فقال الامام أحمد حدثنا عفان ثنا معاذ بن معاذ ثنا قيس بن الربيع عن أبى المقدام عبد الرحمن الأزرق عن على قال دخل على رسول الله ص وأنا نائم فاستسقى الحسن أو الحسين فقام رسول الله ص إلى شاة لنا كى يحلبها فدرت فجاءه الآخر فنحاه فقالت فاطمة يا رسول الله كانه أحبهما إليك قال لا ولكنه استسقى قبله ثم قال إنى وأياك وهذين وهذا الراقد فى مكان واحد يوم القيامة تفرد به أحمد ورواه أبو داود الطيالسى عن عمر بن ثابت عن أبيه عن أبى فاختة عن على فذكر نحوه وقد ثبت أن عمر بن الخطاب كان يكرمهما ويحملهما ويعطيهما كما يعطى أباهما وجىء مرة بحلل من اليمن فقسمها بين أبناء الصحابة ولم يعطهما منها شيئا وقال ليس فيها شىء يصلح لهما ثم بعث إلى نائب اليمن فاستعمل لهما حلتين تناسبهما
وقال محمد بن سعد أنبأنا قبيصة بن عقبة ثنا يونس بن أبى إسحاق عن العيزار بن حريث قال بينما عمر بن العاص جالس فى ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبلا فقال هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء وقال الزبير بن بكار حدثنى سليمان بن الدراوردى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله ص بايع الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر وهم صغار لم يبلغوا ولم يبايع صغيرا إلا منا وهذا مرسل غريب وقال محمد بن سعد أخبرنى يعلى بن عبيد ثنا عبد الله بن الوليد الرصافى عن عبد الله بن عبيد بن عميرة قال حج الحسين ابن على خمسا وعشرين حجة ماشيا ونجائبه تقاد بين يديه وحدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن ابيه أن الحسين بن على حج ماشيا وأن نجائبه لتقاد وراءه والصواب أن ذلك إنما هو الحسن أخوه كما حكاه البخارى
وقال المدائنى جرى بين (8/207)
الحسن والحسين كلام فتهاجرا فلما كان بعد ذلك أقبل الحسن إلى والحسين فأكب على رأسه يقبله فقام الحسين فقبله أيضا وقال إن الذى منعنى من ابتدائك بهذا أنى رأيت أنك أحق بالفضل منى فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به منى وحكى الأصمعى عن ابن عون أن الحسن كتب إلى الحسين يعيب عليه إعطاء الشعراء فقال الحسين إن أحسن المال ما وقى العرض
وقد روى الطبرانى حدثنا أبو حنيفة محمد بن حنيفة الواسطى ثنا يزيد بن البراء بن عمرو ابن البراء الغنوى ثنا سليمان بن الهيثم قال كان الحسين بن على يطوف بالبيت فأراد أن يستلم فما وسع له الناس فقال رجل يا أبا فراس من هذا فقال الفرزدق ... هذا الذى تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم ... هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقى النقى الطاهر العلم ... يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم ... إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهى الكرم ... يفضى حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم ... فى كفه خيزران ريحها عبق ... بكف أورع فى عرنينه شمم ... مشتقة من رسول الله نسبته ... طابت عناصره والخيم والشيم ... لا يستطيع جواد بعد غايته ... ولا يدانيه قوم إن هموا كرموا ... من يعرف الله يعرف أولية ذا ... فالدين من بيت هذا ناله أمم ... أى العشائر هم ليست رقابهم ... لاولية هذا أوله نعم ...
هكذا أوردها الطبرانى فى ترجمة الحسين فى معجمه الكبير وهو غريب فان المشهور أنها من قيل الفرزدق فى على بن الحسين لا فى أبيه وهو أشبه فان الفرزدق لم ير الحسين إلا وهو مقبل إلى الحج والحسين ذاهب إلى العراق فسأل الحسين الفرزدق عن الناس فذكر له ما تقدم ثم أن الحسين قتل بعد مفارقته له بأيام يسيرة فمتى رآه يطوف بالبيت والله أعلم وروى هشام عن عوانة قال قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد أين الكتاب الذى كتبته إليك فى قتل الحسين فقال مضيت لأمرك وضاع الكتاب فقال له ابن زياد لتجيئن به قال ضاع قال والله لتجيئن به قال ترك والله يقرأ على عجائز قريش أعتذر إليهن بالمدينة أما والله لقد نصحتك فى حسين نصيحة لو نصحتها إلى سعد بن أبى وقاص لكنت قد أديت حقه فقال عثمان بن زياد أخو عبيد الله صدق عمر والله ولوددت والله أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفى أنفه خزامة إلى يوم القيامة وأن حسينا لم يقتل قال فوالله ما أنكر ذلك عليه عبيد الله بن زياد (8/208)
فصل
فى شىء من أشعاره التى رويت عنه
فمن ذلك ما أنشده أبو بكر بن كامل عن عبد الله بن إبراهيم وذكر أنه للحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما ... إغن عن المخلوق بالخالق ... تسد على الكاذب والصادق ... واسترزق الرحمن من فضله ... فليس غير الله من رازق ... من ظن أن الناس يغنونه ... فليس بالرحمن بالواثق ... أو ظن أن المال من كسبه ... زلت به النعلان من حالق ...
عن الأعمش أن الحسين بن على قال ... كلما زيد صاحب المال مالا ... زيد فى همه وفى الاشتغال ... قد عرفناك يا منغصة العيش ... ويا دار كل فان وبالى ... ليس يصفوا لزهد طلب الزه ... د إذا كان مثقلا بالعيال ...
وعن إسحاق بن إبراهيم قال بلغنى أن الحسين زار مقابر الشهداء بالبقيع فقال ... ناديت سكان القبور فأسكتوا ... وأجابنى عن صمتهم ترب الحصا ... قالت أتدرى ما فعلت بساكنى ... مزقت لحمهم وخرقت الكسا ... وحشوت أعينهم ترابا بعد ما ... كانت تأذى باليسير من القذا ... أما العظام فاننى مزقتها ... حتى تباينت المافضل والشوا ... قطعت ذا زاد من هذا كذا ... فتركتها رمما يطوف بها البلا ...
وأنشد بعضهم للحسين رضى الله عنه أيضا ... لئن كانت الدنيا تعد نفيسة ... فدار ثواب الله أعلى وأنبل ... وإن كانت الابدان للموت أنشئت ... فقتل امرىء بالسيف فى الله أفضل ... وإن كانت الأرزاق شيئا مقدرا ... فقله سعى المرء فى الرزق أجمل ... وإن كانت الاموال للترك جمعها ... فما بال متروك به المرء يبخل ...
ومما أنشد الزبير بن بكار من شعره فى امرأته الرباب بنت أنيف ويقال بنت امرىء القيس بن عدى بن أوس الكلبى أم ابنته سكينة ... لعمرك إننى لأحب دارا ... تحل بها سكينة ولرباب (8/209)
أحبهما وأبذل جل مالى ... وليس للائمى فيها عتاب ... ولست لهم وإن عتبوا مطيعا ... حياتى أو يعلينى التراب ...
وقد أسلم أبوها على يدي عمر بن الخطاب وأمره عمر على قومه فلما خرج من عنده خطب إليه على بن أبى طالب أن يزوج ابنه الحسن أو الحسين من بناته فزوج الحسن ابنته سلمى والحسين ابنته الرباب وزوج عليا ابنته الثالثة وهى المحياة بنت امرىء القيس فى ساعة واحدة فأحب الحسين زوجته الرباب حبا شديدا وكان بها معجبا يقول فيها الشعر ولما قتل بكربلاء كانت معه فوجدت عليه وجدا شديدا وذكر أنها أقامت على قبره سنة ثم انصرفت وهى تقول ... إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر ...
وقد خطبها بعده خلق كثير من أشراف قريش فقالت ما كنت لأتخذ حموا بعد رسول الله ص ووالله لا يؤوينى رجلا بعد الحسين سقف أبدا ولم تزل عليه كمدة حتى ماتت ويقال أنها إنما عاشت بعده أياما يسيرة فالله اعلم وابنتها سكينة بنت الحسين كانت من أجمل النساء حتى إنه لم يكن فى زمانها أحسن منها فالله أعلم
وروى أبو مخنف عن عبد الرحمن بن جندب أن ابن زياد بعد مقتل الحسين تفقد أشراف أهل الكوفة فلم ير عبيد الله بن الحر بن يزيد فتطلبه حتى جاءه بعد ايام فقال أين كنت يا ابن الحر قال كنت مريضا قال مريض القلب أم مريض البدن قال أما قلبى فلم يمرض وأما بدنى فقد من الله عليه بالعافية فقال له ابن زياد كذبت ولكنك كنت مع عدونا قال لو كنت مع عدوك لم يخف مكان مثلى ولكان الناس شاهدوا ذلك قال وعقل عنه ابن زياد غفلة فخرج ابن الحر فقعد على فرسه ثم قال أبلغوه أنى لا آتيه والله طائعا فقال ابن زياد أين ابن الحر قال خرج فقال على به فخرج الشرط فى طلبه فأسمعهم غليظ ما يكرهون وترضى عن الحسين وعن وأخيه وأبيه ثم أسمعهم فى ابن زياد غليظا من القول ثم امتنع منهم وقال فى الحسين وفى أصحابه شعرا ... يقول أمير غادر حق غادر ... ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة ... فياندمى أن لا أكون نصرته ... لذو حسرة ما أن تفارق لازمه ... سقى الله أرواح الذين تبارزوا ... على نصره سقيا من الغيث دائمه ... وقفت على أحداثهم وقبورهم ... فكان الحشى ينقض والعين ساجمه ... لعمرى لقد كانوا مصاليت فى الوغى ... سراعا إلى الهيجا حماة حضارمه ... تأسوا على نصر بن بنت نبيهم ... بأسيافهم أساد غبل ضراغمه ... فان تقتلوا تلك النفوس التقية ... على الأرض قد أضحت لذلك واجمة (8/210)
فما إن رأى الراءون أفضل منهم ... لدى الموت سادات وزهر قماقمة ... أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا ... فذى خطة ليست لنا بملائمة ... لعمرى لقد راغمتمونا بقتلهم ... فكم ناقم منا عليكم وناقمة ... أهم مرارا أن أسير بجحفل ... إلى فئة زاغت عن الحق ظالمة ... فيا ابن زياد إستعد لحربنا ... وموقف ضنك تقصم الظهر قاصمة ...
وقال الزبير بن بكار قال سليمان بن قتيبة يرثى الحسين رضى الله عنه
... وإن قتيل الطف من آل هاشم ... أذل رقابا من قريش فذلت ... فان تتبعوه عائذا البيت تصبحوا ... كعاد تعمت عن هداها فضلت ... مررت على أبيات آل محمد ... فالفيتها أمثالها حيث حلت ... وكانوا لنا غنما فعادوا رزية ... لقد عظمت تلك الرزايا وجلت ... فلا يبعد الله الديار وأهلها ... وإن أصبحت منهم برغمى تخلت ... إذا افتقرت قيس خبرنا ؟ ؟ فقيرها ... وتقتلنا قيس إذا النعل زلت ... وعند يزيد قطرة من دمائنا ... سنجزيهم يوما بها حيث حلت ... ألم تر أن الأرض أضحت مريضة ... لقتل حسين والبلاد اقشعرت ...
ومما وقع من الحوادث فى هذه السنة أعنى سنة إحدى وستين بعد مقتل الحسين ففيها ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد سجستان وخراسان حين وفد عليه وله من العمر أربعة وعشرون سنة وعزل عنها أخويه عبادا وعبد الرحمن وسار سلم إلى عمله فجعل ينتخب الوجوه والفرسان ويحرض الناس على الجهاد ثم خرج فى جحفل عظيم ليغزو بلاد الترك ومعه امرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن ابى العاص فكانت أول امرأة من العرب قطع بها النهر وولدت هناك ولدا أسموه صغدى وبعثت إليها امرأة صاحب صغدى بتاجها من ذهب ولآل وكان المسلمون قبل ذلك لا يشتون فى تلك البلاد فشتى بها سلم بن زياد وبعث المهلب بن أبى صفرة إلى تلك المدينة التى هى للترك وهى خوارزم فحاصرهم حتى صالحوه على نيف وعشرين ألف ألف وكان يأخذ منهم عروضا عوضا فيأخذ الشىء بنصف قيمته فبلغت قيمة ما أخذ منهم خمسين ألف ألف فحظى بذلك المهلب عند سلم بن زياد
ثم بعث من ذلك ما اصطفاه ليزيد بن معاوية مع مرزبان ومعه وفد وصالح سلم أهل سمرقند فى هذه الغزوة على مال جزيل وفيها عزل يزيد عن إمرة الحرمين عمرو بن سعيد وأعاد إليها الوليد بن (8/211)
عتبة بن أبى سفيان فولاه المدينة وذلك أن ابن الزبير لما بلغه مقتل الحسين شرع يخطب الناس ويعظم قتل الحسين وأصحابه جدا ويعيب على أهل الكوفة وأهل العراق ما صنعوه من خذلانهم الحسين ويترحم على الحسين ويلعن من قتله ويقول أما والله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه كثيرا فى النهار صيامه أما والله ما كان يستبدل بالقرآن الغنا والملاهى ولا بالبكاء من خشية الله اللغو والحداء ولا بالصيام شرب المدام واكل الحرام ولا بالجلوس فى حلق الذكر طلب الصيد يعرض فى ذلك بيزيد بن معاوية فسوف يلقون غيا ويؤلب الناس على بنى أمية ويحثهم على مخالفته وخلع يزيد فبايعه خلق كثير فى الباطن وسألوه أن يظهرها فلم يمكنه ذلك مع وجود عمرو بن سعيد وكان شديدا عليه ولكن فيه رفق وقد كان كاتبه أهل المدينة وغيرهم وقال الناس أما إذ قتل الحسين فليس ينازع أحد ابن الزبير فلما بلغ ذلك يزيد شق ذلك عليه وقيل له إن عمر وبن سعد لو شاء لبعث إليك برأس ابن الزبير أو يحاصره حتى يخرجه من الحرم فبعث فعزله وولى الول بن عتبة فيها وقيل فى مستهل ذى الحجة فأقام للناس الحج فيها وحلف يزيد ليأتينى ابن الزبير فى سلسلة من فضة وبعث بها مع البريد ومعه برنس من ليير يمينه فلما مر البريد على مروان وهو بالمدينة وأخبره بما هو قاصد له وما معه من الغل أنشأ مروان يقول ... فخذها فما هى للعزيز بحصة ... وفيها مقال لامرىء متذلل ... أعامر إن القوم ساموك خطة ... وذلك فى الجيران غزل بمغزل ... أراك إذا ما كنت فى القوم ناصحا ... يقال له بالدلو أدبر وأقبل ...
فلما انتهت الرسل إلى عبد الله بن الزبير بعث مروان ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ليحضرا مراجعته فى ذلك وقال أسمعاه قولى فى ذلك قال عبد العزيز فلما جلس الرسل بين يديه جعلت أنشده ذلك وهو يسمع ولا أشعره فالتفت إلى فقال أخبرا أباكما أنى أقول ... إنى لمن نبعة صم مكاسرها ... إذا تناوحت القصباء والعشر ... ولا ألين لغير الحق أسأله ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر ...
قال عبد العزيز فما أدرى أيما كان أعجب
قال أبو معشر لا خلاف بين أهل السير أن الوليد بن عتبة حج بالناس فى هذه السنة وهو أمير الحرمين وعلى البصرة والكوفة عبيد الله بن زياد وعلى خراسان وسجستان سلم بن زياد أخو عبيد الله ابن زياد وعلى قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الحسين بن على رضى الله عنهما ومعه بضعة عشر من أهل بيته قتلوا جميعا بكربلاء وقيل بضعة (8/212)
وعشرون كما تقدم وقتل معهم جماعة من الأبطال والفرسان
جابر بن عتيك بن قيس
أبو عبد الله الأنصارى السلمى شهد بدرا وما معه وكان حامل راية الأنصار يوم الفتح كذا قال ابن الجوزى قال وتوفى فى هذه السنة عن إحدى وسبعين سنة
حمزة بن عمرو الأسلمى
صحابى جليل ثبت فى الصحيحين عن عائشة أنها قالت سأل حمزة بن عمرو رسول الله ص فقال إنى كثير الصيام أفأصوم فى السفر فقال له إن شئت فصم وإن شئت فأفطر وقد شهد فتح الشام وكان هو البشير للصديق يوم أجنادين قال الواقدى وهو الذى بشر كعب بن مالك بتوبة الله عليه فأعطاه ثوبيه وروى البخارى فى التاريخ باسناد جيد عنه أنه قال كنا مع رسول الله ص فى ليلة مظلمة فأضاءت لى أصابعى حتى جمعت عليها كل متاع كان للقوم اتفقوا على أنه توفى فى هذه السنة أعنى سنة إحدى وستين
شيبة بن عثمان بن ابى طلحة العبدرى الحجبي
صاحب مفتاح الكعبة كان أبوه ممن قتله على بن أبى طالب يوم أحد كافرا وأظهر شيبة الاسلام يوم الفتح وشهد حنينا وفى قلبه شىء من الشك وقد هم بالفتك برسول الله ص فأطلع الله على ذلك رسوله فأخبره بما هم به فأسلم باطنا وجاد إسلامه وقاتل يومئذ وصبر قال الواقدى عن أشياخه إن شيبة قال كنت أقول والله لو آمن بمحمد جميع الناس ما آمنت به فلما فتح مكة وخرج إلى هوازن خرجت معه رجاء أن أجد فرصة آخذ بثأر قريش كلها منه قال فاختلط الناس ذات يوم ونزل رسول الله ص عن بغلته فدنوت منه وانتضبت سيفى لأضربه به فرفع لى شواظ من نار كاد يمحشنى فالتفت إلى رسول الله ص وقال يا شيبة ادن منى فدنوت منه فوضع يده على صدرى وقال اللهم أعذه من الشيطان قال فوالله ما رفع يده حتى لهو يومئذ أحب إلى من سمعى وبصرى ثم قال اذهب فقاتل قال فتقدمت إلى العدو والله لو لقيت أبى لقتلته لو كان حيا فلما تراجع الناس قال لى يا شيبة الذى أراد الله بك خير مما أردت لنفسك ثم حدثنى بكل ما كان فى نفسى مما لم يطلع عليه أحد إلا الله عز و جل فتشهدت وقلت أستغفر الله فقال غفر الله لك ولى الحجابة بعد عثمان بن طلحة واستقرت الحجابة فى بنيه وبيته إلى اليوم وإليه ينسب بنو شيبة وهم حجبة الكعبة قال خليفة بن خياط وغير واحد توفى سنة تسع وخمسين وقال محمد بن سعد بقى إلى أيام يزيد بن معاوية وقال ابن الجوزى فى المنتظم مات فى هذه السنة عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم صحابى انتقل إلى دمشق وله بها دار (8/213)
ولما مات أوصى إلى يزيد بن معاوية وهو أمير المؤمنين
الوليد بن عقبة بن أبى معيط
ابن أبان بن أبى عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى أبو وهب القرشى العبشمى وهو أخو عثمان بن عفان لأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب وللوليد من الأخوة خالد وعمارة وأم كلثوم وقد قتل رسول الله ص أباه بعد وقعة بدر من بين الأسرى صبرا بين يديه فقال يا محمد من للصبية فقال لهم النار وكذلك فعل بالنضر بن الحارث وأسلم الوليد هذا يوم الفتح وقد بعثه رسول الله ص على صدقات بنى المصطلق فخرجوا يتقلونه فظن أنهم إنما خرجوا لقتاله فرجع فأخبر بذلك رسول الله ص فأراد أن يجهز إليهم جيشا فبلغهم ذلك فجاء من جاء منهم ليعتذروا إليه ويخبرونه بصورة ما وقع فأنزل الله تعالى فى الوليد يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة الآية ذكر ذلك غير واحد من المفسرين والله أعلم بصحة ذلك وقد حكى أبو عمرو بن عبد البر على ذلك الاجماع وقد ولاه عمر صدقات بنى تغلب وولاه عثمان نيابة الكوفة بعد سعد ابن أبى وقاص سنة خمس وعشرين ثم شرب الخمر وصلى بأصحابه ثم التفت إليهم فقال أزيدكم ووقع منه تخبيط ثم إن عثمان جلده وعزله عن الكوفة بعد أربع سنين فأقام بها فلما جاء على إلى العراق سار إلى الرقة واشترى له عندها ضيعة وأقام بها معتزلا جميع الحروب التى كانت أيام على ومعاوية وما بعدها إلى أن توفى بضيعته فى هذه السنة ودفن بضيعته وهى على خمسة عشر ميلا من الرقة ويقال إنه توفى فى أيام معاوية فالله أعلم روى له الامام أحمد وأبو داود حديثا واحدا فى فتح مكة وقد ذكر ابن الجوزى وفاته فى هذه السنة وذكر أيضا وفاة أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية وقد تقدم ذكر وفاتها فى سنة إحدى وخمسين وقيل إنها توفيت سنة ثلاث وستين وقيل سنة ست وستين والصواب ما ذكرناه
أم سلمة أم المؤمنين
هند بنت أبى أمية حذيفة وقيل سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية كانت أولا تحت ابن عمها أبى سلمة بن عبد الأسد فمات عنها فتزوجها رسول الله ص ودخل بها فى شوال سنة ثنتين بعد وقعة بدر وقد كانت سمعت من زوجها أبى سلمة حديثا عن رسول الله ص أنه قال ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها إلا أبدله الله خيرا منها قالت فلما مات أبو سلمة قلت ذلك ثم قلت ومن هو خير من أبى سلمة أول رجل هاجر ثم عز الله لى فقلتها فأبدلنى الله خيرا (8/214)
منه رسول الله ص وكانت من حسان النساء وعابداتهن قال الواقدى توفيت سنة تسع وخمسين وصلى عليها أبو هريرة وقال ابن أبى خيثمة توفيت فى أيام يزيد بن معاوية قلت والأحاديث المتقدمة فى مقتل الحسين تدل على أنها عاشت إلى ما بعد مقتله والله أعلم ورضى الله عنها والله سبحانه أعلم
ثم دخلت سنة ثنتين وستين
يقال فيها قدم وفد المدينة النبوية على يزيد بن معاوية فأكرمهم وأجازهم بجوائز سنية ثم عادوا من عنده بالجوائز فخلعوه وولوا عليهم عبد الله بن حنظلة الغسيل فبعث إليهم يزيد جندا فى السنة الآتية إلى المدينة فكانت وقعة الحرة على ما سنبينه فى التى بعدها إن شاء الله تعالى وقد كان يزيد عزل عن الحجاز عمرو بن سعيد بن العاص وولى عليهم الوليد بن عتبة بن أبى سفيان فلما دخل المدينة احتاط على الأموال والحواصل والأملاك وأخذ العبيد الذين لعمرو بن سعيد فحبسهم وكانوا نحو ثلاثمائة عبد فتجهز عمرو بن سعيد إلى يزيد وبعث إلى عبيده أن يخرجوا من السجن ويلحقوا به وأعد لهم إبلا يركبونها ففعلوا ذلك فما لحقوه حتى وصل إلى يزيد فأكرمه واحترمه ورحب به يزيد وأدنى مجلسه ثم أنه عاتبه فى تقصيره فى شأن ابن الزبير فقال له يا أمير المؤمنين الشاهد يرى مالا يرى الغائب وإن جل أهل مكة والحجاز ما لأوه علينا وأحبوه ولم يكن لى جند أقوى بهم عليه لون اهضته وقد كان يحذرتى ويحترس منى وكنت أرفق به كثيرا وأداريه لأستمكن منه فأثب عليه مع أنى قد ضيقت عليه ومنعته من اشياء كثيرة وجعلت على مكة وطرقها وشعابها رجالا لا يدعون أحدا يدخلها حتى يكتبوا اسمه واسم أبيه ومن أى بلاد هو وما جاء له وماذاا يريد فان كان من أصحابه أو ممن عرف أنه يريده رددته صاغرا إلا خليت سبيله وقد وليت الوليد وسيأتيك من عمله وأمره ما لعلك تعرف به فضل مسارعتى واجتهادى فى أمرك ومناصحتى لك إن شاء الله والله يصنع لك ويكبت عدوك فقال له يزيد أنت أصدق ممن رماك وحملنى عليك وأنت ممن أثق به وأرجو معونته وادخره لذات الصدع وكفاية المهم وكشف نوازل الأمور العظام فى كلام طويل
وأما الوليد بن عتبة فانه أقام بالحجاز وقد هم مرارا أن يبطش بعبد الله بن الزبير فيجده متحذرا ممتنعا قد أعد للأمور أقرانها وثار باليمامة رجل آخر يقال له نجدة بن عامر الحنفى حين قتل الحسين وخالف يزيد بن معاوية ولم يخالف ابن الزبير بل بقى على حدة له أصحاب يتبعونه فاذا كان ليلة عرفة دفع الوليد بن عتبة بالجمهور وتخلف عنه أصحاب ابن الزبير وأصحاب نجدة ثم يدفع كل فريق وحدهم ثم كتب نجدة إلى يزيد إنك بعثت إلينا رجلا أخرق لا يتجه لأمر رشد ولا يرعوى لعظة (8/215)
الحكيم فلو بعثت إلينا رجلا سهل الخلق لين الكنف رجوت أن يسهل به من الأمور ما استوعر منها وأن يجتمع ما تفرق فانظر فى ذلك فان فيه صلاح خواصنا وعوامنا إن شاء الله تعالى قالوا فعزل يزيد الوليد وولى عثمان محمد بن أبى سفيان فسار إلى الحجاز وإذا هو فتى غر حدث غمر لم يمارس الأمور فطمعوا فيه ولما دخل المدينة بعث إلى يزيد منها وفدا فيهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصارى وعبد الله بن أبى عمرو بن حفص بن المغيرة الحضرمى والمنذر بن الزبير ورجال كثير من أشراف أهل المدينة فقدموا على يزيد فأكرمهم وأحسن إليهم وعظم جوائزهم ثم انصرفوا راجعين إلى المدينة إلا المنذر بن الزبير فانه سار إلى صاحبه عبيد الله بن زياد بالبصرة وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف نظير أصحابه من أولئك الوفد ولما رجع وفد المدينة إليها أظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر وتعزف عنده القينات بالمعازف وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه فتابعهم الناس على خلعه وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على الموت وأنكر عليهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ورجع المنذر بن الزبير من البصرة إلى المدينة فوافق أولئك على خلع يزيد وأخبرهم عنه أنه يشرب الخمر ويسكر حتى ترك الصلاة وعابه أكثر مما عابه أولئك فلما بلغ ذلك يزيد قال اللهم إنى آثرته وأكرمته ففعل ما قد رأيت فأدركه وانتقم منه ثم أن يزيدا بعث إلى أهل المدينة النعمان بن بشير ينهاهم عما صنعوا ويحذرهم غب ذلك ويأمرهم بالرجوع إلى السمع والطاعة ولزوم الجماعة فسار إليهم ففعل ما أمره يزيد وخوفهم الفتنة وقال لهم إن الفتنة وخيمة وقال لا طاقة لكم بأهل الشام فقال له عبد الله بن مطيع ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا فقال له النعمان أما والله لكأنى وقد تركت تلك الأمور التى تدعو إليها وقامت الرجال على الركب التى تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحى الموت بين الفريقين وكأنى بك قد ضربت جنب بغلتك إلى وخلفت هؤلاء المساكين يعنى الأنصار يقتلون فى سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه الناس فلم يسمعوا منه فانصرف وكان الأمر والله كما قال سواء
قال ابن جرير وحج بالناس فى هذه السنة الوليد بن عتبة كذا قال وفيه نظر فانه إن كان فى وفد أهل المدينة وقد رجعوا من عند يزيد فانما وفد عثمان بن محمد بن أبى سفيان وإن كان قد حج بالناس فيها الوليد فما قدم وفد المدينة إلى يزيد إلا فى أول سنة ثلاث وستين وهو أشبه والله أعلم
وممن توفى فى هذه السنة من الأعيان
بريدة بن الحصيب الأسلمى كان إسلامه حين اجتاز به رسول الله ص وهو مهاجر إلى المدينة عند كراع الغميم فلما كان هناك تلقاه بريدة فى ثمانين نفسا من أهله فأسلموا وصلى بهم صلاة العشاء وعلمه (8/216)
ليلتئذ صدرا من سورة مريم ثم قدم على رسول الله ص المدينة بعد أحد فشهد معه المشاهد كلها وأقام بالمدينة فلما فتحت البصرة نزلها واختط بها دارا ثم خرج إلى غزو خراسان فمات بمرو فى خلافة يزيد بن معاوية ذكر موته غير واحد فى هذه السنة
الربيع بن خيثم
أبو يزيد الثورى الكوفى أحد أصحاب ابن مسعود قال له عبد الله بن مسعود ما رأيتك قط إلا ذكرت المخبتين ولو رآك رسول الله ص لأحبك وكان ابن مسعود يجله كثيرا وقال الشعبى كان الربيع من معادن الصدق وكان أورع أصحاب ابن مسعود وقال ابن معين لا يسأل عن مثله وله مناقب كثيرة جدا أرخ ابن الجوزى وفاته فى هذه السنة
علقمة بن قيس أبو شبل النخعى الكوفى
كان من أكابر أصحاب ابن مسعود وعلمائهم وكان يشبه بابن مسعود وقد روى علقمة عن جماعة من الصحابة وعنه خلق من التابعين
عقبة بن نافع الفهرى
بعثه معاوية إلى إفريقية فى عشرة آلاف فافتتحها واختط القيروان وكان موضعها غيضة لا ترام من السباع والحيات والحشرات فدعا الله تعالى فجعلن يخرجن منها بأولادهن من الأوكار والحجاز فبناها ولم يزل بها حتى هذه السنة غزا أقواما من البربر والروم فقتل شهيدا رضى الله عنه
عمرو بن حزم
صحابى جليل استعمله رسول الله ص على نجران وعمره سبع عشرة سنة وأقام بها مدة وأدرك أيام يزيد بن معاوية
مسلم بن مخلد الأنصارى
الزرقى ولد عام الهجرة وسمع من رسول الله ص وشهد فتح مصر وولى الجند بها لمعاوية ويزيد ومات فى ذى القعدة من هذه السنة
مسلم بن معاوية الديلمي
صحابى جليل شهد بدرا وأحدا والخندق مع المشركين وكانت له فى المسلمين نكاية ثم أسلم وحسن إسلامه وشهد فتح مكة وحنينا وحج مع أبى بكر سنة تسع وشهد حجة الوداع وعمر ستين سنة فى الجاهلية ومثلها فى الأسلام قاله الواقدى قال وأدرك أيام يزيد بن معاوية وقال ابن الجوزى مات فى هذه السنة
وفيها توفيت الرباب بنت أنيف امرأة الحسين بن على التى كانت حاضرة أهل العراق إذ هم يعدون فى السبت أو فى الجمعة على زوجها الحسين بن على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم دخلت سنة ثلاث وستين
ففيها كانت وقعة الحرة وكان سببها أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية وولوا على قريش عبد الله بن مطيع وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر فلما كان فى أول هذه السنة أظهروا (8/217)
ذلك واجتمعوا عند المنبر فجعل الرجل منهم يقول قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتى هذه ويلقيها عن رأسه ويقول الآخر قد خلعته كما خلعت نعلى هذه حتى اجتمع شىء كثير من العمائم والنعال هناك ثم اجتمعوا على إخراج عامل يزيد من بين أظهرهم وهو عثمان بن محمد بن أبى سفيان بن عم يزيد وعلى إجلاء بنى أمية من المدينة فاجتمعت بنو أمية فى دار مروان بن الحكم وأحاط بهم أهل المدينة يحاصرونهم واعتزل الناس على بن الحسين زين العابدين وكذلك عبد الله بن عمر ابن الخطاب لم يخلعا يزيد ولا أحد من بيت ابن عمر وقد قال ابن عمر لأهله لا يخلعن أحد منكم يزيد فتكون الفيصل ويورى الصيلم بينى وبينه وسيأتى هذا الحديث بلفظه وإسناده فى ترجمة يزيد وأنكر على أهل المدينة فى مبايعتهم لابن مطيع وابن حنظلة على الموت وقال إنما كنا نبايع رسول الله ص على أن لا نفر وكذلك لم يخلع يزيد أحد من بنى عبد المطلب وقد سئل محمد بن الحنفية فى ذلك فامتنع من ذلك أشد الإمتناع وناظرهم وجادلهم فى يزيد ورد عليهم ما اتهموا يزيد به من شرب الخمر وتركه بعض الصلوات كما سيأتى مبسوطا فى ترجمة يزيد قريبا إن شاء الله وكتب بنو أمية إلى يزيد بما هم فيه من الحصر والاهانة والجوع والعطش وإنه لم يبعث إليهم من ينقذهم مما هم فيه وإلا استؤصلوا عن آخرهم وبعثوا ذلك مع البريد فلما قدم بذلك على يزيد وجده جالسا على سريره ورجلاه في ماء يتبرد به مما به من النقرس في رجليه فلما قرأ الكتاب انزعج لذلك وقال وقال ويلك ما فيهم ألف رجل قال بلى قال فهل لا قاتلوا ساعة من نهار ثم بعث إلى عمرو بن سعيد ابن العاص فقرأ عليه الكتاب واستشاره فيمن يبعثه إليهم وعرض عليه أن يبعثه إليهم فأبى عليه ذلك وقال إن أمير المؤمنين عزلنى عنهاا وهى مضبوطة وأمورها محكمة فأما الآن فإنما دماء قريش تراق بالصعيد فلا أحب أن أتولى ذلك منهم ليتول ذلك من هو أبعد منهم منى قال فبعث البريد إلى مسلم بن عقبة المزنى وهو شيخ كبير ضعيف فانتدب لذلك وأرسل معه يزيد عشرة آلاف فارس وقيل اثنا عشر ألفا وخمسة عشر ألف رجل وأعطى كل واحد منهم مائة دينار وقيل أربعة دنانير ثم استعرضهم وهو على فرس له قال المدائنى وجعل على أهل دمشق عبد الله بن مسعدة الفزارى وعلى أهل حمص حصين بن نمير السكونى وعلى أهل الأردن حبيش بن دلجة القينى وعلى أهل فلسطين روح بن زنباع الجذامى وشريك الكنانى وعلى أهل قنسرين طريف بن الحسحاس الهلالى وعليهم مسلم بن عقبة المزنى من غطفان وإنما يسميه السلف مسرف بن عقبة فقال النعمان بن بشير يا أمير المؤمنين ولنى عليهم أكفك وكان العمان أخا عبد الله بن حنظلة لأمه عمرة بنت رواحة فقال يزيد لا ليس لهم إلا هذا الغشمة والله لأقتلنهم بعد إحسانى إليهم وعفوى عنهم مرة بعد مرة فقال النعمان يا أمير المؤمنين أنشدك الله فى عشيرتك وأنصار رسول الله ص وقال عبد الله بن جعفر أرأيت (8/218)
إن رجعوا إلى طاعتك أيقبل منهم قال إن فعلوا فلا سبيل عليهم وقال يزيد لمسلم بن عقبة ادع القوم ثلاثا فان رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم وكف عنهم وإلا فاستعن بالله وقاتلهم وإذا ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثا ثم أكفف عن الناس وانظر إلى على بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا وأدن مجلسه فانه لم يدخل فى شىء مما دخلوا فيه وأمر مسلم إذا فرغ من المدينة أن يذهب إلى مكة لحصار ابن نمير وقال له إن حدث بك أمر فعلى الناس حصين بن نمير السكونى وقد كان يزيد كتب إلى عبد الله بن زياد أن يسير إلى الزبير فيحاصره بمكة فأبى عليه وقال والله لا أجمعهما للفاسق أبدا أقتل ابن بنت رسول الله ص وأغزو البيت الحرام وقد كانت أمه مرجانة قالت له حين قتل الحسين ويحك ماذا صنعت وماذا ركبت وعنفته تعنيفا شديدا قالوا وقد بلغ يزيد أن ابن الزبير يقول فى خطبته يزيد القرود شارب الخمور تارك الصلوات منعكف على القينات فلما جهز مسلم بن عقبة واستعرض الجيش بدمشق جعل يقول ... أبلغ أبا بكر إذا الجيش سرى ... وأشرف الجيش على وادى القرى ... أجمع سكران من القوم ترى ... يا عجبا من ملحد فى أم القرى ... مخادع للدين يقضى بالفرى ... وفى رواية ... أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى ... ونزل الجيش على وادى القرى ... عشرون ألفا بين كهل وفتى ... أجمع سكران من القوم ترى ...
قالوا وسار مسلم بمن معه من الجيوش إلى المدينة فلما اقترب منها اجتهد أهل المدينة فى حصار بنى أمية وقالوا لهم والله لنقتلنكم عن آخركم أو تعطونا موثقا أن لا تدلوا علينا أحدا من هؤلاء الشاميين ولا تمالئوهم علينا فأعطوهم العهود بذلك فلما وصل الجيش تلقاهم بنو أمية فجعل مسلم يسألهم عن الأخبار فلا يخبره أحد فانحصر لذلك وجاءه عبد الملك بن مروان فقال له إن كنت تريد النصر فانزل شرقى المدينة فى الحرة فاذا خرجوا إليك كانت الشمس فى أقفيتكم وفى وجوههم فادعهم إلى الطاعة فان أجابوك وإلا فاستعن بالله وقاتلهم فان الله ناصرك عليهم إذ خالفوا الامام وخرجوا عن الطاعة فشكره مسلم بن عقبة على ذلك وامتثل ما أشار به فنزل شرقى المدينة فى الحرة ودعا أهلها ثلاثة أيام كل ذلك يأبون إلا المحاربة والمقاتلة فلما مضت الثلاثة قال لهم فى اليوم الرابع وهو يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذى الحجة سنة ثلاث وستين قال لهم يا أهل المدينة مضت الثلاث وإن أمير المؤمنين قال لى إنكم أصله وعشيرته وإنه يكره إراقة دمائكم وإنه أمرنى أن أؤجلكم ثلاثا فقد مضت فماذا أنتم صانعون أتسالمون أم تحاربون فقالوا بل نحارب فقال لا تفعلوا بل سالموا ونجعل جدنا وقوتنا على هذا الملحد يعنى ابن الزبير (8/219)
فقالوا يا عدو الله لو أردت ذلك لما مكناك منه أنحن نذركم تذهبون فتلحدون فى بيت الله الحرام ثم تهيأوا للقتال وقد كانوا اتخذوا خندقا بينهم وبين ابن عقبة وجعلوا جيشهم أربعة أرباع على كل ربع أمير وجعلوا أجمل الأرباع الربع الذى فيه عبد الله بن حنظلة الغسيل ثم اقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزم أهل المدينة إليها وقد قتل من الفريقين خلق من السادات والاعيان منهم عبد الله بن مطيع وبنون له سبعة بين يديه وعبد الله بن حنظلة الغسيل وأخوه لأمه محمد بن ثابت بن شماس ومحمد بن عمرو بن حزم وقد مر به مروان وهو مجندل فقال رحمك الله فكم من سارية قد رأيتك تطيل عندها القيام والسجود
ثم أباح مسلم بن عقبة الذى يقول فيه السلف مسرف بن عقبة قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد لا جزاه الله خيرا وقتل خيرا خلقا من أشرافها وقرائها وانتهب أموالا كثيرة منها ووقع شر وفساد عريض على ما ذكره غير واحد فكان ممن قتل بين يديه صبرا معقل بن سنان وقد كان صديقه قبل ذلك ولكن أسمعه فى يزيد كلاما غليظا فنقم عليه بسببه واستدعى بعلى بن الحسين فجاء يمشى بين مروان بن الحكم وابنه عبد الملك ليأخذ له بهما عنده أمانا ولم يشعر أن يزيد أوصاه به فلما جلس بين يديه استدعى مروان بشراب وقد كان مسلم بن عقبة حمل معه من الشام ثلجا إلى المدينة فكان يشاب له بشرابه فلما جىء بالشراب شرب مروان قليلا ثم أعطى الباقى لعلى بن الحسين ليأخذ له بذلك أمانا وكان مروان موادا لعلى ابن الحسين فلما نظر إليه مسلم بن عقبة قد أخذ الاناء فى يده قال له لا تشرب من شرابنا ثم قال له إنما جئت مع هذين لتأمن بهما فارتعدت يد على بن الحسين وجعل لا يضع الاناء من يده ولا يشربه ثم قال له لولا أن أمير المؤمنين أوصاني بك لضربت عنقك ثم قال له إن شئت أن تشرب فاشرب وإن شئت دعونا لك بغيرها فقال هذه الذى فى كفى أريد فشرب ثم قال له مسلم بن عقبة قم إلى ههنا فاجلس فأجلسه معه على السرير وقال له إن أمير المؤمنين أوصانى بك وإن هؤلاء شغلونى عنك ثم قال لعلى بن الحسين لعل أهلك فزعوا فقال إى والله فأمر بدابته فأسرجت ثم حمله عليها حتى رده إلى منزله مكرما ثم استدعى بعمرو بن عثمان بن عفان ولم يكن خرج مع بنى أمية فقال له إنك إن ظهر أهل المدينة قلت أنا معكم وإن ظهر أهل الشام قلت أنا ابن أمير المؤمنين ثم أمر به فنتفت لحيته بين يديه وكان ذا لحية كبيرة
قال المدائنى وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام يقتلون من وجدوا من الناس ويأخذون الأموال فأرسلت سعدى بنت عوف المرية إلى مسلم بن عقبة تقول له أنا بنت عمك فمر أصحابك أن لا يتعرضوا لابلنا بمكان كذا وكذا فقال لأصحابه لا تبدؤوا إلا بأخذ إبلها أولا وجاءته امرأة فقالت (8/220)
أنا مولاتك وابنى فى الأسارى فقال عجلوه لها فضربت عنقه وقال اعطوه رأسه اما ترضين ان لا يقتل حتى تتكلمى فى ابنك ووقعوا على النساء حتى قيل إنه حبلت ألف امرأة فى تلك الأيام من غير زوج والله أعلم قال المدائنى عن أبى قرة قال قال هشام بن حسان ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج وقد اختفى جماعة من سادات الصحابة منهم جابر بن عبد الله وخرج أبو سعيد الخدرى فلجأ إلى غار فى جبل فلحقه رجل من أهل الشام قال فلما رأيته انتضيت سيفى فقصدنى فلما رآنى صمم على قتلى فشممت سيفى ثم قلت إنى أريد أن تبوء باثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فلما رأى ذلك قال من أنت قلت أنا أبو سعيد الخدرى قال صاحب رسول الله ص قلت نعم فمضى وتركنى
قال المدائنى وجىء إلى مسلم بسعيد بن المسيب فقال له بايع فقال أبايع على سيرة أبى بكر وعمر فأمر بضرب عنقه فشهد رجل إنه مجنون فخلى سبيله وقال المدائنى عن عبد الله القرشى وأبى إسحاق التميمى قالا لما انهزم أهل المدينة يوم الحرة صاح النساء والصبيان فقال ابن عمر بعثمان ورب الكعبة قال المدائنى عن شيخ من أهل المدينة قال سألت الزهرى كم كان القتلى يوم الحرة قال سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالى وممن لا أعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف قال وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وستين وانتهبوا المدينة ثلاثة أيام قال الواقدى وأبو معشر كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذى الحجة سنة ثلاث وستين
قال الواقدى عن عبد الله بن جعفر عن ابن عوف قال وحج بالناس فى هذه السنة عبد الله بن الزبير وكانوا يسمونه العائذ يعنى العائذ بالبيت ويرون الأمر شورى وجاء خبر الحرة إلى أهل مكة ليلة مستهل المحرم مع سعيد مولى المسور بن مخرمة فحزنوا حزنا شديدا وتأهبوا لقتال أهل الشام قال ابن جرير وقد رويت قصة الحرة على غير ما رواه أبو مخنف فحدثنى أحمد بن زهير ثنا أبى سمعت وهب بن جرير ثنا جويرية بن أسماء قال سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون أن معاوية لما حضرته الوفاة دعا ابنه يزيد فقال له إن لك من أهل المدينة يوما فان فعلوا فارمهم بمسلم ابن عقبة فانه رجل قد عرفت نصيحته لنا فلما هلك معاوية وفد إلى يزيد وفد من أهل المدينة وكان ممن وفد إليه عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر وكان شريفا فاضلا سيدا عابدا ومعه ثمانية بنين له فأعطاه يزيد مائة ألف درهم وأعطى بنيه كل واحد منهم عشرة آلاف سوى كسوتهم وحملاتهم ثم رجعوا إلى المدينة فلما قدمها أتاه الناس فقالوا له ما وراءك فقال جئتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بنى هؤلاء لجاهدته بهم قالوا قد بلغنا أنه أعطاك وأخدمك وأجزاك (8/221)
وأكرمك قال قد فعل وما قبلت منه إلا لأتقوى له على قتاله ثم فحض الناس فبايعوه فبلغ ذلك يزيد فبعث إليهم مسلم بن عقبة وقد بعث أهل المدينة إلى كل ماء بينهم وبين الشام فصبوا فيه زقا من قطران وغوروه فأرسل الله على جيش الشام السماء مدرارا بالمطر فلم يستقوا بدلو حتى وردوا المدينة فخرج أهل المدينة بجموع كثيرة وهيئة لم ير مثلها فلما رآهم أهل الشام هابوهم وكرهوا قتالهم وكان أميرهم مسلم شديد الوجع فبينما الناس فى قتالهم إذ سمعوا التكبير من خلفهم فى جوف المدينة قد أقحم عليهم بنو حارثة من أهل الشام وهم على الجدر فانهزم الناس فكان من أصيب فى الخندق أعظم ممن قتل فدخلوا المدينة وعبد الله بن حنظلة مستند إلى الجدار يغط نوما فنبهه ابنه فلما فتح عينيه ورأى ما صنع الناس أمر أكبر بنيه فتقدم فقاتل حتى قتل فدخل مسلم بن عقبة المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية ويحكم فى دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء
وقد روى ابن عساكر فى ترجمة أحمد بن عبد الصمد من تاريخه من كتاب المجالسة لأحمد بن مروان المالكى ثنا الحسين بن الحسن اليشكرى ثنا الزيادى عن الأصمعى ح وحدثنى محمد ابن لحارث عن المدائنى قال لما قتل أهل الحرة هتف هاتف بمكة على أبى قبيس مساء تلك الليلة وابن الزبير جالس يسمع ... والصائمون القانتون ... أولوا العبادة والصلاح ... المهتدون المحسنون ... السابقون إلى الفلاح ... ماذا بواقم والبقيع ... من الجحاجحة الصباح ... وبقاع يثرب ويحهنن ... من النوادب والصياح ... قتل الخيار بنوا الخيار ... ذوى المهابة والسماح ...
فقال ابن الزبير يا هؤلاء قتل أصحابكم فانا لله وإنا إليه راجعون
وقد أخطأ يزيد خطأ فاحشا فى قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام وهذا خطأ كبير فاحش مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدى عبيد الله بن زياد وقد وقع فى هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة فى المدينة النبوية مالا يحد ولا يوصف مما لا يعلمه إلا الله عز و جل وقد أراد بارسال مسلم بن عقبة توطيد سلطانه وملكه ودوام أيامه من غير منازع فعاقبه الله بنقيض قصده وحال بينه وبين ما يشتهيه فقصمه الله قاصم الجبابرة وأخذه أخذ عزيز مقتدر وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد (8/222)
قال البخارى فى صحيحه حدثنا الحسين بن الحارث ثنا الفضل بن موسى ثنا الجعد عن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص عن أبيها قال سمعت رسول الله ص يقول لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح فى الماء وقد رواه مسلم من حديث أبى عبد الله القراظ المدينى واسمه دينار عن سعد بن أبى وقاص أن رسول الله ص قال لا يريد أحد المدينة بسوء إلا أذابه الله فى النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح فى الماء وفى رواية لمسلم من طريق أبى عبد الله القراظ عن سعد وأبى هريرة أن رسول الله ص قال من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح فى الماء وقال الامام أحمد حدثنا أنس بن عياض ثنا يزيد بن خصيفة عن عطاء بن يسار عن السائب بن خلاد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ورواه النسائى من غير وجه عن على ابن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن يزيد بن خصيفة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة عن عطاء بن يسار عن خلادبن منجوف بن الخزرج أخبره فذكره وكذلك رواه الحميدى عن عبد العزيز بن أبى حازم عن يزيد بن حصيفة ورواه النسائى أيضا عن يحيى بن حبيب بن عربى عن حماد عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن أبى مريم عن عطاء بن يسار عن ابن خلاد وكان من أصحاب النبى ص فذكره
وقال ابن وهب أخبرنى حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن أبى بكر عن عطاء بن يسار عن السائب بن خلاد قال سمعت رسول الله ص يقول من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
وقال الدارقطنى ثنا على بن أحمد بن القاسم ثنا أبى ثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر ثنا أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس الأنصارى عن محمد وعبد الرحمن ابنى جابر بن عبد الله قالا خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره فقال تعس من أخاف رسول الله ص ان فقلنا يا أبة وهل أحد يخيف رسول الله ص فقال سمعت رسول الله ص يقول من أخاف أهل هذا الحى من الأنصار فقد اخاف ما بين هذين ووضع يده على جبينه قال الدارقطنى تفرد به سعد بن عبد العزيز لفظا وإسناده وقد استدل بهذا الحديث وأمثاله من ذهب إلى الترخيص فى لعنة يزيد بن معاوية وهو رواية عن أحمد بن حنبل اختارها الخلال وأبو بكر عبد العزيز والقاضى أبو يعلى وابنه القاضى أبو الحسين وانتصر لذلك أبو الفرج بن الجوزى فى مصنف مفرد وجوز لعنته ومنع من ذلك آخرون وصنفوا فيه أيضا لئلا يجعل لعنة وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة وحملوا ما صدر عنه من سوء التصرفات على أنه تأول واخطأ وقالوا إنه كان مع ذلك إماما فاسقا والامام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولى العلماء بل يجوز الخروج عليه لما فى ذلك من (8/223)
إثارة الفتنة ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام ونهب الأموال وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما تقدم إلى يومنا هذا
وأما ما يذكره بعض الناس من أن يزيد لما بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرة من مسلم بن عقبة وجيشه فرح بذلك فرحا شديدا فانه كان يرى أنه الامام وقد خرجوا عن طاعته وأمروا عليهم غيره فله قتالهم حتى يرجعوا ألى الطاعة ولزوم الجماعة كما أنذرهم بذلك على لسان النعمان بن بشير ومسلم بن عقبة كما تقدم وقد جاء فى الصحيح من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنا من كان وأما ما يوردونه عنه من الشعر فى ذلك واستشهاده بشعر ابن الزبعرى فى وقعة أحد التى يقول فيها ... ليت أشياخى ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل ... حين حلت بفنائهم بركها ... واستمر القتل فى عبد الأشل ... قد قتلنا الضعف من أشرافهم ... وعدنا ميل بدر فاعتدل ... وقد زاد بعض الروافض فيها فقال ... ليت هاشم بالملك فلا ... ملك جاءه ولا وحى نزل ...
فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فلعنه الله عليه ولعنه اللاعنين وإن لم يكن قاله فلعنه الله على من وضعه عليه ليشنع به عليه وسيذكر فى ترجمة يزيد بن معاوية قريبا وما ذكر عنه وما قيل فيه وما كان يعانيه من الأفعال والقبائح والأقوال فى السنة الآتية فانه لم يمهل بعد وقعة الحرة وقتل الحسين إلا يسيرا حتى قصمه الله الذى قصم الجبابرة قبله وبعده إنه كان عليما قديرا
وقد توفى فى هذه السنة خلق من المشاهير والأعيان من الصحابة وغيرهم فى وقعة الحرة مما يطول ذكرهم فمن مشاهيرهم من الصحابة عبد الله بن حنظلة أمير المدينة فى وقعة الحرة ومعقل بن سنان وعبيد الله بن زيد بن عاصم رضى الله عنه ومسروق بن الأجدع
ثم دخلت سنة أربع وستين
ففيها فى أول المحرم منها سار مسلم بن عقبة إلى مكة قاصدا قتال ابن الزبير ومن التف عليه من الأعراب على مخالفة يزيد بن معاوية واستخلف على المدينة روح بن زنباع فلما بلغ ثنية هرشا بعث إلى رؤوس الأجناد فجمعهم فقال إن أمير المؤمنين عهد إلى إن حدث بى حدث الموت أن أستخلف عليكم حصين بن نمير السكونى ووالله لو كان الأمر لى ما فعلت ثم دعا به فقال انظر يا ابن بردعة الحمار فاحفظ ما أوصيك به ثم أمره إذا وصل مكة أن يناجز ابن الزبير قبل ثلاث ثم (8/224)
قال اللهم إنى لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أحب إلى من قتل أهل المدينة وأجزى عندى فى الآخرة وإن دخلت النار بعد ذلك إنى لشقى ثم مات قبحه الله ودفن بالمسلك فيما قاله الواقدى
ثم أتبعه الله بيزيد بن معاوية فمات بعده فى ربيع الأول لأربع عشرة ليلة خلت منه فما متعهما الله بشىء مما رجوه وأملوه بل قهرهم القاهر فوق عباده وسلبهم الملك ونزعه منهم من ينزع الملك ممن يشاء
وسار حصين بن نمير بالجيش نحو مكة فانتهى إليها لأربع بقين من المحرم فيما قاله الواقدى وقيل لسبع مضين منه وقد تلاحق بابن الزبير جماعات ممن بقى من أشراف أهل المدينة وانضاف إليه نجدة بن عامر الحنفى من أهل اليمانة فى طائفة من أهلها ليمنعوا البيت من أهل الشام فنزل حصين بن نمير ظاهر مكة وخرج إليه ابن الزبير فى أهل مكة ومن التف معه فاقتتلوا عند ذلك قتالا شديدا وتبارز المنذر بن الزبير ورجل من أهل الشام فقتل كل واحد منهما صاحبه وحمل أهل الشام على أهل مكة حملة صادقة فانكشف أهل مكة وعثرت بغلة عبد الله بن الزبير به فكر عليه المسور بن مخرمة ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف وطائفة فقاتلوا دونه حتى قتلوا جميعا وصابرهم ابن الزبير حتى الليل فانصرفوا عنه ثم اقتتلوا فى بقية شهر المحرم وصفرا بكماله فلما كان يوم السبت ثالث ربيع الأول سنة أربع وستين نصبوا المجانيق على الكعبة ورموها حتى بالنار فاحترق جدار البيت فى يوم السبت وهذا قول الواقدى وهم يقولون ... خطاره مثل الفتيق المزبد ... ترمى بها جدران هذا المسجد ...
وجعل عمر بن حوطة السدوسى يقول
... كيف ترى صنيع أم فروة ... تأخذهم بين الصفا والمروة ...
وأم فروة اسم المنجنيق وقيل إنما احترقت لأن أهل المسجد جعلوا يوقدون النار وهم حول الكعبة فعلقت النار فى بعض أستار الكعبة فسرت إلى أخشابها وسقوفها فاحترقت وقيل إنما احترقت لأن ابن الزبير سمع التكبير على بعض جبال مكة فى ليلة ظلماء فظن أنهم أهل الشام فرفعت نار على رمح لينظروا من هؤلاء الذين على الجبل فأطارت الريح شررة من رأس الرمح إلى ما بين الركن اليمانى والأسود من الكعبة فعلقت فى أستارها وأخشابها فاحترقت وأسود الركن وانصدع فى ثلاثة أمكنة منه واستمر الحصار إلى مستهل ربيع الآخر وجاء الناس نعى يزيد بن معاوية وأنه قد مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين وهو ابن خمس (8/225)
أو ثمان أو تسع وثلاثين سنة فكانت ولايته ثلاث سنين وستة أو ثمانية أشهر فغلب أهل الشام هنالك وانقلبوا صاغرين فحينئذ خمدت الحرب وطفئت نار الفتنة ويقال إنهم مكثوا يحاصرون ابن الزبير بعد موت يزيد نحو أربعين ليلة ويذكر أن ابن الزبير علم بموت يزيد قبل أهل الشام فنادى فيهم يا أهل الشام قد أهلك الله طاغيتكم فمن أحب منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل ومن أحب أن يرجع إلى شامه فليرجع فلم يصدق الشاميون أهل مكة فيما أخبروهم به حتى جاء ثابت بن قيس بن القيقع بالخبر اليقين ويذكر أن حصين بن نمير دعاه ابن الزبير ليحدثه بين الصفين فاجتمعا حتى اختلفت رؤوس فرسيهما وجعلت فرس حصين تنفر ويكفها فقال له ابن الزبير مالك فقال أن الحمام تحت رجلى فرسى تأكل من الروث فأكره أن أطأ حمام الحرم فقال له تفعل هذا وأنت تقتل المسلمين فقال له حصين فأذن لنا فلنطف بالكعبة ثم نرجع إلى بلادنا فأذن لهم فطافوا
وذكر ابن جرير أن حصينا وابن الزبير اتعدا ليلة أن يجتمعا فاجتمعا بظاهر مكة فقال له حصين إن كان هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الامر بعده فهلم فارحل معى إلى الشام فوالله لا يختلف عليك اثنان فيقال إن ابن الزبير لم يثق منه بذلك وأغلظ له فى المقال فنفر منه ابن نمير وقال أنا أدعوه إلى الخلافة وهو يغلظ لى فى المقال ثم كر بالجيش راجعا إلى الشام وقال أعده بالملك ويتواعد بالقتل ثم ندم ابن الزبير على ما كان منه إليه من الغلظة فبعث إليه يقول له أما الشام فلست آتية ولكن خذلى البيعة على من هناك فانى أؤمنكم وأعدل فيكم فبعث إليه يقول له إن من يبتغيها من أهل البيت بالشام لكثير فرجع فاجتاز بالمدينة فطمع فيه اهلها وأهانوهم إهانة بالغة وأكرمهم على بن الحسين زين العابدين وأهدى لحصين ابن نمير قتا وعلفا وارتحلت بنو أمية مع الجيش إلى الشام فوجدوا معاوية بن يزيد بن معاوية قد استحلت مكان أبيه بدمشق عن وصية من أبيه له بذلك والله سبحانه أعلم بالصواب
وهذه ترجمة يزيد بن معاوية
هو يزيد بن معاوية بن أبى سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أمير المؤمنين أبو خالد الأموى ولد سنة خمس أو ست أو سبع وعشرين وبويع له بالخلافة فى حياة ابيه أن يكون ولى العهد من بعده ثم أكد ذلك بعد موت أبيه فى النصف من رجب سنة ستين فاستمر متوليا إلى أن توفى فى الرابع عشر من ربيع الأول سنة أربع وستين وأمه ميسون بنت مخول بن أنيف بن دلجة بن نفاثة بن عدى بن زهير بن حارثة الكلبى روى عن أبيه معاوية أن رسول الله ص قال من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين وحديثا آخر فى الوضوء وعنه ابنه خالد (8/226)
وعبد الملك بن مروان وقد ذكره أبو زرعة الدمشقى فى الطبقة التى تلى الصحابة وهى العليا وقال له أحاديث وكان كثير اللحم عظيم الجسم كثير الشعر جميلا طويلا ضخم الهامة محدد الأصابع غليظها مجدرا وكان أبوه قد طلق أمه وهى حامل به فرأت أمه فى المنام أنه خرج منها قمر من قبلها فقصت رؤياها على أمها فقالت إن صدقت رؤياك لتلدن من يبايع له بالخلافة وجلست أمه ميسون يوما تمشطه وهو صبى صغير وأبوه معاوية مع زوجته الحظية عنده فى المنظرة وهى فاختة بنت قرظة فلما فرغت من مشطه نظرت أمه إليه فأعجبها فقبلته بين عينيه فقال معاوية عند ذلك ... إذا مات لم تفلح مزينة بعده ... فنوطى عليه يا مزين التمائما ...
وانطلق يزيد يمشى وفاختة تتبعه بصرها ثم قالت لعن الله سواد ساقى أمك فقال معاوية أما والله إنه لخير من ابنك عبد الله وهو ولده منها وكان أحمق فقالت فاختة لا والله لكنك تؤثر هذا عليه فقال سوف أبين لك ذلك حتى تعرفينه قبل أن تقومى من مجلسك هذا ثم استدعى بابنها عبد الله فقال له إنه قد بدا لى أن أعطيك كل ما تسألنى فى مجلسى هذا فقال حاجتى أن تشترى لى كلبا فارها وحمارا فارها فقال يا بنى أنت حمار وتشترى لك حمارا قم فاخرج ثم قال لأمه كيف رأيت ثم استدعى بيزيد فقال إنى قد بدا لى أن أعطيك كل ما تسألنى فى مجلسى هذا فسلنى ما بدا لك فخر يزيد ساجدا ثم قال حين رفع رأسه الحمد لله الذى بلغ أمير المؤمنين هذه المدة وأراه فى هذا الرأى حاجتى أن تعقد لى العهد من بعدك وتولينى العام صائفة المسلمين وتأذن لى فى الحج إذا رجعت وتولينى الموسم وتزيد أهل الشام عشرة دنانير لكل رجل فى عطائه وتجعل ذلك بشفاعتى وتعرض لأيتام بنى جمح وأيتام بنى سهم وأيتام بنى عدى فقال مالك ولأيتام بنى عدى فقال لأنهم حالفونى وانتقلوا إلى دارى فقال معاوية قد فعلت ذلك كله وقبل وجهه ثم قال لفاختة بنت قرظة كيف رأيت فقالت يا أمير المؤمنين أوصه بى فأنت أعلم به منى ففعل وفى رواية أن يزيد لما قال له أبوه سلنى حاجتك قال له يزيد اعتقنى من النار أعتق الله رقبتك منها قال وكيف قال لأنى وجدت فى الآثار أنه من تقلد أمر الأمة ثلاثة أيام حرمه الله على النار فاعهد إلى بالأمر من بعدك ففعل
وقال العتبى رأى معاوية ابنه يزيد يضرب غلاما له فقال له اعلم أن الله أقدر عليك منك عليه سوأة لك أتضرب من لا يستطيع أن يمتنع عليك والله لقد منعتنى القدرة من الانتقام من ذوى الاحن وإن أحسن من عفا لمن قدر
قلت وقد ثبت فى الصحيح أن رسول الله ص رأى أبا مسعود يضرب غلاما له فقال أعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه قال العتبى وقدم زياد بأموال كثيرة وبسفط مملوء جواهر (8/227)
على معاوية فسر بذلك معاوية فقام زياد فصعد المنبر ثم أفتخر بما يفعله بأرض العراق من تمهيد الممالك لمعاوية فقام يزيد فقال إن تفعل ذلك يا زياد فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى قريش ومن القلم إلى المنابر ومن زياد بن عبيد إلى حرب بنى أمية فقال له معاوية اجلس فداك أبى وأمى
وعن عطاء بن السائب قال غضب معاوية على ابنه يزيد فهجره فقال له الأحنف بن قيس يا أمير المؤمنين إنما هم أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم سماء ظليلة وأرض ذليلة إن غضبوا فارضهم وإن طلبوا فاعطهم ولا تكن عليهم ثقلا فيملوا حياتك ويتمنوا موتك فقال معاوية لله درك يا أبا بحر يا غلام أئت يزيد فأقره منى السلام وقل له إن أمير المؤمنين قد أمر لك بمائة ألف درهم ومائة ثوب فقال يزيد من عند أمير المؤمنين فقال الأحنف فقال يزيد لا جرم لأقاسمنه فبعث إلى الأحنف بخمسين ألفا وخمسين ثوبا
وقال الطبرانى حدثنا محمد بن زكريا الغلابى ثنا ابن عائشة عن أبيه قال كان يزيد فى حداثته صاحب شراب يأخذ مأخذ الأحداث فأحس معاوية بذلك فأحب أن يعظه فى رفق فقال يا بنى ما أقدرك على أن تصل إلى حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك ويشمت بك عدوك ويسىء بك صديقك ثم 8 قال يا بنى إنى منشدك أبياتا فتأدب بها واحفظها فأنشده ... أنصب نهارا فى طلاب العلا ... واصبر على هجر الحبيب القريب ... حتى إذا الليل أتى بالدجا ... واكتحلت بالغمض عين الرقيب ... فباشر الليل بما تشتهى ... فإنما الليل نهار الأريب ... كم فاسق تحسبه ناسكا ... قد باشر الليل بأمر عجيب ... غطى عليه الليل أستاره ... فبات فى أمن وعيش خصيب ... ولذة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كل عدو مريب ( 1 ) ...
قلت وهذا كما جاء فى الحديث من ابتلى بشىء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز و جل
وروى المدائنى أن عبد الله بن عباس وفد إلى معاوية فأمر معاوية ابنه يزيد أن يأتيه فيعزيه فى الحسن بن على فلما دخل على ابن عباس رحب به وأكرمه وجلس عنده بين يديه فأراد ابن عباس أن يرفع مجلسه فأبى وقال إنما اجلس مجلس المعزى لا المهنى ثم ذكر الحسن فقال رحم الله أبا محمد أوسع الرحمة وأفسحها وأعظم الله أجرك وأحسن عزاك وعوضك من مصابك ما هو خير لك ثوابا وخير عقبى فلما نهض يزيد من عنده قال ابن عباس إذا ذهب بنو حرب (8/228)
ذهب علماء الناس ثم أنشد متمثلا يقول ... مغاض عن العوراء لا ينطقوا بها ... واصل وراثات الحلوم الأوائل ...
وقد كان يزيد أول من غزى مدينة قسطنطينية فى سنةو تسع واربعين فى قول يعقوب بن سفيان وقال خليفة بن خياط سنة خمسين ثم حج بالناس فى تلك السنة بعد مرجعه من هذه الغزوة من أرض الروم وقد ثبت فى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور لهم وهو الجيش الثانى الذى رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم فى منامه عند أم حرام فقالت ادع الله أن يجعلنى منهم فقال أنت من الأولين يعنى جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها فى سنة سبع وعشرين أيام عثمان بن عفان وكانت معهم أم حرام فماتت هنالك بقبرص ثم كان أمير الجيش الثانى ابنه يزيد بن معاوية ولم تدرك أم حرام جيش يزيد هذا وهذا من أعظم دلائل النبوة
وقد أورد الحافظ ابن عساكر ههنا الحديث الذى رواه محاضر عن الأعمش عن إبراهيم بن عبيدة عن عبد الله أن رسول الله ص قال خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وكذلك رواه عبد الله بن شفيق عن أبى هريرة عن النبى ص مثله ثم أورد من طريق حماد بن سلمة عن أبى محمد عن زرارة بن أوفى قال القرن عشرون ومائة سنة فبعث رسول الله ص فى قرن وكان آخره موت يزيد بن معاوية قال قال أبو بكر بن عياش حج بالناس يزيد بن معاوية فى سنة إحدى وخمسين وثنتين وخمسين وثلاث خمسين وقال ابن أبى الدنيا حدثنا أبو كريب ثنا رشد بن عمرو بن الحارث عن أبى بكير بن الأشج أن معاوية قال ليزيد كيف تراك فاعلا إن وليت قال يمتع الله بك يا أمير المؤمنين قال لتخبرنى قال كنت والله يا أبة عاملا فيهم عمل عمر بن الخطاب فقال معاوية سبحان الله يا بنى والله لقد جهدت على سيرة عثمان بن عفان فما أطقتها فكيف بك وسيرة عمر
وقال الواقدى حدثنى أبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة عن مروان بن أبى سعيد بن المعلى قال قال معاوية ليزيد وهو يوصيه عند الموت يا يزيد اتق الله فقد وطأت لك هذا الأمر ووليت من ذلك ما وليت فان يك خيرا فأنا أسعد به وإن كان غير ذلك شقيت به فارفق بالناس واغمض عما بلغك من قول تؤذى به وتنتقص به وطأ عليه يهنك عيشك وتصلح لك رعيتك وإياك والمناقشة وحمل الغضب فانك تهلك نفسك ورعيتك وإياك وخيرة أهل الشرف واستهانتهم والتكبر عليهم ولن لهم لينا بحيث لا يروامنك ضعفا ولا خورا وأوطئهم فراشك وقربهم إليك وادنهم منك فانهم يعلموا لك حقك ولا تهنهم ولا تستخف بحقهم فيهينوك ويستخفوا بحقك ويقعوا فيك (8/229)
فإذا أردت أمرا فادع أهل السن والتجربة من أهل الخير من المشايخ وأهل التقوى فشاورهم ولا تخالفهم وإياك والاستبداد برأيك فان الرأى ليس فى صدر واحد وصدق من أشار عليك إذا حملك على ما تعرف واخزن ذلك عن نسائك وخدمك وشمر إزارك وتعاهد جندك وأصلح نفسك تصلح لك الناس لا تدع لهم فيك مقالا فان الناس سراع إلى الشر واحضر الصلاة فانك إذا فعلت ما أوصيك به عرف الناس لك حقك وعظمت مملكتك وعظمت فى أعين الناس واعرف شرف أهل المدينة ومكة فانهم أصلك وعشيرتك واحفظ لأهل الشام شرفهم فانهم أهل طاعتك واكتب إلى أهل الأمصار بكتاب تعدهم فيه منك بالمعروف فان ذلك يبسط آمالهم وإن وفد عليك وافد من الكور كلها فأحسن إليهم وأكرمهم فانهم لمن ورائهم ولا تسمعن قول قاذف ولا ماحل فانى رايتهم وزراء سوء
ومن وجه آخر أن معاوية قال ليزيد إن لى خليلا من أهل المدينة فاكرمه قال ومن هو قال عبد الله بن جعفر فلما وفد بعد موت معاوية على يزيد أضعف جائزته التى كان معاوية يعطيه إياها وكانت جائزته على معاوية ستمائة ألف فأعطاه يزيد ألف ألف فقال له بأبى أنت وأمى فأعطاه ألف ألف أخرى فقال له ابن جعفر والله لا أجمع أبوى لأحد بعدك ولما خرج ابن جعفر من عند يزيد وقد أعطاه ألفى ألف رأى على باب يزيد بخاتى مبركات قد قدم عليها هدية من خراسان فرجع عبد الله بن جعفر إلى يزيد فسأله منها ثلاث بخاتى ليركب عليها إلى الحج والعمرة وإذا وفد إلى الشام على يزيد فقال يزيد للحاجب ما هذه البخاتى التى على الباب ولم يكن شعر بها فقال يا أمير المؤمنين هذه أربعمائة بختية جاءتنا من خراسان تحمل أنواع الألطاف وكان عليها أنواع من الأموال كلها فقال اصرفها إلى أبى جعفر بما عليها فكان عبد الله بن جعفر يقول أتلوموننى على حسن الرأى فى هذا يعنى يزيد
وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم والحلم والفصاحة والشعر والشجاعة وحسن الرأى فى الملك وكان ذا جمال حسن المعاشرة وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات فى بعض الأوقات وإماتتها فى غالب الأوقات وقد قال الامام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن ثنا حيوة حدثنى بشير بن أبى عمرو الخولانى أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول سمعت رسول الله ص يقول يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ثم يكون خلف يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثة مؤمن ومنافق وفاجر فقلت للوليد ما هؤلاء الثلاثة قال المنافق كافر به والفاجر يتأكل به والمؤمن يؤمن به تفرد به أحمد وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا زهير بن حرب ثنا الفضل بن دكين ثنا كامل أبو العلاء سمعت (8/230)
أبا صالح سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله ص تعوذوا بالله من سنة سبعين ومن إمارة الصبيان وروى الزبير بن بكار عن عبد الرحمن بن سعيد بن زيد ين عمرو بن نفيل أنه قال فى يزيد بن معاوية ... لست منا وليس خالك منا ... يا مضيع الصلوات للشهوات ...
قال وزعم بعض الناس أن هذا الشعر لموسى بن يسار ويعرف بموسى شهوات وروى عن عبد الله بن الزبير أنه سمع جارية له تغنى بهذا البيت فضربها وقال قولى ... أنت منا وليس خالك منا ... يا مضيع الصلوات للشهوات ...
وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن هشام بن الغاز عن مكحول عن أبى عبيدة أن رسول الله ص قال لا يزال أمر أمتى قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بنى أمية يقال له يزيد وهذا منقطع بين مكحول وأبى عبيدة بل معضل وقد رواه ابن عساكر من طريق صدقة بن عبد الله الدمشقى عن هشام بن الغاز عن مكحول عن أبى ثعلبة الخشنى عن أبى عبيدة عن رسول الله ص قال لا يزال أمر هذه الأمة قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بنى أمية يقال له يزيد ثم قال وهو منقطع أيضا بين مكحول وأبى ثعلبة وقال أبو يعلى حدثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن عوف عن خالد بن أبى المهاجر عن أبى العالية قال كنا مع أبى ذر بالشام فقال أبو ذر سمعت رسول الله ص يقول أول من يغير سنتى رجل من بنى أمية ورواه ابن خزيمة عن بندار عن عبد الوهاب بن عبد المجيد عن عوف حدثنا مهاجر بن أبى مخلد حدثنى أبو العالية حدثنى أبو مسلم عن أبى ذر فذكر نحوه وفيه قصة وهى أن أبا ذر كان فى غزاة عليهم يزيد بن أبى سفيان فاغتصب يزيد من رجل جارية فاستعان الرجل بأبى ذر على يزيد أن يردها عليه فأمره أبو ذر أن يردها عليه فتلكأ فذكر أبو ذر له الحديث فردها وقال يزيد لأبى ذر نشدتك بالله أهو أنا قال لا وكذا رواه البخارى فى التاريخ وأبو يعلى عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب ثم قال البخارى والحديث معلول ولا نعرف أن أبا ذر قدم الشام زمن عمر بن الخطاب قال وقد مات يزيد بن أبى سفيان زمن عمر فولى مكانه أخاه معاوية وقال عباس الدورى سألت ابن معين أسمع ابو العالية من أبى ذر قال لا إنما يروى عن أبى مسلم عنه قلت فمن أبو مسلم هذا قال لا أدرى
وقد أورد ابن عساكر أحاديث فى ذم يزيد بن معاوية كلها موضوعة لا يصح شىء منها وأجود ما ورد ما ذكرناه على ضعف أسانيده وانقطاع بعضه والله أعلم قال الحارث بن مسكين عن سفيان عن شبيب عن عرقدة بن المستظل قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قد علمت ورب الكعبة (8/231)
متى تهلك العرب إذا ساسهم من لم يدرك الجاهلية ولم يكن له قدم فى الاسلام قلت يزيد بن معاوية أكثر ما نقم عليه فى عمله شرب الخمر وإتيان بعض الفواحش فاما قتل الحسين فانه كما قال جده سفيان يوم أحد لم يأمر بذلك ولم يسؤه وقد قدمنا أنه قال لو كنت أنا لم أفعل معه ما فعله ابن مرجانة يعنى عبيد الله بن زياد وقال للرسل الذين جاؤا برأسه قد كان يكفيكم من الطاعة دون هذا ولم يعطهم شيئا وأكرم آل بيت الحسين ورد عليهم جميع ما فقد لهم واضعافه وردهم إلى المدينة فى محامل وأهبة عظيمة وقد ناح أهله فى منزله على الحسين حين كان أهل الحسين عندهم ثلاثة أيام وقيل إن يزيد فرح بقتل الحسين أول ما بلغه ثم ندم على ذلك فقال أبو عبيدة معمر بن المثنى إن يونس بن حبيب الجرمى حدثه قال لما قتل ابن زياد الحسين ومن معه بعث برؤسهم إلى يزيد فسر بقتله أولا وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده ثم لم يلبث إلا قليلا حتى ندم فكان يقول وما كان على لو احتملت الأذى وأنزلته فى دارى وحكمته فيما يريده وإن كان على فى ذلك وكف ووهن فى سلطانى حفظا لرسول الله ص ورعاية لحقه وقرابته ثم يقول لعن الله ابن مرجانة فانه أحرجه واضطره وقد كان سأله أن يخلى سبيله أو يأتينى أو يكون بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله فلم يفعل بل أبى عليه وقتله فبغضنى بقتله إلى المسلمين وزرع لى فى قلوبهم العداوة فأبغضنى البر والفاجر بما استعظم الناس من قتلى حسينا مالى ولابن مرجانة قبحه الله وغضب عليه
ولما خرج أهل المدينة عن طاعته وخلعوه وولوا عليهم ابن مطيع وابن حنظلة لم يذكروا عنه وهم أشد الناس عداوة له إلا ما ذكروه عنه من شرب الخمر وإتيانه بعض القاذورات لم يتهموه بزندقة كما يقذفه بذلك بعض الروافض بل قد كان فاسقا والفاسق لا يجوز خلعه لأجل ما يثور بسبب ذلك من الفتنة ووقوع الهرج كما وقع زمن الحرة فانه بعث إليهم من يردهم إلى الطاعة وأنظرهم ثلاثة أيام فلما رجعوا قاتلهم وغير ذلك وقد كان فى قتال أهل الحرة كفاية ولكن تجاوز الحد باباحة المدينة ثلاثة أيام فوقع بسبب ذلك شر عظيم كما قدمنا وقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب وجماعات أهل بيت النبوة ممن لم ينقض العهد ولا بايع أحدا بعد بيعته ليزيد كما قال الامام أحمد حدثنا إسماعيل بن علية حدثنى صخر بن جويرية عن نافع قال لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله ثم تشهد ثم قال أما بعد فانا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله وإنى سمعت رسول الله يقول إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان وإن من أعظم الغدر إلا أن يكون الاشراك بالله أن يبايع رجل رجلا على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسرفن أحد منكم فى هذا الأمر فيكون الفيصل بينى وبينه (8/232)
وقد رواه مسلم والترمذى من حديث صخر بن جويرية وقال الترمذى حسن صحيح وقد رواه أبو الحسن على بن محمد بن عبد الله بن أبى سيف المدائنى عن صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر فذكره مثله
ولما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم فقال ابن مطيع إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب فقال لهم ما رأيت منه ما تذكرون وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواضبا على الصلاة متحريا للخير يسأل عن الفقه ملازما للسنة قالوا فان ذلك كان منه تصنعا لك فقال وما الذى خاف منى أو رجا حتى يظهر إلى الخشوع أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه وإن لم يطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا قالوا إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه فقال لهم أبى الله ذلك على أهل الشهادة فقال إلا من وشهد بالحق وهم يعلمون ولست من أمركم فى شىء قالوا فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نوليك أمرنا قال ما أستحل القتال على ما تريدوننى عليه تابعا ولا متبوعا قالوا فقد قاتلت مع أبيك قال جيئونى بمثل أبى أقاتل على مثل ما قاتل عليه فقالوا فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا قال لو أمرتهما قاتلت قالوا فقم معنا مقاما تحض الناس فيه على القتال قال سبحان الله آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذا ما نصحت لله فى عباده قالوا إذا نكرهك قال إذا آمر الناس بتقوى الله ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق وخرج إلى مكة
وقال أبو القاسم البغوى حدثنا مصعب الزبيرى ثنا ابن أبى حازم عن هشام عن زيد بن أسلم عن أبيه أن ابن عمر دخل وهو معه على ابن مطيع فلما دخل عليه قال مرحبا بأبى عبد الرحمن ضعوا له وسادة فقال إنما جئتك لأحدثك حديثا سمعته من رسول الله ص يقول من نزع يدا من طاعة فانه يأتى يوم القيامة لا حجة له ومن مات مفارق الجماعة فانه يموت موته جاهلية وهكذا رواه مسلم من حديث هشام بن سعد عن زيد عن أبيه عن ابن عمر به وتابعه إسحاق بن عبد الله ابن أبى طلحة عن زيد بن أسلم عن أبيه وقد رواه الليث عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن ابن عمر فذكره وقال أبو جعفر الباقر لم يخرج أحد من آل أبى طالب 2 ولا من بنى عبد المطلب أيام الحرة ولما قدم مسلم بن عقبة المدينة أكرمه وأدنى مجلسه واعطاه كتاب أمان وروى المدائنى أن مسلم بن عقبة بعث روح بن زنباع إلى يزيد ببشارة الحرة فلما أخبره بما وقع قال واقوماه ثم دعا الضحاك بن قيس الفهرى فقال له ترى ما لقى أهل المدينة فما الذى يجبرهم قال الطعام والأعطية فأمر بحمل الطعام إليهم وأفاض عليهم أعطيته وهذا خلاف ما ذكره كذبة الروافض (8/233)
عنه من أنه شمت بهم واشتفى بقتلهم وانه أنشد ذكرا وأثرا شعر ابن الزبعرى المتقدم ذكره وقال أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام حدثنى محمد بن القاسم سمعت الأصمعى يقول سمعت هارون الرشيد ينشد ليزيد بن معاوية ... إنها بين عامر بن لؤى ... حين تمنى وبين عبد مناف ... ولها فى الطيبين جدود ... ثم نالت مكارم الأخلاف ... بنت عم النبى أكرم من ... يمشى بنعل على التراب وحافى ... ان تراها على التبدل والغلظة ... إلا كدرة الأصداف ...
وقال الزبير بن بكار أنشدنى عمى مصعب ليزيد بن معاوية بن أبى سفيان
... آب هذا الهم فاكتنفا ... ثم مر النوم فامتنعا ... أعيا للنجم أرقبه ... فاذا ما كوكب طلعا ... حام حتى أننى لآرى ... أنه بالغور قد وقعا ... ولها بالمطارون إذا ... أكل النمل الذى جمعا ... نزهه حتى إذا بلغت ... نزلت من خلق تبعا ... فى قباب وسط دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا ...
ومن شعره
... وقائلة لى حين شبهت وجهها ... ببدر الدجى يوما وقد ضاق منهجى ... تشبهنى بالبدر هذا تناقص ... بقدرى ولكن لست أول من هجى ... ألم تر أن البدر عند كماله ... إذا بلغ التشبيه عاد كدملجى ... فلا فخر إن شبهت بالبدر مبسمى ... وبالسحر أجفانى وبالليل مدعجى ...
قد ذكره الزبير بن بكار عن أبى محمد الجزرى قال كانت بالمدينة جارية مغنية يقال لها سلامة من أحسن النساء وجها وأحسنهن عقلا وأحسنهن قدا قد قرأت القرآن وروت الشعر وقالته وكان عبد الرحمن بن حسان والأحوص بن محمد يجلسان إليها فعلقت الأحوص فصدت عن عبد الرحمن فرحل ابن حسان إلى يزيد بن معاوية إلى الشام فامتدحه ودله على سلامة وجمالها وحسنها وفصاحتها وقال لا تصلح إلا لك يا أمير المؤمنين وأن تكون من سمارك فأرسل يزيد فاشتريت له وحملت إليه فوقعت منه موقعا عظيما وفضلها على جميع من عنده ورجع عبد الرحمن إلى المدينة فمر بالأحوص فوجده مهموما فأراد أن يزيده إلى ما به من الهم هما فقال (8/234)
يا مبتلى بالحب مقروحا ... لاقى من الحب تباريحا ... أفحمه الحب فما ينثنى ... إلا بكاس الحب مصبوحا ... وصار ما يعجبه مغلقا ... عنه وما يكره مفتوحا ... قد حازها من أصبحت عنده ... ينال منها الشم والريحا ... خليفة الله فسل الهوى ... وعز قلبا منك مجروحا ...
قال فأمسك الأحوص عن جوابه ثم غلبه وجده عليها فسار إلى يزيد فامتدحه فأكرمه يزيد وحظى عنده فدست إليه سلامة خادما وأعطته مالا على أن يدخله إليها فأخبر الخادم يزيد بذلك فقال امض لرسالتها ففعل وأدخل الأحوص عليها وجلس يزيد فى مكانه يراهما ولا يريانه فلما بصرت الجارية بالأحوص بكت إليه وبكى إليها وأمرت فألقى له كرسى فقعد عليه وجعل كل واحد منهما يشكو إلى صاحبه شدة شوقه إليه فلم يزالا يتحدثان إلى السحر ويزيد يسمع كلامهما من غير أن يكون بينهما ريبة حتى إذا هم الأحوص بالخروج قال ... أمسى فؤادى فى هم وبلبال ... من حب من لم أزل منه على بال ... فقالت ... صحا المحبون بعد النأى إذ يئسوا ... وقد يئست وما أضحوا على حال ... فقال ... من كان يسلو بيأس عن أخى ثقة ... فعنك سلام ما أمسيت بالسالى ... فقالت ... والله والله لا أنساك يا شجنى ... حتى تفارق منى الروح أوصالى ... فقال ... والله ما خاب من أمسى وأنت له ... يا قرة العين فى أهل وفى مال ...
قال ثم ودعها وخرج فأخذه يزيد ودعا بها فقال أخبرانى عما كان فى ليلتكما وأصدقانى فأخبراه وأنشداه ما قالا فلم يحرفا منه حرفا ولا غيرا شيئا مما سمعه فقال لها يزيد أتحبينه قالت إى والله يا أمير المؤمنين
... حبا شديدا جرى كالروح فى جسدى ... فهل يفرق بين الروح والجسد ...
فقال له أتحبها فقال إى والله يا أمير المؤمنين
... حبا شديدا تليدا غير مطرف ... بين الجوانح مثل النار يضطرم ... 4 فقال يزيد إنكما لتصفان حبا شديدا خذها يا أحوصى فهى لك ووصله صلة سنية فرجع بها الأحوص إلى الحجاز وهو قرير العين وقد روى أن يزيد كان قد إشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغنا والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود وما من يوم إلا يصبح فيه مخمورا وكان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ويلبس القرد قلانس الذهب وكذلك الغلمان وكان يسابق بين الخيل وكان إذا مات القرد حزن عليه وقيل (8/235)
إن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته وذكروا عنه غير ذلك والله أعلم بصحة ذلك وقال عبد الرحمن بن أبى مدعور حدثنى بعض أهل العلم قال آخر ما تكلم به يزيد بن معاوية اللهم لا تؤاخذنى بما لم أحبه ولم أرده واحكم بينى وبين عبيد الله بن زياد وكان نقش خاتمه آمنت بالله العظيم
مات يزيد بجوارين من قرى دمشق فى رابع عشر ربيع الأول وقيل يوم الخميس للنصف منه سنة أربع وستين وكانت ولايته بعد موت أبيه فى منتصف رجب سنة ستين وكان مولده فى سنة خمس وقيل سنة ست وقيل سبع وعشرين ومع هذا فقد اختلف فى سنه ومبلغ أيامه فى الامارة على أقوال كثيرة وإذا تأملت ما ذكرته لك من هذه التحديدات انزاح عنك الأشكال من هذا الخلاف فان منهم من قال جاوز الأربعين حين مات فالله أعلم ثم حمل بعد موته إلى دمشق وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد أمير المؤمنين يومئذ ودفن بمقابر باب الصغير وفى أيامه وسع النهر المسمى بيزيد فى ذيل جبل قاسيون وكان جدولا صغيرا فوسعه أضعاف ما كان يجرى فيه من الماء
وقال ابن عساكر حدثنا أبو الفضل محمد بن محمد بن الفضل بن المظفر العبدى قاضى البحرين من لفظه وكتبه لى بخطه قال رأيت يزيد بن معاوية فى النوم فقلت له أنت قتلت الحسين فقال لا فقلت له هل غفر الله لك قال نعم وادخلنى الجنة قلت فالحديث الذى يروى أن رسول الله ص رأى معاوية يحمل يزيد فقال رجل من أهل الجنة يحمل رجلا من أهل النار فقال ليس بصحيح قال ابن عساكر وهو كما قال فان يزيد بن معاوية لم يولد فى حياة النبى ص وإنما ولد بعد العشرين من الهجرة
وقال أبو جعفر بن حرير
أولاد يزيد بن معاوية وعددهم
فمنهم معاوية بن يزيد بن معاوية يكنى أبا ليلى وهو الذى يقول فيه الشاعر ... إنى أرى فتنة قدحان أولها ... والملك بعد أبى ليلى لمن غلبا ...
وخالد بن يزيد يكنى أبا هاشم كان يقال إنه أصاب علم الكيمياء وأبو سفيان وأمهما أم هاشم بنت أبى هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وقد تزوجها بعد يزيد بن مروان بن الحكم وهى التى يقول فيها الشاعر
... أنعمى أم خالد ... رب ساع كقاعد (8/236)
وعبد العزيز بن يزيد ويقال له الأسوار وكان من أرمى العرب وأمه أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر وهو الذى يقول فيه الشاعر ... زعم الناس أن خير قريش ... كلهم حين يذكرون الأساور ...
وعبد الله الأصغر وأبو بكر وعتبة وعبد الرحمن والربيع ومحمد لأمهات أولاد شتى ويزيد وحرب وعمر وعثمان فهؤلاء خمسة عشر ذكرا وكان له من البنات عاتكة ورملة وأم عبد الرحمن وأم يزيد وأم محمد فهؤلاء خمس بنات وقد انقرضوا كافة فلم يبق ليزيد عقب والله سبحانه أعلم
إمارة معاوية بن يزيد بن معاوية
أبى عبد الرحمن ويقال أبو يزيد أبو يعلى القرشى الأموى وامه أم هاشم لنت أبى هاشم ابن عتبة بن ربيعة بويع له بعد موت أبيه وكان ولى عهده من بعده فى رابع عشر ربيع الأول سنة أربع وستين وكان رجلا صالحا ناسكا ولم تطل مدته قيل إنه مكث فى الملك أربعين يوما وقيل عشرين يوما وقيل شهرين وقيل شهرا ونصف وقيل ثلاثة أشهر وعشرون يوما وقيل أربعة أشهر فالله أعلم
وكان فى مدة ولايته مريضا لم يخرج إلى الناس وكان الضحاك بن قيس هو الذى يصلي بالناس ويسد الأمور ثم مات معاوية بن يزيد هذا عن إحدى وعشرين وقيل ثلاث وعشرين سنة وثمانية عشر يوما وقيل تسع عشرة سنة وقيل ثلاث وعشرون سنة وقيل إنما عاش ثمانى عشرة سنة وقيل تسع عشرة سنة وقبل عشرون وقسل خمس وعشرون فالله أعلم وصلى عليه أخوه خالد وقيل عثمان بن عنبسة وقيل الوليد بن عتبة وهو الصحيح فانه أوصى إليه بذلك وشهد دفنه مروان بن الحكم وكان الضحاك بن قيس هو الذى يصلى بالناس بعده حتى استقر الأمر لمروان بالشام ودفن بمقابر باب الصغير بدمشق ولما حضرته الوفاة قيل له ألا توصى فقال لا أتزود مرارتها إلى آخرتى وأترك حلاوتها لبنى أمية وكان رحمه الله أبيض شديد البياض كثير الشعر كبير العينين جعد الرأس أقنى الأنف مدور الرأس جميل الوجه كثير شعر الوجه دقيقه حسن الجسم قال أبو زرعة الدمشقى معاوية وعبد الرحمن وخالد أخوه وكانوا من صالحى القوم وقال فيه بعض الشعراء وهو عبد الله بن همام البلوى ... تلقاها يزيد عن أبيه ... فدونكها معاوى عن يزيدا ... أديروها بنى حرب عليكم ... ولا ترموا بها الغرض البعيدا ...
ويروى أن معاوية بن يزيد هذا نادى فى الناس الصلاة جامعة ذات يوم فاجتمع الناس فقال لهم فيما قال يا أيها الناس إنى قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه فان أحببتم تركتها لرجل قوى كما (8/237)
تركها الصديق لعمر وإن شئتم تركتها شورى فى ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب وليس فيكم من هو صالح لذلك وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم ثم نزل ودخل منزله فلم يخرج منه حتى مات رحمه الله تعالى ويقال إنه سقى ويقال إنه طعن
ولما دفن حضر مروان دفنه فلما فرغ منه قال مروان أتدرون من دفنتم قالوا نعم معاوية ابن يزيد فقال مروان هو أبو ليلى الذى قال فيه أرثم الفزارى ... إنى أرى فتنة تغلى مراجلها ... والملك بعد أبى ليلى لمن غلبا ...
قالوا فكان الأمر كما قال وذلك أن أبا ليلى توفى من غير عهد منه إلى أحد فتغلب إلى الحجاز عبد الله بن الزبير وعلى دمشق وأعمالها مروان بن الحكم وبايع أهل خراسان سلم بن زياد حتى يتولى على الناس خليفة وأحبوه محبة عظيمة وسار فيهم سلم سيرة حسنة أحبوه عليها ثم أخرجوه من بين أظهرهم وخرج القراء والخوارج بالبصرة وعليهم نافع بن الأزرق وطردوا عنهم عبيد الله بن زياد بعد ما كانوا بايعوه عليهم حتى يصير للناس إمام فأخرجوه عنهم فذهب إلى الشام بعد فصول يطول ذكرها وقد بايعوا بعده عبد الله بن الحارث بن نوفل المعروف ببة وأمه هند بنت أبى سفيان وقد جعل على شرطة البصرة هميان بن عدى السدوسى فبايعه الناس فى مستهل جمادى الآخرة سنة أربع وستين وقد قال الفرزدق ... وبايعت أقواما وفيت بعهدهم ... وببة قد بايعته غير نادم ...
فأقام فيها أربعة أشهر ثم لزم بيته فكتب أهل البصرة إلى ابن الزبير إلى أنس بن مالك يأمره أن يصلى بالناس فصلى بهم شهرين ثم كان ما سنذكره وخرج نجدة بن عامر الحنفى باليمامة وخرج بنو ماحورا فى الأهواز وفارس وغير ذلك على ما سيأتى تفصيله قريبا إن شاء الله تعالى
إمارة عبد الله بن الزبير
وعند ابن حزم وطائفة أنه أمير المؤمنين آنذاك
قد قدمنا أنه لما مات يزيد أقلع الجيش عن مكة وهم الذين كانوا يحاصرون ابن الزبير هو عائذ بالبيت فلما رجع حصين بن نمير السكونى بالجيش إلى الشام استفحل ابن الزبير بالحجاز وما والاها وبايعه الناس بعد يزيد بيعة هناك واستناب على أهل المدينة أخاه عبيد الله بن الزبير وأمره باجلاء بنى أمية عن المدينة فاجلاهم فرحلوا إلى الشام وفيهم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك ثم بعث أهل البصرة إلى ابن الزبير بعد حروب جرت بينهم وفتن كثيرة يطول استقصاؤها غير أنهم فى أقل من ستة أشهر أقاموا عليهم نحوا من أربعة أمراء من بينهم ثم تضطرب أمورهم ثم بعثوا إلى ابن الزبير (8/238)
وهو بمكة يخطبونه لأنفسهم فكتب إلى انس بن مالك ليصلى بهم ويقال إن أول من بايع الزبير مصعب بن عبد الرحمن فقال الناس هذا أمر فيه صعوبة وبايعه عبد الله بن جعفر وعبد الله ابن على بن أبى طالب وبعث إلى ابن عمر وابن الحنفية وابن عباس ليبايعوا فأبوا عليه وبويع فى رجب بعد أن أقام الناس نحو ثلاثة أشهر بلا إمام وبعث الزبير إلى أهل الكوفة عبد الرحمن ابن يزيد الأنصارى على الصلاة وإبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله على الخراج واستوثق له المصران جميعا وأرسل إلى مصر فبايعوه واستناب عليها عبد الرحمن بن جحدر وأطاعت له الجزيرة وبعث على البصرة الحارث بن عبد الله بن ربيعة وبعث إلى اليمن فبايعوه وإلى خراسان فبايعوه وإلى الضحاك بن قيس بالشام فبايع وقيل إن أهل دمشق وأعمالها من بلاد الأردن لم يبايعوه لأنهم بايعوا مروان بن الحكم لما رجع الحصين بن نمير من مكة إلى الشام وقد كان التف على عبد الله بن الزبير جماعة من الخوارج يدافعون عنه منهم نافع بن الأزرق وعبد الله بن أباض وجماعة من رؤسهم فلما استقر أمره فى الخلافة قالوا فيما بينهم إنكم قد أخطأتم لأنكم قاتلتم مع هذا الرجل ولم تعلموا رأيه فى عثمان بن عفان وكانوا ينتقصون عثمان فاجتمعوا إليه فسألوه عن عثمان فأجابهم فيه بما يسوؤهم وذكر لهم ما كان متصفا به من الإيمان والتصديق والعدل والاحسان والسيرة الحسنة والرجوع إلى الحق إذا تبين له فعند ذلك نفروا عنه وفارقوه وقصدوا بلاد العراق وخراسان فتفرقوا فيها بأبدانهم وأديانهم ومذاهبهم ومسالكهم المختلفة المنتشرة التى لا تنضبط ولا تنحصر لأنها مفرعة على الجهل وقوة النفوس والاعتقاد الفاسد ومع هذا استحوذوا على كثير من البلدان والكور حتى انتزعت منهم على ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله
ذكر بيعة مروان بن الحكم
وكان سبب ذلك أن حصين بن نمير لما رجع من أرض الحجاز وارتحل عبيد الله بن زياد من البصرة إلى الشام وانتقلت بنو أمية من المدينة إلى الشام اجتمعوا إلى مروان بن الحكم بعد موت معاوية بن يزيد وقد كان معاوية بن يزيد قد عزم على أن يبايع لابن الزبير بدمشق وقد بايع أهلها الضحاك بن قيس على أن يصلح بينهم ويقيم لهم أمرهم حتى يجتمع الناس على إمام والضحاك يريد أن يبايع لابن الزبير وقد بايع لابن الزبير النعمان بن بشير بحمص وبايع له زفر بن عبد الله الكلابى بقنسرين وبايع له نائل بن قيس بفلسطين وأخرج منها روح بن زنباع الجذامى فلم يزل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير بمروان بن الحكم يحسنون له أن يتولى حتى ثنوه عن رأيه وحذروه من دخول سلطان ابن الزبير وملكه إلى الشام وقالوا له أنت شيخ قريش وسيدها فأنت أحق بهذا الأمر فرجع عن البيعة لابن الزبير وخاف ابن زياد الهلاك إن تولى غير بنى (8/239)
أمية فعند ذلك التف هؤلاء كلهم مع قومه بنى أمية ومع أهل اليمن على مروان فوافقهم على ما أرادوا وجعل يقول ما فات شىء وكتب حسان بن مالك بن بحدل الكلبى إلى الضحاك بن قيس يثنيه عن المبايعة لابن الزبير ويعرفه أيادى بنى أمية عنده وإحسانهم ويذكر فضلهم وشرفهم وقد بايع حسان بن مالك أهل الأردن لبنى أمية وهو يدعو إلى ابن أخته خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبى سفيان وبعث الضحاك كتابا بذلك وأمره أن يقرأ كتابه على أهل دمشق يوم الجمعة على المنبر وبعث بالكتاب مع رجل يقال له ناغضة بن كريب الطابجى وقيل هو من بنى كلب وقال له إن لم يقرأه هو على الناس فاقرأه أنت فأعطاه الكتاب فسار إلى الضحاك فأمره بقراءة الكتاب فلم يقبل فقام ناغض فقرأه على الناس فصدقه جماعة من أمراء الناس وكذبه آخرون وثارت فتنة عظيمة بين الناس فقام خالد بن يزيد بن معاوية وهو شاب حدث على درجتين من المنبر فسكن الناس ونزل الضحاك فصلى بالناس الجمعة وأمر الضحاك بن قيس بأولئك الذين صدقوا ناغضة أن يسجنوا فثارت قبائلهم فأخرجوهم من السجن واضطرب أهل دمشق فى ابن الزبير وبنى أمية وكان اجتماع الناس لذلك ووقوفهم بعد صلاة الجمعة بباب الجيرون فسمى هذا اليوم يوم جيرون
قال المدائنى وقد أراد الناس الوليد بن عتبة بن أبى سفيان أن يتولى عليهم فأبى وهلك فى تلك الليالي ثم أن الضحاك بن قيس صعد منبر المسجد الجامع فخطبهم به ونال من يزيد بن معاوية فقام إليه شاب من بنى كلب فضربه بعصى كانت معه والناس جلوس متقلدى سيوفهم فقام بعضهم إلى بعض فاقتتلوا فى المسجد قتالا شديدا فقيس ومن لف لفيفها يدعون إلى ابن الزبير وينصرون الضحاك بن قيس وبنو كلب يدعون إلى بنى أمية وإلى البيعة لخالد بن يزيد بن معاوية ويتعصبون ليزيد وأهل بيته فنهض الضحاك بن قيس فدخل دار الامارة وأغلق الباب ولم يخرج إلى الناس إلا يوم السبت لصلاة الفجر ثم أرسل إلى بنى أمية فجمعهم إليه فدخلوا عليه وفيهم مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد بن العاص وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية قال المدائنى فاعتذر إليهم مما كان منه واتفق معهم أن يركب معهم إلى حسان بن مالك الكلبى فيتفقوا على رجل يرتضونه من بنى أمية للامارة فركبوا جميعا إليه فبينما هم يسيرون إلى الجابية لقصد حسان إذ جاء معن بن ثور بن الأخنس فى قومه قيس فقال له إنك دعوتنا إلى بيعة ابن الزبير فأجبناك وأنت الآن ذاهب إلى هذا الأعرابى ليستخلف ابن أخته خالد بن يزيد بن معاوية فقال له الضحاك وما الرأى قال الرأى أن نظهر ما كنا نسر وان ندعو إلى طاعة ابن الزبير ونقاتل عليها من أباها فمال الضحاك بمن معه فرجع إلى دمشق فأقام بها بمن معه من الجيش من قيس ومن لف لفيفها (8/240)
وبعث إلى أمراء الأجناد وبايع الناس لابن الزبير وكتب بذلك إلى ابن الزبير يعلمه بذلك فذكره ابن الزبير لأهل مكة وشكره على صنيعه وكتب إليه بنيابة الشام وقيل بل بايع لنفسه بالخلافة فالله أعلم
والذى ذكره المدائنى أنه إنما دعا إلى بيعة ابن الزبير أولا ثم حسن له عبيد الله بن زياد أن يدعو إلى نفسه وذلك إنما فعله مكرا منه وكبارا ليفسد عليه ما هو بصدده فدعا الضحاك إلى نفسه ثلاثة ايام فنقم الناس عليه ذلك وقالوا دعوتنا إلى بيعة رجل فبايعناه ثم خلعته بلا سبب ولا عذر ثم دعوتنا إلى نفسك فرجع إلى البيعة لابن الزبير فسقط بذلك عند الناس وذلك الذى أراد ابن زياد وكان اجتماع عبيد الله بن زياد به بعد اجتماعه بمروان وتحسينه له أن يدعو إلى نفسه ثم فارق مروان ليخدع له الضحاك فنزل عنده بدمشق وجعل يركب إليه كل يوم ثم أشار ابن زياد على الضحاك أن يخرج من دمشق إلى الصحراء ويدعو بالجيوش إليه ليكون أمكن له فركب الضحاك إلى مرج راهط فنزل بمن معه من الجنود وعند ذلك اجتمع بنو أمية ومن اتبعهم بالأردن واجتمع إليهم من هنالك من قوم حسان بن مالك من بنى كلب ولما رأى مروان بن الحكم ما أنتظم من البيعة لابن الزبير وما استوثق له من الملك وعزم على الرحيل إليه لمبايعته وليأخذ منه امانا لبنى أمية فسار حتى بلغ أذرعات فلقيه ابن زياد مقبلا من العراق فصده عن ذلك وهجن رأيه واجتمع إليه عمرو بن سعيد بن العاص وحصين بن نمير وابن زياد وأهل اليمن وخلق فقالوا لمروان أنت كبير قريش وخالد بن يزيد غلام وعبد الله بن الزبير كهل فإنما يقرع الحديد بعضه ببعض فلا تناوئه بهذا الغلام وارم بنحرك فى نحره ونحن نبايعك ابسط يدك فبسط يده فبايعوه بالجابية فى يوم الأربعاء لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع وستين قاله الواقدى فلما تمهد له الأمر سار بمن معه نحو الضحاك بن قيس فالتقيا بمرج راهط فغله مروان بن الحكم وقتله وقتل من قيس مقتلة لم يسمع بمثلها على ما سيأتي تفصيله فى أول سنة خمس وستين فإن الواقدى وغيره قالوا إنما كانت هذه الوقعة فى المحرم من أول سنة خمس وستين وفى رواية محمد بن سعد وعن الواقدى وغيره قالوا إنما كانت فى أواخر هذه السنة وقال الليث بن سعد والواقدى والمدائنى وأبو سليمان بن يزيد وأبو عبيدة وغير واحد كانت وقعة مرج راهط للنصف من ذى الحجة سنة أربع وستين والله سبحانه وتعالى أعلم
وقعة مرج راهط ومقتل الضحاك بن قيس الفهرى رضى الله عنه
قد تقدم أن الضحاك كان نائب دمشق لمعاوية بن أبى سفيان وكان يصلى عنهم إذا اشتغلوا (8/241)
أو غابوا ويقيم الحدود ويسد الأمور فلما مات معاوية قام بأعباء بيعة يزيد ابنه ثم لما مات يزيد بايع الناس لمعاوية بن يزيد فلما مات معاوية بن يزيد بايعه الناس من دمشق حتى تجتمع الناس على إمام فلما اتسعت البيعة لابن الزبير عزم على المبايعة له فخطب الناس يوما وتكلم فى يزيد بن معاوية وذمه فقامت فتنة فى المسجد الجامع حتى اقتتل الناس فيه بالسيوف فسكن الناس ثم دخل دار الامارة من الخضراء وأغلق عليه الباب ثم اتفق مع بنى أمية على أن يركبوا إلى حسان ابن مالك بن بحدل وهو بالأردن فيجتمعوا عنده على من يراه أهلا للامارة وكان حسان يريد أن يبايع لابن أخته خالد بن يزيد ويزيد ابن ميسون وميسون بنت بحدل أخت حسان فلما ركب الضحاك معهم انخذل بأكثر الجيش فرجع إلى دمشق فامتنع بها وبعث إلى امراء الأجناد فبايعهم لابن الزبير وسار بنو أمية ومعهم مروان وعمرو بن سعيد وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية حتى اجتمعوا بحسان بن مالك بالجابية وليس لهم قوة طائلة بالنسبة إلى الضحاك بن قيس فعزم مروان على الرحيل إلى ابن الزبير ليبايعه ويأخذ امانا منه لبنى أمية فانه كان قد امر بأجلائهم عن المدينة فسار حتى وصل إلى أذعارت فلقيه عبيد الله بن زياد مقبلا من العراق فاجتمع به ومعه حصين بن نمير وعمرو بن سعيد بن العاص فحسنوا إليه أن يدعو إلى نفسه فانه أحق بذلك من ابن الزبير الذى قد فارق الجماعة وخلع ثلاثة من الخلفاء فلم يزالوا بمروان حتى أجابهم إلى ذلك وقال له عبيد الله بن زياد وأنا ذاهب لك إلى الضحاك إلى دمشق فأخدعه لك وأخذل أمره فسار إليه وجعل يركب إليه كل يوم ويظهر له الود والنصحية والمحبة ثم حسن له أن يدعو إلى نفسه ويخلع ابن الزبير فانك أحق بالأمر منه لأنك لم تزل فى الطاعة مشهورا بالأمانة وابن الزبير خارج عن الناس فدعا الضحاك الناس إلى نفسه ثلاثة أيام فلم يصمد معه فرجع إلى الدعوة لابن الزبير ولكن انحط بها عند الناس ثم قال له ابن زياد إن من يطلب ما تطلب لا ينزل المدن والحصون وإنما ينزل الصحراء ويدعو إليه بالجنود فبرز الضحاك إلى مرج راهط فنزله وأقام ابن زياد بدمشق وبنو أمية بتدمر وخالد وعبد الله عند خالهم حسان بالجابية فكتب ابن زياد إلى مروان يأمره أن يظهر دعوته فدعا إلى نفسه وتزوج بأم خالد بن يزيد وهى أم هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة فعظم أمره وبايعه الناس واجتمعوا عليه وسار إلى مرج راهط نحو الضحاك بن قيس وركب إليه عبيد الله بن زياد وأخوه عباد بن زياد حتى اجتمع مع مروان ثلاثة عشر ألفا وبدمشق من جهته يزيد بن أبى النمر وقد أخرج عامل الضحاك منها وهو يمد مروان بالسلاح والرجال وغير ذلك ويقال كان نائبه على دمشق يومئذ عبد الرحمن بن أم الحكم وجعل مروان على ميمنته عبيد الله بن زياد وعلى ميسرته عمرو بن سعيد بن العاص وبعث الضحاك (8/242)
إلى النعمان بن بشير فأمده النعمان بأهل حمص عليهم شرحبيل بن ذى الكلاع وركب إليه زفر ابن الحارث الكلابى فى أهل قنسرين فكان الضحاك فى ثلاثين ألفا على ميمنته زياد بن عمرو العقيلى وعلى ميسرته زكريا بن شمر الهلالى فتصافوا وتقاتلوا بالمرج عشرين يوما يلتقون بالمرج فى كل يوم فيقتتلون قتالا شديدا ثم أشار عبيد الله على مروان أن يدعوهم إلى الموادعة خديعة فان الحرب خديعة وأنت وأصحابك على الحق وهم على الباطل فنودى الناس بذلك ثم غدر أصحاب مروان فمالوا يقتلونهم قتالا شديدا وصبر الضحاك صبرا بليغا فقتل الضحاك بن قيس فى المعركة قتله رجل يقال له زحمة بن عبد الله من بنى كلب طعنه بحربة فأنفذه ولم يعرفه وصبر مروان وأصحابه صبرا شديدا حتى فر أولئك بين يديه فنادى مروان ألا لا تتبعوا مدبرا ثم جىء برأس الضحاك ويقال أن أول من بشره بقتله روح بن زنباع الجذامى واستقر ملك الشام بيد مروان بن الحكم وروى أنه بكى على نفسه يوم مرج راهط فقال أبعد ما كبرت وضعفت صرت إلى أن أقتل بالسيوف على الملك
قلت ولم تطل مدته فى الملك إلا تسعة أشهر على ما سنذكره
وقد كان الضحاك بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان ابن محارب بن فهر بن مالك أبو أنيس الفهرى أحد الصحابة على الصحيح وقد سمع من النبى ص وروى عنه أحاديث عدة وروى عنه جماعة من التابعين وهو أخو فاطمة بنت قيس وكانت أكبر منه بعشر سنين وكان أبو عبيدة بن الجراح عمه حكاه ابن أبى حاتم وزعم بعضهم أنه لا صحبة له قال الواقدى أدرك النبى ص وسمع منه قبل البلوغ وفى رواية عن الواقدى أنه قال ولد الضحاك قبل وفاة النبى ص بسنتين وقد شهد فتح دمشق وسكنها وله بها دار عند حجر الذهب مما يلى نهر بردا وكان اميرا على أهل دمشق يوم صفين مع معاوية ولما أخذ معاوية الكوفة استنابه بها فى سنة أربع وخمسون وقد روى البخارى فى التاريخ أن الضحاك قرأ سورة ص فى الصلاة فسجد فيها فلم يتابعه علقمة وأصحاب ابن مسعود فى السجود ثم استنابه معاوية عنده على دمشق فلم يزل عنده حتى مات معاوية وتولى ابنه يزيد ثم ابنه معاوية بن يزيد ثم صار امره إلى ما ذكرنا
وقد قال الامام أحمد حدثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة أنبأنا على بن زيد عن الحسن أن الضحاك بن قيس كتب إلى الهيثم حين مات يزيد بن معاوية السلام عليك أما بعد فأنى سمعت رسول الله ص يقول إن بين يدى الساعة فتنا كقطع الليل المظلم فتنا كقطع الدخان يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه يصبح الرجل مؤمنا ويسمى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح (8/243)
كافرا يبيع أقوام أخلاقهم ودينهم بعرض من الدنيا قليل وإن يزيد بن معاوية قد مات وأنتم إخواننا وأشقاؤنا فلا تسبقونا حتى نحتال لأنفسنا وقد روى ابن عساكر من طريق ابن قتية عن العباس بن الفرج الرياشى عن يعقوب بن إسحاق بن ثوبة عن حماد بن زيد قال دخل الضحاك ابن قيس على معاوية فقال معاوية منشدا له ... تطاولت للضحاك حتى رددته ... إلى حسب فى قومه متقاصر ...
فقال الضحاك قد علم قومنا أنا أحلاس الخيل فقال صدقت أنتم أحلاسها ونحن فرسانها يريد معاوية أنتم راضة وساسة ونحن الفرسان ورأى أن أصل الكلمة من الحلس وهو كساء يكون تحت البرذعة أى أنه لازم ظهر الفرس كما يلزم الحلس ظهر البعير والدابة وروى أن مؤذن دمشق قال للضحاك بن قيس والله أيها الأمير إنى لأحبك فى الله فقال له الضحاك ولكنى والله أبغضك فى الله قال ولم أصلحك الله قال لأنك تتراءى فى أذانك وتأخذ على تعليمك أجرا قتل الضحاك رحمه الله يوم مرج راهط وذلك للنصف من ذى الحجة سنة أربع وستين قاله الليث بن سعد وأبو عبيدة والواقدى وابن زير والمدائنى
وفيها مقتل النعمان بن بشير الأنصارى
وأمه عمرة بنت رواحة كان النعمان أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة للأنصار فى جمادى الأول سنة ثنتين من الهجرة فأتت به أمه تحمله إلى النبى ص فحنكه وبشرها بأنه يعيش حميدا ويقتل شهيدا ويدخل الجنة فعاش فى خير وسعة ولى نيابة الكوفة لمعاوية تسعة أشهر ثم سكن الشام وولى قضاءها بعد فضالة بن عبيد وفضالة بعد أبى االدرداء وناب بحمص لمعاوية وهو الذى رد آل رسول الله ص إلى المدينة بأمر يزيد له فى ذلك وهو الذى أشار على يزيد بالاحسان اليهم فرق لهم يزيد وأحسن إليهم وأكرمهم ثم لما كانت وقعة مرج راهط وقتل الضحاك بن قيس وكان النعمان قد أمده بأهل حمص فقتلوه بقرية يقال لها بيرين قتله رجل يقال له خالد بن خلى المازنى وقتل خلى بن داود وهو جد خالد بن خلى وقد رثته ابنته فقالت ... ليت ابن مرنة وابنه ... كانوا لقتلك واقية ... وبنى امية كلهم ... لم تبق منهم باقية ... جاء البريد بقتله ... يا للكلاب العاوية ... يستفتحون برأسه ... دارت عليهم فانية ... فلأبكين سريرة ... ولأبكين علانية ... ولا بكينك ما حييت ... مع السباع العادية (8/244)
وقيل إن أعشى همدان قدم على النعمان بن بشير وهو على حمص وهو مريض فقال له النعمان ما أقدمك قال لتصلنى وتحفظ قرابتى وتقضى دينى فقال والله ما عندى ولكنى سائلهم لك شيئا ثم قام فصعد المنبر ثم قال يا أهل حمص إن هذا ابن عمكم من العراق وهو مسترفدكم شيئا فما ترون فقالوا احتكم فى أموالنا فأبى عليهم فقالوا قد حكمنا من أموالنا كل رجل دينارين وكانوا فى الديوان عشرين ألف رجل فعجلها له النعمان من بيت المال أربعين ألف دينار فلما خرجت أعطياتهم أسقط من عطاء كل رجل منهم دينارين
ومن كلام النعمان بن بشير رضى الله عنه قوله إن الهلكة كل الهلكة أن تعمل السيئات فى زمان البلاء وقال يعقوب بن سفيان حدثنا أبو اليمان ثنا إسماعيل بن عياش عن أبى رواحة يزيد ابن أيهم عن الهيثم بن مالك الطائى سمعت النعمان بن بشير على المنبر يقول سمعت رسول الله ص يقول إن للشيطان مصالى وفخوخا وإن من مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله والفخر بعطاء الله والكبر على عباد الله واتباع الهوى فى غير ذات الله ومن أحاديثه الحسان الصحاح ما سمعه من رسول الله ص يقول إن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبر لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله تعالى محارمه ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهى القلب رواه البخارى ومسلم
وقال أبو مسهر كان النعمان بن بشير على حمص عاملا لابن الزبير فلما تملك مروان خرج النعمان هاربا فاتبعه خالد بن خلى الكلاعى فقتله قال أبو عبيدة وغير واحد فى هذه السنة وقد روى محمد بن سعد بأسانيده أن معاوية تزوج امرأة جميلة جدا فبعث إحدى امرأتيه قيسون أو فاختة لتنظر إليها فلما راتها أعجبتها جدا ثم رجعت إليه فقال كيف رأيتيها قالت بديعة الجمال غير أنى رأيت تحت سرتها خالا أسود وإنى أحسب أن زوجها يقتل ويلقى رأسه فى حجرها فطلقها معاوية وتزوجها النعمان بن بشير فلما قتل أتى برأسه فألقى فى حجرها سنة خمس وستين وقال سليمان بن زير قتل بسلمية سنة ست وخمسين وقال غيره سنة خمس وستين وقيل سنة ستين والصحيح ما ذكرناه وفيها توفى المسور بن مخرمة بن نوفل صحابى صغير أصابه حجر المنجنيق مع ابن الزبير بمكة وهو قائم يصلى فى الحجر وهو من أعيان من قتل فى حصار مكة وهو المسور بن مخرمة بن نوفل أبو عبد الرحمن الزهرى أمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف له صحبة ورواية ووفد على معاوية (8/245)
وكان ممن يلزم عمر بن الخطاب وقيل إنه كان ممن يصوم الدهر وإذا قدم مكة طاف لكل يوم غاب عنها سبعا وصلى ركعتين وقيل إنه وجد يوم القادسية إبريق ذهب مرصع بالياقوت فلم يدر ما هو فلقيه رجل من الفرس فقال له بعنيه بعشرة آلاف فعلم أنه شىء له قيمة فبعث به إلى سعد بن أبى وقاس فنفله إياه فباعه بمائة ألف ولما توفى معاوية قدم مكة فأصابه حجر المنجنيق مع ابن الزبير لما رموا به الكعبة فمات من بعد خمسة أيام وغسله عبد الله بن الزبير وحمله فى جملة من حمل إلى الحجون وكانوا يطاون القتلى ويمشون به بين أهل الشام واحتكر المسور بن مخرمة طعاما فى زمن عمر بن الخطاب فرأى سحابا فكرهه فلما أصبح عدا إلى السوق فقال من جاءنى أعطيته فقال عمر أجننت يا أبا مخرمة فقال لا والله يا امير المؤمنين ولكنى رأيت سحابا فكرهت ما فيه الناس فكرهت أن أربح فيه شيئا فقال له عمر جزاك الله خيرا ولد المسور بمكة بعد الهجرة بسنتين
المنذر بن الزبير بن العوام
ولد فى خلافة عمر بن الخطاب وأمه أسماء بنت أبى بكر الصديق وقد غزا المنذر القسطنطينية مع يزيد بن معاوية ووفد على معاوية فأجازه بمائة ألف واقطعه أرضا فمات معاوية قبل أن يقبض المال وكان المنذر بن الزبير وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام يقاتلون أهل الشام بالنهار ويطعمانهم بالليل قتل المنذر بمكة فى حصارها مع أخيه ولما مات معاوية أوصى إلى المنذر أن ينزل فى قبره
مصعب بن عبد الرحمن بن عوف
كان شابا فاضلا قتل مصعب ايضا فى حصار مكة مع ابن الزبير
وممن قتل فى وقعة الحرة محمد بن أبى كعب وعبد الرحمن بن أيى قتادة وأبو حكيم معاذ بن الحارث الأنصارى الذى أقامه عمر يصلى بالناس وقتل يومئذ ولدان لزينب بنت أم سلمة وزيد بن محمد بن سلمة الأنصارى قتل يومئذ وقتل معه سبعة من إخوته وغير هؤلاء رحمهم الله ورضى عنهم أجمعين وفيها توفى الأخنس بن شريق شهد فتح مكة وكان مع على يوم صفين
وفى هذه السنة أعنى سنة أربع وستين جرت حروب كثيرة وفتن منتشرة ببلاد المشرق واستحوذ على بلاد خراسان رجل يقال له عبد الله بن خازم وقهر عمالها وأخرجهم منها وذلك بعد موت يزيد وابنه معاوية قبل أن يستقر ملك ابن الزبير على تلك النواحى وجرت بين عبد الله ابن خازم هذا وبين عمرو بن مرثد حروب يطول ذكرها وتفصيلها اكتفينا بذكرها إجمالا إذ لا يتعلق بذكرها كبير فائدة وهى حروب فتنة وقتال بغاة بعضهم فى بعض والله المستعان
وقال الواقدى وفى هذه السنة بعد موت معاوية بن يزيد بايع أهل خراسان سلم بن زياد بن (8/246)
أبيه وأحبوه حتى أنهم سموا باسمه فى تلك السنة أكثر من ألف غلام مولود ثم نكثوا واختلفوا فخرج عنهم سلم وترك عليهم المهلب بن أبى صفرة
وفيها اجتمع ملأ الشيعة على سليمان بن صرد بالكوفة وتواعدوا النخيلة ليأخذوا بثأر الحسين بن على بن أبى طالب وما زالوا فى ذلك مجدين وعليه عازمين من مقتل الحسين بكربلاء من يوم عاشوراء عشرة المحرم سنة إحدى وستين وقد ندموا على ما كان منهم من بعثهم إليه فلما أتاهم خذلوه وتخلوا عنه ولم ينصروه فجادت بوصل حين لا ينفع الوصل فاجتمعوا فى دار سليمان بن صرد وهو صحابى جليل وكان رؤس القائمين فى ذلك خمسة سليمان بن صرد الصحابى والمسيب بن نجية الفزارى أحد كبار أصحاب على وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدى وعبد الله بن وال التيمى ورفاعة بن شداد البجلى وكلهم من أصحاب على رضى الله عنه فاجتمعوا كلهم بعد خطب ومواعظ على تأمير سليمان بن صرد عليهم فتعاهدوا وتعاقدوا وتواسدوا النخيلة وأن يجتمع من يستجيب لهم إلى ذلك الموضع بها فى سنة خمس وستين ثم جمعوا من أموالهم وأسلحتهم شيئا كثيرا وأعدوه لذلك وقام المسيب بن نجية خطيبا فيهم فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فقد ابتلينا بطول العمر وكثرة الفتن وقد ابتلانا الله فوجدنا كاذبين فى نصرة ابن بنت رسول الله ص بعد ان كتبنا إليه وارسلناه فأتانا طمعا فى نصرتنا إياه فخذ لناه وأخلفناه وأتينا به إلى من قتله وقتل أولاده وذريته وقراباته الأخيار فما نصرناهم بأيدينا ولا خذلنا عنهم بألسنتنا ولا قويناهم بأموالنا فالويل لنا جميعا وبلا متصلا أبدا لا يفتر ولا يبيد دون أن نقتل قاتله والممالئين عليه أو أن نقتل دون ذلك وتذهب أموالنا وتخرب ديارنا أيها الناس قوموا فى ذلك قومة رجل واحد وتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم وذكر كلاما طويلا ثم كتبوا إلى جميع إخوانهم أن يجتمعوا بالنخيلة فى السنة الآتية
وكتب سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان وهو أمير على المدائن يدعوه إلى ذلك فاستجاب له ودعا إليه سعد من أطاعه من أهل المدائن فبادروا إليه بالاستجابة والقبول وتمالؤا عليه وتواعدوا النخيلة فى التاريخ المذكور وكتب سعد بن حذيفة إلى سليمان بن صرد بذلك ففرح أهل الكوفة من موافقة أهل المدائن لهم على ذلك وتنشطوا لأمرهم الذى تمالؤا عليه فلما مات يزيد بن معاوية وابنه معاوية بعد قليل طمعوا فى الأمر واعتقدوا أن أهل الشام قد ضعفوا ولم يبق من يقيم لهم أمرا فاستشاروا سليمان فى الظهور وأن يخرجوا إلى النخيلة قبل الميقات فنهاهم عن ذلك وقال لا حتى يأتى الأجل الذى واعدنا إخواننا فيه ثم هم فى الباطن يعدون السلاح والقوة (8/247)
ولا يشعر بهم جمهور الناس وحينئذ عمد جمهور أهل الكوفة إلى عمرو بن حريث نائب عبيد الله ابن زياد على الكوفة فأخرجوه من القصر واصصطلحوا على عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الملقب دحروجة فبايع لعبد الله بن الزبير فهو يسد الأمور حتى تأتى نواب ابن الزبير فلما كان يوم الجمعة لثمان بقين من رمضان من هذه السنة أعنى سنة أربع وستين قدم أميران إلى الكوفة من جهة ابن الزبير أحدهما عبد الله بن يزيد الخطمى على الحرب والثغر والآخر إبراهيم بن محمد ابن طلحة بن عبيد الله التيمى على الخراج وألأموال وقد كان قدم قبلهما بجمعة واحدة للنصف من هذا الشهر المختار بن أبى عبيد وهو المختار بن أبى عبيد الثقفى الكذاب فوجد الشيعة قد التفت على سليمان بن صرد وعظموه تعظيما زائدا وهم معدون للحرب فلما استقر المختار عندهم بالكوفة دعا إلى إمامه المهدى محمد بن على بن أبى طالب وهو محمد بن الحنفية فى الباطن ولقبه المهدى فاتبعه على ذلك كثير من الشيعة وفارقوا سليمان بن صرد وصارت الشيعة فرقتين الجمهور منهم مع سليمان يريدون الخروج على الناس ليأخذوا بثأر الحسين وفرقة أخرى مع المختار يريدون الخروج للدعوة إلى إمامة محمد بن الحنفية وذلك عن غير أمر ابن الحنفية ورضاه وإنما يتقولون عليه ليروجوا على الناس به وليتوصلوا إلى أغراضهم الفاسدة وجاءت العين الصافية إلى عبد الله بن يزيد الخطمى نائب ابن الزبير بما تمالأ عليه فرقتا الشيعة على أختلافهما من الخروج على الناس والدعوة إلى ما يريدون وأشار من أشار عليه بأن يبادر إليهم ويحتاط عليهم ويبعث الشرط والمقاتلة فيقمعهم عماهم مجمعون عليه من إرادة الشر والفتنة فقام خطيبا فى الناس وذكر فى خطبته ما بلغه عن هؤلاء القوم وما أجمعوا عليه من الامر وأن منهم من يريد الأخذ بثأر الحسين ولقد علموا أننى لست ممن قتله وإنى والله لممن أصيب بقتله وكره قتله فC ولعن قاتله وإنى لا أتعرض لأحد قبل أن يبدأنى بالشر وإن كان هؤلاء يريدون الأخذ بثأر الحسين فليعمدوا إلى ابن زياد فانه هو الذى قتل الحسين وخيار أهله فليأخذوا منه بالثأر ولا يخرجوا بسلاحهم على أهل بلدهم فيكون فيه حتفهم واستئصالهم فقام إبراهيم بن محمد بن طلحة الأمير الآخر فقال أيها الناس لا يغرنكم من أنفسكم كلام هذا المداهن إنا والله قد استيقنا من أنفسنا أن قوما يريدون الخروج علينا ولنأخذن الوالد بالولد والولد بالوالد والحميم بالحميم والعريف بما فى عرافته حتى تدينوا بالحق وتذلوا للطاعة فوثب إليه المسيب بن نجية الفزارى فقطع كلامه فقال يا ابن الناكثين أتهددنا بسيفك وغشمك أنت والله أذل من ذلك إنا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك وإنا لنرجوا أن نلحقك بهما قبل أن تخرج من هذا القصر وساعد المسيب بن نجية من أصحاب إبراهيم بن محمد ابن طلحة جماعة من العمال وجرت فتنه وشىء كبير فى المسجد فنزل عبد الله بن يزيد الخطمى (8/248)
عن المنبر وحالوا أن يوقفوا بين الأميرين فلم يتفق لهم ذلك ثم ظهرت الشيعة أصحاب سليمان بن صرد بالسلاح وأظهروا ما كان فى أنفسهم من الخروج على الناس وركبوا مع سليمان بن صرد فقصدوا نحو الجزيرة وكان من أمرهم ما سنذكره
وأما المختار بن عبيد الثقفى الكذاب فإنه قد كان بغيضا إلى الشيعة من يوم طعن الحسين وهو ذاهب إلى الشام بأهل العراق فلجأ إلى المدائن فأشار المختار على عمه وهو نائب المدائن بأن يقبض على الحسين ويبعثه إلى معاوية فيتخذ بذلك عنده اليد البيضاء فامتنع عم المختار من ذلك فأبغضته الشيعة بسبب ذلك فلما كان من أمر مسلم بن عقيل ما كان وقتله ابن زياد كان المختار يومئذ بالكوفة فبلغ ابن زياد أنه يقول لأقومن بنصرة مسلم ولآخذن بثأره فأحضره بين يديه وضرب عينه بقضيب كان بيده فشترها وأمر بسجنه فلما بلغ أخته سجنه بكت وجزعت عليه وكانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب فكتب ابن عمر إلى يزيد بن معاوية يشفع عنده فى إخراج المختار من السجن فبعث يزيد إلى ابن زياد أن ساعة وقوفك على هذا الكتاب تخرج المختار بن عبيد من السجن فلم يمكن ابن زياد غير ذلك فأخرجه وقال له إن وجدتك بعد ثلاثة أيام بالكوفة ضربت عنقك فخرج المختار إلى الحجاز وهو يقول والله لأقطعن أنامل عبيد الله بن زياد ولأقتلن بالحسين بن على على عدد من قتل بدم يحيى بن زكريا فلما استفحل أمر عبد الله بن الزبير بايعه المختار بن عبيد وكان من كبار الأمراء عنده ولما حاصره الحصين بن نمير مع أهل الشام قاتل المختار دون ابن الزبير أشد القتال فلما بلغه موت يزيد بن معاوية واضطراب أهل العراق نقم على ابن الزبير فى بعض الأمر وخرج من الحجاز فقصد الكوفة فدخلها فى يوم الجمعة والناس يتهيئون للصلاة فجعل لا يمر بملأ إلا سلم عليه وقال أبشروا بالنصر ودخل المسجد فصلى إلى سارية هنالك حتى أقيمت الصلاة ثم صلى من بعد الصلاة حتى صليت العصر ثم انصرف فسلم عليه الناس وأقبلوا إليه وعليه وعظموه وجعل يدعو إلى إمامه المهدى محمد بن الحنفيه ويظهر الانتصار لأهل البيت وأنه ما جاء إلا بصدد أن يقيم شعارهم ويظهر منارهم ويستوفى ثأرهم ويقول للناس الذين اجتمعوا على سليمان بن صرد من الشيعة وقد خشى أن يبادروا إلى الخروج مع سليمان فجعل يخذلهم ويستميلهم إليه ويقول لهم إنى قد جئتكم من قبل ولى الأمر ومعدن الفضل ووصى الرضى والامام المهدى بأمر فيه الشفاء وكشف الغطاء وقتل الأعداء وتمام النعماء وأن سليمان بن صرد يرحمنا الله وإياه إنما هو غشمة من الغشم وشن بال ليس بذى تجربة للأمور ولا له علم بالحروب إنما يريد أن يخرجكم فيقتل نفسه ويقتلكم وإنى إنما أعمل على مثل مثل لى وأمر قد بين لى فيه عز وليكم وقتل عدوكم وشفاء صدوركم فاسمعوا منى وأطيعوا أمرى ثم أبشروا (8/249)
وتباشروا فانى لكم بكل ما تأملون وتحبون كفيل فالتف عليه خلق كثير من الشيعة ولكن الجمهور منهم مع سليمان بن صرد فلما خرجوا مع سليمان إلى النخيلة قال عمر بن سعد بن أبى وقاص وشبث بن ربعى وغيرهما لعبد الله بن زياد نائب الكوفة إن المختار بن أبى عبيد أشد عليكم من سليمان بن صرد فبعث إليه الشرط فأحاطوا بداره فأخذه فذهب به إلى السجن مقيدا وقيل بغير قيد فأقام به مدة ومرض فيه قال أبو [ و مخنف فحدثنى يحيى بن أبى عيسى أنه قال دخلت إليه مع حميد بن مسلم الأزدى نعوده ونتعاهده فسمعته يقول أما ورب البحار والنخيل والأشجار والمهامة والقفار والملائكة الأبرار والمصلين الأخيار لأقتلن كل جبار بكل لدن جثار خطار ومهند بتار بجند من الأخيار وجموع من الأنصار ليسوا بميل الأغمار ولا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين وجبرت صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت ثأر أولاد النبيين لم أبك على زوال الدنيا ولم أحفل بالموت إذا دنا قال وكان كلما أتيناه وهو فى السجن يردد علينا هذا القول حتى خرج
ذكر هدم الكعبة وبنائها فى أيام ابن الزبير
قال ابن جرير وفى هذه السنة هدم ابن الزبير الكعبة وذلك لأنه مال جدارها من رمى المنجنيق فهدم الجدار حتى وصل إلى أساس إبراهيم وكان الناس يطوفون ويصلون من وراء ذلك وجعل الحجر الأسود فى تابوت فى سرق من حرير وادخر ما كان فى الكعبة من حلى وثياب وطيب عند الخزان حتى أعاد ابن الزبير بناءها على ما كان رسول الله ص يريد أن يبنيها عليه من الشكل وذلك كما ثبت فى الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن من طرق عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ص قال لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولأدخلت فيها الحجر فان قومك قصرت بهم النفقة ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر ولألصقت بابها بالأرض فان قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاؤا ويمنعوا من شاؤا فبناها ابن الزبير على ذلك كما أخبرته به خالته عائشة أم المؤمنين عن رسول الله ص فجزاه الله خيرا ثم لما غلبه الحجاج بن يوسف فى سنة ثلاث وسبعين كما سيأتى هدم الحائط الشمالى وأخرج الحجر كما كان أولا وأدخل الحجارة التى هدمها فى جوف الكعبة فرصها فيه فارتفع الباب وسد الغربى وتلك آثاره إلى الآن وذلك بأمر عبد الملك بن مروان فى ذلك ولم يكن بلغه الحديث فلما بلغه الحديث قال وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك وقد هم ابن المنصور المهدى أن يعيدها على ما بناها ابن الزبير واستشار الامام مالك بن أنس فى ذلك فقال إنى أكره ان يتخذها الملوك لعبة يعنى يتلاعبون فى بنائها بحسب آرائهم فهذا يرى رأى ابن الزبير وهذا يرى رأى (8/250)
عبد الملك بن مروان وهذا يرى رأيا آخر والله سبحانه وتعالى أعلم
قال ابن جرير وحج بالناس فى هذه السنة عبد الله بن الزبير وكان عامله على المدينة أخوه عبيد الله وعلى الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي وعلى قضائها سعيد بن المرزبان وامتنع شريح أن يحكم فى زمان الفتنة وعلى البصرة عمر بن معمر التيمى وعلى قضائها هشام بن هبيرة وعلى خراسان عبد الله بن خازم وكان فى آواخر هذه السنة وقعة مرج راهط كما قدمنا وقد استقر ملك الشام لمروان بن الحكم وذلك بعد ظفره بالضحاك بن قيس وقتله له فى الوقعه وقيل إن فيها دخل مروان مصر وأخذها من نائبها الذى من جهة ابن الزبير وهو عبد الرحمن بن جحدر واستقرت يد مروان على الشام ومصر وأعمالها والله أعلم
وقال الواقدى لما أراد ابن الزبير هدم البيت شاور الناس فى هدمها فأشار عليه جابر بن عبد الله وعبيد بن عمير بذلك وقال ابن عباس أخشى أن يأتى بعدك من يصدمها فلا تزال تهدم حتى يتهاون الناس بحرمتها ولكن أرى أن تصلح ما يتهدم من بنيانها ثم إن ابن الزبير استخار الله ثلاثة أيام ثم غدا فى اليوم الرابع فبدأ ينقض الركن إلى الأساس فلما وصلوا إلى الأساس وجدوا أصلا بالحجر مشبكا كأصابع اليدين فدعا ابن الزبير خمسين رجلا فأمرهم أن يحفروا فلما ضربوا بالمعاول فى تلك الأحجار المشبكة أرتجت مكة فتركه على حاله ثم أسس عليه البناء وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض باب يدخل منه وباب يخرج منه ووضع الحجر الأسود بيده وشدة بفضة لأنه كان قد تصدع وزاد فى وسع الكعبة عشرة أذرع ولطخ جدرانها بالمسك وسترها بالديباج ثم اعتمر من مساجد عائشة وطاف بالبيت وصلى وسعى وأزال ما كان حول الكعبة من الزبالة وما كان حولها من الدماء وكانت الكعبة قد وهت من أعلاها إلى أسفلها من حجارة المنجنيق واسود الركن وانصدع الحجر الأسود من النار التى كانت حول الكعبة وكان سبب تجديد ابن الزبير لها ما ثبت فىالصحيحين من حديث عائشة المتقدم ذكره والله أعلم
ثم دخلت سنة خمس وستين
فيها اجتمع إلى سليمان بن صرد نحو من سبعة عشر ألفا كلهم يطلبون الأخذ بثأر الحسين ممن قتله قال الواقدى لما خرج الناس إلى النخيلة كانوا قليلا فلم تعجب سليمان قلتهم فأرسل حكيم ابن منقذ فنادى فى الكوفة بأعلى صوته يا ثارات الحسين فلم يزل ينادى حتى بلغ المسجد الأعظم فسمع الناس فخرجوا إلى النخيلة وخرج أشراف الكوفة فكانوا قريبا من عشرين ألفا أو يزيدون فى ديوان سليمان بن صرد فلما عزم على المسير بهم لم يصف معه منهم سوى أربعة آلاف فقال (8/251)
المسيب بن نجية لسليمان إنه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية وباع نفسه لله عز و جل فلا تنتظرن أحدا وامض لأمرك فى جهادك عدوك واستعن بالله عليهم فقام سليمان فى أصحابه وقال يا أيها الناس من كان إنما خرج لوجه الله وثواب الأخرة فذلك منا ونحن منه ومن كان خروجه معنا للدنيا فليس منا ولا يصحبنا فقال الباقون معه ما للدنيا خرجنا ولا لها طلبنا فقيل له أنسير إلى قتلة الحسين بالشام وقتلته عندنا بالكوفة كلهم مثل عمر بن سعد وغيره فقال سليمان إن ابن زياد هو الذى جهز الجيش إليه وفعل به ما فعل فاذا فرغنا منه عدنا إلى أعدائه بالكوفة ولو قاتلتوهم أولا وهم أهل مصر كم ما عدم الرجل منكم أن يرى رجلا قد قتل أباه قد قتل أخاه أو حميمه قيقع التخاذل فاذا فرغتم من الفاسق ابن زياد لكم المراد فقالوا صدقت فنادى فيهم سيروا على اسم الله تعالى فساروا عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول
وقال فى خطبته من كان خرج منكم للدنيا ذهبها وزبرجدها فليس معنا مما يطلب شىء وإنما معنا سيوف على عواتقنا ورماح فى أكفنا وزاد يكفينا حتى نلقى عدونا فأجابوه إلى السمع والطاعة والحالة هذه وقال لهم عليكم بابن زياد الفاسق اولا فليس له إلا السيف وها هو قد أقبل من الشام قاصدا العراق فصمم الناس معه على هذا الرأى فلما أزمعوا على ذلك بعث عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد أمراء الكوفة من جهة ابن الزبير إلى سليمان بن صرد يقولان له إنا نحب أن تكون أيدينا واحدة على ابن زياد وأنهم يريدن أن يبعثوا معهم جيشا ليقويهم على ما هم قد قصدوا له وبعثوا بريدا بذلك ينتظرهم حتى يقدموا عليه فتهيأ سليمان بن صرد لقدومهم عليه فى رؤس الأمراء وجلس فى أبهته والجيوش محدقة به واقبل عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن طلحة فى أشراف أهل الكوفة من غير قتلة الحسين لئلا يطمعوا فيهم وكان عمر بن سعد بن ابى وقاص فى هذه الأيام كلها لا يبيت إلا فى قصر الامارة عند عبد الله بن يزيد خوفا على نفسه فلما اجتمع الاميران عند سليمان بن صرد قالا له وأشارا عليه أن لايذهبوا حتى تكون أيديهما واحدة على قتال ابن زياد ويجهزوا معهم جيشا فان أهل الشام جمع كثير وجم غفير وهم يحاجفون عن ابن زياد فامتنع سليمان من قبول قولهما وقال إنا خرجنا لأمر لا نرجع عنه ولا نتأخر فيه فانصرف الأميران راجعين إلى الكوفة وانتظر سليمان بن صرد وأصحابه أصحابهم الذين كانوا قد واعدوهم من أهل البصرة وأهل المدائن فلم يقدموا عليهم ولا واحد منهم فقام سليمان فى أصحابه خطيبا وحرضهم على الذهاب لما خرجوا عليه وقال لو قد سمع إخوانكم بخروجكم للحقوكم سراعا فخرج سليمان وأصحابه من النخيلة يوم الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول سنة خمس وستين فسار بهم (8/252)
مراحل ما يتقدمون مرحلة إلى نحو الشام إلا تخلف عنه طائفة من الناس الذين معه فلما مروا بقبر الحسين صاحوا صيحة واحدة وتباكوا وباتوا عنده ليلة يصلون ويدعون وظلوا يوما يترحمون عليه ويستغفرون له ويترضون عنه ويتمنون أن لو كانوا ماتوا معه شهداء قلت لو كان هذا العزم والاجتماع قبل وصول الحسين إلى تلك المنزلة لكان أنفع له وأنصر من اجتماع سليمان وأصحابه لنصرته بعد أربع سنين ولما أرادوا الانصراف جعل لا يريم أحد منهم حتى يأتى القبر فيترحم عليه ويستغفر له حتى جعلوا يزدحمون أشد من ازدحامهم عند الحجر الأسود ثم ساروا قاصدين الشام فلما اجتازوا بقرقيسيا تحصن منهم زفر بن الحارث فبعث إليه سليمان بن صرد إنا لم نأت لقتالكم فأخرج إلينا سوقا فإنا إنما نقيم عندكم يوما أو بعض يوم فأمر زفر بن الحارث أن يخرج إليهم سوق وأمر للرسول إليه وهو المسيب بن نجية بفرس وألف درهم فقال أما المال فلا وأما الفرس فنعم وبعث زفر بن الحارث إلى سليمان بن صرد ورؤس الأمراء الذين معه إلى كل واحد عشرين جزورا وطعاما وعلفا كثيرا ثم خرج زفر بن الحارث فشيعهم وسار مع سليمان بن صرد وقال له إنه قد بلغنى أن أهل الشام قد جهزوا جيشا كثيفا وعددا كثيرا مع حصين بن نمير وشرحبيل بن ذى الكلاع وأدهم بن محرز الباهلى وربيعة بن مخارق الغنوى وجبلة بن عبد الله الخثعمى فقال سليمان بن صرد على الله توكلنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ثم عرض عليهم زفر أن يدخلوا مدينته أو يكونوا عند بابها فان جاءهم أحد كان معهم عليه فأبوا أن يقبلوا وقالوا قد عرض علينا أهل بلدنا مثل ذلك فامتنعنا قال فاذا أبيتم ذلك فبادروهم إلى عين الوردة فيكون الماء والمدينة والأسواق والسباق خلف ظهوركم وما بيننا وبينكم فأنتم آمنون منه ثم أشار عليهم بما يعتمدونه فى حال القتال فقال ولا تقاتلوهم فى فضاء فانهم أكثر منكم عددا فيحيطون بكم فانى لا أرى معكم رجالا والقوم ذووا رجال وفرسان ومعهم كراديس فاحذروهم فأثنى عليه سليمان بن صرد والناس خيرا ثم رجع عنهم وسار سليمان بن صرد فبادر إلى عين الوردة فنزل غربيها واقام هناك قبل وصول أعدائه إليه واستراح سليمان وأصحابه واطمأنوا
وقعة عين وردة
فلما اقترب أهل الشام إليهم خطب سليمان أصحابه فرغبهم فى الآخرة وزهدهم في الدنيا وحثهم عل الجهاد وقال إن قتلت فالأمير عليكم المسيب بن نجية فإن قتل فعبد الله بن سعد بن نفيل فإن قتل فعبد الله بن وال فان قتل فرفاعة بن شداد ثم بعث بين يديه المسيب بن نجية فى خمسمائة فارس فأغاروا على جيش ابن ذى الكلاع وهم عارون فقتلوا منهم جماعة وجرحوا آخرين (8/253)
واستاقوا نعما وأتى الخبر إلى عبيد الله بن زياد فأرسل بين يديه الحصين بن نمير فى إثنى عشر ألفا فصبح سليمان بن صرد وجيشه واقفون فى يوم الأربعاء لثمان بقين من جمادى الأولى وحصين بن نمير قائم فى إثنى عشر ألفا وقد تهيأ كل من الفريقين لصاحبه فدعا الشاميون أصحاب سليمان إلى الدخول فى طاعة مروان بن الحكم ودعا أصحاب سليمان الشاميين إلى أن يسلموا إليهم عبيد الله بن زياد فيقتلونه عن الحسين وامتنع كل من الفريقين أن يجيب إلى ما دعا إليه الآخر فاقتتلوا قتالا شديدا عامة يومهم إلى الليل وكانت الدائرة فيه للعراقيين على الشاميين فلما أصبحوا أصبح ابن ذى الكلاع وقد وصل إلى الشاميين فى ثمانية عشرة ألف فارس وقد أنبه وشتمه ابن زياد فاقتتل الناس فى هذا اليوم قتالا لم ير الشيب والمرد مثله قط لا يحجز بينهم إلا أوقات الصلوات إلى الليل فلما أصبح الناس من اليوم الثالث وصل إلى الشاميين أدهم بن محرز فى عشرة آلاف وذلك فى يوم الجمعة فاقتتلوا قتالا شديدا إلى حين ارتفاع الضحى ثم استدار أهل الشام بأهل العراق وأحاطوا بهم من كل جانب فخطب سليمان بن صرد الناس وحرضهم على الجهاد فاقتتل الناس قتالا عظيما جدا ثم ترجل سليمان بن صرد وكسر جفن سيفه ونادى يا عباد الله من أراد الرواح إلى الجنة والتوبة من ذنبه والوفاء بعهده فليأت إلى فترجل معه ناس كثيرون وكسروا جفون سيوفهم وحملوا حتى صاروا فى وسط القوم وقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة حتى خاضوا فى الدماء وقتل سليمان بن صرد أمير العراقيين رماه رجل يقال له يزيد بن الحصين بسهم فوقع ثم وثب ثم وقع ثم وثب ثم وقع وهو يقول فزت ورب الكعبة فأخذ الراية المسيب بن نجية فقاتل بها قتالا شديدا وهو يقول ... قد علمت ميالة الذوائب ... واضحة اللبات والترائب ... أنى غداة الروع والتغالب ... أشجع من ذى لبدة مواثب ... قصاع أقران مخوف الجانب ...
ثم قاتل قتالا شديدا فقضى ابن نجية نحبه ولحق فى ذلك الموقف صحبه رحمهم الله فأخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل فقاتل قتالا شديدا أيضا وحمل حينئذ ربيعة بن مخارق على أهل العراق حملة منكرة وتبارز هو وعبد الله بن سعد بن نفيل ثم اتحدا فحمل ابن أخى ربيعة على عبد الله بن سعد فقتله ثم احتمل عمه فأخذ الراية عبد الله بن وال فحرض الناس على الجهاد وجعل يقول الرواح إلى الجنة وذلك بعد العصر وحمل بالناس ففرق من كان حوله ثم قتل وكان من الفقهاء المفتين قتله أدهم بن محرز الباهلى أمير حرب الشاميين ساعتئذ فأخذ الراية رفاعة بن شداد فانحاز بالناس وقد دخل الظلام ورجع الشاميون إلى رحالهم وانشمر رفاعة بمن بقى معه راجعا إلى بلاده فلما أصبح الشاميون إذا العراقيون قد كروا راجعين إلى بلادهم فلم يبعثوا وراءهم طلبا ولا أحدا (8/254)
لما لقوا منهم من القتل والجراح فلما وصلوا إلى هيت إذا سعد بن حذيفة بن اليمان قد أقبل بمن معه من أهل المدائن قاصدين إلى نصرتهم فلما أخبروه بما كان من أمرهم وما حل بهم ونعوا إليه اصحابهم ترحموا عليهم واستغفروا لهم وتباكوا على إخوانهم وانصرف أهل المدائن إليها ورجع راجعة أهل الكوفة إليها وقد قتل منهم خلق كثير وجم غفير وإذا المختار بن أبى عبيد كما هو فى السجن لم يخرج منه فكتب إلى رفاعة بن شداد يعزيه فيمن قتل منهم ويترحم عليهم ويغبطهم بما نالوا من الشهادة وجزيل الثواب ويقول مرحبا بالذين أعظم الله أجورهم ورضى عنهم والله ما خطا منهم أحد خطوة إلا كان ثواب الله له فيها أعظم من الدنيا وما فيها إن سليمان قد قضى ما عليه وتوفاه الله وجعل روحه فى أرواح النبيين والشهداء والصالحين وبعد فأنا الأمير المأمون قاتل الجبارين والمفسدين إن شاء الله فأعدوا واستعدوا وأبشروا وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والطلب بدماء أهل البيت وذكر كلاما كثيرا فى هذا المعنى
وقد كان قبل قدومهم أخبر الناس بهلاكهم عن ربه الذى كان يأتى إليه من الشياطين فانه قد كان يأتى إليه شيطان فيوحى إليه قريبا مما كان يوحي شيطان مسيلمة إليه وكان جيش سليمان بن صرد وأصحابه يسمى بجيش التوابين رحمهم الله وقد كان سليمان بن صرد الخزرجى صحابيا جليلا نبيلا عابدا زاهدا روى عن النبى ص أحاديث فى الصحيحين وغيرهم وشهد مع على صفين وكان أحد من كان يجتمع الشيعة فى داره لبيعة الحسين وكتب إلى الحسين فيمن كتب بالقدوم إلى العراق فلما قدمها تخلوا عنه وقتل بكربلاء بعد ذلك ورأى هؤلاء أنهم كانوا سببا فى قدومه وأنهم خذلوه حتى قتل هو وأهل بيته فندموا على ما فعلوه معه ثم اجتمعوا فى هذا الجيش وسموا جيشهم جيش التوابين وسموا أميرهم سليمان بن صرد أمير التوابين فقتل سليمان رضى الله عنه فى هذه الوقعة بعين وردة سنة خمس وستين وقيل سنة سبع وستين والأول أصح وكان عمره يو قتل ثلاثا وتسعين سنة رحمه الله وحمل رأسه ورأس المسيب بن نجية إلى مروان بن الحكم بعد الوقعة وكتب أمراء الشاميين إلى مروان بما فتح الله عليهم وأظفرهم من عدوهم فخطب الناس وأعلمهم بما كان من أمر الجنود ومن قتل من أهل العراق وقد قال أهلك الله رؤس الضلال سليمان ابن صرد وأصحابه وعلق الرؤس بدمشق وكان مروان بن الحكم قد عهد بالأمر من بعده إلى ولديه عبد الملك ثم من بعده عبد العزيز وأخذ بيعة الأمراء على ذلك فى هذه السنة قاله ابن جرير وغيره وفيها دخل مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد الأشدق إلى الديار المصرية فأخذاها من نائبها الذى كان لعبد الله بن الزبير وهو عبد الرحمن بن حجدم وكان سبب ذلك أن مروان قصدها (8/255)
فخرج إليه نائبها ابن جحدم فقابله مروان ليقاتله فاشتغل به وخلص عمرو بن سعيد بطائفة من الجيش من وراء عبد الرحمن بن جحدم فدخل مصر فملكها وهرب عبد الرحمن ودخل مروان إلى مصر فملكها وجعل عليها ولده عبد العزيز وفيها بعث ابن الزبير أخاه مصعبا ليفتح له الشام فبعث إليه مروان عمرو بن سعيد فتلقاه إلى فلسطين فهرب منه مصعب بن الزبير وكر راجعا ولم يظفر بشىء واستقر ملك الشام ومصر لمروان
وقال الواقدى إن مروان حاصر مصر فخندق عبد الرحمن بن حجدم على البلد خندقا وخرج فى أهل مصر إلى قتاله وكانوا يتناوبون القتال ويستريحون ويسمى ذلك يوم التراويح واستمر القتل فى خواص أهل البلد فقتل منهم خلق كثير وقتل يومئذ عبد الله بن يزيد بن معدى كرب الكلاعى أحد الأشراف ثم صالح عبد الرحمن مروان على أن يخرج إلى مكة بماله وأهله فأجابه مروان إلى ذلك وكتب إلى أهل مصر كتاب أمان بيده وتفرق الناس وأخذوا فى دفن موتاهم والبكاء عليهم وضرب مروان عنق ثمانين رجلا تخلفوا عن مبايعته وضرب عنق الأكيدر بن حملة اللخمى وكان من قتلة عثمان وذلك فى نصف جمادى الآخر يوم توفى عبد الله بن عمرو بن العاص فما قدروا أن يخرجوا بجنازته فدفنوه فى داره واستولى مروان على مصر وأقام بها شهرا ثم استعمل عليها ولده عبد العزيز وترك عنده أخاه بشر بن مروان وموسى بن نصير وزيرا له وأوصاه بالاحسان إلى الأكابر ورجع إلى الشام
وفيها جهز مروان جيشين أحدهما مع حبيش بن دلجة العتيبى ليأخذ له المدينة وكان من أمره ما سنذكره والآخر مع عبيد الله بن زياد إلى العراق لينتزعه من نواب ابن الزبير فلما كانوا ببعض الطريق لقوا جيش التوابين مع سليمان بن صرد وكان من أمرهم ما تقدم ذكره واستمر جيش الشاميين ذاهبا إلى العراق فلما كانوا بالجزيرة بلغهم موت مروان بن الحكم
وكانت وفاته فى شهر رمضان من هذه السنة وكان سبب موته أنه تزج بأم خالد امرأة يزيد ابن معاوية وهى أم هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة وإنما أراد مروان بتزويجه إياها ليصغر ابنها خالدا فى أعين الناس فإنه قد كان فى نفوس كثير من الناس منه ( 1 ) إن يملكوه بعد أخيه معاوية فتزوج أمه ليصغر أمره فبينما هو ذات يوم داخل إلى عند مروان أذ جعل مروان يتكلم فيه عند جلسائه فلما جلس قال له فيما خاطبه به يا ابن الرطبة الاست فذهب خالد إلى أمه فأخبرها بما قال له فقالت اكتم ذلك ولا تعلمه أنك أعلمتنى بذلك فلما دخل عليها مروان قال لها هل ذكرنى خالد عندك بسوء فقالت له وما عساه يقول لك وهو يحبك ويعظمك ثم إن (8/256)
مروان رقد عندها فلما أخذه النوم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه وتحاملت عليها هى وجواريها حتى مات غما وكان ذلك فى ثالث شهر رمضان سنة خمس وستين بدمشق وله من العمر ثلاث وستون سنة وقيل إحدى وثمانون سنة وكانت إمارته تسعة أشهر وقيل عشرة أشهر إلا ثلاثة أيام
ترجمة مروان بن الحكم
هو مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن شمس بن عبد مناف القرشى الأموى أبو عبد الملك ويقال أبو الحكم ويقال أبو القاسم وهو صحابى عند طائفة كثيرة لأنه ولد فى حياة النبى ص وروى عنه فى حديث صلح الحديبية وفى رواية صحيح البخارى عن مروان والمسور بن مخرمة عن جماعة من الصحابة الحديث بطوله وروى مروان عن عمر وعثمان وكان كاتبه أى كان كاتب عثمان وعلى وزيد بن ثابت وبسيرة بنت صفوان الأزدية وكانت حماته وقال الحاكم أبو أحمد كانت خالته ولا منافاة بين كونها حماته وخالته وروى عنه ابنه عبد الملك وسهل بن سعد وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلى بن الحسين زين العابدين ومجاهد وغيرهم قال الواقدى ومحمد بن سعد أدرك النبى ص ولم يحفظ عنه ششيئا وكان عمره ثمان سنين حين توفى النبى ص وذكره بن سعد فى الطبقة الأولى من التابعين وقد كان مروان من سادات قريش وفضلائها روى ابن عساكر وغيره أن عمر بن الخطاب خطب امرأة إلى أمها فقالت قد خطبها جرير بن عبد الله البجلى وهو سيد شباب المشرق ومروان بن الحكم وهو سيد شباب قريش وعبد الله بن عمر وهو من قد علمتم فقالت المرأة أجاد يا أمير المؤمنين قال نعم قالت قد زوجناك يا أمير المؤمنين وقد كان عثمان بن عفان يكرمه ويعظمه وكان كاتب الحكم بين يديه ومن تحت رأسه جرت قضية الدار وبسببه حصر عثمان بن عفان فيها وألح عليه أولئك أن يسلم مروان إليهم فامتنع عثمان أشد الامتناع وقد قاتل مروان يوم الدار قتالا شديدا وقتل بعض الخوارج وكان على الميسرة يوم الجمل ويقال إنه رمى طلحة بسهم فى ركبته فقتله فالله أعلم
وقال ابو الحكم سمعت الشافعى يقول كان على يوم الجمل حين انهزم الناس يكثر السؤال عن مروان فقيل له فى ذلك فقال إنه يعطفنى عليه رحم ماسة وهو سيد من شباب قريش وقال ابن المبارك عن جرير بن حازم عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر أنه قال لمعاوية من تركت لهذا الأمر من بعدك فقال أما القارىء لكتاب الله الفقيه فى دين الله الشديد فى حدود الله مروان بن الحكم وقد استنابه على المدينة غير مرة يعزله ثم يعيده إليها وأقام للناس (8/257)
الحج فى سنين متعددة وقال حنبل عن الامام أحمد قال يقال كان عند مروان قضاء وكان يتبع قضايا عمر بن الخطاب وقال ابن وهب سمعت مالكا يقول وذكر مروان يوما فقال قال مروان قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة ثم أصبحت فيما أنا فيه من إهراق الدماء وهذا الشأن وقال إسماعيل ابن عياش عن صفوان بن عمرة عن شريح بن عبيد وغيره قال كان مروان إذا ذكر الاسلام قال ... بنعمت ربى لا بما قدمت يدى ... ولا بتراثى إننى كنت خاطئا ...
وقال الليث عن يزيد بن حبيب عن سالم أبى النضر أنه قال شهد مروان جنازة فلما صلى عليها انصرف فقال أبو هريرة أصاب قيراطا وحرم قيراطا فأخبر بذلك مروان فأقبل يجرى حتى بدت ركبتاه فقعد حتى أذن له وروى المدائنى عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد أن مروان كان أسلف على بن الحسين حتى يرجع إلى المدينة بعد مقتل أبيه الحسين ستة آلاف دينار فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من على بن الحسين شيئا فبعث إليه عبد الملك بذلك فامتنع من قبولها فألح عليه فقبلها وقال الشافعى أنبأنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان ولا يعيدانها ويعتدان بها وقد روى عبد الرزاق عن الثورى عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم العيد مروان فقال له رجل خالفت السنة فقال له مروان إنه قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله ص يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان قالوا ولما كان نائبا بالمدينة كان إذا وقعت معضلة جمع من عنده من الصحابة فاستشارهم فيها قالوا وهو الذى جمع الصيعان فأخذ بأعدلها فنسب إليه الصاع فقيل صاع مروان وقال الزبير بن بكار حدثنا إبراهيم ابن حمزة حدثني ابن أبى على اللهبى عن إسماعيل بن أبى سعيد الخدرى عن أبيه قال خرج أبو هريرة من عند مروان فلقيه قوم قد خرجوا من عنده فقالوا يا أبا هريرة إنه أشهدنا الآن على مائة رقبة أعتقها الساعة قال فغمز أبو هريرة يدى وقال يا أبا سعيد بك من كسب طيب خير من مائة رقبة قال الزبير البك الواحد
وقال الامام أحمد حدثنا عثمان بن ابى شيبة ثنا جرير عن الأعمش عن عطية عن أبى سعيد قال قال رسول الله ص إذا بلغ بنو أبى فلان ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا ودين الله دخلا وعباد الله خولا ورواه أبو يعلى عن زكريا بن زحمويه عن صالح بن عمر عن مطرف عن عطية عن أبى سعيد قال قال رسول الله ص إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا أتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا وقد رواه الطبرانى عن أحمد بن عبد الوهاب عن أبى (8/258)
المغيرة عن أبى بكر بن أبى مريم عن راشد بن سعد عن أبى ذر قال سمعت رسول الله ص يقول إذا بلغ بنو أمية أربعين رجلا وذكره وهذا منقطع ورواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة من قوله إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا فذكره ورواه البيهقى وغيره من حديث ابن لهيعة عن أبى قبيل عن ابن وهب عن معاوية وعبد الله بن عباس عن رسول الله ص أنه قال إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين اتخذوا مال الله بينهم دولا وعباد الله خولا وكتاب الله دغلا فاذا بلغوا ستة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة وأن رسول الله ص ذكر عبد الملك بن مروان فقال أبو الجبابرة الأربعة وهذه الطرق كلها ضعيفة وروى أبو يعلى وغيره من غير وجه عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله ص رأى فى المنام أن بنى الحكم يرقون على منبره وينزلون فأصبح كالمتغيظ وقال رأيت بنى الحكم ينزون على منبرى نزو القردة فما رؤى رسول الله ص مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتى مات ورواه الثورى عن على بن زيد عن سعيد بن المسيب مرسلا وفيه فأوحى الله إليه إنما هى دنيا أعطوها فقرت عينه وهى قوله وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس يعنى بلاء للناس واختبارا وهذا مرسل وسنده إلى سعيد ضعيف وقد ورد فى هذا المعنى أحاديث كثيرة موضوعة فلهذا أضربنا صفحا عن إيرادها لعدم صحتها
وقد كان أبوه الحكم من أكبر أعداء النبى ص وإنما أسلم يوم الفتح وقدم الحكم المدينة ثم طرده النبى ص إلى الطائف ومات بها ومروان كان أكبر الأسباب فى حصار عثمان لأنه زور على لسانه كتابا إلى مصر بقتل أولئك الوفد ولما كان متوليا على المدينة لمعاوية كان يسب عليا كل جمعة على المنبر وقال له الحسن بن على لقد لعن الله أباك الحكم وأنت فى صلبه على لسان نبيه فقال لعن الله الحكم وما ولد والله أعلم
وقد تقدم أن حسان بن مالك لما قدم عليه مروان أرض الجابية أعجبه أتيانه إليه فبايع له وبايع أهل الأردن على أنه إذا انتظم له الأمر نزل عن الأمرة لخالد بن يزيد ويكون لمروان إمرة حمص ولعمرو بن سعيد نيابة دمشق وكانت البيعة لمروان يوم الاثنين للنصف من ذى القعدة سنة أربع وستين قاله الليث بن سعد وغيره وقال الليث وكانت وقعة مرج راهط فى ذى الحجة من هذه السنة بعد عيد النحر بيومين قالوا فغلب الضحاك بن قيس واستوثق له ملك الشام ومصر فلما استقر ملكه فى هذه البلاد بايع من بعده لولده عبد الملك ثم من بعده لولده عبد العزيز والد عمر بن عبد العزيز وترك البيعة لخالد بن يزيد بن معاوية لأنه كان لا يراه أهلا للخلافة (8/259)
ووافقه على ذلك مالك بن حسان وإن كان خالا لخالد بن يزيد وهو الذى قام بأعباء بيعة عبد الملك ثم ن أم خلد ؟ دبرت أمر مروان فسمته ويقال بل وضعت على وجهه وهو نائم وسادة فمات مخنوقا ثم إنها أعلنت الصراخ هى وجواريها وصحن مات أيمر المؤمنين فجأة ثم قام من بعده ولده عبد الملك بن مروان كما سنذكره وقال عبد الله بن أبى مذعور حدثنى بعض أهل العلم قال كان آخر ما تكلم به مروان وجبت الجنة لمن خاف النار وكان نقش خاتمه العزة لله وقال الأصمعى حدثنا عدى بن أبى عمار عن أبيه عن حرب بن زياد قال كان نقش خاتم مروان آمنت بالعزيز الرحيم
وكانت وفاته بدمشق عن إحدى وقيل ثلاث وستين سنة وقال أبو معشر كان عمره يوم توفى إحدى وثمانين سنة وقال خليفة حدثنى الوليد بن هشام عن أبيه عن جده قال مات مروان بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث ستين وصلى عليه ابنه عبد الملك وكانت ولايته تسعة أشهر وثمانية عشر يوما وقال غيره عشرة أشهر وقال ابن أبى الدنيا وغيره كان قصيرا أحمر الوجه أو قص دقيق العنق كبير الرأس واللحية وكان يلقب خيط باطل قال ابن عساكر وذكر سعيد بن كثير بن عفير أن مروان مات حين انصرف من مصر بالصنبرة ويقال بلد وقد قيل إنه مات بدمشق ودفن بين باب الجابية وباب الصغير
وكان كاتبه عبيد بن أوس وحاجبه المنهال مولاه وقاضيه أبو إدريس الخولانى وصاحب شرطته يحيى بن قيس الغسانى وكان له من الولد عبد الملك وعبد العزيز ومعاوية وغير هؤلاء وكان له عدة بنات من أمهات شتى
خلافة عبد الملك بن مروان
بويع له بالخلافة فى حياة أبيه فلما مات أبوه فى ثالث رمضان منها جددت له البيعة بدمشق ومصر وأعمالهما فاستقرت يده على ما كانت يد أبيه عليه وقد كان أبوه قبل وفاته بعث بعثين أحدهما مع عبيد الله بن زياد إلى العراق لينتزعها من نواب ابن الزبير فلقى فى طريقه جيش التوابين مع سليمان بن صرد عند عين الوردة فكان من أمرهم ما تقدم من ظفره بهم وقتله أميرهم واكثرهم والبعث الآخر مع جيش بن دلجة إلى المدينة ليرتجعها من نائب ابن الزبير فسار نحوها فلما انتهى إليها هرب نائبها جابر بن الأسود بن عوف وهو ابن أخى عبد الرحمن بن عوف فجهز نائب البصرة من قبل ابن الزبير وهو الحارث بن عبد الله بن ربيعة جيشا من البصرة إلى ابن دلجة بالمدينة فلما سمع بهم حبيش بن دلجة سار إليهم وبعث ابن الزبير عباس بن سهل بن سعد نائبا عن المدينة (8/260)
وأمره أن يسير فى طلب حبيش فسار فى طلبهم حتى لحقهم بالربذة فرمى يزيد بن سياه حبيشا بسهم فقتله وقتل بعض أصحابه وهزم الباقون وتحصن منهم خمسمائة فى المدينة ثم نزلوا على حكم عباس ابن سهل فقتلهم صبرا ورجع فلهم إلى الشام
قال ابن جرير ولما دخل يزيد بن سياه الأسوارى قاتل حبيش بن دلجة إلى المدنية مع عباس ابن سهل كان عليه ثياب بياض وهو راكب برذونا أشهب فما لبث أن اسودت ثيابه ودابته مما يتمسح الناس به ومن كثرة ما صبوا عليه من الطيب
وقال ابن جرير وفى هذه السنة اشدت شوكة الخوارج بالبصرة وفيها قتل نافع بن الأزرق وهو رأس الخوارج ورأس أهل البصرة مسلم بن عبيس فارس أهل البصرة ثم قتله ربيعة السلوطى وقتل بينهما نحو خمسة أمراء وقتل فى وقعة الخوارج قرة بن إياس المزنى أبو معاوية وهو من الصحابة ولما قتل نافع بن الأزرق رأست الخوارج عليهم عبيد الله بن ماجور فسار بهم إلى المدائن فقتلوا أهلها ثم غلبوا على الأهواز وغيرها وجبوا الأموال وأتتهم الأمداد من اليمامة والبحرين ثم ساروا إلى أصفهان وعليها عتاب بن ورقاء الرياحى فالتقاهم فهزمهم ولما قتل أمير الخوارج ابن ماجور كما سنذكر أقاموا عليهم قطرى بن الفجاءة أميرا
ثم أورد ابن جرير قصة قتالهم مع أهل البصرة بمكان يقال له دولاب وكانت الدولة للخوارج على أهل البصرة وخاف أهل البصرة من الخوارج أن يدخلوا البصرة فبعث ابن الزبير فعزل نائبها عبد الله بن الحارث المعروف بببه بالحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة المعروف بالقباع وأرسل ابن الزبير المهلب بن ابى صفرة الأزدى على عمل خراسان فلما وصل إلى البصرة قالوا له إن قتال الخوارج لا يصلح إلا لك فقال إن أمير المؤمنين قد بعثنى إلى خراسان ولست أعصى أمره فاتفق أهل البصرة مع أميرهم الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة على أن كتبوا كتابا على لسان ابن الزبير إلى المهلب يأمره فيه بالمسير للخوارج ليكفهم عن الدخول إلى البصرة فلما قرىء عليه الكتاب اشترط على أهل البصرة أن يقوى جيشه من بيت مالهم وأن يكون له ما غلب عليه من أموال الخوارج فأجابوه إلى ذلك ويقال إنهم كتبوا بذلك إلى ابن الزبير فأمضى لهم ذلك وسوغه فسار إليهم المهلب وكان شجاعا بطلا صنديدا فلما أراد قتال الخوارج أقبلوا إليه يزفون فى عدة لم ير مثلها من الدروع والزرود والخيول والسلاح وذلك أن لهم مدة يأكلون تلك النواحى وقد صار لهم تحمل عظيم مع شجاعة لا تدانا وإقدام لا يسامى وقوة لا تجارى وسبق إلى حومة الوغى فلما تواقف الناس بمكان يقال له سل وسل ابرى اقتتلوا قتالا شديدا عظيما وصبر كل من الفريقين (8/261)
صبرا باهرا وكان فى نحو من ثلاثين ألفا ثم إن الخوارج حملوا حملة منكرة فانهزم أصحاب المهلب لا يلوى والد على ولد ولا يلتفت أحد إلى أحد ووصل إلى البصرة فلا لهم وأما المهلب فانه سبق المنهزمين فوقف لهم بمكان مرتفع وجعل ينادى إلى عباد الله فاجتمع إليه من جيشه ثلاثة آلاف من الفرسان الشجعان فقام فيهم خطيبا فقال فى خطبته أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى ربما يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون وينزل النصر على الجمع اليسير فيظهرون ولعمرى ما بكم الآن من قلة وأنتم فرسان الصبر وأهل النصر وما أحب أن أحدا ممن انهزموا معكم الآن ولو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ثم قال عزمت على كل رجل منكم إلا أخذ عشرة أحجار معه ثم امشوا بنا إلى عسكرهم فانهم الآن آمنون وقد خرجت خيولهم فى طلب إخوانكم فوالله إنى لأرجو أن لا ترجع خيولهم إلا وقد استبحتم عسكرهم وتقتلوا أميرهم ففعل الناس ذلك فزحف بهم المهلب بن ابى صفرة على معشر الخوارج فقتل منهم خلقا كثيرا نحوا من سبعة آلاف وقتل عبيد الله بن الماجور فى جماعة كثيرة من الأزارقة واحتاز من أموالهم شيئا كثيرا وقد أرصد المهلب خيولا بينه وبين الذين يرجعون من طلب المنهزمين فجعلوا يقتطعون دون قومهم وانهزم فلهم إلى كرمان وأرض أصبهان وأقام المهلب بالأهواز حتى قدم مصعب بن الزبير إلى البصرة وعزل عنها الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة كما سيأتى قريبا
قال ابن جرير ؟ وفى هذه السنة وجه مروان بن الحكم قبل مهلكه ابنه محمدا إلى الجزيرة وذلك قبل مسيره إلى مصر قلت محمد بن مروان هذا هو والد مروان الحمار وهو مروان بن محمد بن مروان وهو آخر خلفاء بنى أمية ومن يده استلبت الخلافة العباسيون كما سيأتى
قال ابن جرير وفى هذه السنة عزل ابن الزبير أخاه عبيد الله عن إمرة المدينة وولاها أخاه مصعبا وذلك أن عبيد الله خطب الناس فقال فى خطبته وقد رأيتم ما صنع الله بقوم صالح فى ناقة قيمتها خمسمائة درهم فلما بلغت أخاه قال إن هذا لهو التكلف وعزله ويسمى عبيد الله مقوم الناقة لذلك قال ابن جرير وفى آخرها عزل ابن الزبير عن الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمى وولى عليها عبد الله بن مطيع الذى كان أمير المهاجرين يوم الحرة لما خلعوا يزيد
قال ابن جرير وفى هذه السنة كان الطاعون الجارف بالبصرة وقال ابن الجوزى فى المنتظم كان فى سنة أربع وستين وقد قيل إنما كان فى سنة تسع وستين وهذا هو المشهور الذى ذكره شيخنا الذهبى وغيره وكان معظم ذلك بالبصرة وكان ذلك فى ثلاثة أيام فمات فى أول يوم من الثلاثة من أهل البصرة سبعون ألفا وفى اليوم الثانى منها إحدى وسبعون ألفا وفى اليوم الثالث منه ثلاثة وسبعون ألفا وأصبح الناس فى اليوم الرابع موتى إلا قليل من آحاد الناس حتى ذكر أن (8/262)
أم الأمير بها ماتت فلم يوجد لها من يحملها حتى استأجروا لها أربعة أنقس وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهانى حدثنا عبيد الله ثنا أحمد بن عصام حدثنى معدى عن رجل يكنى أبا النفيد وكان قد أدرك من هذا الطاعون قال كنا نطوف بالقبائل وندفن الموتى فلما كثروا لم نقو على الدفن فكنا ندخل الدار وقد مات أهلها فنسد بابها عليهم قال فدخلنا دارا ففتشناها فلم نجد فيها أحدا حيا فسددنا بابها فلما مضت الطواعين كنا نطوف فنفتح تلك السدد عن الأبواب ففتحنا سدة الباب الذى كنا فتشناه أو قال الدار التى كنا سددناه وفتشناها فاذا نحن بغلام فى وسط الدار طرى دهين كأنما أخذ ساعتئذ من حجر أمه قال فبينما نحن وقوف على الغلام نتعجب منه إذ دخلت كلبة من شق فى الحائط فجعلت تلوز بالغلام والغلام يحبو إليها حتى مص من لبنها قال معدى وأنا رأيت ذلك الغلام فى مسجد البصرة وقد قبض على لحيته
قال ابن جرير وفى هذه السنة بنى عبد الله بن الزبير الكعبة البيت الحرام يعنى أكمل بناءها وأدخل فيها الحجر وجعل لها بابين يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر
قال ابن جرير حدثنا إسحاق بن أبى إسرائيل حدثنى عبد العزيز بن خالد بن رستم الصنعانى أبو محمد حدثنى زياد بن جبل أنه كان بمكة يوم كان عليها ابن الزبير فسمعته يقول حدثتنى أمى أسماء بنت أبى بكر أن رسول الله ص قال لعائشة لولا قرب عهد قومك بالكفر لرددت الكعبة على أساس إبراهيم فأزيد فى الكعبة من الحجر قال فأمر ابن الزبير فحفروا فوجدوا تلاعا أمثال الابل فحركوا منها تلعة أو قال صخرة فبرقت برقة فقال أقروها على أساسها فبناها ابن الزبير وجعل لها بابين يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر
قلت هذا الحديث له طرق متعددة عن عائشة فى الصحاح والحسان والمسانيد وموضوع سياق طرق ذلك فى كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى
وذكر ابن جرير فى هذه السنة حروبا جرت بين عبد الله بن حازم بخراسان وبين الحرشى ابن هلال القزيعى يطول تفصيلها قال وحج بالناس فى هذه السنة عبد الله بن الزبير وكان على المدينة مصعب بن الزبير وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع وعلى البصرة الحارث بن عبد الله ابن أبى ربيعة المخزومى
وممن توفى فيها من الأعيان عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل أبو محمد السهمى كان من خيار الصحابة وعلمائهم وعبادهم وكتب عن النبى ص كثيرا أسلم قبل أبيه ولم يكن أصغر من أبيه إلا باثنى عشرة سنة وكان واسع العلم مجتهدا فى العبادة عاقلا وكان يلوم أباه فى القيام مع معاوية (8/263)
وكان سمينا وكان يقرأ الكتابين القرآن والتوراة وقيل إنه بكى حتى عمى وكان يقوم الليل ويصوم يوما ويفطر يوما ويصوم ؟ يوما استنابه معاوية على الكوفة ثم عزله عنها بالمغيرة بن شعبة توفى فى هذه السنة بمصر وقتل بمكة عبد الله بن سعدة الفزارى له صحبة نزل دمشق وقيل إنه من سبى فزارة
ثم دخلت سنة ست وستين
ففيها وثب المختار بن أبى عبيد الثقفى الكذاب بالكوفة ليأخذوا ثأر الحسين بن على فيما يزعم وأخرج عنها عاملها عبد الله بن مطيع وكان سبب ذلك أنه لما رجع أصحاب سليمان بن صرد مغلوبين إلى الكوفة وجدوا المختار بن أبى عبيد مسجونا فكتب إليهم يعزيهم فى سليمان بن صرد ويقول أنا عوضه وأن أقتل قتلة الحسين فكتب إليه رفاعة بن شداد وهو الذى رجع بمن بقى من جيش التوابين نحن على ما تحب فشرع المختار يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا وقال لهم فيما كتب به إليهم خفية أبشروا فإنى لو قد خرجت إليهم جردت فيما بين المشرق والمغرب من أعدائكم السيف فجعلتهم باذن الله ركاما وقتلهم أفرادا وتوأما فرحب الله بمن قارب منهم واهتدى ولا يبعد الله إلا من أبى وعصى فلما وصلهم الكتاب قرؤه سرا وردوا إليه إنا كما تحب فمتى أحببت أخرجناك من محسبك فكره أن يخرجوه من مكانه على وجه القهر لنواب الكوفة فتلطف فكتب إلى زوج أخته صفية وكانت امرأة صالحة وزوجها عبد الله بن عمر بن الخطاب فكتب إليه أن يشفع فى خروجه عند نائبى الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمى وإبراهيم بن محمد بن طلحة فكتب ابن عمر إليهما يشفع عندهما فيه فلم يمكنهما رده وكان فيما كتب إليهما ابن عمر قد علمتما ما بينى وبينكما من الود وما بينى وبين المختار من القرابة والصهر وأنا أقسم عليكما لما خليتما سبيله والسلام
فاستدعيا به فضمنه جماعة من أصحابه واستحلفه عبد الله بن يزيد إن هو بغى للمسليمن غائلة فعليه ألف بدنة ينحرها تجاه الكعبة وكل مملوك له عبد وأمة حر فالتزم لهما بذلك ولزم منزله وجعل يقول قاتلهما الله أما حلفانى بالله فانى لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمينى وأتيت الذى هو خير وأما إهدائى ألف بدنة فيسير وأما عتقى مماليكى فوددت أنه قد استتم لى هذا الأمر ولا املك مملوكا واحدا واجتمعت الشيعة عليه وكثر أصحابه وبايعوه فى السر وكان الذى يأخذ البيعة له ويحرض الناس عليه خمسة وهم السائب بن مالك الأشعرى ويزيد بن أنس وأحمد بن ميط ؟ ورفاعة بن شداد وعبد الله بن شداد الجشمى ولم يزل أمره يقوى ويشتد ويستفحل ويرتفع حتى عزل عبد الله بن الزبير عن الكوفة عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد (8/264)