وقال النضر بن شميل عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة وروى البخاري عن الفريابي عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إقرأ علي فقلت أقرأ عليك وعليك أنزل فقال إني أحب أن أسمعه من غيري قال فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال حسبك فالتفت فاذا عيناه تذرفان وثبت في الصحيح أنه عليه السلام كان يجد التمرة على فراشه فيقول لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها وقال الامام أحمد حدثنا وكيع ثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أوجد تحت جنبه تمرة من الليل فاكلها فلم ينم تلك الليلة فقال بعض نسائه يا رسول الله أرقت الليلة قال إني وجدت تحت جنبي تمرة فأكلتها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة فخشيت أن تكون منه تفرد به أحمد واسامة بن زيد هو الليثي من رجال مسلم والذي نعتقد أن هذه التمرة لم تكن من تمر الصدقة لعصمته عليه السلام ولكن من كمال ورعه عليه السلام أرق تلك الليلة وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال [ والله إني ] لأتقاكم لله وأعلمكم بما أتقي وفي الحديث الآخر أنه قال دع ما يريبك إلى مالا يريبك وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل وفي رواية وفي صدره أزيز كأزيز الرحا من البكاء وروى البيهقي من طريق أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني ثنا معاوية بن هشام عن شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال قال أبو بكر يا رسول الله أراك شبت فقال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وفي رواية له عن أبي كريب عن معاوية عن هشام عن شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد قال قال عمر بن الخطاب يا رسول الله أسرع إليك الشيب فقال شيبتني هود وأخواتها الواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت
فصل في شجاعته صلى الله عليه و سلم
[ ذكرت في التفسير عن بعض من السلف أنه استنبط من قوله تعالى فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان مأمورا أن لا يفر من المشركين إذا واجهوه ولو كان وحده من قوله لا تكلف إلا نفسك وقد كان صلى الله عليه و سلم من اشجع الناس وأصبر الناس وأجلدهم ما فر قط من مصاف ولو تولى عنه أصحابه قال بعض أصحابه كنا إذا اشتد الحرب وحمى الناس نتقي برسول الله صلى الله عليه و سلم ففي يوم بدر رمي ألف مشرك بقبضة من حصا فنالتهم أجمعين حين قال شاهت الوجوه وكذلك يوم حنين كما تقدم وفر أكثر أصحابه في ثاني الحال (6/59)
يوم أحد وهو ثابت في مقامه لم يبرح منه ولم يبق معه إلا اثنا عشر قتل منهم سبعة وبقي الخمسة وفي هذا الوقت قتل أبي بن خلف لعنه الله فعجله الله إلى النار ويوم حنين ولى الناس كلهم وكانوا يومئذ اثنا عشر ألفا وثبت هو في نحو من مائة من الصحابة وهو راكب يومئذ بغلته وهو يركض بها الى نحو العدو وهو ينوه باسمه ويعلن بذلك قائلا أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب حتى جعل العباس وعلي وأبو سفيان يتعلقون في تلك البغلة ليبطئوا سيرها خوفا عليه من أن يصل أحد من الأعداء اليه وما زال كذلك حتى نصره الله وأيده في مقامه ذلك وما تراجع الناس الا والاشلاء مجندلة بين يديه صلى الله عليه و سلم
وقال أبو زرعة حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الدمشقي حدثنا مروان يعني ابن محمد حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
فضلت على الناس بشدة البطش ] فصل
فيما يذكر من صفاته عليه السلام في الكتب المأثورة عن الأنبياء الأقدمين
قد أسلفنا طرفا صالحا من ذلك في البشارات قبل مولده ونحن نذكر هنا غررا من ذلك فقد روى البخاري والبيهقي واللفظ له من حديث فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة فقال أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في الفرقان يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن اقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء أن يقولوا لا إله إلا الله وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا قال عطاء بن يسار ثم لقيت كعبا الحبر فسألته فما اختلف في حرف إلا أن كعبا قال أعينا ورواه البخاري أيضا عن عبد الله غير منسوب قيل هو ابن رجاء وقيل عبد الله بن صالح وهو الأرجح عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن هلال بن علي به قال البخاري وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن عبد الله بن سلام كذا علقه البخاري وقد روى البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أبو صالح هو عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أسامة عن عطاء بن يسار عن (6/60)
ابن سلام أنه كان يقول إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا أنت عبدي ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويتجاوز وليس أقبضه حتى يقيم الملة العوجاء بأن تشهد أن لا إله إلا الله يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا قال عطاء بن يسار وأخبرني الليثي أنه سمع سكعب الأحبار يقول مثل ما قال ابن سلام وقد روى عن عبد الله بن سلام من وجه آخر فقال الترمذي حدثنا زيد بن أخرم الطائي البصري ثنا أبو قتيبة مسلم بن قتيبة حدثني أبو مودود المدني ثنا عثمان الضحاك عن محمد ابن يوسف عن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال مكتوب في التوراة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه فقال أبو مودود قد بقي في البيت موضع قبر ثم قال الترمذي هذا حديث حسن هكذا قال الضحاك والمعروف الضحاك بن عثمان المدني وهكذا حكى شيخنا الحافظ المزي في كتابه الأطراف عن ابن عساكر أنه قال مثل قول الترمذي ثم قال وهو شيخ آخر أقدم من الضحاك بن عثمان ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه فيمن اسمه عثمان فقد روى هذا عن عبد الله بن سلام وهو من أئمة أهل الكتاب ممن آمن وعبد الله بن عمرو بن العاص وقد كان له اطلاع على ذلك من جهة زاملتين كان أصابهما يوم اليرموك فكان يحدث منهما عن أهل الكتاب وعن كعب الأحبار وكان بصيرا بأقوال المتقدمين على ما فيها من خلط وغلط وتحريف وتبديل فكان يقولها بما فيها من غير نقد وربما أحسن بعض السلف بها الظن فنقلها عنه مسلمة وفي ذلك من المخالفة لبعض ما بأيدينا من الحق جملة كثيرة لكن لا يتفطن لها كثير من الناس ثم ليعلم أن كثيرا من السلف يطلقون التوراة على كتب أهل الكتاب المتلوة عندهم أو أعم من ذلك كما أن لفظ القرآن يطلق على كتابنا خصوصا ويراد به غيره كما في الصحيح خفف على داود القرآن فكان يأمر بداوبه فتسرح فيقرأ القرآن مقدار ما يفرغ وقد بسط هذا في غير هذا الموضع والله أعلم وقال البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل عن أم الدرداء قالت قلت لكعب الحبر كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة قال نجده محمد رسول الله اسمه المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق وأعطى المفاتيح ليبصر الله به أعينا عميا ويسمع به آذانا وقرا ويقيم به ألسنا معوجة حتى تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعين المظلوم ويمنعه وبه عن يونس بن بكير عن يونس ابن عمرو عن العيزار بن خريب عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مكتوب في الأنجيل لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها بل يعفو ويصفح وقال يعقوب بن سفيان ثنا قيس البجلي حدثنا سلام بن مسكين عن مقاتل بن حيان قال أوحى (6/61)
الله عز و جل إلى عيسى بن مريم جد في أمري ولا تهزل واسمع وأطع يا ابن الطاهر البتول إني خلقتك من غير فحل وجعلتك آية للعالمين فاياي فاعبد وعلي فتوكل فبين لأهل سوران أني أنا الحق القائم الذي لا أزول صدقوا بالنبي العربي صاحب الجمل والمدرعة والعمامة والنعلين والهراوة الجعد الرأس الصلت الجبين المقرون الحاجبين الأدعج العينين الاقني الانف الواضح الخدين الكث اللحية عرقه في وجهه كاللؤلؤ ريحه المسك ينفخ منه كأن عنقه إبريق فضة وكأن الذهب يجري في تراقيه له شعرات من لبته إلى سرته تجري كالقضيب ليس على صدره ولا بطنه شعر غيره شثن الكفين والقدم إذا جامع الناس غمرهم وإذا مشى كأنما ينقلع من الصخر وينحدر في صبب ذو النسل القليل وروى الحافظ البيهقي بسنده عن وهب بن منبه اليمامي قال إن الله عز و جل لما قرب موسى نجيا قال رب إني أجد في التوراة أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في التوراة أمة هم خير الأمم الآخرون من الأمم السابقون يوم القيامة فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال يا رب إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها وكان من قبلهم يقرءون كتبهم نظرا ولا يحفظونها فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الأول والآخر ويقاتلون رءوس الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها نارا فأكلتها فان لم تقبل لا تقربها النار فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في التوراة أمة أذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه فان عملها كتبت عليه سيئة واحدة وإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها بها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في التوراة أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال وذكر وهب بن منبه في قصة داود عليه السلام وما أوحى إليه في الزبور يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقا سيدا لا أغضب عليه أبدا ولا يغضبني أبدا وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر أمته مرحومة أعطيهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء وذلك اني افترضت عليهم أن يتطهروا إلى كل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم كلها أعطيتهم ست خصال (6/62)
لم أعطها غيرهم من الأمم لا آخذهم بالخطأ والنسيان وكل ذنب ركبوه على غير عمد إن استغفروني منه غفرته لهم [ وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم جعلته لهم أضعاف مضاعفة ] ولهم في المدخر عندي أضعاف مضاعفة وأفضل من ذلك وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم فان دعوني استجبت لهم فأما أن يروه عاجلا وإما أن أصرف عنهم سوءا وإما أن أدخره لهم في الآخرة يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له صادقا بها فهو معي في جنتي وكرامتي ومن لقيني وقد كذب محمدا أو كذب بما جاء به واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار وقال الحافظ البيهقي أخبرنا الشريف أبو الفتح العمري ثنا عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي ثنا يحيى بن محمد بن صاعد ثنا عبد الله بن شبيب أبو سعيد حدثني محمد بن عمر بن سعيد يعني ابن محمد بن جبير بن مطعم قال حدثتني أم عثمان بنت سعيد بن محمد ابن جبير بن مطعم عن أبيها عن أبيه قال سمعت أبي جبير بن مطعم يقول لما بعث الله نبيه صلى الله عليه و سلم وظهر أمره بمكة خرجت إلى الشام فلما كنت ببصرى أتتنى جماعة من النصارى فقالوا لي أمن الحرام أنت قلت نعم قالوا فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم قلت نعم قال فأخذوا بيدي فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل وصور فقالوا لي أنظر هل ترى صورة هذا النبي الذي بعث فيكم فنظرت فلم أر صورته قلت لا أرى صورته فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير فاذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك الدير فقالوا لي انظر هل ترى صورته فنظرت فاذا أنا بصفة رسول الله صلى الله عليه و سلم وصورته وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا لي هل ترى صفته قلت نعم قالوا هو هذا وأشاروا إلى صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت ( اللهم ) نعم أشهد أنه هو قالوا أتعرف هذا الذي آخذ بعقبه قلت نعم قالوا نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده ورواه البخاري في التاريخ عن محمد غير منسوب عن محمد بن عمر هذا باسناده فذكره مختصرا وعنده فقالوا إنه لم يكن نبي إلا بعده نبي إلا هذا النبي وقد ذكرنا في كتابنا التفسير عند قوله تعالى في سورة الأعراف الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر الآية ذكرنا ما أورده البيهقي وغيره من طريق أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال بعثت أنا ورجل من قريش إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الاسلام فذكر اجتماعهم به وأن عرفته (6/63)
تنغصت حين ذكروا الله عز و جل فأنزلهم في دار ضيافته ثم استدعاهم بعد ثلاث فدعا بشيء نحو الربعة العظيمة فيها بيوت صغار عليها أبواب وإذا فيها صور الأنبياء ممثلة في قطع من حرير من آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين فجعل يخرج لهم واحدا واحدا ويخبرهم عنه وأخرج لهم صورة آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم تعجل إخراج صورة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ثم فتح بابا آخر فاذا فيها صورة بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أتعرفون هذا قلنا نعم محمد رسول الله قال وبكينا قال والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال والله إنه لهو قلنا نعم إنه لهو كما تنظر إليه فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم ثم ذكر تمام الحديث في إخراجه بقية صور الأنبياء وتعريفه إياهما بهم وقال في آخره قلنا له من أين لك هذه الصور لأنا نعلم أنها ما على صورت عليه الأنبياء عليهم السلام لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله فقال إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل عليه صورهم فكانت في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال ثم قال أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي وأني كنت عبدا لأشركم ملكة حتى أموت قال ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدثناه بما رأينا وما قال لنا وما أجازنا قال فبكى أبو بكر فقال مسكين لو أراد الله به خيرا لفعل ثم قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه و سلم عندهم
[ وقال الواقدي حدثني علي بن عيسى الحكيمي عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ثم من بني عبد المطلب ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد برسالته فان طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك قلت هلم قال هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بكثير الشعر ولا بقليله وليست تفارق عينيه حمرة وخاتم النبوة بين كتفيه واسمه أحمد وهذا البلد مولده ومبعثه ثم يخرجه قوم منها ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره فاياك أن تخدع عنه فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم فكل من سأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون هذا الدين وذاك وينعتونه مثل ما نعته لك ويقولون لم يبق نبي غيره قال عامر بن ربيعة فلما أسلمت أخبرت النبي صلى الله عليه و سلم قول زيد بن عمرو بن نفيل واقرائه منه السلام فرد عليه السلام وترحم عليه وقال قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا (6/64)
كتاب دلائل النبوة
وهو معنوية وحسية فمن المعنوية إنزال القرآن عليه وهو أعظم المعجزات وأبهر الآيات وأبين الحجج الواضحات لما اشتمل عليه من التركيب المعجز الذي تحدى به الانس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك مع توافر دواعي أعدائه على معارضته وفصاحتهم وبلاغتهم ثم تحداهم بعشر سور منه فعجزوا ثم تنازل الى التحدي بسورة من مثله فعجزوا عنه وهم يعلمون عجزهم وتقصيرهم عن ذلك وأن هذ مالا سبيل لأحد إليه أبدا قال الله تعالى قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وهذه الآية مكية وقال في سورة الطور وهي مكية أم تقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين أي إن كنتم صادقين في أنه قاله من عنده فهو بشر مثلكم فأتوا بمثل ما جاء به فانكم مثله وقال تعالى في سورة البقرة وهي مدنية معيدا للتحدي وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين وقال تعالى أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون وقال تعالى وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين بل كذبوا بمالم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين فبين تعالى أن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن بل عن عشر سور مثله بل عن سورة منه وأنهم لا يستطيعون ذلك أبدا كما قال تعالى فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا أي فان لم تفعلوا في الماضي ولن تستطيعوا ذلك في المستقبل وهذا تحد ثان وهو أنه لا يمكن معارضتهم له لا في الحال ولا في المآل ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته ولا الاتيان بمثله ولو كان من منقول من عند نفسه لخاف أن يعارض فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصده من متابعة الناس له ومعلوم لكل ذي لب أن محمدا صلى الله عليه و سلم من أعقل خلق الله بل أعقلهم وأكملهم على الاطلاق في نفس الأمر فما كان ليقدم هذا الأمر إلا وهو عالم بأنه لا يمكن معارضته وهكذا وقع فانه من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه وهذا لا سبيل اليه أبدا فانه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في (6/65)
أفعاله فأني يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق وقول كفار قريش الذي حكاه تعالى عنهم في قوله وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين كذب منهم ودعوى باطلة بلا دليل ولا برهان ولا حجة ولا بيان ولو كانوا صادقين لأتوا بما يعارضه بل هم يعلمون كذب أنفسهم كما يعلمون كذب أنفسهم في قولهم أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قال الله تعالى قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما أي أنزله عالم الخفيات رب الأرض والسموات الذي يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون فإنه تعالى أوحى الى عبده ورسوله النبي الأمي الذي كان لا يحسن الكتابة ولا يدريها بالكلية ولا يعلم شيئا من علم الأوائل وأخبار الماضين فقص الله عليه خبر ما كان وما هو كائن على الوجه الواقع سواء بسواء وهو في ذلك يفصل بين الحق والباطل الذي اختلفت في إيراده جملة الكتب المتقدمة كما قال تعالى تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين وقال تعالى كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فانه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا وقال تعالى وأنزلنا عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه الآية وقال تعالى وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليهم الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السموات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون فبين تعالى أن نفس إنزال هذا الكتاب المشتمل على علم ما كان وما يكون وحكم ما هو كائن بين الناس على مثل هذا النبي الأمي وحده كان من الدلالة على صدقه وقال تعالى وإذ تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحب إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمو يقول لهم إني لا أطيق تبديل هذا من تلقاء نفسي وإنما الله عز و جل هو الذي يمحو ما يشاء ويثبت وانا مبلغ عنه وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به لأني نشأت بين أظهركم وأنتم تعلمون نسبي وصدقي وأمانتي وأني لم أكذب على أحد منكم يوما من الدهر فكيف يسعني أن أكذب على الله عز و جل مالك الضر والنفع الذي هو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم (6/66)
وأي ذنب عنده أعظم من الكذب عليه ونسبة ما ليس منه إليه كما قال تعالى ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين أي لو كذب علينا لانتقمنا منه أشد الانتقام وما استطاع أحد من أهل الأرض أن يحجزنا عنه ويمنعنا منه وقال تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون وقال تعالى قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ وهذا الكلام فيه الأخبار بأن الله شهيد على كل شيء وأنه تعالى أعظم الشهداء وهو مطلع علي وعليكم فيما جئتكم به عنه وتتضمن قوة الكلام قسما به أنه قد أرسلني إلى الخلق لأنذرهم بهذا القرآن فمن بلغه منهم فهو نذير له كما قال تعالى ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ففي هذا القرآن من الأخبار الصادقة عن الله وملائكته وعرشه ومخلوقاته العلوية والسفلية كالسموات والأرضين وما بينهما وما فيهن أمور عظيمة كثيرة مبرهنة بالأدلة القطعين المرشدة الى العلم بذلك من جهة العقل الصحيح كما قال تعالى ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون وقال تعالى ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون وفي القرآن العظيم الأخبار عما مضى على الوجه الحق وبرهانه ما في كتب أهل الكتاب من ذلك شاهدا له مع كونه نزل على رجل أمي لا يعرف الكتابة ولم يعان يوما من الدهر شيئا من علوم الأوائل ولا أخبار الماضين فلم يفجأ الناس إلا بوحي إليه عما كان من الأخبار النافعة التي ينبغي أن تذكر للاعتبار بها من أخبار الأمم مع الأنبياء وما كان منهم من أمورهم معهم وكيف نجى الله المؤمنين وأهلك الكافرين بعبارة لا يستطيع بشر أن يأتي بمثلها أبد الآبدين ودهر الداهرين ففي مكان تقص القصة موجزة في غاية البيان والفصاحة وتارة تبسط فلا أحلى ولا أجلى ولا أعلى من ذلك السياق حتى كأن التالي أو السامع مشاهد لما كان حاضر له معاين للخبر بنفسه كما قال تعالى وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون وقال تعالى وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يتخصمون وقال تعالى في سورة يوسف ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما تسألهم عليه (6/67)
من اجر إن هو إلا ذكر للعالمين إلى أن قال في آخرها لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون وقال تعالى وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى وقال تعالى قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد وعد تعالى أنه سيظهر الآيات القرآن وصدقه وصدق من جاء به بما يخلقه في الآفاق من الآيات الدالة على صدق هذا الكتاب وفي نفس المنكرين له المكذبين ما فيه حجة عليهم وبرهان قاطع لشبههم حتى يستيقنوا أنه منزل من عند الله على لسان الصادق ثم أرشد إلى دليل مستقل بقوله أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد أي في العلم بأن الله يطلع على هذا الأمر كفاية في صدق هذا المخبر عنه إذ لو كان مفتريا عليه لعاجله بالعقوبة البليغة كما تقدم بيان ذلك وفي هذا القرآن إخبار عما وقع في المستقبل طبق ما وقع سواء بسواء وكذلك في الأحاديث حسب ما قررناه في كتابنا التفسير وما سنذكره من الملاحم والفتن كقوله تعالى علم أن سيكون منكم مرضى وأخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله وهذه السورة من أوائل ما نزل بمكة وكذلك قوله تعالى في سورة اقتربت وهي مكية بلا خلاف سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر وقع مصداق هذه الهزيمة يوم بدر بعد ذلك إلى أمثال هذا من الأمور البينة الواضحة وسيأتي فصل فيما أخبر به من الأمور التي وقعت بعده عليه السلام طبق ما أخبر به وفي القرآن الأحكام العادلة امرا ونهيا المشتملة على الحكم البالغة التي إذا تأملها ذو الفهم والعقل الصحيح قطع بأن هذه الأحكام إنما أنزلها العالم بالخفيات الرحيم بعباده الذي يعاملهم بلطفه ورحمته وإحسانه قال تعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأوامر والنواهي وقال تعالى الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير أي أحكمت ألفاظه وفصلت معانيه وقال تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق أي العلم النافع والعمل الصالح وهكذا روي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه أنه قال لكميل بن زياد هو كتاب الله فيه خير ما قبلكم وحكم ما بينكم ونبأ ما بعدكم وقد بسطنا هذا كله في كتابنا التفسير بما فيه كفاية ( ولله الحمد والمنة ) فالقرآن العظيم معجز من وجوه كثيرة من فصاحته وبلاغته ونظمه وتراكيبه وأساليبه وما تضمنه من الأخبار الماضية والمستقبلة وما اشتمل عليه من الأحكام المحكمة الجلية والتحدى ببلاغة ألفاظه يخص فصحاء العرب والتحدى بما اشتمل عليه من المعاني الصحيحة الكاملة وهي أعظم في التحدي عند كثير من العلماء يعم جميع أهل الأرض من (6/68)
الملتين أهل الكتاب وغيرهم من عقلاء اليونان والهند والفرس والقبط وغيرهم من اصناف بني آدم في سائر الأقطار والأمصار وأما من زعم من المتكلمين أن الاعجاز إنما هو من صرف دواعي الكفرة عن معارضته مع إنكار ذلك أو هو سلب قدرتهم على ذلك فقول باطل وهو مفرع على اعتقادهم أن القرآن مخلوق خلقه الله في بعض الاجرام ولا فرق عندهم بين مخلوق ومخلوق وقولهم هذا كفر وباطل وليس مطابقا لما في نفس الأمر بل القرآن كلام الله غير مخلوق تكلم به كما شاء تعالى وتقدس وتنزه عما يقولون علوا كبيرا فالخلق كلهم عاجزون حقيقة وفي نفس الأمر عن الأتيان بمثله وتنزه عما يقولون علوا كبيرا فالخلق كلهم عاجزون حقيقة وفي نفس الأمر عن الأتيان بمثله ولو تعاضدوا وتناصروا على ذلك بل لا تقدر الرسل الذين هم افصح الخلق وأعظم الخلق وأكملهم أن يتكلموا بمثل كلام الله وهذا القرآن [ الذي ] يبلغه الرسول صلى الله عليه و سلم عن الله أسلوب كلامه لا يشبه أساليب كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم واساليب كلامه عليه السلام المحفوظة عنه بالسند الصحيح إليه لا يقدر أحد من الصحابة ولا من بعدهم أن يتكلم بمثل اساليبه في فصاحته وبلاغته فيما يرويه من المعاني بألفاظه الشريفة بل واسلوب كلام الصحابة أعلى من أساليب كلام التابعين وهلم جرا إلى زماننا [ و ] علماء السلف أفصح وأعلم وأقل تكلفا فيما يرونه من المعاني بألفاظهم من علماء الخلف وهذا يشهده من له ذوق بكلام الناس كما يدرك تفاوت ما بين أشعار العرب في زمن الجاهلية وبين أشعار المولدين الذين كانوا بعد ذلك ولهذا جاء الحديث الثابت في هذا المعنى وهو فيما رواه الامام أحمد قائلا [ حدثنا ] حجاج ثنا ليث حدثني سعيد بن ابي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما من الأنبياء إلا قد أعطي من ألآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث الليث بن سعد به ومعنى هذا أن الأنبياء عليهم السلام كل منهم قد أوتي من الحجج والدلائل على صدقه وصحة ما جاء به عن ربه ما فيه كفاية وحجة لقومه الذين بعث إليهم سواء آمنوا به ففازوا بثواب إيمانهم أو جحدوا فاستحقوا العقوبة وقوله وإنما كان الذي أوتيت أي جله وأعظمه الوحي الذي أوحاه إليه وهو القرآن الحجة المستمرة الدائمة القائمة في زمانه وبعده فان البراهين التي كانت للأنبياء انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها وأما القرأن فهو حجة قائمة كأنما يسمعه السامع من في رسول الله صلى الله عليه و سلم فحجة الله قائمة به في حياته عليه السلام وبعد وفاته ولهذا قال فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة أي لاستمرار ما آتاني الله من الحجة البالغة والبراهين الدامغة فلهذا يكون يوم القيامة أكثر الأنبياء تبعا (6/69)
فصل
ومن الدلائل المعنوية أخلاقه عليه السلام الطاهرة وخلقه الكامل وشجاعته وحلمه وكرمه وزهده وقناعته وإيثاره وجميل صحبته وصدقه وأمانته وتقواه وعبادته وكرم أصله وطيب مولده ومنشئه ومرباه كما قدمناه مبسوطا في مواضعه وما أحسن ما ذكره شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتابه الذي رد فيه على فرق النصارى واليهود وما أشبههم من اهل الكتاب وغيرهم فانه ذكر في آخره دلائل النبوة وسلك فيها مسالك حسنة صحيحة منتجة بكلام بليغ يخضع له كل من تأمله وفهمه قال في آخر هذا الكتاب المذكور فصل
وسيرة الرسول صلى الله عليه و سلم وأخلاقه وأقواله وأفعاله من آياته أي من دلائل نبوته قال وشريعته من آياته وأمته من آياته وعلم أمته من آياته ودينهم من آياته وكرامات صالحي أمته من آياته وذلك يظهر بتدبر سيرته من حين ولد إلى أن بعث ومن حين بعث إلى أن مات وتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله فإنه كان من أشرف أهل الأرض نسبا من صميم سلالة إبراهيم الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من ذريته وجعل الله له ابنين إسماعيل وإسحاق وذكر في التوراة هذا وهذا وبشر في التوراة بما يكون من ولد إسماعيل ولم يكن من ولد إسماعيل من ظهر فيه ما بشرت به النبوات غيره ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث الله فيهم رسولا منهم ثم الرسول صلى الله عليه و سلم من قريش صفوة بني إبراهيم ثم من بني هاشم صفوة قريش ومن مكة أم القرى وبلد البيت الذي بناه إبراهيم ودعا للناس إلى حجه ولم يزل محجوجا من عهد إبراهيم مذكورا في كتب الأنبياء بأحسن وصف وكان صلى الله عليه و سلم من أكمل الناس تربية ونشأة لم يزل معروفا بالصدق والبر [ ومكارم الأخلاق ] والعدل وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم مشهودا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة ومن آمن به ومن كفر بعد النبوة ولا يعرف له شيء يعاب به لا في أقواله ولا في أفعاله ولا في أخلاقه ولا جرب عليه كذبة قط ولا ظلم ولا فاحشة وقد كان صلى الله عليه و سلم خلقه وصورته من أحسن الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله وكان أميا من قوم أميين لا يعرف هو ولا هم ما يعرفه أهل الكتاب [ من ] التوراة والانجيل ولم يقرأ شيئا من علوم الناس ولا جالس أهلها ولم يدع نبوة إلى أن أكمل [ الله ] له أربعين سنة فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره وأخبر بأمر لم يكن في بلده وقومه من يعرف مثله ثم اتبعه (6/70)
أتباع الأنبياء وهم ضعفاء الناس وكذبه أهل الرياسة وعادوه وسعوا في هلاكه وهلاك من اتبعه بكل طريق كما كان الكفار يفعلون بالأنبياء وأتباعهم والذين اتبعوه لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة فانه لم يكن عنده مال يعطيهم ولا جهات يوليهم إياها ولا كان له سيف بل كان السيف والجاه والمال مع أعدائه وقد آذوا أتباعه أنواع الأذى وهم صابرون محتسبون لا يرتدون عن دينهم لما خالط قلوبهم من حلاوة الايمان والمعرفة وكانت مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم فيجتمع في الموسم قبائل العرب فيخرج اليهم يبلغهم الرسالة ويدعوهم إلى الله صابرا على ما يلقاه من تكذيب المكذب وجفاء الجافي وإعراض المعرض إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جيران اليهود وقد سمعوا أخباره منهم وعرفوه فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذي يخبرهم به اليهود وكانوا سمعوا من أخباره أيضا ما عرفوا به مكانته فإن أمره كان قد انتشر وظهر في بضع عشرة سنة فآمنوا به وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى بلدهم وعلى الجهاد معه فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة وبها المهاجرون والأنصار ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية ولا برهبة إلا قليلا من الأنصار أسلموا في الظاهر ثم حسن إسلام بعضهم ثم أذن له في الجهاد ثم أمر به ولم يزل قائما بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء لا يحفظ له كذبة واحدة ولا ظلم لأحد ولا غدر بأحد بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال من حرب وسلم [ وأمن ] وخوف وغنى وفقر وقدرة وعجز وتمكن وضعف وقلة وكثرة وظهور على العدو تارة وظهور العدو تارة وهو على ذلك كله لازم لأكمل الطرق وأتمها حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الأوثان ومن أخبار الكهان وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق وسفك الدماء المحرمة وقطيعة الأرحام لا يعرفون آخرة ولا معادا فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم حتى أن النصارى لما رأوهم حين قدموا الشام قالوا ما كان الذين صحبوا المسيح أفضل من هؤلاء وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض وآثار غيرهم تعرف العقلاء فرق ما بين الأمرين وهو صلى الله عليه و سلم مع ظهور أمره وطاعة الخلق له وتقديمهم له على الانفس والأموال مات ولم يخلف درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا إلا بغلته وسلاحه ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهله وكان بيده عقار ينفق منه على أهله والباقي يصرفه في مصالح المسلمين فحكم بأنه لا يورث ولا يأخذ ورثته شيئا من ذلك وهو في كل وقت يظهر من عجائب الآيات وفنون الكرامات ما يطول وصفه ويخبرهم بما كان وما يكون ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويشرع الشريعة شيئا بعد شيء حتى أكمل الله دينه الذي بعثه به وجاءت شريعته أكمل شريعة لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف الا أمر به ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه لم (6/71)
يأمر بشيء فقيل ليته لم يأمر به ولا نهى عن شيء فقيل ليته لم ينه عنه وأحل لهم الطيبات لم يحرم منها شيئا كما حرم في شريعة غيره وحرم الخبائث لم يحل منها شيئا كما استحل غيره وجمع محاسن ما عليه الأمم فلا يذكر في التوراة والانجيل والزبور نوع من الخبر عن الله وعن الملائكة وعن اليوم الآخر الا وقد جاء به على أكمل وجه وأخبر بأشياء ليست في الكتب وليس في الكتب إيجاب لعدل وقضاء بفضل وندب إلى الفضائل وترغيب في الحسنات إلا وقد جاء به وبما هو أحسن منه وإذا نظر اللبيب في العبادات التي شرعها وعبادات غيره من الأمم ظهر له فضلها ورجحانها وكذلك في الحدود والأحكام وسائر الشرائع وأمته أكمل الأمم في كل فضيلة وإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم وإن قيس دينهم وعبادتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل الله وصبرهم على المكاره في ذات الله ظهر أنهم أعظم جهادا وأشجع قلوبا وإذا قيس سخاؤهم وبرهم وسماحة أنفسهم بغيرهم ظهر أنهم أسخى وأكرم من غيرهم وهذه الفضائل به نالوها ومنه تعلموها وهو الذي أمرهم بها لم يكونوا قبل متبعين لكتاب جاء هو بتكميله كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة فكانت فضائل أتباع المسيح وعلومهم بعضها من التوراة وبعضها من الزبور وبعضها من النبوات وبعضها من المسيح وبعضها ممن بعده من الحواريين ومن بعض الحواريين وقد استعانوا بكلام الفلاسفة وغيرهم حتى أدخلوا لما غيروا [ من ] دين المسيح في دين المسيح أمورا من أمور الكفار المناقضة لدين المسيح وأما أمة محمد صلى الله عليه و سلم فلم يكونوا قبله يقرؤن كتابا بل عامتهم ما آمنوا بموسى وعيسى وداود والتوراة والانجيل والزبور إلا من جهته وهو الذي أمرهم أن يؤمنوا بجميع الأنبياء ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند الله ونهاهم عن أن يفرقوا بين أحد من الرسل فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فانما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم وقال تعالى آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ألآية وأمته عليه السلام لا يستحلون أن يوجدوا شيئا من الدين غير ما جاء به ولا يبتدعون بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ولا يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله لكن ماقصه عليهم من أخبار الأنبياء وأممهم اعتبروا به وما (6/72)
حدثهم أهل الكتاب موافقا لما عندهم صدقوه ومالم يعلم صدقه ولا كذبه أمسكوا عنه وما عرفوا بأنه باطل كذبوه ومن أدخل في الدين ما ليس منه من أقوال متفلسفة الهند والفرس واليونان أو غيرهم كان عندهم من أهل الالحاد والابتداع وهذا هو الدين الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم والتابعون وهو الذي عليه أئمة الدين الذين لهم في الأمة لسان صدق وعليه جماعة المسلمين وعامتهم ومن خرج عن ذلك كان مذموما مدحورا عند الجماعة وهو مذهب أهل السنة والجماعة الظاهرين إلى قيام الساعة الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم
لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة وقد يتنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الأصل الذي هو دين الرسل عموما ودين محمد صلى الله عليه و سلم خصوصا ومن خالف في هذا الأصل كان عندهم ملحدا مذموما ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينا ما قام به أكابر علمائهم وعبادهم وقاتل عليه ملوكهم ودان به جمهورهم وهو دين مبتدع ليس هو دين المسيح ولا دين غيره من الأنبياء والله سبحانه أرسل رسله بالعلم النافع والعمل الصالح فمن اتبع الرسل له سعادة الدنيا والآخرة وإنما دخل في البدع من قصر في اتباع الأنبياء علما وعملا ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم بالهدى ودين الحق تلقى ذلك عنه المسلمون [ من أمته ] فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد أخذوه عن نبيهم كما ظهر لكل عاقل أن أمته أكمل الأمم في جميع الفضائل العلمية والعملية ومعلوم أن كل كمال في الفرع المتعلم هو في الأصل المعلم وهذا يقتضي أنه عليه السلام كان أكمل الناس علما ودينا وهذه الأمور توجب العلم الضروري بأنه كان صادقا في قوله
إني رسول الله إليكم جميعا لم يكن كاذبا مفتريا فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو من خيار الناس وأكملهم إن كان صادقا أو من هو من أشرو الناس وأخبثهم إن كان كاذبا وما ذكر من كمال علمه ودينة يناقض الشر والخبث والجهل فتعين أنه متصف بغاية الكمال في العلم والدين وهذا يستلزم أنه كان صادقا في قوله إنى رسول الله إليكم جمعيا لأن الذي لم يكن صادقا إما أن يكون متعمدا للكذب أو مخطئا والأول يوجب أنه كان ظالما غاويا والثاني يقتصي أنه كان جاهلا ضالا ومحمد صلى الله عليه و سلم كان علمه ينافي جهله وكمال دينه ينافي تعمد الكذب فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن يتعمد الكذب ولم يكن جاهلايكذب بلا علم وإذا انتفى هذا وذاك تعين أنه كان صادقا عالما بأنه صادق ولهذا نزهه الله عن هذين الأمرين بقوله تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وقال تعالى عن الملك الذي جاء به إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ثم قال عنه وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين (6/73)
وقال تعالى وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين إلى قوله هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون بين سبحانه أن الشيطان إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه فان الشيطان يقصد الشر وهو الكذب والفجور ولا يقصد الصدق والعدل فلا يقترن إلا بمن فيه كذب إما عمدا وإما خطأ وفجورا أيضا فان الخطأ في الدين هو من الشيطان أيضا كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة أقول فيها برأي فان يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه فان رسول الله بريء من تنزل الشياطين عليه في العمد والخطأ بخلاف غير الرسول فإنه قد يخطئ ويكون خطؤه من الشيطان وإن كان خطؤه مغفورا له فاذا لم يعرف له خبرا أخبر به كان فيه مخطئا ولا أمرا أمر به كان فيه فاجرا علم أن الشيطان لم ينزل عليه وإنما ينزل عليه ملك كريم ولهذا قال في الآية الأخرى عن النبي إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين انتهى ما ذكره وهذا عين ما أورده بحروفه
باب دلائل النبوة الحسية
ومن أعظم ذلك كله انشقاق القمر المنير فرقتين قال الله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغني النذر وقد اتفق العلماء مع بقية الأئمة على أن انشقاق القمر كان في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد وردت الأحاديث بذلك من طرق تفيد القطع عند الأمة
رواية أنس بن مالك قال الامام أحمد حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن أنس قال سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه و سلم آية فانشق القمر بمكة فرقتين فقال اقتربت الساعة وانشق القمر ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وقال البخاري حدثني عبد الله بن عبد الوهاب ثنا بشر بن المفضل ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما وأخرجاه في الصحيحين من حديث شيبان عن قتادة ومسلم من حديث شعبة عن قتادة
رواية جبير بن مطعم
قال أحمد حدثنا محمد بن كثير ثنا سليمان بن بكير عن حصين بن عبد الرحمن عن محمد (6/74)
ابن جبير بن مطعم عن أبيه قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فصار فرقتين فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل فقالوا سحرنا محمد فقالوا إن كان سحرنا فانه لا يستطيع أن يسحر الناس تفرد به أحمد ورواية ابن جرير والبيهقي من طرق عن حصين بن عبد الرحمن به
رواية حذيفة بن اليمان
قال أبو جعفر بن جرير حدثني يعقوب حدثني ابن علية أنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ فجاءت الجمعة فحضر أبي وحضرت معه فخطبنا حذيفة فقال إن الله تعالى يقول اقتربت الساعة وانشق القمر إلا وإن الساعة قد اقتربت ألا وإن القمر قد انشق ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق فقلت لأبي أتستبق الناس غدا فقال يا بني إنك لجاهل إنما هو السباق بالأعمال ثم جاءت الجمعة الأخرى فحضرها فخطب حذيفة فقال ألا إن الله يقول اقتربت الساعة وانشق القمر ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق [ ورواه أبو زرعة الرازي في كتاب دلائل النبوة من غير وجه عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن حذيفة فذكر نحوه وقال ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ] ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ألا وإن الغاية النار والسابق من سبق الى الجنة
رواية عبد الله بن عباس
قال البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا بكر عن جعفر عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه و سلم ورواه البخاري أيضا ومسلم من حديث بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة به
طريق أخرى عنه قال ابن جرير ثنا ابن مثنى ثنا عبد الأعلى ثنا داود بن أبي هند عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر قال قد مضى ذلك كان قبل الهجرة انشق القمر حتى رأوا شقيه وروى العوفي عن ابن عباس نحوا من هذا وقد روى من وجه آخر عن ابن عباس فقال أبو القاسم الطبراني ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا محمد بن يحيى القطيعي ثنا محمد بن بكير ثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا سحر القمر فنزلت اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر (6/75)
وهذا سياق غريب وقد يكون حصل للقمر مع انشقاقه كسوف فيدل على أن انشقاقه إنما كان في ليالي إبداره والله أعلم
رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب
قال الحافظ أبو بكر البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس الأصم ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا وهب بن جرير عن شعبة عن الأعمش [ عن مجاهد ] عن عبد الله بن عمر [ بن الخطاب ] في قوله اقتربت الساعة وانشق القمر قال وقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم انشق فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة من خلف الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم اشهد وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد قال مسلم كرواية مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود وقال الترمذي حسن صحيح
رواية عبد الله بن مسعود
قال الامام أحمد ثنا سفيان عن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم شقتين حتى نظروا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اشهدوا ورواه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة وأخرجاه من حديث الأعمش عن ابراهيم عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود به قال البخاري وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله بمكة وهذا الذي علقه البخاري قد اسنده أبو داود الطيالسي في مسنده فقال حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى عن مسروق بن عبد الله بن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت قريش هذا سحر ابن أبي كبشة قال فقالوا انظروا ما يأتينا به السفار فان محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال فجاء السفار فقالوا ذلك وروى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن ابن عباس الدوري عن سعيد بن سليمان عن هشام عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين فقالت كفار قريش أهل مكة هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة أنظروا المسافرين فان كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم به قال فسئل السفار وقدموا من كل وجه فقالوا رأيناه ورواه ابن جرير من حديث المغيرة وزاد فأنزل الله اقتربت الساعة وانشق القمر وقال الامام أحمد حدثنا مؤمل عن إسرائيل عن سماك عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى رأيت الجبل بين فرقتي القمر وروى ابن جرير عن يعقوب الدوري عن ابن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن ابن مسعود كان يقول لقد انشق القمر ففي صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه كان يقول خمس قد مضين الروم واللزام والبطشة والدخان (6/76)
والقمر في حديث طويل عنه مذكور في تفسير سورة الدخان [ وقال أبو زرعة في الدلائل حدثنا عبد الرحمن بن ابراهيم الدمشقي حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن ابن بكير قال انشق القمر بمكة والنبي صلى الله عليه و سلم قبل الهجرة فخر شقتين فقال المشركون سحره ابن أبي كبشة وهذا مرسل من هذا الوجه ] فهذه طرق عن هؤلاء الجماعة من الصحابة وشهرة هذا الأمر تغني عن إسناده مع وروده في الكتاب العزيز وما يذكره بعض القصاص من أن القمر دخل في جيب النبي صلى الله عليه و سلم وخرج من كمه ونحو هذا الكلام فليس له أصل يعتمد عليه والقمر في حال انشقاقه لم يزايل السماء بل انفرق باثنتين وسارت إحداهما حتى صارت وراء جبل حراء والأخرى من الناحية الأخرى وصار الجبل بينهما وكلتا الفرقتين في السماء وأهل مكة ينظرون إلى ذلك وظن كثير من جهلتهم أن هذا شيء سحرت به أبصارهم فسألوا من قدم عليهم من المسافرين فأخبروهم بنظير ما شاهدوه فعلموا صحة ذلك وتيقنوه فان قيل فلم لم يعرف هذا في جميع أقطار الأرض فالجواب ومن ينفي ذلك ولكن تطاول العهد والكفرة يجحدون بآيات الله ولعلهم لما أخبروا أن هذا كان آية لهذا النبي المبعوث تداعت آراؤهم الفاسدة على كتمانه وتناسيه على أنه قد ذكر غير واحد من المسافرين أنهم شاهدوا هيكلا بالهند مكتوبا عليه أنه بني في الليلة التي انشق القمر فيها ثم لما كان انشقاق القمر ليلا قد يخفى أمره على كثير من الناس لأمور مانعة من مشاهدته في تلك الساعة من غيوم متراكمة كانت تلك الليلة في بلدانهم ولنوم كثير منهم أو لعله كان في أثناء الليل حيث ينام كثير من الناس وغير ذلك من الأمور والله أعلم وقد حررنا هذا فيما تقدم في كتابنا التفسير
فأما حديث رد الشمس بعد مغيبها فقد أنبأني شيخنا المسند الرحلة بهاء الدين القاسم بن المظقر ابن تاج الأمناء بن عساكر [ إذنا و ] قال أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عساكر المشهور بالنسابة قال أخبرنا أبو المظفر بن القشيري وأبو القاسم المستملي قالا ثنا أبو عثمان المحبر أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن الدبابعانى ! بها أنا محمد بن أحمد بن محبوب وفي حديث ابن القشيري ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا سعيد بن مسعود ح قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر وأنا أبو الفتح الماهاني أنا شجاع بن علي أنا أبو عبد الله بن منده أنا عثمان بن أحمد الننسي انا أبو أمية محمد بن إبراهيم قال حدثنا عبيد الله بن موسى ثنا فضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن زاد أبو أمية بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن اسماء بنت عميس قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صليت العصر وقال أبو امية صليت يا علي قال لا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال أبو أمية (6/77)
فقال النبي صلى الله عليه و سلم اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيك وقال أبو أمية رسولك فاردد عليه الشمس قالت أسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت وقد رواه الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات من طريق أبي عبد الله بن منده كما تقدم ومن طريق أبي جعفر العقيلي ثنا أحمد بن داود ثنا عمار بن مطر ثنا فضيل بن مرزوق فذكره ثم قال وهذا حديث موضوع وقد اضطرب الرواة فيه فرواه سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن الحسن عن فاطمة بنت علي عن اسماء وهذا تخليط في الرواية قال وأحمد بن داود ليس بشيء قال الدارقطني متروك كذاب وقال ابن حبان كان يضع الحديث وعمار بن مطر قال فيه العقيلي كان يحدث عن الثقات بالمناكير وقال ابن عدي متروك الحديث قال وفضيل بن مرزوق قد ضعفه يحيى قال ابن حبان يروى الموضوعات ويخطئ عن الثقات وبه قال الحافظ ابن عساكر قال وأخبرنا أبو محمد عن طاوس أنا عاصم بن الحسن أنا أبو عمرو بن مهدي أنا أبو العباس بن عقدة ثنا أحمد بن يحيى الصوفي حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن عروة بن عبد الله بن قشير قال دخلت على فاطمة بنت علي فرأيت في عنقها خرزة ورأيت في يديها مسكيتن غليظتين وهي عجوز كبيرة فقلت لها ما هذا فقالت إنه يكره للمرأة أن تتشبه بالرجال ثم حدثتني أن أسماء بنت عميس حدثتها أن علي بن أبي طالب دفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقد أوحي إليه فجلله بثوبه فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس يقول غابت أو كادت أن تغيب ثم إن نبي الله صلى الله عليه و سلم سري عنه فقال أصليت يا علي قال لا فقال النبي صلى الله عليه و سلم اللهم رد على علي الشمس فرجعت حتى بلغت نصف المسجد قال عبد الرحمن وقال أبي حدثني موسى الجهني نحوه ثم قال الحافظ ابن عساكر هذا حديث منكر وفيه غير واحد من المجاهيل وقال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات وقد روى ابن شاهين هذا الحديث عن ابن عقدة فذكره ثم قال وهذا باطل والمتهم به ابن عقدة فإنه كان رافضيا يحدث بمثالب الصحابة قال الخطيب ثنا علي بن محمد بن نصر سمعت حمزة بن يوسف يقول كان ابن عقدة بجامع براثا يملي مثالب الصحابة أو قال الشيخين فتركته وقال الدارقطني كان ابن عقدة رجل سوء وقال ابن عدي سمعت أبا بكر بن ابي غالب يقول ابن عقدة لا يتدين بالحديث لأنه كان يحمل شيوخا بالكوفة على الكذب فيسوي لهم نسخا ويأمرهم أن يرووها وقد بينا كذبه من عند شيخ بالكوفة وقال الحافظ أبو بشر الدولابي في كتابه الذرية الطاهرة حدثنا إسحاق بن يونس ثنا سويد بن سعيد ثنا المطلب بن زياد عن إبراهيم بن حبان عن عبد الله بن حسن عن فاطمة بنت الحسين عن الحسين (6/78)
قال كان رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجر علي وهو يوحى إليه فذكر الحديث بنحو ما تقدم إبراهيم ابن حبان هذا تركه الدارقطني وغيره وقال محمد بن ناصر البغدادي الحافظ هذا الحديث موضوع قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي وصدق ابن ناصر وقال ابن الجوزي وقد رواه ابن مردويه من طريق حديث داود بن واهج عن أبي هريرة قال نام رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأسه في حجر علي ولم يكن صلى العصر حتى غربت الشمس فلما قام رسول الله دعا له فردت عليه الشمس حتى صلى ثم غابت ثانية ثم قال وداود ضعفه شعبة ثم قال ابن الجوزي ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضله ولم يتلمح عدم الفائدة فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس صارت قضاء فرجوع الشمس لا يعيدها أداء وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الشمس لم تحبس على أحد إلا ليوشع قلت هذا الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه فلا تخلو واحدة منها عن شيعي ومجهول الحال وشيعي ومتروك ومثل هذا الحديث لا يقبل فيه خبر واحد إذا اتصل سنده لأنه من باب ما تتوفر الدواعي على نقله فلا بد من نقله بالتواتر والاستفاضة لا أقل من ذلك ونحن لا ننكر هذا في قدرة الله تعالى وبالنسبة إلى جناب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد ثبت في الصحيح أنها ردت ليوشع بن نون وذلك يوم حاصر بيت المقدس واتفق ذلك في آخر يوم الجمعة وكانوا لا يقاتلون يوم السبت فنظر إلى الشمس وقد تنصفت للغروب فقال إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي فحبسها الله عليه حتى فتحوها ورسول الله صلى الله عليه و سلم أعظم جاها وأجل منصبا وأعلى قدرا من يوشع بن نون بل من سائر الأنبياء على الاطلاق ولكن لا نقول إلا ما صح عندنا [ عنه ] ولا نسند إليه ما ليس بصحيح ولو صح لكنا من أول القائلين به والمعتقدين له وبالله المستعان وقال الحافظ أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري في كتابه إثبات إمامة أبي بكر الصديق فان قال قائل من الروافض إن أفضل فضيلة لابي الحسن وأدل [ دليل ] على إمامته ما روى عن أسماء بنت عميس قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي بن أبي طالب فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي صليت قال لا فقال رسول الله اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت أسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت قيل له كيف لنا لو صح هذا الحديث فنحتج على مخالفينا من اليهود والنصارى ولكن الحديث ضعيف جدا لا أصل له وهذا مما كسبت أيدي الروافض ولو ردت الشمس بعد ما غربت لرآها المؤمن والكافر ونقلوا إلينا أن في يوم كذا من شهر كذا في سنة كذا ردت الشمس بعد ما غربت ثم يقال للروافض أيجوز أن ترد الشمس لأبي الحسن حين فاتته صلاة العصر ولا ترد لرسول الله ولجميع المهاجرين (6/79)
والأنصار وعلي فيهم حين فاتتهم صلاة الظهر والعصر والمغرب يوم الخندق قال وأيضا مرة أخرى عرس رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمهاجرين والأنصار حين قفل من غزوة خيبر فذكر نومهم عن صلاة الصبح وصلاتهم لها بعد طلوع الشمس قال فلم يرد الليل على رسول الله وعلى أصحابه قال ولو كان هذا فضلا أعطيه رسول الله وما كان الله ليمنع رسوله شرفا وفضلا يعني أعطيه علي بن أبي طالب ثم قال وقال ابراهيم بن يعقوب الجوزجاني قلت لمحمد بن عبيد الطنافسي ما تقول فيمن يقول رجعت الشمس على علي بن أبي طالب حتى صلى العصر فقال من قال هذا فقد كذب وقال ابراهيم ابن يعقوب سألت يعلى بن عبيد الطنافسي قلت إن ناسا عندنا يقولون إن عليا وصى رسول الله صلى الله عليه و سلم ورجعت الشمس فقال كذب هذا كله فصل
إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني يصنف فيه تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس
وقال قد روى ذلك من طريق أسماء بنت عميس وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري ثم رواه من طريق أحمد بن صالح المصري وأحمد بن الوليد الأنطاكي والحسن بن داود ثلاثتهم عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك وهو ثقة أخبرني محمد بن موسى الفطري المدني وهو ثقة أيضا عن عون بن محمد قال وهو ابن محمد بن الحنفية عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب عن جدتها أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بالصهباء من أرض خيبر ثم أرسل عليا في حاجة فجاء وقد صلى رسول الله العصر فوضع رأسه في حجر علي ولم يحركه حتى غابت غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه فرد عليه شرقها قالت أسماء فطلعت الشمس حتى رفعت على الجبال فقام علي فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس وهذا الإسناد فيه من يجهل حاله فإن عونا هذا وأمه لا يعرف أمرهما بعدالة وضبط يقبل بسببهما خبرهما فيما دون هذا المقام فكيف يثبت بخبرهما هذا الأمر العظيم الذي لم يروه أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن ولا المسانيد المشهورة فالله أعلم ولا ندري أسمعت أم هذا من جدتها أسماء بنت عميس أم لا ثم أورده هذا النص من طريق الحسين بن الحسن الأشقر وهو شيعي جلد وضعفه غير واحد عن الفضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسين بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين الشهيد عن أسماء بنت عميس فذكر الحديث قال وقد رواه عن فضيل بن مرزوق جماعة منهم عبيد الله بن موسى ثم أورده من طريق أبي جعفر الطحاوي من طريق عبد الله وقد قدمنا روايتنا له من حديث سعيد بن مسعود (6/80)
وأبي أمية الطرسوسي عن عبيد الله بن موسى العبسي وهو من الشيعة ثم أورده هذا النص من طريق أبي جعفر العقيلي عن أحمد بن داود عن عمار بن مطر عن فضيل بن مرزوق والأغر الرقاشي ويقال الرواسي أبو عبد الرحمن الكوفي مولى بني عنزة وثقه الثوري وابن عيينة وقال أحمد لا أعلم إلا خيرا وقال ابن معين ثقة وقال مرة صالح ولكنه شديد التشيع وقال مرة لا بأس به وقال أبو حاتم صدوق صالح الحديث يهم كثيرا يكتب حديثه ولا يحتج به وقال عثمان بن سعيد الدارمي يقال أنه ضعيف وقال النسائي ضعيف وقال ابن عدي أرجو أن لا بأس به وقال ابن حبان منكر الحديث جدا كان يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات وقد روى له مسلم وأهل السنن الأربعة فمن هذه ترجمته لا يتهم بتعمد الكذب ولكنه قد يتساهل ولا سيما فيما يوافق مذهبه فيروي عمن لا يعرفه أو يحسن به الظن فيدلس حديثه ويسقطه ويذكر شيخه ولهذا قال في هذا الحديث الذي يجب الاحتراز فيه وتوقي الكذب فيه عن بصيغة التدليس ولم يأت بصيغة التحديث فلعل بينهما من يجهل أمره على أن شيخه هذا ابراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ليس بذلك المشهور في حاله ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب المعتمدة ولا روي عنه غير الفضيل ابن مرزوق هذا ويحيى بن المتوكل قاله أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان ولم يتعرضا لجرح ولا تعديل وأما فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وهي أخت زين العابدين فحديثها مشهور روى لها أهل السنن الأربعة وكانت فيمن قدم بها مع أهل البيت بعد مقتل أبيها إلى دمشق وهي من الثقات ولكن لا يدرى أسمعت هذا الحديث من أسماء أم لا فالله أعلم ثم رواه هذا المصنف من حديث أبي حفص الكناني ثنا محمد بن عمر القاضي هو الجعابي حدثني محمد بن القاسم بن جعفر العسكري من أصل كتابه ثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم ثنا خلف بن سالم ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان الثوري [ عن أشعث أبي الشعثاء عن أمه عن فاطمة يعني بنت الحسين ] عن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس وهذا إسناد غريب جدا وحديث عبد الرزاق وشيخه الثوري محفوظ عند الأئمة لا يكاد يترك منه شيء من المهمات فكيف لم يرو عن عبد الرزاق مثل هذا الحديث العظيم الا خلف بن سالم بما قبله من الرجال الذين لا يعرف حالهم في الضبط والعدالة كغيرهم ثم إن أم أشعث مجهولة فالله أعلم ثم ساقه هذا النص من طريق محمد بن مرزوق ثنا حسين الأشقر وهو شيعي وضعيف كما تقدم عن علي بن هاشم بن الثريد وقد قال فيه ابن حبان كان غاليا في التشيع يروى المناكير عن المشاهير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن الحسين بن الحسن عن فاطمة بنت علي عن أسماء بنت عميس فذكره وهذا إسناد لا يثبت ثم أسنده من طريق عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن عروة بن عبد الله (6/81)
عن فاطمة بنت علي عن أسماء بنت عميس فذكر الحديث كما قدمنا إيراده من طريق ابن عقدة عن أحمد بن يحيى الصوفي عن عبد الرحمن بن شريك عن عبد الله النخعي وقد روى عنه البخاري في كتاب الأدب وحدث عنه جماعة من الأئمة وقال فيه أبو حاتم الرازي كان واهي الحديث وذكره ابن حبان في كتاب الثقات و [ قال ] ربما أخطأ وأرخ ابن عقدة وفاته سنة سبع وعشرين ومائتين وقد قدمنا أن الشيخ أبا الفرج بن الجوزي قال إنما أتهم بوضعه أبا العباس بن عقدة ثم أورد كلام الأئمة فيه بالطعن والجرح وأنه كان يسوي النسخ للمشايخ فيرويهم إياها والله أعلم قلت في سياق هذا الاسناد عن أسماء أن الشمس رجعت حتى بلغت نصف المسجد وهذا يناقض ما تقدم من أن ذلك كان بالصهباء من أرض خيبر ومثل هذا يوجب توهين الحديث وضعفه والقدح فيه ثم سرده من حديث محمد بن عمر القاضي الجعابي ثنا علي بن العباس بن الوليد ثنا عبادة بن يعقوب الرواجي ثنا علي بن هاشم عن صباح عن عبد الله بن الحسن أبي جعفر عن حسين المقتول عن فاطمة عن أسماء بنت عميس قالت لما كان يوم شغل علي لمكانه من قسم المغنم حتى غربت الشمس أو كادت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما صليت قال لا فدعا الله فارتفعت الشمس حتى توسطت السماء فصلى علي فلما غربت الشمس سمعت لها صريرا كصرير الميشار في الحديد وهذا أيضا سياق مخالف لما تقدم من وجوه كثيرة مع أن إسناده مظلم جدا فان صباحا هذا لا يعرف وكيف يروي الحسين بن علي المقتول شهيدا عن واحد عن واحد عن أسماء بنت عميس هذا تخبيط اسنادا ومتنا ففي هذا أن عليا شغل بمجرد قسم الغنيمة وهذا لم يقله أحد ولا ذهب إلى جواز ترك الصلاة لذلك ذاهب وإن كان قد جوز بعض العلماء تأخير الصلاة عن وقتها لعذر القتال كما حكاه البخاري عن مكحول والأوزاعي وأنس بن مالك في جماعة من أصحابه واحتج لهم البخاري بقصة تأخير الصلاة يوم الخندق وأمره عليه السلام أن لا يصلي أحد منهم العصر الا في بني قريظة وذهب جماعة من العلماء إلى أن هذا نسخ بصلاة الخوف والمقصود أنه لم يقل أحد من العلماء إنه يجوز تأخير الصلاة بعذر قسم الغنيمة حتى يسند هذا إلى صنيع علي رضي الله عنه وهو الراوي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الوسطى هي العصر فان كان [ هذا ] ثابتا على ما رواه هؤلاء الجماعة وكان علي متعمدا لتأخير الصلاة لعذر قسم الغنيمة وأقره عليه الشارع صار هذا وحده دليلا على جواز ذلك ويكون أقطع في الحجة مما ذكره البخاري لأن هذا بعد مشروعية صلاة الخوف قطعا لأنه كان بخيبر سنة سبع وصلاة الخوف شرعت قبل ذلك وإن كان علي ناسيا حتى ترك الصلاة إلى الغروب فهو معذور فلا يحتاج إلى رد الشمس بل وقتها بعد الغروب والحالة هذه إذن كما ورد به الحديث والله أعلم وهذا (6/82)
كله مما يدل على ضعف هذا الحديث ثم إن جعلناه قضية أخرى وواقعة غير ما تقدم فقد تعدد رد الشمس غير مرة ومع هذا لم ينقله أحد من أئمة العلماء ولا رواه أهل الكتب المشهورة وتفرد بهذه الفائدة هؤلاء الرواة الذين لا يخلو إسناد منها عن مجهول ومتروك ومتهم والله أعلم ثم أورد هذا النص من طريق أبي العباس بن عقدة حدثنا يحيى بن زكريا ثنا يعقوب بن سعيد ثنا عمرو ابن ثابت قال سألت عبد الله بن حسن بن حسين بن علي [ بن أبي طالب ] عن حديث رد الشمس على علي بن أبي طالب هل يثبت عندكم فقال لي ما أنزل الله في كتابه أعظم من رد الشمس قلت صدقت ( جعلني الله فداك ) ولكني أحب أن أسمعه منك فقال حدثني أبي الحسن عن أسماء بنت عميس أنها قالت أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فوافق رسول الله صلى الله عليه و سلم قد انصرف ونزل عليه الوحي فأسنده الى صدره [ فلم يزل مسنده إلى صدره ] حتى أفاق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أصليت العصر يا علي قال جئت والوحي ينزل عليك فلم أزل مسندك الى صدري حتى الساعة فاستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم القبلة وقد غربت الشمس وقال اللهم إن عليا كان في طاعتك فارددها عليه قالت أسماء فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحى حتى كانت في موضعها وقت العصر فقام علي متمكنا فصلى فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى اختلط الظلام وبدت النجوم وهذا منكر أيضا إسنادا ومتنا وهو مناقض لما قبله من السياقات وعمرو بن ثابت هذا هو المتهم بوضع هذا الحديث أو سرقته من غيره وهو عمرو بن ثابت بن هرمز البكري الكوفي مولى بكر بن وائل ويعرف بعمرو بن المقدام الحداد روى عن غير واحد من التابعين وحدث عنه جماعة منهم سعيد بن منصور وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان قال تركه عبد الله بن المبارك وقال لا تحدثوا عنه فانه كان يسب السلف ولما مرت به جنازته توارى عنها وكذلك تركه عبد الرحمن بن مهدي وقال أبو معين والنسائي ليس بثقة ولا مأمون ولا يكتب حديثه وقال مرة أخرى هو وأبو زرعة وأبو حاتم كان ضعيفا زاد أبو حاتم وكان رديء الرأي شديد التشيع لا يكتب حديثه وقال البخاري ليس بالقوي عندهم وقال أبو داود كان من شرار الناس كان رافضيا خبيثا رجل سوء قال هنا ولما مات لم أصل عليه لأنه قال لما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم كفر الناس إلا خمسة وجعل أبو داود يذمه وقال ابن حبان يروي الموضوعات [ عن الاثبات ] وقال ابن عدي والضعف على حديثه بين وأرخوا وفاته في سنة سبع وعشرين ومائة ولهذا قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية وكان عبد الله بن حسن وأبوه أجل قدرا من أن يحدثا بهذا الحديث قال هذا المصنف المنصف وأما حديث أبي هريرة فأخبرنا عقيل بن الحسن العسكري أنا أبو محمد صالح بن الفتح النسائي ثنا أحمد بن عمير بن حوصاء ثنا إبراهيم بن (6/83)
سعيد الجوهري ثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه ثنا داود بن فراهيج وعن عمارة بن برد وعن أبي هريرة فذكره وقال اختصرته من حديث طويل وهذا إسناد مظلم ويحيى ابن يزيد وأبوه وشيخه داود بن فراهيج كلهم مضعفون وهذا هو الذي أشار ابن الجوزي إلى أن ابن مردويه رواه من طريق داود ابن فراهيج عن أبي هريرة وضعف داود هذا شعبة والنسائي وغيرهما والذي يظهر أن هذا مفتعل من بعض الرواة أو قد دخل على أحدهم وهو لا يشعر ( والله أعلم ) قال وأما حديث أبي سعيد فأخبرنا محمد بن إسماعيل الجرجاني كتابة أن أبا طاهر محمد بن علي الواعظ أخبرهم أنا محمد بن أحمد بن متيم أنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب [ حدثني أبي عن أبيه محمد عن أبيه عبد الله عن أبيه عمر قال ] قال الحسين بن علي سمعت أبا سعيد الخدري يقول دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاذا رأسه في حجر علي وقد غابت الشمس فانتبه النبي صلى الله عليه و سلم وقال يا علي أصليت العصر قال لا يا رسول الله ما صليت كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع فقال رسول الله يا علي ادع يا علي أن ترد عليك الشمس فقال علي يا رسول الله ادع أنت وأنا أؤمن فقال يا رب إن عليا في طاعتك وطاعة نبيك فاردد عليه الشمس قال أبو سعيد فوالله لقد سمعت للشمس صريرا كصرير البكرة حتى رجعت بيضاء نقية وهذا إسناد مظلم أيضا ومتنه منكر ومخالف لما تقدمه من السياقات وكل هذا يدل على أنه موضوع مصنوع مفتعل يسرقه هؤلاء الرافضة بعضهم من بعض ولو كان له أصل من رواية أبي سعيد لتلقاه عنه كبار أصحابه كما أخرجا في الصحيحين من طريقه حديث قتال الخوارج وقصة المخدج وغير ذلك من فضائل علي قال وأما حديث أمير المؤمنين علي فأخبرنا أبو العباس الفرغاني أنا أبو الفضل الشيباني ثنا رجاء بن يحيى الساماني ثنا هارون بن سعدان بسامرا سنة أربعين ومائتين ثنا عبد الله بن عمرو بن الأشعث عن داود بن الكميت عن عمه المستهل بن زيد عن أبيه زيد بن سلهب عن جويرية بنت شهر قالت خرجت مع علي بن أبي طالب فقال يا جويرية إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يوحى إليه ورأسه في حجري فذكر الحديث وهذا الاسناد مظلم وأكثر رجاله لا يعرفون والذي يظهر والله أعلم أنه مركب مصنوع مما عملته أيدي الروافض قبحهم الله ولعن من كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعجل له ما توعده الشارع من العذاب والنكال حيث قال وهو الصادق في المقال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وكيف يدخل في عقل أحد من أهل العلم أن يكون هذا الحديث يرويه علي بن أبي طالب وفيه منقبة عظيمة له دلالة معجزة باهرة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لا يروى عنه إلا بهذا الإسناد المظلم المركب على رجال لا يعرفون وهل لهم وجود في الخارج أم لا الظاهر ( والله أعلم ) لا ثم هو عن امرأة مجهولة العين والحال فأين أصحاب علي الثقات كعبيدة (6/84)
السلماني وشريح القاضي وعامر الشعبي وأضرابهم ثم في ترك الأئمة كمالك وأصحاب الكتب الستة وأصحاب المسانيد والسنن والصحاح والحسان رواية هذا الحديث وإيداعه في كتبهم أكبر دليل على أنه لا أصل له عندهم وهو مفتعل مأفوك بعدهم وهذا أبو عبد الرحمن النسائي قد جمع كتابا في خصائص علي بن أبي طالب ولم يذكره وكذلك لم يروه الحاكم في مستدركه وكلاهما ينسب إلى شيء من التشيع ولا رواه من رواه من الناس المعتبرين إلا على سبيل الاستغراب والتعجب وكيف يقع مثل هذا نهارا جهرة وهو مما تتوفر الدواعي على نقله ثم لا يروى إلا من طرق ضعيفة منكرة وأكثرها مركبة موضوعة وأجود ما فيها ما قدمناه من طريق أحمد بن صالح المصري عن ابن أبي فديك عن محمد بن موسى الفطري عن عون بن محمد عن أمه أم جعفر عن أسماء على ما فيها من التعليل الذي أشرنا إليه فيما سلف وقد اغتر بذلك أحمد بن صالح رحمه الله ومال إلى صحته ورجح ثبوته قال الطحاوي في كتابه مشكل الحديث عن علي بن عبد الرحمن عن أحمد بن صالح المصري أنه كان يقول لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء في رد الشمس لأنه من علامات النبوة وهكذا مال إليه أبو جعفر الطحاوي أيضا فيما قيل ونقل أبو القاسم الحسكاني هذا عن أبي عبد الله البصري المتكلم المعتزلي أنه قال عود الشمس بعد مغيبها آكد حالا فيما يقتضي نقله لأنه وإن كان فضيلة لأمير المؤمنين فانه من أعلام النبوة وهو مقارن لغيره في فضائله في كثير من أعلام النبوة وحاصل هذا الكلام يقتضي أنه كان ينبغي أن ينقل هذا نقلا متواترا وهذا حق لو كان الحديث صحيحا ولكنه لم ينقل كذلك فدل على أنه ليس بصحيح في نفس الأمر والله أعلم قلت والأئمة في كل عصر ينكرون صحة هذا الحديث ويردونه ويبالغون في التشنيع على رواته كما قدمنا عن غير واحد من الحفاظ كمحمد ويعلى بن عبيد الطنافسيين وكإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني خطيب دمشق وكأبي بكر محمد بن حاتم البخاري المعروف بابن زنجويه وكالحافظ أبي القاسم بن عساكر والشيخ أبي الفرج ابن الجوزي وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين وممن صرح بأنه موضوع شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي والعلامة أبو العباس بن تيمية وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري قرأت على قاضي القضاة أبي الحسن محمد بن صالح الهاشمي ثنا عبد الله بن الحسين بن موسى ثنا عبد الله بن علي [ بن ] المديني قال سمعت أبي يقول خمسة أحاديث يروونها ولا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث لو صدق السائل ما أفلح من رده وحديث لا وجع إلا وجع العين ولا غم إلا غم الدين وحديث أن الشمس ردت على علي بن أبي طالب وحديث أنا أكرم على الله من أن يدعني تحت الأرض مائتي عام وحديث أفطر الحاجم والمحجوم إنهما كانا يغتابان والطحاوي رحمه الله وإن كان قد اشتبه عليه أمره فقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله انكاره والتهكم بمن رواه قال أبو العباس بن عقدة ثنا جعفر (6/85)
ابن محمد بن عمير ثنا سليمان بن عباد سمعت بشار بن دراع قال لقي أبو حنيفة محمد بن النعمان فقال عمن رويت حديث رد الشمس فقال عن غير الذي رويت عنه يا سارية الجبل فهذا أبو حنيفة رحمه الله وهو من الأئمة المعتبرين وهو كوفي لا يتهم على حب علي بن أبي طالب وتفصيله بما فضله الله به ورسوله وهو مع هذا منكر على راويه وقول محمد بن النعمان له ليس بجواب بل مجرد معارضة بما لا يجدي أي أنا رويت في فضل علي هذا الحديث وهو وإن كان مستغربا فهو في الغرابة نظير ما رويته أنت في فضل عمر بن الخطاب في قوله يا سارية الجبل وهذا ليس بصحيح من محمد ابن النعمان فان هذا ليس كهذا إسنادا ولا متنا وأين مكاشفة إمام ( قد شهد الشارع له بأنه محدث ) بأمر خير من رد الشمس طالعة بعد مغيبها الذي هو أكثر علامات الساعة والذي وقع ليوشع بن نون ليس ردا للشمس عليه بل حبست ساعة قبل غروبها بمعنى تباطأت في سيرها حتى أمكنهم الفتح والله تعالى أعلم وتقدم ما أورده هذا النص من طرق هذا الحديث عن علي وأبي هريرة وأبي سعيد وأسماء بنت عميس وقد وقع في كتاب أبي بشر الدولابي في الذرية الطاهرة من حديث الحسين بن علي والظاهر أنه عنه عن أبي سعيد الخدري كما تقدم والله أعلم وقد قال شيخ الرافضة جمال الدين يوسف بن الحسن الملقب بابن المطهر الحلي في كتابه في الأمامة الذي رد عليه فيه شيخنا [ العلامة ] أبو العباس ابن تيمية قال ابن المطهر التاسع من رجوع الشمس مرتين احداهما في زمن النبي صلى الله عليه و سلم والثانية بعده أما الأولى فروى جابر وأبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل عليه جبريل يوما يناجيه من عنده الله فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المؤمنين فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس فصلى علي العصر بالايماء فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له سل الله أن يرد عليك الشمس فتصلي قائما فدعا فردت الشمس فصلى العصر قائما وأما الثانية فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من الصحابة بدوابهم وصلى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر وفات كثير منهم فتكلموا في ذلك فسأل الله رد الشمس فردت قال وقد نظمه الحميري فقال ... ردت عليه الشمس لما فاته ... وقت الصلاة وقد دنت للمغرب ... حتى تبلح نورها في وقتها ... للعصر ثم هوت هوى الكوكب ... وعليه قد ردت ببابل مرة ... أخرى وما ردت لخلق مقرب ...
قال شيخنا أبو العباس [ ابن تيمية ] رحمه الله فضل علي وولايته وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد بطرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني لا يحتاج معها إلى مالا يعلم صدقه أو يعلم أنه كذب وحديث رد الشمس قد ذكره طائفة كأبي جعفر الطحاوي والقاضي عياض وغيرهما وعدوا ذلك من معجزات رسول (6/86)
الله صلى الله عليه و سلم لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع ثم أورد طرقه واحدة [ واحدة ] كما قدمنا وناقش أبا القاسم الحسكاني فيما تقدم وقد أوردنا كل ذلك وزدنا عليه ونقصنا منه والله الموفق واعتذر عن أحمد بن صالح المصري في تصحيحه [ هذا الحديث ] بأنه اغتر بسنده وعن الطحاوي بأنه لم يكن عنده نقل جيد للأسانيد كجهابذة الحفاظ وقال في عيون كلامه والذي يقطع به أنه كذب مفتعل قلت وإيراد ابن المطهر لهذا الحديث من طريق جابر غريب ولكن لم يسنده وفي سياقه ما يقتضي أن عليا [ هو الذي ] دعا برد الشمس في الأولى والثانية وأما إيراده لقصة بابل فليس لها إسناد وأظنه ( والله أعلم ) من وضع الزنادقة من الشيعة ونحوهم فان رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه يوم الخندق قد غربت عليهم الشمس ولم يكونوا صلوا العصر بل قاموا إلى بطحان وهو واد هناك فتوضئوا وصلوا العصر بعد ما غربت الشمس وكان علي أيضا فيهم ولم ترد لهم وكذلك كثير من الصحابة الذين ساروا إلى بني قريظة فاتتهم العصر يومئذ حتى غربت الشمس ولم ترد لهم وكذلك لما نام رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس صلوها بعد ارتفاع النهار ولم يرد لهم الليل فما كان الله عز و جل ليعطي عليا وأصحابه شيئا من الفضائل لم يعطها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وأما نظم الحميري فليس فيه حجة بل هو كهذيان ابن المطهر هذا لا يعلم ما يقول من النثر وهذا لا يدري صحة ما ينظم بل كلاهما كما قال الشاعر ... إن كنت أدري فعلى بدنه ... من كثرة التخليط أني من أنه ...
والمشهور عن علي في أرض بابل ما رواه أبو داود رحمه الله في سننه عن علي أنه مر بأرض بابل وقد حانت صلاة العصر فلم يصل حتى جاوزها وقال نهاني خليلي صلى الله عليه و سلم أن أصلي بأرض بابل فانها ملعونة وقد قال أبو محمد بن حزم في كتابه الملل والنحل مبطلا لرد الشمس على علي بعد كلام ذكره رادا على من ادعى باطلا من الأمر فقال ولا فرق بين من ادعى شيئا مما ذكرنا لفاضل وبين دعوى الرافضة رد الشمس على علي بن أبي طالب مرتين حتى ادعى بعضهم أن حبيب بن أوس قال ... فردت علينا الشمس والليل راغم ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع ... نضا ضوءها صبغ الدجنة وانطوى ... لبهجتها نور السماء المرجع ... فوالله ما أدري علي بدا لنا فردت ... له أم كان في القوم يوشع ...
هكذا أورده ابن حزم في كتابه وهذا الشعر تظهر عليه الركة والتركيب وأنه مصنوع والله أعلم
ومما يتعلق بالآيات السماوية في باب دلائل النبوة استسقاؤه عليه السلام ربه [ عز و جل ] لأمته حين تأخر المطر فأجابه إلى سؤاله سريعا بحيث لم ينزل عن منبره إلا والمطر يتحادر على لحيته (6/87)
عليه السلام وكذلك استصحاؤه قال البخاري ثنا عمرو بن علي ثنا أبو قتيبة ثنا عبد الرحمن ابن عبد الله بن دينار عن أبيه قال سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب ... وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل ...
قال البخاري وقال أبو عقيل الثقفي عن عمرو بن حمزة ثنا سالم عن أبيه ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب ... وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل ...
وهو قول أبي طالب تفرد به البخاري وهذ الذي علقه قد أسنده ابن ماجه في سننه فرواه عن أحمد بن الأزهر عن أبي النضر عن أبي عقيل عن عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه وقال البخاري ثنا محمد هو ابن سلام ثنا أبو ضمرة ثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يذكر أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم قائما فقال يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل فادع الله لنا يغيثنا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه فقال اللهم اسقنا اللهم اسقنا [ اللهم اسقنا ] قال أنس ولا ( والله ) ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال والله ما رأينا الشمس ستا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبله قائما وقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادع الله يمسكها قال فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال [ والظراب ] ومنابت الشجر قال فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس قال شريك فسألت أنسا أهو الرجل الذي سأل أولا قال لا أدري وهكذا رواه البخاري أيضا ومسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن شريك به وقال البخاري ثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب يوم جمعة إذ جاء رجل فقال يا رسول الله قحط المطر فادع الله أن يسقينا فدعا فمطرنا فما كدنا أن نصل إلى منازلنا فما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة قال فقام ذلك الرجل أو غيره فقال يا رسول الله ادع الله أن يصرفه عنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم حوالينا ولا علينا قال فلقد رأيت السحاب ينقطع يمينا وشمالا يمطرون ولا يمطر [ أهل ] المدينة تفرد به البخاري من هذا الوجه وقال البخاري ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هلكت المواشي وتقطعت السبل فادع الله فدعا فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة ثم جاء فقال تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي [ فادع الله أن يمسكها ] فقال اللهم (6/88)
على الآكام والظراب والأودية ومنابت الشجر فانجابت عن المدينة انجياب الثوب وقال البخاري ثنا محمد بن مقاتل ثنا عبد الله ثنا الأوزاعي ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري حدثني أنس بن مالك قال أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله أن يسقينا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه وما [ رأينا ] في السماء قزعة فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته قال فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه فقال اللهم حوالينا ولا علينا قال فما جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يشير بيديه إلى ناحية من السماء الا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود ورواه البخاري ايضا في الجمعة ومسلم من حديث الوليد عن الأوزاعي وقال البخاري وقال أيوب ابن سليمان حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال قال يحيى بن سعيد سمعت أنس بن مالك قال أتى [ رجل ] أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة فقال يا رسول الله هلكت الماشية هلك العيال هلك الناس فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه يدعو ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعون قال فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى فأتى الرجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله بشق المسافر ومنع الطريق قال البخاري وقال الأويسي يعني عبد الله حدثني محمد بن جعفر هو ابن كثير عن يحيى ابن سعيد وشريك سمعا أنسا عن النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه هكذا علق هذين الحديثين ولم يسندهما أحد من أصحاب الكتب الستة بالكلية وقال البخاري ثنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا معتمر عن عبيد الله عن ثابت عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يخطب يوم الجمعة فقام الناس فصاحوا فقالوا يا رسول الله قحط المطر واحمرت الشجر وهلكت البهائم فادع الله أن يسقينا فقال اللهم اسقنا مرتين وأيم الله ما نرى في السماء قزعة من سحاب فنشأت سحابة وأمطرت ونزل عن المنبر فصلى فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها فلما قام النبي صلى الله عليه و سلم يخطب صاحوا إليه تهدمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله يحبسها عنا قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا فتكشطت المدينة فجعلت تمطر حولها ولا تمطر بالمدينة قطرة فنظرت إلى المدينة وأنها لفي مثل الاكليل وقد رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري به وقال الامام أحمد حدثنا ابن أبي عدي عن حميد (6/89)
قال سئل أنس هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع يديه فقال قيل له يوم الجمعة يا رسول الله قحط المطر وأجدبت الأرض وهلك المال قال فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه فاستسقى ولقد رفع يديه فاستسقى ولقد رفع يديه وما نرى في السماء سحابة فما قضينا الصلاة حتى أن الشاب قريب الدار ليهمه الرجوع إلى أهله قال فلما كانت الجمعة التي تليها قالوا يا رسول الله تهدمت البيوت واحتبست الركبان فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم من سرعة ملالة ابن آدم وقال اللهم حوالينا ولا علينا قال فتكشطت عن المدينة وهذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجوه وقال البخاري وأبو داود واللفظ له ثنا مسدد ثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك وعن يونس بن عبيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فبينا هو يخطب يوم جمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلكت الكراع هلكت الشاء فادع الله يسقينا فمد يده ودعا قال أنس وإن السماء لمثل الزجاجة فهاجت الريح أنشأت سحابا ثم اجتمع ثم أرسلت السماء عزاليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم تزل تمطر إلى الجمعة الأخرى فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله يحبسه فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال حوالينا ولا علينا فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك لأنها تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن وقال البيهقي باسناده من غير وجه إلى أبي معمر سعيد بن أبي خيثم الهلالي عن مسلم الملائي عن أنس بن مالك قال جاء أعرابي فقال يا رسول الله والله لقد أتيناك وما لنا بعير يبسط ولا صبي يصطبح وأنشد ... أتيناك والعذراء يدمي لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل ... وألقى بكفيه الفتى لاستكانة ... من الجوع ضعفا قائما وهو لا يخلي ... ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل ... وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل ...
قال فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم رفع يديه نحو السماء وقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا سريعا غدقا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار تملأ به الضرع وتنبت به الزرع وتحيي به الأرض [ بعد موتها ] وكذلك تخرجون قال فوالله ما رد يده إلى نحره حتى ألقت السماء بأوراقها وجاء أهل البطانة يصيحون يا رسول الله الغرق الغرق فرفع يديه الى السماء وقال اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه من ينشد قوله فقال علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله كأنك أردت قوله (6/90)
وأبيض يستقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل ... يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل ... كذبتم وبيت الله يبري محمد ... ولما نقاتل دونه ونناضل ... ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل ...
قال وقام رجل من بني كنانة فقال ... لك الحمد والحمد ممن شكر ... سقينا بوجه النبي المطر ... دعا الله خالقه دعوة ... إليه وأشخص منه البصر ... فلم يك إلا كلف الرداء ... وأسرع حتى رأينا الدرر ... رقاق العوالي عم البقاع ... أغاث به الله عينا مضر ... وكان كما قاله عمه ... أبو طالب أبيض ذو غرر ... به الله يسقي بصوب الغمام ... وهذا العيان كذاك الخبر ... فمن يشكر الله يلقى المزيد ... ومن يكفر الله يلقى الغير ...
قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن يك شاعر يحسن فقد أحسنت وهذا السياق فيه غرابة ولا يشبه ما قدمنا من الروايات الصحيحة المتواترة عن أنس فان كان هذا هكذا محفوظا فهو قصة أخرى غير ما تقدم والله أعلم وقال الحافظ البيهقي أنا أبو بكر بن الحارث الأصبهاني ثنا أبو محمد بن حبان ثنا عبد الله بن مصعب ثنا عبد الجبار ثنا مروان بن معاوية ثنا محمد بن أبي ذئب المدني عن عبد الله بن محمد بن عمر بن حاطب الجمحي عن أبي وجرة يزيد بن عبيد السلمي قال لما قفل رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة فيهم بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن الحصين والحر بن قيس وهو أصغرهم ابن أخي عيينة بن حصن فنزلوا في دار رملة بنت الحارث من الأنصار وقدموا على إبل ضعاف عجاف وهم مسنتون فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مقرين بالاسلام فسألهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بلادهم قالوا يا رسول الله أسنتت بلادنا وأجدبت أحياؤنا وعريت عيالنا وهلكت مواشينا فادع ربك أن يغيثنا وتشفع لنا إلى ربك ويشفع ربك إليك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم سبحان الله ويلك هذا ما شفعت إلى ربي فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه لا إله إلا الله وسع كرسيه السموات والأرض وهو يئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الجديد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله يضحك من شفقتكم وأزلكم وقرب غياثكم فقال الأعرابي ويضحك ربنا يا رسول الله قال نعم فقال الأعرابي لن نعدم يا رسول الله من رب يضحك خيرا فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم من قوله فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فصعد المنبر وتكلم بكلام ورفع يديه وكان (6/91)
رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء ورفع يديه حتى رئي بياض إبطيه وكان مما حفظ من دعائه اللهم اسق بلدك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء فقام أبو لبابة بن عبد المنذر فقال يا رسول الله إن التمر في المرابد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم اسقنا فقال أبو لبابة التمر في المرابد ثلاث مرات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده بازاره قال فلا والله ما في السماء من قزعة ولا سحاب وما بين المسجد وسلع من بناء ولا دار فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت فوالله ما رأوا الشمس ستا وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بازاره لئلا يخرج التمر منه فقال رجل يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فصعد النبي صلى الله عليه و سلم المنبر فدعا ورفع يديه حتى رئي بياض إبطيه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فانجابت السحابة عن المدينة كانجياب الثوب وهذا السياق يشبه سياق مسلم الملائي عن أنس ولبعضه شاهد في سنن أبي داود وفي حديث أبي رزين العقيلي شاهد لبعضه والله أعلم وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن علي بن المؤمل أنا أبو أحمد محمد ابن محمد الحافظ أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ثنا محمد بن حماد الظهراني أنا سهل بن عبد الرحمن المعروف بالسدي بن عبدويه عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس المدني عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي لبابة عن عبد المنذر الأنصاري قال استسقى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة وقال اللهم اسقنا اللهم اسقنا فقام أبو لبابة فقال يا رسول الله إن التمر في المرابد وما في السماء من سحاب نراه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم اسقنا فقام أبو لبابة فقال يا رسول الله إن التمر في المرابد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم اسقنا حتى يقول أبو لبابة يسد ثعلب مربدة بازاره فاستهلت السماء ومطرت وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتى [ القوم ] أبا لبابة يقولون له يا أبا لبابة إن السماء والله لن تقلع حتى تقوم عريانا فتسد ثعلب مربدك بازارك كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بازاره فأقلعت السماء وهذا إسناد حسن ولم يروه أحمد ولا أهل الكتب والله أعلم وقد وقع مثل هذا الاستسقاء في غزوة تبوك في أثناء الطريق كما قال عبد الله بن وهب أخبرنى عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن شأن ساعة العسرة فقال عمر خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى أن كان (6/92)
أحدنا ليذهب فيلتمس الرحل فلا يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ثم يجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا فقال أوتحب ذلك قال نعم قال فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر وهذا إسناد جيد قوي ولم يخرجوه وقد قال الواقدي كان مع المسلمين في هذه الغزوة إثنا عشر ألف بعير ومثلها من الخيل وكانوا ثلاثين ألفا من المقاتلة قال ونزل من المطر ماء أغدق الأرض حتى صارت الغدران تسكب بعضها في بعض وذلك في حمأة القيظ أي شدة الحر البليغ فصلوات الله وسلامه عليه وكم له عليه السلام من مثل هذا في غير ما حديث صحيح ولله الحمد وقد تقدم أنه لما دعا على قريش حين استعصت أن يسلط الله عليها سبعا كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والكلاب والعلهز ثم أتى أبو سفيان يشفع عنده في أن يدعو الله لهم فدعا لهم فرفع ذلك عنهم وقد قال البخاري ثنا الحسن بن محمد ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا أبي عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس وقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك نعم نبينا فاسقنا قال فيسقون تفرد به البخاري فصل
واما المعجزات الأرضية
فمنها ما هو متعلق بالجمادات ومنها ما هو متعلق بالحيوانات فمن المتعلق بالجمادات تكثيره الماء في غير ما موطن على صفات متنوعة سنوردها بأسانيدها إن شاء الله وبدأنا بذلك لأنه أنسب باتباع ما أسلفنا ذكره من استسقائه وإجابة الله له قال البخاري ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده في ذلك الاناء فأمر الناس أن يتوضأوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضأوا من عند آخرهم وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن مالك به وقال الترمذي حسن صحيح
طريق أخرى عن أنس
قال الامام أحمد حدثنا يونس بن محمد ثنا حزم سمعت الحسن يقول حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج ذات يوم لبعض مخارجه معه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون (6/93)
فحضرت الصلاة فلم يجد القوم ما يتوضأون به فقالوا يا رسول الله ما نجد ما نتوضأ به ورأى في وجوه أصحابه كراهية ذلك فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير فأخذ نبي الله فتوضأ منه ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم قال هلموا فتوضأوا فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء قال الحسن سئل أنس كم بلغوا قال سبعين أو ثمانين وهكذا رواه البخاري عن عبد الرحمن بن المبارك العنسي عن حزم بن مهران القطيعي به
طريق أخرى عن أنس
قال الامام أحمد حدثنا ابن أبي عدي عن حميد ويزيد قال أنا حميد المعنى عن أنس بن مالك قال نودي بالصلاة فقام كل قريب الدار من المسجد وبقي من كان أهله نائي الدار فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمخضب من حجارة فصغر أن يبسط كفه فيه قال فضم أصابعه قال فتوضأ بقيتهم قال حميد وسئل انس كم كانوا قال ثمانين أو زيادة وقد روى البخاري عن عبد الله بن منير عن يزيد ابن هارون عن حميد عن أنس بن مالك قال حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار من المسجد يتوضأ وبقي قوم فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمخضب فيه ماء فوضع كفه فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فضم أصابعه فوضعها في المخضب فتوضأ القوم كلهم جميعا قلت كم كانوا قال كانوا ثمانين رجلا
طريق اخرى عنه
قال الامام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد إملاء عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان بالزوراء فأتى باناء فيه ماء لا يغمر أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضأوا فوضع كفه في الماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم قال فقلت لأنس كم كنتم قال كنا ثلثمائة وهكذا رواه البخاري عن بندار بن أبي عدي ومسلم عن ابي موسى عن غندر كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة وبعضهم يقول عن شعبة والصحيح سعيد عن قتادة عن انس قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم باناء وهو في الزوراء فوضع يده في الاناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم قال قتادة فقلت لأنس كم كنتم قال ثلثمائة أو زهاء ثلثمائة لفظ البخاري
حديث البراء بن عازب في ذلك
قال البخاري ثنا مالك بن إسماعيل ثنا إسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة فجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومج في البئر فمكثنا غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وروت أو صدرت ركابنا تفرد به البخاري إسنادا ومتنا (6/94)
حديث آخر عن ابراء بن عازب
قال الامام أحمد حدثنا عفان وهاشم حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال حدثنا يونس هو ابن عبيدة مولى محمد بن القاسم عن البراء قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فأتينا على ركى ذمة يعني قليلة الماء قال فنزل فيها ستة أناس أنا سادسهم ماحة فأدليت إلينا دلو قال ورسول الله صلى الله عليه و سلم على شفتي الركى فجعلنا فيها نصفها أو قراب ثلثيها فرفعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال البراء فكدت بأنائي هل أجد شيئا أجعله في حلقي فما وجدت فرفعت الدلو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فغمس يده فيها فقال ما شاء الله أن يقول وأعيدت الينا الدلو بما فيها قال فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشبة الغرق قال ثم ساحت يعني جرت نهرا تفرد به الامام أحمد وإسناده جيد قوي والظاهر قصة أخرى غير يوم الحديبية والله أعلم
حديث آخر عن جابر في ذلك
قال الامام أحمد ثنا سنان بن حاتم ثنا جعفر يعني ابن سليمان ثنا الجعد أبو عثمان ثنا أنس بن مالك عن جابر بن عبد الله الانصاري قال اشتكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه العطش قال فدعا بعس فصب فيه شيء من الماء ووضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده فيه وقال استقوا فاستقى الناس قال فكنت ارى العيون تنبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه و سلم تفرد به أحمد من هذا الوجه وفي إفراد مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل عن أبي حرزة يعقوب بن مجاهد عن عبادة بن الوليد ابن عبادة عن جابر بن عبد الله في حديث طويل قال فيه سرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقضي حاجته فاتبعته باداوة من ماء فنظر رسول الله فلم ير شيئا يستتر به وإذا بشجرتين بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي باذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي بصانع قائده حتى أتى بالأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي [ باذن الله ] فانقادت معه [ كذلك ] حتى إذا كان بالمنتصف مما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما فقال التئما علي بإذن الله فالتأمتا قال جابر فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله بقربي فيبتعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فاذا أنا برسول الله وإذا بالشجرتين قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله وقف وقفة فقال برأسه هكذا يمينا وشمالا ثم أقبل فلما انتهى إلي قال يا جابر هل رأيت مقامي قلت نعم يا رسول الله قال فانطلق الى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن شمالك قال جابر فقمت فأخذت حجرا (6/95)
فكسرته وحددته فاندلق لي فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ثم أقبلت حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري ثم لحقت فقلت قد فعلت يا رسول الله قال فقلت فلم ذاك قال إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام الغصنان رطبين قال فأتينا العسكر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا جابر ناد الوضوء فقل ألا وضوء ألا وضوء ألا وضوء قال قلت يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله في وأشجاب له على حمارة من جريد قال فقال لي انطلق إلى فلان الأنصاري فانظر هل ترى في أشجابه من شيء قال فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في غر لا شجب منها لو أني أفرغته لشربه يابسه فآتيت رسول الله فقلت يا رسول الله لم أجد فيها إلا قطرة في غرلا شجب منها لو أنى أفرغته لشربه ابسه قال اذهب فأتني فأتيته فاخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو وعمزنى بيده ثم أعطانيه فقال يا جابر ناد بجفنة فقلت يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه فقال رسول الله بيده في الجفنة هكذا فبسطها وفرق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة وقال خذ يا جابر فصب علي وقل بسم الله فصببت عليه وقلت بسم الله فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت فقال يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء قال فأتى الناس فاستقوا حتى رووا فقلت هل بقي أحد له حاجة فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده من الجفنة وهي ملأى قال وشكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجوع فقال عسى الله أن يطعمكم فأتينا سيف البحر فزجر زجرة فألقى دابة فأورينا على شقها النار فطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا قال جابر فدخلت أنا وفلان وفلان وفلان حتى عد خمسة في محاجر عينها ما يرانا أحد حتى خرجنا وأخذنا ضلعا من أضلاعها فقوسناه ثم دعونا بأعظم جمل في الركب وأعظم حمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحتها ما يطأطئ رأسه وقال البخاري ثنا موسى بن إسمعيل ثنا عبد العزيز بن مسلم ثنا حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه و سلم بين يديه ركوة بيضاء فجهش الناس نحوه قال مالكم قالوا ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في لركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة وهكذا رواه مسلم من حديث حصين وأخرجاه من حديث الأعمش زاد مسلم وشعبة ثلاثتهم عن جابر بن سالم عن جابر وفي رواية الأعمش كنا أربع عشرة مائة وقال الامام أحمد حدثنا يحيى [ بن حماد ] ثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن شقيق (6/96)
العبدي أن جابر بن عبد الله قال غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن يومئذ بضع عشر ومائتان فحضرت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هل في القوم من ماء فجاءه رجل يسعى باداوة فيها شيء من ماء قال فصبه رسول الله صلى الله عليه و سلم في قدح قال فتوضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحسن الوضوء ثم انصرف وترك القدح فركب الناس القدح تمسحوا وتمسحوا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك قال فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم كفه في الماء ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله ثم قال اسبغوا الوضوء قال جابر فوالذي هو ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه و سلم فما رفعها حتى توضأوا أجمعون وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد وظاهره كأنه قصة أخرى غير ما تقدم وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن أربع عشرة مائة أو أكثر من ذلك وعليها خمسون رأسا لا يرويها فقعد رسول الله على شفا الركية فاما دعا وإما بصق فيها قال فجاشت فسقينا واستقينا وفي صحيح البخاري من حديث الزهري عن عروة عن المسور ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية الطويل فعدل عنهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه تبرضا فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه وقد تقدم الحديث بتمامه في صلح الحديبية فأغنى عن إعادته وروى ابن إسحاق عن بعضهم أن الذي نزل بالسهم ناجية بن جندب سائق البدن قال وقيل البراء بن عازب ثم رجح ابن اسحاق الأول
حديث آخر عن ابن عباس في ذلك
قال الامام أحمد ثنا حسين الأشقر ثنا أبو كدينة عن عطاء عن أبي الضحى عن ابن عباس أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم وليس في العسكر ماء فأتاه رجل فقال يا رسول الله ليس في العسكر ماء قال هل عندك شيء قال نعم قال فأتني قال فأتاه باناء فيه شيء من ماء قليل قال فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم أصابعه في فم الاناء وفتح أصابعه قال فانفجرت من بين أصابعه عيون وأمر بلالا فقال ناد في الناس الوضوء المبارك تفرد به أحمد ورواه الطبراني من حديث عامر الشعبي عن ابن عباس بنحوه
حديث عن عبد الله بن مسعود في ذلك
قال البخاري ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا باناء فيه ماء قليل فأدخل يده في (6/97)
الأناء ثم قال حي على الطهور المبارك والبركة من الله عز و جل قال فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ورواه الترمذي عن بندار عن ابن أحمد وقال حسن صحيح
حديث عن عمران بن حصين في ذلك
قال البخاري ثنا أبو الوليد ثنا مسلم بن زيد سمعت أبا رجاء قال حدثنا عمران بن حصين أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر وكان لا يوقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم من منامه حتى يستيقظ فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي صلى الله عليه و سلم فنزل وصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا فلما انصرف قال يا فلان ما يمنعك أ تصلي معنا قال أصابتني جنابة فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى وجعلني رسول الله صلى الله عليه و سلم في ركوب بين يديه وقد عطشنا عطشا شديدا فبينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها أين الماء قالت إنه لا ماء فقلنا كم بين أهلك وبين الماء قالت يوم وليلة فقلنا انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت وما رسول الله فلم نملكها من أمرها حتى استقبلنا بها النبي صلى الله عليه و سلم فحدثته بمثل الذي حدثتنا غير أنها حدثته أنها موتمة فأمر بمزادتها فمسح في العزلاوين فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنه لم نسق بعيرا وهي تكاد تفضي من الملء ثم قال هاتوا ما عندكم فجمع لها من الكسر والتمر حتى أتت اهلها قالت أتيت أسحر الناس أو مر نبي كما زعموا فهدى الله ذاك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا وكذلك رواه مسلم من حديث سلم بن رزين وأخرجاه من حديث عوف الأعرابي كلاهما عن رجاء العطاردي واسمه عمران بن تيم عن عمران بن حصين به وفي رواية قال لهما اذهبي بهذا معك لعيالك واعلمي أنا لم نرزأك من مائك شيئا غير أن الله سقانا وفيه أنه لما فتح العزلاوين سمى الله عز و جل
حديث عن أبي قتادة في ذلك
قال الامام أحمد ثنا يزيد بن هارون ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فقال إنكم إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا وانطلق سرعان الناس يريدون الماء ولزمت رسول الله صلى الله عليه و سلم فمالت برسول الله صلى الله عليه و سلم راحلته فنعس رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعمته فادعم ثم مال فدعمته فادعم ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال من الرجل فقلت أبو قتادة قال منذ كم كان مسيرك قلت منذ الليلة قال (6/98)
حفظك الله كما حفظت رسوله ثم قال لو عرسنا فمال إلى شجرة فنزل فقال انظر هل ترى أحدا قلت هذا راكب هذان راكبان حتى بلغ سبعة فقال احفظوا علينا صلاتنا فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس فانتبهنا فركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فسار وسرنا هنيهة ثم نزل فقال أمعكم ماء قال قلت نعم معي ميضأة فيها شيء من ماء قال ائت بها قال فأتيته بها فقال مسوا منها مسوا منها فتوضأ القوم وبقيت جرعة فقال ازدهر بها يا أبا قتادة فانه سيكون لها نبأ ثم أذن بلال وصلوا الركعتين قبل الفجر ثم صلوا الفجر ثم ركب وركبنا فقال بعضهم لبعض فرطنا في صلاتنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما تقولون إن كان أمر دنياكم فشأنكم وإن كان أمر دينكم فالي قلنا يا رسول الله فرطنا في صلاتنا فقال لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة فاذا كان ذلك فصلوها ومن الغد وقتها ثم قال ظنوا بالقوم قالوا إنك قلت بالأمس إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا فالناس بالماء قال فلما أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم فقال بعضهم لبعض إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالماء وفي القوم أبو بكر وعمر فقالا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا قالها ثلاثا فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله هلكنا عطشا تقطعت الأعناق فقال لا هلك عليكم ثم قال يا أبا قتادة ائت بالميضأة فأتيته بها فقال احلل لي غمري يعني قدحه فحللته فأتيته به فجعل يصب فيه ويسقي الناس فازدحم الناس عليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أيها الناس أحسنوا الملأ فكلكم سيصدر عن ري فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه و سلم فصب لي فقال اشرب يا ابا قتادة قال قلت اشرب أنت يا رسول الله قال إن ساقي القوم آخرهم فشربت وشرب بعدي وبقي في الميضأة نحو ما كان فيها وهم يومئذ ثلثمائة قال عبد الله فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدث هذا الحديث في المسجد الجامع فقال من الرجل قلت أنا عبد الله بن رباح الأنصاري قال القوم أعلم بحديثهم انظر كيف تحدث فاني أحد السبعة تلك الليلة فلما فرغت قال ما كنت أحسب أحدا يحفظ هذا الحديث غيري قال حماد بن سلمة وحدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة الموصلي عن النبي صلى الله عليه و سلم بمثله وزاد قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه وإذا عرس الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده وقد رواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري بطوله وأخرج من حديث حماد ابن سلمة بسنده الأخير أيضا (6/99)
حديث آخر عن أنس يشبه هذا
روى البيهقي من حديث الحافظ أبي يعلى الموصلي ثنا شيبان ثنا سعيد بن سليمان الضبعي ثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جهز جيشا إلى المشركين فيهم أبو بكر فقال لهم جدوا السير فان بينكم وبين المشركين ماء إن يسبق المشركون إلى ذلك الماء شق على الناس وعطشتم عطشا شديدا أنتم ودوابكم قال وتخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثمانية أنا تاسعهم وقال لأصحابه هل لكم أن نعرس قليلا ثم نلحق بالناس قالوا نعم يا رسول الله فعرسوا فما أيقظهم إلا حر الشمس فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم واستيقظ أصحابه فقال لهم تقدموا واقضوا حاجاتكم ففعلوا ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لهم هل مع أحد منكم ماء قال رجل منهم يا رسول الله معي ميضأة فيها شيء من ماء قال فجئ بها فجاء بها فأخذها نبي الله صلى الله عليه و سلم فمسحها بكفيه ودعا بالبركة فيها وقال لأصحابه تعالوا فتوضأوا فجاءوا وجعل يصب عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى توضأوا كلهم فأذن رجل منهم واقام فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لهم وقال لصاحب الميضأة ازدهر بميضأتك فسيكون لها شأن وركب رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل الناس وقال لأصحابه ما ترون الناس فعلوا فقالوا الله ورسوله أعلم فقال لهم فيهم أبو بكر وعمر وسيرشد الناس فقدم الناس وقد سبق المشركون إلى ذلك الماء فشق ذلك على الناس وعطشوا عطشا شديدا ركابهم ودوابهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أين صاحب الميضأة قالوا هو هذا يا رسول الله قال جئني بميضأتك فجاء بها وفيها شيء من ماء فقال لهم تعالوا فاشربوا فجعل يصب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى شرب الناس كلهم وسقوا دوابهم وركابهم وملأوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة ثم نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه إلى المشركين فبعث الله ريحا فضرب وجوه المشركين وأنزل الله نصره وأمكن من ديارهم فقتلوا مقتلة عظيمة وأسروا أسارى كثيرة واستاقوا غنائم كثيرة ورجع رسول الله صلى الله عليه و سلم والناس وافرين صالحين وقد تقدم قريبا عن جابر ما يشبه هذا وهو في صحيح مسلم وقدمنا في غزوة تبوك ما رواه مسلم من طريق مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل فذكر حديث جمع الصلاة في غزوة تبوك إلى أن قال وقال يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحى ضحى النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي قال فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء فسالهما رسول الله صلى الله عليه و سلم هل مسستما من مائها شيئا قالا نعم فسبهما وقال لهما ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا وذكرنا في باب الوفود (6/100)
من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن الحارث الصدائي في قصة وفادته فذكر حديثا طويلا فيه ثم قلنا يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق فدعا بسبع حصيات ففركهن بيده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فاذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا الله عز و جل قال الصدائي ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها يعني البئر وأصل هذا الحديث في المسند وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وأما الحديث بطوله ففي دلائل النبوة للبيهقي رحمه الله وقال البيهقي
باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ثنا أبو حامد بن الشرقي أنا أحمد بن حفص بن عبد الله نا أبي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك قال فدللته عليها فقال لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فينزح فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمر بذنوب فسقي فاما أن يكون توضأ منه وإما أن يكون تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر قال فما نزحت بعد قال فرأيته بال ثم جاء فتوضأ ومسح على جنبه ثم صلى وقال أبو بكر البزار ثم الوليد بن عمرو بن مسكين ثنا محمد بن عبد الله بن مثنى عن أبيه عن ثمامة عن أنس قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلنا فسقيناه من بئر لنا في دارنا كانت تسمى النزور في الجاهلية فتفل فيها فكانت لا تنزح بعد ثم قال لا نعلم هذا يروى إلا من هذا الوجه
باب تكثيره عليه السلام الاطعمة
تكثيره اللبن في مواطن أيضا قال الامام أحمد ثنا روح ثنا عمر بن ذر عن مجاهد أن أبا هريرة كان يقول والله إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز و جل ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل فمر عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل فمر أبو القاسم صلى الله عليه و سلم فعرف ما في وجهي وما في نفسي فقال أبا هريرة قلت له لبيك يا رسول الله فقال الحق واستأذنت فاذن لي فوجدت لبنا في قدح قال من أين لكم هذا اللبن فقالوا أهداه لنا فلان أو آل فلان قال أبا هر قلت لبيك (6/101)
يا رسول الله قال انطلق إلى أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف الاسلام لم يأووا إلى أهل ولا مال إذا جاءت رسول الله صلى الله عليه و سلم هدية أصاب منها وبعث إليهم منها وإذا جاءته الصدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها قال وأحزنني ذلك وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي وقلت أنا الرسول فاذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم وقلت ما يبقى لي من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم من البيت ثم قال أبا هر خذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلت أعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى ثم يرد القدح حتى أتيت على آخرهم ودفعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ القدح فوضعه في يده وبقي فيه فضلة ثم رفع رأسه ونظر إلي وتبسم وقال أبا هر فقلت لبيك رسول الله قال بقيت أنا وأنت فقلت صدقت يا رسول الله قال فاقعد فاشرب قال فقعدت فشربت ثم قال لي اشرب فشربت فما زال يقول لي اشرب فأشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكا قال ناولني القدح فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة ورواه البخاري عن أبي نعيم وعن محمد بم مقاتل عن عبد الله بن المبارك وأخرجه الترمذي عن عباد بن يونس بن بكير ثلاثتهم عن عمر بن ذر وقال الترمذي صحيح وقال الامام أحمد ثنا أبوبكر بن عياش حدثني عن زر عن ابن مسعود قال كنت ارعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر فقال يا غلام هل من لبن قال فقلت نعم ولكني مؤتمن قال فهل من شاة لم ينز عليها الفحل فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر ثم قال للضرع اقلص فقلص قال ثم أتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله علمني من هذا القول قال فمسح رأسي وقال يا غلام يرحمك الله فانك عليم معلم ورواه البيهقي من حديث أبي عوانة عن عاصم عن أبي النجود عن زر عن ابن مسعود وقال فيه فأتيته بعناق جذعة فاعتقلها ثم جعل يمسح ضرعها ويدعو وأتاه أبو بكر بجفنة فحلب فيها وسقى أبا بكر ثم شرب ثم قال للضرع اقلص فقلص فقلت يا رسول الله علمني من هذا القول فمسح رأسي وقال إنك غلام معلم فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر وتقدم في الهجرة حديث أم معبد وحلبه عليه السلام ساتها وكانت عجفاء لا لبن لها فشرب هو وأصحابه وغادر عندها إناء كبيرا من لبن حتى جاء زوجها وتقدم في ذكر من كان يخدمه من غير مواليه عليه السلام المقداد بن الأسود حين شرب اللبن الذي كان قد جاء لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قام في الليل ليذبح له شاة فوجد لبنا كثيرا فحلب ما ملأ منه إناء كبيرا جدا الحديث وقال أبو داود الطيالسي ثنا زهير عن أبي إسحاق عن ابنة حباب أنها أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم بشاة فاعتقلها وحلبها فقال ائتني بأعظم إناء لكم فأتيناه بجفنة العجين فحلب فيها حتى ملأها ثم (6/102)
قال اشربوا أنتم وجيرانكم وقال البيهقي أنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا محمد بن الفرج الأزرق ثنا عصمة بن سليمان الخزار ثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن نافع وكانت له صحبة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر وكنا زهاء أربعمائة فنزلنا في موضع ليس فيه ماء فشق ذلك على أصحابه وقالوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم قال فجاءت شويهة لها قرنان فقامت بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فحلبها فشرب حتى روى وسقى أصحابه حتى رووا ثم قال يا نافع املكها الليلة وما أراك تملكها قال فأخذتها فوتدت لها وتدا ثم ربطتها بحبل ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة ورأيت الحبل مطروحا فجئت رسول الله فأخبرته من قبل أن تسألني وقال يا نافع ذهب بها الذي جاء بها قال البيهقي ورواه محمد بن سعد عن خلف بن الوليد أبي الوليد الأزدي عن خلف بن خليفة عن أبان وهذا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا ثم قال البيهقي أنا أبو سعيد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي أنا ابن العباس بن محمد بن العباس ثنا أحمد بن سعيد ابن أبي مريم ثنا أبو حفص الرياحي ثنا عامر بن أبي عامر الخراز عن أبيه عن الحسن عن سعد يعني مولى أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم احلب لي العنز قال وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه قال فأتيت فاذا العنز حافل قال فاحتلبتها واحتفظت بالعنز وأوصيت بها قال فاشتغلنا بالرحلة ففقدت فقلت يا رسول الله قد فقدت العنز فقال إن لها ربا وهذا أيضا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا وفي إسناده من لا يعرف حاله وسيأتي حديث الغزالة في قسم ما يتعلق من المعجزات بالحيوانات
تكثيره عليه السلام السمن لام سليم
قال الحافظ أبو يعلى حدثنا شيبان ثنا محمد بن زيادة البرجمي عن أبي طلال عن أنس عن أمه قال كانت لها شاة فجمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت يا ربيبة أبلغي هذه العكة رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتدم بها فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله هذه [ عكة ] سمن بعثت بها إليك أم سليم قال أفرغوا لها عكتها ففرغت العكة فدفعت اليها فانطلقت بها وجاءت وأم سليم ليست في البيت فعلقت العكة على وتد فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله فقالت قد فعلت فان لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فانطلقت ومعها ربيبة فقالت يا رسول الله إني بعثت معها إليك بعكة فيها سمن قال قد فعلت قد جاءت قالت والذي بعثك بالحق ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمنا قال فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه كلي وأطعمي قالت فجئت إلى البيت فقسمت في قعب (6/103)
لنا وكذا وكذا تركت فيها ما ائتدمنا به شهرا أو شهرين
حديث آخر
في ذلك
قال البيهقي أنا الحاكم أنا الأصم ثنا عباس الدوري ثنا علي بن بحر القطان ثنا خلف ابن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن يوسف بن خالد عن أوس بن خالد عن أم أوس البهزية قالت سليت سمنا لي فجعلته في عكة فأهديته لرسول الله فقبله وترك في العكة قليلا ونفخ فيها ودعا بالبركة ثم قال ردوا عليها عكتها فردوها عليها وهي مملوءة سمنا قالت فظننت أن رسول الله لم يقبلها فجاءت ولها صراخ فقالت يا رسول الله إنما سليته لك لتأكله فعلم أنه قد استجيب له فقال اذهبوا فقولوا لها فلتأكل سمنها وتدعو بالبركة فأكلت بقية عمر النبي صلى الله عليه و سلم وولاية أبي بكر وولاية عمر وولاية عثمان حتى كان من أمر علي ومعاوية ما كان حديث آخر
روى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن عبد الأعلى ابن المسور القرشي عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة قال كانت امرأة من دوس يقال لها أم شريك أسلمت في رمضان فذكر الحديث في هجرتها وصحبة ذلك اليهودي لها وأنها عطشت فابى أن يسقيها حتى تهود فنامت فرأت في النوم من يسقيها فاستيقظت وهي ريانة فلما جاءت رسول الله قصت عليه القصة فخطبها إلى نفسها فرأت نفسها أقل من ذلك وقالت بل زوجني من شئت فزوجها زيدا وأمر لها بثلاثين صاعا وقال كلوا ولا تكيلوا وكانت معها عكة سمن هدية لرسول الله فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله ففرغت وأمرها رسول الله إذا ردتها أن تعلقها ولا توكئها فدخلت أم شريك فوجدتها ملآى فقالت للجارية ألم آمرك أن تذهبي بها إلى رسول الله فقالت قد فعلت نذكروا ذلك لرسول الله فامرهم أن لا يوكئوها فلم تزل حتى أوكتها أم شريك ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شيء
حديث آخر في ذلك
قال الامام أحمد ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الزبير عن جابر أن أم مالك البهزية كانت تهدي في عكة لها سمنا للنبي صلى الله عليه و سلم فبينما بنوها يسألونها الأدام وليس عندها شيء فعمدت إلى عكتها التي كانت تهدي فيها إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال أعصرتيه فقلت نعم قال لو تركتيه ما زال ذلك مقيما ثم روى الامام أحمد بهذا الإسناد عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أتاه رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه هو وامرأته وضيف لهم حتى كالوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو لم تكيلوه لأكلتم فيه ولقام لكم وقد روى هذين الحديثين مسلم من وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر (6/104)
ذكر ضيافة ابي طلحة الانصاري رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء قالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي ولاثتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلك أبو طلحة فقلت نعم قال بطعام قلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو طلحة معه فقال رسول الله هلم يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبر فأمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته ثم قال رسول الله فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فاذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجلا وقد رواه البخاري في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من غير وجه عن مالك
طريق آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال أبو يعلى ثنا هدبة بن خالد ثنا مبارك بن فضالة ثنا بكير وثابت البناني عن أنس أن أبا طلحة رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم طاويا فجاء إلى أم سليم فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم طاويا فهل عندك من شيء قالت ما عندنا إلا نحو من مد دقيق شعير قال فاعجنيه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله صلى الله عليه و سلم فيأكل عندنا قال فعجنته وخبزته فجاء قرصا فقال يا أنس ادع رسول الله فأتيت رسول الله ومعه أناس قال مبارك أحسبه قال بضعة وثمانون قال فقلت يا رسول الله أبو طلحة يدعوك فقال لأصحابه أجيبوا أبا طلحة فجئت جزعا حتى أخبرته أنه قد جاء بأصحابه قال بكر فعدي قدمه وقال ثابت قال أبو طلحة رسول الله أعلم بما في بيتي مني وقالا جميعا عن أنس فاستقبله أبو طلحة فقال يا رسول الله ما عندنا شيء إلا قرص رأيتك طاويا فأمرت أم سليم فجعلت لك قرصا قال فدعا بالقرص ودعا بجفنة فوضعه فيها وقال هل من سمن قال أبو طلحة قد كان في العكة شيء قال فجاء بها قال فجعل رسول الله وأبو طلحة يعصرانها حتى خرج شيء (6/105)
مسح رسول الله به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال بسم الله فانتفخ القرص فلم يزل يصنع كذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يميع فقال ادع عشرة من أصحابي فدعوت له عشرة قال فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده وسط القرص وقال كلوا باسم الله فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا ثم قال ادع لي عشرة أخرى فدعوت له عشرة أخرى فقال كلوا بسم الله فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا فلم يزل يدعو عشرة عشرة يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون من حوالى القرص حتى شبعوا وإن وسط القرص حيث وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده كم هو وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه فالله أعلم
طريق اخرى عن أنس بن مالك
قال الامام أحمد ثنا عبد الله بن نمير ثنا سعد يعني ابن سعيد بن قيس أخبرني أنس ابن مالك قال بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأدعوه وقد جعل له طعاما فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه و سلم مع الناس قال فنظر إلي فاستحييت فقلت أجب أبا طلحة فقال للناس قوموا فقال أبو طلحة يا رسول الله إنما صنعت شيئا لك قال فمسها رسول الله ودعا فيها بالبركة ثم قال أدخل نفرا من أصحابي عشرة فقال كلوا فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا وقال أدخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع ثم هيأها فاذا هي مثلها حين أكلوا منها وقد رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن عبد الله بن نمير وعن سعيد بن يحيى الأموى عن ابيه كلاهما عن سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري
طريق أخرى
رواه مسلم في الأطعمة عن عبد الله بن حميد عن خالد بن مخلد عن محمد بن موسى عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فذكر نحو ما تقدم وقد رواه أبو يعلى الموصلي عن محمد بن عباد المكي [ عن حاتم ] عن معاوية بن أبي مردد عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي طلحة فذكره والله أعلم
طريق أخرى عن أنس
قال الامام أحمد ثنا علي بن عاصم ثنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس بن مالك قال أتى أبو طلحة بمدين من شعير فأمر به فصنع طعاما ثم قال لي يا أنس انطلق ائت رسول الله صلى الله عليه و سلم فادعه وقد تعلم ما عندنا قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه عنده فقلت إن أبا طلحة يدعوك إلى طعامه فقام وقال للناس قوموا فقاموا فجئت أمشي بين يديه حتى دخلت على (6/106)
أبي طلحة فأخبرته قال فضحتنا قلت إني لم استطع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه و سلم امره فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لهم اقعدوا ودخل عاشر عشرة فلما دخل أتى بالطعام تناول فأكل وأكل معه القوم حتى شبعوا ثم قال لهم قوموا وليدخل عشرة مكانكم حتى دخل القوم كلهم وأكلوا قال قلت كم كانوا قال كانوا نيفا وثمانين قال وفضل لأهل البيت ما أشبعهم وقد رواه مسلم في الأطعمة عن عمرو الناقد عن عبد الله بن جعفر الرقي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس قال أمر أبو طلحة أم سليم قال اصنعي للنبي صلى الله عليه و سلم لنفسه خاصة طعاما يأكل منه فذكر نحو ما تقدم
طريق اخرى عن أنس
قال أبو يعلى ثنا شجاع بن مخلد ثنا وهب بن جرير ثنا أبي سمعت جرير بن يزيد يحدث عن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال رأى أبو طلحة رسول الله في المسجد مصطجعا يتقلب ظهرا لبطن فأتى أم سليم فقال رأيت رسول الله مصطجعا في المسجد يتقلب ظهرا لبطن فخبزت أم سليم قرصا ثم قال لي أبو طلحة اذهب فادع رسول الله فأتيته وعنده أصحابه فقلت يا رسول الله يدعوك ابو طلحة فقام وقال قوموا قال فجئت أسعى إلى أبي طلحة فأخبرته أن رسول الله قد تبعه أصحابه فتلقاه أبو طلحة فقال يا رسول الله إنما هو قرص فقال إن الله سيبارك فيه فدخل رسول الله وجيء بالقرص في قصعة فقال هل من سمن فجيء بشيء من سمن فغور القرص بأصبعه هكذا ورفعها ثم صب وقال كلوا من بين أصابعي فأكل القوم حتى شبعوا ثم قال أدخل علي عشرة فأكلوا حتى شبعوا حتى أكل القوم فشبعوا وأكل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو طلحة وأم سليم وأنا حتى شبعنا وفضلت فضلة أهديت لجيران لنا ورواه مسلم في الأطعمة من صحيحه عن حسن الحلواني وعن وهب بن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد عن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك فذكر نحو ما تقدم
طريق أخرى عن أنس
قال الامام أحمد ثنا يونس بن محمد ثنا حماد يعني ابن زيد عن هشام عن محمد يعني ابن سيرين عن أنس قال حماد والجعد قد ذكره قال عمدت أم سليم إلى نصف مد شعير فطحنته ثم عمدت إلى عكة كان فيها شيء من سمن فاتخذت منه خطيفة قال ثم ارسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فأتيته وهو في أصحابه فقلت إن أم سليم أرسلتني إليك تدعوك فقال أنا ومن معي قال فجاء هو ومن معه قال فدخلت فقلت لأبي طلحة قد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه فخرج أبو طلحة فمشى إلى جنب النبي صلى الله عليه و سلم قال يا رسول الله إنما هي خطيفة اتخذتها أم سليم (6/107)
من نصف مد شعير قال فدخل فأتي به قال فوضع يده فيها ثم قال أدخل عشرة قال فدخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم دخل عشرة فأكلوا ثم عشرة فأكلوا حتى أكل منها أربعون كلهم أكلوا حتى شبعوا قال وبقيت كما هي قال فأكلنا وقد رواه البخاري في الأطعمة عن الصلت بن محمد عن حماد بن زيد عن الجعد أبي عثمان عن أنس وعن هشام بن محمد عن أنس وعن سنان بن ربيعة عن أبي ربيعة عن أنس أن أم سليم عمدت إلى مد من شعير جشته وجعلت منه خطيفة وعمدت إلى عكة فيها شيء من سمن فعصرته ثم بعثتني إلى رسول الله وهو في أصحابه الحديث بطوله ورواه أبو يعلى الموصلي ثنا عمرو عن الضحاك ثنا أبي سمعت أشعث الحراني قال قال محمد بن سيرين حدثني أنس بن مالك أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله صلى الله عليه و سلم طعام فذهب فأجر نفسه بصاع من شعير فعمل يومه ذلك فجاء به وأمر أم سليم أن تعمله خطيفة وذكر الحديث
طريق آخر عن أنس
قال الإمام أحمد ثنا يونس بن محمد ثنا حرب بن ميمون عن النصر بن أنس عن أنس بن مالك قال قالت أم سليم اذهب إلى نبي الله صلى الله عليه و سلم فقل إن رأيت أن تغدى عندنا فافعل فجئته فبلغته فقال ومن عندي قلت نعم قال انهضوا قال فجئته فدخلت على أم سليم وأنا لدهش لمن أقبل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فقالت أم سليم ما صنعت يا أنس فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على إثر ذلك فقال هل عندك سمن قالت نعم قد كان منه عندي عكة فيها شيء من سمن قال فأت بها قالت فجئت بها ففتح رباطها ثم قال بسم الله أعظم فيها البركة قال فقال اقلبيها فقلبتها فعصرها نبي الله صلى الله عليه و سلم وهو يسمى فأخذت نقع قدر فأكل منها بضع وثمانون رجلا وفضل فضلة فدفعها إلى أم سليم فقال كلي وأطعمي جيرانك وقد رواه مسلم في الأطعمة عن حجاج بن الشاعر عن يونس بن محمد المؤدب به
طريق أخرى
قال أبو القاسم البغوي ثنا علي بن المديني ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى ابن عمارة المازني عن أبيه عن أنس بن مالك أن أمه أم سليم صنعت خزيرا فقال أبو طلحة اذهب يا بني فادع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فجئته وهو بين ظهراني الناس فقلت إن أبي يدعوك قال فقام وقال للناس انطلقوا قال فلما رأيته قام بالناس تقدمت بين أيديهم فجئت أبا طلحة فقلت يا أبت قد جاءك رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس قال فقام أبو طلحة على الباب وقال يا رسول الله إنما كان شيئا يسيرا فقال هلمه فان الله سيجعل فيه البركة فجاء به فجعل رسول الله يده فيه ودعا الله (6/108)
بما شاء أن يدعو ثم قال أدخل عشرة عشرة فجاءه منهم ثمانون فأكلوا وشبعوا ورواه مسلم في الأطعمة عن عبد بن حميد عن القعنبي عن الدراوردي عن يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني [ عن أبيه ] عن أنس بن مالك بنحو ما تقدم
طريق أخرى
ورواه مسلم في الأطعمة أيضا عن حرملة عن ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي عن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس كنحو ما تقدم قال البيهقي وفي بعض حديث هؤلاء ثم أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأكل أهل البيت وأفضلوا ما بلغ جيرانهم فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه شاهد ذلك على ما فيه من اختلاف عنه في بعض حروفه ولكن أصل القصة متواتر لا محالة كما ترى ولله الحمد والمنة فقد رواه عن أنس بن مالك إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وبكر بن عبد الله المزني وثابت بن أسلم البناني [ والجعد بن عثمان ] وسعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاري وسنان بن ربيعة وعبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن عبد الله بن ابي طلحة ومحمد بن سيرين والنضر بن أنس ويحيى بن عمارة بن ابي حسن ويعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة وقد تقدم في غزوة الخندق حديث جابر في إضافته ص على صاع من شعير وعناق فعزم عليه السلام على أهل الخندق بكمالهم فكانوا ألفا أو قريبا من ألف فأكلوا كلهم من تلك العناق وذلك الصاع حتى شبعوا وتركوه كما كان وقد أسلفناه بسنده ومتنه وطرقه ولله الحمد والمنة ومن العجب الغريب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن بن محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر في كتاب العجائب الغريبة في هذا الحديث فانه أسنده وساقه بطوله وذكر في آخره شيئا غريبا فقال ثنا محمد بن علي بن طرخان ثنا محمد بن مسرور أنا هاشم ابن هاشم ويكنى بابي برزة بمكة في المسجد الحرام ثنا أبو كعب البداح بن سهل الأنصاري من أهل المدينة من الناقلة الذين نقلهم هارون إلى بغداد سمعت منه بالمصيصة عن أبيه سهل بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن كعب عن أبيه كعب بن مالك قال أتى جابر بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فعرف في وجهه الجوع فذكر أنه رجع إلى منزله فذبح داجنا كانت عندهم وطبخها وثرد تحتها في جفنة وحملها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمره أن يدعو له الأنصار فأدخلهم عيه ارسالا فأكلوا كلهم وبقي مثل ما كان وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرهم أن يأكلوا ولا يكسروا عظما ثم إنه جمع العظام في وسط الجفنة فوضع عليها يده ثم تكلم بكلام لا أسمعه إلا أني أرى شفتيه تتحرك فاذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها فقال خذ شاتك يا جابر بارك الله لك فيها قال فأخذتها ومضيت وإنها لتنازعني أذنها حتى أتيت بها البيت فقالت لي المرأة ما هذا يا جابر فقلت هذه والله شاتنا (6/109)
التي ذبحناها لرسول الله دعا الله فأحياها لنا فقالت أنا أشهد أنه رسول الله أشهد انه رسول الله أشهد أنه رسول الله
حديث آخر عن أنس في معنى ما تقدم
قال أبو يعلى الموصلي والباغندي ثنا شيبان ثنا محمد بن عيسى بصرى وهو صاحب الطعام ثنا ثابت البناني قلت لأنس بن مالك يا أنس أخبرني بأعجب شيء رايته قال نعم يا ثابت خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين فلم يعب علي شيئا أسأت فيه وإن نبي الله صلى الله عليه و سلم لما تزوج زينب بنت جحش قالت لي أمي يا أنس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أصبح عروسا ولا أدري أصبح له غداء فهلم تلك العكة فأتيتها بالعكة وبتمر فجعلت له حيسا فقالت يا أنس اذهب بهذا الى نبي الله وامرأته فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بتور من حجارة فيه ذلك الحيس قال دعه ناحية البيت وادع لي أبا بكر وعمر وعليا وعثمان ونفرا من أصحابه ثم ادع لي أهل المسجد ومن رأيت في الطريق قال فجعلت أتعجب من قلة الطعام ومن كثرة ما يأمرني أن أدعو الناس وكرهت أن أعصيه حتى امتلأ البيت والحجرة فقال يا أنس هل ترى من أحد فقلت لا يا رسول الله قال هات ذلك التور فجئت بذلك التور فوضعته قدامه فغمس ثلاث أصابع في التور فجعل التمر يربو فجعلوا يتغدون ويخرجون حتى إذا فرغوا أجمعون وبقي في التور نحو ما جئت به فقال ضعه قدام زينب فخرجت وأسقفت عليهم بابا من جريد قال ثابت قلنا يا أبا حمزة كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور فقال أحسب واحدا وسبعين أو اثنين وسبعين وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه
حديث آخر عن أبي هريرة في ذلك
قال جعفر بن محمد الفرياني ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا حاتم بن إسماعيل عن أنيس بن أبي يحيى عن إسحاق بن سالم عن أبي هريرة قال خرج علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أدع لي أصحابك من أصحاب الصفة فجعلت أنبههم رجلا رجلا فجمعتهم فجئنا باب رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستأذنا فأذن لنا قال أبو هريرة فوضعت بين أيدينا صحفة أظن أن فيها قدر مد من شعير قال فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم عليها يده وقال كلوا بسم الله قال فأكلنا ما شئنا ثم رفعنا أيدينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين وضعت الصحفة والذي نفسي بيده ما أمسى في آل محمد طعام ليس ترونه قيل لأبي هريرة قدر كم كانت حين فرغتم منها قال مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع وهذه قصة غير قصة أهل الصفة المتقدمة في شربهم اللبن كما قدمنا
حديث آخر عن أبي أيوب في ذلك
قال جعفر الفريابي ثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن سعيد الجريري عن أبي (6/110)
الورد عن أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب الأنصاري قال صنعت لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولأبي بكر طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار قال فشق ذلك علي ما عندي شيء أزيده قال فكأني تثاقلت فقال اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار فدعوتهم فجاءوا فقال اطعموا فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله ثم بايعوه قبل أن يخرجوا ثم قال اذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار قال أبو أيوب فوالله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين قال فدعوتهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم تربعوا فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا قال فاذهب فادع لي تسعين من الأنصار قال فلأنا أجود بالتسعين والستين مني بالثلاثين قال فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا قال فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار وهذا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا وقد رواه البيهقي من حديث محمد بن أبي بكر المقدمي عن عبد الاعلى به
قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة
قال الحافظ أبو يعلى ثنا سهل بن الحنظلية ثنا عبد الله بن صالح حدثني ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا فأتى فاطمة فقال يا بنية هل عندك شيء آكله فاني جائع فقالت لا والله بأبي أنت وأمي فلما خرج من عندها رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها وقالت والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه و سلم على نفسي ومن عندي وكانوا جميعا محتاجين إلى شعبة طعام فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجع إليها فقالت له بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء فخبأته لك قال هلمي يا بنية فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله فحمدت الله وصلت على نبيه صلى الله عليه و سلم وقدمته إلى رسول الله فلما رآه حمد الله وقال من أين لك هذا يا بنية قالت يا أبت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فحمد الله وقال الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فانها كانت إذا رزقها الله شيئا فسئلت عنه قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا قالت وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت بقيتها على جميع جيرانها وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا وهذا حديث غريب أيضا إسنادا ومتنا وقد قدمنا قدمنا في أول البعثة حين (6/111)
نزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين حديث ربيعة بن ماجد عن علي في دعوته عليه السلام بني هاشم وكانوا نحوا من أربعين فقدم إليهم طعاما من مد فأكلوا حتى شبعوا وتركوه كما هو وسقاهم من عس شرابا حتى رووا وتركوه كما هو ثلاثة أيام متتابعة ثم دعاهم إلى الله كما تقدم
قصة أخرى في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال الامام أحمد ثنا علي بن عاصم ثنا سليمان التيمي عن أبي العلاء بن الشخير عن سمرة بن جندب قال بينما نحن عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ أتى بقصعة فيها ثريد قال فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر يأكل قوم ثم يقومون ويجيء قوم فيتعاقبونه قال فقال له رجل هل كانت تمد بطعام قال أما من الأرض فلا إلا أن تكون كانت تمد من السماء ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون عن سليمان عن أبي العلاء عن سمرة أن رسول الله أتى بقصعة فيها ثريد فتعاقبوها إلى الظهر من غدوة يقوم ناس ويقعد آخرون قال له رجل هل كانت تمد فقال له فمن أين تعجب ما كانت تمد إلا من ههنا وأشار إلى السماء وقد رواه الترمذي والنسائي أيضا من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي العلاء واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير عن سمرة بن جندب به
قصة قصعة بيت الصديق ولعلها هي القصة المذكورة في حديث سمرة والله أعلم
قال البخاري ثنا موسى بن اسماعيل ثنا معتمر عن أبيه ثنا عثمان أنه حدثه عبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه و سلم قال مرة من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس أو كما قال وأن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق النبي صلى الله عليه و سلم بعشرة وأبو بكر بثلاثة قال فهو أنا وأبي وأمي ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي من بيتنا وبيت أبي بكر وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه و سلم ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك قال أو ما عشيتهم قالت أبوا حتى تجيء قد عرضوا عليهم فغلبوهم فذهبت فاختبأت فقال يا غنثر فجدع وسب وقال كلوا [ في رواية أخرى لا هنيئا ] وقال لا أطعمه أبدا والله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل فنظر أبو بكر فاذا هي شيء أو أكثر فقال لامرأته [ في رواية أخرى ما هذا ] يا أخت بني فراس قالت لا وقرة عيني هي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرار فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان الشيطان يعني يمينه ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى (6/112)
النبي صلى الله عليه و سلم فأصبحت عنده وكان بيننا وبين قوم عهد فمضى الأجل فعرفنا اثني عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم قال فأكلوا منها أجمعون أو كما قال وغيرهم يقول فتفرقنا هذا لفظه وقد رواه في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من غير وجه عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي عن عبد الرحمن بن أبي بكر
حديث آخر عن عبد الرحمن بن أبي بكر في هذا المعنى
قال الامام أحمد ثنا حازم ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر أنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثين ومائة فقال النبي صلى الله عليه و سلم هل مع أحد منكم طعام فاذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها فقال النبي صلى الله عليه و سلم أبيعا أم عطية أو قال أم هدية قال لا بل بيع فاشترى منه شاة فصنعت وأمر النبي صلى الله عليه و سلم بسواد البطن أن يشوى قال وأيم الله ما من الثلاثين والمائة إلا قد حز له رسول الله صلى الله عليه و سلم حزة من سواد بطنها إن كان شاهدا أعطاه إياه وإن كان غائبا خبأ له قال وجعل منها قصعتين قال فأكلنا منهما أجمعون وشبعنا وفضل في القصعتين فجعلناه على البعير أو كما قال وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث معتمر بن سليمان
حديث آخر في تكثير الطعام في السفر
قال الإمام أحمد حدثنا فزارة بن عمر أنا فليح عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها فأرمل فيها المسلمون واحتاجوا إلى الطعام فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه و سلم في نحر الابل فأذن لهم فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فجاء فقال يا رسول الله إبلهم تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها ادع يا رسول الله بغبرات الزاد فادع الله عز و جل فيها بالبركة قال أجل فدعا بغبرات الزاد فجاء الناس بما بقي معهم فجمعه ثم دعا الله عز و جل فيه بالبركة ودعاهم بأوعيتهم فملأها وفضل فضل كثير فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني عبد الله ورسوله ومن لقي الله عز و جل بهما غير شاك دخل الجنة وكذلك رواه جعفر الفريابي عن أبي مصعب الزهري عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه سهيل به ورواه مسلم والنسائي جميعا عن أبي بكر بن ابي النضر عن أبيه عن عبيد الله الأشجعي عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة به وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ثنا زهير ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح سعيد أو عن أبي هريرة شك الأعمش قال لما كانت غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنانواضحنا فأكلنا وادهنا فقال افعلوا فجاء عمر فقال يا رسول الله إن فعلوا قل الظهر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع (6/113)
لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك البركة فأمر رسول الله بنطع فبسط ودعا بفضل أزوادهم قال فجعل الرجل يجيء بكف التمر والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شيء من ذلك يسير فدعا عليهم بالبركةثم قال خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأه وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحتجب عنه الجنة وهكذا رواه مسلم أيضا عن سهل ابن عثمان وأبي كريب كلاهما عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة فذكر مثله
حديث آخر في هذه القصة
قال الامام أحمد ثنا علي بن إسحاق ثنا عبد الله هو ابن المبارك أنا الأوزاعي أنا المطلب بن حنطب المخزومي حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري حدثني أبي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاة فاصاب الناس مخمصة فاستأذن الناس رسول الله صلى الله عليه و سلم في نحر بعض ظهورهم وقالوا يبلغنا الله به فلما رأى عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد هم أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم قال يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم وتجمعها ثم تدعو الله فيها بالبركة فان الله سيبلغنا بدعوتك أو سيبارك لنا في دعوتك فدعا النبي صلى الله عليه و سلم ببقايا أزوادهم فجعل الناس يجيئون بالحبة من الطعام وفوق ذلك فكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر فجمعها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قام فدعا ما شاء الله أن يدعو ثم دعا الجيش بأوعيتهم وأمرهم أن يحتثوا فما بقي في الجيش وعاء إلا ملأوه وبقي مثله فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بدت نواجذه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله لا يلقى الله عبد يؤمن بهما إلا حجبت عنه النار يوم القيامة وقد رواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك باسناده نحو ما تقدم حديث آخر في هذه القصة
قال الحافظ أبو بكر البزار ثنا أحمد بن المعلى الآدمي ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد بن سلمة حدثني أبو بكر أظنه من ولد عمر بن الخطاب عن ابراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أنه سمع أبا حنيس الغفاري أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تهامة حتى إذا كنا بعسفان جاءه أصحابه فقالوا يا رسول الله جهدنا الجوع فأذن لنا في الظهر أن نأكله قال نعم فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فجاء رسول الله فقال يا نبي الله ما صنعت أمرت الناس أن ينحروا الظهر فعلى ما يركبون قال فما ترى يا ابن الخطاب قال أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه في ثوب ثم تدعو لهم (6/114)
فأمرهم فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب ثم دعا لهم ثم قال ائتوا بأوعيتكم فملأ كل إنسان وعاءه ثم أذن بالرحيل فلما جاوز مطروا فنزل ونزلوا معه وشربوا من ماء السماء فجاء ثلاثة نفر فجلس اثنان مع رسول الله وذهب الآخر معرضا فقال رسول الله ألا أخبركم عن النفر الثلاثة أما واحد فاستحى من الله فاستحى الله منه وأما الآخر فأقبل تائبا فتاب الله عليه وأماالآخر فأعرض فأعرض الله عنه ثم قال البزار لا نعلم روى أبو حنيس إلا هذا الحديث بهذا الإسناد وقد رواه البيهقي عن الحسين بن بشران عن أبي بكر الشافعي ثنا إسحاق بن الحسن الخرزي أنا أبو رجاء ثنا سعيد بن سلمة حدثني أبو بكر بن عمرو بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة أنه سمع أبا حنيس الغفاري فذكره
حديث آخر عن عمر بن الخطاب في هذه القصة
قال الحافظ ابو يعلى ثنا ابن هشام محمد بن يزيد الرفاعي ثنا ابن فضل ثنا يزيد وهو ابن أبي زياد عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن أبيه عن جده عمر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاة فقلنا يا رسول الله إن العدو قد حضر وهم شباع والناس جياع فقالت الأنصار ألا ننحر نواضحنا فنطعمها الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه فضل طعام فليجيء به فجعل الرجل يجيء بالمد والصاع وأقل وأكثر فكان جميع ما في الجيش بضعا وعشرين صاعا فجلس النبي صلى الله عليه و سلم إلى جنبه فدعا بالبركة فقال النبي صلى الله عليه و سلم خذوا ولا تنتهبوا فجعل الرجل يأخذ في جرابه وفي غرارته وأخذوا في أوعيتهم حتى أن الرجل ليربط كم قميصه فيملؤه ففرغوا والطعام كما هو ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم أشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله لا يأتي بها عبد محق إلا وقاه الله حر النار ورواه أبو يعلى أيضا عن إسحاق بن إسمعيل الطالقاني عن جرير عن يزيد بن أبي زياد فذكره وما قبلة شاهد له بالصحة كما أنه متابع لما قبله والله أعلم
حديث آخر عن سلمة بن الاكوع في ذلك
قال الحافظ أبو يعلى ثنا محمد بن بشار ثنا يعقوب بن إسجاق الحضرمي القاري ثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة خيبر فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا يعني من التمر فبسط نططا نشرنا عليه أزوادنا قال فتمطيت فتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة ونحن أربع عشرة مائة قال فأكلنا ثم تطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هل من وضوءء قال فجاء رجل نبقطة في إداوته قال فقبضها فجعلها في قدح قال فتوضأنا كلنا ندغفقها دغفقة ونحن أربع عشرة مائة قال فجاء أناس فقالوا يا رسول الله ألا وضوء فقال قد فرغ الوضوء وقد رواه مسلم عن أحمد بن يوسف (6/115)
السلمي عن النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن إياس عن أبيه سلمة وقال فأكلنا حتى شبعنا ثم حشونا جربنا وتقدم ما ذكره ابن اسحاق في حفر الخندق حيث قال حدثني سعيد بن ميناء أنه قد حدث أن ابنة لبشير بن سعد أخت النعمان بن بشير قالت دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي ثم قالت أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما قالت فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا ألتمس أبي وخالي فقال تعالي يا بنية ما هذا معك قالت قلت يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه فقال هاتيه قالت فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه و سلم فما ملأتهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم دعا بالتمر فنبذ فوق الثوب ثم قال لإنسان عنده اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب
قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التمر
قال البخاري في دلائل النبوة حدثنا أبو نعيم ثنا زكريا حدثني عامر حدثني جابر أن أباه توفي وعليه دين فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت إن أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه فانطلق معي لكيلا يفحش على الغرماء فمشى حول بيدر من بيادر التمر فدعا ثم آخر ثم جلس عليه فقال انزعوه فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم هكذا رواه هنا مختصرا وقد أسنده من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبي عن جابر به وهذا الحديث قد روى من طرق متعددة عن جابر بألفاظ كثيرة وحاصلها أنه ببركة رسول الله صلى الله عليه و سلم ودعائه له ومشيه في حائطه وجلوسه على تمره وفي الله دين أبيه وكان قد قتل باحد وجابر كان لا يرجوه وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده ومع هذا فضل له من التمر أكثر فوق ما كان يؤمله ويرجوه ولله الحمد والمنة
قصة سلمان
في تكثيره صلى الله عليه و سلم تلك القطعة من الذهب لوفاء دينه في مكاتبته قال الامام أحمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب رجل من عبد لقيس عن سلمان قال لما قلت وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله أخذها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلبها على لسانه ثم قال خذها فأوفهم منها فأخذتها فأوفيتهم منها حقهم أربعين أوقية
ذكر مزود ابي هريرة وتمرة
قال الامام أحمد حدثنا يونس حدثنا حماد يعني ابن زيد عن المهاجر عن أبي العالية (6/116)
عن أبي هريرة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما بتمرات فقال ادع الله لي فيهن بالبركة قال فصفهن بين يديه ثم دعا فقال لي اجعلهن في مزود وأدخل يدك ولا تنثره قال فحملت منه كذا كذا وسقا في سبيل الله ونأكل ونطعم وكان لا يفارق حقوى فلما قتل عثمان رضي الله عنه انقطع عن حقوى فسقط ورواه الترمذي عن عمران بن موسى القزاز البصري عن حماد بن زيد عن المهاجر عن أبي مخلد عن رفيع أبي العالية عنه وقال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه
طريق اخرى عنه
قال الحافظ أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار أنا الحسين بن يحيى ابن عباس القطان ثنا حفص بن عمر ثنا سهل بن زياد أبو زياد ثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال يا أبا هريرة عندك شيء قال قلت شيء من تمر في مزود لي قال جيء به قال فجئت بالمزود قال هات نطعا فجئت بالنطع فبسطته فأدخل يده فقبض على التمر فاذا هو واحد وعشرون فجعل يضع كل تمرة ويسمى حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه فقال ادع فلانا وأصحابه فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا ثم قال ادع فلانا وأصحابه فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا ثم قال ادع فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا ثم قال ادع فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا وفضل ثم قال لي اقعد فقعدت فاكل وأكلت قال وفضل تمر فأدخلته في المزود وقال لي يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل يدك وخذه ولا تكفي فيكفى عليك قال فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله قال وكان معلقا خلف رحلي فوقع في زمن عثمان فذهب
طريق اخرى عن أبي هريرة في ذلك
روى البيهقي من طريقين عن سهل بن أسلم العدوي عن يزيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة قال أصبت بثلاث مصيبات في الاسلام لم أصب بمثلهن موت رسول الله صلى الله عليه و سلم وكنت صويحبه وقتل عثمان والمزود قالوا وما المزود يا أبا هريرة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فقال يا ابا هريرة أمعك شيء قال قلت تمر في مزود قال جيء به فأخرجت تمرا فأتيته به قال فمسه ودعا فيه قال ادع عشرة فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي من التمر معي في المزود فقال يا أبا هريرة إذا اردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكفه قال فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه و سلم وأكلت منه حياة أبي بكر كلها وأكلت منه حياة عمر كلها وأكلت منه حياة عثمان كلها فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود ألا أخبركم كم أكلت منه أكلت منه أكثر من مائتي وسق (6/117)
طريق اخرى
قال الامام أحمد حدثنا أبو عامر ثنا إسمعيل يعني ابن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي هريرة قال أعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا من تمر فجعلته في مكتل فعلقناه في سقف البيت فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره إصابة أهل الشام حيث أغاروا بالمدينة تفرد به أحمد
حديث عن العرباض بن سارية في ذلك رواه الحافظ بن عساكر في ترجمته من طريق محمد بن عمر الوافدي
حدثني ابن أبي سبرة عن موسى بن سعد عن العرباض قال كنت ألزم باب رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحضر والسفر فرأينا ليلة ونحن بتبوك أو ذهبنا لحاجة فرجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تعشى ومن عنده فقال أين كنت منذ الليلة فأخبرته وطلع جعال بن سراقة وعبد الله بن معقل المزني فكنا ثلاثة كلنا جائع فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيت أم سلمة فطلب شيئا نأكله فلم يجده فنادى بلالا هل من شيء فأخذ الجرب ينقفها فاجتمع سبع تمرات فوضعها في صحفة ووضع عليهن يده وسمى الله وقال كلوا باسم الله فأكلنا فأحصيت أربعا وخمسين تمرة كلها أعدها ونواها في يدي الأخرى وصاحباي يصنعان ما أصنع فأكل كل منهما خمسين تمرة ورفعنا أيدينا فاذا التمرات السبع كما هن فقال يا بلال ارفعهن في جرابك فلما كان الغد وضعهن في الصحفة وقال كلوا بسم الله فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا أيدينا أيدينا وإنهن كما هن سبع فقال لولا أني أستحي من ربي عز و جل لأكلت من هذه التمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا فلما رجع إلى المدينة طلع غليم من أهل المدينة فدفعهن إلى ذلك الغلام فانطلق يلوكهن
حديث آخر
روى البخاري ومسلم من حديث أبي اسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت له لقد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وما في بيتي شيء ياكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففنى حديث آخر
روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن شبيب عن الحسن بن أعين عن معقل عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم وبهذا الاسناد عن جابر أن أم مالك كانت تهدي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في عكتها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندها شيء فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فتجد فيه سمنا فما زال (6/118)
يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أعصرتيها قالت نعم فقال لو تركتيها ما زالت قائمة وقد رواهما الامام أحمد عن موسى عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر
حديث آخر
قال البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو جعفر البغدادي ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا حسان بن عبد الله ثنا ابن لهيعة ثنا يونس بن يزيد ثنا ابن إسحاق عن سعيد بن الحرث بن عكرمة عن جده نوفل بن الحرث بن عبد المطلب أنه استعان رسول الله في التزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهناها عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من شعير فدفعه رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه قال فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه قال نوفل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لو لم تكله لأكلت منه ما عشت حديث آخر
قال الحافظ البيهقي في الدلائل أنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا عباس بن محمد الدوري أنا أحمد بن عبد الله بن يونس أنا أبو بكر بن عياش عن هشام يعني ابن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة فخرج إلى البرية فقالت امرأته اللهم ارزقنا ما نعتجن ونختبز قال فاذا الجفنة ملأى خميرا والرحا تطحن والتنور ملأى خبزا وشواء قال فجاء زوجها فقال عندكم شيء قالت نعم رزق الله فرفع الرحى فكنس ما حوله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال لو تركها لدارت إلى يوم القيامة وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا أبو إسمعيل الترمذي ثنا أبو صالح عبد الله ابن صالح حدثني الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رجلا من الأنصار كان ذا حاجة فخرج وليس عند أهله شيء فقالت امرأته لو حركت رحاي وجعلت في تنوري سعفات فسمع جيراني صوت الرحا ورأوا الدخان فظنوا أن عندنا طعاما وليس بنا خصاصة فقامت إلى تنورها فأوقدته وقعدت تحرك الرحا قال فأقبل زوجها وسمع الرحا فقامت إليه لتفتح له الباب فقال ماذا كنت تطحنين فأخبرته فدخلا وإن رحاهما لتدور وتصب دقيقا فلم يبق في البيت وعاء إلا ملئ ثم خرجت إلى تنورها فوجدته مملوءا خبزا فأقبل زوجها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم قال فما فعلت الرحا قال رفعتها ونفضتها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو تركتموها ما زالت لكم حياتي أو قال حياتكم وهذا الحديث غريب سندا ومتنا حديث آخر
وقال مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ضافه ضيف (6/119)
كافر فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن المسلم يشرب في معا واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء ورواه مسلم من حديث مالك
حديث آخر
قال الحافظ البيهقي أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار حدثني محمد ابن الفضل بن حاتم ثنا الحسين بن عبد الأول ثنا حفص بن غياث ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال ضاف النبي صلى الله عليه و سلم أعرابي قال فطلب له شيئا فلم يجد إلا كسرة في كوة قال فجزأها رسول الله صلى الله عليه و سلم أجزاء ودعا عليها وقال كل قال فأكل فأفضل قال فقال يا محمد إنك لرجل صالح فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اسلم فقال إنك لرجل صالح ثم رواه البيهقي من حديث سهل بن عثمان عن حفص بن غياث باسناده نحوه حديث آخر
قال الحافظ البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال وفيما ذكر عبدان الأهوازي ثنا محمد بن زياد البرجمي ثنا عبيد الله بن موسى عن مسعر عن زبيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال أضاف النبي صلى الله عليه و سلم ضيف فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد عند واحدة منهن شيئا فقال اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فانه لا يملكها إلا أنت قال فأهديت له شاة مصلية فقال هذا من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة قال أبو علي حدثنيه محمد بن عبدان الأهوازي عنه قال والصحيح عن زبيد مرسلا حدثناه محمد ابن عبدان حدثنا أبي ثنا الحسن بن الحرث الأهوازي أنا عبيد الله بن موسى عن مسعر عن زبيد فذكره مرسلا حديث آخر
قال البيهقي أنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا أبو عمر بن حمدان أنا الحسن بن سفيان ثنا إسحاق بن منصور ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا عمرو بن بشر بن السرح ثنا الوليد بن سليمان ابن أبي السائب ثنا واثلة بن الخطاب عن أبيه عن جده واثلة بن الأسقع قال حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل البيعة فانطلق به فعشاه فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد وأصبحنا صباحا وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها هل عندها (6/120)
شيء فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فاجتمعوا فدعا وقال اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فانها بيدك لا يملكها أحد غيرك فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن فاذا بشاة مصلية ورغف فامر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعت بين أيدينا فأكلنا حتى شبعنا فقال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إنا سألنا الله من فضله ورحمته فهذا فضله وقد ادخر لنا عنده رحمته
حديث الزراع
قال الامام أحمد حدثنا إسماعيل ثنا يحيى بن إسحاق حدثني رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبد الله قال حدثني فلان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتي بطعام من خبز ولحم فقال ناولني الذراع فنوول ذراعا قال يحيى لا أعلمه إلا هكذا ثم قال ناولني الذراع فنوول ذراعا فاكلها ثم قال ناولني الذراع فقال يا رسول الله إنما هما ذراعان فقال وأبيك لو سكت ما زلت أناول منها ذراعا ما دعوت به فقال سالم أما هذه فلا سمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم هكذا وقع إسناد هذا الحديث وهو عن مبهم عن مثله وقد روى من طرق أخرى قال الامام أحمد حدثنا خلف بن الوليد حدثنا أبو جعفر يعني الرازي عن شرحبيل عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه و سلم قال أهديت له شاة فجعلها في القدر فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما هذا يا أبا رافع قال شاة أهديت لنا يا رسول الله فطبختها في القدر فقال ناولني الذراع يا ابا رافع فناولته الذراع ثم قال ناولني الذراع الآخر فناولته الذراع الآخر ثم قال ناولني الذراع الآخر فقال يا رسول الله إنما للشاة ذراعان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما إنك لو سكت لناولتني ذراعاذ فذراعا ما سكت ثم دعا بماء فمضمض فاه وغسل أطراف أصابعه ثم قام فصلى ثم عاد إليهم فوجد عندهم لحما باردا فأكل ثم دخل المسجد فصلى ولم يمس ماء
طريق اخرى عن أبي رافع
قال الامام أحمد ثنا مؤمل ثنا حماد حدثني عبد الرحمن بن ابي رافع عن عمته عن أبي رافع قال صنع لرسول الله صلى الله عليه و سلم شاة مصلية فاتى بها فقال لي يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته ثم قال يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته ثم قال يا أبا رافع ناولني الذراع فقلت يا رسول الله وهل للشاة إلا ذراعان فقال لو سكت لناولتني منها ما دعوت به قال وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجبه الذراع قلت ولهذا لما علمت اليهود عليهم لعائن الله بخيبر سموه في الذراع في تلك الشاة التي أحضرتها زينب اليهودية فأخبره الذراع بما فيه السم لما نهس منه نهسة كما قدمنا ذلك في غزوة خيبر مبسوطا (6/121)
طريق اخرى
قال الحافظ أبو يعلى ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا زيد بن الحباب حدثني قائد مولى عبيد الله بن أبي رافع قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الخندق بشاة في مكتل فقال يا ابا رافع ناولني الذراع فناولته ثم قال يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته ثم قال يا أبا رافع ناولني الذراع فقلت يا رسول الله أللشاة إلا ذراعان فقال لو سكت ساعة ناولتنيه ما سألتك فيه انقطاع من هذا الوجه وقال أبو يعلى أيضا ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا فضيل بن سليمان ثنا قايد مولى عبيد الله حدثني عبيد الله أن جدته سلمى أخبرته أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث إلى ابي رافع بشاة وذلك يوم الخندق فيما أعلم فصلاها أبو رافع ليس معها خبز ثم انطلق بها فلقيه النبي صلى الله عليه و سلم راجعا من الخندق فقال يا أبا رافع ضع الذي معك فوضعه ثم قال يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته ثم قال يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته ثم قال يا أبا رافع ناولني الذراع فقلت يا رسول الله هل للشاة غير ذراعين فقال لو سكت لناولتني ما سألتك وقد روى من طريق أبي هريرة قال الامام أحمد ثنا الضحاك ثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أن شاة طبخت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطني الذراع فناولته إياه فقال أعطني الذراع فناولته إياه ثم قال أعطني الذراع فناولته إياه ثم قال أعطني الذراع فقال يا رسول الله إنما للشاة ذراعان قال أما إنك لو التمستها لوجدتها
حديث آخر
قال الامام أحمد حدثنا وكيع عن دكين بن سعيد الخثعمي قال أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام فقال النبي صلى الله عليه و سلم لعمر قم فأعطهم فقال يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية قال وكيع القيظ في كلام العرب أربعة أشهر قال قم فأعطهم قال يا رسول الله سمعا وطاعة قال فقام عمر وقمنا معه فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجرته ففتح الباب قال دكين فاذا في الغرفة من التمر شبيه بالفصيل الرابض قال شأنكم قال فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء ثم التفت وإني لمن آخرهم فكأنا لم نرزأ منه تمرة ثم رواه أحمد عن محمد ويعلى أبي عبيد عن إسماعيل وهو ابن أبي خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم عن دكين به ورواه أبو داود عن عبد الرحيم بن مطرف الرواسي عن عيسى بن يونس عن إسماعيل به حديث آخر
قال علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا حشرج بن نباتة ثنا أبو نضرة حدثني أبو رجاء قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فاذا هو برسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا قال إني أجهد أن أرويه فما أطيق ذلك فقال (6/122)
له رسول الله صلى الله عليه و سلم تجعل لي مائة تمرة أختارها من تمرك قال نعم فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم الغرب فما لبث أن ارواه حتى قال الرجل غرقت حائطي فاختار رسول الله صلى الله عليه و سلم من تمره مائة تمره قال فأكل هو وأصحابه حتى شبعوا ثم رد عليه مائة تمرة كما أخذها هذا حديث غريب أورده الحافظ ابن عساكر في دلائل النبوة من اول تاريخه بسنده عن علي بن عبد العزيز البغوي كما أوردناه وقد تقدم في ذكر إسلام سلمان الفارسي ما كان من أمر النخيل التي غرسها رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده الكريمة لسلمان فلم يهلك منهن واحدة بل أنجب الجميع وكن ثلثمائة وما كان من تكثيره الذهب حين قلبه على لسانه الشريف حتى قضى منه سلمان ما كان عليه من نجوم كتابته وعتق رضي الله عنه وأرضاه
باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه و سلم
قد تقدم الحديث الذي رواه مسلم من حديث حاتم بن إسمعيل عن أبي حرزة يعقوب بن مجاهد عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن جابر بن عبد الله قال سرنا مع النبي صلى الله عليه و سلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقضي حاجته فأبتعته بأداوة من ماء فنظر فلم ير شيئا يستتر به وإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها وقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما وقال التئما علي بإذن الله فالتأمتا قال جابر فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي فيبعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا وقلمت كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله وقف وقفة وقال برأسه هكذا يمينا وشمالا وذكر تمام الحديث في قصة الماء وقصة الحوت الذي دسره البحر كما تقدم ولله الحمد والمنة
حديث آخر
قال الامام أحمد حدثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي سفيان وهو طلحة بن نافع عن أنس قال جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء من ضربة بعض أهل مكة قال فقال له مالك فقال فعل بي هؤلاء وفعلوا قال فقال له جبريل أتحب أن أريك آية قال فقال نعم قال فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال ادع تلك الشجرة فدعاها قال فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه فقال مرها فلترجع فأمرها فرجعت إلى مكانها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حسبي وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجه (6/123)
عن محمد بن طريف عن أبي معاوية
حديث آخر
روى البيهقي من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن عمر بن الخطاب أن رسول الله كان على الحجون كئيبا لما أذاه المشركون فقال اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها قال فأمر فنادى شجرة من قبل عقبة المدينة فأقبلت تخد الأرض حتى انتهت إليه قال ثم أمرها فرجعت إلى موضعها قال فقال ما أبالي من كذبني بعدها من قومي ثم قال البيهقي أنا الحاكم وأبو سعيد بن عمرو قالا ثنا الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن مبارك ابن فضالة عن الحسن قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ما شاء الله من تكذيب قومه إياه فقال يا رب أرني ما أطمئن إليه ويذهب عني هذا الغم فأوحى الله إليه ادع إليك أي أغصان هذه الشجرة شئت قال فدعا غصنا فانتزع من مكانه ثم خد في الأرض حتى جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله ارجع إلى مكانك فرجع فحمد الله رسول الله وطابت نفسه وكان قد قال المشركون أفضلت اباك وأجدادك يا محمد فأنزل الله أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون الآيات وقال البيهقي وهذا المرسل يشهد له ما قبله حديث آخر
قال الامام أحمد ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي ظبيان وهو حصين بن جندب عن ابن عباس قال أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل من بني عامر فقال يا رسول الله أرني الخاتم الذي بين كتفيك فاني من أطب الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا أريك آية قال بلى قال فنظر إلى نخلة فقال ادع ذلك العذق فدعاه فجاء ينقز بين يديه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ارجع فرجع الى مكانه فقال العامري يا آل بني عامر ما رأيت كاليوم رجلا اسحر من هذا هكذا رواه الإمام أحمد وقد أسنده البيهقي من طريق محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن عندي طبا وعلما فما تشتكي هل يريبك من نفسك شيء إلى ما تدعو قال أدعو إلى الله والاسلام قال فانك لتقول قولا فهل لك من آية قال نعم إن شئت أريتك آية وبين يديه شجرة فقال لغصن منها تعال يا غصن فانقطع الغصن من الشجرة ثم أقبل ينقز حتى قام بين يديه فقال ارجع إلى مكانك فرجع فقال العامري يا آل عامر بن صعصعة لا ألومك على شيء قلته أبدا [ وهذا يقتضي أنه سالم الأمر ولم يجب من كل وجه ] وقد قال البيهقي أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا ابن أبي قماش ثنا ابن عائشة عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن سالم بن (6/124)
أبي الجعد عن ابن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله فقال ما هذا الذي يقول أصحابك قال وحول رسول الله أعذاق وشجر قال فقال رسول الله هل لك أن أريك آية قال نعم قال فدعا عدقا منها فأقبل يخد الأرض حتى وقف بين يديه يخد الأرض ويسجد ويرفع رأسه حتى وقف بين يديه ثم أمره فرجع قال العامري وهو يقول يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء يقوله أبدا
طريق أخرى فيها أن العامري أسلم
قال البيهقي أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو علي حامد بن محمد بن الوفا أنا علي بن عبد العزيز ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني أنا شريك عن سماك عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بما أعرف أنك رسول الله قال أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله قال نعم قال فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل ينقز حتى أتى رسول الله ثم قال له ارجع فرجع حتى عاد إلى مكانه فقال أشهد أنك رسول الله وآمن قال البيهقي رواه البخاري في التاريخ عن محمد بن سعيد الأصبهاني قلت ولعله قال أولا إنه سحر ثم تبصر لنفسه فأسلم وآمن لما هداه الله عز و جل والله أعلم
حديث آخر عن أبي عمر في ذلك
قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الوراق أنا الحسين بن سفيان أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي ثنا محمد بن فضيل عن أبي حيان عن عطاء عن ابن عمر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله أين تريد قال إلى أهلي قال هل لك إلى خير قال ما هو قال تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله قال هل من شاهد على ما تقول قال هذه الشجرة فدعاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي على شاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض خدا فقامت بين يديه فاستشهد ثلاثا فشهدت أنه كما قال ثم إنها رجعت إلى منبتها ورجع الأعرابي إلى قومه فقال إن يتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه ولا رواه الامام أحمد والله أعلم
باب حنين الجزع شوقا الى رسول الله وشغفا من فراقه
وقد ورد من حديث جماعة من الصحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن وفرسان هذا الميدان
الحديث الأول عن ابي كعب
قال الامام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله حدثنا إبراهيم بن محمد قال (6/125)
أخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي إلى جذع نخلة إذ كان المسجد عريشا وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال رجل من أصحابه يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع الناس خطبتك قال نعم فصنع له ثلاث درجات هن اللاتي على المنبر فلما صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بدا للنبي صلى الله عليه و سلم أن يقوم على ذلك المنبر فيخطب عليه فمر إليه فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى تصدع وانشق فنزل لنبي صلى الله عليه و سلم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه فكان عنده حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا وهكذا رواه الامام أحمد بن حنبل عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل عن أبي بن كعب فذكره وعنده فمسحه بيده حتى سكن ثم رجع إلى المنبر وكان إذا صلى صلى إليه والباقي مثله وقد رواه ابن ماجه عن إسمعيل بن عبد الله الرقي عن عبيد الله بن عمرو الرقي به
الحديث الثاني عن أنس بن مالك
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي ثنا أبو خيثمة ثنا عمرو بن يونس الحنفي ثنا عكرمة بن عمار ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب الناس فجاءه رومي فقال ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم فصنع له منبرا درجتان ويقعد على الثالثة فلما قعد نبي الله على المنبر خار كخوار الثور ارتج لخواره حزنا على رسول الله فنزل إليه رسول الله من المنبر فالتزمه وهو يخور فلما التزمه سكت ثم قال والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى يوم القيامة حزنا على رسول الله فأمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم فدفن وقد رواه الترذمي عن محمود بن غيلان عن عمر بن يونس به وقال صحيح غريب من هذا الوجه
طريق أخرى عن انس
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ثنا هدبة ثنا حماد عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يخطب إلى جذع نخلة فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى احتضنه فسكن وقال لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن خلاد عن بهز بن أسد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وعن حماد عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس به وهذا إسناد على شرط مسلم (6/126)
طريق اخرى عن أنس
قال الامام أحمد حدثنا هاشم ثنا المبارك عن الحسن عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة فلما كثر الناس قال ابنوا لي منبرا أراد أن يسمعهم فبنوا له عتبتين فتحول من الخشبة إلى المنبر قال فأخبر أنس بن مالك أنه سمع الخشبة تحن حنين الواله قال فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت تفرد به أحمد وقد رواه أبو القاسم البغوي عن شيبان بن فروخ عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس فذكره وزاد فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله شوقا إليه لمكانه من الله فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه وقد رواه الحافظ أبو نعيم من حديث الوليد بن مسلم عن سالم بن عبد الله الخياط عن أنس بن مالك فذكره طريق اخرى عن أنس
قال أبو نعيم ثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن محمد بن أبي اسامة ثنا يعلى بن عباد ثنا الحكم عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب إلى جذع فحن الجذع فاحتضنه وقال لو لم أحتضنه لحن الى يوم القيامة
الحديث الثالث عن جابر بن عبد الله
قال الامام أحمد حدثنا وكيع ثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب إلى جذع نخلة قال فقالت امرأة من الأنصار وكان لها غلام نجار يا رسول الله إن لي غلاما نجارا افآمره أن يتخذ لك منبرا تخطب عليه قال بلى قال فاتخذ له منبرا قال فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر قال فأن الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبي فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن هذا بكى لما فقد من الذكر هكذا رواه أحمد وقد قال البخاري ثنا عبد الواحد ابن ايمن قال سمعت أبي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا قال إن شئتم فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه و سلم فضمه إليه يئن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها وقد ذكره البخاري في غير ما موضع من صحيحه من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه وهو أيمن الحبشي المكي مولى ابن أبي عمرة المخزومي عن جابر به
طريق اخرى عن جابر
قال البخاري ثنا إسماعيل حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد حدثني (6/127)
حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري يقول كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه و سلم فوضع يده عليها فسكنت تفرد به البخاري
طريق أخرى عنه
قال الحافظ أبو بكر البزار ثنا محمد بن المثنى ثنا ابو المساور ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح وهو ذكوان عن جابر بن عبد الله وعن إسحاق عن كريب عن جابر قال كانت خشبة في المسجد يخطب إليها النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا لو اتخذنا لك مثل الكرسي تقوم عليه ففعل فحنت الخشبة كما تحن الناقة الحلوج فأتاه فاحتضنها فوضع يده عليها فسكنت قال أبو بكر البزار وأحسب أنا قد حدثناه عن أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر وعن أبي إسحاق عن كريب عن جابر بهذه القصة التي رواها أبو المساور عن أبي عوانة وحدثناه محمد ابن عثمان بن كرامة ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن أبي كريب عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم بنحوه والصواب إنما هو سعيد بن أبي كريب وكريب خطأ ولا يعلم يروي عن سعيد بن أبي كريب إلا أبا إسحاق قلت ولم يخرجوه من هذا الوجه وهو جيد
طريق اخرى عن جابر
قال الامام أحمد ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن أبي كريب عن جابر بن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يخطب إلى خشبة فلما جعل له منبر حنت حنين الناقة فأتاها فوضع يده عليها فسكنت تفرد به أحمد طريق اخرى عن جابر
قال الحافظ أبو بكر البزار ثنا محمد بن معمر ثنا محمد بن كثير ثنا سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل له المنبر فلما جعل المنبر حن الجذع حتى سمعنا حنينه فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم يده عليه فسكن قال البزار لا نعلم رواه عن الزهري إلا سليمان بن كثير قلت وهذا إسناد جيد رجاله على شرط الصحيح ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة وقال الحافظ أبو نعيم في الدلائل ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن رجل سماه عن جابر ثم أورده من طريق أبي عاصم بن علي عن سليمان بن كثير عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن جابر مثله ثم قال ثنا أبو بكر بن خلاد ثنا أحمد ابن علي الخراز حدثنا عيسى بن المساور ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير (6/128)
عن أبي سلمة عن جابر أن رسول الله كان يخطب إلى جذع فلما بنى المنبر حن الجذع فاحتضنه فسكن وقال لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ثم رواه من حديث أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر وعن أبي إسحاق عن كريب عن جابر مثله
طريق اخرى عن جابر
قال الامام أحمد ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج وروح قال حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع له منبره واستوى عليه فاضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعتنقها فسكنت وقال روح فسكتت وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يخرجوه طريق اخرى عن جابر
قال الامام أحمد ثنا ابن أبي عدي عن سليمان عن أبي نضرة عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوم في أصل شجرة أو قال إلى جذع ثم اتخذ منبرا قال فحن الجذع قال جابر حتى سمعه أهل المسجد حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فمسحه فسكن فقال بعضهم لو لم يأته لحن إلى يوم القيامة وهذا على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجه عن بكير بن خلف عن ابن أبي عدي عن سليمان التيمي عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطفة العبدي النضري عن جابر به
الحديث الرابع عن سهل بن سعد
قال أبو بكر بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم قال أتوا سهل بن سعد فقالوا من أي شيء منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستند إلى جذع في المسجد يصلي إليه إذا خطب فلما اتخذ المنبر فصعد حن الجذع حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوطنه حتى سكن وأصل هذا الحديث في الصحيحين وإسناده على شرطهما وقد رواه إسحاق بن راهويه وابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده ورواه عبد الله بن نافع وابن وهب عن عبد الله بن عمر عن ابن عباس بن سهل عن أبيه فذكره ورواه ابن لهيعة عن عمارة بن عرفة عن ابن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه بنحوه
الحديث الخامس عن عبد الله بن عباس
قال الامام أحمد حدثنا عفان ثنا حماد عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حن عليه فأتاه فاحتضنه فسكن قال ولو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة وهذا الاسناد على شرط مسلم ولم (6/129)
يروه إلا ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة
الحديث السادس عن عبد الله بن عمر
قال البخاري ثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان ثنا أبو حفص واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء قال سمعت نافعا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه وقال عبد الحميد أنا عثمان بن عمر أنا معاذ بن العلاء عن نافع بهذا ورواه أبو عاصم عن ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم هكذا ذكره البخاري وقد رواه الترمذي عن عمرو بن علي الفلاس عن عثمان بن عمرو ويحيى بن كثير عن أبي غسان العنبري كلاهما عن معاذ بن العلاء به وقال حسن صحيح غريب قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في أطرافه ورواه علي بن نصر بن علي الجهضمي وأحمد بن خالد الخلال وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في آخرين عن عثمان بن عمر عن معاذ ابن العلاء قال وعبد الحميد هذا يعني الذي ذكره البخاري يقال إنه عبد بن حميد والله أعلم قال شيخنا وقد قيل إن قول البخاري عن أبي حفص واسمه عمرو بن العلاء وهم والصواب معاذ ابن العلاء كما وقع في رواية الترمذي قلت وليس هذا ثابتا في جميع النسخ ولم أر في النسخ التي كتبت منها تسميته بالكلية والله أعلم وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو نعيم من حديث عبد الله ابن رجاء عن عبيد الله بن عمر ومن حديث أبي عاصم عن ابن أبي رواد كلاهما عن نافع عن ابن عمر قال قال تميم الداري ألا نتخذ لك منبرا فذكر الحديث
طريق اخرى عن ابن عمر
قال الامام احمد ثنا حسين ثنا خلف عن أبي خباب وهو يحيى بن أبي حية عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال كان جذع نخلة في المسجد يسند رسول الله صلى الله عليه و سلم ظهره إليه إذا كان يوم جمعة أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس فقالوا ألا نجعل لك يا رسول الله شيئا كقدر قيامك قال لا عليكم إن تفعلوا فصنعوا له منبرا ثلاث مراقي قال فجلس عليه قال فخار الجذع كما تخور البقرة جزعا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فالتزمه ومسحه حتى سكن تفرد به أحمد
الحديث السابع عن أبي سعيد الخدري
قال عبد بن حميد الليثي ثنا علي بن عاصم عن الحريري عن أبي نضرة العبدي حدثني أبو سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة فقال له الناس يا رسول الله إنه قد كثر الناس يعني المسلمين وإنهم ليحبون أن يروك فلو اتخذت منبرا تقوم عليه ليراك الناس قال نعم من يجعل لنا هذا المنبر فقام إليه رجل فقال أنا قال تجعله (6/130)
قال نعم ولم يقل إن شاء الله قال ما اسمك قال فلان قال اقعد فقعد ثم عاد فقال من يجعل لنا هذا المنبر فقام إليه رجل فقال أنا فقال تجعله قال نعم ولم يقل إن شاء الله قال ما اسمك قال فلان قال اقعد فقعد ثم عاد فقال من يجعل لنا هذا المنبر فقام إليه رجل فقال أنا قال تجعله قال نعم ولم يقل إن شاء الله قال ما اسمك قال فلان قال اقعد فقعد ثم عاد فقال من يجعل لنا هذا المنبر فقام إليه رجل فقال أنا قال تجعله قال نعم إن شاء الله قال ما اسمك قال إبراهيم قال اجعله فلما كان يوم الجمعة اجتمع الناس للنبي صلى الله عليه و سلم في آخر المسجد فلما صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم المنبر فاستوى عليه فاستقبل الناس وحنت النخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد قال فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المنبر فاعتنقها فلم يزل حتى سكنت ثم عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن هذه النخلة إنما حنت شوقا إلى رسول الله لما فارقها فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة وهذا إسناد على شرط مسلم ولكن في السياق غرابة والله تعالى أعلم
طريق اخرى عن أبي سعيد
قال الحافظ أبو يعلى ثنا مسروق بن المرزبان ثنا زكريا عن مجالد عن أبي الوداك وهو جبر ابن نوف عن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقوم إلى خشبة يتوكأ عليها يخطب كل جمعة حتى أتاه رجل من الروم فقال إن شئت جعلت لك شيئا إذا قعدت عليه كنت كأنك قائم قال نعم قال فجعل له المنبر فلما جلس عليه حنت الخشبة حنين الناقة على ولدها حتى نزل النبي صلى الله عليه و سلم فوضع يده عليها فلما كان الغد رأيتها قد حولت فقلنا ما هذا قالوا جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر البارحة فحولوها وهذا غريب أيضا
الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها
رواه الحافظ من حديث علي بن أحمد الحوار عن قبيصة عن حبان بن علي عن صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة عن عائشة فذكر الحديث بطوله وفيه أنه خيره بين الدنيا والآخره فاختار الجذع الآخرة وغار حتى ذهب فلم يعرف هذا حديث غريب إسنادا ومتنا
الحديث التاسع عن ام سلمة رضي الله عنها
روى أبو نعيم من طريق شريك القاضي وعمرو بن أبي قيس ومعلى بن هلال ثلاثتهم عن عمار الذهبي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة قالت كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم خشبة يستند إليها إذا خطب فصنع له كرسي أو منبر فلما فقدته خارت كما يخور الثور حتى سمع أهل المسجد فأتاها رسول الله صلى الله عليه و سلم فسكنت هذا لفظ شريك وفي رواية معلى بن هلال أنها كانت من دوم (6/131)
وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه وقد روى الامام أحمد والنسائي من حديث عمار الذهبي عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قوائم منبري في زاوية في الجنة وروى النسائي أيضا بهذا الاسناد ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فهذه الطرق من هذه الوجوه تفيد القطع بوقوع ذلك عند أئمة هذا الفن وكذا من تأملها وأنعم فيها النظر والتأمل مع معرفته بأحوال الرجال وبالله المستعان وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو احمد بن ابي الحسن ثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي قال قال أبي يعني أبا حاتم الرازي قال عمرو بن سواد قال لي الشافعي ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه و سلم فقلت له أعطى عيسى إحياء الموتى فقال أعطى محمدا الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيء له المنبر فلما هيء له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك
باب تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة و السلام
قال الحافظ أبو بكر البيهقي أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا الكديمي ثنا قريش بن أنس ثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن رجل يقال له سويد ابن يزيد السلمي قال سمعت ابا ذر يقول لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته كنت رجلا أتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأيته يوما جالسا وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست إليه فجاء أبو بكر فسلم عليه ثم جلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم جاء عمر فسلم وجلس عن يمين أبي بكر ثم جاء عثمان فسلم وجلس عن يمين عمر وبين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع حصيات أو قال تسع حصيات فأخذهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل ثم وضعهن فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل ثم وضعهن فخرسن ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل ثم وضعهن فخرسن ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل ثم وضعهن فخرسن فقال النبي صلى الله عليه و سلم هذه خلافة النبوة قال البيهقي وكذلك رواه محمد بن يسار عن قريش ابن أنس عن صالح بن ابي الأخضر وصالح لم يكن حافظا والمحفوظ عن أبي حمزة عن الزهري قال ذكر الوليد بن سويد هذا الحديث عن أبي ذر هكذا قال البيهقي وقد قال محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات التي جمع فيها أحاديث الزهري حدثنا أبو اليمان ثنا شعيب قال ذكر الوليد ابن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر أنه بينما هو قاعد يوما (6/132)
في ذلك المجلس وأبو ذر في المجلس إذ ذكر عثمان بن عفان يقول السلمي فأنا أظن أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لا نزاله إياه بالربذة فلما ذكر له عثمان عرض له أهل العلم بذلك وهو يظن ان في نفسه عليه معتبة فلما ذكره قال لا تقل في عثمان إلا خيرا فإني اشهد لقد رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا أنساه حتى أموت كنت رجلا ألتمس خلوات النبي صلى الله عليه و سلم لأسمع منه أو لآخذ عنه فهجرت يوما من الأيام فاذا النبي صلى الله عليه و سلم قد خرج من بيته فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيت فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس وكأني حينئذ أرى أنه في وحي فسلمت عليه فرد السلام ثم قال ما جاء بك فقلت جاء بي الله ورسوله فأمرني أن أجلس فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء ولا يذكره لي فمكثت غير كثير فجاء أبو بكر يمشي مسرعا فسلم عليه فرد السلام ثم قال ما جاء بك قال جاء بي الله ورسوله فأشار بيده أن اجلس فجلس إلى ربوة مقابل النبي صلى الله عليه و سلم بينه وبينها الطريق حتى إذا استوى أبو بكر جالسا فأشار بيده فجلس إلى جنبي عن يميني ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك وقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ذلك وجلس إلى جنب ابي بكر على تلك الربوة ثم جاء عثمان فسلم فرد السلام وقال ما جاء بك قال جاء بي الله ورسوله فأشار إليه بيده فقعد إلى الربوة ثم أشار بيده فقعد إلى جنب عمر فتكلم النبي صلى الله عليه و سلم بكلمة لم أفقه أولها غير أنه قال قليل ما يبقين ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب من ذلك فسبحن في يده حتى سمع لهن حنينا كحنين النخل في كف النبي صلى الله عليه و سلم ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني فسبحن في كف أبي بكر كما سبحن في كف النبي صلى الله عليه و سلم ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن فصرن حصا ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما سبحن في كف أبي بكر ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه نحو ما سبحن في كف أبي بكر وعمر ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن قال الحافظ ابن عساكر رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري فقال عن رجل يقال له سويد بن يزيد السلمي وقول شعيب أصح [ وقال أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة وقد روى داود بن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن الحرشي عن جبير بن نفير عن أبي ذر مثله ورواه شهر بن حوشب وسعيد بن المسيب عن أبي سعيد قال وفيه عن ابي هريرة ] وقد تقدم ما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل
حديث آخر في ذلك
روى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص قال حدثني أبو أمي مالك بن حمزة بن ابي أسيد الساعدي عن أبيه عن جده أبي أسيد الساعدي قال (6/133)
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس بن عبد المطلب يا ابا الفضل لا ترم منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم فان لي فيكم حاجة فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى فدخل عليهم فقال السلام عليكم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قال كيف أصبحتم قالوا أصبحنا بخير نحمد الله فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله قال أصبحت بخير أحمد الله فقال لهم تقاربوا تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال يا رب هذا عمي وصنو أبي وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كسترتي إياهم بملاءتي هذه وقال فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت آمين آمين آمين وقد رواه أبو عبد الله بن ماجه في سننه مختصرا عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي عن عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص الوقاصي الزهري روى عنه جماعة وقد قال ابن معين لا أعرفه وقال أبو حاتم يروي أحاديث مشبهة
حديث آخر
قال الامام أحمد ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا إبراهيم بن طهمان حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن رواه مسلم عن أبي بكر بن ابي شيبة عن يحيى بن أبي بكير به ورواه أبو داود الطيالسي عن سليمان بن معاذ عن سماك به حديث آخر
قال الترمذي ثنا عباد بن يعقوب الكوفي ثنا الوليد بن أبي ثور عن السدي عن عباد بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله ثم قال وهذا حديث حسن غريب وقد رواه غير واحد عن الوليد بن أبي ثور وقالوا عن عباد بن أبي يزيد منهم فروة بن أبي الفرا ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث زياد بن خيثمة عن السدي عن أبي عمارة الحيواني عن علي قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل لا يمر على شجر ولا حجر إلا سلم عليه وقدمنا في المبعث أنه عليه السلام لما رجع وقد اوحي إليه جعل لا يمر بحجر ولا شجر ولا مدر ولا شيء إلا قال له السلام عليك يا رسول الله وذكرنا في وقعة بدر ووقعة حنين رميه عليه السلام بتلك القبضة من التراب وأمره اصحابه أن يتبعوها بالحملة الصادقة فيكون النصر والظفر والتأييد عقب ذلك سريعا أما في وقعة بدر فقد قال الله تعالى في سياقها في سورة الأنفال وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى الآية وأما في غزوة حنين فقد ذكرناه في الأحاديث باسانيده وألفاظه بما أغني عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة (6/134)
حديث آخر
ذكرنا في غزوة الفتح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دخل المسجد الحرام فوجد الأصنام حول الكعبة فجعل يطعنها بشيء في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد وفي رواية أنه جعل لا يشير إلى صنم منها إلا خر لقفاه وفي رواية إلا سقط وقال البيهقي انا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر وأحمد بن عيسى اللخمي قالا ثنا بشر بن بكير أنا الأوزاعي عن ابن شهاب أنه قال أخبرني القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا مستترة بقرام فهتكه ثم قال إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله قال الأوزاعي وقالت عائشة أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بترس فيه تمثال عقاب فوضع عليه يده فأذهبه الله عز و جل
باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة
قصة البعير الناد وسجوده له وشكواه اليه
قال الامام أحمد حدثنا حسين ثنا خلف عن خليفة عن حفص هو ابن عمر عن عمه أنس بن مالك قال كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وأن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا إنه كان لنا جمل نسني عليه وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه قوموا فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته فمشى النبي صلى الله عليه و سلم نحوه فقالت الأنصار يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب الكلب وإنا نخاف عليك صولته فقال ليس علي منه بأس فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن أحق أن نسجد لك فقال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه وهذا إسناد جيد وقد روى النسائي بعضه من حديث خلف ابن خليفة به
رواية جابر في ذلك
قال الإمام أحمد حدثنا مصعب بن سلام سمعته من أبي مرتين ثنا الأجلح عن الذيال بن (6/135)
حرملة عن جابر بن عبد الله قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه قال فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره إلى الأرض حتى برك بين يديه قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هاتوا خطاما فخطمه ودفعه إلى صاحبه قال ثم التفت إلى الناس فقال إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس تفرد به الإمام أحمد وسيأتي عن جابر من وجه أخر بسياق آخر إن شاء الله وبه الثقة
رواية ابن عباس
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ثنا بشر بن موسى ثنا يزيد بن مهران أخو خالد الجيار ثنا أبو بكر بن عياش عن الأجلح عن الذيال بن حرملة عن ابن عباس قال جاء قوم إلى رسول الله فقالوا يا رسول الله إن لنا بعيرا قد ند في حائط فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال تعال فجاء مطأطئا رأسه حتى خطمه وأعطاه أصحابه فقال له أبو بكر الصديق يا رسول الله كأنه علم أنك نبي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبي الله إلا كفرة الجن والإنس وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جدا والأشبه رواية الامام أحمد عن جابر اللهم إلا أن يكون الأجلح قد رواه عن الذيال عن جابر وعن ابن عباس والله أعلم
طريق اخرى عن ابن عباس
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ثنا أبو عون الزيادي ثنا أبو عزة الدباغ عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من الأنصار كان له فحلان فاغتلما فأدخلهما حائطا فسد عليهما الباب ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأراد أن يدعو له والنبي قاعد معه نفر من الأنصار فقال يا نبي الله إني جئت في حاجة فان فحلين لي اغتلما وإني أدخلتهما حائطا وسددت عليهما الباب فاحب أن تدعو لي أن يسخرهما الله لي فقال لأصحابه قوموا معنا فذهب حتى أتى الباب فقال افتح فأشفق الرجل على النبي صلى الله عليه و سلم فقال افتح ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريبا من الباب فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم سجد له فقال رسول الله ائت بشيء أشد رأسه وأمكنك منه فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه منه ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر فلما رآه وقع له ساجدا فقال للرجل ائتني بشيء أشد رأسه فشد رأسه وأمكنه منه فقال اذهب فإنهما لا يعصيانك فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك قالوا يا رسول الله هذان فحلان سجدا لك أفلا نسجد لك قال لا آمر أحدا أن يسجد لأحد ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها وهذا إسناد غريب ومتن غريب (6/136)
ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتابه دلائل النبوة عن أحمد بن حمدان السحري عن عمر بن محمد بن بجير البحتري عن بشر بن آدم عن محمد بن عون أبي عون الزيادي به وقد رواه أيضا من طريق مكي بن إبراهيم عن قائد أبي الورقاء عن عبد الله بن ابي أوفى عن النبي صلى الله عليه و سلم بنحو ما تقدم عن ابن عباس
رواية أبي هريرة
قال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه أخبرنا أحمد بن حمدان أنا عمر بن محمد بن بجير حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال انطلقنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ناحية فأشرفنا إلى حائط فاذا نحن بناضح فلما أقبل الناضح رفع رأسه فبصر برسول الله صلى الله عليه و سلم فوضع جرانه على الأرض فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فنحن أحق أن نسجد لك من هذه البهيمة فقال سبحان الله أدون الله ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد دون الله ولو أمرت أحد أن يسجد لشيء من دون الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها
رواية عبد الله بن جعفر في ذلك
قال الامام أحمد حدثنا يزيد ثنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر ح وثنا بهز وعفان قالا ثنا مهدي ثنا محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال أردفني رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم خلفه فاسر إلي حديثا لا أخبر به أحدا أبدا وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل فدخل يوما حائطا من حيطان الأنصار فاذا جمل قد اتاه فجرجر وذرفت عيناه وقال بهز وعفان فلما رأى رسول الله حن وذرفت عيناه فمسح رسول الله سراته وذفراه فسكن فقال من صاحب الجمل فجاء فتى من الانصار فقال هو لي يا رسول الله فقال أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله لك إنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه وقد رواه مسلم من حديث مهدي بن ميمون به
رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك
قال الامام أحمد ثنا عبد الصمد وعفان قالا ثنا حماد هو ابن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل اسود ومن جبل أسود إلى جبل ابيض كان ينبغي (6/137)
لها أن تفعله وهذا الاسناد على شرط السنن وإنما روى ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن حماد به لو أمرت أحدا أن يسحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها إلى آخره
رواية يعلى بن مرة الثقفي أو هي قصة أخرى
قال الامام أحمد ثنا أبو سلمة الخزاعي ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن حسين عن أبي جبيرة عن يعلى بن سيابة قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في مسير له فأراد أن يقضي حاجته فأمر وديتين فانضمت إحداهما إلى الأخرى ثم أمرهما فرجعتا إلى منابتهما وجاء بعير فضرب بجرانه إلى الأرض ثم جرجر حتى ابتل ما حوله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتدرون ما يقول البعير إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أواهبه أنت لي فقال يا رسول الله مالي مال أحب إلي منه فقال استوص به معروفا فقال لا جرم لا أكرم مالا لي كرامته يا رسول الله قال وأتى على قبر يعذب صاحبه فقال إنه يعذب في غير كبير فأمر بجريدة فوضعت على قبره وقال عسى أن يخفف عنه ما دامت رطبة
طريق اخرى عنه
قال الامام احمد ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن جعفر عن يعلى بن مرة الثقفي قال ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر ووضع جرانه فوقف عليه النبي صلى الله عليه و سلم فقال أين صاحب هذا البعير فجاء فقال بعنيه فقال لا بل أهبه لك فقال لا بل بعنيه قال لا بل نهبه لك إنه لأهل بيت مالهم معيشة غيره قال أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكى لكثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه قال ثم سرنا فنزلنا منزلا فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ ذكرت له فقال هي شجرة استأذنت ربها عز و جل في أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأذن لها قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة فأخذ النبي صلى الله عليه و سلم بمنخره فقال اخرج إني محمد رسول الله قال ثم سرنا فلما رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء فأتته امرأة بجزر ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر أصحابه فشربوا من اللبن فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك طريق اخرى عنه
قال الامام أحمد ثنا عبد الله بن نمير ثنا عثمان بن حكيم أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثا ما رآها أحد قبلي ولا يراها أحد (6/138)
بعدي لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها فقالت يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة قال ناولينيه فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثا وقال بسم الله أنا عبد الله اخسأ عدو الله ثم ناولها إياه فقال القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل قال فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث فقال ما فعل صبيك فقالت والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة فاجترر هذه الغنم قال انزل فخذ منها واحدة ورد البقية قال وخرجت ذات يوم إلى الجبانة حتى إذا برزنا قال ويحك انظر هل ترى من شيء يواريني قلت ما أرى شيئا يواريك إلا شجرة ما أراها تواريك قال فما بقربها قلت شجرة مثلها أو قريب منها قال فاذهب إليهما فقل إن رسول الله يأمركما أن تجتمعا باذن الله قال فاجتمعتا فبرز لحاجته ثم رجع فقال اذهب إليهما فقل لهما إن رسول الله يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فرجعت قال وكنت معه جالسا ذات يوم إذ جاء جمل نجيب حتى صوى بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه فقال ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا قال فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه فقال ما شأن الجمل هذا فقال وما شأنه قال لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال فلا تفعل هبه لي أو بعنيه قال بل هو لك يا رسول الله فوسمه بسمة الصدقة ثم بعث به
طريق اخرى عنه
قال الامام أحمد ثنا وكيع ثنا الأعمش بن المنهال عن عمرو عن يعلى بن مرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أتته امرأة بابن لها قد اصابه لمم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اخرج عدو الله أنا رسول الله قال فبرأ فأهدت إليه كبشين وشيئا من أقط وشيئا من سمن قال فقال رسول الله خذ الأقط والسمن وأحد الكبشين ورد عليها الآخر ثم ذكر قصة الشجرتين كما تقدم وقال أحمد ثنا أسود ثنا أبو بكر بن عياش عن حبيب بن أبي عمرة عن المنهال بن عمرو عن يعلى قال ما أظن أن أحدا من الناس رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا دون ما رأيت فذكر أمر الصبي والنخلتين وأمر البعير إلا أنه قال ما لبعيرك يشكوك زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد نحره قال صدقت والذي بعثك بالحق قد أردت ذلك والذي بعثك بالحق لا أفعل طريق اخرى عنه
روى البيهقي عن الحاكم وغيره عن الأصم ثنا عباس بن محمد الدوري ثنا حمدان بن الأصبهاني ثنا يزيد عن عمرو بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده قال رأيت من رسول الله صلى الله عليه و سلم (6/139)
ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي كنت معه في طريق مكة فمر بامرأة معها ابن لها به لمم ما رأيت لمما أشد منه فقالت يا رسول الله ابني هذا كما ترى فقال إن شئت دعوت له فدعا له ثم مضى فمر على بعير ناد جرانه يرغو فقال علي بصاحب هذا البعير فجيء به فقال هذا يقول نتجت عندهم فاستعملوني حتى إذا كبرت عندهم ارادوا أن ينحروني قال ثم مضى ورأى شجرتين متفرقتين فقال لي إذهب فمرهما فليجتمعا لي قال فاجتمعتا فقضى حاجته قال ثم مضى فلما انصرف مر على الصبي وهو يلعب مع الغلمان وقد ذهب ما به وهيأت أمه أكبشا فأهدت له كبشين وقالت ما عاد إليه شيء من اللمم فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما من شيء إلا ويعلم أني رسول الله إلا كفرة أو فسقة الجن والإنس فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظن أو القطع عند المتبحرين أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة وقد تفرد بهذا كله الامام أحمد دون أصحاب الكتب الستة ولم يرو أحد منهم شيئا سوى ابن ماجه فانه روى عن يعقوب بن حميد بن كاسب عن يحيى بن سليم عن خيثم عن يونس ابن خباب عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد وقد اعتنى الحافظ ابو نعيم بحديث البعير في كتابه دلائل النبوة وطرقه من وجوه كثيرة ثم أورد حديث عبد الله بن قرط اليماني قال جيء رسول الله صلى الله عليه و سلم بست زود فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ وقد قدمت الحديث في حجة الوداع قلت قد اسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة الشجرتين وذكرنا آنفا عن غير واحد من الصحابة نحوا من حديث الجمل لكن بسياق يشبه أن يكون غير هذا فالله أعلم وسيأتي حديث الصبي الذي كان يصرع ودعاؤه عليه السلام له وبرؤه في الحال من طرق أخرى وقد روى الحافظ البيهقي عن أبي عبد الله الحاكم وغيره عن أبي العباس الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر فقال لي يا جابر خذ الأداوة وانطلق بنا فملأت الأداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى فاذا شجرتان بينهما أذرع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا جابر انطلق فقل لهذه الشجرة يقول لك رسول الله الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما ففعلت فرجعت فلحقت بصاحبتها فجلس خلفها حتى قضى حاجته ثم رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما على رؤسنا الطير تظلنا وإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه فوقف رسول الله صلى الله عليه و سلم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال اخسأ عدو الله أنا رسول الله وأعاد ذلك ثلاث مرات ثم ناولها إياه فلما رجعنا وكنا بذلك الماء عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان تقودهما والصبي تحمله فقالت يا رسول (6/140)
إليه أقبل مني هديتي فوالذي بعثك بالحق ان عاد إليه بعد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم خدوا أحدهما وردوا الآخر قال ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم بيننا فجاء جمل ناد فلما كان بين السماطين خر ساجدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أيها الناس من صاحب هذا الجمل فقال فتية من الأنصار هو لنا يا رسول الله قال فما شأنه قالوا سنونا عليه منذ عشرين سنة فلما كبرت سنه وكانت عليه شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم تبيعونه قالوا يا رسول الله هو لك قال فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله قالوا يا رسول الله نحن أحق أن نسجد لك من البهائم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن وهذا إسناد جيد رجاله ثقات وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفراء عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله كان إذا ذهب المذهب أبعد ثم قال البيهقي وحدثنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا الحسين بن علي بن زياد ثنا أبو حمنة ثنا أبو قرة عن زياد هو ابن سعد عن أبي الزبير أنه سمع يونس بن خباب الكوفي يحدث أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان في سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى لا يراه أحد قال فلم يجد شيئا يتوارى به فبصر بشجرتين فذكر قصة الشجرتين وقصة الجمل بنحو من حديث جابر قال البيهقي وحديث جابر أصح قال وهذه الرواية ينفرد بها زمعة ابن صالح عن زياد أظنه ابن سعد عن أبي الزبير قلت وقد يكون هذا أيضا محفوظا ولا ينافي حديث جابر ويعلى بن مرو بل يشهد لهما ويكون هذا الحديث عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر وعن يونس بن خباب عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه والله أعلم وروى البيهقي من حديث معاوية بن يحيى الصيرفي وهو ضعيف عن الزهري عن خارجة ابن زيد عن أسامة بن زيد حديثا طويلا نحو سياق حديث يعلى بن مرة وجابر بن عبد الله وفيه قصة الصبي الذي كان يصرع ومجيء أمه بشاة مشوية فقال ناوليني الذراع فناولته ثم قال ناوليني الذراع فناولته ثم قال ناوليني الذراع فقلت كم للشاة من ذراع فقال والذي نفسي بيده لو سكت لناولتيني ما دعوت ثم ذكر قصة النخلات واجتماعهما وانتقال الحجارة معهما حتى صارت الحجارة رجما خلف النخلات وليس في سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده وبالله المستعان وقد روى الحافظ ابن عساكر ترجمة غيلان بن سلمة الثقفي بسنده إلى يعلى بن منصور الرازي عن شبيب بن شيبة عن بشر بن عاصم عن غيلان بن سلمة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأينا عجبا فذكر قصة الشجرتين واستتاره بهما عند الخلاء وقصة الصبي الذي كان يصرع وقوله بسم الله أنا رسول الله اخرج عدو الله فعوفي ثم ذكر قصة البعيرين النادين وأنهما سجدا له بنحو ما (6/141)
تقدم في البعير الواحد فلعل هذه قصة أخرى والله أعلم
وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر وقصة جمله الذي كان قد أعيي وذلك مرجعهم من تبوك وتأخره في أخريات القوم فلحقه النبي صلى الله عليه و سلم فدعا له وضربه فسار سيرا لم يسر مثله حتى جعل يتقدم أمام الناس وذكرنا شراءه عليه السلام منه وفي ثمنه اختلاف كثير وقع من الرواة لا يضر أصل القصة كما بيناه وتقدم حديث أنس في ركوبه عليه السلام على فرس أبي طلحة حين سمع صوتا بالمدينة فركب ذلك الفرس وكان يبطئ وركب الفرسان نحو ذلك الصوت فوجدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم قد رجع بعد ما كان كشف ذلك الأمر فلم يجد له حقيقة وكان قد ركبه عريا لا شيء عليه وهو متقلد سيفا فرجع وهو يقول لن تراعوا لن تراعوا ما وجدنا من شيء وإن وجدناه لبحرا أي لسابقا وكان ذلك الفرس يبطأ قبل تلك الليلة فكان بعد ذلك لا يجارى ولا يكشف له غبار وذلك كله ببركته عليه الصلاة و السلام
حديث آخر غريب في قصة البعير
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه دلائل النبوة وهو مجلد كبير حافل كثير الفوائد أخبرني أبو علي الفوارسي حدثنا أبو سعيد عن عبد العزيز بن شهلان القواس حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الراسبي حدثنا عبد الرحمن بن علي البصري حدثنا سلامة ابن سعيد بن زياد بن أبي هند الرازي حدثني أبي عن أبيه عن جده حدثنا غنيم بن أوس يعني الرازي قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه و سلم فزعا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أيها البعير اسكن فان تك صادقا فلك صدقك وإن تك كاذبا فعليك كذبك مع أن الله تعالى قد أمن عائذنا ولا يخاف لائذنا قلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال هذا بعير هم أهله بنحره فهرب منهم فاستغاث بنبيكم فبينا نحن كذلك إذ أقبل اصحابه يتعادون فلما نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منا منذ ثلاثة أيام فلم نلقه إلا بين يديك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يشكو مر الشكاية فقالوا يا رسول الله ما يقول قال يقول إنه ربي في إبلكم جوارا وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكلأ فإذا كان الشتاء رحلتم إلى موضع الدفء فقالوا قد كان ذلك يا رسول الله فقال ما جزاء العبد الصالح من مواليه قالوا يا رسول الله فإنا لا نبيعه ولا ننحره قال فقد استغاث فلم تغيثوه وأنا أولى بالرحمة منكم لأن الله نزع الرحمة من قلوب المنافقين وأسكنها في قلوب المؤمنين فاشتراه النبي صلى الله عليه و سلم بمائة درهم ثم قال أيها البعير انطلق فأنت حر لوجه الله فرغا على هامة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال (6/142)
رسول الله آمين ثم رغا الثانية فقال آمين ثم رغا الثلاثة فقال آمين ثم رغا الرابعة فبكى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال يقول جزاك الله أيها النبي عن الاسلام والقرآن خيرا قلت آمين قال سكن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكنت رعبي قلت آمين قال حقن الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي قلت آمين قال لا جعل الله بأسها بينها فبكيت وقلت هذه خصال سألت ربي فأعطانيها ومنعني واحدة وأخبرني جبريل عن الله أن فناء أمتك بالسيف فجرى القلم بما هو كائن قلت هذا الحديث غريب جدا لم أر أحدا من هؤلاء المصنفين في الدلائل أورده سوى هذا المصنف وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضا والله أعلم
حديث في سجود الغنم له صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد عبد الله بن حامد أيضا قال يحيى بن صاعد حدثنا محمد بن عوف الحمصي حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي حدثنا عباد بن يوسف الكندي أبو عثمان حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال دخل النبي صلى الله عليه و سلم حائطا للأنصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من الأنصار وفي الحائط غنم فسجدت له فقال أبو بكر يا رسول الله كنا نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم فقال إنه لا ينبغي أن يسجد أحد لأحد ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها غريب وفي إسناده من لا يعرف
قصة الذئب وشهادته بالرسالة
قال الامام أحمد حدثنا يزيد ثنا القاسم بن الفضل الحداني عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه فقال ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي فقال يا عجبي ذئب يكلمني كلام الانس فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد صلى الله عليه و سلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي الصلاة جامعة ثم خرج فقال للراعي أخبرهم فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الأنس ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده وهذا إسناد على شرط الصحيح وقد صححه البيهقي ولم يروه إلا الترمذي من قوله والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الانس إلى آخره عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن القاسم بن الفضل ثم قال وهذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث وثقه يحيى وابن مهدي (6/143)
طريق اخرى عن أبي سعيد الخدري
قال الامام أحمد حدثنا أبو اليمان أنا شعيب حدثني عبد الله بن أبي حسين حدثني شهر أن أبا سعيد الخدري حدثه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال بينا أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له عدا عليه ذئب فأخذ شاة من غنمه فأدركه الأعرابي فاستنقذها منه وهجهجه فعانده الذئب يمشي ثم أقعى مشتذفرا بذنبه يخاطبه فقال أخذت رزقا رزقنيه الله قال واعجبا من ذئب مستذفر بذنبه يخاطبني فقال والله إن لتترك أعجب من ذلك قال وما أعجب من ذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في النخلتين بين الحرتين يحدث الناس عن أنباء ما قد سبق وما يكون بعد ذلك قال فنعق الاعرابي بغنمه حتى ألجأها إلى بعض المدينة ثم مشى إلى النبي صلى الله عليه و سلم حتى ضرب عليه بابه فلما صلى النبي صلى الله عليه و سلم قال أين الأعرابي صاحب الغنم فقام الأعرابي فقال له النبي صلى الله عليه و سلم حدث الناس بما سمعت وبما رأيت فحدث الأعرابي الناس بما رأى من الذئب وما سمع منه فقال النبي صلى الله عليه و سلم عند ذلك صدق آيات تكون قبل الساعة والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده وهذا على شرط أهل السنن ولم يخرجوه وقد رواه البيهقي من حديث النفيلي قال قرأت على معقل بن عبد الله بن شهر بن حوشب عن أبي سعيد فذكره ثم رواه الحاكم وأبو سعيد بن عمرو عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن عبد الجيد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد فذكره ورواه الحافظ أبو نعيم من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد فذكره
حديث أبي هريرة في ذلك
قال الامام أحمد حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أشعث بن عبد الملك عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى انتزعها منه قال فصعد الذئب على تل فأقعى فاستذفر وقال عمدت إلى رزق رزقنيه الله عز و جل انتزعته مني فقال الرجل لله إن رأيت كاليوم ذئبا يتكلم فقال الذئب أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم وكان الرجل يهوديا فجاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم وخبره فصدقه النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال رسول الله إنها أمارة من أمارات بين يدي الساعة قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه بما أحدثه أهله بعده تفرد به أحمد وهو على شرط السنن ولم يخرجوه ولعل شهر بن حوشب قد سمعه من أبي سعيد وأبي هريرة أيضا والله أعلم
حديث أنس في ذلك
قال أبو نعيم في دلائل النبوة ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن يحيى بن منده ثنا (6/144)
علي بن الحسن بن سالم ثنا الحسين الرفا عن عبد الملك بن عمير عن أنس ح وحدثنا سليمان هو الطبراني ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية ثنا هشام بن يونس اللؤلؤي ثنا حسين بن سليمان الرفا عن عبد الملك بن عمير عن أنس بن مالك قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فشردت علي غنمي فجاء الذئب فأخذ منها شاة فاشتد الرعاء خلفه فقال طعمة أطعمنيها الله تنزعونها مني قال فبهت القوم فقال ما تعجبون من كلام الذئب وقد نزل الوحي على محمد فمن مصدق ومكذب ثم قال أبو نعيم تفرد به حسين بن سليمان عن عبد الملك قلت الحسين بن سليمان الرفا هذا يقال له الطلخي كوفي أورد له ابن عدي عن عبد الملك بن عمير أحاديث ثم قال لا يتابع عليها
حديث ابن عمر في ذلك
قال البيهقي أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي ثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني ثنا يعقوب بن يوسف بن أبي عيسى ثنا جعفر بن حسن أخبرني أبو حسن ثنا عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال قال ابن عمر كان راع على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاء الذئب فأخذ شاة ووثب الراعي حتى انتزعها من فيه فقال له الذئب أما تتقي الله أن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني فقال له الراعي العجب من ذئب يتكلم فقال الذئب أفلا أدلك على ما هو أعجب من كلامي ذلك الرجل في النخل يخبر الناس بحديث الأولين والآخرين أعجب من كلامي فانطلق الراعي حتى جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره وأسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم حدث به الناس قال الحافظ ابن عدي قال لنا أبو بكر بن ابي داود ولد هذا الراعي يقال لهم بنو مكلم الذئب ولهم أموال ونعم وهم من خزاعة واسم مكلم الذئب أهبان قال ومحمد بن اشعث الخزاعي من ولده قال البيهقي فدل على اشتهار ذلك وهذا مما يقوي الحديث وقد روى من حديث محمد بن إسماعيل البخاري في التاريخ حدثني أبو طلحة حدثني سفيان بن حمزة الأسلمي سمع عبد الله بن عامر الأسلمي عن ربيعة بن أوس عن أنس بن عمرو عن أهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فكلمه الذئب وأسلم قال البخاري إسناده ليس بالقوي ثم روى البيهقي عن أبي عبد الرحمن السلمي سمعت الحسين بن أحمد الرازي سمعت أبا سليمان المقري يقول خرجت في بعض البلدان على حمار فجعل الحمار يحيد بي عن الطريق فضربت رأسه ضربات فرفع رأسه إلي وقال لي اضرب يا أبا سليمان فانما على دماغك هو ذا يضرب قال قلت له كلمك كلاما يفهم قال كما تكلمني وأكلمك
حديث اخر عن أبي هريرة في الذئب
وقد قال سعيد بن مسعود ثنا حبان بن علي ثنا عبد الملك بن عمير عن أبي الأوس الحارثي (6/145)
عن أبي هريرة قال جاء الذئب فأقعى بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم وجعل يبصبص بذنبه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا وافد الذئاب جاء ليسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا قالوا والله لا نفعل وأخذ رجل من القوم حجرا فرماه فأدبر الذئب وله عواء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الذئب وما الذئب وقد رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي عبد الله الأصبهاني عن محمد بن مسلمة عن يزيد بن هارون عن شعبة عن عبد الملك بن عمير عن رجل به ورواه الحافظ أبو بكر البزار عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن عبد الملك بن عمير عن رجل عن مكحول عن أبي هريرة فذكره وعن يوسف بن موسى عن جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر عن أبي هريرة قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما صلاة الغداة ثم قال هذا الذئب وما الذئب جاءكم يسألكم أن تعطوه أو تشركوه في أموالكم فرماه رجل بحجر فمر أو ولى وله عواء وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن حمزة بن أبي اسيد قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنازة رجل من الأنصار بالبقيع فاذا الذئب مفترشا ذراعيه على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا جاء يستفرض فافرضوا له قالوا ترى رأيك يا رسول الله قال من كل سائمة شاة في كل عام قالوا كثير قال فأشار إلى الذئب أن خالسهم فانطلق الذئب رواه البيهقي وروى الواقدي عن رجل سماه عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في المدينة إذ أقبل ذئب فوقف بين يديه فقال هذا وافد السباع إليكم فان أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره وإن أحببتم تركتموه واحترزتم منه فما أخذ فهو رزقه فقالوا يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشيء فأومأ إليه بأصابعه الثلاث أن خالسهم قال فولى وله عواء وقال أبو نعيم ثنا سليمان بن أحمد ثنا معاذ بن المثنى ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان ثنا الأعمش عن شمر بن عطية عن رجل من مزينة أن جهينة قال أتت وفود الذئاب قريب من مائة ذئب حين صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقعين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه وفود الذئاب جئنكم يسألنكم لتفرضوا لهن من قوت طعامكم وتأمنوا على ما سواه فشكوا إليه الحاجة قال فادبروهم قال فخرجن ولهن عواء
[ وقد تكلم القاضي عياض على حديث الذئب فذكر عن أبي هريرة وأبي سعيد وعن أهبان ابن أوس وأنه كان يقال له مكلم الذئب قال وقد روى ابن وهب أنه جرى مثل هذا لأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية مع ذئب وجداه أخذ صبيا فدخل الصبي الحرم فانصرف الذئب فعجبا من ذلك فقال الذئب أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار فقال أبو سفيان واللات والعزى لأن ذكرت هذا بمكة ليتركنها أهلوها ] (6/146)
قصة الوحش الذي كان في بيت النبي وكان يحترمه عليه السلام ويوقره ويجله
قال الامام أحمد حدثنا أبو نعيم ثنا يونس عن مجاهد قال قالت عائشة رضي الله عنها كان لآل رسول الله صلى الله عليه و سلم وحش فاذا خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لعب واشتد وأقبل وأدبر فاذا أحس برسول الله صلى الله عليه و سلم قد دخل ربض فلم يترمرم ما دام رسول الله صلى الله عليه و سلم في البيت كراهية أن يؤذيه ورواه أحمد أيضا عن وكيع وعن قطن كلاهما عن يونس وهو ابن أبي اسحاق السبيعي وهذا الاسناد على شرط الصحيح ولم يخرجوه وهو حديث مشهور والله أعلم
قصة الأسد
وقد ذكرنا في ترجمة سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثه حين انكسرت بهم السفينة فركب لوحا منها حتى دخل جزيرة في البحر فوجد فيها الأسد فقال له يا أبا الحارث إني سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فضرب منكبي وجعل يحاذيني حتى أقامني على الطريق ثم همهم ساعة فرأيت أنه يود وقال عبد الرزاق ثنا معمر عن الحجبي عن محمد بن المنكدر أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم أخطأ الجيش بأرض الروم أو اسر في أرض الروم فانطلق هاربا يلتمس الجيش فاذا هو بالأسد فقال يا ابا الحارث إني مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من امري كيت وكيت فأقبل الأسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوته أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبه فلم يزل كذلك حتى أبلغه الجيش ثم رجع الأسد عنه رواه البيهقي
حديث الغزالة
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله في كتابه دلائل النبوة حدثنا سليمان بن أحمد إملاء ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون ثنا عبد الكريم بن هلال الجعفي عن صالح المري عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط فقالت يا رسول الله إني أخذت ولي خشفان فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم فقال أين صاحب هذه فقال القوم نحن يا رسول الله قال خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم فقالوا من لنا بذلك قال أنا فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فاوثقوها فمر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أين أصحاب هذه فقالوا هو ذا نحن يا رسول الله فقال تبيعونيها فقالوا هي لك يا رسول الله فقال خلوا عنها فأطلقوها فذهبت وقال أبو نعيم حدثنا أبو احمد محمد بن أحمد الغطريفي من أصله ثنا أحمد ابن موسى بن أنس بن نصر بن عبيد الله بن محمد بن سيرين بالبصرة ثنا زكريا بن يحيى بن خلاد ثنا حبان بن اغلب بن تميم ثنا أبي عن هشام بن حبان عن الحسن عن ضبة بن محصن عن (6/147)
أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجر من الأرض إذا هاتف يهتف يا رسول الله يا رسول الله قال فالتفت فلم ار أحدا قال فمشيت غير بعيد فاذا الهاتف يا رسول الله يا رسول الله قال التفت فلم أر أحدا وإذا الهاتف يهتف بي فاتبعت الصوت وهجمت على ظبية مشدودة الوثاق وإذا أعرابي منجدل في شملة نائم في الشمس فقالت الظبية يا رسول الله إن هذا الأعرابي صادني قبل ولي خشفان في هذا الجبل فان رأيت أن تطلقني حتى أرضعهما ثم أعود إلى وثاقي قال وتفعلين قالت عذبني الله عذاب العشار إن لم افعل فأطلقها رسول الله صلى الله عليه و سلم فمضت فأرضعت الخشفين وجاءت قال فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوثقها إذا انتبه الأعرابي فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني أصبتها قبيلا فلك فيها من حاجة قال قلت نعم قال هي لك فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء فرحا وهي تضرب برجليها في الأرض وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال أبو نعيم وقد رواه آدم بن أبي إياس فقال حدثني حبي الصدوق نوح ابن الهيثم عن حبان بن أغلب عن أبيه عن هشام بن حبان ولم يجاوزه به [ وقد رواه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه دلائل النبوة من حديث إبراهيم بن مهدي عن ابن أغلب بن تميم عن أبيه عن هشام بن حبان عن الحسن بن ضبة بن أبي سلمة به ] وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ثنا أحمد بن حازم ابن أبي عروة الغفاري ثنا علي بن قادم ثنا أبو العلاء خالد بن طهمان عن عطية عن أبي سعيد قال مر النبي صلى الله عليه و سلم بظبية مربوطة إلى خباء فقالت يا رسول الله خلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتربطني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صيد قوم وربيطة قوم قال فأخذ عليها فحلفت له قال فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم فوهبوها له فحلها ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا قال البيهقي وروى من وجه آخر ضعيف أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي أنا أبو علي حامد بن محمد الهروي ثنا بشر بن موسى ثنا أبو حفص عمر بن علي ثنا يعلى بن إبراهيم الغزالي ثنا الهيثم بن حماد عن أبي كثير عن يزيد بن أرقم قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في بعض سكك المدينة قال فمررنا بخباء أعرابي فاذا بظبية مشدودة إلى الخباء فقالت يا رسول الله إن هذا الأعرابي اصطادني وإن لي خشفين في البرية وقد تعقد اللبن في أخلافي فلا هو يذبحني فأستريح ولا هو يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم إن تركتك ترجعين قالت نعم وإلا عذبني الله عذاب العشار قال فأطلقها رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم تلبث أن جاءت تلمض فشدها رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الخباء وأقبل الأعرابي (6/148)
ومعه قربة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أتبيعنيها قال هي لك يا رسول الله فأطلقها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال زيد بن أرقم فأنا والله رأيتها تسبح في البرية وهي تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ورواه أبو نعيم ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن مطر ثنا بشر بن موسى فذكره قلت وفي بعضه نكارة والله أعلم وقد ذكرنا في باب تكثيره عليه السلام اللبن حديث تلك الشاة التي جاءت وهي في البرية فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسن بن سعيد مولى أبي بكر أن يحلبها فحلبها وأمره أن يحفظها فذهبت وهو لا يشعر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب بها الذي جاء بها وهو مروي من طريقين عن صحابيين كما تقدم والله أعلم
حديث الضب على ما فيه من النكارة والغرابة
قال البيهقي أنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني من ساكني قرية نامين من ناحية بيهق قراءة عليه من أصل كتابه ثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ في شعبان سنة اثنتين وثلثمائة ثنا محمد بن الوليد السلمي ثنا محمد بن عبد الأعلى ثنا معمر بن سليمان ثنا كهمس عن داود بن أبي هند عن عامر بن عمر عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبا وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله فلما رأى الجماعة قال ما هذا قالوا هذا الذي يذكر أنه نبي فجاء فشق الناس فقال واللات والعزى ما شملت السماء على ذي لهجة أبغض إلي منك ولا أمقت منك ولولا أن يسميني قومي عجولا لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك الأسود والأحمر والأبيض وغيرهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني فأقوم فأقتله قال يا عمر أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا ثم أقبل على الأعرابي وقال ما حملك على أن قلت ما قلت غير الحق ولم تكرمني في مجلسي فقال وتكلمني أيضا استخفافا برسول الله صلى الله عليه و سلم واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب وأخرج الضب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا ضب فأجابه الضب بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعا لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة قال من تعبد يا ضب قال الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عقابه قال فمن أنا يا ضب فقال رسول رب العالمين وخاتم النبيين وقد افلح من صدقك وقد خاب من كذبك فقال الأعرابي والله لا اتبع اثرا بعد عين والله لقد جئتك وما على ظهر الأرض أبغض إلي منك وإنك اليوم أحب إلي من والدي ومن عيني ومني وإني لأحبك بداخلي وخارجي وسري وعلانيتي وأشهد ان لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال رسول الله الحمد لله الذي هداك بي إن هذا الدين يعلو ولا يعلى ولا يقبل إلا بصلاة ولا تقبل (6/149)
الصلاة إلا بقرآن قال فعلمني فعلمه قل هو الله أحد قال زدني فما سمعت في البسيط ولا في الوجيز أحسن من هذا قال يا اعرابي إن هذا كلام الله ليس بشعر إنك إن قرأت قل هو الله أحد مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن وإن قرأتها مرتين كان لك كأجر من قرأ ثلثي القرآن وإذا قرأتها ثلاث مرات كان لك كأجر من قرأ القرآن كله قال الأعرابي نعم الإله إلهنا يقبل اليسير ويعطي الجزيل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألك مال فقال ما في بني سليم قاطبة رجل هو أفقر مني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه أعطوه فأعطوه حتى أبطروه قال فقام عبد الرحمن بن عوف فقال يا رسول الله إن له عندي ناقة عشراء دون البختية وفوق الأعرى تلحق ولا تلحق أهديت إلي يوم تبوك أتقرب بها إلى الله عز و جل فأدفعها إلى الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وصفت ناقتك فأصف مالك عند الله يوم القيامة قال نعم قال لك ناقة من درة جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر وعنقها من زبرجد أصفر عليها هودج وعلى الهودج السندس والاستبرق وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف يغبطك بها كل من رآك يوم القيامة فقال عبد الرحمن قد رضيت فخرج الأعرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة معهم ألف سيف وألف رمح فقال لهم أين تريدون قالوا نذهب إلى هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله قال لا تفعلوا أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وحدثهم الحديث فقالوا بأجمعهم نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم دخلوا فقيل لرسول الله فتلقاهم بلا رداء ونزلوا عن ركبهم يقبلون حيث ولوا عنه وهم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم قالوا يا رسول الله مرنا بأمرك قال كونوا تحت راية خالد بن الوليد فلم يؤمن من العرب ولا غيرهم ألف غيرهم قال البيهقي قد أخرجه شيخنا أبو عبد الله الحافظ في المعجزات بالاجازة عن أبي أحمد بن عدي الحافظ قلت ورواه الحافظ أبو نعمي في الدلائل عن أبي القاسم بن أحمد الطبراني إملاء وقراءة حدثنا محمد ابن علي بن الوليد السلمي البصري أبو بكر بن كنانة فذكر مثله ورواه أبو بكر الإسماعيلي عن محمد ابن علي بن الوليد السلمي قال البيهقي روى في ذلك عن عائشة وأبي هريرة وما ذكرناه هو أمثل الأسانيد فيه وهو أيضا ضعيف والحمل فيه على هذا السلمي والله أعلم
حديث الحمار
وقد انكره غير واحد من الحفاظ الكبار فقال أبو محمد بن عبد الله بن حامد أخبرنا أبو الحسن أحمد بن حمدان السحركي حدثنا عمر بن محمد بن بجير حدثنا أبو جعفر محمد بن يزيد إملاء أنا أبو عبد الله محمد بن عقبة بن ابي الصهباء حدثنا أبو حذيفة عن عبد الله بن حبيب الهذلي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي منظور قال لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه و سلم خيبر أصابه من سهمه أربعة (6/150)
أزواج بغال وأربعة أزواج خفاف وعشر أواق ذهب وفضة وحمار أسود ومكتل قال فكلم النبي صلى الله عليه و سلم الحمار فكلمه الحمار فقال له ما اسمك قال يزيد بن شهاب أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا كلهم لم يركبهم إلا نبي لم يبق من نسل جدي غيري ولا من الأنبياء غيرك وقد كنت أتوقعك أن تركبني قد كنت قبلك لرجل يهودي وكنت أعثر به عمدا وكان يجيع بطني ويضرب ظهري فقال النبي صلى الله عليه و سلم سميتك يعفور يا يعفور قال لبيك قال تشتهي الاناث قال لا فكان النبي صلى الله عليه و سلم يركبه لحاجته فاذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فاذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن اجب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قبض النبي صلى الله عليه و سلم جاء إلى بئر كان لأبي الهيثم بن النبهان فتردى فيها فصارت قبره جزعا منه على رسول الله صلى الله عليه و سلم
حديث الحمرة وهو طائر مشهور
قال أبو داود الطيالسي ثنا المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فدخل رجل غيطة فاخرج بيضة حمرة فجاءت الحمرة ترف على رسول الله وأصحابه فقال ايكم فجع هذه فقال رجل من القوم أنا أخذت بيضتها فقال رده رده رحمة بها وروى البيهقي عن الحاكم وغيرهم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال كنا مع رسول الله في سفر فمررنا بشجرة فيها فرخا حمرة فأخذناهما قال فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي تفرش فقال من فجع هذه بفرخيها قال فقلنا نحن قال ردوهما فرددناهما إلى موضعهما فلم ترجع
حديث آخر
في ذلك فيه غرابة
قال البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن الحسين بن داود العلوي قالا ثنا أبو العباس محمد ابن يعقوب الأموي ثنا محمد بن عبيد بن عتبة الكندي ثنا محمد بن الصلت ثنا حبان ثنا أبو سعيد البقال عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد الحاجة أبعد قال فذهب يوما فقعد تحت سمرة ونزع خفيه قال ولبس أحدهما فجاء طير فأخذ الخف الآخر فحلق به في السماء فانسلت منه أسود سالح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه كرامة أكرمني الله بها اللهم إني أعوذ بك من شر ما مشى على رجليه ومن شر ما يمشي على بطنه حديث آخر
قال البخاري ثنا محمد بن المثنى ثنا معاذ حدثني أبي عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك (6/151)
أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه و سلم ومعهما مثل المصباحين بين أيديهما فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله وقال عبد الرزاق أنا معمر عن ثابت عن أنس أن أسيد بن حضير الأنصاري ورجلا آخر من الأنصار تحدثا عند النبي صلى الله عليه و سلم في حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة وهي ليلة شديدة الظلمة حتى خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ينقلبان وبيد كل واحد منهما عصية فأضاءت عصى أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه حتى مشى في ضوئها حتى أتى كل واحد منهما ضوء عصاه حتى بلغ أهله وقد علقه البخاري فقال وقال معمر فذكره وعلقه البخاري أيضا عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند النبي صلى الله عليه و سلم فذكر مثله وقد رواه النسائي عن أبي بكر بن نافع عن بشر بن أسيد وأسنده البيهقي من طريق يزيد بن هارون كلاهما عن حماد بن سلمة به
حديث آخر
قال البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني ثنا أحمد ابن مهران ثنا عبيد الله بن موسى أنا كامل بن العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة قال كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم العشاء وكان يصلي فاذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فاذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا فإذا عاد عادا فلما صلى جعل واحدا ههنا وواحدا ههنا فجئته فقلت يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما فبرقت برقة فقال الحقا بأمكما فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا حديث آخر
قال البخاري في التاريخ حدثني أحمد بن الحجاج ثنا سفيان بن حمزة عن كثير بن يزيد عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فتفرقنا في ليلة ظلماء دحسة فاضاءت اصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وإن أصابعي لتنير ورواه البيهقي من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي عن سفيان بن حمزة ورواه الطبراني من حديث إبراهيم ابن حمزة الزهري عن سفيان بن حمزة به حديث آخر
قال البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو محمد بن أحمد بن عبد الله المدني ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أبو كريب ثنا يزيد بن الحباب ثنا عبد الحميد بن أبي عبس الأنصاري من بني حارثة أخبرني ميمون بن زيد بن أبي عبس أخبرني أبي أن أبا عبس كان يصلي مع (6/152)
رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلوات ثم يرجع إلى بني حارثة فخرج في ليلة مظلمة مطيرة فنور له في عصاه حتى دخل دار بني حارثة قال البيهقي أبو عبس ممن شهد بدرا قلت وروينا عن يزيد بن الأسود وهو من التابعين أنه كان يشهد الصلاة بجامع دمشق من جسرين فربما أضاءت له إبهام قدمه في الليلة المظلمة وقد قدمنا في قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي بمكة قبل الهجرة وأنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم آية يدعو قومه بها فلما ذهب إليهم وانهبط من الثنية أضاء له نور بين عينيه فقال اللهم [ لا ] يقولوا هو مثلة فحوله الله إلى طرف سوطه حتى جعلوا يرونه مثل القنديل
حديث آخر فيه كرامة لتميم الداري
روى الحافظ البيهقي من حديث عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة عن الجريري عن معاوية ابن حرمل قال خرجت نار بالحرة فجاء عمر إلى تميم الداري فقال قم إلى هذه النار قال يا أمير المؤمنين ومن أنا وما أنا قال فلم يزل به حتى قام معه قال وتبعتهما فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيديه حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها قال فجعل عمر يقول ليس من رأى كمن لم ير قالها ثلاثا
حديث فيه كرامة لولي من هذه الأمة
وهي معدودة من المعجزات لأن كل ما يثبت لولي فهو معجزة لنبيه
قال الحسن بن عروة ثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي سبرة النخعي قال اقبل رجل من اليمن فلما كان ببعض الطريق نفق حماره فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال اللهم إني جئت من الدفينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك وأنا أشهد أنك تحيي الموتي وتبعث من في القبور لا تجعل لأحد علي اليوم منة أطلب إليك اليوم أن تبعث حماري فقام الحمار ينفض أذنيه قال البيهقي هذا إسناد صحيح ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة قال البيهقي وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي وغيره عن محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي وكأنه عند إسماعيل والله أعلم
طريق أخرى
قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت حدثنا إسحاق بن إسماعيل وأحمد بن بجير وغيرهما قالوا ثنا محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن قوما أقبلوا من اليمن متطوعين في سبيل الله فنفق حمار رجل منهم فارادوه أن ينطلق معهم فأبى فقام فتوضأ وصلى ثم قال اللهم إني جئت من الدفينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك وإني أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور لا تجعل لأحد علي منة فاني أطلب إليك أن تبعث لي حماري ثم قام (6/153)
إلى الحمار فقام الحمار ينفض أذنيه فأسرجه وألجمه ثم ركبه وأجراه فلحق بأصحابه فقالوا له ما شأنك قال شأني أن الله بعث حماري قال الشعبي فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع في الكناسة يعني بالكوفة قال ابن أبي الدنيا وأخبرني العباس بن هشام عن أبيه عن جده عن مسلم بن عبد الله بن شريك النخعي أن صاحب الحمار رجل من النخع يقال له نباتة بن يزيد خرج في زمن عمر غازيا حتى إذا كان يلقى عميرة نفق حماره فذكر القصة غير أنه قال فباعه بعد الكناسة فقيل له تبيع حمارك وقد أحياه الله لك قال فكيف أصنع وقد قال رجل من رهطه ثلاثة أبيات فحفظت هذا البيت ... ومنا الذي أحيا الإله حماره ... وقد مات منه كل عضو ومفصل ...
وقد ذكرنا في باب رضاعه عليه السلام ما كان من حمارة حليمة السعدية وكيف كانت تسبق الركب في رجوعها لما ركب معها عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو رضيع وقد كانت أدمت بالركب في مسيرهم إلى مكة وكذلك ظهرت بركته عليهم في شارفهم وهي الناقة التي كانوا يحلبونها وشياههم وسمنهم وكثرة ألبانها صلوات الله وسلامه عليه
قصة أخرى مع قصة العلاء بن الحضرمي
قال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني خالد بن خداش بن عجلان المهلبي وإسماعيل بن بشار قالا ثنا صالح المزي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال عدنا شابا من الأنصار فما كان بأسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب وقال بعضنا لأمه احتسبيه قالت وقد مات قلنا نعم فمدت يديها إلى السماء وقالت اللهم إني آمنت بك وهاجرت إلى رسولك فاذا نزلت بي شدة دعوتك ففرجتها فأسألك اللهم لا تحمل علي هذه المصيبة قال فكشف الثوب عن وجهه فما برحنا حتى أكلنا وأكل معنا وقد رواه البيهقي عن أبي سعيد الماليني عن ابن عدي عن محمد ابن طاهر بن أبي الدميل عن عبد الله بن عائشة عن صالح بن بشير المزني أحد زهاد البصرة وعبادها مع لين في حديثه عن أنس فذكر القصة وفيه أن أم السائب كانت عجوزا عمياء قال البيهقي وقد روى من وجه آخر مرسل يعني فيه انقطاع عن ابن عدي وأنس بن مالك ثم ساقه من طريق عيسى بن يونس عن عبد الله بن عون عن أنس قال أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كانت في بني إسرائيل لما تقاسمها الأمم قلنا ما هي يا أبا حمزة قال كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فاتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ فأضاف المرأة إلىالنساء وأضاف ابنها إلينا فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض فغمضه النبي صلى الله عليه و سلم وأمر بجهازه فلما أردنا أن نغسله قال يا أنس ائت أمه فأعلمها فأعلمتها قال فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ثم (6/154)
قالت اللهم إني أسلمت لك طوعا وخالفت الأوثان زهدا وهاجرت لك رغبة اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان ولا تحملني من هذه المصيبة مالا طاقة لي بحملها قال فوالله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى اثوب عن وجهه وعاش حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه و سلم وحتى هلكت أمه قال ثم جهز عمر بن الخطاب جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي قال أنس وكنت في غزاته فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء والحر شديد فجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة فلما مالت الشمس لغروبها صلى بنا ركعتين ثم مد يده إلى السماء وما نرى في السماء شيئا قال فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجها في البحر إلى جزيرة فوقف على الخليج وقال يا علي يا عظيم يا حليم يا كريم ثم قال أجيزوا بسم الله قال فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا فلم نلبث إلا يسيرا فأصبنا العدو عليه فقتلنا وأسرنا وسبينا ثم أتينا الخليج فقال مثل مقالته فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا قال فلم نلبث إلا يسيرا حتى رمي في جنازته قال فحفرنا له وغسلناه ودفناه فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه فقال من هذا فقلنا هذا خير البشر هذا ابن الحضرمي فقال إن هذه الأرض تلفظ الموتى فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى فقلنا ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله قال فاجتمعنا على نبشه فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه وإذا اللحد مد البصر نور يتلألأ قال فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا قال البيهقي رحمه الله وقد روي عن أبي هريرة في قصة العلاء بن الحضرمي في استسقائه ومشيهم على الماء دون قصة الموت بنحو من هذا وذكر البخاري في التاريخ لهذه القصة إسنادا آخر وقد اسنده ابن أبي الدنيا عن أبي كريب عن محمد بن فضيل عن الصلت بن مطر العجلي عن عبد الملك بن سهم عن سهم بن منجاب قال غزونا مع العلاء بن الحضرمي فذكره وقال في الدعاء يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ فاذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبا غيرنا وقال في البحر اجعل لنا سبيلا إلى عدوك وقال في الموت اخف جثتي ولا تطلع على عورتي أحدا فلم يقدر عليه والله أعلم
قصة أخرى
قال البيهقي أنا الحسين بن بشران أنا إسماعيل الصفار ثنا الحسن بن علي بن عثمان ثنا ابن نمير عن الأعمش عن بعض أصحابه قال انتهينا إلى دجلة وهي مادة والأعاجم خلفها فقال رجل من المسلمين بسم الله ثم اقتحم بفرسه فارتفع على الماء فقال الناس بسم الله ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء فنظر إليهم الأعاجم وقالوا ديوان ديوان ثم ذهبوا على وجوههم قال فما فقد (6/155)
الناس إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج فلما خرجوا أصابوا الغنائم فاقتسموها فجعل الرجل يقول من يبادل صفراء ببيضاء
قصة أخرى
قال البيهقي أنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو عبد الله بن محمد السمري ثنا أبو العباس السراج ثنا الفضل بن سهل وهارون بن عبد الله قالا ثنا أبو النضر ثنا سليمان بن المغيرة أن أبا مسلم الخولاني جاء إلى دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها فمشى على الماء والتفت إلى أصحابه وقال هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعو الله عز و جل قال البيهقي هذا إسناد صحيح قلت وستأتي قصة مسلم الخولاني واسمه عبد الله بن ثوب مع الأسود العنسي حين ألقاه في النار فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على الخليل إبراهيم عليه السلام
قصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت
وشهادته بالرسالة لمحمد صلى الله عليه و سلم وبالخلافة لأبي بكر الصديق ثم لعمر ثم لعثمان رضي الله عنهم
قال الحافظ أبو بكر البيهقي أنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنا جدي يحيى بن منصور القاضي ثنا أبو علي بن محمد بن عمرو بن كشمرد أنا القعنبي أنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن زيد بن خارجة الأنصاري ثم من بني الحارث بن الخزرج توفي زمن عثمان ابن عفان فسجي بثوبه ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم ثم قال أحمد أحمد في الكتاب الأول صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول صدق صدق عمر بن الخطاب القوي الأمين في الكتاب الأول صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم مضت أربع وبقيت ثنتان أتت بالفتن وأكل الشديد الضعيف وقامت الساعة وسيأتيكم عن جيشكم خبر بئر أريس وما بئر أريس قال يحيى قال سعيد ثم هلك رجل من بني خطمة فسجي بثوبه فسمع جلجلة في صدره ثم تكلم فقال إن أخا بني الحارث بنت الخزرج صدق صدق ثم رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق عن موسى بن الحسن عن القعنبي فذكره وقال هذا إسناد صحيح وله شواهد ثم ساقه من طريق أبي بكر عبد الله بن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد قال جاء يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان ابن بشير يعني إلى أمه بسم الله الرحمن الرحيم من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم سلام عليك فاني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو فانك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة وأنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه وهو يومئذ من أصح الناس أو أهل (6/156)
المدينة فتوفي بين صلاة الأولى وصلاة العصر فأضجعناه لظهره وغشيناه ببردين وكساء فأتاني آت في مقامي وأنا أسبح بعد المغرب فقال إن زيدا قد تكلم بعد وفاته فانصرفت إليه مسرعا وقد حضره قوم من الأنصار وهو يقول أو يقال على لسانه الأوسط أجلد الثلاثة الذي كان لا يبالي في الله لومة لائم كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك في الكتاب الأول ثم قال عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة خلت اثنتان وبقي أربع ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا فلا نظام وأنتجت الأكما ثم ارعوى المؤمنين وقال كتاب الله وقدره أيها الناس أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا فمن تولى فلا يعهدن دما وكان أمر الله قدرا مقدورا الله أكبر هذه الجنة وهذه النار ويقول النبيون والصديقون سلام عليكم يا عبد الله بن رواحة هل أحسست لي خارجة لأبيه وسعدا اللذين قتلا يوم أحد كلا إنها لظة نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى ثم خفت صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه فقالوا سمعناه يقول أنصتوا أنصتوا فنظر بعضنا الى بعض فاذا الصوت من تحت الثياب قال فكشفنا عن وجهه فقال هذا أحمد رسول الله سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم قال أبو بكر الصديق الأمين خليفة رسول الله كان ضعيفا في جسمه قويا في أمر الله صدق صدق وكان في الكتاب الأول ثم رواه الحافظ البيهقي عن أبي نصر بن قتادة عن أبي عمرو بن بجير عن علي بن الحسين عن المعافى بن سليمان عن زهير بن معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد فذكره وقال هذا إسناد صحيح [ وقد روى هشام بن عمار في كتاب البعث عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني عمير بن هانئ حدثني النعمان بن بشير قال توفي رجل منا يقال له خارجة بن زيد فسجينا عليه ثوبا فذكر نحو ما تقدم ] قال البيهقي وروى ذلك عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير وذكر بئر أرييس كما ذكرنا في رواية ابن المسيب قال البيهقي والأمر فيها أن النبي صلى الله عليه و سلم اتخذ خاتما فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر من بعده ثم كان في يد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس بعد ما مضى من خلافته ست سنين فعند ذلك تغيرت عماله وظهرت أسباب الفتن كما قيل على لسان زيد بن خارجة قلت وهي المرادة من قوله مضت اثنتان وبقي أربع أو مضت أربع وبقي اثنتان على اختلاف الرواية والله أعلم وقد قال البخاري في التاريخ زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري شهد بدرا توفي زمن عثمان وهو الذي تكلم بعد الموت قال البيهقي وقد روى في التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة والله أعلم قال ابن أبي الدنيا ثنا خلف بن هشام البزار ثنا خالد الطحان عن حصين (6/157)
عن عبد الله بن عبيد الأنصاري أن رجلا من بني سلمة تكلم فقال محمد رسول الله أبو بكر الصديق عثمان اللين الرحيم قال ولا أدري أيش قال في عمر كذا رواه ابن أبي الدنيا في كتابه وقد قال الحافظ البيهقي أنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنا علي بن عاصم أنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبيد الأنصاري قال بينما هم يثورون القتلى يوم صفين أو يوم الجمل إذ تكلم رجل من الأنصار من القتلى فقال محمد رسول الله ابو بكر الصديق عمر الشهيد عثمان الرحيم ثم سكت [ وقال هشام بن عمار في كتاب البعث
باب في كلام الأموات وعجائبهم
حدثنا الحكم بن هشام الثقفي حدثنا عبد الحكم بن عمير عن ربعي بن خراش العبسي قال مرض أخي الربيع بن خراش فمرضته ثم مات فذهبنا نجهزه فلما جئنا رفع الثوب عن وجهه ثم قال السلام عليكم قلنا وعليك السلام قدمت قال بلى ولكن لقيت بعدكم ربي ولقيني بروح وريحان ورب غير غضبان ثم كساني ثيابا من سندس أخضر وإني سألته أن يأذن لي أن أبشركم فاذن لي وإن الأمر كما ترون فسددوا وقاربوا وبشروا ولا تنفروا فلما قالها كانت كحصاة وقعت في ماء ثم أورد بأسانيد كثيرة في هذا الباب وهي آخر كتابه ]
حديث غريب جدا
قال البيهقي أنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن يونس الكديمي ثنا شاصونة بن عبيد أبو محمد اليماني واصرفنا من عدن بقرية يقال لها الحردة حدثني معرض بن عبد الله بن معرض بن معيقيب اليماني عن أبيه عن جده قال حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ووجهه مثل دارة القمر وسمعت منه عجبا جاءه رجل بغلام يوم ولد فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم من أنا قال أنت رسول الله قال صدقت بارك الله فيك ثم قال إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب قال أبي فكنا نسميه مبارك اليمامة قال شاصونه وقد كنت أمر على معمر فلا اسمع منه قلت هذا الحديث مما تكلم الناس في محمد ابن يونس الكديمي بسببه وأنكروه عليه واستغربوا شيخه هذا وليس هذا مما ينكر عقلا ولا شرعا فقد ثبت في الصحيح في قصة جريج العابد أنه استنطق ابن تلك البغى فقال له يا أبا يونس ابن من أنت قال ابن الراعي فعلم بنو إسرائيل براءة عرض جريج مما كان نسب إليه (6/158)
وقد تقدم ذلك على أنه قد روى هذا الحديث من غير طريق الكديمي إلا أنه باسناد غريب أيضا قال البيهقي أنا أبو سعد عبد الملك بن ابي عثمان الزاهد أنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن جميع الغساني بثغر صيدا ثنا العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد أبو الفضل ثنا أبي ثنا جدي شانوصة بن عبيد حدثني معرض بن عبد الله بن معيقيب عن أبيه عن جده قال حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم وجهه كدارة القمر فسمعت منه عجبا أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم يا غلام من أنا قال أنت رسول الله فقال له بارك الله فيك ثم أن الغلام لم يتكلم بعدها قال البيهقي وقد ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي الحسن علي بن العباس الوراق عن أبي الفضل أحمد بن خلف بن محمد المقري القزويني عن أبي الفضل العباس بن محمد بن شاصونة به قال الحاكم وقد أخبرني الثقة من أصحابنا عن أبي عمر الزاهد قال لما دخلت اليمن دخلت حردة فسألت عن هذا الحديث فوجدت فيها لشاصونة عقبا وحملت إلى قبره فزرته قال البيهقي ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين باسناد مرسل يخالفه في وقت الكلام ثم أورد من حديث وكيع عن الأعمش عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى بصبي قد شب لم يتكلم قط قال من أنا قال أنت رسول الله ثم روى عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن الأعمش عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه قال جاءت امرأة بابن لها قد تحرك فقالت يا رسول الله إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ادنيه مني فأدنته منه فقال من أنا فقال أنت رسول الله
قصة الصبي الذي كان يصرع فدعا له عليه السلام فبرأ
قد تقدم ذلك من رواية أسامة بن زيد وجابر بن عبد الله ويعلى بن مرة الثقفي مع قصة الجمل الحديث بطوله وقال الامام أحمد حدثنا يزيد ثنا حماد بن سلمة عن فرقد السنجي عن سعيد بن جبير بن عباس أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إن به لمما وأنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا قال فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم صدره ودعا له فثع ثعة فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى تفرد به أحمد وفرقد السنجي رجل صالح ولكنه سيء الحفظ وقد روى عنه شعبة وغير واحد واحتمل حديثه ولما رواه ههنا شاهد مما تقدم والله أعلم وقد تكون هذه القصة هي كما سبق إيرادها ويحتمل أن تكون أخرى غيرها والله أعلم
حديث آخر في ذلك
قال أبو بكر البزار ثنا محمد بن مرزوق ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا صدقة يعني ابن موسى (6/159)
ثنا فرقد يعني السنجي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم بمكة فجاءته امرأة من الأنصار فقالت يا رسول الله إن هذا الخبيث قد غلبني فقال لها إن تصبري على ما أنت عليه تجيئين يوم القيامة ليس عليك ذنوب ولا حساب قالت والذي بعثك بالحق لأصبرن حتى ألقى الله قالت إني أخاف الخبيث أن يجردني فدعا لها فكانت إذا خشيت أن ياتيها تأتي استار الكعبة فتعلق بها وتقول له اخسأ فيذهب عنها قال البزار لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه وصدقة ليس به بأس وفرقد حدث عنه جماعة من أهل العلم منهم شعبة وغيره واحتمل حديثه على سوء حفظه فيه
طريق اخرى عن ابن عباس
قال الامام أحمد حدثنا يحيى بن عمران أبي بكر ثنا عطاء بن أبي رباح قال قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى قال هذه السوداء أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت إني أصرع وأنكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك قالت لا بل أصبر فادع الله ألا أنكشف ولا ينكشف عني قال فدعا لها وهكذا رواه البخاري عن مسدد عن يحيى وهو ابن سعيد القطان وأخرجه مسلم عن القواريري عن يحيى القطان وبشر بن الفضل كلاهما عن عمران بن مسلم أبي بكر الفقيه البصري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس فذكر مثله ثم قال البخاري حدثنا محمد ثنا مخلد عن ابن جريح قال أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر تلك امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة وقد ذكر الحافظ ابن الأثير في الغابة أن أم زفر هذه كانت مشاطة خديجة بنت خويلد قديما وأنها عمرت حتى أدركها عطاء بن أبي رباح فالله أعلم
حديث آخر
قال البيهقي أنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا محمد بن يونس ثنا قرة بن حبيب الضوي ثنا إياس بن أبي تميمة عن عطاء عن أبي هريرة قال جاءت الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله ابعثني إلى أحب قومك إليك أو أحب أصحابك إليك شك قرة فقال اذهبي إلى الأنصار فذهبت إليهم فصرعتهم فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله قد أتت الحمى علينا فادع الله لنا بالشفاء فدعا لهم فكشفت عنهم قال فاتبعته امرأة فقالت يا رسول الله ادع الله لي فاني لمن الأنصار فادع الله لي كما دعوت لهم فقال ايهما أحب إليك أن أدعو لك فيكشف عنك أو تصبرين وتجب لك الجنة فقالت لا والله يا رسول الله بل أصبر ثلاثا ولا أجعل والله لجنته خطرا محمد بن يونس الكديمي ضعيف وقد قال البيهقي أنا علي (6/160)
ابن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا هشام ابن لاحق سنة خمس وثمانين ومائة ثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من أنت قالت أنا الحمى أبري اللحم وأمص الدم قال اذهبي إلى أهل قباء فأتتهم فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد اصفرت وجوههم فشكوا إليه الحمى فقال لهم ما شئتم إن شئتم دعوت الله فيكشف عنكم وإن شئتم تركتموها فأسقطت ذنوبكم قالوا بل ندعها يا رسول الله وهذا الحديث ليس هو في مسند الامام أحمد ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة وقد ذكرنا في أول الهجرة دعاءه عليه السلام لأهل المدينة أن يذهب حماها الى الجحفة فاستجاب الله له ذلك فإن المدينة كانت من أوبأ أرض الله فصححها الله ببركة حلوله بها ودعائه لأهلها صلوات الله وسلامه عليه
حديث آخر في ذلك
قال الامام أحمد ثنا روح ثنا شعبة عن أبي جعفر المديني سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يعافيني فقال إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك وإن شئت دعوت له قال لا بل ادع الله لي قال فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك في حاجتي هذه فتقضي وتشفعني فيه وتشفعه في قال فكان يقول هذا مرارا ثم قال بعد أحسب أن فيها أن تشفعني فيه قال ففعل الرجل فبرأ وقد رواه أحمد أيضا عن عثمان بن عمرو عن شعبة به وقال اللهم شفعه في ولم يقل الأخرى وكأنها غلط من الراوي والله أعلم وهكذا رواه الترمذي والنسائي عن محمود بن غيلان وابن ماجه عن أحمد بن منصور بن سيار كلاهما عن عثمان بن عمرو وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن جعفر الخطمي ثم رواه أحمد أيضا عن مؤمل بن حماد ابن سلمة بن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف فذكر الحديث وهكذا رواه النسائي عن محمد بن معمر عن حبان عن حماد بن سلمة به رواه النسائي عن زكريا بن يحيى عن محمد بن المثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف وهذه الرواية تخالف ما تقدم ولعله عند أبي جعفر الخطمي من الوجهين والله أعلم وقد روى البيهقي والحاكم من حديث يعقوب بن سفيان عن أحمد بن شبيب عن سعيد الحنطبي عن أبيه عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المديني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وجاءه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره (6/161)
فقال يا رسول الله ليس لي قائد وقد شق علي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل اللهم إني إسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فينجلي بصري اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي قال عثمان فوالله ما تفرقنا ولا طال الحديث بنا حتى دخل الرجل كأنه لم يكن به ضر قط قال البيهقي ورواه أيضا هشام الدستوائي عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل عن عمه عثمان بن حنيف
حديث آخر
قال أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا عبد العزيز بن عمر حدثني رجل من بني سلامان وبني سعد عن أبيه عن خاله أو خالها حبيب بن مريط حدثها أن أباه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا أصلا فسأله ما أصابك فقال كنت أرعى جملا لي فوقعت رجلي على بطن حية فأصبت ببصري قال فنفث رسول الله صلى الله عليه و سلم في عينيه فأبصر فرأيته وإنه ليدخل الخيط في الابرة وإنه لابن ثمانين سنة وإن عينيه لمبيضتان قال البيهقي كذا في كتابه وغيره يقول حبيب بن مدرك قال وقد مضى في هذا المعنى حديث قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه فسالت حدقته فردها رسول الله إلى موضعها فكان لا يدري أيهما أصيبت قلت وقد تقدم ذلك في غزوة أحد وقد ذكرنا في مقتل أبي رافع مسحه بيده الكريمة على رجل جابر بن عتيك وقد انكسر ساقه فبرأ من ساعته وذكر البيهقي بإسناده أنه ص مسح يد محمد بن حاطب وقد احترقت يده بالنار فبرأ من ساعته عليه السلام نفث في كف شرحبيل الجعفي فذهبت من كفه سلعة كانت به قلت وتقدم في غزوة خيبر تفله في عيني علي وهو أمرد فبرأ وروى الترمذي عن علي حديثه في تعليمه عليه السلام ذلك الدعاء لحفظ القرآن فحفظه وفي الصحيح أنه قال لأبي هريرة وجماعة من يبسط رداءه اليوم فانه لا ينسى شيئا من مقالتي قال فبسطته فلم أنس شيئا من مقالته تلك فقيل كان ذلك حفظا من أبي هريرة لكل ما سمعه منه في ذلك اليوم وقيل وفي غيره فالله أعلم ودعا لسعد بن أبي وقاص فبرأ وروى البيهقي أنه دعا لعمه أبي طالب في مرضة مرضها وطلب من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يدعو له ربه فبرأ من ساعته والأحاديث في هذا كثيرة جدا يطول استقصاؤها وقد أورد البيهقي من هذا النوع كثيرا طيبا أشرنا إلى أطراف منه وتركنا أحاديث ضعيفة الاسناد واكتفينا بما أوردنا عما تركنا وبالله المستعان حديث آخر
ثبت في الصحيحين من حديث زكريا بن أبي زائدة زاد مسلم والمغيرة كلاهما عن شراحيل (6/162)
الشعبي عن جابر بن عبد الله أنه كان يسير على جمل قد أعيا فأراد أن يسيبه قال فلحقني رسول الله صلى الله عليه و سلم فضربه ودعا لي فسار سيرا مثله وفي رواية فما زال بين يدي الابل قدامها حتى كنت أحبس خطامه فلا أقدر عليه فقال كيف ترى جملك فقلت قد أصابته بركتك يا رسول الله ثم ذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اشتراه منه واختلف الرواة في مقدار ثمنه على روايات كثيرة وأنه استثنى حملانه إلى المدينة ثم لما قدم المدينة جاءه بالجمل فنقده ثمنه وزاده ثم أطلق له الجمل أيضا الحديث بطوله
حديث آخر
روى البيهقي واللفظ له وهو في صحيح البخاري من حديث حسن بن محمد المروزي عن جرير ابن حازم عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال فزع الناس فركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فرسا لأبي طلحة بطيئا ثم خرج يركض وحده فركب الناس يركضون خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لن تراعوا إنه لبحر فوالله ما سبق بعد ذلك اليوم حديث آخر
قال البيهقي أنا أبو بكر القاضي أنا حامد بن محمد الهروي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ثنا رافع بن سلمة بن زياد حدثني عبد الله بن أبي الجعد عن جعيل الأشجعي قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض غزواته وانا على فرس لي عجفاء ضعيفة قال فكنت في أخريات الناس فلحقني رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال سر يا صاحب الفرس فقلت يا رسول الله عجفاء ضعيفة قال فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم مخفقة معه فضربها بها وقال اللهم بارك له قال فلقد رأيتني أمسك برأسها أن تقدم الناس ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا ورواه النسائي عن محمد ابن رافع عن محمد بن عبد الله الرقاشي فذكره وهكذا رواه أبو بكر بن ابي خيثمة عن عبيد بن يعيش عن زيد بن الخباب عن رافع بن سلمة الأشجعي فذكره وقال البخاري في التاريخ وقال رافع بن زياد بن الجعد بن أبي الجعد حدثني أبي عبد الله بن أبي الجعد أخي سالم عن جعيل فذكره حديث آخر
قال البيهقي أنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا محمد ابن شاذان الجوهري حدثنا زكريا بن عدي ثنا مروان بن معاوية عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إني تزوجت امرأة فقال هلا نظرت إليها فان في أعين الأنصار شيئا قال قد نظرت إليها قال على كم تزوجتها فذكر شيئا قال (6/163)
كأنهم ينحتون الذهب والفضة من عرض هذه الجبال ما عندنا اليوم شيء نعطيكه ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه فبعث بعثا إلى بني عبس وبعث الرجل فيهم فأتاه فقال يا رسول الله أعيتني ناقتي أن تنبعث قال فناوله رسول الله صلى الله عليه و سلم يده كالمعتمد عليه للقيام فأتاها فضربها برجله قال أبو هريرة والذي نفسي بيده لقد رأيتها تسبق به القائد رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن معين عن مروان
حديث آخر
قال البيهقي أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزني أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب أنا أبو جعفر بن عون أنا الأعمش عن مجاهد أن رجلا اشترى بعيرا فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إني اشتريت بعيرا فادع الله أن يبارك لي فيه فقال اللهم بارك له فيه فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق ثم اشترى بعيرا آخر فأتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إني اشتريت بعيرا فادع الله أن يبارك لي فيه فقال اللهم بارك له فيه فلم يلبث حتى نفق ثم اشترى بعيرا آخر فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله قد اشتريت بعيرين فدعوت الله أن يبارك لي فيهما فادع الله أن يحملني عليه فقال اللهم احمله عليه فمكث عنده عشرين سنة قال البيهقي وهذا مرسل ودعاؤه عليه اسلام صار إلى أمر الآخرة في المرتين الأوليين حديث آخر
قال الحافظ البيهقي أنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا إسماعيل بن عبد الله الميكالي ثنا علي بن سعد العسكري أنا أبو أمية عبد الله بن محمد بن خلاد الواسطي ثنا يزيد بن هارون أنا المستلم بن سعيد ثنا حبيب بن عبد الرحمن بن حبيب بن أساف عن أبيه عن جده حبيب بن أساف قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه فقلنا إنا نشتهي أن نشهد معك مشهدا قال أسلمتم قلنا لا قال فانا لا نستعين بالمشركين على المشركين قال فأسلمنا وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأصابتني ضربة على عاتقي فجافتني فتعلقت يدي فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت وقتلت الذي ضربني ثم تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني فكانت تقول لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح فأقول لا عدمت رجلا أعجل أباك إلى النار وقد روى الامام أحمد هذا الحديث عن يزيد بن هارون باسناده مثله ولم يذكر فتفل فيها فبرأت حديث آخر
ثبت في الصحيحين من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم عن ورقاء بن عمر السكري عن عبد الله بن يزيد عن ابن عباس قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم الخلاء فوضعت له وضوءا فلما خرج قال (6/164)
من صنع هذا قالوا ابن عباس قال اللهم فقهه في الدين وروى البيهقي عن الحاكم وغيره عن الأصم عن عباس الدورقي عن الحسن بن موسى الأسيب عن زهير عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وضع يده على كتفي أو قال منكبي شك سعيد ثم قال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وقد استجاب الله لرسوله صلى الله عليه و سلم هذه الدعوة في ابن عمه فكان إماما يهتدى بهداه ويقتدى بسناه في علوم الشريعة ولا سيما في علم التأويل وهو التفسير فانه انتهت إليه علوم الصحابة قبله وما كان عقله من كلام ابن عمه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد قال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال قال عبد الله بن مسعود لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره أحد كما وكان يقول لهم نعم ترجمان القرآن ابن عباس هذا وقد تأخرت وفاة ابن عباس عن وفاة عبد الله بن مسعود ببضع وثلاثين سنة فما ظنك بما حصله بعده في هذه المدة وقد روينا عن بعض أصحابه أنه قال خاطب الناس ابن عباس في عشية عرفة ففسر لهم سورة البقرة أو قال سورة ففسرها تفسيرا لو سمعه الروم والترك والديلم لأسلموا رضي الله عنه وأرضاه
حديث آخر
ثبت في الصحيح أنه عليه السلام دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد فكان كذلك حتى روى الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي عن أبي خلدة قال قلت لأبي العالية سمع انس من النبي صلى الله عليه و سلم فقال خدمه عشر سنين ودعا له وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك وقد روينا في الصحيح أنه ولد له لصلبه قريب من مائة أو ما ينيف عليها وفي رواية أنه صلى الله عليه و سلم قال اللهم أطل عمره فعمر مائة وقد دعا صلى الله عليه و سلم لأم سليم ولأبي طلحة في غابر ليلتهما فولدت له غلاما سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله فجاء من صلبه تسعة كلهم قد حفظ القرآن ثبت ذلك في الصحيح وثبت في صحيح مسلم من حديث عكرمة بن عمار عن أبي كثير العنبري عن أبي هريرة أنه سأل من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يدعو لأمه فيهديها الله فدعا لها فذهب أبو هريرة فوجد أمه تغتسل خلف الباب فلما فرغت قالت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فجعل أبو هريرة يبكي من الفرح ثم ذهب فأعلم بذلك رسول الله وسأل منه أن يدعو لهما أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين فدعا لهما فحصل ذلك قال أبو هريرة فليس مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبنا وقد صدق ابو هريرة في ذلك رضي الله عنه وأرضاه ومن تمام هذه الدعوة أن الله شهر ذكره في أيام الجمع حيث يذكره الناس بين يدي خطبة الجمعة وهذا من التقييض القدري والتقدير المعنوي وثبت في الصحيح أنه عليه السلام دعا لسعد بن أبي وقاص وهو مريض فعوفي ودعا له أن يكون مجاب الدعوة فقال اللهم أجب دعوته وسدد (6/165)
رميته فكان كذلك فنعم أمير السرايا والجيوش كان وقد دعا على أبي سعدة أسامة بن قتادة حين شهد فيه بالزور بطول العمر وكثرة الفقر والتعرض للفتن فكان ذلك فكان إذا سئل ذلك الرجل يقول شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد وثبت في صحيح البخاري وغيره أنه صلى الله عليه و سلم دعا للسائب بن يزيد ومسح بيده على رأسه فطال عمره حتى بلغ أربعا وتسعين سنة وهو تام القامة معتدل ولم يشب منه موضع أصابت يد رسول الله صلى الله عليه و سلم ومتع بحواسه وقواه وقال أحمد ثنا جرير بن عمير ثنا عروة بن ثابت ثنا علي بن أحمد حدثني أبو زيد الأنصاري قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ادن مني فمسح بيده على رأسي ثم قال اللهم جمله وأدم جماله قال فبلغ بضعا ومائة يعني سنة وما في لحيته بياض الا نبذة يسيرة ولقد كان منبسط الوجه لم ينقبض وجهه حتى مات قال السهيلي إسناد صحيح موصول ولقد أورد البيهقي لهذا نظائر كثيرة في هذا المعنى تشفي القلوب وتحصل المطلوب وقد قال الامام أحمد حدثنا عارم ثنا معتمر وقال يحيى بن معين ثنا عبد الأعلى ثنا معتمر هو ابن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن أبي العلاء قال كنت عند قتادة بن ملحان في موضعه الذي مات فيه قال فمر رجل في مؤخر الدار قال فرأيته في وجه قتادة وقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مسح وجهه قال وكنت قبل ما رأيته إلا ورأيت كأن على وجهه الدهان وثبت في الصحيحين أنه عليه السلام دعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة حين رأى عليه ذلك الدرع من الزعفران لأجل العرس فاستجاب الله لرسوله صلى الله عليه و سلم ففتح له في المتجر والمغانم حتى حصل له مال جزيل بحيث إنه لما مات صولحت امرأة من نسائه الأربع عن ربع الثمن على ثمانين ألفا وثبت في الحديث من طريق شبيب بن غرقد أنه سمع الحي يخبرون عن عروة بن أبي الجعد المازني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاه دينارا ليشتري له به شاة فاشترى ش شاتين وباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فقال له بارك الله لك في صفقة يمينك وفي رواية فدعا له بالبركة في البيع فكان لو اشترى التراب لربح فيه وقال البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنا ابن وهب ثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي عقيل أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق فيشتري الطعام فيلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان أشركنا في بيعك فان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد دعا لك بالبركة فيشركهم فربما أصاب الراحلة كما هي فبعث بها إلى المنزل وقال البيهقي أنا أبو سعد الماليني أنا ابن عدي ثنا علي بن محمد بن سليمان الحليمي ثنا محمد بن يزيد المستملي ثنا سبابة بن عبد الله ثنا أيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر عن جابر عن أبي بكر عن بلال قال اذنت في غدار باردة فخرج النبي صلى الله عليه و سلم فلم ير في المسجد واحدا فقال أين الناس فقلت منعهم البرد فقال اللهم أذهب عنهم البرد فرأيتهم يتروحون ثم قال البيهقي تفرد به ايوب بن سيار ونظيره قد مضى في الحديث المشهور (6/166)
عن حذيفة في قصة الخندق
حديث آخر
قال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد العزيز بن عبد الله عن محمد بن عبد الله الأصبهاني إملاء أنا أبو إسماعيل الترمذي عن محمد بن إسماعيل ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ثنا علي ابن أبي علي اللهبي عن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج وعمر بن الخطاب معه فعرضت له امرأة فقالت يا رسول الله إني امرأة مسلمة محرمة ومعي زوج لي في بيتي مثل المرأة فقال لها رسول الله ادعي لي زوجك فدعته وكان خرازا فقال له ما تقول في امرأتك يا عبد الله فقال الرجل والذي أكرمك ما جف رأسي منها فقالت امرأته جاء مرة واحدة في الشهر فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم أتبغضينه قالت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ادنيا رءوسكما فوضع جبهتها على جبهة زوجها ثم قال اللهم ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه ثم مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بسوق النمط ومعه عمر بن الخطاب فطلعت المرأة تحمل أدما على رأسها فلما رأت رسول الله صلى الله عليه و سلم طرحته وأقبلت فقبلت رجليه فقال كيف أنت وزوجك فقالت والذي أكرمك ما طارف ولا تالد أحب إلي منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أشهد أني رسول الله فقال عمر وأنا أشهد أنك رسول الله قال أبو عبد الله تفرد به علي بن علي اللهبي وهو كثير الرواية للمناكير قال البيهقي وقد روى يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله يعني هذه القصة إلا أنه لم يذكر عمر بن الخطاب حديث آخر
قال أبو القاسم البغوي ثنا كامل بن طلحة ثنا حماد بن سلمة ثنا علي بن زيد بن جدعان عن أبي الطفيل أن رجلا ولد له غلام فأتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا له بالبركة وأخذ بجبهته فنبتت شعرة في جبهته كأنها هلبة فرس فشب الغلام فلما كان زمن الخوارج أجابهم فسقطت الشعرة عن جبهته فأخذه أبوه فحبسه وقيده مخافة أن يلحق بهم قال فدخلنا عليه فوعظناه وقلنا له ألم تر إلى بركة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقعت فلم نزل به حتى رجع عن رأيهم قال فرد الله تلك الشعرة إلى جبهته إذ تاب وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي عن الحاكم وغيره عن الأصم عن أبي أسامة الكلبي عن سريج بن مسلم عن أبي يحيى إسماعيل بن إبراهيم التيمي حدثني سيف بن وهب عن أبي الطفيل أن رجلا من بني ليث يقال له فراس بن عمرو أصابه صداع شديد فذهب به أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجلسه بين يديه وأخذ بجلدة بين عينيه فجذبها حتى تبعصت فنبتت في موضع أصابع رسول الله صلى الله عليه و سلم شعرة وذهب عنه الصداع فلم يصدع وذكر بقية القصة في الشعرة كنحو ما تقدم (6/167)
حديث آخر
قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا هاشم بن القاسم الحراني ثنا يعلى بن الأشدق سمعت عبد الله ابن حراد العقيلي حدثني النابغة يعني الجعدي قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنشدته من قولي ... بلغنا السماء عفة وتكرما ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا ...
قال أين المظهر يا أبا ليلى قال قلت أي الجنة قال أجل إن شاء الله قال أنشدني فأنشدته من قولي ... ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ... ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا ...
قال أحسنت لا يفضض الله فاك هكذا رواه البزار إسنادا ومتنا وقد رواه الحافظ البيهقي من طريق أخرى فقال أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان أنا أبو بكر بن محمد بن المؤمل ثنا جعفر بن محمد بن سوار ثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكري الرقي حدثني يعلى بن الأشدق قال سمعت النابغة نابغة بني جعدة يقول أنشدت رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا الشعر فأعجبه ... بلغنا السما مجدنا وتراثنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا ...
فقال أين المظهر يا أبا ليلى قلت الجنة قال كذلك إن شاء الله
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ... ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمرأ صدرا ...
فقال النبي صلى الله عليه و سلم أجدت لا يفضض الله فاك قال يعلى فلقد رأيته ولقد أتى عليه نيف ومائة سنة وما ذهب له سن قال البيهقي وروى عن مجاهد بن سليم عن عبد الله بن حراد سمعت نابغة يقول سمعني رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أنشد من قولي ... بلغنا السماء عفة وتكرما ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا ...
ثم ذكر الباقي بمعناه قال فلقد رأيت سنه كأنها البرد والمنهل ما سقط له سن ولا انفلت حديث آخر
قال الحافظ البيهقي أنا أبو بكر القاضي وأبو سعيد بن يوسف أبي عمرو قالا ثنا الأصم ثنا عباس الدوري ثنا علي بن بحر القطان ثنا هاشم بن يوسف ثنا معمر ثنا ثابت وسليمان التيمي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نظر قبل العراق والشام واليمن لا أدري بأيتهن بدأ ثم قال اللهم أقبل بقلوبهم إلى طاعتك وحط من أوزارهم ثم رواه عن الحاكم عن الاصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني عن علي بن بحر بن سري فذكر بمعناه وقال أبو داود الطيالسي ثنا عمران القطان (6/168)
عن قتادة عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل اليمن فقال اللهم أقبل بقلوبهم ثم نظر قبل الشام فقال اللهم أقبل بقلوبهم ثم نظر قبل العراق فقال اللهم أقبل بقلوبهم وبارك لنا في صاعنا ومدنا وهكذا وقع الأمر أسلم أهل اليمن قبل أهل الشام ثم كان الخير والبركة قبل العراق ووعد أهل الشام بالدوام على الهداية والقيام بنصرة الدين إلى آخر الأمر وروى أحمد في مسنده لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق فصل
وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن عكرمة بن عمار حدثني إياس ابن سلمة بن الاكوع أن أباه حدثه أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه و سلم بشماله فقال له كل بيمينك قال لا استطيع قال لا استطعت ما يمنعه إلا الكبر قال فما رفعها إلى فيه وقد رواه أبو داود الطيالسي عن عكرمة عن إياس عن أبيه قال ابصر رسول الله صلى الله عليه و سلم بشر بن راعي العير وهو يأكل بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لأاستطعت فما وصلت يده الى فيه بعد وثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس قال كنت ألعب مع الغلمان فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فاختبأت منه فجاءني فحطاني حطوة أو حطوتين وأرسلني إلى معاوية في حاجة فأتيته وهو يأكل فقلت أتيته وهو يأكل فأرسلني الثانية فأتيته وهو يأكل فقلت أتيته وهو يأكل فقال لا أشبع الله بطنه وقد روى البيهقي عن الحاكم عن علي بن حماد عن هشام ابن علي عن موسى بن إسماعيل حدثني أبو عوانة عن أبي حمزة سمعت ابن عباس قال كنت ألعب مع الغلمان فاذا رسول الله قد جاء فقلت ما جاء إلا إلي فذهبت فاختبأت على باب فجاء فخطاني خطوة وقال اذهب فادع لي معاوية وكان يكتب الوحي قال فذهبت فدعوته له فقيل إنه يأكل فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت إنه يأكل فقال اذهب فادعه لي فأتيته الثانية فقيل إنه يأكل فأتيت رسول الله فأخبرته فقال في الثانية لا أشبع الله بطنه قال فما شبع بعدها قلت وقد كان معاوية رضي الله عنه لا يشبع بعدها ووافقته هذه الدعوة في ايام إمارته فيقال إنه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعاما بلحم وكان يقول والله لا أشبع وإنما أعيى وقدمنا في غزوة تبوك أنه مر بين أيديهم وهم يصلون غلام فدعا عليه فأقعد فلم يقم بعدها وجاء من طرق أوردها البيهقي أن رجلا حاكى النبي صلى الله عليه و سلم في كلام واختلج بوجهه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كن كذلك فلم (6/169)
يزل يختلج ويرتعش مدة عمره حتى مات وقد ورد في بعض الروايات أنه الحكم بن أبي العاص أبو مروان بن الحكم فالله أعلم وقال مالك عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة بني انمار فذكر الحديث في الرجل الذي عليه ثوبان قد خلقا وله ثوبان في القنية فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم فلبسهما ثم ولى فقال رسول الله ماله ضرب الله عنقه فقال الرجل في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم في سبيل الله فقتل الرجل في سبيل الله وقد ورد من هذا النوع كثير وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة بطرق متعددة عن جماعة من الصحابة تفيد القطع كما سنوردها قريبا في باب فضائله صلى الله عليه و سلم أنه قال اللهم من سببته أو جلدته أو لعنته وليس لذلك أهلا فاجعل ذلك قربة له تقربه بها عندك يوم القيامة وقد قدمنا في أول البعثة حديث ابن مسعود في دعائه صلى الله عليه و سلم على أولئك النفر السبعة الذين أحدهم أبو جهل بن هشام وأصحابه حين طرحوا على ظهره عليه السلام الجزور وألقته عنه ابنته فاطمة فلما انصرف قال اللهم عليك بقريش اللهم عليك بأبي جهل وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ثم سمى بقية السبعة قال ابن مسعود فوالذي بعثه بالحق لقد رأيتهم صرعى في القليب قليب بدر الحديث وهو متفق عليه
حديث آخر
قال الامام أحمد حدثني هشام ثنا سليمان يعني ابن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه و سلم فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب قال فرفعوه وقالوا هذا كان يكتب لمحمد وأعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له وواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا ورواه مسلم عن محمد بن راضي عن أبي النضر هاشم بن القاسم به
طريق اخرى عن أنس
قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون ثنا حميد عن أنس أن رجلا كان يكتب للنبي صلى الله عليه و سلم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران عز فينا يعني عظم فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يملي عليه غفورا رحيما فيكتب عليما حكيما فيقول له النبي صلى الله عليه و سلم اكتب كذا وكذا فيقول أكتب كيف شئت ويملي عليه عليما حكيما فيكتب سميعا بصيرا فيقول اكتب كيف شئت قال فارتد ذلك الرجل عن الاسلام فلحق بالمشركين وقال أنا أعلمكم بمحمد وإني كنت لا أكتب إلا ما شئت فمات ذلك الرحل فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن (6/170)
الأرض لا تقبله قال أنس فحدثني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها ذلك الرحل فوجده منبوذا فقال أبو طلحة ما شأن هذا الرجل قالوا قد دفناه مرارا فلم تقبله الأرض وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجوه
طريق اخرى عن أنس
وقال البخاري ثنا أبو معمر ثنا عبد الرزاق ثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه و سلم فعاد نصرانيا وكان يقول لا يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبحوا وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه
باب المسائل التي سئل عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء
قد ذكرنا في أول البعثة ما تعنتت به قريش وبعثت إلى يهود المدينة يسألونهم عن أشياء يسألون عنها رسول الله ص فقالوا سلوه عن الروح وعن أقوام ذهبوا في الدهر فلا يدرى ما صنعوا وعن رجل طواف في الأرض بلغ المشارق والمغارب فلما رجعوا سألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله عز و جل قوله تعالى ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وأنزل سورة الكهف يشرح فيها خبر الفتية الذين فارقوا دين قومهم وآمنوا بالله العزيز الحميد وأفردوه بالعبادة واعتزلوا قومهم ونزلوا غارا وهو الكهف فناموا فيه ثم أيقظهم الله بعد ثلثمائة سنه وتسع سنين وكان من أمرهم ما قص الله علينا في كتابه العزيز ثم قص خبر الرجلين المؤمن والكافر وما كان من أمرهما ثم ذكر خبر موسى والخضر وما جرى لهما من الحكم والمواعظ ثم قال يسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا ثم شرح ثم ذكر خبره وما وصل إليه من المشارق والمغارب وما عمل من المصالح في العالم وهذا الإخبار هو الواقع في الواقع وإنما يوافقه من الكتب التي بأيدي أهل الكتاب ما كان منها حقا وأماما كان محرفا مبدلا فذاك مردود فان الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب ليبين للناس ما اختلفوا فيه من الأخبار والأحكام قال الله تعالى بعد ذكر التوراة والانجيل وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه وذكرنا في أول الهجرة قصة إسلام عبد الله بن سلام وأنه (6/171)
قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل فلما رأيت وجهه قلت إن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول ما سمعته يقول أيها الناس أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام وثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث إسماعيل بن عطية وغيره عن حميد عن أنس قصة سؤاله رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه وإلى أمه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرني بهن جبريل آنفا ثم قال أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وأما الولد فاذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه وقد رواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن أبي معشر عن سعيد المقبري فذكر مساءلة عبد الله بن سلام إلا أنه قال فسأله عن السواد الذي في القمر بدل أشراط الساعة فذكر الحديث إلى أن قال وأما السواد الذي في القمر فإنهما كانا شمسين فقال الله عز و جل وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل فالسواد الذي رأيت هو المحو فقال عبد الله بن سلام أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
حديث آخر في معناه
قال الحافظ البيهقي أنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عيدروس ثنا عثمان بن سعيد أنا الربيع بن نافع أبو توبة ثنا معاوية بن سلام عن زيد ابن سلام أنه سمع أبا سلام يقول أخبرني أبو أسماء الرجبي أن ثوبان حدثه قال كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءه حبر من أحبار اليهود فقال السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها قال لم تدفعني قال قلت ألا تقول يا رسول الله قال إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن اسمي الذي سماني به أهلي محمد فقال اليهودي جئت أسألك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ينفعك شيء إن حدثتك قال أسمع بأذني فنكت بعود معه فقال له سل فقال له اليهودي أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الظلمة دون الجسر قال فمن أول الناس إجازة فقال فقراء المهاجرين قال اليهودي فما تحفتهم حين يدخلون الجنة قال زيادة كبد الحوت قال وما غذاؤهم على إثره قال ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال فما شرابهم عليه قال من عين فيها تسمى سلسبيلا قال صدقت قال وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان قال (6/172)
ينفعك إن حدثتك قال أسمع بأذني قال جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فاذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بأذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بأذن الله فقال اليهودي صدقت وإنك لنبي ثم انصرف فقال النبي صلى الله عليه و سلم إنه سألني عنه وما أعلم شيئا منه حتى أتاني الله به وهكذا رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني عن أبي توبة الربيع ابن نافع به وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو عبد الله بن سلام ويحتمل أن يكون غيره والله أعلم
حديث آخر
قال أبو داود الطيالسي حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب حدثني ابن عباس قال حضرت عصابة من اليهود يوما عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي قال سلوني ما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على نبيه إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه صدقا لتتابعني على الاسلام قالوا لك ذلك قال سلوا عما شئتم قالوا أخبرنا عن أربع خلال ثم يسألك أخبرنا عن الطعام الذي حرم أسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى يكون ذكرا وكيف تكون الأنثى حتى تكون الأنثى وأخبرنا عن هذا النبي في النوم ومن وليك من الملائكة قال فعليكم عهد الله لئن أنا حدثتكم لتتابعني فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق قال أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا طال سقمه فيه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه وكان أحب الشراب إليه ألبان الابل وأحب الطعام إليه لحمان الابل قالوا اللهم نعم فقال رسول الله اللهم اشهد عليهم قال فأنشدكم الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ما الرجل أبيض وأن ماء المرأة رقيق أصفر فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله وإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا باذن الله وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى باذن الله قالوا اللهم نعم قال رسول الله اللهم اشهد عليهم قال وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه قالوا اللهم نعم قال اللهم اشهد عليهم قالوا أنت الآن حدثنا عن وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك قال ولي جبريل عليه السلام ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه فقالوا فعندها نفارقك لو كان وليك غيره من الملائكة لبايعناك وصدقناك قال فما يمنعكم أن تصدقوه قالوا إنه عدونا من الملائكة فأنزل الله عز و جل قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله الآية ونزلت فباءوا بغضب على غضب الآية (6/173)
حديث آخر
قال الامام أحمد ثنا يزيد ثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي قال قال يهودي لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فقال لا تقل له شيئا فانه لو سمعك لصارت له أربع أعين فسألاه فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة أو قال لا تفروا من الزحف شعبة الشاك وأنتم يا معشر يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت قال فقبلا يديه ورجليه وقالا نشهد أنك نبي قال فما يمنعكما أن تتبعاني قالا إن داود عليه السلام دعا أن لا يزال من ذريته نبي وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير والحاكم والبيهقي من طرق عن شعبة به وقال الترمذي حسن صحيح قلت وفي رجاله من تكلم فيه وكأنه اشتبه على الراوي التسع الآيات بالعشر الكلمات وذلك أن الوصايا التي أوصاها الله إلى موسى وكلمه بها ليلة القدر بعد ما خرجوا من ديار مصر وشعب بني إسرائيل حول الطور حضور وهارون ومن معه وقوف على الطور أيضا وحينئذ كلم الله موسى تكليما آمرا له بهذه العشر كلمات وقد فسرت في هذا الحديث وأما التسع الآيات فتلك دلائل وخوارق عادات أيد بها موسى عليه السلام وأظهرها الله على يديه بديار مصر وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والجدب ونقص الثمرات وقد بسطت القول على ذلك في التفسير بما فيه الكفاية والله أعلم فصل
وقد ذكرنا في التفسير عند قوله تعالى في سورة البقرة قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ومثلها في سورة الجمعة وهي قوله قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين وذكرنا أقوال المفسرين في ذلك وأن الصواب أنه دعاهم إلى المباهلة وأن يدعو بالموت على المبطل منهم أو المسلمين فنكلوا عن ذلك لعلمهم بظلم أنفسهم وأن الدعوة تنقلب عليهم ويعود وبالها إليهم وهكذا دعا النصارى من أهل نجران حين حاجوه في عيسى بن مريم فأمره الله أن يدعوهم إلىالمباهلة في قوله فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم (6/174)
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين وهكذا دعا على المشركين على وجه المباهلة في قوله قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا وقد بسطنا القول في ذلك عند هذه الآيات في كتابنا التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة
حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بأنه رسول الله ويتضمن تحاكمهم ولكن بقصد منهم مذموم
وذلك أنهم ائتمروا بينهم أنه إن حكم بما يوافق هواهم اتبعوه وإلا فاحذروا ذلك وقد ذمهم الله في كتابه العزيز على هذا القصد قال عبد الله بن المبارك ثنا معمر عن الزهري قال كنت جالسا عند سعيد بن المسيب وعند سعيد رجل وهو يوقره وإذا هو رجل من مزينة كان أبوه شهد الحديبية وكان من أصحاب أبي هريرة قال قال أبو هريرة كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاء نفر من اليهود وقد زنا رجل منهم وامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فانه نبي بعث بالتخفيف فان أفتانا حدا دون الرجم فعلناه واحتججنا عند الله حين نلقاه بتصديق نبي من أنبيائه قال مرة عن الزهري وإن أمرنا بالرجم عصينا فقد عصينا الله فيما كتب علينا من الرجم في التوراة فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما ترى في رجل منا زنا بعد ما أحصن فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يرجع إليهم شيئا وقام معه رجال من المسلمين حتى أتوا بيت مدراس اليهود فوجدوهم يتدارسون التوراة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يا معشر اليهود أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنا إذا أحصن قالوا نجبيه والتجبية أن يحملوا اثنين على حمار فيولوا ظهر أحدهما ظهر الآخر قال وسكت حبرهم وهو فتى شاب فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم صامتا ألظ به النشدة فقال حبرهم أما إذ نشدتهم فانا نجد في التوراة الرجم على من أحصن قال النبي صلى الله عليه و سلم فما أول ما ترخصتم أمر الله عز و جل فقال زنا رجل منا ذو قرابة بملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم فزنا بعده آخر في أسرة من الناس فاراد ذلك الملك أن يرجمه فقام قومه دونه فقالوا لا والله لا نرجمه حتى يرجم فلانا ابن عمه فاصطلحوا بينهم على هذه العقوبة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني أحكم بما حكم في التوراة فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بهما فرجما قال الزهري وبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا وله شاهد في الصحيح عن ابن عمر قلت وقد ذكرنا ما ورد في هذا السياق من الأحاديث عند قوله تعالى يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتو يحرفون الكلم عن مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه يعني الجلد (6/175)
والتحميم الذي اصطلحوا عليه وابتدعوه من عند أنفسهم يعني إن حكم لكم محمد بهذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا يعني وإن لم يحكم لكم بذلك فاحذروا قبوله قال الله تعالى ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلى أن قال وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين فذمهم الله تعالى على سوء ظنهم وقصدهم بالنسبة إلى اعتقادهم في كتابهم وإن فيه حكم الله بالرجم وهم مع ذلك يعلمون صحته ثم يعدلون عنه إلى ما ابتدعوه من التحميم والتجبيه وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن الزهري قال سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثهم فذكره وعنده فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لابن صوريا أنشدك بالله وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل هل تعلم أن الله حكم فيمن زنا بعد إحصانه بالرجم في التوراة فقال اللهم نعم أما والله يا أبا القاسم إنهم يعرفون أنك نبي مرسل ولكنهم يحسدونك فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده في بني تميم عند مالك بن النجار قال ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا فأنزل الله يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر الآيات وقد ذكر عبد الله بن صوريا الأعور في حديث ابن عمير وغيره بروايات صحيحة قد بيناها في التفسير
حديث آخر
قال حماد بن سلمة ثنا ثابت عن أنس أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه و سلم فمرض فأتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوده فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم يا يهودي أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون في التوراة نعتي وصفتي ومخرجي فقال لا فقال الفتى بلى والله يا رسول الله إنا نجد في التوراة نعتك وصفتك ومخرجك وإني اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال النبي لأصحابه أقيموا هذا عند رأسه ولو أخاكم ورواه البيهقي من هذا الوجه بهذا اللفظ حديث آخر
قال أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال إن الله ابتعث نبيه صلى الله عليه و سلم لادخال رجل الجنة فدخل النبي صلى الله عليه و سلم كنيسة وإذا يهودي يقرأ التوراة فلما أتى على صفته أمسك قال وفي ناحيتها رجل مريض فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما لكم أمسكتم فقال المريض إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة وقال ارفع يدك فقرأ حتى أتى على صفته فقال هذه صفتك وصفة أمتك (6/176)
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ثم مات فقال النبي صلى الله عليه و سلم لوا أخاكم
حديث آخر
إن النبي صلى الله عليه و سلم وقف على مدراس اليهود فقال يا معشر يهود أسلموا فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعملون أني رسول الله إليكم فقالوا قد بلغت يا أبا القاسم فقال ذلك أريد فصل
فالذي يقطع به من كتاب الله وسنة رسوله ومن حيث المعنى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد بشرت به الأنبياء قبله وأتباع الأنبياء يعلمون ذلك ولكن أكثرهم يكتمون ذلك ويخفونه قال الله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون وقال تعالى والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق وقال تعالى الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون وقال تعالى وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فانما هم في شقاق وقال تعالى هذا هذا بلاغ للناس ولينذروا به وقال تعالى لأنذركم به ومن بلغ وقال تعالى ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده وقال تعالى لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فذكر تعالى بعثته إلى الأميين وأهل الكتاب وسائر الخلق من عربهم وعجمهم فكل من بلغه القرآن فهو نذير له قال صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بي إلا دخل النار رواه مسلم وفي الصحيحين أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأعطيت السماحة وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة وفيهما بعثت إلى الأسود والأحمر قيل إلى العرب والعجم وقيل إلى الإنس والجن والصحيح أعم من ذلك والمقصود أن البشارات به صلى الله عليه و سلم موجودة في الكتب الموروثة عن الأنبياء قبله حتى تناهت النبوة إلى آخر أنبياء بني إسرائيل وهو عيسى بن مريم وقد قام بهذه البشارى في بني (6/177)
إسرائيل وقص الله خبره في ذلك فقال تعالى وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فأخبار محمد صلوات الله وسلامه عليه بأن ذكره موجود في الكتب المتقدمة فيما جاء به من القرآن وفيما ورد عنه من الأحاديث الصحيحة كما تقدم وهو مع ذلك من أعقل الخلق باتفاق الموافق والمفارق يدل على صدقه في ذلك قطعا لأنه لو لم يكن واثقا بما أخبر به من ذلك لكان ذلك من أشد المنفرات عنه ولا يقدم على ذلك عاقل والغرض أنه من أعقل الخلق حتى عند من يخالفه بل هو أعقلهم في نفس الأمر ثم إنه قد انتشرت دعوته في المشارق والمغارب وعمت دولة أمته في أقطار الآفاق عموما لم يحصل لأمة من الأمم قبلها فلو لم يكن محمد صلى الله عليه و سلم نبيا لكان ضرره أعظم من كل أحد ولو كان كذلك لحذر عنه الأنبياء أشد التحذير ولنفروا أممهم منه أشد التنفير فإنهم جميعهم قد حذروا من دعاة الضلالة في كتبهم ونهوا أممهم عن اتباعهم والإقتداء بهم ونصوا على المسيح الدجال الأعور الكذاب حتى قد أنذر نوح وهو أول الرسل قومه ومعلوم أنه لم ينص نبي من الأنبياء على التحذير من محمد ولا التنفير عنه ولا الأخبار عنه بشيء خلاف مدحه والثناء عليه والبشارة بوجوده والأمر باتباعه والنهي عن مخالفته والخروج من طاعته قال الله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون قال ابن عباس رضي الله عنهما ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتبعنه رواه البخاري وقد وجدت البشارات به صلى الله عليه و سلم في الكتب المتقدمة وهي أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر وقد قدمنا قبل مولده عليه السلام طرفا صالحا من ذلك وقررنا في كتاب التفسير عند الآيات المقتضية لذلك آثارا كثيرة ونحن نورد ههنا شيئا مما وجد في كتبهم التي يعترفون بصحتها ويتدينون بتلاوتها مما جمعه العلماء قديما وحديثا ممن آمن منهم واطلع على ذلك من كتبهم التي بأيديهم ففي السفر الأول من التوراة التي بأيديهم في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام ما مضمونه وتعريبه إن الله أوحى إلى إبراهيم عليه السلام بعد ما سلمه من نار النمروذ أن قم فاسلك الأرض مشارقها ومغاربها لولدك فلما قص ذلك على سارة طمعت أن يكون ذلك لولدها منه وحرصت على إبعاد هاجر وولدها حتى ذهب بهما الخليل إلى برية الحجاز وجبال فاران وظن إبراهيم عليه السلام أن هذه البشارة تكون لولده إسحاق حتى أوحي الله إليه ما مضمونه أما ولدك إسحاق فانه يرزق عظيمة وأما ولدك إسماعيل فاني باركته ذرية وعظيمة (6/178)
وكثرت ذريته وجعلت من ذريته ماذ ماذ يعني محمدا صلى الله عليه و سلم وجعلت في ذريته اثنا عشر إماما وتكون له أمة عظيمة وكذلك بشرت هاجر حين وضعها الخليل عند البيت فعطشت وحزنت على ولدها وجاء الملك فأنبه زمزم وأمرها بالاحتفاظ بهذا الولد فانه سيولد له منه عظيم له ذرية عدد نجوم السماء ومعلوم أنه لم يولد من ذرية إسماعيل بل من ذرية آدم أعظم قدرا ولا أوسع جاها ولا أعلى منزلة ولا أجل منصبا من محمد صلى الله عليه و سلم وهو الذي استولت دولة أمته على المشارق والمغارب وحكموا على سائر الأمم وهكذا في قصة إسماعيل من السفر الأول أن ولد إسماعيل تكون يده على كل الأمم وكل الأمم تحت يده وبجميع مساكن إخوته يسكن وهذا لم يكن لأحد يصدق على الطائفة إلا لمحمد صلى الله عليه و سلم وأيضا في السفر الرابع في قصة موسى أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام أن قل لبني إسرائيل سأقيم لهم نبيا من أقاربهم مثلك يا موسى وأجعل وحيي بفيه وإياه تسمعون وفي السفر الخامس وهو سفر الميعاد أن موسى عليه السلام خطب بني إسرائيل في آخر عمره وذلك في السنة التاسعة والثلاثين من سني التيه وذكرهم بأيام الله وأياديه عليهم وإحسانه إليهم وقال لهم فيما قال واعلموا أن الله سيبعث لكم نبيا من أقاربكم مثل ما أرسلني إليكم يأمركم بالمعروف وينهاكم عن المنكر ويحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث فمن عصاه فله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة وأيضا في آخر السفر الخامس وهو آخر التوراة التي بأيديهم جاء الله من طور سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران وظهر من ربوات قدسه عن يمينه نور وعن شماله نار عليه تجتمع الشعوب أي جاء أمر الله وشرعه من طور سيناء وهو الجبل الذي كلم الله موسى عليه السلام عنده واشرق من ساعير وهي جبال بيت المقدس المحلة التي كان بها عيسى بن مريم عليه السلام واستعلن أي ظهر وعلا أمره من جبال فاران وهي جبال الحجاز بلا خلاف ولم يكن ذلك إلا على لسان محمد صلى الله عليه و سلم فذكر تعالى هذه الأماكن الثلاثة على الترتيب الوقوعي ذكر محلة موسى ثم عيسى ثم بلد محمد صلى الله عليه و سلم ولما أقسم تعالى بهذه الأماكن الثلاثة ذكر الفاضل أولا ثم الأفضل منه ثم الأفضل منه على قاعدة القسم فقال تعالى والتين والزيتون والمراد بها محلة بيت المقدس حيث كان عيسى عليه السلام وطور سينين وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى وهذا البلد الأمين وهو البلد الذي ابتعث منه محمدا صلى الله عليه و سلم قاله غير واحد من المفسرين في تفسير هذه الآيات الكريمات وفي زبور داود عليه السلام صفة هذه الأمة بالجهاد والعبادة وفيه مثل ضربه لمحمد صلى الله عليه و سلم بأنه ختام القبة المبنية كما ورد به الحديث في الصحيحين مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى دارا فأكملها إلا موضع لبنة فجعل الناس يطيفون بها ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة ومصداق ذلك أيضا في (6/179)
قوله تعالى ولكن رسول الله وخاتم النبيين وفي الزبور صفة محمد صلى الله عليه و سلم بأنه ستنبسط نبوته ودعوته وتنفذ كلمته من البحر إلى البحر وتأتيه الملوك من سائر الأقطار طائعين بالقرابين والهدايا وأنه يخلص المضطر ويكشف الضر عن الأمم وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ويصلي عليه في كل وقت ويبارك الله عليه في كل يوم ويدوم ذكره إلى الأبد وهذا إنما ينطبق على محمد صلى الله عليه و سلم وفي صحف شعيا في كلام طويل فيه معاتبة لبني إسرائيل وفيه فاني أبعث إليكم وإلى الأمم نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ القلب ولا سخاب في الأسواق أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم ثم أجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى في ضميره والحكمة معقوله والوفاء طبيعته والعدل سيرته والحق شريعته والهدى ملته والاسلام دينه والقرآن كتابه أحمد اسمه أهدي به من الضلالة وأرفع به بعد الخمالة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين القلوب المختلفة وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس قرابينهم دماؤهم أنا جليهم في صدورهم رهبانا بالليل ليوثا بالنهار ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وفي الفصل الخامس من كلام شعيا يدوس الأمم كدوس البيادر وينزل البلاء بمشركي العرب وينهزمون قدامه وفي الفصل السادس والعشرين منه ليفرح أرض البادية العطشى ويعطي أحمد محاسن لبنان ويرون جلال الله بمهجته وفي صحف إلياس عليه السلام أنه خرج مع جماعة من أصحابه سائحا فلما رأى العرب بأرض الحجاز قال لمن معه انظروا إلى هؤلاء فانهم هم الذين يملكون حصونكم العظيمة فقالوا يا نبي الله فما الذي يكون معبودهم فقال يعظمون رب العزة فوق كل رابية عالية ومن صحف حزقيل إن عبدي خيرتي أنزل عليه وحيي يظهر في الأمم عدلي اخترته واصطفيته لنفسي وأرسلته إلى الأمم بأحكام صادقة ومن كتاب النبوات أن نبيا من الأنبياء مر بالمدينة فأضافه بنو قريظة والنضير فلما رآهم بكى فقالوا له ما الذي يبكيك يا نبي الله فقال نبي يبعثه الله من الحرة يخرب دياركم ويسبي حريمكم قال فأراد اليهود قتله فهرب منهم ومن كلام حزقيل عليه السلام يقول الله من قبل أن صورتك في الاحشاء قدستك وجعلتك نبيا وأرسلتك إلى سائر الأمم في صحف شعيا أيضا مثل مضروب لمكة شرفها الله افرحي يا عاقر بهذا الولد الذي يهبه لك ربك فان ببركته تتسع لك الأماكن وتثبت أوتادك في الأرض وتعلو أبواب مساكنك ويأتيك ملوك الأرض عن يمينك وشمالك بالهدايا والتقادم وولدك هذا يرث جميع الأمم ويملك سائر المدة والأقاليم ولا تخافي ولا تحرني فما بقي يلحقك ضيم من عدو أبدا وجميع أيام ترملك تنسيها وهذا كله إنما حصل على يدي محمد صلى الله عليه و سلم وإنما المراد بهذه العاقر مكة ثم صارت كما ذكر (6/180)
في هذا الكلام لا محالة ومن أراد من أهل الكتاب أن يصرف هذا ويتأوله على بيت المقدس وهذا لا يناسبه من كل وجه والله أعلم وفي صحف أرميا كوكب ظهر من الجنوب أشعته صواعق سهامه خوارق دكت له الجبال وهذا المراد به محمد صلى الله عليه و سلم وفي الانجيل يقول عيسى عليه السلام إني مرتق إلى جنات العلى ومرسل إليكم الفار قليط روح الحق يعلمكم كل شيء ولم يقل شيئا من تلقاء نفسه والمراد بالفار قليط محمد صلوات الله وسلامه عليه وهذا كما تقدم عن عيسى أنه قال ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد وهذا باب متسع ولو تقصينا جميع ما ذكره الناس لطال هذا الفصل جدا وقد أشرنا إلى نبذ من ذلك يهتدي بها من نور الله بصيرته وهداه إلى صراطه المستقيم وأكثر هذه النصوص يعلمها كثير من علمائهم وأحبارهم وهم مع ذلك يتكاتمونها ويخفونها وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى بن الطفيل قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبيد الله بن أبي داود المنادي ثنا يونس ابن محمد المؤدب ثنا صالح بن عمر ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن الغليان بن عاصم قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ شخص ببصره إلى رجل فدعاه فأقبل رجل من اليهود مجتمع عليه قميص وسراويل ونعلان فجعل يقول يا رسول الله فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أتشهد اني رسول الله فجعل لا يقول شيئا إلا قال يا رسول الله فيقول أتشهد أني رسول الله فيأبى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتقرأ التوراة قال نعم قال والإنجيل قال نعم والفرقان ورب محمد لو شئت لقرأته قال فأنشدك بالذي أنزل التوراة والأنجيل وأنشأ خلقه بها تجدني فيهما قال نجد مثل نعتك يخرج من مخرجك كنا نرجو أن يكون فينا فلما خرجت رأينا أنك هو فلما نظرنا إذا أنت لست به قال من أين قال نجد من أمتك سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وإنما أنتم قليل قال فهلل رسول الله صلى الله عليه و سلم وكبر وهلل وكبر ثم قال والذي نفس محمد بيده إنني لأنا هو وإن من أمتي لأكثر من سبعين ألفا وسبعين وسبعين
جوابه صلى الله عليه و سلم لمن ساءل عما سأل قبل أن يسأله عن شيء منه
قال الامام أحمد حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا الزبير بن عبد السلام عن أيوب بن عبد الله بن مكرز ولم يسمعه منه قال حدثني جلساؤه وقد رأيته عن وابصة الأسدي وقال عفان ثنا غير مرة ولم يقل حدثني جلساؤه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والاثم إلا سألته عنه وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه فجعلت أتخطاهم فقالوا إليك وابصة عن رسول الله فقلت دعوني فأذنو منه فانه أحب الناس إلي أن أدنو منه قال (6/181)
دعوا وابصة ادن يا وابصة مرتين أو ثلاثا قال فدنوت منه حتى قعدت بين يديه فقال يا وابصة أخبرك أم تسألني فقلت لا بل أخبرني فقال جئت تسأل عن البر والأثم فقلت نعم فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري ويقول يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ( ثلاث مرات ) البر ما اطمأنت اليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك
باب ما اخبر به صلى الله عليه و سلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده
وهذا باب عظيم لا يمكن استقصاء جميع ما فيه لكثرتها ولكن نحن نشير إلى طرف منها وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم وذلك منتزع من القرآن ومن الأحاديث أما القرآن فقال تعالى في سورة المزمل وهي من أوائل ما نزل بمكة علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ومعلوم أن الجهاد لم يشرع إلا بالمدينة بعد الهجرة وقال تعالى في سورة اقترب وهي مكية أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر ووقع هذا يوم بدر وقد تلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو خارج من العريش ورماهم بقبضة من الحصباء فكان النصر والظفر وهذا مصداق ذاك وقال تعالى تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد فأخبر أن عمه عبد العزى بن عبد المطلب الملقب بأبي لهب سيدخل النار هو وامرأته فقدر الله عز و جل أنهما ماتا على شركهما لم يسلما حتى ولا ظاهرا وهذا من دلائل النبوة الباهرة وقال تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وقال تعالى في سورة البقرة وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلو الآية فأخبر أن جميع الخليقة لو اجتمعوا وتعاضدوا وتناصروا وتعاونوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته وبلاغته وحلاوته وإحكام أحكامه وبيان حلاله وحرامه وغير ذلك من وجوه إعجازه لما استطاعوا ذلك ولما قدروا عليه ولا على عشر سور منه بل ولا سورة وأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك أبدا ولن لنفي التأبيد في المستقبل ومثل هذا التحدي وهذا القطع وهذا الاخبار الجازم لا يصدر إلا عن واثق بما يخبر به عالم بما يقوله قاطع أن أحدا لا يمكنه أن يعارضه ولا يأتي بمثل ما جاء به عن ربه عز و جل وقال تعالى وعد الله (6/182)
الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا الآية وهكذا وقع سواء بسواء مكن الله هذا الدين وأظهره وأعلاه ونشره في سائر الآفاق وأنفذه وأمضاه وقد فسر كثير من السلف هذه الآية بخلافة الصديق ولا شك في دخوله فيها ولكن لا تختص به بل تعمه كما تعم غيره كما ثبت في الصحيح إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لننفقن كنوزهما في سبيل الله وقد كان ذلك في زمن الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وارضاهم وقال تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وهكذا وقع وعم هذا الدين وغلب وعلا على سائر الأديان في مشارق الأرض ومغاربها وعلت كلمته في زمن الصحابة ومن بعدهم وذلت لهم سائر البلاد ودان لهم جميع أهلها على اختلاف أصنافهم وصار الناس إما مؤمن داخل في الدين وإما مهادن باذل الطاعة والمال وإما محارب خائف وجل من سطوة الاسلام وأهله وقد ثبت في الحديث إن الله زوى لي مشاقر الأرض ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها وقال تعالى قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون الآية وسواء كان هؤلاء هوازن أو أصحاب مسيلمة أو الروم فقد وقع ذلك وقال تعالى وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا وسواء كانت هذه الأخرى خيبر أو مكة فقد فتحت وأخذت كما وقع به الوعد سواء بسواء وقال تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا فكان هذا الوعد في سنة الحديبية عام ست ووقع إنجازه في سنة سبع عام عمرة القضاء كما تقدم وذكرنا هناك الحديث بطوله وفيه أن عمر قال يا رسول الله ألم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا قال لا قال فانك تأتيه وتطوف به وقال تعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم وهذا الوعد كان في وقعة بدر لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة ليأخذ عير قريش فبلغ قريشا خروجه إلى عيرهم فنفروا في قريب من ألف مقاتل فلما تحقق رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه قدومهم وعده الله إحدى الطائفتين أن سيظفره بها إما العير وإما النفير فود كثير من الصحابة ممن كان معه أن يكون الوعد للعير لما فيه من الأموال وقلة الرجال وكرهوا لقاء النفير لما فيه من العدد والعدد فخار الله لهم وأنجز لهم وعده في النفير بهم بأسه الذي لا يرد فقتل من سراتهم سبعون وأسر سبعون (6/183)
وفادوا أنفسهم بأموال جزيلة فجمع لهم بين خيري الدنيا والآخرة ولهذا قال تعالى ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين وقد تقدم بيان هذا في غزوة بدر وقال تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسارى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم وهكذا وقع فان الله عوض من اسلم منهم بخير الدنيا والآخرة ومن ذلك ما ذكره البخاري أن العباس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أعطني فاني فاديت نفسي وفاديت عقيلا قفال له خذ فأخذ في ثوب مقدارا لم يمكنه أن يقله ثم وضع منه مرة بعد مرة حتى أمكنه أن يحمله على كاهله وانطلق به كما ذكرناه في موضعه مبسوطا وهذا من تصديق هذه الأية الكريمة وقال تعالى وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء الآية وهكذا وقع عوضهم الله عما كان يغدو إليهم مع حجاج المشركين بما شرعه لهم من قتال أهل الكتاب وضرب الجزية عليهم وسلب أموال من قتل منهم على كفره كما وقع بكفار أهل الشام من الروم ومجوس الفرس بالعراق وغيرها من البلدان التي انتشر الاسلام على أرجائها وحكم على مدائنها وفيفائها قال تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وقال تعالى سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس الآية وهكذا وقع لما رجع صلى الله عليه و سلم من غزوة تبوك كان قد تخلف عنه طائفة من المنافقين فجعلوا يحلفون بالله لقد كانوا معذورين في تخلفهم وهم في ذلك كاذبون فأمر الله رسوله أن يجري أحوالهم على ظاهرها ولا يفضحهم عند الناس وقد أطلعه الله على أعيان جماعة منهم أربعة عشر رجلا كما قدمناه لك في غزوة تبوك فكان حذيفة بن اليمان ممن يعرفهم بتعريفه إياه صلى الله عليه و سلم وقال تعالى وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا وهكذا وقع لما اشتوروا عليه ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه من بين أظهرهم ثم وقع الرأى على القتل فعند ذلك أمر الله رسوله بالخروج من بين أظهرهم فخرج هو وصديقه أبو بكر فكمنا في غار ثور ثلاثا ثم ارتحلا بعدها كما قدمنا وهذا هو المراد بقوله إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم وهو مراد من قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ولهذا قال وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا وقد وقع كما أخبر فإن الملأ الذين اشتوروا على ذلك لم يلبثوا بمكة بعد هجرته صلى الله عليه و سلم إلا ريثما استقر ركابه الشريف بالمدينة (6/184)
وتابعه المهاجرون والأنصار ثم كانت وقعة بدر فقتلت تلك النفوس وكسرت تلك الرءوس وقد كان صلى الله عليه و سلم يعلم ذلك قبل كونه من إخبار الله له بذلك ولهذا قال سعد بن معاذ لأمية بن خلف أما إني سمعت محمدا صلى الله عليه و سلم يذكر أنه قاتلك فقال أنت سمعته قال نعم قال فإنه والله لا يكذب وسيأتي الحديث في بابه وقد قدمنا أنه عليه السلام جعل يشير لأصحابه قبل الوقعة إلى مصارع القتلى فما تعدى أحد منهم موضعه الذي أشار إليه صلوات الله وسلامه عليه وقال تعالى آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعدو يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون وهذا الوعد وقع كما أخبر به وذلك أنه لما غلبت فارس الروم فرح المشركون واغتم بذلك المؤمنون لأن النصارى أقرب إلى الإسلام من المجوس فأخبر الله رسوله صلى الله عليه و سلم بأن الروم ستغلب الفرس بعد هذه المدة بسبع سنين وكان من أمر مراهنة الصديق رءوس المشركين على أن ذلك سيقع في هذه المدة ما هو مشهور كما قررنا في كتابنا التفسير فوقع الأمر كما أخبر به القرآن غلبت الروم فارس بعد غلبهم غلبا عظيما جدا وقصتهم في ذلك يطول بسطها وقد شرحناها في التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة وقال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد وكذلك وقع أظهر الله من آياته ودلائله في أنفس البشر وفي الآفاق بما أوقعه من الناس بأعداء النبوة ومخالفي الشرع ممن كذب به من أهل الكتابين والمجوس والمشركين ما دل ذوي البصائر والنهى على أن محمدا رسول الله حقا وأن ما جاء به من الوحي عن الله صدق وقد أوقع له في صدور أعدائه وقلوبهم رعبا ومهابة وخوفا كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال نصرت بالرعب مسيرة شهر وهذا من التأييد والنصر الذي آتاه الله عز و جل وكان عدوه يخافه وبينه وبينه مسيرة شهر وقيل كان إذا عزم على غزوقوم أرعبوا قبل مجيئه إليهم ووروده عليهم بشهر صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين فصل
وأما الأحاديث الدالة على إخباره بما وقع كما أخبر فمن ذلك ما أسلفناه في قصة الصحيفة التي تعاقدت فيها بطون قريش وتمالأوا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يؤووهم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخلت بنو هاشم وبنو عبد المطلب بمسلمهم وكافرهم شعب أبي طالب أنفين لذلك ممتنعين منه أبدا ما بقوا دائما ما تناسلوا وتعاقبوا وفي ذلك عمل (6/185)
أبو طالب قصيدته اللامية التي يقول فيها ... كذبتم وبيت الله نبري محمدا ... ولما نقاتل دونه ونناضل ... ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل ... وما ترك قوم لا أبا لك سيدا ... يحوط الذمار غير درب مواكل ... وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل ... يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل ...
وكانت قريش قد علقت صحيفة الزعامة في سقف الكعبة فسلط الله عليها الأرضة فأكلت ما فيها من أسماء الله لئلا يجتمع بما فيها من الظلم والفجور وقيل إنها أكلت ما فيها إلا أسماء الله عز و جل فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم عمه أبو طالب فجاء أبو طالب إلى قريش فقال إن ابن أخي قد أخبرني بخبر عن صحيفتكم فان الله قد سلط عليها الأرضة فأكلتها إلا ما فيها من أسماء الله أو كما قال فأحضروها فإن كان كما قال وإلا أسلمته إليكم فأنزلوها ففتحوها فاذا الأمر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه و سلم فعند ذلك نقضوا حكمها ودخلت بنو هاشم وبنو المطلب مكة ورجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك كما أسلفنا ذكره ولله الحمد ومن ذلك حديث خباب بن الأرت حين جاء هو وأمثاله من المستضعفين يستنصرن النبي صلى الله عليه و سلم وهو يتوسد رداءه في ظل الكعبة فيدعو لهم لما هم فيه من العذاب والإهانة فجلس محمرا وجهه وقال إن من كان قبلكم كان أحدهم يشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر ولكنكم تستعجلون ومن ذلك الحديث الذي رواه البخاري ثنا محمد بن العلاء ثنا حماد بن أسامة عن يزيد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي بردة عن أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض فيها نخل فذهب وهلى إلى أنها ما اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فاذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فاذا هو ما جاء به من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها بقرا والله خير فاذا هم المؤمنون يوم أحد وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي أتانا بعد يوم بدر ومن ذلك قصة سعد بن معاذ مع أمية بن خلف حين قدم عليه مكة قال البخاري ثنا أحمد بن إسحاق ثنا عبيد الله بن موسى ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت فبينا سعد يطوف فاذا أبو جهل فقال من (6/186)
هذا الذي يطوف بالكعبة فقال سعد أنا سعد فقال أبو جهل تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا أصحابه فقال نعم فتلاحيا بينهما فقال أمية لسعد لا ترفع صوتك على أبي الحكم فانه سيد أهل الوادي ثم قال سعد والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام قال فجعل أمية يقول لسعد لا ترفع صوتك وجعل يمسكه فغضب سعد فقال دعنا عنك فاني سمعت محمد صلى الله عليه و سلم يزعم أنه قاتلك قال إياي قال نعم والله ما يكذب محمد إذا حدث فرجع إلى امرأته فقال أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي قالت وما قال لك قال زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي قالت فوالله ما يكذب محمدا قال فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ قالت له امرأته ما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي قال فاراد أن لا يخرج فقال له أبو جهل إنك من أشراف الوادي فسر يوما أو يومين فسار معهم فقتله الله وهذا الحديث من افراد البخاري وقد تقدم بأبسط من هذا السياق ومن ذلك قصة أبي بن خلف الذي كان يعلف حصانا له فاذا مر برسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إني سأقتلك عليه فيقول له رسول الله صلى الله عليه و سلم بل أنا أقتلك إن شاء الله فقتله يوم أحد كما قدمنا بسطه ومن ذلك إخباره عن مصارع القتلى يوم بدر كما تقدم الحديث في الصحيح أنه جعل يشير قبل الوقعة إلى محلها ويقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله وهذا مصرع فلان قال فوالذي بعثه بالحق ما حاد أحد منهم عن مكانه الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن ذلك قوله لذلك الرجل الذي كان لا يترك للمشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها ففراها بسيفه وذلك يوم أحد وقيل خيبر وهو الصحيح وقيل في يوم حنين فقال الناس ما أغنى أحد اليوم ما أغنى فلان يقال إنه قرمان فقال إنه من أهل النار فقال بعض الناس أنا صاحبه فاتبعه فجرح فاستعجل الموت فوضع ذباب سينه في صدره ثم تحامل عليه حتى أنفذه فرجع ذلك الرجل فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال وما ذاك فقال إن الرجل الذي ذكرت آنفا كان من أمره كيت وكيت فذكر الحديث كما تقدم ومن ذلك إخباره عن فتح مدائن كسرى وقصور الشام وغيرها من البلاد يوم حفر الخندق لما ضرب بيده الكريمة تلك الصخرة فبرقت من ضربه ثم أخرى ثم أخرى كما قدمنا ومن ذلك إخباره صلى الله عليه و سلم عن ذلك الذراع أنه مسموم فكان كما أخبر به اعترف اليهو بذلك ومات من أكل معه بشر بن البراء بن معرور ومن ذلك ما ذكره عبد الرزاق عن معمر أ ه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ذات يوم اللهم نج أصحاب السفينة ثم مكث ساعة ثم قال قد استمرت والحديث بتمامه في دلائل النبوة للبيهقي وكانت تلك السفينة قد أشرفت على الغرق وفيها الأشعريون الذين قدموا عليه وهو بخيبر ومن ذلك إخباره عن قبر أبي رغال حين مر عليه وهو ذاهب إلى الطائف وأن معه غصنا من ذهب فحفروه فوجدوه كما أخبر (6/187)
صلوات الله وسلامه عليه رواه أبو داود من حديث أبي إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن بحر بن أبي بحر عن عبد الله بن عمرو به ومن ذلك قوله عليه السلام للأنصار لما خطبهم تلك الخطبة مسليا لهم عما كان وقع في نفوس بعضهم من الإيثار عليهم في القسمة لما تألف قلوب من تألف من سادات العرب ورؤوس قريش وغيرهم فقال أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى رحالكم وقال إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض وقال إن الناس يكثرون وتقل الأنصار وقال لهم في الخطبة قبل هذه على الصفا بل المحيا محياكم والممات مماتكم وقد وقع جميع ذلك كما أخبر به سواء بسواء
وقال البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال وأخبرني سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ورواه مسلم عن حرملة عن أبي وهب عن يونس به وقال البخاري ثنا قبيصة ثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة رفعه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وقال لتنفقن كنوزهما في سبيل الله وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من حديث جرير وزاد البخاري وابن عوانة ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير به وقد وقع مصداق ذلك بعده في أيام الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان استوثقت هذه الممالك فتحا على أيدي المسلمين وأنفقت أموال قيصر ملك الروم وكسرى ملك الفرس في سبيل الله على ما سنذكره بعد إن شاء الله وفي هذا الحديث بشارة عظيمة للمسلمين وهي أن ملك فارس قد انقطع فلا عودة له وملك الروم للشام قد زال عنها فلا يملوكها بعد ذلك ولله الحمد والمنة وفيه دلالة على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان والشهادة لهم بالعدل حيث أنفقت الأموال المغنومة في زمانهم في سبيل الله على الوجه المرضى الممدوح وقال البخاري ثنا محمد بن الحكم ثنا النضر ثنا إسرائيل ثنا سعد الطائي أنا محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكى إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ما تخاف أحدا إلا الله عز و جل ( قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعا طيء الذين قد سعروا البلاد ) ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقولن له ألم أبعث (6/188)
إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم أعطك مالا [ وولدا ] وأفضلت عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يسارة فلا يرى إلا جهنم قال عدي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجد فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة فلا تخاف إلا الله عز و جل وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه و سلم يخرج ملء كفه ثم رواه البخاري عن عبيد الله بن محمد هو أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي عاصم النبيل عن سعد بن بشر عن أبي مجاهد سعد الطائي عن محل عنه به وقد تفرد به البخاري من هذين الوجهين ورواه النسائي من حديث شعبة عن محل عنه اتقوا النار ولو بشق تمرة وقد رواه البخاري من حديث شعبة ومسلم من حديث زهير كلاهما عن أبي اسحاق عن عبد الله بن مغفل عن عدي مرفوعا اتقوا النار ولو بشق تمرة وكذلك أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش عن خيثمة عن عبد الرحمن عن عدي وفيها من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن خيثمة عن عدي به وهذه كلها شواهد لأصل هذا الحديث الذي أوردناه وقد تقدم في غزوة الخندق بفتح مدائن كسرى وقصوره وقصور الشام وغير ذلك من البلاد وقال الامام أحمد حدثنا محمد بن عبيد ثنا إسماعيل عن قيس عن خباب قال أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في ظل الكعبة متوسدا بردة له فقلنا يا رسول الله ادع الله لنا واستنصره قال فاحمر لونه أو تغير فقال لقد كان من قبلكم تحفر له الحفيرة ويجاء بالميشار فيوضع على رأسه فيشق ما يصرفه عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظم أو لحم أو عصب ما يصرفه عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت ما يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون وهكذا رواه البخاري عن مسدد ومحمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد به ثم قال البخاري في كتاب علامات النبوة حدثنا سعيد بن شرحبيل ثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الحسين عن عتبة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال أنا فرطكم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ولكني أخاف أن تنافسوا فيها وقد رواه البخاري أيضا من حديث حيوة بن شريح ومسلم من حديث يحيى بن أيوب كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب كرواية الليث عنه ففي هذا الحديث مما نحن بصدده أشياء منها أنه أخبر الحاضرين أنه فرطهم أي المتقدم عليهم في الموت وهكذا وقع فأن هذا كان في مرض موته عليه السلام ثم أخبر أنه شهيد عليهم وإن تقدم وفاته (6/189)
عليهم وأخبر أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض أي فتحت له البلادكما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم قال أبو هريرة فذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنتم تفتحونها كفرا كفرا أي بلدا بلدا وأخبر أن أصحابه لا يشركون بعده وهكذا وقع ولله الحمد والمنة ولكن خاف عليهم أن ينافسوا في الدنيا وقد وقع هذا في زمان علي ومعاوية رضي الله عنهما ثم من بعدهما وهلم جرا إلى وقتنا هذا ثم قال البخاري ثنا علي بن عبد الله أنا أزهر بن سعد أنا ابن عون أنبأني موسى بن انس بن مالك عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم فتقد ثابت بن قيس فقال رجل يا رسول الله أعلم لك علمه فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال ما شأنك فقال شرا كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه و سلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا قال موسى فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة تفرد به البخاري وقد قتل ثابت بن قيس بن شماس شهيدا يوم اليمامة كما سيأتي تفصيله وهكذا ثبت في الحديث الصحيح البشارة لعبد الله بن سلام أنه يموت على الإسلام ويكون من أهل الجنة وقد مات رضي الله عنه على أكمل أحواله وأجملها وكان الناس يشهدون له بالجنة في حياته لأخبار الصادق عنه بأنه يموت على الإسلام وكذلك وقع وقد ثبت في الصحيح الأخبار عن العشرة بأنهم من أهل الجنة بل ثبت أيضا الأخبار عنه صلوات الله وسلامه عليه بأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة وقيل وخمسمائة ولم ينقل أن أحدا من هؤلاء رضي الله عنه عاش إلا حميدا ولا مات إلا على السداد والاستقامة والتوفيق ولله الحمد والمنة وهذا من أعلام النبوات ودلالات الرسالة
فصل في الاخبار بغيوب ماضية ومستقبلة
روى البيهقي من حديث إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة قال جاء رجل فقال يا رسول الله إن فلانا مات فقال لم يمت فعاد الثانية فقال إن فلانا مات فقال لم يمت فعاد الثالثة فقال إن فلانا نحر نفسه بمشقص عنده فلم يصل عليه ثم قال البيهقي تابعه زهير عن سماك ومن ذلك الوجه رواه مسلم مختصرا في الصلاة وقال أحمد حدثنا أسود بن عامر ثنا هريم بن سفيان عن سنان بن بشر عن قيس بن ابي حازم عن قيس بن ابي شهم قال مرت بي جارية بالمدينة فأخذت بكشحها قال وأصبح الرسول صلى الله عليه و سلم يبايع الناس قال فأتيته فلم يبايعني فقال صاحب الجبيذة قال قلت والله لا أعود قال فبايعني ورواه النسائي عن محمد بن عبد الرحمن الحربي عن (6/190)
أسود بن عامر به ثم رواه أحمد عن سريح عن يزيد بن عطاء عن سنان بن بشر عن قيس عن أبي هاشم فذكره وفي صحيح البخاري عن أبي نعيم عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله ابن عمر قال كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم خشية أن ينزل فينا شيء فلما توفي تكلمنا وانبسطنا وقال ابن وهب أخبرني عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي هلال عن أبي حازم عن سهل بن سعد أنه قال والله لقد كان أحدنا يكف عن الشيء مع امرأته وهو وإياها في ثوب واحد تخوفا أن ينزل فيه شيء من القرآن وقال أبو داود ثنا محمد بن العلاء ثنا ابن إدريس ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على القبر يوصي الحافر أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده فيه ووضع القوم أيديهم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يلوك لقمة في فيه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها قال فأرسلت المرأة يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة فلم توجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل بها إلي بثمنها فلم يوجد فأرسلت الى امرأته فأرسلت إلي بها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أطعميه الاسارى
فصل في ترتيب الأخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى الله عليه و سلم
ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان قال قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره علمه من علمه وجهله من جهله وقد كنت أرى الشيء قد كنت نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه وقال البخاري ثنا يحيى بن موسى حدثنا الوليد حدثني ابن جابر حدثني بشر بن عبيد الله الحضرمي حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه فقال قوم يهدون بغير هديي يعرف منهم ينكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم من جلدتنا ويكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فان لم يكن لهم جماعة ولا إمام (6/191)
قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك وقد رواه البخاري أيضا ومسلم عن محمد بن المثنى عن الوليد بن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر به قال البخاري ثنا محمد بن مثنى ثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل عن قيس عن حذيفة قال تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر تفرد به البخاري وفي صحيح مسلم من حديث شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن حذيفة قال لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه و سلم بما يكون حتى تقوم الساعة غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها وفي صحيح مسلم من حديث علي بن أحمر عن أبي يزيد عمرو بن أخطب قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة فأعلمنا أحفظنا وفي الحديث الآخر حتى دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وقد تقدم حديث خباب بن الأرت والله ليتمن الله هذا الأمر ولكنكم تستعجلون وكذا حديث عدي بن حاتم في ذلك وقال الله تعالى ليظهره على الدين كله وقال تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض الآية وفي صحيح مسلم من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء وفي حديث آخر ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة بن المسور عن عمرو بن عوف فذكر قصة بعث أبي عبيدة الى البحرين قال وفيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أبشروا واملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تنبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم وفي الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هل لكم من أنماط قال قلت يا رسول الله وأنى يكون لنا أنماط فقال أما إنها ستكون لكم أنماط فال فأنا أقول لامرأتي نحي عني أنماطك فتقول ألم يقل رسول الله أنها ستكون لكم أنماط فأتركها وفي الصحيحين والمسانيد والسنن وغيرها من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تفتح اليمن فيأتي قوم يبثون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون كذلك رواه عن هشام بن عروة جماعة كثيرون وقد أسنده الحافظ ابن عساكر من حديث مالك وسفيان بن عيينة وابن جريج وأبو معاوية ومالك بن سعد بن الحسن وأبو ضمرة أنس بن عياض وعبد العزيز بن أبي حازم وسلمة بن دينار وجرير بن عبد الحميد ورواه أحمد عن يونس عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة وعبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام ومن (6/192)
حديث مالك عن هشام به بنحوه ثم روى أحمد عن سليمان بن داود الهاشمي عن إسماعيل بن جعفر أخبرني يزيد بن حصيفة أن بشر بن سعيد أخبره أنه سمع في مجلس المكيين يذكرون أن سفيان اخبرهم فذكر قصة وفيها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له ويوشك الشام أن يفتح فيأتيه رجال من هذا البلد يعني المدينة فيعجبهم ربعهم ورخاؤه والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم يفتح العراق فيأتي قوم يثبون فيحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وأخرجه ابن خزيمة من طريق إسماعيل ورواه الحافظ ابن عساكر من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم بنحوه وكذا حديث ابن حوالة ويشهد لذلك منعت الشام مدها ودينارها ومنعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وهو في الصحيح وكذا حديث المواقيت لأهل الشام واليمن وهو في الصحيحين وعند مسلم ميقات أهل العراق ويشهد لذلك أيضا حديث إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز و جل وفي صحيح البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك اعدد ستا بين يدي الساعة فذكر موته عليه السلام ثم فتح بيت المقدس ثم موتان وهو الوباء ثم كثرة المال ثم فتنة ثم هدنة بين المسلمين والروم وسيأتي الحديث فيما بعد وفي صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن شماسة عن أبي زر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما فاذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها قال فمر بربيعة وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة يختصمان في موضع لبنة فخرج منها يعني ديار مصر على يدي عمرو بن العاص في سنة عشرين كما سيأتي وروى ابن وهب عن مالك والليث عن الزهري عن ابن لكعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فان لهم ذمة ورحما رواه البيهقي من حديث إسحق بن راشد عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه وحكى أحمد بن حنبل عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن قوله ذمة ورحما فقال من الناس من قال إن أم إسماعيل هاجر كانت قبطية ومن الناس من قال أم إبراهيم قلت الصحيح الذي لا شك فيه أنهما قبطيتان كما قدمنا ذلك ومعنى قوله ذمة يعني بذلك هدية المقوقس إليه وقبوله ذلك منه وذلك نوع ذمام ومهادنة والله تعالى أعلم وتقدم ما رواه البخاري من حديث محل بن خليفة عن عدي بن حاتم في فتح كنوز كسرى وانتشار الأمن وفيضان المال حتى لا يتقبله أحد وفي الحديث أن عديا شهد الفتح ورأى الظعينة ترتحل من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله قال ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم من كثرة المال حتى لا يقبله أحد قال (6/193)
البيهقي وقد كان ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز قلت ويحتمل أن يكون ذلك متأخرا إلى زمن المهدي كما جاء في صفته أو إلى زمن نزول عيسى بن مريم عليه السلام بعد قتله الدجال فإنه قد ورد في الصحيح أنه يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويفيض المال حتى لا يقبله أحد والله تعالى أعلم وفي صحيح مسلم من حديث ابن أبي ذئب عن مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يزال هذا الدين قائما ما كان اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة وليفتحن عصابة من المسلمين كنز القصر الأبيض قصر كسرى وأنا فرطكم على الحوض الحديث بمعناه وتقدم حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة مرفوعا إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز و جل أخرجاه وقال البيهقي المراد زوال ملك قيصر عن الشام ولا يبقى فيها ملكه على الروم لقوله عليه السلام لما عظم كتابه ثبت ملكه وأما ملك فارس فزال بالكلية لقوله مزق الله ملكه وقد روى أبو داود عن محمد بن عبيد عن حماد عن يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب وروينا في طريق أخرى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جيء بفروة كسرى وسيفه ومنطقته وتاجه وسواريه ألبس ذلك كله لسراقة بن مالك بن جعشم وقال الحمد لله الذي ألبس ثياب كسرى لرجل أعرابي من البادية قال الشافعي إنما ألبسه ذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لسراقة ونظر الى ذراعيه كأني بك وقد لبست سواري كسرى والله أعلم وقال سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن ابي حازم عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها فقام رجل فقال يا رسول الله هب لي ابنته نفيله قال هي لك فأعطوه إياها فجاء أبوها فقال أتبيعها قال نعم قال فبكم أحكم ما شئت قال ألف درهم قال قد أخذتها فقالوا له لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها فقال وهل عدد اكثر من ألف وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا معاوية عن ضمرة بن حبيب أن ابن زغب الأيادي حدثه قال نزل على عبد الله بن حوالة الأزدي فقال لي بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم حول المدينة على أقدامنا لنغنم فرجعنا ولم نغنم شيئا وعرف الجهد في وجوهنا فقام فينا فقال اللهم لا تكلهم إلي فأضعف ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم ثم قال لتفتحن لكم الشام والروم وفارس أو الروم وفارس وحتى يكون لأحدكم من الإبل كذا وكذا ومن البقر كذا وكذا ومن الغنم كذا وكذا وحتى يعطي أحدكم مائة دينار فيسخطها ثم وضع يده على رأسي أو على هامتي فقال يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور (6/194)
العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك ورواه ابو داود من حديث معاوية بن صالح وقال أحمد حدثنا حيوة بن شريح ويزيد بن عبد ربه قالا ثنا بقية حدثني بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن أبي قيلة عن ابن حوالة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سيصير الأمر إلى أن تكون جنود مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق فقال ابن حوالة خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك فقال عليك بالشام فانه خيرة الله من ارضه يجيء إليه خيرته من عباده فان أبيتم فعليكم بيمنكم واسعوا من غدره فإن الله تكفل لي بالشام واهله وهكذا رواه أبو داود عن حيوة بن شريح به وقد رواه أحمد أيضا عن عصام بن خالد وعلي بن عباس كلاهما عن جرير بن عثمان عن سليمان بن سمير عن عبد الله بن حوالة فذكر نحوه ورواه الوليد بن مسلم الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول وربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عبد الله بن حوالة به وقال البيهقي أنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن يوسف ثنا يحيى بن حمزة حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة يروى الحديث إلى جبير بن نفير قال قال عبد الله بن حوالة كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فشكونا إليه العري والفقر وقلة الشيء فقال أبشروا فوالله لانا بكثرة الشيء أخوفني عليكم من قلته والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله عليكم أرض الشام أو قال أرض فارس وأرض الروم وأرض حمير وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن وحتى يعطي الرجل المائة فيسخطها قال ابن حوالة قلت يا رسول الله ومن يستطيع الشام وبه الروم ذوات القرون قال والله ليفتحها الله عليكم وليستخلفنكم فيها حتى تطل العصابة البيض منهم قمصهم الملحمية أقباؤهم قياما على الرويحل الأسود منكم المحلوق ما أمرهم من شيء فعلوه وذكر الحديث قال أبو علقمة سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول فعرف أصحاب رسول الله نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي وكان على الأعاجم في ذلك الزمان فكانوا إذا رجعوا إلى المسجد نظروا إليه وإليهم قياما حوله فيعجبون لنعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه وفيهم وقال أحمد حدثنا حجاج ثنا الليث بن سعد حدثني يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط النجيبي عن عبد الله بن حوالة الأزدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من نجا من ثلاث فقد نجا قالوا ماذا يا رسول الله قال موتي ومن قتال خليفة مصطبر بالحق يعطيه والدجال وقال أحمد ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن حوالة قال أتيت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو جالس في ظل دومة وهو عنده كاتب له يملي عليه فقال ألا نكتبك يا ابن حوالة قلت فيم يا رسول الله فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه ثم قال ألا نكتبك يا ابن حوالة قلت لا أدري ما خار الله لي ورسوله فأعرض (6/195)
عني وأكب على كاتبه يملي عليه ثم قال ألا نكتبك يا ابن حوالة قلت لا أدري ما خار الله لي ورسوله فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه قال فنظرت فاذا في الكتاب عمر فقلت لا يكتب عمر إلا في خير ثم قال أنكتبك يا ابن حوالة قلت نعم فقال يا ابن حوالة كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض كأنها صياصي نفر قلت لا أدري ما خار الله لي ورسوله قال فكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأن الأولى منها انتفاجة أرنب قلت لا أدري ما خار الله لي ورسوله قال ابتغوا هذا قال ورجل مقفي حينئذ قال فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت هذا قال نعم قال فاذا هو عثمان ابن عفان رضي الله عنه وثبت في صحيح مسلم من حديث يحيى بن آدم عن زهير بن معاوية عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مدها ودينارها ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه وقال يحيى بن آم وغيره من أهل العلم هذا من دلائل النبوة حيث أخبر عما ضربه عمر على أرض العراق من الدراهم والقفزان وعما ضرب من الخراج بالشام ومصر قبل وجود ذلك صلوات الله وسلامه عليه وقد اختلف الناس في معنى قوله عليه السلام منعت العراق الخ فقيل معناه أنهم يسلمون فيسقط عنهم الخراج ورجحه البيهقي وقيل معناه أنهم يرجعون عن الطاعة ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم ولهذا قال وعدتم من حيث بدأتم أي رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك كما ثبت في صحيح مسلم إن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء ويؤيد هذا القول ما رواه الامام أحمد حدثنا إسماعيل عن الحريري عن أبي نصرة قال كنا عند جابر بن عبد الله فقال يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم قلنا من اين ذلك قال من قبل العجم يمنعون ذلك ثم قال يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم دينار ولا مد قلنا من أين ذلك قال من قبل الروم يمنعون ذلك قال ثم سكت هنيهة ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعده عدا قال الجريري فقلت لأبي نصرة وأبي العلاء أتريانه عمر بن عبد العزيز فقالا لا وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن علية وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي نصرة المنذر بن مالك بن قطفة العبدي عن جابر كما تقدم والعجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي احتج به على ما رجحه من أحد القولين المتقدمين وفيما سلكه نظر والظاهر خلافه وثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم وفي صحيح مسلم عن جابر ولأهل العراق (6/196)
ذات عرق فهذا من دلائل النبوة حيث أخبر عما وقع من حج أهل الشام واليمن والعراق صلوات الله وسلامه عليه وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليأتين على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقال نعم فيفتح الله لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من صحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقال نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس فيقال هل كان فيكم من صحب من صاحبهم فيقال نعم فيفتح الله لهم وثبت في الصحيحين من حديث ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة قال كنا حلوسا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزلت عليه سورة الجمعة وآخرين منهم لما يلحقوا بهم فقال رجل من هؤلاء يا رسول الله فوضع يده على سلمان الفارسي وقال لو كان الأيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء وهكذا وقع كما أخبر به عليه السلام وروى الحافظ البيهقي من حديث محمد ابن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن بشر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لتفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه اسم الله عز و جل وروى الامام أحمد والبيهقي وابن عدي وغير واحد من حديث أوس بن عبد الله بن بريدة عن أخيه سهل عن أبيه عبد الله بن بريدة بن الخصيب مرفوعا ستبعث بعوث فكن في بعث خراسان ثم اسكن مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ودعا لها بالبركة وقال لا يصيب أهلها سوء وهذا الحديث يعد من غرائب المسند ومنهم من يجعله موضوعا فالله أعلم وقد تقدم حديث أبي هريرة من جميع طرقه في قتال الترك وقد وقع ذلك كما أخبر به سواء بسواء وسيقع أيضا وفي صحيح البخاري من حديث شعبة عن فراب القزاز عن أبي حازم عن ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وإنه سبكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فان الله سائلهم عما استرعاهم وفي صحيح مسلم من حديث أبي رافع عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما كان لنبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه ويستنون بسنته ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويعملون ما ينكرون وروى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن الحرث بن محمد بن حاطب الجمحي عن إسماعيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله ويعدلون في عبادة الله ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ويقتلون الرجال ويصطفون الأموال فمغير بيده ومغير بلسانه وليس وراء ذلك الايمان شيء وقال أبو داود الطيالسي ثنا جرير بن حازم عن (6/197)
ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة وكائنا خلافة ورحمة وكائنا ملكا عضوضا وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الأمة يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله عز و جل وهذا كله واقع وفي الحديث الذي رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي من حديث سعيد بن جهمان عن سفينة مولى رسول الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا وفي رواية ثم يؤتى الله ملكه من يشاء وهكذا وقع سواء فإن أبا بكر رضي الله عنه كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة ايام وخلافة عثمان اثنتا عشرة سنة إلا اثنا عشر يوما وكانت خلافة علي بن أبي طالب خمس سنين إلا شهرين قلت وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي نحوا من ستة اشهر حتى نزل عنها لمعاوية عام اربعين من الهجرة كما سيأتي بيانه وتفصيله وقال يعقوب بن سفيان حدثني محمد بن فضيل ثنا مؤمل ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول خلافة نبوة ثلاثون عاما ثم يؤتي الله ملكه من يشاء فقال معاوية رضينا بالملك وهذا الحديث فيه رد صريح على الروافض المنكرين لخلافة الثلاثة وعلى النواصب من بني أمية ومن تبعهم من أهل الشام في إنكار خلافة علي بن أبي طالب فان قيل فما وجه الجمع بين حديث سفينه هذا وبين حديث جابر بن سمرة المتقدم في صحيح مسلم لا يزال هذا الدين قائما ما كان في الناس اثنا عشر خليفة كلهم من قريش فالجواب إن من الناس من قال إن الدين لم يزل قائما حتى ولى اثنا عشر خليفة ثم وقع تخبيط بعدهم في زمان بني أمية وقال آخرون بل هذا الحديث فيه بشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلا من قريش وإن لم يوجدوا على الولاء وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون فيهم عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي رضي الله عنه وقد نص على خلافته وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمة حتى قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه ليس قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز ومنهم من ذكر من هؤلاء المهدي بأمر الله العباسي والمهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان منهم أيضا بالنص على كونه من أهل البيت واسمه محمد بن عبد الله وليس بالمنتظر في سرداب سامرا فإن ذاك ليس بموجود بالكلية وإنما ينتظره الجهلة من الروافض وقد تقدم في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لقد هممت أن أدعو أباك وأخاك وأكتب كتابا لئلا يقول قائل أو يتمنى متمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يأبى الله والمؤمنون إلا (6/198)
أبا بكر وهكذا وقع فإن الله ولاه وبايعه المؤمنون قاطبة كما تقدم وفي صحيح البخاري أن امرأة قالت يا رسول الله ارأيت إن جئت فلم أجدك كأنها تعرض بالموت فقال إن لم تجديني فأت أبا بكر وثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بينا أنا نائم رأيتني على قليب فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بطعن قال الشافعي رحمه الله رؤيا الأنبياء وحي وقوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته واشتغاله بحرب أهل الردة عن الفتح الذي ناله عمر بن الخطاب في طول مدته قلت وهذا فيه البشارة بولايتهما على الناس فوقع كما أخبر سواء ولهذا جاء في الحديث الآخر الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان من حديث ربعي بن خراش عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقال الترمذي حسن وأخرجه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم وتقدم من طريق الزهري عن رجل عن أبي ذر حديث تسبيح الحصى في يد رسول الله ثم يد أبي بكر ثم عمر ثم عثمان وقوله عليه السلام هذه خلافة النبوة وفي الصحيح عن أبي موسى قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم حائطا فدلى رجليه في القف فقلت لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلست خلف الباب فجاء رجل فقال افتح فقلت من أنت قال أبو بكر فأخبرت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال افتح له وبشره بالجنة ثم جاء عمر فقال كذلك ثم جاء عثمان فقال ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فدخل وهو يقول الله المستعان وثبت في صحيح البخاري من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فضربه رسول الله صلى الله عليه و سلم برجله وقال اثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان وقال عبد الرزاق أنا معمر عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن حراء ارتج وعليه النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان فقال النبي صلى الله عليه و سلم اثبت ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان قال معمر قد سمعت قتادة عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله وقد روى مسلم عن قتيبة عن الداروردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه و سلم اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد وهذا من دلائل النبوة فان هؤلاء كلهم أصابوا الشهادة واختص رسول الله صلى الله عليه و سلم بأعلى مراتب الرسالة والنبوة واختص أبو بكر بأعلى مقامات الصديقية وقد ثبت في الصحيح الشهادة للعشرة بالجنة بل لجميع من شهد بيعة الرضوان عام الحديبية وكانوا ألفا وأربعمائة وقيل (6/199)
وثلثمائة وقيل خمسمائة وكلهم استمر على السداد والاستقامة حتى مات رضي الله عنهم أجمعين وثبت في صحيح البخاري البشارة لعكاشة بأنه من أهل الجنة فقتل شهيدا يوم اليمامة وفي الصحيحين من حديث يونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا بغير حساب تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر فقام عكاشة ابن محصن الأسدي يجر غرة عليه فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم اللهم اجعله منهم ثم قام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة تفيد القطع وسنورده في باب صفة الجنة وسنذكر في قتال أهل الردة أن طلحة الأسدي قتل عكاشة بن محصن شهيدا رضي الله عنه ثم رجع طلحة الأسدي عما كان يدعيه من النبوة وتاب إلى الله وقدم على أبي بكر الصديق واعتمر وحسن إسلامه وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بينا أنا نائم رأيت كأنه وضع في يدي سواران فقطعتهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان صاحب صنعاء وصاحب اليمامة وقد تقدم في الوفود أنه قال لمسيلمة حين قدم مع قومه وجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له والله لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت وهكذا وقع عقره الله وأهانه وكسره وغليه يوم اليمامة كما قتل الأسود العنسي بصنعاء على ما سنورده إن شاء الله تعالى وروى البيهقي من حديث مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم مسيلمة فقال له مسيلمة أتشهد أني رسول الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم آمنت بالله وبرسله ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن هذا الرجل أخر لهلكة قومه وقد ثبت في الحديث الآخر أن مسيلمة كتب بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك أما بعد فإني قد اشركت في الأمر بعدك فلك المدر ولي الوبر ولكن قريشا قوم يعتدون فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وقد جعل الله العاقبة لمحمد وأصحابه لأنهم هم المتقون وهم العادلون المؤمنون لا من عداهم وقد وردت الأحاديث المروية من طرق عنه صلى الله عليه و سلم في الأخبار عن الردة التي وقعت في زمن الصديق فقاتلهم الصديق بالجنود المحمدية حتى رجعوا إلى دين الله أفواجا وعذب ماء الأيمان كما كان بعد ما صار أجاجا وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على (6/200)
الكافرين الآية قال المفسرون هم أبو بكر وأصحابه رضي الله عنهم وثبت في الصحيحين من حديث عامر الشعبي عن مسروق عن عائشة في قصة مسارة النبي صلى الله عليه و سلم ابنته فاطمة وإخباره إياها بأن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة وأنه عارضني العام مرتين وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي فبكت ثم سارها فأخبرها بأنها سيدة نساء اهل الجنة وأنها أول أهله لحوقا به وكان كما أخبر قال البيهقي واختلفوا في مكث فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل شهران وقيل ثلاثة وقيل ستة وقيل ثمانية قال وأصح الروايات رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت مكثت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ستة أشهر أخرجاه في الصحيحين
ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره صلى الله عليه و سلم عن الغيوب المستقبلة
فمن ذلك ما ثبت في الصحصيحين من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر بن الخطاب وقال يعقوب بن سفيان ثنا عبيد الله بن موسى أنا أبو إسرائيل كوفي عن الوليد بن العيزار عن عمر بن ميمون عن علي رضي الله عنه قال ما كنا ننكر ونحن متوافرون أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أن السكينة تنطق على لسان عمر قال البيهقي تابعه ذر بن حبيش والشعبي عن علي وقال يعقوب بن سفيان ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب ينطق على لسان ملك وقد ذكرنا في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشياء كثيرة من مكاشفاته وما كان يخبر به من المغيبات كقصة سارية بن زنيم وما شاكلها ولله الحمد والمنة ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن نساء النبي صلى الله عليه و سلم اجتمعن عنده فقلن يوما يا رسول الله أيتنا أسرع بك لحوقا فقال أطولكن يدا وكانت سودة أطولنا ذراعا فكانت أسرعنا به لحوقا هكذا وقع في الصحيح عند ابخاري أنها سودة وقد رواه يونس بن بكير بن أبي زائدة عن الشعبي فذكر الحديث مرسلا وقال فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة والذي رواه مسلم عن محمود بن غيلان عن الفضل بن موسى عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فذكرت الحديث وفيه فكانت زينب أطولنا يدا لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق وهذا هو المشهور عن علماء التاريخ أن زينب بنت جحش كانت أول أزواج النبي صلى الله عليه و سلم وفاة قال الواقدي توفيت سنة عشرين وصلى عليها عمر بن الخطاب قلت وأما سودة فانها توفيت في آخر إمارة عمر بن الخطاب أيضا قاله ابن أبي خيثمة ومن ذلك ما رواه مسلم من (6/201)
حديث أسيد بن جابر عن عمر بن الخطاب في قصة أويس القرني وإخباره عليه السلام عنه بأنه خير التابعين وأنه كان به برص فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضعا قدر الدرهم من جسده وأنه بار بأمه وأمره لعمر بن الخطاب أن يستغفر له وقد وجد هذا الرجل في زمان عمر بن الخطاب على الصفة والنعت الذي ذكره في الحديث سواء وقد ذكرت طرق هذا الحديث وألفاظه والكلام عليه مطولا في الذي جمعته من مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولله الحمد والمنة ومن ذلك ما رواه أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الوليد بن عبد الله بن جميع حدثني جرير بن عبد الله وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما غزا بدرا قالت يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله يرزقني بالشهادة فقال لها قري في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة فكانت تسمى الشهيدة وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي صلى الله عليه و سلم أن تتخذ في بيتها مؤذنا يؤذن لها وكانت دبرت غلاما لها وجارية فقاما إليها بالليل فغماها في قطيفة لها حتى ماتت وذهبا فأصبح عمر فقام في الناس وقال من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجيء بهما فجيء بهما فأمر بهما فصلبا وكانا أول مصلوبين بالمدينة وقد رواه البيهقي من حديث أبي نعيم ثنا الوليد بن جميع حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يزورها ويسميها الشهيدة فذكر الحديث وفي آخره فقال عمر صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول انطلقوا بنا نزور الشهيدة ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك في حديثه عنه في الآيات الست بعد موته وفيه ثم موتان بأحدكم كقصاص الغنم وهذا قد وقع في أيام عشر وهو طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ومات بسببه جماعات من سادات الصحابة منهم معاذ بن جبل وأبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبو جندل سهل بن عمر وأبوه والفضل بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم أجمعين وقد قال الامام أحمد حدثنا وكيع ثنا النهاس بن قهم ثنا شداد أبو عمار عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ست من أشراط الساعة موتي وفتح بيت المقدس وموت يأخذ في الناس كقصاص الغنم وفتنة يدخل حريمها بيت كل مسلم وأن يعطى الرجل ألف دينار فيسخطها وأن يغزو الروم فيسيرون إليه بثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا وقد قال الحاقظ البيهقي أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن حبان أنه سمع سليمان بن موسى يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر عموسة فقام عمرو بن العاص فقال يا أيها الناس إنما هذا الوجع رجس فتنحوا عنه فقام شرحبيل بن حسنة فقال يا أيها الناس إني قد سمعت قول صاحبكم (6/202)
وإني والله لقد أسلمت وصليت وإن عمرا لأضل من بعير أهله وإنما هو بلاء أنزله الله عز و جل فاصبروا فقام معاذ بن جبل فقال يا أيها الناس إني قد سمعت قول صاحبيكم هذين وإن هذا الطاعون رحمة بكم ودعوة نبيكم صلى الله عليه و سلم وإني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنكم ستقدمون الشام فتنزلون أرضا يقال لها أرض عموسة فيخرج بكم فيها خرجان له ذباب كذباب الدمل يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكي به أموالكم اللهم إن كنت تعلم أني قد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فارزق معاذا وآل معاذ منه الحظ الأوفى ولا تعافه منه قال فطعن في السبابة فجعل ينظر إليها ويقول اللهم بارك فيها فإنك إذا باركت في الصغير كان كبيرا ثم طعن ابنه فدخل عليه فقال الحق من ربك فلا تكونن من الممترين فقال ستجدني إن شاء الله من الصابرين وثبت في الصحيحين من حديث الأعمش وجامع بن أبي راشد عن شقيق بن سلمة عن حذيفة قال كنا جلوسا عند عمر فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفتنة قلت أنا قال هات إنك لجريء فقلت ذكر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال ليس هذا أعني إنما أعني التي تموج موج البحر فقلت يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا قال ويحك يفتح الله أم يكسر قلت بل يكسر قال إذا لا يغلق أبدا قلت أجل فقلنا لحذيفة فكان عمر يعلم من الباب قال نعم وإني حدثته حديثا ليس بالأغاليط قال فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب فقلنا لمسروق فسأله فقال من بالباب قال عمر وهكذا وقع من بعد مقتل عمر وقعت الفتن في الناس وتأكد ظهورها بمقتل عثمان بن عفان رضي الله عنهما وقد قال يعلى بن عبيد عن الأعمش عن سفيان عن عروة بن قيس قال خطبنا خالد بن الوليد فقال إن أمير المؤمنين عمر بعثني إلى الشام فحين ألقى بوانيه بثنية وعسلا أراد أن يؤثر بها غيري ويبعثني الى الهند فقال رجل من تحته اصبر إيها الأمير فان الفتن قد ظهرت فقال خالد أما وابن الخطاب حي فلا وإنما ذاك بعده وقد روى الامام أحمد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال أبصر رسول الله صلى الله عليه و سلم على عمر ثوبا فقال أجديد ثوبك أم غسيل قال بل غسيل قال البس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا وأظنه قال ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة وهكذا رواه النسائي وابن ماجه من حديث عبد الرزاق به ثم قال النسائي هذا حديث منكر أنكره يحيى القطان على عبد الرزاق وقد روى عن الزهري من وجه آخر مرسلا قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ لا أعلم أحدا رواه عن الزهري غير معمر وما أحسبه بالصحيح والله أعلم قلت رجال إسناده واتصاله على شرط الصحيحين وقد قيل الشيخان تفرد معمر عن الزهري في غير ما حديث ثم قد روى البزار هذا الحديث من (6/203)
طريق جابر الجعفي وهو ضعيف عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله سواء وقد وقع ما أخبر به في هذا الحديث فانه رضي الله عنه قتل شهيدا وهو قائم يصلي الفجر في محرابه من المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام وقد تقدم حديث أبي ذر في تسبيح الحصا في يد أبي بكر ثم عمر ثم عثمان وقوله عليه السلام هذه خلافة النبوة وقال نعيم بن حماد ثنا عبد الله بن المبارك أنا خرج بن نباتة عن سعيد بن جهمان عن سفينة قال لما بنى رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجد المدينة جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه ثم جاء عثمان بحجر فوضعه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء يكونون خلفاء بعدي وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة قوله صلى الله عليه و سلم ثلاث من نجا منهن فقد نجا موتي وقتل خليفة مضطهد والدجال وفي حديثه الآخر الأمر باتباع عثمان عند قوع الفتنة وثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن شريك ابن أبي نمير عن سعيد بن المسيب عن أبي موسى قال توضأت في بيتي ثم خرجت فقلت لأكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجئت المسجد فسألت عنه فقالوا خرج وتوجه ههنا فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس وما بها من جريد فمكثت عند بابها حتى علمت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد قضى حاجته وجلس فجئته فسلمت عليه فاذا هو قد جلس على قف بئر أريس فتوسطه ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه فرجعت إلى الباب وقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم أنشب أن دق الباب فقلت من هذا قال أبو بكر قلت على رسلك وذهبت الى النبي صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال ائذن به وبشره بالجنة قال فخرجت مسرعا حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله صلى الله عليه و سلم يبشرك بالجنة قال فدخل حتى جلس الى جنب النبي صلى الله عليه و سلم في القف على يمينه ودلى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى الله عليه و سلم قال ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ وقد كان قال لي أنا على أثرك فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يأت به قال فسمعت تحريك الباب فقلت من هذا قال عمر قلت على رسلك قال وجئت النبي صلى الله عليه و سلم فسلمت عليه وأخبرته فقال ائذن له وبشره بالجنة قال فجئت وأذنت له وقلت له رسول الله صلى الله عليه و سلم يبشرك بالجنة قال فدخل حتى جلس مع رسول الله صلى الله عليه و سلم على يساره وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر قال ثم رجعت فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يأت به يريد أخاه فاذا تحريك الباب فقلت من هذا قال عثمان بن عفان قلت على رسلك وذهبت الى رسول الله فقلت هذا عثمان (6/204)
يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه قال فجئت فقلت رسول الله صلى الله عليه و سلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلاء يصيبك فدخل وهو يقول الله المستعان فلم يجد في القف مجلسا فجلس وجاههم من شق البئر وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر كما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم اجتمعت وانفرد عثمان وقد روى البيهقي من حديث عبد الأعلى بن أبي المساور عن إبراهيم بن محمد بن حاطب عن عبد الرحمن بن بجير عن زيد بن أرقم قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا محتبيا فقل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ عليك السلام ويقول أبشر بالجنة ثم انطلق حتى تأتي الثنية فتلقى عمر راكبا على حمار تلوح صلعته فقل إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول أبشر بالجنة ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع ويبتاع فقل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ عليك السلام ويقول أبشر بالجنة بعد بلاء شديد فذكر الحديث في ذهابه إليهم فوجد كلا منهم كما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم وكلا منهم يقول أين رسول الله فيقول في مكان كذا وكذا فيذهب إليه وأن عثمان لما رجع قال يا رسول الله وأي بلاء يصيبني والذي بعثك بالحق ما تغيبت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك فأي بلاء يصيبني فقال هو ذاك ثم قال البيهقي عبد الأعلى ضعيف فان كان حفظ هذا الحديث فيحتمل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إليهم زيد بن أرقم فجاء وأبو موسى الأشعري جالس على الباب كما تقدم وهذا البلاء الذي أصابه هو ما اتفق وقوعه على يدي من أنكر عليه من رعاع أهل الأمصار بلا علم فوقع ما سنذكره في دولته إن شاء الله من حصرهم إياه في داره حتى آل الحال بعد ذلك كله إلى اضطهاده وقتله وإلقائه على الطريق أياما لا يصلى عليه ولا يلتفت إليه حتى غسل بعد ذلك وصلى عليه ودفن بحش كوكب بسنان في طريق البقيع رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنات الفردوس متقلبه ومثواه كما قال الامام أحمد حدثنا يحيى عن إسماعيل بن قيس عن أبي سهلة مولى عثمان عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ادعو لي بعض أصحابي قلت أبو بكر قال لا قلت عمر قال لا قلت ابن عمك علي قال لا قلت عثمان قال نعم فلما جاء عثمان قال تنحى فجعل يساره ولون عثمان يتغير قال أبو سهلة فلما كان يوم الدار وحضر فيها قلنا يا أمير المؤمنين ألا تقاتل قال لا إن رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد إلي عهدا وإني صابر نفسي عليه تفرد به أحمد ثم قد رواه أحمد عن وكيع عن إسماعيل عن قيس عن عائشة فذكر مثله وأخرجه ابن ماجه من حديث وكيع وقال نعيم بن حماد في كتابه الفتن والملاحم حدثنا عتاب بن (6/205)
بشير عن خصيف عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعثمان بين يديه يناجيه فلم أدرك من مقالته شيئا إلا قول عثمان ظلما وعدوانا يا رسول الله فما دريت ما هو حتى قتل عثمان فعلمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما عنى قتله قالت عائشة وما أحببت أن يصل إلى عثمان شيء إلا وصل إلي مثله غيره إن شاء الله علم أني لم أحب قتله ولو أحببت قتله لقتلت وذلك لما رمى هودجها من النبل حتى صار مثل القنفذ وقال أبو داود الطيالسي ثنا اسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ويرث دنياكم شراركم وقال البيهقي أنا أبو الحسين بن بشران أنا علي بن محمد المصري ثنا محمد بن إسماعيل السلمي ثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف أنه حدثه أنه جلس يوما مع شفي الأصبحي فقال سمعت عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول سيكون فيكم اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق لا يلبث خلفي إلا قليلا وصاحب رحى العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا فقال رجل ومن هو يا رسول الله قال عمر بن الخطاب ثم التفت إلى عثمان فقال وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصا كساكه الله والذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ثم روى البيهقي من حديث موسى بن عقبة حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافا فقال له قائل من الناس فمن لنا يا رسول الله أو ما تأمرنا فقال عليكم بالأمين وأصحابه وهو يشير الى عثمان بذلك وقد رواه الامام أحمد عن عفان عن وهيب عن موسى بن عقبة به وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة شاهدان له بالصحة والله أعلم وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية عن عبد الله هو ابن مسعود عن النبي ص قال تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فان هلكوا فسبيل من قد هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما قال قلت أمما مضى أو مما بقي ورواه أبو داود عن محمد بن سليمان الأنباري عن عبد الرحمن ابن مهدي به ثم رواه أحمد عن إسحاق وحجاج عن سفيان عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية الكاهلي عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن رحى (6/206)
الإسلام ستزول لخمس وثلاثين أو سبع وثلاثين فان تهلك فسبيل من هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما قال قال عمر يا رسول الله أبما مضى أو بما بقي قال بل بما بقي وهكذا رواه يعقوب بن سفيان عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن منصور به فقال له عمر فذكره قال البيهقي وقد تابع إسرائيل الأعمش وسفيان الثوري عن منصور قال وبلغني أن في هذا إشارة إلى الفتنة التي كان منها قتل عثمان سنة خمس وثلاثين ثم الى الفتن التي كانت في أيام علي وأراد بالسبعين ملك بني أمية فإنه بقي بين ما استقر لهم الملك إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيه نحوا من سبعين سنة قلت ثم انطوت هذه الحروب أيام صفين وقاتل علي الخوارج في أثناء ذلك كما تقدم الحديث المتفق على صحته في الأخبار بذلك وفي صفتهم وصفة الرجل المخدج فيهم
حديث آخر
قال الامام أحمد حدثنا إسحاق بن عيسى حدثني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه عن أم ذر قالت لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك فقلت ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض ولا يد لي بدفنك وليس عندي ثوب يسعك فأكفنك فيه قال فلا تبكي وابشري فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة وإني أنا الذي أموت بالفلاة والله ما كذب ولا كذبت تفرد به أحمد رحمه الله وقد رواه البيهقي من حديث علي بن المديني عن يحيى بن سليم الطائفي به مطولا والحديث مشهور في موته رضي الله عنه بالربذة سنة ثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان وكان في النفر الذين قدموا عليه وهو في السياق عبد الله بن مسعود وهو الذي صلى عليه ثم قدم المدينة فأقام بها عشر ليال ومات رضي الله عنه حديث آخر
قال البيهقي أنا الحاكم أنا الأصم ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني ثنا عمر بن سعيد الدمشقي ثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن أبي عبد الله الأشعري عن أبي الدرداء قال قلت يا رسول الله بلغني أنك تقول ليرتدن أقوام بعد إيمانهم قال أجل ولست منهم قال فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان وقال يعقوب بن سفيان ثنا صفوان ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الله أو عبد الغفار بن إسماعيل بن عبد الله عن أبيه أنه حدثه عن شيخ من السلف قال سمعت أبا الدرداء يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني فرطكم على الحوض أنتظر من يرد علي منكم فلا (6/207)
ألفين أنازع أحدكم فاقول إنه من أمتي فيقال هل تدري ما أحدثوا بعدك قال أبو الدرداء فتخوفت أن أكون منهم فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال إنك لست منهم قال فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان وقبل أن تقع الفتن قال البيهقي تابعه يزيد بن أبي مريم عن أبي عبيد الله مسلم بن يشكر عن أبي الدرداء إلى قوله لست منهم قلت قال سعيد بن عبد العزيز توفي أبو الدرداء لسنتين بقيتا من خلافة عثمان وقال الواقدي وأبو عبيد وغير واحد توفي سنة ثنتين وثلاثين رضي الله عنه
ذكر أخباره صلى الله عليه و سلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما
ثبت في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أشرف على أطم من آطام المدينة فقال هل ترون ما أرى إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر وروى الامام أحمد ومسلم من حديث الزهري عن أبي إدريس الخولاني سمعت حذيفة بن اليمان يقول والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة وما ذاك أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثني من ذلك شيئا أسره إلى لم يكن حدث به غيري ولكن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه سئل عن الفتن وهو يعد الفتن فيهن ثلاث لا تذوق شيئا منهن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار قال حذيفة فذهب أولئك الرهط كلهم غيري وهذا لفظ أحمد قال البيهقي مات حذيفة بعد الفتنة الأولى بقتل عثمان وقيل الفتنتين الآخرتين في أيام علي قلت قال العجلي وغير واحد من علماء التاريخ كانت وفاة حذيفة بعد مقتل عثمان بأربعين يوما وهو الذي قال لو كان قتل عثمان هدي لاحتلبت به الأمة لبنا ولكنه كان ضلالة فاحتلبت به الأمة دما وقال لو أن أحدا ارتقص لما صنعتم بعثمان لكان جديرا أن يرقص وقال الامام أحمد حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان عن أمها أم حبيبة عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه و سلم قال سفيان أربع نسوة قالت استيقظ النبي صلى الله عليه و سلم من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الأبهام والتي تليها قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث هكذا رواه الأمام أحمد عن سفيان بن عيينة به وكذلك رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وسعد بن عمرو والأشعثني وزهير بن حرب وابن أبي عمر كلهم عن سفيان بن عيينة به سواء ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد كلهم عن سفيان بن عيينة وقال الترمذي حسن صحيح (6/208)
وقال الترمذي قال الحميدي عن سفيان حفظت من الزهري في هذا الأسناد أربع نسوة قلت وقد أخرجه البخاري عن مالك بن إسماعيل ومسلم عن عمرو الناقد عن الزهري عن عروة عن زينب عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش فلم يذكروا حبيبة في الأسناد وكذلك رواه عن الزهري شعيب وصالح بن كيسان وعقيل ومحمد بن إسحاق ومحمد بن أبي عتيق ويونس بن يزيد فلم يذكروا عنه في الإسناد حبيبة والله أعلم فعلى ما رواه أحمد ومن تابعه عن سفان بن عيينة يكون قد اجتمع في هذا الأسناد تابعيان وهما الزهري وعروة بن الزبير وأربع صحابيات وبنتان وزوجتان وهذا عزيز جدا ثم قال البخاري بعد رواية الحديث المتقدم عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري فذكره إلى آخره ثم قال وعن الزهري حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن وماذا أنزل من الفتن وقد أسنده البخاري في مواضع أخر من طرق عن الزهري به ورواه الترمذي من حديث معمر عن الزهري وقال حسن صحيح وقال أبو داود الطيالسي ثنا الصلت بن دينار ثنا عقبة بن صهبان وأبو رجاء العطاردي قالا سمعنا الزبير وهو يتلو هذه الآية واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة قال لقد تلوت هذه الآية زمنا وما أراني من أهلها فأصبحنا من أهلها وهذا الأسناد ضعيف ولكن روى من وجه آخرفقال الامام أحمد حدثنا أسود بن عامر ثنا جرير قال سمعت أنسا قال قال الزبير بن العوام نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع النبي صلى الله عليه و سلم واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة فجعلنا نقول ما هذه الفتنة وما نشعر أنها تقع حيث وقعت ورواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن مهدي عن جرير بن حازم به وقد قتل الزبير بوادي السباع مرجعه من قتال يوم الجمل على ما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى وقال أبو داود السجستاني في سننه ثنا مسدد ثنا أبو الاحوص سلام بن سليم عن منصور عن هلال بن يساف عن سعيد بن زيد قال كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فذكر فتنة وعظم أمرها فقلنا يا رسول الله لئن أدركتنا هذه لتهلكنا فقال كلا إن بحسبكم القتل قال سعيد فرأيت إخواني قتلوا تفرد به أبو داود وقال أبو داود السجستاني حدثنا الحسن بن علي ثنا يزيد أنا هشام عن محمد قال قال حذيفة ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا تضرك الفتنة وهذا منقطع وقال أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن أشعث بن أبي أشعث سمعت أبا بردة يحدث عن ثعلبة بن أبي ضبيعة سمعت حذيفة يقول إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة فأتينا المدينة فاذا فسطاط مضروب وإذا محمد بن مسلمة الأنصاري فسألته فقال لا أستقر بمصر من أمصارهم حتى تنجلي هذه الفتنة عن جماعة المسلمين قال البيهقي ورواه أبو داود يعني (6/209)
السجستاني عن عمرو بن مرزوق عن شعبة به وقال أبو داود ثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن أشعث بن سليم عن أبي بردة عن ضبيعة بن حصين الثعلبي عن حذيفة بمعناه قال البخاري في التاريخ هذا عندي أولى وقال الامام أحمد حدثنا يزيد ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي بردة قال مررت بالربذة فاذا فسطاط فقلت لمن هذا فقيل لمحمد بن مسلمة فاستأذنت عليه فدخلت عليه فقلت رحمك الله إنك من هذا الأمر بمكان فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف فاذا كان ذلك فأت بسيفك أحدا فاضرب به عرضه وكسر نبلك واقطع وترك واجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله فقد كان ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وفعلت ما أمرني به ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط واخترطه فاذا سيف من خشب فقال قد فعلت ما أمرني به واتخذت هذا أرهب به الناس تفرد به أحمد وقال البيهقي أنا الحاكم ثنا علي بن عيسى المدني أنا أحمد بن بحرة القرشي ثنا يحيى بن عبد الحميد أنا إبراهيم بن سعد ثنا سالم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه عن محمود بن لبيد عن محمد بن مسلمة أنه قال يا رسول الله كيف أصنع إذا اختلف المضلون قال اخرج بسيفك إلى الحرة فتضربها به ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة وقال الامام أحمد حدثنا عبد الصمد ثنا زياد بن مسلم أبو عمر ثنا أبو الأشعث الصنعاني قال بعثنا يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير فلما قدمت المدينة دخلت على فلان نسي زياد اسمه فقال إن الناس قد صنعوا ما صنعوا فما ترى قال أوصاني خليلي أبو القاسم إن أدركت شيئا من هذه الفتن فاعمد إلى أحد فاكسر به حد سيفك ثم اقعد في بيتك فأن دخل عليك أحد البيت فقم إلى المخدع فإن دخل عليك المخدع فاجثو على ركبتيك وقل يؤ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فقد كسرت سيفي وقعدت في بيتي هكذا وقع إيراد هذا الحديث في مسند محمد بن مسلمة عند الإمام أحمد ولكن وقع إبهام اسمه وليس هو لمحمد بن مسلمة بل صحابي آخر فإن محمد بن مسلمة رضي الله عنه لا خلاف عند أهل التاريخ أنه توفي فيما بين الأربعين إلى الخمسين فقيل سنة ثنتين وقيل ثلاث وقيل سبع وأربعين ولم يدرك أيام يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير بلا خلاف فتعين أنه صحابي آخر خبره كخبر محمد بن مسلمة وقال نعيم بن حماد في الفتن والملاحم حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة ثنا أبو عمرو السلمي عن بنت أهبان الغفاري أن عليا أتى أهبان فقال ما يمنعك أن تتبعنا فقال أوصاني خليلي وابن عمك صلى الله عليه و سلم أن ستكون فرقة وفتنة واختلاف فاذا كان ذلك فاكسر سيفك واقعد في بيتك واتخذ سيفا من خشب وقد رواه أحمد عن عفان وأسود بن عامر ومؤمل ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به وزاد (6/210)
مؤمل في روايته بعد قوله وتخذ سيفا من خشب واقعد في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية ورواه الامام أحمد أيضا والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبيد الديلي عن عديسة بنت أهبان بن صيفي عن أبيها به وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد كذا قال وقد تقدم من غير طريقه وقا البخاري ثنا عبد العزيز الأويسي ثنا ابراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذبه وعن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود عن نوفل ابن معاوية مثل حديث أبي هريرة هذا وقد روى مسلم حديث أبي هريرة من طريق إبراهيم بن سعد كما رواه البخاري وكذلك حديث نوفل بن معاوية بأسناد البخاري ولفظه ثم قال البخاري ثنا محمد بن كثير أخبرني سفيان عن الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ستكون أثرة وأمور تنكرونها فقالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسالون الله الذي لكم ورواه مسلم من حديث الأعمش به وقال الامام أحمد حدثنا روح ثنا عثمان الشحام ثنا سلمة بن أبي بكرة عن أبي بكرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إنها ستكون فتنة ثم تكون فتنة ألا فالماشي فيها خير من الساعي إليها والقاعد فيها خير من القائم فيها ألا والمضطجع فيها خير من القاعد ألا فإذا نزلت فمن كان له غنم فليلحق بغنمه ألا ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه ألا ومن كانت له إبل فليلحق بأبله فقال رجل من القوم يا نبي الله جعلني الله فداك أرأيت من ليست له غنم ولا أرض ولا إبل كيف يصنع قال ليأخذ سيفه ثم ليعمد به إلى صخرة ثم ليدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء اللهم هل بلغت إذ قال رجل يا رسول الله جعلني الله فداك أرأيت إن أخذ بيدي مكرها حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين شك عثمان فيحذفني رجل بسيفه فيقتلني ماذا يكون من شأني قال يبوء بإثمك وإثمه ويكون من أصحاب النار وهكذا رواه مسلم من حديث عثمان الشحام بنحوه وهذا إخبار عن إقبال الفتن وقد وردت أحاديث كثيرة في معنى هذا وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسماعيل ثنا قيس قال لما أقبلت عائشة يعني في مسيرها إلى وقعة الجمل وبلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب فقالت أي ماء هذا قالوا ماء الحوأب فقالت ما أظني إلا راجعة فقال بعض من كان معها بل تقدميت فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم قالت إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لنا ذات يوم كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب ورواه أبو نعيم بن حماد في الملاحم (6/211)
عن يزيد بن هارون عن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم به ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب فسمعت نباح الكلاب فقالت ما أظنني إلا راجعة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لنا أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب فقال لها الزبير ترجعين عسى الله أن يصلح بك بين الناس وهذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه وقال الحافظ أبو بكر البزار ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ثنا عبيد الله بن موسى عن عصام بن قدامة البجلي عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الاديب تسير حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها خلق كثير ثم قال لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الأسناد وقال الطبراني ثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ثنا نوح بن دراج عن الأجلح بن عبد الله عن زيد بن علي عن أبيه عن ابن الحسين عن ابن عباس قال لما بلغ أصحاب علي حين ساروا إلى البصرة أن أهل البصرة قد اجتمعوا لطلحة والزبير شق عليهم ووقع في قلوبهم فقال علي والذي لا إله غيره ليظهرنه على أهل البصرة وليقتلن طلحة والزبير وليخرجن إليكم من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة رجلا أو خمسة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا شك الأجلح قال ابن عباس فوقع ذلك في نفسي فلما أتى الكوفة خرجت فقلت لأنظرن فان كان كما يقول فهو أمر سمعه وإلا فهو خديعة الحرب فلقيت رجلا من الجيش فسألته فوالله ما عتم أن قال ما قال علي قال ابن عباس وهو ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبره وقال البيهقي أنا عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد ثنا أحمد بن نصر ثنا أبو نعيم الفضل ثنا عبد الجبار بن الورد عن عمار الذهبي عن سالم بن أبي الجعد عن أم سلمة قالت ذكر النبي صلى الله عليه و سلم خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال لها انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت ثم التفت إلى علي وقال يا علي إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها وهذا حديث غريب جدا وأغرب منه ما رواه البيهقي أيضا عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني عن أبي نعيم عن عبد الجبار بن العباس الشامي عن عطاء بن السائب عن عمر بن الهجيع عن أبي بكرة قال قيل له ما يمنعك أن لا تكون قاتلت على نصرتك يوم الجمل فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة قائدهم في الجنة وهذا منكر جدا والمحفوظ ما رواه البخاري من حديث الحسن البصري عن أبي بكرة قال نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم وبلغه أن فارس ملكوا عليهم امرأة كسرى فقال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة وقال الامام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم سمعت أبا وائل قال لما بعث علي عمارا والحسن (6/212)
إلى الكوفة يستنفرهم خطب عمار فقال إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة لكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها ورواه البخاري عن بندار عن غندر وهذا كله وقع في أيام الجمل وقد ندمت عائشة رضي الله عنها على ما كان من خروجها على ما سنورده في موضعه وكذلك الزبير بن العوام أيضا تذكر وهو واقف في المعركة أن قتاله في هذا الموطن ليس بصواب فرجع عن ذلك قال عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة قال لما ولي الزبير يوم الجمل بلغ عليا فقال لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى وذلك أن النبي ص لقيهما في سقيفة بنى ساعدة فقال أتحبه يا زبير فقال وما يمنعني قال بك إذا قاتلته وأنت ظالم له قال فيرون أنه إنما ولي لذلك وهذا مرسل فكيف من هذا الوجه وقد أسنده الحافظ البيهقي من وجه آخر فقال أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ثنا أبو عمرو بن مطر أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي الكوفي ثنا منجاب بن الحرث ثنا عبد الله بن الأجلح ثنا أبي عن يزيد الفقير عن أبيه قال وسمعت فضل بن فضالة يحدث أبي عن أبي حرب بن أبي الأسود الدقلي عن أبيه دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه قال لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ودنت الصفوف بعضها من بعض خرج علي وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم فنادى ادعوا لي الزبير بن العوام فأتى علي فدعى له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما فقال علي يا زبير ناشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه و سلم مكان كذا وكذا فقال يا زبير تحب عليا فقلت ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني فقال يا علي أتحبه فقلت يا رسول الله ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني فقال يا زبير أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له فقال الزبير بلى والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ذكرته الآن والله لا أقاتلك فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف فعرض له ابنه عبد الله ابن الزبير فقال مالك فقال ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم سمعته وهو يقول لتقاتلنه وأنت ظالم له فلا أقاتلنه فقال وللقتال جئت إنما جئت تصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر قال قد حلفت أن لا أقاتله قال فاعتق غلامك خير وقف حتى تصلح بين الناس فأعتق غلامه ووقف فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه قال البيهقي وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الامام أبو الوليد ثنا الحسن بن سفيان ثنا قطن بن بشير ثنا جعفر بن سليمان ثنا عبد الله بن محمد الرقاشي ثنا جدي وهو عبد الملك بن مسلم عن أبي وجرة المازني قال سمعت عليا والزبير وعلي يقول له ناشدتك الله يا زبير أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنك تقاتلني وأنت لي ظالم قال بلى ولكني نسيت وهذا غريب كالسياق الذي قبله وقد روى البيهقي من طريق الهذيل بن بلال وفيه ضعف عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي عن علي (6/213)
قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من سره أن ينظر الى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر الى زيد بن صوحان قلت قتل زيد هذا في وقعة الجمل من ناحية علي وثبت في الصحيحين من حديث همام بم نية عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة ورواه البخاري أيضا عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مثله ورواه البخاري أيضا عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهاتان الفئتان هما أصحاب الجمل وأصحاب صفين فانهما جميعا يدعون إلى الإسلام وإنما يتنازعون في شيء من أمور الملك ومراعاة المصالح العائد نفعها على الأمة والرعايا وكان ترك القتال أولى من فعله كما هو مذهب جمهور الصحابة كما سنذكره وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو اليمان ثنا صفوان بن عمرو قال كان أهل الشام ستين ألفا فقتل منهم عشرون ألفا وكان أهل العراق مائة وعشرين ألفا فقتل منهم أربعون ألفا ولكن كان علي وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال حدثني من هو خير مني يعني أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمار تقتلك الفئة الباغية ورواه أيضا من حديث ابن علية عن ابن عون عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقتل عمارا الفئة الباغية وفي رواية وقاتله في النار وقد تقدم الحديث بطرقه عند بناء المسجد النبوي في أول الهجرة النبوية وما يزيده بعض الرافضة في هذا الحديث من قولهم بعد لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة فليس له اصل يعتمد عليه بل هو من اختلاق الروافض قبحهم الله وقد روى البيهقي من حديث أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مولاة لعمار قالت اشتكى عمار شكوى أرق منها فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله فقال ما تبكون اتخشون أن أموت على فراشي أخبرني حبيبي صلى الله عليه و سلم أنه تقتلني الفئة الباغية وأن آخر زادي من الدنيا مذقة لبن وقال الامام أحمد حدثني وكيع ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البخترى قال قال عمار يوم صفين ائتوني بشربة لبن فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن فشربها ثم تقدم فقتل وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن حبيب عن أبي البخترى أن عمار بن ياسر أتى بشربة لبن فضحك وقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لي آخر شراب أشربه لبن حين أموت وروى البيهقي من حديث عمار الذهبي عن سالم بن أبي الجعد عن ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق ومعلوم أن عمارا كان في جيش علي يوم صفين وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام وكان الذي تولى قتله رجل يقال له أبو الفادية رجل من أفناد الناس وقيل (6/214)
إنه صحابي وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر وغيره في اسماء الصحابة وهو أبو الفادية مسلم وقيل يسار بن أزيهر الجهني من قضاعة وقيل مزني وقيل هما اثنان سكن الشام ثم صار إلى واسط روى له أحمد حديثا وله عند غيره آخر قالوا وهو قاتل عمار بن ياسر وكان يذكر صفة قتله لعمار لا يتحاشى من ذلك وسنذكر ترجمته عند قتله لعمار أيام معاوية في وقعة صفين وأخطأ من قال كان بدريا وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون ثنا العوام حدثني ابن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنزي قال بينا أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما أنا قتلته فقال عبد الله بن عمرو ليطب به أحدكما لصاحبه نفسا فإني سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول تقتله الفئة الباغية فقال معاوية ألا نح عنا مجنونك يا عمرو فما بالك معنا قال إن أبي شكاني الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه فأنا معكم ولست أقاتل وقال الامام أحمد ثنا أبو معاوية ثنا الأمش عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن الحرث بن نوفل قال إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص فقال عبد الله بن عمرو يا أبة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعمار ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية قال فقال عمرو لمعاوية أنها تسمع ما يقول هذا فقال معاوية لا يزال يأتينا نهيه أو نحن قتلناه إنما قتله من جاءوا به ثم رواه أحمد عن أبي نعيم عن الثوري عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي زياد فذكر مثله فقول معاوية إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا تأويل بعيد جدا إذ لو كان كذلك لكان أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون في سبيل الله حيث قدمهم إلى سيوف الأعداء وقال عبد الرزاق أنا ابن عيينة أخبرني عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال عمرو لعبد الرحمن ابن عوف أما علمت أنا كنا نقرأ وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله فقال عبد الرحمن [ بن عوف ] ومتى ذلك يا أمير المؤمنين قال إذا كان بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء ذكره البيهقي ههنا وكأنه يستشهد به على ما عقد له الباب بعده من ذكر الحكمين وما كان من أمرهما فقال
اخباره صلى الله عليه و سلم عن الحكمين اللذين بعثا في زمن علي
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا إسماعيل بن الفضل ثنا قتيبة ابن سعيد عن جرير عن زكريا بن يحيى عن عبد الله بن يزيد وحبيب بن بشار عن سويد بن غفلة قال إني لأمشي مع علي بشط الفرات فقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا من اتبعهما وإن هذه الأمة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وأضلا من اتبعهما هكذا أورده ولم يبين شيئا من (6/215)
أمره وهو حديث منكر جدا وآفته من زكريا بن يحيى هذا وهو الكندي الحميري الأعمى قال يحيى بن معين ليس بشيء والحكمان كانا من خيار الصحابة وهما عمرو بن العاص السهمي من جهة أهل الشام والثاني أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري من جهة أهل العراق وإنما نصبا ليصلحا بين الناس ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين وحقن لدمائهم وكذلك وقع ولم يضل بسببهما إلا فرقة الخوارج حيث أنكروا على الأميرين التحكيم وخرجوا عليهما وكفروهما حتى قاتلهم علي بن أبي طالب وناظرهم ابن عباس فرجع منهم شرذمة إلى الحق واستمر بقيتهم حتى قتل أكثرهم بالنهروان وغيره من المواقف المرذولة عليهم كما سنذكره
اخباره صلى الله عليه و سلم عن الخوارج وقتالهم
قال البخاري ثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل فقال ويلك ومن يعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال دعه فان له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضبه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلم يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي نعته وهكذا رواه مسلم من حديث أبي سعيد ورواه البخاري أيضا من حديث الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة والضحاك عن أبي سعيد وأخرجه البخاري أيضا من حديث سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه ومسلم عن هناد عن أبي الأحوص سلام بن سليم عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن يعمر عن أبي سعيد الخدري به وقد روى مسلم في صحيحه من حديث داود بن أبي هند والقاسم بن الفضل وقتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تمرق مارقة عند فرقة المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ورواه أيضا من حديث أبي اسحاق الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد مرفوعا وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن مسهر عن الشيباني عن بشير بن عمرو قال سألت سهل بن (6/216)
حنيف هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر هؤلاء الخوارج فقال سمعته وأشار بيده نحو المشرق وفي رواية نحو العراق يخرج قوم يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية محلقة رؤوسهم وروى مسلم من حديث حميد بن هلال عن عبد الله ابن الصامت عن أبي ذر نحوه وقال سيماهم التحليق شر الخلق والخليقة وكذلك رواه محمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعا وقال سيماهم التحليق شر الخلق والخليقة وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم إلى يوم القيامة وقد روى مسلم عن قتيبة عن حماد عن أيوب عن محمد بن عبيدة عن علي في خبر مؤذن الليل وهو ذو الثدية وأسنده من وجه آخر عن ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي وفيه أنه حلف عليا على ذلك فحلف له أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن زيد بن وهب عن علي بالقصة مطولة وفيه قصة ذي الثدية ورواه من حديث عبيد الله بن أبي رافع عن علي ورواه أبو داود الطيالسي عن حماد بن زيد عن حميد بن مرة عن أبي العوضي والسحيمي عن علي في قصة ذي الثدية ورواه الثوري عن محمد بن قيس عن أبي موسى رجل من قومه عن علي بالقصة وقال يعقوب بن سفيان ثنا الحميدي ثنا سفيان حدثني العلاء بن أبي العباس أنه سمع أبا الطفيل يحدث عن بكر بن قرقاش عن سعيد بن أبي وقاص قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم ذا الثدية فقال شيطان الردهة كراعي الخيل يحذره رجل من بجيلة يقال له الأشهب أو ابن الأشهب علامة في قوم ظلمة قال سفيان فأخبرني عمار الذهبي أنه جاء به رجل منهم يقال له الأشهب أو ابن الأشهب قال يعقوب بن سفيان وحدثنا عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبي إسحاق عن حامد الهمداني سمعت سعد بن مالك يقول قتل علي بن أبي طالب شيطان الردهة يعني المخدج يريد والله أعلم قتلة أصحاب علي وقال علي بن عياش عن حبيب عن سلمة قال لقد علمت عائشة أن جيش المروة وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه و سلم قال ابن عباس جيش المروة قتلة عثمان رواه البيهقي ثم قال البيهقي أنا الحاكم أنا الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال أبو بكر أنا هو يا رسول الله قال لا فقال عمر أنا هو يا رسول الله قال لا ولكن خاصف النعل يعني عليا وقال يعقوب بن (6/217)
سفيان عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن عمران بن جرير عن لاحق قال كان الذين خرجوا على علي بالنهروان أربعة آلاف في الحديد فركبهم المسلمون فقتلوهم ولم يقتلوا من المسلمين إلا تسعة رهط وإن شئت فاذهب إلى أبي برزة فانه يشهد بذلك قلت الأخبار بقتال الخوارج متواترة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لأن ذلك من طرق تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن ووقوع ذلك في زمان علي معلوم ضرورة لأهل العلم قاطبة واما كيفية خروجهم وسببه ومناظرة ابن عباس لهم في ذلك ورجوع كثير منهم إليه فسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى
اخباره صلى الله عليه و سلم بمقتل علي بن أبي طالب فكان كما اخبر
قال الامام أحمد ثنا علي بن بحر ثنا عيسى بن يونس ثنا محمد بن إسحاق حدثني زيد بن محمد بن خيثم المحاربي عن محمد بن كعب بن خيثم عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي حين ولى غزوة العثيرة يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب ألا أحدثك بأشقى الناس رجلين قلنا بلى يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه يعني قرنه حتى يبل هذه يعني لحيته وروى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن الحسن بن مكرم عن أبي النضر عن محمد بن راشد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن فضالة الأنصاري وكان أبوه من أهل بدر قال خرجت مع أبي عائدا لعلي بن أبي طالب في مرض أصابه فقتل منه قال فقال أبي ما يقيمك بمنزلك هذا فلو اصابك أجلك لم يكن إلا أعراب جهينة تحملك إلى المدينة فإن اصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك فقال علي إن رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد إلي أن لا أموت حتى تخضب هذه يعني لحيته من دم هذه يعني هامته فقتل وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين وقال أبو داود الطيالسي ثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن وهب قال جاء رأس الخوارج إلى علي فقال له اتق الله فإنك ميت فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولكن مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه واشار بيده الى لحيته عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى وقد روى البيهقي بإسناد صحيح عن زيد بن اسلم عن أبي سنان المدركي عن علي في إخبار النبي صلى الله عليه و سلم بقتله وروى من حديث هيثم عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأزدي عن علي قال إن ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الأمة ستغدر بك بعدي ثم ساقه من طريق قطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحمامي قال سمعت عليا يقول إنه لعهد النبي الأمي إلي إن الأمة ستغدر بك بعدي قال البخاري ثعلبة هذا فيه نظر ولا يتابع على حديثه هذا وروى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني عن أبي الأجوب الأحوص بن خباب عن عمار بن زريق عن الاعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن (6/218)
ثعلبة بن يزيد قال قال علي والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه للحيته من رأسه فما يحبس أشقاها فقال عبد الله بن سبيع والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لأثرنا عشيرته فقال أنشدك بالله أن لا تقتل بي غير قاتلي قالوا يا أمير المؤمنين ألا تستخلف قال ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا فما تقول لربك إذا تركتنا هملا قال أقول اللهم استخلفني فيهم ما بدا لك ثم قبضتني وتركتك فيهم فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم وهكذا روى البيهقي هذا وهو موقوف وفيه غرابة من حيث اللفظ ومن حيث المعنى ثم المشهور عن علي أنه لما طعنه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي وهو خارج لصلاة الصبح عند السدة فبقي علي يومين من طعنته وحبس ابن ملجم الخارجي وأوصى علي إلى ابنه الحسن بن علي كما سيأتي بيانه وأمره أن يركب في الجنود وقال له لا يجر علي كما تجر الجارية فلما مات قتل عبد الرحمن بن ملجم قودا وقيل حدا والله أعلم ثم ركب الحسن بن علي في الجنود وسار إلى معاوية كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
اخباره صلى الله عليه و سلم بذلك وسيادة ولده الحسن بن علي في تركه الامر من بعده وإعطائه لمعاوية
قال البخاري في دلائل النبوة حدثنا عبد الله بن محمد ثنا يحيى بن آدم ثنا حسين الجعفي عن أبي موسى عن الحسن عن أبي بكرة قال أخرج النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم الحسن بن علي فصعد به على المنبر فقال إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين وقال في كتاب الصلح حدثنا عبد الله بن محمد ثنا سفيان عن أبي موسى قال سمعت الحسن يقول استقبل والله الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص أني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية فكان والله خير الرجلين أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز فقال اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه فقال لهما الحسن بن علي إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا إلا قال نحن لك به فصالحه فقال الحسن ولقد سمعت أبا بكرة يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وقال البخاري (6/219)
قال لي علي بن عبد الله إنما ثبت لنا سماع الحسن بن أبي بكرة بهذا الحديث وقد رواه البخاري أيضا في فضل الحسن وفي كتاب الفتن عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن أبي موسى وهو إسرائيل بن موسى بن أبي اسحاق ورواه أبو داود والترمذي من حديث أشعث وأبو داود أيضا والنسائي من حديث علي بن زيد بن جدعان كلهم عن الحسن البصري عن أبي بكرة به وقال الترمذي صحيح وله طرق عن الحسن مرسلا وعن الحسن وعن أم سلمة به وهكذا وقع الأمر كما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم سواء فأن الحسن بن علي لما صار إليه الأمر بعد أبيه وركب في جيوش أهل العراق وسار إليه معاوية فتصافا بصفين على ما ذكره الحسن البصري فمال الحسن بن علي إلى الصلح وخطب الناس وخلع نفسه من الأمر وسلمه إلى معاوية وذلك سنة أربعين فبايعه الأمراء من الجيشين واستقل بأعباء الأمة فسمى ذلك العام عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد وسنورد ذلك مفصلا في موضعه إن شاء الله تعالى وقد شهد الصادق المصدوق للفرقتين بالاسلام فمن كفرهم أو واحدا منهم لمجرد ما وقع فقد أخطأ وخالف النص النبوي المحمدي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وقد تكمل بهذه السنة المدة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم أنها مدة الخلافة المتتابعة بعده كما تقدم في حديث سفينة مولاه أنه قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا وفي رواية عضوضا وفي رواية عن معاوية أنه قال رضينا بها ملكا وقد قال نعيم بن حماد في كتابه الفتن والملاحم سمعت محمد بن فضيل عن السرى بن إسماعيل عن عامر الشعبي عن سفيان بن عيينة قال سمعت الحسن بن علي يقول سمعت عليا يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا تذهب الايام والليالي حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع القدم ضخم البلغم يأكل ولا يشبع وهو عري وهكذا وقع في هذه الرواية وفي رواية بهذا الأسناد لا تذهب الأيام والليالي حتى تجتمع هذه الأمة على معاوية وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف عن عبد الملك بن عمار قال قال معاوية والله ما حملني على الخلافة إلا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لي يا معاوية إن ملكت فأحسن ثم قال البيهقي وله شواهد من ذلك حديث عمرو بن يحيى عن سعيد بن العاص عن جده سعيد أن معاوية أخد الأداوة فتبع رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر إليه فقال يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل قال معاوية فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ومنها حديث الثوري عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد الداري عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ثم يقول أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه و سلم فنفعه الله بها رواه أبو داود وروى البيهقي من طريق هشيم عن العوام بن حوشب عن سليمان (6/220)
ابن أبي سليمان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الخلافة بالمدينة والملك بالشام وقال الامام أحمد حدثنا إسحاق بن عيسى ثنا يحيى بن حمزة عن زيد بن واقد حدثني بشر بن عبيد الله حدثني أبو إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب رفع واحتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام ألا وإن الأيمان حين تقع الفتن بالشام ههنا رواه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان عن عبد الله بن يوسف عن يحيى بن حمزة السلمي به قال البيهقي وهذا إسناد صحيح وروى من وجه آخر ثم ساقه من طريق عقبة بن علقمة عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي عن عطية بن قيس عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني رأيت أن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فاذا نور ساطع عمد به إلى الشام ألا إن الأيمان إذا وقعت الفتن بالشام ثم أورده البيهقي من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن يونس بن ميسرة عن عبد الله بن عمرو قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر نحوه إلا أنه قال فأتبعته بصري حتى ظننت أنه مذهوب به قال وإني أولت أن الفتن إذا وقعت أن الايمان بالشام قال الوليد حدثني عنبر بن معدان أنه سمع سليمان بن عامر يحدث عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ذلك وقال يعقوب بن سفيان حدثني نصر بن محمد بن سليمان الحمصي ثنا أبي أبو ضمرة محمد بن سليمان السلمي حدثني عبد الله بن أبي قيس سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي ساطعا حتى استقر بالشام وقال عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن صفوان قال قال رجل يوم صفين اللهم العن أهل الشام فقال له علي لا تسب أهل الشام جما غفيرا فان بها الأبدال فان بها الابدال فإن بها الابدال وقد روى من وجه آخر عن علي قال الامام أحمد ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثني شريح يعني ابن عبيد الحضرمي قال ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا العنهم يا أمير المؤمنين قال لا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يستسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب تفرد به أحمد وفيه انقطاع فقد نص أبو حاتم الرازي على أن شريح ابن عبيد هذا لم يسمع من أبي أمامة ولا من أبي مالك الاشعري وأنه رواية عنهما مرسلة فما ظنك بروايته عن علي بن أبي طالب وهو أقدم وفاة منهما (6/221)
اخباره صلى الله عليه و سلم عن غزاة البحر الى قبرص
قال مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها يوما فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة شك إسحق فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك قالت قلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى قالت قلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت من الأولين قال فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به وأخرجاه في الصحيحين من حديث الليث وحماد بن زيد كلاهما عن يحيى بن سعيد وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان فذكر الحديث إلى أن قال فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازية أول ما ركبوا مع معاوية أو أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية بن أبي سفيان فلما انصرفوا من غزاتهم قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت ورواه البخاري من حديث أبي اسحاق الفزاري عن زائدة عن أبي حوالة عبد الله بن عبد الرحمن عن أنس به وأخرجه أبو داود من حديث معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أخت أم سليم وقال البخاري
باب ما قيل في قتال الروم
حدثنا إسحاق بن يزيد الدمشقي ثنا يحيى بن حمزة حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العنسي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل إلى ساحل حمص وهو في بناء له ومعه أم حرام قال عمير فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا قالت أم حرام فقلت يا رسول الله أنا فيهم قال أنت فيهم قالت ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم قلت أنا فيهم يا رسول الله قال لا تفرد به البخاري دون أصحاب الكتب الستة وقد رواه البيهقي في (6/222)
الدلائل عن الحاكم عن أبي عمرو بن أبي جعفر عن الحسن بن سفيان عن هشام بن عمار الخطيب عن يحيى بن حمزة القاضي به وهو يشبه معنى الحديث الأول وفيه من دلائل النبوة ثلاث إحداها الأخبار عن الغزوة الأولى في البحر وقد كانت في سنة سبع وعشرين مع معاوية بن أبي سفيان حين غزا قبرص وهو نائب الشام عن عثمان بن عفان وكانت معهم أم حرام بنت ملحان هذه صحبة زوجها عبادة بن الصامت أحد النقباء ليلة العقبة فتوفيت مرجعهم من الغزو قتل بالشام كما تقدم في الرواية عند البخاري وقال ابن زيد توفيت بقبرص سنة سبع وعشرين والغزوة الثانية غزوة قسطنطسينية مع أول جيش غزاها وكان أميرها يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وذلك في سنة ثنتين وخمسين وكان معهم أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري فمات هنالك رضي الله عنه وأرضاه ولم تكن هذه المرأة معهم لأنها كانت قد توفيت قبل ذلك في الغزوة الأولى فهذا الحديث فيه ثلاث آيات من دلائل النبوة الأخبار عن الغزوتين والأخبار عن المرأة بأنها من الأولين وليست من الآخرين وكذلك وقع صلوات الله وسلامه عليه
الأخبار عن غزوة الهند
قال الامام أحمد حدثنا هشيم عن سيار بن حسين بن عبيدة عن أبي هريرة قال وعدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة الهند فإن استشهدت كنت من خير الشهداء وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر رواه النسائي من حديث هشيم وزيد بن أنيسة عن يسار بن جبر ويقال جبير عن أبي هريرة قال وعدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة الهند فذكره وقال أحمد حدثنا يحيى بن إسحق ثنا البراء عن الحسن عن أبي هريرة قال حدثني خليلي الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند فان أنا أدركته فاستشهدت فذاك وإن أنا وإن أنا فذكر كلمة رجعت فأنا أبو هريرة المحدث قد أعتقني من النار تفرد به أحمد وقد غزا المسلمون الهند في أيام معاوية سنة أربع وأربعين وكانت هنالك أمور سيأتي بسطها في موضعها وقد غزا الملك الكبير الجليل محمود بن سبكتكين صاحب غزنة في حدود أربعمائة بلاد الهند فدخل فيها وقتل وأسر وسبى وغنم ودخل السومنات وكسر الند الأعظم الذي يعبدونه واستلب سيوفه وقلائده ثم رجع سالما مؤيدا منصورا
فصل في الاخبار عن قتال الترك كما سنبينه ان شاء الله
قال البخاري ثنا أبو اليمان أنا شعيب ثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر وحتى تقاتل الترك صغار الأعين (6/223)
حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة وتجدون من حير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر حتى يقع فيه والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله تفرد به من هذا الوجه ثم قال البخاري ثنا يحيى ثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين كأن وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر تابعه غيره عن عبد الرزاق وقد ذكر عن الإمام أحمد انه قال أخطأ عبد الرزاق في قوله خوزا بالخاء وإنما هو بالجيم جوزا وكرمان هما بلدان معروفان بالشرق فالله أعلم وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة فبلغ به النبي صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر وقد رواه الجماعة إلا النسائي من حديث سفيان بن عيينة به وقال البخاري ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان قال قال إسماعيل أخبرني قيس قال أتينا أبا هريرة رضي الله عنه فقال صحبت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن سمعته يقول وقال هكذا بيده بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر وهو هذا البارز وقال سفيان مرة وهم أهل البارز وقد رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة ووكيع كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم القيامة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة حمر الوجوه صغار الأعين قلت وأما قول سفيان بن عيينة إنهم هم أهل البارز فالمشهور في الرواية تقديم الراء على الزاي ولعله تصحيف اشتبه على القائل البازر وهو السوق بلغتهم فالله أعلم وقال الامام أحمد حدثنا عفان ثنا جرير بن حازم سمعت الحسن قال ثنا عمرو بن ثعلب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن من اشراط الساعة أن تقاتلوا قوما نعالهم الشعر أو ينتعلون الشعر وإن من اشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة ورواه البخاري عن سليمان بن حرب وأبي النعمان عن جرير بن حازم به والمقصود أن قتال الترك وقع في آخر أيام الصحابة قاتلوا القان الأعظم فكسروه كسرة عظيمة على ما سنورده في موضعه إذا انتهينا [ إليه ] بحول الله وقوته وحسن توفيقه
خبر آخر عن عبد الله بن سلام
قال الامام أحمد حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ثنا ابن عون عن محمد هو ابن سيرين عن بشر بن عباد قال كنت في المسجد فجاء رجل في وجهه أثر خشوع فدخل فصلى ركعتين فأوجز فيهما فقال القوم هذا رجل من أهل الجنة فلما خرج اتبعته حتى دخل منزله فدخلت معه فحدثته (6/224)
فلما استأنس قلت له إن القوم لما دخلت المسجد قالوا كذا وكذا قال سبحان الله والله ما ينبغي لأحد أن يقول مالا يعلم وسأحدثك أني رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقصصتها عليه رأيت كأني في روضة خضراء قال ابن عون فذكر من خضرتها وسعتها وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة فقيل لي اصعد عليه فقلت لا أستطيع فجاء بنصيف قال ابن عون وهو الوصيف فرفع ثيابي من خلفي فقال اصعد عليه فصعدت حتى أخذت بالعروة فقال استمسك بالعروة فاستيقظت وإنها لفي يدي قال فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقصصتها عليه فقال أما الروضة فروضة الاسلام وأما العمود فعمود الأسلام وأما العروة فهي العروة الوثقى أنت على الاسلام تموت قال وهو عبد الله بن سلام ورواه البخاري من حديث عون ثم قد رواه الامام أحمد من حديث حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن المسيب بن رافع عن حرشة بن الحر عن عبد الله بن سلام فذكره مطولا وفيه قال حتى انتهيت إلى جبل زلق فأخذ بيدي ودحاني فاذا أنا على ذروته فلم أتقار ولم أتماسك وإذا عمود حديد في يدي ذروته حلقة ذهب فأخذ بيدي ودحاني حتى أخذت بالعروة وذكر تمام الحديث وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش عن سليمان بن مسهر عن حرشة بن الحر عن عبد الله بن سلام فذكره وقال حتى أتى بي جبلا فقال لي اصعد فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على رأسي حتى فعلت ذلك مرارا وأن رسول الله قال له حين ذكر رؤياه وأما الجبل فهو منزل الشهداء ولن تناله قال البيهقي وهذه معجزة ثانية حيث أخبر أنه لا ينال الشهادة وهكذا وقع فانه مات سنة ثلاث وأربعين فيما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره
الإخبار عن بيت ميمونة بنت الحارث بسرف
قال البخاري في التاريخ أنا موسى بن إسماعيل ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عبد الله بن عبد الله بن الاصم ثنا يزيد بن الأصم قال ثقلت ميمونة بمكة وليس عندها من بني أختها أحد فقالت أخرجوني من مكة فاني لا أموت بها إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرني أني لا أموت بمكة فحملوها حتى أتوا بها إلى سرف الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم تحتها في موضع القبة فماتت رضي الله عنها قلت وكان موتها سنة إحدى وخمسين على الصحيح
ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي وأصحابه
قال يعقوب بن سفيان ثنا ابن بكير ثنا ابن لهيعة حدثني الحارث عن يزيد عن عبد الله بن رزين الغافقي قال سمعت علي بن أبي طالب يقول يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود فقتل حجر بن عدي وأصحابه وقال يعقوب بن سفيان قال أبو (6/225)
نعيم ذكر زياد بن سمية علي بن أبي طالب على المنبر فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها وحصب من حوله زيادا فكتب إلى معاوية يقول إن حجرا حصبني وأنا على المنبر فكتب إليه معاوية أن يحمل حجرا فلما قرب من دمشق بعث من يتلقاهم فالتقى معهم بعذراء فقتلهم قال البيهقي لا يقول علي مثل هذا إلا أنه يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال يعقوب بن سفيان حدثنا حرملة ثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال دخل معاوية على عائشة فقالت ما حملك على قتل أهل عذراء حجرا وأصحابه فقال يا أم المؤمنين إني رأيت قتلهم إصلاحا للأمة وأن بقاءهم فسادا فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء وقال يعقوب بن سفيان ثنا عمرو بن عاصم ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن مروان بن الحكم قال دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت يا معاوية قتلت حجرا وأصحابه وفعلت الذي فعلت أما خشيت أن أخبأ لك رجلا فيقتلك قال لا إني في بيت أمان سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الايمان قيد الفتك لا يفتك لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك قالت صالح قال فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا عز و جل
حديث آخر
قال يعقوب بن سفيان ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعشرة من اصحابه آخركم موتا في النار فيهم سمرة بن جندب قال أبو نضرة فكان سمرة آخرهم موتا قال البيهقي رواته ثقات إلا أن أبا نضرة العبدي لم يثبت له من أبي هريرة سماع والله أعلم ثم روى من طريق إسماعيل بن حكيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن حكيم قال كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فلا يبدأ بشيء حتى يسألني عن سمرة فلو أخبرته بحياته وصحته فرح وقال إنا كنا عشرة في بيت وإن رسول الله قام علينا ونظر في وجوهنا وأخذ بعضادتي الباب وقال آخركم موتا في النار فقد مات منا ثمانية ولم يبق غيري وغيره فليس شيء أحب إلي من أن أكون قد ذقت الموت وله شاهد من وجه آخر وقال يعقوب ابن سفيان ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أوس بن خالد قال كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة فقلت لأبي محذورة مالك إذا قدمت عليك تسالني عن سمرة وإذا قدمت على سمرة سألني عنك فقال إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فقال آخركم موتا في النار قال فمات أبو هريرة ثم مات أبو محذورة ثم مات سمرة وقال عبد الرزاق أنا معمر سمعت ابن طاوس (6/226)
وغيره يقولون قال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي هريرة وسمرة بن جندب ولرجل آخر آخركم موتا في النار فمات الرجل قبلهما وبقي أبو هريرة وسمرة فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول مات سمرة فاذا سمعه غشي عليه وصعق ثم مات أبو هريرة قبل سمرة وقتل سمرة بشرا كثيرا وقد ضعف البيهقي عامة هذه الروايات لانقطاع بعضها وإرساله ثم قال وقد قال بعض أهل العلم أن سمرة مات في الحريق ثم قال ويحتمل أن يورد النار بذنوبه ثم ينجو منها بإيمانه فيخرج منها بشفاعة الشافعين والله أعلم ثم أورد من طريق هلال بن العلاء الرقي أن عبد الله بن معاوية حدثهم عن رجل قد سماه أن سمرة استجمر فغفل عن نفسه وغفل أهله عنه حتى أخذته النار قلت وذكر عيره أن سمرة بن جندب رضي الله عنه أصابه كرار شديد وكان يوقد له على قدر مملوءة ماءا حارا فيجلس فوقها ليتدفأ ببخارها فسقط يوما فيها فمات رضي الله عنه وكان موته سنة تسع وخمسين بعد أبي هريرة بسنة وقد كان ينوب عن زياد بن سمية في البصرة إذا سار إلى الكوفة وفي الكوفة إذا سار إلى البصرة فكان يقيم في كل منهما ستة أشهر من السنة وكان شديدا على الخوارج مكثرا للقتل فيهم وهم شر قتلى تحت أديم السماء وقد كان الحسن البصري ومحمد بن سيرين وغيرهما من علماء البصرة يثنون عليه رضي الله عنه
خبر رافع بن خديج
روى البيهقي من حديث مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن مرزوق الواضحي ثنا يحيى بن عبد الحميد ابن رافع عن جدته أن رافع بن خديج رمى قال عمر لا أدري أيهما قال يوم أحد أو يوم حنين بسهم في ثندوته فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله انزع لي السهم فقال له يا رافع إن شئت نزعت السهم والقبضة جميعا وإن شئت نزعت السهم وتركت القبضة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد فقال يا رسول الله انزع السهم واترك القبضة واشهد لي يوم القيامة أني شهيد قال فعاش حتى كانت خلافة معاوية انتقض الجرح فمات بعد العصر هكذا وقع في هذه الرواية أنه مات في إمارة ماوية والذي ذكره الواقدي وغير واحد أنه مات سنة ثلاث وقيل أربع وسبعين ومعاوية رضي الله عنه كانت وفاته في سنة ستين بلا خلاف والله أعلم
إخباره صلى الله عليه و سلم لما وقع من الفتن من بني هاشم بعد موته
قال البخاري حدثنا محمد بن كثير أخبرني سفيان عن الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ستكون اثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم وقال البخاري ثنا محمد بن عبد الرحيم أنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم ثنا أبو اسامة ثنا شعبة عن أبي النياح عن أبي زرعة عن (6/227)
أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يهلك الناس هذا الحي من قريش قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال لو أن الناس اعتزلوهم ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وقال البخاري قال محمود ثنا أبو داود أخبرنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أبا زرعة وحدثنا أحمد بن محمد المكي ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده قال كنت مع مروان وأبي هريرة فسمعت أبا هريرة يقول سمعت الصادق المصدوق يقول هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش فقال مروان غلمة قال أبو هريرة إن شئت أن أسميهم فلان وبني فلان تفرد به البخاري وقال أحمد ثنا روح ثنا أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أخبرني جدي سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول هلكة أمتي على يدي غلمة قال مروان وهم معنا في الحلقة قبل أن يلي شيئا فلعنة الله عليهم غلمة قال أما والله لو أشاء أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت قال فكنت أخرج مع أبي وجدي إلى بني مروان بعد ما ملكوا فاذا هم يبايعون الصبيان ومنهم من يبايع له وهو في خرقة قال لنا عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الذي سمعت أبا هريرة يذكر ان هذه الملوك يشبه بعضها بعضا وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن سماك حدثني عبد الله بن ظالم قال سمعت أبا هريرة قال سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه و سلم يقول إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش ثم رواه أحمد عن زيد بن الخباب عن سفيان وهو الثوري عن سماك عن مالك بن ظالم عن أبي هريرة فذكره ثم روى غندر وروح بن عبادة عن سفيان عن سماك بن حرب عن مالك بن ظالم قال سمعت أبا هريرة زاد روح يحدث مروان بن الحكم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم الصادق المصدوق يقول هلاك أمتي على يد غلمة أمراء سفهاء من قريش وقال الامام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا حيوة حدثني بشر بن أبي عمرو الخولاني أنا الوليد بن قيس التجيبي حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يكون خلف من بعد الستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثا مرمن ومنافق وفاجر وقال بشير فقلت للوليد ما هؤلاء الثلاثة قال المنافق كافر به والفاجر يتأكل به والمؤمن يؤمن به تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي على شرط السنن وقد روى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن الحسن بن علي بن عفان عن أبي أسامة عن مجالد عن الشعبي قال لما رجع علي من صفين قال أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية فانه لو فقدتموه لقد رأيتم الرؤوس تنزو من كواهلها كالحنظل ثم روى عن الحاكم وغيره عن الأصم عن العباس ابن الوليد بن زيد عن أبيه عن جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه أنه قال كان أبو هريرة يمشي في (6/228)
سوق المدينة وهو يقول اللهم لا تدركني سنة الستين ويحكم عكوا بصدغي معاوية اللهم لا تدركني إمارة الصبيان قال البيهقي وعلي وأبو هريرة إنما يقولان هذا الشيء سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال يعقوب بن سفيان أنا عبد الرحمن بن عمرو الحزامي ثنا محمد بن سليمان عن أبي تميم البعلبكي عن هشام بن الغار عن ابن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية وروى البيهقي من طريق عوف الأعرابي عن أبي خلدة عن أبي العالية عن أبي ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية وهذا منقطع بين أبي العالية وأبي ذر وقد رجحه البيهقي بحديث أبي عبيدة المتقدم قال ويشبه أن يكون هذا الرجل هو يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان والله أعلم قلت الناس في يزيد بن معاوية أقسام فمنهم من يحبه ويتولاه وهم طائفة من أهل الشام من النواصب وأما الروافض فيشنعون عليه ويفترون عليه أشياء كثيرة ليست فيه ويتهمه كثير منهم بالزندقة ولم يكن كذلك وطائفة أخرى لا يحبونه ولا يسبونه لما يعلمون من أنه لم يكن زنديقا كما تقوله الرافضة ولما وقع في زمانه من الحوادث الفظيعة والأمور المستنكرة البشعة الشنيعة فمن أنكرها قتل الحسين بن علي بكربلاء ولكن لم يكن ذلك من علم منه ولعله لم يرض به ولم يسؤه وذلك من الأمور المنكرة جدا ووقعة الحرة كانت من الأمور القبيحة بالمدينة النبوية على ما سنورده إذا انتهينا إليه في التاريخ إن شاء الله تعالى
الأخبار بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما
وقد ورد في الحديث بمقتل الحسين فقال الامام أحمد حدثنا عبد الصمد بن حسان ثنا عمارة يعني ابن زاذان عن ثابت عن أنس قال استأذن ملك المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه و سلم فأذن له فقال لأم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد فجاء الحسين بن علي فوثب حتى دخل فجعل يصعد على منكب النبي صلى الله عليه و سلم فقال له الملك أتحبه فقال النبي صلى الله عليه و سلم نعم قال فإن أمتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه قال فضرب بيده فأراه ترابا أحمر فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها قال فكنا نسمع يقتل بكربلاء ورواه البيهقي من حديث بشر بن موسى عن عبد الصمد عن عمارة فذكره ثم قال وكذلك رواه سفيان بن فروخ عن عمارة وعمارة بن زاذان هذا هو الصيدلاني أبو سلمة البصري اختلفوا فيه وقد قال فيه أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين وضعفه أحمد مرة ووثقه أخرى وحديثه هذا قد روي عن غيره من وجه آخر فرواه الحافظ البيهقي من طريق عمارة بن عرفة عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها نحو هذا وقد قال البيهقي أنا الحاكم في آخرين قالوا أنا الأصم أنا عباس (6/229)
الدوري ثنا محمد بن خالد بن مخلد ثنا موسى بن يعقوب عن هاشم بن هاشم عن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة أخبرتني أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو حائر ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في المرة الاولى ثم اضطجع واستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقلبها فقلت ما هذه التربة يا رسول الله فقال أخبرني جبريل أن هذا مقتل بأرض العراق للحسين قلت له يا جبريل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها ثم قال البيهقي تابعه أبو موسى الجهني عن صالح بن يزيد النخعي عن أم سلمة وأبان عن شهر بن حوشب عن أم سلمة وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي ثنا الحسين بن عيسى ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الحسين جالسا في حجر النبي صلى الله عليه و سلم فقال جبريل أتحبه فقال وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي فقال أما إن أمتك ستقتله ألا أريك من موضع قبره فقبض قبضة فاذا تربة حمراء ثم قال البزار لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد والحسين بن عيسى قد حدث عن الحكم بن أبان بأحاديث لا نعلمها عند غيره قلت هو الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي أبو عبد الرحمن الكوفي أخو سليم القاري قال البخاري مجهول يعني مجهول الحال وإلا فقد روى عنه سبعة نفر وقال أبو زرعة منكر الحديث وقال أبو حاتم ليس بالقوي روى عن الحاكم بن أبان أحاديث منكرة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عدي قليل الحديث وعامة حديثه غرائب وفي بعض أحاديثه منكرات وروى البيهقي عن الحكم وغيره عن أبي الأحوص عن محمد بن الهيثم القاضي ثنا محمد بن مصعب ثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة قال وما هو قالت رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري قال رأيت خيرا تلك فاطمة إن شاء الله تلد غلاما فيكون في حجرك فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فاذا عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم تهريقان الدموع قالت قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك قال أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا فقلت هذا قال نعم وأتاني بتربة من ترتبه حمراء وقد روى الأمام أحمد عن عفان عن وهيب عن أيوب عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت إني رأيت في منامي أن في بيتي أو حجري عضوا من أعضائك قال تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فتكفلينه فولدت له فاطمة حسينا فدفعته إليها فأرضعته بلبن قثم فأتيت به رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما أزوره فأخذه فوضعه على صدره فبال فأصاب البول إزاره فزخخت بيدي على كتفيه (6/230)
فقال أوجعت ابني أصلحك الله أو قال رحمك الله فقلت أعطني إزارك أغسله فقال إنما يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام ورواه أحمد أيضا عن يحيى بن بكير عن إسرئيل عن سماك عن قابوس بن مخارق عن أم الفضل فذكر مثله سواء وليس فيه الأخبار بقتله فالله أعلم وقال الأمام أحمد حدثنا عفان ثنا حماد أنا عمار بن أبي عمارة عن ابن عباس قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائل أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا قال دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم قال فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم رضي الله عنه قال قتادة قتل الحسين يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وله أربع وخمسون سنة وستة أشهر ونصف الشهر وهكذا قال الليث وأبو بكر بن عياش الواقدي والخليفة بن خياط وابو معشر وغير واحد إنه قتل يوم عاشوراء عام إحدى وستين وزعم بعضهم أنه قتل يوم السبت والأول أصح وقد ذكروا في مقتله أشياء كثيرة أنها وقعت من كسوف الشمس يومئذ وهو ضعيف وتغيير آفاق السماء ولم ينقلب حجر إلأ وجد تحته دم ومنهم من خصص ذلك بحجارة بيت المقدس وأن الورس استحال رمادا وأن اللحم صار مثل العلقم وكان فيه النار إلى غير ذلك مما في بعضها نكارة وفي بعضها احتمال والله أعلم وقد مات رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ولم يقع شيء من هذه الأشياء وكذلك الصديق بعده مات ولم يكن شيء من هذا وكذا عمر بن الخطاب قتل شهيدا وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر وحصر عثمان في داره وقتل بعد ذلك شهيدا وقتل علي بن أبي طالب شهيدا بعد صلاة الفجر ولم يكن شيء من هذه الأشياء والله أعلم وقد روى حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمارة عن أم سلمة أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي وهذا صحيح وقال شهر بن حوشب كنا عند أم سلمة فجاءها الخبر بقتل الحسين فخرت مغشيا عليها وكان سبب قتل الحسين أنه كتب إليه أهل العراق يطلبون منه أن يقدم إليهم ليبايعوه بالخلافة وكثر تواتر الكتب عليه من العامة ومن ابن عمه مسلم بن عقيل فلما ظهر على ذلك عبيد الله بن زياد نائب العراق ليزيد بن معاوية فبعث إلى مسلم بن عقيل يضرب عنقه ورماه من القصر إلى العامة فتفرق ملؤهم وتبددت كلمتهم هذا وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق ولم يشعر بما وقع فتحتمل بأهله ومن أطاعه وكانوا قريبا من ثلثمائة وقد نهاه عن ذلك جماعة من الصحابة منهم أبو سعيد وجابر وابن عباس وابن عمر فلم يطعهم وما أحسن ما نهاه ابن عمر عن ذلك واستدل له على أنه لا يقع ما يريده فلم يقبل فروى الحافظ البيهقي من حديث يحيى بن سالم الأسدي ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه قال سمعت الشعبي يقول كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أن الحسين بن (6/231)
علي قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة قال أين تريد قال العراق ومعه طوامير وكتب فقال لا تأتهم فقال هذه كتبهم وبيعتهم فقال إن الله خير نبيه صلى الله عليه و سلم بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنكم بضعة من رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد منكم أبدا وما صرفها عنكم إلى الذي هو خير منكم فارجعوا فأبى وقال هذه كتبهم وبيعتهم قال فاعتنقه ابن عمر وقال أستودعك الله من قتيل وقد وقع ما فهمه عبد الله بن عمر من ذلك سواء من أنه لم يل أحد من أهل البيت الخلافة على سبيل الاستقلال ويتم له الأمر وقد قال ذلك عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب إنه لا يلي أحد من أهل البيت أبدا ورواه عنهما أبو صالح الخليل بن أحمد بن عيسى بن الشيخ في كتابه الفتن والملاحم قلت وأما الخلفاء الفاطميون الذين كانوا بالديار المصرية فان أكثر العلماء على أنهم أدعياء وعلي بن أبي طالب ليس من أهل البيت ومع هذا لم يتم له الأمر كما كان للخلفاء الثلاثة قبله ولا اتسعت يده في البلاد كلها ثم تنكدت عليه الأمور وأما ابنه الحسن رضي الله عنه فإنه لما جاء في جيوشه وتصافى هو وأهل الشام ورأى أن المصلحة في ترك الخلافة تركها لله عز و جل وصيانة لدماء المسلمين أثابه الله رضي الله عنه وأما الحسين رضي الله عنه فأن ابن عمر لما أشار عليه بترك الذهاب الى العراق وخالفه اعتنقه مودعا وقال أستودعك الله من قتيل وقد وقع ما تفرسه ابن عمر فانه لما استقل ذاهبا بعث إليه عبيد الله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد ابن أبي وقاص وذلك بعد ما استعفاه فلم يعفه فالتقوا بمكان يقال له كربلاء بالطف فالتجأ الحسين ابن علي وأصحابه الى مقصبة هنالك وجعلوها منهم بظهر وواجهوا أولئك وطلب منهم الحسين إحدى ثلاث إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه أو يتركوه حتى يذهب إلى يزيد بن معاوية فيضع يده في يده فيحكم فيه بما شاء فأبوا عليه واحدة منهن وقالوا لا بد من قدومك على عبيد الله بن زياد فيرى فيك رأيه فأبي أن يقدم عليه أبدا وقاتلهم دون ذلك فقتلوه رحمه الله وذهبوا برأسه إلى عبيد الله بن زياد فوضعوه بين يديه فجعل ينكت بقضيب في يده على ثناياه وعنده أنس بن مالك جالس فقال له يا هذا ارفع قضيبك قد طال ما رأيت رسول الله يقبل هذه الثنايا ثم أمر عبيد الله بن زياد أن يسار بأهله ومن كان معه إلى الشام إلى يزيد بن معاوية ويقال إنه بعث معهم بالرأس حتى وضع بين يدي يزيد فأنشد حينئذ قول بعضهم ... نفلق هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما ...
ثم أمر بتجهيزهم إلى المدينة البنوية فلما دخلوها تلقتهم امرأة من بنات عبد المطلب ناثرة (6/232)
شعرها واضعة كفها على رأسها تبكي وهي تقول ... ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم ... بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم ... ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بشر في ذوي رحمي ...
وسنورد هذا مفصلا في موضعه إذا انتهينا إليه إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان وقد رثاه الناس بمراث كثيرة ومن أحسن ذلك ما أورده الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وكان فيه تشيع ... جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد ... متزملا بدمائه تزميلا ... فكأنما بك يا ابن بنت محمد ... قتلوا جهارا عامدين رسولا ... قتلوك عطشانا ولم يترقبوا ... في قتلك التنزيل والتأويلا ... ويكبرون بأن قتلت وإنما ... قتلوا بك التكبير والتهليلا ... ذكر الاخبار عن وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد أيضا
قال يعقوب بن سفيان حدثني إبراهيم بن المنذر حدثني ابن فليح عن أبيه عن أيوب بن عبد الرجمن عن أيوب بن بشير المعافري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج في سفر من أسفاره فلما مر بحرة زهرة وقف فاسترجع فساء ذلك من معه وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ما الذي رأيت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما إن ذلك ليس من سفركم هذا قالوا فما هو يا رسول الله قال يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي هذا مرسل وقد قال يعقوب بن سفيان قال وهب بن جرير قالت جويرية حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها قال لأعطوها يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة وهذا إسناد صحيح الى ابن عباس وتفسير الصحابي في حكم المرفوع عند كثير من العلماء وقال نعيم بن حماد في كتاب الفتن والملاحم حدثنا أبو عبد الصمد العمي ثنا أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أبا ذر أرأيت أن الناس قتلوا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف أنت صانع قال قلت الله ورسوله أعلم قال تدخل بيتك قال قلت فان أتى علي قال يأتي من أنت منه قال قلت وأحمل السلاح قال إذا تشرك معهم قال قلت فكيف أصنع يا رسول الله قال إن خفت أن يبهرك شعاع السيف فألق طائفة من ردائك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه ورواه الأمام أحمد في مسنده عن مرحوم هو ابن عبد العزيز عن أبي عمران الجوني فذكره مطولا قلت وكان سبب وقعة الحرة أن وفدا من اهل المدينة قدموا على يزيد بن معاوية بدمشق فأكرمهم (6/233)
وأحسن جائزتهم وأطلق لأميرهم وهو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر قريبا من مائة ألف فلما رجعوا ذكروا لأهليهم عن يزيد ما كان يقع منه من القبائح في شربه الخمر وما يتبع ذلك من الفواحش التي من أكبرها ترك الصلاة عن وقتها بسبب السكر فاجتمعوا على خلعه فخلعوه عند المنبر النبوي فلما بلغه ذلك بعث إليهم سرية يقدمها رجل يقال له مسلم بن عقبة وإنما يسميه السلف مسرف بن عقبة فلما ورد المدينة استباحها ثلاثة أيام فقتل في غضون هذه الأيام بشرا كثيرا حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها وزعم بعض علماء السلف أنه قتل في غضون ذلك ألف بكر فالله أعلم وقال عبد الله بن وهب عن الامام مالك قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن حسبت أنه قال وكان فيهم ثلاثة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وذلك في خلافة يزيد وقال يعقوب ابن سفيان سمعت سعيد بن كثير بن عفير الانصاري يقول قتل يوم الحرة عبد الله بن يزيد المازني ومعقل بن سليمان الاشجعي ومعاذ بن الحارث القاري وقتل عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر قال يعقوب وحدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث قال وكانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لثلاث بقين من الحجة سنة ثلاث وستين ثم انبعث مسرف بن عقبة إلى مكة قاصدا عبد الله بن الزبير ليقتله بها لانه فر من بيعة يزيد فمات يزيد بن معاوية في غضون ذلك واستفحل أمر عبد الله بن الزبير في الخلافة بالحجاز ثم أخذ العراق ومصر وبويع بعد يزيد لابنه معاوية بن يزيد وكان رجلا صالحا فلم تطل مدته مكث أربعين يوما وقيل عشرين يوما ثم مات رحمه الله فوثب مروان بن الحكم على الشام فأخذها فبقي تسعة اشهر ثم مات وقام بعده ابنه عبد الملك فنازعه فيها عمرو بن سعيد بن الاشدق وكان نائبا على المدينة من زمن معاوية وأيام يزيد ومروان فلما هلك مروان زعم أنه أوصى له بالأمر من بعد ابنه عبد الملك فضاق به ذرعا ولم يزل به حتى أخذه بعد ما استفحل أمره بدمشق فقتله في سنة تسع وستين ويقال في سنة سبعين واستمرت أيام عبد الملك حتى ظفر بابن الزبير سنة ثلاث وسبعين قتله الحجاج بن يوسف الثقفي عن أمره بمكة بعد محاصرة طويلة اقتضت أن نصب المنجنيق على الكعبة من أجل أن ابن الزبير لجأ الى الحرم فلم يزل به حتى قتله ثم عهد في الأمر الى بنيه الأربعة بعده الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام بن عبد الملك وقد قال الأمام أحمد حدثنا أسود ويحيى بن أبي بكير ثنا كامل أبو العلاء سمعت أبا صالح وهو مولى ضباعة المؤذن واسمه مينا قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان وقال لا تذهب الدنيا حتى يظهر اللكع ابن لكع وقال الأسود يعني اللئيم ابن اللئيم وقد روى الترمذي من حديث أبي كامل عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر أمتي من ستين إلى سبعين سنة ثم قال حسن غريب وقد روى الامام أحمد عن عفان (6/234)
وعبد الصمد عن حماد بن سلمة عن علي بن يزيد حدثني من سمع أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لينعقن ( وقال عبد الصمد في روايته ليزعقن ) جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا زاد عبد الصمد حتى يسيل رعافه قال فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص يرعف على منبر النبي صلى الله عليه و سلم حتى سال رعافه قلت علي بن يزيد بن جدعان في روايته غرابة ونكارة وفيه تشيع وعمرو بن سعيد هذا يقال له الأشدق كان من سادات المسلمين وأشرافهم [ في الدنيا لا في الدين ] وروى عن جماعة من الصحابة منهم في صحيح مسلم عن عثمان في فصل الطهور وكان نائبا على المدينة لمعاوية ولابنه يزيد بعده ثم استفحل أمره حتى كان يصاول عبد الملك بن مروان ثم خدعه عبد الملك حتى ظفر به فقتله في سنة تسع وستين أو سنة سبعين فالله أعلم وقد روى عنه من المكارم أشياء كثيرة من أحسنها أنه لما حضرته الوفاة قال لبنيه وكانوا ثلاثة عمرو هذا وأمية وموسى فقال لهم من يتحمل ما علي فبدر ابنه عمرو هذا وقال أنا يا أبة وما عليك قال ثلاثون ألف دينار قال نعم قال وأخواتك لا تزوجهن إلا بالأكفاء ولو أكلن خبز الشعير قال نعم قال وأصحابي من بعدي إن فقدوا وجهي فلا يفقدوا معروفي قال نعم قال أما لئن قلت ذلك فلقد كنت أعرفه من حماليق وجهك وأنت في مهدك وقد ذكر البيهقي من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن حرملة بن عمران عن أبيه عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث عن محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي قال اصطحب قيس ابن حرشة وكعب حتى إذا بلغا صفين وقف كعب الأحبار فذكر كلامه فيما يقع هناك من سفك دماء المسلمين وأنه يجد ذلك في التوراة وذكر عن قيس بن حرشة أنه بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن يقول الحق وقال يا قيس بن حرشة عسى إن عذبك الدهر حتى يكبك بعدي من لا يستطيع أن تقول بالحق معهم فقال والله لا أبايعك على شيء إلا وفيت لك فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا لا يضرك بشر فبلغ قيس إلى ايام عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان فنقم عليه عبيد الله في شيء فأحضره فقال أنت الذي زعم أنه لا يضرك بشر قال نعم قال لتعلمن اليوم أنك قد كذبت ائتوني بصاحب العذاب قال فمال قيس عند ذلك فمات
معجزة أخرى
روى البيهقي من طريق الداروردي عن ثور بن يزيد عن موسى بن ميسرة أن بعض بني عبد الله سايره في بعض طريق مكة قال حدثني العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في حاجة فوجد عنده رجلا فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل فلقي العباس رسول (6/235)
الله صلى الله عليه و سلم فأخبره بذلك فقال ورآه قال نعم قال أتدري من ذلك الرجل ذاك جبريل ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما وقد مات ابن عباس سنة ثمان وستين بعد ما عمي رضي الله عنه وروى البيهقي من حديث المعتمر بن سليمان حدثتنا سيابة بنت يزيد عن خمارة عن أنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل على زيد يعوده في مرض كان به قال ليس عليك من مرضك باس ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت قال إذا أحتسب وأصبر قال إذا تدخل الجنة بغير حساب قال فعمي بعد ما مات رسول الله ثم رد الله عليه بصره ثم مات فصل
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة وعند مسلم عن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا كلهم يزعم أنه نبي وقال البيهقي عن الماليني عن أبي عدي عن أبي يعلى الموصلي حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن الحسن الأسدي ثنا شريك عن أبي اسحاق عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسي والمختار وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف قال ابن عدي محمد بن الحسن لع إفرادات وقد حدث عنه الثقاة ولم أر بتحديثه بأسا وقال البيهقي لحديثه في المختار شواهد صحيحه ثم أورد من طريق أبي داود الطيالسي حدثنا الأسود بن شيبان عن أبي نوفل عن أبي عقرب عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت للحجاج بن يوسف أما إن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال ورواه مسلم من حديث الأسود بن شيبان وله طرق عن أسماء وألفاظ سيأتي إيرادها في موضعه وقال البيهقي أنا الحاكم وأبو سعيد عن الأصم عن عباس الدراوردي عن عبيد الله بن الزبير الحميدي ثنا سفيان بن عيينة عن أبي المحيا عن أمه قالت لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال يا أمه إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة فقالت لست لك بأم ولكني أم المصلوب على رأس الثنية وما لي من حاجة ولكن انتظر حتى أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يخرج من ثقيف كذاب ومبير فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت فقال الحجاج مبير المنافقين وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شريك عن أبي علوان عبد الله بن عصمة عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن في ثقيف كذابا ومبيرا وقد تواتر خبر المختار بن أبي عيد الكذاب (6/236)
الذي كان نائبا على العراق وكان يزعم أنه نبي وأن جبريل كان يأتيه بالوحي وقد قيل لابن عمر وكان زوج أخت المختار وصفيه إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه قال صدق قال الله تعالى وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم وقال أبو داود الطيالسي ثنا قرة بن خالد عن عبد الملك بن عمير عن رفاعة بن شداد قال كنت ألصق شيء بالمختار الكذاب قال فدخلت عليه ذات يوم فقال دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي قال فأهويت إلى قائم السيف لأضربه حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا أمن الرجل الرجل على دمه ثم قتله رفع له لواء الغدر يوم القيامة فكففت عنه وقد رواه أسباط بن نصر وزائدة والثوري عن إسماعيل السدي عن رفاعة بن شداد القباني فذكر نحوه وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو بكر الحميدي ثنا سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبي قال فأخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة والأحنف ساكت لا يتكلم فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاء بكتاب فقال هاك اقرأ فقرأته فاذا فيه من المختار لله يذكر أنه نبي يقول الأحنف أنى فينا مثل هذا وأما الحجاج بن يوسف فقد تقدم الحديث أنه الغلام المبير الثقفي وسنذكر ترجمته إذا انتهينا إلى أيامه فانه كان نائبا على العراق لعبد الملك بن مروان ثم لابنه الوليد بن عبد الملك وكان من جبابرة الملوك على ما كان فيه من الكرم والفصاحة على ما سنذكره وقد قال البيهقي ثنا الحاكم عن أبي نصر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي أن معاوية بن صالح حدثه عن شريح بن عبيد عن أبي عذبة قال جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم فخرج غضبان فصلى لنا الصلاة فسها فيها حتى جعل الناس يقولون سبحان الله سبحان الله فلما سلم أقبل على الناس فقال من ههنا من أهل الشام فقام رجل ثم قام آخر ثم قمت أنا ثالثا او رابعا فقال يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق فان الشيطان قد باض فيهم وفرخ اللهم إنهم قد لبسوا علي فألبس عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم أهل الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم قال عبد الله وحدثني ابن لهيعة بمثله قال وولد الحجاج يومئذ ورواه الدارمي أيضا عن أبي اليمان عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي عذبة الحمصي عن عمر فذكر مثله قال أبو اليمان علم عمر أن الحجاج خارج لا محالة فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة قلت فان كان هذا نقله عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد تقدم له شاهد عن غيره وإن كان عن تحديث فكرامة الولي معجزة لنبيه وقال عبد الرزاق أنا جعفر يعني ابن سليمان عن مالك بن دينار عن الحسن قال قال علي لأهل الكوفة اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ونصحت لهم فغشوني فسلط عليهم فتى (6/237)
ثقيف الذيال الميال يأكل خضرتها ويلبس فروتها ويحكم فيهم بحكم الجاهلية قال فتوفي الحسن وما خلق الله الحجاج يومئذ وهذا منقطع وقد رواه البيهقي أيضا من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه عن أيوب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن علي بن أبي طالب أنه قال الشاب الذيال أمير المصرين يلبس فروتها ويأكل خضرتها ويقتل أشراف أهلها يشتد منه العرق ويكثر منه الارق ويسلطه الله على شيعته وله من حديث يزيد بن هارون أنا العوان بن حوشب حدثني حبيب بن أبي ثابت قال قال علي لا مت حتى تدرك فتى ثقيف فقيل يا أمير المؤمنين وما فتى ثقيف فقال ليقالن له يوم القيامة اكفنا زاوية من زوايا جهنم رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين سنة لا يدع لله معصية إلا ارتكبها حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها يفتن بمن أطاعه من عصاه وهذا معضل وفي صحته عن علي نظر والله أعلم وقال البيهقي عن الحاكم عن الحسين بن الحسن بن أيوب عن أبي حاتم الرازي عن عبد الله بن يوسف الثنيني ثنا هشام بن يحيى الغساني قال قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم وقال أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي عن أبي النجود ما بقيت لله حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس أن أباه لما تحقق موت الحجاج تلا قوله تعالى فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين قلت وقد توفي الحجاج سنة خمس وتسعين
الاشارة النبوية الى دولة عمر بن عبد العزيز تاج بني أمية
قد تقدم حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم هل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي يعرف منهم وينكر الحديث فحمل البيهقي وغيره هذا الخبر الثاني على أيام عمر بن عبد العزيز وروى عن الحاكم عن الأصم عن العباس بن الوليد بن مرثد عن أبيه قال سئل الأوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الشر الذي يكون بعد ذلك الخير فقال الأوزاعي هي الردة التي كانت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي مسألة حذيفة فهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قال الأوزاعي فالخير الجماعة وفي ولاتهم من يعرف سيرته وفيهم من ينكر سيرته قال فلم يأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في قتالهم ما صلوا الصلاة وروى أبو داود الطيالسي عن داود الواسطي وكان ثقة عن حبيب بن سالم عن نعمان بن سالم عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنكم في النبوة ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها لكم إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة قال فقدم (6/238)
عمر بن عبد العزيز ومعه يزيد بن النعمان فكتبت إليه أذكره الحديث وكتبته إليه أقول أني أرجو أن تكون أمير المؤمنين بعد الخيرية قال فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسر به وأعجبه وقال نعيم بن حماد حدثنا روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال قال عمر بن عبد العزيز رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وعنده عمر وعثمان وعلي فقال لي ادن فدنوت حتى قمت بين يديه فرفع بصره إلي وقال أما إنك ستلي أمر هذه الأمة وستعدل عليهم وسيأتي في الحديث الآخر إن شاء الله أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها وقد قال كثير من الأئمة إنه عمر بن عبد العزيز فانه تولى سنة إحدى ومائة وقال البيهقي أنا الحاكم أنا أبو حامد أحمد بن علي المقري ثنا أبو عيسى ثنا أحمد بن إبراهيم ثنا عفان بن مسلم ثنا عثمان بن عبد الحميد ابن لاحق عن جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال بلغنا أن عمر بن الخطاب قال إن من ولدي رجلا بوجهه شين يلي فيملأ الأرض عدلا قال نافع من قبله ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز وقد رواه نعيم بن حماد عن عثمان بن عبد الحميد به ولهذا طرق عن ابن عمر أنه كان يقول ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر بن الخطاب في وجهه علامة يملأ الأرض عدلا وقد روى ذلك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب نحوا من هذا وقد كان هذا الأمر مشهورا قبل ولايته وميلاده بالكلية أنه يلي رجل من بني أمية يقال له أشج بني مروان وكانت أمه أروى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وكان أبوه عبد العزيز بن مروان نائبا لأخيه عبد الملك على مصر وكان يكرم عبد الله بن عمر ويبعث إليه بالتحف والهدايا والجوائز فيقبلها وبعث إليه مرة بألف دينار فاخذها وقد دخل عمر بن عبد العزيز يوما إلى اصطبل أبيه وهو صغير فرمحه فرس فشجه في جبينه فجعل أبوه يسلت عنه الدم ويقول أما لئن كنت أشج بني مروان إنك إذا لسعيد وكان الناس يقولون الأشج والناقص أعدلا بني مروان فالأشج هو عمر بن عبد العزيز والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك الذي يقول فيه الشاعر ... رأيت اليزيد بن الوليد مباركا ... شديدا بأعباء الخلافة كاهله ...
قلت وقد ولي عمر بن عبد العزيز بعد سليمان بن عبد الملك سنتين ونصفا فملأ الأرض عدلا وفاض المال حتى كان الرجل يهمه لمن يعطي صدقته وقد حمل البيهقي الحديث المتقدم عن عدي بن حاتم على أيام عمر بن عبد العزيز وعندي في ذلك نظر والله أعلم وقد روى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبو معن الأنصاري ثنا أسيد قال بينما عمر بن عبد العزيز يمشي إلى مكة بفلاة من الأرض إذ رأى حية ميتة فقال علي بمحفار فقالوا نكفيك أصلحك الله قال لا ثم أخذه ثم لفه في خرقة ودفنه فاذا هاتف يهتف رحمة الله عليك يا سرق (6/239)
فقال له عمر بن عبد العزيز من أنت يرحمك الله قال أنا رجل من الجن وهذا سرق ولم يبق ممن بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم غيري وغيره وأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول تموت يا سرق بفلاة من الأرض ويدفنك خير أمتي وقد روى هذا من وجه آخر وفيه أنهم كانوا تسعة بايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيه أن عمر بن عبد العزيز حلفه فلما حلف بكى عمر بن عبد العزيز وقد رجحه البيهقي وحسنه فالله أعلم
حديث آخر في صحته نظر في ذكر وهب بن منبه بالمدح وذكر غيلان بالذم
روى البيهقي من حديث هشام بن عمار وغيره عن الوليد بن أسلم عن مروان بن سالم اليرقاني عن الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يكون في أمتي رجل يقال له وهب يهب الله له الحكمة ورجل يقال له غيلان هو أضر على أمتي من إبليس وهذا لا يصح لأن مروان بن سالم هذا متروك وبه إلى الوليد حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر قال البيهقي وفي هذا وأمثاله إشارة إلى غيلان وما ظهر بالشام بسببه من التكذيب بالقدر حتى قتل
الاشارة الى محمد بن كعب القرظي وعلمه بتفسير القرآن وحفظه
قال حرملة عن ابن وهب أخبرني أبو صخر عن عبد الله بن مغيث عن أبي بردة الظفري عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يخرج في أحد الكاهنين رجل قد درس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده وروى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن إسماعيل القاضي ثنا أبو ثابت ثنا ابن وهب حدثني عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يكون في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره قال فكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي قال أبو ثابت الكاهنان قريظة والنضير وقد روى من وجه آخر مرسل يخرج من الكاهنين رجل أعلم الناس بكتاب الله وقد قال عون بن عبد الله ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من محمد بن كعب
ذكر الاخبار بانخرام قرنة صلى الله عليه و سلم بعد مائة سنة من ليلة اخباره
ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن سالم وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن عبد الله (6/240)
ابن عمر قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العشاء ليلة في آخر عمره فلما سلم قام فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فان رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد قال عمر فوهل الناس من مقالة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث من مائة سنة وإنما يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن وفي رواية إنما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم انخرام قرنه وفي صحيح مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قبل موته بشهر يسألون عن الساعة وإنما علمها عند الله فأقسم بالله ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهذا الحديث وأمثاله مما يحتج به من ذهب من الأئمة إلى أن الخضر ليس بموجود الآن كما قدمنا ذلك في ترجمته في قصص الأنبياء عليهم السلام وهو نص على أن جميع الأحياء في الارض يموتون إلى تمام مائة سنة من إخباره عليه السلام وكذا وقع سواء فما نعلم تأخر أحد من أصحابه إلى ما يجاوز هذه المدة وكذلك جميع الناس ثم قد طرد بعض العلماء هذا الحكم في كل مائة سنة وليس في الحديث تعرض لهذا والله أعلم
حديث آخر
قال محمد بن عمر الواقدي حدثني شريح بن يزيد عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر قال وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده على رأسي وقال هذا الغلام يعيش قرنا قال فعاش مائة سنة وقد رواه البخاري في التاريخ عن أبي حيوة شريح بن يزيد به فذكره قال وزاد غيره وكان في وجهه ثالول فقال ولا يموت حتى يذهب الثالول من وجهه فلم يمت حتى ذهب الثالول من وجهه وهذا إسناد على شرط السنن ولم يخرجوه ورواه البيهقي عن الحاكم عن محمد بن الؤمل بن الحسن بن عيسى عن الفضل بن محرز الشعرانى ثنا حيوة بن شريح عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له يعيش هذا الغلام قرنا فعاش مائة سنة قال الواقدي وغير واحد توفي عبد الله بن بسر بحمص سنة ثمان وثمانين عن أربع وتسعين وهو آخر ما بقي من الصحابة بالشام
الاخبار عن الوليد بما فيه له من الوعيد الشديد وإن صح فهو الوليد بن يزيد لا الوليد بن عبد الملك
قال يعقوب بن سفيان حدثني محمد بن خالد بن العباس السكسكي حدثني الوليد بن مسلم حدثني أبو عمر الأوزاعي عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال ولد لأخي أم سلمة غلام فسموه الوليد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد جعلتم تسمون بأسماء فراعنتكم إنه سيكون في هذه (6/241)
الأمة رجل يقال له الوليد هو أضر على أمتي من فرعون على قومه قال أبو عمر الأوزاعي فكان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حتى خرجوا عليه فقتلوه وانفتحت على الأمة الفتنة والهرج وقد رواه البيهقي عن الحاكم وغيره عن الأصم عن سعيد بن عثمان التنوخي عن بشر بن بكر عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد فذكره ولم يذكر قول الأوزاعي ثم قال وهذا مرسل حسن وقد رواه نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم به وعنده قال الزهري إن استخلف الوليد بن يزيد فهو هو وإلا فهو الوليد بن عبد الملك وقال نعيم بن حماد ثنا هشيم عن أبي حمزة عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سيكون رجل اسمه الوليد يسد به ركن من أركان جهنم وزاوية من زواياها وهذا مرسل أيضا
حديث آخر
قال سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا اتخذوا دين الله دغلا وعباد الله خولا ومال الله دولا رواه البيهقي من حديثه وقال نعيم بن حماد ثنا بقية بن الوليد وعبد القدوس عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد عن أبي ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا بلغت بنو امية أربعين اتخذوا عباد الله خولا ومال الله نحلا وكتاب الله دغلا وهذا منقطع بين راشد بن سعد وبين أبي ذر وقال إسحاق بن راهويه أنا جرير عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دغلا ومال الله دولا وعباد الله خولا ورواه أحمد عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير به وقال البيهقي أنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا بسام وهو محمد بن غالب ثنا كامل بن طلحة ثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل أن ابن وهب أخبره أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان فدخل عليه مروان فكلمه في حاجته فقال اقض حاجتي يا أمير المؤمنين فوالله إن مؤنتي لعظيمة وإني لأبو عشرة وعم عشرة وأخو عشرة فلما أدبر مروان وابن عباس جالس مع معاوية على السرير قال معاوية أنشدك بالله يا ابن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله بينهم دولا وعباد الله خولا وكتاب الله دغلا فاذا بلغوا سبعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك ثمرة فقال ابن عباس اللهم نعم قال وذكر مروان حاجة له فرد مروان عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها فلما أدبر عبد الملك قال معاوية أنشدك بالله يا ابن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر هذا فقال أبو الجبابرة الأربعة فقال ابن عباس اللهم نعم وهذا الحديث فيه غرابة ونكارة شديدة وابن لهيعة ضعيف وقد قال (6/242)
أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا سعد بن زيد أخو حماد بن زيد عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن عن عمرو بن مرة وكانت له صحبة قال جاء الحكم بن أبي العاص يستأذن النبي صلى الله عليه و سلم فعرف كلامه فقال ائذنوا له حية أو ولد حية عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ما هم ليترفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا ومالهم في الآخرة من خلاق قال الدارمي أبو الحسن هذا حمصي وقال نعيم بن حماد في الفتن والملاحم ثنا عبد الله بن مروان المرواني عن ابي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد أن مروان بن الحكم لما ولد دفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم ليدعو له فأبى أن يفعل ثم قال ابن الزرقاء هلاك أمتي على يديه ويدي ذريته وهذا حديث مرسل
ذكر الاخبار عن خلفاء بني أمية جملة من جملة
قال يعقوب بن سفيان ثنا أحمد بن محمد أبو محمد الزرقي ثنا الزنجي يعني مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رأيت في المنام بني الحكم أو بني أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة قال فما رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم مستجمعا ضاحكا حتى توفي وقال الثوري عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم بني أمية على منابرهم فساءه ذلك فأوحي إليه إنما هي دنيا أعطوها فقرت به عينه وهي قوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس يعني بلاء للناس علي بن زيد بن جدعان ضعيف والحديث مرسل أيضا وقال أبو داود الطيالسي ثنا القاسم بن الفضل هو الحدائي ثنا يوسف بن مازن الراسبي قال قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال يا مسود وجوه المؤمنين فقال الحسن لا تؤنبني رحمك الله فان رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت إنا أعطيناك الكوثر يعني نهرا في الجنة ونزلت إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر يملكه بنو امية قال القاسم فحسبنا ذلك فاذا هو ألف شهر لا يزيد يوما ولا ينقص يوما وقد رواه الترمذي وابن جرير الطبري والحاكم في مستدركه والبيهقي في دلائل النبوة كلهم من حديث القاسم بن الفضل الحذاء وقد وثقه يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي عن يوسف بن سعد ويقال يوسف بن مازن الراسبي وفي رواية ابن جرير عيسى بن مازن قال الترمذي وهو رجل مجهول وهذا الحديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه فقوله إن يوسف هذا مجهول مشكل والظاهر أنه أراد أنه مجهول الحال فأنه قد روى عنه جماعة منهم حماد بن سلمة وخالد الحذاء ويونس بن عبيد وقال يحيى بن معين وهو مشهور وفي رواية عنه قال هو ثقة فارتفعت الجهالة عنه مطلقا (6/243)
قلت ولكن في شهوده قصة الحسن ومعاوية نظر وقد يكون أرسلها عمن لا يعتمد عليه والله أعلم وقد سألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله عن هذا الحديث فقال هو حديث منكر وأما قول القاسم بن الفضل رحمه الله إنه حسب دولة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقصه فهو غريب جدا وفيه نظر وذلك لأنه لا يمكن إدخال دولة عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت ثنتا عشرة سنة في هذه المدة لا من حيث الصورة ولا من حيث المعنى وذلك أنها ممدوحة لأنه أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وهذا الحديث إنما سيق لذم دولتهم وفي دلالة الحديث على الذم نظر وذلك أنه دل على أن ليلة القدر خير من ألف شهر التي هي دولتهم وليلة القدر ليلة خيرة عظيمة المقدار والبركة كما وصفها الله تعالى به فما يلزم من تفضيلها على دولتهم ذم دولتهم فليتأمل هذا فانه دقيق يدل على أن الحديث في صحته نظر لانه إنما سيق لذم أيامهم والله تعالى أعلم وأما إذا اراد أن ابتداء دولتهم منذ ولي معاوية حين تسلمها من الحسن بن علي فقد كان ذلك سنة أربعين أو إحدى وأربعين وكان يقال له عام الجماعة لأن الناس كلهم اجتمعوا على إمام واحد وقد تقدم الحديث في صحيح البخاري عن أبي بكرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول للحسن بن علي إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان هذا في هذا العام ولله الحمد والمنة واستمر الأمر في ايدي بني أمية من هذه السنة إلى سنة ثنتين وثلاثين ومائة حتى انتقل الى بني العباس كما سنذكره ومجموع ذلك ثنتان وتسعون سنة وهذا لا يطابق ألف شهر لأن معدل ألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر فان قال أنا أخرج منها ولاية ابن الزبير وكانت تسع سنين فحينئذ يبقى ثلاث وثمانون سنة فالجواب أنه وإن خرجت ولاية ابن الزبير فإنه لا يكون ما بقي مطابقا لألف شهر تحديدا بحيث لا ينقص يوما ولا يزيده كما قاله بل يكون ذلك تقريبا هذا وجه الثاني أن ولاية ابن الزبير كانت بالحجاز والأهواز والعراق في بعض أيامه وفي مصر في قول ولم تنسلب يد بني أمية من الشام أصلا ولا زالت دولتهم بالكلية في ذلك الحين الثالث أن هذا يقتضي دخول دولة عمر بن عبد العزيز في حساب بني أمية ومقتضى ما ذكره أن تكون دولته مذمومة وهذا لا يقوله أحد من أئمة الأسلام وإنهم مصرحون بأنه أحد الخلفاء الراشدين حتى قرنوا أيامه تابعة لأيام الأربعة وحتى اختلفوا في أيهما أفضل هو أو معاوية بن أبي سفيان أحد الصحابة وقد قال أحمد بن حنبل لا أرى قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز فاذا علم هذا فإن أخرج أيامه من حسابه انحرم حسابه وإن أدخلها فيه مذمومة خالف الأئمة وهذا مالا محيد عنه وكل هذا مما يدل على نكارة هذا الحديث والله أعلم وقال نعيم بن حماد حدثنا (6/244)
سفيان عن العلاء بن أبي العباس سمع أبا الطفيل سمع عليا يقول لا يزال هذا الأمر في بني أمية ما لم يختلفوا بينهم حدثنا ابن وهب عن حرملة بن عمران عن سعد بن سالم عن أبي سالم الجيشاني سمع عليا يقول الأمر لهم حتى يقتلوا قتيلهم ويتنافسوا بينهم فاذا كان ذلك بعث الله عليهم أقواما من المشرق يقتلوهم بددا ويحصروهم عددا والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعا وقال نعيم بن حماد حدثنا الوليد بن مسلم عن حصين بن الوليد عن الزهري بن الوليد سمعت أم الدرداء سمعت أبا الدرداء يقول إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوما ما لم تزل طاعة يستخف بها ودم مسفوك بغير حق يعني الوليد ابن يزيد ومثل هذه الأشياء إنما تقال عن توقيف
الاخبار عن دولة بني العباس وكان ظهورهم من خراسان في سنة ثنتين وثلاثين ومائة
قال يعقوب بن سفيان حدثني محمد بن خالد بن العباس ثنا الوليد بن مسلم حدثني أبو عبد الله عن الوليد بن هشام المعيطي عن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال قدم عبد الله بن عباس على معاوية وأنا حاضر فأجازه فأحسن جائزته ثم قال يا أبا العباس هل لكم في دولة فقال اعفني يا أمير المؤمنين فقال لتخبرني قال نعم فأخبره قال فمن أنصاركم قال أهل خراسان ولبني أمية من بني هاشم بطحات رواه البيهقي وقال ابن عدي سمعت ابن حماد أنا محمد بن عبده ابن حرب ثنا سويد بن سعيد أنا حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال مررت بالنبي صلى الله عليه و سلم وإذا معه جبريل وأنا أظنه دحية الكلبي فقال جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم إنه لوسخ الثياب وسيلبس ولده من بعده السواد وذكر تمام الحديث في ذهاب بصره ثم عوده إليه قبل موته قال البيهقي تفرد به حجاج بن تميم وليس بالقوي وقال البيهقي أنا الحاكم ثنا أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن بالونة في آخرين قالوا حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن معين ثنا عبيد الله ابن أبي قرة ثنا الليث بن سعيد عن أبي فضيل عن أبي ميسرة مولى العباس قال سمعت العباس قال كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة فقال انظر هل ترى في السماء من شيء قلت نعم قال ما ترى قلت الثريا قال إما إنه سيملك هذه الأمة بعددها من صلبك قال البخاري عبيد بن أبي قرة بغدادي سمع الليث لا يتابع على حديثه في قصة العباس وروى البيهقي من حديث محمد بن عبد الرحمن العامري وهو ضعيف عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للعباس فيكم النبوة وفيكم الملك وقال أبو بكر بن خيثمة ثنا يحيى بن معين ثنا سفيان عن عمرو ابن دينار عن أبي معبد قال قال ابن عباس كما فتح الله بأولنا فأرجو أن يختمه بنا هذا إسناد (6/245)
جيد وهو موقوف على ابن عباس من كلامه وقال يعقوب بن سفيان حدثني ابراهيم بن أيوب ثنا الوليد ثنا عبد الملك بن حميد عن أبي عتبة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عباس ونحن نقول اثنا عشر أميرا واثنا عشر ثم هي الساعة فقال ابن عباس ما أحمقكم إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور والسفاح والمهدي يرفعها إلى عيسى بن مريم وهذا أيضا موقوف وقد رواه البيهقي من طريق الأعمش عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا منا السفاح والمنصور المهدي وهذا إسناد ضعيف والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئا على الصحيح فهو منقطع والله أعلم وقد قال عبد الرزاق عن الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة بن أبي أسماء عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقتل عند كيركم هذه ثلاثة كلهم ولد خليفة لا يصير إلى واحد منهم ثم تقبل الرايات السود من خراسان فيقتلونهم مقتلة لم يروا مثلها ثم يجيء خليفة الله المهدي فاذا سمعتم فأتوه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي أخرجه ابن ماجه عن أحمد بن يوسف السلمي ومحمد بن يحيى الذهلي كلاهما عن عبد الرزاق به ورواه البيهقي من طرق عن عبد الرزاق ثم قال تفرد به عبد الرزاق قال البيهقي ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن اسماء موقوفا ثم قال البيهقي أنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن غالب ثنا كثير بن يحيى ثنا شريك عن علي بن زيد عن أبي قلابة عن أبي اسماء عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أقبلت الرايات السود من عقب خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا الفضل بن سهل ثنا عبد الله بن داهر الرازي ثنا أبي عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر فتية من بني هاشم فاغرورقت عيناه وذكر الرايات قال فمن أدركها فليأتها ولو حبوا على الثلج ثم قال وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحكم الا ابن أبي ليلى ولا نعلم يروى إلا من حديث داهر بن يحيى وهو من أهل الرأي صالح الحديث وإنما يعرف من حديث يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم وقال الحافظ أبو يعلى ثنا أبو هشام بن يزيد بن رفاعة ثنا أبو بكر ابن عياش ثنا يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله هو ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تجيء رايات سود من قبل المشرق تخوض الخيل الدم إلى أن يظهروا العدل ويطلبون العدل فلا يعطونه فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه وهذا إسناد حسن وقال الامام أحمد حدثنا يحيى بن غيلان وقتيبة بن سعيد قالا ثنا رشد بن سعد قال يحيى بن غيلان في حديثه قال حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن قبيصة هو ابن ذؤيب الخزاعي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب (6/246)
بأيليا وقد رواه الترمذي عن قتيبة به وقال غريب ورواه البيهقي والحاكم من حديث عبد الله ابن مسعود عن رشد بن سعد وقال البيهقي تفرد به رشد بن سعد وقد روى قريب من هذا عن كعب الأحبار ولعله أشبه والله أعلم ثم روى من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا محمد عن أبي المغيرة عبد القدوس عن إسماعيل بن عياش عمن حدثه عن كعب الأحبار قال تظهر رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا بالشام ويقتل الله على أيديهم كل جبار وكل عدو لهم وقال الامام أحمد حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج عند انقطاع من الزمان وظهور زمن الفتن رجل يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثوا ورواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الصمد عن أبي عوانة عن الأعمش به وقال فيه يخرج رجل من أهل بيتي يقال له السفاح فذكره وهذا الأسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه فهذه الأخبار في خروج الرايات السود من خراسان وفي ولاية السفاح وهو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب وقد وقعت ولايته في حدود سنة ثلاثين ومائة ثم ظهر بأعوانه ومعهم الرايات السود وشعارهم السواد كما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر وفوقه عمامة سوداء ثم بعث عمه عبد الله لقتال بني أمية فكسرهم في سنة اثنتين وثلاثين ومائة وهرب من المعركة آخر خلفائهم وهو مروان بن محمد بن مروان ويلقب بمروان الحمار ويقال له مروان الجعدي لاشتغاله على الجعد بن درهم فيما قيل ودخل عمه دمشق واستحوذ على ما كان لبني أمية من الملك والأملاك والأموال وجرت خطوب كثيرة سنوردها مفصلة في موضعها إن شاء الله تعالى وقد ورد عن جماعة من السلف في ذكر الرايات السود التي تخرج من خراسان بما يطول ذكره وقد استقصى ذلك نعيم بن حماد في كتابه وفي بعض الروايات ما يدل على أنه لم يقع أمرها بعد وأن ذلك يكون في آخر الزمان كما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى تكون الدنيا للكع بن لكع قال أبو معمر هو أبو مسلم الخراساني يعني الذي أقام دولة بني العباس والمقصود أنه تحولت الدولة من بني أمية إلى بني العباس في هذه السسنة وكان أول قائم منهم أبو العباس السفاح ثم أخوه أبو جعفر عبد الله المنصور باني مدينة السلام ثم من بعده ابنه المهدي محمد بن عبد الله ثم من بعده ابنه الهادي ثم ابنه الآخر هارون الرشيد ثم انتشرت الخلافة في ذريته على ما سنفصله إذا وصلنا الى تلك الأيام وقد نطقت هذه الأحاديث التي أوردناها آنفا بالسفاح والمنصور والمهدي ولا شك أن المهدي الذي هو ابن المنصور ثالث خلفاء بني العباس ليس هو المهدي الذي وردت الأحاديث المستفيضة (6/247)
بذكره وأنه يكون في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وقد أفردنا للأحاديث الواردة فيه جزءا على حدة كما أفرد له أبو داود كتابا في سننه وقد تقدم في بعض هذه الأحاديث آنفا أنه يسلم الخلافة إلى عيسى بن مريم إذا نزل الى الأرض والله أعلم وأما السفاح فقد تقدم أنه يكون في آخر الزمان فيبعد أن يكون هو الذي بويع أول خلفاء بني العباس فقد يكون خليفة آخر وهذا هو الظاهر فانه قد روى نعيم بن حماد عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو المعافري من قدوم الحميري سمع نفيع بن عامر يقول يعيش السفاح أربعين سنة اسمه في التوراة طائر السماء قلت وقد تكون صفة للمهدي الذي يظهر في آخر الزمان لكثرة ما يسفح أي يريق من الدماء لاقامة العدل ونشر القسط وتكون الرايات السود المذكورة في هذه الأحاديث إن صحت هي التي تكون مع المهدي ويكون أول ظهور بيعته بمكة ثم تكون أنصاره من خراسان كما وقع قديما للسفاح والله تعالى أعلم هذا كله تفريع على صحة هذه الأحاديث وإلا فلا يخلو سند منها عن كلام والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
الاخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش
وليسوا بالاثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة فان هؤلاء الذين يزعمون لم يل أمور الناس منهم إلا علي بن أبي طالب وابنه الحسن وآخرهم في زعمهم المهدي المنتظر في زعمهم بسرداب سامرا وليس له وجود ولا عين ولا أثر بل هؤلاء من الأئمة الاثني عشر المخبر عنهم في الحديث الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السنة في تفسير الاثني عشر كما سنذكره بعد إيراد الحديث
ثبت في صحيح البخاري من حديث شعبة ومسلم من حديث سفيان بن عيينة كلاهما عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يكون اثنا عشر خليفة ثم قال كلمة لم اسمعها فقلت لأبي ما قال قال قال كلهم من قريش وقال أبو نعيم بن حماد في كتاب الفتن والملاحم حدثنا عيسى بن يونس حدثنا مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى وقد روى مثل هذا الحديث عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس وكعب الأحبار من قولهم وقال أبو داود حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يزال هذا الأمر قائما حتى يكون عليهم اثني عشرخليفة أو أميرا كلهم يجتمع عليهم الأمة وسمعت كلاما من النبي صلى الله عليه و سلم لم أفهمه فقلت لأبي ما يقول قال كلهم من قريش وقال أبو داود أيضا حدثنا ابن نفيل حدثنا زهير بن (6/248)
معاوية حدثنا زياد بن خيثمة حدثنا الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها ظاهرة على عدوها حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش قال فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا ثم يكون ماذا قال ثم يكون الهرج قال البيهقي ففي الرواية الأولى بيان العدد وفي الثانية بيان المراد بالعدد وفي الثالثة بيان وقوع الهرج وهو القتل بعدهم وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة الى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة كما أخبر في هذه الرواية ثم ظهر ملك العباسية كما اشار إليه في الباب قبله وإنما يزيدون على العدد المذكور في الخبر إذا تركت الصفة المذكورة فيه أو عد منهم من كان بعد الهرج المذكور فيه وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان ثم ساقه من حديث عاصم بن محمد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره وفي صحيح البخاري من طريق الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية بن أبي سفيان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين قال البيهقي أي أقاموا معالمه وإن قصروا هم في أعمال أنفسهم ثم ساق أحاديث بقية ما ذكره في هذا والله أعلم فهذا الذي سلكه البيهقي وقد وافقه عليه جماعة من أن المراد بالخلفاء الاثني عشر المذكورين في هذا الحديث هم المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق الذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد فأنه مسلك فيه نظر وبيان ذلك أن الخلفاء إلى زمن الوليد بن اليزيد هذا أكثر من اثني عشر على كل تقدير وبرهانه أن الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع لأن عليا أوصى إليه وبايعه أهل العراق وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام حتى اصطلح هو ومعاوية كما دل عليه حديث أبي بكرة في صحيح البخاري ثم معاوية ثم ابنه يزيد بن معاوية ثم ابنه معاوية بن يزيد ثم مروان بن الحكم ثم ابنه عبد الملك بن مروان ثم ابنه الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك فهؤلاء خمسة عشر ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك فأن اعتبرنا ولاية الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه وعدوه من الخلفاء الراشدين وأجمع الناس قاطبة على عدله وأن أيامه كانت من أعدل الأيام حتى الرافضة يعترفون بذلك فإن قال أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالب ولاابنه لان الناس لم يجتمعوا عليهما (6/249)
وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما وعد حبيب معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير كأن الأمة لم تجتمع على واحد منهما فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عادا للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ثم معاوية ثم يزيد بن معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد بن سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام فهؤلاء عشرة ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق ولكن هذا لا يمكن أن يسلك لانه يلزم منه اخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الاثني عشر وهو خلاف ما نص عليه ائمة السنة بل والشيعة ثم هو خلاف ما دل عليه نصا حديث سفينة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا وقد ذكر سفينة تفصيل هذه الثلاثين سنة فجمعها من خلافة الأربعة وقد بينا دخول خلافة الحسن وكانت نحوا من ستة أشهر فيها أيضا ثم صار الملك إلى معاوية لما سلم الامر اليه الحسن بن علي وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة وبيان أن الخلافة قد انقطعت بعد الثلاثين سنة لا مطلقا بل انقطع تتابعها ولا ينفي وجود خلفاء راشدين بعد ذلك كما دل عليه حديث جابر بن سمرة وقال نعيم بن حماد حدثنا راشد بن سعد عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حذيفة بن اليمان قال يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكا من بني أمية وقيل له خلفاء قال لا بل ملوك وقد روى البيهقي من حديث حاتم بن صفرة عن أبي بحر قال كان أبو الجلد جارا لي فسمعته يقول يحلف عليه أن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق منهم رجلان من أهل البيت أحدهما يعيش أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة ثم شرع البيهقي في رد ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الرد وهذا عجيب منه وقد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء ولعل قوله أرجح لما ذكرنا وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدمة وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه إن الله تعالى بشر إبراهيم باسماعيل وإنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثنى عشر عظيما قال شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرر أنهم يكونون مفرقين في الأمة ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا وغلط كثير ممن تشرف بالاسلام من اليهود فظنوا أنهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم وقد قال نعيم بن حماد حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن أبي المنهال عن أبي زياد بن كعب قال إن الله وهب لأسماعيل من صلبه اثني عشر قيما أفضلهم أبو بكر وعمر وعثمان وقال نعيم حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن يحيى بن عمرو الشيباني قال ليس من الخلفاء من لم يملك المسجدين المسجد الحرام والمسجد الاقصى
الاخبار عن امور وقعت في دولة بني العباس
فمن ذلك حدثنا أبو جعفر عبد الله ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس الخليفة بعد أخيه الخليفة (6/250)
السفاح وهو المنصور الباني لمدينة بغداد في سنة خمس واربعين ومائة قال نعيم بن حماد في كتابه عن أبي المغيرة عن أرطأة بن المنذر عمن حدثه عن ابن عباس أنه أتاه رجل وعنده حذيفة فقال يا ابن عباس قوله حمعسق فأطرق ساعة وأعرض عنه ثم كررها فلم يجبه بشيء فقال له حذيفة أنا أنبئك وقد عرفت لم كررها إنما نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الاله أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا يجتمع فيهما كل جبار عنيد وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجد الحوطي حدثنا أبو المغيرة حدثنا عبد الله بن السمط حدثنا صالح بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأن يربي أحدكم بعد أربع وخمسين ومائة جرو كلب خير من أن يربي ولدا لصلبه قال شيخنا الذهبي هذا الحديث موضوع واتهم به عبد الله بن السمط هذا وقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري في كتابه الفتن والملاحم حدثنا أبو عمرو البصري عن أبي بيان المعافري عن بديع عن كعب قال إذا كانت سنة ستين ومائة انتقص فيها حلم ذوي الاحلام ورأي ذوي الرأي
حديث آخر
فيه اشارة الى مالك بن أنس الامام
روى الترمذي من حديث ابن عيينة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة رواية يوشك أن يضرب الناس أكباد الابل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة ثم قال هذا حديث حسن وهو حديث ابن عيينة وقد روى عنه أنه قال هو مالك بن أنس وكذا قال عبد الرزاق قلت وقد توفي مالك رحمه الله سنة تسع وسبعين ومائة
حديث آخر فيه اشارة إلى محمد بن إدريس الشافعي
قال أبو داود الطيالسي حدثنا جعفر بن سليمان عن النضر بن معبد الكندي أو العبدلي عن الجارود عن أبي الأحوص عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تسبوا قريشا فان عالمها يملأ الأرض علما اللهم إنك أذقت أولها وبالا فأذق آخرها نوالا وقد رواه الحاكم من طريق أبي هريرة قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني وهو الشافعي قلت وقد توفي الشافعي رحمه الله في سنة أربع ومائتين وقد أفردنا ترجمته في مجلد وذكرنا معه تراجم أصحابه من بعده حديث آخر
روى رواد بن الجراح عن سفيان الثوري عن منصور عن ربعي عن حذيفة مرفوعا خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ قالوا وما خفيف الحاذ يا رسول الله قال من لا أهل له ولا مال ولا ولد (6/251)
حديث آخر
قال ابن ماجه حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا عون بن عمارة حدثني عبد الله بن المثنى ثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أبيه عن جده أنس بن مالك عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الآيات بعد المائتين وحدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا نوح بن قيس حدثنا عبد الله بن معقل عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أمتي على خمس طبقات فأربعون سنة أهل بر وتقوى ثم الذين يلونهم الى عشرين ومائة سنة أهل تراحم وتواصل ثم الذين يلونهم الى ستين ومائة أهل تدابر وتقاطع ثم الهرج الهرج النجاء النجاء وحدثنا نصر بن علي حدثنا حازم أبو محمد العنزي حدثنا المسور بن الحسن عن أبي معن عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاما فأما طبقتي وطبقة أصحابي فأهل علم وإيمان وأما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين فأهل بر وتقوى ثم ذكره نحوه هذا لفظه وهو حديث غريب من هذين الوجهين ولا يخلو عن نكارة والله أعلم وقد قال الامام أحمد ثنا وكيع بن الأعمش حدثنا هلال بن بيان عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يتسمنون يحبون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها ورواه الترمذي من طريق الأعمش وقد رواه البخاري ومسلم من حديث شعبة عن أبي حمزة عن زهدم بن مضرب سمعت عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن لفظ البخاري وقال البخاري حدثنا محمد بن كثير أنا سفيان عن منصور عن إبراهيم بن عبيدة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته قال إبراهيم وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار وقد رواه بقية الجماعة إلا أبا داود من طرق متعددة عن منصور به حديث آخر
قال نعيم بن حماد حدثنا أبو عمرو البصري عن ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت البناني عن أبيه عن الحرث الهمداني عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال السابع من ولد العباس يدعو الناس إلى الكفر فلا يجيبونه فيقول له أهل بيته تريد أن تخرجنا من معايشنا فيقول إني أسير فيكم بسيرة أبي بكر وعمر فيأبون عليه فيقتله عدو له من أهل بيته من بني هاشم (6/252)
فاذا وثب عليه اختلفوا فيما بينهم فذكر اختلافا طويلا إلى خروج السفياني وهذا الحديث ينطبق على عبد الله المأمون الذي دعا الناس إلى القول بخلق القرآن ووقى الله شرها كما سنورد ذلك في موضعه والسفياني رجل يكون آخر الزمان منسوب إلى أبي سفيان يكون من سلالته وسيأتي في آخر كتاب الملاحم
حديث آخر
قال الامام أحمد حدثنا هاشم ثنا ليث عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه سمعت أبا ثعلبة الخشني صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سمعه يقول وهو بالفسطاط في خلافة معاوية وكان معاوية اغزى الناس القسطنطينية فقال والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم إذا رأيت الشام مائدة رجل واحد وأهل بيته فعند ذلك فتح القسطنطينية هكذا رواه أحمد موقوفا على أبي ثعلبة وقد أخرجه أبو داود في سننه من حديث ابن وهب عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم تفرد به أبو داود ثم قال أبو داود ثنا عمرو بن عثمان ثنا أبو المغيرة حدثني صفوان عن سريج بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إني لأرجو أن لا يعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم قيل لسعد وكم نصف يوم قال خمسمائة سنة تفرد به أبو داود وإسناده جيد وهذا من دلائل النبوة فان هذا يقتضي وقوع تأخير الأمة نصف يوم وهو خمسمائة سنة كما فسره الصحابي وهو مأخوذ من قوله تعالى وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ثم هذا الاخبار بوقوع هذه المدة لا ينفي وقوع ما زاد عليها فأما ما يذكره كثير من الناس من أنه عليه السلام لا يؤلف في قبره بمعنى لا يمضي عليه ألف سنة من يوم مات إلى حين تقام الساعة فإنه حديث لا أصل له في شيء من كتب الاسلام والله أعلم حديث آخر
فيه الأخبار عن ظهور النار التي كانت بأرض الحجاز حتى أضاءت لها أعناق الأبل ببصرى وقد وقع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة
قال البخاري في صحيحه ثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن الزهري قال قال سعيد بن المسيب أخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الأبل ببصرى تفرد به البخاري وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس وتواتر وقوع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة قال الشيخ الامام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرخين في زمانه شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الملقب بأبي شامة في تاريخه إنها ظهرت يوم الجمعة في (6/253)
خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة وأنها استمرت وأزيد منه وذكر كتبا متواترة عن أهل المدينة في كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادي شظا تلقاء أحد وأنها ملأت تلك الاودية وانه يخرج منها شرريا كل الحجاز وذكر أن المدينة زلزلت بسببها وأنهم سمعوا أصواتا مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام أول ذلك مستهل الشهر يوم الاثنين فلم تزل ليلا ونهارا حتى ظهرت يوم الجمعة فانبجست تلك الأرض عند وادي شظا عن نار عظيمة جدا صارت مثل طوله أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال وعمقه قام ويضف يسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك ثم يصير كالفحم الأسود وذكر أن ضوءها يمتد الى تيماء بحيث كتب الناس على ضوئها في الليل وكأن في بيت كل منهم مصباحا ورأى الناس سناها من مكة شرفها الله قلت وأما بصرى فأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي قاسم التيمي الحنفي قال أخبرني والدي وهو الشيخ صفي الدين احد مدرسي بصرى أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة من كان بحاضرة بلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجأوا في هذه الايام الى المسجد النبوي وتابوا الى الله من ذنوب كانوا عليها واستغفروا عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم مما سلف منهم وأعتقوا لغلمان وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم وقد قال قائلهم في ذلك ... يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا ... فقد أحاطت بنا يا رب بأساء ... نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها ... حملا ونحن بها حقا أحقاء ... زلازل تخشع الصم الصلاد لها ... وكيف تقوى على الزلزال صماء ... أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء ... بحر من النار تجري فوقه سفن ... من الهضاب لها في الأرض إرساء ... يرى لها شرر كالقصر طائشة ... كأنها ديمة تنصب هطلاء ... تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت ... رعبا وترعد مثل الشهب أضواء ... منها تكاثف في الجو الدخان إلى ... أن عادت الشمس منه وهي دهماء ... قد أثرت سعفة في البدر لفحتها ... فليلة التم بعد النور ليلاء ... فيالها آية من معجزات رسو ... ل الله يعقلها اقوم الألباء ...
ومما قيل من هذه النار مع غرق بغداد في هذه السنة ... سبحان من أصبحت مشيئته ... جارية في الورى بمقدار ... أغرق بغداد بالمياه كما ... أحرق أرض الحجاز بالنار (6/254)
حديث آخر
قال الامام أحمد حدثنا أبو عامر ثنا أفلح بن سعيد الأنصاري شيخ من أهل قبا من الأنصار حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن طالت بكم مدة أوشك أن تروا قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر ورواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عن زيد بن الخباب عن أفلح ابن سعيد به وروى مسلم أيضا عن زهير بن حرب عن جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا وهذان الصنفان وهما الجلادون الذين يسمون بالرجالة والجاندارية كثيرون في زماننا هذا ومن قبله وقبل قبله بدهر والنساء الكاسيات العاريات أي عليهن لبس لا يواري سوآتهن بل هو زيادة في العورة وأبداء للزينة مائلات في مشيهن مميلان غيرهن إليهن وقد عم البلاء بهن في زماننا هذا ومن قبله أيضا وهذا من أكبر دلالات النبوة إذ وقع الأمر في الخارج طبق ما أخبر به عليه السلام وقد تقدم حديث جابر أما إنها ستكون لكم أنماط وذكر تمام الحديث في وقوع ذلك واحتجاج امرأته عليه بهذا حديث آخر
روى الامام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن داود بن أبي هند وأخرجه البيهقي من حديثه عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن طلحة بن عمرو البصري أنه قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبينما هو يصلي إذ أتاه رجل فقال يا رسول الله أحرق بطوننا التمر وتحرقت عنا الحيف قال فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لقد رأيتني وصاحبي وما لنا طعام غير البرير حتى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم وكان طعامهم التمر والذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز والتمر لأطعمتكموه وسيأتي عليكم زمان أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة ويغدى ويراح عليكم بالجفان قالوا يا رسول الله أنحن يومئذ خير أم اليوم قال بل أنتم اليوم خير أنتم اليوم إخوان وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض وقد روى سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن أبي موسى بحلس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا مشت أمتي المطيطا وخدمتهم فارس والروم سلط الله بعضهم على بعض وقد أسنده البيهقي من طريق موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم (6/255)
حديث آخر
قال أبو داود حدثنا سليمان بن داود المهري ثنا ابن وهب ثنا سعيد بن أبي أيوب عن شراحيل بن زيد المعافري عن أبي علقمة عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها قال أبو داود عبد الرحمن بن شريح الاسكندراني لم يحدثه شراحيل تفرد به أبو داود وقد ذكر كل طائفة من العلماء في رأس كل مائة سنة عالما من علمائهم ينزلون هذا الحديث عليه وقال طائفة من العلماء هل الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف كما جاء في الحديث من طرق مرسلة وغير مرسلة يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا هذا ونحن في القرن الثامن والله المسئول أن يختم لنا بخير وأن يجعلنا من عباده الصالحين ومن ورثة جنة النعيم آمين آمين يا رب العالمين وسيأتي الحديث المخرج من الصحيح لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك وفي صحيح البخاري وهم بالشام وقد قال كثير من علماء السلف أنهم أهل الحديث وهذا أيضا من دلائل النبوة فان أهل الحديث بالشام أكثر من سائر أقاليم الاسلام ولله الحمد ولا سيما بمدينة دمشق حماها الله وصانها كما ورد في الحديث الذي سنذكره أنه تكون معقل المسلمين عند وقوع الفتن وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبر عن عيسى بن مريم أنه ينزل من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق ولعل أصل لفظ الحديث على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق وقد بلغني أنه كذلك في بعض الأجزاء ولم أقف عليه إلى الآن والله الميسر وقد جددت هذه المنارة البيضاء الشرقية بجامع دمشق بعد ما أحرقها النصارى من أيامنا هذه بعد سنة أربعين وسبعمائة فأقاموها من أموال النصارى مقاصة على ما فعلوا من العدوان وفي هذا حكمة عظيمة وهو أن ينزل على هذه المبنية من أموالهم عيسى بن مريم نبي الله فيكذبهم فيما افتروه عليه من الكذب عليه وعلى الله ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية أي يتركها ولا يقبل من أحد منهم ولا من غيرهم إلا الاسلام يعني أو يقتله وقد أخبر بهذا عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقرره عليه وسوغه له صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم باحسان (6/256)
باب
البينة على ذكر معجزات لرسول الله صلى الله عليه و سلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله وأعلى منها خارجة عما اختص به من المعجزات العظيمة التي لم يكن لاحد قبله منهم عليهم السلام
فمن ذلك القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فأنه معجزة مستمرة على الآباد ولا يخفي برهانها ولا يتفحص مثلها وقد تحدى به الثقلين من الجن والأنس على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة من مثله فعجزوا عن ذلك كما تقدم تقرير ذلك في أول كتاب المعجزات وقد سبق الحديث المتفق على إخراجه في الصحيحين من حديث الليث بن سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة والمعنى أن كل نبي أوتي من خوارق المعجزات ما يقتضي إيمان من رأى ذلك من أولي البصائر والنهى لا من أهل العناد والشقاء وإنما كان الذي أوتيته أي جله وأعظمه وابهره القرآن الذي أوحاه الله إلي فأنه لا يبيد ولا يذهب كما ذهبت معجزات الأنبياء وانقضت بانقضاء أيامهم فلا تشاهد بل يخبر عنها بالتواتر والآحاد بخلاف القرآن العظيم الذي أوحاه الله إليه فانه معجزة متواترة عنه مستمرة دائمة البقاء بعده مسموعة لكل من ألقى السمع وهو شهيد وقد تقدم في الخصائص ذكر ما اختص به رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بقية إخوانه من الأنبياء عليهم السلام كما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأينما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الى قومه وبعثت الى الناس عامة وقد تكلمنا على ذلك وما شاكله فيما سلف بما أغنى عن إعادته ولله الحمد وقد ذكر غير واحد من العلماء أن كل معجزة [ لنبي ] من الأنبياء فهي معجزة لخاتمهم محمد صلى الله عليه و سلم وذلك أن كلا منهم بشر بمبعثه وأمر بمتابعته كما قال تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وقد ذكر البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه العهد والميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به وليتبعنه ولينصرنه وذكر غير واحد من العلماء أن كرامات الاولياء معجزات للأنبياء (6/257)
لان الولي إنما نال ذلك ببركة متابعته لنبيه وثواب إيمانه والمقصود أنه كان الباعث لي على عقد هذا الباب أني وقفت على مولد اختصره من سيرة الامام محمد بن إسحاق بن يسار وغيرهما شيخنا الإمام العلامة شيخ الاسلام كمال الدين أبو المعالي محمد بن علي الأنصاري السماكي نسبه إلى أبي دجانة الأنصاري سماك بن حرب بن حرشة الأوسي رضي الله عنه شيخ الشافعية في زمانه بلا مدافعة المعروف بابن الزملكاني عليه رحمة الله وقد ذكر في أواخره شيئا من فضائل رسول الله صلى الله عليه و سلم وعقد فصلا في هذا الباب فأورد فيه أشياء حسنة ونبه على فوائد جمة وفوائد مهمة وترك أشياء أخرى حسنة ذكرها غيره من الأئمة المتقدمين ولم أره استوعب الكلام إلى آخره فأما أنه قد سقط من خطه أو أنه لم يكمل تصنيفه فسألني بعض أهله من أصحابنا ممن تتأكد إجابته وتكرر ذلك منه في تكميله وتبويبه وترتيبه وتهذيبه والزيادة عليه والاضافة إليه فاستخرت الله حينا من الدهر ثم نشطت لذلك ابتغاء الثواب والأجر وقد كنت سمعت من شيخنا الأمام العلامة الحافظ أبي الحجاج المزي تغمده الله برحمته أن أول من تكلم في هذا المقام الأمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وقد روى الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله في كتابه دلائل النبوة عن شيخه الحاكم أبي عبد الله أخبرني أبو أحمد بن ابي الحسن أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي عن أبيه قال عمر بن سوار قال الشافعي مثل ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه و سلم فقلت أعطى عيسى إحياء الموتى فقال أعطى محمدا صلى الله عليه و سلم الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حين بني له المنبر حسن الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك هذا لفظه رضي الله عنه والمراد من إيراد ما نذكره في هذا الباب البينة على ما أعطى الله أنبياءه عليهم السلام من الآيات البينات والخوارق القاطعات والحجج الواضحات وأن الله جمع لعبده ورسوله سيد الأنبياء وخاتمهم من جميع أنواع المحاسن والآيات مع ما اختصه الله به مما لم يؤت أحدا قبله كما ذكرنا في خصائصه وشمائله صلى الله عليه و سلم ووقفت عل فصل مليح في هذا المعنى في كتاب دلائل النبوة للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني وهو كتاب حافل في ثلاث مجلدات عقد فيه فصلا في هذا المعنى وكذا ذكر ذلك الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتابه دلائل النبوة وهو كتاب كبير جليل حافل مشتمل على فرائد نفيسة وكذا الصرصري الشاعر يورد في بعض قصائده أشياء من ذلك كما سيأتي وها أنا أذكر بعون الله مجامع ما ذكرنا من هذه الاماكن المتفرقة بأوجز عبارة وأقصر إشارة وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم
القول فيما أوتي نوح عليه السلام
قال الله تعالى فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض (6/258)
عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر وقد ذكرت القصة مبسوطة في أول هذا الكتاب وكيف دعا على قومه فنجاه الله ومن اتبعه من المؤمنين فلم يهلك منهم أحد وأغرق من خالفه من الكافرين فلم يسلم منهم أحد حتى ولا ولده قال شيخنا العلامة أبو المعالي محمد بن علي الأنصاري الزملكاني ومن خطه نقلت وبيان أن كل معجزة لنبي فلنبينا أمثالها إذا تم يستدعي كلاما طويلا وتفصيلا لا يسعه مجلدات عديدة ولكن ننبه بالبعض على البعض فلنذكر جلائل معجزات الانبياء عليهم السلام فمنها نجاة نوح في السفينة بالمؤمنين ولا شك أن حمل الماء للناس من غير سفينة أعظم من السلوك عليه في السفينة وقد مشى كثير من الأولياء على متن الماء وفي قصة العلاء بن زياد صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يدل على ذلك روى منجاب قال غزونا مع العلاء بن الحضرمي دارين فدعا بثلاث دعوات فاستجيبت له فنزلنا منزلا فطلب الماء فلم يجده فقام وصلى ركعتين وقال اللهم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم اسقنا غيثا نتوضأ به ونشرب ولا يكون لأحد فيه نصيب غيرنا فسرنا قليلا فإذا نحن بماء حين أقلعت السماء عنه فتوضأنا منه وتزودنا وملأت إداوتي وتركتها مكانها حتى أنظر هل استجيب له أم لا فسرنا قليلا ثم قلت لأصحابي نسيت إداوتي فرجعت إلى ذلك المكان فكأنه لم يصبه ماء قط ثم سرنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم فقال يا علي يا حكيم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم فاجعل لنا إليهم سبيلا فدخلنا البحر فلم يبلغ الماء لبودنا ومشينا على متن الماء ولم يبتل لنا شيء وذكر بقية القصة فهذا أبلغ من ركوب السفينة فإن حمل الماء للسفينة معتاد وأبلغ من فلق البحر لموسى فإن هناك انحسر الماء حتى مشوا على الأرض فالمعجز انحسار الماء وها هنا صار الماء جسدا يمشون عليه كالأرض وإنما هذا منسوب إلى النبي صلى الله عليه و سلم وبركته انتهى ما ذكره بحروفه فيما يتعلق بنوح عليه السلام وهذه القصة التي ساقها شيخنا ذكرها الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الدلائل من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا عن أبي كريب عن محمد بن فضيل عن الصلت بن مطر العجلي عن عبد الملك ابن أخت سهم عن سهم بن منجاب قال غزونا مع العلاء بن الحضرمي فذكره وقد ذكرها البخاري في التاريخ الكبير من وجه آخر ورواها البيهقي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان مع العلاء وشاهد ذلك وساقها البيهقي من طريق عيسى بن يونس عن عبد الله عن عون عن أنس بن مالك قال أدركت في هذه الامة ثلاثا لو كانت في بني إسرائيل لما تقاسمها الامم قلنا ما هن يا أبا حمزة قال كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ فأضاف المرأة إلى النساء وأضاف ابنها إلينا فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض (6/259)
فغمضه النبي صلى الله عليه و سلم وأمر بجهازه فلما أردنا أن نغسله قال يا أنس ائت أمه فأعلمها فأعلمتها قال فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ثم قالت اللهم إني إسلمت لك طوعا وخلعت الأوثان فلا تحملني من هذه المصيبة مالا طاقة لي بحمله قال فوالله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه وعاش حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وحتى هلكت أمه قال أنس ثم جهز عمر بن الخطاب جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي قال أنس وكنت في غزاته فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء والحر شديد فجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة فلما مالت الشمس لغروبها صلى بنا ركعتين ثم مد يده إلى السماء وما نرى في السماء شيئا قال فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا قال ثم أتينا عدونا وقد جاوز خليجا في البحر إلى جزيرة فوقف على الخليج وقال يا علي يا عظيم يا حليم يا كريم ثم قال أجيزوا بسم الله قال فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا فلم نلبث إلا يسيرا فأصبنا العدو عليه فقتلنا وأسرنا وسبينا ثم أتينا الخليج فقال مثل مقالته فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا ثم ذكر موت العلاء ودفنهم إياه في أرض لا تقبل الموتى ثم إنهم حفروا عليه لينقلوه منها إلى غيرها فلم يجدوه ثم وإذا اللحد يتلألأ نورا فأعادوا التراب عليه ثم ارتحلوا فهذا السياق أتم وفيه قصة المرأة التي أحيى الله لها ولدها بدعائها وسننبه على ذلك فيما يتعلق بمعجزات المسيح عيسى بن مريم مع ما يشابهها إن شاء الله تعالى كما سنشير إلى قصة العلاء هذه مع ما سنورده معها ههنا فيما يتعلق بمعجزات موسى عليه السلام في قصة فلق البحر لبني إسرائيل وقد ارشد إلى ذلك شيخنا في عيون كلامه
قصة اخرى تشبه قصة العلاء بن الحضرمي
روى البيهقي في الدلائل وقد تقدم ذلك أيضا من طريق سليمان بن مروان الأعمش عن بعض أصحابه قال انتهينا إلى دجلة وهي مادة والأعاجم خلفها فقال رجل من المسلمين بسم الله ثم اقتحم بفرسه فارتفع على الماء فقال الناس بسم الله ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء فنظر إليهم الأعاجم وقالوا ديوان ديوان أي مجانين ثم ذهبوا على وجوههم قال فما فقد الناس إلا قدحا كان معلقا بعدبة سرج فلما خرجوا أصابوا الغنائم واقتسموا فجعل الرجل يقول من يبادل صفراء ببيضاء وقد ذكرنا في السيرة العمرية وأيامها وفي التفسير أيضا أن أول من اقتحم دجلة يومئذ أبو عبيدة النفيعي أمير الجيوش في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وانه نظر إلى دجلة فتلا قوله تعالى وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ثم سمى الله تعالى واقتحم بفرسه الماء واقتحم الجيش وراءه ولما نظر إليهم الأعاجم يفعلون ذلك جعلوا يقولون ديوان ديوان أي (6/260)
مجانين مجانين ثم ولوا مدبرين فقتلهم المسلمون وغنموا منهم مغانم كثيرة
قصة أخرى شبيهة بذلك
وروى البيهقي من طريق أبي النضر عن سليمان بن المغيرة أن أبا مسلم الخولاني جاء إلى دجلة وهي ترمي الخشب من مدها فمشى على الماء والتفت إلى أصحابه وقال هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعو الله تعالى ثم قال هذا إسناد صحيح قلت وقد ذكر الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في ترجمة أبي عبد الله بن أيوب الخولاني هذه القصة بأبسط من هذه من طريق بقية ابن الوليد حدثني محمد بن زياد عن أبي مسلم الخولاني أنه كان إذا غزا أرض الروم فمروا بنهر قال أجيزوا بسم الله قال ويمر بين أيديهم فيمرون على الماء فما يبلغ من الدواب إلا إلى الركب أو في بعض ذلك أو قريبا من ذلك قال وإذا جازوا قال للناس هل ذهب لكم شيء من ذهب له شيء فأنا ضامن قال فألقى مخلاة عمدا فلما جاوزوا قال الرجل مخلاتي وقعت في النهر قال له اتبعني فأذا المخلاة قد تعلقت ببعض أعواد النهر قال خذها وقد رواه أبو داود من طريق الأعرابي عنه عن عمرو بن عثمان عن بقية به ثم قال أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد أن أبا مسلم الخولاني أتى على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها فوقف عليها ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر مسير بني إسرائيل في البحر ثم لهز دابته فخاضت الماءوتبعه الناس حتى قطعوا ثم قال هل فقدتم شيئا من متاعكم فأدعو الله أن يرده علي وقد رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن عبد الكريم بن رشيد عن حميد بن هلال العدوي حدثني ابن عمي أخي أبي قال خرجت مع أبي مسلم في جيش فأتينا على نهر عجاج منكر فقلنا لأهل القرية أين المخاضة فقالوا ما كانت هاهنا مخاضة ولكن المخاضة أسفل منكم على ليلتين فقال أبو مسلم اللهم أجزت بني إسرائيل البحر وإنا عبيدك وفي سبيلك فأجزنا هذا النهر اليوم ثم قال اعبروا بسم الله قال ابن عمي وأنا على فرس فقلت لأدفعنه أول الناس خلف فرسه قال فوالله ما بلغ الماء بطون الخيل حتى عبر الناس كلهم ثم وقف وقال يا معشر المسلمين هل ذهب لأحد منكم شيء فأدعو الله تعالى يرده فهذه الكرامات لهؤلاء الأولياء هي معجزات لرسول الله صلى الله عليه و سلم كما تقدم تقريره لأنهم إنما نالوها ببركة متابعته ويمن سفارته إذ فيها حجة في الدين أكيدة للمسلمين وهي مشابهة نوح عليه السلام في مسيره فوق الماء بالسفينة التي أمره الله تعالى بعملها ومعجزة موسى عليه السلام في فلق البحر وهذه فيها ما هو أعجب من ذلك من جهة مسيرهم على متن الماء من غير حائل ومن جهة أنه ماء جار والسير عليه أعجب من السير على الماء القار الذي يجاز وإن كان ماء الطوفان أطم وأعظم فهذه خارق والخارق لا فرق بين قليله وكثيره فإن من سلك على وجه الماء الخضم الجاري (6/261)
العجاج فلم يبتل منه نعال خيولهم أو لم يصل إلى بطونها فلا فرق في الخارق بين أن يكون قامة أو ألف قامة أو أن يكون نهرا أو بحرا بل كونه نهرا عجاجا كالبرق الخاطفوالسيل الجاري أعظم واغرب وكذلك بالنسبة إلى فلق البحر وهو جانب بحر القلزم حتى صار كل فرق كالطود العظيم أي الجبل الكبير فانحاز الماء يمينا وشمالا حتى بدت أرض البحر وأرسل الله عليها الريح حتى أيبسها ومشت الخيول عليها بلا انزعاج حتى جاوزوا عن آخرهم وأقبل فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى وذلك أنهم لما توسطوه وهموا بالخروج منه أمر الله البحر فارتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم فلم يفلت منهم أحد كما لم يفقد من بني إسرائيل واحد ففي ذلك آية عظيمة بل آيات معدودات كما بسطنا ذلك في التفسير ولله الحمد والمنة والمقصود أن ما ذكرناه من قصة العلاء بن الحضرمي وأبي عبد الله الثقفي وأبي مسلم الخولاني من مسيرهم على تيار الماء الجاري فلم يفقد منهم أحد ولم يفقدوا شيئا من أمتعتهم هذا وهم أولياء منهم صحابي وتابعيان فما الظن لو [ كان ] الاحتياج إلى ذلك بحضرة رسول الله صلى الله عليه و سلم سيد الأنبياء وخاتمهم وأعلاهم منزلة ليلة الأسراء وإمامهم ليلتئذ ببيت المقدس الذي هو محل ولايتهم ودار بدايتهم وخطيبهم يوم القيامة وأعلاهم منزلة في الجنة وأول شافع في الحشر وفي الخروج من النار وفي دخوله الجنة وفي رفع الدرجات بها كما بسطنا أقسام الشفاعة وأنواعها في آخر الكتاب في أهوال يوم القيامة وبالله المستعان وسنذكر في المعجزات الموسوية ما ورد من المعجزات المحمدية مما هو أظهر وأبهر منها ونحن الآن فيما يتعلق بمعجزات نوح عليه السلام ولم يذكر شيخنا سوى ما تقدم وأما الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني فأنه قال في آخر كتابه دلائل النبوة وهو في مجلدات ثلاث الفصل الثالث والثلاثون في ذكر موازنة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي إذ أوتي ما أوتوا وشبهه ونظيره فكان أول الرسل نوح نوح عليه السلام وآيته التي أوتي شفاء غيظه وإجابة دعوته في تعجيل نقمة الله لمكذبيه حتى هلك من على بسيط الأرض من صامت وناطق إلا من آمن به ودخل معه في سفينته ولعمري إنها آية جليلة وافقت سابق قدر الله وما قد علمه في هلاكهم وكذلك نبينا صلى الله عليه و سلم لما كذبه قومه وبالغوا في أذيته والاستهانة بمنزلته من الله عز و جل حتى ألقى السفيه عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهره وهو ساجد فقال اللهم عليك بالملأ من قريش ثم ساق الحديث عن ابن مسعود كما تقدم كما ذكرنا له في صحيح البخاري وغيره في وضع الملأ من قريش على ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ساجد عند الكعبة سلا تلك الجزور واستضحاكهم من ذلك حتى أن بعضهم يميل على بعض من شدة الضحك ولم يزل على ظهره حتى جاءت ابنته فاطمة عليها السلام فطرحته عن ظهره ثم أقبلت عليهم تسبهم فلما سلم (6/262)
رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلاته رفع يديه فقال اللهم عليك بالملأ من قريش ثم سمى فقال اللهم عليك بأبي جهل وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد قال عبد الله بن مسعود فوالذي بعثه بالحق لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر وكذلك لما أقبلت قريش يوم بدر في عددها وعديدها فحين عاينهم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رافعا يديه اللهم هذه قريش جاءتك بفخرها وخيلئها تجادل وتكذب رسولك اللهم أصبهم الغداة فقتل من سراتهم سبعون واسر من أشرافهم سبعون ولو شاء لاستأصلهم عن آخرهم ولكن من حلم وشرف نبيه أبقى منهم من سبق في قدره أن سيؤمن به وبرسول الله صلى الله عليه و سلم وقد دعا على عتبة بن أبي لهب أن يسلط عليه كلبه بالشام فقتله الأسد عند وادي الزرقاء قبل مدينة بصرى وكم له من مثلها ونظيرها كسبع يوسف فقحطوا حتى أكلوا العكبر وهو الدم بالوتر وأكلوا العظام وكل شيء ثم توصلوا إلى تراحمه وشفقته ورأفته فدعا لهم ففرج الله عنهم وسقوا الغيث ببركة دعائه وقال الامام الفقيه أبو محمد بن عبد الله بن حامد في كتاب دلائل النبوة وهو كتاب حافل ذكر ما أوتي نوح عليه السلام من الفضائل وبيان ما أوتي محمد صلى الله عليه و سلم مما يضاهي ويزيد عليها إن قوم نوح لما بلغوا من أذيته والاستخفاف به وترك الايمان بما جاءهم به من عند الله دعا عليهم فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا فاستجاب الله دعوته وغرق قومه حتى لم يسلم شيء من الحيوانات والدواب إلا من ركب السفينة وكان ذلك فضيلة أوتيها إذ أحيبت دعوته وشفي صدره بأهلاك قومه قلنا وقد أوتي محمد صلى الله عليه و سلم مثله حين ناله من قريش ما ناله من التكذيب والاستخفاف فأنزل الله إليه ملك الجبال وأمره بطاعته فيما أمره به من إهلاك قومه فاختار الصبر على أذيتهم والابتهال في الدعاء لهم بالهداية قلت وهذا أحسن وقد تقدم الحديث بذلك عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في قصة ذهابه الى الطائف فدعاهم فآذوه فرجع وهو مهموم فلما كان عند قرن الثعالب ناداه ملك الجبال فقال يا محمد إن ربك قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد أرسلني إليك لأفعل ما تأمرني به فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين يعني جبلي مكة اللذين يكتنفانها جنوبا وشمالا أبو قبيس وزر فقال بل استأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك بالله شيئا وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في مقابلة قوله تعالى فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر أحاديث الاستسقاء عن أنس وغيره كما تقدم ذكرنا لذلك في دلائل النبوة قريبا أنه صلى الله عليه و سلم سأله ذلك الأعرابي أن يدعو الله لهم لما بهم من الجدب والجوع فرفع يديه فقال اللهم اسقنا (6/263)
اللهم اسقنا فما نزل عن المنبر حتى رؤي المطر يتحادر على لحيته الكريمة صلى الله عليه و سلم فاستحضر من استحضر من الصحابة رضي الله عنهم قول عمه أبي طالب فيه ... وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامي عصمة للأرامل ... يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل ...
وكذلك استسقى في غير ما موضع للجدب والعطش فيجاب كما يريد على قدر الحاجة المائية ولا أزيد ولا أنقص وهكذا وقع أبلغ في المعجزة وأيضا فأن هذا ماء رحمة ونعمة وماء الطوفان ماء غضب ونقمة وأيضا فأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يستسقي بالعباس عم النبي صلى الله عليه و سلم فيسقون وكذلك ما زال المسلمون في غالب الازمان والبلدان يستسقون فيجابون فيسقون وغيرهم لا يجابون غالبا ولا يسقون ولله الحمد قال أبو نعيم ولبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فبلغ جميع من آمن رجالا ونساء الذين ركبوا معه سفينته دون مائة نفس وآمن بنبينا في مدة عشرين سنة الناس شرقا وغربا ودانت له جبابرة الأرض وملوكها وخافت زوال ملكهم ككسرى وقيصر وأسلم النجاشي والأقيال رغبة في دين الله والتزم من لم يؤمن به من عظماء الارض الجزية والايادة عن صغار أهل نجران وهجر وأيلة وأنذر دومة فذلوا له منقادين لما أيده الله به من الرعب الذي يسير بين يديه شهرا وفتح الفتوح ودخل الناس في دين الله أفواجا كما قال الله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا قلت مات رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد فتح الله له المدينة وخيبر ومكة وأكثر اليمن وحضرموت وتوفي عن مائة ألف صحابي أو يزيدون وقد كتب في آخر حياته الكريمة إلى سائر ملوك الأرض يدعوهم إلى الله تعالى فمنهم من أجاب ومنهم من صانع ودارى عن نفسه ومنهم من تكبر فخاب وخسر كما فعل كسرى بن هرمز حين عتى وبغى وتكبر فمزق ملكه وتفرق جنده شذر مذر ثم فتح خلفاؤه من بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي التالي على الاثر مشارق الأرض ومغاربها من البحر الغربي إلى البحر الشرقي كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها وقال صلى الله عليه و سلم إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله وكذا وقع سواء بسواء فقد استولت الممالك الاسلامية على ملك قيصر وحواصله إلا القسطنطسينية وجميع ممالك كسرى وبلاد المشرق وإلى أقصى بلاد المغرب إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه في سنة ستة وثلاثين فكما عمت جميع أهل الأرض النقمة بدعوة نوح عليه السلام لما رآهم عليه من التمادى في الضلال والكفر والفجور فدعا عليهم غضبا لله ولدينه ورسالته فاستجاب الله له وغضب لغضبه وانتقم منهم بسببه كذلك عمت جميع (6/264)
أهل الارض ببركة رسالة محمد صلى الله عليه و سلم ودعوته فآمن من آمن من الناس وقامت الحجة على من كفر منهم كما قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وكما قال صلى الله عليه و سلم إنما أنا رحمة مهداة وقال هشام بن عمار في كتاب البعث حدثني عيسى بن عبد الله النعماني حدثنا المسعودي عن سعيد بن أبي سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين قال من آمن بالله ورسله تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن بالله ورسله عد فيمن يستحق تعجيل ما كان يصيب الأمم قبل ذلك من العذاب والفتن والقذف والخسف وقال تعالى ألم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال ابن عباس النعمة محمد والذين بدلوا نعمة الله كفرا كفار قريش يعني وكذلك كل من كذب به من سائر الناس كما قال ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده قال أبو نعيم فإن قيل فقد سمى الله نوحا عليه السلام باسم من اسمائه الحسنى فقال إنه كان عبدا شكورا قلنا وقد سمى الله محمدا صلى الله عليه و سلم باسمين من أسمائه فقال بالمؤمنين رءوف رحيم قال وقد خاطب الله الأنبياء بأسمائهم يا نوح يا إبراهيم يا موسى يا داود يا يحيى يا عيسى يا مريم وقال مخاطبا لمحمد صلى الله عليه و سلم يا أيها الرسول يا أيها النبي يا أيها المزمل يا أيها المدثر وذلك قائم مقام الكنية بصفة الشرف ولما نسب المشركون أنبياءهم إلى السفه والجنون كل أجاب عن نفسه قال نوح يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين وكذا قال هود عليه السلام ولما قال فرعون وإني لأظنك يا موسى مسحورا قال موسى لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا وأما محمد صلى الله عليه و سلم فإن الله تعالى هو الذي يتولى جوابهم عنه بنفسه الكريمة كما قال وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين قال الله تعالى ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين وقال تعالى أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين وقال تعالى وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون قال الله تعالى وما هو إلا ذكر للعالمين وقال تعالى ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم وقال تعالى ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين (6/265)
القول فيما أوتي هود عليه السلام
قال أبو نعيم ما معناه إن الله تعالى أهلك قومه بالريح العقيم وقد كانت ريح غضب ونصر الله تعالى محمدا صلى الله عليه و سلم بالصبا يوم الأحزاب كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ثم قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا محمد بن إسحق بن خزيمة ح وحدثنا عثمان بن محمد العثماني أنا زكريا بن يحي الساجي قالا حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن عتاب عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال لما كان يوم الأحزاب انطلقت الجنوب الى الشمال فقالت انطلقي بنا ننصر محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت الشمال للجنوب إن الحرة لا ترى بالليل فأرسل الله عليهم الصبا فذلك قوله فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ويشهد له الحديث المتقدم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور
القول فيما أوتي صالح عليه السلام
قال أبو نعيم فإن قيل فقد أخرج الله لصالح ناقة من الصخرة جعلها الله له آية وحجة على قومه وجعل لها شرب يوم ولهم شرب يوم معلوم قلنا وقد أعطى الله محمدا صلى الله عليه و سلم مثل ذلك بل أبلغ لأن ناقة صالح لم تكلمه ولم تشهد له بالنبوة والرسالة ومحمد صلى الله عليه و سلم شهد له البعير بالرسالة وشكى إليه ما يلقى من أهله من أنهم يجيعونه ويريدون ذبحه ثم ساق الحديث بذلك كما قدمنا في دلائل النبوة بطرقه والفاظه وغرره بما أغنى عن إعادته هاهنا وهو في الصحاح والحسان والمسانيد وقد ذكرنا مع ذلك حديث الغزالة وحديث الضب وشهادتهما له صلى الله عليه و سلم بالرسالة كما تقدم التنبيه على ذلك والكلام فيه وثبت الحديث في الصحيح بتسليم الحجر عليه قبل أن يبعث وكذلك سلام الأشجار والأحجار والمدر عليه قبل أن يبعث صلى الله عليه و سلم
القول فيما أوتي ابراهيم الخليل عليه السلام
قال شيخنا العلامة أبو المعالي بن الزملكاني رحمه الله وأما خمود النار لإبراهيم عليه الصلاة و السلام فقد خمدت لنبينا صلى الله عليه و سلم نار فارس لمولده صلى الله عليه و سلم وبينه وبين بعثته أربعون سنة وخمدت نار إبراهيم لمباشرته لها وخمدت نار فارس لنبينا صلى الله عليه و سلم وبينه وبينها مسافة أشهر كذا وهذا الذي اشار إليه من خمود نار فارس ليلة مولده الكريم قد ذكرناه بأسانيده وطرقه في أول السيرة عند ذكر المولد المطهر الكريم بما فيه كفاية ومقنع ثم قال شيخنا مع أنه قد ألقى بعض هذه الأمة في النار فلم تؤثر فيه ببركة نبينا صلى الله عليه و سلم منهم ابو مسلم الخولاني قال بينما الأسود بن قيس العنسي باليمن فأرسل إلى أبي مسلم الخولاني فقال اتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال أتشهد أني رسول (6/266)
الله قال ما أسمع فأعاد إليه قال ما أسمع فأمر بنار عظيمة فأججت فطرح فيها أبو مسلم فلم تضره فقيل له لئن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك فأمره بالرحيل فقدم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم واستخلف أبو بكر فقام إلى سارية من سواري المسجد يصلي فبصر به عمر فقال من اين الرجل قال من اليمن قال ما فعل الله بصاحبنا الذي حرق بالنار فلم تضره قال ذاك عبد الله بن ايوب قال نشدتك بالله أنت هو قال اللهم نعم قال فقبل ما بين عينيه ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر الصديق وقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى اراني في أمة محمد صلى الله عليه و سلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وهذا السياق الذي أورده شيخنا بهذه الصفة وقد رواه الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر رحمه الله في ترجمة أبي مسلم عبد الله بن أيوب في تاريخه من غير وجه عن عبد الوهاب بن محمد عن إسماعيل بن عياش الحطيمي حدثني شراحيل ابن مسلم الخولاني أن الأسود بن قيس بن ذي الحمار العنسي تنبأ باليمن فأرسل إلى أبي مسلم الخولاني فأتي به فلما جاء به قال أتشهد أني رسول الله قال ما أسمع قال أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال أتشهد أني رسول الله قال ما أسمع قال أتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم قال فردد عليه ذلك مرارا ثم أمر بنار عظيمة فأججت فألقي فيها فلم تضره فقيل للأسود انفه عنك وإلا أفسد عليك من اتبعك فأمره فارتحل فأتى المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم واستخلف أبو بكر فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد ثم دخل المسجد وقام يصلي إلى سارية فبصر به عمر بن الخطاب فأتاه فقال ممن الرجل فقال من أهل اليمن قال ما فعل الرجل الذي حرقة الكذاب بالنار قال ذاك عبد الله بن أيوب قال فأنشدك بالله أنت هو قال اللهم نعم قال فاعتنقه ثم ذهب به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر الصديق فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى اراني من أمة محمد صلى الله عليه و سلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن قال إسماعيل بن عياش فأنا أدركت رجالا من الامداد الذين يمدون إلينا من اليمن من خولان ربما تمازحوا فيقول الخولانيون للعنسيين صاحبكم الكذاب حرق صاحبنا بالنار ولم تضره وروى الحافظ ابن عساكر أيضا من غير وجه عن إبراهيم بن دحيم حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد أخبرني سعيد بن بشير عن ابي بشر جعفر بن أبي وحشية أن رجلا أسلم فاراده قومه على الكفر فألقوه في نار فلم يحترق منه إلا أنملة لم يكن فيما مضى يصيبها الوضوء فقدم على أبي بكر فقال استغفر لي قال أنت أحق قال أبو بكر أنت ألقيت في النار فلم تحترق فاستغفر له ثم خرج إلى الشام وكانوا يسمونه بإبراهيم عليه السلام وهذا الرجل هو أبو مسلم الخولاني وهذه الرواية بهذه الزيادة تحقق أنه إنما نال ذلك ببركة متابعته الشريعة المحمدية المطهرة المقدسة كما جاء في حديث الشفاعة وحرم الله على النار أن (6/267)
تأكل مواضع السجود وقد نزل أبو مسلم بداريا من غربي دمشق وكان لا يسبقه أحد إلى المسجد الجامع بدمشق وقت الصبح وكان يغازي ببلاد الروم وله أحوال وكرامات كثيرة جدا وقبره مشهور بداريا والظاهر أنه مقامه الذي كان يكون فيه فان الحافظ ابن عساكر رجح انه مات ببلاد الروم في خلافة معاوية وقيل في أيام ابنه يزيد بعد الستين والله أعلم وقد وقع لأحمد بن أبي الحواري من غير وجه أنه جاء إلى أستاذه أبي سليمان يعلمه بأن التنور قد سجروه وأهله يتنظرون ما يأمرهم به فوجده يكلم الناس وهم حوله فأخبره بذلك فاشتغل عنه بالناس ثم أعلمه فلم يلتفت إليه ثم أعلمه مع أولئك الذين حوله فقال اذهب فاجلس فيه فذهب أحمد بن أبي الحواري إلى التنور فجلس فيه وهو يتضرم نارا فكان عليه بردا وسلاما وما زال فيه حتى استيقظ أبو سليمان من كلامه فقال لمن حوله قوموا بنا إلى أحمد بن أبي الحواري فأني أظنه قد ذهب الى التنور فجلس فيه امتثالا لما أمرته فذهبوا فوجدوه جالسا فيه فأخذ بيده الشيخ أبو سليمان وأخرجه منه رحمة الله عليهما وBهما وقال شيخنا أبو المعالي وأما إلقاؤه يعني ابراهيم عليه السلام من المنجنيق فقد وقع في حديث البراء بن مالك في وقعة مسيلمة الكذاب وأن أصحاب مسيلمة انتهوا إلى حائط حفير فتحصنوا به وأغلقوا الباب فقال البراء بن مالك ضعوني على برش واحملوني على رؤوس الرماح ثم ألقوني من أعلاها داخل الباب ففعلوا ذلك وألقوه عليهم فوقع وقام وقاتل المشركين وقتل مسيلمة قلت وقد ذكر ذلك مستقصى في ايام الصديق حين بعث خالد بن الوليد لقتال مسيلمة وبني حنيفة وكانوا في قريب من مائة ألف أو يزيدون وكان المسلمون بضعة عشر ألفا فلما التقوا جعل كثير من الأعراب يفرون فقال المهاجرون والأنصار خلصنا يا خالد فميزهم عنهم وكان المهاجرون والأنصار قريبا من ألفين وخمسمائة فصمموا الحملة وجعلوا يتدابرون ويقولون يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم فهزموهم بأذن الله ولجأوهم الى حديقة هناك وتسمى حديقة الموت فتحصنوا بها فحصروهم فيها ففعل البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكان الاكبر ما ذكر من رفعه على الأسنة فوق الرماح حتى تمكن من أعلى سورها ثم ألقى نفسه عليهم ونهض سريعا إليهم ولم يزل يقاتلهم وحده ويقاتلونه حتى تمكن من فتح الحديقة ودخل المسلمون يكبرون وانتهوا إلى قصر مسيلمة وهو واقف خارجة عند جدار كأنه جمل أزرق أي من سمرته فابتدره وحشي بن حرب الأسود قاتل حمزة بحربته وأبو دجانة سماك بن حرشة الأنصاري وهو الذي ينسب اليه شيخنا هذا أبو المعالي بن الزملكاني فسبقه وحشي فأرسل الحربة عليه من بعد فأنفذها منه وجاء إليه أبو دجانة فعلاه بسيفه فقتله لكن صرخت جارية من فوق القصر واأميراه قتله العبد الاسود ويقال إن عمر ميسلمة يوم قتل مائة وأربعين سنة لعنه (6/268)
الله فمن طال عمره وساء عمله قبحه الله وهذا ما ذكره شيخنا فيما يتعلق بابراهيم الخليل عليه السلام وأما الحافظ أبو نعيم فأنه قال فأن قيل فأن ابراهيم اختص بالخلة مع النبوة قيل فقد اتخذ الله محمدا خليلا وحبيبا والحبيب ألطف من الخليل ثم ساق من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله وقد رواه مسلم من طريق شعبة والثوري عن أبي اسحاق ومن طريق عبد الله بن مرة وعبد الله بن أبي الهديل كلهم عن أبي الأحوص عوف بن مالك الجشيمي قال سمعت عبد الله بن مسعود يحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا هذا لفظ مسلم ورواه أيضا منفردا به عن جندب بن عبد الله البجلي كما سأذكره وأصل الحديث في الصحيحين عن أبي سعيد وفي إفراد البخاري عن ابن عباس وابن الزبير كما سقت ذلك في فضائل الصديق رضي الله عنه وقد أوردناه هنالك من رواية أنس والبراء وجابر وكعب بن مالك وأبي الحسين بن العلي وأبي هريرة وأبي واقد الليثي وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين ثم إنما رواه أبو نعيم من حديث عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن كعب بن مالك أنه قال عهدي نبيكم صلى الله عليه و سلم فسمعته يقول لم يكن نبي إلا له خليل من أمته وإن خليلي أبو بكر وإن الله اتخذ صاحبكم خليلا وهذا الاسناد ضعيف ومن حديث محمد بن عجلان عن أبيه عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لكل نبي خليل وخليلي أبو بكر بن أبي قحافة وخليل صاحبكم الرحمن وهو غريب من هذا الوجه ومن حديث عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن كثير بن مرة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ومنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين والعباس بيننا مؤمن بين خليلين غريب وفي إسناده نظر انتهى ما أورده أبو نعيم رحمه الله وقال مسلم بن الحجاج في صحيحه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن ابراهيم قالا حدثنا زكريا بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو حدثنا زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث حدثني جندب بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول إني أبرأ إلى الله عز و جل أن يكون لي بينكم خليلا فأن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ الله ابراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك وأما اتخاذه حسينا خليلا (6/269)
فلم يتعرض لأسناده أبو نعيم وقد قال هشام بن عمار في كتابه المبعث حدثنا يحيى بن حمزة الحضرمي وعثمان بن علان القرشي قالا حدثنا عروة بن رويم اللخمي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله أدرك بي الاجل المرقوم وأخذني لقربه واحتضرني احتضارا فنحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة وأنا قائل قولا غير فخر إبراهيم خليل الله وموسى صفي الله وأنا حبيب الله وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأن بيدي لواء الحمد وأجارني الله عليكم من ثلاث أن لا يهلككم بسنة وأن يستبيحكم عدوكم وأن لا تجمعوا على ضلالة وأما الفقيه أبو محمد بن عبد الله بن حامد فتكلم على مقام الخلة بكلام طويل إلى أن قال ويقال الخليل الذي يعبد ربه على الرغبة والرهبة من قوله إن إبراهيم لأواه حليم من كثرة ما يقول أواه والحبيب الذي يعبد ربه على الرؤية والمحبة ويقال الخليل الذي يكون معه انتظار العطاء والحبيب الذي يكون معه انتظار اللقاء ويقال الخليل الذي يصل بالواسطة من قوله وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين والحبيب الذي يصل إليه من غير واسطة من قوله فكان قاب قوسين أو أدنى وقال الخليل الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين وقال الله للحبيب محمد صلى الله عليه و سلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقال الخليل ولا تخزني يوم يبعثون وقال الله للنبي يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه وقال الخليل حين القي في النار حسبي الله ونعم الوكيل وقال الله لمحمد يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين وقال الخليل إني ذاهب إلى ربي سيهدين وقال الله لمحمد ووجدك ضالا فهدى وقال الخليل واجعل لي لسان صدق في الآخرين وقال الله لمحمد ورفعنا لك ذكرك وقال الخليل واجنبني وبني أن نعبد الأصنام وقال الله للحبيب إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وقال الخليل واجعلني من ورثة جنة النعيم وقال الله لمحمد إنا أعطيناك الكوثر وذكر أشياء أخر وسيأتي الحديث في صحيح مسلم عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إني سأقوم مقاما يوم القيامة يرغب الى الخلق كلهم حتى أبوهم إبراهيم الخليل فدل على أنه أفضل إذ هو يحتاج إليه في ذلك المقام ودل على أن إبراهيم أفضل الخلق بعده ولو كان أحد أفضل من إبراهيم بعده لذكره ثم قال أبو نعيم فإن قيل إن إبراهيم عليه السلام حجب عن نمروذ بحجب ثلاثة قيل فقد كان كذلك وحجب محمد صلى الله عليه و سلم عمن أرادوه بخمسة حجب قال الله تعالى في أمره وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون فهذه ثلاث ثم قال وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ثم قال فهي إلى الأذقان فهم مقمحون فهذه خمس حجب وقد ذكر مثله سواء الفقيه أبو محمد بن حامد وما أدري أيهما أخذ من الآخر والله أعلم وهذا (6/270)
الذي قاله غريب والحجب التي ذكرها لأبراهيم عليه السلام لا أدري ما هي كيف وقد القاه في النار التي نجاه الله منها وأما ما ذكره من الحجب التي استدل عليها بهذه الآيات فقد قيل إنها جميعها معنوية لا حسية بمعنى أنهم مصرفون عن الحق لا يصل إليهم ولا يخلص إلى قلوبهم كما قال تعالى وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب وقد حررنا ذلك في التفسير وقد ذكرنا في السيرة وفي التفسير أن أم جميل امرأة أبي لهب لما نزلت السورة في ذمها وذم زوجها ودخولهما النار وخسارهما جاءت بفهر وهو الحجر الكبير لترجم النبي صلى الله عليه و سلم فانتهت إلى أبي بكر وهو جالس عند النبي صلى الله عليه و سلم فلم تر رسول الله صلى الله عليه و سلم وقالت لأبي بكر أين صاحبك فقال وماله فقالت إنه هجاني فقال ما هجاك فقالت والله لئن رأيته لأضربنه بهذا الفهر ثم رجعت وهي تقول مذمما أتينا ودينه قلينا وكذلك حجب ومنع أبا جهل حين هم أن يطأ برجله رأس النبي صلى الله عليه و سلم وهو ساجد فرأى جدثا من نار وهولا عظيما وأجنحة الملائكة دونه فرجع القهقرى وهو يتقي بيديه فقالت له قريش مالك ويحك فأخبرهم بما رأى وقال النبي صلى الله عليه و سلم لو أقدم لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وكذلك لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الهجرة وقد أرصدوا على مدرجته وطريقه وأرسلوا إلى بيته رجالا يحرسونه لئلا يخرج ومتى عاينوه قتلوه فأمر عليا فنام على فراشه ثم خرج عليهم وهم جلوس فجعل يذر على رأس كل إنسان منهم ترابا ويقول شاهت الوجوه فلم يروه حتى صار هو وأبو بكر الصديق إلى غار ثور كما بسطنا ذلك في السيرة وكذلك ذكرنا أن العنكبوت سد على باب الغار ليعمي الله عليهم مكانه وفي الصحيح أن ابا بكر قال يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وقد قال بعض الشعراء في ذلك ... نسج داود ما حمى صاحب الغا ... ر وكان الفخار للعنكبوت ...
وكذلك حجب ومنع من سراقة بن مالك بن جشعم حين اتبعهم بسقوط قوائم فرسه في الارض حتى أخذ منه أمانا كما تقدم بسطه في الهجرة وذكر ابن حامد في كتابه في مقابلة إضجاع إبراهيم عليه السلام ولده للذبح مستسلما لأمر الله تعالى ببذل رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه للقتل يوم أحد وغيره حتى نال منه العدو ما نالوا من هشم رأسه وكسر ثنيته اليمنى السفلى كما تقدم بسط ذلك في السيرة ثم قال قالوا كان إبراهيم عليه السلام ألقاه قومه في النار فجعلها الله بردا وسلاما قلنا وقد أوتي رسول الله صلى الله عليه و سلم مثله وذلك أنه لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فصير ذلك السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله والسم عرق إذ لا يستقر في الجوف كما تحرق النار قلت وقد تقدم الحديث بذلك في فتح خيبر ويؤيد ما قاله أن بشر بن البراء بن معرور مات سريعا من تلك (6/271)
الشاة المسمومة وأخبر ذراعها رسول الله صلى الله عليه و سلم بما أودع فيه من السم وكان قد نهش منه نهشة وكان السم فيه أكثر لأنهم كانوا يفهمون أنه صلى الله عليه و سلم يحب الذراع فلم يضره السم الذي حصل في باطنه باذن الله عز و جل حتى انقضى أجله صلى الله عليه و سلم فذكر أنه وجد حينئذ من ألم ذلك السم الذي كان في تلك الأكلة صلى الله عليه و سلم وقد ذكرنا في ترجمة خالد بن الوليد المخزومي فاتح بلاد الشام أنه أتى بسم فحثاه بحضرة الأعداء ليرهبهم بذلك فلم ير بأسا رضي الله عنه ثم قال أبو نعيم فإن قيل فأن إبراهيم خصم نمروذ ببرهان نبوته فبهته قال الله تعالى فبهت الذي كفر قيل محمد صلى الله عليه و سلم أتاه الكذاب بالبعث أبي بن خلف بعظم بال ففكره وقال من يحي العظام وهي رميم فأنزل الله تعالى البرهان الساطع قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم فانصرف مبهوتا ببرهان نبوته قلت وهذا أقطع للحجة وهو استدلاله للمعاد بالبداءة فالذي خلق الخلق بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا قادر على إعادتهم كما قال أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم أى يعيدهم كما بدأهم كما قال في الآية الأخرى على أن يحيي الموتى وقال وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه هذا وأمر المعاد نظري لا فطري ضروري في قول الأكثرين فأما الذي حاج إبراهيم في ربه فأنه معاند مكابر فإن وجود الصانع مذكور في الفطر وكل واحد مفطور على ذلك إلا من تغيرت فطرته فيصير نظريا عنده وبعض المتكلمين يجعل وجود الصانع من باب النظر لا الضروريات وعلى كل تقدير فدعواه أنه هو الذي يحيى الموتى لا يقبله عقل ولا سمع وكل واحد يكذبه بعقله في ذلك ولهذا ألزمه إبراهيم بالاتيان بالشمس من المغرب إن كان كما ادعى فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين وكان ينبغي أن يذكر مع هذا أن الله تعالى سلط محمدا على هذا المعاند لما بارز النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد فقتله بيده الكريمة طعنه بحربة فأصاب ترقوته فتردى عن فرسه مرارا فقالوا له ويحك مالك فقال والله إن بي لما لو كان بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين ألم يقل بل أنا أقتله والله لو بصق علي لقتلني وكان هذا لعنه الله قد أعد فرسا وحربة ليقتل بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بل أنا أقتله إن شاء الله فكان كذلك يوم أحد ثم قال أبو نعيم فإن قيل فإن إبراهيم عليه السلام كسر أصنام قومه غضبا لله قيل فإن محمدا صلى الله عليه و سلم كسر ثلثمائة وستين صنما قد ألزمها الشيطان بالرصاص والنحاس فكان كلما دنا منها بمخصرته تهوي من غير أن يمسها ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فتساقط لوجوهها ثم أمر بهن فأخرجن إلى الميل وهذا أظهر وأجلى من الذي قبله وقد ذكرنا هذا في أول دخول النبي صلى الله عليه و سلم مكة عام الفتح بأسانيده وطرقه من الصحاح وغيرها بما فيه كفاية وقد ذكر غير واحد من علماء السير أن الأصنام (6/272)
تساقطت أيضا لمولده الكريم وهذا أبلغ وأقوى في المعجز من مباشرة كسرها وقد تقدم أن نار فارس التي كانوا يعبدونها خمدت أيضا ليلتئذ ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وأنه سقط من شرفات قصر كسرى أربع عشر شرفة مؤذنة بزوال دولتهم بعد هلاك أربعة عشر من ملوكهم في أقصر مدة وكان لهم في الملك قريب من ثلاثة آلاف سنة وأما إحياء الطيور الأربعة لأبراهيم عليه السلام فلم يذكره أبو نعيم ولا ابن حامد وسيأتي في إحياء الموتى على يد عيسى عليه السلام ما وقع من المعجزات المحمدية من هذا النمط ما هو مثل ذلك كما سيأتي التنبيه عليه اذا انتهينا إليه من إحياء أموات بدعوات أمته وحنين الجذع وتسليم الحجر والشجر والمدر عليه وتكليم الذراع له وغير ذلك وأما قوله تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين والآيات بعدها فقد قال الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير وقد ذكر ذلك ابن حامد فيما وقفت عليه بعد وقد ذكرنا في احاديث الأسراء من كتابنا هذا ومن التفسير ما شاهده رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة أسري به من الآيات فيما بين مكة إلى بيت المقدس وفيما بين ذلك إلى سماء الدنيا ثم عاين من الآيات في السموات السبع وما فوق ذلك وسدرة المنتهى وجنة المأوى والنار التي هي بئس المصير والمثوى وقال عليه أفضل الصلاة والسلام في حديث المنام وقد رواه أحمد والترمذي وصححه وغيرهما فتجلى لي كل شيء وعرفت وذكر ابن حامد في مقابلة ابتلاء الله يعقوب عليه السلام بفقده ولده يوسف عليه السلام وصبره واستعانته ربه عز و جل موت إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم وصبره عليه وقوله تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون قلت وقد مات بناته الثلاثة رقية وأم كلثوم وزينب وقتل عمه الحمزة أسد الله وأسد رسوله يوم أحد فصبر واحتسب وذكر في مقابلة حسن يوسف عليه السلام ما ذكر من جمال رسول الله صلى الله عليه و سلم ومهابته وحلاوته شكلا ونفعا وهديا ودلا ويمنا كما تقدم في شمائله من الأحاديث الدالة على ذلك كما قالت الربيع بنت مسعود لو رأيته لرأيت الشمس طالعة وذكر في مقابلة ما ابتلي به يوسف عليه السلام من الفرقة والغربة هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة إلى المدينة ومفارقته وطنه وأهله وأصحابه الذين كانوا بها
القول فيما أوتي موسى عليه السلام من الآيات
وأعظمهن تسع آيات كما قال تعالى ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات وقد شرحناها في التفسير وحكينا قول السلف فيها واختلافهم فيها وأن الجمهور على أنها هي العصا في انقلابها حية تسعى واليد إذا أدخل يده في جيب درعه أخرجها تضيء كقطعة قمر يتلألأ إضاءة ودعاؤه على (6/273)
قوم فرعون حين كذبوه فأرسل عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات كما بسطنا ذلك في التفسير وكذلك أخدهم الله بالسنين وهي نقص الحبوب وبالجدب وهو نقص الثمار وبالموت الذريع وهو نقص الأنفس وهو الطوفان في قول ومنها فلق ابحر لأنجاء بني إسرائيل وإغراق آل فرعون ومنها تضليل بني إسرائيل في التيه وإنزال المن والسلوى عليهم واستسقاؤه لهم فجعل الله ماءهم يخرج من حجر يحمل معهم على دابة له أربعة وجوه إذا ضربه موسى بعصاه يخرج من كل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين ثم يضربه فينقلع إلى غير ذلك من الآيات الباهرات كما بسطنا ذلك في التفسير وفي قصة موسى عليه السلام من كتابنا هذا في قصص الأنبياء منه ولله الحمد والمنة وقيل كل من عبد العجل أماتهم ثم أحياهم الله تعالى وقصة البقرة أما العصا فقال شيخنا العلامة ابن الزملكاني وأما حياة عصا موسى فقد سبح الحصا في كف رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو جماد والحديث في ذلك صحيح وهذا الحديث مشهور عن الزهري عن رجل عن أبي ذر وقد قدمنا ذلك مبسوطا في دلائل النبوة بما أغنى عن إعادته وقيل إنهن سبحن في كف أبي بكر ثم عمر ثم عثمان كما سبحن في كف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هذه خلافة النبوة وقد روى الحافظ بسنده إلى بكر بن حبيش عن رجل سماه قال كان بيد ابي مسلم الخولاني سبحة يسبح بها قال فنام والسبحة في يده قال فاستدارت السبحة فالتفت على ذراعه وهي تقول سبحانك يا منبت النبات ويا دائم الثبات فقال هلم يا أم مسلم وانظري إلى أعجب الأعاجيب قال فجاءت أم مسلم والسبحة تدور وتسبح فلما جلست سكتت وأصح من هذا كله وأصرح حديث البخاري عن ابن مسعود قال كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل قال شيخنا وكذلك قد سلمت عليه الأحجار قلت وهذا قد رواه مسلم عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأعرف حجرا كان يسلم علي بمكة قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن قال بعضهم هو الحجر الأسود وقال الترمذي حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي حدثنا الوليد بن أبي ثور عن السدي عن عباد بن يزيد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم بمكة في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله ثم قال غريب ورواه أبو نعيم في الدلائل من حديث السدي عن أبي عمارة الحيواني عن علي قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل لا يمر بحجر ولا شجر ولا مدر ولا شيء إلا قال السلام عليك يا رسول الله قال وأقبلت الشجرة عليه بدعائه وذكر اجتماع تينك الشجرتين لقضاء حاجته من ورائهما ثم رجوعهما إلى منابتهما وكلا الحديثين في الصحيح ولكن لا يلزم من ذلك حلول حياة فيهما إذ يكونان ساقهما سائق ولكن في قوله انقادا علي بأذن الله ما يدل على حصول شعور منهما لمخاطبته ولا (6/274)
سيما مع امتثالهما ما أمرهما به قال وأمر عذقا من نخلة أن ينزل فنزل يبقر في الأرض حتى وقف بين يديه فقال أتشهد أني رسول الله فشهد بذلك ثلاثا ثم عاد إلى مكانه وهذا أليق وأظهر في المطابقة من الذي قبله ولكن هذا السياق فيه غرابة والذي رواه الامام أحمد وصححه الترمذي ورواه البيهقي والبخاري في التاريخ من رواية أبي ظبيان وحصين بن المنذر عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بم أعرف أنك رسول الله قال أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله قال نعم قال فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض فجعل ينقر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال له ارجع فرجع الى مكانه فقال أشهد أنك رسول الله وآمن به هذا لفظ البيهقي وهو ظاهر في أن الذي شهد بالرسالة هو الأعرابي وكان رجلا من بني عامر ولكن في رواية البيهقي من طريق الاعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما هذا الذي يقول أصحابك قال وحول رسول الله صلى الله عليه و سلم أعذاق وشجر فقال هل لك أن أريك آية قال نعم فدعا غصنا منها فأقبل يخد الأرض حتى وقف بين يديه وجعل يسجد ويرفع رأسه ثم امره فرجع قال فرجع العامري وهو يقول قال عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء يقوله ابدا وتقدم فيما رواه الحاكم في مستدركه متفردا به عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا رجلا إلى الإسلام فقال هل من شاهد على ما تقول قال هذه الشجرة فدعاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي على شاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض خدا فقامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت أنه كما قال ثم إنها رجعت إلى منبتها ورجع الاعرابي إلى قومه وقال إن يتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك قال وأما حنين الجذع الذي كان يخطب اليه النبي صلى الله عليه و سلم فعمل له المنبر فلما رقي عليه وخطب حن الجذع اليه حنين العشار والناس يسمعون بمشهد الخلق يوم الجمعة ولم يزل يئن ويحن حتى نزل إليه النبي صلى الله عليه و سلم فاعتنقه وسكنه وخيره بين أن يرجع غصنا طريا أو يغرس في الجنة يأكل منه أولياء الله فاختار الغرس في الجنة وسكن عند ذلك فهو حديث مشهور معروف قد رواه من الصحابة عدد كثير متواتر وكان بحضور الخلائق وهذا الذي ذكره من تواتر حنين الجذع كما قال فإنه قد روى هذا الحديث جماعة من الصحابة وعنهم أعداد من التابعين ثم من بعدهم آخرون عنهم لا يمكن تواطؤهم على الكذب فهو مقطوع به في الجملة وأما تخيير الجذع كما ذكره شيخنا فليس بمتواتر بل ولا يصح إسناده وقد أوردته في الدلائل عن أبي بن كعب وذكر في مسند أحمد وسنن ابن ماجه وعن أنس من خمس طرق اليه صحح الترمذي إحداها وروى ابن ماجه أخرى وأحمد ثالثة والبزار رابعة وأبو نعيم خامسة وعن جابر بن عبد الله في صحيح البخاري من طريقين عنه والبزار من ثالثة ورابعة وأحمد (6/275)
من خامسة وسادسة وهذه على شرط مسلم وعن سهل بن سعد في مصنف ابن أبي شيبة على شرط الصحيحين وعن ابن عباس في مسند أحمد وسنن ابن ماجه بأسناد على شرط مسلم وعن ابن عمر في صحيح البخاري ورواه أحمد من وجه آخر عن ابن عمر وعن أبي سعيد في مسند عبد بن حميد بإسناد على شرط مسلم وقد رواه يعلى الموصلي من وجه آخر عنه وعن عائشة رواه الحافظ أبو نعيم من طريق علي بن أحمد الخوارزمي عن قبيصة بن حبان بن علي عن صالح بن حبان عن عبد الله ابن بريدة عن عائشة فذكر الحديث بطوله وفيه أنه خيره بين الدنيا والآخرة فاختار الجذع الآخرة وغار حتى ذهب فلم يعرف وهذا غريب إسنادا ومتنا وعن أم سلمة رواه أبو نعيم بأسناد جيد وقدمت الأحاديث ببسط أسانيدها وتحرير ألفاظها وغررها بما فيه كفاية عن أعادتها هاهنا ومن تدبرها حصل له القطع بذلك ولله الحمد والمنة قال القاضي عياض بن موسى السبتي المالكي في كتابه الشفا وهو حديث مشهور متواتر خرجه أهل الصحيح ورواه من الصحابة بضعة عشر منهم أبي وأنس بريدة وسهل بن سعد وابن عباس وابن عمر والمطلب بن أبي وداعة وأبو سعيد وأم سلمة رضي الله عنهم أجمعين قال شيخنا فهذه جمادات ونباتات وقد حنت وتكلمت وفي ذلك ما يقابل انقلاب العصا حية قلت وسنشير إلى هذا عند ذكر معجزات عيسى عليه السلام في إحيائه الموتى بأذن الله تعالى في ذلك كما رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي أحمد بن أبي الحسن عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه عن عمرو بن سوار قال قال لي الشافعي ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه و سلم فقلت أعطى عيسى إحياء الموتى فقال أعطى محمد الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيء له المنبر فلما هيء له حن الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك وهذا إسناد صحيح إلى الشافعي رحمه الله وهو مما كنت أسمع شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله يذكره عن الشافعي رحمه الله وأكرم مثواه وإنما قال فهذا أكبر من ذلك لأن الجذع ليس محلا للحياة ومع هذا حصل له شعور ووجد لما تحول عنه الى المنبر فأن وحن حنين العشار حتى نزل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فاحتضنه وسكنه حتى سكن قال الحسن البصري فهذا الجذع حن إليه فأنهم أحق أن يحنوا إليه وأما عود الحياة إلى جسد كانت فيه بأذن الله فعظيم وهذا أعجب وأعظم من إيجاد حياة وشعور في محل ليس مألوفا لذلك لم تكن فيه قبل بالكلية فسبحان الله رب العالمين ( تنبيه ) وقد كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم لواء يحمل معه في الحرب يخفق في قلوب أعدائه مسيرة شهر بين يديه وكانت له عنزة تحمل بين يديه فإذا أراد الصلاة إلى غير جدار ولا حائل ركزت بين يديه وكان له قضيب يتوكأ عليه إذا مشى وهو الذي عبر عنه سطيح في قوله لابن أخيه عبد المسيح بن نفيلة يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة (6/276)
وغاضت بحيرة ساوه فليست الشام لسطيح شاما ولهذا كان ذكر هذه الأشياء عند إحياء عصا موسى وجعلها حية أليق إذ هي مساوية لذلك وهذه متعددة في محال متفرقة بخلاف عصا موسى فإنها وإن تعدد جعلها حية فهي ذات واحدة والله أعلم ثم ننبه على ذلك عند ذكر إحياء الموتى على يد عيسى لأن هذه أعجب وأكبر وأظهر وأعلم قال شيخنا وأما أن الله كلم موسى تكليما فقد تقدم حصول الكلام للنبي صلى الله عليه و سلم ليلة الأسراء مع الرؤية وهو أبلغ هذا أورده فيما يتعلق بمعجزات موسى عليه السلام ليلة الأسراء فيشهد له فنوديت يا محمد قد كلفت فريضتين وخففت عن عبادي وسياق بقية القصة يرشد إلى ذلك وقد حكى بعض العلماء الاجماع على ذلك لكن رأيت في كلام القاضي عياض نقل خلاف فيه والله أعلم وأما الرؤية ففيها خلاف مشهور بين الخلف والسلف ونصرها من الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة المشهور بأمام الأئمة واختار ذلك القاضي عياض والشيخ محيي الدين النووي وجاء عن ابن عباس تصديق الرؤية وجاء عنه تفنيدها وكلاهما في صحيح مسلم وفي الصحيحين عن عائشة إنكار ذلك وقد ذكرنا في الاسراء عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي ذر وعائشة رضي الله عنهم أن المرئي في المرتين المذكورتين في أول سورة النجم إنما هو جبريل عليه السلام وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله هل رأيت ربك فقال نورا لي أراه وفي رواية رأيت نورا وقد تقدم بسط ذلك في الأسراء في السيرة وفي التفسير في أول سورة بني إسرائيل وهذا الذي ذكره شيخنا فيما يتعلق بالمعجزات الموسوية عليه أفضل الصلاة والسلام وأيضا فإن الله تعالى كلم موسى وهو بطور سينا وسأل الرؤية فمنعها وكلم محمدا صلى الله عليه و سلم ليلة الأسراء وهو بالملأ الأعلى حين رفع لمستوى سمع فيه صريف الأقلام وحصلت له الرؤية في قول طائفة كبيرة من علماء السلف والخلف والله أعلم ثم رأيت ابن حامد قد طرق هذا في كتابه وأجاد وافاد وقال ابن حامد قال الله تعالى لموسى وألقيت عليك محبة مني وقال لمحمد قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم وأما اليد التي جعلها الله برهانا وحجة لموسى على فرعون وقومه كما قال تعالى بعدد ذكر صيرورة العصا حية أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه وقال في سورة طه آية اخرى لنريك من آياتنا الكبرى فقد أعطى الله محمدا انشقاق القمر باشارته إليه فرقتين فرقة من وراء جبل حراء وأخرى امامه كما تقدم بيان ذلك بالأحاديث المتواترة مع قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ولا شك أن هذا أجل وأعظم وأبهر في المعجزات وأعم وأظهر وأبلغ من ذلك وقد قال كعب بن مالك في حديثه الطويل في قصة توبته وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سر استنار وجهه كأنه فلقة قمر وذلك في صحيح البخاري وقال (6/277)
ابن حامد قالوا فان موسى أعطى اليد البيضاء قلنا لهم فقد أعطي محمد صلى الله عليه و سلم ما هو أفضل من ذلك نورا كان يضيء عن يمينه حيث ما جلس وعن يساره حيث ما جلس وقام يراه الناس كلهم وقد بقي ذلك النور إلى قيام الساعة ألا ترى أنه يرى النور الساطع من قبره صلى الله عليه و سلم من مسيرة يوم وليلة هذا لفظه وهذا الذي ذكره من هذا النور غريب جدا وقد ذكرنا في السيرة عند إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي أنه طلب من النبي صلى الله عليه و سلم آية تكون له عونا على إسلام قومه من بيته هناك فسطع نور بين عينيه كالمصباح فقال اللهم في غير هذا الموضع فانهم يظنونه مثلة فتحول النور إلى طرف سوطه فجعلوا ينظرون اليه كالمصباح فهداهم الله على يديه ببركة رسول الله صلى الله عليه و سلم وبدعائه لهم في قوله اللهم اهد دوسا وآت بهم وكان يقال للطفيل ذو النور لذلك وذكر أيضا حديث أسيد بن حضير وعباد بن بشر في خروجهما من عند النبي صلى الله عليه و سلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما طرف عصا أحدهما فلما افترقا أضاء لكل واحد منهما طرف عصاه وذلك في صحيح البخاري وغيره وقال أبو زرعة الرازي في كتاب دلائل النبوة حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت بن أنس بن مالك أن عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند النبي صلى الله عليه و سلم في ليلة ظلماء حندس فأضاءت عصا أحدهما مثل السراج وجعلا يمشيان بضوئها فلما تفرقا إلى منزلهما أضاءت عصا ذا وعصا ذا ثم روي عن إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام وعن يعقوب بن حميد المدني كلاهما عن سفيان بن حمزة بن يزيد الاسلمي عن كثير بن زيد عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه قال سرنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في ليلة ظلماء دحمسة فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وإن أصابعي لتستنير وروى هاشم بن عمار في البعث حدثنا عبد الأعلى بن محمد البكري حدثنا جعفر بن سليمان البصري حدثنا أبو التياح الضبعي قال كان مطرف بن عبد الله يبدر فيدخل كل جمعة فربما نور له في سوطه فأدلج ذات ليلة وهو على فرسه حتى إذا كان عند المقابر هدم به قال فرأيت صاحب كل قبر جالسا على قبره فقال هذا مطرف يأتي الجمعة فقلت لهم وتعلمون عندكم يوم الجمعة قالوا نعم ونعلم ما يقول فيه الطير قلت وما يقول فيه الطير قالوا يقول رب سلم سلم قوم صالح وأما دعاؤه عليه السلام بالطوفان وهو الموت الذريع في قول وما بعده من الآيات والقحط والجدب فإنما كان ذلك لعلهم يرجعون إلى متابعته ويقلعون عن مخالفته فما زادهم الا طغيانا كبيرا قال الله تعالى وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ولما وقع عليهم الرجز قالوا (6/278)
يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين وقد دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم على قريش حين تمادوا على مخالفته بسبع كسبع يوسف فقحطوا حتى أكلوا كل شيء وكان أحدهم يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجوع وقد فسر ابن مسعود قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخن مبين بذلك كما رواه البخاري عنه في غير ما موضع من صحيحه ثم توسلوا إليه صلوات الله وسلامه عليه بقرابتهم منه مع أنه بعث بالرحمة والرأفة فدعا لهم فأقلع عنهم ورفع عنهم العذاب وأحيوا بعد ما كانوا أشرفوا على الهلكة وأما فلق البحر لموسى عليه السلام حين أمره الله تعالى حين تراءى الجمعان أن يضرب البحر بعصاه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فإنه معجزة عظيمة باهرة وحجة قاطعة قاهرة وقد بسطنا ذلك في التفسير وفي قصص الانبياء من كتابنا هذا وفي إشارته صلى الله عليه و سلم بيده الكريمة الى قمر السماء فانشق القمر فلقتين وفق ما سأله قريش وهم معه جلوس في ليلة البدر أعظم آية وأيمن دلالة وأوضح حجة وأبهر برهان على نبوته وجاهه عند الله تعالى ولم ينقل معجزة عن نبي من الأنبياء من الآيات الحسيات أعظم من هذا كما قررنا ذلك بأدلته من الكتاب والسنة في التفسير في أول البعثة وهذا أعظم من حبس الشمس قليلا ليوشع بن نون حتى تمكن من الفتح ليلة السبت كما سيأتي في تقرير ذلك مع ما يناسي ذكره عنده وقد تقدم من سيرة العلاء بن الحضرمي وأبي عبيد الثقفي وأبي مسلم الخولاني وسير الجيوش التى كانت معهم على تيار الماء ومنها دجلة وهي جارية عجاجة تقذف الخشب من شدة جريها وتقدم تقرير أن هذا أعجب من فلق البحر لموسى من عدة وجوه والله أعلم وقال ابن حامد فإن قالوا فان موسى عليه السلام ضرب بعصاه البحر فانفلق فكان ذلك آية لموسى عليه السلام قلنا فقد أوتي رسول اللهA مثلها قال علي رضي الله عنه لما خرجنا إلى خيبر فاذا نحن بواد سحب وقدرناه فاذا هو أربع عشرة قامة فقالوا يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي من أمامنا كما قال أصحاب موسى إنا لمدركون فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فعبرت الخيل لا تبدي حوافرها والابل لا تبدي أخفافها فكان ذلك فتحا وهذا الذي ذكره بلا إسناد ولا أعرفه في شيء من الكتب المعتمدة باسناد صحيح ولا حسن بل ولا ضعيف فالله أعلم وأما تظليله بالغمام في التيه فقد تقدم ذكر حديث الغمامة التي رآها بحيرا تظله من بين أصحابه وهو ابن اثنتي عشرة سنة صحبة عمه أبي طالب وهو قادم إلى الشام في تجارة وهذا أبهر من جهة أنه كان وهو قبل أن يوحى إليه وكانت الغمامة تظله وحده من بين أصحابه فهذا أشد في الاعتناء وأظهر من غمام بني إسرائيل وغيرهم وأيضا فان المقصود من تظليل الغمام إنما كان لاحتياجهم إليه من شدة الحر وقد ذكرنا في الدلائل (6/279)
حين سئل النبي صلى الله عليه و سلم أن يدعو لهم ليسقوا لما هم عليه من الجوع والجهد والقحط فرفع يديه وقال اللهم اسقنا اللهم اسقنا قال أنس ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار فأنشأن من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال أنس فلا والله ما رأينا الشمس سبتنا ولما سألوه أن يستصحي لهم رفع يده وقال اللهم حوالينا ولا علينا فما جعل يشير بيديه إلى ناحية إلا انحاز السحاب اليها حتى صارت المدينة مثل الاكليل يمطر ما حولها ولا تمطر فهذا تظليل عام محتاج اليه آكد من الحاجة الى ذلك وهو أنفع منه والتصرف فيه وهو يشير أبلغ في المعجز وأظهر في الإعتناء والله أعلم وأما إنزال المن والسلوى عليهم فقد كثر رسول الله صلى الله عليه و سلم الطعام والشراب في غير ما موطن كما تقدم بيانه في دلائل النبوة من إطعام الجم الغفير من الشيء اليسير كما أطعم يوم الخندق من شويهة جابر بن عبد الله وصاعه الشعير أزيد من ألف نفس جائعة صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين وأطعم من حفنة قوما من الناس وكانت تمد من السماء إلى غير ذلك من هذا القبيل مما يطول ذكره وقد ذكر أبو نعيم وابن حامد أيضا هاهنا أن المراد بالمن والسلوى إنما هو رزق رزقوه من غير كد منهم ولا تعب ثم أورد في مقابلته حديث تحليل المغنم ولا يحل لأحد قبلنا وحديث جابر في سيره إلى عبيدة وجوعهم حتى أكلوا الخبط فحسر البحر لهم عن دابة تسمى العنبر فأكلوا منها ثلاثين من يوم وليلة حتى سمنوا وتكسرت عكن بطونهم والحديث في الصحيح كما تقدم وسيأتي عند ذكر المائدة في معجزات المسيح بن مريم
قصة أبي موسى الخولاني
أنه خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الحج وامرهم أن لا يحملوا زادا ولا مزادا فكانوا إذا نزلوا منزلا صلى ركعتين فيؤتون بطعام وشراب وعلف يكفيهم ويكفي دوابهم غداء وعشاء مدة ذهابهم وإيابهم وأما قوله تعالى وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم الآية فقد ذكرنا بسط ذلك في قصة موسى عليه السلام وفي التفسير وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في وضع النبي صلى الله عليه و سلم يده في ذلك الإناء الصغير الذي لم يسع بسطها فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابعه أمثال العيون وكذلك كثر الماء في غير ما موطن كمزادتي تلك المرأة يوم الحديبية وغير ذلك وقد استسقى الله لأصحابه في المدينة وغيرها فأجيب طبق السؤال وفق الحاجة لا أزيد ولا أنقص وهذا أبلغ في المعجز ونبع الماء من بين أصابعه من نفس يده على قول طائفة من العلماء أعظم من نبع الماء من الحجر فانه محل لذلك قال أبو نعيم الحافظ فإن قيل إن موسى كان يضرب بعصاه الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا في التيه قد علم كل أناس (6/280)
مشربهم قيل كان لمحمد صلى الله عليه و سلم مثله أو أعجب فان نبع الماء من الحجر مشهور في العلوم والمعارف وأعجب من ذلك نبع الماء من بين اللحم والدم والعظم فكان يفرج بين أصابعه في محصب فينبع من بين أصابعه الماء فيشربون ويسقون ماء جاريا عذبا يروي العدد الكثير من الناس والخيل والإبل ثم روى من طريق المطلب بن عبد الله بن أبي حنطب حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري حدثني أبي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها فبات الناس في مخمصة فدعا بركوة فوضعت بين يديه ثم دعا بماء فصبه فيها ثم مج فيها وتكلم ما شاء الله أن يتكلم ثم أدخل أصبعه فيها فأقسم بالله لقد رأيت اصابع رسول الله صلى الله عليه و سلم تتفجر منها ينابيع الماء ثم أمر الناس فسقوا وشربوا وملأوا قربهم وأداواتهم وأما قصة إحياء الذين قتلوا بسبب عبادة العجل وقصة البقرة فسيأتي فسيأتي ما يشابههما من إحياء حيوانات وأناس عند ذكر إحياء الموتى على يد عيسى ابن مريم والله أعلم وقد ذكر أبو نعيم هاهنا أشياء أخر تركناها اختصارا واقتصادا
وقال هشام بن عمارة في كتابه المبعث
باب ما أعطي رسول الله صلى الله عليه و سلم وما أعطي الأنبياء قبله
حدثنا محمد بن شعيب حدثنا روح بن مدرك أخبرني عمر بن حسان التميمي أن موسى عليه السلام أعطي آية من كنوز العرش رب لا تولج الشيطان في قلبي وأعذني منه ومن كل سوء فإن لك اليد والسلطان والملك والملكوت دهر الداهرين وأبد الأبذين آمين آمين قال وأعطي محمد صلى الله عليه و سلم آيتان من كنوز العرش آخر سورة البقرة آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه إلى آخرها
قصة حبس الشمس
على يوشع بن نون بن افرائم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن عليهم السلام وقد كان نبي بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام وهو الذي خرج ببني اسرائيل من التيه ودخل بهم بيت المقدس بعد حصار ومقاتلة وكان الفتح قد ينجز بعد العصر يوم الجمعة وكادت الشمس تغرب ويدخل عليهم السبت فلا يتمكنون معه من القتال فنظر إلى الشمس فقال إنك مأمورة وأنا مأمور ثم قال اللهم احبسها علي فحبسها الله عليه حتى فتح البلد ثم غربت وقد قدمنا في قصة من قصص الأنبياء الحديث الوارد في صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر ابن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال غزا نبى من الأنبياء فدنا من القرية حين صلى العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم امسكها علي شيئا فحبست عليه (6/281)
حتى فتح الله عليه الحديث بطوله وهذا النبي هو يوشع بن نون بدليل ما رواه الامام أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر بن هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع عليه السلام ليالي سار الى بيت المقدس تفرد به أحمد وإسناده على شرط البخاري اذا علم هذا فانشقاق القمر فلقتين حتى صارت فلقة من وراء الجبل أعني حراء وأخرى من دونه أعظم في المعجزة من حبس الشمس قليلا وقد قدمنا في الدلائل حديث رد الشمس بعد غروبها وذكرنا ما قيل فيه من المقالات فالله أعلم قال شيخنا العلامة أبو المعالي بن الزملكاني وأما حبس الشمس ليوشع في قتال الجبارين فقد انشق القمر لنبينا صلى الله عليه و سلم وانشقاق القمر فلقتين أبلغ من حبس الشمس عن مسيرها وصحت الأحاديث وتواترت بانشقاق القمر وأنه كان فرقة خلف الجبل وفرقة امامه وأن قريشا قالوا هذا سحر أبصارنا فوردت المسافرون وأخبروا أنهم رأوه مفترقا قال الله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر قال وقد حبست الشمس لرسول الله صلى الله عليه و سلم مرتين إحداهما ما رواه الطحاوي وقال رواته ثقات وسماهم وعدهم واحدا واحدا وهو أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يوحي إليه ورأسه في حجر علي رضي الله عنه فلم يرفع رأسه حتى غربت الشمس ولم يكن علي صلى العصر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فرد الله عليه الشمس حتى رؤيت فقام علي فصلى العصر ثم غربت والثانية صبيحة الاسراء فأنه صلى الله عليه و سلم أخبر قريشا عن مسراه من مكة إلى بيت المقدس فسألوه عن اشياء من بيت المقدس فجلاه الله له حتى نظر إليه ووصفه لهم وسألوه عن عير كانت لهم في الطريق فقال إنها تصل إليكم مع شروق الشمس فتأخرت فحبس الله الشمس عن الطلوع حتى كانت العصر روى ذلك ابن بكير في زياداته على السنن أما حديث رد الشمس بسبب علي رضي الله عنه فقد تقدم ذكرنا له من طريق أسماء بنت عميس وهو أشهرها وابن سعيد وأبي هريرة وعلي نفسه وهو مستنكر من جميع الوجوه وقد مال إلى تقويته أحمد بن صالح المصري الحافظ وأبو حفص الطحاوي والقاضي عياض وكذا صححه جماعة من العلماء الرافضة كابن المطهر وذويه ورده وحكم بضعفه آخرون من كبار حفاظ الحديث ونقادهم كعلي بن المديني وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وحكاه عن شيخه محمد ويعلى بن عبيد الطنافسيين وكأبي بكر محمد بن حاتم البخاري المعروف بابن زنجويه أحد الحفاظ والحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر وذكره الشيخ جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الموضوعات وكذلك صرح بوضعه شيخاي الحافظان الكبيران أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي وأما ما ذكره يونس ابن بكير في زياداته على السيرة من تأخر طلوع الشمس عن إبان طلوعها فلم ير لغيره من العلماء على (6/282)
أن هذا ليس من الأمور المشاهدة وأكثر ما في الباب أن الراوي روى تأخير طلوعها ولم نشاهد حبسها عن وقته وأغرب من هذا ما ذكره ابن المطهر في كتابه المنهاج أ نها ردت لعلي مرتين فذكر الحديث المتقدم كما ذكر ثم قال وأما الثانية فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بسبب دوابهم وصلى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر وفاتت كثيرا منهم فتكلموا في ذلك فسأله الله رد الشمس فردت قال وذكر أبو نعيم بعد موسى إدريس عليه السلام وهو عند كثير من المفسرين من أنبياء بني إسرائيل وعند محمد بن إسحاق بن يسار وآخرين من علماء النسب قبل نوح عليه السلام في عمود نسبه إلى آدم عليه السلام كما تقدم التنبيه على ذلك فقال
القول فيما أعطي ادريس عليه السلام
من الرفعة التي نوه الله بذكرها فقال ورفعناه مكانا عليا قال والقول فيه أن نبينا محمدا صلى الله عليه و سلم أعطى أفضل وأكمل من ذلك لأن الله تعالى رفع ذكره في الدنيا والآخرة فقال ورفعنا لك ذكرك فليس خطيب ولا شفيع ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقرن الله اسمه باسمه في مشارق الأرض ومغاربها وذلك مفتاحا للصلاة المفروضة ثم أورد حديث ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهشيم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله ورفعنا لك ذكرك قال قال جبريل قال الله إذا ذكرت ذكرت ورواه ابن جرير وابن أبي عاصم من طريق دراج ثم قال حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي حدثنا موسى بن سهل الجوني حدثنا أحمد بن القاسم بن بهرام الهيتي حدثنا نصر بن حماد عن عثمان بن عطاء عن الزهري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما فرغت مما أمرني الله تعالى به من أمر السموات والأرض قلت يا رب إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد كرمته جعلت إبراهيم خليلا وموسى كليما وسخرت لداود الجبال ولسليمان الريح والشياطين وأحييت لعيسى الموتى فما جعلت لي قال أوليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله أن لا أذكر إلا ذكرت معي وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرؤن القرآن ظاهرا ولم أعطها أمة وأنزلت عليك كلمة من كنوز عرشي لا حول ولا قوة إلا بالله وهذا إسناد فيه غرابة ولكن أورد له شاهدا من طريق أبي القاسم ابن بنت منيع البغوي عن سليمان بن داود المهراني عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا بنحوه وقد رواه أبو زرعة الرازي في كتاب دلائل النبوة بسياق آخر وفيه انقطاع فقال حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا شعيب بن زريق أنه سمع عطاء الخراساني يحدث عن أبي هريرة وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث ليلة أسري به قال لما أراني الله من آياته فوجدت ريحا طيبة فقلت ما هذا يا جبريل قال هذه الجنة قلت يا ربي (6/283)
ائتني بأهلي قال الله تعالى لك ما وعدتك كل مؤمن ومؤمنة لم يتخذ من دوني أندادا ومن أقرضني قربته ومن توكل علي كفيته ومن سألني أعطيته ولا ينقص نفقته ولا ينقص ما يتمنىلك ما وعدتك فنعم دار المتقين أنت قلت رضيت فلما انتهينا إلى سدرة المنتهى خررت ساجدا فرفعت رأسي فقلت يا رب اتخذت ابراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما وآتيت داود زبورا وآتيت سليمان ملكا عظيما قال فإني قد رفعت لك ذكرك ولا تجوز لأمتك خطبة حتى يشهدوا أنك رسولي وجعلت قلوب أمتك أناجيل وآتيتك خواتيم سورة البقرة من تحت عرشي ثم روى من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة حديث الأسراء بطوله كما سقناه من طريق ابن جرير في التفسير وقال أبو زرعة في سياقه ثم لقي أرواح الأنبياء عليهم السلام فأثنوا على ربهم عز و جل فقال ابراهيم الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما وجعلني أمة قانتا لله محياي ومماتي وأنقذني من النار وجعلها علي بردا وسلاما ثم إن موسى أثنى على ربه فقال الحمد لله الذي كلمني تكليما واصطفاني برسالته وبكلامه وقربني نجيا وأنزل علي التوراة وجعل هلاك فرعون على يدي ثم إن داود أثنى على ربه فقال الحمد لله الذي جعلني ملكا وأنزل علي الزبور وألان لي الحديد وسخر لي الجبال يسبحن معه والطير وآتاني الحكمة وفصل الخطاب ثم إن سليمان أثنى على ربه فقال الحمد لله الذي سخر لي الرياح والجن والإنس وسخر لي الشياطين يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وعلمني منطق الطير وأسال لي عين القطر وأعطاني ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ثم إن عيسى أثنى على الله عز و جل فقال الحمد لله الذي علمني التوراة والأنجيل وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وطهرني ورفعني من الذين كفروا وأعاذني من الشيطان الرجيم فلم يكن للشيطان علينا سبيل ثم إن محمدا صلى الله عليه و سلم أثنى على ربه فقال كلكم أثنى على ربه وأنا مثن على ربي الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا وأنزل علي الفرقان فيه تبيان كل شيء وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس وجعل أمتي وسطا وجعل أمتي هم الأولون وهم الآخرون وشرح لي صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعلني فاتحا وخاتما فقال إبراهيم بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه و سلم ثم أورد إبراهيم الحديث المتقدم فيما رواه الحاكم والبيهقي من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب مرفوعا في قول آدم يا رب أسألك بحق محمد ألا غفرت لي فقال الله وما أدراك ولم أخلقه بعد فقال لأني رأيت مكتوبا مع اسمك على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم ولولا محمد ما خلقتك وقال بعض الأئمة رفع الله ذكره وقرنه (6/284)
باسمه في الأولين والآخرين وكذلك يرفع قدره ويقيمه مقاما محمودا يوم القيامة يغبطه به الأولون والآخرون ويرغب إليه الخلق كلهم حتى إبراهيم الخليل كما ورد في صحيح مسلم فيما سلف وسيأتي أيضا فإن التنويه بذكره في الأمم الخالية والقرون السابقة ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به وليتبعنه ولينصرنه وأمره أن يأخذ على أمته العهد والميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتبعنه وقد بشرت بوجوده الأنبياء حتى كان آخر من بشر به عيسى بن مريم خاتم أنبياء بني إسرائيل وكذلك بشرت به الأحبار والرهبان والكهان كما قدمنا ذلك مبسوطا ولما كانت ليلة الإسراء رفع من سماء إلى سماء حتى سلم على إدريس عليه السلام وهو في السماء الرابعة ثم جاوزه إلى الخامسة ثم إلى السادسة فسلم على موسى بها ثم جاوزه إلى السابعة فسلم على ابراهيم الخليل عند البيت المعمور ثم جاوز ذلك المقام فرفع لمستوى سمع فيه صريف الأقلام وجاء سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار وغير ذلك من الآيات الكبرى وصلى بالأنبياء وشيعه من كل مقربوها وسلم عليه رضوان خازن الجنان ومالك خازن النار فهذا هو الشرف وهذه هي الرفعة وهذا هو التكريم والتنويه والاشهار والتقديم والعلو والعظمة صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين وأما رفع ذكره في الآخرين فأن دينه باق ناسخ لكل دين ولا ينسخ هو أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى يوم الدين ولا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة والنداء في كل يوم خمس مرات على كل مكان مرتفع من الأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وهكذا كل خطيب يخطب لا بد أن يذكره في خطبته وما أحسن قول حسان ... أغر عليه للنبوة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد ... وضم الإله اسم النبي إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذن أشهد ... وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد ...
وقال الصرصري رحمه الله ... ألم تر أنا لا يصح أذاننا ... ولا فرضنا إن لم نكرره فيهما ... القول فيما أوتي داود عليه السلام
قال الله تعالى واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وقال تعالى ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير (6/285)
وقد ذكرنا قصته عليه السلام في التفسير وطيب صوته عليه السلام وأن الله تعالى قد سخر له الطير تسبح معه وكانت الجبال أيضا تجيبه وتسبح معه وكان سريع القراءة يأمر بدوابه فتسرح فيقرأ الزبور بمقدار ما يفرغ من شأنها ثم يركب وكان لا يأكل إلا من كسب يده صلوات الله وسلامه عليه وقد كان نبينا صلى الله عليه و سلم حسن الصوت طيبه بتلاوة القرآن قال جبير بن مطعم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم في المغرب بالتين والزيتون فما سمعت صوتا أطيب من صوته صلى الله عليه و سلم وكان يقرأ ترتيلا كما أمره الله عز و جل بذلك وأما تسبيح الطير مع داود فتسبيح الجبال الصم أعجب من ذلك وقد تقدم في الحديث أن الحصا سبح في كف رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن حامد وهذا حديث معروف مشهور وكانت الأحجار والاشجار والمدر تسلم عليه صلى الله عليه و سلم وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود قال لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل يعني بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم وكلمه ذراع الشاة المسمومة وأعلمه بما فيه من السم وشهدت بنبوته الحيوانات الانسية والوحشية والجمادات أيضا كما تقدم بسط ذلك كله ولا شك أن صدور التسبيح من الحصا الصغار الصم التي لا تجاويف فيها أعجب من صدور ذلك من الجبال لما فيها من التجاويف والكهوف فأنها وما شاكلها تردد صدى الأصوات العالية غالبا كما قال عبد الله بن الزبير كان إذا خطب وهو أمير المدينة بالحرم الشريف تجاوبه الجبال أبو قبيس وزرود ولكن من غير تسبيح فإن ذلك من معجزات داود عليه السلام ومع هذا كان تسبيح الحصا في كف رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وعثمان أعجب وأما أكل داود من كسب يده فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأكل من كسبه أيضا كما كان يرعى غنما لأهل مكة على قراريط وقال وما من نبي إلا وقد رعى الغنم وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة مضاربة وقال الله تعالى وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا إلى قوله وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق أي للتكسب والتجارة طلبا للربح الحلال ثم لما شرع الله الجهاد بالمدينة كان يأكل مما أباح له من المغانم التي لم تبح قبله ومما أفاء الله عليه من أموال الكفار التي أبيحت له دون غيره كما جاء في المسند والترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم وأما الإنة الحديد بغير نار كما يلين العجين في يده فكان يصنع هذه الدروع الداوودية وهي الزرديات السابغات وأمره الله تعالى بنفسه بعملها وقدر في السرد أي ألا يدق المسمار فيعلق ولا يعظله فيقصم كما جاء في (6/286)
البخاري وقال تعالى وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون وقد قال بعض الشعراء في معجزات النبوة ... نسيج داود ما حمى صاحب الغا ... ر وكان الفخار للعنكبوت ...
والمقصود المعجز في إلانة الحديد وقد تقدم في السيرة عند ذكر حفر الخندق عام الأحزاب في سنة أربع وقيل خمس أنهم عرضت لهم كدية وهي الصخرة في الأرض فلم يقدروا على كسرها ولا شيء منها فقام إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ربط حجرا على بطنه من شدة الجوع فضربها ثلاث ضربات لمعت الأولى حتى أضاءت له منها قصور الشام وبالثانية قصور فارس وثالثة ثم انسالت الصخرة كأنها كثيب من الرمل ولا شك أن انسيال الصخرة التي لا تنفعل ولا بالنار أعجب من لين الحديد الذي إن حمي لانه كما قال بعضهم ... فلو أن ما عالجت لين فؤادها ... بنفسي للان الجندل ...
والجندل الصخر فلو أن شيئا أشد قوة من الصخر لذكره هذا الشاعر المبالغ قال الله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو اشد قسوة الآية وأما قوله تعالى قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم الآية فذلك لمعنى آخر في التفسير وحاصله أن الحديد أشد امتناعا في الساعة الراهنة من الحجر ما لم يعالج فاذا عولج انفعل الحديد ولا ينفعل الحجر والله أعلم وقال أبو نعيم فإن قيل فقد لين الله لداود عليه السلام الحديد حتى سرد منه الدروع السوابغ قيل لينت لمحمد الحجارة وصم الصخور فعادت له غارا استتر به من المشركين يوم أحد مال إلى الجبل ليخفي شخصه عنهم فلين الجبل حتى أدخل رأسه فيه وهذا أعجب لأن الحديد تلينه النار ولم نر النار تلين الحجر قال وذلك بعد ظاهر باق يراه الناس قال وكذلك في بعض شعاب مكة حجر من جبل في صلايه إليه فلان الحجر حتى أدرأ فيه بذراعيه وساعديه وذلك مشهور يقصده الحجاج ويرونه وعادت الصخرة ليلة أسري به كهيئة العجين فربط بها دابته البراق وموضعه يسمونه الناس إلى يومنا هذا وهذا الذي اشار اليه من يوم أحد وبعض شعاب مكة غريب جدا ولعله قد أسنده هو فيما سلف وليس ذلك بمعروف في السيرة المشهورة واما ربط الدابة في الحجر فصحيح والذي ربطها جبريل كما هو في صحيح مسلم رحمه الله وأما قوله وأوتيت الحكمة وفصل الخطاب فقد كانت الحكمة التي أوتيها محمد صلى الله عليه و سلم والشرعة التي شرعت له أكمل من كل حكمة وشرعة كانت لمن قبله من الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم أجمعين فإن الله جمع له محاسن من كان قبله وأكمله وآتاه ما لم يؤت أحدا قبله وقد قال صلى الله عليه و سلم أوتيت جوامع (6/287)
الكلم واختصرت لي الحكمة اختصارا ولا شك أن العرب أفصح الأمم وكان النبي صلى الله عليه و سلم أفصحهم نطقا وأجمع لكل خلق جميل مطلقا
القول فيما أوتي سليمان بن داود عليه السلام
قال الله تعالى فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب وقال تعالى ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين وقال تعالى ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بأذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور وقد بسطنا ذلك في قصته وفي التفسير أيضا وفي الحديث الذي رواه الأمام أحمد وصحهه الترمذي وابن حبان والحاكم في مستدركه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم أن سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا سأل الله حكما يوافق حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده وأنه لا ياتي هذا المسجد أحد إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه أما تسخير الريح لسليمان فقد قال الله تعالى في شأن الأحزاب يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا وقد تقدم في الحديث الذي رواه مسلم من طريق شعبة عن الحاكم عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ورواه مسلم من طريق الأعمش عن مسعود بن مالك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله وثبت في الصحيحين نصرت بالرعب مسيرة شهر ومعنى ذلك أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا قصد قتال قوم من الكفار ألقى الله الرعب في قلوبهم قبل وصوله إليهم بشهر ولو كان مسيره شهرا فهذا في مقابلة غدوها شهر ورواحها شهر بل هذا أبلغ في التمكن والنصر والتأييد والظفر وسخرت الرياح تسوق السحاب لإنزال المطر الذي امتن الله به حين استسقى رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير ما موطن كما تقدم وقال أبو نعيم فإن قيل فإن سليمان سخرت له الريح فسارت به في بلاد الله وكان غدوها شهرا ورواحها شهرا قيل ما أعطى محمد صلى الله عليه و سلم أعظم وأكبر لأنه سار في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر وعرج به في ملكوت السموات مسيرة خمسين ألف سنة في أقل من ثلث ليلة فدخل السموات سماء سماء ورأى عجائبها ووقف على الجنة والنار وعرض عليه أعمال أمته وصلى بالأنبياء وبملائكة السموات واخترق الحجب وهذا كله في (6/288)
ليلة قائما أكبر وأعجب وأما تسخير الشياطين بين يديه تعمل ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات فقد أنزل الله الملائكة المقربين لنصرة عبده ورسوله محمد صلى الله عليه و سلم في غير ما موطن يوم أحد وبدر ويوم الأحزاب ويوم حنين كما تقدم ذكرناه ذلك مفصلا في مواضعه وذلك أعظم وأبهر وأجل وأعلا من تسخير الشياطين وقد ذكر ذلك ابن حامد في كتابه وفي الصحيحين من حديث شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة أو كلمة نحوها ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى يصبحوا وينظروا إليه فذكرت دعوة أخي سليمان رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي قال روح فرده الله خاسئا لفظ البخاري ولمسلم عن أبي الدرداء نحوه قال ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح يلعب به ولدان أهل المدينة وقد روى الأمام أحمد بسند جيد عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام يصلي صلاة الصبح وهو خلفه فقرأ فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أختنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين الأبهام والتي تليها ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان أهل المدينة وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين وفي رواية مردة الجن فهذا من بركة ما شرعه الله له من صيام شهر رمضان وقيامه وسيأتي عند إبراء الأكمه والأبرص من معجزات المسيح عيسى بن مريم عليه السلام دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم لغير ما واحد ممن أسلم من الجن فشفي وفارقهم خوفا منه ومهابة له وامتثالا لأمره صلوات الله وسلامه عليهم وقد بعث الله نفرا من الجن يستمعون القرآن فآمنوا به وصدقوه ورجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى دين محمد صلى الله عليه و سلم وحذروهم مخالفته لأنه كان مبعوثا إلى الأنس والجن فآمنت طوائف من الجن كثيرة كما ذكرنا ووفدت إليه منهم وفود كثيرة وقرأ عليهم سورة الرحمن وخبرهم بما لمن آمن منهم من الجنان وما لمن كفر من النيران وشرع لهم ما يأكلون وما يطعمون دوابهم فدل على أنه بين لهم ما هو أهم من ذلك وأكبر وقد ذكر أبو نعيم هاهنا حديث الغول التي كانت تسرق التمر من جماعة من أصحابه صلى الله عليه و سلم ويريدون إحضارها إليه فتمتنع كل الامتناع خوفا من المثول بين يديه ثم افتدت منهم بتعليمهم قراءة آية الكرسي التي لا يقرب قارئها الشيطان وقد سبقنا ذلك بطرقه وألفاظه عند تفسير آية الكرسي من كتابنا التفسير ولله الحمد والغول هي الجن المتبدى بالليل في صورة مرعبة وذكر أبو نعيم هاهنا حماية جبريل له عليه السلام غير ما مرة من أبي جهل كما ذكرنا في السيرة وذكر مقاتلة جبريل وميكائيل عن يمينه (6/289)
وشماله يوم أحد وأما ما جمع الله تعالى لسليمان من النبوة والملك كما كان أبوه من قبله فقد خير الله عبده محمدا صلى الله عليه و سلم بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا رسولا فاستشار جبريل في ذلك فأشار إليه وعليه أن يتواضع فاختار أن يكون عبدا رسولا وقد روى ذلك من حديث عائشة وابن عباس ولا شك أن منصب الرسالة أعلى وقد عرضت على نبينا صلى الله عليه و سلم كنوز الأرض فأباها قال ولو شئت لأجرى الله معي جبال الأرض ذهبا ولكن أجوع يوما وأسبع يوما وقد ذكرنا ذلك كله بأدلته وأسانيده في التفسير وفي السيرة أيضا ولله الحمد والمنة وقد أورد الحافظ أبو نعيم هاهنا طرفا منها من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بينا أنا نائم جيء بمفاتيح خزائن الأرض فجعلت في يدي ومن حديث الحسين بن واقد عن الزبير عن جابر مرفوعا أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا على فرس أبلق جاءني به جبريل عليه قطيفة من سندس ومن حديث القاسم عن أبي لبابة مرفوعا عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما فاذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك قال أبو نعيم فإن قيل سليمان عليه السلام كان يفهم كلام الطير والنملة كما قال تعالى وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير الآية وقال فلما أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها الآية قيل قد أعطى محمد صلى الله عليه و سلم مثل ذلك وأكثر منه فقد تقدم ذكرنا لكلام البهائم والسباع وحنين الجذع ورغاء البعير وكلام الشجر وتسبيح الحصا والحجر ودعائه إياه واستجابته لأمره وإقرار الذئب بنبوته وتسبيح الطير لطاعته وكلام الظبية وشكواها إليه وكلام الضب وإقراره بنبوته وما في معناه كل ذلك قد تقدم في الفصول بما يغني عن إعادته انتهى كلامه قلت وكذلك أخبره ذراع الشاة بما فيه من السم وكان ذلك بأقرار من وضعه فيه من اليهود وقال إن هذه السحابة لتبتهل بنصرك يا عمرو بن سالم يعني الخزاعي حين أنشده تلك القصيدة يستعديه فيها على بني بكر الذين نقضوا صلح الحديبية وكان ذلك سبب فتح مكة كما تقدم وقال صلى الله عليه و سلم إني لأعرف حجرا كان يسلم علي بمكة قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن فهذا إن كان كلاما مما يليق بحاله ففهم عنه الرسول ذلك فهو من هذا القبيل وأبلغ لانه جماد بالنسبة إلى الطير والنمل لأنهما من الحيوانات ذوات الأرواح وإن كان سلاما نطقيا وهو الأظهر فهو أعجب من هذا الوجه أيضا كما قال علي خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض شعاب مكة فما مر بحجر ولا شجر ولا مدر إلا قال السلام عليك يا رسول الله فهذا النطق سمعه رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلي رضي الله عنه ثم قال أبو نعيم حدثنا أحمد بن محمد بن الحارث العنبري حدثنا أحمد بن (6/290)
يوسف بن سفيان حدثنا إبراهيم بن سويد النخعي حدثنا عبد الله بن أذينة الطائي عن ثور بن يزيد عن خالد بن معلاة بن جبل قال أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه فقال من أنت فقال أنا عمرو بن فهران كنا سبعة إخوة وكلنا ركبنا الأنبياء وأنا أصغرهم وكنت لك فملكني رجل من اليهود وكنت إذ اذكرك عثرت به فيوجعني ضربا فقال النبي صلى الله عليه و سلم فأنت يعفور وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ولا يحتاج إلى ذكره مع ما تقدم من الأحاديث الصحيحة التي فيها غنية عنه وقد روى على غير هذه الصفة وقد نص على نكارته ابن أبي حاتم عن أبيه والله أعلم
القول فيما أوتي عيسى بن مريم عليه السلام
ويسمى المسيح فقيل لمسحه الأرض وقيل لمسح قدمه وقيل لخروجه من بطن أمه ممسوحا بالدهان وقيل لمسح جبريل بالبركة وقيل لمسح الله الذنوب عنه وقيل لأنه كان لا يمسح أحدا إلا برأ حكاها كلها الحافظ أبو نعيم رحمه الله ومن خصائصه أنه عليه السلام مخلوق بالكلمة من أنثى بلا ذكر كما خلقت حواء من ذكر بلا أنثى وكما خلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى وإنما خلقه الله تعالى من تراب ثم قال له كن فيكون وكذلك يكون عيسى بالكلمة وبنفخ جبريل مريم فخلق منها عيسى ومن خصائصه وأمه أن إبليس لعنه الله حين ولد ذهب يطعن فطعن في الحجاب كما جاء في الصحيح ومن خصائصه أنه حي لم يمت وهو الآن بجسده في السماء الدنيا وسينزل قبل يوم القيامة على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ويحكم بهذه الشريعة المحمدية ثم يموت ويدفن بالحجرة النبوية كما رواه الترمذي وقد بسطنا ذلك في قصته وقال شيخنا العلامة ابن الزملكاني رحمه الله وأما معجزات عيسى عليه السلام فمنها إحياء الموتى وللنبي صلى الله عليه و سلم من ذلك كثير وإحياء الجماد أبلغ من إحياء الميت وقد كلم النبي صلى الله عليه و سلم الذراع المسمومة وهذا الإحياء أبلغ من إحياء الانسان الميت من وجوه أحدها أنه إحياء جزء من الحيوان دون بقيته وهذا معجز لو كان متصلا بالبدن الثاني أنه أحياه وحده منفصلا عن بقية أجزاء ذلك الحيوان مع موت البقية الثالث أنه أعاد عليه الحياة مع الأدراك والعقل ولم يكن هذا الحيوان يعقل في حياته الذي هو جزؤه مما يتكلم وفي هذا ما هو أبلغ من حياة الطيور التي أحياها الله لأبراهيم صلى الله عليه و سلم قلت وفي حلول الحياة والأدراك والعقل في الحجر الذي كان يخاطب النبي صلى الله عليه و سلم بالسلام عليه كما روي في صحيح مسلم من المعجز ما هو أبلغ من إحياء الحيوان في الجملة لأنه كان محلا للحياة في وقت بخلاف هذا حيث لا حياة له بالكلية قبل ذلك وكذلك تسليم الأحجار والمدر عليه وكذلك الاشجار والأغصان وشهادتها بالرسالة وحنين (6/291)
الجذع وقد جمع ابن أبي الدنيا كتابا فيمن عاش بعد الموت وذكر منها كثيرا وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض يعقل فلم نبرح حتى قبض فبسطنا عليه ثوبه وسجيناه وله أم عجوز كبيرة عند رأسه فالتفت إليها بعضنا وقال يا هذه احتسبي مصيبتك عند الله فقالت وما ذاك أمات ابني قلنا نعم قالت أحق ما تقولون قلنا نعم فمدت يدها إلى الله تعالى فقالت اللهم إنك تعلم أني أسلمت وهاجرت إلى رسولك رجاء أن تعينني عند كل شدة ورخاء فلا تحملني هذه المصيبة اليوم قال فكشف الرجل عن وجهه وقعد وما برحنا حتى أكلنا معه وهذه القصة قد تقدم التنبيه عليها في دلائل النبوة وقد ذكر معجز الطوفان مع قصة العلاء بن الحضرمي وهذا السياق الذي أورده شيخنا ذكر بعضه بالمعنى وقد رواه أبو بكر ابن أبي الدنيا والحافظ أبو بكر البيهقي من غير وجه عن صالح بن بشير المري أحد زهاد البصرة وعبادها وفي حديثه لين عن ثابت عن أنس فذكره وفي رواية البيهقي أن أمه كانت عجوزا عمياء ثم ساقه البيهقي من طريق عيسى بن يونس عن عبد الله بن عون عن أنس كما تقدم وسياقه أتم وفيه أن ذلك كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا إسناد رجاله ثقات ولكن فيه انقطاع بين عبد الله بن عون وأنس والله أعلم
قصة أخرى
قال الحسن بن عرفة حدثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي سبرة النخعي قال أقبل رجل من اليمن فلما كان في بعض الطريق نفق حماره فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال اللهم إني جئت من المدينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك وأنا أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور لا تجعل لاحد علي اليوم منة أطلب اليك اليوم أن تبعث حماري فقام الحمار ينفض أذنيه قال البيهقي هذا إسناد صحيح ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة قال البيهقي وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي وكأنه عند إسماعيل من الوجهين والله أعلم قلت كذلك رواه ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل عن الشعبي فذكره قال الشعبي فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع في الكناسة يعني بالكوفة وقد أوردها ابن أبي الدنيا من وجه آخر وأن ذلك كان في زمن عمر بن الخطاب وقد قال بعض قومه في ذلك ... ومنا الذي أحيى الإله حماره ... وقد مات منه كل عضو ومفصل ...
وأما قصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت وشهادته للنبي صلى الله عليه و سلم ولأبي بكر وعمر وعثمان بالصدق فمشهورة مروية من وجوه كثيرة صحيحة قال البخاري في التاريخ الكبير زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري شهد بدرا وتوفي في زمن عثمان وهو الذي تكلم بعد الموت وروى الحاكم في مستدركه (6/292)
والبيهقي في دلائله وصححه كما تقدم من طريق العتبي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب أن زيد بن خارجة الأنصاري ثم من الحارث بن الخزرج توفي زمن عثمان بن عفان فسجي بثوبه ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم فقال أحمد في الكتاب الأول صدق صدق أبو بكر الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول صدق صدق عمر بن الخطاب القوي في الكتاب الأول صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم مضت أربع وبقيت ثنتان أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف وقامت الساعة وسيأتيكم عن جيشكم خير قال يحيى بن سعيد قال سعيد بن المسيب ثم هلك رجل من بني حطمة فسجي بثوبه فسمع جلجلة في صدره ثم تكلم فقال إن أخا بني حارث بن الخزرج صدق صدق ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي أيضا من وجه آخر بأبسط من هذا وأطول وصححه البيهقي قال وقد روى في التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة والله أعلم قلت قد ذكرت في قصة سخلة جابر يوم الخندق وأكل الألف منها ومن قليل شعير ما تقدم وقد أورد الحافظ محمد بن المنذر المعروف بيشكر في كتابه الغرائب والعجائب بسنده كما سبق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع عظامها ثم دعا الله تعالى فعادت كما كانت فتركها في منزله والله أعلم قال شيخنا ومن معجزات عيسى الإبراء من الجنون وقد أبرأ النبي صلى الله عليه و سلم يعني من ذلك هذا آخر ما وجدته فيما حكيناه عنه فأما إبراء عيسى من الجنون فما أعرف فيه نقلا خاصا وإنما كان يبرئ الأكمه والأبرص والظاهر ومن جميع العاهات والأمراض المزمنة وأما إبراء النبي صلى الله عليه و سلم من الجنون فقد روى الإمام أحمد والحافظ البيهقي من غير وجه عن يعلى بن مرة أن امرأة أتت بابن لها صغير به لمم ما رأيت غما أشد منه فقالت يا رسول الله ابني هذا كما ترى اصابه بلاء وأصابنا منه بلاء يوجد منه في اليوم ما يؤذي ثم قالت مرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ناولينيه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ثم فغر فاه ونفث فيه ثلاثا وقال بسم الله أنا عبد الله اخسأ عدو الله ثم ناولها إياه فذكرت أنه برئ من ساعته وما رابهم شيء بعد ذلك وقال أحمد حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة عن فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إن به لمما وإنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا قال فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم صدره ودعا له فسغ سغة فخرج منه مثل الجرو الأسود فشفي غريب من هذا الوجه وفرقد فيه كلام وإن كان من زهاد البصرة لكن ما تقدم له شاهد وإن كانت القصة واحدة والله أعلم وروى البزار من طريق فرقد أيضا عن سعد بن عباس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم بمكة فجاءته امرأة من الانصار فقالت يا رسول الله إن هذا الخبيث قد غلبني فقال لها تصبري على ما أنت عليه وتجيئي يوم القيامة ليس عليك ذنوب ولا (6/293)
حساب فقالت والذي بعثك بالحق لأصبرن حتى ألقى الله ثم قالت إني أخاف الخبيث أن يجردني فدعا لها وكانت إذا أحست أن يأتيها تأتي استار الكعبة فتتعلق بها وتقول له اخسأ فيذهب عنها وهذا دليل على أن فرقد قد حفظ فإن هذا له شاهد في صحيح البخاري ومسلم من حديث عطاء بن أبي رباح قال قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى قال هذه السوداء أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت إني أصرع وأنكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك قالت لا بل أصبر فادع الله أن لا أنكشف قال فدعا لها فكانت لا تنكشف ثم قال البخاري حدثنا محمد حدثنا مخلد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة وذكر الحافظ ابن الأثير في كتاب أسد الغابة في أسماء الصحابة أن أم زفر هذه كانت ماشطة لخديجة بنت خويلد وأنها عمرت حتى رآها عطاء بن أبي رباح رحمهما الله تعالى وأما إبراء عيسى الأكمه وهو الذي يولد أعمى وقيل هو الذي لا يبصر في النهار ويبصر في الليل وقيل غير ذلك كما بسطنا ذلك في التفسير والأبرص الذي به بهق فقد رد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد عين قتادة بن النعمان إلى موضعها بعد ما سالت على خده فأخذها في كفه الكريم وأعادها إلى مقرها فاستمرت بحالها وبصرها وكانت أحسن عينيه رضي الله عنه كما ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة وغيره وكذلك بسطناه ثم ولله الحمد والمنة وقد دخل بعض ولده وهو عاصم بن عمر بن قتادة على عمر بن عبد العزيز فسأل عنه فأنشأ يقول ... أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرد ... فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسن ما عين ويا حسن ما خد ...
فقال عمر بن عبد العزيز ... تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا ...
ثم أجازه فأحسن جائوته وقد روى الدارقطني أن عينيه أصيبتا معا حتى سالتا على خديه فردهما رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكانهما والمشهور الاول كما ذكر ابن اسحاق
قصة الأعمى الذي رد الله عليه بصره بدعاء الرسول
قال الامام أحمد حدثنا روح وعثمان بن عمر قالا حدثنا شعبة عن أبي جعفر المديني سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ادع الله لي أن يعافيني فقال إن شئت اخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك وإن شئت دعوت قال بل ادع الله لي قال فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يتوضأ ويصلي ركعتين وأن يدعو (6/294)
بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني أتوجه به في حاجتي هذه فتقضى وقال في رواية عثمان بن عمر فشفعه في قال ففعل الرجل فبرأ ورواه الترمذي وقال حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي جعفر الخطمي وقد رواه البيهقي عن الحاكم بسنده إلى أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف فذكر نحوه قال عثمان فوالله ما تفرقنا ولا طال الحديث بنا حتى دخل الرجل كأن لم يكن به ضر قط
قصة أخرى
قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر حدثني رجل من بني سلامان بن سعد عن أمه عن خاله أو أن خاله أو خالها حبيب بن قريط حدثها أن أباه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا فقال له ما أصابك قال كنت حملا لي فوقعت رجلي على بيض حية فأصيب بصري فنفث رسول الله صلى الله عليه و سلم في عينيه فأبصر فرأيته وإنه ليدخل الخيط في الأبرة وإنه لابن ثمانين سنة وإن عينيه لمبيضتان قال البيهقي وغيره يقول حبيب بن مدرك وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نفث في عيني علي يوم خيبر وهو أرمد فبرأ من ساعته ثم لم يرمد بعدها أبدا ومسح رجل جابر بن عتيك وقد انكسرت رجله ليلة قتل أبا رافع تاجر أهل الحجاز الخيبري فبرأ من ساعته أيضا وروى البيهقي أنه صلى الله عليه و سلم مسح يد محمد بن حاطب وكانت قد احترقت بالنار فبرأ من ساعته ومسح رجل سلمة بن الأكوع وقد أصيبت يوم خيبر فبرأت من ساعتها ودعا لسعد بن أبي وقاص أن يشفى من مرضه ذلك فشفي وروى البيهقي أن عمه أبا طالب مرض فسأل منه صلى الله عليه و سلم أن يدعو له ربه فدعا له فشفي من مرضه ذلك وكم له من مثلها وعلى مسلكها من إبراء آلام وإزالة أسقام مما يطول شرحه وبسطه وقد وقع في كرامات الأولياء إبراء الأعمى بعد الدعاء عليه بالعمى أيضا كما رواه الحافظ ابن عساكر من طريق أبي سعيد بن الأعرابي عن أبي داود حدثنا عمر بن عثمان حدثنا بقية عن محمد بن زياد عن أبي مسلم أن امرأة خبثت عليه امرأته فدعا عليها فذهب بصرها فأتته فقالت يا أبا مسلم إني كنت فعلت وفعلت وإني لا أعود لمثلها فقال اللهم إن كانت صادقة فاردد عليها بصرها فأبصرت ورواه أيضا من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا حدثنا عبد الرحمن بن واقد حدثنا ضمرة حدثنا عاصم حدثنا عثمان بن عطاء قال كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل منزله فاذا بلغ وسط الدار كبر وكبرت امرأته فإذا دخل البيت كبر وكبرت امرأته فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه بطعام يأكل فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه ثم جاء إلى باب البيت فكبر وسلم فلم تجبه وإذا (6/295)
البيت ليس فيه سراج وإذا هي جالسة بيدهاعود تنكت في الأرض به فقال لها مالك فقالت الناس بخير وأنت لو أتيت معاوية فيأمر لنا بخادم ويعطيك شيئا تعيش به فقال اللهم من أفسد علي أهلي فأعم بصره قال وكانت أتتها امرأة فقالت لامرأة أبي مسلم لو كلمت زوجك ليكلم معاوية فيخدمكم ويعطيكم قال فبينما هذه المرأة في منزلها والسراج مزهو إذ أنكرت بصرها فقالت سراجكم طفئ قالوا لا قالت إن الله أذهب بصري فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده وتتلطف إليه فدعا الله فرد بصرها ورجعت امرأته على حالها التي كانت عليها وأما قصة المائدة التي قال الله تعالى إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فأني معذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وقد ذكرنا في التفسير بسط ذلك واختلاف المفسرين فيها هل نزلت أم لا على قولين والمشهور عن الجمهور أنها نزلت واختلف فيما كان عليها من الطعام على أقوال وذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير الذي فتح البلاد المغربية أيام بني أمية وجد المائدة ولكن قيل إنها مائدة سليمان بن داود مرصعة بالجواهر وهي من ذهب فأرسل بها إلى الوليد بن عبد الملك فكانت عنده حتى مات فتسلمها أخوه سليمان وقيل إنها مائدة عيسى لكن يبعد هذا أن النصارى لا يعرفون المائدة كما قاله غير واحد من العلماء والله أعلم والمقصود أن المائدة سواء كانت قد نزلت أم لم تنزل وقد كانت موائد رسول الله صلى الله عليه و سلم تمد من السماء وكانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل بين يديه وكم قد أشبع من طعام يسير ألوفا ومئات وعشرات صلى الله عليه و سلم ما تعاقبت الأوقات وما دامت الأرض والسموات وهذا أبو مسلم الخولاني وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمته من تاريخه أمرا عجيبا وشأنا غريبا حيث روي من طريق إسحاق بن يحيى الملطي عن الأوزاعي قال أتى أبا مسلم الخولاني نفر من قومه فقالوا يا أبا مسلم أما تشتاق إلى الحج قال بلى لو أصبت لي أصحابا فقالوا نحن أصحابك قال لستم لي بأصحاب إنما أصحابي قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد فقالوا سبحان الله وكيف يسافر أقوام بلا زاد ولا مزاد قال لهم ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله يرزقها وهي لا تبيع ولا تشتري ولا تحرث ولا تزرع والله يرزقها قال فقالوا فأنا نسافر معك قال فهبوا على بركة الله تعالى قال فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زاد ولا مزاد فلما انتهوا إلى المنزل قالوا يا أبا مسلم (6/296)
طعام لنا وعلف لدوابنا قال فقال لهم نعم فسجا غير بعيد فيمم مسجد أحجار فصلى فيه ركعتين ثم جثى على ركبتيه فقال إلهي قد تعلم ما أخرجني من منزلي وإنما خرجت آمرا لك وقد رأيت البخيل من ولد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قرى وإنا أضيافك وزوارك فأطعمنا واسقنا واعلف دوابنا قال فأتى بسفرة مدت بين أيديهم وجيء بجفنة من ثريد وجيء بقلتين من ماء وجيء بالعلف لا يدرون من يأتي به فلم تزل تلك حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا لا يتكلفون زادا ولا مزادا فهذه حال ولي من هذه الأمة نزل عليه وعلى أصحابه مائدة كل يوم مرتين مع ما يضاف إليها من الماء والعلوفة لدواب أصحابه وهذا اعتناء عظيم وإنما نال ذلك ببركة متابعته لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم وأما قوله عن عيسى بن مريم عليه السلام إنه قال لبني إسرائيل وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم الآية فهذا شيء يسير على الأنبياء بل وعلى كثير من الأولياء وقد قال يوسف الصديق لذينك الفتيين المحبوسين معه لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي الآية وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأخبار الماضية طبق ما وقع وعن الأخبار الحاضرة سواء بسواء كما أخبر عن أكل الأرضة لتلك الصحيفة الظالمة التي كانت بطون قريش قديما كتبتها على مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب حتى يسلموا اليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة فأرسل الله الأرضة فأكلتها إلا مواضع اسم الله تعالى وفي رواية فأكلت اسم الله منها تنزيها لها أن تكون مع الذي فيها من الظلم والعدوان فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم عمه أبا طالب وهم بالشعب فخرج إليهم أبو طالب وقال لهم عما أخبرهم به فقالوا إن كان كما قال وإلا فسلموه إلينا فقالوا نعم فأنزلوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم سواء بسواء فأقلعت بطون قريش عما كانوا عليه لبني هاشم وبني المطلب وهدى الله بذلك خلقا كثيرا وكم له مثلها كما تقدم بسطه وبيانه في مواضع من السيرة وغيرها ولله الحمد والمنة وفي يوم بدر لما طلب من العباس عمه فداء ادعى أنه لا مال له فقال له فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل تحت أسكفة الباب وقلت لها إن قتلت فهو للصبية فقال والله يا رسول الله إن هذا شيء لم يطلع عليه غيري وغير أم الفضل إلا الله عز و جل وأخبر بموت النجاشي يوم مات وهو بالحبشة وصلى عليه وأخبر عن قتل الأمراء يوم مؤتة واحدا بعد واحد وهو على المنبر وعيناه تذرفان وأخبر عن الكتاب الذي أرسل به حاطب بن بلتعة مع شاكر مولى بني عبد المطلب وأرسل في طلبها عليا والزبير والمقداد فوجدوها قد جعلته في عقاصها وفي رواية في حجزتها وقد تقدم ذلك في غزوة الفتح وقال لأميري كسرى اللذين بعث بهما نائب اليمن لكسرى ليستعلما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم إن ربي قد قتل الليلة ربكما (6/297)
فأرخا تلك الليلة فإذا كسرى قد سلط الله عليه ولده فقتله فأسلما وأسلم نائب اليمن وكان سبب ملك اليمن لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأما إخباره صلى الله عليه و سلم عن الغيوب المستقبلة فكثيرة جدا كما تقدم بسط ذلك وسيأتي في أنباء التواريخ ليقع ذلك طبق ما كان سواء وذكر ابن حامد في مقابلة جهاد عيسى عليه الصلاة و السلام جهاد رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي مقابلة زهد عيسى عليه الصلاة و السلام زهادة رسول الله صلى الله عليه و سلم عن كنوز الأرض حين عرضت عليه فأباها وقال أجوع يوما وأشبع يوما وأنه كان له ثلاث عشرة زوجة يمضي عليهن الشهر والشهران لا توقد عندهن نار ولا مصباح إنما هو الأسودان التمر والماء وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع وما شبعوا من خبز بر ثلاث ليال تباعا وكان فراشه من أدم حشوه ليف وربما اعتقل الشاة فيحلبها ورقع ثوبه وخصف نعله بيده الكريمة صلوات الله وسلامه عليه ومات صلى الله عليه و سلم ودرعه مرهونة عند يهودي على طعام اشتراه لاهله هذا وكم آثر بآلاف مؤلفة والابل والشاء والغنائم والهدايا على نفسه وأهله للفقراء والمحاويج والأرامل والأيتام والأاسرى والمساكين وذكر أبو نعيم في مقابلة تبشير الملائكة لمريم الصديقة بوضع عيسى ما بشرت به آمنة أم رسول الله صلى الله عليه و سلم حين حملت به في منامها وما قيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فسميه محمدا وقد بسطنا ذلك في المولد كما تقدم وقد أورد الحافظ أبو نعيم هاهنا حديثا غريبا مطولا بالمولد أحببنا أن نسوقه ليكون الختام نظير الإفتتاح وبالله المستعان وعليه التكلان ولله الحمد فقال حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا حفص بن عمرو بن الصباح حدثنا يحيى بن عبد الله البابلي أنا أبو بكر بن أبي مريم عن سعيد بن عمر الأنصاري عن أبيه قال قال ابن عباس فكان من دلالات حمل محمد صلى الله عليه و سلم أن كل دابة كانت لقريش نطقت تلك الليلة قد حمل برسول الله صلى الله عليه و سلم ورب الكعبة وهو امان الدنيا وسراج أهلها ولم يبق كاهن في قريش ولا قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبتها وانتزع علم الكهنة منها ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا والملك مخرسا لا ينطق يومه لذلك وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات وكذلك أهل البحار بشر بعضهم بعضا وفي كل شهر من شهوره نداء في الأرض ونداء في السموات أبشروا فقد آن لأبي القاسم أن يخرج إلى الأرض ميمونا مباركا قال وبقي في بطن أمة تسعة أشهر وهلك أبوه عبد الله وهو في بطن أمه فقالت الملائكة إلهنا وسيدنا بقي نبيك هذا يتيما فقال الله تعالى للملائكة أنا له ولي وحافظ ونصير فتبركوا بمولده ميمونا مباركا وفتح الله لمولده أبواب السماء وجناته وكانت آمنة تحدث عن نفسها وتقول أتى لي آت حين مر لي من حمله ستة اشهر فوكزني برجله في المنام وقال يا آمنة إنك حملت بخير العالمين طرا فإذا ولدتيه فسميه محمدا أو النبي شأنك قال وكانت تحدث عن نفسها وتقول لقد أخذني (6/298)
ما يأخذ النساء ولم يعلم بي أحد من القوم ذكر ولا أنثى وإني لوحيدة في المنزل وعبد المطلب في طوافه قالت فسمعت وجبة شديدة وأمرا عظيما فهالني ذلك وذلك يوم الاثنين ورأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي فذهب كل رعب وكل فزع ووجل كنت أجد ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا وكنت عطشانة فتناولتها فشربتها فأصابني نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل الطوال كأنهن من بنات عبد المطلب يحدقن بي فبينا أنا أعجب وأقول واغوثاه من أين علمن بي واشتد بي الأمر وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول وإذا أنا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض وإذا قائل يقول خذوه عن أعين الناس قالت رأيت رجالا وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة وأنا يرشح مني عرق كالجمان أطيب ريحا من المسك الأزفر وأنا أقول ياليت عبد المطلب قد دخل علي قالت ورأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من اليواقيت فكشف الله لي عن بصيرتي فأبصرت من ساعتي مشارق الأرض ومغاربها ورأيت ثلاث علامات مضروبات علم بالمشرق وعلم بالمغرب وعلم على ظهر الكعبة فأخذني المخاض واشتد بي الطلق جدا فكنت كأني مسندة إلى أركان النساء وكثرن علي حتى كأني مع البيت وأنا لا أرى شيئا فولدت محمدا فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه فاذا هو ساجد وقد رفع أصبعيه كالمتضرع المبتهل ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء تنزل حتى غشيته فغيب عن عيني فسمعت مناديا ينادي يقول طوفوا بمحمد صلى الله عليه و سلم شرق الأرض وغربها وأدخلوه البحار كلها ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلموا أنه سمي الماحي لا يبقي شيء من الشرك إلا محي به قالت ثم تخلوا عنه في أسرع وقت فاذا أنا به مدرج في ثوب صوف أبيض اشد بياضا من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض محمد ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض وإذا قائل يقول قبض محمد مفاتيح النصر ومفاتيح الريح ومفاتيح النبوة هكذا أورده وسكت عليه وهو غريب جدا وقال الشيخ جمال الدين أبو زكريا يحيى بن يوسف بن منصور بن عمر الأنصاري الصرصري الماهر الحافظ للأحاديث واللغة ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فلذلك يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه وفي ديوانه المكتوب عنه في مديح رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد كان ضرير البصر بصير البصيرة وكانت وفاته ببغداد في سنة ست وخمسين وستمائة قتله التتار في كل بنة بغداد كما سيأتي ذلك في موضعه في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان قال في قصيدته من حرف الحاء المهملة من ديوانه ... محمد المبعوث للناس رحمة ... يشيد ما أوهى الضلال ويصلح (6/299)
لئن سبحت صم الجبال مجيبة ... لداود أو لان الحديد المصفح ... فإن الصخور الصم لانت بكفه ... وإن الحصا في كفه ليسبح ... وإن كان موسى أنبع الما من العصا ... فمن كفه قد أصبح الماء يطفح ... وإن كانت الريح الرخاء مطيعة ... سليمان لا تألو تروح وتسرح ... فإن الضبا كانت لنصر نبينا ... برعب على شهر به الخصم يكلح ... وإن أوتي الملك العظيم وسخرت ... له الجن تشفي مارضيه وتلدح ... فإن مفاتيح الكنوز بأسرها ... أتته فرد الزاهد المترجح ... وإن كان إبراهيم أعطي خلة ... وموسى بتكليم على الطور يمنح ... فهذا حبيب بل خليل مكلم ... وخصص بالرؤيا وبالحق أشرح ... وخصص بالحوض العظيم وباللوا ... ويشفع للعاصين والنار تلفح ... وبالمقعد الأعلى المقرب عنده ... عطاء ببشراه أقر وأفرح ... وبالرتبة العليا الأسيلة دونها ... مراتب أرباب المواهب تلمح ... وفي جنة الفردوس أول داخل ... له سائر الأبواب بالخار تفتح ...
وهذا آخر ما يسر الله جمعه من الأخبار بالمغيبات التي وقعت إلى زماننا مما يدخل في دلائل النبوة والله الهادي وإذا فرغنا إن شاء الله من إيراد الحادثات من بعد موته عليه السلام إلى زماننا نتبع ذلك بذكر الفتن والملاحم الواقعة في آخر الزمان ثم نسوق بعد ذلك أشراط الساعة ثم نذكر البعث والنشور ثم ما يقع يوم القيامة من الأهوال وما فيه من العظمة ونذكر الحوض والميزان والصراط ثم نذكر صفة النار ثم صفة الجنة (6/300)
كتاب تاريخ الاسلام الاول من الحوادث الواقعة في الزمان ووفيات المشاهير والاعيان سنة إحدى عشرة من الهجرة
تقدم ما كان في ربيع الأول منها من وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين وذلك لثاني عشر منه على المشهور وقد بسطنا الكلام في ذلك بما فيه كفاية وبالله التوفيق
خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما فيها من الحوادث
قد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توفي يوم الإثنين وذلك ضحى فاشتغل الناس ببيعة أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة ثم في المسجد البيعة العامة في بقية يوم الاثنين وصبيحة الثلاثاء كما تقدم ذلك بطوله ثم أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم وتكفينه والصلاة عليه صلى الله عليه و سلم تسليما بقية يوم الثلاثاء ودفنوه ليلة الأربعاء كما تقدم ذلك مبرهنا في موضعه وقال محمد بن إسحاق بن يسار حدثني الزهري حدثني أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس إني قد قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سيدبر أمرنا يقول يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم الذي به هدى رسول الله صلى الله عليه و سلم فان اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فأني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله وهذا إسناد صحيح وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم على بيعة الصديق في ذلك الوقت حتى علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما والدليل على ذلك ما رواه البيهقي حيث قال أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد بن علي الحافظ الاسفراييني ثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ ثنا أبو بكر بن خزيمة وإبراهيم بن أبي طالب (6/301)
قالا ثنا بندار بن يسار ثنا أبو هشام المخزومي ثنا وهيب ثنا داود بن أبي هند ثنا أبو نصرة عن أبي سعيد الخدري قال قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر قال فقام خطيب الانصار فقال أتعلمون أنا أنصار رسول الله صلى الله عليه و سلم فنحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره قال فقام عمر بن الخطاب فقال صدق قائلكم ولو قلتم غير هذا لم نبايعكم فأخذ بيد أبي بكر وقال هذا صاحبكم فبايعوه فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والأنصار وقال فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير قال فدعا الزبير فجاء قال قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم أردت أن تشق عصا المسلمين قال لا تثريب يا خليفة رسول الله فقام فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فدعا بعلي بن أبي طالب قال قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين قال لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعه هذا أو معناه قال الحافظ أبو علي النيسابوري سمعت ابن خزيمة يقول جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأت عليه فقال هذا حديث يساوي بدنة فقلت يسوى بدنة بل هذا يسوي بدرة وقد رواه الامام أحمد عن الثقة عن وهيب مختصرا وأخرجه الحاكم في مستدركه من طريق عفان بن مسلم عن وهيب مطولا كنحو ما تقدم وروينا من طريق المحاملي عن القاسم بن سعيد بن المسيب عن علي بن عاصم عن الحريري عن أبي نصرة عن أبي سعيد فذكره مثله في مبايعة علي والزبير رضي الله عنهما يومئذ وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة ولا سألتها الله في سر ولا علانية فقبل المهاجرون مقالته وقال علي والزبير ما إلا لأننا أخرنا عن المشورة وإنا نرى أبا بكر احق الناس بها إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخيره ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة بالناس وهو حي وهذا اللائق بعلي رضي الله عنه والذي يدل عليه الأثار من شهوده معه الصلوات وخروجه معه إلى ذي القصة بعد موت رسول الله صلى الله عليه و سلم كما سنورده وبذله له النصيحة والمشورة بين يديه وأما ما يأتي من مبايعته إياه بعد موت فاطمة وقد ماتت بعد أبيها عليه السلام بستة اشهر فذلك محمول على أنها بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث ومنعه إياهم ذلك بالنص عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله لا نورث ما تركنا فهو صدقة كما تقدم إيراد اسانيده وألفاظه ولله الحمد وقد كتبنا هذه الطرق مستقصاة في الكتاب الذي أفردناه في سيرة الصديق رضي الله عنه وما أسنده من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وما روي عنه من الأحكام مبوبة على أبواب العلم ولله الحمد والمنة وقال سيف بن عمر (6/302)
التميمي عن أبي ضمرة عن أبيه عن عاصم بن عدي قال نادى منادي أبي بكر من الغد من متوفى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليتمم بعث أسامة ألا لا يبقين بالمدينة أحد من جيش أسامة إلا خرج إلى عسكره بالجرف وقام أبو بكر في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إنما أنا مثلكم واني لعلكم تكلفونني ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطيق إن الله اصطفى محمدا على العالمين وعصمه من الآفات وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فان استقمت فبايعوني وإن زغت فقوموني وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوط فما دونها وإن لي شيطانا يعتريني فإذا أتاني فاجتذوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم وإنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه وإن استطعتم أن لا يمضي إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله وسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال فان قوما نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم بعدهم فإياكم أن تكونوا أمثالهم الجد الجد النجاة النجاة الوحا الوحا فإن وراءكم طالبا حثيثا وأجلا أمره سريع احذروا الموت واعتبروا بالآباء والأبناء والأخوان ولا تطيعوا الأحياء إلا بما تطيعوا به الأموات قال وقام أيضا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه فأريدوا الله بأعمالكم فإنما أخلصتم لحين فقركم وحاجتكم اعتبروا عباد الله بمن مات منكم وتفكروا فيمن كان قبلكم أين كانوا أمس وأين هم اليوم أين الجبارون الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في مواطن الحروب قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميما قد تولت عليهم العالات الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات وأين الملوك الذين اثاروا الأرض وعمروها قد بعدوا ونسي ذكرهم وصاروا كلا شيء الا أن الله عز و جل قد أبقى عليهم التبعات وقطع عنهم الشهوات ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم وبعثنا خلفا بعدهم فان نحن اعتبرنا بهم نجونا وإن انحدرنا كنا مثلهم أين الوضاءة الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم صاروا ترابا وصار ما فرطوا فيه حسرة عليهم أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط وجعلوا فيها الأعاجيب قد تركوها لمن خلفهم فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا أين من تعرفون من آبائكم وإخوانكم قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه وأقاموا للشقوة أو السعادة بعد الموت ألا إن الله لا شريك له ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا ولا يصرف به عنه سوءا إلا بطاعته واتباع أمره واعلموا أنكم عبيد مدينون وأن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته أما آن لأحدكم أن تحسر عنه النار ولا تبعد عنه الجنة (6/303)
فصل في تنفيذ جيش اسامة بن زيد
الذين كانوا قد امرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمسير الى تخوم البلقاء من الشام حيث قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة فيغتزوا على تلك الأراضي فخرجوا إلى الجرف فخيموا به وكان بينهم عمر بن الخطاب ويقال وأبو بكر الصديق فاستثناه رسول الله منهم للصلاة فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم أقاموا هنالك فلما مات عظم الخطب واشتد الحال ونجم النفاق بالمدينة وارتد من ارتد من أحياء العرب حول المدينة وامتنع آخرون من أداء الزكاة إلى الصديق ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة وكانت جواثا من البحرين أول قرية اقامت الجمعة بعد رجوع الناس الى الحق كما في صحيح البخاري عن ابن عباس كما سيأتي وقد كانت ثقيف بالطائف ثبتوا على الأسلام لم يفروا ولا ارتدوا والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه إليه فيما هو أهم لأن ما جهز بسببه في حال السلامة وكان من جملة من اشار بذلك عمر بن الخطاب فامتنع الصديق من ذلك وأبى أشد الإباء إلا أن ينفذ جيش أسامة وقال والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزن جيش أسامة وآمر الحرس يكونون حول المدينة فكان خروجه في ذلك الوقت من أكبر المصالح والحالة تلك فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أرعبوا منهم وقالوا ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة فقاموا أربعين يوما ويقال سبعين يوما ثم أتوا سالمين غانمين ثم رجعوا فجهزهم حينئذ مع الاحياء الذين أخرجهم لقتال المرتدة وما نعي الزكاة على ما سيأتي تفصيله قال سيف بن عمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما بويع أبو بكر وجمع الانصار في الامر الذي افترقوا فيه قال ليتم بعث اسامة وقد ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة ونجم النفاق واشرأبت اليهودية والنصرانية والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه و سلم وقلتهم وكثرة عدوهم فقال له الناس إن هؤلاء جل المسلمين والعرب على ما ترى قد انتقصت بك وليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين فقال والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته وقد روى هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ومن حديث القاسم وعمرة عن عائشة قالت لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتدت العرب قاطبة وأشربت النفاق والله لقد نزل بي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها وصار أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم (6/304)
كأنهم معزى مطيرة في وحش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة فوالله ما اختلفوا في نقطة الا طار أبي بخطلها وعنانها وفصلها ثم ذكرت عمر فقالت من رأى عمر علم أنه خلق غنى للاسلام كان والله أحوذيا نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن علي الميموني ثنا الفريابي ثنا عباد بن كثير عن أبي الأعرج عن أبي هريرة قال والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قال الثانية ثم قال الثالثة فقيل له مه يا أبا هريرة فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام فلما نزل بذي خشب قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وارتدت العرب حول المدينة فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا يا أبا بكر رد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة فقال والذي لا إله غيره لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله ولا حللت لواء عقده رسول الله فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام عباد بن كثير هذا أظنه البرمكي لرواية الفريابي عنه وهو متقارب الحديث فأما البصري الثقفي فمتروك الحديث والله أعلم وروى سيف بن عمر عن أبي ضمرة وأبي عمرو وغيرهما عن الحسن البصري أن أبا بكر لما صمم على تجهيز جيش أسامة قال بعض الأنصار لعمر قل له فليؤمر علينا غير أسامة فذكر له عمر ذلك فيقال أنه أخذ بلحيته وقال ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أؤمر غير أمير رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نهض بنفسه إلى الجرف فاستعرض جيش أسامة وأمرهم بالمسير وسار معهم ماشيا واسامة راكبا وعبد الرحمن بن عوف يقود براحلة الصديق فقال أسامة يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل فقال والله لست بنازل ولست براكب ثم استطلق الصديق من أسامة عمر بن الخطاب وكان مكتتبا في جيشه فأطلقه له فلهذا كان عمر لا يلقاه بعد ذلك إلا قال السلام عليك أيها الأمير
مقتل الاسود العنسي المتنبي الكذاب
قال أبو جعفر بن جرير حدثني عمرو بن شيبة النميري ثنا علي بن محمد يعني المدائني عن أبي معشر ويزيد بن عياض عن جعد به وغسان بن عبد الحميد وجويرية بن أسماء عن مشيختهم قالوا أمضى أبو بكر جيش اسامة بن زيد في آخر ربيع الأول وأتى مقتل الأسود في آخر ربيع الأول بعد مخرج اسامة فكان ذلك أول فتح فتح أبو بكر وهو بالمدينة (6/305)
صفة خروجه وتمليكه ومقتله
قد أسلفنا فيما تقدم أن اليمن كانت لحمير وكانت ملوكهم يسمون التبابعة وتكلمنا في أيام الجاهلية على طرف صالح من هذا ثم إن ملك الحبشة بعث أميرين من قواده وهما أبرهة الأشرم وارياط فتملكا له اليمن من حمير وصار ملكها للحبشة ثم اختلف هذان الأميران فقتل ارياط واستقل أبرهة بالنيابة وبنى كنيسة سماها العانس لارتفاعها وأراد أن يصرف حج العرب إليها دون الكعبة فجاء بعض قريش فاحدث في هذه الكنيسة فلما بلغه ذلك حلف ليخربن بيت مكة فسار إليه ومعه الجنود والفيل محمود فكان من أمرهم ما قص الله في كتابه وقد تقدم بسط ذلك في موضعه فرجع ابرهة ببعض من بقي من جيشه في اسوأ حال وشر خيبة وما زال تسقط أعضاؤه أنملة أنملة فلما وصل إلى صنعاء انصدع صدره فمات فقام بالملك بعده ولده بلسيوم بن أبرهة ثم أخوه مسروق بن أبرهة فيقال إنه استمر ملك اليمن بأيدي الحبشة سبعين سنة ثم ثار سيف بن ذي يزن الحميري فذهب إلى قيصر ملك الروم يستنصره عليهم فأبى ذلك عليه لما بينه وبينهم من الاجتماع في دين النصرانية فسار إلى كسرى ملك الفرس فاستغاث به وله معه مواقف ومقامات في الكلام تقدم بسط بعضها ثم اتفق الحال على أن بعث معه ممن بالسحون طائفة تقدمهم رجل منهم يقال له وهرز فاستنقذ ملك اليمن من الحبشة وكسر مسروق بن أبرهة وقتله ودخلوا إلى صنعاء وقرروا سيف بن ذي يزن في الملك على عادة آبائه وجاءت العرب تهنئه من كل جانب غير أن لكسرى نوايا على البلاد فاستمر الحال على ذلك حتى بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقام بمكة ما أقام ثم هاجر إلى المدينة فلما كتب كتبه إلى الآفاق يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له فكتب في جملة ذلك إلى كسرى ملك الفرس
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس سلام على من اتبع الهدى أما بعد فأسلم تسلم إلى آخره فلما جاءه الكتاب قال ما هذا قالوا هذا كتاب جاء من عند رجل بجزيرة العرب يزعم أنه نبي فلما فتح الكتاب فوجده قد بدأ باسمه قبل اسم كسرى غضب كسرى غضبا شديدا وأخذ الكتاب فمزقه قبل أن يقرأه وكتب إلى عامله على اليمن وكان اسمه باذام أما بعد فاذا جاءك كتابي هذا فابعث من قبلك أمير إلى هذا الرجل الذي بجزيرة العرب الذي يزعم أنه نبي فابعثه إلي في جامعة فلما جاء لكتاب إلى باذام بعث من عنده أميرين عاقلين وقال اذهبا الى هذا الرجل فانطرا ما هو فإن كان كاذبا فخذاه في جامعة حتى تذهبا به الى كسرى وإن كان غير ذلك فارجعا إلي فاخبراني ما هو حتى أنظر في أمره فقدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة فوجداه على أسد الأحوال وأرشدها ورأيا منه امورا عجيبة يطول ذكرها ومكثا عنده (6/306)
شهرا حتى بلغا ما جاءا له ثم تقاضاه الجواب بعد ذلك فقال لهما ارجعا إلى صاحبكما فأخبراه أن ربي قد قتل الليلة ربه فأرخا ذلك عندهما ثم رجعا سريعا إلى اليمن فأخبرا باذام بما قال لهما فقال احصوا تلك الليلة فان ظهر الأمر كما قال فهو نبي فجاءت الكتب من عند ملكهم أنه قد قتل كسرى في ليلة كذا وكذا لتلك الليلة وكان قد قتله بنوه ولهذا قال بعض الشعراء ... وكسرى إذ تقاسمه بنوه ... بأسياف كما اقتسم اللحام ... تمخضت المنون له بيوم ... أنى ولكل حاملة تمام ...
وقام بالملك بعده ولده يزدجرد وكتب إلى باذام أن خذ لي البيعة من قبلك واعمد إلى ذلك الرجل فلا تهنه واكرمه فدخل الاسلام في قلب باذام وذريته من أبناء فارس ممن باليمن وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأسلامه فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بنيابة اليمن بكمالها فلم يعزله عنها حتى مات فلما مات استناب ابنه شهر بن باذام على صنعاء وبعض مخاليف وبعث طائفة من أصحابه نوابا على مخاليف أخر فبعث أولا في سنة عشر عليا وخالدا ثم أرسل معاذا وأبا موسى الأشعري وفرق عمالة اليمن بين جماعة من الصحابة فمنهم شهر بن باذام وعامر بن شهر الهمذاني على همذان وأبو موسى على مأرب وخالد بن سعيد بن العاص على عامر نجران ورفع وزبيد ويعلى ابن أمية على الجند والطاهر بن أبي هالة على عل والاشعريين وعمرو بن حرام على نجران وعلى بلاد حضرموت زياد بن لبيد وعلى السكاسك عكاشة بن مور بن أخضر وعلى السكون معاوية بن كندة وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين اليمن وحضرموت يتنقل من بلد إلى بلد ذكره سيف بن عمر وذلك كله في سنة عشر وآخر حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم فبينما هم على ذلك إذ نجم هذا اللعين الاسود العنسي
خروج الأسود العنسي
واسمه عبهلة بن كعب بن غوث من بلد يقال لها كهف حنان في سبعمائة مقاتل وكتب إلى عمال النبي صلى الله عليه و سلم أيها المتمردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به وأنتم على ما أنتم عليه ثم ركب فتوجه إلى نجران فأخذها بعد عشر ليال من مخرجه ثم قصد إلى صنعاء فخرج اليه شهر بن باذام فتقاتلا فغلبه الاسود وقتله وكسر جيشه من الأبناء واحتل بلدة صنعاء لخمس وعشرين ليلة من مخرجه ففر معاذ بن جبل من هنالك واجتاز بأبي موسى الأشعري فذهبا الى حضرموت وانحاز عمال رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الطاهر ورجع عمر بن حرام وخالد بن سعيد بن العاص إلى المدينة واستوثقت اليمن بكمالها للاسود العنسي وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة وكان جيشه يوم لقي شهرا سبعمائة فارس وأمراؤه قيس بن عبد يغوث ومعاوية (6/307)
ابن قيس ويزيد بن محرم بن حصن الحارثي ويزيد بن الافكل الأزدي واشتد ملكه واستغلظ أمره وارتد خلق من أهل اليمن وعامله المسلمون الذين هناك بالتقية وكان خليفته على مذحج عمرو بن معدي كرب واسند أمر الجند الى قيس بن عبد يغوث وأسند أمر الأبناء الى فيروز الديلمي وداذويه وتزوج بامرأة شهر بن باذام وهي ابنة عم فيروز الديلمي واسمها زاذ وكانت امرأة حسناء جميلة وهي مع ذلك مؤمنة بالله ورسوله محمد صلى الله عليه و سلم ومن الصالحات قال سيف بن عمر التميمي وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابه حين بلغه خبر الأسود العنسي مع رجل يقال له وبر بن يحنس الديلمي يأمر المسلمين الذين هناك بمقاتلة الاسود العنسي ومصاولته وقام معاذ بن جبل بهذا الكتاب أتم القيام وكان قد تزوج امرأة من السكون يقال لها رملة فحزبت عليه السكون لصبره فيهم وقاموا معه في ذلك وبلغوا هذا الكتاب إلى عمال النبي صلى الله عليه و سلم ومن قدروا عليه من الناس واتفق اجتماعهم بقيس بن عبد يغوث أمير الجند وكان قد غضب على الاسود واستخف به وهم بقتله وكذلك كان أمر فيروز الديلمي قد ضعف عنده أيضا وكذا داوذيه فلما أعلم وبر بن نحيس قيس بن عبد يغوث وهو قيس بن مكشوح كان كأنما نزلوا عليه من السماء ووافقهم على الفتك بالأسود وتوافق المسلمون على ذلك وتعاقدوا عليه فلما أيقن ذلك في الباطن اطلع شيطان الأسود للأسود على شيء من ذلك فدعا قيس بن مشكوح فقال له يا قيس ما يقول هذا قال وما يقول قال يقول عمدت إلى قيس فأكرمته حتى إذا دخل منك كل مدخل وصار في العز مثلك مال ميل عدوك وحاول ملكك وأضمر على الغدر إنه يقول يا أسود يا أسود يا سوآه يا سوآه فطف به وخذ من قيس أعلاه وإلا سلبك وقطف قلبك فقال له قيس وحلف له فكذب وذي الخمار لانت أعظم في نفسي وأجل عندي من أن أحدث بك نفسي فقال له الأسود ما إخالك تكذب الملك فقد صدق الملك وعرف الآن أنك تائب عما اطلع عليه منك ثم خرج قيس من بين يديه فجاء إلى أصحابه فيروز وداوذيه وأخبرهم بما قال له ورد عليه فقالوا إنا كلنا على حذر فما الرأي فبينما هم يشتورون إذ جاءهم رسوله فأحضرهم بين يديه فقال ألم أشرفكم على قومكم قالوا بلى قال فماذا يبلغني عنكم فقالوا أقلنا مرتنا هذه فقال لا يبلغني عنكم فأقيلكم قال فخرجنا من عنده ولم نكد وهو في ارتياب من أمرنا ونحن على خطر فبينما نحن في ذلك إذ جاءتنا كتب من عامر بن شهر أمير همدان وذي ظليم وذي كلاع وغيرهم من أمراء اليمن يبذلون لنا الطاعة والنصر على مخالفة الاسود وذلك حين جاءهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يحثهم على مصاولة الاسود العنسي فكتبنا اليهم أ لا يحدثوا شيئا حتى نبرم الأمر قال قيس فدخلت على امرأته (6/308)
ازاذ فقلت يا ابنة عمي قد عرفت بلاء هذا الرجل عند قومك قتل زوجك وطأطأ في قومك القتل وفضح النساء فهل عندك ممالأة عليه قالت على أي أمر قلت إخراجه قالت أو قتله قلت أو قتلة قالت نعم والله ما خلق الله شخصا هو أبغض إلي منه فما يقوم لله علي حق ولا ينتهي له عن حرمة فاذا عزمتم أخبروني أعلمكم بما في هذا الأمر قال فأخرج فاذا فيروز وداوذيه ينتظراني يريدون أن يناهضوه فما استقر اجتماعه بهما حتى بعث اليه الأسود فدخل في عشرة من قومه فقال ألم أخبرك بالحق وتخبرني بالكذابة إنه يقال يا سوأة يا سوأة إن لم تقظع من قيس يده يقطع رقبتك العليا حتى ظن قيس أنه قاتله فقال إنه ليس من الحق أن أهلك وأنت رسول الله فقتلي أحب إلي من مرتات أموتها كل يوم فرق له وأمره بالانصارف فخرج إلى أصحابه فقال اعملوا عملكم فبينما هم وقوف بالباب يشتورون إذ خرج الأسود عليهم وقد جمع له مائة ما بين بقرة وبعير فقام وخط وأقيمت من ورائه وقام دونها فنحرها غير محبسة ولا معلقة ما يقتحم الخط منها شيء فجالت إلى أن زهقت أرواحها قال قيس فما رأيت أمرا كان أفظع منه ولا يوما أوحش منه ثم قال الأسود أحق ما بلغني عنك يا فيروز لقد هممت أن أنحرك فألحقك بهذه البهيمة وأبدي له الحربة فقال له فيروز اخترتنا لصهرك وفضلتنا على الأبناء فلو لم تكن نبيا ما بعنا نصيبنا منك بشيء فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر الآخرة والدنيا فلا تقبل علينا أمثال ما يبلغك فأنا بحيث تحب فرضي عنه وأمره بقسم لحوم تلك الانعام ففرقها فيروز في أهل صنعاء ثم اسرع اللحاق به فاذا رجل يحرضه على فيروز ويسعى إليه فيه واستمع له فيروز فإذا الاسود يقول أنا قاتله غدا وأصحابه فاغد علي به ثم التفت فاذا فيروز فقال مه فأخبره فيروز بما صنع من قسم ذلك اللحم فدخل الاسود داره ورجع فيروز إلى أصحابه فأعلمهم بما سمع وبما قال وقيل له فاجتمع رأيهم على أن عاودوا المرأة في أمره فدخل أحدهم وهو فبروز إليها فقالت إنه ليس من الدار بيت إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت فأن ظهره إلى مكان كذا وكذا من الطريق فأذا أمسيتم فانقبوا عليه من دون الحرس وليس من دون قتله شيء وإني سأضع في البيت سراجا وسلاحا فلما خرج من عندها تلقاه الأسود فقال له ما أدخلك على أهلي ووحأ رأسه وكان الأسود شديدا فصاحت المرأة فأدهشته عنه ولولا ذلك لقتله وقالت ابن عمي جاءني زائرا فقال اسكتي لا أبالك قد وهبته لك فخرج على أصحابه فقال النجاء النجاء وأخبرهم الخبر فحاروا ماذا يصنعون فبعثت المرأة إليهم تقول لهم لا تنثنوا عما كنتم عازمين عليه فدخل عليها فيروز الديلمي فاستثبت منها الخبر ودخلوا إلى ذلك البيت فنقبوا داخله بطائن ليهون عليهم النقب من خارج ثم جلس عندها (6/309)
جهرة كالزائر فدخل الأسود فقال وما هذا فقالت إنه أخي من الرضاعة وهو ابن عمي فنهره وأخرجه فرجع إلى أصحابه فلما كان الليل نقبوا ذلك البيت فدخلوا فوجدوا فيه سراجا تحت جفنة فتقدم اليه فيروز الديلمي والأسود نائم على فراش من حرير قد غرق رأسه في جسده وهو سكران يغط والمرأة جالسة عنده فلما قام فيروز على الباب أجلسه شيطانه وتكلم على لسانه وهو مع ذلك يغط فقال مالي ومالك يا فيروز فخشي إن رجع يهلك وتهلك المرأة فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل فأخذ رأسه فدق عنقه ووضع ركبتيه في ظهره حتى قتله ثم قام ليخرج إلى أصحابه ليخبرهم فأخذت المرأة بذيله وقالت أين تذهب عن حرمتك فظنت أنها لم تقتله فقال أخرج لأعلمهم بقتله فدخلوا عليه ليحتزوا رأسه فحركه شيطانه فاضطرب فلم يضبطوا أمره حتى جلس اثنان على ظهره وأخذت المرأة بشعره وجعل يبربر بلسانه فاحتز بلسانه فاحتز الآخر رقبته فخار كأشد خوار ثور سمع قط فابتدر الحرس إلى المقصورة فقالوا ما هذا ما هذا فقالت المرأة النبي يوحي إليه فرجعوا وجلس قيس داذويه وفيروز يأتمرون كيف يعملون أشياعهم فاتفقوا على أنه إذا كان الصباح ينادون بشعارهم الذي بينهم وبين المسلمين فلما كان الصباح قام أحدهم وهو قيس على سور الحصن فنادى بشعارهم فاجتمع المسلمون والكافرون حول الحصن فنادى قيس ويقال وبر بن يحنش الأذان اشهد أن محمدا رسول الله وأن عبهلة كذاب وألقى إليهم رأسه فانهزم أصحابه وتبعهم الناس يأخذونهم ويرصدونهم في كل طريق يأسرونهم وظهر الأسلام وأهله وتراجع نواب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أعمالهم وتنازع أولئك الثلاثة في الأمارة ثم اتفقوا على معاذ ابن جبل يصلي بالناس وكتبوا بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أطلعه الله على الخبر من ليلته كما قال سيف بن عمر التميمي عن أبي القاسم الشنوي عن العلاء بن زيد عن ابن عمر أتى الخبر إلى النبي صلى الله عليه و سلم من السماء الليلة التي قتل فيها العنسي ليبشرنا فقال قتل العنسي البارحة قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين قيل ومن قال فيروز فيروز وقد قيل إن مدة ملكه منذ ظهر إلى أن قتل ثلاثة أشهر ويقال أربعة اشهر فالله أعلم وقال سيف بن عمر عن المستنير عن عروة عن الضحاك عن فيروز قال قتلنا الأسود وعاد أمرنا في صنعاء كما كان إلا أنا أرسلنا إلى معاذ بن جبل فتراضينا عليه فكان يصلي بنا في صنعاء فوالله ما صلى بنا إلا ثلاثة أيام حتى أتانا الخبر بوفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتقضت الأموروأنكرنا كثيرا مما كنا نعرف واضطربت الأرض وقد قدمنا أن خبر العنسي جاء إلى الصديق في أواخر ربيع الأول بعد ما جهز جيش أسامة وقيل بل جاءت البشارة إلى المدينة صبيحة توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم والأول أشهر والله أعلم والمقصود أنه لم يجئهم فيما يتعلق بمصالحهم واجتماع كلمتهم وتأليف ما بينهم (6/310)
والتمسك بدين الإسلام إلا الصديق رضي الله عنه وسيأتي إرساله إليهم من يمهد الأمور التي اضطربت في بلادهم ويقوي أيدي المسلمين ويثبت أركان دعائم الإسلام فيهم رضي الله عنهم
فصل في تصدي الصديق لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة
قد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما توفي ارتدت أحياء كثيرة من الأعراب ونجم النفاق بالمدينة وانحاز إلى مسيلمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة والتفت على طليحة الأسدي بنو أسد وطيء وبشر كثير أيضا وادعى النبوة أيضا كما ادعاها مسيلمة الكذاب وعظم الخطب واشتدت الحال ونفذ الصديق جيش أسامة فقل الجند عند الصديق فطمعت كثير من الأعراب في المدينة وراموا أن يهجموا عليها فجعل الصديق على أنقاب المدينة حراسا يبيتون بالجيوش حولها فمن أمراء الحرس علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق وذكر أن منهم من احتج بقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم قالوا فلسنا ندفع زكاتنا الا إلى من صلاته سكن لنا وأنشد بعضهم ... أطعنا رسول الله إذ كان بيننا ... فواعجبا ما بال ملك أبي بكر ...
وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم ثم هم بعد ذلك يزكون فامتنع الصديق من ذلك وأباه وقد روى الجماعة في كتبهم سوى ابن ماجه عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال لابي بكر علام تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها فقال أبو بكر والله لو منعوني عناقا وفي رواية عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأقاتلنهم على منعها إن الزكاة حق المال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة قال عمر فما هو الا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق قلت وقد قال الله تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وثبت في الصحيحين بني الأسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان وقد روى الحافظ ابن عساكر من طريقين عن شبابة ابن سوار ثنا عيسى بن يزيد المديني حدثني صالح بن كيسان قال لما كانت الردة قام أبو بكر (6/311)
في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال الحمد لله الذي هدى فكفى وأعطى فأغنى إن الله بعث محمد صلى الله عليه و سلم والعلم شريد والإسلام غريب طريد قد رث حبله وخلق عهده وضل أهله منه ومقت الله أهل الكتاب فلا يعطيهم خيرا لخير عندهم ولا يصرف عنهم شرا لشر عندهم قد غيروا كتابهم وألحقوا فيه ما ليس منه والعرب الآمنون يحسبون أنهم في منعة من الله لا يعبدونه ولا يدعونه فأجهدهم عيشا وأضلهم دينا في ظلف من الارض مع ما فيه من السحاب فختمهم الله بمحمد وجعلهم الأمة الوسطى نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه و سلم فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله عليه وأخذ بأيديهم وبغى هلكتهم وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين إن من حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم ولم يكونوا في دينهم وإن رجعوا إليه أزهد منهم يومهم هذا ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا على ما قد تقدم من بركة نبيكم صلى الله عليه و سلم وقد وكلكم إلى المولى الكافي الذي وجده ضالا فهداه وعائلا فأغناه وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها الآية والله لا أدع أن أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده ويوفي لنا عهده ويقتل من قتل منا شهيدا من أهل الجنة ويبقى من بقي منها خليفته وذريته في أرضه قضاء الله الحق وقوله الذي لا خلف له وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض الآية ثم نزل وقال الحسن وقتادة وغيرهما في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه الآية قالوا المراد بذلك أبو بكر وأصحابه في قتالهم المرتدين ومانعي الزكاة وقال محمد بن إسحاق ارتدت العرب عند وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ما خلا أهل المسجدين مكة والمدينة وارتدت أسد وغطفان وعليهم طليحة بن خويلد الأسدي الكاهن وارتدت كندة ومن يليها وعليهم الأشعث بن قيس الكندي وارتدت مذحج ومن يليها وعليهم الأسود بن كعب العنسي الكاهن وارتدت ربيعة مع المعرور ابن النعمان بن المنذر وكانت حنيفة مقيمة على أمرها مع مسيلمة بن حبيب الكذاب وارتدت سليم مع الفجأة واسمه أنس بن عبد ياليل وارتدت بنو تميم مع سجاح الكاهنة وقال القاسم بن محمد اجتمعت أسد وغطفان وطيء على طليحة الأسدي وبعثوا وفودا إلى المدينة فنزلوا على وجوه الناس فأنزلوهم إلا العباس فحملوا بهم إلى أبي بكر على أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة فعزم الله لأبي بكر على الحق وقال لو منعوني عقالا لجاهدتهم فردهم فرجعوا إلى عشائرهم فأخبروهم بقلة أهل المدينة وطمعوهم فيها فجعل أبو بكر الحرس على أنقاب المدينة وألزم أهل المدينة بحضور المسجد وقال إن الأرض كافرة وقد رأى وفدهم منكم قلة وإنكم لا تدرون ليلا يأتون أم نهارا وأدناهم (6/312)
منكم على بريد وقد كان القوم يؤملون أن نقبل منهم ونوادعهم وقد أبينا عليهم فاستعدوا وأعدوا فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة وخلفوا نصفهم بذي حسي ليكونوا ردءا لهم وأرسل الحرس الى أبي بكر يخبرونه بالغارة فبعث إليهم أن الزموا مكانكم وخرج أبو بكر في أهل المسجد على النواضح إليهم فانفش العدو واتبعهم المسلمون على إبلهم حتى بلغوا ذا حسي فخرج عليهم الردء فالتقوا مع الجمع فكان الفتح وقد قال ... أطعنا رسول الله ما كان وسطنا ... فيالعباد الله ما لأبي بكر ... أيورثنا بكرا إذا مات بعده ... وتلك لعمر الله قاصمة الظهر ... فهلا رددتم وفدنا بزمانه ... وهلا خشيتم حس راعية البكر ... وإن التي سألوكمو فمنعتمو ... لكالتمر أو أحلى إلي من التمر ...
وفي جمادى الآخرة ركب الصديق في أهل المدينة وأمراء الأنقاب إلى من حول المدينة من الأعراب الذين أغاروا عليها فلما تواجه هو وأعداؤه من بني عبس وبني مرة وذبيان ومن ناصب معهم من بني كنانة وأمدهم طليحة بابنه حبال فلما تواجه القوم كانوا قد صنعوا مكيدة وهي أنهم عمدوا إلى أنحاء فنفخوها ثم أرسلوها من رءوس الجبال فلما رأتها إبل أصحاب الصديق نفرت وذهبت كل مذهب فلم يملكوا من أمرها شيئا إلى الليل وحتى رجعت إلى المدينة فقال في ذلك الخطيل بن أوس ... فدى لبني ذبيان رحلي وناقتي ... عشية يحدى بالرماح أبو بكر ... ولكن يدهدى بالرجال فهبنه ... إلى قدر ما تقيم ولا تسري ... ولله أجناد تذاق مذاقه ... لتحسب فيما عد من عجب الدهر ... أطعنا رسول الله ما كان بيننا ... فيالعباد الله ما لأبي بكر ...
فلما وقع ما وقع ظن القوم بالمسلمين الوهن وبعثوا إلى عشائرهم من نواحي أخر فاجتمعوا وبات أبو بكر رضي الله عنه قائما ليله يعبى الناس ثم خرج على تعبئة من آخر الليل وعلى ميمنته النعمان ابن مقرن وعلى الميسرة أخوه عبد الله بن مقرن وعلى الساقة أخوهما سويد بن مقرن فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد فما سمعوا للمسلمين حسا ولا همسا حتى وضعوا فيهم السيوف فما طلعت الشمس حتى ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل حبال واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة وكان أول الفتح وذل بها المشركون وعز بها المسلمون ووثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم وفعل من وراءهم كفعلهم فحلف أبو بكر ليقتلن من كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين وزيادة ففي ذلك يقول زياد بن حنظلة التميمي (6/313)
غداة سعى أبو بكر إليهم ... كما يسعى لموتته حلال ... أراح على نواهقها عليا ... ومج لهن مهجته حبال ...
وقال أيضا ... أقمنا لهم عرض الشمال فكبكبوا ... ككبكبة الغزى أناخوا على الوفر ... فما صبروا للحرب عند قيامها ... صبيحة يسمو بالرجال أبو بكر ... طرقنا بني عبس بأدنى نباجها ... وذبيان نهنهنا بقاصمة الظهر ...
فكانت هذه الوقعة من أكبر العون على نصر الأسلام وأهله وذلك أنه عز المسلمون في كل قبيلة وذل الكفار في كل قبيلة ورجع أبو بكر إلى المدينة مؤيدا منصورا سالما غانما وطرقت المدينة في الليل صدقات عدي بن حاتم وصفوان والزبرقان إحداها في أول الليل والثانية في أوسطه والثالثة في آخره وقدم بكل واحدة منهن بشير من أمراء الأنقاب فكان الذي بشر بصفوان سعد ابن أبي وقاص والذي بشر بالزبرقان عبد الرحمن بن عوف والذي بشر بعدي بن حاتم عبد الله ابن مسعود ويقال أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه وذلك على رأس ستين ليلة من متوفى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قدم أسامة بن زيد بعد ذلك بليال فاستخلفه أبو بكر على المدينة وأمرهم أن يريحوا ظهرهم ثم ركب أبو بكر في الذين كانوا معه في الوقعة المتقدمة إلى ذي القصة فقال له المسلمون لو رجعت إلى المدينة وأسلت رجلا فقال والله لا أفعل ولأواسينكم بنفسي فخرج في تعبئته الى ذي حسي وذي القصة والنعمان وعبد الله وسويد بنو مقرن على ما كانوا عليه حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق وهناك جماعة من بني عبس وذبيان وطائفة من بني كنانة فاقتتلوا فهزم الله الحارث وعوفا وأخذ الحطيئة أسيرا فطارت بنو عبس وبنو بكر وأقام أبو بكر على الأبرق أياما وقد غلب بني ذبيان على البلاد وقال حرام على بني ذبيان أن يتملكوا هذه البلاد إذ غنمناها الله وحمى الابرق بخيول المسلمين وأرعى سائر بلاد الربذة ولما فرت عبس وذبيان صاروا إلى مؤازرة طلحة وهو نازل على بزاخة وقد قال في يوم الأبرق زياد بن حنظلة ... ويوم بالأبارق قد شهدنا ... على ذبيان يلتهب التهابا ... أتيناهم بداهية نسوف ... مع الصديق إذ ترك العتابا ... خروجه الى ذي القصة حين عقد ألوية الامراء الاحد عشر
وذلك بعد ما جم جيش اسامة واستراحوا وركب الصديق أيضا في الجيوش الأسلامية شاهرا سيفه مسلولا من المدينة إلى ذي القصة وهي من المدينة على مرحلة وعلي بن أبي طالب يقود براحلة الصديق رضي الله عنهما كما سيأتي فسأله الصحابة منهم علي وغيره وألحوا عليه أن يرجع (6/314)
إلى المدينة وأن يبعث لقتال الأعراب غيره ممن يؤمره من الشجعان الأبطال فأجابهم الى ذلك وعقد لهم الالوية لأحد عشر أميرا على ما سنفصله قريبا إن شاء الله وقد روى الدارقطني من حديث عبد الوهاب بن موسى الزهري عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر قال لما برز أبو بكر إلى القصة واستوى على راحلته أخذ علي بن أبي طالب بزمامها وقال إلى أين يا خليفة رسول الله أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد لم سيفك ولا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للأسلام نظام أبدا فرجع هذا حديث غريب من طريق مالك وقد رواه زكريا الساجي من حديث عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف [ و ] الزهري أيضا عن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت خرج أبي شاهرا سيفه راكبا على راحلته الى وادي القصة فجاء علي بن أبي طالب فأخذ بزمام راحلته فقال إلى أين يا خليفة رسول الله أقول لك ما قال رسول الله يوم أحد لم سيفك ولا تفجعنا بنفسك فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للاسلام بعدك نظام أبدا فرجع وأمضى الجيش وقال سيف بن عمر عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد لما استراح اسامة وجنده وقد جاءت صدقات كثيرة تفضل عنهم قطع أبو بكر البعوث وعقد الالوية فعقد أحد عشر لواء عقد لخالد بن الوليد وامره بطليحة ابن خويلد فاذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن اقام له ولعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة وبعث شرحبيل بن حسنة في أثره إلى مسيلمة الكذاب ثم إلى بني قضاعة وللمهاجرين أبي أمية وامره بجنود العنسي ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح قلت وذلك لانه كان قد نزع يده من الطاعة على ما سيأتي قال ولخالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام ولعمرو بن العاص إلى جماع قضاعة ووديعة والحارث ولحذيفة بن محصن الغطفاني وأمره بأهل دبا وبعرفجة وهرثمة وغير ذلك ولطرفة بن حاجب وأمره ببنى سليم ومن معهم من هوازن ولسويد بن مقرن وأمره بتهامة اليمن وللعلاء بن الحضرمى وأمره بالبحرين رضي الله عنهم وقد كتب لكل أمير كتاب عهده على حدته ففصل كل أمير بجنده من ذي القصة ورجع الصديق الى المدينة وقد كتب معهم الصديق كتابا الى الربذة وهذه نسخته بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة أقام على إسلامه او رجع عنه سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى الى الضلالة والهوى فاني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله نقر بما جاء به ونكفر من أبى ذلك ونجاهده أما بعد فأن الله أرسل بالحق من عنده الى خلقه بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله بأذنه وسراجا منيرا لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فهدى الله بالحق من (6/315)
أجاب إليه وضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم من أدبر عنه حتى صار إلى الاسلام طوعا وكرها ثم توفى الله رسوله وقد نفذ لامر الله ونصح لأمته وقضى الذي عليه وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الاسلام في الكتاب الذي أنزل فقال إنك ميت وإنهم ميتون وقال وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفأن مت فهم الخالدون وقال للمؤمنين وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين فمن كان إنما يعبد محمدا فأن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم حافظ لأمره منتقم من عدوه وإني أوصيكم بتقوى الله وحظكم ونصيبكم وما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه و سلم وأن تهتدوا بهداه وأن تعتصموا بدين الله فأن كل من لم يهده الله ضال وكل من لم يعنه الله مخذول ومن هداه غير الله كان ضالا قال الله تعالى من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ولن يقبل له في الدنيا عمل [ عبد ] حتى يقر به ولم يقبل له في الآخرة صرف ولا عدل وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغترارا بالله وجهلا بأمره وإجابة للشيطان قال الله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا وقال إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وإني بعثت إليكم في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بأحسان وأمرته أن لا يقبل من أحد الا الايمان بالله ولا يقتله حتى يدعوه إلى الله عز و جل فإن أجاب وأقر وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه وإن أبى حاربه عليه حتى يفيء إلى أمر الله ثم لا يبقى على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم بالنار وأن يقتلهم كل قتلة وأن يسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد غير الاسلام فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فلن يعجز الله وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابه في كل مجمع لكم والداعية الأذان فاذا أذن المسلمون فكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فسلوهم ما عليهم فان أبوا عاجلوهم وإن أقروا حمل منهم على ما ينبغي لهم رواه سيف بن عمر عن عبد الله بن سعيد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك
فصل في مسيرة الأمراء من ذي القصة على ما عوهدوا عليه
وكان سيد الأمراء ورأس الشحعان الصناديد أبو سليمان خالد بن الوليد روى الامام أحمد من طريق وحشي بن حرب أن أبا بكر الصديق لما عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله (6/316)
سله الله على الكفار والمنافقين ولما توجه خالد من ذي القصة وفارقه الصديق وأعده أنه سيلقاه من ناحية خيبر بمن معه من الأمراء وأظهروا ذلك ليرعبوا الأعراب وأمره أن يذهب أولا الى طليحة الأسدي ثم يذهب بعده إلى بني تميم وكان طليحة بن خويلد في قومه بني أسد وفي غطفان وانضم إليهم بنو عبس وذيبان وبعث إلى بني جديلة والغوث وطيء يستدعيهم إليه فبعثوا أقواما منهم بين أيديهم ليلحقوا على أثرهم سريعا وكان الصديق قد بعث عدي بن حاتم قبل خالد بن الوليد وقال له أدرك قومك لا يلحقوا بطليحة فيكون دمارهم فذهب عدي إلى قومه بني طيء فأمرهم أن يبايعوا الصديق وأن يراجعوا أمر الله فقالوا لا نبايع أبا الفضل أبدا يعنون أبا بكر رضي الله عنه فقال والله ليأتينكم جيش فلا يزالون يقاتلونكم حتى تعلموا أنه أبو الفحل الأكبر ولم يزل عدي يفتل لهم في الذروة والغارب حتى لانوا وجاء خالد في الجنود وعلى مقدمة الانصار الذين معه ثابت بن قيس بن شماس وبعث بين يديه ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن طليعة فتلقاهما طليحة وأخوه سلمة فيمن معهما فلما وجدا ثابتا وعكاشة تبارزوا فقتل عكاشة جبال بن طليحة وقيل بل كان قتل جبالا قبل ذلك وأخذ ما معه وحمل عليه طليحة فقتله وقتل هو وأخوه سلمة ثابت بن أقرم وجاء خالد بمن معه فوجدوهما صريعين فشق ذلك على المسلمين وقد قال طليحة في ذلك ... عشية غادرت ابن أقرم ثاويا ... وعكاشة العمي تحت مجال ... أقمت له صدر الحمالة إنها ... معودة قبل الكماة نزال ... فيوم تراها في الجلال مصونة ... ويوم تراها في ظلال عوالي ... وإن يك أولاد أصبن ونسوة ... فلم يذهبوا فرغا بقتل حبال ...
ومال خالد إلى بني طيء فخرج اليه عدي بن حاتم فقال أنظرني ثلاثة ايام فأنهم قد استنظروني حتى يبعثوا إلى من تعجل منهم إلى طليحة حتى يرجعوا إليهم فأنهم يخشون إن تابعوك أن يقتل طليحة من سار إليه منهم وهذا أحب إليك من أن يعجلهم الى النار فلما كان بعد ثلاث جاءه عدي في خمسمائة مقاتل ممن راجع الحق فانضافو إلى جيش خالد وقصد خالد بني جديلة فقال له يا خالد أجلني أياما حتى آتيهم فلعل الله أن ينقذهم كما أنقذ طيئا فأتاهم عدي فلم يزل بهم حتى تابعوه فجاء خالدا باسلامهم ولحق بالمسلمين منهم ألف راكب فكان عدي خير مولود وأعظمه بركة على قومه رضي الله عنهم قالوا ثم سار خالد حتى نزل بأجأ وسلمى وعبى جيشه هنالك والتقى مع طليحة الاسدي بمكان يقال له بزاخة ووقفت أحياء كثيرة من الاعراب ينظرون على من تكون الدائرة وجاء طليحة فيمن معه من قومه ومن التف معهم وانضاف إليهم وقد حضر (6/317)
معه عيينة بن حصن في سبعمائة من قومه بني فزارة واصطف الناس وجلس طليحة ملتفا في كساء له يتنبأ لهم ينظر ما يوحى إليه فيما يزعم وجعل عيينة يقاتل ما يقاتل حتى إذا ضجر من القتال يجيء إلى طليحة وهو ملتف في كسائه فيقول أجاءك جبريل فيقول لا فيرجع فيقاتل ثم يرجع فيقول له مثل ذلك ويرد عليه مثل ذلك فلما كان في الثالثة قال له هل جاءك جبريل قال نعم قال فما قال لك قال قال لي إن لك رحاء كرحاه وحديثا لا تنساه قال يقول عيينة أظن أن قد علم الله سيكون لك حديث لا تنساه ثم قال يا بني فزارة انصرفوا وانهزم وانهزم الناس عن طليحة فلما جاءه المسلمون ركب على فرس كان قد أعدها له وأركب امرأته النوار على بعير له ثم انهزم بها الى الشام وتفرق جمعه وقد قتل الله طائفة ممن كان معه فلما أوقع الله بطليحة وفزارة ما أوقع قالت بنو عامر وسليم وهوازن ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن بالله ورسوله ونسلم لحكمه في أموالنا وأنفسنا قلت وقد كان طليحة الاسدي ارتد في حياة النبي صلى الله عليه و سلم فلما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم قام بمؤازرته عيينة بن حصن من بدر وارتد عن الاسلام وقال لقومه والله لنبي من بني أسد أحب إلي من نبي من بني هاشم وقد مات محمد وهذا طليحة فاتبعوه فوافق قومه بنو فزارة على ذلك فلما كسرهما خالد هرب طليحة بامرأته إلى الشام فنزل على بني كلب وأسر خالد عيينة بن حصن وبعث به إلى المدينة مجموعة يداه إلى عنقه فدخل المدينة وهو كذلك فجعل الولدان والغلمان يطعنونه بأيديهم ويقولون أي عدو الله ارتددت عن الأسلام فيقول والله ما كنت آمنت قط فلما وقف بين يدي الصديق استتابه وحقن دمه ثم حسن إسلامه بعد ذلك وكذلك من علي قرة بن هبيرة وكان أحد الأمراء مع طليحة فأسره مع عيينة وأما طليحة فأنه راجع الاسلام بعد ذلك أيضا وذهب إلى مكة معتمرا أيام الصديق واستحيي أن يواجهه مدة حياته وقد رجع فشهد القتال مع خالد وكتب الصديق الى خالد أن استشره في الحرب ولا تؤمره يعني معاملته له بنقيض ما كان قصده من الرياسة في الباطن وهذا من فقه الصديق رضي الله عنه وأرضاه وقد قال خالد بن الوليد لبعض أصحاب طليحة ممن أسلم وحسن إسلامه أخبرنا عما كان يقول لكم طليحة من الوحي فقال إنه كان يقول الحمام واليمام والصرد والصوام قد صمن قبلكم بأعوام ليبلغن ملكنا العراق والشام إلى غير ذلك من الخرافات والهذيانات السمجة وقد كتب أبو بكر الصديق الى خالد بن الوليد حين جاءه أنه كسر طليحة ومن كان في صفه وقام بنصره فكتب إليه ليزدك ما أنعم الله به خيرا واتق الله في أمرك فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون جد في أمرك ولا تلن ولا تظفر باحد من المشركين قتل من المسلمين الا نكلت به ومن أخذت ممن حاد الله أو ضاده ممن يرى أن في ذلك صلاحا فاقتله فأقام خالد ببزاخة شهرا (6/318)
يصعد فيها ويصوب ويرجع إليها في طلب الذين وصاه بسبيهم الصديق فجعل يتردد في طلب هؤلاء شهرا يأخذ بثأر من قتلوا من المسلمين الذين كانوا بين أظهرهم حين ارتدوا فمنهم من حرقه بالنار ومنهم من رضخه بالحجارة ومنهم من رمى به من شواهق الجبال كل هذا ليعتبر بهم من يسمع بخبرهم من مرتدة العرب رضي الله عنه وقال الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال لما قدم وفد بزاخة أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصلح خيرهم أبو بكر بين حرب مجلية أو حطة مخزية فقالوا يا خليفة رسول الله أما الحرب المجلية فقد عرفناها فما الحطة المخزية قال تؤخذ منكم الحلقة والكراع وتتركون أقواما يتبعون أذناب الابل حتى يرى الله خليفة نبيه والمؤمنين أمرا يعذرونكم به وتؤدون ما أصبتم منا ولا نؤدي ما اصبنا منكم وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم فقال عمر أما قولك تدون قتلانا فإن قتلانا قتلوا على أمر الله لا ديات لهم فامتنع عمر وقال عمر في الثاني نعم ما رأيت ورواه البخاري من حديث الثوري بسنده مختصرا
وقعة اخرى
كان قد اجتمع طائفة كثيرة من الفلال يوم بزاخة من أصحاب طليحة من بني غطفان فاجتمعوا إلى امرأة يقال لها أم زمل سلمة بنت ملك بن حذيفة وكانت من سيدات العرب كأمها أم قرفة وكان يضرب بأمها المثل في الشرف لكثرة أولادها وعزة قبيلتها وبيتها فلما اجتمعوا إليها ذمرتهم لقتال خالد فهاجوا لذلك وناشب إليهم آخرون من بني سليم وطيء وهوازن وأسد فصاروا جيشا كثيفا وتفحل أمر هذه المرأة فلما سمع بهم خالد بن الوليد سار إليهم واقتتلوا قتالا شديدا وهي راكبة على جمل أمها الذي كان يقال له من يمس جملها فله مائة من الإبل وذلك لعزها فهزمهم خالد وعقرجملها وقتلها وبعث بالفتح الى الصديق رضي الله عنه
قصة الفجاءة
واسمه إياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن عميرة بن خفاف من بني سليم قاله ابن اسحاق وقد كان الصديق حرق الفجاءة بالبقيع في المدينة وكان سببه أنه قدم عليه فزعم أنه أسلم وسأل منه أن يجهز معه جيشا يقاتل به أهل الردة فجهز معه جيشا فلما سار جعل لا يمر بمسلم ولا مرتد إلا قتله وأخذ ماله فلما سمع الصديق بعث وراءه جيشا فرده فلما أمكنه بعث به الى البقيع فجمعت يداه الى قفاه وألقي في النار فحرقه وهو مقموط
قصة سجاح وبني تميم
كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة فمنهم من ارتد ومنع الزكاة ومنهم من بعث (6/319)
بأموال الصدقات إلى الصديق ومنهم من توقف لينظر في أمره فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التغلبية من الجزيرة وهي من نصارى العرب وقد ادعت النبوة ومعها جنود من قومها ومن التف بهم وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها فاستجاب لها عامتهم وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي وعطارد بن حاجب وجماعة من سادات أمراء بني تميم وتخلف آخرون منهم عنها ثم اصطلحوا على أن لا حرب بينهم الا أن مالك بن نويرة لما وادعها ثناها عن عودها وحرضها على بني يربوع ثم اتفق الجميع على قتال الناس وقالوا بمن نبدأ فقالت لهم فيما تسجعه أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم أغيروا على الرباب فليس دونهم حجاب ثم إنهم تعاهدوا على نصرها فقال قائل منهم ... أتتنا أخت تغلب في رجال ... جلائب من سراة بني أبينا ... وارست دعوة فينا سفاها ... وكانت من عمائر آخرينا ... فما كنا لنرزيهم زبالا ... وما كانت لتسلم إذ أتينا ... ألا سفهت حلومكم وضلت ... عشية تحشدون لها ثبينا ...
وقال عطارد بن حاجب في ذلك ... أمست نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا ...
ثم إن سجاح قصدت بجنودها اليمامة لتأخذها من مسيلمة بن حبيب الكذاب فهابه قومها وقالوا إنه قد استفحل أمره وعظم فقالت لهم فيما تقوله عليكم باليمامة دفوا دفيف الحمامة فإنها غزوة صرامة لا تلحقكم بعدها ملامة قال فعمدوا لحرب مسيلمة فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده وذلك أنه مشغول بمقاتلة ثمامة بن أثال وقد ساعده عكرمة بن أبي جهل بجنود المسلمين وهم نازلون ببعض بلاده ينتظرون قدوم خالد كما سيأتي فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت فقد رده الله عليك فحباك به وراسلها ليجتمع بها في طائفة من قومه فركب اليها في أربعين من قومه وجاء إليها فاجتمعا في خيمة فلما خلا بها وعرض عليها ما عرض من نصف الأرض وقبلت ذلك قال مسيلمة سمع الله لمن سمع وأطمعه بالخير إذا طمع ولا يزال أمره في كل ما يسر مجتمع رآكم ربكم فحياكم ومن وحشته أخلاكم ويوم دينه أنجاكم فأحياكم علينا من صلوات معشر أبرار لا أشقياء ولا فجار يقومون الليل ويصومون النهار لربكم الكبار رب الغيوم والامطار وقال أيضا لما رأيت وجوههم حسنت وأبشارهم صفت وأيديهم طفلت قلت لهم لا النساء تأتون ولا الخمر تشربون ولكنكم معشر أبرار تصومون فسبحان (6/320)
الله إذا جاءت الحياة كيف تحيون وإلى ملك السماء كيف ترقون فلو أنها حبة خردلة لقام عليها شهيد يعلم ما في الصدور ولأكثر الناس فيها الثبور وقد كان مسيلمة لعنه الله شرع لمن اتبعه أن الأعزب يتزوج فاذا ولد له ذكر فيحرم عليه النساء حينئذ الا أن يموت ذلك الولد الذكر فتحل له النساء حتى يولد له ذكر هذا مما اقترحه لعنه الله من تلقاء نفسه ويقال إنه لما خلا بسجاح سألها ماذا يوحى إليها فقالت وهل يكون النساء يبتدئن بل أنت ماذا أوحي إليك فقال ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا قالت وماذا فقال إن الله خلق للنساء أفراجا وجعل الرجال لهن أزواجا فنولج فيهن قعسا إيلاجا ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا فينتجن لنا سخالا إنتاجا فقالت اشهد أنك نبي فقال لها هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب قالت نعم فقال ... ألا قومي إلى النيك فقد هيي لك المضجع ... فإن شئت ففي البيت وإن شئت ففي المخدع ... وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع ... وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع ...
فقالت بل به أجمع فقال بذلك أوحي إلي واقامت عنده ثلاثة ايام ثم رجعت إلى قومها فقالوا ما أصدقك فقالت لم يصدقني شيئا فقالوا إنه قبيح على مثلك أن تتزوج بغير صداق فبعثت إليه تسأله صداقا فقال ارسلي إلي مؤذنك فبعثته إليه وهو شبت بن ربعي فقال ناد في قومك إن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد يعني صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة فكان هذا صداقها عليه لعنهما الله ثم انثنت سجاح راجعة إلى بلادها وذلك حين بلغها دنو خالد من أرض اليمامة فكرت راجعة الى الجزيرة بعد ما قبضت من مسيلمة نصف خراج أرضه فأقامت في قومها بني تغلب إلى زمان معاوية فأجلاهم منها عام الجماعة كما سيأتي بيانه في موضعه
فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي
كان قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة فلما اتصلت بمسيلمة لعنهما الله ثم ترحلت إلى بلادها فلما كان ذلك ندم مالك بن نويرة على ما كان من أمره وتلوم في شأنه وهو نازل بمكان يقال له البطاح فقصدها خالد بجنوده وتأخرت عنه الأنصار وقالوا إنا قد قضينا ما أمرنا به الصديق فقال لهم خالد ان هذا أمر لا بد من فعله وفرصة لا بد من انتهازها وإنه لم يأتني فيها كتاب وأنا الأمير وإلي ترد الأخبار ولست بالذي أجبركم على المسير وأنا قاصد البطاح فسار (6/321)
يومين ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار فلحقوا به فلما وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة وبذلوا الزكوات إلا ما كان من مالك بن نويرة فأنه متحير في أمره متنح عن الناس فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه واختلفت السرية فيهم فشهد أبو قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة وقال آخرون إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا فيقال إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة شديدة البرد فنادى منادي خالد إن أدفئوا أسراكم فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة فلما سمع الداعية خرج وقد فرغو منهم فقال إذا أراد الله أمرا أصابه واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة وهي أم تميم ابنة المنهال وكانت جملية فلما حلت بنى بها ويقال بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح وعلى منعه الزكاة وقال ألم تعلم أنها قرينة الصلاة فقال مالك إن صاحبكم كان يزعم ذلك فقال أهو صاحبنا وليس بصاحبك يا ضرار اضرب عنقه فضربت عنقه وأمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدرا فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم ويقال إن شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر ولم تفرغ الشعر لكثرته وقد تكلم أبو قتادة مع خالد فيما صنع وتقاولا في ذلك حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصديق وتكلم عمر مع أبي قتادة في خالد وقال الصديق اعزله فإن في سيفه رهقا فقال أبو بكر لا أشيم سيفا سله الله على الكفار وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصديق خالدا وعمر يساعده وينشد الصديق ما قال في أخيه من المراثي فوداه الصديق من عنده ومن قول متمم في ذلك ... وكنا كندماني جذيمة برهة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا ... وعشنا بخير ما حيينا وقبلنا ... أباد المنايا قوم كسرى وتبعا ... فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ...
وقال أيضا ... لقد لامني عند العبور على البكى ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك ... وقال أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوي بين اللوى فالدكادك ... فقلت له إن الاسى يبعث الأسى ... فدعني فهذا كله قبر مالك ...
والمقصود أنه لم يزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحرض الصديق ويذمره على عزل خالد عن الأمرة ويقول إن في سيفه لرهقا حتى بعث الصديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة وقد لبس درعه التي من حديد وقد صدئ من كثرة الدماء وغرز في عمامته النشاب المضمخ بالدماء (6/322)
فلما دخل المسجد قام إليه عمر بن الخطاب فانتزع الأسهم من عمامة خالد فحطمها وقال أرياء قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته والله لارجمنك بالجنادل وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأي الصديق فيه كرأي عمر حتى دخل على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك وودى مالك بن نويرة فخرج من عنده وعمر جالس في المسجد فقال خالد هلم إلي يا ابن أم شملة فلم يرد عليه وعرف أن الصديق قد رضي عنه واستمر أبو بكر بخالد على الأمرة وإن كان قد اجتهد في قتل مالك بن نويرة وأخطأ في قتله كما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بعثه إلى أبي جذيمة فقتل أولئك الأسارى الذين قالوا صبأنا صبأنا ولم يحسنوا أن يقولوا اسلمنا فوداهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى رد إليهم ميلغة الكلب ورفع يديه وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ومع هذا لم يعزل خالدا عن الأمرة
مقتل مسيلمة الكذاب لعنه الله
لما رضي الصديق عن خالد بن الوليد وعذره بما اعتذر به بعثه إلى قتال بني حنيفة باليمامة وأوعب معه المسلمون وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شماس فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل بهم وقد اجتاز بخيول لأصحاب سجاح فشردهم وأمر باخراجهم من جزيرة العرب وأردق الصديق خالدا بسرية لتكون ردءا له من وراءه وقد كان بعث قبله إلى مسيلمة عكرمة بن أبي جهل وشرحبيل بن حسنة فلم يقاوما بني حنيفة لأنهم في نحو أربعين ألفا من المقاتلة فعجل عكرمة بن أبي جهل مجيء صاحبه شرحبيل فناجزهم فنكب فانتظر خالدا فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له عقربا في طرف اليمامة والريف وراء ظهورهم وندب الناس وحثهم فحشد له أهل اليمامة وجعل على مجنبتي جيشة المحكم بن الطفيل والرجال من عنفوة بن نهشل وكان الرجال هذا صديقه الذي شهد له أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنه قد اشرك معه مسيلمة بن حبيب في الأمر وكان هذا الملعون من أكبر ما أضل أهل اليمامة حتى اتبعوا مسيلمة لعنهما الله وقد كان الرجال هذا قد وفد إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقرأ البقرة وجاء زمن الردة إلى أبي بكر فبعثه إلى أهل اليمامة يدعوهم إلى الله ويثبتهم على الأسلام فارتد مع مسيلمة وشهد له بالنبوة قال سيف بن عمر عن طلحة عن عكرمة عن أبي هريرة كنت يوما عند النبي صلى الله عليه و سلم في رهط معنا الرجال بن عنفوة فقال إن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من أحد فهلك القوم وبقيت انا والرجال وكنت متخوفا لها حتى خرج الرجال مع مسيلمة وشهد له بالنبوة فكانت فتنة الرجال أعظم من فتنة مسيلمة رواه ابن اسحاق عن شيخ عن أبي هريرة وقرب خالد وقد جعل على المقدمة شرحبيل بن حسنة وعلى المجنبتين زيدا وأبا حذيفة وقد مرت المقدمة في الليل بنحو من أربعين وقيل ستين فارسا عليهم مجاعة بن مرارة وكان (6/323)
قد ذهب لأخذ ثأر له في بني تميم وبني عامر وهو راجع إلى قومه فأخذوهم فلما جيء بهم الى خالد عن آخرهم فاعتذروا اليه فلم يصدقهم وأمر بضرب أعناقهم كلهم سوى مجاعة فإنه استبقاه مقيدا عنده لعلمه بالحرب والمكيدة وكان سيدا في بني حنيفة شريفا مطاعا ويقال إن خالدا لما عرضوا عليه قال لهم ماذا تقولون يا بني حنيفة قالوا نقول منا نبي ومنكم نبي فقتلهم إلا واحدا اسمه سارية فقال له ايها الرجل إن كنت تريد عدا بعدول هذا خيرا أو شرا فاستبق هذا الرجل يعني مجاعة بن مرارة فستبقاه خالد مقيدا وجعله في الخيمة مع امرأته وقال استوصي به خيرا فلما تواجه الجيشان قال مسيلمة لقومه اليوم يوم الغيرة اليوم إن هزمتم تستنكح النساء سبيات وينكحن غير حظيات فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد على كثيب يشرف على اليمامة فضرب به عسكره وراية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس والعرب على راياتها ومجاعة بن مرارة مقيد في الخيمة مع أم تميم امرأة خالد فاصطدم المسلمون والكفار فكانت جولة وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد وهموا بقتل أم تميم حتى أجارها مجاعة وقال نعمت الحرة هذه وقد قتل الرجال بن عنفوة لعنه الله في هذه الجولة قتله زيد بن الخطاب ثم تذامر الصحابة بينهم وقال ثابت بن قيس بن شماس بئس ما عودتم أقرانكم ونادوا من كل جانب اخلصنا يا خالد فخلصت ثلة من المهاجرين والأنصار وحمى البراء بن معرور وكان إذا رأى الحرب أخذته العرواء فيجلس على ظهر الرحال حتى يبول في سراويله ثم يثور كما يثور الاسد وقاتلت بنو حنيفه قتالا لم يعهد مثله وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم وحفر ثابت ابن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقية وهو حامل لواء الأنصار بعد ما تحنط وتكفن فلم يزل ثابتا حتى قتل هناك وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة أتخشى أن نؤتى من قبلك فقال بئس حامل القرآن أنا إذا وقال زيد بن الخطاب أيها الناس عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم وامضوا قدما وقال والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله فأكلمه بحجتي فقتل شهيدا رضي الله عنه وقال أبو حذيفة يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال وحمل فيهم حتى أبعدهم وأصيب رضي الله عنه وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار لجبال مسيلمة وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله ثم رجع ثم وقف بين الصفين ودعا البراز وقال أنا ابن الوليد العود أنا ابن عامر وزيد ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ يا محمداه وجعل لا يبرز لهم أحد إلا قتله ولا يدنو منه شيء إلا أكله ودارت رحى المسلمين ثم اقترب من مسيلمة فعرض عليه النصف والرجوع إلى الحق فجعل شيطان مسيلمة يلوي عنقه لا يقبل منه شيئا وكلما أراد مسيلمة يقارب من الأمر (6/324)
صرفه عنه شيطانه فانصرف عنه خالد وقد ميز خالد المهاجرين من الأنصار من الأعراب وكل بني أب على رايتهم يقاتلون تحتها حتى يعرف الناس من أين يؤتون وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبرا لم يعهد مثله ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم وولى الكفار الأدبار واتبعوهم يقتلون في أقفائهم ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاءوا حتى ألجأوهم إلى حديقة الموت وقد أشار عليهم محكم اليمامة وهم محكم بن الطفيل لعنه الله بدخولها فدخلوها وفيها عدو الله مسيلمة لعنه الله وأدرك عبد الرحمن بن ابي بكر محكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم وأحاط بهم الصحابة وقال البراء بن مالك يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة فاحتملوه فوق الجحف ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم من فوق سورها فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة لعنه الله وإذا هو واقف في ثلمة جدار كأنه جمل أورق وهو يريد يتساند لا يعقل من الغيظ وكان إذا اعتراه شيطانه أزبد حتى يخرج الزبد من شدقيه فتقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم قاتل حمزة فرماه بحربته فاصابه وخرجت من الجانب الآخر وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط فنادت امرأة من القصر واأمير الوضاءة قتله العبد الاسودفكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل وقيل احد وعشرون ألفا وقتل من المسلمين ستمائة وقيل خمسمائة فالله أعلم وفيهم من سادات الصحابة وأعيان الناس من يذكر بعد وخرج خالد وتبعه مجاعة بن مرارة يرسف في قيوده فجعل يريه القتلى ليعرفه بمسيلمة فلما مروا بالرجال بن عنفوة قال له خالد أهذا هو قال لا والله هذا خير منه هذا الرجال بن عنفوة قال سيف بن عمر ثم مروا برجل أصفر أخنس فقال هذا صاحبكم فقال خالد قبحكم الله على اتباعكم هذا ثم بعث خالد الخيول حول اليمامة يلتقطون ما حول حصونها من مال وسبي ثم عزم على غزو الحصون ولم يكن بقي فيها إلا النساء والصبيان والشيوخ الكبار فخدعه مجاعة فقال أنها ملأى رجالا ومقاتلة فهلم فصالحني عنها فصالحه خالد لما رأى بالمسلمين من الجهد وقد كلوا من كثرة الحروب والقتال فقال دعني حتى أذهب إليهم ليوافقوني على الصلح فقال اذهب فسار إليهم مجاعة فأمر النساء أن يلبسن الحديد ويبرزن على رؤوس الحصون فنظر خالد فإذا الشرفات ممتلئة من رؤوس الناس فظنهم كما قال مجاعة فانتظر الصلح ودعاهم خالد إلى الاسلام فأسلموا عن اخرهم ورجعوا إلى الحق ورد عليهم خالد بعض ما كان أخذ من السبي وساق الباقين إلى الصديق وقد تسرى علي بن أبي طالب بجارية منهم وهي ام ابنه محمد الذي يقال له محمد بن الحنفية رضي الله (6/325)
عنه وقد قال ضرار بن الازور في غزوة اليمامة هذه ... فلو سئلت عنا جنوب لأخبرت ... عشية سالت عقرباء وملهم ... وسال بفرع الواد حتى ترقرت ... حجارته فيه من القوم بالدم ... عشية لا تغني الرماح مكانها ... ولا النبل إلا المشرفي المصمم ... فإن تبتغي الكفار غير مسيلمة ... جنوب فإني تابع الدين مسلم ... أجاهد إذ كان الجهاد غنيمة ... ولله بالمرء المجاهد أعلم ...
وقد قال خليفة بن حناط ومحمد بن جرير وخلق من السلف كانت وقعة اليمامة في سنة إحدى عشرة وقال ابن قانع في آخرها وقال الواقدي وآخرون كانت في سنة ثنتي عشرة والجمع بينها أن ابتداءها في سنة إحدى عشرة والفراغ منها في سنة ثنتي عشرة والله أعلم ولما قدمت وفود بني حنيفة على الصديق قال لهم أسمعونا شيئا من قرآن مسيلمة فقالوا أوتعفينا يا خليفة رسول الله فقال لا بد من ذلك فقالوا كان يقول يا ضفدع بنت الضفدعين نقي لكم نقين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين رأسك في الماء وذنبك في الطين وكان يقول والمبذرات زرعا والحاصدات حصدا والذاريات قمحا والطاحنات طحنا والخابزات خبزا والثاردات ثردا واللاقمات لقما إهالة وسمنا لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المدر رفيقكم فامنعوه والمعتر فآووه والناعي فواسوه وذكروا أشياء من هذه الخرافات التي يأنف من قولها الصبيان وهم يلعبون فيقال إن الصديق قال لهم ويحكم اين كان يذهب بقولكم إن هذا الكلام لم يخرج من أل وكان يقول والفيل وما أدراك ما الفيل له زلوم طويل وكان يقول والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسد من رطب ولا يابس وتقدم قوله لقد أنعم الله على الحبلى اخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى وأشياء من هذا الكلام السخيف الركيك البارد السميج وقد أورد أبو بكر ابن الباقلاني رحمه الله في كتابه إعجاز القرآن أشياء من كلام هؤلاء الجهلة المتنبئين كمسيلمة وطليحة والأسود وسجاح وغيرهم مما يدل على ضعف عقولهم وعقول من اتبعهم على ضلالهم ومحالهم وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفد الى مسيلمة في ايام جاهليته فقال له مسيلمة ماذا أنزل على صاحبكم في هذا الحين فقال له عمرو لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال وما هي قال أنزل عليه والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر قال ففكر مسيلمة ساعة ثم رفع رأسه فقال ولقد أنزل على مثلها فقال له عمرو وما هي فقال مسيلمة ياوبر ياوبر إنما أنت ايراد وصدر وسائرك حفر نقر ثم قال كيف ترى يا عمرو فقال له عمرو والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب وذكر علماء التاريخ أنه كان يتشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم (6/326)
بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بصق في بئر فغزر ماؤه فبصق في بئر فغاض ماؤه بالكلية وفي أخرى فصار ماؤه أجاجا وتوضأ وسقى بوضوئه نخلا فيبست وهلكت وأتى بولدان يبرك عليهم فجعل يمسح رءوسهم فمنهم من قرع رأسه ومنهم من لثغ لسانه ويقال إنه دعا لرجل أصابه وجع في عينيه فمسحهما فعمي وقال سيف بن عمر عن خليد بن زفر النمري عن عمير بن طلحة عن أبيه أنه جاء إلى اليمامة فقال أين مسيلمة فقال مه رسول الله فقال لا حتى اراه فلما جاء قال أنت مسيلمة فقال نعم قال من ياتيك قال رجس قال أفي نور أو في ظلمة فقال في ظلمة فقال أشهد أنك كذاب وان محمدا صادق ولكن كذاب ربيعة احب إلينا من صادق مضر واتبعه هذا الأعرابي الجلف لعنه الله حتى قتل معه يوم عقربا لا رحمه الله
ذكر ردة أهل البحرين وعودهم إلى الأسلام
كان من خبرهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قد بعث العلاء بن الحضرمي إلى ملكها المنذر بن ساوى العبدي وأسلم على يديه وأقام فيهم الأسلام والعدل فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم توفي المنذر بعده بقليل وكان قد حضر عنده في مرضه عمرو بن العاص فقال له يا عمرو هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجعل للمريض شيئا من ماله قال نعم الثلث قال ماذا أصنع به قال إن شئت تصدقت به على أقربائك وإن شئت على المحاويج وإن شئت جعلته صدقة من بعدك حبسا محرما فقال إني أكره ان أجعله كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام ولكني أتصدق به ففعل ومات فكان عمرو بن العاص يتعجب منه فلما مات المنذر ارتد أهل البحرين وملكوا عليهم الغرور وهو المنذر ابن النعمان بن المنذر وقال قائلهم لو كان محمد نبيا ما مات ولم يبق بها بلدة على الثبات سوى قرية يقال لها جواثا كانت أول قرية اقامت الجمعة من أهل الردة كما ثبت ذلك في البخاري عن ابن عباس وقد حاصرهم المرتدون وضيقوا عليهم حتى منعوا من الأقوات وجاعوا جوعا شديدا حتى فرج الله وقد قال رجل منهم يقال له عبد الله بن حذف أحد بني بكر بن كلاب وقد اشتد عليه الجوع ... ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا ... فهل لكم إلى قوم كرام ... قعود في جواثا محصرينا ... كأن دماءهم في كل فج ... شعاع الشمس يغشى الناظرينا ... توكلنا على الرحمن إنا ... قد وجدنا الصبر للمتوكلينا ...
وقد قام فيهم رجل من أشرافهم وهو الجارود بن المعلى وكان ممن هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خطيبا وقد جمعهم قال يا معشر عبد القيس إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتوه (6/327)
ولا تجيبوني إن لم تعلموه فقالوا سل قال أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد قالوا نعم قال تعلمونه أم ترونه قالوا نعلمه قال فما فعلوا قالوا ماتوا قال فان محمدا صلى الله عليه و سلم مات كما ماتوا وإني أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فقالوا ونحن أيضا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنت أفضلنا وسيدنا وثبتوا على إسلامهم وتركوا بقية الناس فيما هم فيه وبعث الصديق رضي الله عنه كما قدمنا إليهم العلاء بن الحضرمي فلما دنا من البحرين جاء إليه ثمامة بن أثال في محفل كبير وجاء كل أمراء تلك النواحي فانضافوا إلى جيش العلاء بن الحضرمي فأكرمهم العلاء وترحب بهم وأحسن إليهم وقد كان العلاء من سادات الصحابة العلماء العباد مجابي الدعوة اتفق له في هذه الغزوة أنه نزل منزلا فلم يستقر الناس على الأرض حتى نفرت الأبل بما عليها من زاد الجيش وخيامهم وشرابهم وبقوا على الأرض ليس معهم شيء سوى ثيابهم وذلك ليلا ولم يقدروا منها على بعير واحد فركب الناس من الهم والغم ما لا يحد ولا يوصف وجعل بعضهم يوصي إلى بعض فنادى منادي العلاء فاجتمع الناس إليه فقال أيها الناس ألستم المسلمين ألستم في سبيل الله ألستم أنصار الله قالوا بلى قال فأبشروا فوالله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم ونودي بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بالناس فلما قضى الصلاة جثا على ركبتيه وجثا الناس ونصب في الدعاء ورفع يديه وفعل الناس مثله حتى طلعت الشمس وجعل الناس ينظرون إلى سراب الشمس يلمع مرة بعد أخرى وهو يجتهد في الدعاء فلما بلغ الثالثة إذا قد خلق الله إلى جانبهم غديرا عظيما من الماء القراح فمشى ومشى الناس إليه فشربوا واغتسلوا فما تعالى النهار حتى أقبلت الابل من كل فج بما عليها لم يفقد الناس من أمتعتهم سلكا فسقوا الابل عللا بعد نهل فكان هذا مما عاين الناس من آيات الله بهذه السرية ثم لما اقترب من جيوش المرتدة وقد حشدوا وجمعوا خلقا عظيما نزل ونزلوا وباتوا متجاورين في المنازل فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتا عالية في جيش المرتدين فقال من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء فقام عبد الله ابن حذف فدخل فيهم فوجدهم سكارى لا يعقلون من الشراب فرجع إليه فأخبره فركب العلاء من فوره والجيش معه فكبسوا أولئك فقتلوهم قتلا عظيما وقل من هرب منهم واستولى على جميع أموالهم وحواصلهم وأثقالهم فكانت غنيمة عظيمة جسيمة وكان الحطم بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة من سادات القوم نائما فقام دهشا حين اقتحم المسلمون عليهم فركب جواده فانقطع ركابه فجعل يقول من يصلح لي ركابي فجاء رجل من المسلمين في الليل فقال أنا أصلحها لك ارفع رجلك فلما رفعها ضربه بالسيف فقطعها مع قدمه فقال له أجهز علي فقال لا أفعل فوقع صريعا كلما مر به أحد يسأله أن يقتله فيأبى حتى مر به قيس بن عاصم فقال له أنا الحطم فاقتلني (6/328)
فقتله فلما وجد رجله مقطوعة ندم على قتله وقال واسوأتاه لو أعلم ما به لم أحركه ثم ركب المسلمون في آثار المنهزمين يقتلونهم بكل مرصد وطريق وذهب من فر منهم أو أكثرهم في البحر إلى دارين ركبوا اليها السفن ثم شرع العلاء بن الحضرمي في قسم الغنيمة ونقل الاثقال وفرغ من ذلك وقال للمسلمين اذهبوا بنا إلى دارين لنغزو من بها من الأعداء فأجابوا إلى ذلك سريعا فسار بهم حتى أتى ساحل البحر ليركبوا في السفن فرأى أن الشقة بعيدة لا يصلون إليهم في السفن حتى يذهب أعداء الله فاقتحم البحر بفرسه وهو يقول يا ارحم الراحمين يا حكيم يا كريم يا أحد يا صمد يا محيي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام لا إله إلا أنت يا ربنا وامر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا ففعلوا ذلك فأجاز بهم الخليج بأذن الله يمشون على مثل رملة دمثة فوقها ماء لا يغمر أخفاف الأبل ولا يصل إلى ركب الخيل ومسيرته للسفن يوم وليلة فقطعه إلى الساحل الآخر فقاتل عدوه وقهرهم واحتاز غنائمهم ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر فعاد إلى موضعه الأول وذلك كله في يوم ولم يترك من العدو مخبرا واستاق الذراري والأنعام والأموال ولم يفقد المسلمون في البحر شيئا سوى عليقة فرس لرجل من المسلمين ومع هذا رجع العلاء فجاءه بها ثم قسم غنائم المسلمين فيهم فأصاب الفارس ألفين والراجل ألفا مع كثرة الجيش وكتب إلى الصديق فأعلمه بذلك فبعث الصديق يشكره على ما صنع وقد قال رجل من المسلمين في مرورهم في البحر وهو عفيف بن المنذر ... ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار إحدى الجلائل ... دعونا الى شق البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار الأوائل ...
وقد ذكر سيف بن عمر التميمي أنه كان مع المسلمين في هذه المواقف والمشاهد التي رأوها من أمر العلاء وما أجرى الله على يديه من الكرامات رجل من أهل هجر راهب فأسلم حينئذ فقيل له ما دعاك إلى الإسلام فقال خشيت إن لم افعل أن يمسخني الله لما شاهدت من الآيات قال وقد سمعت في الهواء وقت السحر دعاء قالوا وما هو قال اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك والبديع ليس قبلك شيء والدائم غير الغافل والذي لا يموت وخالق ما يرى وما لا يرى وكل يوم أنت في شأن وعلمت اللهم كل شيء علما قال فعلمت أن القوم لم يمانعوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله قال فحسن إسلامه وكان الصحابة يسمعون منه
ذكر ردة أهل عمان ومهرة اليمن
أما أهل عمان فنبغ فيهم رجل يقال له ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي وكان يسمى في الجاهلية الجلندي فادعى النبوة أيضا وتابعه الجهلة من أهل عمان فتغلب عليها وقهر جيفرا وعبادا (6/329)
وألجأهما إلى أطرافها من نواحي الجبال والبحر فبعث جيفر إلى الصديق فأخبره الخبر واستجاشه فبعث إليه الصديق بأميرين وهما حذيفة بن محصن الحميري وعرفجة البارقي من الازد حذيفة إلى عمان وعرفجة إلى مهرة وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعمان وحذيفة هو الأمير فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير وقد قدمنا أن عكرمة بن أبي جهل لما بعثه الصديق إلى مسيلمة وأتبعه بشرحبيل بن حسنة عجل عكرمة وناهض مسيلمة قبل مجيء شرحبيل ليفوز بالظفر وحده فناله من مسيلمة قرح والذين معه فتقهقر حتى جاء خالد بن الوليد فقهر مسيلمة كما تقدم وكتب إليه الصديق يلومه على تسرعه قال لا أرينك ولا أسمعن بك الا بعد بلاء وأمره أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عمان وكل منكم أمير على جيشه وحذيفة ما دمتم بعمان فهو أمير الناس فأذا فرغتم فاذهبوا إلى مهرة فإذا ف فرغتم منها فاذهب إلى اليمن وحضرموت فكن مع المهاجر بن أبي أمية ومن لقيته من المرتدة بين عمان إلى حضرموت فنكل به فسار عكرمة لما أمره به الصديق فلحق حذيفة وعرفجة قبل أن يصلا إلى عمان وقد كتب إليهما الصديق أن ينتهيا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من السير من عمان أو المقام بها فساروا فلما اقتربوا من عمان راسلوا جيفرا وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش فخرج في جموعه فعسكر بمكان يقال له دبا وهي مصر تلك البلاد وسوقها العظمى وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم ليكون أقوى لحربهم واجتمع جيفر وعباد بمكان يقال له صحار فعسكرا به وبعثا الى امراء الصديق فقدموا على المسلمين فتقابل الجيشان هنالك وتقاتلوا قتالا شديدا وابتلى المسلمون وكادوا أن يولوا فمن الله بكرمه ولطفه أن بعث إليهم مددا في الساعة الراهنة من بني ناجية وعبد القيس في جماعة من الأمراء فلما وصلوا إليهم كان الفتح والنصر فولى المشركون مدبرين وركب المسلمون ظهورهم فقتلوا من عشرة آلاف مقاتل وسبوا الذراري وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها وبعثوا بالخمس إلى الصديق رضي الله عنه مع أحد الأمراء وهو عرفجة ثم رجع إلى أصحابه وأما مهرة فأنهم لما فرغوا من عمان كما ذكرنا سار عكرمة بالناس إلى بلاد مهرة بمن معه من الجيوش ومن أضيف إليها حتى اقتحم على مهرة بلادها فوجدهم جندين على أحدهما وهم الأكثر أمير يقال له المصبح أحد بني محارب وعلى الجند الآخر أمير يقال له شخريت وهما مختلفان وكان هذا الاختلاف رحمة على المؤمنين فراسل عكرمة شخريت فأجابه وانضاف إلى عكرمة فقوي بذلك المسلمون وضعف جأش المصبح فبعث إليه عكرمة يدعوه إلى الله وإلى السمع والطاعة فاغتر بكثرة من معه ومخالفة لشخريت فتمادى على طغيانه فسار إليه عكرمة بمن معه من الجنود فاقتتلوا مع المصبح أشد من قتال دبا المتقدم ثم فتح الله بالظفر والنصر ففر المشركون وقتل المصبح وقتل خلق كثير من قومه وغنم المسلمون أموالهم فكان في (6/330)
جملة ما غنموا ألفا نجيبة فخمس عكرمة ذلك كله وبعث بخمسه إلى الصديق مع شخريت وأخبره بما فتح الله عليه والبشارة مع رجل يقال له السائب من بني عابد من مخزوم وقد قال في ذلك رجل يقال له علجوم ... جزى الله شخريتا وأفناء هاشما ... وفرضم إذ سارت إلينا الحلائب ... جزاء مسيء لم يراقب لذمة ... ولم يرجها فيما يرجى الأقارب ... أعكرم لولا جمع قومي وفعلهم ... لضاقت عليكم بالفضاء المذاهب ... وكنا كمن اقتاد كفا بأختها ... وحلت علينا في الدهور النوائب ...
وأما أهل اليمن فقد قدمنا أن الأسود العنسي لعنه الله لما نبغ باليمن أضل خلقا كثيرا من ضعفاء العقول والأديان حتى ارتد كثير منهم أو أكثرهم عن الأسلام وأنه لما قتله الأمراء الثلاثة قيس بن مكشوح وفيروز الديلمي وداذويه وكان ما قدمنا ذكره ولما بلغهم موت رسول الله صلى الله عليه و سلم ازداد بعض أهل اليمن فيما كانوا فيه من الحيرة والشك أجارنا الله من ذلك وطمع قيس بن مكشوح في الأمرة باليمن فعمل لذلك وارتد عن الأسلام وتابعه عوام أهل اليمن وكتب الصديق إلى الامراء والرؤساء من أهل اليمن أن يكونوا [ عونا إلى ] فيروز والأبناء على قيس بن مكشوح حتى تأتيهم جنوده سريعا وحرص قيس على قتل الاميرين الأخيرين فلم يقدر إلا على داذويه واحترز منه فيروز الديلمي وذلك أنه عمل طعاما وأرسل إلى داذويه أولا فلما جاءه عجل عليه فقتله ثم أرسل إلى فيروز ليحضر عنده فلما كان ببعض الطريق سمع امرأة تقول لأخرى وهذا أيضا والله مقتول كما قتل صاحبه فرجع من الطريق وأخبر أصحابه بقتل داذويه وخرج إلى أخواله خولان فتحصن عندهم وساعدته عقيل وعك وخلق وعمد قيس إلى ذراري فيروز وداذويه والأبناء فأجلاهم عن اليمن وأرسل طائفة في البر وطائفة في البحر فاحتد فيروز فخرج في خلق كثير فتصادف هو وقيس فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم قيسا وجنده من العوام وبقية جند الأسود العنسي فهزموا في كل وجه وأسر قيس وعمرو بن معدي كرب وكان عمرو قد ارتد أيضا وبايع الأسود العنسي وبعث بهما المهاجر بن ابي أمية إلى أبي بكر أسيرين فعنفهما وأنبهما فاعتذرا إليه فقبل منهما علانيتهما ووكل سرائرهما إلى الله عز و جل وأطلق سراحهما وردهما إلى قومهما ورجعت عمال رسول الله صلى الله عليه و سلم الذين كانوا باليمن إلى أماكنهم التي كانوا عليها في حياته عليه السلام بعد حروب طويلة لو استقصينا إيرادها لطال ذكرها وملخصها أنه ما من ناحية من جزيرة العرب إلا وحصل في أهلها ردة لبعض الناس فبعث الصديق إليهم جيوشا وأمراء يكونون عونا لمن في تلك الناحية من المؤمنين فلا يتواجه المشركون والمؤمنون في موطن من تلك المواطن إلا غلب جيش الصديق لمن هناك من (6/331)
المرتدين ولله الحمد والمنة وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وغنموا مغانم كثيرة فيتقوون بذلك على من هنالك ويبعثون بأخماس ما يغنمون إلى الصديق فينفقه في الناس فيحصل لهم قوة أيضا ويستعدون به على قتال من يريدون قتالهم من الأعاجم والروم على ما سيأتي تفصيله ولم يزل الأمر كذلك حتى لم يبق بجزيرة العرب إلا أهل طاعة لله ولرسوله وأهل ذمة من الصديق كأهل نجران وما جرى مجراهم ولله الحمد وعامة ما وقع من هذه الحروب كان في أواخر سنة إحدى عشرة وأوائل سنة ثنتي عشرة ولنذكر بعد إيراد هذه الحوادث من توفي في هذه السنة من الأعيان والمشاهير وبالله المستعان وفيها رجع معاذ بن جبل من اليمن وفيها استبقى أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
ذكر من توفي في هذه السنة
أعني سنة إحدى عشرة من الأعيان والمشاهير وذكرنا معهم من قتل باليمامة لأنها كانت في سنة إحدى عشرة على قول بعضهم وإن كان المشهور أنها في ربيع سنة ثنتي عشرة توفي فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم محمد بن عبد الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة وذلك في ربيعها الأول يوم الاثنين ثاني عشره على المشهور كما قدمنا بيانه وبعده بسته أشهر على الأشهر توفيت ابنته فاطمة رضي الله عنها وتكنى بأم أبيها وقد كان صلوات الله وسلامه عليه عهد إليها أنها أول أهله لحوقا به وقال لها مع ذلك أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة وكانت أصغر بنات النبي صلى الله عليه و سلم على المشهور ولم يبق بعده سواها فلهذا عظم اجرها لأنها أصيبت به عليه السلام ويقال إنها كانت توأما لعبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس له عليه السلام نسل إلا من جهتها قال الزبير ابن بكار وقد روى أنه عليه السلام ليلة زفاف علي على فاطمة توضأ وصب عليه وعلى فاطمة ودعا لهما أن يبارك في نسلهما وقد تزوجها ابن عمها علي بن أبي طالب بعد الهجرة وذلك بعد بدر وقيل بعد أحد وقيل بعد تزويج رسول الله صلى الله عليه و سلم عائشة بأربعة اشهر ونصف وبنى بها بعد ذلك بسبعة اشهر ونصف فأصدقها درعه الحطمية وقيمتها أربعمائة درهم وكان عمرها إذ ذاك خمس عشرة سنة وخمسة اشهر وكان علي اسن منها بست سنين وقد وردت أحاديث موضوعة في تزويج علي بفاطمة لم نذكرها رغبة عنها فولدت له حسنا وحسينا ومحسنا وأم كلثوم التي تزوج بها عمر بن الخطاب بعد ذلك وقد قال الأمام أحمد حدثنا عفان أنا عطاء بن السائب عن أبيه عن علي أن رسول الله لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف ورحى وسقاء وجرتين فقال علي لفاطمة ذات يوم والله لقد سنوت حتى لقد استكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه فقالت وأنا والله لقد طحنت حتى محلت يداي فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما جاء بك (6/332)
أي بنية قالت جئت لأسلم عليك واستحيت أن تسأله ورجعت فقال ما فعلت قالت استحييت أن أسأله فأتياه جميعا فقال علي يا رسول الله والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة لقد طحنت حتى محلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة فاخذ منا فقال والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم فرجعا فأتاهما رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رءوسهما تكشفت أقدامهما وإذا غطت أقدامهما تكشفت رءوسهما فثارا فقال مكانكما ثم قال ألا أخبركم بخير مما سألتماني قالا بلى قال كلمات علمنيهن جبريل تسبحان الله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وإذا آويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين قال فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فقال له ابن الكوا ولا ليلة صفين فقال قاتلكم الله يا أهل العراق نعم ولا ليلة صفين وآخر هذا الحديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه فقد كانت فاطمة صابرة مع علي على جهد العيش وضيقه ولم يتزوج عليها حتى ماتت ولكنه أراد أن يتزوج في وقت بدرة بنت أبي جهل فأنف رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذلك وخطب الناس فقال لا أحرم حلالا ولا أحل حراما وإن فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها وإني اخشى أن تفتن عن دمها ولكن إني أحب ابن أبي طالب أن يطلقها ويتزوج بنت أبي جهل فأنه والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد أبدا قال فترك علي الخطبة ولما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألت من أبي بكر الميراث فأخبرها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا نورث ما تركنا فهو صدقة فسألت أن يكون زوجها ناظرا على هذه الصدقة فأبى ذلك وقال غني أعول من كان رسول الله يعول وإني اخشى إن تركت شيئا مما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله أن أضل ووالله لقرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب إلي أن أصل من قرابتي فكأنها وجدت في نفسها من ذلك فلم تزل تبغضه مدة حياتها فلما مرضت جاءها الصديق فدخل عليها فجعل يترضاها وقال والله ما تركت الدار والمال والاهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت فرضيت رضي الله عنهما رواه البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي ثم قال وهذا مرسل حسن بإسناد صحيح ولما حضرتها الوفاة أوصت إلى أسماء بنت عميس امرأة الصديق ان تغسلها فغسلتها هي وعلي بن أبي طالب وسلمى أم رافع قيل والعباس بن عبد المطلب وما روي من أنها اغتسلت قبل وفاتها وأوصت أن لا تغسل بعد ذلك فضعيف لا يعول عليه والله أعلم وكان الذي صلى عليها زوجها علي وقيل عمها العباس وقيل أبو بكر الصديق فالله أعلم ودفنت ليلا وذلك ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة (6/333)
وقيل إنها توفيت بعده عليه السلام بشهرين وقيل بسبعين يوما وقيل بخمسة وسبعين يوما وقيل بثلاثة أشهر وقيل بثمانية أشهر والصحيح ما ثبت في الصحيح من طريق الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة عاشت بعد النبي صلى الله عليه و سلم ستة أشهر ودفنت ليلا ويقال إنها لم تضحك في مدة بقائها بعده عليه السلام وأنها كانت تذوب من حزنها عليه وشوقها إليه واختلف في مقدار سنها يومئذ فقيل سبع وقيل ثمان وقيل تسع وعشرون وقيل ثلاثون وقيل خمس وثلاثون وهذا بعيد وما قبله أقرب منه والله أعلم ودفنت بالبقيع وهي أول من ستر سريرها وقد ثبت في الصحيح أن عليا كان له فرجة من الناس حياة فاطمة فلما ماتت التمس مبايعة الصديق فبايعه كما هو مروي في البخاري وهذه البيعة لأزالة ما كان وقع من وحشة حصلت بسبب الميراث ولا ينفي ما ثبت من البيعة المتقدمة عليها كما قررنا والله أعلم
وممن توفي هذه السنة أم أيمن
بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ورثها من أبيه وقيل من أمه وحضنته وهو صغير وكذلك بعد ذلك وقد شربت بوله فقال لها لقد احتضرت بحضار من النار وقد أعتقها وزوجها عبيدا فولدت منه ابنها أيمن فعرفت به ثم تزوجها زيد بن حارثة مولى رسول الله فولدت اسامة بن زيد وقد هاجرت الهجرتين الى الحبشة والمدينة وكانت من الصالحات وكان عليه السلام يزورها في بيتها ويقول هي أمي بعد أمي وكذلك كان أبو بكر وعمر يزورانها في بيتها كما تقدم ذلك في ذكر الموالي وقد توفيت بعده عليه السلام بخمسة أشهر وقيل بستة اشهر
ومنهم ثابت بن أقرم بن ثعلبة
ابن عدي بن العجلان البلوي حليف الأنصار شهد بدرا وما بعدها وكان ممن حضر مؤتة فلما قتل عبد الله بن رواحة دفعت الراية إليه فسلمها لخالد بن الوليد وقال أنت أعلم بالقتال مني وقد تقدم أن طليحة الاسدي قتله وقتل معه عكاشة بن محصن وذلك حين يقول طليحة ... عشية غادرت ابن قرم ساويا ... وعكاشة الغنمي تحت مجال ...
وذلك في سنة إحدى عشرة وقيل سنة ثنتي عشرة وعن عروة أنه قتل في حياة النبي صلى الله عليه و سلم وهذا غريب والصحيح الأول والله أعلم
ومنهم ثابت بن قيس بن شماس
الأنصاري الخزرجي أبو محمد خطيب الأنصار ويقال له أيضا خطيب النبي صلى الله عليه و سلم وقد ثبت عنه عليه السلام أنه بشره بالشهادة وقد تقدم الحديث في دلائل النبوة فقتل يوم اليمامة شهيدا وكانت راية الأنصار يومئذ بيده وروى الترمذي بأسناد على شرط مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله (6/334)
قال نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس وقال أبو القاسم الطبراني ثنا أحمد بن المعلى الدمشقي ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عطاء الخراساني قال قدمت المدينة فسألت عمن يحدثني بحديث ثابت بن قيس بن شماس فأرشدوني إلى ابنته فسألتها فقالت سمعت أبي يقول لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله لا يحب كل مختال فخور اشتدت على ثابت وغلق عليه بابه وطفق يبكي فأخبر رسول الله فسأله فأخبره بما كبر عليه منها وقال أنا رجل أحب الجمال وأنا أسود قومي فقال إنك لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير ويدخلك الله الجنة فلما أنزل على رسول الله يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول فعل مثل ذلك فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم فأرسل إليه فأخبره بما كبر عليه منها وأنه جهير الصوت وأنه يتخوف أن يكون ممن حبط عمله فقال إنك لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا ويدخلك الله الجنة فلما استنفر أبو بكر المسلمين إلى أهل الردة واليمامة ومسيلمة الكذاب سار ثابت فيمن سار فلما لقوا مسيلمةوبني حنيفة هزموا المسلمين ثلاث مرات فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها فقاتلا حتى قتلا قالت ورأى رجل من المسلمين ثابت بن قيس في منامه فقال إني لما قتلت بالأمس مر بي رجل من المسلمين فانتزع مني درعا نفيسه ومنزله في أقصى العسكر وعند منزله فرس بتن في طوله وقد أكفأ على الدرع برمة وجعل فوق البرمة رحلا وأئت خالد بن الوليد فليبعث إلي درعي فليأخذها فأذا قدمت على حذيفة رسول الله فأعلمه أن علي من الدين كذا ولي من المال كذا وفلان من رقيقي عتيق وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه قال فأتى خالد فوجه إلى الدرع فوجدها كما ذكر وقدم على أبي بكر فأخبره فأنفذ أبو بكر وصيته بعد موته فلا نعلم أحدا جازت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس بن شماس ولهذا الحديث وهذا القصة شواهد أخر والحديث المتعلق بقوله لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي في صحيح مسلم عن أنس وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ونشر أكفانه وقال اللهم إني أبرأ اليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر اليك مما صنع هؤلاء فقتل وكانت له درع فسرقت فرآه رجل فيما يرى النائم فقال إن درعي في قدر تحت الكانون في مكان كذا وكذا وأوصاه بوصايا فطلبوا الدرع فوجدوها وأنفذوا الوصايا رواه الطبراني أيضا
ومنهم حزن بن أبي وهب
ابن عمرو بن عامر بن عمران المخزومي له هجرة ويقال أسلم عام الفتح وهو جد سعيد بن المسيب أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يسميه سهلا فامتنع وقال لا أغير اسما سمانيه أبواي فلم تزل الحزونة فينا (6/335)
استشهد يوم اليمامة وقتل معه أيضا ابناه عبد الرحمن ووهب وابن ابنه حكيم بن وهب بن حزن وممن استشهد في هذه السنة داذويه الفارسي أحد أمراء اليمن الذين قتلوا الأسود العنسي قتله غيلة قيس بن مكشوح حين ارتد قبل أن يرجع قيس إلى الاسلام فلما عنفه الصديق على قتله أنكر ذلك فقبل علانيته وإسلامه
ومنهم زيد بن الخطاب
ابن نفيل القرشي العدوي أبو محمد وهو أخو عمر بن الخطاب لأبيه وكان زيد أكبر من عمر أسلم قديما وشهد بدرا وما بعدها وقد آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين معن بن عدي الأنصاري وقد قتلا جميعا باليمامة وقد كانت راية المهاجرين يومئذ بيده فلم يزل يتقدم بها حتى قتل فسقطت فأخذها سالم مولى أبي حذيفة وقد قتل زيد يومئذ الرجال بن عنفوة واسمه نهار وكان الرجال هذا قد أسلم وقرأ البقرة ثم ارتد ورجع فصدق مسيلمة وشهد له بالرسالة فحصل به فتنة عظيمة فكانت وفاته على يد زيد رضي الله عن زيد ثم قتل زيدا رجل يقال له أبو مريم الحنفي وقد أسلم بعد ذلك وقال لعمر يا أمير المؤمنين إن الله أكرم زيدا بيدي ولم يهني على يده وقيل إنما قتله سلمة بن صبيح ابن عم أبي مريم هذا ورجحه أبو عمر وقال لأن عمر استقضى أبا مريم وهذا لا يدل على نفي ما تقدم والله أعلم وقد قال عمر لما بلغه مقتل زيد بن الخطاب سبقني إلى الحسنيين أسلم قبلي واستشهد قبلي وقال لمتمم بن نويرة حين جعل يرثي أخاه مالكا بتلك الأبيات المتقدم ذكرها لو كنت أحسن الشعر لقلت كما قلت فقال له متمم لو أن أخي ذهب على ما ذهب عليه أخوك ما حزنت عليه فقال له عمر ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به ومع هذا كان عمر يقول ما هبت الصبا إلا ذكرتني زيد بن الخطاب رضي الله عنه
ومنهم سالم بن عبيد
ويقال ابن يعمل مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة وإنما كان معتقا لزوجته ثبيتة بنت يعاد وقد تبناه أبو حنيفة وزوجه بابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة فلما أنزل الله ادعوهم لآبائهم جاءت امرأة أبي حذيفة سهلة بنت سهل بن عمرو فقالت يا رسول الله إن سالما يدخل علي وأنا غفل فأمرها أن ترضعه فأرضعته فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة وكان من سادات المسلمين أسلم قديما وهاجر إلى المدينة قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يصلي بمن بها من المهاجرين وفيهم عمر بن الخطاب لكثرة حفظه القرآن وشهد بدرا وما بعدها وهو أحد الأربعة الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم استقرئوا القرآن من أربعة فذكر منهم سالما مولى أبي حذيفة وروى عن عمر أنه قال لما احتضر لو كان سالم حيا لما جعلتها شورى قال أبو عمر بن عبد البر معناه أنه كان يصدر عن رأيه فيمن (6/336)
يوليه الخلافة ولما أخذ الراية يوم اليمامة بعد مقتل زيد بن الخطاب قال له المهاجرون أتخشى أن نؤتى من قبلك فقال بئس حامل القرآن أنا إذا انقطعت يده اليمنى فاخذها بيساره فقطعت فاحتضنها وهو يقول وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فلما صرع قال لأصحابه ما فعل أبو حذيفة قالوا قتل قال فما فعل فلان قالوا قتل قال فأضجعوني بينهما وقد بعث عمر بميراثه إلى مولاته التي اعتقته بثينة فردته وقالت إنما اعتقته سائبة فجعله عمر في بيت المال
ومنهم أبو دجانة سماك بن خرشة
ويقال سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي شهد بدرا وأبلى يوم أحد وقاتل شديدا وأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ سيفا فأعطاه حقه وكان يتبختر عند الحرب فقال عليه السلام إن هذه لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن وكان يعصب رأسه بعصابة حمراء شعارا له بالشجاعة وشهد اليمامة ويقال إنه ممن اقتحم على بني حنيفة يومئذ الحديقة فانكسرت رجله فلم يزل يقاتل حتى قتل يومئذ وقد قتل مسيلمة مع وحشي بن حرب رماه وحشي بالحرية وعلاه أبو دجانة بالسيف قال وحشي فربك أعلم أينا قتله وقد قيل إنه عاش حتى شهد صفين مع علي والأول أصح وأما ما يروى عنه من ذكر الحرز المنسوب إلى أبي دجانة فاسناده ضعيف ولا يلتفت إليه والله أعلم
ومنهم شجاع بن وهب
ابن ربيعة الأسدي حليف بني عبد شمس أسلم قديما وهاجر وشهد بدرا وما بعدها وكان رسول رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر الغساني فلم يسلم وأسلم حاجبه سوى واستشهد شجاع بن وهب يوم اليمامة عن بضع وأربعين سنة وكان رجلا طوالا نحيفا أحنى
ومنهم الطفيل بن عمرو بن طريف
ابن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهر بن غنم بن دوس الدوسي أسلم قديما قبل الهجرة وذهب إلى قومه فدعاهم إلى الله فهداهم الله على يديه فلما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة جاءه بتسعين أهل بيت من دوس مسلمين وقد خرج عام اليمامة مع المسلمين ومعه ابنه عمرو فرأى الطفيل في المنام كأن راسه قد حلق وكأن امرأة أدخلته في فرجها وكأن ابنه يجتهد أن يلحقه فلم يصل فأولها بأنه سيقتل ويدفن وأن ابنه يحرص على الشهادة فلا ينالها عامه ذلك وقد وقع الأمر كما أولها ثم قتل ابنه شهيدا يوم اليرموك كما سيأتي
ومنهم عباد بن بشر بن وقش الانصاري
أسلم على يدي مصعب بن عمير قبل الهجرة قبل إسلام معاذ وأسيد بن الحضير وشهد بدرا (6/337)
وما بعدها وكان ممن قتل كعب بن الأشرف وكانت عصاه تضيء له إذا خرج من عند رسول الله في ظلمة قال موسى بن عقبة عن الزهري قتل يوم اليمامة شهيدا عن خمس وأربعين سنة وكان له بلاء وعناء وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت تهجد رسول الله فسمع صوت عباد فقال اللهم اغفر له
ومنهم السائب بن عثمان بن مظعون
بدري من الرماة أصابه يوم اليمامة سهم فقتله وهو شاب رحمه الله
ومنهم السائب بن العوام
أخو الزبير بن العوام استشهد يومئذ رحمه الله
ومنهم عبد الله بن سهيل بن عمرو
ابن عبد شمس بن عبدود القرشي العامري أسلم قديما وهاجر ثم استضعف بمكة فلما كان يوم بدر خرج معهم فلما توجهوا فر إلى المسلمين فشهدها معهم وقتل يوم اليمامة فلما حج أبو بكر عزى اباه فيه فقال سهيل بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الشهيد ليشفع لسبعين من أهله فأرجو أن يبدأ بي
ومنهم عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول
الأنصاري الخزرجي كان من سادات الصحابة وفضلائهم شهد بدرا وما بعدها وكان أبوه رأس المنافقين وكان أشد الناس على أبيه ولو اذن له رسول الله فيه لضرب عنقه وكان اسمه الحباب فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله وقد استشهد يوم اليمامة رضي الله عنه
ومنهم عبد الله بن أبي بكر الصديق
أسلم قديما ويقال إنه الذي كان يأتي بالطعام والشراب والأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلى أبي بكر وهما بغار ثور ويبيت عندهما ويصبح بمكة كبائت فلا يسمع بأمر يكادان به إلا أخبرهما به وقد شهد الطائف فرماه رجل يقال له أبا محجن الثقفي بسهم فذوى منها فاندملت ولكن لم يزل منها حمتا حتى مات في شوال سنة إحدى عشرة
ومنهم عكاشة بن محصن
ابن حرثان بن قيس بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي حليف بني عبد شمس يكنى أبا محصن وكن من سادات الصحابة وفضلائهم هاجر وشهد بدرا وأبلى يومئذ بلاء حسنا وانكسر سيفه فأعطاه رسول الله يومئذ عرجونا فعاد في يده سيفا أمضى من الحديد شديد (6/338)
المتن وكان ذلك السيف يسمى العون وشهد أحدا والخندق وما بعدها ولما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فقال عكاشة يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال اللهم اجعله منهم ثم قام رجل آخر فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة والحديث مروي من طرق تفيد القطع وقد خرج عكاشة مع خالد يوم إمرة الصديق بذي القصة فبعثه وثابت بن أقرم بين يديه طليعة فتلقاهما طليحة الأسدي وأخوه سلمة فقتلاهما وقد قتل عكاشة قبل مقتله حبال بن طليحة ثم أسلم طليحة بعد ذلك كما ذكرنا وكان عمر عكاشة يومئذ أربعا وأربعين سنة وكان من أجمل الناس رضي الله عنه
ومنهم معن بن عدي
ابن الجعد بن عجلان بن ضبيعة البلوي حليف بني عمرو بن عوف وهو أخو عاصم بن عدي شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد وكان قد آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين زيد ابن الخطاب فقتلا جميعا يوم اليمامة رضي الله عنهما وقال مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال بكى الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مات وقالوا والله وددنا أنا متنا قبله ونخشى أن نفتتن بعده فقال معن بن عدي لكني والله ما أحب أن أموت قبله لأصدقه ميتا كما صدقناه حيا ومنهم الوليد وأبو عبيدة ابنا عمارة بن الوليد بن المغيرة قتلا مع عمهما خالد بن الوليد بالبطاح وأبوهما عمارة بن الوليد وهو صاحب عمرو بن العاص إلى النجاشي وقضيته مشهورة
ومنهم أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة
ابن عبد شمس القرشي العبشمي أسلم قديما قبل دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة وشهد بدرا وما بعدها وآخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين عباد بن بشر وقد قتلا شهيدين يوم اليمامة وكان عمر أبي حذيفة يومئذ ثلاثا أو أربعا وخمسين سنة وكان طويلا حسن الوجه أثعل وهو الذي له سن زائدة وكان اسمه هشيم وقيل هاشم
ومنهم ابو دجانة واسمه سماك بن خرشة تقدم قريبا وبالجملة فقد قتل من المسلمين يوم اليمامة أربعمائة وخمسون من حملة القرآن ومن الصحابة وغيرهم وإنما أوردنا هؤلاء لشهرتهم وبالله المستعان
قلت وممن استشهد يومئذ من المهاجرين مالك بن عمرو حليف بني غنم مهاجري بدري ويزيد بن رقيش بن رباب الأسدي بدري والحكم بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي وحسن بن مالك بن بحينة أخو عبد الله بن مالك الأزدي حليف بني المطلب بن عبد مناف وعامر بن البكر الليثي حليف بني عدي بدري ومالك بن ربيعة حليف بني عبد شمس وأبو أمية صفوان بن أمية بن عمرو ويزيد بن أوس حليف بني عبد الدار وحيي ويقال معلى بن (6/339)
حارثة الثقفي وحبيب بن أسيد بن حارثة الثقفي والوليد بن عبد شمس المخزومي وعبد الله بن عمرو بن بجرة العدوي وأبو قيس بن الحارث بن قيس السهمي وهو من مهاجرة الحبشة وعبد الله بن الحارث بن قيس وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبدود بن نصر العامري من المهاجرين الأولين شهد بدرا وما بعدها وقتل يومئذ وعمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح العامري وسليط بن عمرو العامري وربيعة بن أبي خرشة العامري وعبد الله بن الحارث بن رحضة من بني عامر
ومنهم الانصار
غير من ذكرنا تراجمهم عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان النجاري وهو أخو عمرو بن حزم كانت معه راية قومه يوم الفتح وقد شهد بدرا وقتل يومئذ وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام السلمي شهد العقبة الاولى وشهد بدرا وما بعدها وثابت بن هزال من بني سالم بن عوف بدري في قول وأبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة من بني جحجبي شهد بدرا وما بعدها فلما كان يوم اليمامة أصابه سهم فنزعه ثم تحزم وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل وقد أصابته جراحات كثيرة وعبد الله بن عتيك ورافع بن سهل وحاجب بن يزيد الاشهلي وسهل بن عدي ومالك بن أوس وعمر بن أوس وطلحة بن عتبة من بني جحجبي ورباح مولى الحارث ومعن بن عدي وجزء بن مالك بن عامر من بني جحجبي وورقة بن إياس بن عمرو الخزرجي بدري ومروان بن العباس وعامر بن ثابت وبشر بن عبد الله الخزرجي وكليب بن تميم وعبد الله بن عتبان وإياس بن وديعة وأسيد بن يربوع وسعد بن حارثة وسهل بن حمان ومحاسن بن حمير وسلمة بن مسعود وقيل مسعود بن سنان وضمرة بن عياض وعبد الله بن أنيس وأبو جبة بن غزية المازني وخباب ابن زيد وحبيب بن عمرو بن محصن وثابت بن خالد وفروة بن النعمان وعائذ بن ماعص ويزيد بن ثابت بن الضحاك أخو زيد بن ثابت قال خليفة بن حناط فجميع من استشهد من المهاجرين والانصار يوم اليمامة ثمانية وخمسون رجلا يعني وبقية الأربعمائة والخمسين من غيرهم والله أعلم وقد قتل من الكفار فيما سقنا من المواطن التي التقى فيها المسلمون المشركون في هذه وأوائل التي قبلها ما ينيف على خمسين ألفا ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة فمن مشاهيرهم الأسود العنسي لعنه الله واسمه عبهلة بن كعب بن غوث خرج أول مخرجه من بلدة باليمن يقال لها كهف خبان ومعه سبعمائة مقاتل فما مضى شهر حتى تملك صنعاء ثم استوثقت به اليمن بحذافيرها في أقصر مدة وكان معه شيطان يحذق له ولكن خانه أحوج ما كان إليه ثم لم تمض له ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر حتى قتله الله على يدي إخوان صدق وأمراء حق كما قدمنا ذكره وهم دازويه الفارسي وفيروز الديلمي وقيس بن مكشوح المرادي وذلك في ربيع الأول من سنة إحدى عشرة قبل وفاة (6/340)
رسول الله صلى الله عليه و سلم بليال وقيل بليلة فالله أعلم وقد أطلع الله رسوله ليلة قتله على ذلك كما أسلفناه
ومنهم مسيلمة بن حبيب اليمامي الكذاب
قدم المدينة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مع قومه بني حنيفة وقد وقف عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فسمعه وهو يقول إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته فقال له لو سألتني هذا العود لعرجون في يده ما أعطيتكه ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي رأيت فيه ما رأيت وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد رأى في المنام كأن في يده سوارين من ذهب فأهمه شأنهما فأوحى الله إليه في المنام انفخهما فنفخهما فطارا فأولهما بكذابين يخرجان وهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة وهكذا وقع فإنهما ذهبا وذهب أمرهما أما الأسود فذبح في داره وأما مسيلمة فعقره الله على يدي وحشي بن حرب رماه بالحربة فأنفذه كما تعقر الأبل وضربه أبو دجانة على رأسه ففلقه وذلك بعقر داره في الحديقة التي يقال لها حديقة الموت وقد وقف عليه خالد بن الوليد وهو طريح أراه إياه من بين القتلى مجاعة بن مرارة ويقال كان أصفر أخينس وقيل كان ضخما أسمر اللون كأنه جمل أورق ويقال إنه مات وعمره مائة وأربعون سنة فالله أعلم وقد قتل قبله وزيراه ومستشاراه لعنهما الله وهما محكم بن الطفيل الذي يقال له محكم اليمامة قتله عبد الرحمن بن أبي بكر رماه بسهم وهو يخطب قومه يأمرهم بمصالح حربهم فقتله والآخر نهار بن عنفوة الذي يقال له الرجال بن عنفوة وكان ممن أسلم ثم ارتد وصدق مسيلمة لعنهما الله في هذه الشهادة وقد رزق الله زيد بن الخطاب قتله قبل أن يقتل زيد رضي الله عنه ومما يدل على كذب الرجال في هذه الشهادة الضرورة في دين الاسلام وما رواه البخاري وغيره أن مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك أما بعد فأني قد اشركت معك في الأمر فلك المدر ولي الوبر ويروى فلكم نصف الأرض ولنا نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وقد قدمنا ما كان يتعاطاه مسيلمة ويتعاناه لعنه الله من الكلام الذي هو اسخف من الهذيان مما كان يزعم أنه وحي من الرحمن تعالى الله عما يقوله وأمثاله علوا كبيرا ولما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم زعم أنه استقل بالأمر من بعده واستخف قومه فأطاعوه وكان يقول ... خذي الدف يا هذه والعبي ... وبثي محاسن هذا النبي ... تولى نبي بني هاشم ... وقام نبي بني يعرب ...
فلم يمهله الله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا قليلا حتى سلط الله عليه سيفا من سيوفه وحتفا (6/341)
من حتوفه فبعج بطنه وفلق رأسه وعجل الله بروحه إلى النار فبئس القرار قال الله تعالى فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون فمسيلمة والأسود وأمثالهما لعنهم الله أحق الناس دخولا في هذه الآية الكريمة وأولاهم بهذه العقوبة العظيمة
سنة ثنتي عشرة من الهجرة النبوية
استهلت هذه السنة وجيوش الصديق وأمراؤه الذين بعثهم لقتال أهل الرجة جوالون في البلاد يمينا وشمالا لتمهيد قواعد الاسلام وقتال الطغاة من الانام حتى رد شارد الدين بعد ذهابه ورجع الحق الى نصابه وتمهدت جزيرة العرب وصار البعيد الأقصى كالقريب الأدنى وقد قال جماعة من علماء السير والتواريخ إن وقعة اليمامة كانت في ربيع الأول من هذه السنة وقيل إنها كانت في أواخر التي قبلها والجمع بين القولين أن ابتداءها كان في السنة الماضية وانتهاءها وقع في هذه السنة الآتية وعلى هذا القول ينبغي أن يذكروا في السنة الماضية كما ذكرناه لاحتمال أنهم قتلوا في الماضية ومبادرة الى استيفاء تراجمهم قبل أن يذكروا مع من قتل بالشام والعراق في هذه السنة على ما سنذكر إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان وقد قيل إن وقعة جواثا وعمان ومهرة وما كان من الوقائع التي اشرنا إليها إنما كانت في سنة ثنتي عشرة وفيها كان قتل الملوك الأربعة حمد ومحرس وأبضعة ومشرحا وأختهم العمردة الذين ورد الحديث في مسند أحمد بلعنهم وكان الذي قتلهم زياد بن لبيد الأنصاري
بعث خالد بن الوليد الى العراق
لما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة بعث إليه الصديق أن يسير الى العراق وأن يبدأ بفرج الهند وهي الأبلة ويأتي العراق من اعاليها وأن يتألف الناس ويدعوهم إلى الله عز و جل فان أجابوا وإلا أخذ منهم الجزية فان امتنعوا عن ذلك قاتلهم وأمره أن لا يكره أحدا على المسير معه ولا يستعين بمن ارتد عن الإسلام وإن كان عاد إليه وأمره أن يستصحب كل امرئ مر به من المسلمين وشرع أبو بكر في تجهيز السرايا والبعوث والجيوش إمدادا لخالد رضي الله عنه قال الواقدي اختلف في خالد فقائل يقول مضى من وجهه ذلك من اليمامة إلى العراق وقائل يقول رجع من اليمامة الى المدينة ثم سار الى العراق من المدينة فمر على طريق الكوفة حتى انتهى إلى الحيرة قلت والمشهور الأول وقد ذكر المدائني بأسناده أن خالدا توجه الى العراق في المحرم سنة اثنتي عشرة فجعل طريقه البصرة وفيها قطبة بن قتادة وعلى الكوفة المثنى بن حارثة الشيباني وقال محمد بن (6/342)
إسحاق عن صالح بن كيسان إن أبا بكر كتب إلى خالد أن يسير إلى العراق فمضى خالد يريد العراق حتى نزل بقريات من السواد يقال لها بانقيا وبارسوما وصاحبها حابان فصالحه أهلها قلت وقد قتل منهم المسلمون قبل الصلح خلقا كثيرا وكان الصلح على ألف درهم وقيل دينار في رجب وكان الذي صالحه بصبهري بن صلوبا ويقال صلوبا بن بصبهري فقبل منهم خالد وكتب لهم كتابا ثم أقبل حتى نزل الحيرة فخرج إليه اشرافها مع قبيصة بن إياس بن حية الطائي وكان أمره عليها كسرى بعد النعمان بن المنذر فقال لهم خالد أدعوكم إلى الله وإلى الاسلام فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين لكم ما لهم وعليكم ما عليهم فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم فقال له قبيصة مالنا بحربك من حاجة بل نقيم على ديننا ونعطيكم الجزية فقال لهم خالد تبا لكم إن الكفر فلاة مضلة فأحمق العرب من سلكها فلقيه رجلان أحدهما عربي والآخر أعجمي فتركه واستبدل بالعجمي ثم صالحهم على تسعين ألفا وفي رواية مائتي ألف درهم فكانت أول جزية أخذت من العراق وحملت إلى المدينة في والقريات قبلها التي صالح عليها ابن صلوبا قلت وقد كان مع نائب كسرى على الحيرة ممن وفد إلى خالد عمرو بن عبد المسيح بن حبان بن بقيلة وكان من نصارى العرب فقال له خالد من أين أثرك قال من ظهر أبي قال ومن أين خرجت قال من بطن أمي قال ويحك على أى شيء أنت قال على الأرض قال ويحك وفي أى شيء أنت قال في ثيابي تعقل قال نعم وأقيد قال إنما أسألك قال وأنا أجيبك قال أسلم أنت أم حرب قال بل سلم قال فما هذه الحصون التي أرى قال بنيناها للسفيه نحبسه حتى يجيء الحليم فينهاه ثم دعاهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال فأجابوا إلى الجزية بتسعين أو مائتي ألف كما تقدم ثم بعث خالد ابن الوليد كتابا إلى أمراء كسرى بالمدائن ومرازبته ووزرائه كما قال هشام بن الكلبي عن أبي مخنف عن مجالد عن الشعبي قال أقرأني بنو بقيلة كتاب خالد بن الوليد إلى أهل المدائن من خالد ابن الوليد إلى مرازبة أهل فارس سلام على من اتبع الهدى أما بعد فالحمد لله الذي فض خدمكم وسلب ملككم ووهن كيدكم وان من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم الذي له مالنا وعليه ما علينا أما بعد فاذا جاءكم كتابي فابعثوا إلي بالرهن واعتقدوا مني الذمة وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة فلما قرأوا الكتاب أخذوا يتعجبون وقال سيف بن عمر عن طليحة الأعلم عن المغيرة بن عيينة وكان قاضي أهل الكوفة قال فرق خالد مخرجه من اليمامة الى العراق جنده ثلاث فرق ولم يحملهم على طريق (6/343)
واحدة فسرح المثنى قبله بيومين ودليلة ظفر وسرح عدي بن حاتم وعاصم بن عمرو ودليلاهما مالك بن عباد وسالم بن نصر أحدهما قبل صاحبه بيوم وخرج خالد يعني في آخرهم ودليله رافع فواعدهم جميعا الحفير ليجتمعوا به ويصادموا عدوهم وكان فرج الهند أعظم فروج فارس بأسا واشدها شوكة وكان صاحبه يحارب في البر والهند في البحر وهو هرمز فكتب إليه خالد فبعث هرمز بكتاب خالد إلى شيري بن كسرى وأردشير بن شيري وجمه هرمز وهو نائب كسرى جموعا كثيرة وسار بهم إلى كاظمة وعلى مجنبتيه قباذ وأنوشجان وهما من بيت الملك وقد تفرق الجيش في السلاسل لئلا يفروا وكان هرمز هذا من أخبث الناس طوية واشدهم كفرا وكان شريفا في الفرس وكان الرجل كلما ازداد شرفا زاد في حليته فكانت قلنسوة هرمز بمائة ألف وقدم خالد ومن معه من الجيش وهم ثمانية عشر ألفا فنزل تجاههم على غير ماء فشكى أصحابه ذلك فقال جالدوهم حتى تجلوهم عن الماء فأن الله جاعل الماء لأصبر الطائفتين فلما استقر بالمسلمين المنزل وهم ركبان على خيولهم بعث الله سحابة فأمطرتهم حتى صار لهم غدران من ماء فقوي المسلمون بذلك وفرحوا فرحا شديدا فلما تواجه الصفان وتقاتل الفريقان ترجل هرمز ودعا إلى النزال فترجل خالد وتقدم إلى هرمز فاختلفا ضربتين واحتضنه خالد وجاءت حامية هرمز فما شغله عن قتله وحمل القعقاع بن عمرو على حامية هرمز فاناموهم وانهزم أهل فارس وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل واستحوذ المسلمون وخالد على أمتعتهم وسلاحهم فبلغ وقر ألف بعير وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لكثرة من سلسل بها من فرسان فارس وأفلت قباذ وأنوشجان ولما رجع الطلب نادى منادي خالد بالرحيل فسار بالناس وتبعته الأثقال حتى نزل بموضع الجسر الأعظم من البصرة اليوم وبعث بالفتح والبشارة والخمس مع زر ابن كليب إلى الصديق وبعث معه بفيل فلما رآه نسوة أهل المدينة جعلن يقلن أمن خلق الله هذا أم شيء مصنوع فرده الصديق مع زر وبعث أبو بكر لما بلغه الخبر إلى خالد فنفله سلب هرمز وكانت قلنسوته بمائة ألف وكانت مرصعة بالجوهر وبعث خالد الامراء يمينا وشمالا يحاصرون حصونا هنالك ففتحوها عنوة وصلحا وأخذوا منها أموالا جمة ولم يكن خالد يتعرض للفلاحين من لم يقاتل منهم ولا أولادهم بل للمقاتلة من أهل فارس ثم كانت وقعة المذار في صفر من هذه السنة ويقال لها وقعة الثني وهو النهر قال ابن جرير ويومئذ قال الناس صفر الأصفار فيه يقتل كل جبار على مجمع الأنهار وكان سببها أن هرمزا كان قد كتب إلى أردشير وشيري بقدوم خالد نحوه من اليمامة فبعث إليه كسرى بمدد مع أمير يقال له قارن بن قريانس فلم يصل إلى هرمز حتى كان من أمره مع خالد ما تقدم وفر من فر من الفرس فتلقاهم قارن فالتفوا عليه فتذامروا واتفقوا على العود إلى خالد فساروا إلى موضع يقال له المذار وعلى مجنبتي قارن قباذ وأنوشجان فلما انتهى (6/344)
الخبر إلى خالد قسم ما كان معه من أربعة أخماس غنيمة يوم ذات السلاسل وأرسل إلى الصديق بخبره مع الوليد بن عقبة وسار خالد بمن معه من الجيوش حتى نزل على المذار وهو على تعبئته فاقتتلوا قتال حنق وحفيظة وخرج قارن يدعو إلى البراز فبرز إليه خالد وابتدره الشجعان من الامراء فقتل معقل بن الاعشى بن النباش قارنا وقتل عدي بن حاتم قباذ وقتل عاصم أنوشجان وفرت الفرس وركبهم المسلمون في ظهورهم فقتلوا منهم يومئذ ثلاثين ألفا وغرق كثير منهم في الأنهار والمياه واقام خالد بالمذار وسلم الأسلاب إلى من قتل وكان قارن قد انتهى شرفه في ابناء فارس وجمع بقية الغينمة وخمسها وبعث بالخمس والفتح والبشارة إلى الصديق مع سعيد بن النعمان أخي بني عدي بن كعب وأقام خالد هناك حتى قسم أربعة الأخماس وسبى ذراري من حصره من المقاتلة دون الفلاحين فإنه أقرهم بالجزية وكان في هذا السبي حبيب أبو الحسن البصري وكان نصرانيا ومافنه مولى عثمان وأبو زياد مولى المغيرة بن شعبة ثم أمر على الجند سعيد بن النعمان وعلى الجزية سويد ابن مقرن وأمره أن ينزل الحفير ليجبي إليه الأموال وأقام خالد يتجسس الأخبار عن الأعداء ثم كان أمر الولجة في صفر أيضا من هذه السنة فيما ذكره ابن جرير وذلك لأنه لما انتهى الخبر بما كان بالمذار من قبل قارن وأصحابه إلى أردشير وهو ملك الفرس يومئذ بعث أميرا شجاعا يقال له الأندرزعر وكان من أبناء السواد ولد بالمدائن ونشأ بها وأمده بجيش آخر مع أمير يقال له بهمن جاذويه فساروا حتى بلغوا مكانا يقال له الولجة فسمع بهم خالد فسار بمن معه من الجنود ووصى من استخلفه هناك بالحذر وقلة الغفلة فنازل أنذرزعر ومن ناشب معه واجتمع عنده بالولجة فاقتتلوا قتالا شديدا هو أشد مما قبله حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ واستبطأ كمينه الذي كان قد أرصدهم وراءه في موضعين فما كان إلا يسيرا حتى خرج الكمينان من هاهنا ومن هاهنا فقرت صفوف الأعاجم فأخذهم خالد من أمامهم والكمينان من ورائهم فلم يعرف رجل منهم مقتل صاحبه وهرب الأنذرزعر من الوقعة فمات عطشا وقام خالد في الناس خطيبا فرغبهم في بلاد الأعاجم وزهدهم في بلاد العرب وقال ألا ترون ما هاهنا من الأطعمات وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في سبيل الله والدعاء إلى الأسلام ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي أن نقاتل على هذا الريف حتى نكون اولى به ونولي الجوع والأقلال من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه ثم خمس الغنيمة وقسم أربعة أخماسها بين الغانمين وبعث الخمس إلى الصديق وأسر من أسر من ذرارى المقاتلة وأقر الفلاحين بالجزية وقال سيف بن عمر عن عمرو عن الشعبي قال بارز خالد يوم الولجة رجلا من الأعاجم يعدل بألف رجل فقتله ثم اتكأ عليه وأتى بغدائه فأكله وهو متكئ عليه بين الصفين (6/345)
ثم كانت وقعة أليس في صفر أيضا وذلك أن خالدا كان قد قتل يوم الولجة طائفة من بكر بن وائل من نصارى العرب ممن كان مع الفرس فاجتمع عشائرهم وأشدهم حنقا عبد الاسود العجلي وكان قد قتل له ابن بالأمس فكاتبوا الأعاجم فأرسل إليهم اردسير جيشا فاجتمعوا بمكان يقال له أليس فبينما هم قد نصبوا لهم سماطا فيه طعام يريدون أكله إذ غافلهم خالد بجيشه فلما رأوه أشار من أشار منهم بأكل الطعام وعدم الاعتناء بخالد وقال أمير كسرى بل ننهض إليه فلم يسمعوا منه فلما نزل خالد تقدم بين يدي جيشه ونادى بأعلى صوته لشجعان من هنالك من الأعراب أين فلان أين فلان فكلهم تلكأوا عنه إلا رجلا يقال له مالك بن قيس من بني جذرة فأنه برز إليه فقال له خالد يا ابن الخبيثة ما جرأك على من بينهم وليس فيك وفاء فضربه فقتله ونفرت الأعاجم عن الطعام وقاموا إلى السلاح فاقتتلوا قتالا شديدا جدا والمشركون يرقبون قدوم بهمن مددا من جهة الملك إليهم فهم في قوة وشدة وكلب في القتال وصبر المسلمون صبرا بليغا وقال خالد اللهم لك علي إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم ثم ان الله عز و جل منح المسلمين أكتافهم فنادى منادي خالد الأسر الأسر لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر فأقبلت الخيول بهم أفواجا يساقون سوقا وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر ففعل ذلك بهم يوما وليلة ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد وكلما حضر منهم أحد ضربت عنقه في النهر وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر فقال له بعض الأمراء إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه فتبر بيمينك فأرسله فسال النهر دما عبيطا فلذلك سمى نهر الدم إلى اليوم فدارت الطواحين بذلك الماء المختلط بالدم العبيط ما كفى العسكر بكماله ثلاثة أيام وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا ولما هزم خالد الجيش ورجع من رجع من الناس عدل خالد إلى الطعام الذي كانوا قد وضعوه ليأكلوه فقال للمسلمين هذا نفل فانزلوا فكلوا فنزل الناس فأكلوا عشاء وقد جعل الأعاجم على طعامهم مرققا كثيرا فجعل من يراه من أهل البادية من الأعراب يقولون ما هذه الرقع يحسبونها ثيابا فيقول لهم من يعرف ذلك من أهل الأرياف والمدن أما سمعتم رقيق العيش قالوا بلى قالوا فهذا رقيق العيش فسموه يومئذ رقاقا وإنما كانت العرب تسميه العود وقد قال سيف بن عمر عن عمرو بن محمد عن الشعبي عمن حدث عن خالد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نفل الناس يوم خيبر الخبز والبطيخ والشواء وما أكلوا غير ذلك غير متأثليه وكان كل من قتل بهذه الوقعة يوم أليس من بلدة يقال لها أمغيشيا فعدل إليها خالد وأمر بخرابها واستولى على ما بها فوجدوا بها مغنما عظيما فقسم بين الغانمين فأصاب الفارس بعد النفل ألفا وخمسمائة غير ما تهيأ له مما قبله وبعث خالد إلى الصديق بالبشارة والفتح والخمس من الأموال والسبي مع رجل يقال له جندل من (6/346)
بني عجل وكان دليلا صارما فلما بلغ الصديق الرسالة وأدى الأمانة أثنى عليه وأجازه جارية من السبي وقال الصديق يا معشر قريش إن أسدكم قد عدا على الأسد [ فغلبه على خراذيله ] عجزت النساء أن يلدن مثل خالد بن الوليد ثم جرت أمور طويلة لخالد في أماكن متعددة يمل سماعها وهو مع ذلك لا يكل ولا يمل ولا يهن ولا يحزن بل كلما له في قوة وصرامة وشدة وشهامة ومثل هذا إنما خلقه الله عزا للأسلام وأهله وذلا للكفر وشتات شمله فصل
ثم سار خالد فنزل الخورنق والسدير وبالنجف وبث سراياه هاهنا وهاهنا يحاصرون الحصون من الحيرة ويستنزلون أهلها قسرا وقهرا وصلحا ويسرا وكان في جملة ما نزل بالصلح قوم من نصارى العرب فيهم ابن بقيلة المتقدم ذكره وكتب لأهل الحيرة كتاب أمان فكان الذي راوده عليه عمرو بن عبد المسيح ابن نقيلة ووجد خالد معه كيسا فقال ما في هذا وفتحه خالد فوجد فيه شيئا فقال ابن بقيلة هو سم الساعة فقال ولم استصحبته معك فقال حتى إذا رأيت مكروها في قومي أكلته فالموت أحب إلي من ذلك فأخذه خالد في يده وقال إنه لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها ثم قال بسم الله خير الأسماء رب الأرض والسماء الذي ليس يضر مع اسمه داء الرحمن الرحيم قال وأهوى إليه الأمراء ليمنعوه منه فبادرهم فابتلعه فلما رأى ذلك ابن بقيلة قال والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد ثم التفت إلى أهل الحيرة فقال لم أر كاليوم أوضح إقبالا من هذا ثم دعاهم وسألوا خالدا الصلح فصالحهم وكتب لهم كتابا بالصلح وأخذ منهم أربعمائة ألف درهم عاجلة ولم يكن صالحهم حتى سلموا كرامة بنت عبد المسيح إلى رجل من الصحابة يقال له شويل وذلك أنه لما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم قصور الحيرة كان شرفها أنياب الكلاب فقال له يا رسول الله هب لي ابنة بقيلة فقال هي لك فلما فتحت ادعاها شويل وشهد له اثنان من الصحابة فامتنعوا من تسليمها إليه وقالوا ما تريد إلى امرأة ابنة ثمانين سنة فقالت لقومها ادفعوني إليه فأني سأفتدى منه وإنه قد رآني وأنا شابة فسلمت إليه فلما خلا بها قالت ما تريد إلى امرأة بنت ثمانين سنة وأنا أفتدى منك فاحكم بما أردت فقال والله لا أفديك بأقل من عشر مائة فاستكثرتها خديعة منها ثم أتت قومها فأحضروا له ألف درهم ولامه الناس وقالوا لو طلبت أكثر من مائة ألف لدفعوها إليك فقال وهل عدد أكثر من عشر مائة وذهب إلى خالد وقال إنما أردت أكثر العدد فقال خالد أردت أمرا وأراد الله غيره وإنا نحكم بظاهر قولك ونيتك عند الله كاذبا أنت أم صادقا وقال سيف بن عمر عن عمرو بن محمد عن الشعبي لما افتتح خالد الحيرة صلى ثمانى ركعات بتسليمة واحدة وقد قال عمرو بن القعقاع في هذه الأيام (6/347)
ومن قتل من المسلمين بها وأيام الردة ... سقى الله قتلى بالفرات مقيمة ... وأخرى بأثباج النجاف الكوانف ... ونحن وطئنا بالكواظم هرمزا ... وبالثنى قرني قارن بالجوارف ... ويوم أحطنا بالقصور تتابعت ... على الحيرة الروحاء إحدى المصارف ... حططناهم منها وقد كان عرشهم ... يميل بهم فعل الجبان المخالف ... رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا ... غبوق المنايا حول تلك المحارف ... صبيحة قالوا نحن قوم تنزلوا ... إلى الريف من أرض العريب المقانف ...
وقد قدم جرير بن عبد الله البجلي على خالد بن الوليد وهو بالحيرة بعد الوقعات المتعددة والغنائم المتقدم ذكرها ولم يحضر شيئا منها وذلك لأنه كان قد بعثه الصديق مع خالد بن سعيد بن العاص إلى الشام فاستأذن خالد بن سعيد في الرجوع إلى الصديق ليجمع له قومه من بجيلة فيكونوا معه فلما قدم على الصديق فسأله ذلك غضب الصديق وقال أتيتني لتشغلني عما هو أرضى لله من الذي تدعوني إليه ثم سيره الصديق إلى خالد بن الوليد بالعراق قال سيف بأسانيده ثم جاء ابن صلوبا فصالح خالدا على بانقيا وبسما وما حول ذلك على عشرة آلاف دينار وجاءه دهاقين تلك البلاد فصالحوه على بلدانهم وأهاليهم كما صالح أهل الحيرة واتفق في تلك الأيام التي كان قد تمكن بأطراف العراق واستحوذ على الحيرة وتلك البلدان وأوقع بأهل أليس والثنى وما بعدها بفارس ومن ناشب معهم ما أوقع من القتل الفظيع في فرسانهم أن عدت فارس على ملكهم الأكبر أردشير وابنه شيرين فقتلوهما وقتلوا كل من ينسب إليهما وبقيت الفرس حائرين فيمن يولوه أمرهم واختلفوا فيما بينهم غير أنهم قد جهزوا جيوشا تكون حائلة بين خالد وبين المدائن التي فيها إيوان كسرى وسرير مملكته فحينئذ كتب خالد إلى من هنالك من المرازبة والأمراء والدولة يدعوهم إلى الله والى الدخول الى دين الاسلام ليثبت ملكهم عليهم وإلا فليدفعوا الجزية وإلا فليعلموا وليستعدوا لقدومه عليهم بقوم يحبون الموت كما يحبون هم الحياة فجعلوا يعجبون من جرأة خالد وشجاعته ويسخرون من ذلك لحماقتهم ورعونتهم في أنفسهم وقد أقام خالد هنالك بعد صلح الحيرة سنة يتردد في بلاد فارس هاهنا وهاهنا ويوقع بأهلها من البأس الشديد والسطوة الباهرة ما يبهر الأبصار لمن شاهد ذلك ويشنف اسماع من بلغه ذلك ويحير العقول لمن تدبره
فتح خالد للأنبار وتسمى هذه الغزوات ذات العيون
ركب خالد في جيوشه فسار حتى انتهى إلى الأنبار وعليها رجل من أعقل الفرس واسودهم في أنفسهم يقال له شيرزاذ فأحاط بها خالد وعليها خندق وحوله أعراب من قومهم على دينهم واجتمع (6/348)
معهم أهل أرضهم فمانعوا خالدا أن يصل الى الخندق فضرب معهم رأسا ولما تواجه الفريقان أمر خالد أصحابه فرشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين فتصايح الناس ذهبت عيون أهل الأنبار وسميت هذه الغزوة ذات العيون فراسل شيرزاذ خالدا في الصلح فاشترط خالد امورا امتنع شيرزاذ من قبولها فتقدم خالد الى الخندق فاستدعي برذايا الاموال من الإبل فذبحها حتى ردم الخندق بها وجاز هو وأصحابه فوقها فلما رأى شيرزاذ ذلك أجاب إلى الصلح على الشروط التي اشترطها خالد وسأله أن يرده إلى مأمنه فوفى له خالد بذلك وخرج شيرزاذ من الأنبار وتسلمها خالد فنزلها واطمأن بها وتعلم الصحابة ممن بها من العرب الكتابة العربية وكان أولئك العرب قد تعلموها من عرب قبلهم وهم بنو إياد كانوا بها في زمان بختنصر حين أباح العراق للعرب وأنشدوا خالدا قول بعض إياد يمتدح قومه ... قومي إياد لو أنهم أمم ... أو لو أقاموا فتهزل النعم ... قوم لهم باحة العراق إذا ... ساروا جميعا واللوح والقلم ...
ثم صالح خالد أهل البوازيج وكلواذي قال ثم نقض اهل الانبار ومن حولهم عهدهم لما اضرابت بعض الأحوال ولم يبق على عهده سوى البوازيج وبانقيا قال سيف عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال ليس لأحد من أهل السواد عهد قبل الوقعة الا بنو صلوبا وهم أهل الحيرة وكلواذي ذي وقرى من قرى الفرات غدروا حتى دعوا الى الذمة بعد ما غدروا وقال سيف عن محمد بن قيس قلت للشعبي أخذ السواد وعنوة وكل أرض الا بعض القلاع والحصون قال بعض صالح وبعض غالب قلت فهل لأهل السواد ذمة اعتقدوها قبل الحرب قال لا ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج وأخذ منهم صاروا ذمة
وقعة عين التمر
لما استقل خالد بالأنبار استناب عليها الزبرقان بن بدر وقصد عين التمر وبها يومئذ مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العرب وحولهم من الأعراب طوائف من النمر وتغلب وإياد ومن لاقاهم وعليهم عقة بن أبي عقة فلما دنا خالد قال عقة لمهران إن العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالدا فقال له دونكم وإياهم وإن احتجتم إلينا أعناكم فلامت العجم أميرهم على هذا فقال دعوهم فأن غلبوا خالدا فهو لكم وإن غلبوا قاتلنا خالدا وقد ضعفوا ونحن أقوياء فاعترفوا له بفضل الرأي عليهم وسار خالد وتلقاه عقة فلما تواجهوا قال خالد لمجنبتيه احفظوا مكانكم فأني حامل وأمر حماته أن يكونوا من ورائه وحمل على عقة وهو يسوي الصفوف فاحتضنه وأسره وانهزم جيش عقة من غير قتال فأكثروا فيهم الاسر وقصد خالد حصن عين التمر فلما بلغ مهران هزيمة (6/349)
عقة وجيشه نزل من الحصن وهرب وتركه ورجعت فلال نصارى الأعراب إلى الحصن فوجدوه مفتوحا فدخلوه واحتموا به فجاء خالد وأحاط بهم وحاصرهم اشد الحصار فلما رأوا ذلك سألوه الصلح فأبى إلا أن ينزلوا على حكمه فجعلوا في السلاسل وتسلم الحصن ثم أمر فضربت عنق عقة ومن كان أسر معه والذين نزلوا على حكمه أيضا أجمعين وغنم جميع ما في ذلك الحصن ووجد في الكنيسة التي به أربعين غلاما يتعلمون الأنجيل وعليهم باب مغلق فكسره خالد وفرقهم في الأمراء وأهل الغناء وكان حمران صار إلى عثمان بن عفان من الخمس ومنهم سيرين والد محمد بن سيرين أخذه أنس بن مالك وجماعة آخرون من الموالي المشاهير أراد بهم وبذراريهم خيرا ولما قدم الوليد بن عقبة على الصديق بالخمس رده الصديق إلى عياض بن غنم مددا له وهو محاصر دومة الجندل فلما قدم عليه وجده في ناحية من العراق يحاصر قوما وهم قد أخذوا عليه الطرق فهو محصور أيضا فقال عياض للوليد إن بعض الرأي خير من جيش كثيف ماذا ترى فيما نحن فيه فقال له الوليد اكتب الى خالد يمدك بجيش من عنده فكتب اليه يستمده فقدم كتابه على خالد عقب وقعة عين التمر وهو يستغيث به فكتب إليه من خالد إلى عياض إياك أريد ... لبث قليلا تأتك الحلائب ... يحملن آسادا عليها القاشب ... كتائب تتبعها كتائب ...
خبر دومة الجندل
لما فرغ خالد من عين التمر قصد إلى دومة الجندل واستخلف على عين التمر عويمر بن الكاهن الأسلمي فلما سمع أهل دومة الجندل بمسيره إليهم بعثوا إلى أحزابهم من بهراء وتنوخ وكلب وغسان والضجاعم فأقبلوا إليهم وعلى غسان وتنوخ ابن الأيهم وعلى الضجاعم ابن الحدرجان وجماع الناس بدومة إلى رجلين أكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعة فاختلفا فقال أكيدر أنا أعلم الناس بخالد لا أحد أيمن طائر منه في حرب ولا أحد منه ولا يرى وجه خالد قوم أبدا قلوا أم كثروا إلا انهزموا عنه فأطيعوني وصالحوا القوم فأبوا عليه فقال لن أمالئكم على حرب خالد وفارقهم فبعث إليه خالد عاصم بن عمرو فعارضه فأخذه فلما أتى به خالدا أمر فضربت عنقه وأخذ ما كان معه ثم تواجه خالد وأهل دومة الجندل وعليهم الجودى بن ربيعة وكل قبيلة مع أميرها من الأعراب وجعل خالد دومة بينه وبين جيش عياض بن غنم وافترق جيش الأعراب فرقتين فرقة نحو خالد وحمل خالد على من قبله وحمل عياض على أولئك فأسر خالد الجودي وأسر الاقرع بن حابس وديعة وفرت الأعراب إلى الحصن فملأوه وبقي منهم خلق ضاق عليهم فعطفت بنو تميم على من هو خارج الحصن فأعطوهم ميرة فنجا بعضهم وجاء خالد فضرب أعناق من وجده خارج الحصن وأمر بضرب عنق الجودي ومن كان معه من (6/350)
الاسارى إلا اسارى بني كلب فإن عاصم بن عمرو والأقرع بن حابس وبني تميم أجاروهم فقال لهم خالد مالي ومالكم أتحفظون أمر الجاهلية وتضيعون أمر الاسلام فقال له عاصم بن عمرو أتحسدونهم العافية وتحوذونهم الشيطان ثم أطاف خالد بالباب فلم يزل عنه حتى اقتلعه واقتحموا الحصن فقتلوا من فيه من المقاتلة وسبوا الذراري فبايعوهم بينهم فيمن يزيد واشترى خالد يومئذ ابنة الجودي وكانت موصوفة بالجمال وأقام بدومة الجندل ورد الأقرع إلى الأنبار ثم رجع خالد إلى الحيرة فتلقاه أهلها من أهل الأرض بالتقليس فسمع رجلا منهم يقول لصاحبه مر بنا فهذا يوم فرح الشر
خبر وقعتي الحصيد والمضيح
قال سيف عن محمد وطلحة والمهلب قالوا وكان خالد أقام بدومة الجندل فظن الأعاجم به وكاتبوا عرب الجزيرة فاجتمعوا لحربه وقصدوا الأنبار يريدون انتزاعها من الزبرقان وهو نائب خالد عليها فلما بلغ ذلك الزبرقان كتب الى القعقاع بن عمرو نائب خالد على الحيرة فبعث القعقاع أعبد ابن فدكي السعدي وأمره بالحصيد وبعث عروة بن أبي الجعد ابارقي وأمره بالخنافس ورجع خالد من دومة إلى الحيرة وهو عازم على مصادمة أهل المدائن محلة كسرى لكنه يكره أن يفعل ذلك بغير إذن أبي بكر الصديق وشغله ما قد اجتمع من جيوش الأعاجم مع نصارى الأعراب يريدون حربه فبعث القعقاع بن عمرو أميرا على الناس فالتقوا بمكان يقال له الحصيد وعلى العجم رجل منهم يقال له روزبه وأمده أمير آخر يقال له زرمهر فاقتتلوا قتالا شديدا وهزم المشركون فقتل منهم المسلمون خلقا كثيرا وقتل القعقاع بيده زرمهر وقتل رجل يقال له عصمة بن عبد الله الضبي رزوبه وغنم المسلمون شيئا كثيرا وهرب من هرب من العجم فلجأوا إلى مكان يقال له خنافس فسار إليهم أبو ليلى بن فدكي السعدي فلما أحسوا بذلك ساروا إلى المضيح فلما استقروا بها بمن معهم من الأعاجم والأعارب قصدهم خالد بن الوليد بمن معه من الجنود وقسم الجيش ثلاث فرق وأغار عليهم ليلا وهم نائمون فأنامهم ولم يفلت منهم إلا اليسير فما شبهوا إلا بغنم مصرعة وقد روى ابن جرير عن عدي بن حاتم قال انتهينا في هذه الغارة إلى رجل يقال له حرقوص بن النعمان النمري وحوله بنوه وبناته وامرأته وقد وضع لهم جفنة من خمر وهم يقولون أحد يشرب هذه الساعة وهذه جيوش خالد قد أقبلت فقال لهم اشربوا شرب وداع فما ارى أن تشربوا خمرا بعدها فشربوا وجعل يقول ... ألا يا اسقياني قبل نائرة الفجر ... لعل منايانا قريب ولا ندري ...
القصيدة إلى آخرها قال فهجم الناس عليه فضرب رجل رأسه فاذا هو في جفنته وأخذت (6/351)
بنوه وبناته وامرأته وقد قتل في هذه المعركة رجلان كانا قد أسلما ومعهما كتاب من الصديق بالأمان ولم يعلم بذلك المسلمون وهما عبد العزى بن أبي رهم بن قرواش قتله جرير بن عبد الله البجلي والآخر لبيد بن جرير قتله بعض المسلمين فلما بلغ خبرهما الصديق وداهما وبعث بالوصاة بأولادهما وتكلم عمر بن الخطاب في خالد بسببهما كما تكلم فيه بسبب مالك بن نويرة فقال له الصديق كذلك يلقى من يساكن أهل الحرب في ديارهم أي الذنب لهما في مجاورتهما المشركين وهذا كما في الحديث أنا بريء من كل من ساكن المشرك في داره وفي الحديث الآخر لا ترى نارهما أي لا يجمتع المسلمون والمشركون في محلة واحدة ثم كانت وقعة الثنى والزميل وقد بيتوهم فقتلوا من كان هنالك من الاعراب والأعاجم فلم يفلت منهم أحد ولا انبعث بخبر ثم بعث خالد بالخمس من الأموال والسبي إلى الصديق وقد اشترى علي بن أبي طالب من هذا السبي جارية من العرب وهي ابنة ربيعة بن بجير التغلبي فاستولدها عمر ورقية رضي الله عنهم أجمعين
وقعة الفراض
ثم سار خالد بمن معه من المسلمين إلى وقعة الفراض وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة فأقام هنالك شهر رمضان مفطرا لشغله بالأعداء ولما بلغ الروم أمر خالد ومضيره إلى قرب بلادهم حموا وغضبوا وجمعوا جموعا كثيرة واستمدوا تغلب وإياد والتمر ثم ناهدوا خالدا فحالت الفرات بينهم فقالت الروم لخالد اعبر إلينا وقال خالد للروم بل اعبروا أنتم فعبرت الروم إليهم وذلك للنصف من ذي القعدة سنة ثنتي عشرة فاقتتلوا هنالك قتالا عظيما بليغا ثم هزم الله جموع الروم وتمكن المسلمون من اقتفائهم فقتل في هذه المعركة مائة ألف وأقام خالد بعد ذلك بالفراض عشرة أيام ثم أذن بالقفول إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة وأمر عاصم بن عمرو أن يسير في المقدمة وأمر شجرة بن الأعز أن يسير في الساقة وأظهر خالد أنه يسير في الساقة وسار خالد في عدة من أصحابه وقصد شطر المسجد الحرام وسار إلى مكة في طريق لم يسلك قبله قط ويأتي له في ذلك أمر لم يقع لغيره فجعل يسير متعسفا على غير جادة حتى انتهى الى مكة فأدرك الحج في هذه السنة ثم عاد فأدرك أمر الساقة قبل أن يصلوا الى الحيرة ولم يعلم أحد بحج خالد هذه السنة إلا القليل من الناس ممن كان معه ولم يعلم أبو بكر الصديق بذلك أيضا إلا بعدما رجع أهل الحج من الموسم فبعث يعتب عليه في مفارقته الجيش وكانت عقوبته عنده أن صرفه من غزو العراق إلى غزو الشام وقال له فيما كتب إليه يقول له وإن الجموع لم تشج بعون الله شجيك فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة فأتمم يتمم الله لك ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل وإياك أن تدل بعمل فان الله له المن وهو ولي الجزاء (6/352)
فصل فيما كان من الحوادث في هذه السنة
فيها أمر الصديق زيد بن ثابت أن يجمع القرآن من اللحاف والعسب وصدور الرجال وذلك بعد ما استحر القتل في القراء يوم اليمامة كما ثبت به الحديث في صحيح البخاري وفيها تزوج علي بن أبي طالب بأمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي من أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس الأموي وقد توفي أبوها في هذا العام وهذه هي التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحملها في الصلاة فيضعها إذا سجد ويرفعها إذا قام وفيها تزوج عمر بن الخطاب عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وهي ابنة عمه وكان لها محبا وبها معجبا وكان لا يمنعها من الخروج إلى الصلاة ويكره خروجها فجلس لها ذات ليلة في الطريق في ظلمة فلما مرت ضرب بيده على عجزها فرجعت إلى منزلها ولم تخرج بعد ذلك وقد كانت قبله تحت زيد بن الخطاب فيما قيل فقتل عنها وكانت قبل زيد تحت عبد الله ابن أبي بكر فقتل عنها ولما مات عمر تزوجها بعده الزبير فلما قتل خطبها علي بن أبي طالب فقالت إني أرغب بك عن الموت وامتنعت عن التزوج حتى ماتت وفيها اشترىعمر مولاه أسلم ثم صار منه أن كان أحد سادات التابعين وابنه زيد بن أسلم أحد الثقات الرفعاء وفيها حج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رواه ابن اسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة عن رجل من بني سهم عن أبي ماجدة قال حج بنا أبو بكر في خلافته سنة ثنتي عشرة فذكر حديثا في القصاص من قطع الأذن وأن عمر حكم في ذلك بأمر الصديق قال ابن اسحاق وقال بعض الناس لم يحج أبو بكر في خلافته وأنه بعث على الموسم السنة ثنتي عشرة عمر بن الخطاب أو عبد الرحمن بن عوف
فصل فيمن توفي في هذه السنة
قد قيل إن وقعة اليمامة وما بعدها كانت في سنة ثنتي عشرة فليذكر هاهنا من تقدم ذكره في سنة إحدى عشرة من قتل اليمامة وما بعدها ولكن المشهور ما ذكرناه
بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي
والد النعمان بن بشير شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها ويقال إنه أول من أسلم من الأنصار وهو اول من بايع الصديق يوم السقيفة من الانصار وشهد مع خالد حروبه إلى أن قتل بعين التمر رضي الله عنه وروى له النسائي حديث النحل والصعب بن جثامة الليثي أخو محكم بن جثامة له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أحاديث قال أبو حاتم هاجر وكان نزل ودان ومات في خلافة الصديق
ابو مرثد الغنوي
واسمه معاذ بن الحصين ويقال ابن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف بن خيلان بن غنم بن غني بن أعصر بن سعد بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار أبو مرثد (6/353)
الغنوي شهد هو وابنه مرثد بدرا ولم يشهدها رجل هو وابنه سواهما واستشهد ابنه مرثد يوم الرجيع كما تقدم وابن ابنه أنيس بن مرثد بن أبي مرثد له صحبة أيضا شهد الفتح وحنينا وكان عين رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أوطاس فهم ثلاثة نسقا وقد كان أبو مرثد حليفا للعباس بن عبد المطلب وروى له عن النبي صلى الله عليه و سلم حديث واحد انه قال لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها قال الواقدي توفي سنة ثنتي عشرة زاد غيره بالشام وزاد غيره عن ست وستين سنة وكان رجلا طويلا كثير الشعر قلت وفي قبلي دمشق قبر يعرف بقبر كثير والذي قرأته على قبره هذا قبر كناز بن الحصين صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأيت على ذلك المكان روحا وجلالة والعجب أن الحافظ ابن عساكر لم يذكره في تاريخ الشام فالله أعلم
وممن توفي في هذه السنة ابو العاص بن الربيع
ابن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي زوج أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب وكان محسنا إليها ومحبا لها ولما أمره المسلمون بطلاقها حين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبى عليهم ذلك وكان ابن أخت خديجة بنت خويلد واسم أمه هالة ويقال هند بنت خويلد واختلف في اسمه فقيل لقيط وهو الأشهر وقيل مهشم وقيل هشيم وقد شهد بدرا من ناحية الكفار فأسر فجاء أخوه عمرو بن الربيع ليفاديه وأحضر معه الفداء قلادة كانت خديجة أخرجتها مع ابنتها زينب حين تزوج أبو العاص بها فلما رآها رسول الله رق لها رقة شديدة وأطلقه بسببها واشترط عليه أن يبعث له زينب إلى المدينة فوفى له بذلك واستمر أبو العاص على كفره بمكة إلى قبيل الفتح بقليل فخرج في تجارة لقريش فاعترضه زيد بن حارثة في سرية فقتلوا جماعة من أصحابه وغنموا العير وفر أبو العاص هاربا إلى المدينة فاستجار بامرأته زينب فأجارته فأجاز رسول الله جوارها ورد عليه ما كان معه من أموال قريش فرجع بها أبو العاص إليهم فرد كل مال إلى صاحبه ثم تشهد شهادة الحق وهاجر إلى المدينة ورد عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب بالنكاح الأول وكان بين فراقها له وبين اجتماعها ست سنين وذلك بعد سنتين من وقت تحريم المسلمات على المشركين في عمرة الحديبية وقيل إنما ردها عليه بنكاح جديد فالله أعلم وقد ولد له من زينب علي بن أبي العاص وخرج مع علي إلى اليمن حين بعثه إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يثني عليه خيرا في صهارته ويقول حدثني فصدقني وواعدني فوفاني وقد توفي في أيام الصديق سنة ثنتي عشرة وفي هذه السنة تزوج علي بن أبي طالب بابنته أمامة بنت أبي العاص بعد وفاة خالتها فاطمة وما أدري هل كان ذلك قبل وفاة أبي العاص أو بعده فالله أعلم * تم الجزء السادس من البداية والنهاية ويلية الجزء السابع وأوله سنة ثلاث عشرة من الهجرة النبوية نسأل الله التوفيق والأعانة * (6/354)
بسم الله الرحمن الرحيم سنة ثلاث عشرة من الهجرة (7/354)
استهلت هذه السنة والصديق عازم على جمع الجنود ليبعثهم الى الشام وذلك بعد مرجعه من الحج عملا بقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا ان الله مع المتقين وبقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر الآية واقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم فانه جمع المسلمين لغزو الشام وذلك عام تبوك حتى وصلها في حر شديد وجهد فرجع عامه ذلك ثم بعث قبل موته اسامة بن زيد مولاه ليغزو تخوم الشام كما تقدم ولما فرغ الصديق من امر جزيرة العرب بسط يمينه الى العراق فبعث اليها خالد بن الوليد ثم اراد ان يبعث الى الشام كما بعث الى العراق فشرع في جمع الامراء في اماكن متفرقة من جزيرة العرب وكان قد استعمل عمرو بن العاص على صدقات قضاعة معه الوليد بن عقبة فيهم فكتب اليه يستنفره الى الشام اني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاكه رسول الله صلى الله عليه و سلم مرة وسماه لك اخرى وقد احببت ابا عبدالله ان افرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه الا ان يكون الذي انت فيه احب اليك فكتب اليه عمرو بن العاص اني سهم من سهام الاسلام وانت عبد الله الرامي بها والجامع لها فانظر اشدها واخشاها فارم بي فيها وكتب الى الوليد بن عقبة (7/2)
بمثل ذلك ورد عليه مثله واقبلا بعدما استخلفا في عملهما الى المدينة وقدم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن فدخل المدينة وعليه جبة ديباج فلما رآها عمر عليه امر من هناك من الناس بتحريقها عنه فغضب خالد بن سعيد وقال لعلي بن ابي طالب يا ابا الحسن اغلبتم يا بني عبدمناف عن الامرة فقال له علي امغالبة تراها او خلافة فقال لا يغالب على هذا الامر اولى منكم فقال له عمر بن الخطاب اسكت فض الله فاك والله لا تزال كاذبا تخوض فيما قلت ثم لا تضر الا نفسك وابلغها عمر ابا بكر فلم يتأثر لها ابو بكر ولما اجتمع عند الصديق من الجيوش ما اراد قام في الناس خطيبا فاننى على الله بما هو اهله ثم حث الناس على الجهاد فقال الا لكل امر جوامع فمن بلغها فهي حسبه ومن عمل الله كفاه الله عليكم بالجد والقصد فان القصد ابلغ الا انه لا دين لاحد لا ايمان له ولا ايمان لمن خشيه له ولا عمل لمن لا نية له الا وان في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله لما ينبغي للمسلم ان يحب ان يخص به هي النجاة التي دل الله عليها اذ نجى بها من الخزي والحق بها الكرامة
ثم شرع الصديق في تولية الامراء وعقد الالوية والرايات فيقال ان اول لواء عقده لخالد بن سعيد بن العاص فجاء عمر بن الخطاب فثناه عنه وذكره بما قال فلم يتأثر به الصديق كما تأثر به عمر بل عزله عن الشام وولاه ارض تيماء يكون بها فيمن معه من المسلمين حتى يأتيه امره ثم عقد لواء يزيد بن ابي سفيان ومعه جمهور من الناس ومعه سهيل بن عمرو واشباهه من اهل مكة وخرج معه ماشيا يوصيه بما اعتمده في حربه ومن معه من المسلمين وجعل له دمشق وبعث ابا عبيدة بن الجراح على جند آخر وخرج معه ماشيا يوصيه وجعل له نيابة حمص وبعث عمرو بن العاص ومعه جند آخر وجعله على فلسطين وامر كل امير ان يسلك طريقا غير طريق الآخر لما لحظ في ذلك تداخل من المصالح وكان الصديق اقتدى في ذلك بنبي الله يعقوب حين قال لبنيه يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وما اغنى عنكم من الله من شىء ان الحكم الا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون فكان سلوك يزيد بن ابي سفيان على تبوك فال المدائني باسناده عن شيوخه قالوا وكان بعث ابي بكر هذه الجيوش في اول سنة ثلاث عشرة قال محمد بن اسحاق عن صالح بن كيسان خرج ابو بكر ماشيا ويزيد بن ابي سفيان راكبا فجعل يوصيه فلما فرغ قال اقرئك السلام واستودعك الله ثم انصرف ومضى يزيد واجد السير ثم تبعه شرحبيل بن حسنة ثم ابو عبيدة مددا لهما فسلكوا غير ذلك الطريق وخرج عمرو بن العاص حتى نزل العرمات من ارض الشام ويقال ان يزيد بن ابي سفيان نزل البلقاء اولا ونزل شرحبيل بالاردن ويقال ببصرى ونزل ابو عبيدة بالجابية وجعل الصديق يمدهم بالجيوش وامر كل (7/3)
واحد منهم ان ينضاف الى من احب من الامراء ويقال ان ابا عبيدة لما مر بارض البلقاء قاتلهم حتى صالحوه وكان اول صلح وقع بالشام
ويقال ان اول حرب وقع بالشام ان الروم اجتمعوا بمكان يقال له العرية من ارض فلسطين فوجه اليهم ابا امامة في سرية فقتلهم وغنم منهم وقتل منهم بطريقا عظيما ثم كانت بعد هذه وقعة مرج الصفراء استشهد فيها خالد بن سعيد بن العاص وجماعة من المسلمين ويقال ان الذي استشهد في مرج الصفراء ابن لخالد بن سعيد واما هو ففر حتى انحاز الى ارض الحجاز فالله اعلم حكاه ابن جرير قال ابن جرير ولما انتهى خالد بن سعيد الى تيماء اجتمع له جنود من الروم في جمع كثير من نصارى العرب من غيرا وتنوخ وبني كلب وسليح ولخم وجذام وغسان فتقدم اليهم خالد بن سعيد فلما اقترب منهم تفرقوا عنه ودخل كثير منهم في الاسلام وبعث الى الصديق يعلمه بما وقع من الفتح فامره الصديق ان يتقدم ولا بحجم وامده بالوليد بن عتبة وعكرمة بن ابي جهل وجماعة فسار الى قريب من ايلياء فالتقى هو وامير من الروم يقال له ماهان فكسره ولجأ ماهان الى دمشق فلحقه خالد بن سعيد وبادر الجيوش الى لحوق دمشق وطلب الحظوة فوصلوا الى مرج الصفراء فانطوت عليه مسالح ماهان واخذوا عليهم الطريق وزحف ماهان ففر خالد بن سعيد فلم يرد الى ذى المروة واستحوذ الروم على جيشهم الا من فر على الخيل وثبت عكرمة بن ابي جهل وقد تقهقر عن الشام قريبا وبقي رداءا لمن نفر اليه واقبل شرحبيل بن حسنة من العراق من عند خالد بن الوليد الى الصديق فأمره على جيشه وبعثه الى الشام فلما مر بخالد بن سعيد بذي المروة اخذ جمهور اصحابه الذين هربوا معه الى ذي المروة ثم اجتمع عند الصديق طائفة من الناس فأمر عليهم معاوية بن ابي سفيان وارسله وراء اخيه زيد بن ابي سفيان ولما مر بخالد بن سعيد اخذ من كان بقي معه بذى المروة الى الشام ثم اذن الصديق لخالد بن سعيد في الدخول الى المدينة وقال كان عمر اعلم بخالد
وقعة اليرموك
على ما ذكره سيف بن عمر في هذه السنة قبل فتح دمشق وتبعه على ذلك ابو جعفر بن جرير رحمه الله واما الحافظ ابن عساكر رحمه الله فانه نقل عن يزيد بن ابي عبيدة والوليد وابن لهيعة والليث وابي معشر انها كانت في سنة خمسة عشرة بعد فتح دمشق وقال محمد بن اسحاق كانت في رجب سنة خمس عشرة وقال خليفة بن خياط قال ابن الكلبي كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة قال ابن عساكر وهذا هو المحفوظ واما ما قاله سيف من انها قبل فتح دمشق سنة ثلاث عشرة فلم يتابع عليه (7/4)
قلت وهذا ذكر سياق سيف وغيره على ما اورده ابن جرير وغيره قال ولما توجهت هذه الجيوش نحو الشام افزع ذلك الروم وخافوا خوفا شديدا وكتبوا الى هرقل يعلمونه بما كان من الامر فيقال انه كان يومئذ بحمص ويقال كان حج عامه ذلك الى بيت المقدس فلما انتهى اليه الخبر قال لهم ويحكم ان هؤلاء اهل دين جديد وانهم لاقبل الاحد بهم فأطيعوني وصالحوهم بما تصالحونهم على نصف خراج الشام ويبقى لكم جبال الروم وان أنتم ابيتم ذلك اخذوا منكم الشام وضيقوا عليكم جبال الروم فنخروا من ذلك نخرة حمر الوحش كما هي عاداتهم في قلة المعرفة والرأي بالحرب والنصرة في الدين والدنيا فعند ذلك سار الى حمص وامر هرقل بخروج الجيوش الرومية صحبة الامراء في مقابلة كل امير من المسلمين جيش كثيف فبعث الى عمرو بن العاص اخا له لأبويه تذارق في تسعين ألفا من المقاتلة وبعث جرجه بن بوذيها الى ناحية يزيد بن ابي سفيان فعسكر بارائه في خمسين الفا او ستين الفا وبعث الدارقص الى شرحبيل بن حسنة وبعث اللقيقار ويقال القيقلان قال ابن اسحاق وهو خصي هرقل نسطورس في ستين الفا الى ابي عبيدة بن الجراح وقالت الروم والله لنشغلن ابا بكر عن ان يورد الخيول الى ارضنا وجميع عساكر المسلمين احد وعشرون الفا سوىالجيش الذي مع عكرمة بن ابي جهل وكان واقفا في طرف الشام ردءا للناس في سنة آلاف فكتب الامراء الى ابو بكر وعمر يعلمونهما بما وقع من الامر العظيم فكتب اليهم ان اجتمعوا وكونوا جندا واحدا والقواد جنود المشركين فانتم انصار الله والله ينصر من نصره وخاذل من كفره ولن يؤتى مثلكم عن قلة ولكن من تلقاء الذنوب فاحترسوا منها وليصل كل رجل منكم باصحابه وقال الصديق والله لاشغلن النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد وبعث اليه وهو بالعراق ليقدم الى الشام فيكون الامير على من به فاذا فرغ عاد الى عمله بالعراق فكان ما سنذكره ولما بلغ هرقل ما امر به الصديق امراءه من الاجتماع بعث الى امرائه ان يجتمعوا ايضا وان ينزلوا بالجيش منزلا واسع العطن واسع المطرد ضيق المهرب وعلى الناس اخوه بندارق وعلى المقدمة جرجه وعلى المجنبتين ماهان والدارقص وعلى البحر القيقلان
وقال محمد بن عائد عن عبدالاعلى عن سعيد بن عبدالعزيز ان المسلمين كانوا اربعة وعشرين الفا وعليهم ابو عبيدة والروم كانوا عشرين ومائة الف عليهم ماهان وسقلاب يوم اليرموك وكذا ذكر ابن اسحاق ان سقلاب الخصي كان على الروم يومئذ في مائة الف وعلى المقدمة جرجه من ارمينية في اثني عشر الفا ومن المستعربة اثني عشر الفا عليهم جبلة بن الأيهم والمسلمون في اربعة وعشرين الفا فقاتلوا قتالا شديدا حتى قاتلت النساء من ورائهم اشد القتال وقال الوليد (7/5)
عن صفوان عن عبدالرحمن بن جبير قال بعث هرقل مائتي الف عليهم ماهان الارمني قال سيف فسارت الروم فنزلوا الواقوصة قريبا من اليرموك وصار الوادي خندقا عليهم وبعث الصحابة الى الصديق يستمدونه ويعلمونه أن يستنيب على العراق وأن يقفل بمن معه إلى الشام فإذا وصل اليهم فهو الامير بما اجتمع من جيش الروم باليرموك فكتب الصديق عند ذلك إلى خالد بن الوليد عليهم فاستناب المثنى بن الحارثة على العراق وسار خالد مسرعا في تسعة آلاف وخمسمائة ودليله رافع بن عميرة الطائي فاخذ به على السماق حتى انتهى الى قراقر وسلك به اراضي لم يسلكها قبله احد فاجتاب البراري والقفار وقطع الاودية وتصعد على الجبال وسار في غير مهيع وجعل رافع يدلهم في مسيرهم على الطريق وهو في مفاوز معطشة وعطش النوق وسقاها الماء عدلا بعد نهل وقطع مشارفها وكعمها حتى لا تحتز رحل ادبارها ويقال بل سقاه الخيل وشربوا ما كانت تحمله من الماء واكلوا لحومها واستاقها معه فلما فقدوا الماء نحرها فشربوا ما في أجوافها من الماء ووصل ولله الحمد والمنة في خمسة ايام فخرج على الروم من ناحية تدمر فصالح اهل تدمر واركه ولما مر بعذراء اباحها وغنم لغسان اموالا عظيمة وخرج من شرقي دمشق ثم سار حتى وصل الى قناة بصرى فوجد الصحابة تحاربها فصالحه صاحبها وسلمها اليه فكانت اول مدينة فتحت من الشام ولله الحمد
وبعث خالد بأخماس ما غنم من غسان مع بلال بن الحرث المزني الى الصديق ثم سار خالد وابو عبيدة ومرثد وشرحبيل الى عمرو بن العاص وقد قصده الروم بأرض العربا من المعور فكانت واقعة اجنادين وقد قال رجل من المسلمين في مسيرهم هذا مع خالد ... لله عينا رافع انى اهتدى ... فوز من قراقر الى نوى ... خمسا اذا ماسارها الجيش بكى ... ما سارها قبلك انسي ارى ...
وقد كان بعض العرب قال له في هذا المسير ان انت اصبحت عن الشجرة الفلانية نجوت انت ومن معك وان لم تدركها هلكت انت ومن معك فسار خالد بمن معه وسروا سروة عظيمة فاصبحوا عندها فقال خالد عند الصباح يحمد القوم السرى فارسلها مثلا وهو اول من قالها رضى الله عنه ويقول ابن اسحاق كسيف بن عمر وابي نحيف وغيرهما في تكميل السياق الاول حين اجتمعت الروم قريبا من الروم في طريقهم الذي ليس لهم طريق غيره فقال عمرو بن العاص ابشروا مع أمرائها بالواقوصة وانتقل الصحابة من منزلهم الذي كانوا فيه فنزلوا ايها الناس فقد حصرت والله الروم وقلما جاء محصور بخير ويقال ان الصحابة لما اجتمعوا للمشورة في كيفية المسير الى الروم جلس الامراء لذلك فجاء ابو سفيان فقال ما كنت اظن اني اعمر حتى ادرك (7/6)
قوما يجتمعون لحرب ولا احضرهم ثم اشار ان يتجزأ الجيش ثلاثة اجزاء فيسير ثلثه فينزلون تجاه الروم ثم تسير الاثقال والذرارى في الثلث الآخر ويتأخر خالد يالثلث الآخر حتى اذا وصلت الاثقال الى اولئك سار بعدهم ونزلوا في مكان تكون البريه من وراء ظهورهم لتصل اليهم البرد والمدد فامتثلوا ما اشار به ونعم الرأي هو
وذكر الوليد عن صفوان عن عبدالرحمن بن جبير ان الروم نزلوا فيما بين دير ايوب واليرموك ونزل المسلمون من وراء النهر من الجانب الآخر واذرعات خلفهم ليصل اليهم المدد من المدينة
ويقال ان خالدا انما قدم عليهم بعدما نزل الصحابة تجاه الروم بعدما صابروهم وحاصروهم شهر ربيع الاول بكماله فلما انسلخ وامكن القتال لقلة الماء بعثوا الى الصديق يستمدونه فقال خالد لها فبعث الى خالد فقدم عليهم في ربيع الاخر فعند وصول خالد اليهم اقبل ماهان مددا للروم ومعه القساقسة والشمامسة والرهبان يحثونهم ويحرضونهم على القتال لنصر دين النصرانية فتكامل جيش الروم اربعون ومائتا الف وثمانون الفا مسلسل بالحديد والحبال وثمانون الفا فارس وثمانون الفا راجل
قال سيف وقيل بل كان الذين تسلسلوا كل عشرة سلسلة لئلا يفرون ثلاثين الفا فالله اعلم
قال سيف وقدم عكرمة بمن معه من الجيوش فتكامل جيش الصحابة ستة وثلاثين الفا الى الاربعين الفا
وعند ابن اسحاق والمدايني ايضا ان وقعة اجنادين قبل وقعة اليرموك وكانت واقعة اجنادين لليلتين بقيتا من جمادى الاولى سنة ثلاث عشرة وقتل بها بشر كثير من الصحابة وهزم الروم وقتل اميرهم القيقلان وكان قد بعث رجلا من نصارى العرب يجس له امر الصحابة فلما رجع اليه قال وجدت قوما رهبانا بالليل فرسانا بالنهار والله لو سرق فيهم ابن ملكهم لقطعوه او زنى لرجموه فقال له القيقلان والله لئن كنت صادقا لبطن الارض خير من ظهرها وقال سيف بن عمر في سياقه ووجد خالد الجيوش متفرقة فجيش ابي عبيدة وعمرو بن العاص ناحية وجيش يزيد وشرحبيل ناحية فقام خالد في الناس خطيبا فأمرهم بالاجتماع ونهاهم عن التفرق والاختلاف فاجتمع الناس وتصافوا مع عدوهم في اول جمادى الآخرة وقام خالد بن الوليد في الناس فحمد الله واثنى عليه وقال ان هذا يوم من ايام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغى اخلصوا جهادكم واريدوا الله بعملكم وان هذا يوم له ما بعده لو رددناهم اليوم الى خندقهم فلا نزال نردهم وان هزمونا لا نفلح بعدها ابدا فتعالوا فلنتعاور الامارة فليكن عليها بعضنا اليوم والآخر غدا والآخر بعد غد حتى يتأمر كلكم ودعوني اليوم اليكم فامروه عليهم وهم يظنون ان الامر يطول جدا فخرجت الروم في تعبئة لم (7/7)
ير مثلها قبلها قط وخرج خالد في تعبئة لم تعيها العرب من قبل ذلك فخرج في ستة وثلاثين كردوسا الى الأربعين كل كردوس الف رجل عليهم امير وجعل ابا عبيدة في القلب وعلى الميمنة عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة وعلى الميسرة يزيد بن ابي سفيان وامر على كل كردوس اميرا وعلى الطلائع قباب بن اشيم وعلى الاقباض عبدالله بن مسعود والقاضي يومئذ ابو الدرداء وقاصهم الذي يعظهم ويحثهم على القتال ابو سفيان بن حرب وقارئهم الذي يدور على الناس فيقرأ سورة الأنفال وآيات الجهاد المقداد بن الاسود
وذكر اسحاق بن يسار باسناده ان امراء الارباع يومئذ كانوا اربعة ابو عبيدة وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن ابي سفيان وخرج الناس على راياتهم وعلى الميمنة معاذ بن جبل وعلى الميسرة نفاثة بن اسامة الكناني وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن ابي وقاص وعلى الخيالة خالد بن الوليد وهو المشير في الحرب الذي يصدر الناس كلهم عن رأيه ولما اقبلت الروم في خيلائها وفخرها قد سدت اقطار تلك البقعة سهلها ووعرها كانهم غمامة سوداء يصيحون باصوات مرتفعة ورهبانهم يتلون الانجيل ويحثونهم على القتال وكان خالد في الخيل بين يدي الجيش فساق بفرسه الى ابي عبيدة فقال له اني مشير بامر فقال قل امرك الله اسمع لك واطيع فقال له خالد ان هؤلاء القوم لا بد لهم من حملة عظيمة لا محيد لهم عنها وانى اخشى على الميمنة والميسرة وقد رايت ان افرق الخيل فرقتين واجعلها وراء الميمنة والميسرة حتى اذا صدموهم كانوا لهم ردءا فناتيهم من ورائهم فقال له نعم ما رايت فكان خالد في احد الخيلين من وراء الميمنة وجعل قيس بن هبيرة في الخيل الاخرى وامر ابا عبيدة ان يتاخر عن القلب الى وراء الجيش كله لكي اذا رآه المنهزم استحى منه ورجع الى القتال فجعل ابو عبيدة مكانه في القلب سعيد بن زيد احد العشر رضى الله عنهم وساق خالد الى النساء من وراء الجيش ومعهن عدد من السيوف وغيرها فقال لهن من رايتموه موليا فاقتلنه ثم رجع الى موقفه رضي الله عنه
ولما تراءى الجمعان وتبارز الفريقان وعظ ابو عبيدة المسلمين فقال عباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت اقدامك يا معشر المسلمين اصبروا فان الصبر منجاة من الكفر مرضاة للرب ومدحضة للعا ولا تبرحوا مصافكم ولا تخطوا اليهم خطوة ولا تبدأوهم بالقتال وشرعوا الرماح واستتروا بالدرق والزموا الصمت الا من ذكر الله في انفسكم حتى آمركم ان شاء الله تعالى قالوا وخرج معاذ بن جبل على الناس فجعل يذكرهم ويقول يا اهل القرآن ومتحفظي الكتاب وانصار الهدى والحق ان رحمة الله لا تنال وجنته لا تدخل بالاماني ولا يؤتى الله المغفرة والرحمة الواسعة الا الصادق المصدق الم تسمعوا لقول الله وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الارض كما استخلف (7/8)
الذين من قبلهم الآية فاستحيوا رحمكم الله من ربكم ان يراكم فرارا من عدوكم وانتم في قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ولا عز بغيره
وقال عمرو بن العاص يا ايها المسلمون غضوا الابصار واجثوا على الركب واشرعوا الرماح فاذا حملوا عليكم فامهلوهم حتى اذا ركبوا اطراف الاسنة فثبوا اليهم وثبة الاسد فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه ويمقت الكذب ويجزي بالاحسان احسانا لقد سمعت ان المسلمين سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا فلا يهلوكم جموعهم ولا عددهم فانكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير اولاد الحجل
وقال ابو سفيان يا معشر المسلمين انتم العرب وقد اصبحتم في دار العجم منقطعين عن الاهل نائين عن امير المؤمنين وامداد المسلمين وقد والله اصبحتم بازاء عدو كثير عدده شديد عليكم حنقه وقد وترتموهم في انفسهم وبلادهم ونسائهم والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم ولا يبلغ بكم رضوان الله غدا الا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة الا وانها سنة لازمة وان الارض ورائكم بينكم وبين امير المؤمنين وجماعة المسلمين صحارى وبراري ليس لاحد فيها معقل ولا معدل الا الصبر ورجاء ما وعد لله فهو خير معول فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هي الحصون ثم ذهب الى النساء فوصاهم ثم عاد فنادى يا معاشر اهل الاسلام حضر ما ترون فهذا ارسول الله والجنة امامكم والشيطان والنار خلفكم ثم سار الى موقفه رحمه الله
وقد وعظ الناس ابو هريرة ايضا فجعل يقول سارعوا الى الحور العين وجوار ربكم عز و جل في جنات النعيم ما انتم الى ربكم في موطن بأحب اليه منكم في مثل هذا الموطن الا وان للصابرين فضلهم قال سيف بن عمر اسناده عن شيوخه انهم قالوا كان في ذلك الجمع الف رجل من الصحابة منهم مائة من اهل بدر وجعل ابو سفيان يقف على كل كردوس ويقول الله الله انكم دارة العرب وانصار الاسلام وانهم دارة الروم وانصار الشرك اللهم ان هذا يوم من ايامك اللهم انزل نصرك على عبادك قالوا ولما اقبل خالد من العراق قال رجل من نصارى العرب لخالد بن الوليد ما اكثر الروم واقل المسلمين فقال خالد ويلك اتخوفني بالروم انما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذ لا بعدد الرجال والله لوددت ان الاشقر برا من توجعه وانهم اضعفوا في العدد وكان فرسه قد حفا واشتكى في مجيئه من العراق ولما تقارب الناس تقدم ابو عبيدة ويزيد بن ابي سفيان ومعهما ضرار بن الازور والحارث بن هشام وابو جندل بن سهيل ونادوا انما نريد اميركم لنجتمع به فاذن لهم في الدخول على تذارق واذا هو جالس في خيمة من حرير فقال الصحابة لا نستحل دخولها فامر لهم بفرش بسط من حرير فقالوا ولا نجلس على هذه فجلس معهم حيث (7/9)
احبوا وتراضوا على الصلح ورجع عنهم الصحابة بعد ما دعوهم الى الله عز و جل فلم يتم ذلك
وذكر الوليد بن مسلم ان ماهان طلب خالدا ليبرز اليه فيما بين الصفين فيجتمعا في مصلحة لهم فقال ماهان انا قد علمنا ان ما اخرجكم من بلادكم الجهد والجوع فهلموا الى أن اعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعام وترجعون الى بلادكم فاذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها فقال خالد انه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت غير انا قوم نشرب الدماء وانه بلغنا ان لا دم اطيب من دم الروم فجئنا لذلك فقال اصحاب ماهان هذا والله ما كنا نحدث به العرب
قالوا ثم تقدم خالد الى عكرمة بن ابي جهل والقعقاع بن عمرو وهما على مجنبتي القلب ان ينشئا القتال فبدرا يرتجزان ودعوا الى البراز وتنازل الابطال وتجاولوا وحمى الحرب وقامت على ساق هذا خالد مع كردوس من الحماة الشجعان الابطال بين يدي الصفوف والابطال يتصاولون من الفريقين بين يديه وهو ينظر ويبعث الى كل قوم من اصحابه بما يعتمدونه من الافاعيل ويدبر امر الحرب اتم تدبير
وقال اسحاق بن بشير عن سعيد بن عبدالعزيز عن قدماء مشايخ دمشق قالوا ثم زحف ماهان فخرج ابو عبيدة وقد جعل على الميمنة معاذ بن جبل وعلى الميسرة قباب بن اشيم الكناني وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن ابي وقاص وعلى الخيل خالد بن الوليد وخرج الناس على راياتهم وسار ابو عبيدة بالمسلميين وهو يقول عباد الله انصرو الله ينصركم ويثبت اقدامكم يا معاشر المسلمين اصبروا وصابروا فان الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار ولا تبرحوا مصافكم ولا تخطوا اليهم خطوة ولا تبدؤوهم بالقتال واشرعوا الرماح واستتروا بالدرق والزموا الصمت الا من ذكر الله وخرج معاذ بن جبل فجعل يذكرهم ويقول يا أهل القرآن ومستحفظي الكتاب وانصار الهدى والحق ان رحمة الله لا تنال وجنته لا تدخل بالاماني ولا يؤتى الله المغفرة والرحمة الواسعة الا للصادق المصدق الم تسمعوا لقول الله عز و جل وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات الى لآآخر الآية فاستحيوا رحمكم الله من ربكم ان يراكم فرارا من عدوكم وانتم في قبضته وليس لكم ملتحد من دونه وسار عمرو بن العاص في الناس وهو يقول ايها المسلمون غضوا الابصار واجثوا على الراكب واشرعوا الرماح فاذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى اذا ركبو اطراف الاسنة فثبوا وثبة الأسد فوالذي يرضى الصدق ويثيت عليه ويمقت الكذب ويجزي الاحسان احسانا لقد سمعت ان المسلمين سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم فانكم لو صدقتموهم الشد لتطايروا تطاير اولاد الحجل ثم تكلم ابو سفيان فاحسن وحث على القتال فابلغ في كلام طويل ثم قال حين تواجه الناس يا معشر اهل (7/10)
الاسلام حضر ما ترون فهذا رسول الله والجنة امامكم والشيطان والنار خلفكم وحرض ابو سفيان النساء وقال من رايتنه فارا فاضربنه بهذه الاحجار والعصي حتى يرجع
واشار خالد ان يقف في القلب سعيد بن زيد وان يكون ابو عبيدة من وراء الناس ليرد المنهزم وقسم خالد الخيل قسمين فجعل فرقة وراء الميمنة وفرقة وراء الميسرة لئلا يفر الناس وليكونوا ردءا لهم من ورائهم فقال له اصحابه افعل ما اراك الله وامتثلوا ما اشار به خالد رضى الله عنه واقبلت الروم رافعة صلبانها ولهم اصوات مزعجة كالرعد والقساقسة والبطارقة تحرضهم على القتال وهم في عدد وعدد لم ير مثله فالله المستعان وعليه التكلان
وقد كان فيمن شهد اليرموك الزبير بن العوام وهو افضل من هناك من الصحابة وكان من فرسان الناس وشجعانهم فاجتمع اليه جماعة من الابطال يومئذ فقالوا الا تحمل فنحمل معك فقال انكم لا تثبتون فقالوا بلى فحمل وحملوا فلما واجهوا صفوف الروم احجموا واقدم هو فاخترق صفوف الروم حتى خرج من الجانب الآخر وعاد الى اصحابه ثم جاؤوا اليه مرة ثانية ففعل كما فعل في الأولى وجرح يومئذ جرحين بين كتفيه وفي رواية جرح وقد روى البخاري معنى ما ذكرناه في صحيحه وجعل معاذ بن جبل كلما سمع اصوات القسيسين والرهبان يقول اللهم زلزل اقدامهم وارعب قلوبهم وانزل علينا السكينة والزمنا كلمة التقوى وحبب الينا اللقاء وارضنا بالقضاء وخرج ماهان فامر صاحب الميسرة وهو الدبريجان وكان عدو الله متنسكا فيهم فحمل على الميمنة وفيها الأزد ومذحج وحضرموت وخولان فثبتوا حتى صدقوا اعداء الله ثم ركبهم من الروم امثال الجبال فزال وثبت صور من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم وانكشف زبيد ثم تنادوا المسلمون من الميمنة الى ناحية القلب وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر فتراجعوا وحملوا حتى نهنهوا من امامهم من الروم واشغلوهم عن اتباع من انكشف من الناس واستقبل النساء من انهزم من سرعان الناس يضربنهم بالخشب والحجارة وجعلت خولة بنت ثعلبة تقول ... يا هاربا عن نسوة تقيات ... فعن قليل ما ترى سبيات ... ولا حصيات ولا رضيات ...
قال فتراجع الناس الى مواقفهم وقال سيف بن عمر عن ابي عثمان العساني عن ابيه قال قال عكرمة بن ابي جهل يوم اليرموك قاتلت رسول الله صلى الله عليه و سلم في مواطن وافر منكم اليوم ثم نادى من يبايع على الموت فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الازور في اربعمائة من وجوه المسلمين (7/11)
وفرسانهم فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى اثبتوا جميعا جراحا وقتل منهم خلق منهم ضرار بن الازور رضى الله عنهم وقد ذكر الواقدي وغيره انهم لما صرعوا من الجراح استسقوا ماء فجىء اليهم بشربة ماء فلما اقتربت الى احدهم نظر اليه الآخر فقال ادفعها اليه فلما دفعت اليه نظر اليه الآخر فقال ادفعها اليه فتدافعوها كلهم من واحد الى واحد حتى ماتوا جميعا ولم يشربها احد منهم رضى الله عنهم اجمعين
ويقال ان اول من قتل من المسلمين يومئذ شهيدا رجل جاء الى ابو عبيدة فقال اني قد تهيأت لأمري فهل لك من حاجة الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نعم تقرئه السلام وتقول يا رسول الله انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا قال فتقدم هذا الرجل حتى قتل رحمه الله قالوا وثبت كل القوم على رايتهم حتى صارت الروم تدور كانها الرحا فلم تر يوم اليرموك الا مخا ساقطا ومعصما نادرا وكفا طائرة من ذلك الموطن ثم حمل خالد بمن معه من الخيالة على الميسرة التى حملت على ميمنة المسلمين فازالوهم الى القلب فقتل من الروم في حملته هذه ستة آلاف منهم ثم قال والذي نفسي بيده لم يبق عندهم من الصبر والجلد غير ما رايتم واني لارجو ان يمنحكم الله اكتافهم ثم اعترضهم فحمل بمائة فارس معه على نحو من مائة الف فما وصل اليهم حتى انفض جمعهم وحمل المسلمون عليهم حملة رجل واحد فانكشفوا وتبعهم المسلمون لا يمتنعون منهم
قالوا وبينما هم في جولة الحرب وحومة الوغى والابطال يتصاولون من كل جانب اذ قدم البريد من نحو الحجاز فدفع الى خالد بن الوليد فقال له ما الخبر فقال له فيما بينه وبينه ان الصديق رضى الله عنه قد توفي واستخلف عمر واستناب على الجيوش ابا عبيدة عامر بن الجراح فاسرها خالد ولم يبد ذلك للناس لئلا يحصل ضعف ووهن في تلك الحال وقال له الناس يسمعون احسنت واخذ منه الكتاب فوضعه في كنانته واشتغل بما كان فيه من تدبير الحرب والمقاتلة واوقف الرسول الذي جاء بالكتاب وهو منجمة بن زنيم الى جانبه كذا ذكره ابن جرير باسانيده
قالوا وخرج جرحه احد الامراء الكبار من الصف واستدعى خالد بن الوليد فجاء اليه حتى ختلفت اعناق فرسيهما فقال جرجه يا خالد اخبرني فاصدقنى ولا تكذبني فان الحر لا يكذب ولا تخادعني فان الكريم لا يخادع المسترسل بالله هل انزل الله على نبيكم سيفا من السماء فاعطاكه فلا تسله على احد الا هزمتهم قال لا قال فبم سميت سيف الله قال ان الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا ومنه وناينا عنه جميعا ثم ان بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا كذبه وباعده فكنت فيمن كذبه وباعده ثم ان الله اخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه فقال لي انت سيف من (7/12)
سيوف الله سله على المشركين ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك فانا من اشد المسلمين على المشركين
فقال جرجه يا خالد الى ما تدعون قال الى شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله والاقرار بما جاء به من عند الله عز و جل قال فمن لم يجبكم قال فالجزية ونمنعهم قال فان لم يعطها قال نؤذنه بالحرب ثم نقاتله قال فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الامر اليوم قال منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا واولنا واخرنا قال جرجه فلمن دخل فيكم اليوم من الاجر مثل ما لكم من الاجر والذخر قال نعم وافضل قال وكيف يساويكم وقد سبقتموه فقال خالد انا قبلنا هذا الامر عنوة وبايعنا نبينا وهو حي بين اظهرنا تاتيه اخبار السماء ويخبرنا بالكتاب ويرينا الايات وحق لمن راى ما راينا وسمع ما سمعنا ان يسلم ويبايع وانكم انتم لم تروا ما راينا ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج فمن دخل في هذا الامر منكم بحقيقة ونية كان افضل منا فقال جرجه بالله لقد صدقتني ولم تخادعني قال تالله لقد صدقتك وان الله ولي ما سالت عنه فعند ذلك قلب جرجه الترس ومال مع خالد وقال علمنى الاسلام فمال به خالد الى فسطاطه فسن عليه قربة من ماء ثم صلى به ركعتين وحملت الروم مع انقلابه الى خالد وهم يرون انها منه حملة فازالوا المسلمين عن مواقفهم الا المحامية عليهم عكرمة بن ابي جهل والحرث بن هشام فركب خالد وجرجه معه والروم خلال المسلمين فتنادى الناس وثابوا وتراجعت الروم الى مواقفهم وزحف خالد بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجه من لدن ارتفاع النهار الى جنوح الشمس للغروب وصلى المسلمون صلاة الظهر وصلاة العصر ايماء واصيب جرجه رحمه الله ولم يصل لله الا تلك الركعتين مع خالد رضي الله عنهما وضعضعت الروم عند ذلك ثم نهد خالد بالقلب حتى صار في وسط خيول الروم فعند ذلك هربت خيالتهم واسندت بهم في تلك الصحراء وافرج المسلمون بخيولهم حتى ذهبوا واخر الناس صلاتي العشاءين حتى استقر الفتح وعمد خالد الى رحل الروم وهم الرجالة ففصلوهم حتى آخرهم حتى صاروا كانهم حائط قد هدم ثم تبعوا من فر من الخيالة واقتحم خالد عليهم خندقهم وجاء الروم في ظلام الليل الى الواقوصة فجعل الذين تسلسلوا وقيدوا بعضهم ببعض اذا سقط واحد منهم سقط الذين معه قال ابن جرير وغيره فسقط فيها وقتل عندها مائة الف وعشرون الفا سوى من قتل في المعركة وقد قاتل نساءالمسلمين في هذا اليوم وقتلوا خلقا كثيرا من الروم وكن يضربن من انهزم من المسلمين ويقلن اين تذهبون وتدعوننا للعلوج فاذا زجرنهم لا يملك احد نفسه حتى يرجع الى القتال
قال وتجلل القيقلان واشراف من قومه من الروم ببرانسهم وقالوا اذا لم نقدر على نصر دين (7/13)
النصرانية فلنمت على دينهم فجاء المسلمون فقتلوهم عن اخرهم قالوا وقتل في هذ 1 ا اليوم من المسلمين ثلاثة الاف منهم عكرمةوابنه عمرو وسلمة بن هشام وعمرو بن سعيد وابان بن سعيد واثبت خالد بن سعيد فلا يدري اين ذهب وضرار بن الازور وهشام بن العاص وعمرو بن الطفيل بن عمرو الدوسي وحقق الله رؤيا ابيه يوم اليمامة وقد اتلف في هذا اليوم جماعة من الناس انهزم عمرو بن العاص في اربعة حتى وصلوا إلى النساء ثم ت رجعوا حين وعظهم الامير بقوله تعالى ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم الآية
وثبت يومئذ يزيد بن ابي سفيان وقاتل قتالا شديدا وذلك ان اباه مر به فقال له يا بني عليك بتقوى الله والصبر فانه ليس رجل بهذا الوادي من المسلمين الا محفوفا بالقتال فكيف بك وبأشباهك الذين ولو امور المسلمين اولئك احق الناس بالصبر والنصيحة فاتق الله يا بني ولا يكونن احد من اصحابك بارغب في الاجر والصبر في الحرب ولا اجرا على عدو الاسلام منك فقال افعل ان شاء الله فقاتل يومئذ قتالا شديدا وكان من ناحية القلب رضي الله عنه
قال سعيد بن المسيب عن ابيه قال هدأت الاصوات يوم اليرموك فسمعنا صوتا يكاد يملأ العسكر يقول يا نصر الله اقترب الثبات الثبات يا معشر المسلمين قال فنظرنا فاذ هو ابو سفيان تحت راية ابنه يزيد واكمل خالد ليلته في خيمة تدارق اخى هرقل وهو امير الروم كلهم يومئذ هرب فيمن هرب وباتت الخيول تجول نحو خيمة خالد يقتلون من مر بهم من الروم حتى اصبحو وقتل تدارق وكان له ثلاثون سرادقا وثلاثون رواقا من ديباج بما فيها من الفرش والحرير فلما كان الصباح حازوا ما كان هنالك من الغنائم وما فرحوا بما وجدوا بقدر حزنهم على الصديق حين اعلمهم خالد بذلك ولكن عوضهم الله بالفاروق رضى الله عنه
وقال خالد حين عزى المسلمين في الصديق الحمد الله الذي قضى على ابي بكر بالموت وكان احب الي من عمر والحمد لله الذي ولي عمر وكان ابغض الى من ابي بكر والزمنى حبه
وقد اتبع خالد من انهزم من الروم حتى وصل الى دمشق فخرج اليه اهلها فقالوا نحن على عهدنا وصلحنا قال نعم ثم اتبعهم الى ثنية العقاب فقتل منهم خلقا كثيرا ثم ساق وراءهم الى حمص فخرج اليه اهلها فصالحهم كما صالح اهل دمشق وبعث ابو عبيدة عياض بن غنم وراءهم ايضا فساق حتى وصل ملطية فصالحه اهلها ورجع فلما بلغ هرقل ذلك بعث الى مقاتليها فحضروا بين يديه وامر بملطية فحرقت وانتهت الروم منهزمة الى هرقل وهو بحمص والمسلمون في آثارهم يقتلون ويأسرون ويغنمون فلما وصل الخبر الى هرقل ارتحل من حمص وجعلها بينه وبين المسلمين وترس بها وقال (7/14)
هرقل اما الشام فلا شام وويل للروم من المولود المشئوم
ومما قيل من الاشعار في يوم اليرموك قول القعقاع بن عمرو ... الم ترنا على اليرموك فزنا ... كما فزنا بأيام العراق ... وعذراء المدائن قد فتحنا ... ومرج الصفر على العتاق ... فتحنا قبلها بصرى وكانت ... محرمة الجناب لدى النعاق ... قتلنا من اقام لنا وفينا ... نهابهم باسياف وقاق ... قتلنا الروم حتى ما تساوى ... على اليرموك معروق الوراق ... فضضنا جمعهم لما استجالوا ... على الواقوص بالبتر الرقاق ... غداة تهافتوا فيها فصاروا ... الى امر يعضل بالذواق ...
وقال الاسود بن مقرن التميمي ... وكم اغرنا غارة بعد غارة ... يوما ويوما قد كشفنا اهاوله ... ولولا رجال كان عشو غنيمة ... لدى مأقط رجت علينا اوائله ... لقيناهم اليرموك لما تضايقت ... بمن حل باليرموك منه حمائله ... فلا يعد من منا هرقل كتائبا ... اذارامها رام الذي لا يحاوله ...
وقال عمرو بن العاص ... القوم لخم وجذام في الحرب ... ونحن والروم بمرج نضطرب بها لا نصطحب ... بل نعصب الفرار بالضرب الكرب ...
وروى احمد بن مروان المالكي في المجالسة حدثنا ابو اسماعيل الترمذي حدثنا ابو معاوية بن عمرو عن ابي اسحاق قال كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء فقال هرقل وهو على انطاكية لما قدمت منهزمة الروم ويلكم اخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم اليسوا بشرا مثلكم قالوا بلى قال فانتم اكثر ام هم قالوا بل نحن اكثر منهم اضعافا في كل موطن قال فما بالكم تنهزمون فقال شيخ من عظمائهم من اجل انهم يقومون الليل ويصومون النهار ويوفون بالعهد ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتناصفون بينهم ومن اجل انا نشرب الخمر ونزنى ونركب الحرام وننقض العهد ونغصب ونظلم ونامر بالسخط وننهى عما يرضى الله ونفسد في الارض فقال انت صدقتنى ز
وقال الوليد بن مسلم اخبرني من سمع يحيى بن يحيى الغساني يحدث عن رجلين من قومه قالا لما نزل المسلمون بناحية الاردن تحدثنا بيننا ان دمشق ستحاصر فذهبنا نتسوق منها قبل ذلك (7/15)
فبينا نحن فيها اذ ارسل الينا بطريقها فجئناه فقال انتما من العرب قلنا نعم قال وعلى النصرانية قلنا نعم فقال ليذهب احدكما فليتجسس لنا عن هؤلاء القوم ورأيهم وليثبت الآخر على متاع صاحبه ففعل ذلك احدنا فلبث مليا ثم جاءه فقال جئتك من عند رجال دقاق يركبون خيولا عتاقا اما الليل فرهبان واما النهار ففرسان يريشون النبل ويبرونها ويثقفون القنا لو حدثت جليسك حديثا ما فهمه عنك لما علا من اصواتهم بالقرآن والذكر قال فالتفت الى اصحابه وقال اتاكم منهم مالا طاقة لكم به
انتقال امرة الشام من خالد الى ابي عبيدة بعد وقعة اليرموك
وصيرورة الامرة بالشام الى ابو عبيدة فكان ابو عبيدة اول من سمي امير الامراء
وقد تقدم ان البريد قدم بموت الصديق والمسلمون مصافو الروم يوم اليرموك وان خالدا كتم ذلك عن المسلمين لئلا يقع وهن فلما اصبحوا اجلى لهم الامر وقال ما قال ثم شرع ابو عبيدة في جمع الغنيمة وتخميسها وبعث بالفتح والخمس مع قباب بن اشيم الى الحجاز ثم نودى بالرحيل الى دمشق فساروا حتى نزلوا مرج الصفر وبعث ابو عبيدة بين يديه طليعة ابا امامة الباهلي ومعه رجلان من اصحابه قال ابو امامة فسرت فلما كان ببعض الطريق امرت الآخر فكمن هناك وسرت انا وحدي حتى جئت باب البلد وهو مغلق في الليل وليس هناك احد فنزلت وغرزت رمحي بالا رض ونزعت لجام فرسي وعلقت عليه مخلاته ونمت فلما اصبح الصباح قمت فتوضأت وصليت الفجر فاذا باب المدينة يقعقع فلما فتح حملت على البواب فطعنته بالرمح فقتلته ثم رجعت والطلب ورائي فلما انتهينا الى الرجل الذي في الطريق من اصحابي ظنوا انه كمين فرجعوا عنى ثم سرنا حتى اخذنا الآخر وجئت الى ابو عبيدة فاخبرته بما رايت فاقام ابو عبيدة ينتظر كتاب عمر فيما يعتمده من امر دمشق فجاءه الكتاب يامره بالمسير اليها فساروا اليها حتى احاطوا بها واستخلف ابو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب في خيل هناك
وقعة جرت بالعراق بعد مجىء خالد الى الشام
وذلك ان اهل فارس اجتمعوا بعد مقتل ملكهم وابنه على تمليك شهريار بن ازدشير بن شهريار واستغنموا غيبة خالد عنهم فبعثوا الى نائبه المثنى بن حارثة جيشا كثيفا نحوا من عشرة الاف عليهم هرمز بن حادويه وكتب شهريار الى المثنى انى قد بعثت اليك جندا من وحش اهل فارس انما هم رعاة الدجاج والخنازير ولست اقاتلك إلا بهم فكتب اليه المثنى من المثنى الى شهريار ( 1 ) كذا في الاصلين ولعل فيه سقطا (7/16)
انما انت احد رجلين اما باغ لذلك شر لك وخير لنا واما كاذب فأعظم الكاذبين عقوبة وفضيحة عند الله في الناس والملوك واما الذي يدلنا عليه الراي فانكم انما اضطررتم اليهم فالحمد الله الذي رد كيدكم الى رعاة الدجاج والخنازير قال فجزع اهل فارس من هذا الكتاب ولاموا شهريار على كتابه اليه واستهجنوا رأيه وسار المثنى من الحرة الى بابل ولما التقى المثنى وجيشهم بمكان عند عدوة الصراة الاولى اقتتلواا قتالا شديدا جدا وارسل الفرس فيلا بين صفوف الخيل ليفرق خيول المسلمين فحمل عليه امير المسلمين المثنى بن الحارثة فقتله وامر المسلمين فحملوا فلم تكن الا هزيمة الفرس فقتلوهم قتلا ذريعا وغنموا منهم مالا عظيما وفرت الفرس حتى انتهوا الى المدائن في شراحا له ووجدوا الملك قد مات فملكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت ابرويز فاقامت العدل واحسنت السيرة فاقامت سنة وسبع شهور ثم ماتت فملكوا عليهم اختها ازرميدخت زنان فلم ينتظم لهم امر فملكوا عليهم سابور بن شهريار وجعلوا امره الى الفرخزاذ بن البندوان فزوجه سابور بابنه كسرى ازرميدخت فكرهت ذلك وقالت انما هذا عبد من عبيدنا فلما كان ليلة عرسها عليه هموا اليه فقتلوه ثم ساروا الى سابور فقتلوه ايضا وملكوا عليهم هذه المرأة وهي ازرمدخيت ابنة كسرى ولعبت فارس بملكها لعبا كثيرا وآخر ما استقر امرهم عليه في هذه السنة ان ملكوا امرأة وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة وفي هذه الوقعة التي ذكرنا يقول عبدة بن الطبيب السعدي وكان قد هاجر لمهاجرة حليلة له حتى شهد وقعة بابل هذه فلما آيسته رجع الى البادية وقال ... هل حبل خولة بعد البين موصول ... ام انت عنها بعيدالدار مشغول ... وللاحبة ايام تذكرها ... وللنوى قبل يوم البين تأويل ... حلت خويلة في حي عهدتهم ... دون المدينة فيها الديك والفيل ... يقارعون رؤس العجم ضاحية ... منهم فوارس لا عزل ولا ميل ...
وقد قال الفرزدق في شعره يذكر قتل المثنى ذلك الفيل ... وبيت المثنى قاتل الفيل عنوة ... ببابل اذ في فارس ملك بابل ...
ثم المثنى بن حارثة استبطأ اخبار الصديق لتشاغله باهل الشام وما فيه من حرب اليرموك المتقدم ذكره فسار المثنى بنفسه الى الصديق واستناب على العراق بشير بن الخصاصية وعلى المسالح سعيد بن مرة العجلي فلما انتهى المثنى الى المدينة وجد الصديق في آخر مرض الموت وقد عهد الى عمر بن الخطاب ولما رأى الصديق المثنى قال لعمر اذا أنامت فلا تمسين حتى تندب (7/17)
الناس لحرب اهل العراق مع المثنى واذا فتح الله على امرائنا بالشام فاردد اصحاب خالد الى العراق فانهم اعلم بحربه
فلما مات الصديق ندب عمر المسلمين الى الجهاد بارض العراق لقلة من بقي فيه من المقاتلة بعد خالد بن الوليد فانتدب خلقا وامر عليهم ابا عبيدة بن مسعود وكان شابا شجاعا خبيرا بالحرب والمكيدة وهذا آخر ما يتعلق بخبر العراق الى آخر ايام الصديق واول دولة الفاروق
خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه
وكانت وفاة الصديق رضى الله عنه في يوم الاثنين عشية وقيل بعد المغرب ودفن من ليلته وذلك لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة بعد مرض خمسة عشر يوما وكان عمر بن الخطاب يصلي عنه فيها بالمسلمين وفي اثناء هذا المرض عهد بالامر من بعده الى عمر بن الخطاب وكان الذي كتب العهد عثمان بن عفان وقرىء على المسلمين فاقروا به وسمعوا له واطاعوا فكانت خلافة الصديق سنتين وثلاثة اشهر وكان عمره يوم توفي ثلاثا وستين سنة للسن الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد جمع الله بينهما في التربة كما جمع بينهما في الحياة فBه وارضاه
قال محمد بن سعد عن ابي قطن عمرو بن الهيثم عن ربيع بن حسان الصائغ قال كان نقش خاتم ابي بكر نعم القادر الله وهذا غريب وقد ذكرنا ترجمة الصديق رضي الله عنه وسيرته وايامه وما روى من الاحاديث وما روى عنه من الاحكام في مجلد ولله الحمد والمنة فقام بالامر من بعده أتم القيام الفاروق امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو اول من سمي بامير المؤمنين وكان اول من حياه بها المغيرة بن شعبة وقيل غيره كما بسطنا ذلك في ترجمة عمر بن الخطاب وسيرته التى افردناها في مجلد ومسنده والآثار المروية مرتبا على الابواب في مجلد آخر ولله الحمد
وقد كتب بوفاة الصديق الى امراء الشام مع شداد بن اوس ومحمد بن جريح فوصلا والناس مصافون وجيوش الروم يوم اليرموك كما قدمنا وقد امر عمر على الجيوش ابا عبيدة حين ولاه وعزل خالد بن الوليد وذكر سلمة عن محمد بن اسحاق ان عمر انما عزل خالد لكلام بلغه عنه ولما كان من امر مالك بن نويرة وما كان يعتمده في حربه فلما ولى عمر كان اول ما تكلم به ان عزل خالدا وقال لا يلي لي عملا ابدا وكتب عمر الى ابي عبيدة ان اكذب خالد نفسه فهو امير علىما كان عليه وان لم يكذب نفسه فهو معزول فانزع عمامته عن راسه وقاسمه ماله نصفين فلما قال ابو عبيدة ذلك لخالد قال له خالد امهلني حتى استشير اختى فذهب الى اخته فاطمة وكانت تحت الحارث بن هشام فاستشارها في ذلك فقالت له ان عمر لا يحبك ابدا وانه سيعزلك وان كذبت نفسك فقال لها صدقت والله فقاسمه ابو عبيدة حتى اخذ احدى نعليه وترك له الآخرة (7/18)
وخالد يقول سمعا وطاعة لامير المؤمنين
وقد روى ان جرير عن صالح بن كيسان انه قال اول كتاب كتبه عمر الى ابي عبيدة حين ولاه وعزل خالدا ان قال واوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه الذي هدانا من الضلالة واخرجنا من الظلمات الى النور وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد فقم بامرهم الذي يحق عليك لا تقدم المسلمين هلكة رجاء غنيمة ولا تنزلهم منزلا قبل ان تستريده لهم وتعلم كيف ماتاه ولا تبعث سرية الا في كنف من الناس واياك والقاء المسلمين في الهلكة وقد ابلاك الله بي وابلاني بك فغض بصرك عن الدنيا واله قلبك عنها واياك ان تهلكك كما اهلكت من كان قبلك فقد رايت مصارعهم وامرهم بالمسير الى دمشق وكان بعد ما بلغه الخبر بفتح اليرموك وجاءته به البشارة وحمل الخمس إليه وقد ذكر ابن اسحاق ان الصحابة قاتلوا بعد اليرموك اجنادين ثم بفحل من ارض الغور قريبا من بيسان بمكان يقال له الردغة سمى بذلك لكثرة ما لقوا من الاوحال فيها فاغلقوها عليهم واحاط بها الصحابة قال حينئذ جاءت الامارة الابي عبيدة من جهة عمر وعزل خالد وهذا الذي ذكره بن اسحاق من مجىء الامارة ابي عبيدة في حصار دمشق هو المشهور
فتح دمشق
قال سيف بن عمر لما ارتحل ابو عبيدة من اليرموك فنزل بالجنود على مرج الصفر وهو عازم على حصار دمشق اذ اتاه الخبر بقدوم مددهم من حمص وجاءه الخبر بانه قد اجتمع طائفة كبيرة من الروم بفحل من ارض فلسطين وهو لا يدري باي الامرين يبدا فكتب الى عمر في ذلك فجاء الجواب ان ابدا بدمشق فانها حصن الشام وبيت مملكتهم فانهد لها واشغلوا عنكم اهل فحل بخيول تكون تلقاءهم فإن فتحها الله قبل دمشق فذلك الذي يحب وان فتحت دمشق قبلها فسر انت ومن معك واستخلف على دمشق فاذا فتح الله عليكم فحل فسر انت وخالد الى حمص واترك عمرا وشرحبيل على الاردن وفلسطين
قال فسرح ابو عبيدة الى فحل عشرة امراء مع كل امير خمسة امراء وعلى الجميع عمارة بن مخشي الصحابي فساروا من مرج الصفر الى فحل فوجدوا الروم هنالك قريبا من ثمانين الفا وقد ارسلوا المياه حولهم حتى اردغت الارض فسموا ذلك الموضع الردغة وفتحها الله على المسلمين فكانت اول حصن فتح قبل دمشق على ما سيأتي تفصيله وبعث ابو عبيدة جيشا يكون بين دمشق وبين فلسطين وبعث ذا الكلاع في جيش يكون بين دمشق وبين حمص ليرد من يرد اليهم من المدد من جهة هرقل ثم سار ابو عبيدة من مرج الصفر قاصدا دمشق وقد جعل خالد بن الوليد (7/19)
في القلب وركب ابو عبيدة وعمرو بن العاص في المجنبتين وعلى الخيل عياض بن غنم وعلى الرجالة شرحبيل بن حسنة فقدموا دمشق وعليها نسطاس بن نسطوس فنزل خالد بن الوليد على الباب الشرقي واليه كيسان ايضا ونزل ابو عبيدة على باب الجابية الكبير ونزل يزيد بن ابي سفيان على باب الجابية الصغير ونزل عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة على بقية ابواب البلد ونصبوا المجانيق والدبابات وقد ارصد ابو عبيدة ابا الدرداء على جيش ببرزة يكونون ردءا له وكذا الذي بينه وبين حمص وحاصروها حصارا شديدا سبعين ليلة وقيل اربعة اشهر وقيل ستة اشهر وقيل اربعة عشر شهرا فالله اعلم واهل دمشق ممتنعون منهم غاية الامتناع ويرسلون الى ملكهم هرقل وهو مقيم بحمص يطلبون منه المدد فلا يمكن وصول المدد اليهم من ذي الكلاع الذي قد ارصده ابو عبيدة رضى الله عنه بين دمشق وبين وحمص عن دمشق ليلة فلما ايقن اهل دمشق انه لا يصل اليهم مدد ابلسوا وفشلوا وضعفوا وقوى المسلمون واشتد حصارهم وجاء فصل الشتاء واشتد البرد وعسر الحال وعسر القتال فقدر الله الكبير المتعال ذو العزة والجلال ان ولد لبطريق دمشق مولود في تلك الليالي فصنع لهم طعاما وسقاهم بعده شرابا وباتوا عنده في وليمته قد اكلوا وشربوا وتعبوا فناموا عن مواقفهم واشتغلوا عن اماكنهم وفطن لذلك امير الحرب خالد بن الوليد فانه كان لا ينام ولا يترك احدا ينام بل مراصد لهم ليلا ونهارا وله عيون وقصاد يرفعون اليه احوال المقاتلة صباحا ومساءا فلما راى حمدة تلك الليلة وانه لا يقاتل على السور احد كان قد اعد سلاليم من حبال فجاء هو واصحابه من الصناديد الابطال مثل القعقاع بن عمرو ومذعور بن عدي وقد احضر جيشه عند الباب وقال لهم اذا سمعتم تكبيرنا فوق السور فارقوا الينا ثم نهد هو واصحابه فقطعوا الخندق سباحة بقرب في اعناقهم فنصبوا تلك السلالم واثبتوا اعاليها بالشرفات واكدوا اسافلها خارج الخندق وصعدوا فيها فلما استووا على السور رفعوا اصواتهم بالتكبير وجاء المسلمون فصعدوا في تلك السلالم وانحدر خالد واصحابه الشجعان من السور الى البوابين فقتلوهم وقطع خالد واصحابه اغاليق الباب بالسيوف وفتحوا الباب عنوة فدخل الجيش الخالدي من الباب الشرقى ولما سمع اهل البلد التكبير ثاروا وذهب كل فريق الى اماكنهم من السور لا يدرون ما الخبر فجعل كلما قدم احد من اصحاب الباب الشرقي قتله اصحاب خالد ودخل خالد البلدة عنوة فقتل من وجده وذهب اهل كل باب فسالوا من اميرهم الذي عند الباب من خارج الصلح وقد كان المسلمون دعوهم الى المشاطرة فيابون عليهم فلما دعوهم الى ذلك اجابوهم ولم يعلم بقية الصحابة ما صنع خالد ودخل المسلمون من كل جانب وباب فوجدوا خالدا وهو يقتل من وجده فقالوا له انا قد امناهم فقال انى فتحتها عنوة والتقت الامراء في وسط البلد عند كنيسة المقسلاط بالقرب من (7/20)
درب الريحان اليوم هكذا ذكره سيف بن عمرو وغيره وهو المشهور ان خالدا فتح الباب قسرا
وقال اخرون بال الذي فتحها عنوة ابو عبيدة وقيل زيد بن ابي سفيان وخالد صالح اهل البلد فعكسوا المشهور المعروف والله اعلم
وقد اختلف الصحابة فقال قائلون هي صلح يعنى على ما صالحهم الامير في نفس الامر وهو ابو عبيدة وقال آخرون بل عنوة لان خالدا افتتحها بالسيف اولا كما ذكرنا فلما احسوا بذلك ذهبوا الى بقية الامراء ومعهم ابو عبيدة فصالحوهم فاتفقوا فيما بينهم على ان جعلوا نصفها صلحا ونصفها عنوة فملك اهلها نصف ما كان بايديهم واقروا عليه واستقرت يد الصحابة على النصف
ويقوى هذا ما ذكره سيف بن عمرو من ان الصحابة كانوا يطلبون اليهم ان يصالحوهم على المشاطرة فيابون فلما احسوا بالياس انابوا الى كانت الصحابة دعوهم اليه فبادروا الى اجابتهم ولم تعلم الصحابة بما كان من خالد اليهم والله اعلم
ولهذا اخذ الصحابة نصف الكنيسة العظمى التى كانت بدمشق ةتعرف بكنيسة يوحنا فاتخذوا الجانب الشرقي منها مسجدا وابقوا لهم النصف الغربي كنيسة وقد ابقوا لهم مع ذلك اربع عشرة كنيسة اخرى مع نصف الكنيسة المعروفة بيوحنا وهي جامع دمشق اليوم وقد كتب الهم خالد بن الوليد كتابا وكتب فيه شهادته ابو عبيدة وعمرو بن العاص ويزيد بن ابي سفيان وشرحبيل احداها كنيسة المقسلاط التى اجتمع عندها امراء الصحابة وكانت مبنية على ظهر السوق الكبير وهذه القناطر المشاهدة في سوق الصابونيين من بقية القناطر التى كانت تحتها ثم بادت فيما بعد واخذت حجارتها في العمارات الثانية كنيسة كانت في رأس درب القرشيين وكانت صغيرة قال الحافظ ابن عساكر وبعضها باق الى اليوم وقد تشعثت الثالثة كانت بدار البطيخ العتيقة قلت وهى داخل البلد بقرب الكوشك واظنها هي المسجد الذي قبل هذا المكان المذكور فانها خربت من دهر والله اعلم الرابعة كانت بدرب بنى نصر بين درب الحبالين ودرب التميمي قال الحافظ ابن عساكر وقد ادركت بعض بنيانها وقد خرب اكثرها الخامسة كنيسة بولص قال ابن عساكر وكانت غربي القيسارية الفخرية وقد ادركت من بنيانها بعض اساس الحنية السادسة كانت في موضع دار الوكالة وتعرف اليوم بكنيسة القلانسيين قلت والقلانسيين هى الحواحين اليوم السابعة التى بدرب السقيل اليوم وتعرف بكنيسة حميد بن درة سابقا لان هذا الدرب كان اقطاعا له وهو حميد بن عمرو بن مساحق القرشي العامري ودرة امه وهي درة ابنة هاشم بن عتبة بن ربيعة فابوها خال معاوية وكان قد اقطع هذا الدرب فنسبت هذه الكنيسة اليه وكان مسلما ولم يبق لهم اليوم سواها وقد خرب اكثرها ولليعقوبية منهم كنيسة (7/21)
داخل باب توما بين رحبة وخالد وهو خالد بن اسيد بن ابي العيص وبين درب طلحة بن عمرو بن مرة الجهنى وهي الكنيسة الثامنة وكان لليعقوبيين كنيسة اخرى فيما بين التنوى وسوق علي قال ابن عساكر قد بقي من بنائها بعضه وقد خربت منذ دهر وهى الكنيسة التاسعة واما العاشرة فهي الكنيسة المصلبة قال الحافظ ابن عساكر وهي باقية الى اليوم بين الباب الشرقي وباب توما بقرب النيبطن عند السور والناس اليوم يقولون النيطون قال ابن عساكر وقد خرب اكثرها هكذا قال وقد خرجت هذه الكنيسة وهدمت في ايام صلاح الدين فاتح القدس بعد الثمانين وخمسمائة بعد موت الحافظ ابن عساكر رحمه الله
الحادية عشرة كنيسة مريم داخل الباب الشرقى قال ابن عساكر وهى من اكبر ما بقي بايديهم قلت ثم خربت بعد موته بدهر في ايام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري على ما سيأتي بيانه
الثانية عشرة كنيسة اليهود التي بايديهم اليوم في حارتهم ومحلها معروف بالقرب من الجبر وتمسية الناس اليوم بستان القط وكانت لهم كنيسة في درب البلاغة لم تكن داخلة في العهد فهدمت فيما بعد وجعل مكانها المسجد المعروف بمسجد ابن السهر وردي والناس يقولون درب الشاذوري قلت وقد اخربت لهم كنيسة كانوا قد احدثوها لم يذكرها احد من علماء التاريخ لا ابن عساكر ولا غيره وكان اخرابها في حدود سنة سبع عشرة وسبعمائة ولم يتعرض الحافظ ابن عساكر لذكر كنيسة السامرة بمرة ثم قال ابن عساكر ومما احدث يعنى النصارى كنيسة بناها ابو جعفر المنصور بنى قطيطا في الفريق عند قناة صالح قريبا من دازبها وارمن اليوم قال ومما أحدث كنيستنا العباد إحداهما عند دار ابن وقد اخربت فيما بعد وجعلت مسجدا يعرف بمسجد الجنيق وهو مسجد أبي اليمن المشالي وقد جعلت مسجدا والأخرى التى في راس درب النقاشين وقد جعلت مسجدا
انتهى ما ذكره الحافظ ابن عساكر الدمشقي رحمه الله قلت وظاهر سياق ما نص عليه الجمهور من أنها فتحت في نصف رجب سنة أربع عشرة كذا حكاه الحافظ سيف ابن عمر يقتضي ان فتح دمشق وقع في سنة ثلاث عشرة ولكن نص سيف على بن عساكر من طريق محمد ين عائذ القرشي الدمشقي عن الوليد بن مسلم عن عثمان بن حصين بن غلاق عن يزيد بن عبيدة قال فتحت دمشق سنة اربع عشرة ورواه دحيم عن الوليد قال سمعت اشياخا يقولون ان دمشق فتحت سنة اربع عشرة وهكذا قال سعيد بن عبدالعزيز وابو معشر ومحمد بن اسحاق ومعمر الاموي وحكاه عن مشايخه وابن الكلبي وخليفة بن خياط وابو عبيد القاسم بن سلام ان فتح دمشق كان في سنة (7/22)
اربع عشرة وزاد سعيد بن عبدالعزيز وابو معشر والاموي وكانت اليرموك بعدها بسنة وقال بعضهم بل كان فتحها في شوال سنة اربع عشرة وقال خليفة حاصرهم ابو عبيدة في رجب وشعبان ورمضان وتم الصلح في ذي القعدة وقال الاموي في مغازيه كانت وقعة اجنادين في جمادى الاولى ووقعة فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة يعنى ووقعة دمشق سنة اربع عشرة وقال دحيم عن الوليد حدثني الاموي ان وقعة فحل واجنادين كانت في خلافة ابي بكر ثم مضى المسلمون الى دمشق فنزلوا عليها في رجب سنة ثلاث عشرة يعني ففتحوها في سنة اربع عشرة وكانت االيرموك سنة خمس عشرة وقدم عمر الى بيت المقدس سنة ست عشرة فصل
واختلف العلماء في دمشق هل فتحت صلحا او عنوة فاكثر العلماء على انه استقر امرها على الصلح لانهم شكوا في المتقدم على الاخر افتحت عنوة ثم عدل الروم الى المصالحة او فتحت صلحا او اتفق الاستيلاء من الجانب الاخر قسرا فلما شكوا في ذلك جعلوها صلحا احتياطا
وقيل بل جعل نصفها صلحا ونصفها عنوة وهذا القول قد يظهر من صنع الصحابة في الكنيسة العظمى التي كانت اكبر معابدهم حين اخذوا نصفها وتركوا لهم نصفها والله اعلم
ثم قيل ان ابا عبيدة هو الذي كتب لهم كتاب الصلح وهذا هو الانسب والاشهر فان خالدا كان قد عزل عن الامرة وقيل بل الذي كتب لهم الصلح خالد بن الوليد ولكن اقره على ذلك ابو عبيدة فالله اعلم
وذكر ابو حذيفة اسحاق بن بشر ان الصديق توفي قبل فتح دمشق وان عمر كتب الى ابي عبيدة يعزيه والمسلمين في الصديق وانه استنابه على من بالشام وامره ان يستشير خالدا في الحرب فلما وصل الكتاب الى ابي عبيدة كتمه من خالد حتى فتحت دمشق بنحو من عشرين ليلة فقال له خالد يرحمك الله ما منعك ان تعلمني حين جاءك فقال اني كرهت ان اكسر عليك حربك وما سلطان الدنيا اريد ولا للدنيا اعمل وما ترى سيصير الى زوال وانقطاع وانما نحن اخوان وما يضر الرجل ان يليه اخوه في دينه ودنياه
ومن اعجب ما يذكر ههنا ما رواه يعقوب بن سفيان الفسوي حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبدالملك ابن محمد حدثنا راشد بن داود الصنعاني حدثني ابو عثمان الصنعاني شراحيل بن مرثد قال بعث ابو بكر خالد بن الوليد الى اهل اليمامة وبعث يزيد بن ابي سفيان الى الشام فذكر الراوى فقال خالد لاهل اليمامة الى ان قال ومات ابو بكر واستخلف عمر فبعث ابا عبيدة الى الشام فقدم دمشق فاستمد ابو عبيدة عمر فكتب عمر الى خالد بن الوليد ان يسير الى ابي عبيدة بالشام فذكر مسير (7/23)
خالد من العراق الى الشام كما تقدم وهذا غريب جدا فان الذي لا يشك فيه ان الصديق هو الذي بعث ابا عبيدة وغيره من الامراء الى الشام وهو الذي كتب الى خالد بن الوليد ان يقدم من العراق الى الشام ليكون مددا لمن به واميرا عليهم ففتح الله تعالى عليه وعلى يديه جميع الشام على ما سنذكره ان شاء الله تعالى
وقال محمد بن عائذ قال الوليد بن مسلم اخبرني صفوان بن عمرو عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير ان المسلمين لما افتتحوا مدينة دمشق بعثوا ابا عبيدة بن الجراح وافدا الى ابي بكر بشيرا بالفتح فقدم المدينة فوجد ابا بكر قد توفي واستخلف عمر بن الخطاب فاعظم ان يتامر احد من الصحابة عليه فولاه جماعة الناس فقدم عليهم فقالوا مرحبا بمن بعثناه بريدا فقدم علينا اميرا
وقد روى الليث وابن لهيعة وحيوة بن شريح ومفضل بن فضالة وعمر بن الحارث وغير واحد عن يزيد بن ابي حبيب عن عبدالله بن الحكم عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر انه بعثه ابو عبيدة بريدا بفتح دمشق قال فقدمت على عمر يوم الجمعة فقال لي منذ كم لم تنزع خفيك فقلت من يوم الجمعة وهذا يوم الجمعة فقال اصبت السنة
قال الليث وبه ناخذ يعنى ان المسح على الخفين للمسافر لا يتاقت بل له ان يمسح عليهما ما شاء واليه ذهب الشافعي في القديم وقد روى احمد وابو داود عن ابي عمارة مرفوعا مثل هذا والجمهور على ما رواه مسلم عن على في تأقيت المسح للمسافر ثلاثة ايام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة ومن الناس من فصل بين البريد ومن في معناه وغيره فقال في الاول لا يتاقت وفيما عداه بتأقت لحديث عقبة وحديث علي والله اعلم فصل
ثم ان ابا عبيدة بعث خالد بن الوليد الى البقاع ففتحه بالسيف وبعث سرية فالتقوا مع الروم بعين ميسنون وعلى الروم رجل يقال له سنان تحدر على المسلمين من عقبة بيروت فقتل من المسلمين يومئذ جماعة من الشهداء فكانوا يسمون عين ميسنون عين الشهداء واستخلف ابو عبيدة على دمشق يزيد بن ابي سفيان كما وعده بها الصديق وبعث يزيد دحية بن خليفة الى تدمر في سرية ليمهدوا امرها وبعث ابا الزهراء القشيري الى البثينة وحوران فصالح اهلها
قال ابو عبيدة القاسم بن سلام رحمه الله افتتح خالد دمشق صلحا وهكذا سائر مدن الشام كانت صلحا دون ارضيها فعلى يدي يزيد بن ابي سفيان وشرحبيل بن حسنة وابي عبيدة وقال الوليد بن مسلم اخبرني غير واحد من شيوخ دمشق بينما هم على حصار دمشق اذ اقبلت خيل من (7/24)
عقبة السلمية مخمرة بالحرير فثار اليهم المسلمون فالتقوا فيما بين بيت لهيا والعقبة التي اقبلوا منها فهزموهم وطردوهم الى ابواب حمص فلما راى اهل حمص ذلك ظنوا انهم قد فتحوا دمشق فقال لهم اهل حمص انا نصالحكم على ما صالحتم عليه اهل دمشق ففعلوا
وقال خليفة بن خياط حدثنى عبدالله بن المغيرة عن ابيه قال افتتح شرحبيل بن حسنة الاردن كلها عنوة ما خلا طبرية فإن اهلها صالحوه وهكذا قال ابن الكلبي وقالا بعث ابو عبيدة خالدا فغلب على ارض البقاه وصالحه اهل بعلبك وكتب لهم كتابا وقال ابن المغيرة عن ابيه وصالحهم على انصاف منازلهم وكنائسهم ووضع الخراج وقال ابن اسحاق وغيره وفي سنة اربع عشرة فتحت حمص وبعلبك صلحا على يدي ابي عبيدة في ذي القعدة قال خليفة ويقال في سنة خمس عشرة
وقعة فحل ( )
وقد ذكرها كثير من علماء السير قبل فتح دمشق وانما ذكرها الامام ابو جعفر بن جرير بعد فتح دمشق وتبع في ذلك سياق سيف بن عمر فيما رواه عن ابي عثمان ييزيد بن اسيد الغساني وابي حارثة القيسي قالا خلف الناس يزيد بن ابي سفيان في خيله في دمشق وسار نحو فحل وعلى الناس الذين هم بالغور شرحبيل بن حسنة وسار ابو عبيدة وقد جعل على المقدمة خالد بن الوليد وابو عبيدة على الميمنة وعمرو بن العاص على الميسرة وعلى الخيل ضرار بن الازور وعلى الرجالة عياض بن غنم فوصلوا الى فحل وهي بلدة بالغور وقد انحاز الروم الى بيسان وارسلوا مياه تلك الاراضي على هنالك من الاراضي فحال بينهم وبين المسلمين وارسل المسلمون الى عمر يخبرونه بما هم فيه من مصابرة عدوهم وما صنعه الروم من تلك المكيدة الا ان المسلمين في عيش رغيد ومدد كبير وهم على اهبة من امرهم وامير هذا الحرب شرحبيل بن حسنة وهو لا يبيت ولا يصبح الا على تعبئة
وظن الروم ان المسلمين على غرة فركبوا في بعض الليالي ليبيتوهم وعلى الروم سقلاب بن مخراق فهجموا على المسلمين فنهضوا اليهم نصفه رجل واحد كأنهم على اهبة دائما فقاتلوهم حتى الصباح وذلك اليوم بكماله الى الليل فلما اظلم الليل فر الروم وقتل اميرهم سقلاب وركب المسلمون اكتافهم واسلمتهم هزيمتهم الى ذلك الوحل الذي كانوا قد كادوا به المسلمين فغرقهم الله فيه وقتل منهم المسلمين باطراف الرماح ما قارب الثمانين الفا لم ينج منهم الا الشريد وغنموا منهم شيئا كثيرا ومالا جزيلا وانصرف ابو عبيدة وخالد بمن معهم من الجيوش نحو حمص كما امر امير المؤمنين عمر ابن الخطاب واستخلف ابو عبيدة على الاردن شرحبيل بن حسنة فسار شرحبيل ومعه عمرو بن العاص فحاصر بيسان فخرجوا اليه فقتل منهم مقتلة عظيمة ثم صالحوه على مثل ما صالحت عليه (7/25)
دمشق وضرب عليهم الجزية والخراج على اراضيهم وكذلك فعل ابو الاعور السلمي باهل طبرية سواء
ما وقع بارض العراق آنذاك من القتال
وقد قدمنا ان المثنى بن حارثة لما سار خالد من العراق بمن صحبه الى الشام وقد قيل انه سار بتسعة آلاف وقيل بثلاثة آلاف وقيل بسبعمائة وقيل بأقل الا انهم صناديد جيش العراق
فأقام المثنى بمن بقي فاستقل عددهم وخاف من سطو الفرس لولا اشتغالهم بتبديل ملوكهم وملكاتهم واستبطأ المثنى خبر الصديق فسار الى المدينة فوجد الصديق في السياق فاخبره بامر العراق فأوصى الصديق عمر ان يندب الناس لقتال اهل العراق فلما مات الصديق ودفن ليلة الثلاثاء اصبح عمر فندب الناس وحثهم على قتال اهل العراق وحرضهم ورغبهم في الثواب على ذلك فلم يقم احد لان الناس كانوا يكرهون قتال الفرس لقوة سطوتهم وشدة قتالهم ثم ندبهم في اليوم الثاني والثالث فلم يقم احد وتكلم المثنى بن حارثة فاحسن واخبرهم بما فتح الله تعالى على يد خالد من معظم ارض العراق ومالهم هنالك من الاموال والاملاك والامتعة والزاد فلم يقم احد في اليوم الثالث فلما كان اليوم الرابع كان اول من انتدب من المسلمين ابو عبيدة بن مسعود الثقفي ثم تتابع الناس في الاجابة امر عمر طائفة من اهل المدينة وامر على الجميع ابا عبيد هذا ولم يكن صحابيا فقيل لعمر هلا امرت عليهم رجلا من الصحابة فقال انما اومر اول من استجاب انكم انما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين وان هذا هو الذي استجاب قبلكم ثم دعاه فوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا وامره ان يستشير اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وان يستشير سليط بن قيس فانه رجل باشر الحروب فسار المسلمون الى ارض العراق وهم سبعة الاف رجل وكتب عمر الى أبي عبيدة ان يرسل من كان بالعراق ممن قدم مع خالد الى العراق فجهز عشرة الاف عليهم هاشم ابن عتبة وارسل عمر جرير بن عبدالله البجلي في اربعة الاف الى العراق فقدم الكوفة ثم خرج منها فواقع هرقران المدار فقتله وانهزم جيشه وغرق اكثرهم في دجلة فلما وصل الناس الى العراق وجدوا الفرس مضطربين في ملكهم وآخر ما استقر عليه امرهم ان ملكوا عليهم بوران بنت كسرى بعدما قتلوا التى كانت قبلها ازرميدخت وفوضت بوران امر الملك عشر سنين الى رجل منهم يقال له رستم بن فرخزاذ على ان يقوم بامر الحرب ثم يصير الملك الى آل كسرى فقبل ذلك وكان رستم هذا منجما يعرف النجوم وعلمها جيدا فقيل له ما حملك على هذا يعنون وانت تعلم ان هذا الامر لا يتم لك فقال الطمع وحب الشرف (7/26)
وقعة النمارق
بعث رستم اميرا يقال له جابان وعلى مجنبته رجلان يقال الاحدهما حشنس ماه ويقال للآخر مردانشاه وهو خصي امير حاجب الفرس فالتقوا مع ابي عبيد بمكان يقال له النمارق بين الحيرة والقادسية وعلى الخيل المثنى بن حارثة وعلى الميسرة عمرو بن الهيثم فاقتتلوا هنالك قتالا شديدا وهزم الله الفرس واسر جابان ومردانشاه فأما مردانشاه فانه قتله الذي اسره واما جابان فانه خدع الذي اسره حتى اطلقه فامسكه المسلمون فقالوا قتله فإنه الإمير فقال وإن كان الامير فإني لا أقتله وقد أمنه وابوا ان يطلقوه وقالوا ان هذا هو الامير وجاؤا به الى ابي عبيد رجل من المسلمين في آثار من انهزم منهم وقد لجاوا الى مدينة كسكر التي لابن خالة كسرى واسمه نرسي فوازرهم نرسي على قتال ابي عبيد فقهرهم ابو عبيد وغنم منهم شيئا كثيرا واطعمات كثيرة جدا ولله الحمد وبعث بخمس ما غنم من المال والطعام الى عمر بن الخطاب بالمدينة وقد قال في ذلك رجل من المسلمين ... لعمري وما عمري على بهين ... لقد صبحت بالخزي أهل النمارق ... بايدي رجال هاجروا نحو ربهم ... يجوسونهم ما بين درنا وبارق ... قتلناهم ما بين مرج مسلح ... وبين الهواني من طريق الندارق ...
فالتقوا بمكان بين كسكر والسفاطية وعلى ميمنة نرسي وميسرته ابنا خاله بندويه وبيرويه اولاد نظام وكان رستم قد جهز الجيوش مع الجالينوس فلما بلغ ابو عبيد ذلك اعجل نرسي بالقتال قبل وصولهم فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت الفرس وهرب نرسي والجالينوس الى المدائن بعد وقعة جرت من ابي عبيد مع الجالينوس بمكان يقال له باروسما فبعث ابو عبيد المثنى بن حارثة وسرايا اخر الى متاخم تلك الناحية كنهر جور ونحوها ففتحها صلحا وقهرا وضربوا الجزية والخراج وغنموا الاموال الجزيلة ولله الحمد والمنة وكسروا الجالينوس الذي جاء لنصره جابان وغنموا جيشه وامواله وكر هاربا الى قومه حقيرا ذليلا
وقعة جسر ابي عبيد ومقتل امير المسلمين وخلق كثير منهم
لما رجع الجالينوس هاربا مما لقي من المسلمين تذامرت الفرس بينهم واجتمعوا الى رستم فارسل جيشا كثيفا عليهم ذا الحاجب بهمس حادويه واعطاه راية افريدون وتسمى درفش كابيان وكانت الفرس تتيمن بها وحملوا معم راية كسرى وكانت من جلود النمور عرضها ثمانية اذرع فوصلوا الى المسلمين وبينهم النهر وعليه جسر فارسلوا اما ان تعبروا الينا واما ان نعبر اليكم فقال المسلمون لاميرهم ابي عبيد أأمرهم فليعبروا هم الينا فقال ما هم باجرا على الموت منا ثم اقتحم (7/27)
اليهم فاجتمعوا في مكان ضيق هنالك فاقتتلوا قتالا شديدا لم يعهد مثله المسلمون في نحو من عشرة الاف وقد جاءت الفرس معهم بافيلة كثيرة عليها الجلاجل قائمة لتذعر خيول المسلمين فجعلوا كلما حملوا على المسلمين فرت خيولهم من الفيلة ومما تسمع من اجلاجل التي عليها ولا يثبت منها الا القليل على قسر واذا حمل المسلمون عليهم لا تقدم خيولهم على الفيلة ورشقتهم الفرس بالنبل فنالوا منهم خلقا كثيرا وقتل المسلمون منه مع ذلك ستة الاف وامر ابو عبيد المسلمين ان يقتلوا الفيلة اولا فاحتوشوها فقتلوها عن اخرها وقد قدمت الفرس بين ايديهم فيلا عظيما ابيض فتقدم اليه ابو عبيد فضربه بالسيف فقطع ذلومه فحمى الفيل وصاح صيحة هائلة وحمل فتخبطه برجليه فقتله ووقف فوقه فحمل علي الفيل خليفة ابي عبيد الذي كان اوصى ان يكون اميرا بعده فقتل ثم آخر ثم آخر حتى قتل سبعة من ثقيف كان قد نص ابو عبيد عليهم واحدا بعد واحد ثم صارت الى المثنى بن حارثة بمقتضى الوصية ايضا وقد كانت دومة امرأة ابي عبيد رات مناما يدل على ما وقع سواء بسواء فلما راى المسلمون ذلك وهنوا عند ذلك ولم يكن بقي الا الظفر بالفرس وضعف امرهم وذهب ريحهم وولوا مدبرين وساقت الفرس خلفهم فقتلوا بشرا كثيرا وانكشف الناس فكان امرا بليغا وجاؤا الى الجسر فمر بعض الناس ثم انكسر الجسر فتحكم فيمن وراءه الفرس فقتلوا من المسلمين وغرق في الفراة نحو من اربعة الاف فانا لله وانا اليه راجعون وسار المثنى بن حارثة فوقف عند الجسر الذي جاؤا منه وكان الناس لما انهزموا جعل بعضهم يلقي بنفسه في الفرات فيغرق فنادى المثنى ايها الناس على هينتكم فاني واقف على فم الجسر لا اجوزه حتى لا يبقى منكم احد ههنا فلما عدى الناس الى الناحية الاخرى سار المثنى فنزل بهم اول منزل وقام يحرسهم هو وشجعان المسلمين وقد جرح اكثرهم واثخنوا ومن الناس من ذهب في البرية لا يدري اين ذهب ومنهم من رجع الى المدينة النبوية مذعورا وذهب بالخبر عبدالله بن زيد بن عاصم المازني الى عمر بن الخطاب فوجده على المنبر فقال له عمر ما وراءك يا عبدالله بن زيد فقال اتاك الخبر اليقين يا امير المؤمنين ثم صعد اليه المنبر فاخبره الخبر سرا ويقال كان اول من قدم بخبر الناس عبدالله بن يزيد بن الحصين الحطمي فالله أعلم
قال سيف بن عمر وكانت هذه الوقعة في شعبان من سنة ثلاث عشرة بعد اليرموك باربعين يوما فالله اعلم وتراجع المسلمون بعضهم الى بعض وكان منهم من فر الى المدينة فلم يؤنب عمر الناس بل قال انا فيئكم واشغل الله المجوس بامر ملكهم وذلك ان اهل المدائن عدوا على رستم فخلعوه ثم ولوه واضافوا اليه الفيرزان واختلفوا على فرقتين فركب الفرس الى المدائن ولحقهم المثنى بن حارثة في نفر من المسلمين فعارضه اميران من امرائهم في جيشهم فاسرهما واسر معهما بشرا كثيرا (7/28)
فضرب اعناقهم ثم ارسل المثنى الى من بالعراق من امراء المسلمين يستمدهم فبعثوا اليه الامداد وبعث اليه عمر بن الخطاب بمدد كثير فيهم جرير بن عبدالله البجلي في قومه بجلية بكمالها وغيره من سادات المسلمين حتى كثر جيشه
وقعت البويب التى اقتص فيها المسلمون من الفرس
فلما سمع بذلك امراء الفرس وبكثرة جيوش المثنى بعثوا اليه جيشا اخر مع رجل يقال له مهران فتوافوا هم واياهم بمكان يقال له البويت قريب من مكان الكوفة اليوم وبينهما الفرات فقالوا اما ان تعبروا الينا او نعبر اليكم فقال المسلمون با اعبروا الينا فعبرت الفرس اليهم فتواقفوا وذلك في شهر رمضان فعزم المثنى على المسلمين في الفطر فافطروا عن اخرهم ليكون اقوى لهم وعبى الجيش وجعل يمر على كل راية من رايات الامراء على القبائل ويعظهم ويحثهم على الجهاد والصبر والصمت وفي القوم جرير بن عبدالله البجلي في بجلة وجماعة من سادات المسلمين وقال المثنى لهم اني مكبر ثلاث تكبيرات فتهيأوا فاذا كبرت الرابعة فاحملوا فقابلوا قوله بالسمع والطاعة والقبول فلما كبر او تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا حتى غالقوهم واقتتلوا قتالا شديدا وراى المثنى في بعض صفوفه خللا فبعث اليهم رجلا يقول الامير يقرا عليكم السلام ويقول لكم لا تفضحوا العرب اليوم فاعتدلوا فلما راى ذلك منهم وهم بنو عجل اعجبه وضحك وبعث اليهم يقول يا معشر المسلمين عاداتكم انصروا الله ينصركم وجعل المثنى المسلمون يدعون الله بالظفر والنصر فلما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من اصحابه الابطال يحمون ظهره وحمل على مهران فازاله عن موضعه حتى دخل الميمنة وحمل غلام من بني تغلب نصراني فقتل مهران وركب فرسه كذا ذكره سيف بن عمر
وقال محمد بن اسحاق بل حمل عليه المنذر بن حسان بن ضرار الضبي فطعنه واحتز راسه جرير بن عبدالله البجلي واختصما في سلبه فاخذ جرير السلاح واخذ المنذر منطفه وهربت المجوس وركب المسلمون اكتافهم يفصلونهم فصلا وسبق المثنى بن حارثة الى الجسر فوقف عليه ليمنع الفرس من الجواز عليه ليتمكن منهم المسلمون فركبوا اكتافهم بقية ذلك اليوم وتلك الليلة ومن ابعد الى الليل فيقال انه قتل منهم يومئذ وغرق قريب من مائة الف ولله الحمد والمنة وغنم المسلمون مالا جزيلا وطعاما كثيرا وبعثوا بالبشارة والاخماس الى عمر رضى الله عنه وقد قتل من سادات المسلمين هذا اليوم بشر كثير ايضا وذلت لهذه الوقعة رقاب الفرس وتمكن الصحابة من الغارات في بلادهم فيما بين الفرات ودجلة فغنموا شيئا عظيما لا يمكن حصره وجرت امور يطول ذكرها بعد يوم البويت وكانت هذه الوقعة بالعراق نظير اليرموك بالشام وقد قال الاعور الشنى العبدي في ذلك (7/29)
هاجت لاعور دار الحي احزانا ... واستبدلت بعد عبد القيس حسانا ... وقد ارانا بها الشمل مجتمع ... اذ بالنخيلة قتلى جند مهرانا ... اذ كان سار المثنى بالخيول لهم ... فقتل الزحف من فرس وجيلانا ... سما لمهران والجيش الذي معه ... حتى ابادهم مثنى ووحدانا ... فصل
ثم بعث امير المؤمنين عمر بن الخطاب سعد بن ابي وقاص الزهري احد العشرة في ستة آلاف اميرا على العراق وكتب الى جرير عبدالله والمثنى بن حارثة ان يكونا تبعا له وان يسمعا له ويطيعا فلما وصل الى العراق كانا معه وكانا قد تنازعا الامرة فالمثنى يقول لجرير انما بعثك امير المؤمنين مددا الى ويقول جرير انما بعثني اميرا عليك فلما قدم سعد وقاص على امر العراق انقطع نزاعهما قال ابن اسحاق وتوفي المثنى بن حارثة في هذه السنة كذا قال ابن اسحق والصحيح ان بعث عمر سعدا انما كان في اول سنة اربع عشرة كما سيأتي
ذكر اجتماع الفرس على يزدجر بعد اختلافهم
كان شيرين قد جمع آل كسرى في القصر الابيض وامر بقتل ذكرانهم كلهم وكانت ام يزدجر فيهم ومعها ابنها وهو صغير فواعدت اخواله فجاؤا واخذوه منها وذهبوا الى بلادهم فلما وقع ما وقع يوم البويب وقتل من قتل منهم كما ذكرنا وركب المسلمون اكتافهم وانتصروا عليهم وعلى اخذ بلدانهم ومحالهم واقاليمهم ثم سمعوا بقدوم سعد بن ابي وقاص من جهة عمر اجتمعوا فيما بينهم واحضروا الاميرين الكبيرين فيهم ووهما رستم والفيرزان فتذامروا فيما بينهم وتواصوا وقالوا لهما لئن لم تقوما بالحرب كما ينبغي لنقتلنكم ونشتفى بكما ثم رأوا فيما بينهم ان يبعثوا خلف نساء كسرى من كل فج ومن كل بقعة فمن كان لها ولد من آل كسرى ملكوه عليهم فجعلوا اذا اتوا بالمرأة عاقبوها هل لها ولد وهي تنكر ذلك خوفا على ولدها ان كان لها ولد فلم يزالوا حتى دلوا على ام يزدجرد فاحضروها واحضروا ولدها فملكوه عليهم وهو ابن احدى وعشرين سنة وهو من ولد شهريار بن كسرى وعزلوا بوران واستوثقت الممالك له واجتمعوا عليه وفرحوا به وقاموا بين يديه بالنصر اتم قيام واستفحل امره فيهم وقويت شوكتهم به وبعثوا الى الاقاليم والرساتيق فخلعوا الطاعة للصحابة ونقضوا عهودهم وذممهم وبعث الصحابة الى عمر بالخبر فامرهم عمر ان يتبرزوا من بين ظهرانيهم (7/30)
وليكونوا على اطراف البلاد حولهم على المياه وان تكون كل قبيلة تنظر الى الاخرى بحيث اذا حدث حدث على قبيلة لا يخفى امرها على جيرانهم وتفاقم الحال جدا وذلك في ذي القعدة من سنة ثلاث عشرة وقد حج بالناس عمر في هذه السنة وقيل بل حج بهم عبدالرحمن بن عوف ولم يحج عمر هذه السنة والله اعلم
ما وقع سنة ثلاث عشرة من الحوادث
كانت فيها وقائع تقدم تفصيلها ببلاد العراق على يدي خالد بن الوليد رضى الله عنه فتحت فيها الحيرة والانبار وغيرهما من الامصار وفيها سار خالد بن الوليد من العراق الى الشام على المشهور وفيها كانت وقعة اليرموك في قول سيف بن عمر واختيار ابن جرير وقتل بها من قتل من الاعيان ممن يطول ذكرهم وتراجمهم رضى الله عنهم اجمعين وفيها توفي ابو بكر الصديق وقد افردنا سيرته في مجلد ولله الحمد وفيها ولي عمر بن الخطاب رضى الله عنه يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة منها فولى قضاء المدينة علي بن ابي طالب رضى الله عنه واستناب على الشام ابا عبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري وعزل عنها خالد بن الوليد المخزومي وأبقاه على شورى الحرب وفيها فتحت بصرى صلحا وهي اول مدينة فتحت من الشام وفيها فتحت دمشق في قول سيف بن عمر وغيره كما قدمنا واستنيب فيها يزيد بن ابي سفيان فهو اول من وليها من أمراء المسلمين رضى الله عنهم وفيها كانت وقعت وقعة الفحل من ارض الغور وقتل بها جماعة من الصحابة وغيرهم وفيها كانت وقعة جسر ابي عبيد فقتل فيها اربعة الاف من المسلمين منهم اميرهم ابو عبيد بن مسعود الثقفي وهو والد صفية امرأة عبدالله بن عمر وكانت امرأة صالحة رحمهما الله ووالد المختار بن ابي عبيد كذاب ثقيف وقد كان نائبا على العراق في بعض وقعات العراق كما سيأتي وفيها توفي المثنى بن حارثة في قول ابن اسحاق وقد كان نائبا على العراق استخلفه خالد بن الوليد حين سار الى الشام وقد شهد مواقف مشهورة وله ايام مذكورة ولا سيما يوم البويت بعد جسر ابي عبيد قتل فيه من الفرس وغرق بالفراة قريب من مائة الف الذي عليه الجمهور انه بقي الى سنة اربع عشرة كما سيأتي بيانه وفيها حج بالناس عمر بن الخطاب في قول بعضهم وقيل بل حج عبدالرحمن بن عوف وفيها استنفر عمر قبائل العرب لغزو العراق الشام فاقبلوا من كل النواحي فرمى بهم الشام والعراق وفيها كانت وقعة اجنادين في قول ابن اسحاق يوم السبت لثلاث من جمادى الاولى منها وكذا عند الواقدي فيما بين الرملة وبين جسرين على الروم القيقلان وامير المسلمين عمرو بن العاص وهو في عشرين الفا في قول فقتل القيقلان انهزمت الروم وقتل منهم خلق كثير واستشهد من المسلمين ايضا جماعة منهم هشام بن العاص (7/31)
والفضل بن العباس وابان بن سعيد واخواه خالد وعمرو ونعيم بن عبدالله بن النحام والطفيل بن عمرو وعبدالله بن عمرو الدوسيان وضرار بن وصخر بن نصر وتميم وسعيد ابنا الحارث بن قيس رضى الله عنهم الازور وعكرمة بن أبي جهل وعمه سلمة بن هشام وهبار بن سفيان
وقال محمد بن سعد قتل يومئذ طليب بن عمرو وامه اروى بنت عبدالمطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وممن قتل يومئذ عبدالله بن الزبير بن عبدالمطلب وكان عمره يومئذ ثلاثين سنة فيما ذكره الواقدي قال ولم يكن له رواية وكان ممن صبر يوم حنين قال ابن جرير وقتل يومئذ عثمان بن طلحة بن ابي طلحة والحارث بن اوس بن عتيك رضى الله عنهم وفيها كانت وقعة مرج الصفر في قول خليفة بن خياط وذلك لثنتي عشرة بقيت من جمادى الاولى وامير الناس خالد بن سعيد بن العاص فقتل يومئذ وقيل انما قتل اخوه عمرو وقيل ابنه فالله اعلم
قال ابن اسحاق وكان امير الروم قلقط فقتل من الروم مقتلة عظيمة حتى جرت طاحون هناك من دمائهم والصحيح ان وقعة مرج الصفر في اول سنة اربع عشرة كما ستأتي
ذكر المتوفين في هذه السنة مرتبين على الحروف كما ذكرهم الحافظ الذهبي
ابان بن سعيد بن العاص بن امية الاموي ابو الوليد المكي صحابي جليل وهو الذي اجار عثمان ابن عفان يوم الحديبية حتى دخل مكة لاداء رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم اسلم بعد مرجع اخويه من الحبشة خالد وعمرو فدعوه الى الاسلام فاجابهما وساروا فوجدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم قد فتح خيبر وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة تسع على البحرين وقتل باجنادين انسة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم المشهور انه قتل ببدر فيما ذكره البخاري وغيره وزعم الواقدي فيما نقله عن اهل العلم انه شهد احدا وانه بقي بعد ذلك زمانا قال وحدثني ابن ابي الزناد عن محمد بن يوسف ان انسة مات في خلافة ابي بكر الصديق وكان يكنى ابا مسروح وقال الزهري كان يأذن للناس على النبي صلى الله عليه و سلم تميم بن الحارث بن قيس السهمي واخوه قيس صحابيان جليلان هاجرا الى الحبشة وقتلا باجنادين الحارث بن اوس بن عتيك من مهاجرة الحبشة قتل باجنادين خالد بن سعيد بن العاص الاموي من السابقين الاولين ممن هاجر الى الحبشة واقام بها بضع عشرة سنة ويقال انه كان على صنعاء من جهة رسول الله صلى الله عليه و سلم وامره الصديق على بعص الفتوحات كما تقدم قتل يوم مرج الصفر في قول وقيل بل هرب فلم يمكنه الصديق من دخول المدينة تعزيرا له فاقام شهرا في بعض ظواهرها حتى اذن له ويقال ان الذي قتله اسلم وقال رايت له حين قتلته نورا ساطعا الى السماء رضى الله عنه سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن ابي خزيمة ويقال حارثة بن خزيمة بن ثعلبة بن (7/32)
طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الانصاري الخزرجي سيدهم ابو ثابت ويقال ابو قيس صحابي جليل كان احد النقباء ليلة العقبة وشهد بدرا في قول عروة وموسى بن عقبة والبخاري وابن ماكولا وروى ابن عساكر من طريق حجاج بن ارطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ان راية المهاجرين يوم بدر كانت مع علي وراية الانصار مع سعد بن عبادة رضى الله عنهما
قلت والمشهور ان هذا كان يوم الفتح والله اعلم وقال الواقدي لم يشهدها لانه نهسته حية فشغلته عنها بعد ان تجهز لها فضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه واجره وشهد احدا وما بعدها وكذا قال خليفة بن خياط وكانت له جفنة تدور مع النبي صلى الله عليه و سلم حيث دار من بيوت نسائه بلحم وثريد او لبن وخبز او خبز وسمن او بخل وزيت وكان ينادي عند اطمة كل ليلة لمن اراد القرى وكان يحسن الكتابة بالعربي والرمي والسباحة وكان يسمى من احسن ذلك كاملا وقد ذكر ابو عمر بن عبد البر ما ذكره غير واحد من علماء التاريخ انه تخلف عن بيعة الصديق حتى خرج الى الشام فمات بقرب من حوران سنة ثلاث عشرة في خلافة الصديق قاله ابن اسحاق والمدائني وخليفة قال وقيل في اول خلافة عمر وقيل سنة اربع عشرة وقيل سنة خمس عشرة وقال الفلاس وابن بكر سنة ست عشرة
قلت اما بيعة الصديق فقد روينا في مسند الإمام احمد انه سلم للصديق ما قاله من ان الخلفاء من قريش واما موته بارض الشام فمحقق والمشهور انه بحوران قال محمد بن عائذ الدمشقي عن عبد الاعلى عن سعيد بن عبدالعزيز انه قال اول مدينة فتحت من الشام بصرى وبها توفي سعد بن عبادة وعند كثير من اهل زماننا انه دفن بقرية من غوطة دمشق يقال لها المنيحة وبها قبر مشهور به ولم ار الحافظ بن عساكر تعرض لذكر هذا القبر في ترجمته بالكلية فالله اعلم قال ابن عبدالبر ولم يختلفوا انه وجد ميتا في مغتسله وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ... قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... رميناه بسهم فلم يخطىء فؤاده ... قال ابن جريج سمعت عطاء يقول سمعت ان الجن قالوا في سعد بن عبادة هذين البيتين له عن النبي صلى الله عليه و سلم احاديث وكان رضى الله عنه من اشد الناس غيرة ما تزوج امرأة بكرا ولا طلق امرأة فتجاسر احد ان يخطبها بعده وقد روى انه لما خرج من المدينة قسم ماله بين بنيه فلما توفي ولد له ولد فجاء ابو بكر وعمر الى ابنه قيس بن سعد فامراه ان يدخل هذا معهم فقال اني لا اغير ما صنع سعد ولكن نصيبي لهذا الولد سلمة بن هشام بن المغيرة اخو ابي جهل بن هشام (7/33)
اسلم سلمة قديما وهاجر الى الحبشة فلما رجع منها حبسه اخوه واجاعه فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو له في القنوت ولجماعة معه من المستضعفين ثم انسل فلحق رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة بعد الخندق وكان معه بها وقد شهد اجنادين وقتل بها رضى الله عنه ضرار بن الازور الاسدي كان من الفرسان المشهورين والابطال المذكورين له ومواقف مشهودة واحوال محمودة ذكر عروة وموسى بن عقبة انه قتل باجنادين له حديث في استحباب ابقاء شىء من اللبن في الضرع عند الحلب طليب ابن عمير بن وهب بن كثير بن هند بن قصي القرشي العبدي امه اروى بنت عبدالمطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم اسلم قديما وهاجر الى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا قاله ابن اسحاق والواقدي والزبير بن بكار ويقال انه اول من ضرب مشركا وذلك ان ابا جهل سب النبي صلى الله عليه و سلم فضربه طليب بلحى جمل فشجه استشهد طليب باجنادين وقد شاخ رضى الله عنه عبدالله بن الزبير بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من الابطال المذكورين والشجعان المشهورين قتل يوم اجنادين بعدما قتل عشرة من الروم مبارزة كلهم بطارقة ابطال وله من العمر يومئذ بضع وثلاثون سنة عبدالله بن عمرو الدوسي قتل باجنادين وليس هذا الرجل معروفا عثمان بن طلحة العبدري الحجبي قيل انه قتل باجنادين والصحيح انه تاخر الى ما بعد الاربعين عتاب بن اسيد بن ابي العيص بن امية الاموي ابو عبدالرحمن امير مكة نيابة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم استعمله عليها عام الفتح وله من العمر عشرون سنة فحج بالناس عامئذ واستنابه عليها ابو بكر بعده عليه السلام وكانت وفاته بمكة قيل يوم توفي ابو بكر رضى الله عنهما له حديث واحد رواه اهل السنن الاربعة عكرمة بن ابي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ابو عثمان القرشي المخزومي كان من سادات الجاهلية كابيه ثم اسلم عام الفتح بعدما فر ثم رجع الى الحق واستعمله الصديق على عمان حين ارتدوا فظفر بهم كما تقدم ثم قدم الشام وكان اميرا على بعض الكراديس ويقال انه لا يعرف له ذنب بعدما اسلم وكان يقبل المصحف ويبكي ويقول كلام ربي كلام ربي احتج بهذا الامام احمد على جواز تقبيل المصحف ومشروعيته وقال الشافعي كان عكرمة محمود البلاء في الاسلام قال عروة قتل باجنادين وقال غيره باليرموك بعدما وجد به بضع وسبعون ما بين ضربة وطعنة رضى الله عنه الفضل بن العباس بن عبدالمطلب قيل انه توفي في هذه السنة والصحيح انه تاخر الى سنة ثماني عشرة نعيم بن عبدالله بن النحام احد بني عدي اسلم قديما قبل عمرو ولما يتهيا له هجرة الى ما بعد الحديبية وذلك لانه كان فيه بر باقاربه فقالت له قريش اقم عندنا على اي دين شئت فوالله لا يتعرضك احد الا ذهبت انفسنا دونك استشهد يوم اجنادين وقيل يوم اليرموك رضى الله عنه هبار بن الاسود بن اسد ابو الاسود القرشي الاسدي (7/34)
هذا الرجل كان قد طعن راحلة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خرجت من مكة حتى اسقطت ثم اسلم بعد فحسن اسلامه وقتل باجنادين رضى الله عنه هبار بن سفيان بن عبدالاسود المخزومي ابن اخي ام سلمة اسلم قديما وهاجر الى الحبشة واستشهد يوم اجنادين على الصحيح وقيل قتل يوم مؤتة والله اعلم هشام بن العاص بن وائل السهمي اخو عمرو بن مؤمنان وقد أسلم هشام قبل عمرو وهاجر الى الحبشة فلما رجع منها احتبس بمكة ثم هاجر بعد الخندق العاص روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابنا العاص وقد ارسله الصديق الى ملك الروم وكان من الفرسان وقتل باجنادين وقيل باليرموك والاول اصح والله اعلم ابو بكر الصديق رضي الله عنه تقدم وله ترجمة مفردة ولله الحمد سنة اربع عشرة من الهجرة
استهلت هذه السنة والخليفة عمر بن الخطاب يحث الناس ويحرضهم على جهاد اهل العراق وذلك لما بلغه من قتل ابي عبيد يوم الجسر وانتظام شمل الفرس واجتماع امرهم على يزدجر الذي اقاموه من بيت الملك ونقض اهل الذمة بالعراق عهودهم ونبذهم المواثيق التي كانت عليهم وآذوا المسلمين واخرجوا العمال من بين اظهرهم وقد كتب عمر الى من هنالك من الجيش ان يتبرزوا من بين اظهرهم الى اطراف البلاد قال ابن جرير رحمه الله وركب عمر رضى الله عنه في اول يوم من المحرم هذه السنة في الجيوش من المدينة فنزل على ماء يقال له صرار فعسكر به عازما على غزو العراق بنفسه واستخلف على المدينة علي بن ابي طالب واستصحب عثمان بن عفان وسادات الصحابة ثم عقد مجلسا لاستشارة الصحابة فيما عزم القيام به ونودى أن الصلاة جامعة وقد ارسل الى علي فقدم من المدينة ثم استشارهم فكلهم وافقوه على الذهاب الى العراق الا عبدالرحمن الأرض وإني أرى أن تبعث رجلا وترجع أنت إلى المدينة فارثا عمر والناس عند ذلك واستصوبوا رأي ابن عوف فقال عمر فمن ترى ان نبعث الى العراق فقال قد و بن عوف فإنه قال له إني أخشى إن كسرت أن تضعف المسلمون في سائر اقطار وجدته قال من هو قال الاسد في براثنه سعد بن مالك الزهري فاستجاد قوله وارسل الى سعد فأمره على العراق واوصاه فقال يا سعد بن وهيب لا يغرنك ومن الله ان قيل خال رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحبه فان الله لا يمحو السىء بالسيء ولكن يمحو السىء بالحسن وان الله ليس بينه وبين احد نسب الا بطاعته فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عند الله بالطاعة فانظر الامر الذي رايت (7/35)
رسول الله صلى الله عليه و سلم منذ بعث الى ان فارقنا عليه فالزمه فانه امر هذه عظتي اياك ان تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين ولما اراد فراقه قال له انك ستقدم على امر شديد فالصبر الصبر على ما اصابك ونابك تجمع لك خشية الله واعلم ان خشية الله تجتمع في امرين في طاعته واجتناب معصيته وانما طاعة من اطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة وانما عصيان من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة وللقلوب حقائق ينشئها الله انشاء منها للسر ومنها العلانية فاما العلانية فان يكون حامده وذامه في الحق سواء واما السر فيعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه وبمحبة الناس ومن محبة الناس فلا تزهد في التحبب فان النبيين قد سالوا محبتهم وان الله اذا احب عبدا حببه واذا ابغض عبدا بغضه فاعتبر منزلتك عند الله بمنزلتك عندالناس قالوا فسار سعد نحو العراق في اربعة الاف ثلاثة الاف من اهل اليمن والف من سائر الناس وقيل في ستة الاف وشيعهم عمر من صرار الى الاعوص وقام عمر في الناس خطيبا هنالك فقال ان الله انما ضرب لكم الامثال وصرف لكم القول لتحيى القلوب فان القلوب ميتة في صدورها حتى يحيها الله من علم شيئا فلينفع به فان للعدل امارات وتباشير فاما الامارات فالحياء والسخاء والهين واللين واما التباشير فالرحمة وقد جعل الله لكل امر بابا ويسر لكل باب مفتاحا فباب العدل الاعتبار ومفتاحه الزهد والاعتبار ذكر الموت والاستعداد بتقديم الاموال والزهد اخذ الحق من كل احد قبله حق والاكتفاء بما يكفيه من الكفاف فان لم يكفه الكفاف لم يغنه شىء اني بينكم وبين الله وليس بيني وبينه احد وان الله قد الزمنى دفع الدعاء عنه فانهوا شكاتكم الينا فمن لم يستطع فالى من يبلغانها ناخذ له الحق غير متعتع ثم سار سعد الى العراق ورجع عمر بمن معه من المسلمين الى المدينة ولما انتهى سعد الى نهر زرود ولم يبق بينه وبين ان يجتمع بالمثنى بن حارثة الا اليسير وكل منهما مشتاق الى صاحبه انتقض جرح المثنى بن حارثة الذي كان جرحه يوم الجسر فمات رحمه الله ورضى الله عنه واستخلف على الجيش بشير بن الخصاصية ولما بلغ سعدا موته ترحم عليه وتزوج زوجته سلمى ولما وصل سعد الى محلة الجيوش انتهت اليه رياستها وامرتها ولم يبق بالعراق امير من سادات العرب الا تحت امره وامده عمر بامداد اخر حتى اجتمع معه يوم القادسية ثلاثون الفا وقيل ستة وثلاثون وقال عمر والله لأرمين ملوك العجم بملوك العرب وكتب الى سعد ان يجعل الامراء على القبائل والعرفاء على كل عشرة عريفا على الجيوش وان يواعدهم الى القادسية ففعل ذلك سعد عرف العرفاء وامر على القبائل وولى على الطلائع والمقدمات والمجنبات والساقات والرجالة والركبان كما امر امير المؤمنين عمر (7/36)
قال سيف باسناده عن مشايخه قالوا وجعل عمر على قضاء الناس عبدالرحمن بن ربيعة الباهلي ذا النون وجعل اليه الافباض وقسمة الفىء وجعل داعية الناس وقاصهم سلمان الفارسي وجعل الكاتب زياد بن ابي سفيان قالوا وكان في هذا الجيش كله من الصحابة ثلثمائة وبضعة عشر صحابيا منهم بضعة وسبعون بدريا وكان فيه سبعمائة من ابناء الصحابة رضى الله عنهم وبعث عمر كتابه الى سعد يامره بالمبادرة إلى القادسية والقادسية باب فارس في الجاهلية وان يكون بين الحجر والمدر وان ياخذ الطرق والمسالك على فارس وان يبدروهم بالضرب والشدة ولا يهولنك كثرة عددهم وعددهم فانهم قوم خدعة مكرة وان انتم صبرتم واحسنتم ونويتم الامانة رجوت ان تنصروا عليهم ثم لم يجتمع لهم شملهم ابدا الا ان يجتمعوا وليست معهم قلوبهم وان كانت الاخرى فارجعوا الى ما وراءكم حتى تصلوا الى الحجر فانكم عليه اجرأ وانهم عنه اجبن وبه اجهل حتى ياتي الله بالفتح عليهم ويرد لكم الكره وامره بمحاسبة نفسه وموعظة جيشه وامرهم بالنية الحسنة والصبر فان النصر ياتي من الله على قدر النية والاجر على قدر الحسبة وسلوا الله العافية واكثروا من قول لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم واكتب الي بجميع احوالكم وتفاصيلها وكيف تنزلون واين يكون منكم عدوكم واجعلني بكتبك الى كاني انظر اليكم واجعلني من امركم على الجلية وخف الله وارجه ولا تدل بشىء واعلم الن الله قد توكل لهذا الامر بما لا خلف له فاحذر ان يصرفه عنك ويستبدل بكم غيركم فكتب اليه سعد يصف له كيفية تلك المنازل والاراضي بحيث كانه يشاهدها وكتب اليه يخبره بان الفرس قد جردوا لحربه رستم وامثاله فهم يطلبوننا ونحن نطلبهم وامر الله بعد ماض وقضاؤه مسلم الى ما قدر لنا وعلينا فنسال الله خير القضاء وخير القدر في عافية
وكتب اليه عمر قد جاءني كتابك وفهمته فإذا لقيت عدوك ومنحك الله ادبارهم فانه قد القى في روعى انكم ستهزمونهم فلا تشكن في ذلك فاذا هزمتهم فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن فانه خرابها ان شاء الله وجعل عمر يدعو لسعد خاصة وله وللمسلمين عامة
ولما بلغ سعد العذيب اعترض للمسلمين جيش للفرس مع شيرزاذ بن اراذويه فغنموا مما معه شيئا كثيرا ووقع منهم موقعا كبيرا فخمسها سعد وقسم اربعة اخماسها في الناس واستبشر الناس بذلك وفرحوا وتفاءلوا وافرد سعد سرية تكون حياطة لمن معهم من الحريم على هذه السرية غالب بن عبدالله الليثي
غزوة القادسية
ثم سار سعد فنزل القادسية وبث سراياه واقام بها شهرا لم ير احدا من الفرس فكتب الى عمر بذلك والسرايا تأتي بالميرة من كل مكان فعجت رعايا الفرس اطراف بلادهم الى يزدجرد (7/37)
من الذين يلقون من المسلمين من النهب والسبي وقالوا ان لم تنجدونا وإلا اعطينا ما بأيدينا وسلمنا اليهم الحصون واجتمع راى الفرس على ارسال رستم اليهم فبعث إليه يزدجرد فامره على الجيش فاستعفى رستم من ذلك وقال ان هذا ليس براى في الحرب ان ارسال الجيوش بعد الجيوش اشد على العرب من ان يكسروا جيشا كثيفا مرة واحدة فابى الملك الا ذلك فتجهز رستم للخروج ثم بعث سعد كاشفا الى الحيرة الى صلوبا فاتاه الخبر بان الملك قد امر على الحرب رستم بن الفرخزاذ الارمني وامده بالعساكر فكتب سعد الى عمر بذلك فكتب اليه عمر لا يكربنك ما يأتيك عنهم ولا ما يأتونك به واستعن بالله وتوكل عليه وابعث اليه رجالا من اهل النظر والراى والجلد يدعونه فان الله جاعل دعائهم توهينا لهم وفلجا عليهم واكتب الى في كل يوم ولما اقترب رستم بجيوسه وعسكر بساباط كتب سعد الى عمر يقول ان رستم قد عسكر بساباط وجر الخيول والفيول وزحف علينا بها وليس شىء اهم عندي ولا اكثر ذكرا منى لما احببت ان اكون عليه من الاستعانة والتوكل وعبأ رستم فجعل على المقدمة وهي اربعون الفا الجالنوس وعلى الميمنة الهرمزان وعلى الميسرة مهران بن بهرام وذلك ستون الفا وعلى الساقة البندران في عشرين الفا فالجيش كله ثمانون الفا فيما ذكره سيف وغيره وفي رواية كان رستم في مائة الف وعشرين الفا يتبعها ثمانون الفا وكان معه ثلاث وثلاثون فيلا منها فيل ابيض كان لسابور فهو اعظمها واقدمها وكانت الفيلة تالفه ثم بعث سعد جماعة من السادات منهم النعمان بن مقرن وفرات بن حبان وحنظلة بن الربيع التميمي وعطارد بن حاجب والاشعث بن قيس والمغيرة بن شعبة وعمرو بن معدي كرب يدعون رستم الى الله عز و جل فقال لهم رستم ما اقدمكم فقالوا جئنا لموعود الله ايانا اخذ بلادكم وسبي نسائكم وابنائكم واخذ اموالكم فنحن على يقين من ذلك وقد راى رستم في منامه كان ملكا نزل من السماء فختم على سلاح الفرس كله ودفعه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدفعه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى عمر وذكر سيف بن عمر ان رستم طاول سعدا في اللقاء حتى كان بين خروجه من المدائن وملتقاه سعدا بالقادسية اربعة اشهر كل ذلك لعله يضجر سعدا ومن معه ليرجعوا ولولا ان الملك استعجله ما التقاه لما يعلم من غلبة المسلمين لهم ونصرهم عليهم لما راى في منامه ولما يتوسمه ولما سمع منهم ولما عنده من علم النجوم الذي يعتقد صحته في نفسه لما له من الممارسة لهذا الفن ولما دنا جيش رستم من سعد احب سعد ان يطلع على اخبارهم على الجلية فبعث رجلا سرية لتاتيه برجل من الفرس وكان في السرية طليحة الاسدي الذي كان ادعى النبوة ثم تاب وتقدم الحارث مع اصحابه حتى رجعوا فلما بعث سعد السرية اخترق طليحة الجيوش والصفوف وتخطى الالوف وقتل جماعة من الابطال حتى اسر احدهم وجاء به لا يملك من نفسه شيئا فساله (7/38)
سعد عن القوم فجعل يصف شجاعة طليحة فقال دعنا من هذا واخبرنا عن رستم فقال هو في مائة الف وعشرين الفا ويتبعها مثلها واسلم الرجل من فوره رحمه الله
قال سيف عن شيوخه ولما تواجه الجيشان بعث رستم الى سعد ان يبعث اليه برجل عاقل عالم بما اساله عنه فبعث اليه المغيرة بن شعبة رضى الله عنه فلما قدم عليه جعل رستم يقول له انكم جيراننا وكنا نحسن اليكم ونكف الاذى عنكم فارجعوا الى بلادكم ولا نمنع تجارتكم من الدخول الى بلادنا فقال له المغيرة انا ليس طلبنا الدنيا وانما همنا وطلبنا الآخرة وقد بعث الله الينا رسولا قال له اني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني فانا منتقم بهم منهم واجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به وهو دين الحق لا يرغب عنه احد الا ذل ولا يعتصم به الا عز فقال له رستم فما هو فقال اما عموده الذي لا يصلح شىء منه الا به فشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله والاقرار بما جاء من عندالله فقال ما احسن هذا واي شىء ايضا قال واخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة الله قال وحسن ايضا واي شىء ايضا قال والناس بنو آدم فهم اخوة لأب وأم وقال حسن ايضا ثم قال رستم ارايت ان دخلنا في دينكم اترجعون عن بلادنا قال اي والله ثم لا نقرب بلادكم الا في تجارة او حاجة قال وحسن ايضا قال ولما خرج المغيرة من عنده ذاكر رستم رؤساء قومه في الاسلام فانفوا ذلك وابوا ان يدخلوا فيه قبحهم الله واخزاهم وقد فعل
قالوا ثم بعث اليه سعد رسولا اخر بطلبه وهو ربعي بن عامر فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي الحرير واظهر اليواقيت واللآلىء الثمينةى والزينة العظيمة وعليه تاجه وغير ذلك من الامتعة الثمينة وقد جلس على سرير من ذهب ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد واقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه فقالوا له ضع سلاحك فقال انى لم آتكم وانما جئتكم حين دعوتموني فان تركتموني هكذا والا رجعت فقال رستم ائذنوا له فاقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فحرق عامتها فقالوا له ما جاء بكم فقال الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله ومن ضيق الدنيا الى سعتها ومن جور الاديان الى عدل الاسلام فارسلنا بدينه الى خلقه لتدعوهم اليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن ابى قاتلناه ابدا حتى نفضى الى موعود الله قالوا وما موعود الله قال الجنة لمن مات على قتال من ابى والظفر لمن بقي فقال رستم قد سمعت مقالتكم فهل لكم ان تؤخروا هذا الامر حتى ننظر فيه وتنظروا قال نعم كم احب اليكم يوما او يومين قال لا بل حتى نكاتب اهل راينا رؤساء قومنا فقال (7/39)
ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ان نؤخر الاعداء عند اللقاء اكثر من ثلاث فانظر في امرك وامرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الاجل فقال اسيدهم انت قال لا ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير ادناهم على اعلاهم فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال هل رايتم قط اعز وارجح من كلام هذا الرجل فقالوا معاذ الله ان تميل الى شىء من هذا تدع دينك الى هذا الكلب اما ترى الى ثيابه فقال ويلكم لا تنظرون الى الثياب وانظروا الى الرأي والكلام والسيرة ان العرب يستخفون بالثياب والمأكل ويصونون الاحساب ثم بعثوا يطلبون في اليوم الثاني رجلا فبعث اليهم حذيفة بن محصن فتكلم نحو ما قال ربعي وفي اليوم الثالث المغيرة بن شعبة فتكلم بكلام حسن طويل قال فيه رستم للمغيرة انما مثلكم في دخولكم ارضنا كمثل الذباب راى العسل فقال من يوصلني اليه وله درهمان فلما سقط عليه غرق فيه فجعل يطلب الخلاص فلا يجده وجعل يقول من يخلصنى وله اربعة دراهم ومثلكم كمثل الثعلب ضعيف دخل جحرا في كرم فلما رآه صاحب الكرم ضعيفا رحمه فتركه فلما سمن افسد شيئا كثيرا فجاء بجيشه واستعان عليه بغلمانه فذهب ليخرج فلم يستطع لسمنه فضربه حتى قتله فهكذا تخرجون من بلادنا ثم استشاط غضبا واقسم بالشمس لأقتلنكم فقال المغيرة ستعلم ثم قال رستم للمغيرة قد امرت لكم بكسوة ولاميركم بالف دينار وكسوة ومركوب وتنصرفون عنا فقال المغيرة ابعد ان اوهنا ملككم وضعفنا عزكم ولنامدة نحو بلادكم وناخذ الجزية منكم عن يد وانتم صاغرون وستصيرون لنا عبيدا على رغمكم فلما قال ذلك استشاط غضبا ( 1 )
وقال ابن جرير حدثنى محمد بن عبدالله بن صفوان الثقفي ثنا امية بن خالد ثنا ابو عوانة عن حصيب بن عبدالرحمن قال قال ابو وائل جاء سعد حتى نزل القادسية ومعه الناس قال لا ادري لعلنا لا نزيد على سبعة الاف او ثمان الاف بين ذلك والمشركون ثلاثون الفا ونحوذلك فقالوا لا يد لكم ولا قوة ولا سلاح ما جاء بكم ارجعوا قال قلنا ما نحن براجعين فكانوا يضحكون من نبلنا ويقولون دوك دوك وشبهونا بالمغازل فلما ابينا عليهم ان نرجع قالوا ابعثوا الينا رجلا من عقلائكم يبين لنا ما جاء بكم فقال المغيرة بن شعبة انا فعبر اليهم فقعد مع رستم على السرير فنخروا وصاحوا فقال ان هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم فقال رستم صدق ما جاء بكم فقال انا كنا قوما في شر وضلالة فبعث الله الينا نبيا فهدانا الله به ورزقنا على يديه فكان فيما رزقنا حبة تنبت في هذا البلد فلما اكلناها واطعمناها اهلينا قالوا لا صبر لنا عنها انزلونا هذه الارض حتى ناكل من هذه الحبة فقال رستم اذا نقتلكم قال ان قتلتمونا دخلنا الجنة وان (7/40)
قتلناكم دخلتم النار واديتم الجزية قال فلما قال واديتم الجزية نخروا وصاحوا وقالوا لا صلح بيننا وبينكم فقال المغيرة تعبرون الينا او نعبر اليكم فقال رستم بل نعبر اليكم فاستاخر المسلمون حتى عبروا فحملوا عليهم فهزموهم
وذكر سيف ان سعدا كان به عرق النسا يومئذ وانه خطب الناس وتلى قوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون وصلى بالناس الظهر ثم كبر اربعا وحملوا بعد ان امرهم ان يقولوا لا حول ولا قوة الا بالله في طردهم اياهم وقتلهم اياهم وقعودهم لهم كل مرصد وحصرهم لبعضهم في بعض الاماكن حتى اكلوا الكلاب والسنانير وما رد شاردهم حتى وصل الى نهاوند ولجا اكثرهم الى المدائن ولحقهم المسلمون الى ابوابها وكان سعد قد بعث طائفة من اصحابه الى كسرى يدعونه الى الله قبل الوقعة فاستاذنوا على كسرى فاذن لهم وخرج اهل البلد ينظرون الى اشكالهم وارديتهم على عواتقهم وسياطهم بأيديهم والنعال في ارجلهم وخيولهم الضعيفة وخبطها الارض بارجلها وجعلوا يتعجبون منها غاية العجب كيف مثل هؤلاء يقهرون جيوشهم مع كثرة عددها وعددها ولما استاذنوا على الملك يزدجرد اذن لهم واجلسهم بين يديه وكان متكبرا قليل الادب ثم جعل يسالهم عن ملابسهم هذه ما اسمها عن الاردية والنعال والسياط ثم كلما قالوا شيئا من ذلك تفاءل فرد الله فاله على راسه ثم قال لهم ما الذي اقدمكم هذه البلاد اظننتم انا لما تشاغلنا بأنفسنا اجترأتم علينا فقال له النعمان بن مقرن ان الله رحمنا فأرسل الينا رسولا يدلنا على الخير ويامرنا به ويعرفنا الشر وينهانا عنه ووعدنا على اجابته خير الدنيا والآخرة فلم يدع الى ذلك قبيلة الا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده ولا يدخل معه في دينه الا الخواص فمكث كذلك ما شاء الله ان يمكث ثم امر ان ينهد الى من خالفه من العرب ويبدا بهم ففعل فدخلوا معه جميعا على وجهين مكروه عليه فاغتبط وطائع اياه فازداد فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق وامرنا ان نبدأ بمن يلينا من الامم فندعوهم الى الانصاف فنحن ندعوكم الى دينا وهو دين الاسلام حسن الحسن وقبح القبيح كله فان ابيتم فامر من الشر هو اهون من آخر شر منه الجزاء فإن ابيتم فالمناجزة وان واجبتم الى دينننا خلفنا فيكم كتاب الله واقمنكم عليه على ان تحكموا باحكامه ونرجع عنكم وشانكم وبلادكم وان اتيتمونا بالجزي قبلنا ومنعناكم والا قاتلناكم قال قتلكم يزدجر فقال اني لا اعلم في الارض امة كانت اشقى ولا اقل عددا ولا اسوأ ذات بين منكم قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي ليكفوناكم لا تغزوكم فارس ولا تطعمون ان تقوموا لهم فان كان عددكم كثر فلا يغرنكم منا وان كان الجهد دعا كم فرضنا (7/41)
لكم قوتا الى خصبكم واكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم فاسكت القوم فقام المغيرة بن شعبة فقال ايها الملك ان الأشراف الأشراف ويعظم حقوق الأشراف الأشراف وليس كل ما ارسلوا له جمعوه لك هؤلاء رؤس العرب وجوههم وهم اشراف يستحيون من الأشراف وإنما يكرم ولا كل ما تكلمت به اجابوك عليه وقد احسنوا ولا يحسن بمثلهم الا ذلك فجاوبني فاكون انا الذي ابلغك ويشهدون على ذلك انك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما فاما ما ذكرت من سوء الحال فما كان اسوا حالا منا واما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع كنا ناكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات ونرى ذلك طعامنا واما المنازل فانما هى ظهر الارض ولا نلبس الا ما غزلنا من اوبار الابل واشعار الغنم ديننا ان يقتل بعضنا بعضا وان يبغى بعضنا على بعض وان كان احدنا ليدفن ابنته وهى حية كراهية ان تاكل من طعامه وكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك وفي المعاد على ما ذكرت لك فبعث الله الينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده فارضه خير ارضنا وحسبه خير احسابنا وبيته خير بيوتنا وقبيلته خير قبائلنا وهو نفسه كان خيرنا في الحال التى كان فيها اصدقنا واحلمنا فدعانا الى امر فلم يجبه احد اول ترب كان له الخليفة من بعده فقال وقلنا وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا فلم يقل شيئا الا كان فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه فصار فيما بيننا وبين رب العالمين فما قال لنا فهو قول الله وما امرنا فهو امر الله فقال لنا ان ربكم يقول انا الله وحدي لا شريك لي كنت اذ لم يكن شىء وكل شىء هالك الا وجهي وانا خلقت كل شىء والى يصير كل شىء وان رحمتي ادركتكم فبعثت اليكم هذا الرجل لادلكم على السبيل التى انجيكم بها بعد الموت من عذابي ولاحلكم داري دار السلام فنشهد عليه انه جاء بالحق من عند الحق وقال من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم ومن ابى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه انفسكم ومن ابى فقاتلوه فانا الحكم بينكم فمن قتل منكم ادخلته جنتى ومن بقي منكم اعقبته النصر على من ناوأه فاختر ان شئت الجزية وانت صاغر وان شئت فالسيف او تسلم فتنجي نفسك فقال يزدجر اتستقبلني بمثل هذا فقال ما استقبلت الا من كلمنى ولو كلمنى غيرك لم استقبلك به فقال لولا ان الرسل لا تقتل لقتلتكم لا شىء لكم عندى وقال ائتوني بوقر من تراب فاحملوه على اشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من ابيات المدائن ارجعوا الى صاحبكم فاعلموه اني مرسل اليه رستم حتى يدفنه وجنده في خندق القادسية وينكل به وبكم من بعد ثم اورده بلادكم حت اشغلكم في انفسكم باشد مما نالكم من سابور ثم قال من اشرفكم فسكت القوم فقال عاصم بن عمرو واقتات ليأخذ التراب انا اشرفهم انا سيد هؤلاء فحملنيه فقال اكذلك قالوا نعم فحمله على عنقه فخرج به من الايوان والدار حتى اتى راحلته (7/42)
فحمله عليها ثم انجذب في السير لياتوا به سعدا وسبقهم عاصم فمر باب قديس فطواه وقال بشروا الامير بالظفر ظفرنا ان شاء الله تعالى ثم مضى حتى جعل التراب في الحجر ثم رجع فدخل على سعد فأخبره الخبر فقال ابشروا فقد والله اعطانا الله اقاليد ملكهم وتفاءلوا بذلك اخذ بلادهم ثم لم يزل امر الصحابة يزداد في كل يوم علوا وشرفا ورفعة وينحط امر الفرس سفلا وذلا ووهنا ولما رجع رستم الى الملك يساله عن حل من راى من المسلمين فذكر له عقلهم وفصاحتهم وحدة جوابهم وانهم يرومون امرا يوشك ان يدركوه وذكر ما امر به اشرفهم من حمل التراب وانه استحمق اشرفهم في حمله التراب على راسه ولوشاء اتقى بغيره وانا لا اشعر فقال له رستم انه ليس احمق وليس هو باشرفهم انما اراد ان يفتدي قومه بنفسه ولكن والله ذهبوا بمفاتيح ارضنا وكان رستم منجما ثم ارسل رجلا وراءهم وقال ان ادرك التراب فرده تداركنا امرنا وان ذهبوا به الى اميرهم غلبونا على ارضنا قال فساق وراءهم فلم يدركهم بل سبقوه الى سعد بالتراب وساء ذلك فارس وغضبوا من ذلك اشد الغضب واستهجنوا راي الملك فصل
كانت وقعة القادسية وقعة عظيمة لم يكن بالعراق اعجب منها وذلك انه لما تواجه الصفان كان سعد رضى الله عنه قد اصابه عرق النسا ودمامل في جسده فهو لا يستطيع الركوب وانما هو في قصر متكىء على صدره فوق وسادة وهو ينظر الى الجيش ويدبر امره وقد جعل امر الحرب الى خالد بن عرفطة وجعل على الميمنة جرير بن عبدالله البجلي وعلى الميسرة قيس بن مكشوح وكان قيس والمغيرة بن شعبة قد قدما على سعد مددا من عند ابو عبيدة من الشام بعدما شهدا وقعة اليرموك
وزعم ابن اسحاق ان المسلمين كانوا ما بين السبعة الاف الى الثمانية الاف وان رستما كان في ستين الفا فصلى سعد بالناس الظهر ثم خطب الناس فوعظهم وحثهم وتلا قوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون وقرأ القراء آيات الجهاد وسوره ثم كبر سعدا اربعا ثم حملوا بعد الرابعة فاقتتلوا حتى كان الليل فتحاجزوا وقد قتل من الفرقين بشر كثير ثم أصبحوا الى مواقفهم فاقتتلوا يومهم ذلك وعامة ليلتهم ثم اصبحوا كما امسوا على مواقفهم فاقتتلوا حتى امسوا ثم اقتتلوا في اليوم الثالث كذلك وامست هذه الليلة تسمى ليلة الهرير فلما اصبح اليوم الرابع اقتتلوا قتالا شديدا وقد قاسوا من الفيلة بالنسبة الى الخيول العربية بسبب نفرتها منها امرا بليغا وقد اباد الصحابة الفيلة ومن عليها وقلعوا عيونها وابلى جماعة من الشجعان في هذه الايام مثل طليحة الاسدي وعمرو بن معدي كرب والقعقاع بن عمرو وجرير بن عبدالله البجلي وضرار بن الخطاب وخالد بن عرفطة واشكالهم واضرابهم فلما كان وقت الزوال من هذا اليوم (7/43)
ويسمى يوم القادسية وكان يوم الاثنين من المحرم سنة اربع عشرة كما قاله سيف بن عمر التميمي هبت ريح شديدة فرفعت خيام الفرس عن اماكنها والقت سرير رستم الذي هو منصوب له فبادر فركب بغلته وهرب فأدركه المسلمون فقتلوه وقتلوا جالينوس مقدمة الطلائع القادسية وانهزمت الفرس ولله الحمد والمنة عن بكرة ابيهم ولحقهم المسلمون في اقفائهم فقتل يومئذ المسلسلون بكمالهم وكانوا ثلاثين الفا وقتل في المعركة عشرة الاف وقتلوا قبل ذلك قريبا من ذلك وقتل من المسلمين في هذا اليوم وما قبله من الايام الفان وخمسمائة رحمهم الله وساق المسلمون خلفهم المنهزمين حتى دخلوا وراءهم مدينة الملك وهى المدائن التي فيها الايوان الكسروى وقد اذن لمن ذكرنا عليه فكان منهم اليه ما قدمنا وقد غنم المسلمون من وقعة القادسية هذه من الاموال والسلاح ما لا يحد ولا يوصف كثره فحصلت الغنائم بعد صرف الاسلاب وخمست وبعث بالخمس والبشارة الى امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان عمر رضى الله عنه يستخبر عن امر القادسية كل من لقيه من الركبان ويخرج من المدينة الى ناحية العراق يستنشق الخبر فينما هو ذات يوم من الايام اذا هو براكب يلوح من بعد فاستقبله عمر فاستخبره فقال له فتح الله على المسلمين بالقادسية وغنموا غنائم كثيرة وجعل يحدثه وهو لا يعرف عمر وعمر ماش تحت راحلته فلما اقتربا من المدينة جعل الناس يحيون عمر بالامارة فعرف الرجل عمر فقال يرحمك الله يا امير المؤمنين هلا اعلمتني انك الخليفة فقال لا حرج عليك يا اخي
وقد تقدم ان سعدا رضى الله عنه كان به قروح وعرق النسا فمنعه من شهود القتال لكنه جالس في راس القصر ينظر في مصالح الجيش وكان مع ذلك لا يغلق عليه باب القصر لشجاعته ولو فر الناس لاخذته الفرس قبضا باليد لا يمتنع منهم وعنده امرأته سلمى بنت حفص التى كانت قبله عند المثنى بن حارثة فلما فر بعض الخيل يومئذ فزعت وقالت وامثنياه ولا مثنى لي اليوم فغضب سعد من ذلك ولطم وجهها فقالت اغيرة وجبنا يعنى انها تعيره بجلوسه في القصر يوم الحرب وهذا عناد منها فإنها اعلم الناس بعذره وما هو فيه من المرض المانع من ذلك وكان عنده في القصر رجل مسجون على الشراب كان قد حد فيه مرات متعددة يقال سبع مرات فامر به سعد فقيد واودع في القصر فلما راى الخيول تجول حول حمى القصر وكان من الشجعان الابطال قال ... كفى حزنا ان تدحم الخيل بالفتى ... واترك مشدودا علي وثاقيا ... اذا قمت غناني الحديد وغلقت ... مصاريع من دوني تصم المناديا ... وقد كنت ذا مال كثير واخوة ... وقد تركوني مفردا لا اخاليا ...
ثم سأل من زبراء ام ولد سعد ان تطلقه وتعيره فرس سعد وحلف لها انه يرجع آخر النهار فيضع (7/44)
رجله في القيد فاطلقته وركب فرس سعد وخرج فقاتل قتالا شديدا وجعل سعد ينظر الى فرسه فيعرفها وينكرها ويشبهه بابي مجحن ولكن يشك لظنه انه في القصر موثق فلما كان آخر النهار رجع فوضع رجله في قيدها ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال ما هذا فذكروا له قصة ابو محجن فرضى عنه واطلقه رضى الله عنهما
وقد قال رجل من المسلمين في سعد رضى الله عنه ... نقاتل حتى انزل الله نصره ... وسعد بباب القادسية معصم ... فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ... ونسوة سعد ليس فيهم ايم ...
فيقال ان سعدا نزل الى الناس فاعتذر اليهم مما فيه من القروح في فخذيه واليتيه فعذره الناس ويذكر انه دعا على قائل هذين البيتين وقال اللهم ان كان كاذبا او قال الذي قال رياء وسمعة وكذبا فاقطع لسانه ويده فجاءه سهم وهو واقف بين الصفين فوقع في لسانه فبطل شقه فلم يتكلم حتى مات رواه سيف عن عبدالملك بن عمير عن قبيصة بن جابر فذكره وقال سيف عن المقدام بن شريح الحارثي عن ابيه قال قال جرير بن عبدالله البجلي ... انا جرير وكنيتي ابو عمرو ... قد فتح الله وسعد في القصر ...
فاشرف سعد من قصره وقال ... وما ارجو بجيلة غير اني ... اومل اجرها يوم الحساب ... وقد لقيت خيولهم خيولا ... وقد وقع الفوارس في الضراب ... وقد دلفت بعرصتهم خيول ... كان زهاءها ابل الجراب ... فلولا جمع قعقاع بن عمرو ... وحمال للجوا في الركاب ... ولولا ذاك الفيتم رعاعا ... تسيل جموعكم مثل الذباب ...
وقد روى محمد بن اسحاق عن اسماعيل بن ابي خالد عن قيس بن ابي حازم البجلي وكان ممن شهد القادسية قال كان معنا رجل من ثقيف فلحق بالفرس مرتدا فاخبرهم ان باس الناس في الجانب الذي فيه بجيلة قال وكنا ربع الناس قال فوجهوا الينا ستة عشر فيلاا وجعلوا يلقون تحت ارجل خيولنا حسك الحديد ويرشقوننا بالنشاب فلكأنه المطر وقربوا خيولهم بعضها الى بعض لئلا يفروا قال وكان عمرو بن معد يكرب الزبيدي يمر بنا فيقول يا معشر المهاجرين كونوا اسودا فانما الفارسي تيس قال وكان فيهم اسوار لا تكاد تسقط له النشاب فقلنا له يا ابا ثور نق ذاك الفارس فانه لا يسقط له نشابة فوجه اليه الفارس ورماه بنشابة فاصاب ترسه وحمل عليه عمرو فاعتنقه فذبى فاستلبه سوارين من ذهب ومنطقة من ذهب ويلمقا من ديباج قال وكان المسلمون (7/45)
ستة آلاف او سبعة الاف فقتل الله رستما وكان الذي قتله رجل يقال له هلال بن علقمة التميمي رماه رستم بنشابه فاصاب قدمه وحمل عليه هلال فقتله واحتز راسه وولت الفرس فاتبعهم المسلمون يقتلونهم فادركوهم في مكان قد نزلوا فيه واطمانوا فينما هم سكارى قد شربوا ولعبوا اذ هجم عليهم المسلمون فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وقتل هنالك الجالينوس قتله زهرة بن حوية التميمي ثم ساروا خلفهم فكلما تواجه الفريقان نصر الله حزب الرحمن وخذل حزب الشيطان وعبدة النيران واحتاز المسلمون من الاموال ما يعجز عن حصره ميزان وقبان حتى ان منهم من يقول من يقايض بيضاء بصفراء لكثرةو ما غنموا من الفرسان ولم يزالوا يتبعونهم حتى جازوا الفرات وراءهم وفتحوا المدائن وجلولاء على ما سيأتي تفصيله في موضعه ان شاء الله تعالى وبه الثقة
وقال سيف بن عمرو عن سليمان بن بشير عن ام كثير امراة همام بن الحارث النخعى قالت شهدنا القادسية مع سعد مع ازواجنا فلما اتانا ان قد فرغ من الناس شددنا علينا ثيابنا واخذنا الهراوي ثم اتينا القتلى فمن كان من المسلمين سقيناه ورفعناه ومن كان من المشركين اجهزنا عليه ومعنا الصبيان فنوليهم ذلك تعنى استلابهم لئلا يكشفن عن عورات الرجال
وقال سيف باسانيده عن شيوخه قالوا وكتب سعد الى عمر يخبره بالفتح وبعدة من قتلوا من المشركين وبعدة من قتل من المسلمين بعث بالكتاب مع سعد بن عميلة الفزاري وصورته اما بعد فان الله نصرنا على اهل فارس ومنحناهم سنن من كان قبلهم من اهل دينهم بعد قتال طويل وزلزال شديد وقد لقوا المسلمين بعدة لم ير الراؤن مثل زهائها فلم ينفعهم الله بذلك بل سلبوه ونقله عنهم الى المسلمين واتبعهم المسلمون على الانهار وصفوف الآجام وفي الفجاج واصيب من المسلمين سعد بن عبيد القاري وفلان وفلان ورجال من المسلمين لا يعلمهم الا الله فانه بهم عالم كانوا يدوون بالقرآن اذا جن عليهم الليل كدوى النحل وهم آساد في النهار لا تشبههم الاسود ولم يفضل من مضى منهم من بقي الا بفضل الشهادة اذا لم تكتب لهم
فيقال ان عمر قرأ هذه البشارة على الناس فوق المنبر رضى الله عنهم ثم قال عمر للناس اني حريص على ان لا ارى حاجة الا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض فاذا عجز ذلك عنا تاسينا في عيشنا حتى نستوى في الكفاف ولوددت انكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم ولست معلمكم الا بالعمل اني والله لست بملك فاستعبدكم ولكنى عبد الله عرض على الامانة فإن ابيتها ورددتها عليكم واتبعتكم حتى تشبعوا في بيوتكم وترووا سعدت بكم وان انا حملتها واستتبعتكم الى بيتى شقيت بكم ففرحت قليلا وحزنت طويلا فبقيت لا اقال ولا ارد فأستعتب
وقال سيف عن شيوخه قالوا وكانت العرب من العذيب الى عدن ابين يتربصون وقعة (7/46)
القادسية هذه يرون أن ثبات ملكهم وزواله بها وقد بعث اهل كل بلدة قاصدا يكشف ما يكون من خبرهم فلما كان ما كان من الفتح سبقت الجن بالبشارة الى اقصى البلاد قبل رسل الانس فسمعت امرأة ليلا بصنعاء على راس جبل وهى تقول ... فحييت عنا عكرم ابنة خالد ... وما خير زاد بالقليل المصرد ... وحييت عنى الشمس عند طلوعها ... وحييت عنى كل تاج مفرد ... وحيتك عنى عصبة نخعية ... حسان الوجوه آمنوا بمحمد ... اقاموا لكسرى يضربون حنوده ... بكل رقيق الشفرتين مهند ... اذا ثوب الداعي اناخوا بكلكل ... من الموت مسود الغياطل اجرد ...
قالوا وسمع اهل اليمامة مجتازا يغنى بهذه الابيات ... وجدنا الا كرمين بني تميم ... غداة الروع اكثرهم رجالا ... هموا ساروا بارعن مكفهر ... الى لجب يرونهم رعالا ... بحور لللاكاسر من رجال ... كاسد الغاب تحسبهم جبالا ... تركن لهم بقادس عز وفخر ... وبالخيفين اياما طوالا ... مقطعة اكفهم وسوق ... بمرد حيث قابلت الرجالا ...
قالوا وسمع ذلك في سائر بلاد العرب وقد كانت بلاد العراق بكاملها التي فتحها خالد نقضت العهود والذمم والمواثيق التى كانوا اعطوها لخالد سوى اهل بانقيا وبرسما واهل اليس والاخرة ثم عاد الجميع بعد هذه الواقعة التى اوردناها وادعوا ان الفرس اجبروهم على نقض العهود واخذوا منهم الخراج وغير ذلك فصدقوهم في ذلك تالفا لقلوبهم وسنذكر حكم اهل السواد في كتابنا الاحكام الكبير ان شاء الله تعالى وقد ذهب ابن اسحاق وغيره الى ان وقعة القادسية كانت في سنة خمس عشرة وزعم الواقدي انها كانت في سنة ستة عشرة واما سيف بن عمرو وجماعة فذكروها في سنة اربع عشرة وفيها ذكرها ابن جرير فالله اعلم
قال ابن جرير والواقدي في سنة اربع عشرة جمع عمر بن الخطاب الناس على ابي بن كعب في التراويح وذلك في شهر رمضان منها وكتب الى سائر الامصار يامرهم بالاجتماع في قيام شهر رمضان قال ابن جرير وفيها بعث عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان الى البصرة وامره ان ينزل فيها بمن معه من المسلمين وقطع مادة اهل فارس عن الذين بالمدائن ونواحيها منهم في قول المدائني وروايته قال وزعم سيف ان البصرة انما مصرت في ربيع من سنة ست عشرة وان عتبة بن غزوان انما خرج الى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد من جلولاء وتكريت وجهه اليها سعد بامر من عمر رضى الله عنهم (7/47)
وقال ابو مخنف عن مجالد عن الشعبي رضى الله عنهم ان عمر بعث عتبة بن غزوان الى ارض البصرة في ثلثمائة وبضعة عشر رجلا وسار اليه من الاعراب ما كمل معه خمسمائة فنزلها في ربيع الاول سنة اربع عشرة والبصرة يومئذ تدعى ارض الهند فيها حجارة بيض خشنة وجعل يرتاد لهم منزلا حتى جاؤا حيال الجسر الصغير فاذا فيه حلفا وقصب نابت فنزلوا فركب اليهم صاحب الفرات في اربعة الاف اسوار فالتقاه عتبة بعدما زالت الشمس وامر الصحابة فحملوا عليهم فقتلوا الفرس عن آخرهم واسروا صاحب الفرات وقام عتبة خطيبا فقال في خطبته ان الدنيا قد آدت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء وانكم منتقلون منها الى دار القرار فانتقلوا عما بحضرتكم فقد ذكر لي لو ان صخرة القيت من شفير جهنم هوت سبعين خريفا ولتملأنه او عجبتم ولقد ذكر لي ان ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة اربعين عاما ولياتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ولقد رايتني وانا سابع سبعة وانا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لنا طعام الا ورق السمر حتى تفرحت اشداقنا والتقطت بردة فشققتها بينى وبين سعد فما منا من اولئك السبعة من احد الا هو امير على مصر من الامصار وسيجربون الناس بعدنا وهذا الحديث في صحيح مسلم بنحو من هذا السياق
وروى على بن محمد المدائني ان عمر كتب الى عتبة بن غزوان حين وجهه الى البصرة يا عتبة اني استعملتك على ارض الهند وهى حومة من حومة العدو وارجو ان يكفيك الله ما حولها وان يعينك عليها وقد كتبت الى العلاء بن الحضرمي يمدك بعرفجة بن هرثمة فاذا قدم عليك فاستشره وقربه وادع الى الله فمن اجابك فاقبل منه ومن ابى فالجزية عن صغار وذلة والا فالسيف في غير هوادة واتق الله فيما وليت واياك ان تنازعك نفسك الى كبر فتفسد عليك اخرتك وقد صحبت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعززت بعد الذلة وقويت بعد الضعف حتى صرت اميرا مسلطا وملكا مطاعا نقول فيسمع منك وتامر فيطاع امرك فيالها نعمة اذا لم ترق فوق قدرك وتبطر على من دونك احتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية وهى اخوفهما عندي عليك ان يستدرجك ويخدعك فتسقط سقط فتصير بها الى جهنم اعيذك بالله ونفسي من ذلك ان الناس اسرعوا الى الله حتى رفعت لهم الدنيا فارادوها فأرد الله ولا ترد الدنيا واتق مصارع الظالمين
وقد فتح عتبة الابلة في رجب او شعبان من هذه السنة ولما مات عتبة بن غزوان في هذه السنة استعمل عمر على البصرة المغيرة بن شعبة سنتين فلما رمى بما رمى به عزله وولى عليها ابا موسى الاشعري رضى الله عنهم وفي هذه السنة ضرب عمر بن الخطاب ابنه عبيدالله في الشراب هو وجماعة معه وفيها ضرب ابا مجحن الثقفي في الشراب ايضا سبع مرات وضرب معه ربيعة بن امية بن (7/48)
خلف وفيها نزل سعد بن ابي وقاص الكوفة وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب قال وكان بمكة عتاب بن اسيد وبالشام ابو عبيدة وبالبحرين عثمان بن ابي العاص وقيل العلاء بن الحضرمي وعلى العراق سعد وعلى عمان حذيفة بن محصن
ذكرى من توفى في هذا العام من المشاهير
ففيها توفى سعد بن عبادة في قول والصحيح في التي قبلها والله اعلم عتبة بن غزوان بن جابر بن هيب المازني حليف بنى عبد شمس صحابي بدري واسلم قديما بعد سنة وهاجر الى ارض الحبشة وهو اول من اختط البصرة عن امر عمر في امراته له على ذلك كما تقدم وله فضائل ومآثر وتوفي سنة اربع عشرة وقيل سنة خمس عشرة وقيل سنة سبع عشرة وقيل سنة عشرين فالله اعلم وقد جاوز الخمسين وقيل بلغ ستين سنة رضى الله عنه عمرو بن أم مكتوم الاعمى ويقال اسمه عبدالله صحابي مهاجر هاجر بعد مصعب بن عمير قبل النبي صلى الله عليه و سلم فكان يقرىء الناس القرآن وقد استخلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم على المدينة غير مرة فيقال ثلاث عشرة مرة وشهد القادسية مع سعد زمن عمر فيقال انه قتل بها شهيدا ويقال انه رجع الى المدينة وتوفي بها والله اعلم المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان الشيباني نائب خالد على العراق وهو الذي صارت اليه الامرة بعد ابي عبيد يوم الجسر فدارى بالمسلمين حتى خلصهم من الفرس يومئذ وكان احد الفرسان الابطال وهو الذي ركب الى الصديق فحرضه على غزو العراق ولما توفي تزوج سعد بن ابي وقاص بامرأته سلمى بنت حفص رضى الله عنهما وارضاهما وقد ذكره ابن الاثير في كتابه الغابة في اسماء الصحابه ابو زيد الانصاري النجاري احد القراء الاربعة الذين حفظوا القرآن من الانصار في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم كما ثبت ذلك في حديث انس بن مالك وهم معاذ بن جبل وابي بن كعب وزيد بن ثابت وابو زيد قال انس احد عمومتى قال الكلبي واسم ابي زيد هذا قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حزم بن جندب بن غنم بن عدي بن النجار شهد بدرا قال بعض الناس أبو زيد الذي يجمع القرآن سعد بن عبيد وردوا هذا برواية قتادة موسى بن عقبة واستشهد يوم جسر ابى عبيد وهي عنده في سنة أربع عشرة وقال عن انس بن مالك قال افتخرت الاوس والخزرج فقالت الاوس منا غسيل الملائكة حنظلة بن ابي عامر ومنا الذى حمته الدبر عاصم بن ثابت بن ابي الافلح ومنا الذي اهتز له عرش الرحمن سعد بن معاذ ومنا الذي جعلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت فقالت الخزرج منا اربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ابي وزيد بن ثابت ومعاذ وابو زيد رضى الله عنهم اجمعين أبو عبيد بن (7/49)
مسعود بن عمر الثقفي والد المختار بن ابي عبيد امير العراق ووالد صفية امرأة عبدالله بن عمر اسلم ابو عبيد في حياة النبي صلى الله عليه و سلم وذكره الشيخ ابو عمر بن عبدالبر في الصحابة
قال شيخنا الحافظ ابو عبدالله الذهبي ولا يبعد ان يكون له رواية والله اعلم
ابو قحافة والد الصديق واسم ابي بكر الصديق عبدالله بن ابي قحافة عثمان بن عامر بن صخر ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب اسلم ابو قحافة عام الفتح فجاء به الصديق يقوده الى النبي صلى الله عليه و سلم فقال هلا اقررتم الشيخ في بيته حتى كنا نحن ناتيه تكرمه لابي بكر رضى الله عنه فقال بل هو احق بالسعي اليك يا رسول الله فاجلسه رسول الله صلى الله عليه و سلم بين يديه وراسه كالثغامة بياضا ودعا له وقال غيروا هذا الشيب بشىء وجنبوه السواد ولما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وصارت الخلافة الى الصديق اخبره المسلمون بذلك وهو بمكة فقال او أقرت بذلك بنو هاشم بنو مخزوم قالوا نعم ذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء ثم اصيب ابنه الصديق رضى الله عنه ثم توفي ابو قحافة في محرم وقيل في رجب سنة اربع عشرة بمكة عن اربع وسبعين سنة رحمه الله واكرم مثواه
وممن ذكر شيخنا ابو عبدالله الذهبي من المستشهدين في هذه السنة مرتبين على الحروف اوس بن اوس بن عتيك قتل يوم الجسر بشير بن عنبس بن يزيد الظفري احدى وهو ابن عم قتادة بن النعمان ويعرف بفارس الحواء اسم فرسه ثابت بن عتيك من بنى عمرو بن مبذول صحابي قتل يوم الجسر ثعلبة بن عمرو بن محصن النجاري بدري قتل يومئذ الحارث بن عتيك ابن النعمان النجاري شهد احدا قتل يومئذ الحارث بن مسعود بن عبدة صحابي أنصاري قتل يومئذ الحارث بن عدي بن مالك انصاري احدى قتل يومئذ خالد بن سعيد بن العاص قيل استشهد يوم مرج الصفر وكان في سنة اربع عشرة في قول خزيمة بن اوس الاشهلي قتل يوم الجسر ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب ارخ وفاته في هذه السنة ابن قانع زيد بن سراقة يوم الجسر سعد بن سلامة بن وقش الاشهلي سعد بن عبادة في قول سلمة بن اسلم بن حريش يوم الجسر ضمرة بن غزية يوم الجسر عباد وعبدالله وعبدالرحمن بنو مريع بن قيظي قتلوا يومئذ عبدالله بن صعصعه بن وهب الانصاري النجاري شهدا احدا وما بعدها قال ابن الاثير في الغابة وقتل يوم الجسر عتبة بن غزوان تقدم عقبة واخوه عبدالله حضرا الجسر مع ابيهما قيظي بن قيس وقتلا يومئذ العلاء الحضرمي توفي في هذه السنة في قول وقيل بعدها وسياتي عمرو بن ابي اليسر قتل يوم الجسر قيس بن السكن ابو زيد الانصاري رضى الله عنه تقدم المثنى بن حارثة الشيباني توفي في هذه السنة رحمه الله وقد تقدم نافع بن غيلان قتل يومئذ نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب (7/50)
وكان اسن من عمه العباس قيل انه توفي في هذه السنة والمشهور قبلها كما تقدم واقد بن عبدالله قتل يوم ( 1 ) يزيد بن قيس بن الخطيم الانصاري الظفري شهد احدا وما بعدها قتل يوم الجسر وقد اصابه يوم احد جراحات كثيرة وكان ابوه شاعرا مشهورا ابو عبيد بن مسعود الثقفي امير يوم الجسر وبه عرف لقتله عنده تخبطه الفيل حتى قتله رضى الله عنه بعدما قطع خرطومه بسيفه خرطومه كما تقدم ابو قحافة التيمي والد ابي بكر الصديق توفي في هذه السنة رضي الله عنه هند بنت عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس بن امية الاموية والدة معاوية بن ابي سفيان وكانت من سيدات نساء قريش ذات راي ودهاء ورياسة في قومها وقد شهدت يوم احد مع زوجها وكان لها تحريض على قتل المسلمين يومئذ ولما قتل حمزة مثلت به واخذت من كبده فلاكتها فلم تستطيع اساغتها لانه كان قد قتل اباها واخاها يوم بدر ثم بعد ذلك كله اسلمت وحسن اسلامها عام الفتح بعد زوجها بليلة ولما ارادات الذهاب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم لتبايعه استاذنت ابا سفيان فقال لها قد كنت بالامس مذكبة بهذا الامر فقالت والله ما رايت الله عبد حق عبادته بهذا المسجد قبل هذه الليلة والله لقد باتوا ليلهم كلهم يصلون فيه فقال لها انك قد فعلت ما فعلت فلا تذهبي وحدكي فذهبت الى عثمان ابن عفان ويقال الى اخيها ابي حذيفة بن عتبة فذهب معها فدخلت وهي متنقبة فلما بايعها رسول الله صلى الله عليه و سلم مع غيرها من النساء قال على ان لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين فقالت او تزنى الحرة ولا تقتلن اولادكن قالت قد ربيناهم صغارا نقتلهم كبارا فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا ياتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وارجلهن ولا يعصينك فبادرت وقالت في معروف فقال في معروف وهذا من فصاحتها وحزمها وقد قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم والله يا محمد ما كان على ظهر الارض اهل خباء احب الى من ان يذلوا من اهل خبائك فقد والله اصبح اليوم وما على ظهر اللارض من اهل خباء احب الى من ان يعزوا من اهل خبائك فقال وكذلك والذي نفسي بيده وشكت من شح ابي سفيان فامرها ان تاخذ ما يكفيها ويكفي بنيها بالمعروف وقصتها مع الفاكه بن المغيرة مشهورة وقد شهدت اليرموك مع زوجها ووماتت يوم مات ابو قحافة في سنة اربع عشرة وهى ام معاوية بن ابي سفيان
ثم دخلت سنة خمس عشرة
قال ابن جرير قال بعضهم فيها مصر سعد بن ابي وقاص الكوفة دلهم عليها ابن بقيلة قال لسعد ادلك على ارض ارتفعت عن البق وانحدرت عن الفلاة فدلهم على موضع الكوفة اليوم قال وفيها كانت وقعة مرج الروم وذلك لما انصرف ابو عبيدة وخالد من وقعة فحل قاصدين الى حمص حسب (7/51)
ما امر به امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه كما تقدم في رواية سيف بن عمر فسارا حتى نزلا على ذي الكلاع فبعث هرقل بطريقا يقال له توذرا في جيش معه فنزل بمرج دمشق وغربها وقد هجم الشتاء فبدأ ابو عبيد بمرج الروم وجاء امير اخر من الروم يقال له شنس وعسكر معه كثيف فنازله ابو عبيدة فاشتغلوا به عن توذرا فسار توذرا نحو دمشق لينازلها وينتزعها من يزيد ابن ابي سفيان فاتبعه خالد بن الوليد وبرر اليه يزيد بن ابي سفيان من دمشق فاقتتلوا وجاء خالد وهم في المعركة فجعل يقتلهم من ورائهم ويزيد يفصل فيهم من امامهم حتى أناموهم ولم يفلت منهم الا الشارد وقتل خالد توذرا واخذوا من الروم اموالا عظيمة فاقتسماها ورجع يزيد الى دمشق وانصرف خالد الى ابي عبيدة فوجده قد واقع شنس بمرج الروم فقاتلهم فيه مقاتلة عظيمة حتى انتنت الارض من زهمهم وقتل ابو عبيدة شنس وركبوا اكتافهم الى الى حمص فنزل عليها يحاصرها
وقعة حمص الاولى
لما وصل ابو عبيدة في اتباعه الروم المنهزمين الى حمص نزل حولها يحاصرها ولحقه خالد بن الوليد فحاصروها حصارا شديدا وذلك في زمن البرد الشديد وصابر اهل البلد رجاء ان يصرفهم عنهم شدة البرد وصبر الصحابة صبرا عظيما بحيث انه ذكر غير واحد ان من الروم من كان يرجع وقد سقطت رجله وهي في الخف والصحابة ليس في ارجلهم شىء سوى النعال ومع هذا لم يصب منهم قدم ولا اصبع ايضا ولم يزالوا كذلك حتى انسلخ فصل الشتاء فاشتد الحصار واشار بعض كبار اهل حمص عليهم بالمصافحة فابوا عليه ذلك وقالوا انصالح والملك منا قريب فيقال إن الصحابة كبروا في بعض الايام تكبيرة ارتجت منها المدينة حتى تفطرت منها بعض الجدران ثم تكبيرة اخرى فسقطت بعض الدور فجاءت عامتهم الى خاصتهم فقالوا الا تنظرون الى ما نزل بنا وما نحن فيه الا تصالحون القوم عنا قال فصالحوهم على ما صالحوا عليه اهل دمشق على نصف المنازل وضرب الخراج على الاراضي واخذ الجزية على الرقاب بحسب الغني والفقر وبعث ابو عبيدة بالاخماس والبشارة الى عمر مع عبدالله بن مسعود وانزل ابو عبيدة بجمص جيشا كثيفا يكون بها مع جماعة من الامراء منهم بلال والمقداد وكتب ابو عبيدة الى عمر يخبره بان هرقل قد قطع الماء الى الجزيرة وانه يظهر تارة ويخفى اخرى فبعث اليه عمر يامره بالمقام ببلده وقعة قنسرين لما فتح ابو عبيدة حمص بعث خالد بن الوليد الى قنسرين فلما جاءها ثار اليه اهلها ومن عندهم من نصارى العرب فقاتلهم خالد فيها قتالا شديدا وقتل منهم خلقا كثيرا فاما من هناك من الروم فابادهم وقتل اميرهم ميتاس واما الاعراب فانهم اعتذروا اليه بان هذا القتال لم يكن عن راينا (7/52)
فقبل منهم خالد وكف عنهم ثم خلص الى البلد فتحصنوا فيه فقال لهم خالد انكم لو كنتم في السحاب لحملنا الله اليكم او لانزلكم الينا ولم يزل بهم حتى فتحها الله عليه ولله الحمد
فلما بلغ عمر ما صنعه خالد في هذه الوقعة قال يرحم الله ابا بكر كان اعلم بالرجال مني والله اني لم اعزله عن ريبة ولكن خشيت ان يوكل الناس اليه وفي هذه السنة تقهقر هرقل بجنوده وارتحل عن بلاد الشام الى بلاد الروم هكذا ذكره ابن جرير عن محمد بن اسحاق قال قال سيف كان ذلك في سنة ست عشرة قالوا وكان هرقل كلما حج الى بيت المقدس وخرج منها يقول عليك السلام يا سورية تسليم مودع لم يقض منك وطرا وهو عائد فلما عزم على الرحيل من الشام وبلغ الرها طلب من اهلها ان يصحبوه الى الروم فقالوا ان بقاءنا هاهنا انفع لك من رحيلنا معك فتركهم فلما وصل الى شمشان وعلا على شرف هنالك التفت الى نحو بيت المقدس وقال عليك السلام يا سورية سلاما لا اجتماع بعده الا ان اسلم عليكم تسليم المفارق ولا يعود اليك رومى ابدا الا خائفا حتى يولد المولود المشؤوم وياليته لم يولد ما احلى فعله وامر عاقبته على الروم ثم سار هرقل حتى نزل القسطنطينية واستقر بها ملكه وقد سال رجلا ممن اتبعه كان قد اسر مع المسلمين فقال اخبرني عن هؤلاء القوم فقال اخبرك كانك تنظر اليهم هم فرسان بالنهار رهبان بالليل لا ياكلون في ذمتهم الا بثمن ولا يدخلون الا بسلام يقفون على من حاربوه حتى ياتوا عليه فقال لئن كنت صدقتنى ليملكن موضع قدمي هاتين
قلت وقد حاصر المسلمون قسطنطينية في زمان بنى امية فلم يملكوها ولكن سيملكها المسلمون في اخر الزمان كما سنبينه في كتاب الملاحم وذلك قبل خروج الدجال بقليل على ما صحت به الاحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صحيح مسلم وغيره من الائمة والله الحمد والمنة
وقد حرم الله على الروم ان يملكوا بلاد الشام برمتها الى اخر الدهر كما ثبت به الحديث في الصحيحين عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا هلك كسرى فلا كسرى بعده واذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز و جل وقد وقع ما اخبر به صلوات الله وسلامه عليه كما رايت وسيكون ما اخبر به جزما لا يعود ملك القياصره الى الشام ابدا لان قيصر علم جنس عند العرب يطلق على كل من ملك الشام مع بلاد الروم فهذا لا يعود لهم ابدا
وقعة قيسارية
قال ابن جرير وفي هذه السنة امر عمر معاوية بن ابي سفيان على قيسارية وكتب اليه اما بعد فقد وليتك قيسارية فسر اليها واستنصر الله عليهم واكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله (7/53)
العلي العظيم الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير فسار اليها فحاصرها وزاحفه اهلها مرات عديدة وكان اخرها وقعة ان قاتلوا قتالا عظيما وصمم عليهم معاوية واجتهد في القتال حتى فتح الله عليه فما انفصل الحال حتى قتل منهم نحوا من ثمانين الفا وكمل المائة الألف من الذين انهزموا عن المعركة وبعث بالفتح والاخماس الى امير المؤمنين عمر رضى الله عنه
قال ابن جرير وفيها كتب عمر بن الخطاب الى عمر بن العاص بالمسير الى ايليا ومناجزة صاحبها فاجتاز في طريقه عندالرملة بطائفة من الروم فكانت
وقعة اجنادين
وذلك انه سار بجيشه وعلى ميمنته ابنه عبدالله بن عمرو وعلى ميسرته جنادة بن تميم المالكي من بنى مالك بن كنانة ومعه شرحبيل بن حسنة واستخلف على الاردن ابا الاعور السلمي فلما وصل الى الرملة وجد عندها جمعا من الروم عليهم الارطبون وكان ادهى الروم وابعدها غورا وانكاها فعلا وقد كان وضع بالرملة جندا عظيما وبايلياء جندا عظيما فكتب عمرو الى عمر بالخبر فلما جاءه كتاب عمرو قال قد رمينا ارطبون الروم بأرطبون العرب فانظروا عما تنفرج وبعث إيلياء وأبا أيوب المالكي إلى الرملة وعليها التذارق فكانوا بإزائهم ليشغلوهم عن عمرو بن العاص وجيشه وجعل عمرو كلما قدم عليه امدادا من جهة عمر عمرو بن العاص علقمة بن حكيم الفراسي ومسروق بن بلال العكي على قتال أهل يبعث منهم طائفة الى هؤلاء وطائفة الى هؤلاء واقام عمرو على اجنادين لا يقدر من الارطبون على سقطة ولا تشفيه الرسل فوليه بنفسه فدخل عليه كانه رسول فابلغه ما يريد وسمع كلامه وتامل حضرته حتى عرف ما اراد وقال الارطبون في نفسه والله ان هذا لعمرو أو انه الذي ياخذ عمر برايه وما كنت لاصيب القوم بامر هو اعظم من قتله فدعا حرسيا فساره فامره بفتكه فقال اذهب فقم في مكان كذا وكذا فاذا مر بك فاقتله ففطن عمرو ابن العاص فقال للارطبون ايها الامير اني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي واني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالي لنشهد اموره وقد احببت ان آتيكم بهم ليسمعوا كلامك ويروا ما رايت فقال الارطبون نعم فاذهب فاتني بهم ودعا رجلا فساره فقال اذهب الى فلان فرده وقام عمرو فذهب الى جيشه ثم تحقق الارطبون انه عمرو بن العاص فقال خدعني الرجل هذا والله ادهى العرب وبلغت عمر بن الخطاب فقال لله در عمرو ثم ناهضه عمرو فاقتتلوا باجنادين قتالا عظيما كقتال اليرموك حتى كثرت القتلى بينهم ثم اجتمعت بقية الجيوش الى عمرو ابن العاص وذلك حين اعياهم صاحب ايليا وتحصن منهم بالبلد وكثر جيشه فكتب الارطبون الى عمرو بأنك صديقي ونظيري انت في قومك مثلي في قومي والله لا تفتح من فلسطين شيئا بعد (7/54)
اجنادين فارجع ولا تغر فتلقى مثل ما لقي الذي قبلك من الهزيمة فدعا عمرو رجلا يتكلم بالرومية فبعثه الى ارطبون وقال اسمع ما يقول لك ثم ارجع فاخبرني وكتب اليه معه جاءني كتابك وانت نظيري ومثلي في قومك لو اخطاتك خصلة تجاهلت فضيلتي وقد علمت اني صاحب فتح هذه البلاد واقرا كتابي هذا بمحضر من اصحابك ووزرائك فلما وصله الكتاب جمع وزراءه وقرا عليهم الكتاب فقالوا للارطبون من اين علمت انه ليس بصاحب فتح هذه البلاد فقال صاحبها رجل اسمه على ثلاثة احرف فرجع الرسول الى عمرو فاخبره بما قال فكتب عمرو الى عمر يستمده ويقول له انى اعالج حربا كؤدا صدوما وبلادا ادخرت لك فرايك فلما وصل الكتاب الى عمر علم ان عمرا لم يقل ذلك الا لامر علمه فعزم عمر على الدخول الى الشام لفتح بيت المقدس كما سنذكر تفصيله
قال سيف بن عمر عن شيوخه وقد دخل عمر الشام اربع مرات الاولى كان راكبا فرسا حين فتحت بيت المقدس والثانية على بعير والثالثة وصل الى سرع ثم رجع لاجل ما وقع بالشام من الوباء والرابعة دخلها على حمار هكذا نقله ابن جرير عنه
فتح بيت المقدس على يدي عمر بن الخطاب
ذكره ابو جعفر بن جرير في هذه السنة عن رواية سيف بن عمر وملخص ما ذكره هو وغيره ان ابا عبيدة لما فرغ من دمشق كتب الى اهل ايليا يدعوهم الى الله والى الاسلام او يبذلون الجزية او يؤذنون بحرب فابوا ان يجيبوا الى ما دعاهم اليه فركب اليهم في حنوده واستخلف على دمشق سعيد بن زيد ثم حاصر بيت المقدس وضيق عليهم حتى اجابوا الى الصلح بشرط ان يقدم اليهم امير المؤمنين عمر بن الخطاب فكتب اليه ابو عبيدة بذلك فاستشار عمر الناس في ذلك فاشار عثمان بن عفان بان لا يركب اليهم ليكون احقر لهم وارغم لانوفهم واشار علي بن ابي طالب بالمسير اليهم ليكون اخف وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم فهوى ما قال علي ولم يهو ما قال عثمان وسار بالجيوش نحوهم واستخلف على المدينة علي بن ابي طالب وسار العباس بن عبدالمطلب على مقدمته فلما وصل الى الشام تلقاه ابو عبيدة ورؤس الامراء كخالد بن الوليد ويزيد بن ابي سفيان فترجل ابو عبيدة وترجل عمر فاشار ابو عبيدة ليقبل يد عمر فهم عمر بتقبيل رجل ابي عبيدة فكف ابو عبيدة فكف عمر ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس واشترط عليهم اجلاء الروم الى ثلاث ثم دخلها اذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الاسراء ويقال انه لبى حين دخل بيت المقدس فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد فقرأ في الاولى بسورة ص وسجد فيها والمسلمون معه وفي الثانية بسورة بني اسرائيل ثم جاء الى الصخرة (7/55)
فاستدل على مكانها من كعب الاحبار واشار عليه كعب ان يجعل المسجد من ورائه فقال ضاهيت اليهودية ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس وهو العمري اليوم ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائة ونقل المسلمون معه في ذلك وسخر اهل الاردن في نقل بقيتها وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لانها قبلة اليهود حتى ان المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة وهى المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلاجل ذلك سمى ذلك الموضع القمامة وانسحب الاسم على الكنيسة التى بناها النصارى هنالك
وقد كان هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو بايلياء وعظ النصارى فيما كانوا قد بالغوا في القاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت الى محراب داود قال لهم انكم لخليق ان تقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد كما قتلت بنو اسرائيل على دم يحيى بن زكريا ثم امروا بازالتها فشرعوا في ذلك فما ازالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون فازالها عمر بن الخطاب وقد استقصى هذا كله باسانيده ومتونه الحافظ بهاء الدين بن الحافظ ابي القاسم بن عساكر في كتابه المستقصى في فضائل المسجد الاقصى
وذكر سيف في سياقه ان عمر رضى الله عنه ركب من المدينة على فرس ليسرع السير بعد ما استخلف عليها علي بن ابي طالب فسار حتى قدم الجابية فنزل بها وخطب بالجابية خطبة طويلة بليغة منها ايها الناس اصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم واعملوا لآخرتكم تكفوا امر دنياكم واعلموا ان رجلا ليس بينه وبين آدم اب حي ولا بينه وبين الله هوادة فمن اراد لحب طريق وجه الجنة فليلزم الجماعة فان الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين ابعد ولا يخلون احدكم بامرأة فان الشيطان ثالثهما ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن وهي خطبة طويلة اختصرناها ثم صالح عمر اهل الجابية ورحل الى بيت المقدس وقد كتب الى امراء الاجناد ان يوافوه في اليوم الفلاني الى الجابية فتوافوا أجمعون في ذلك اليوم الى الجابية فكان اول من تلقاه يزيد بن ابي سفيان ثم ابو عبيدة ثم خالد بن الوليد في خيول المسلمين وعليهم يلامق الديباج فسار اليهم عمر ليحصبهم فاعتذروا اليه بان عليهم السلاح وانهم يحتاجون اليه في حروبهم فسكت عنهم واجتمع الامراء كلهم بعدما استخلفوا على اعمالهم سوى عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة فانهما مواقفان الارطبون باجنادين فينما عمر في الجالبية اذا بكردوس من الروم بايديهم سيوف مسللة فسار اليهم المسلمون بالسلاح فقال عمر ان هؤلاء قوم يستامنون فساروا نحوهم فاذا هم جند من بيت المقدس يطلبون الامان والصلح من امير المؤمنين حين سمعوا بقدومه فاجابهم عمر رضى الله عنه الى ما سالوا وكتب لهم كتاب امان (7/56)
ومصالحة وضرب عليهم الجزية واشترط عليهم شروطا ذكرها ابن جرير وشهد في الكتاب خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبدالرحمن بن عوف ومعاوية بن ابي سفيان وهو كاتب الكتاب وذلك سنة خمس عشرة ثم كتب لاهل لد ومن هنالك من الناس كتابا آخر وضرب عليهم الجزية ودخلوا فيما صالح عليه اهل ايلياء وفر الارطبون الى بلاد مصر فكان بها حتى فتحها عمرو بن العاص ثم فر الى البحر فكان يلي بعض السرايا الذين يقاتلون المسلمين فظفر به رجل من قيس فقطع يد القيسي وقتله القيسي وقال في ذلك ... فان يكن ارطبون الروم افسدها ... فان فيها بحمد الله منتفعا ... وان يكن ارطبون الروم قطعها ... فقد تركت بها او صالة قطعا ...
ولما صالح اهل الرملة وتلك البلاد اقبل عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة حتى قدما الجابية فوجد امير المؤمنين عمر بن الخطاب راكبا فلما اقتربا منه اكبا على ركبتيه فقبلاها واعتنقهما عمر معا رضى الله عنهم قال سيف ثم سار عمر الى بيت المقدس من الجابية وقد توحى فرسه فاتوه ببرذون فركبه فجعل يهملج به فنزل عنه وضرب وجهه وقال لا علم الله من علمك هذا من الخيلاء ثم لم يركب برذونا قبله ولا بعده ففتحت ايلياء وارضها على يديه ماخلا اجنادين فعلى يدي عمرو وقيسارية فعلى يدي معاوية هذا سياق سيف بن عمر وقد خالفه غيره من ائمة السير فذهبوا الى ان فتح بيت المقدس كان في سنة ست عشرة
قال محمد بن عائذ عن الوليد بن مسلم عن عثمان بن حصن بن علان قال يزيد بن عبيدة فتحت بيت المقدس سنة ست عشرة وفيها قدم عمر بن الخطاب الجابية وقال ابو زرعة الدمشقي عن دحيم عن الوليد ين مسلم قال ثم عاد في سنة سبع عشرة فرجع من سرع ثم قدم سنة ثماني عشرة فاجتمع اليه الامراء وسلموا اليه ما اجتمع عندهم من الاموال فقسمها وجند الاجناد ومصر الامصار ثم عاد الى المدينة
وقال يعقوب بن سفيان ثم كان فتح الجابية وبيت المقدس سنة ست عشرة وقال ابو معشر ثم كان عمواس والجابية في سنة ست عشرة ثم كانت سرع في سبع عشرة ثم كان عام الرمادة في سنة ثماني عشرة قال وكان فيها طاعون عمواس يعني فتح البلدة المعروفة بعمواس فاما الطاعون المنسوب اليها فكان في سنة ثماني عشرة كما سياتي قريبا ان شاء الله تعالى
قال ابو مخنف لما قدم عمر الشام فراى غوطة دمشق ونظر الى المدينة والقصور والبساتين تلا قوله تعالى كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك واورثناها قوما آخرين ثم انشد قول النابغة (7/57)
هما فتيا دهر يكر عليهما ... نهار وليل يلحقان التواليا ... اذا ما هما مرا بحي بغبطة ... اناخا بهم حتى يلاقوا الدواهيا ...
وهذا يقتضى بادى الراى انه دخل دمشق وليس كذلك فانه لم ينقل احد انه دخلها في شىء من قدماته الثلاث الى الشام اما الاولى وهى هذه فانه سار من الجابية الى بيت المقدس كما ذكر سيف وغيره والله اعلم وقال الواقدي اما رواية غير اهل الشام فهى ان عمر دخل الشام مرتين ورجع الثالثة من سرع سنة سبع عشرة وهم يقولون دخل في الثالثة دمشق وحمص وانكر الواقدي ذلك
قلت ولا يعرف انه دخل دمشق الا في الجاهلية قبل اسلامه كما بسطنا ذلك في سيرته وقد روينا ان عمر حين دخل بيت المقدس سال كعب الاحبار عن مكان الصخرة فقال يا امير المؤمنين اذرع من وادي جهنم كذا وكذا ذراعا فهي ثم فذرعوا فوجدوها وقد اتخذها النصارى مزبلة كما فعلت اليهود بمكان القمامة وهو المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي شبه بعيسى فاعتقدت النصارى واليهود انه المسيح وقد كذبوا في اعتقادهم هذا كما نص الله نص الله تعالى على خطئهم في ذلك والمقصود ان النصارى لما حكموا على بيت المقدس قبل البعثة بنحو من ثلثمائة سنة طهروا مكان القمامة واتخذوه كنيسة هائلة بنتها ام الملك قسطنطين باني المدينة المنسوبة اليه واسم امه هيلانة الحرانية البندقانية وامرت ابنها فبنى للنصارى بيت لحم على موضع الميلاد وبنت هي على موضع القبر فيما يزعمون والغرض انهم اتخذوا مكان قبلة اليهود مزبلة ايضا في مقابلة ما صنعوا في قديم الزمان وحديثه فلما فتح عمر بيت المقدس وتحقق موضع الصخرة امر بازالة ما عليها من الكناسة حتى قيل انه كنسها بردائه ثم استشار كعبا اين يضع المسجد فاشار عليه با يجعله وراء الصخرة فضرب في صدره وقال يا ابن أم كعب ضارعت اليهود وامر ببنائه في مقدم بيت المقدس
قال الامام احمد حدثنا اسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة عن ابي سنان عن عبيد بن آدم وابي مريم وابي شعيب ان عمر بن الخطاب كان بالجابية فذكر فتح بيت المقدس قال قال ابن سلمة فحدثنى ابو سنان عن عبيد بن آدم سمعت عمر يقول لكعب اين ترى ان اصلى قال ان اخذت عنى صليت خلف الصخرة وكانت القدس كلها بين يديك فقال عمر ضاهيت اليهودية لا ولكن اصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فتقدم الى القبلة فصلى ثم جاء فبسط ردائه وكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس وهذا اسناد جيد اختاره الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه المستخرج وقد تكلمنا على رجاله في كتابنا الذي افردناه في مسند عمر ما رواه من الاحاديث المرفوعة وما روى عنه من الاثار الموقوفة مبوبا على ابواب الفقه ولله الحمد والمنة
وقد روى سيف بن عمر عن شيوخه عن سالم قال لما دخل عمر الشام تلقاه رجل من يهود دمشق (7/58)
فقال السلام عليك يا فاروق انت صاحب ايلياء لا هالله لا ترجع حتى يفتح الله عليك ايلياء وقد روى احمد بن مروان الدينوري عن محمد بن عبدالعزيز عن ابيه عن الهيثم بن عدي عن اسامة ابن يزيد بن اسلم عن ابيه عن جده اسلم مولى عمر بن الخطاب انه قدم دمشق في تجار من قريش فلما خرجوا تخلف عمر لبعض حاجته فينما هو في البلد اذا ببطريق ياخذ بعنقه فذهب ينازعه فلم يقدر فادخله دارا فيها تراب وفاس ومجرفة وزنبيل وقال له حول هذا من ههنا الى ههنا وغلق عليه الباب وانصرف فلم يجىء الى نصف النهار قال وجلست مفكرا ولم افعل مما قال لي شيئا فلما جاء قال مالك لم تفعل ولكمنى في راسي بيده قال فاخذت الفاس فضربته بها فقتلته وخرجت على وجهى فجئت ديرا لراهب فجلست عنده من العشي فاشرف على فنزل وادخلني الدير فاطعمي وسقاني واتحفنى وجعل يحقق النظر في وسالنى عن امري فقلت اني ضللت اصحابي فقال انك لتنظر بعين خائف وجعل يتوسمنى ثم قال لقد علم اهل دين النصرانية انى اعلمهم بكتابهم وانى لاراك الذي تخرجنا من بلادنا هذه فهل لك ان تكتب لي كتاب امان على ديري هذا فقلت يا هذا لقد ذهبت غير مذهب فلم يزل بي حتى كتبت له صحيفة بما طلب منى فلما كان وقت الانصراف اعطاني اتانا فقال لى اركبها فاذا وصلت الى اصحابك فابعث الى بها وحدها فانها لا تمر بدير الا اكرموها ففعلت ما امرني به فلما قدم عمر لفتح بيت المقدس اتاه ذلك الراهب وهو بالجابية بتلك الصحيفة فامضاها له عمر واشترط عليه ضيافة من يمر به من المسلمين وان من يرشدهم الى الطريق رواه ابن عساكر وغيره وقد ساقه ابن عساكر من طريق اخرى في ترجمة يحيى بن عبيد الله بن اسامة القرشي البلقاوي عن زيد بن اسلم عن ابيه فذكر حديثا طويلا عجيبا هذ بعضه وقد ذكرنا الشروط العمرية على نصارى الشام مطولا في كتابنا الاحكام وافردنا له مصنفا على حدة ولله الحمد والمنة
وقد ذكرنا خطبته في الجابية بالفاظها واسانيدها في الكتاب الذي افردناه لمسند عمر وذكرنا تواضعه في دخوله الشام في السيرة التى افردناها له
وقال ابو بكر بن ابي الدنيا حدثني الربيع بن ثعلب نا ابو اسماعيل المؤدب عن عبدالله بن مسلم ابن هرمز المكي عن ابي الغالية الشامي قال قدم عمر بن الخطاب الجابية على طريق ايلياء على جمل اورق تلوح صلعته للشمس ليس عليه قلنسوة ولا عمامة تصطفق رجلاه بين شعبتي الرحل بلا ركاب وطاؤه كساء انبجاني ذو صوف هو وطاؤه اذا ركب وفراشه اذا نزل حقيبته نمرة او شملة محشوة ليفا هي حقيبته اذا ركب ووسادته اذ نزل وعليه قميص من كرابيس قد رسم وتخرق جنبه فقال ادعوا لي راس القوم فدعوا له الجلومس فقال اغسلوا قميصي وخيطوه واعيروني ثوبا او قميصا (7/59)
فاتى بقميص كتان فقال ما هذا قالوا كتان قال وما الكتان فاخبروه فنزع قميصه فغسل ورقع واتى به فنزع قميصهم ولبس قميصه فقال له الجلومس انت ملك العرب وهذه البلاد لا تصلح بها الابل فلو لبست شيئا غير هذا وركبت برذونا لكان ذلك اعظم في اعين الروم فقال نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فلا نطلب بغير الله بديلا فاتى ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل فركبه بها فقال احبسوا احبسوا ما كنت ارى الناس يركبون الشيطان قبل هذا فاتى بجمله فركبه
وقال اسماعيل بن محمد الصفار حدثنا سعدان بن نصر حدثنا سفيان عن ايوب الطائي عن قيس ابن مسلم عن طارق بن شهاب قال لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع موقيه فامسكهما بيده وخاض الماء ومعه بعيره فقال له ابو عبيدة قد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند اهل الارض صنعت كذا وكذا قال فصك في صدره وقال اولو غيرك يقولها يا ابا عبيدة انكم كنتم اذل الناس واحقر الناس واقل الناس فاعزكم الله بالاسلام فمهما تطلبوا العز بغير يذلكم الله
قال ابن جرير وفي هذه السنة اعنى سنة خمس عشرة كانت بين المسلمين وفارس وقعات في قول سيف بن عمر وقال ابن اسحاق والواقدي انما كان ذلك في سنة ست عشرة ثم ذكر ابن جرير وقعات كثيرة كانت بينهم وذلك حين بعث عمر بن الخطاب الى سعد بن ابي وقاص يامره بالمسير الى المدائن وان يخلف النساء والعيال بالعقيق في خيل كثيرة كثيفة فلما تفرغ سعد من القادسية بعث على المقدمة زهرة بن حوية ثم اتبعه بالامراء واحدا بعد واحدا ثم سار في الجيوش وقد جعل هاشم بن عتبة بن ابي وقاص على خلافته مكان خالد بن عرفطة وجعل خالدا هذا على الساقة فساروا في خيول عظيمة وسلاح كثير وذلك لايام بقين من شوال من هذه في جيش من فارس فهزمهم زهرة وذهبت الفرس في هريمتهم الى بابل وبها جمع كثير السنة فنزلوا الكوفة وارتحل زهرة بين أيديهم نحو المدائن فلقيه بها يصبهرى ممن انهزم يوم القادسية قد جعلوا عليهم الفيرزان فبعث زهرة الى سعد فاعلمه باجتماع المنهزمين ببابل فسار سعد بالجيوش الى بابل فتقابل هو الفيرزان عند بابل فهزمهم كاسرع من لفة الرداء وانهزموا بين يديه فرقتين فرقة ذهبت الى المدائن واخرى سارت الى نهاوند واقام سعد ببابل اياما ثم سار منها نحو المدائن فلقوا جمعا آخر من الفرس فاقتتلوا قتالا شديدا وبارزوا امير الفرس وهو شهريار فبرز اليه رجل من المسلمين يقال له نائل الاعرجي ابو نباتة من شجعان تميم فتجاولا ساعة بالرماح ثم القياها فانتصبا سيفيهما وتصاولا بهما ثم تعانقا وسقطا عن فرسيهما الى الارض فوقع شهريار على صدر أبي نباتة واخرج خنجرا ليذبحه بها فوقعت اصبعه في فم ابي نباتة فقضمها حتى شغله عن نفسه واخذ الخنجر فذبح شهريار بها واخذ (7/60)
فرسه وسواريه وسبله وانكشف اصحابه فهزموا فأقسم سعد على نائل ليلبس سواري شهريار وسلاحه وليركبن فرسه اذا كان حرب فكان يفعل ذلك قالوا وكان اول من تسور بالعراق وذلك بمكان يقال له كوثى وزار المكان الذي حبس فيه الخليل وصلى عليه وعلى سائر الانبياء وقرأ وتلك الايام نداولها بين الناس الآية
وقعة نهر شير ( )
قالوا ثم قدم سعد زهرة بين يديه من كوثى الى نهر شير فمضى الى المقدمة وقد تلقاه شيرزاذ الى ساباط بالصلح والجزية فبعثه الى سعد فامضاه ووصل سعد بالجنود الى مكان يقال له مظلم ساباط فوجدوا هنالك كتائب كثيرة لكسرى يسمونها بوران وهم يقسمون كل يوم لا يزول ملك فارس ما عشنا ومعهم اسد كبير لكسرى يقال له المقرط قد ارصدوه في طريق المسلمين فتقدم اليه ابن اخي سعد وهو هاشم بن عتبة فقتل الاسد والناس ينظرون وسمي يومئذ سيفه المتين ( 2 ) وقبل سعد يومئذ راس هاشم وقبل هاشم قدم سعد وحمل هاشم على الفرس فازالهم عن اماكنهم وهزمهم وهو يتلو قوله تعالى اولم تكونوا اقسمتم من قبل مالكم من زوال فلما كان الليل ارتحل المسلمون ونزلوا نهر شير فجعلوا كلما وقفوا كبروا وكذلك حتى كان آخرهم مع سعد فاقاموا بها شهرين ودخلوا في الثالث وفرغت وفرغت السنة
قال ابن جرير وفيها حج بالناس عمر وكان عامله فيها على مكة عتبة بن اسيد وعلى الشام ابو عبيدة وعلى الكوفة والعراق سعد وعلى الطائف يعلي بن امية ( 2 ) وعلى البحرين واليمامة عثمان بن ابي العاص وعلى عمان حذيفة بن حصين
بن سعد وابن لهيعة وابي معشر والوليد بن قلت وكانت وقعة اليرموك في سنة خمس عشرة في رجب منها عند الليث مسلم ويزيد بن عبيدة وخليفة بن خياط وابن الكلبي ومحمد بن عائذ وابن عساكر وشيخنا ابي عبدالله الذهبي الحافظ واما سيف بن عمر وابو جعفر بن جرير فذكروا وقعة اليرموك في سنة ثلاث عشرة وقد قدمنا ذكرها هنالك تبعا لابن جرير وهكذا وقعة القادسية عند بعض الحفاظ انها كانت في اواخر هذه السنة سنة خمس عشرة وتبعهم في ذلك شيخنا الحافظ الذهبي والمشهور انها كانت في سنة اربع عشرة كما تقدم ثم ذكر شيخنا الذهبي من توفي هذه السنة مرتبين على الحروف سعد بن عبادة الانصاري الخزرجي وهو احد اقوال المؤرخين وقد تقدم سعد بن عبيد بن (7/61)
النعمان ابو زيد الانصاري الاوسي قتل بالقادسية ويقال انه ابو زيد القارى احد الاربعة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وانكر آخرون ذلك ويقال انه والد عمير بن سعد الزاهد امير حمص وذكر محمد بن سعد وفاته بالقادسية وقال كانت سنة ست عشرة والله اعلم سهيل بن عمرو بن عبدشمس بن عبدود بن نصر بن حسل بن عامر بن لؤي ابو يزيد العامري احد خطباء قريش واشرافهم اسلم يوم الفتح وحسن اسلامه وكان سمحا جوادا فصيحا كثير الصلاة والصوم والصدقة وقراءة القرآن والبكاء ويقال انه قام وصام حتى شحب لونه وله سعي مشكور في صلح الحديبية ولما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب الناس بمكة خطبة عظيمة تثبت الناس على الاسلام وكانت خطبته بمكة قريبا من خطبة الصديق بالمدينة ثم خرج في جماعة الى الشام مجاهدا فحضر اليرموك وكان اميرا على بعض الكراديس ويقال انه استشهد يومئذ وقال الواقدي والشافعي توفي بطاعون عمواس عامر بن مالك بن اهيب الزهري اخي سعد بن ابي وقاص هاجر الى الحبشة وهو الذي قدم بكتاب عمر الى ابي عبيدة بولايته على الشام وعزل خالد عنها واستشهد يوم اليرموك عبدالله بن سفيان بن عبد الاسد المخزومي صحابي هاجر الى الحبشة مع عمه ابي سلمة بن عبد الاسد روى عنه عمرو بن دينار منقطعا لانه قتل يوم اليرموك عبدالرحمن بن العوام اخو الزبير ابن العوام حضر بدرا مشركا ثم اسلم واستشهد يوم اليرموك في قول عتبة بن غزوان توفي فيها في قول عكرمة بن ابي جهل استشهد باليرموك في قول عمرو بن ام مكتوم استشهد يوم القادسية وقد تقدم ويقال بل رجع الى المدينة عمرو بن الطفيل بن عمرو تقدم عامر بن ابي ربيعة تقدم فراس بن النضر بن الحارث يقال استشهد يوم اليرموك قيس بن عدي بن سعد بن سهم من مهاجرة الحبشة قتل باليرموك قيس بن ابي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف الانصاري المازني شهد العقبة وبدرا وكان احد امراء الكراديس يوم اليرموك وقتل يومئذ وله حديث قال قلت يا رسول الله في كم اقرأ القرآن قال في خمس عشرة الحديث قال شيخنا ابو عبدالله الذهبي ففيه دليل على انه ممن جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم نصير بن الحارث بن علقمة بن كلدة ابن عبدمناف بن عبدالدار بن قصي القرشي العبدري اسلم عام الفتح وكان من علماء قريش واعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين مائة من الابل فتوقف في اخذها وقال لا ارتشي على الاسلام ثم قال والله ما طلبتها ولا سالتها وهي عطية رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخذها وحسن اسلامه واستشهد يوم اليرموك نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان اسن من اسلم من بنىعبدالمطلب وكان ممن اسر يوم بدر ففاداه العباس ويقال انه هاجر ايام الخندق وشهد الحديبية والفتح واعان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين بثلاثة الاف رمح وثبت يومئذ وتوفي سنة خمس عشرة (7/62)
وقيل سنة عشرين والله اعلم توفي بالمدينة وصلى عليه عمر ومشى في جنازته ودفن بالبقيع وخلف عدة اولاد فضلاء واكابر هشام بن العاص اخو عمرو بن العاص تقدم وقال ابن سعد قتل يوم اليرموك ثم دخلت سنة ست عشرة
استهلت هذه السنة وسعد بن ابي وقاص منازل مدينة نهر شير وهى احدى مدينتى كسرى مما يلي دجلة من الغرب وكان قدوم سعد اليها في ذى الحجة من سنة خمس عشرة واستهلت هذه السنة وهو نازل عندها وقد بعث السرايا والخيول في كل وجه فلم يجدوا واحدا من الجند بل جمعوامن الفلاحين مائة الف فحبسوا حتى كتب الى عمر ما يفعل بهم فكتب اليه عمر ان من كان من الفلاحين لم يعن عليكم وهو مقيم ببلده فهو امانه ومن هرب فادركتموه فشأنكم به فاطلقهم سعد بعدما دعاهم الى الاسلام فابوا الا الجزية ولم يبقى من غربي دجلة الا ارض العرب احد من الفلاحين الا تحت الجزية والخراج وامتنعت نهر شير من سعد اشد الامتناع وقد بعث اليهم سعد سلمان الفارسي فدعاهم الى الله عز و جل او الجزية او المقاتلة فابوا الا المقاتلة والعصيان ونصبوا المجانيق والدبابات وامر سعد بعمل المجانيق فعملت عشرون منجنيقا ونصبت على نهرشير واشتد الحصار وكان اهل نهرشير يخرجون فيقاتلون قتالا شديدا ويحلفون ان لا يفروا ابدا فاكذبهم الله وهزمهم زهرة بن حوية بعدما اصابه سهم وقتل بعد مصابه كثيرا من الفرس وفروا بين يديه ولجاوا الى بلدهم فكانوا يحاصرون فيه اشد الحصار وقد انحصر اهل البلد حتى اكلوا الكلاب والسنانير وقد اشرف رجل منهم على المسلمين فقال يقول لكم الملك هل لكم الى المصالحة على ان لنا ما يلينا من دجلة الى جبلنا ولكم ما يليكم من دجلة الى جبلكم اما شبعتم لا اشبع الله بطونكم قال فبدر الناس رجل يقال له ابو مقرن الاسود بن قطبة فانطقه الله بكلام لم يدر ما قال لهم قال فرجع الرجل ورايناهم يقطعون من نهرشير الى المدائن فقال الناس لابي مقرن ما قلت لهم فقال والذي بعث محمد بالحق ما ادري ما قلت لهم فقال الا ان على سكينة وانا ارجو ان اكون قد أنطقت بالذي هو خير وجعل الناس ينتابونه يسالونه عن ذلك وكان فيمن ساله سعد بن ابي وقاص وجاءه سعد الى منزله فقال يا ابا مقرن ما قلت فوالله انهم هراب فحلف له انه لا يدري ما قال فنادى سعد في الناس ونهد بهم الى البلد والمجانيق تضرب في البلد فنادى رجل من البلد بالامان فامناه فقال والله ما بالبلد احد فتسور الناس السور فما وجدنا فيها احد الا قد هربوا الى المدائن وذلك في شهر صفر من هذه السنة فسالنا ذلك الرجل واناسا من الاسارى فيها لاي شىء هربوا قالوا بعث الملك اليكم يعرض عليكم الصلح فاجابه ذلك الرجل بانه لا يكون بينكم وبينه صلح ابدا حتى ناكل (7/63)
عسل افريذين بأترج كوثى فقال الملك يا ويلاه ان الملائكة لتتكلم على السنتهم ترد علينا وتجيبنا عن العرب ثم امر الناس بالرحيل من هناك الى المدائن فجازوا في السفن منها اليها وبينهما دجلة وهي قريبة منها جدا ولما دخل المسلمون نهرشير لاح لهم القصر الابيض من المدائن وهو قصر الملك الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه و سلم انه سيفتحه الله على امته وذلك قرب الصباح فكان اول من رآه من المسلمين ضرار بن الخطاب فقال الله اكبر ابيض كسرى هذا ما وعدنا الله ورسوله ونظر الناس اليه فتتابعوا التكبير الى الصبح
ذكر فتح المدائن
لما فتح نهرسير واستقر بها ذلك في صفة لم يجد فيها احدا ولا شيئا مما يغنم بل قد تحولوا بكماهم الى المدائن وركبوا السفن وضموا السفن اليهم ولم يجد سعد رضى الله عنه شيئا من السفن وتعذر عليه تحصيل شىء منها بالكلية وقد زادت دجلة زيادة عظيمة واسود ماؤها ورمت بالزبد من كثرة الماء بها واخبر سعد بأن كسرى يزدجر عازم على اخذ الاموال والامتعة من المدائن الى حلوان وانك ان لم تدركه قبل ثلاث فات عليك وتفارط الامر فخطب سعد المسلمين على شاطىء دجلة فحمد الله واثنى عليه وقال ان عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون اليهم معه وهم يخلصون اليكم اذا شاؤا فينا وشونكم في سفنهم وليس وراءكم شىء تخافون ان تؤتوا منه وقد رايت ان تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل ان تحصركم الدنيا الا اني قد عزمت على قطع هذا البحر اليهم فقالوا جميعا عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل فعند ذلك ندب سعد الناس الى العبور ويقول من يبدا فيحمي لنا الفرائض يعني ثغرة المخاضة من الناحية الاخرى ليجوز الناس اليهم آمنين فانتدب عاصم بن عمرو ذو الباس من الناس قريب من ستمائة فامر سعد عليهم عاصم ابن عمرو فوقفوا على حافة دجلة فقال عاصم من ينتدب معى لنكون قبل الناس دخولا في المذكورين والأعاجم وقوف صفوفا من الجانب الآخر فتقدم رجل من المسلمين هذا البحر فنحمى الفراض من الجانب الاخر فانتدب له ستون من الشجعان وقد احجم الناس عن الخوض في دجلة فقال اتخافون من هذه النطفة ثم تلا قوله تعالى وما مان لنفس ان تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا ثم اقحم فرسه فيها واقتحم الناس وقد افترق الستون فرقتين اصحاب الخيل الذكور واصحاب الخيل الاناث فلما راهم الفرس يطفون على وجه الماء قالوا ديوانا ديوانا يقولون مجانين مجانين ثم قالوا والله ما تقاتلون انسا بل تقاتلون جنا ثم ارسلوا فرسانا منهم في الماء يلتقون اول المسلمين ليمنعوهم من الخروج من الماء فامر عاصم بن عمرو واصحابه ان يشرعو لهم الرماح ويتوخوا الاعين ففعلوا ذلك بالفرس فقلعوا عيون خيولهم فرجعوا امام المسلمين لا يملكون كف خيولهم حتى خرجوا من (7/64)
من الماء واتبعهم عاصم واصحابه فساقوا وراءهم حتى طردوهم عن الجانب الاخر ووقفوا على حافة الدجلة من الجانب الاخر ونزل بقية اصحاب عاصم من الستمائة في دجلة فخاضوها حتى وصلوا الى اصحابهم من الجانب الاخر فقاتلوا مع اصحابهم حتى نفوا الفرس عن ذلك الجانب وكانوا يسمون الكتيبة الاولى كتيبة الاهوال واميرها عاصم بن عمرو والكتيبة الثانية إلى ما يصنع هؤلاء الفرسان بالفرس وسعد واقف على شاطيء دجلة ثم نزل سعد ببقية الجيش وذلك الخرساء واميرها القعقاع بن عمرو وهذا كله وسعد والمسلمون ينظرون حين نظروا الى الجانب الاخر قد تحصن بمن حصل فيه من الفرسان المسلمين وقد امر سعد المسلمين عند دخول الماء ان يقولوا نستعين بالله ونتوكل عليه حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم اقتحم بفرسه دجلة واقتحم الناس لم يتخلف عنه احد فساروا فيها كانما يسيرون على وجه الارض حتى ملؤا ما بين الجانبين فلا يرى وجه الماء من الفرسان والرجالة وجعل الناس يتحدثون على وجه الماء كما يتحدثون على وجه الارض وذلك لما حصل لهم الطمانينة والامن والوثوق بامر الله ووعده ونصره وتاييده ولان اميرهم سعد بن ابي وقاص احد العشرة المشهود لهم بالجنة وقد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عنه راض ودعا له فقال اللهم اجب دعوته وسدد رميته والمقطوع به ان سعدا دعا لجيشه هذا في هذا اليوم بالسلامة والنصر وقد رمى بهم في هذا اليم فسددهم الله وسلمهم فلم يفقد من المسلمين رجل واحد غير ان رجلا واحدا يقال له غرقدة البارقي ذل عن فرس له شقراء فاخذ القعقاع بن عمرو بلجامها واخذ بيد الرجل حتى عدله على فرسه وكان من الشجعان فقال عجز النساء ان يلدن مثل القعقاع بن عمرو ولم يعدم المسلمين شىء من امتعتهم غير قدح من خشب لرجل يقال له مالك بن عامر كانت علاقته رثة فاخذه الموج فدعا صاحبه الله عز و جل وقال اللهم لا تجعلني من بينهم يذهب متاعي فرده الموج الى الجانب الذي يقصدونه فاخذه الناس ثم ردوه على صاحبه بعينه وكان الفرس اذا اعيا وهو في الماء يقبض الله له مثل النشز المرتفع فيقف عليه فيستريح وحتى ان بعض الخيل ليسير وما يصل الماء الى حزامها وكان يوما عظيما وامرا هائلا وخطبا جليلا وخارقا باهرا ومعجزة لرسول الله صلى الله عليه و سلم خلقها الله لاصحابه لم ير مثلها في تلك البلاد ولا في بقعة من البقاع سوى قضية العلاء بن الحضرمي المتقدمة بل هذا اجل واعظم فان هذا الجيش كان اضعاف ذلك قالوا وكان الذي يساير سعد ابن ابي وقاص في الماء سلمان الفارسي فجعل سعد يقول حسبنا الله ونعم الوكيل والله لينصرن الله وليه وليظهرن الله دينه وليهزمن الله عدوه ان لم يكن في الجيش بغى او ذنوب تغلب الحسنات فقال له سلمان ان الاسلام جديد ذلك لهم والله البحور كما ذلل لهم البر اما والذي نفس سليمان (7/65)
بيده ليخرجن منه افواجا كما دخلوا افواجا فخرجوا منه كما قال سليمان لم يغرق منهم احد ولم يفقدوا شيئا
ولما استقل المسلمون على وجه الارض خرجت الخيول تنفض اعرافها صاهلة فساقوا وراء الاعاجم حتى دخلوا المدائن فلم يجدوا بها احدابل قد اخذ كسرى اهله وما قدروا عليه من الاموال والامتعة والحواصل وتركوا ما عجزوا عنه من الانعام والثياب والمتاع والانية والالطاف والأدهان مالا يدري قيمته وكان في خزنة كسرى ثلاثة الاف الف الف ألف دينار ثلاث مرات فاخذوا من ذلك ما قدروا عليه وتركوا ما عجزوا عنه وهو مقدار النصف من ذلك او ما يقاربه فكان اول من دخل المدائن كتيبة الاهوال ثم الكتيبة الخرساء فاخذوا في سككها لا يلقون احدا ولا يخشونه غير القصر الابيض ففيه مقاتلة وهو محصن
فلما جاء سعد بالجيش دعا اهل القصر الابيض ثلاث ايام على لسان سلمان الفارسي فلما كان اليوم الثالث نزلوا منه وسكنه سعد واتخذ الايوان مصلى وحين دخله تلا قوله تعالى كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك واورثناها قوما اخرين ثم تقدم الى صدره فصلى ثمان ركعات صلاة الفتح وذكر سيف في روايته انه صلاها بتسليمة واحدة وانه جمع بالايوان في صفر من هذه السنة فكانت اول جمعة جمعت بالعراق وذلك لان سعدا نوى الاقامة بها وبعث الى العيالات فانزلهم دور المدائن واستطوطنوها حتى فتحوا جلولاء وتكريت والموصل ثم تحولوا الى الكوفة بعد ذلك كما سنذكره ثن ارسل السرايا في اثر كسرى يزدجر فلحق بهم طائفة فقتلوهم وشردوهم واستلبوا منهم اموالا عظيمة واكثر ما استرجعوا من ملابس كسرى وتاجه وحليه وشرع سعد في تحصيل ما هنالك من الاموال والحواصل والتحف مما لا يقوم ولا يحد ولا يوصف كثرة وعظمة وقد روينا انه كان هناك تماثيل من جص فنظر سعد الى احدها واذا هو يشير باصبعه الى مكان فقال سعد ان هذا لم يوضع هكذا سدى فاخذوا ما يسامت اصبعه فوجدوا قبالتها كنزا عظيما من كنوز الاكاسرة الاوائل فاخرجوا منه اموالا عظيمة جزيلة وحواصل باهرة وتحفا فاخرة واستحوذ المسلمون على ما هنالك مكال بالجواهر النفيسة التي تحير الابصار ومنطقته كذلك مكال وسيفه وسواره اجمع مما لم ير احد في الدنيا اعجب منه وكان في جملة ذلك تاج كسرى وهو وقباؤه وبساط إيوانه وكان مربعا ستون ذراعا في مثلها من كل جانب والبساط مثله سواء وهو منسوج بالذهب واللالىء والجواهر الثمينة وفيه مصور جميع ممالك كسرى بلاده بانهارها وقلاعها واقاليمها وكنوزها وصفة الزروع والاشجار التي في بلاده فكان اذا جلس على كرسي مملكته ودخل تحت تاجه وتاجه معلق بسلاسل من ذهب لانه كان لا يستطيع ان يقله (7/66)
على راسه لثقله بل كان يجىء فيجلس تحته ثم يدخل راسه تحت التاج والسلاسل الذهب تحمله عنه وهو يستره حال لبسه فاذا رفع الحجاب عنه خرت له الامراء سجودا وعليه المنطقة والسواران والسيف والقباء المرصع بالجواهر فينظر في البلدان واحدة واحدة فيسال عنها ومن فيها من النواب وهل حدث فيها شىء من الاحداث فيخبره بذلك ولاة الامور بين يديه ثم ينتقل الى الاخرى وهكذا حتى يسال عن احوال بلاده في كل وقت لا يهمل امر المملكة وقد وضعوا هذا البساط بين يديه تذكارا له بشان الممالك وهو اصلاح جيد منهم في امر السياسة فلما جاء قدر الله زالت تلك الايدي عن تلك الممالك والاراضي وتسلمها المسلمون من ايديهم قسرا وكسروا شوكتهم عنها واخذوها بأمر الله صافية ضافية ولله الحمد والمنة وقد جعل سعد بن ابي وقاص على الاقباض عمرو بن عمرو بن مقرن فكان اول ما حصل ما كان في القصر الابيض ومنازل كسرى وسائر دور المدائن وما كان بالايوان مما ذكرنا وما يفد من السرايا الذين في صحبة زهرة بن حوية وكان فيما رد زهرة بغل كان قد ادركه وغصبه من الفرس وكانت تحوطه بالسيوف فاستنقذه منهم وقال ان لهذا لشأنا فرده الى الاقباض واذا عليه سفطان فيهما ثياب كسرى وحليه ولبسه الذي كان يلبسه على السرير كما ذكرنا وبغل اخر عليه تاجه الذي ذكرنا في سفطين ايضا ردا من الطريق مما استلبه اصحاب السرايا وكان فيما ردت السرايا اموال عظيمة وفيها اكثر اثاث كسرى وامتعته والاشياء النفيسة التى استصحبوها معهم فلحقهم المسلمون فاستلبوها منهم ولم تقدر الفرس على حمل البساط لثقله عليهم ولا حمل الاموال لكثرتها فانه كان المسلمون يجيئون بعض تلك الدور فيجدون البيت ملانا الى اعلاه من اواني الذهب والفضة ويجدون من الكافور شيئا كثيرا فيحسبونه ملحا وربما استعمله بعضهم في العجين فوجدوه مرا حتى تبينوا امره فتحصل الفىء على امر عظيم من الاموال وشرع سعد فخمسه وامر سلمان الفارسي ( 1 ) فقسم الاربعة الاخماس بين الغانمين فحصل لكل واحد من الفرسان اثنتي عشرة الفا وكانوا كلهم فرسانا ومع بعضهم جنائب واستوهب سعد اربعة اخماس البساط ولبس كسرى من المسلمين ليبعثه الى عمر واالمسلمين بالمدينة لينظروا اليه ويتعجبوا منه فطيبوا له ذلك واذنوا فيه فبعثه سعد الى عمر مع الخمس مع بشير بن الخصاصية وكان الذي بشر بالفتح قبله حليس بن فلان الاسدي فروينا ان عمر لما نظر الى ذلك قال ان قوما ادوا هذا لامناء فقال له علي بن ابي طالب انك عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعت ثم قسم عمر ذلك في المسلمين فاصاب عليا قطعة من البساط فباعها بعشرين الفا وقد ذكر سيف بن عمر ان عمر بن الخطاب البس ثياب كسرى لخشبة ونصبها امامه ليرى الناس ما في هذه الزينة من العجب وما عليها من زهرة الحياة الدنيا الفانية وقد روينا ان عمر (7/67)
البس ثياب كسرى لسراقة بن مالك بن جعشم امير بني مدلج رضى الله عنه
قال الحافظ ابو بكر البيهقي في دلائل النبوة اخبرنا عبدالله بن يوسف الاصبهاني حدثنا ابو سعيدابن الاعرابي قال وجدت في كتابي بخط يدي عن ابي داود حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد حدثنا يونس عن الحسن ان عمر بن الخطاب اتى بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم قال فالقى اليه سواري كسرى بن هرمز فجعلهما في يده فبلغا منكبيه فلما راهما في يدي سراقة قال الحمد لله سواري كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك بن جعشم اعرابي من بني مدلج وذكر الحديث هكذا ساقة البيهقي ثم حكى الشافعي انه قال وانما البسهما سراقة لان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لسراقة ونظر الى ذراعيه كاني بك وقد البست سواري كسرى قال الشافعي وقد قال عمر لسراقة حين البسه سواري كسرى قل الله اكبر فقال الله اكبر ثم قال قل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز والبسهما سراقة بن مالك الاعرابي من بنى مدلج وقال الهيثم بن عدي اخبرنا اسامة بن زيد الليثي حدثنا القاسم بن محمد بن ابي بكر قال بعث سعد بن ابي وقاص ايام القادسية الى عمر بقباء كسرى وسيفه ومنطقته وسواريه وسراويله وقميصه وتاجه وخفيه قال فنظر عمر في وجوه القوم وكان اجسمهم وابدنهم قامة سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا سراق قم فالبس قال سراقة فطمعت فيه فقمت فلبست فقال ادبر فادبرت ثم قال اقبل فاقبلت ثم قال بخ بخ اعيرابي من بني مدلج عليه قباء كسرى وسراويله وسيفه ومنطقته وتاجه وخفاه رب يوم يا سراق بن مالك لو كان عليك فيه هذا من متاع كسرى وآل كسرى كان شرفا لك ولقومك تنزع فنزعت فقال اللهم منعت هذا رسولك ونبيك وكان احب اليك منى واكرم عليك منى ومنعته ابا بكر وكان احب اليك منى واكرم اليك منى واعطيتنيه فأعوذ بك ان تكون اعطيتنيه لتمكر بي ثم بكى حتى رحمه من كان عنده ثم قال لعبد الرحمن بن عوف اقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل ان تمسى
وذكر سيف بن عمر التميمي ان عمر حين ملك تلك الملابس والجواهر حىء بسيف كسرى ومعه عدة سيوف منها سيف النعمان بن المنذر نائب كسرى على الحيرة وان عمر قال الحمد الله الذي جعل سيف كسرى فيما يضره ولا ينفعه ثم قال ان قوما ادوا هذا لامناء او لذوا امانة ثم قال ان كسرى لم يزد على أن تشاغل بما اوتى عن آخرته فجمع لزوج امرأته او زوج ابنته ولم يقدم لنفسه ولو قدم لنفسه ووضع الفضول في مواضعها لحصل له وقد قال بعض المسلمين وهو ابو نجيد نافع بن الاسود في ذلك ... واملنا على المدائن خيلا ... بحرها مثل برهن اريضا (7/68)
فانتشلنا خزائن المرء كسرى ... يوم ولوا وحاص منا جر يضا ... وقعة جلولاء
لما سار كسرى وهو يزدجرد بن شهريار من المدائن هاربا الى حلوان شرع في أثناء الطريق في جمع رجال واعوان وجنود من البلدان التى هناك فاجتمع اليه خلق كثير وجم غفير من الفرس وامر على الجميع مهران وسار كسرى الى حلوان فاقام الجمع الذي جمعه بينه وبين المسلمين في جلولاء واحتفروا خندقا عظيما حولها واقاموا بها في العدد والعدد والات الحصار فكتب سعد الى عمر يخبره بذلك فكتب اليه عمر ان يقيم هو بالمدائن ويبعث ابن اخيه هاشم بن عتبة اميرا على الجيش الذي يبعثه الى كسرى ويكون على المقدمة القعقاع بن عمرو وعلى الميمنة سعد بن مالك وعلى الميسرة اخوه عمر بن مالك وعلى الساقة عمرو بن مرة الجهنى ففعل سعد ذلك وبعث مع ابن اخيه جيشا كثيفا يقارب اثني عشر الفا من سادات المسلمين ووجوه المهاجرين والانصار ورءوس العرب وذلك في صفر من هذه السنة بعد فراغهم من امر المدائن فساروا حتى انتهوا الى المجوس وهم بجلولاء قد خندقوا عليهم فحاصرهم هاشم بن عتبة وكانوا يخرجون من بلدهم للقتال في كل وقت فيقاتلون قتالا لم يسمع بمثله وجعل كسرى يبعث اليهم الامداد وكذلك سعد يبعث المدد الى ابن اخيه مرة بعد اخرى وحمى القتال واشتد النزال واضطرمت نار الحرب وقام في الناس هاشم فخطبهم غير مرة فحرضهم على القتال والتوكل على الله وقد تعاقدت الفرس وتعاهدت وحلفوا بالنار ان لا يفروا ابدا حتى يفنوا العرب فلما كان الموقف الاخير وهو يوم الفيصل والفرقان تواقفوا من اول النهار فاقتتلوا قتالا شديدا لم يعهد مثله حتى فنى النشاب من الطرفين وتقصفت الرماح من هؤلاء ومن هؤلاء وصاروا الى السيوف والطبرزنيات وحانت صلاة الظهر فصلى المسلمون ايماءا وذهبت فرقة المجوس وجاءت مكانها اخرى فقام القعقاع بن عمرو في المسلمين فقال اهالكم ما رايتم ايها المسلمون قالوا نعم انا كالون وهم مريحون فقال بل انا حاملون عليهم ومجدون في طلبهم حتى يحكم الله بيننا فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى نخالطهم فحمل وحمل الناس فأما القعقاع بن عمرو فانه صمم الحملة في جماعة من الفرسان والابطال والشجعان حتى انتهى الى باب الخندق واقبل الليل بظلامه وجالت بقية الابطال بمن معهم في الناس وجعلوا ياخذون في التحاجز من اجل اقبال الليل وفي الابطال يومئذ طليحة الاسدي وعمرو بن معدي كرب الزبيدي وقيس بن مكشوح وحجر بن عدي ولم يعلموا بما صنعه القعقاع في ظلمة الليل ولم يشعروا بذلك لولا مناديه ينادي اين ايها المسلمون هذا اميركم على باب خندقهم فلما سمع ذلك المجوس فروا وحمل المسلمون نحو القعقاع بن عمرو فاذا هو على باب الخندق قد ملكه (7/69)
عليهم وهربت الفرس كل مهرب واخذهم المسلمون من كل وجه وقعدوا لهم كل مرصد فقتل منهم في ذلك الموقف مائة الف حتى جللوا وجه الارض بالقتلى فلذلك سميت جلولاء وغنموا من الاموال والسلاح والذهب والفضة قريبا مما غنموا من المدائن قبلها
وبعث هاشم بن عتبة القعقاع بن عمرو في اثر من انهزم منهم وراء كسرى فساق خلفهم حتى ادرك مهران منهزما فقتله القعقاع بن عمرو وافلتهم الفيرزان فاستمر منهزما واسر سبايا كثيرة بعث بها الى هاشم بن عتبة وغنموا دواب كثيرة جدا ثم بعث هاشم بالغنائم والاموال الى عمه سعد بن ابي وقاص فنفل سعد ذوى النجدة ثم امر بقسم ذلك على الغانمين
قال الشعبي كان المال المتحصل من وقعه جلولاء ثلاثين الف الف فكان خمسه ستة الاف الف وقال غيره كان الذي اصاب كل فارس يوم جلولاء نظير ما حصل له يوم المدائن يعني اثني عشر الفا لكل فارس وقيل اصاب كل فارس تسعة الاف وتسع دواب وكان الذي ولي قسم ذلك بين المسلمين وتحصيله سلمان الفارسي رضى الله عنه ثم وبعث بالاخماس من المال والرقيق والدواب مع زياد بن ابي سفيان وقضاعي بن عمرو وابي مقرن الاسود فلما قدموا على عمر سال عمر زياد بن ابي سفيان عن كيفية الوقعة فذكرها له وكان زياد فصيحا فاعجب ايراده لها عمر بن الخطاب رضى الله عنه واحب أن يسمع المسلمون منه ذلك فقال اتستطيع ان تخطب الناس بما اخبرتني به قال نعم يا امير المؤمنين انه ليس احد على وجه الارض اهيب عندي منك فكيف لا اقوى على هذا مع غيرك فقام في الناس فقص عليهم خبر الوقعة وكم قتلوا وكم غنموا بعبارة عظيمة بليغة فقال عمر ان هذا لهو الخطيب المصقع يعنى الفصيح فقال زياد ان جندنا اطلقوا بالفعال لساننا ثم حلف عمر بن الخطاب ان لا يجن هذا المال الذي جاؤا به سقف حتى يقسمه فبات عبدالله بن ارقم وعبدالرحمن بن عوف يحرسانه في المسجد فلما اصبح جاء عمر في الناس بعدما صلى الغداة وطلعت الشمس فامر فكشف عنه جلابيبه فلما نظر الى ياقوته وزبرجده وذهبه الاصفر وفضته البيضاء بكى عمر فقال له عبدالرحمن ما يبكيك يا امير المؤمنين فوالله ان هذا لموطن شكر فقال عمر والله ما ذاك يبكيني وتالله ما اعطي الله هذا قوما الا تحاسدوا وتباغضوا ولا تحاسدوا الا لقي بأسهم بينهم ثم قسمه كما قسم اموال القادسية
وروى سيف بن عمرو عن شيوخه انهم قالوا وكان فتح جلولاء في ذي القعدة من سنة ستة عشر وكان بينه وبين فتح المدائن تسعة اشهر وقد تكلم ابن جرير ههنا فيما رواه عن سيف على ما يتعلق بارض السواد وخراجها وموضع تحرير ذلك كتاب الاحكام
وقد قال هاشم بن عتبة في يوم جلولاء (7/70)
يوم جلولاء ويم رستم ... ويوم زحف الكوفة المقدم ... ويوم عرض الشهر المحرم ... وايام خلت من بينهن صرم ... شيبن اصدغي فهى هرم ... مثل ثغام البلد المحرم ...
وقال ابو نجيد في ذلك ... ويوم جلولاء الوقيعة اصبحت ... كتائبنا تردى باسد عوابس ... فضضت جموع الفرس ثم ائمتهم ... فتبا لاجساد المجوس النجائس ... وافلتهن الفيرزان بجرعة ... ومهران اردت يوم حز القوانس ... اقاموا بدار للمنية موعد ... وللترب تحثوها خجوج الروامس ... ذكر فتح حلوان
ولما انقضت الوقعة اقام هشام بن عتبة بجلولاء عن امر عمر بن الخطاب في كتابه إلى سعد وتقدم القعقاع بن عمرو الى حلوان عن امر ايطا ليكون ردءا للمسلمين هنالك ومرابطا لكسرى حيث هرب فسار كما قدمنا وادرك امير الوقعة وهو مهران الرازي فقتله وهرب الفيرزان فلما وصل الى كسرى واخبره بماكان من امر جلولاء وما جرى على الفرس بعده وكيف قتل منهم مائة الف وادرك مهران فقتل هرب عند ذلك كسرى من حلوان الى الرى واستناب على حلوان اميرا يقال له خسروشنوم فتقدم اليه القعقاع بن عمرو وبزر اليه خسروشنوم الى مكان خارج حلوان فاقتتلوا قتالا شديدا ثم فتح الله ونصر المسلمين وانهزم خسروشنوم وساق القعقاع الى حلوان فتسلمها ودخلها المسلمون فغنموا وسبوا واقاموا في الإسلام فأبوا إلا الجزية فلم يزل القعقاع بها حتى تحول سعد من المدائن بها وضربوا الجزية على من حولها من الكور والأقاليم بعد ما دعوا إلى الدخول فسار اليها كما سنذكره ان شاء الله تعالى
فتح تكريت والموصل
لما افتتح سعد المدائن بلغه ان اهل الموصل قد اجتمعوا بتكريت على رجل من الكفرة يقال له الانطاق فكتب الى عمر بامر جلولاء واجتماع الفرس بها وبامر اهل الموصل فتقدم ذكرناه من كتاب عمر في اهل جلولاء وما كان من امرها وكتب عمر في قضية اهل الموصل الذين قد اجتمعوا بتكريت على الانطاق ان يعين جيشا لحربهم ويؤمر عليه عبدالله بن المعتم وان يجعل يجعل على مقدمته ربعي بن الافكل الغزى وعلى الميمنة الحارث بن حسان الذهلي وعلى الميسرة فرات بن حيان العجلي وعلى الساقة هانىء بن قيس وعلى الخيل عرفجة بن هرثمة ففصل عبدالله ابن المعتم في خمسة الاف من المدائن فسار في اربع حتى نزل بتكريت على الانطاق وقد اجتمع (7/71)
اليه جماعة من الروم ومن الشهارجة ومن نصارى العرب من اياد وتغلب والنمر وقد احدقوا بتكريت فحاصرهم عبدالله بن المعتم اربعين يوما وزاحفوه في هذه المدة اربعة وعشرين مرة ما من مرة الا وينتصر عليهم وراسل عبدالله بن المعنم إلى من هنالك من الأعراب فدعاهم الى الدخول معه في النصرة ويفل جموعهم فضعف جانبهم وعزمت الروم على الذهاب في السفن بأموالهم على اهل البلد فجاءت القصاد اليه عنهم بالاجابة الى ذلك فارسل اليهم ان كنتم صادقين فيما قلتم فاشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقروا بما جاء من عند الله فرجعت القصاد اليه بانهم قد اسلموا فبعث إليهم ان كنتم صادقين فاذا كبرنا وحملنا على البلد الليلة فامسكوا علينا ابواب السفن وامنعوهم ان يركبوا فيها واقتلوا منهم من قدرتم على قتله ثم شد عبدالله واصحابه وكبروا تكبيرة رجل واحد وحملوا على البلد فكبرت الاعراب من الناحية الاخرى فحار اهل البلد واخذوا في الخروج من الابواب التى تلي دجلة فتلقنهم اياد والنمر وتغلب فقتلوهم قتلا ذريعا وجاء عبدالله بن المعتم باصحابه من الابواب الاخر فقتل جميع اهل البلد عن بكرة ابيهم ولم يسلم الا من اسلم من الاعراب من اياد وتغلب والنمر وقد كان عمر عهد في كتابه اذا نصروا على تكريت ان يبعثوا ربعي بن الافكل الى الحصنين وهى الموصل سريعا فسار اليها كما امر عمر ومعه سرية كثيرة وجماعة من الابطال فسار اليها حتى فجئها قبل وصول الاخبار اليها فما كان الا ان واقفها حتى اجابوا الى الصلح فضربت عليهم الذمة عن يد وهم صاغرون ثم قسمت الاموال التى تحصلت من تكريت فبلغ سهم الفارس ثلاثة الاف وسهم الراجل الف درهم وبعثوا بالاخماس مع فرات بن حيان وبالفتح مع الحارث بن حسان وولى امرة حرب الموصل ربعى بن الافكل وولى الخراج بها عرفجة بن هرثمة
فتح ماسبذان من ارض العراق لما رجع هاشم بن عتبة من جلولاء الى عمر بالمدائن بلغ سعدا ان آذين بن الهرمزان قد جمع طائفة من الفرس فكتب الى عمر في ذلك فكتب اليه ان ابعث جيشا وامر عليهم ضرار ابن الخطاب فخرج ضرار في جيش من المدائن وعلى مقدمته ابن الهزيل الاسدي فتقدم ابن الهزيل بين يدي الجيش فالتقى مع آذين واصحابه قبل وصول ضرار اليه فكسر ابن الهزيل طائفة الفرس واسراذين بن الهرمزان وفرعنه اصحابه وامر ابن ماسبذان وهي مدينة كبيرة فأخذها عنوة وهرب اهلها في رءوس الجبال والشعاب فدعاهم الهزيل فضرب عنق اذين بين يديه وساق وراء المنهزمين حتى انتهى إلى فاستجابوا له وضرب على من لم يسلم الجزية واقام نائبا عليها حتى تحول سعد من المدائن الى الكوفة كما سيأتي (7/72)
فتح قرقيسيا وهيت في هذه السنة
قال ابن جرير وغيره لما رجع هاشم من جلولاء الى المدائن وكان اهل الجزيرة قد امدوا اهل حمص على قتال ابي عبيدة وخالد لما كان هرقل بقنسرين واجتمع اهل الجزيرة في مدينة هيت كتب سعد الى عمر في ذلك فكتب اليه ان يبعث اليهم جيشا وان يؤمر عليهم عمر بن مالك ابن عتبة بن نوفل بن عبد مناف فسار فيمن معه من المسلمين الى هيت فوجدهم قد خندقوا عليهم فحاصرهم حينا فلم يظفر بهم فسار في طائفة من اصحابه واستخلف على محاصرة هيت الحارث ابن يزيد فراح عمر بن مالك الى قرقيسيا فاخذها عنوة وانابوا الى بذل الجزية وكتب الى نائبه على هيت ان لم يصالحوا ان يحفر من وراء خندقهم خندقا ويجعل له ابوابا من ناحيته فلما بلغهم ذلك انابوا الى المصالحوا
قال شيخنا ابو عبدالله الحافظ الذهبي وفي هذه السنة بعث ابو عبيدة عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك الى قنسرين فصالح اهل حلب ومنبج وانطاكية على الجزية وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة قال وفيها افتتحت سروج والرها على يدي عياض بن غنم
قال وفيها فيما ذكر ابن الكلبي سار ابو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد فحاصر ايليا فسالوا الصلح على ان يقدم عمر فيصالحهم على ذلك فكتب ابو عبيدة الى عمر فقدم حتى صالحهم واقام اياما ثم رجع الى المدينة قلت قد تقدم هذا فيما قبل هذه السنة والله اعلم
قال الواقدي وفي هذه السنة حمى عمر الربذة بخيل المسلمين وفيها غرب عمر ابا محجن الثقفي الى باضع وفيها تزوج عبدالله بن عمر صفية بنت ابي عبيد قلت الذي قتل يوم الجسر وكان امير السرية وهى اخت المختار بن ابي عبيد امير العراق فيما بعد وكانت امرأة صالحة وكان اخوها فاجرا وكافرا ايضا قال الواقدي وفيها حج عمر بالناس واستخلف على المدينة زيد بن ثابت قال وكان نائبه على مكة عتاب وعلى الشام ابو عبيدة وعلى العراق سعد وعلى الطائف عثمان ابن ابي العاص وعلى اليمن يعلي بن امية وعلى اليمامة والبحرين العلاء بن الحضرمي وعلى عمان حذيفة بن محصن وعلى البصرة المغيرة بن شعبة وعلى الموصل ربعى الافكل وعلى الجزيرة عياض بن غنم الاشعري
قال الواقدي وفي ربيع الاول من هذه السنة اعنى سنة ست عشرة كتب عمر بن الخطاب التاريخ وهو اول من كتبه قلت قد ذكرنا سببه في سيرة عمر وذلك انه رفع الى عمر صك مكتوب لرجل على آخر بدين يحل عليه في شعبان فقال اي شعبان امن هذه السنة (7/73)
ام التي قبلها ام التي بعدها ثم جمع الناس فقال ضعوا للناس شيئا يعرفون فيه حلول ديونهم فيقال انهم اراد بعضهم ان يؤرخ كما تؤرخ الفرس بملوكهم كلما هلك ملك ارخوا من تاريخ ولاية الذي بعده فكرهوا ذلك ومنهم من قال ارخوا بتاريخ الروم من زمان اسكندر فكرهوا ذلك ولطوله ايضا وقال قائلون ارخوا من مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال اخرون من مبعثه عليه السلام واشا رعلي بن ابي طالب واخرون ان يؤرخ من هجرته من مكة الى المدينة لظهوره لكل احد فانه اظهر من المولد والمبعث فاستحسن ذلك عمر والصحابة فامر عمر ان يؤرخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم وارخوا من اول تلك السنة من محرمها وعند مالك رحمه الله فيما حكاه عن السهيلي وغيره ان اول السنة من ربيع الاول لقدومه عليه السلام الى المدينة والجمهور على ان اول السنة من المحرم لانه اضبط لئلا تختلف الشهور فان المحرم اول السنة الهلالية العربية وفي هذه السنة اعنى سنة ست عشرة توفيت مارية ام ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم وذلك في المحرم منها فيما ذكره الواقدي وابن جرير وغير واحد وصلى عليها عمر بن الخطاب وكان يجمع الناس لشهود جنازتها ودفنت بالبقيع رضى الله عنها وارضاها وهي مارية القبطية اهداها صاحب اسكندرية وهو جريج بن مينا في جملة تحف وهدايا لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقبل ذلك منه وكان معها اختها شيرين التى وهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبدالرحمن بن حسان ويقال اهدى المقوقس معهما جاريتين اخرتين فيحتمل انهما كانتا خادمتين لمارية ويرين واهدى معهن غلاما خصيا اسمه مابور واهدى مع ذلك بغلة شهباء اسمها الدلدل واهدى حلة حرير من عمل الاسكندرية وكان قدوم هذه الهدية في سنة ثمان فحملت مارية من رسول الله صلى الله عليه و سلم بابراهيم عليهالسلام فعاش عشرين شهرا ومات قبل ابيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بسنة سواء وقد حزن عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وبكى عليه وقال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول الا ما يرضى ربنا وانا بك يا ابراهيم لمحزونون وقد تقدم ذلك في سنة عشر وكانت مارية هذه من الصالحات الخيرات الحسان وقد حظيت عند رسول الله صلى الله عليه و سلم واعجب بها وكانت جميلة ملاحة أى حلوة وهى تشابه هاجر سرية الخليل فان كلا منهما من ديار مصر وتسراها نبي كريم وخليل جليل عليهما السلام
ثم دخلت سنة سبع عشرة
في المحرم منها انتقل سعد بن ابي وقاص من المدائن الى الكوفة وذلك ان الصحابة استوخموا المدائن وتغيرت الوانهم وضعفت ابدانهم لكثرة ذبابها وغبارها فكتب سعد الى عمر في ذلك فكتب عمر ان العرب لا تصلح الا حيث يوافق ابلها فيعث سعد حذيفة وسلمان بن زياد يرتادان للمسلمين منزلا مناسبا يصلح لاقامتهم فمرا على ارض الكوفة وهى حصباء في رملة حمراء (7/74)
فاعجبتهما ووجد هنالك ديرات ثلاث دير حرقة بنت النعمان ودير ام عمرو ودير سلسلة وبين ذلك خصاص خلال هذه الكوفة فنزلا فصليا هنالك وقال كل واحد منهما اللهم رب السماء وما اظلت ورب الارض وما اقلت ورب الريح وما ذرت والنجوم وما هوت والبحار وما جرت والشياطين وما كتبا إلى سعد بالخبر فأمر سعد باختطاط الكوفة وسار اليها في اول اضلت والخصاص وما اجنت بارك لنا في هذه الكوفة واجعلها منزل ثبات ثم هذه السنة في محرمها فكان اول بناء وضع فيها المسجد وامر سعد رجلا راميا شديد الرمي فرمى من المسجد الى الاربع جهات فحيث سقط سهمه بنى الناس منازلهم وعمر قصرا تلقاء محراب المسجد للامارة وبيت المال فكان اول ما بنوا المنازل بالقصب فاحترقت في اثناء السنة فبنوها باللبن عن امر عمر بشرط ان لا يسرفوا ولا يجاوزوا الحد وبعث سعد الى الامراء والقبائل فقدموا عليه فانزلهم الكوفة وامر سعد ابا هياج الموكل بانزال الناس فيها ان يعمروا ويدعوا للطريق المنهج وسع اربعين ذراعا ولما دون ذلك ثلاثين وعشرين ذراعا وللازقة سبعة اذرع وبنى لسعد قصر قريب من السوق فكانت غوغاء الناس تمنع سعدا من الحديث فكان يغلق بابه ويقول سكن الصويت فلما بلغت هذه الكلمة عمر بن الخطاب بعث محمد بن مسلمة فامره اذا انتهى إلى الكوفة ان يقدح زناده ويجمع حطبا ويحرق باب القصر ثم يرجع من فوره فلما نتهى الى الكوفة فعل ما امره به عمر وامر سعدا ان لا يغلق بابه عن الناس ولا يجعل على بابه احدا يمنع الناس عنه فامتثل ذلك سعد وعرض على محمد بن مسلمة شيئا من المال فامتنع من قبوله ورجع الى المدينة واستمر سعيد بعد ذلك في الكوفة ثلاث سنين ونصف حتى عزله عنها عمر من غير عجز ولا خيانة
ابو عبيدة وحصر الروم له بحمص وقدوم عمر الى الشام
وذلك ان جمعا من الروم عزموا على حصار ابي عبيدة بحمص واستجاشوا باهل الجزيرة وخلق ممن هنالك وقصدوا ابا عبيدة فبعث ابو عبيدة الى خالد فقدم عليه من قنسرين وكتب الى عمر بذلك واستشار ابو عبيدة المسلمين في ان يناجز الروم او يتحصن بالبلد حتى يجىء امر عمر فكلهم اشار بالتحصن الا خالدا فانه اشار بمناجزتهم فعصاه واطاعهم وتحصن بحمص واحاط به الروم وكل بلد من بلدان الشام مشغول اهله عنه بامرهم ولو تركوا ما هم فيه واقبلوا الى حمص لا نخرم النظام في الشام كله وكتب عمر الى سعد ان يندب الناس مع القعقاع بن عمرو ويسيرهم الى حمص من يوم يقدم عليه الكتاب نجدة لابي عبيدة فانه محصور وكتب اليه ان يجهز جيشا الى اهل الجزيرة الذين مالأوا الروم على حصار ابي عبيدة ويكون امير الجيش الى الجزيرة عياض ابن غنم فخرج الجيشان معا من الكوفة القعقاع في اربعة الاف نحو حمص لنجدة ابي عبيدة (7/75)
وخرج عمر بنفسه من المدينة لينصر ابا عبيدة فبلغ الجابية وقيل انما بلغ سرع قاله ابن اسحاق وهو اشبه والله اعلم فلما بلغ اهل الجزيرة الذين مع الروم على حمص ان الجيش قد طرق بلادهم انشمروا الى بلادهم وفارقوا الروم وسمعت الروم بقدوم امير المؤمنين عمر لينصر نائبه عليهم فضعف جانبهم جدا واشار خالد على ابي عبيدة بان يبرز اليهم ليقاتلهم ففعل ذلك ابو عبيدة ففتح الله عليه ونصره وهزمت الروم هزيمة فظيعة وذلك قبل ورود عمر عليهم وقبل وصول الامداد اليهم بثلاث بعد ثلاث ليال وسأله هل يدخلهم في القسم معهم مما افاء الله عليهم فجاء الجواب ليال فكتب أبو عبيدة إلى عمر وهو بالجابية يخبره بالفتح وأن المدد وصل إليهم بان يدخلهم معهم في الغنيمة فان العدو انما يضعف وانما انشمر عنه المدد من خوفهم منهم فاشركهم ابو عبيدة في الغنيمة وقال عمر جزى الله اهل الكوفة خيرا يحمون حوزتهم ويمدون اهل الامصار
فتح الجزيرة
قال ابن جرير وفي هذه السنة فتحت الجزائر فيما قاله سيف بن عمر قال ابن جرير في ذى الحجة من سنة سبع عشرة فوافق سيف بن عمر في كونها في هذه السنة وقال ابن اسحاق كان ذلك في سنة تسع عشرة سار اليها عياض بن غنم وفي صحبته ابو موسى الاشعري وعمر بن سعد ابن ابي وقاص وهو غلام صغير السن ليس اليه من الامر شىء وعثمان بن ابي العاص فنزل الرها فصالحه اهلها على الجزية وصالحت حران على ذلك ثم بعث ابا موسى الاشعري الى نصيبين وعمر بن سعد الى راس العين وسار بنفسه الى دارا فافتتحت هذه البلدان وبعث عثمان بن ابي العاص الى ارمينية فكان عندها شىء من قتال قتل فيه صفوان بن المعطل السلمي شهيدا ثم صالحهم عثمان بن ابي العاص على الجزية على كل اهل بيت دينار
وقال سيف في روايته جاء عبدالله بن عبدالله بن غسان فسلك على رجليه حتى انتهى الى الموصل فعبر الى بلد حتى انتهى الى نصيبين فلقوه بالصلح وصنعوا كما صنع اهل الرقة وبعث الى عمر برءوس النصارى من عرب اهل الجزيرة فقال لهم عمر ادوا الجزية فقالوا ابلغنا مامننا فوالله لئن وضعت علينا الجزية لندخلن ارض الروم والله لتفضحنا من بين العرب فقال لهم انتم فضحتم انفسكم وخالفتم امتكم والله لتؤدن الجزية وانتم صغرة قمئة ولئن هربتم الى الروم لأكتبن فيكم ثم لاسبينكم قالوا فخذ منا شيئا ولا تسميه جزية فقال اما نحن فنسميه جزية واما انتم فسموه ما شئتم فقال له علي بن ابي طالب ألم يضعف عليهم سعد الصدقة قال بلى واصغى اليه ورضى به منهم
قال ابن جرير وفي هذه السنة قدم عمر بن الخطاب رضى الله عنه الى الشام فوصل الى سرع (7/76)
في قول محمد بن اسحاق وقال سيف وصل الى الجابية قلت والاشهر انه وصل سرع وقد تلقاه امراء الاجناد ابو عبيدة ويزيد بن ابي سفيان وخالد بن الوليد الى سرع فاخبروه ان الوباء قد وقع في الشام فاستشار عمر المهاجرين والانصار فاختلفوا عليه فمن قائل يقول انت قد جئت لامر فلا ترجع عنه ومن قائل يقول لا نرى ان تقدم بوجوه اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على هذا الوباء فيقال ان عمر امر الناس بالرجوع من الغد فقال ابو عبيدة افرارا من قدر الله قال نعم نفر من قدر الله الى قدر الله ارايت لو هبطت واديا ذا عدوتين احداهما مخصبة والاخرى مجدبة فان رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وان انت رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ثم قال لو غيرك يقولها يا ابا عبيدة
قال ابن اسحاق في روايته وهو في صحيح البخاري وكان عبدالرحمن بن عوف متغيبا في بعض شانه فلما قدم قال ان عندي من ذلك علما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اذا سمعتم به بارض قوم فلا تقدموا عليه واذا وقع بارض وانتم فيها لا تخرجوا فرارا منه فحمد الله عمر يعنى لكونه وافق رايه ورجع بالناس وقال الامام احمد ثنا وكيع ثنا سفيان بن حسين بن ابي ثابت عن ابراهيم بن سعد عن سعد بن مالك بن ابي وقاص وخزيمة بن ثابت واسامة بن زيد قالوا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به قوم قبلكم فاذا وقع بارض انتم فيها لا تخرجوا منها فرارا منه واذا سمعتم به بارض فلا تدخلوا عليه ورواه الامام احمد ايضا من حديث سعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد عن سعد بن ابي وقاص به قال سيف بن عمر كان الوباء قد وقع بالشام في المحرم من هذه السنة ثم ارتفع وكان سيفا يعتقد ان هذا الوباء هو طاعون عمواس الذي هلك فيه خلق من الامراء ووجوه المسلمين وليس الامر كما زعم بل طاعون عمواس من السنة المستقبلة بعد هذه كما سنبينه ان شاء الله تعالى وذكر سيف بن عمر ان امير المؤمنين عمر كان قد عزم على ان يطوف البلدان ويزور الامراء وينظر فيما اعتمدوه وما آثروا من الخير فاختلف عليه الصحابة فمن قائل يقول ابدا بالعراق ومن قائل يقول بالشام فعزم عمر على قدوم الشام لاجل قسم مواريث من مات من المسلمين في طاعون عمواس فانه اشكل قسمها على المسلمين بالشام فعزم على ذلك وهذا يقتضى ان عمر عزم على قدوم الشام بعد طاعون عمواس وقد كان الطاعون في سنة ثماني عشرة كما سيأتي فهو قدوم آخر غير قدوم سرع والله اعلم
قال سيف عن ابي عثمان وابي حارثة والربيع بن النعمان قالوا قال عمر ضاعت مواريث الناس بالشام ابدا بها فاقسم المواريث واقيم لهم ما في نفسي ثم ارجع فاتقلب في البلاد وانبذ اليهم امري قالوا فاتى عمر الشام اربع مرات مرتين في سنة ست عشرة ومرتين في سنة سبع (7/77)
عشرة ولم يدخلها في الاولى من الاخريين وهذا يقتضى ما ذكرناه عن سيف انه يقول بكون طاعون عمواس في سنة سبع عشرة وقد خالفه محمد بن اسحاق وابو معشر وغير واحد فذهبوا الى انه كان في سنة ثماني عشرة وفيه توفي ابو عبيدة ومعاذ ويزيد بن ابي سفيان وغيرهم من الاعيان على ما سياتي تفصيله ان شاء الله تعالى
شىء من اخبار طاعون عمواس
الذي توفي فيه ابو عبيدة ومعاذ ويزيد بن ابي سفيان وغيرهم من اشراف الصحابة وغيرهم اورده ابن جرير في هذه السنة
قال محمد بن اسحاق عن شعبة عن المختار بن عبدالله البجلي عن طارق بن شهاب البجلي قال اتينا ابا موسى وهو في داره بالكوفة لنتحدث عنده فلما جلسنا قال لا تحفوا فقد اصيب في الدار انسان بهذا السقم ولا عليكم ان تتنزهوا عن هذه القرية فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها حتى يرتفع هذا البلاء فاني ساخبركم بما يكره مما يتقى من ذلك ان يظن من خرج انه لو قام مات ويطن من اقام فاصابه ذلك انه لو خرج لم يصبه فاذا لم يظن ذلك هذا المرء المسلم فلا عليه ان يخرج وان يتنزه عنه اني كنت مع ابي عبيدة بن الجراح بالشام عام طاعون عمواس فلما اشتعل الوجع وبلغ ذلك عمر كتب الى ابي عبيدة ليستخرجه منه ان سلام عليك اما بعد فانه قد عرضت لي اليك حاجة اريد ان اشافهك بها فعزمت عليك اذا نظرت في كتاب هذا ان لا تضعه من يدك حتى تقبل الي قال فعرف ابو عبيدة انه انما اراد ان يستخرجه من الوباء فقال يغفر الله لامير المؤمنين ثم كتب اليه يا امير المؤمنين اني قد عرفت حاجتك الى واني في جند من المسلمين لا اجد بنفسي رغبة عنهم فلست اريد فراقهم حتى يقضى الله في وفيهم امره وقضاءه فخلني من عزمتك يا امير المؤمنين ودعنى في جندي فلما قرا عمر الكتاب بكى فقال الناس يا امير المؤمنين امات ابو عبيدة قال لا وكان قد قال ثم كتب اليه سلام عليك اما بعد فانك انزلت الناس ارضا عميقة فارفعهم الى ارض مرتفعة نزهة قال ابو موسى فلما اتاه كتابه دعاني فقال يا ابا موسى ان كتاب امير المؤمنين قد جاءني بما ترى فاخرج فارتد للناس منزلا حتى اتبعك بهم فرجعت الى منزلى لارتحل فوجدت صاحبتي قد اصيبت فرجعت اليه وقلت والله لقد كان في اهلي حدث فقال لعل صاحبتك قد اصيبت قلت نعم فامر ببعير فرحل له فلما وضع رجله في غرزه طعن فقال والله لقد اصبت ثم سار بالناس حتى نزل الجابية ورفع عن الناس الوباء
وقال محمد بن اسحاق عن ابان بن صالح عن شهر بن حوشب عن رابة رجل من قومه وكان قد خلف على امه بعد ابيه وكان قد شهد طاعون عمواس قال لما اشتغل الوجع قام ابو عبيدة في (7/78)
الناس خطيبا فقال ايها الناس ان هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وان ابا عبيدة يسال الله ان يقسم لابي عبيدة حظه فطعن فمات واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيبا بعده فقال ايها الناس ان هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وان معاذ يسال الله تعالى ان يقسم لآل معاذ حظهم فطعن ابنه عبدالرحمن فمات ثم قام فدعا لنفسه فطعن في راحته فلقد رايته ينظر اليها ثم يقلب ظهر كفه ( 1 ) ثم يقول ما احب أن لي بما فيك شيئا من الدنيا فلما مات استخلف على الناس عمر بن العاص فقام فيهم خطيبا فقال ايها الناس ان هذا الوجع اذا وقع فانما يشتعل اشتعال النار فتحصنوا منه في الجبال فقال ابو وائل الهذلي كذبت والله لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه و سلم وانت شر من حماري هذا فقال والله ما ارد عليك ما تقول وايم الله لا نقيم عليه قال ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا ودفعه الله عنهم
قال فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من راي عمرو بن العاص فوالله ما كرهه قال ابن اسحاق ولما انتهى الى عمر مصاب ابي عبيدة ويزيد بن ابي سفيان امر معاوية على جند دمشق وخراجها وامر شرحبيل بن حسنة على جند الاردن وخراجها
وقال سيف بن عمر عن شيوخه قالوا لما كان طاعون عمواس وقع مرتين لم ير مثلهما وطال مكثه وفنى خلق كثير من الناس حتى طمع العدو وتخوفت قلوب المسلمين لذلك
قلت ولهذا قدم عمر بعد ذلك الى الشام فقسم مواريث الذين ماتوا لما اشكل امرها على الامراء وطابت قلوب الناس بقدومه وانقمعت الاعداء من كل جانب لمجيئه الى الشام ولله الحمد والمنة
وقال سيف بعد ذكره قدوم عمر بعد طاعون عمواس في آخر سنة سبع عشرة قال فلما اراد القفول الى المدينة في ذي الحجة منها خطب الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال الا اني قد وليت عليكم وقضيت الذي علي في الذي ولاني الله من امركم ان شاء الله فبسطنا بينكم فيأكم ومنازلكم ومغازيكم وابلغناكم ما لدينا فجندنا لكم الجنود وهيأنا لكم العروج وبوأنا لكم ووسعنا عليكم ما بلغ فيؤكم وما قاتلتم عليه من شامكم وسمينا لكم اطعماتكم وامرنا لكم باعطياتكم وارزاقكم ومغانمكم فمن علم منكم شيئا ينبغى العمل به فليعلمنا نعمل به ان شاء الله ولا قوة الا بالله قال وحضرت الصلاة فقال الناس لو امرت بلالا فاذن فامره فاذن فلم يبق احد كان ادرك رسول الله صلى الله عليه و سلم وبلال يؤذن الا بكى حتى بل لحيته وعمر اشدهم بكاء وبكى من لم يدركه لبكائهم ولذكره صلى الله عليه و سلم
وذكر ابن جرير في هذه السنة من طريق سيف بن عمر عن ابي المجالد ان عمر بن الخطاب (7/79)
بعث ينكر على خالد بن الوليد في دخوله الى الحمام وتدلكه بعد النورة بعصفر معجون بخمر فقال في كتابه ان الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الاثم وباطنه وقد حرم مس الخمر فلا تمسوها اجسامكم فانها نجس فان فعلتم فلا تعودوا فكتب اليه خالد انا قتلناها فعادت غسولا غير خمر فكتب اليه عمر انى اظن ان آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء فلا اماتكم الله عليه فانتهى لذلك
قال سيف واصاب اهل البصرة تلك السنة الطاعون ايضا فمات بشر كثير وجم غفير رحمهم الله ورضى عنهم اجمعين قالوا وخرج الحارث بن هشام في سبعين من اهله الى الشام فلم يرجع منهم الا اربعة فقال المهاجر بن خالد في ذلك ... من يسكن الشام يعرس به ... والشام ان لم يفننا كارب ... افنى بنى ريطة فرسانهم ... عشرون لم يقصص لهم شارب ... ومن بنى اعمامهم مثلهم ... لمثل هذا يعجب العاجب ... طعنا وطاعونا مناياهم ... ذلك ما خط لنا الكاتب ... كائنة غريبة فيها عزل خالد عن قنسرين ايضا
قال ابن جرير وفي هذه السنة ادرب خالد بن الوليد وعياض بن غنم اي سلكا درب الروم واغارا عليهم فغنموا اموالا عظيمة وسبيا كثيرا ثم روى من طريق سيف عن ابي عثمان وابي حارثة والربيع وابي المجالد قالوا لما رجع خالد ومعه اموال جزيلة من الصائفة انتجعه الناس يبتغون وفده ونائله فكان ممن دخل عليه الاشعث بن قيس فاجازه بعشرة الاف فلما بلغ ذلك عمر كتب الى ابي عبيدة يامره ان يقيم خالدا ويكشف عمامته وينزع عنه قلنسوته ويقيده بعمامته ويساله عن هذه العشرة الاف ان كان اجازها الاشعث من ماله فهو سرف وان كان من مال الصائفة فهى خيانة ثم اعزله عن عمله فطلب ابو عبيدة خالدا وصعد ابو عبيدة المنبر واقيم خالد بين يدي المنبر وقام اليه بلال ففعل ما امر به عمر بن الخطاب هو والبريد الذي قدم بالكتاب هذا وابو عبيدة ساكت لا يتكلم ثم نزل ابو عبيدة واعتذر الى خالد مما كان بغير اختياره وارادته فعذره خالد وعرف انه لا قصد له في ذلك ثم سار خالد الى قنسرين فخطب اهل البلد وودعهم وسار باهله الى حمص فخطبهم ايضا وودعهم وسار الى المدينة فلما دخل خالد على عمر انشد عمر قول الشاعر ... صنعت فلم يصنع كصنعك صانع ... وما يصنع الاقوام فالله صانع ...
ثم ساله من اين هذا اليسار الذي تجيز منه بعشرة الاف فقال من الانفال والسهمان قال (7/80)
فما زاد على الستين الفا فلك ثم قوم أمواله وعروضه واخذ منه عشرين الفا ثم قال والله انك على لكريم وانك الى لحبيب ولن تعمل لي بعد اليوم على شىء
وقال سيف عن عبدالله عن المستورد عن ابيه عن عدي بن سهل قال كتب عمر الى الامصار اني لم اعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة ولكن الناس فتنوا به فاحببت ان يعلموا ان الله هو الصانع ثم رواه سيف عن مبشر عن سالم قال لما قدم خالد على عمر فذكر مثله قال الواقدي وفي هذه السنة اعتمر عمر في رجب منها وعمر في المسجد الحرام وامر بتجديد انصاب الحرم امر بذلك لمخرمة بن نوفل وازهر بن عبدعوف وحويطب بن عبدالعزى وسعيد بن يربوع قال الواقدي وحدثني كثير بن عبدالله المرى عن ابيه عن جده قال قدم عمر مكة في عمرة سنة سبع عشرة فمر في الطريق فكلمه اهل المياه ان يبنوا منازل بين مكة والمدينة ولم يكن قبل ذلك بناء فاذن لهم وشرط عليهم ان ابن السبيل احق بالظزل والماء
قال الواقدي وفيها تزوج عمر بام كلثوم بنت علي بن ابي طالب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ودخل بها في ذى القعدة وقد ذكرنا في سيرة عمر ومسنده صفة تزويجه بها انه امهرها اربعين الفا وقال انما تزوجتها لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم كل سبب ونسب فانه ينقطع يوم القيامة الا وسببي ونسبي قال وفي هذه السنة ولى عمر ابا موسى الاشعري البصرة وامره ان يشخص اليه المغيرة بن شعبة في ربيع الاول فشهد عليه فيما حدثنى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب ابو بكرة وشبل بن معبد البجلي ونافع بن عبيد وزياد ثم ذكر الواقدي وسيف هذه القصة وملخصها ان امرأة كان يقال لها ام جميل بنت الافقم من نساء بنى عامر بن صعصعة ويقال من نساء بنى هلال وكان زوجها من ثقيف قد توفي عنها وكانت تغشى نساء الامراء والاسراف وكانت تدخل على بيت المغيرة بن شعبة وهو امير البصرة وكانت دار المغيرة تجاه دار ابي بكرة وكان بينهما طريق وفي دار ابي بكرة كوة تشرف على كوة في دار المغيرة وكان لا يزال بين المغيرة وبين ابي بكرة شنآن فبينما ابو بكرة في داره وعنده جماعة يتحدثون في العلية اذ فتحت الريح باب الكوة فقام ابو بكرة ليغلقها فاذا كوة المغيرة مفتوحة واذا هو على صدر امرأة وبين رجليها وهو يجامعها فقال ابو بكرة لاصحابه تعالوا فانظروا الى اميركم يزنى بام جميل فقاموا فنظروا اليه وهو يجامع تلك المرأة فقالوا لابي بكرة ومن اين قلت انها ام جميل وكا راساهما من الجانب الاخر فقال انتظروا فلما فرغا قامت المرأة فقال ابو بكرة هذه ام جميل فعرفوها فيما يظنون فلما خرج المغيرة وقد اغتسل ليصلي بالناس منعه ابو بكرة ان يتقدم وكتبوا الى عمر في ذلك فولى ابا موسى الاشعري اميرا على البصرة وعزل المغيرة فسار الى البصرة فنزل (7/81)
البرد فقال المغيرة والله ما جاء ابو موسى تاجرا ولا زائرا ولا جاء الا اميرا ثم قدم ابو موسى على الناس وناول المغيرة كتابا من عمر هو اوجز كتاب فيه اما بعد فانه بلغني نبأ عظيم فبعثت ابا موسى اميرا فسلم ما في يديك والعجل وكتب الى اهل البصرة اني قد وليت عليكم ابا موسى لياخذ من قويكم لضعيفكم وليقاتل بكم عدوكم وليدفع عن دينكم وليجبى لكم فياكم ثم ليقسمه بينكم واهدى المغيرة لابي موسى جارية من مولدات الطائف تسمى عقيلة وقال اني رضيتها لك وكانت فارهة وارتحل المغيرة والذين شهدوا عليه وهم ابو بكرة ونافع بن كلدة وزياد بن امية وشبل بن معبد البجلي فلما قدموا على عمر جمع بينهم وبين المغيرة فقال المغيرة سل هؤلاء الاعبد كيف راوني مستقبلهم او مستدبرهم وكيف راو المرأة وعرفوها فان كانوا مستقبلي فكيف لم يستتروا او مستدبري فكيف استحلوا النظر في منزلي على امرأتى والله ما اتيت الا امرأتي وكانت تشبهها فبدأ عمر بابي بكرة فشهد عليه انه آه بين رجلي ام جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة قال كيف رايتهما قال مستدبرهما قال فكيف استبنت راسها قال تحاملت ثم دعا شبل ابن معبد فشهد بمثل ذلك فقال استقبلتهما ام استدبرتهما قال استقبلتهما وشهد نافع بمثل شهادة ابي بكرة ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم قال رايته جالسا بين رجلي امرأة فرايت قدمين مخضوبتين يخفقان واستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا قال هل رايت كالميل في المكحلة قال لا قال فهل تعرف المرأة قال لا ولكن اشبهها قال فتنح وروى ان عمر رضى الله عنه كبر عند ذلك ثم امر بثلاث فجلدوا الحد وهو يقرأ قوله تعالى فاذا لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون فقال المغيرة اشفني من الاعبد قال اسكت اسكت الله فاك والله لم تمت الشهادة لرجمناك باحجارك
فتح الاهواز ومناذر ونهر تيري
قال ابن جرير كان في هذه السنة وقيل في سنة ست عشرة ثم روى من طريق سيف عن شيوخه ان الهرمزان كان قد تغلب على هذه الاقاليم وكان ممن فر يوم القادسية من الفرس فجهز ابو موسى من البصرة وعتبة بن غزوان من الكوفة جيشين لقتاله فنصرهم الله عليه واخذوا منه ما بين دجلة الى دجيل وغنموا من جيشه ما ارادوا وقتلوا من ارادوا ثم صانعهم وطلب مصالحتهم عن بقية بلاده فشاورا في ذلك عتبة بن غزوان فصالحه وبعث بالاخماس والبشارة الى عمر وبعث وفدا فيهم الاحنف بن قيس فاعجب عمر به وحظى عنده وكتب الى عتبة يوصيه به ويامره بمشاورته والاستعانة برايه ثم نقض الهرمزان العهد والصلح واستعان بطائفة من الاكراد وغرته نفسه وحسن له الشيطان عمله في ذلك فبرز اليه المسلمون فنصروا عليه وقتلوا من جيشه جما (7/82)
غفيرا وخلقا كثيرا وجمعا عظيما واستلبوا منه ما بيده من الاقاليم والبلدان الى تستر فتحصن بها وبعثوا الى عمر بذلك وقد قال الاسود بن سريع في ذلك وكان صحابيا رضى الله عنه ... لعمرك ما اضاع بنو ابينا ... ولكن حافظوا فيمن يطيعوا ... اطاعول ربهم وعصاه قوم ... اضاعوا امره فيمن يضيع ... مجوس لا ينهنهها كتاب ... فلاقوا كبة فيها قبوع ... وولى الهرمزان على جواد ... سريع الشد يثفنه الجميع ... وخلى سرة الاهواز كرها ... غداة الجسر اذ نجم الربيع ...
وقال حرقوص بن زهير السعدي وكان صحابيا ايضا
... غلبنا الهرمزان على بلاد ... لها في كل ناحية ذخائر ... سواء برهم والبحر فيها ... اذا صارت نواحيها بواكر ... لها بجر يعج بجانبيه ... جعافر لا يزال لها زواخر ... فتح تستر المرة الاولى صلحا
قال ابن جرير كان ذلك في هذه السنة في قول سيف وروايته وقال غيره في سنة ست عشرة وقال غيره كانت في سنة تسع عشرة ثم قال ابن جرير ذكر الخبر عن فتحها ثم ساق من طريق سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو قالوا ولما افتتح حرقوص بن زهير سوق الاهواز وفر الهرمزان بين يديه فبعث في اثره جزء بن معاوية وذلك عن كتاب عمر بذلك فما زال جزء يتبعه حتى انتهى الى رامهرمز فتحصن الهرمزان في بلادها واعجز جزءا تطلبه واستحوذ جزء على تلك البلاد والاقاليم والاراضي فضرب الجزية على اهلها وعمر عامرها وشق الانهار الى خرابها ومواتها فصارت في غاية العمارة والجودة ولما راى الهرمزان ضيق بلاده عليه لمجاورة المسلمين طلب من جزء بن معاوية المصالحة فكتب الى حرقوص فكتب حرقوص الى عتبة بن غزوان وكتب عتبة الى عمر في ذلك فجاء الكتاب العمرى بالمصالحة على رامهرمز وتستر وجندسابور ومدائن اخر مع ذلك فوقع الصلح على ذلك كما امر به عمر رضىة الله عنه
ذكر غزوة بلاد فارس من ناحية البحرين عن ابن جرير عن سيف
وذلك ان العلاء بن الحضرمي كان على البحرين في ايام الصديق فلما كان عمر عزله عنها وولاها لقدامة بن مظعون ثم اعاد العلاء بن الحضرمي اليها وكان العلاء الحضرمي يباري سعد بن ابي وقاص فلما افتتح سعد القادسية وازاح كسرى عن داره واخذ حدود ما يلي السواد واستعلى (7/83)
وجاء باعظم مما جاء به العلاء بن الحضرمي من ناحية البحرين فاحب العلاء ان يفعل فعلا في فارس نظير ما فعله سعد فيهم فندب الناس الى حربهم فاستجاب له اهل بلاده فجزاهم اجزاء فعلى فرقة الجارود بن المعلي وعلى الاخرى السوار بن همام وعلى الاخرى خليد بن المنذر بن ساوى وخليد هو امير الجماعة فحملهم في البحر الى فارس وذلك بغير اذن عمر له في ذلك وكان عمر يكره ذلك لان رسول الله صلى الله عليه و سلم وابا بكر ما اغزيا فيه المسلمين فعبرت تلك الجنود من البحرين الى فارس فخرجوا من عند اصطخر فحالت فارس بينهم وبين سفنهم فقام في الناس خليد بن المنذر فقال ايها الناس انما اراد هؤلاء القوم بصنيعهم هذا محاربتكم وانتم جئتم لمحاربتهم فاستعينوا بالله وقاتلوهم فانما الارض والسفن لمن غلب واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة الا على الخاشعين فاجابوه الى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا في مكان من الارض يدعى طاوس ثم امر خليد المسلمين فترجلوا وقاتلوا فصبروا ثم ظفروا فقتلوا فارس مقتلة لم يقتلوا قبلها مثلها ثم خرجوا يريدون البصرة فغرقت بهم سفنهم ولم يجدوا الى الرجوع في البحر سبيلا ووجدوا شهرك في اهل اصطخر قد اخذوا على المسلمين بالطرق فعسكروا وامتنعوا من العدو ولما بلغ عمر صنع العلاء بن الحضرمي اشتد غضبه عليه وبعث اليه فعزله وتوعده وامره باثقل الاشياء عليه وابغض الوجوه اليه فقال الحق بسعد بن ابي وقاص فخرج العلاء الى سعد بن ابي وقاص ( 1 ) ( 2 ) مضافا اليه وكتب عمر الى عتبة بن غزوان ان العلاء بن الحضرمي خرج بجيش فاقطعهم اهل فارس وعصاني واظنه لم يرد الله بذلك فخشيت عليهم ان لاينصروا ان يغلبوا وينشبوا فاندب اليهم الناس واضممهم اليك من قبل ان يجتاحوا فندب عتبة المسلمين واخبرهم بكتاب عمر اليه في ذلك فانتدب جماعة من الامراء الابطال منهم هاشم بن ابي وقاص وعاصم بن عمرو وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن والاحنف بن قيس وغيرهم في اثنى عشر الفا وعلى الجميع ابو سبرة بن ابي رهم فخرجوا على البغال يجنبون الخيل سراعا فساروا على الساحل لا يلقون احدا حتى انتهوا الى موضع الوقعة التى كانت بين المسلمين من اصحاب العلاء وبين اهل فارس بالمكان المسمى بطاوس واذا خليد بن المنذر ومن معه من المسلمين محصورون قد احاط بهم العدو من كل جانب وقد تداعت عليهم تلك الامم من كل وجه وقد تكاملت امداد المشركبن ولم يبق الا القتال فقدم المسلمون اليهم في احوج ما هم فيه اليهم فالتقوا مع المشركين راسا فكسر ابو سبرة المشركين كسرة عظيمة وقتل منهم مقتلة عظيمة جدا واخذ منهم اموالا جزيلة باهرة واستنقذ خليدا ومن معه من المسلمين من ايديهم واعز به الاسلام واهله ودفع (7/84)
الشرك وذله ولله الحمد والمنة ثم عادوا الى عتبة بن غزوان الى البصرة
ولما استكمل عتبة فتح تلك الناحية استاذن عمر في الحج فاذن له فسار الى الحج واستخلف على البصرة ابا سبرة بن ابي رهم واجتمع بعمر في الموسم وساله ان يقيله فلم يفعل واقسم عليه عمر ليرجعن الى عمله فدعا عتبة الله عز و جل فمات ببطن نخلة وهو منصرف من الحج فتاثر عليه عمر واثنى عليه خيرا وولى بعده بالبصرة المغيرة بن شعبة فوليها بقية تلك السنة والتى تليها لم يقع في زمانه حدث وكان مرزوق السلامة في عمله ثم وقع الكلام في تلك المرأة من ابي بكرة فكان امره ما قدمنا ثم بعث اليها ابا موسى الاشعري واليا عليها رضى الله عنهم
ذكر فتح تستر ثانية واسر الهرمزان وبعثه الى عمر بن الخطاب
قال ابن جرير كان ذلك في هذه السنة في رواية سيف بن عمر التميمي وكان سبب ذلك ان يزدجر كان يحرض اهل فارس في كل وقت ويؤنبهم بملك العرب بلادهم وقصدهم اياهم في حصونهم فكتب الى اهل الاهواز واهل فارس فتحركوا وتعاهدوا وتعاقدوا على حرب المسلمين وان يقصدوا البصرة وبلغ الخبر الى عمر فكتب الى سعد وهو بالكوفة ان ابعث جيشا كثيفا الى الاهواز مع النعمان بن مقرن وليكونوا بازاء الهرمزان وسمى رجالا من الشجعان الاعيان الامراء يكونون في هذا الجيش منهم جرير بن عبدالله البجلي وجرير بن عبدالله الحميري والنعمان بن مقرن وسويد بن مقرن وعبدالله بن ذى السهمين وكتب عمر الى ابي موسىوهو بالبصرة ان ابعث الى الاهواز جندا كثيفا وامر عليهم سهيل بن عدي وليكن معه البراء بن مالك وعاصم ابن عمرو ومجزأة بن ثور وكعب بن ثور وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وعبدالرحمن بن سهل والحصين بن معبد وليكن على اهل الكوفة واهل البصرة جميعا ابو سبرة بن ابي رهم وعلى كل من اتاه من المدد قالوا فسار النعمان بن مقرن بجيش الكوفة فسبق البصريين فانتهى الى رامهرمز وبها الهرمزان فخرج اليه الهرمزان في حنده ونقض العهد بينه وبين المسلمين فبادره طمعا ان يقتطعه قبل مجىء اصحابه من اهل البصرة رجاء ان ينصر اهل فارس فالتقى معه النعمان بن مقرن باربل فاقتتلا قتالا شديدا فهزم الهرمزان وفر الى تستر وترك رامهرمز فتسلمها النعمان عنوة واخذ ما فيها من الحواصل والذخائر والسلاح والعدد فلما وصل الخبر الى اهل البصرة بما صنع الكوفيون بالهرمزان وانه فر فلجا الى تستر ساروا اليها ولحقهم اهل الكوفة حتى احاطوا بها فحاصروها جميعا وعلى الجميع ابو سبرة فوجدوا الهرمزان قد حشد بها خلقا كثيرا وجما غفيرا وكتبوا الى عمر في ذلك وسالوه ان يمدهم فكتب الى ابي موسى ان يسير اليهم فسار اليهم وكان امير اهل (7/85)
البصرة واستمر ابو سبرة على الامرة على جميع اهل الكوفة والبصرة فحاصرهم اشهرا وكثر القتل من الفريقين وقتل البراء بن مالك أخو أنس بن مالك يومئذ مائة مبارز سوى من قتل غير ذلك وكذلك فعل كعب بن ثور ومجزأة بن ثور وابو يمامة وغيرهم من اهل البصرة وكذلك اهل الكوفة قتل منهم جماعة مائة مبارزة كحبيب بن قرة وربعي بن عامر وعامر بن عبد الأسود وقد تزاحفوا اياما متعدده حتى اذا كان في آخر زحف قال المسلمون للبراء بن مالك وكان محاب الدعوة يا براء اقسم على ربك ليهزمنهم لنا فقال اللهم اهزمهم لنا واستشهدني قال فهزمهم المسلمون حتى ادخلوهم خنادقهم واقتحموها عليهم ولجأ المشركون الى البلد فتحصنوا به وقد ضاقت بهم البلد وطلب رجل من اهل البلد الأمان من ابي موسى فأمنه فبعث يدل المسلمين على مكان يدخلون منه الى البلد وهو من مدخل الماء اليها فندب الأمراء الناس الى ذلك فانتدب رجال من الشجعان والأبطال وجاؤوا فدخلوا مع الماء كالبط الى البلد وذلك في الليل فيقال كان اول من دخلها عبد الله بن مغفل المزني وجاؤا الى البوابين فأناموهم وفتحوا الابواب وكبر المسلمون فدخلوا البلد وذلك في وقت الفجر الى ان تعالى النهار ولم يصلوا الصبح يومئذ الا بعد طلوع الشمس كما حكاه البخاري عن انس بن مالك قال شهدت فتح تستر وذلك عند صلاة الفجر فاشتغل الناس بالفتح فما صلوا الصبح الا لمكحول والأوزاعي في ذهابهما إلى جواز تأخير الصلاة لعذر القتال وجنح إليه بعد طلوع الشمس فما احب ان لي بتلك الصلاة حمر النعم احتج بذلك البخاري البخاري واستدل بقصة الخندق في قوله عليه السلام شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا وبقوله يوم بنى قريظة لا يصلين احد منكم العصر الا في بني قريظة فأخرها فريق من الناس الى بعد غروب الشمس ولم يعنفهم وقد تكلمنا على ذلك في غزوة الفتح
والمقصود ان الهرمزان لما فتحت البلد لجأ الى القلعة فتبعه جماعة من الأبطال ممن ذكرنا وغيرهم فلما حصروه في مكان من القلعة ولم يبق الا تلافة او تلافهم قال لهم بعد ما قتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور رحمهما الله ان معي جعبة فيها مائة سهم وانه لا يتقدم الى احد منكم الا ميته بسهم فتلته ولا يسقط لي سهم الا في رجل منكم فماذا ينفعكم ان اسرتموني بعد ما قتلت منكم مائة رجل قالوا فماذا تريد قال تؤمنوني حتى اسلمكم يدي فتذهبوا بي الى عمر بن الخطاب فيحكم في كما يشاء فأجابوه الى ذلك فألقى قوسه ونشابه واسروه فشدوه وثاقا وارصدوه ليبعتوه الى امير (7/86)
المؤمنين عمر ثم تسلموا ما في البلد من الأموال والحواصل فاقتسموا اربعة اخماسه فنال كل فارس ثلاثة آلاف وكل راجل الف درهم
فتح السويس
ثم ركب ابو سبرة في طائفة من الجيش ومعه ابو موسى الأشعري والنعمان بن مقرن واستصحبوا معهم الهرمزان وساروا في طلب المنهزمين من الفرس حتى نزلوا على السوس فاحاطوا بها وكتب ابو سبرة الى عمر فجاء الكتاب بان يرجع ابو موسى الى البصرة وامر عمر زر بن عبد الله بن كليب العقيمي وهو صحابي ان يسير الى جند سابور فسار ثم بعث ابو سبرة بالخمس وبالهرمزان مع وفد فيهم انس بن مالك والأحنف بن قيس فلما اقتربوا من المدينة هيؤا الهرمزان بلبسه الذي كان يلبسه من الديباج والذهب المكلل بالياقوت واللآليء ثم دخلوا المدينة وهو كذلك فتيمموا به منزل امير المؤمنين فسألوا عنه فقالوا إنه ذهب الى المسجد بسبب وقد من الكوفة فجاؤا المسجد فلم يروا احدا فرجعوا فاذا غلمان يلعبون المسجد فإذا هو متوسد برنسا كان قد لبسه فسألوهم عنه فقال انه نائم في المسجد متوسدا برنسا له فرجعوا إلى للوفد فلما انصرفوا عنه توسد البرنس ونام وليس في المسجد غيره والدرة معلقة في يده فقال الهرمزان اين عمر فقالوا هوذا وجعل الناس يخفضون اصواتهم لئلا ينبهو وجعل الهرمزان يقول واين حجابه ابن حرسة فقالوا ليس له حجاب ولا حرس ولا كاتب ولا ديوان فقال ينبغي ان يكون نبيا فقالوا بل يعمل عمل الأنبياء وكثر الناس فاستيقظ عمر بالجلبة فاستوى جالسا ثم نظر الى الهرمزان فقال الهرمزان قالوا نعم فتأمله وتأمل ما عليه ثم قال اعوذ بالله من النار واستعين بالله ثم قال الحمد لله الذي اذل بالاسلام هذا وأشياعه يا معشر المسلمين تمسكوا بهذا الدين واهتدوا بهدى نبيكم ولا تبطرانكم الدنيا فانها غدارة فقال له الوفد هذا ملك الأهواز فكلمه فقال لاحتى لايبقى عليه من حليته شيء ففعلوا ذلك والبسوه ثوبا صفيقا فقال عمر يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة امر الله فقال يا عمر انا واياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم اذ لم يكن معنا ولا معكم فلما كان معكم غلبتمونا فقال عمر انما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا ثم قال ما عذرك وما حجتك في انقاضك مرة بعد مرة فقال اخاف ان تقتلني قبل ان اخبرك قال لاتخف ذلك استسقى الهرمزان ماء فأتى به في قدح غليظ فقال لو مت عطشا لم استطع ان اشرب في هذا فأتى به قدح آخر يرضاه فلما اخذه جعلت يده ترعد وقال اني اخاف ان اقتل وأنا اشرب فقال عمر لابأس عليك حتى تشربه وأكفأه فقال عمر (7/87)
اعيدوه عليه ولا تجمعوا عليه القتل والعطش فقال لا حاجة لي في الماء انما اردت ان استانس به فقال له عمر اني قاتلك فقال انك امنتني قال كذبت فقال انس صدق يا امير المؤمنين فقال عمر ويحك يا انس انا اؤمن من قبل مجزأة والبراء لتاتيني بمخرج والا عاقبتك قال قلت لا بأس عليك حتى تخبرني وقلت لاباس عليك حتى تشربه وقال له من حوله مثل ذلك فاقبل على الهرمزان فقال خدعتني والله لا انخدع الا ان تسلم فاسلم ففرض له في الفين وانزله المدينة وفي رواية ان الترجمان بين عمر وبين الهرمزان كان المغيرة بن شعبة فقال له عمر قل له من أي ارض انت قال مهرجاني قال تكلم بحجتك فقال اكلام حي ام ميت قال بل كلام حي فقال قد امنتني فقال خدعتني ولا اقبل ذلك الا ان تسلم فاسلم ففرض له الفين وانزله المدينة ثم جاء زيد فترجم بينهما ايضا
قلت وقد حسن اسلام الهرمزان وكان لايفارق عمر حتى قتل عمر فاتهمه بعض الناس بمملاة ابي لؤلؤة هو وجفينة فقتل عبد الله بن عمر الهرمزان وجفينة على ما سيأتي تفصيله
وقد روينا ان الهرمزان لما علاه عبيد الله بالسيف قال لاإله إلا الله واما جفينه فصلب على وجهه
والمقصود ان عمر كان يحجر على المسلمين ان يتوسعوا في بلاد العجم خوفا عليهم من العجم حتى اشار عليه الأحنف بن قيس بأن المصلحة تقتضي توسعهم في الفتوحات فان الملك يزدجرد لا يزال يستحثهم على قتال المسلمين وان لم يستأصل شأو العجم ولا طمعوا في الاسلام واهله فاستحسن عمر ذلك منه وصوبه واذن للمسلمين في التوسع في بلاد العجم ففتحوا بسبب ذلك شيئا كثيرا ولله الحمد واكثر ذلك وقع في سنة ثماني عشرة كما سياتي بيانه فيها
ثم نعود الى فتح السوس وحند سابور وفتح نهاوند في قول سيف كان قد تقدم ان ابا سبرة سار بمن معه من عليه الأمراء من تستر الى السوس فنازلها حينا وقتل من الفريقين خلق كثير فأشرف عليه علماء اهلها فقالوا يامعشر المسلمين لاتتعبو في حصار هذا البلد فانا ناثر فيما نرويه عن قدمائنا من اهل هذا البلد انه لايفتحه الا الدجال او قوم معهم الدحال واتفق انه كان في جيش ابي موسى الأشعري صاف بن صياد فأرسله ابو موسى فيمن يحاصره فجاء الى الباب فدقه برجله فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق ودخل المسلمون البلد فقتلوا من وجدوا حتى نادوا بالامان ودعو ا الى الصلح فاجابوهم الى ذلك وكان على السوس شهر يار اخو الهرمزان فاستحوذ المسلمون على السوس وهو بلد قديم العمارة في الارض يقال إنه اول بلد وضع على وجه الأرض والله اعلم وذكر ابن جرير انهم وجدوا قبر دانيال بالسوس وان ابا موسى لما قدم بها بعد مضى ابي سبرة (7/88)
الى جندي سابور كتب الى عمر في امره فكتب اليه ان يدفنه وان يغيب عن الناس موضع قبره ففعل وقد بسطنا ذلك في سيرة عمر ولله الحمد
قال ابن جرير وقال بعضهم ان فتح السوس ورامهز وتسيير الهرمزان من تستر الى عمر في سنة عشرين والله اعلم وكان الكتاب العمري قد ورد بان النعمان بن مقرن يذهب الى اهل نهاوند فسار اليها فمر بماه بلدة كبيرة قبلها فافتتحها ثم ذهب الى نهاوند ففتحها ولله الحمد
قلت المشهور ان فتح نهاوند انما وقع في سنة احدى وعشرين كما سيأتي فيها بيان ذلك وهي وقعة عظيمة وفتح كمبير وخبر غريب ونبأ عجيب وفتح زر بن عبد الله الفقيمي مدينة جندي سابور فاستوثقت تلك البلاد للمسلمين هذا وقد تحول يزدجرد من بلد الى بلد حتى انتهى امره الى الاقامة باصبهان وقد كان صرف طائفة من اشراف اصحابه فريبا من ثلثمائة من العظماء عليهم رجل يقال له سياه فكانوا يفرون من المسلمين من بلد الى بلد حتى فتح المسلمون تستر واصطخر فقال سياه لأصحابه ان هؤلاء بعد الشقاء والذله ملكوا اماكن الملوك الأقدمين ولايلقون حندا الا كسروه والله ماهذا عن باطل ودخل في قلبه الإسلام وعظمته فقالو له نحن تبع لك وبعث عمار ابن ياسر في غصون ذلك يدعوهم الى الله فأرسلوا الى ابي موسى الاشعري باسلامهم وكتب فيهم الى عمر في ذلك فامره ان يفرض لهم في الفين الفين وفرض لستة منهم في الفين وخمسائة وحسن اسلامهم وكان لهم نكاية عظيمة في قتال قومهم حتى بلغ من امرهم انهم حاصروا حصنا فامتنع عليهم فجاء احدهم فرمى بنفسه في الليل على باب الحصن وضمخ ثيابه بدم فلما نظروا اليه حسبوا انه منهم ففتحوا اليه باب الحصن لياووه فثار الى البواب فقتله وجاء بقية اصحابه ففتحوا ذلك الحسن وقتلوا من فيه من المجوس الى غير ذلك من الأمور العجيبة اوالله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم
وذكر ابن جرير ان عمر بن الخطاب عقد الأوية والرايات الكبيرة في بلاد خراسان والعراق لغزو فارس والتوسع في بلادهم كما اشار عليه بذلك الأحنف بن قيس فحصل بسبب ذلك فتوحات كثيرة في السنة المستقبلة بعدها كما سنبينه وننبه عليه ولله الحمد والمنة
قال وحج بالناس في هذه السنة امير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم ذكر نوابه على البلاد وهم من ذكر في السنة قبلها غير المغيرة فان على البصرة بدله ابو موسى الأشعري
قلت وقد توفي في هذه السنة اقوام قيل انهم توفوا قبلها وقد ذكرناهم وقيل فيما بعدها وسيأتي ذكرهم في اماكنهم والله تعالى اعلم (7/89)
ثم دخلت سنة ثماني عشرة
المشهور الذي عليه الجمهور ان طاعون عمواس كان بها وقد تبعنا قول سيف بن عمر وابن جرير في ايراده ذلك في السنة التي قبلها لكنا تذكر وفاة من مات في الطاعون في هذه السنة ان شاء الله تعالى قال ابن اسحاق وابو معشر كان في هذه السنة طاعون عمواس وعام الرمادة فتفاني فيهما الناس قلت كان في عام الرمادة جدب عم ارض الحجاز وجاع الناس جوعا شديدا وقد بسطنا القول في ذلك في سيرة عمر وسميت عام الرمادة لأن الأرض اسودت من قلة المطر حتى عاد لونها شبيها بالرماد وقيل لأنها تسفى الريح ترابا كالرماد ويمكن ان تكون سميت لكل منها والله اعلم وقد اجدبت الناس في هذا السنة بارض الحجاز وجفلت الاحياء الى المدينة ولم يبق عند احد منهم زاد فلجأوا الى امير المؤمنين فانفق فيهم من حواصل بيت المال مما فيه منا الأطعمة والاموال حتى انفذه والزم نفسه ان لايأكل سمنا ولا سمينا حتى يكشف ما بالناس فكان في زمن الخصب يبث له الخبز باللبن والسمن ثم كان عام الرمادة يبث له بالزيت والخل وكان يستمرئ الزيت وكان لايشبع مع ذلك فاسود لون عمر رضي الله عنه وتغير جسمه حتى كاد يخشى عليه من الضعف واستمر هذا الحال في الناس تسعة اشهر ثم تحول الحال الى الخصب والدعة وانشمر الناس عن المدينة الى اما كنهم
قال الشافعي بلغني ان رجلا من العرب قال لعمر حين ترحلت الأحياء عن المدينة لقد انجلت عنك ولانك لابن حرة أي واسيت الناس وانصفتهم واحسنت اليهم وقد روينا ان عمر عس المدينة ذات ليلة عام الرمادة فلم يجد احدا يضحك ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادةولم ير سائلا يسأل فسأل عن سبب ذلك فقيل له يا امير المؤمنين ان السؤال سألوا فلم يعطوا فقطعوا السؤال والناس في هم وضيق فهم لايتحدثون ولايضحكون فكتب عمر الى بمصر أن يا غوثاه لأمة محمد فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات ووصلت ميرة عمرو في البحر إلى جدة ومن جدة إلى مكة وهذا الأثر جيد الإسناد لكن ذكر عمرو بن العاص في ابي موسى بالبصرة ان يا غوثاه لامة محمد وكتب الى عمرو بن العاص عام الرمادة مشكل فان مصر لم تكن فتحن في سنة ثماني عشرة فاما ان يكون عام الرمادة بعد سنة ثماني عشرة او يكون ذكر عمرو بن العاص في عام الرمادة وهم والله اعلم
وذكر سيف عن شيوخه ان ابا عبيدة قدم المدينة ومعه اربعة آلاف راحله تحمل طعاما فامره عمر بتفريقها في الأحياء حول المدينة فلما فرغ من ذلك امر له باربعة آلاف درهم فأبى ان يقبلها فلح عليه عمر حتى قبلها (7/90)
وقال سيف بن عمرو عن سهل بن يوسف السلمي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كان عام الرمادة في آخر سنة سبع عشرة وأول سنة ثماني عشرة اصاب اهل المدينة وما حولها جوع فهلك كثير من الناس حتى جعلت الوحش تاوى الى الانس فكان الناس بذلك وعمر كالمحصور عن اهل الأمصار حتى اقبل بلال بن الحارث المزني فاستأذن على عمر فقال انا رسول رسول الله اليك يقول لك رسول الله ( ص ) لقد عهدتك كيسا وما زلت على ذلك فما شأنك قال منى رايت هذا قال البراحة فخرج فنادى في الناس الصلاة جامعة فصلى بهم ركعتين ثم قام فقال ايها الناس انشدكم الله هل تعلمون منى امرا غيره خير منه فقالو اللهم لا فقال ان بلال بن الحارث يزعم ذية وذية قالوا صدق بلال فاستغث بالله ثم بالمسلمين فبعث اليهم وكان عمر عن ذلك محصورا فقال عمر الله اكبر بلغ البلاء مدته فانكشف ما اذن لقوم في الطلب الا وقد رفع عنهم الأذى والبلاء وكتب الى امراء الامصار ان اغيثوا اهل المدينة ومن حولها فانه قد بلغ جهدهم واخرج الناس الى الاستسقاء فخرج وخرج معه العباس بن عبد المطلب ماشيا فخطب واوجز وصلى ثم حتى لركبتيه وقال اللهم اياك نعبد واياك نستعين اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا ثم انصرف فما بلغو المنازل راجعين حتى خاضوا الغدران
ثم روى سيف عن مبشر بن الفضيل عن جبير بن صخر عن عاصم بن عمر بن الخطاب ان رجلا من مزينة عام الرمادة سأله اهله ان يذبح لهم شاة فقال ليس فيهن شيء فالحوا عليه فذبح شاة فاذا عظامها حمر فقال يا محمداه فأقره مني السلام وقل له إن عهدي بك وفي العهد شديد العقد فالكيس الكيس يا عمر فجاء حتى أتى باب عمر فقال لغلامه استأذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم فاتى عمر فاخبره ففزع فلما امسى ارى في المنام ان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له أبشر بالحياة إيت عمر ثم صعد عمر المنبر فقال للناس انشدكم الله الذي هداكم للاسلام هل رأيتم مني شيئا تكرهونه فقالوا اللهم لاوعم ذلك فأخبروهم بقول المزني وهو بلال بن الحارث ففظنوا ولم يفطن فقالوا انما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا فنادى في الناس فخطب فأوجز ثم صلى ركعتين فأوجز ثم قال اللهم عجزت عنا انصارنا وعجز عنا حولنا وقوتنا وعجزت عن انفسنا ولا حول ولا قوة الا بك اللهم اسقنا وأحي العباد والبلاد
وقال الحافظ ابو بكر البيهقي اخبرنا ابو نصر بن قتادة وابو بكر الفارسي قالا حدثنا ابو عمر بن مطر حدثنا ابراهيم بن علي الذهلي حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا ابو معاوية عن الأعمش عن ابي صالح عن مالك قال اصاب الناس قحط في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل الى قبر النبي ( ص ) (7/91)
فقال يارسول الله استسق الله لامتك فانهم قد هلكوا فأتاه رسول الله ( ص ) في المنام فقال ايت عمر فاقره مني السلام واخبرهم انه مسقون وقل له عليك بالكيس الكيس فاتى الرجل فاخبر عمر فقال يارب ما آلوا الا ما عجزت عنه وهذا اسناد صحيح
وقال الطبراني حدثنا ابو مسلم الكشي حدثنا ابو محمد الانصاري ثنا ابي عن ثمامة بن عبد الله ابن انس عن انس ان عمر خرج يستسقى وخرج بالعباس معه يستسقى يقول اللهم انا كنا اذا قحطنا على عهد نبينا توسلنا اليك بنبينا وانا نتوسل اليك بعم نبينا ( ص ) وقد رواه البخاري عن الحسن بن محمد عن محمد بن عبد الله به ولفظه عن انس ان عمر كان اذا قحطوا يستسقى بالعباس ابن عبد المطلب فيقول اللهم انا كنا نتوسل اليك بنبينا فتسقينا وانا نتوسل اليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون وقال ابو بكر بن ابي الدنيا في كتاب المطر وفي كتاب مجابي الدعوة حدثنا ابو بكر النيسابوري ثنا عطاء بن مسلم عن العمري عن خوات بن جبير قال خرج عمر يستسقى بهم فصلى ركعتين فقال اللهم انا نستغفرك ونستسقيك فما برح من مكانه حتى مطروا فقدم اعراب فقالوا يا امير المؤمنين بينا نحن في وادينا في ساعة كذا اذ اظلتنا عمامة فسمعنا منها صوتا اتاك الغوث ابا حفص اتاك الغوص ابا حفص وقال ابن ابي الدنيا ثنا اسحق بن اسماعيل ثنا سفيان عن مطرف بن طريف عن الشعبي قال خرج عمر يستسقى بالناس فما زاد على الاستغفار حتى رجع فقالوا يا امير المؤمنين ما نراك استسقيت فقال لقد طلبت المطر بمحاديج السماء التي يستنزل بها المطر ثم قرأ استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ثم قرأ وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه الآية
وذكر ابن جرير في هذا السنة من طريق سيف بن عمر عن ابي المجالد والربيع وابي عثمان وابي حارثة وعن عبد الله بن شبرمة عن الشعبي قالوا كتب ابو عبيدة الى عمر بن الخطاب ان نفرا من المسلمين اصابو الشراب منهم ضرار وابو جندل بن سهل فسألناهم فقالوا خيرنا فاخترنا قال فهل انتم منتهون ولم يعزم فجمع عمر الناس فأجمعوا على خلافهم وان المعنى فهل انتم منتهون أي انتهوا واجمعوا على جلدهم ثمانين ثمانين وان من تاول هذا التأويل واصر عليه يقتل فكتب عمر الى ابي عبيدة ان ادعهم فسلهم عن الخمر فان قالوا هي حلال فاقتلهم وان قالوا هي حرام م فاجلدهم فاعترف القوم بتحريمها فجلدوا الحد وندموا على ما كان منهم من اللجاجة فيما تأولوه حتى وسوس ابو جندل في نفسه فكتب ابو عبيدة الى عمر في ذلك وسأله ان يكتب الى ابي جندل ويذكره فكتب اليه عمر بن الخطاب في ذلك من عمر الى ابي جندل ان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فتب وارفع رأسك وابرز ولا تقنط فان الله تعالى يقول (7/92)
قل ياعبادي الذين اسرفوا على انفسهم لاتقنطوا من رحمة الله ان الله يفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وكتب عمر الى الناس ان عليكم انفسكم ومن غير فغيروا عليه ولا تعيرو احدا فيفشوا فيكم البلاء وقد قال ابو الزهراء القشيري في ذلك ... الم تر ان الدهر يعثر بالفتى ... وليس على صرف المنون بقادر ... صبرت ولم اجزع وقد مات اخوتي ... ولست عن الصهباء يوما بصابر ... رماها امير المؤمنين بحتفها ... فخلانها يبكون حول المقاصر ...
قال الواقدي وغيره وفي هذه السنة في ذي الحجة منها حول عمر المقام وكان ملصقا بجدار الكعبة فأخره الى حيث هو الآن لئلا يشوش المصلون عنده على الطائفتين قلت قد ذكرت اسانيد ذلك في سيرة عمر ولله الحمد والمنه قال وفيها استقضى عمر شريحا على الكوفة وكعب ابن سور على البصرة قال وفيها حج عمر بالناس وكانت نوابه فيها الذين تقدم ذكرهم في السنة الماضية وفيها فتحت الرقة والرها وحران على يدي عياض بن غنم قال وفتحت راس عين الوردة على يدي عمر بن سعد بن ابي وقاص وقال غيره خلاف ذلك وقال شيخنا الحافظ الذهبي في تاريخه وفيها يعني هذه السنة افتتح ابو موسى الأشعري الرها وشمشاط عنوة وفي اوائلها وجه ابو عبيدة عياض بن غنيم الى الجزيرة فوافق ابا موسى فافتتحا حران ونصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة وقيل صلحا وفيها سار عياض الى الموصل فافتتحها وما حولها عنوة وفيها بنى سعد جامع الكوفة وقال الواقدي وفيها كان طاعون عمواس فمات فيه خمسة وعشرون الفا قلت هذا الطاعون منسوب الى بلدة صغيرة يقال لها عمواس وهي بين القدس والرمله لأنها كان اول ما نجم الداء بها ثم انتشر في الشام منها فنسب اليها فانا الله وانا اليه راجعون قال الوقادي توفي في عام طاعون عمواس من المسلمين بالشام خمسة وعشرون الفا وقال غيره ثلاثون الفا وهذا ذكر طائفة من اعيانهم رضي الله عنهم
الحارث بن هشام
اخو ابي جهل اسلم يوم الفتح وكان سيدا شريفا في الاسلام كما كان في الجاهلية استشهد باشام في هذه السنة في قول وتزوج عمر بعده بامرأته فاطمة
شرحبيل بن حسنة
احد امراء الأرباع وهو امير فلسطين وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن قطن الكندي حليف بني زهرة وحسنة امه نسب اليها وغلب عليه ذلك اسلم قديما وهاجر الى الحبشة وجهزه الصديق الى الشام فكان اميرا على ربع الجيش وكذلك في الدولة العمرية وطعن هو (7/93)
وابو عبيدة وابو مالك الاشعري في يوم واحد سنة ثمانى عشرة له حديثان روى ابن ماجه احدهما في الوضوء وغيره
عامر بن عبدالله بن الجراح
ابن هلال بن اهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي ابو عبيدة بن الجراح الفهري امين هذه الأمة وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الخمسة الذين اسلموا في يوم واحد وهم عثمان بن مظعون وعبيدة بن الحارث وعبدالرحمن بن عوف وابو سلمة بن عبد الاسد وابو عبيدة بن الجراح اسلموا على يدي الصديق ولما هاجروا آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين سعد بن معاذ وقيل بين محمد بن مسلمة وقد شهدا بدرا وما بعدها وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان لكل امة امينا وامين هذه الامة ابو عبيدة بن الجراح ثبت ذلك في الصحيحين وثبت في الصحيحين ايضا ان الصديق قال يوم السقيفة وقد رضيت لكم احد هذين الرجلين فبايعوه يعنى عمر بن الخطاب وابا عبيدة وبعثه الصديق اميرا على ربع الجيش الى الشام ثم لما انتدب خالدا من العراق كان اميرا على ابي عبيدة وغيره لعلمه بالحروب فلما انتهت الخلافة الى عمر عزل خالدا وولى ابا عبيدة ابن الجراح وامره ان يستشير خالدا فجمع للامة بين امانة ابي عبيدة وشجاعة خالد قال ابن عساكر وهو اول من سمى امير الامراء بالشام قالوا وكان ابو عبيدة طوالا نحيفا اجنى معروق الوجه خفيف اللحية اهتم وذلك لانه لما انتزع الحلقتين من وجنتى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم احد خاف ان يؤلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فتحامل على ثنيتيه فسقطتا فما راى احسن هتما منه والصحيح أن عمواس كانت في هذه السنة سنة ثماني عشرة بقرية توفي بالطاعون عام عمواس كما تقدم سياقه في سنة ست عشرة عن سيف بن عمر فحل وقيل بالجابية وقد اشتهر في هذه الاعصار قبر بالقرب من عقبة ينسب اليه والله اعلم وعمره يوم مات ثمان وخمسون سنة
الفضل بن عباس بن عبدالمطلب
كان حسنا وسيما جميلا اردفه رسول الله صلى الله عليه و سلم وراءه يوم النحر من حجة الوداع وهو شاب حسن وقد شهد فتح الشام واستشهد بطاعون عمواس في قول محمد بن سعد والزبير بن بكار وابي حاتم وابن الرقى وهو الصحيح وقيل يوم مرج الصفر وقيل باجنادين ويقال باليرموك سنة ثمان وعشرين
معاذ بن جبل
ابن عمرو بن اوس بن عابد بن عدي بن كعب بن عمرو بن ادى بن علي بن اسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الانصاري الخزرجي ابو عبدالرحمن المدني صحابي جليل كبير القدر
قال الواقدي كان طوالا حسن الشعر والثغر براق الثنايا لم يولد له وقال غيره بل ولد له ولد وهو عبدالرحمن شهد معه اليرموك وقد شهد معاذ العقبة ولما هاجر الناس آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم (7/94)
بينه وبين ابن مسعود وحكى الواقدي الاجماع على ذلك وقد قال محمد بن اسحاق آخى بينه وبين جعفر بن ابي طالب وشهد بدرا وما بعدها وكان احد الاربعة من الخزرج الذين جمعوا القرآن في حياة النبي صلى الله عليه و سلم وهم ابي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وابو زيد عمر بن انس بن مالك وصح في الحديث الذي رواه ابو داود والنسائي من حديث حيوة بن شريح عن عقبة بن مسلم عن ابي عبدالرحمن الجيلي عن الصنابحى عن معاذ ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له يا معاذ والله اني لاحبك فلا تدعن ان تقول في دبر كل صلاة اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وفي المسند والنسائي وابن ماجه من طريق ابى قلابة عن انس مرفوعا واعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن وقال له بم تحكم فقال بكتاب الله وبالحديث وكذلك اقره الصديق على ذلك يعلم الناس الخير باليمن ثم هاجر الى الشام فكان بها حتى مات بعد ما استخلفه ابو عبيدة حين طعن ثم طعن بعده في هذه السنة وقد قال عمر بن الخطاب ان معاذا يبعث امام العلماء بربوة ورواه محمد بن كعب مرسلا وقال ابن مسعود كنا نشبهه بابراهيم الخليل وقال ابن مسعود ان معاذا كان قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين وكانت وفاته شرقي غورينسان سنة ثماني عشرة وقيل سنة تسع عشرة وقيل سبع عشرة عن ثمان وثلاثين سنة على المشهور ( 1 ) وقيل غير ذلك والله اعلم
يزيد بن ابي سفيان
ابو خالد صخر بن حرب بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الاموي اخو معاوية وكان يزيد اكبر وافضل وكان يقال له يزيد الخير اسلم عام الفتح وحضر حنينا واعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة من الابل واربعين اوقية واستعمله الصديق على ربع الجيش الى الشام وهو اول امير وصل اليها ومشى الصديق في ركابه يوصيه وبعث معه ابا عبيدة وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة فهؤلاء امراء الارباع ولما افتتحوا دمشق دخل هو من باب الجابية الصغير عنوة كخالد في دخوله من الباب الشرقي عنوة وكان الصديق قد وعده بأمرتها فوليها عن امر عمر وانفذ له ما وعده الصديق وكان اول من وليها من المسلمين المشهور انه مات في طاعون عمواس كما تقدم وزعم الوليد بن مسلم انه توفي سنة تسع عشرة بعدما فتح قيسارية ولما مات كان قد استخلف اخاه معاوية على دمشق فامضى عمر بن الخطاب له ذلك رضى الله عنهم وليس في الكتب شىء وقد روى عنه ابو عبدالله الاشعري ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مثل الذي يصلى ولا يتم ركوعه ولا سجوده مثل الجائع الذى لا يأكل الا التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئا (7/95)
ابو جندل بن سهيل
ابن عمرو وقيل اسمه العاص اسلم قديما وقد جاء يوم صلح الحديبية مسلما يوسف في قيوده لانه كان قد استضعف فرده ابوه وابي ان يصالح حتى يرد ثم لحق ابو جندل بأبي بصير الى سيف البحر ثم هاجر الى المدينة وشهد فتح الشام وقد تقدم انه تأول آية آية الخمر ثم رجع ومات بطاعون عمواس رحمه الله ورضى عنه ابو عبيدة بن الجراح هو عامر بن عبدالله تقدم ابو مالك الاشعري قيل اسمه كعب بن عاصم قدم مهاجرا سنة خيبر مع اصحاب السفينة وشهد ما بعدها واستشهد بالطاعون عام عمواس هو وابو عبيدة ومعاذ في يوم واحد رضى الله عنهم اجمعين
ثم دخلت سنة تسع عشرة
قال الواقدي وغيره كان فتح المدائن وجلولاء فيها والمشهور خلاف ما قال كما تقدم وقال محمد ابن اسحاق كان فتح الجزيرة والرها وحران ورأس العين ونصيبين في هذه السنة وقد خالفه غيره وقال ابو معشر وخليفة وابن الكلبي كان فتح قيسارية في هذه السنة واميرها معاوية وقال غيره يزيد بن ابي سفيان وقد تقدم ان معاوية افتتحها قبل هذا بسنتين وقال محمد بن اسحاق كان فتح قيسارية من فلسطين وهرب هرقل وفتح مصر في سنة عشرين وقال سيف بن عمر كان فتح قيسارية وفتح مصر في سنة ست عشرة قال ابن جرير فاما فتح قيسارية فقد تقدم واما فتح مصر فانى ساذكره في سنة عشرين ان شاء الله تعالى قال الواقدي وفي هذه السنة ظهرت نار من حرة ليلا فأراد عمر ان يخرج بالرجال اليها ثم امر المسلمين بالصدقة فطفئت ولله الحمد ويقال كان فيها وقعه ارمينية واميرها عثمان بن ابي العاص وقد اصيب فيها صفوان بن المعطل بن رخصة السلمي ثم الذكواني وكان احد الامراء يومئذ وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما علمت عليه الا خيرا وهو الذي ذكره المنافقون في قصة الافك فبرأ الله ساحته وجناب ام المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم مما قالوا وقد كان الى حين قالوا لم يتزوج ولهذا قال والله ما كشفت كنف انثى قط ثم تزوج بعد ذلك وكان كثير النوم ربما غلب عليه عن صلاة الصبح في وقتها كما جاء في سنن ابي داود وغيره وكان شاعرا ثم حصلت له شهادة في سبيل الله قيل بهذا البلد وقيل بالجزيرة وقيل بشمشاط وقد تقدم بعض هذا فيما سلف وفيها فتحت تكريت في قول والصحيح قبل ذلك وفيها فيما ذكرنا اسرت الروم عبدالله بن حذافة وفيها في ذى الحجة منها كانت وقعة بأرض العراق قتل فيها امير المجوس شهرك وكان امير المسلمين يومئذ الحكم بن ابي العاص رضى الله عنه قال ابن جرير وفيها حج بالناس عمر ونوابه في البلاد وقضاته هم المذكورون قبلها والله اعلم (7/96)
ذكر من توفى فيها من الاعيان
وممن توفي فيها من الاعيان ابي بن كعب سيد القراء وهو ابي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ابو المنذر وابو الطفيل الانصاري النجاري سيد القراء شهد العقبة وبدرا وما بعدهما وكان سيدا جليل القدر وهو احد القراء الاربعة الخزرجيين الذين جمعوا القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد قال لعمر يوما انى تلقيت القرآن ممن تلقاه منه جبريل وهو رطب وفي المسند والنسائي وابن ماجه من طريق ابي قلابة عن انس مرفوعا اقرأ امتي ابي ابن كعب وفي الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له ان الله امرني ان اقرا عليك القرآن قال وسمانى لك قال نعم فزرفت عيناه وقد تكلما على ذلك في التفسير عند سورة لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تاتيهم البينة قال الهيثم بن عدي توفي ابي سنة تسع عشرة وقال يحيى بن معين سنة سبع عشرة او عشرين وبه قال ابو عبيد وابن نمير وجماعة وقال الفلاس وخليفة توفي في خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه وفيها مات خباب مولى عتبة بن غزوان من المهاجرين شهد بدرا وما بعدها وهو صحابي من السابقين وصلى عليه عمر ومات فيها صفوان بن المعطل في قول كما تقدم والله اعلم
سنة عشرين من الهجرة
قال محمد بن اسحاق فيها كان فتح مصر وكذا قال الواقدي انها فتحت هي واسكندرية في هذه السنة وقال ابو معشر فتحت مصر سنة عشرين واسكندرية في سنة خمس وعشرين وقال سيف فتحت مصر واسكندرية في سنة ست عشرة في ربيع الاول منها ورجح ذلك ابو الحسن ابن الاثير في الكامل لقصة بعث عمرو الميرة من مصر عام الرمادة وهو معذور فيما رجحه والله اعلم وفيها كان فتح تستر في قول طائفة من علماء السير بعد محاصرة سنتين وقيل سنة ونصف والله اعلم
صفة فتح مصر عن ابن اسحاق وسيف
قالوا لما استكمل عمر والمسلمون فتح الشام بعث عمرو بن العاص الى مصر وزعم سيف انه بعثه بعد فتح بيت المقدس واردفه بالزبير بن العوام وفي صحبته بشر بن ارطاة وخارجة بن حذافة وعمير ابن وهب الجمحي فاجتمعا على باب مصر فلقيهم ابو مريم جاثليق مصر ومعه الأسقف ابو مريام في اهل الثبات بعثه المقوقس صاحب اسكندرية لمنع بلادهم فلما تصافوا قال عمرو بن العاص لا تعجلوا حتى نعذر ليبرز الى بومريم وابو مريام راهبا هذه البلاد فبرزا اليه فقال لهما عمرو بن العاص انتما راهبا هذه البلاد فاسمعا ان الله بعث محمدا صلى الله عليه و سلم بالحق وامره به وامرنا به محمد صلى الله عليه و سلم وادى (7/97)
الينا كل الذي امر به ثم مضى وتركنا على الواضحة وكان مما امرنا به الاعذار الى الناس فنحن ندعوكم الى الاسلام فمن اجابنا اليه فمثلنا ومن لم يجبنا عرضنا عليه الجزية وبذلنا له المنعة وقد اعلمنا انا مفتتحوكم واوصانا بكم حفاظا لرحمنا منكم وان لكم ان اجبتمونا بذلك ذمة الى ذمة ومما عهد الينا اميرنا استوصوا بالقبطيين خيرا فان رسول الله صلى الله عليه و سلم اوصانا بالقبطيين خيرا لان لم رحما وذمة فقالوا قرابة بعيدة لا يصل مثلها الا الانبياء معروفة شريفة كانت ابنة ملكنا وكانت من اهل منف والملك فيهم فاديل عليهم اهل عين شمس فقتلوهم وسلبوهم ملكهم واغتربوا فلذلك صارت الى ابراهيم عليه السلام مرحبا به واهلا امنا حتى نرجع اليك فقال عمرو ان مثلي لا يخدع ولكنى اؤجلكما ثلاثا لتنظروا ولتناظرا قومكما والا ناجزتكم قالا زدنا فزادهم يوما فقالا زدنا فزادهم يوما فرجعا الى المقوقس فابى ارطبون ان يجيبهما وامر بمناهدتهم فقالا لأهل مصر اما نحن فسنجتهد ان ندفع عنكم ولا نرجع اليهم وقد بقيت اربعة ايام قاتلوا واشار عليهم بأن يبيتوا المسلمين فقال الملأ منهم ما تقاتلون من قوم قتلوا كسرى وقيصر وغلبوهم على بلادهم فالح الأرطبون في ان يبيتوا للمسلمين ففعلوا فلم يظفروا بشىء بل قتل منهم طائفة منهم الأرطبون وحاصر المسلمون عين شمس من مصر في اليوم الرابع وارتقى الزبير عليهم سور البلد فلما احسوا بذلك خرجوا الى عمرو من الباب الآخر فصالحوه واخترق الزبير البلد حتى خرج من الباب الذي عليه عمرو فامضوا الصلح وكتب لهم عمرو كتاب امان بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اعطى عمرو بن العاص اهل مصر من الامان على انفسهم وملتهم واموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليهم شىء من ذلك ولا ينتقص ولا يساكنهم النوبة وعلى اهل مصر ان يعطوا الجزية اذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين الف الف وعليهم ما حق لصونهم فان ابى احد منهم ان يجيب رفع عنهم من الجزاء بقدرهم وذمتنا ممن ابي بريئة وان نقص نهرهم من غايته رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة فله مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم ومن ابى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه او يخرج من سلطاننا عليهم ما عليهم اثلاثا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما في هذ الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخليفة امير المؤمنين وذمم المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا ان يعينوا بكذا وكذا رأسا وكذا وكذا فرسا على ان لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة شهد الزبير وعبدالله ومحمد الخيول بمصر وعمروا الفسطاط وظهر ابو مريم وابو مريام فكلما عمرا في السبايا ابناه وكتب وردان وحضر فدخل في ذلك أهل مصر كلهم وقبلوا الصلح واجتمعت التي اصيبت بعد المعركة فابى عمرو ان يردهما عليهما وامر بطردهما واخراجهما من بين يديه فلما بلغ ذلك امير المؤمنين عمر بن (7/98)
الخطاب امر ان كل سبي اخذ في الخمسة ايام التى امنوها فيها ان يرد عليهم وكل سبي اخذ ممن لم يقاتل وكذلك من قاتل فلا يرد عليه سباياه وقيل انه امره ان يخيروا من في ايديهم من السبي بين الاسلام وبين ان يرجع الى اهله فمن اختار الاسلام فلا يردوه اليهم ومن اختارهم ردوه عليهم واخذوا منه الجزية واما ما تفرق من سبيهم في البلاد ووصل الى الحرمين وغيرهما فانه لا يقدر على ردهم ولا ينبغي ان يصالحهم على ما يتعذر الوفاء به ففعل عمرو ما امر به امير المؤمنين وجمع السبايا وعرضوهم وخيروهم فمنهم من اختار الاسلام ومنهم من عاد الى دينه وانعقد الصلح بينهم ثم ارسل عمرو جيشا الى اسكندرية وكان المقوقس صاحب اسكندرية قبل ذلك يؤدي خراج بلده وبلد مصر الى ملك الروم فلما حاصره عمرو بن العاص جمع اساقفتة واكابر دولته وقال لهم ان هؤلاء العرب غلبوا وقيصر وازالوهم عن ملكهم ولا طاقة لنا بهم والرأي عندى ان نؤدي الجزية اليهم ثم بعث الى عمرو بن العاص يقول انى كنت اؤدى الخراج الى من هو ابغض منكم فارس والروم ثم صالحه على اداء الجزية وبعث عمرو بالفتح والأخماس الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه
وذكر سيف ان عمرو بن العاص لما التقى مع المقوقس جعل كثير من المسلمين يفر من الزحف فجعل عمر يزمرهم ويحثهم على الثبات فقال له رجل من اهل اليمن انا لم نخلق من حجارة ولا حديد فقال عمرو اسكت فإنما انت كلب فقال له الرجل فأنت اذا امير الكلاب فاعرض عنه عمرو ونادى يطلب اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما اجتمع اليه من هناك من الصحابة قال لهم عمرو تقدموا فيكم ينصر الله المسلمين فنهدوا الى القوم ففتح الله عليهم وظفروا اتم الظفر قال سيف ففتحت مصر في ربيع الاول من سنة ست عشرة وقام فيها ملك الاسلام ولله الحمد والمنة وقال غيره فتحت مصر في سنة عشرين وفتحت اسكندرية في سنة خمس وعشرين بعد محاصرة ثلاثة اشهر عنوة وقيل صلحا على ثنتى عشر الف دينار وقد ذكر ان المقوقس سأل من عمرو ان يهادنه اولا فلم يقبل عمرو وقال له قد علمتم ما فعلنا بملككم الاكبر هرقل فقال المقوقس لاصحابه صدق فنحن احق بالاذعان ثم صالح على ما تقدم وذكر غيره ان عمرا والزبير سارا الى عين شمس فحاصراها وان عمرا بعث الى الفرما ابرهة بن الصباح وبعث عوف بن مالك الى الاسكندرية فقال كل منهما لاهل بلده ان نزلتم فلكم الامان فتربصوا ماذ يكون من اهل عين شمس فلما صالحوا صالح الباقون وقد قال عوف بن مالك لاهل اسكندرية ما احسن بلدكم فقالوا ان اسكندر لما بناها قال لأبنين مدينة فقيرة الى الله غنية عن الناس فبقيت بهجتها وقال ابرهة لاهل الفرما ما اقبح مدينتكم فقالوا ان الفرما وهو اخو الاسكندر لما بناها قال لابنين مدينة (7/99)
غنية عن الله فقيرة إلى الناس فهي لايزال ساقطا بناؤها فشوهت بذلك
وذكر سيف ان عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما ولي مصر بعد ذلك زاد في الخراج عليهم رءوسا من الرقيق يهدونها إلى المسلمين في كل سنة ويعوضهم المسلمون بطعام مسمى وكسوة وأقر ذلك عثمان بن عفان وولاة الامور بعده حتى كان عمر بن عبدالعزيز فأمضاه أيضا نظرا لهم وإبقاء لعهدهم قلت وإنما سميت ديرا مصر بالفسطاط نسبة إلى فسطاط عمرو بن العاص وذلك أنه نصب خيمته وهي الفسطاط موضع مصر اليوم وبنى الناس حوله وتركت مصر القديمة من زمان عمرو بن العاص وإلى اليوم ثم رفع الفسطاط وبنى موضعه جامعا وهو المنسوب إليه اليوم وقد غزا المسلمون بعد فتح مصر النوبة فنالهم جراحات كثيرة وأصيبت أعين كثيرة لجودة رمى النوبة فسموهم حند الحدق ثم فتحها الله بعد ذلك وله الحمد والمنة وقد اختلف في بلاد مصر فقيل فتحت صلحا إلا الاسكندرية وهو قول يزيد بن أبي حبيب وقيل كلها عنوة وهو قول ابن عمر وجماعة وعن عمرو بن العاص أنه خطب الناس فقال ما قعدت مقعدي هذا ولاحد من القبط عندي عهد إن شئت قلت وإن شئت بعت وإن شئت خمست إلا لاهل الطابلس فان لهم عهدا نوفي به
قصة نيل مصر
روينا من طريق ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال لما افتتحت مصر آتى اهلها عمرو بن العاص حين دخل بؤنة من أشهر العجم فقالوا أيها المير لنيلنا هذا سنة لايجري إلا بها قال وما ذلك قالوا إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من ابويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال لهم عمرو إن هذا مما لايكون في الإسلام إن الاسلام يهدم ماقبله قال فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى والنيل لايجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء فكتب عمرو إلى عمر ابن الخطاب بذلك فكتب إليه إنك قد أصبت بالذي فعلت وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي فألقها في النيل فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فاذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد فان كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلاحاجة لنا فيك وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك قال فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم
قال سيف بن عمرو وفي ذي القعدة من هذه السنة وهي عنده سنة ست عشرة جعل عمرو المسالح على أرجاء مصر وذلك لأن هرقل أغزا الشام ومصر في البحر قال ابن جرير وفي هذه (7/100)
السنة غزا أرض الروم أبو بحرية عبد الله بن قيس العبدي وهو أول من دخلها فيما قيل فسلم وغنم وقيل أول من دخلها ميسرة بن مسروق العبسي قال الواقدي وفيها عزل عمر قدامة بن مظعون عن البحرين وحده في الشراب وولي على البحرين واليمامة أبا هريرة الدوسي رضي الله عنه قال وفيها شكا أهل الكوفة سعدا في كل شيء حتى قالوا لايحسن يصلى فعزله عنها وولي عليها عبد الله بن عبد الله بن عتبان وكان نائب سعد وقيل بل ولاها عمرو بن ياسر وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن عبدالملك سمعه من جابر بن سمرة قال شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر فقالوا إنه لايحسن يصلى قال الاعاريب والله ما آلو بهم صلاة رسول الله صلى ( ص ) في الظهر والعصر اردد في الأوليين وأصرف في الآخرين فسمعت عمر يقول كذا الظن بك يا أبا إسحق وفي صحيح مسلم أن عمر بعث من يسأل عنه أهل الكوفة فأثنوا خيرا إلا رجلا يقال له أبو سعدة قتادة بن أسامة قام فقال أما إذا انشدتنا فان سعدا لايقسم بالسوية ولا يعدل في القضية ولا يخرج في السرية فقال سعد اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء سمعه فأطل عمره وأدم فقره وعرضه للفتن فأصابته دعوة سعد فكان شيخا كبيرا يرفع حاجبيه عن عينيه ويتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن فيقال له في ذلك ن فيقول شيخ كبير مفتون أصابته دعوة سعد وقد قال عمر في وصيته وذكره في السته فان أصابت الامرة سعدا فذلك وإلا فليستعن به أيكم ولى فاني لم أعزله عن عجز ولا خيانة قال وفيها أجلي عمر يهود خيبر عنها إلى أذرعات وغيرها وفيها أجلى عمر يهود نجران منها أيضا إلى الكوفة وسم خيبر ووادي القرى ونجران بين المسلمين قال وفيها دون عمر الدواوين وزعم غيره أنه دونها قبل ذلك فالله أعلم قال وفيها بعث عمر علقمة بن مجزر المدجلي إلى الحبشة في البحر فأصيبوا فآلى عمر على نفسه أن لايبعث جيشا في البحر بعدهاا وقد خالف الواقدي في هذا أبو معشر فزعم أن غزوة الحبشة إنما كانت في سنة إحدى وثلاثين يعني في خلافة عثمان بن عفان والله أعلم قال الواقدي وفيها تزوج عمر فاطمة بنت الوليد بن عتةه التي مات عنها الحارث بن هشام في الطاعون وهي أخت خالد بن الوليد قال وفيها مات هلال بدمشق وأسيد بن الحضير في شعبان وزينب بنت جحش أم المؤمنين وهي أول من مات من أمهات المؤمنين رضي الله عنها قال وفيها مات هرقل وقام بعده ولده قسطنطين قال وحج بالناس في هذه السنة عمرو ونوابة وقضاته ومن تقدم في التي قبلها سوى من ذكرنا أنه عزل وولي غيره
ذكر المتوفين من الأعيان أسيد بن الحضير
ابن سماك النصاري الأشهلي من الأوس ابو يحيى أحد النقباء ليلة العقبة وكان أبوه رئيس الأوس يوم بعاث وكان قبل الهجرة بست سنين وكان يقال حضير الكتائب يقال إنه أسلم (7/101)
على يدي مصعب بن عمير ولما هاجر الناس آخى رسول الله ( ص ) بينه وبين زيد بن حارثة ولم يشهد بدرا وفي الحديث الذي صححه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل اسيد بن الحضير وذكر جماعة وقدم الشام مع عمر وأثنت عليه عائشة وعلى سعد بن معاذ وعباد بن بشر رضي الله عنهم وذكر ابن بكير أنه توفي بالمدينة سنة عشرين وأن عمر حمل بين عموديه وصلى عليه ودفن بالبقيع وكذا أرخ وفاته سنة عشرين الواقدي وأبو عبيد وجماعة
أنيس بن مرثد بن ابي مرتذ الغنوي
هو وابوه وجده صحابة وكان أنيس هذا عينا لرسول الله يوم حنين يقال إنه الذي قال له رسول الله ( ص ) إغد يا أنيس إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها والصحيح أنه غيره فان في الحديث فقال لرجل من أسلم فقيل أنه أنيس بن الضحاك الأسلمي وقد مال ابن الأثير إلى ترجيجه والله أعلم له حديث في الفتنة قال إبراهيم بن المنذر توفي في ربيع الأول سنة عشرين
بلال بن أبي رباح الحبشي المؤذن مولى أبي بكر
ويقال له بلال بن حمامة وهي امه اسلم قديما فعذب في الله فصبر فاشتراه الصديق فأعتقه شهد بدرا وما بعدها وكان عمر يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا رواه البخاري ولما شرع الأذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله ( ص ) وابن مكتوم يتناوبان تارة هذا وتارة هذا وكان بلال ندى الصوت حسنه فصيحا وما يروى أن سين بلال عند الله شينا فليس له أصل وقد أذن يوم الفتح على ظهر الكعبة ولما توفي رسول الله ( ص ) ترك الأذان ويقال أذن للصديق أيام خلافته ولا يصح ثم خرج إلى الشام مجاهدا ولما قدم عمر إلى الجابية اذن بين يديه بعد الخطبة لصلاة الظهر فانتحب الناس بالبكاء وقيل إنه زار المدينة في غضون ذلك فأذن فبكى الناس بكاء شديدا ويحق لهم ذلك رضي الله عنهم وثبت في الصحيح أن رسول الله ( ص ) قال لبلال إني دخلت الجنة فسمعت خشف نعليك أمامي فأخبرني بأرجى عمل عملته فقال ما توضأت إلا وصليت ركعتين فقال بذاك وفي رواية ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا رأيت أن على أني أصلي ركعتين قالوا وكان بلال آدم شديد الأدمة طويلا نحيفا كثير الشعر خفيف العارضين قال ابن بكير توفي بدمشق في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وقال محمد بن إسحق وغير واحد توفي سنة عشرين قال الواقدي ودفن بباب الصغير وله بضع وستون سنة (7/102)
وقال غيره مات بداريا ودفن بباب كيسان وقيل دفن بداريا وقيل إنه مات بحلب والأول اصح والله أعلم
سعيد بن عامر بن خذيم
من أشراف بني جمح شهد خيبر وكان من الزهاد والعباد وكان أميرا لعمر على حمص بعد ابي عبيدة بلغ عمر أنه قد أصابته جراجة شديدة فأرسل إليه بالف دينار فتصدق بها جميعا وقال لزوجته اعطيناها لمن يتجر لنا فيها رضي الله عنه قال خليفة فتح هو ومعاوية فيسارية كل منهما أمير على من معه
عياض بن غنم
أبو سعد الفهري من المهاجرين الأولين شهد بدرا وما بعدها وكان سمحا جوادا شجاعا وهو الذي افتتح الجزيرة وهو أول من جاز درب الروم غازيا واستنابه أبو عبيدة بعده على الشام فأقره عمر عليها إلى أن مات سنة عشرين عن ستين سنة
ابو سفيان بن الحارث
ابن عبدالمطلب بن عم رسول الله ( ص ) قيل اسمه المغيرة أسلم عام الفتح فحسن إسلامه جدا وكان قبل ذلك من أشد الناس على رسول الله ( ص ) وعلى دينه ومن تبعه وكان شاعرا مطيقا يهجو الإسلام وأهله وهو الذي رد عليه حسان بن ثابت رضي الله عنه في قوله ... ألا أبلغ أبا سفيان عني ... مغلغلة فقد برح الخفاء ... هجوت محمدا وأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء ... أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء ...
ولما جاء هو وعبد الله بن أبي أمية ليسلما لم يأذن لهما عليه السلام حتى شفعت أم سلمة لأخيها فأذن له وبلغه أن أبا سفيان هذا قال والله لئن لم يأذن لي لآخذن بيد بني هذا لولد معه صغير فلأذهبن فلا يدري وأذن له ولزم رسول الله صلى الله عليه و سلم أين اذهب فرق حينئذ له رسول الله صلى الله عليه و سلم أحبه يوم حنين وكان آخذا بلجام بغلته يومئذ وقد روى أن رسول الله ( ص ) احبه وشهد له بالجنة وقال أرجو أن تكون خلفا من حمزة وقد رثى رسول الله ( ص ) حين توفي بقصيدة ذكرناها فيما سلف وهي التي يقول فيها ... ارقت فبات ليلى لايزول ... وليل أخ المصيبة فيه طول ... وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل ... فقد عظمت مصيبتنا وجلت ... عشية قيل قد قبض الرسول (7/103)
فقدنا الوحي والتنزيل فينا ... بروح به ويعدو جبرئيل ...
ذكروا أن أبا سفيان حج فلما حلق رأسه قطع الحالق ثؤلولاله في رأسه فتمرض منه فلم يزل كذلك حتى مات بعد مرجعه إلى المدينة وصلى عليه عمر بن الخطاب وقد قيل إن أخاه نوفلا توفي قبله باربعة أشهر والله أعلم
أبو الهيثم بن التيهان
هو مالك بن مالك بن عسل بن عمرو وبن عبد الأعلم بن عامر بن دعورا بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي شهد العقبة نقيبا وشهد بدرا وما بعدها ومات سنة عشرين وقيل إحدى وعشرين وقيل إنه شهد صفين مع علي قال ابن الأثير وهو الأكثر وقد ذكره شيخنا هنا فالله أعلم
زينب بنت جحش
ابن ربان الأسدية من أسد خزيمة أول أمهات المؤمنين وفاة أمها أميمة بنت عبدالمطلب وكان اسمها برة فسماها رسول الله زينب وتكنى ام الحكم وهي التي زوجه الله بها وكانت تفتخر بذلك على سائر أزواج النبي ( صلى الله عليه و سلم فتقول زوجكن أهلوكن وزوجني الله من السماء قال الله تعالى فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها الآية وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثه فلما طلقها تزوجها رسول الله ( ص ) قيل كان ذلك في سنة ثلاث وقيل اربع وهو الأشهر وقيل سنة خمس وفي دخوله عليه السلام بها نزل الحجاب كما ثبت في الصحيحين عن أنس وهي التي كانت تسامى عائشة بنت الصديق في الجمال والحظوة وكانت دينة ورعة عابدة كثيرة الصدقة وذاك الذي اشار إليه رسول الله ( ص ) بقوله اسرعكن لحاقا بي اطولكن يدا أي بالصدقة وكانت امرأة صناعا تعمل بيديها وتتصدق على الفقراء قالت عائشة ما رأيت امرأة قط خيرا في الدين وأتقى لله واصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم أمانة وصدقة من زينب بن جحش ولم تحج بعد حجة الوداع لا هي ولا سودة لقوله عليه السلام لأزواجه هذه ثم ظهور الحصر وأما بقية أزواج النبي ( ص ) فكن يخرجن إلى الحج وقالتا زينتب وسودة والله لاتحركنا بعده دابة قالوا وبعث عمر إليها فرضها اثني عشر ألفا فتصدقت به في اقاربها ثم قالت اللهم لايدركني عطاء عمر بعد هذا فماتت في سنة عشرين وصلى عليها عمر وهي اول من صنع لها النعش ودفنت بالبقيع
صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول
وهي أم الزبير بن العوام وهي شقيقة حمزة والمقوم وحجل أمهم هالة بنت وهيب بن عبد مناف ابن زهرة لاخلاف في إسلامها وقد حضرت يوم أحد ووجدت على أخيها حمزة وجدا كثيرا وقتلت (7/104)
يوم الخندق رجلا من اليهود جاء فجعل يطوف بالحصن التي هي فيه وهو فارع حصن حسان فقالت لحسان انزل فاقتله فأبى فنزلت إليه فقتلته ثم قالت انزل فاسليه فلولا أنه رجل لاستلبته فقال لا حاجة لي فيه وكانت أول امرأة قتلت رجلا من المشركين وقد اختلف في إسلام من عداها من عمات النبي ( ص ) فقيل اسلمت أروى وعاتكة قال ابن الأثير وشيخنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ والصحيح أنه لم يسلم منهن غيرها وقد تزوجت أولا بالحارث بن حرب بن أمية ثم خلف عليها العوام بن خويلد فولدت له الزبير وعبد الكعبة وقيل تزوج بها العوام بكرا والصحيح الأول توفيت بالمدينة سنة عشرين عن ثلاث وسبعين سنة ودفنت بالبقيع رضي الله عنها وقد ذكر ابن إسحق من توفي غيرها
عويم بن ساعدة الأنصاري
شهد العقبتين والمشاهد كلها وهو أول من استنجى بالماء وفيه نزل قوله تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين وله روايات توفي هذه السنة بالمدينة بشر بن عمرو بن حنش يلقب الجاورد اسلم في السنة العاشرة وكان شريفا مطاعا في عبد القيس وهو الذي شهد على قدامة بن مظعون أنه شرب الخمر فعزله عمر عن اليمن وحده قتل الجاورد شهيدا أبو خراشة خويلد بن مرة الهذلي كان شاعرا مجيدا مخضرما أدرك الجاهلية والاسلام وكان إذا جرى سبق الخيل لهشته حية فمات بالمدينة
ثم دخلت سنة احدى وعشرين وكانت وقعة نهاوند
وهي وقعة عظيمة جدا لها شأن رفيع ونبأ عجيب وكان المسلمون يسمونها فتح الفتوح
قال ابن إسحق والواقدي كانت وقعة نهاوند في سنة إحدى وعشرين وقال سيف كانت في سنة سبع عشرة وقيل في سنة تسع عشرة والله أعلم وإنما ساق أبو جعفر بن جرير قصتها في هذه السنة فتبعناه في ذلك وجمعنا كلام هؤلاء الأئمة في هذا الشأن سياقا واحدا حتى دخل سياق بعضهم في بعض قال سيف وغيره وكان الذي هاج هذه الوقعة أن المسلمين لما افتتحوا الأهواز ومنعوا جيش العلاء من أيديهم واستولوا على دار الملك القديم من اصطخر مع ما حازوا من دار مملكتهم حديثا وهي المدائن وأخذ تلك المدائن والأقاليم والكور والبلدان الكثيرة فحموا عند ذلك واستجاشهم يزدجر الذي تقهقر من بلد إلى بلد حتى صار إلى اصبهان مبعدا طريدا لكنه في اسرة من قومه وأهله وماله وكتب إلى ناحية نهاوند وما ولاها من الجبال والبلدان فتجمعوا وتراسلوا حتى كمل لهم من الجنود مالم يجتمع لهم قبل ذلك فبعث سعد إلى عمر يعلمه بذلك وثار أهل الكوفة على سعد في غضون هذا الحال فشكوة في كل شيء حتى قالوا لايحسن يصلى كان الذي نهض (7/105)
بهذه الشكوى رجل يقال له الجراح بن سنان الأسدي في نفر معه فلما ذهبوا إلى عمر فشكوه قال لهم عمر إن الدليل على ماعندكم من الشر نهوضكم في هذا الحال عليه وهو مستعد لقتال أعداء الله وقد جمعوالكم ومع هذا لايمنعني أن أنظر في أمركم ثم بعث محمد بن مسلمة وكان رسول العمال فلما قدم محمد بن مسلمة الكوفة طاف على القبائل والعشائر والمساجد بالكوفة فكل يثني على سعد خيرا إلا ناحية الجراح بن سنان فانهم سكتوا فلم يذموا ولم يشكروا حتى انتهى إلى بني عبس فقام رجل يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة فقال أما إذا ناشدتنا فان سعدا لا يقسم بالسوية ولا يعدل في الرعية ولايغزو في السرية فدعا عليه سعد فقال اللهم إن كان قالها كذبا ورياءا وسمعة فاعم بصره وكثر عياله وعرضه لمضلات الفتن فعمى واجتمع عنده عشر بنات وكان يسمع بالمرأة فلا يزال حتى يأتيها فيجسها فاذا عثر عليه قال دعوة سعد الرجل المبارك ثم دعا سعد الجراح واصحابه فكل اصابته فارعة في جسده ومصيبة في ماله بعد ذلك واسنفر محمد بن مسلمة أهل الكوفة لغزو أهل نهاوند في غضون ذلك عن أمر عمر بن الخطاب ثم سار سعد ومحمد بن مسلمة والجراح واصحابه حتى جاءوا عمر فسأله عمر كيف يصلي فأخبره أنه يطول في الأوليين ويخفف في الأخريين وما آلوا ما اقتديت به من صلاة رسول الله ( ص ) فقال له عمر ذاك الظن بك يا أبا إسحق وقال سعد في هذه القصة لقد أسلمت خامس خمسة ولقد كنا ومالنا طعام إلا ورق الحبلة حتى تقرحت أشداقنا وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله ولقد جمع لي رسول الله ( ص ) أبويه وما جمعهما لأحد قبلي ثم أصبحت بنو أسد يقولون لا يحسن يصلي وفي رواية يغرر بي على الاسلام لقد خبت إذا ضل عملي ثم قال عمر لسعد من أستخلفت على الكوفة فقال عبد الله بن عبد الله ابن عتبان فأقره عمر على نيابته الكوفة وكان شيخا كبيرا من اشراف الصحابة حليفا لبني الحبلى من الأنصار واستمر سعد معزولا من غير عجز ولا خيانة ويهدد اولئك النفر وكان يوقع بهم بأسا ثم ترك ذلك خوفا من أن لايشكو أحدا أميرا
والمقصود أن أهل فارس اجتمعوا من كل فج عميق بأرض نهاوند حتى اجتمع منهم مائة ألف وخمسون ألف مقاتل وعليهم الفيرزان ويقال بندار ويقال ذو الحاجب وتذامروا فيما بينهم وقالو إن محمدا الذي جاء العرب لم يتعرض لبلادنا ولا أبو بكر الذي قام بعده تعرض لنا في دار ملكنا وإن عمر بن الخطاب هذا لما طال ملكه انتهك حرمتنا وأخذ بلادنا ولم يكفه ذلك حتى أغزانا في عقر دارنا وأخذ بيت المملكة وليس بمنته حتى يخرجكم من بلادكم فتعاهدوا وتعاقدوا على أن يقصدوا البصرة والكوفة ثم يشغلوا عمر عن بلاده وتواثقوا من أنفسهم وكتبوا بذلك عليهم كتابا فلما كتب سعد بذلك إلى عمر وكان قد عزل سعدا في غضون ذلك شافه سعد عمر بما (7/106)
تمالؤا عليه وتصدوا إليه وأنه قد اجتمع منهم مائة وخمسون ألفا وجاء كتاب عبد الله بن عبد الله ابن عتبان من الكوفة إلى عمر مع قريب بن ظفر العبدي بأنهم قد اجتمعوا وهم منحرفون متذامرون على الاسلام وأهله وأن المصلحة يا أمير المؤمنين أن نقصدهم فنعالجهم عما هموا به وعزموا عليه من المسير إلى بلادنا فقال عمر لحامل الكتاب ما اسمك قال قريب قال ابن من قال ابن ظفر فتفاءل عمر بذلك وقال ظفر قريب ثم امر فنودى للصلاة جاممعة فاجتمع الناس وكان أول من دخل المسجد لذلك سعد بن ابي وقاص فتفاءل عمر أيضا بسعد فصعد عمر المنبر حتى اجتمع الناس فقال إن هذا يوم له مابعده من الأيام ألا وإني قد هممت بأمر فاسمعوا وأجيبوا وأوجزوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم إني قد رأيت أن أسير بمن قبلي حتى أنزل منزلا وسطا بي هذين المصرين فاستفر الناس ثم أكون لهم ردءا حتى يفتح الله عليهم فقام عثما وعلى وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي فتكلم كل منهم بانفراده فأحسن وأجاد واتفق رأيهم على أن لايسير من المدينة ولكن يبعث البعوث ويحصرهم برأيه ودعائه وكان من كلام علي رضي الله عنه أن قال يا أمير المؤمنين إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة هو دينه الذي أظهر وجنده الذي أعزه وأمده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ فنحن على موعود من الله والله منجز وعده وناصر جنده ومكانك منهم يا أمير المؤمنين مكان النظام من الخرز يجمعه ويمسكه فاذا انحل تفرق ما فيه وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا والعرب اليوم وإن كانو قليلا فهم كثير عزيز بالاسلام فأقم مكانك واكتب إلى اهل الكوفة فهم أعلام العرب ورؤساؤهم فليذهب منهم الثلثان ويقيم الثلث واكتب إلى أهل البصرة يمدونهم أيضا وكان عثمان قد أشار في كلامه أن يمدهم في جيوش من أهل اليمن والشام ووافق عمر على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة فرد على علي عثمان في موافقته على الذهاب إلى مابين البصرة والكوفة كما تقدم ورد رأي عثمان فيم أستار به من استمداد أهل الشام خوفا على بلادهم إذا قل جيوشها من الروم ومن أهل اليمن خوفا على بلادهم من الحبشة فأعجب عمر قول علي وسر به وكان عمر إذا استشار أحدا لايبرم أمرا حتى يشاور العباس فلما أعجبه كلام الصحابة في هذا المقام عرضه على العباس فقال يا أمير المؤمنين خفض عليك فانما اجتمع هؤلاء الفرس لنقمة تنزل عليهم ثم قال عمر اشيروا على بمن أوليه أمر الحرب وليكن عراقيا فقالوا أنت أبصر بجندك يا أمير المؤمنين فقال ما والله لأولين رجلا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدا قالوا من يا أمير المؤمنين قال النعمان بن مقرن فقالوا هو لها وكان النعمان قد كتب إلى عمر وهو على كسكر وسأله أن يعزله عنها ويوليه قتال أهل نهاوند فلهذا أجابه إلى ذلك وعينه له ثم كتب عمر إلى حذيفة أن يسير من الكوفة بجنود (7/107)
منها وكتب الى ابي موسى ان يسير بجنود البصرة وكتب الى النعمان وكان بالبصرة ان يسير بمن هناك من الجنود الى نهاوند وإذا اجتمع الناس فكل امير على جيشه والامير على الناس كلهم النعمان بن مقرن فاذا قتل فحذيفة بن اليمان فان قتل فجرير بن عبدالله فان قتل فقيس بم مكشوح فان قتل قيس ففلان ثم فلان حتى عد سبعة احدهم المغيرة بن شعبة وقيل لم يسم فيهم والله اعلم
وصور الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر امير المؤمنين الى النعمان بن مقرن سلام عليك فاني احمد اليك الله الذي لا اله الا هو واما بعد فانه قد بلغني ان جموعا من الاعاجم كثيرة وقد جمعوا لكم بمدينة نهاوند فاذا اتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبعون الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين ولا توطئهم وعرا فتؤذيهم ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم ولا تدخلهم غيضة فان رجلا من المسلمين احب الى من مائة الف دينار والسلام عليك فسر في وجهك ذلك حتى تاتي ماه فاني قد كتب الى اهل الكوفة ان يوافوك بها فاذا اجتمع اليك جنودك فسر الى الفيرزان ومن جمع معه من الاعادجم من اهل فارس وغيرهم واستنصروا واكثروا من لا حول ولا قوة الا بالله وكتب عمر الى نائب الكوفة عبد الله بن عبدالله ان يعين جيشا ويبعثهم الى نهاوند وليكن الأمير عليهم حذيفة بن اليمان حتى ينتهي الى النعمان بن مقرن فان قتل النعمان فحذيفة فان قتل فنعيم بن مقرن وولي السائب بن الأقرع قسم الغنائم فسار حذيفة في جيش كثيف نحو النعمان ابن مقرن ليوافوه بماه وسار مع حذيفة خلق كثير من امراء العراق وقد ارصد في كل كورة ما يكفيها من المقاتله وجعل الحرس في ناحية واحتاطوا احتياطا عظيما ثم انتهوا الى النعمان ابن مقرن حيث اتعدوا فدفع حذيفة بن اليمان الى النعمان كتاب عمر وفيه المر له بما يعتمده في هذه الوقعة فكل جيش المسلمين في ثلاثين الفا من المقاتله فيما رواه سيف عن الشعبي فمنهم من سادات الصحابة ورءوس العرب خلق كثير وجم غفير منهم عبد الله بن عمر امير المؤمنين وجرير بن عبد الله البجلي وحذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة وعمرو بن معدي كرب الزبيدي وطليحة بن خويلد الأسدي وقيس بن مكشوح المرادي فسار الناس نحو نهاوند وبعث النعمان بن مقرن الامير بين يديه طليعة ثلاثة وهم طليحة وعمرو بن معدي كرب الزبيدي وعمرو بن ابي سلمة ويقال له عمرو بني ثبي ايضا ليكشفوا له خبر القوم وما هم عليه فسارت الطليعة يوما وليلة فرجع عمرو بن ثبي فقيل له ما رجعك فقال كنت في ارض العجم وقتلت ارض جاهلها وقتل ارضا عالمها ثم رجع بعده عمرو بن معدي كرب وقال لم نر أحدا وخفت ان يؤخذ علينا الطريق ونفذ طليحة ولم يحفل برجوعهما فسار بعد ذلك نحوا من بضعة عشر فرسخا حتى انتهى الى نهاوند ودخل في العجم وعلم من أخبارهم ما أحب ثم رجع الى النعمان فأخبره بذلك وأنه ليس بينه وبين نهاوند (7/108)
شيء يكرهه فسار النعمان على تعبئته وعلى المقدمة نعيم بن مقرن وعلى المجنبتين حذيفة وسويد بن مقرن وعلى المجردة القعقاع بن عمرو وعلى الساقة مجاشع بن مسعود حتى انتهوا الى الفرس وعليهم الفيرزان ومعه من الجيش كل من غاب عن القادسية في تلك الأيام المتقدمة وهو في مائة وخمسين الفا فلما تراءا الجمعان كبر النعمان وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات فزلزلت الأعاجم ورعبوا من ذلك رعبا شديدا ثم امر النعمان بحط الاثقال وهو واقف فحط الناس اثقالهم وتركوا رحالهم وضربوا خيامهم وقبابهم وضربت خيمة للنعمان عظيمة وكان الذين ضربوا اربعة عشر من اشراف الجيش وهم حذيفة بن اليمان وعتبة بن عمرو والمغيرة بن شعبة وبشير بن الخصاصية وحنظلة الكاتب وابن الهوير وربعي بن عامر وعامر بن مطر وجرير بن عبد الله الحميري وجرير بن عبد الله البحلي والاقرع بن عبد الله الحميري والاشعث بن قيس الكندي وسعيد بن قيس الهمداني ووائل بن حجر فلم ير بالعراق خيمة عظيمة اعظم من بناء هذا الخيمة وحين حطو الاثقال امر النعمان بالقتال وكان يوم الاربعاء فاقتتلوا ذلك اليوم والذي بعده والحرب سجال فلما كان يوم الجمعة انحجزوا في حصنهم وحاصرهم المسلمون فأقاموا عليهم ماشاء الله والأعاجم يخرجون اذا ارادوا ويرجعون الى حصونهم اذا ارادوا وقد بعث امير الفرس يطلب رجلا من المسلمين ليكلمه فذهب اليه المغيرة بن شعبة فذكر من عظم ما رأى عليه من لبسه ومجلسه وفيما خاطبه به من الكلام في احتقار العرب واستهانته بهم وانهم كانوا اطول الناس جوعا واقلهم دار وقدرا وقال ما يمنع هؤلاء الأساورة حولي ان ينتظموكم بالنشاب الا مجا من جيفكم فان تذهبوا نخل عنكم وان تأبوا نزركم مصارعكم قال فتشهدت وحمد الله وقلت لقد كنا اسوأ حالا مما ذكرت حتى بعث الله رسوله فوعدنا النصر في الدنيا والخير في الآخرة وما زلنا نتعرف من ربنا النصر منذ بعث الله رسوله الينا وقد جئناكم في بلادكم وانا لن نرجع الى ذلك الشقاء ابدا حتى نغلبكم على بلادكم وما في ايديكم اونقتل بأرضكم فقال اما والله ان الأعور لقد صدقكم ما في نفسه فلما طال على المسلمين هذا الحال واستمر جمع النعمان بن مقرن اهل الراي من الجيش وتشاوروا في ذلك وكيف يكون من أمرهم حتى يتواجهوا هم والمشركون في صعيد واحد فتكلم عمرو بن ابي سلمة اولا وهو اسن من كان هناك فقال ان بقاءهم على ماهم عليه اضر عليهم من الذي يطلبه منهم وابقى على المسلمين فرد الجميع عليه وقالوا انا لعلى يقين من اظهار ديننا وانجاز موعود الله لنا وتكلم عمرو بن معدي كرب فقال ناهدهم وكاثرهم ولا تخفهم فردوا جميعا عليه وقالوا انما تناطح بنا الجدران والجدران اعوان لهم علينا وتكلم طليحة الأسدي فقال إنهما لم يصيبا واني ارى ان تبعث سرية فتحدق بهم ويناوشوهم بالقتال ويحمشوهم فاذا برزوا اليهم فليفروا الينا هرابا فاذ استطردوا (7/109)
وراءهم وانتموا الينا عزمنا ايضا على الفرار كلنا فانهم حينئد لايشكون في الهزيمة فيخرجون من حصونهم عن بكرة ابيهم فاذا تكامل خروجهم رجعنا اليهم فجالدناهم حتى يقضى الله بيننا فاستجاد الناس هذا الرأي وامر النعمان على المجردة القعقاع بن عمرو وامرهم ان يذهبوا الى البلد فيحاصروهم وحدهم ويهربوا بين ايديهم اذا برزوا اليهم ففعل الققاع ذلك فلما برزوا من حصونهم نكص القعقاع بمن معه ثم نكص ثم نكص فاغتنمها الأعاجم ففعلوا ما ظن طليحة وقالوا هي هي فخرجوا بأجمعهم ولم يبق بالبلد من المقاتلة الا من يحفظ لهم الأبواب حتى انتهوا الى الجيش والنعمان بن مقرن على تعبئته وذلك في صدر نهار جمعة فعزم الناس على مصادمتهم فنهاهم النعمان وأمرهم ان لايقاتلوا حتى تزول الشمس وتهب الأرواح وينزل النصر كما كان رسول الله ( ص ) بفعل وألح الناس على النعمان في الحملة فلم يفعل وكان رجلا ثابتا فلما حان الزوال صلى بالمسلمين ثم ركب برذونا له احوى قريبا من الأرض فجعل يقف على كل راية ويحثهم على الصبر ويأمرهم بالثبات ويقدم الى المسلمين انه يكبر الأولى فيتأهب الناس للحملة ويكبر الثانية فلا يبقى لأحد اهبة ثم الثالثة ومعها الحملة الصادقة ثم رجع الى موقفه وتعبت الفرس تعبئة عظيمة واصطفوا صفوفا هائلة في عددوعدد لم ير مثله وقد تغلغل كثير منهم بعضهم في بعض والقوا حسك الحديد وراء ظهورهم حتى لايمكنهم الهرب ولا الفرار ولا التحيز ثم ان النعمان بن مقرن رضي الله عنه كبر الأولى وهز الراية فتأهب الناس للحملة ثم كبر الثانية وهز الراية فتأهبوا ايضا ثم كبر الثالثة وحمل وحمل الناس على المشركين وجعلت راية النعمان تنقض على الفرس كانقضاض العقاب على الفريسة حتى تصافحوا بالسيوف فاقتتلوا قتالا لم يعهد مثله في موقف من المواقف المتقدمة ولا سمع المسامعون بوقعة مثلها قتل من المشركين ما بين الزوال الى الظلام من القتلى ما طبق وجه الأرض دما بحيث ان الدواب كانت تطبع فيه حتى قيل ان الأمير النعمان بن مقرن زلق به حصانة في ذلك الدم فوقع وجاءه سهم في خاصرته فقتله ولم يشعر به أحجد سوى اخيه سويد وقيل نعيم وقيل غطاه بثوبه واخفى موته ودفع الراية الى حذيفة بن اليمان فأقام حذيفة اخاه نعيما مكانه وأمر بكتم موته حتى ينفصل الحال لئلا ينهزم الناس فلما اظلم الليل انهزم المشركون مدبرين وتبعهم المسلمون وكان الكفار قد قرنوا منهم ثلاثين الفا بالسلاسل وحفروا حولهم خندقا فلما انهزموا وقعوا في الخندق وفي تلك الأودية نحو مائة الف وجعلوا يتساقطون في اودية بلادهم فهلك منهم بشر كثير نحو مائة الف او يزيدون سوى من قتل في المعركة ولم يفلت منهم الا الشريد وكان الفيرزان اميرهم قد صرع في المعركة فانفلت وانهزم واتبعه نعيم بن مقرن وقدم القعقاع بين يديه (7/110)
وقصد الفيرزان همدان فلحقه القعقاع وادركه عند ثنية همدان وقد اقبل منها بغلل كثير وحمر تحمل عسلا فلم يستطع الفيرزان صعودها منهم وذلك لحينه فترجل وتعلق في الجبل فاتبعه القعقاع حتى قتله وقال المسلمون يومئذ ان لله جنودا من عسل ثم غنموا ذلك العسل وماخالطه من الأحمال ووسميت تلك الثنية ثنية العسل ثم لحق القعقاع بقية المنهزمين منهم الى همدان وحاصرها وحوى ما حولها فنزل اليه صاحبها وهو خسر شنوم فصالحه عليها ثم رجع القعقاع الى حذيفة ومن معه من المسلمين وقد دخلوا بعد الوقعة نهاوند عنوة وقد جمعوا الأسلاب والمغانم الى صاحب الأقباض وهو السائب ابن الأقرغ ولما سمع أهل ماه بخبر اهل همدان بعثوا الى حذيفة وأخذوا لهم منه الأمان وجاء رجل يقل له الهرند وهو صاحب نارهم فسأل من حذيفة الأمان ويدفع اليهم وديعة عنده لكسرى ادخرها لنوائب الزمان فأمنه حذيفة وجاء ذلك الرجل بسفطين مملوءتين جوهرا ثمينا لا يقوم غير ان المسلمين لم يعبئوا به واتفق رأيهم على بعثه لعمر خاصة وارسلوه صحبة الأخماس السائب بن الأرقع وأرسل قبله بالفتح مع طريف بن سهم ثم قسم حذيفة بقية الغنيمة في الغانمين ورضخ ونفل لذوي النجدات وقسم لمن كان قد ارصد من الجيوش لحفظ ظهور المسلمين من ورائهم ومن كان رداءا لهم ومنسوبا اليهم واما امير المؤمنين فانه كان يدعو الله ليلا ونهارا لهم دعاء الحوامل المقربات وابتهال ذوي الضرورات وقد استبطأ الخبر عنهم فبينا رجل من المسلمين ظاهر المدينة اذا هو براكب فسأله من أين اقبل فقال من نهاوند فقال ما فعل الناس قال فتح الله عليهم وقتل الأمير وغنم المسلمون غنيمة عظيمة اصاب الفارس ستة آلاف والراجل الفان ثم فاته وقدم ذلك الرجل المدينة فأخبره الناس وشاع الخبر حتى بلغ امير المؤمنين فطلبه فسأله عمن اخبره فقال راكب فقال انه لم يجئني وانما هو رجل من الجن وهو بريدهم واسمه عثيم ثم قدم طريف بالفتح بعد ذلك بايام وليس معه سوى الفتح فسأله عمن قتل النعمان فلم يكن معه علم حتى قدم الذين معهم الأخماس فأخبروا بالأمر على جليته فإذا ذلك قد الجنى شهد الوقعة ورجع سريعا الى قومه نذيرا ولما اخبر عمر بمقتل النعمان بكى وسأل السائب وعمن قتل من المسلمين فقال فلان وفلان وفلان لاعيان الناس واشرافهم
ثم قال وآخرون من افناد الناس ممن لايعرفهم امير المؤمنين فجعل يبكي ويقول وما ضرهم ان لايعرفهم امير المؤمنين لكن الله يعرفهم وقد اكرمهم بالشهادة وما يصنعون بمعرفة عمر ثم امر بقسمة الخمس على عادته وحملت ذانك السفطان الى منزل عمر ورجعت الرسل فلما اصبح عمر طلبهم فلم يجدهم فارسل في اثرهم البرد فما لحقهم البريد الا بالكوفة
قال السائب بن الأقرع فلما انخت بعيري بالكوفة أناخ البريد على عرقوب بعيري وقال (7/111)
اجب امير المؤمنين فقلت لماذا فقال لا ادري فرجعنا على اثرنا حتى انتهيت اليه قال مالي ولك يا ابن ام السائب بل مالا بن ام السائب ومالي قال فقلت وما ذاك يا امير المؤمنين فقال ويحك والله ان هو الا ان نمت في الليلة التي خرجت فيها فباتت ملائكة الله تسحبني الى ذينك السفطين وهما يشتعلان نارا ويقولون لنكوينك بهما فاقول اني ساقسمهما بين المسلمين فاذهب بهما لا ابالك فبعهما فاقسمهما في اعطية المسلمين وارزاقهم فانهم لايدرون ما وهبوا ولم تدر انت معهم
قال السائب فأخذتهما حتى جئت بهما مسجد الكوفة وغشيتني التجار فابتاعهما مني عمرو بن حريث المخزومي بالفى الف ثم خرج بهما الى ارض الأعاجم فباعهما باربعة آلاف الف فما زال اكثر اهل الكوفة مالا بعد ذلك قال سيف ثم قسم ثمنهما بين الغانمين فنال كل فارس اربعة آلاف درهم من ثمن السفطين قال الشعبي وحصل للفارس من اصل الغنيمة ستة آلاف وللراجل الفان وكان المسلمون ثلاثين الفا
قال وافتتحت نهاوند في اول سنة تسع عشرة لسبع سنين من امارة عمر ورواه سيف عن عمرو ابن محمد عنه وبه عن الشعبي قال لما قدم سبي نهاوند الى المدينة جعل ابو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة ابن شعبة لايلقى منهم صغيرا الا مسح رأسه وبكى وقال اكل عمر كبدي وكان اصل ابي لؤلؤة من نهاوند فأسرته الروم ايام فارس واسرته المسلمون بعد فنسب الى حيث سبى قالوا ولم تقم للاعاجم بعد هذه الوقعة قائمة واتحف عمر الذين ابلوا فيها بالفين تشريفا لهم واظهارا لشأنهم
وفي هذه السنة افتتح المسلمون ايضا بعد نهاوند مدينة حبي ؟ وهي مدينة اصبهان بعد قتال كثير وامور طويلة فصالحوا المسلمين وكتب لهم عبد الله بن عبد الله كتاب امان وصلح وفر منهم ثلاثون نفرا الى كرمان لم يصالحوا المسلمين وقيل ان الذي فتح اصبهان هو النعمان بن مقرن وانه قتل بها ووقع امير المجرس وهو ذو الحاجبين عن فرسه فانشق بطنه ومات وانهزم اصحابه والصحيح ان الذي فتح اصبهان عبد الله بن عبد الله بن عتبان الذي كان نائب الكوفة وفيها افتتح ابو موسى قم وقاشان وافتتح سهيل بن عدي مدينة كرمان
وذكر ابن جرير عن الواقدي ان عمرو بن العاص سار في جيش معه الى طرابلس قال وهي برقة فافتتحها صلحا على ثلاثة عشر الف دينار في كل سنة
قال وفيها بعث عمرو بن العاص عقبة بن نافع الفهري الى زويلة ففتحها بصلح وصار ما بين برقة الى زويلة سلما للملسلمين قال وفيها ولى عمر عمار بن ياسر على الكوفة بدل زياد بن حنظلة الذي ولاه بعد عبد الله بن عبد الله بن عتبان وجعل عبد الله بن مسعود على بيت المال فاشتكى (7/112)
اهل الكوفة من عمار فاستعفى عمار من عمله فعزله وولي جبير بن مطعم وامره ان لايعلم احدا وبعث المغيرة بن شعبة امرأته الى امرأة جبير يعرض عليها طعاما للسفر فقالت اذهبي فأتيني به فذهب المغيرة الى عمر فقال بارك الله يا امير المؤمنين فيمن وليت على الكوفة فقال وما ذاك وبعث الى جبير بن مطعم فعزله وولي المغيرة بن شعبة ثانية فلم يزل عليها حتى مات عمر رضي الله عنهم قال وفيها حج عمر واستخلف على المدينة زيد بن ثابت وكان عما له على البلدان المتقدمون في السنة التي قبلها سوى الكوفة
قال الواقدي وفيها توفي خالد بن الوليد بحمص وأوصى الى عمر بن الخطاب وقال غيره توفي سنة ثلاث وعشرين وقيل بالمدينة والأول اصح وقال غيره وفيها توفي العلاء بن الحضرمي فولى عمر مكانه ابا هريرة وقد قيل ان العلاء توفي قبل هذا كما تقدم والله اعلم
وقال ابن جرير فيما حكاه عن الواقدي وكان أمير دمشق في هذه السنة عمير بن سعيد وهو ايضا على حمص وحوران وقنسرين والجزيرة وكان معاوية على البلقاء والأردن وفلسطين والسواحل وانطاكية وغير ذلك
ذكر من توفي احدى وعشرين
خالد بن الوليد
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي ابو سليمان المخزومي سيف الله احد الشجعان المشهورين لم يقهر في جاهلية ولا اسلام وامه عصماء بنت الحارث اخت لبابة بنت الحارث واخت ميمونه بنت الحارث ام المؤمنين قال الوقدي اسلم اول يوم من صفر سنة ثمان وشهد مؤتة وانتهت اليه الامارة يومئذ من غير امرة فقاتل يومئذ قتالا شديدا لم ير مثله اندقت في يده تسعة اسياف ولم تثبت في يده الا صفيحة يمانية وقد قال رسول الله ( ص ) أخذ الراية زيد فاصيب ثم اخذها جعفر فاصيب ثم اخذها عبد الله بن رواحة فاصيب ثم اخذها سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه وقد روي ان خالدا سقطت قلنسوته يوم اليرموك وهو في الحرب فجعل يستحث في طلبها فعوتب في ذلك فقال ان فيها شيئا من شعر ناصية رسول الله ( ص ) وانها ما كانت معي في موقف الا نصرت بها
وقد روينا في مسند احمد من طريق الوليد بن مسلم عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده وحشي بن حرب عن ابي بكر الصديق انه لما امر خالدا على حرب اهل الردة قال سمعت رسول الله ( ص ) يقول فنعم عبد الله واخو العشيرة خالد بن الوليد خالد بن الوليد سيف من سيوف الله (7/113)
سله الله على الكفار والمنافقين وقال احمد حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير قال استعمل عمر بن الخطاب ابا عبيدة على الشام وعزل خالد بن الوليد فقال خالد بعث اليكم امين هذ الأمة سمعت رسول الله ( ص ) يقول امين هذه الامة ابو عبيدة بن الجراح فقال ابو عبيدة سمعت رسول الله ( ص ) يقول خالد سيف من سيوف الله نعم فتى العشيرة وقد اورده ابن عساكر من حديث عبد الله بن أبي اوفى وابي هريرة ومن طرق مرسلة يقوى بعضها بعضا وفي الصحيح واما خالد فانكم تظلمون خالدا وقد احتبس ادراعه واعبده في سبيل الله وشهد الفتح وشهد حنينا وغزا بني جذيمة اميرا في حياته عليه السلام واختلف في شهوده خيبر وقد دخل مكة اميرا على طائفة من الجيش وقتل خلقا كثيرا من قريش كما قدمنا ذلك مبسوطا في موضعه ولله الحمد والمنة وبعثه رسول الله ( ص ) الى العزى وكانت لهوزن فكسر قمتها اولا ثم دعثرها وجعل يقول ياعزي كفرانك لاسبحانك اني رايت الله قد اهانك ثم حرقها وقد استعمله الصديق بعد رسول الله ( ص ) على قتال اهل الردة وما نعى الزكاة فشفي واستشفى ثم وجهه الى العراق ثم اتى الشام فكانت له من المقامات ما ذكرناها مما تقربها القلوب والعيون وتتشنف بها الأسماع ثم عزله عمر عنها وولى ابا عبيدة وابقاه مستشارا في الحرب ولم يزل بالشام حتى مات على فراشه رضي الله عنه
وقد روي الواقدي عن عبد الرحمن بن ابي الزناد عن ابيه قال لما حضرت خالدا الوفاة بكى ثم قال لقد حضرت كذا وكذا زحفا وما في جسدي شبر الا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح او رمية بسهم وها أنا أموت على فراشي حتف انفي كما يموت البعير فلا نامت اعين الجبناء وقال ابو يعلى ثنا شريح بن يونس ثنا يحيى بن زكريا عن اسماعيل بن ابي خالد عن قيس قال قال خالد بن الوليد ما ليلة يهدي الى فيها عروس او ابشر فيها بغلام باحب الى من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين اصبح بهم العدو وقال ابو بكر بن عياش عن الأعمش عن خيثمة قال اتى خالد برجل معه زق خمر فقال اللهم اجعله عسلا فصار عسلا وله طرق وفي بعضها مر عليه رجل معه زق خمر فقال له خالد ماهذا فقال عسل فقال اللهم اجعله خلا فلما رجع الى اصحابه قال جئتكم بخمر لم يشرب العرب مثله ثم فتحه فاذا هو خل فقال اصابته والله دعوة خالد رضي الله عنه وقال حماد بن سلمة عن ثمامة عن انس قال لقي خالد عدوا له فولى عنه المسلمون منهزمين وثبت هو واخو البراء بن مالك وكنت بينهما واقفا قال فنكس خالد رأسه ساعة الى الأرض ثم رفع رأسه الى السماء ساعة قال وكذلك كان يفعل اذا اصابه مثل هذا ثم (7/114)
قال لاخي البراء قم فركبا واختطب خالد من معه من المسلمين وقال ماهو الا الجنة وما الى المدينة سبيل ثم حمل بهم فهزم المشركين
وقد حكى مالك عن عمر بن الخطاب انه قال لأبي بكر اكتب الى خالد ان لايعطى شاة ولا بعيرا الا بامرك فكتب ابو بكر الى خالد بذلك فكتب اليه خالد اما ان تدعني وعملي والا فشأنك بعملك فأشار عليه عمر بعزله فقال ابو بكر فمن يجزي عني جزاء خالد قال عمر انا قال فأنت فنجهر عمر حتى انيخ الظهر في الدار ثم جاء الصحابة فاشاروا على الصديق بابقاء عمر بالمدينة وابقاء خالد بالشام فلما ولي عمر كتب الى خالد بذلك فكتب اليه خالد بمثل ذلك فعزله وقال ما كان الله ليراني آمر ابا بكر بشيء لا انفذه انا وقد روى البخاري في التاريخ وغيره من طريق علي بن رباح عن ياسر بن سمي البرني قال سمعت عمر يعتذر الى الناس بالجابية من عزل خالد فقال امرته ان يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فاعطاه ذا البأس وذا الشرف واللسان فامرت أبا عبيدة فقال ابو عمرو بن حفص بن المغيرة ما اعتذرت ياعمر لقد نزعت عاملا استعمله رسول الله ( ص ) ووضعت لواء رفعه رسول الله ( ص ) واغمدت سيفا سلة الله ولقد قطعت الرحم وحسدت ابن العم فقال عمر انك قريب القرابة حديث السن مغضب في ابن عمك
قال الواقدي رحمه الله ومحمد بن سعيد وغير واحد مات سنة احدى وعشرين بقرية على ميل من حمص وأوصى الى عمر بن الخطاب وقال دحيم وغيره مات بالمدينة والصحيح الأول وقدمنا فيما سلف تعزير عمر له حين اعطى الأشعث بن قيس عشرة آلاف وأخذه من ماله عشرين الفا ايضا وقدمنا عتبه عليه لدخوله الحمام وتدلكه بعد النورة بدقيق عصفر معجون بخمر واعتذار خالد اليه بانه صار غسولا وروينا عن خالد انه طلق امرأة من نسائه وقال اني لم أطلقها عن ريبة ولكنها لم تمرض عندي ولم يصبها شيء في بدنها ولا رأسها ولا في شيء من جسدها وروى سيف وغيره ان عمر قال حين عزل خالدا عن الشام والمثنى بن حارثة عن العراق انما عزلتهما ليعلم الناس ان الله نصر الدين لابنصرهما وان القوة لله جميعا وروى سيف ايضا ان عمر قال حين عزل خالدا عن قنسرين وأخذ منه ما أخذ انك على لكريم وانك عند لعزيز ولن يصل اليك من امر تكرهه بعد ذلك وقد قال الأصمعي عن سلمة عن بلال عن مجالد عن الشعبي قال اصطرع عمر وخالد وهما غلامان وكان خالد ابن خال عمر فكسر خالد ساق عمر فعولجت وجبرت وكان ذلك سبب العداوة بينهما وقال الأصمعي عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال دخل خالد على عمر وعليه قميص حرير فقال عمر ماهذا يا خالد فقال وما بأس يا امير المؤمنين اليس قد لبسه عبد الرحمن بن عوف فقال وانت مثل ابن عوف ولك مثل ما لابن عوف عزمت (7/115)
على من في البيت الا اخذ كل واحد منهم بطائفة مما يليه قال فمزقوه حتى لم يبق منه شىء وقال عبدالله بن المبارك عن حماد بن زيد حدثنا عبد الله بن المختار عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل ثم شك حماد في أبي وائل قال ولما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال لقد طلبت القتل في مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي وما من عملي شيء ارجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس والسماء تهلني تمطر إلى الصبح حتى نغير على الكفار ثم قال إذا أنامت فانظروا إلى سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله فلما توفي خرج عمر على جنازته فذكر قوله ما على آل نساء الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقعا أو لقلقة
قال ابن المختار النقع التراب على الرأس واللقلقة الصوت وقد علق البخاري في صحيحه بعض هذا فقال وقال عمر دعهن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة وقال محمد بن سعد ثنا وكيع وأبو معاوية وعبد الله بن نمير قالوا حدثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة قال لما مات خالد ابن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد يبكين عليه فقيل لعمر إنهن قد اجتمعن في دار خالد يبكين عليه وهن خلقاء أن يسمعنك بعض ما تكره فأرسل إليهن فانههن فقال عمر وما عليهن أن ينزفن من دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقعا أو لقلقة ورواه البخاري في التاريخ من حديث الأعمش بنحوه وقال إسحاق بن بشر وقال محمد مات خالد بن الوليد بالمدينة فخرج عمر في جنازته وإذا امه تندبه وتقول ... انت خير من ألف ألف من القو ... م إذا ما كبت وجوه الرجال ...
فقال صدقت والله إن كان لكذلك
وقال سيف بن عمر عن شيوخه عن سالم قال فأقام خالد في المدينة حتى إذا ظن عمر أنه قد زال ما كان يخشاه من افتتان الناس به وقد عزم على توليته بعد أن يرجع من الحج واشتكى خالد بعده وهو خارج من المدينة زائرا لأمه فقال لها احدروني إلى مهاجري فقدمت به المدينة ومرضته فلما ثقل وأظل قدوم عمر لقيه لاق على مسيرة ثلاث صادرا عن حجة فقال له عمر بهم فقال خالد بن الوليد ثقيل لما به فطوى عمر ثلاثا في ليلة فادركه حين قضى فرق عليه واسترجع وجلس ببابه حتى جهز وبكته البواكي فقيل لعمر ألا تسمع الا تنهاهن فقال وما على نساء قريس أن يبكين أبا سليمان مالم يكن نقع ولا لقلقة فلما خرج لجنازته رأى عمر امرأة محرمة تبكيه وتقول ... أنت خير من ألف ألف من النا ... س إذا ماكبت وجوه الرجال (7/116)
أشجاع فأنت أشجع من ليث ... ضمر بن جهم أبي أشبال ... أجواد فأنت أجود من سيل ... دياس يسيل بين الجبال ...
فقال عمر من هذه فقيل له أمه فقال أمه وإلا له ثلاثا وهل قامت النساء عن مثل خالد قال فكان عمر يتمثل في طيه تلك الثلاث في ليلة وفي قدومه
... تبكي ما وصلت به الندامى ... ولاتبكي فوارس كالجبال ... أولئك إن بكيت أشد فقدا ... من الاذهاب والعكر الجلال ... تمنى بعدهم قوم مداهم ... فلم يدنوا لأسباب الكمال ...
وفي رواية أن عمر قال لأم خالد أخالدا أو أجزه ترزئين عزمت عليك أن لاتبيني حتى تسود يداك من الخضاب وهذا كله مما يقتضى موته بالمدينة النبوية وإليه ذهب دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ولكن المشهور عن الجمهور وهم الواقدي وكاتبه محمد بن سعد وابو عبيد القاسم ابن وموسى بن أيوب وابو سليمان بن ابي محمد وغيرهم أنه مات بحمص سنة إحدى وعشرين سلام وإبراهيم بن المنذر ومحمد بن عبدالله بن نمير وأبو عبدالله العصفري زاد الواقدي وأوصى إلى عمر بن الخطاب وقد روى محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد وغيره قالوا قدم خالد بالمدينة بعد وعشرين وروى الواقدي أن عمر رأي حجاجا يصلون بمسجد قباء فقال أين نزلتم ما عزله عمر فاعتمر ثم رجع إلى الشام فلم يزل بها حتى مات في سنة إحدى بالشام قال بحمص قال فهل من معرفة خبر قالوا نعم مات خالد بن الوليد قال فاسترجع عمر وقال كان والله سدادا لنحور العدو ميمون النقيبة فقال له على فلم عزلته قال لبذله المال لذوي الشرف واللسان
وفي رواية آن عمر قال لعلي ندمت على ماكان مني وقال محمد بن سعد أخبرنا عبدالله بن الزبير الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا إسماعيل بن أبي خالد سمعت قيس بن أبي حازم يقول لما مات خالد بن الوليد قال عمر رحم الله أبا سليمان لقد كنا نظن به أمورا ما كانت وقال جويرية عن نافع قال لما مات خالد لم يوجد له إلا فرسه وغلامه وسلاحه وقال القاضي المعافا بن زكريا الحريري ثنا أحمد بن العباس العسكري ثنا عبدالله بن ابي سعد حدثني عبدالرحمن بن حمزة اللخمي ثنا أبو علي الحرنازي قال دخل هشام بن البحتري في ناس من بني مخزوم على عمر بن الخطاب فقال له يا هشام أنشدني شعرك في خالد فأنشده فقال قصرت في الثناء على أبي سليمان رحمه الله إنه كان ليحب أن الشرك وأهله وإن كان الشامت به لمتعرضا لمقت الله ثم قال عمر قاتل الله أخا بني تميم ما اشعره (7/117)
وقل للذي يبقى خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قدى ... فما عيش من قد عاش بعدي بنافعي ... ولا موت من قد مات يوما بمخلدي ...
ثم قال عمر رحم الله أبا سليمان ما عند الله خير له مما كان فيه ولقد مات سعيدا وعاش حميدا ولكن رأيت الدهر ليس بقائل
طليحة بن خويلد
ابن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس بن طريف بن عمر بن قعير بن الحارث بن ثعلبة بن داود بن أسعد بن خزيمة الأسدي الفقعسي كان ممن شهد الخندق من ناحية المشركين ثم أسلم سنة تسع ووفد على رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ثم ارتد بعد وفاة رسول الله ( ص ) في ايام الصديق وادعى النبوة كما تقدم وروى ابن عساكر الله صلى الله عليه و سلم فساله ما اسم الذي يأتي إلى أنه ادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن ابنه خيال قدم على رسول أبيك فقال ذو النون الذي لايكذب ولا يخون ولا يكون كما يكون فقال لقد سمى ملكا عظيم الشأن ثم قال لابنه قتلك الله وحرمك الشهادة ورده كما جاء فقتل خيال في الردة في بعض الوقائع قتله عكاشة بن محصن ثم قتل طليحة عكاشة وله مع المسلمين وقائع ثم خذله الله على يدي خالد بن الوليد وتفرق حنده فهرب حتى دخل الشام فنزل على آل جفنة فأقام عندهم حتى مات الصديق حياء منه ثم رجع إلى الإسلام واعتمر ثم جاء يسلم على عمر فقال له أغرب عني فأنك قاتل الرجلين الصالحين وعكاشة بن محصن وثابت بن أقرم فقال ياأمير المؤمنين هما رجلان أكرمهما الله على يدي ولم يهني بأيديهما فأعجب عمر كلامه ورضي عنه وكتب له بالوصاة إلى الأمراء أن يشاور ولا يولى شيئا من الأمر ثم عاد إلى الشام مجاهدا فشهد اليرموك وبعض حروب كالقادسية ونهاوند الفرس وكان من الشجعان المذكورين والأبطال المشهورين وقد حسن إسلامه بعد هذا كله وذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من الصحابة وقال كان يعد بألف فارس لشدته وشجاعته وبصره بالحرب وقال أبو نصر بن ماكولا اسلم ثم ارتد ثم أسلم وحسن إسلامه وكان يعدل بألف فارس ومن شعره أيام ردته وادعائه النبوة في قتل المسلمين اصحابه
... فما ظنكم بالقوم إذا تقتلونهم ... أليسوا وإن لم يسلموا برجال ... فان يكن اذداد أصبن ونسوة ... فلم يذهبوا فرعا بقتل خيال ... نصبت لهم صدر الحمالة إنها ... معاودة قتل الكماة نزال ... فيوما تراها في الجلال مصونة ... ويوما في ظلال عوالي ... تراها غير ذات جلال ... ويوما تراها تضيء المشرفية نحوها ... ويوما تراها (7/118)
عشية غادرت ابن أقرم ثاويا ... وعكاشة العمى عند مجال ...
وقال سيف بن عمر عن مبشر بن الفضيل عن جابر بن عبدالله قال بالله الذي لا إله إلا هو ما اطلعنا على أحد من أهل القادسية يريد الدنيا مع الآخرة ولقد اتهمنا ثلاثة نفر فما رأينا كما هجمنا عليهم من أمانتهم وزهدهم طليحة بن خويلد الأسدي وعمر بن معدي كرب وقيس ابن المكشوح قال ابن عساكر ذكر أبو الحسين محمد بن أحمد بن الفراس الوراق أن طليحة أستشهد بنهاوند سنة إحدى وعشرين مع النعمان بن مقرن و
عمرو بن معدي كرب
رضي الله عنهم عمرو بن معدي كرب
ابن عبدالله بن عمر بن عاصم بن عمرو بن زبيد الأصعر بن ربيعة بن سلمة بن مازن بن ربيعة ابن شيبة وهو زبيد الأكبر بن الحارث بن صعف بن سعد العشيرة بن مذحج الزبيدي المدحجي أبو ثور أحد الفرسان المشاهير الأبطال والشجعان المذاكير قدم على رسول الله ( ص ) سنة تسع وقيل عشر مع وفد مراد وقيل في وفد مراد وقيل في وقد زبيد قومه وقد ارتد مع الأسود العنسي فسار إليه خالد بن سعيد بن العاص فقاتله فضربه خالد بن سعيد بالسيف على عاتقه فهرب وقومه وقد استلب خالد سيفه الصمصامة ثم اسر ودفع إلى أبي بكر فأنبه وعاتبه واستنابه فتاب وحسن إسلامه بعد ذلك فسيره إلى الشام فشهد اليرموك ثم أمره عمر بالمسير إلى سعد وكتب بالوصاة به وأن يشاور ولا يولى شيئا فنفع الله به الإسلام وأهله وأبلى بلاء حسنا يوم القادسية وقيل إنه قتل بها وقيل بنهاوند وقيل مات عطشا في بعض القرى يقال لها روذة فالله أعلم وذلك كله في إحدى وعشرين فقال بعض من رثاه من قومه ... لقد غادر الركبان يوم تحملوا ... بروذة شخصا لا جبانا ولا غمرا ... فقل لزبيد بل لمذحج كلها ... رزئتم ابا ثور قريع الوغى عمرا ...
وكان عمرو بن معدي كرب رضي الله عنه من الشعراء المجيدين فمن شعره
... أعاذل عدتي بدني ورمحي ... وكل مقلص سلس القياد ... أعاذل انما أفنى شبابي ... إجابتي الصريخ إلى المنادي ... مع الأبطال حتى سل جسمي ... وأقرع عاتقي حمل النجاد ... ويبقى بعد حلم القوم حلمي ... ويفنى قبل زاد القوم زادي ... تمنى أن يلاقيني قييس ... وددت وأينما منى ودادي ... فمن ذا عاذري من ذي سفاه ... يرود بنفسه مني المرادى ... أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مرادي (7/119)
له حديث واحد في التلبيه رواه شراحيل بن القعقاع عنه قال كنا نقول في الجاهلية إذا لبينا لبيك تعظيما إليك عذرا هذي زبيد قد أتتك قسرا يعدو بها مضمرات شزرا يقطعن خبتا وجبالا وعرا قد تركوا الأوثان خلوا صفرا قال عمرو فنحن نقول الآن ولله الحمد كما علمنا رسول الله ( ص ) لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
العلاء بن الحضرمي
امير البحرين لرسول الله ( ص ) وأقره عليها أبو بكر ثم عمر تقدم أنه توفي سنة اربع عشرة ومنهم من يقول إنه تأخر إلى سنة إحدى وعشرين وعزله عمر عن البحرين وولي مكانه أبا هريرة وأمره عمر على الكوفة فمات قبل أن يصل إليها منصرفه من الحج كما قدمنا ذلك والله أعلم وقد ذكرنا في دلائل النبوة قصته في سيره بجيشه على وجه الماء وما جرى له من خرق العادات والله الحمد
النعمان بن مقرن بن عائذ المزني
أمير وقعة نهاوند صحابي جليل قدم مع قومه من مزينة في اربعمائة راكب ثم سكن البصرة وبعثه الفاروق أميرا على الجنود إلى نهاوند ففتح الله على يديه فتحا عظيما ومكن الله له في تلك البلاد ومكنه من رقاب اولئك العباد ومكن به للمسلمين هنالك إلى يوم التناد ومنحه النصر في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد وأتاح له بعدما أراه ما أحب شهادة عظيمة وذلك غاية المراد فكان ممن قال الله تعالى في حقه في كتابه المبين وهو صراطه المستقيم إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم
ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وفيها كانت فتوحات كثيرة منها فتح حمدان ثانية ثم الري وما بعدها ثم اذربيجيان
قال الواقدي وأبو معشر كانت في سنة ثنتين وعشرين وقال سيف كانت في سنة ثماني عشرة بعد فتح همدان والرى وجرجان وأبو معشر يقول بأن أذربيجان كانت بعد هذه البلدان ولكن عنده أن الجميع كان في هذه السنة وعند الواقدي أن فتح همدان والرى في سنة ثلاث وعشرين فهمدان افتتحها المغيرة بعد مقتل عمر بستة أشهر قال ويقال كان فتح الرى قبل وفاة عمر سنتين إلا أن الواقدي وأبا معشر متفقان على أن اذربيجان في هذه السنة وتبعهما ابن جرير وغيره وكان السبب في ذلك أن المسلمين لما فرغوا من نهاوند وما وقع من الحرب المتقدم فتحوا (7/120)
حلوان وهمذان بعد ذلك ثم ان أهل همذان نقضوا عهدهم الذي صالحهم عليه القعقاع بن عمرو فكتب عمر إلى نعيم بن مقرن ان يسير الى همذان وان يجعل على مقدمته اخاه سويد بن مقرن وعلى مجنبتيه ربعي بن عامر الطائي ومهلهل بن زيد التميمي فسار حتى نزل على ثنية العسل ثم تحدر على همذان واستولى على بلادها وحاصرها فسألوه الصلح فصالحهم ودخلها فبينما هو فيها ومعه اثني عشر الفا من المسلمين إذ تكاتف الروم والديلم وأهل الرى وأهل اذربيجان واجتمعوا على حرب نعيم بن مقرن في جمع كثير فعلى الديلم ملكهم واسمه موتا وعلى أهل الرىي أبو الفرخان وعلى أذربيجان اسفندياذ أخو رستم فخرج إليهم بمن معه من المسلمين حتى التقوا بمكان يقال له واج الروذ فاقتتلوا قتالا شديدا وكانت وقعة عظيمة تعدل نهاوند ولم تك دونها فقتلوا من المشركين جمعا كثيرا وجمعا صغيرا لايحصون كثرة وقتل ملك الديلم موتا وتمزق شملهم وانهزموا بأجمعهم مد من قتل بالمعركة منهم فكان تعيم بن مقرن أول من قاتل الديلم من المسلمين وقد كان نعيم كتب إلى عمر يعلمه باجتماعهم فهمه ذلك واغتم له فلم يفجأه إلا البريد بالبشارة فحمد الله واثنى عليه وأمر بالكتاب فقرئ على ناس ففرحوا وحمدوا الله عز و جل ثم قدم عليه بالأخماس ثلاثة من الأمراء وهم سماك بن خرشة ويعرف بأبي دجانة وسماك بن عبيد وسماك بن مخرمة فلما استسماهم عمر قال اللهم اسمك بهم الإسلام وأمد بهم الإسلام ثم كتب إلى نعيم بن مقرن بأن يستخلف على همذان ويسير إلى الرى فامتثل نعيم وقد قال نعيم في هذه الوقعة ... ولما أتاني أن موتا ورهطه ... بنى باسل جروا جنود الأعاجم ... نهضت إليهم بالجنود مساميا ... لأمنع منهم ذمتي بالقواصم ... فجئنا إليهم بالحديد كأننا ... جبال تراءى من فروع القلاسم ... فلما لقيناهم بها مستفيضة ... وقد جعلوا يسمعون فعل المساهم ... صدمناهم في واج روذ بجمعنا ... غداة رميناهم باحدى العظائم ... فما صبروا في حومة الموت ساعة ... لحد الرماح والسيوف الصوارم ... كأنهم عند انبثاث جموعهم ... جدار تشظى لبنة للهادم ... أ ... أصبنا بها موتا ومن لف جمعة ... وفيها نهاب قسمه غير عاتم ... تبعناهم حتى أووا في شعابهم ... فنقتلهم قتل الكلاب الجواحم ... كأنهم في واج روذ وجوه ... ضئين أصابتها فروج المخارم ...
فتح الري
استخلف نعيم بن مقرن على همذان يزيد بن قيس الهمداني وسار بالجيوش حتى لحق الري فلقي (7/121)
هناك جمعا كثيرا من المشركين فاقتتلوا عند سفح جبل الري فصبروا وصبرا عظيما ثم انهزموا فقتل منهم النعمان بن مقرن مقتلة عظيمة بحيث عدوا بالقصب فيها وغنموا منهم غنيمة عظيمة قريبا مما غنم المسلمون من المدائن وصالح ابو الفرخان على الري وكتب له أمانا بذلك ثم كتب نعيم إلى عمر بالفتح ثم الأخماس ولله الحمد والمنة
فتح قومس
ولما ورد البشير بفتح الري وأخماسها كتب عمر إلى نعيم بن مقرن أن
يبعث أخاه سويد بن مقرن إلى قومس فسار إليها سويد فلم يقم له شء حتى أخذها سلما وعسكر بها وكتب لأهلها كتاب أمان وصلح
فتح جرجان
لما عسر سويد بقومس بعث إليه أهل بلدان شتى منها جرجان وطبرستان وغيرها يسألونه الصلح على الجزية فصالح الجميع وكتب لأهل كل بلدة كتاب أمان وصلح وحكى المدائني أن جرجان فتحت في سنة ثلاثين ايام عثمان فالله أعلم
وهذا فتح اذربيجيان
لما فتح نعيم بن مقرن همذان ثم الري وكان قد بعث بين يديه بكير بن عبدالله من همذان إلى أذربيجان وأردفه بسماك بن خرشة فاقتتلوا فهزم الله المشركين وأسر بكير أسفندياذ فقال له اسفندياذ فلقي اسفندياذ بن الفرخزاذ بكيرا وأصحابه قبل أن يقدم عليهم سماك الصلح أحب إليك أم الحرب بل الصلح قال فأمسكني عندك فأمسكه ثم جعل يفتح بلدا بلدا وعتبة بن فرقد أيضا يفتح معه بلدا بلدا في مقابلته من الجانب الآخر ثم جاء كتاب عمر بأن يتقد بكير إلى الباب وجعل سماك موضعه نائبا لعبته بن فرقد وجمع عمر أذربيجان كلها لعتبة بن فرقد وسلم إليه بكير أسفندياذ وسار كما أمره عمر إلى الباب قالوا وقد كان ا اعترض بهرام بن فرخزاذ لعتبة بن فرقد فهزمه عتبه وهرب بهرام فلما بلغ ذلك اسفدياذ وهو في الأسر عند بكير قال الآن ثم الصلح وطفئت الحرب فصالحه فأجاب إلى ذلك كلهم وعادت اذربيجان سلما وكتب بذلك عتبة وبكير إلى عمر وبعثوا بالأخماس إليه وكتب عتبة حين انتهت إمرة أذربيجان لأهلها كتاب أمان وصلح
فتح الباب
قال ابن جرير وزعم سيف أنه كان في هذه السنة كتب عمر بن الخطاب كتابا بالأمرة على هذه الغزوة لسراقة بن عمرو الملقب بذي النور وجعل على مقدمته عبدالرحمن بن ربيعة ويقال له (7/122)
ذو النور ايضا وجعل على احدى المجنبتين حذيفة بن أسيد وعلى الأخرى بكير بن عبد الله الليثي وكان قد تقدمهم إلى الباب وعلى المقاسم سلمان بن ربيعة فساروا كما أمرهم عمر وعلى تعبئته فلما انتهى مقدم العساكر وهو عبدالرحمن بن ربيعة إلى الملك الذي هناك عند الباب وهو شهر براز ملك أرمينية وهو من بيت الملك الذي قتل بني إسرائيل وغزا الشام في قديم الزمان فكتب شهر براز لعبد الرحمن واستأمنه فأمنه عبدالرحمن بن ربيعة فقدم عليه الملك فأنهى إليه أن صغوة إلى المسلمين وانه مناصح للمسلمين فقال له إن فوقي رجلا فاذهب إليه فبعثه إلى سراقة ابن عمرو وأمير الجيش فسأل من سراقة الأمان فكتب إلى عمر فأجازما أعطاه من الأمان واستحسنه فكتب له سراقة كتابا بذلك ثم بعث سراقة بكيرا وحبيب بن مسلمة وحذيفة ابن اسيد وسلمان بن ربيعة إلى أهل تلك الجبال المحيطة بأرمينية جبال اللان وتفليس وموتان فافتتح بكير موقان وكتب لهم كتاب أمان ومات في غضون ذلك أمير المسلمين هناك وهو سراقة بن عمرو واستخلف بعده بعد الرحمن بن ربيعة فلما بلغ عمر ذلك أقره على ذلك وأمره بغزو الترك
أول غزو الترك
وهو تصديق الحديث المتقدم الثابت في الصحيح عن ابي هريرة وعمر بن تغلب أن رسول الله ( ص ) قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما عراض الوجوه دلف الأنوف حمر الوجوه كأن وجوهم المجان المطرقة وفي رواية يبتلعون الشعر
لما جاء كتاب عمر إلى عبدالرحمن بن ربيعة يأمره بأن يغزو الترك سار حتى قطع الباب قاصدا لما أمره عمر فقال له شهر براز أين تريد قال أريد ملك الترك بلنجر فقال له شهر براز إنا لنرضى منهم الموادعة ونحن من وراء الباب فقال له عبد الرحمن إن الله بعث إلينا رسول ووعدنا على لسانه بالنصر والظفر ونحن لا نزال منصورين فقاتل الترك وسار في بلاد بلنجر مائتي فرسخ وغزا مرات متعددة ثم كانت له وقائع هائلة في زمن عثمان كما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى
وقال سيف بن عمر عن الغصن بن القاسم عن رجل عن سلمان بن ربيعة قال لما دخل عليهم عبد الرحمن بن ربيعة بلادهم حال الله بين الترك والخروج عليه وقالوا ما اجترأ علينا هذا الرجل إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت فتحصنوا منه وهربوا بالغنم والظفر ثم إنه غزاهم غزوات في زمن عثمان فظفر بهم كما كان يظفر بغيرهم فلما ولى عثمان على الكوفة بعض من كان ارتد غزاهم فتذامرت الترك وقال بعضهم لبعض إنهم لايموتون وقال انظروا وفعلوا فاختفوا لهم في الغياض (7/123)
فرمى رجل منهم رجلا من المسلمين على غرة فقتله وهرب عنه أصحابه فخرجوا على المسلمين بعد ذلك حتى عرفوا أن المسلمين يموتون فاقتتلوا قتالا شديدا ونادى مناد من الجو صبرا آل عبد الرحمن موعدكم الجنة فقاتل عبد الرحمن حتى قتل وانكشف الناس وأخذ الراية سلمان بن ربيعة فقاتل بها ونادى المنادي من الجو صبرا آل سلمان بن ربيعة فقاتل قتالا شديدا ثم تحيز سلمان وأبو هريرة بالمسلمين وفروا من كثرة الترك ورميهم الشديد السديد على جيلان فقطعوها إلى جرجان واجترأت الترك بعدها ومع هذا أخذت الترك عبد الرحمن بن ربيعة فدفنوه في بلادهم فهم يستسقون بقبره إلى اليوم وسيأتي تفصيل ذلك كله
قصة السد
أن ذكر ابن جرير بسنده أن شهريراز قال لعبد الرحمن بن ربيعة لما قدم عليه حين وصل إلى الباب وأراه رجلا فقال شهر براز أيها الأمير إن هذا الرجل كنت بعثته نحو السد وزودته مالا جزيلا وكتبت له إلى الملوك الذين يولوني وبعثت لهم هدايا وسألت منهم أن يكتبوا له إلى من يليهم من الملوك حتى ينتهي إلى سد ذي القزنين فينظر إليه ويأتينا بخبره فسار حتى انتهى إلى الملك الذي السد في أرضه فبعثه إلى عامله مما يلي السد فبعث معه بازيارة ومعه عقابه فلما انتهوا إلى السد إذا جبلان بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين وإذا دون السد خندق أشد سوادا من الليل لبعده فنظر إلى ذلك كله وتفرس فيه ثم لما هم بالإنصراف قال له البازيار على رسلك ثم شرح بضعة لحم معه فالقاها في ذلك الهواء وانقض عليها العقاب فقال إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء وإن لم تدركها حتى تقع فذلك شيء قال فلم تدركها حتى وقعت في اسفله واتبعها العقاب فأخرجها فاذا فيها ياقوته وهي هذه ثم ناولها الملك شهر براز لعبد الرحمن بن ربيعة فنظر إليها عبد الرحمن ثم ردها اليه فلما ردها إليه فرح وقال والله لهذه خير من مملكة هذه المدينة يعني مدينة باب الأبواب التي هو فيها وهي هذه خير من مملكة هذه المدينة يعني مدينة باب الأبواب التي خبرها لانتزعوها مني وأيم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم وفي ملككم ووالله لأنتم أحب إلي اليوم من مملكة آل كسرى ولو كنت في سلطانهم وبلغهم الأكبر ثم أقبل عبدالرحمن بن ربيعة على الرسول الذي ذهب على السد فقال ما حال هذا الردم يعني ما صفته فاشار إلى ثوب في زرقه وحمرة فقال مثل هذا فقال رجل لعبد الرحمن صدق والله لقد نفذ ورأى فقال أجل وصف صفة الحديد والصفر قال الله تعلى آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا وقد ذكرت صفة السد في التفسير وفي أوائل هذا الكتاب وقد ذكر البخاري في صحيحه تعليقا أن رجلا قال للنبي ( ص ) رأيت السد فقال كيف رأيته قال مثل البرد المحبر رأيته (7/124)
قالوا ثم قال عبد الرحمن بن ربيعة لشهر براز كم كانت هديتك قال قيمة مائة آلف في بلادي وثلاثة آلاف آلف في تلك البلدان
بقية من خبر السد
اورد شيخنا ابو عبدالله الذهبي الحافظ في هذه السنة ما ذكره صاحب كتاب مسالك الممالك عما املاه عليه سلام الترجمان حين بعثه الواثق هذا وكتب له إلى الملوك بالوصاة به وبعث معه الفي بغل تحمل طعاما فساروا بين س بامر الله بن المعتصم وكان قد رأى في النوم كأن السد قد فتح فأرسل سلاما السرير الى ملك اللان فكتب سامرا الى اسحاق بتفليس فكتب لهم إلى صاحب السرير وكتب لهم صاحب لهم الى قبلان شاه فكتب لهم الى ملك الخزر فوجه معه خمسة اولاد فساروا ستة وعشرين يوما نتهوا الى ارض سواداء منتنة حتى جعلوا يشمون الخل فساروا فيها عشرة ايام فانتهوا الى مدائن خراب مدة سبعة وعشرين يوما وهي التي كانت يأجوج و مأجوج تطرقها فخربت من ذلك الحين و الى الان ثم انتهوا الى حصن قريب من السد فوجدوا قوما يعرفون بالعربية و بالفارسية و يحفظون القرآن ولهم مكاتب و مساجد فجعلوا يعجبون منهم و يسألونهم من أين أقبلوا فذكروا لهم أنهم من جهة أمير المؤمنين الواثق فلم يعرفوه بالكلية ثم انتهوا الى جبل أملس ليس عليه خضرا و إذا السد هنالك من لبن حديد مغيب في نحاس و هو مرتفع جدا لا يكاد البصر ينتهي إليه وله شرفات من حديد و في وسطه باب عظيم بمصراعين مغلقين عرضهما مائة ذراع في طول مائة ذراع في ثخانة خمسة أذرع و عليه قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع وذكر أشياء كثيرة و عند ذلك المكان حرس يضربون عند القفل في كل يوم فيسمعون بعد ذلك صوتا عظيما مزعجا كأن وراء هذا الباب حرس وحفظة وقريب من هذا الباب حصنان عظيمان بينهما عين ماء عذبة وفي احداهما بقايا العمارة من مغارف ولبن وحديد وغير ذلك واذا طول اللبنة ذراع ونصف في مثله في سمك شبر وذكروا انهم سالوا اهل تلك البلاد هل راوا احدا من ياجوج وماجوج فاخبروهم انهم راوا منهم يوما أشخاصا فوق الشرفات فهبت الريح فالقتهم اليهم فاذا طول الرجل منهم شبر او نصف شبر والله اعلم
حماد والصحابة فسار وغنم ورجع سالما وفيها ولد يزيد وعبدالملك بن مروان وفيها قال الواقدي وفي هذه السنة غزا معاوية الصائفة من بلاد الروم وكان معه حج بالناس عمر ابن الخطاب وكان عماله فيها على البلاد وهم الذين كانوا في السنة قبلها وذكر ان عمر عزل عمارا في هذه السنة عن الكوفة اشتكاه اهلها وقالوا لا يحسن السياسة فعزله وولى ابا موسى الاشعري فقال اهل الكوفة لا نريده وشكوا من غلامه فقال دعوني انظر في امري وذهب الى طائفة من (7/125)
المسجد ليفكر من يولى فنام من الهم فجاءه المغيرة فجعل يحرسه حتى استيقظ فقال له ان هذا الامر عظيم يا امير المؤمنين الذي بلغ بك هذا قال وكيف واهل الكوفة مائة الف لا يرضون امير المؤمنين ولا يرضى عنهم امير ثم جمع الصحابة واستشارهم هل يولي عليهم قويا مشددا او ضعيفا مسلما فقال له المغيرة بن شعبة يا امير المؤمنين ان القوي قوته لك وللمسلمين وتشديده لنفسه واما الضعيف المسلم فضعفه عليك وعلى المسلمين واسلامه لنفسه فقال عمر للمغيرة واستحسن ما قال له اذهب فقد وليتك الكوفة فرده اليها بعد ما كان عزله عنها بسبب ما كان شهد عليه الذين تقدم حدهم بسبب قذفه والعلم عند الله عز و جل وبعث ابا موسى الاشعري الى البصرة فقيل لعمار اساءك العزل فقال والله ما سرتني الولاية ولقد ساءني العزل وفي رواية ان الذي ساله عن ذلك عمر رضى الله عنه ثم اراد عمر ان يبعث سعد بن ابي وقاص على الكوفة بدل المغيرة فعالجته المنية سنة ثلاث وعشرين على ما سياتي بيانه ولهذا اوصى لسعد به
قال الواقدي وفي هذه السنة غزا الاحنف بن قيس بلاد خراسان وقصد البلد الذي فيه يزدجر ملك الفرس قال ابن جرير وزعم سيف ان هذا كان في سنة ثماني عشرة قلت والاول هو المشهور والله اعلم
قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى
لما استلب سعد من يديه مدينة ملكه ودار مقره وايوان سلطانه وبساط مشورته وحواصله تحول من هناك الى حلوان ثم جاء المسلمون ليحاصروا حلوان فتحول الى الرى واخذ المسلمون حلوان ثم اخذت الرى فتحول منها الى اصبهان فسار الى كرمان فقصد المسلمون كرمان فافتتحوها فانتقل الى خراسان فنزلها هذا كله والنار التي يعبدها من دون الله يسير بها معه من بلد الى بلد ويبني لها في كل بيت توقد فيهم على عادتهم وهو يحمل في الليل في مسيره الى هذا البلدان على بعير عليه هودج ينام فيه فبينما هو ذات ليلة في هودجه وهو نائم فيه اذا مروا به على مخاضة فارادوا ان ينبهوه قبلها لئلا ينزعج اذا استيقظ في المخاضة فلما ايقظوه تغضب عليهم شديدا وشتمهم وقال حرمتموني ان اعلم مدة بقاء هؤلاء في هذه البلاد وغيرها اني رايت في منامي هذا اني ومحمدا عندالله فقال له ملككم مائة سنة فقال زدني فقال عشرا ومائة فقال زدني فقال عشرين ومائة سنة فقال زدني فقال لك وانبهتموني فلا تركتموني لعلمت مدة هذه الامة (7/126)
خرسان مع الاحنف بن قيس
وذلك ان الاحنف بن قيس هو الذي اشار على عمر بان يتوسع المسلمون بالفتوحات في بلاد العجم ويضيقوا على كسرى يزدجر فانه هو الذي يستحث الفرس والجنود على قتال المسلمين فاذن عمر بن الخطاب في ذلك عن رايه وامر الاحنف وامره بغزو بلاد خراسان فركب الاحنف في جيش كثيف الى خراسان قاصدا حرب يزدجر فدخل خراسان فافتتح هراة عنوة واستخلف عليها صحار بن فلان العبدي ثم سار الى مرو الشاهجان وفيها يزدجر وبعث الاحنف بين يديه مطرف بن عبدالله بن الشخير الى نيسابور والحارث بن حسان الى سرخس ولما اقترب الاحنف من مروالشاهجان ترحل منها يزدجرد الى مرو الروذ فافتتح الاحنف مرو الشاهجان فنزلها وكتب يزدجرد حين نزل مروالروذ الى خاقان ملك الترك يستمده وكتب الى ملك الصفد يستمده وكتب الى ملك الصين يستعينه وقصده الاحنف بن قيس الى مروالروذ وقد استخلف على مرو الشاهجان حارثة بن النعمان وقد وفدت الى الاحنف امداد من اهل الكوفة مع اربعة امراء فلما بلغ مسيرة إلى يزدجرد ترحل إلى بلخ فالتقى معه ببلخ يزدجرد فهزمه فهزمه الله عز و جل وهرب هو ومن بقي معه من جيشه فعبر النهر واستوثق ملك خراسان على يدي الاحنف ابن قيس واستخلف في كل بلدة اميرا ورجع الاحنف فنزل مرو الروذ وكتب الى عمر بما فتح الله عليه من بلاد خراسان بكمالها فقال عمر وددت انه كان بيننا وبين خراسان بحر من نار فقال له علي ولم يا امير المؤمنين فقال ان اهلها سينقضون عهدهم ثلاث مرات فيجتاحون في الثالثة فقال يا امير المؤمنين لان يكون ذلك باهلها احب الى من ان يكون ذلك بالمسلمين وكتب عمر الى الاحنف ينهاه عن العبور الى ما وراء النهر وقال احفظ ما بيدك من بلاد خراسان ولما وصل رسول يزدجرد الى اللذين استنجد بهما لم يحتفلا بامره فلما عبر يزدجرد النهر ودخل في بلادهما تعين عليهما انجاده في شرع الملوك فسار معه خاقان الاعظم ملك الترك ورجع يزدجرد بجنود عظيمة فيهم ملك التتار خاقان فوصل الى بلخ واسترجعها وفر عمال الاحنف اليه الى مرو الروذ وخرج المشركون من بلخ حتى نزلوا على الاحنف بمرو الروذ فتبرز الاحنف بمن معه من اهل البصرة واهل الكوفة والجميع عشرون الفا فسمع رجلا يقول لآخر ان كان الامير ذا رأي فانه يقف دون هذا الجبل فيجعله وراء ظهره ويبقى هذا النهر خندقا حوله فلا ياتيه العدو إلا من جهة واحدة فلما اصبح الاحنف امر المسلمين فوقفوا في ذلك الموقف بعينه (7/127)
وكان امارة النصر والرشد وجاءت الاتراك والفرس في جمع عظيم هائل مزعج فقام الاحنف في الناس خطيبا فقال إنكم قليل وعدوكم كثير فلا يهولنكم كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين فكانت الترك يقاتلون بالنهار ولايدري الاحنف اين يذهبون في الليل فسار ليلة مع طليعة من اصحابه نحو جيش خاقان فلما كان قريب الصبح خرج فارس من الترك طليعة وعليه طوق وضرب بطبله فتقدم إليه الاحنف فاختلفا طعنتين فطعنه الاحنف فقتله وهو يرتجز ... ان على كل رئيس حقا ... ان يحضب الصعدة او يندقا ... ان لها شيخا بها ملقى ... بسيف ابي حفص الذي تبقى ...
قال ثم استلب التركي طوقه ووقف موضعه فخرج آخر علم طوق ومعه طبل فجعل يضرب بطبله فتقدم اليه الاحنف فقتله ايضا واستلبه طوقه ووقف موضعه فخرج ثالث فقتله واخذ طوقه ثم اسرع الاحنف الرجوع الى جيشه ولا يعلم بذلك احد من الترك بكلية وكان من عادتهم بطبله ثم الثاني ثم الثالث ثم يخرجون بعد الثالث فلما خرجت الترك ليلتئذ سد انهم لايخرجون من صبيتهم حتى تخرج ثلاثة من كهولهم بين أيديهم يضرب الأول الثالث فأتوا على فرسانهم مقتلين تشاءم بذلك الملك خاقان وتطير وقال لعسكره قد طال قامنا وقد اصيب هؤلاء القوم بمكان لم نصب بمثله ما لنا في قتال هؤلاء القوم من خير فانصرفوا بنا فرجعوا الى بلادهم وانتظرهم المسلمون يومهم ذلك ليخرجوا اليهم من شعبهم فلم يروا احدا منهم ثم بلغهم انصرافهم الى بلادهم راجعين عنهم وقد كان يزدجرد وخاقان في مقابلة الاحنف بن قيس ومقاتلته ذهب الى مرو الشاهجان فحاصرها وحارثة بن النعمان بها واستخرج منها خزانته التي كان دفنها بها ثم رجع وانتظره خاقان ببلخ حتى رجع اليه
وقد قال المسلمون للاحنف ما ترى في اتباعهم فقال اقيموا بمكانكم ودعوهم وقد اصاب الاحنف في ذلك فقد جاء في الحديث اتركوا الترك ما تركوكم وقد رد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ورجع كسرى خاسرا الصفقة لم يشف له غليل ولا حصل على خير ولا انتصر كما كان في زعمه بل تخلى عنه من كان يرجو النصر منه وتنحى عنه وتبرأ منه احوج ماكان اليه وبقي مذبذبا لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا وتحير في امره ماذا يصنع والى اين يذهب وقد اشار عليه بعض اولى النهى من قومه حين قال قد عزمت ان اذهب الى بلاد الصين او اكون مع خاقان في بلاده (7/128)
فقالوا انا نرى ان نصانع هؤلاء القوم فان لهم ذمة ودينا يرجعون اليه فنكون في بعض هذه البلاد وهم مجاورينا فهم خير لنا من غيرهم فابى عليهم كسرى ذلك ثم بعث الى ملك الصين يستغيث به ويستنجده فجعل ملك الصين يسال الرسول عن صفة هؤلاء القوم الذين قد فتحوا البلاد وقهروا رقاب العباد فجعل يخبرة عن صفتهم وكيف يركبون الخيل والابل وماذا يصنعون وكيف يصلون فكتب معه الى يزدجرد انه لم يمنعنى ان ابعث اليك بجيش اوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق على ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك صفتهم لو يحاولون الجبال لهدوها ولو جئت لنصرك ازالوني ماداموا على ما وصف لي رسولك فسالمهم وارض منهم بالمسالمة فاقام كسرى وآل كسرى في بعض البلاد مقهورين ولم يزل ذلك دأبه حتى قتل بعد سنتين من إمارة عثمان كما سنورده في موضعه ولما بعث الاحنف بكتاب الفتح وما أفاء الله عليهم من أموال الترك ومن كان معهم وانهم قتلوا منهم مع ذلك مقتله عظيمة ثم ردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا فقام عمر على المنبر وقرئ الكتاب بين يديه ثم قال عمر ان الله بعث محمدا بالهدى ووعد على اتباعه من عاجل الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة فقال هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فالحمد لله الذي انجز وعده ونصر جنده الا وان الله قد اهلك ملك المجوسية فرق شملهم فليسوا يملكون من بلادهم شبرا يضير بمسلم الا وان الله قد اورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون فقوموا في امره على وجل يوف لكم بعهده ويؤتكم وعده ولا تغيروا يستبدل قوما غيركم فاني لا اخاف على هذه الامة ان تؤتى إلا من قبلكم
وقال شيخنا ابو عبد الله الذهبي الحافظ في تاريخ هذه السنة اعني سنة ثنتين وعشرين وفيها فتحت اذربيجان على يدي المغيرة بن شعبة قاله ابن اسحاق فيقال انه صالحهم على ثمانمائة الف درهم وقال ابو عبيدة فتحها حبيب بن سلمة الفهري بأهل الشام عنوة ومعه اهل الكوفة فيهم حذيفة فافتتحها بعد قتال شديد والله أعلم وفيها افتتح حذيفة الدينور عنوة بعدما كان سعد افتتحها فانتقضوا عهدهم وفيها افتتح حذيفة ماه سندان عنوة وكانوا نقضوا ايضا عهد سعد وكان مع حذيفة أهل البصرة فلحقهم أهل الكوفة فاختصموا في الغنيمة فكتب عمر ان الغيمة لمن شهد الوقعة قال ابو عبيدة ثم غزا حذيفة همذان فافتتحها عنوة ولم تكن فتحت قبل ذلك واليها انتهى فتوح حذيفة قال ويقال افتتحها جرير بن عبدالله بأمر المغيرة ويقال افتتحها المغيرة سنة اربع وعشرين وفيا افتتحت جرجان قال خليفة وفيها افتتح عمرو بن العاص (7/129)
طرابلس المغرب ويقال في السنة التي بعدها قلت وفي هذا كله غرابة لنسبته الى ما سلف والله اعلم قال شيخنا وفيها توفي ابي بن كعب في قول الواقدي وابن نمير والذهلي والترمذي وقد تقدم في سنة تسع عشرة ومعضد بن يزيد الشيباني استشهد بأذربيجان ولا صحبه له
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وفيها وفاة عمر بن الخطاب
قال الواقدي وابو معشر فيها كان فتح اصطخر وهمذان وقال سيف كان فتحها بعد فتح توج الآخرة ثم ذكر ان الذي افتتح توج مجاشع بن مسعود بعد ما قتل من الفرس مقتله عظيمة وغنم منهم عنائم جمة ثم ضرب الجزية على اهلها وعقد لهم الذمة ثم بعث بالفتح وخمس الغنائم الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم ذكر ان عثمان بن ابي العاص افتتح جور بعد قتال شديد كان عندها ثم افتتح المسلمون اصطخر وهذه المرة الثانية وكان اهلها قد نقضوا العهد بعدما كان جند العلاء بن الحضرمي افتتحوها حين جاز في البحر من ارض البحرين والتقوا هم والفرس في مكان يقل له طاوس كما تقدم بسط ذلك في موضعه ثم صالحه الهربد على الجزية وان يضرب لهم الذمة ثم بعث بالأخماس والبشارة الى عمر قال ابن جرير وكانت الرسل لها جوائز وتقضي لهم حوائج كما كان رسول الله ( ص ) يعاملهم بذلك ثم ان شهرك خلع العهد ونقض الذمة ونشط الفرس فنقضوا فبعث اليهم عثمان بن أبي العاص ابنه وأخاه الحكم فاقتلوا مع الفرس فهزم الله جيوش المشركين وقتل الحكم بن ابي العاص شهرك وقتل ابنه معه ايضا وقال ابو معشر كانت فارس الاولى واصطخر الآخرة سنة ثمان وعشرين في امارة عثمان وكانت فارس الآخرة ووقعه جور في سنة تسع وعشرين
فتح فسا ودار ابجرد وقصة سارية بن زنيم
ذكر سيف عن مشايخه ان سارية بن زنيم قصد فسا ودارأبجرد فاجتمع له جموع من الفرس والأكراد عظيمة ودهم المسلمين منهم أمر عظيم وجمع كثير فراى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في وقت من النهار وانهم في صحراء وهناك جبل ان اسندوا اليه لم يؤتوا الا من وجه واحد فنادى من الغد الصلاة جامعة حتى إذا كانت الساعة التي رأى أنهم اجتمعوا فيها خرج إلى الناس وصعد المنبر فخطب الناس واخبرهم بصفة مارأى ثم قال ياسارية الجبل الجبل ثم اقبل عليهم وقال ان لله جنودا ولعل بعضها ان يبلغهم قال ففعلوا ما قال عمر فنصرهم الله على عدوهم وفتحوا البلد وذكر سيف في رواية اخرى عن شيوخه ان عمر بينهما هو يخطب يوم الجمعة اذ قال ياسارية بن زنيم الجبل الجبل فلجأ المسلمون الى جبل هناك فلم يقدر العدو عليهم الا من جهة واحدة (7/130)
فأظفرهم الله بهم وفتحوا البلد وغنموا شيئا كثيرا فكان من جملة ذلك سفط من جوهر فاستوهبه سارية من المسلمين لعمر فلما وصل اليه ما الاخماس قدم الرسول بالخمس فوجد عمر قائما في يده عصا وهو يطعم المسلمين سماطهم فلما رآه عمر قال له اجلس ولم يعرفه فجلس الرجل فأكل مع الناس فلما فرغوا انطلق عمر الى منزله واتبعه الرجل فاستأذن فاذن له واذا هو قد وضع له خبز وزيت وملح فقال ادن فكل قال فجلست فجعل يقول لامرأته ألا تخرجين ياهذه فتأكلين فقالت إني اسمع حس رجل عندك فقال أوماترضين ان يقال ام كلثوم بنت عمر على وامرأة عمر فقالت ما أقل غناء ذلك عني ثم قال للرجل ادن فكل فلوكانت راضية لكان اطيب مما ترى فأكلا فلما فرغا قال أنا رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين فقال مرحبا وأهلا ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته ثم سأله عن المسلمين ثم سأله عن سارية بن زنيم فأخبره ثم ذكرله شأن السفط من الجوهر فابى ان يقبله وامر برده الى الجند وقد سأل قال نعم سمعنا قائلا يقول يا سارية الجبل وقد كدنا نهلك فلجأنا اليه ففتح الله اهل المدينة رسول سارية عن الفتح فأخبرهم فسألوه هل سمعوا صوتا يوم الوقعة الوقعة ثم رواه سيف عن مجالد عن الشعبي بنحو هذا وقال عبد الله بن وهب عن يحيى بن ايوب عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر ان عمر وجه جيشا ورأس عليهم رجلا يقال له سارية قال فبينما عمر يخطب فجعل ينادي ياساري الجبل ياساري الجبل ثلاثا ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك اذا سمعنا مناديا ياسارية الجبل ثلاثا فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله قال فقيل لعمر انك كنت تصيح بذلك وهذا إسناد جيد حسن
وقال الواقدي حدثني نافع بن ابي نعيم عن نافع مولى ابن عمر ان عمر قال على المنبر ياسارية ابن زنيم الجبل فلم يدر الناس مايقول حتى قدم سارية بن زنيم المدينة على عمر فقال يا امير المؤمنين كنا محاصرىي العدو فكنا نقيم الأيام لايخرج علينا منهم احد نحن في خفض من الأرض وهم في حصن عال فسمعت صائحا ينادي بكذا وكذا ياسارية بن زنيم الجبل فعلوت بأصحابي الجبل فما كان إلا ساعة حتى فتح الله علينا وقد رواه الحافظ ابو القاسم اللالكائي من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر بنحوه وفي صحته من حديث مالك نظر وقال الواقدي حدثني اسامة بن زيد عن اسلم عن ابيه وأبو سليمان عن يعقوب بن زيد قالا خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة الى الصلاة فصعد المنبر ثم صاح ياسارية بن زنيم الجبل ياسارية بن زنيم الحبل ظلم من استرعى الذئب الغنم ثم خطب حتى فرغ فجاء كتاب سارية الى عمر ان الله قد فتح علينا يوم الجمعة ساعة كذا وكذا لتلك الساعة التي خرج فيها عمر فتكلم على المنبر قال سارية فسمعت صوتا (7/131)
يا سارية بن زنيم الجبل ياسارية بن زنيم الجبل ظلم من استرعى الذئب الغنم فعلوت باصحابي الجبل ونحن قبل ذلك في بطن واد ونحن محاصروا العدو ففتح الله علينا فقيل لعمر بن الخطاب ما ذلك الكلام فقال والله ما القيت له إلابشيء القى علي لساني فهذه طرق يشد بعضها بعضا
ثم ذكر ابن جرير طريق سيف عن شيوخه فتح كرمان على يدي سهيل بن عدي وأمده عبدالله ابن عبد الله بن عتبان وقيل على يدي عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وذكر فتح سجستان على يدي عاصم بن عمرو بعد قتال شديد وكانت ثغورها متسعة وبلادها متنائية مابين السند الى نهر بلخ وكانوا يقاتلون القند هار والترك من ثغورها وفروجها وذكر فتح مكران على يدي الحكم بن عمرو وأمده بشهاب بن المخارق بن شهاب وسهيل بن عدي وعبد الله بن عبد الله واقتتلوا مع ملك السند فهزم الله جموع السند وغنم المسلمون منهم غنيمة كثيرة وكتب الحكم ابن عمرو بالفتح وبعث بالاخماس مع صحار العبدي فلما قدم على عمر سأله عن أرض مكران فقال يا أمير المؤمنين ارض سهلها جبل وماؤها وشل وثمرها دقل وعدوها بطل وخيرها قليل وشرها طويل والكثير بها قليل والقليل بها ضائع وماوراءها شر منها فقال عمر اسجاع انت ام مخبر فقال لا بل مخبر فكتب عمر الى الحكم بن عمرو وأن لايغزو بعد ذلك مكران وليقتصروا على مادون النهر وقد قال الحكم بن عمر في ذلك ... لقد شبع الأرامل غير فخر ... بقيء جاءهم من مكران ... اتاهم بعد مسغبة وجهد ... وقد صفر الشتاء من الدخان ... فإنى لا يذم الجيش فعلى ... ولاسيفى يذم ولا لساني ... غداة أدافع الاوباش دفعا ... الى السند العريضة والمداني ... ومهران لنا فيما اردنا ... مطيع غير مسترخي العناني ... فلولا ما نهى عنه اميري ... قطعناه الى البدد الزواني ... غزة الأكراد
ثم ذكر ابن جرير بسنده عن سيف عن شيوخه ان جماعة من الأكراد والتف اليهم طائفة من الفرس اجتمعوا فلقيهم ابو موسى بمكان من ارض بيروذقريب من نهر تيرى ثم سار عنهم ابو موسى الى اصبهان وقد استخلف على حربهم الربيع بن زناد بعد مقتل اخيه المهاجر بن زياد فتسلم الحرب وحنق عليهم فهزم الله العدو وله الحمد والمنه كما هي عادته المستمرة وسننه المستقره في عباده المؤمنين وحزبه المفلحين من اتباع سيد المرسلين ثم خمست الغنيمة وبعث بالفتح والخمس (7/132)
الى عمر رضي الله عنه وقد سار ضبه بن محصن العنزي فاشتكى ابا موسى الى عمر وذكر عنه امورا لاينقم عليه بسببها فاستدعاه عمر فسأله عنها فاعتذر منها بوجوه مقبوله فسمعها عمرو وقبلها ورده الى عمله وعذر ضبه فيما تأوله ومات عمر وابو موسى على صلاة البصرة
خبر سلمة بن قيس الأشجعي والأكراد
بعثه عمر على سرية ووصاه بوصايا كثيرة بمضمون حديث بريدة في صحيح مسلم اغزوا بسم الله قاتلوا من كفر بالله الحديث الى آخره فساروا فلقوا جمعا من المشركين فدعوهم الى احدى ثلاث خلال فأبوا ان يقبلوا واحدة منها فقاتلوهم فقتلوا مقاتلتهم وسبوا ذراريهم وغنموا اموالهم ثم بعث سلمة بن قيس رسولا إلى عمر بالفتح وبالغنائم فذكروا وروده على عمر وهو يطعم الناس وذهابه معه الى منزله كنحو ما تقدم من قصة ام كلثوم بنت علي وطلبها الكسوة كما يكسى طلحة وغيرة أزواجهم فقال الا يكفيك ان يقال بنت علي وأمرأة امير المؤمنين ثم ذكر طعامه الخشن وشرابه من سلت ثم شرع يستعمله عن أخبارالمهاجرين وكيف طعامهم واشعارهم وهل يأكلون اللحم الذي هو شجرتهم ولا بقاء للعرب دونه شجرتهم وذكر عرضه عليه ذلك السفط من الجوهر فابى ان ياخذه واقسم على ذلك وامره بأن يرده فيقسم بين الغنمين وقد اورده ابن جرير مطولا جدا
وقال ابن جرير وفي هذه السنة حج عمر بازواج النبي ( ص ) وهي آخر حجة حجها رضي الله عنه قال وهي هذه السنة كانت وفاته ثم ذكر صفة قتله مطولا ايضا وقد ذكرت ذلك مستقصى في آخر سيرة عمر فليكتب من هناك الى هنا
وهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزي بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزاربن معد بن عدنان القرشي ابو حفص العدوي الملقب بالفاروق قيل لقبه بذلك اهل الكتاب وامه خنتمه بنت هشام اخت ابي حهل بن هشام اسلم عمر وعمره سبع وعشرين سنة وشهد بدرا واحدا والمشاهد كلها مع النبي ( ص ) وخرج في عدة سرايا وكان اميرا على بعضها وهو اول من دعىامير المؤمنين وأول من كتب التاريخ وجمع الناس على التراويح وأول من عس بالمدينة وحمل الدرة وادب بها وجلد في الخمر ثمانين وفتح الفتوح ومصر الأمصار وجند الأنجاد ووضع الخراج ودون الدواوين وعرض الأعطية واستقضى القضاه وكور الكور مثل السواد والآهواز والجبال وفارس وغيرها وفتح الشام كله ولجزيرة والموصل (7/133)
وميافارقين وارمينية ومصر واسكندرية ومات عساكره على بلاد الرى فتح من الشام اليرموك وبصرى ودمشق والاردن وبيسان وطبرية والجابية وفلسطين والرملة وعسقلان وغزة والسواحل والقدس وفتح مصر واسكندرية وطرابلس الغرب وبرقة ومن مدن الشام بعلبك وحمص وقنسرين وحلب وانطاكية وفتح الجزيرة وحران والرها والرقة ونصيبين وراس عين وشمشاط وعين وردة وديار بكر وديار ربيعة وبلاد الموصل وارمينية جميعها وبالعراق القادسية والحيرة ونهرسير وساباط ومدائن كسرى وكورة الفرات ودجلة والابلة والبصرة والاهواز وفارس ونهاوند وهمذان والري وقومس وخراسان واصطخر واصبهان والسوس ومرو ونيسابور وجرجان واذربيجان وغير ذلك وقطعت جيوشه النهر مرارا وكان متواضعا في الله خشن العيش خشن المطعم شديدا في ذات الله يرقع الثوب بالاديم ويحمل القربة على كتفه مع عظم هيبته ويركب الحمار عريا والبعير مخطوما بالليف وكان قليل الضحك لا يمازح احدا وكان نقش خاتمه كفى بالموت واعظا يا عمر
وقال النبي صلى الله عليه و سلم اشد امتي في دين الله عمر وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه و سلم قال ان لي وزيرين من اهل السماء ووزيرين من اهل الارض فوزيراي من اهل السماء جبريل وميكائيل ووزيراي من اهل الارض ابو بكر وعمر وانهما السمع والبصر وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه و سلم قال ان الشيطان يفرق من عمر وقال ارحم امتى ابو بكر واشدها في دين الله عمر وقيل لعمر انك قضاء فقال الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رحما وملأ قلوبهم لي رعبا وقال عمر لا يحل لي من مال الله الا حلتان حلة للشتاء وحلة للصيف وقوت اهلي كرجل من قريش ليس باغناهم ثم انا رجل من المسلمين وكان عمر اذا استعمل عاملا كتب له عهدا واشهد عليه رهطا من المهاجرين واشترط عليه ان لا يركب برذونا ولا ياكل نقيا ولا يلبس رقيقا ولا يغلق بابه دون ذوى الحاجات فان فعل شيئا من ذلك حملت عليه العقوبة وقيل انه كان اذا حدثه الرجل بالحديث فيكذب فيه الكلمة والكلمتين فيقول عمر احبس هذه احبس هذه فيقول الرجل والله كلما حدثتك به حق غير ما امرتني ان احبسه
وقال معاوية بن ابي سفيان اما ابو بكر فلم يرد الدنيا واما عمر فارادته فلم يردها واما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن وعوتب عمر فقيل له لو اكلت طعاما طيبا كان اقوى لك على الحق فقال اني تركت صاحبي على جادة فان أدركت جادتهما فلم ادركهما في المنزل وكان يلبس وهو خليفة جبة صوف مرقوعة بعضها بادم ويطوف بالاسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس واذا مر بالنوى وغيره يلتقطه ويرمي به في منازل الناس ينتفعون به
قال انس كان بين كتفي عمر اربع رقاع وازاره بادم وخطب على المنبر وعليه ازار (7/134)
فيه اثنى عشر رقعة وانفق في حجته ستة عشر دينارا وقال لابنه قد اسرفنا وكان لا يستظل بشيء غير انه كان يلقي كساءه على الشجرة ويستظل تحته وليس له خيمة ولا فسطاط ولما قدم الشام لفتح بيت المقدس كان على جمل اورق تلوح صلعته للشمس ليس عليه قلنسوة ولا عمامه قد طبق رجليه بين شعبي الرحل بلا ركاب ووطاؤه كبش صوف وهو فراشه اذا نزل وحقيبته محشوة ليفا وهي وسادته اذا نام وعليه قميص من كرابيس قد رسم وتخرق جيبه فلما نزل قال ادعوا لي راس القرية فدعوه فقال اغسلوا قميصي وخيطوه واعيروني قميصا فاتى بقميص كتان فقال ما هذا فقيل كتان فقال فما الكتان فاخبروه فنزع قميصه فغسلوه وخاطوه ثم لبسه فقال له انت ملك العرب وهذه بلاد لا يصلح فيها ركوب الابل فاتي ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل فلما سار جعل البرذون يهملج به فقال لمن معه احبسوا ما كنت اظن الناس يركبون الشياطين هاتوا جملي ثم نزل وركب الجمل
وعن انس قال كنت مع عمر فدخل حائطا لحاجته فسمعته يقول بينى وبينه جدار الحائط عمر بن الخطاب امير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله بني الخطاب او ليعذبنك وقيل انه حمل قربة على عاتقه فقيل له في ذلك فقال ان نفسي اعجبتني فاردت ان اذلها وكان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر وما مات حتى سرد الصوم وكان في عام الرمادة لا ياكل الا الخبز والزيت حتى اسود جلده ويقول بئس الوالي ان شبعت والناس جياع وكان في وجهه خطان اسودان من البكاء وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه فيحمل صريعا الى منزله فيعاد اياما ليس به مرض الا الخوف وقال طلحة بن عبدالله خرج عمر ليلة في سواد الليل فدخل بيتا فلما اصبحت ذهبت الى ذلك البيت فاذا عجوز عمياء مقعدة فقلت لها ما بال هذا الرجل ياتيكي فقالت انه يتعاهدني مدة كذا وكذا ياتيني بما يصلحنى ويخرج عنى الاذى فقلت لنفسي ثكلتك امك يا طلحة اعثرات عمر تتبع
وقال اسلم مولى عمر قدم المدينة رفقة من تجار فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف هل لك ان نحرسهم الليلة قال نعم فباتا يحرسانهم ويصليان فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لامه اتق الله تعالى واحسني الى صبيك ثم عاد الى مكانه فسمع بكاءه فعاد الى امه فقال لها مثل ذلك ثم عاد مكانه فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي فاتى الى امه فقال لها ويحك انك ام سوء مالى ارى ابنك لا يقر منذ الليلة من البكاء فقالت يا عبدالله ان اشغله عن الطعام فيابى ذلك قال ولم قالت لان عمر لا يفرض الا للمفطوم قال وكم عمر ابنك هذا قالت كذا وكذا شهرا فقال ويحك لا تعجليه عن الفطام فلما صلى الصبح وهو لا يستبين للناس (7/135)
قراءته من البكاء قال بؤسا لعمر كم قتل من اولاد المسلمين ثم امر مناديه فنادى لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فانا نفرض لكل مولود فيى الاسلام وكتب بذلك الى الافاق
وقال اسلم خرجت ليلة مع عمر الى ظاهر المدينة فلاح لنا بيت شعر فقصدناه فاذا فيه امرأة تمخض وتبكي فسالها عمر عن حالها فقالت انا امرأة عربية وليس عندي شىء فبكى عمر وعاد يهرول الى بيته فقال لامرأته ام كلثوم بنت علي بن ابي طالب هل لك في اجر ساقه الله اليك واخبرها الخبر فقالت نعم فحمل على ظهره دقيقا وشحما وحملت ام كلثوم ما يصلح للولادة وجاءا فدخلت ام كلثوم على المرأة وجلس عمر مع زوجها وهو لا يعرفه يتحدث فوضعت المراة غلاما فقالت ام كلثوم يا امير المؤمنين بشر صاحبك بغلام فلما سمع الرجل قولها استعظم ذلك واخذ يعتذر إلى عمر فقال عمر لا باس عليك ثم اوصلهم بنفقة وما يصلحهم وانصرف
وقال اسلم خرجت ليلة مع عمر الى حرة واقم حتى اذا كنا بصرار اذا بنار فقال يا اسلم ههنا ركب قد قصر بهم الليل انطلق بنا اليهم فاتيناهم فاذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون فقال عمر السلام عليكم يا اصحاب الضوء قالت وعليك السلام قال ادنو قالت ادن أودع فدنا فقال ما بالكم قالت قصر بنا الليل والبرد قال فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون قالت من الجوع فقال واي شىء على النار قالت ماء اعللهم به حتى يناموا الله بيننا وبين عمر فبكى عمر ورجع يهرول الى دار الدقيق فاخرج عدلا من دقيق وجراب شحم وقال يا اسلم احمله على ظهري فقلت انا احمله عنك فقال انت تحمل وزري يوم القيامة فحمله على ظهره وانطلقنا الى المراة فالقى عن ظهره واخرج من الدقيق في القدر والقى عليه من الشحم وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل لحيته ساعة ثم انزلها عن النار وقال ايتني بصحفة فاتى بها فغرفها ثم تركها بين يدي الصبيان وقال كلوا فأكلوا حتى شبعوا والمرأة تدعوا له وهى لا تعرفه فلم يزل عندهم حتى نام الضغار ثم اوصلهم بنفقة وانصرف ثم اقبل على فقال يا اسلم الجوع الذي اسهرهم وابكاهم
وقيل ان علي بن ابي طالب رضى الله عنه راى عمر وهو يعدو الى ظاهر المدينة فقال له الى اين يا امير المؤمنين فقال قد ند بعير من ابل الصدقة فانا اطلبه فقال قد اتعبت الخلفاء من بعدك وقيل انه راى جارية تتمايل من الجوع فقال من هذه فقالت ابنة عبدالله هذه ابنتي قال فما بالها فقالت انك تحبس عنا ما في يدك فيصيبنا ما ترى فقال يا عبدالله بيني وبينكم كتاب الله والله اعطيكم إلا ما فرض الله لكم اتريدون منى ان اعطيكم ما ليس لكم (7/136)
فاعود خائنا روى ذلك عن الزهري
وقال الواقدي حدثنا ابو حمزة يعقوب بن مجاهد عن محمد بن ابراهيم عن ابي عمر قال قلت لعائشة من سمى عمر الفاروق امير المؤمنين قالت النبي صلى الله عليه و سلم قال امير المؤمنين هو واول من حياه بها المغيرة بن شعبة وقيل غيره والله اعلم
وقال ابن جرير حدثني احمد بن عبدالصمد الانصاري حدثتني ام عمر وبنت حسان الكوفية وكان قد اتى عليها مائة وثلاثون سنه عن ابيها قال لما ولي عمر قالوا يا خليفة خليفة رسول الله فقال عمر هذا امر يطول بل انتم المؤمنون وانا اميركم فسمي امير المؤمنين
وملخص ذلك ان رضى الله عنه لما فرغ من الحج سنة ثلاث وعشرين ونزل بالأبطح دعا الله عز و جل وشكا اليه انه قد كبرت سنه وضعفت قوته وانتشرت رعيته وخاف من التقصير وسال الله ان يقبضه اليه وان يمن عليه بالشهادة في بلد النبي صلى الله عليه و سلم كما ثبت عنه في الصحيح انه كان يقول اللهم اني اسالك شهادة في سبيلك وموتا في بلد رسولك فاستجاب له الله هذا الدعاء وجمع له بين هذين الامرين الشهادة في المدينة النبوية وهذا عزيز جدا ولكن الله لطيف بمن يشاء تبارك وتعالى فاتفق له ان ضربه ابو لؤلؤة فيروز المجوسي الاصل الرومي الدار وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الصبح من يوم الاربعاء لاربع بقين من ذي الحجة من هذه السنة بخنجر ذات طرفين فضربه ثلاث ضربات وقيل ست ضربات احداهن تحت سرته قطعت السفاق فخر من قامته واستخلف عبدالرحمن بن عوف ورجع العلج بخنجره لا يمر باحد الا ضربه حتى ضرب ثلاثة عشر رجلا مات منهم ستة فألقى عليه عبدالله بن عوف برنسا فانتحر نفسه لعنه الله وحمل عمر الى منزله والدم يسيل من جرحه وذلك قبل طلوع الشمس فجعل يفيق ثم يغمى عليه ثم يذكرونه بالصلاة فيفيق ويقول نعم ولاحظ في الاسلام لمن تركها ثم صلى في الوقت ثم سال عمن قتله من هو فقالوا له ابو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال الحمد لله الذي لم يجعل منيتي على يدي رجل يدعي الايمان ولم يسجد لله سجدة ثم قال قبحه الله لقد كنا امرنا به معروفا وكان المغيرة قد ضرب عليه في كل يوم درهمين ثم سأل من عمر ان يزيد في خراجه فانه نجار نقاش حداد فزاد في خراجه الى مائة في كل شهر وقال له لقد بلغني انك تحسن ان تعمل رحا تدور بالهواء فقال ابو لؤلؤة اماوالله لاعملن لك رحا يتحدث عنها الناس فيس المشارق والمغارب وكان هذا يوم الثلاثاء عشية وطعنه صبيحة الاربعاء لاربع بقين من ذى الحجةواوصى عمر ان يكون الامر شورى بعده في ستة ممن توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو راض عنهم وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير (7/137)
وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن ابي وقاص ولم يذكر سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى فيهم لكونه من قبيلته خشية ان يراعى في الامارة بسببه واوصى من يستخلف بعده بالناس خيرا على طبقاتهم ومراتبهم ومات رضى الله عنه بعد ثلاث ودفن يوم الاحد مستهل المحرم من سنة اربع وعشرين بالحجرة النبوية الى جانب الصديق عن اذن ام المؤمنين عائشة رضى الله عنها في ذلك وفي ذلك اليوم حكم امير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه
قال الواقدي رحمه الله حدثني ابو بكر بن اسماعيل بن محمد بن سعد عن ابيه قال طعن عمر يوم الاربعاء لاربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الاحد صباح هلال المحرم سنة اربع وعشرين فكانت ولايته عشر سنين وخمسة اشهر واحدا وعشرين يوما وبويع لعثمان يوم الاثنين لثلاث مضين من المحرم قال فذكرت ذلك لعثمان الاخنس فقال ما اراك الا وهلت توفي عمر لاربع ليال بقين من ذي الحجة وبويع لعثمان لليلة بقيت من ذي الحجة فاستقبل بخلافته المحرم سنة اربع وعشرين وقال ابو معشر قتل عمر لاربع بقين من ذي الحجة تمام سنة ثلاث وعشرين وكانت خلافته عشر سنين وستة اشهر واربعة ايام وبويع عثمان ابن عفان
وقال ابن جرير حدثت عن هشام بن محمد قال قتل عمر لثلاث بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين فكانت خلافته عشر سنين وستة اشهر واربعة ايام وقال سيف عن خليد بن وفرة ومجالد قالا استخلف عثمان لثلاث من المحرم فخرج فصلى بالناس صلاة العصر وقال علي بن محمد المدائني عن شريك عن الاعمش او جابر الجعفى عن عوف بن مالك الاشجعي وعامر بن ابي محمد عن اشياخ من قومه وعثمان بن عبدالرحمن عن الزهري قال طعن عمر يوم الاربعاء لسبع بقين من ذي الحجة والقول الاول هو الاشهر والله سبحانه وتعالى اعلم
صفته رضي الله عنه
كان رجلا طوالا اصلع اعسر أيسر احور العينين آدم اللون وقيل كان ابيض شديد البياض تعلوه حمرة اشنب الاسنان وكان يصفر لحيته ويرجل راسه بالحناء
واختلف في مقدار سنه يوم مات رضى الله عنه على اقوال عدتها عشرة فقال ابن جرير حدثنا زيد بن احزم ابو قتيبة عن جرير بن حازم عن ايوب عن نافع عن ابن عمر قال قتل عمر ابن الخطاب وهو ابن خمس وخمسين سنة ورواه الدرواردى عن عبدالله عن نافع عن ابن عمر وقاله عبدالرزاق عن ابن جريج عن الزهري ورواه احمد بن هشيم عن علي بن زيد عن سالم بن عبدالله ابن عمر وعن نافع رواية اخرى ست وخمسون سنة قال ابن جرير وقال آخرون كان عمره (7/138)
ثلاث وخمسين سنة حدثت بذلك عن هشام بن محمد ثم روى عن عامر الشعبي انه توفي وله ثلاث وستون سنة
قلت وقد تقدم في عمر الصديق مثله وروى عن قتادة انه قال توفى عمر وهو ابن احدى وستين سنة وعن ابن عمر والزهري خمس وستون وعن ابن عباس ست وستون وروى ابن جرير عن اسلم مولى عمر انه قال توفي وهو ابن ستين سنة قال الواقدي وهذا اثبت الاقاويل عندنا وقال المدائني توفي عمر وهو ابن سبع وخمسين سنة
ذكر زوجاته وابنائه وبناته
قال الواقدي وابن الكلبي وغيرهما تزوج عمر في الجاهلية زينب بنت مظعون اخت عثمان ابن مظعون فولدت له عبدالله وعبدالرحمن الاكبر وحفصة رضى الله عنهم وتزوج مليكة بنت جرول فولدت له عبيد الله فطلقها في الهدنة فخلف عليها ابو الجهم بن حذيفة قاله المدائني
وقال الواقدي هي ام كلثوم بنت جرول فولدت له عبيد الله وزيدا الاصغر قاله المدائني وتزوج قريبة بنت ابي امية المخزومي ففارقها في الهدنة فتزوجها بعده عبدالرحمن بن ابي بكر
قالوا وتزوج ام حكيم بنت الحارث بن هشام بعد زوجها حين قتل في الشام فولدت له فاطمة ثم طلقها قال المدائني وقيل لم يطلقها قالوا تزوج جميلة بنت عاصم بن ثابت بن ابي الافلح من الاوس وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت قبله عند عبدالله بن ابي مليكة ولما قتل عمر تزوجها بعده الزبير بن العوام رضى الله عنهم ويقال هى ام ابنه عياض فالله اعلم قال المدائني وكان قد خطب ام كلثوم ابنة ابي بكر الصديق وهى صغيرة وارسل فيها عائشة فقالت ام كلثوم لا حاجة لي فيه فقالت عائشة اترغبين عن امير المؤمنين قالت نعم انه خشن العيش فارسلت عائشة الى عمرو بن العاص فصده عنها ودله على ام كلثوم بنت علي بن ابي طالب ومن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال تعلق منها بسبب من رسول الله صلى الله عليه و سلم فخطبها من علي فزوجه اياها فاصدقها عمر رضي الله عنه اربعين الفا فولدت له زيدا ورقية قالوا وتزوج لهية امرأة من اليمن فولدت له عبدالرحمن الاصغر وقيل الاوسط وقال الواقدي هي ام ولد وليست زوجة قالوا وكانت عنده فكيهة ام ولد فولدت له زينب قال الواقدي وهي اصغر ولده قال الواقدي وخطب ام ابان بنت عتبة بن شيبة فكرهته وقالت يغلق بابه ويمنع خيره ويدخل عابسا ويخرج عابسا
قلت فجملة اولاده رضى الله عنه وارضاه ثلاثة عشر ولدا وهم زيد الاكبر وزيد الاصغر وعاصم وعبدالله وعبدالرحمن الاكبر وعبدالرحمن الاوسط قال الزبير بن بكار وهو (7/139)
ابو شحمة وعبدالرحمن الاصغر وعبيدالله وعياض وحفصة ورقية وزينب وفاطمة رضى الله عنهم ومجموع نسائه اللاتي تزوجهن في الجاهلية والاسلام ممن طلقهن او مات عنهن سبع وهن جميلة بنت عاصم بن ثابت بن الافلح وزينب بنت مظعون وعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وقريبة بنت ابي امية ومليكة بنت جرول وام حكيم بنت الحارث بن هشام وام كلثوم بنت علي بن ابي طالب وام كلثوم اخرى وهي مليكة بنت جرول وكانت له امتان له منهما اولاد هما فكيهة ولهية وقد اختلف في لهية هذه فقال بعضهم كانت ام ولد وقال بعضهم كان اصلها من اليمن وتزوجها امير المؤمنين عمر بن الخطاب فالله اعلم
ذكر بعض ما رثى به
قال علي بن محمد المدائني عن ابن داب وسعيد بن خالد عن صالح بن كيسان عن المغيرة ابن شعبة قال لما مات عمر بكته ابنة ابي خيثمة فقالت واعمراه اقام الاود وابر العهد امات الفتن واحيا السنن خرج نقي الثوب بريا من العيب
قال فقال علي بن ابي طالب والله لقد صدقت ذهب بخيرها ونجا من شرها اما والله ماقالت ولكن قولت وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل في زوجها عمر ... فجعنى فيروز لا در دره ... بابيض تال للكتاب منيب ... رؤف على الادنى غليظ على العدى ... اخى ثقة في النائبات نجيب ... متى ما يقل لا يكذب القول فعله ... سريع الى الخيرات غير معطوب ...
وقالت ايضا
... عين جودى بعبرة ونحيب ... لا تملى على الامام النجيب ... فجعتنا المنون بالفارس العي ... لم يوم الهياج والتلبيب ... عصمة الناس والمعين على الدهر ... ر وغيث المنتاب والمحروب ... قل لاهل السراء والبؤس موتوا ... وقد سقته المنون كاس سغوب ...
وقالت امرأة من المسلمين تبكيه
... سيبكيك نساء الحى ... يبكين شجيات ... ويخمشن وجوها كالدنانير نقيات ... ويلبسن ثياب الحز ... ن بعد القصيبات ... وقد ذكر ابن جرير ترجمة طويلة لعمر بن الخطاب وكذلك اطال ابن الجوزي في سيرته (7/140)
وشيخنا الحافظ ابو عبدالله الذهبي في تاريخه وقد جمعنا متفرقات كلام الناس في مجلد مفرد افردنا لما اسنده وروى عنه من من الاحكام مجلدا اخر كبيرا مرتبا على ابواب الفقه ولله الحمد
قال ابن جرير وفي هذه السنة توفي قتادة بن النعمان وفيها غزا معاوية معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية ومعه من الصحابة عبادة بن الصامت وابو ايوب وابو ذر وشداد بن اوس وفيها فتح معاوية عسقلان صلحا قال وفيها كان على قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة كعب بن سوار قال واما مصعب الزبيري فانه ذكر ان مالكا روى عن الزهري ان ابا بكر وعمر لم يكن لهما قاض وقال شيخنا ابو عبدالله الذهبي في تاريخه في سنة ثلاث وعشرين فيها كانت قصة سارية بن زنيم وفيها فتحت كرمان واميرها سهيل بن عدي وفيها فتحت سجستان واميرها عاصم بن عمرو وفيها فتحت مكران واميرها الحكم بن ابي العاص اخو عثمان وهى من بلاد الجبل وفيها رجع ابو موسى الاشعري من بلاد اصبهان وقد افتتح بلادها وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية ثم ذكر وفاة من مات فيها فمنهم قتادة بن النعمان الانصاري الاوسي الظفري اخو ابي سعيد الخدري لامه وقتادة اكبر منه شهد بدرا واصيبت عينه في يوم احد حتى وقعت على خده فردها رسول الله صلى الله عليه و سلم فصارت احسن عينيه وكان من الرماة المذكورين وكان على مقدمة عمر حين قدم الى الشام توفي في هذه السنة على المشهور عن خمس وستين سنة ونزل عمر في قبره وقيل انه توفى في التي قبلها ثم ذكر ترجمة عمر بن الخطاب فاطال فيها واكثر واطنب واتى بمقاصد كثيرة مهمة وفوائد جمة واشياء حسنة فاثابه الله الجنة ثم قال ذكر من توفى في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه
الاقرع بن حابس
ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي المجاشعي قال ابن دريد واسمه فراس بن حابس ولقب بالاقرع لقرع في رأسه وكان احد الرؤساء قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم مع وفد بنى تميم وهو الذي نادى من وراء الحجرات يا محمد ان مدحي زين وذمي شين وهو القائل وقد راى رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبل الحسن اتقبله والله ان لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم فقال من لا يرحم لا يرحم وفي رواية ما املك ان نزع الله الرحمة من قلبك وكان ممن تالفه رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعطاه يوم حنين مائة من الابل وكذلك لعيينة بن حصن الفزاري واعطى عباس بن مرداس خمسين من الابل فقال ... اتجعل نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والاقرع ... فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع (7/141)
وما كنت دون امرىء منهما ... ومن يخفض اليوم لا يرفع ...
فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم انت القائل
... اتجعل نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والاقرع ...
ورواه البخاري قال السهلي انما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر الاقرع قبل عيينة لان الاقرع كان خيرا من عيينة ولهذا لم يرتد بعد النبي صلى الله عليه و سلم كما ارتد عيينة فبايع طليحة وصدقه ثم عاد والمقصود ان الاقرع كان سيدا مطاعا وشهد مع خالد وقائعه بارض العراق وكان على مقدمته يوم الانبار ذكره شيخنا فيمن توفى في خلافة عمر بن الخطاب والذي ذكره ابن الاثير في الغابة انه استعمله عبدالله بن عامر على جيش وسيره الى الجوزجان فقتل وقتلوا جميعا وذلك في خلافة عثمان كما سياتى ان شاء الله تعالى
حباب من المنذر
ابن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ابو عمر ويقال ابو عمرو الانصاري الخزرجي السلمي ويقال له ذو الراي لانه اشار يوم بدر ان ينزل رسول الله صلى الله عليه و سلم على ادني ماء يكون الى القوم وان يغور ما وراءهم من القلب فاصاب في هذا الراى ونزل الملك بتصديقه واما قوله يوم السقيفة انا جذيلها المحكك ومزيجها المرجب منا امير ومنكم امير فقد رده عليه الصديق والصحابة
ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب
عتبة بن مسعود الهذلي هاجر مع اخيه لابويه عبدالله الى الحبشة شهد احدا وما بعدها قال الزهري ما كان عبدالله بافقه منه ولكن مات عتبة قبله وتوفي زمن عمر على الصحيح ويقال في زمن معاوية سنة اربع واربعين
علقمة بن علاثة
ابن عوف بن الاحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكلابي اسلم عام الفتح وشهد حنينا واعطى يومئذ مائة من الابل تاليفا لقلبة وكان يكون بتهامة وكان شريفا مطاعا في قومه وقد ارتد ايام الصديق فبعث اليه سرية فانهزم ثم اسلم وحسن اسلامه ووفد على عمر في خلافته وقدم دمشق في طلب ميراث له ثم ويقال استعمله عمر على حوران فمات بها وقد كان الحطيئة قصده ليمتدحه فمات قبل مقدمه بليل فقال ... فما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى الا ليال قلائل (7/142)
علقمة بن مجزز
ابن الاعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج الكناني المدلجي فأجج نارا وأمر أصحابه أن يدخلوا فيها فامتنعوا فقال النبي صلى الله احد امراء رسول الله صلى الله عليه و سلم على بعض السرايا وكانت فيه دعابة منها وقال انما الطاعة في المعروف وقد كان علقمة جوادا ممدحا رثاه عليه وسلم لو دخلوا فيها ما خرجوا جواس العذرى فقال ... ان السلام وحسن كل تحية ... تغدو على ابن مجزز وتروح ... عويم بن ساعدة
ابن عباس ابو عبدالرحمن الانصاري الاوسي احد بنى عمرو بن عوف شهد العقبة وبدرا وما بعدها له حديث عند احمد وابن ماجة في الاستنجاء بالماء قال ابن عبدالبر توفي في حياة النبي صلى الله عليه و سلم وقيل في خلافة عمر وقال وهو واقف على قبره لا يستطيع احد ان يقول انا خير من صاحب هذا القبر ما نصبت راية للنبي صلى الله عليه و سلم الا وهو واقف تحتها وقد روى هذا الاثر ابن ابي عاصم كما اورده ابن الاثير من طريقه
غيلان بن سلمة الثقفي
اسلم عام الفتح على عشر نسوة فامره رسول الله صلى الله عليه و سلم ان يختار منهن اربعا وقد وفد قبل الاسلام على كسرى فامره ان يبنى له قصرا بالطائف وقد سأله كسرى أى ولدك احب اليك قال الصغير حتى يكبر والمريض حتى يبرأ والغائب حتى يقدم فقال له كسرى انى لك هذا هذا كلام الحكماء قال فما غذائك قال البر قال نعم هذا من البر لا من التمر واللبن
معمر بن الحارث
ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي اخو حاطب وحطاب امهم قيلة بنت مظعون اخت عثمان بن مظعون اسلم معمر قبل دخول النبي صلى الله عليه و سلم دار الارقم وشهد بدرا وما بعدها وآخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين معاذ بن عفراء
ميسرة بن مسروق العبسي
شيخ صالح قيل انه صحابي شهد اليرموك ودخل الروم اميرا على جيش ستة الاف وكانت له همة عالية فقتل وسبي وغنم وذلك في سنة عشرين وروى عن ابي عبيدة وعنه اسلم مولى عمر لم يذكره ابن الاثير في الغابة
واقد بن عبدالله
بن عبد مناف بن عرين الحنظلي اليربوعى حليف بني عدي بن كعب اسلم قبل دخول النبي (7/143)
دار الرقم وشهد بدرا وما بعدها وآخى رسول الله ( ص ) بينه وبين بشر من البراء بن معرور وهو اول من قتل في سبيل الله عز و جل ببطن نخلة مع عبد الله بن جحش حين قتل عمرو بن الحضرمي توفي في خلافة عمر رضي الله عنه
ابو خراش الهذلي الشاعر
واسمه خويلد بن مرة كان يسبق الخيل على قدميه وكان فتاكا في الجاهلية ثم اسلم وحسن اسلامه وتوفي في زمن عمر اتاه حجاج فذهب يأتيهم بماء فنهشته حية فرجع اليهم بالماء واعطاهم شاة وقدرا ولم يعلمهم بما جرى له فاصبح فمات فدفنوه ذكره ابن عبد البروابن الأثير في اسماء الصحابة والظاهر انه ليست له وفادة وانما اسلم في حياة النبي ( شهد أحدا وما بعدها إلا تبوك فإنه تخلف لعذر الفقر وهو أحد البكائين ص ) فهو مخضرم والله اعلم
أبو ليلى عبدالرحمن بن كعب ابن عمرو الأنصاري المذكورين
سودة بنت زمعة
القرشية العامرية ام المؤمنين اول من دخل بها رسول الله ( ص ) بعد خديجة رضي الله عنها وكانت صوامة قوامة ويقال كان في خلقها حدة وقد كبرت فأراد رسول الله ( ص ) ان يفارقها ويقال بل فارقها فقالت يارسول الله لاتفارقني وانا اجعل يومي لعائشة فتركها رسول الله ( ص ) وصالحها على ذلك وفي ذلك انزل الله عز و جل وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير الآية قالت عائشة نزلت في سودة بنت زمعة توفيت في خلافة عمر بن الخطاب
هند بن عتبة
يقال ماتت في خلافة عمر وقيل توفيت قبل ذلك كما تقدم فالله اعلم
خلافة امير المؤمنين عثمان بن عفان ثم استهلت سنة اربع وعشرين
ففي أول يوم منها دفن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك يوم الأحد في قول وبعد ثلاث ايام بويع امير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
كان عمر رضي الله عنه قد جعل الأمر بعده شورى بين ستة نفر وهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وتحرج ان يجعلها لواحد من هؤلاء على التعيين وقال لا أتحمل امرهم حيا وميتا (7/144)
وان يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خير هؤلاء كما جمعكم على خيركم بعد نبيكم ( ص ) ومن تمام ورعة لم يذكر في الشورى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فلذلك تركه وهو احد العشرة المشهود لهم بالجنة بل جاء لأنة ابن عمه خشى أن يراعي فيولي لكونه ابن عمه في رواية المدائني عن شيوخه انه استثناه من بينهم وقال لست مدخلة فيهم وقال لأهل الشورى يحضركم عبد الله يعني ابنه وليس اليه من الأمر شيء يعني بل يحضر الشورى ويشير بالنصح ولا يولى شيئا وأوصى ان يصلي بالناس صهيب بن سنان الرومي ثلاثة ايام حتى تنقضي الشورى وان يجتمع اهل الشورى ويوكل بهم اناس حتى ينبرم الأمر ووكل بهم خمسين رجلا من المسلمين وجعل عليهم مستحثا ابا طلحة الأنصاري والمقداد بن الأسود الكندي وقد قال عمر بن الخطاب ما اظن الناس يعدلون بعثمان وعلى احدا انهما كانا يكتبان الوحي بين يدي رسول الله ( ص ) بما ينزل به جبريل عليه قالوا فلما مات عمر رضي الله عنه واحضرت جنازته تبادر اليها على وعثمان ايهما يصلي عليه فقال لهما عبد الرحمن بن عوف لستما من هذا في شيء إنما هذا الى صهيب الذي امره عمر ان يصلي بالناس فتقدم صهيب وصلى عليه نزل في قبره مع ابنه عبد الله اهل الشورى سوى طلحة فانه كان غائبا فلما فرغ من شان عمر جمعهم المقداد بن الأسود في بيت المسور بن مخرمة وقيل في حجرة عائشة وقيل في بيت المال وقيل في بيت فاطمة بنت قيس اخت الضحاك بن قيس والأول اشبه والله أعلم فجلسوا في البيت وقام ابو طلحة يحجبهم وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا من وراء الباب فحصبهم سعد بن ابي وقاص وطردهما وقال جئتما لتقولا حضرنا امر الشورى رواه المدائني عن مشايخه والله أعلم بصحته
والمقصود ان القوم خلصوا من الناس في بيت يتشاورون في امرهم فكثر القول وعلت الأصوات وقال ابو طلحة اني كنت اظن ان تدافعوها ولم اكن اظن ان تنافسوها ثم صار الأمر بعد حضور طلحة الى ان فوض ثلاثة منهم مالهم في ذلك الى ثلاثة ففوض الزبير ما يستحقه من الامارة الى علي وفوض سعد ماله في ذلك الى عبد الرحمن بن عوف وترك طلحة حقه الى عثمان ابن عفان رضي الله عنه فقال عبد الرؤحمن لعلي وعثمان ايكما يبرأ من هذا الأمر فنفوض الأمر اليه والله عليه والاسلام ليولين افضل الرجلين الباقيين فاسكت الشيخان علي وعثمان فقال عبد الرحمن اني اترك حقي من ذلك والله على الاسلام ان اجتهد فأولي اولا كما بالحق فقالا نعم ثم خاطب كل واحد منهما بما فيه من الفضل واخذ عليه العهد والميثاق لئن ولاه ليعدلن ولئن ولي عليه ليسمعن وليطيعن فقال كل منهما نعم ثم تفرقوا ويروى ان اهل الشورى جعلوا الأمر الى عبد الرحمن ليجتهد للمسلمين في افضلهم ليوليه فيذكر انه سأل من يمكنه سؤاله من أهل الشورى وغيرهم فلا (7/145)
يشير الا بعثمان بن عفان حتى انه قال يعلى ارايت ان لم اولك بمن تشير به علي قال بعثمان وقال لعثمان ارايت ان لم اولك بمن تشير به قال بعلي بن ابي طالب والظاهر ان هذا كان قبل ان ينحصر الامر في ثلاثة وينخلع عبد الرحمن منها ينظر الأفضل والله عليه والاسلام ليجتهدن في افضل الرجلين فيوليه ثم نهض عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير الناس فيهما ويجمع راي المسلمين برأي رؤس الناس واقيادهم جميعا واشتاتا مثنى وفرادى ومجتمعين سرا وجهرا حتى خلص الى النساء المخدرات في حجابهن وحتى سال الولدان في المكاتب وحتى سأل من يرد بمن الركبان والاعراب الى المدينة في مدة ثلاثة ايام بلياليها فلم يجد اثنين يختلفان في تقدم عثمان بن عفان الا ما ينقل عن عمار والمقداد انهما اشارا بعلي بن ابي طالب ثم بايعا مع الناس علي ما سنذكره فعسى في ذلك عبد الرحمن ثلاثة ايام بلياليها لا يغتمض بكثير نوم الا صلاة ودعاءا واستخارة وسؤالا من ذوي الراي عنهم فلم يجدا احدا يعدل بعثمان بن عفان رضي الله عنه فلما كانت الليلة يسفر صباحها عن اليوم الرابع من موت عمر بن الخطاب جاء الى منزل ابن اخته المسور بن مخرمة وعثمان قال المسور فقلت بأيهما ابدأ فقال بأيهما شئت قال فذهبت الى علي فقلت ا فقال انائم يا مسور والله لم أغتمض بكثير نوم منذ ثلاث أذهب فأدع إلى عليا أجب خالي فقال امرك ان تدعو معي احدا قلت نعم قال من قلت عثمان بن عفان قال بأينا بدا قلت لم يأمرني بذلك بل قال ادعو لي ايهما شئت اولا فجئت اليك قال فخرج معي فلما مررنا بدار عثمان بن عفان جلس علي حتى دخلت فوجدته يوتر مع الفجر فقال لي كما قال لي علي سواء ثم خرج فدخلت بهما على خالي وهو قائم يصلي فلما انصرف اقبل علي علي وعثمان فقال اني قد سألت الناس عنكما فلم اجد احدا يعدل بكما احدا ثم اخذ العهد على كل منهما ايضا لئن ولاه ليعدلن ولئن ولي عليه ليسمعن وليطيعن ثم خرج بهما الى المسجد وقد لبس عبد الرحمن العمامة التي عمه رسول الله ( ص ) وتقلد سيفا وبعث الى وجوه الناس من المهاجرين والانصار ونودي في الناس عامة الصلاة جامعة فامتلأ المسجد حتى غص بالناس وتراص الناس وتراصوا حتى لم يبق لعثمان موضع يجلس الا في اخريات الناس وكان رجلا حييا رضي الله عنه ثم صعد عبدالرحمن بن عوف منبر رسول الله ( ص ) فوقف وقوفا طويلا ودعا دعاء طويلا لم يسمعه الناس ثم تكلم فقال أيها الناس اني سألتكم سرا وجهرا بأمانيكم فلم اجدكم تعدلون باحد هذين الرجلين اما علي وأما عثمان فقم الى يا علي فقام اليه فوقف تحت المنبر فأخذ عبدالرحمن بيده فقال هل انت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه ( ص ) وفعل ابي بكر وعمر قال اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي قال (7/146)
فارسل يده وقال الى يا عثمان فاخذه بيده فقال هل انت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه ( ص ) وفعل ابي بكر وعمر قال اللهم نعم قال فرفع راسه الى سقف المسجد ويده في يد عثمان فقال اللهم اسمع واشهد اللهم اسمع واشهد اللهم اسمع واشهد اللهم اني قد خلعت مافي رقبتي من ذلك في رقبة عثمان قال وازدهم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه تحت المنبر قال فقعد عبد الرحمن مقعد النبي ( ص ) واجلس عثمان تحته على الدرجة الثانية وجاء اليه الناس يبايعونه وبايعه علي بن ابي طالب اولا ويقال آخرا وما يذكره كثير من المؤرخين كان جرير وغيره عن رجال لا يعرفون ان عليا قال لعبد الرحمن خدعتني وانك انما وليته لنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه وأنه تلكأ حتى قال له عبد الرحمن فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه والله فسيؤتيه اجرا عظيما الى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصحاح فهي مردوده على قائليها وناقلها والله أعلم
والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصاص الذين لا تميز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها ومستقيمها وسقيمها ومبادها وقويمها والله الموفق للصواب وقد اختلف علماء السير في اليوم الذي بويع فيه لعثمان بن عفان رضي الله عنه فروى الواقدي عن شيوخه انه بويع يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين واستقبل بخلافته المحرم سنة اربع وعشرين وهذا غريب جدا وقد روي الواقدي ايضا عن ابن جرير عن ابن ابي مليكة قال بويع لعثمان بن عفان لعشر خلون من المحرم بعد مقتل عمر بثلاث ليال وهذا اعرب من الذي قبله وكذا روى سيف بن عمر عن عامر الشعبي انه قال اجتمع اهل الشورى على عثمان لثلاث خلون الناس بين الأذان والإقامة فخرج فصلى بهم العصر وقال سيف عن خليفة بن زفر ومجالد قالا استخلف عثمان لثلاث خلون من المحرم سنة ثلاث وعشرين فخرج فصلى بالناس العصر وزاد الناس يعني من المحرم سنة أربع وعشرين وقد دخل وقت العصر وقد أذن مؤذن صهيب واجتمع في اعطياتهم مائة ووفد اهل الامصار وهو اول من صنع ذلك قلت ظاهر ما ذكرنا من سياق بيعته يقتضي ان ذلك كان قبل الزوال لكنه لما بايعه الناس في المسجد ذهب به الى دار الشورى على ما تقدم فيها من الخلاف فبايعه بقية الناس وكأنه لم يتم البيعة الا بعد الظهر وصلى صهيب يومئذ الظهر في المسجد النبوي وكان اول صلاة صلاها الخليفة امير المؤمنين عثمان بن عفان بالمسلمين صلاة العصر كما ذكره الشعبي وغيره واما اول خطبة خطبها بالمسلمين فروى سيف بن عمر عن بدر بن عثمان عن عمه قال لما بايع اهل الشورى عثمان خرج وهو اشدهم كآبه فأتى منبر النبي ( ص ) فخطب الناس فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي ( ص ) وقال انكم في دار قلعة وفي بقية أعمار (7/147)
فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه فلقد اتيتم صبحتم او مسيتم الا وان الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور واعتبروا بمن مضى ثم جدوا ولا تغفلوا
اين ابناء الدنيا واخوانها الذين اثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلا الم تلفظهم ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها واطلبوا الآخرة فان الله قد ضرب لها مثلا بالذي هو خير فقال تعالى واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فاصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شىء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير املا قال واقبل الناس يبايعونه
قلت وهذه الخطبة اما بعد صلاة العصر يومئذ او قبل الزوال وعبدالرحمن بن عوف جالس في راس المنبر وهو الاشبه والله اعلم وما يذكره بعض الناس من ان عثمان لما خطب اول خطبة ارتج عليه فلم يدر ما يقول حتى قال ايها الناس ان اول مركب صعب وان اعش فستأتيكم الخطبة على وجهها فهو شىء يذكره صاحب العقد وغيره ممن يذكر طرف الفوائد ولكن لم ار هذا ياسناد تسكن النفس اليه والله اعلم
واما قول الشعبي انه زاد الناس مائة مائة يعني في عطاء كل واحد من جند المسلمين زاده على ما فرض له عمر مائة درهم من بيت المال وكان عمر قد جعل لكل نفس من المسلمين في كل ليلة من رمضان درهما من بيت المال يفطر عليه ولامهات المؤمنين درهمين درهمين فلما ولى عثمان اقر ذلك وزاده واتخذ سماطا في المسجد ايضا للمتعبدين والمعتكفين وابناء السبيل والفقراء والمساكين رضى الله عنه وقد كان ابو بكر اذا خطب يقوم على الدرجة التى تحت الدرجة التى كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقف عليها فلما ولى عمر نزل درجة اخرى عن درجة ابي بكر رضى الله عنهما فلما ولي عثمان قال ان هذا يطول فصعد الى الدرجة التى كان يخطب عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وزاد الاذان الاول يوم الجمعة قبل الاذان الذي كان يؤذن به بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا جلس على المنبر واما اول حكومة حكم فيها فقضية عبيدالله بن عمر وذلك انه غدا على ابنة ابي لؤلؤة قاتل عمر فقتلها وضرب رجلا نصرانيا يقال له جفينة بالسيف فقتله وضرب الهرمزان الذي كان صاحب تستر فقتله وكان قد قيل انهما مالآ ابا لؤلؤة على قتل عمر فالله اعلم
وقد كان عمر قد امر بسجنه ليحكم فيه الخليفة من بعده فلما ولي عثمان وجلس للناس كان اول ما تحوكم اليه في شأن عبيدالله فقال على ما من العدل تركه وامر بقتله وقال بعض المهاجرين ايقتل ابوه بالامس ويقتل هو اليوم فقال عمرو بن العاص يا امير المؤمنين قد برأك الله من ذلك (7/148)
قضية لم تكن في ايامك فدعها عنك فودى عثمان رضى الله عنه اولئك القتلى من ماله لان امرهم اليه اذ لا وارث لهم الا بيت المال والامام يرى الاصلح في ذلك وخلى سبيل عبيدالله قالوا فكان زياد بن لبيد البياضي اذا راى عبيدالله بن عمر يقول ... الا يا عبيد الله مالك مهرب ... ولا ملجا من ابن اروى ولا خفر ... اصبت دما والله في غير حله ... حراما وقتل الهرمزان له خطر ... على غير شىء غير ان قال قائل ... اتتهمون الهرمزان سلاح العبد في جوف بيته ... يقلبها والأمر بالأمر يعتبر ...
بالامر يعتبر
...
على عمر
... فقال سفيه والحوادث جمة ... نعم اتهمه قد اشار وقد أمر ... وكان قال فشكا عبيدالله بن عمر زيادا الى عثمان فاستدعى عثمان زياد بن لبيد فانشأ زياد يقول في عثمان ... ابا عمرو عبيدالله رهن ... فلا تشكك بقتل الهرمزان ... فانك ان غفرت الجرم عنه ... واسباب الخطا فرسارهان ( 1 ) ... 5 اتعفوا اذ عفوت بغير حق ... فمالك بالذي يخلى يدان ...
قال فنهاه عثمان عن ذلك وزبره فسكت زياد بن لبيد عما يقول ثم كتب عثمان بن عفان الى عماله على الامصار امراء الحرب والائمة على الصلوات والامناء على بيوت المال يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحثهم على طاعة الله وطاعة رسوله ويحرضهم على الاتباع وترك الابتداع قال ابن جرير وفي هذه السنة عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة وولى عليها سعد بن ابي وقاص فكان اول عامل ولاه لان عمر قال فان اصابت الامرة سعدا فذاك والا فليستعن به ايكم ولى فاني لم اعزله عن عجز ولا خيانة فاستعمل سعدا عليها سنة وبعض اخرى ثم رواه ابن جرير من طريق سيف عن مجالد عن الشعبي وقال الواقدي فيما ذكره عن زيد بن اسلم عن ابيه ان عمر اوصى ان تقرا عماله سنة فلما ولى عثمان اقر المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة ثم عزله واستعمل سعدا ثم عزله تكون ولاية سعد على الكوفة سنة خمس وعشرين قال ابن جرير وفي هذه السنة اعنى وولى الوليد بن عقبة بن ابي معيط قال ابن جرير فعلى ما ذكره الواقدي سنة اربع وعشرين غزا الوليد بن عقبة اذربيجان وارمينية حين منع اهلها ما كانوا صالحوا عليه اهل الاسلام في ايام عمر بن الخطاب وهذا في رواية ابي مخنف واما في رواية غيره فان ذلك كان في سنة ست وعشرين ثم ذكر ابن جرير ههنا هذه الوقعة وملخصها ان الوليد بن عقبة سار بجيش (7/149)
الكوفة نحو اذربيجان وارمينية حين نقضوا العهد فوطىء بلادهم واغار باراضي تلك الناحية فغنم وسبى واخذ اموالا جزيلة فلما ايقنوا بالهلكة صالحهم اهلها على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة بن اليمان ثمانمائة الف درهم في كل سنة فقبض منهم جزية سنة ثم رجع سالما غانما الى الكوفة فمر بالموصل
وجاءه كتاب عثمان وهو بها يامره ان يمد اهل الشام على حرب اهل الروم قال ابن جرير وفي هذه السنة جاشت الروم حتى خاف اهل الشام وبعثوا الى عثمان رضى الله عنه يستمدونه فكتب الى الوليد بن عقبة ان اذا جاءك كتابي هذا فابعث رجلا امينا كريما شجاعا قي ثمانية الاف او تسعة الاف او عشرة الاف الى اخوانكم بالشام فقام الوليد بن عقبة في الناس خطيبا حين وصل اليه كتاب عثمان فاخبرهم بما امر به امير المؤمنين وندب الناس وحثهم على الجهاد ومعاونة معاوية واهل الشام وامر سلمان بن ربيعة على الناس الذين يخرجون الى الشام فانتدب في ثلاثة ايام ثمانية الاف فبعثهم الى الشام وعلى جند المسلمين حبيب بن مسلم الفهري فلما اجتمع الجيشان شنوا الغارات على بلاد الروم فغنموا وسبوا شيئا كثيرا وفتحوا حصونا كثيرة ولله الحمد
وزعم الواقدي ان الذي امد اهل الشام بسلمان بن ربيعة انما هو سعيد بن العاص عن كتاب عثمان رضى الله عنه فبعث سعيد بن العاص سلمان بن ربيعة في ستة الاف فارس حتى انتهى الى حبيب ابن مسلمة وقد اقبل اليه الموريان الرومي في ثمانين الفا من الروم والترك وكان حبيب بن مسلمة شجاعا شهما فعزم على ان يبيت جيش الروم فسمعته امرأته يقول للامراء ذلك فقالت له فاين موعدي معك تعنى اين اجتمع بك غدا فقال لها موعدك سرادق الموريان او الجنة ثم نهض اليهم في ذلك الليل بمن معه من المسلمين فقتل من اشرف له وسبقته امرأته الى سرادق الموريان فكانت اول امرأة من العرب ضرب عليها سرادق وقد مات عنها حبيب بن مسلمة بعد ذلك فخلف عليها بعده الضحاك بن قيس الفهري فهى ام ولده قال ابن جرير واختلف فيمن حج بالناس في هذه السنة فقال الواقدي وابو معشر حج بهم عبدالرحمن بن عوف بامر عثمان وقال آخرون حج بالناس عثمان بن عفان رضى الله عنه والاول هو الاشهر فان عثمان لم يتمكن من الحج في هذه السنة لاجل رعاف اصابه مع الناس في هذه السنة حتى خشي عليه وكان يقال لهذه السنة سنة الرعاف وفيها افتتح ابو موسى الاشعري الرى بعد ما نقضوا العهد الذي كان واثقهم عليه حذيفة ابن اليمان رضى الله عنه وفيها توفي سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ويكنى بابي سفيان كان ينزل قديدا وهو الذي اتبع رسول الله صلى الله عليه و سلم وابا بكر وعامر بن فهيرة وعبدالله بن اريقط الديلي حين خرجوا من غار ثور قاصدين المدينة المنورة فاراد ان يردهم على اهل مكة لما جعلوا في كل واحد من النبي صلى الله عليه و سلم وابي بكر مائة من الابل فطمع ان يفوز بهذا الجعل فلم يسلطه الله عليهم بل (7/150)
لما اقترب منهم وسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم ساخت قوائم فرسه فى الارض حتى ناداهم بالامان فاعطوه الامان وكتب له ابو بكر كتاب امان عن إذن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قدم به بعد غزوة الطائف فاسلم واكرمه رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 1 ) وهو القائل يا رسول الله اعمرتنا هذه لعامنا هذا ام للابد فقال له بل لابد الابد دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة
ثم دخلت سنة خمس وعشرين
وفيها نقض اهل الاسكندرية العهد وذلك ان ملك الروم بعث اليهم معويل الخصى في مراكب من البحر فطمعوا في النصرة ونقضوا ذمتهم فغزاهم عمرو بن العاص في ربيع الاول فافتتح الارض عنوة وافتتح المدينة صلحا وفيها حج بالناس عثمان بن عفان رضى الله عنه وفيها قول سيف عزل عثمان سعدا عن الكوفة وولى الوليد بن عقبة بن ابي معيط مكانه فكان هذا مما نقم على عثمان وفيها وجه عمرو بن العاص عبدالله بن سعد بن ابي سرح لغزو بلاد المغرب واستأذنه ابن ابي سرح في غزو افريقية فاذن له ويقال فيها ايضا عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وولى عليها عبدالله بن سعد بن ابي سرح وقيل بل كان هذا في سنة سبع وعشرين كما سياتي والله اعلم وفيها فتح معاوية الحصون وفيها ولد ابنه يزيد بن معاوية
ثم دخلت سنة ست وعشرين
قال الواقدي فيها امر عثمان بتجديد انصاب الحرم وفيها وسع المسجد الحرام وفيها عزل سعدا عن الكوفة وولاها الوليد بن عقبة وكان سبب عزل سعد انه اقترض من ابن مسعود مالا من بيت المال فلما تقاضاه به ابن مسعود ولم يتيسر قضاؤه نقاولا وجرت بينهما خصومة شديدة فغضب عليهما عثمان فعزل سعدا واستعمل الوليد بن عقبة وكان عاملا لعمر على عرب الجزيرة فلما قدمها اقبل عليه اهلها فاقام بها خمس سنين وليس على داره باب وكان فيه رفق برعيته قال الواقدي وفيها حج بالناس عثمان بن عفان رضى الله عنه وقال غيره وفيها افتتح عثمان بن ابي العاص سابور صلحا على ثلاثة الالف الف وثلثمائة الف
ثم دخلت سنة سبع وعشرين
قال الواقدي وابو معشر وفيها عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وولى عليها عبدالله بن سعد بن ابي سرح وكان اخا عثمان لامه وهو الذي شفع له يوم الفتح حين اهدر رسول الله صلى الله عليه و سلم دمه
غزوة افريقية
امر عثمان عبدالله بن ابي سرح ان يغزو بلاد افريقية فاذا افتتحها الله عليه فله خمس (7/151)
الخمس من الغنيمة نفلا فسار اليها في عشرة الاف فافتتحها سهلها وجبلها وقتل خلقا كثيرا من اهلها ثم اجتمعوا على الطاعة والاسلام وحسن اسلامهم واخذ عبدالله بن سعد خمس الخمس من الغنيمة وبعث باربعة اخماسه الى عثمان وقسم اربعة اخماس الغنيمة بين الجيش فاصاب الفارس ثلاثة الاف دينار والراجل الف دينار قال الواقدي وصالحه بطريقها على الفي ألف دينار وعشرين الف دينار فاطلقها كلها عثمان في يوم واحد لآل الحكم ويقال لآل مروان
غزوة الاندلس
لما افتتحت افريقية بعث عثمان الى عبدالله بن نافع بن عبد قيس وعبدالله بن نافع بن الحصين الفهريين من فورهما الى الاندلس فاتياها من قبل البحر وكتب عثمان الى الذين خرجوا اليها يقول ان القسطنطينية انما تفتح من قبل البحر وانتم اذا فتحتم الاندلس فانتم شركاء لمن يفتتح قسطنطينية فى الاجر آخر الزمان والسلام قال فسساروا اليها فافتتحوها ولله الحمد والمنة
وقعة جرجير والبربر مع المسلمين
لما قصد المسلمون وهم عشرون الفا افريقية وعليهم عبدالله بن سعد بن ابي سرح وفي جيشه عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير صمد اليهم ملك البربر جرجير في عشرين ومائة الف وقيل في مائتي الف فلما تراءى الجمعان امر جيشه فاحاطوا بالمسلمين هالة فوقف المسلمون في موقف لم ير اشنع منه ولا اخوف عليهم منه قال عبدالله بن الزبير فنظرت الى الملك جرجير من وراء الصفوف وهو راكب على برذون وجاريتان تظلانه بريش الطواويس فذهبت الى عبدالله بن سعد بن ابي سرح فسالته ان يبعث معى من يحمى ظهري واقصد الملك فجهز معى جماعة من الشجعان قال فامر بهم فحموا ظهرىوذهبت حتى خرقت الصفوف اليه وهم يظنون اني في رسالة الى الملك فلما اقتربت منه احس منى الشر ففر على برذونه فلحقته فطعنته برمحى وذففت عليه بسيفى واخذت راسه فنصبته على راس الرمح وكبرت فلما راى ذلك البربر فرقوا وفروا كفرار القطا واتبعهم المسلمون يقتلون وياسرون فغنموا غنائم جمة واموالا كثيرة وسببا عظيما وذلك ببلد يقال له سبيطلة على يومين من القيروان فكان هذا اول موقف اشتهر فيه امر عبدالله بن الزبير رضى الله عنه وعن ابيه واصحابهما اجمعين
قال الواقدي وفي هذه السنة افتتحت اصطخر ثانية على يدي عثمان بن ابي العاص وفيها غزا معاوية قنسرين وفيها حج بالناس عثمان بن عفان قال ابن جرير قال بعضهم وفي هذه السنة غزا معاوية قبرص وقال الواقدي كان ذلك في سنة ثمان وعشرين وقال ابو معشر غزاها معاوية سنة ثلاث وثلاثين فالله اعلم (7/152)
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين
فتح قبرص ففيها ذكر ابن جرير فتح قبرص تبعا للواقدي وهى جزيرة غربي بلاد الشام في البحر مخلصة وحدها ولها ذنب مستطيل الى نحو الساحل مما يلي دمشق وغربيها اعرضها وفيها فواكه كثيرة ومعادن وهي بلد جيد وكان فتحها على يدي معاوية بن ابي سفيان ركب اليها في جيش كثيف من المسلمين ومعه عبادة بن الصامت وزوجته ام حرام بنت ملحان التى تقدم حديثها في ذلك حين نام رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتها ثم استيقظ يضحك فقالت ما اضحكك يا رسول الله فقال ناس من امتى عرضوا علي يركبون ثبج هذا البحر مثل الملوك على الاسرة فقالت يا رسول الله ادع الله ان يجعلني منهم فقال انت منهم ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقال مثل ذلك فقالت ادع الله ان يجعلني منهم فقال انت من الاولين فكانت في هذه الغزوة وماتت بها وكانت الثانية عبارة عن غزوة قسطنطينية بعد هذا كما سنذكره والمقصود ان معاوية ركب البحر في مراكب فقصد الجزيرة المعروفة بقبرص ومعه جيش عظيم من المسلمين وذلك بامر من عثمان بن عفان رضى الله عنه له في ذلك بعد سؤاله اياه وقد كان سال في ذلك عمر بن الخطاب فابى ان يمكنه من حمل المسلمين على هذا الخلق العظيم الذي لو اضطرب لهلكوا عن اخرهم فلما كان عثمان لح معاوية عليه في ذلك فاذن له فركب في المراكب فانتهى اليها ووافاه عبدالله بن سعد بن ابي سرح اليها من الجانب الاخر فالتقيا على اهلها فقتلوا خلقا كثيرا وسبوا سبايا كثيرة وغنموا مالا جزيلا جدا ولما جىء بالاسارى جعل ابو الدرداء يبكي فقال له جبير بن نفير اتبكي وهذا يوم اعز الله فيه الاسلام واهله فقال ويحك ان هذه كانت امة قاهرة لهم ملك فلما ضيعوا امر الله صيرهم الى ما ترى سلط الله عليهم السبي واذا سلط على قوم السبي فليس لله فيهم حاجة وقال ما اهون العباد على الله تعالى اذا تركوا امره ثم صالحهم معاوية على سبعة الاف دينار في كل سنة وهادنهم فلما ارادوا الخروج منها قدمت لام حرام بغلة لتركبها فسقطت عنها فاندقت عنقها فماتت هناك فقبرها هنالك يعظمونه ويستسقون به ويقولون قبر المرأة الصالحة
قال الواقدي وفي هذه السنة غزا حبيب بن مسلمة سورية من ارض الروم وتزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة الكلبية وكانت نصرانية فاسلمت قبل ان يدخل بها وفيها بنى عثمان داره بالمدينة الزوراء وفيها حج بالناس امير المؤمنين عثمان بن عقان رضى الله عنه
ثم دخلت سنة تسع وعشرين
ففيها عزل عثمان بن عفان ابا موسى الاشعري عن البصرة بعد عمله ست سنين وقيل ثلاث (7/153)
وامر عليها عبدالله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان بن عفان وجمع له بين جند ابي موسى وجند عثمان بن ابي العاص وله من العمر خمس وعشرون سنة فأقام بها ست سنين وفي هذه السنة افتتح عبد الله بن عامر فارس في قول الواقدي وابي معشر زعم سيف انه كان قبل هذه السنة فالله اعلم
وفيها وسع عثمان بن عفان مسجد النبي ( ص ) وبناه بالقصة وهي الكلس كان يؤتى به من بطن نخل والحجارة المنقوشة وجعل عمدة حجارة مرصعة وسقفه بالساج وجعل طوله ستين ومائة ذراع وعرضه خمسين ومائة ذراع وجعل ابوابه ستة على ماكانت عليه في زمان عمر بن الخطاب ابتدا بناءه في ربيع الأول منها
وفيه حج بالناس عثمان بن عفان وضرب له بمنى فسطاطا فكان اول فسطاط ضربه عثمان بمنى واتم الصلاة عامة هذا فأنكر ذلك عليه غير واحد من الصحابة كعلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود حتى قال ابن مسعود ليت حظي من اربع ركعات ركعتان متقبلتان وقد ناظره عبد الرحمن بن عوف فيما فعله فروى ابن جرير انه قال تاهلت بمكة فقال له ولك اهل بالمدينة وانك تقوم حيث اهلك بالمدينة قال وان لي مالا بالطائف اريد ان اطلعه بعد الصدر قال انك بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث فقال وان طائفة من اهل اليمن قالوا ان الصلاة بالحضر ركعتان فربما راوني اصلي ركعتين فيحتجون بي فقال له قد كان رسول الله ( ص ) ينزل عليه الوحي والناس يومئذالاسلام فيهم قليل وكان يصلي ههنا ركعتين وكان ابو بكر يصلي ههنا ركعتين وكذلك عمر بن الخطاب وصليت انت ركعتين صدرا من امارتك قال فسكت عثمان ثم قال انما هو رأي رأيته
سنة ثلاثين من الهجرة النبوية
فيها افتتح سعيد بن العاص طبر ستان في قول الواقدي وابي معشر والمدائني وقال هو اول من غزاها وزعم سيف انهم كانوا صالحوا سويد بن مقرن قبل ذلك على ان لايغزوها على مال بذله له اصباها فالله اعلم فذكر المدائني ان سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين والعبادلة الأربعة وحذيفة بن اليمان في خلق من الصحابة فسار بهم فمر على بلدان شتى يصالحونه على اموال جزيلة حتى انتهى الى بلد معاملة جرجان فقاتلوه حتى احتاجوا الى صلاة الخوف فسال حذيفة كيف صلى رسول الله ( ص ) فاخبره فصلى كما اخبره ثم ساله اهل ذلك الحصن الامان فاعطاهم على ان لايقتل منهم رجلا واحدا ففتحوا الحصن فقتلهم الا رجلا واحدا وحوى ما كان في الحصن فاصاب رجل من بني نهد سفطا مقفولا فاستدعى به سعيد ففتحوه فاذا (7/154)
فيه خرقة سوداء مدرجة فنشروها فاذا فيها خرفة حمراء فنشروها واذا داخلها خرقة صفراء وفيها ايران كميت وورد فقال شاعر يهجو بهما بني نهد ... آب الكرام بالسبايا غنيمة ... وفاز بنو نهد بايرين في سفط ... كميت وورد وافرين كلاهما ... فظنوهما غنما فناهيك من غلط ...
قالوا ثم نفض اهل جرجان ماكان صالحهم عليه سعيد بن العاص وامتنعوا عن اداء المال الذي ضربه عليهم وكان مائة الف دينار وقيل مائتي الف دينار وقيل ثلثمائة الف دينار ثم وجه اليهم يزيد بن المهلب بعد ذلك كما سنذكره ان شاء الله تعالى وفي هذه السنة عزل عثمان بن عفان الوليد بن عقبة عن الكوفة وولي عليها سعيد بن العاص وكان سبب عزلة انه صلى باهل الكوفة الصبح اربعا ثم التفت فقال ازيدكم فقال قائل مازلنا منك منذ اليوم في زيارة ثم انه تصدى له جماعة يقال كان بينهم وبينه شنآن فشكوه الى عثمان وشهد بعضهم عليه انه شرب الخمر وشهد آخر انه رآه يتقاياها فأمر عثمان باحضاره وأمر بجلده فيقال ان عليا نزع عنه حلته وان سعيد بن العاص جلده بين يدي عثمان بن عفان وعزله وامر مكانه على الكوفة سعيد بن العاص
وفي هذه السنة سقط خاتم النبي ( ص ) من يد عثمان في بئر اريس وهي على ميلين من المدينة وهي من اقل الآبار ماء فلم يدرك خبره بعد بذل مال جزيل والأجتهاد في طلبه حتى الساعة فاستخلف عثمان بعده خاتما من فضة ونقش عليه محمد رسول الله فلما قتل عثمان ذهب الخاتم فلم يدر من اخذه وقد روى ابن جرير هاهنا حديثا طويلا في اتخاذ النبي ( ص ) خاتما من ذهب ثم من فضة وبعثه عمر بن الخطاب الى كسرى ثم دحية الى قيصر وان الخاتم الذي كان في يد النبي ( ص ) ثم في يد ابي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان ست سنين ثم انه وقع في بئر اريس وقد تقدم بعض هذا في الصحيح وفي هذه السنة وقع بين معاوية وابي ذر بالشام وذلك ان ابا ذر انكر على معاوية بعض الأمور وكان ينكر على من يقتنى مالا من الأغنياء ويمنع ان يدخر فوق القوت ويوجب ان يتصدق بالفضل ويتأول قول الله سبحانه وتعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم فينهاه معاوية عن اشاعة ذلك فلا يمتنع فبعث يشكوه الى عثمان فكتب عثمان الى ابي ذر ان يقدم عليه المدينة فقدمها فلأمه عثمان على بعض ما صدر منه واسترجعه فلم يرجع فامره بالمقام بالربذه وهي شرقي المدينة ويقال انه سال عثمان ان يقيم بها وقال أن رسول الله ( ص ) قال لي اذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها وقد بلغ لبناء سلعا فاذن له عثمان بالمقام بالربذه وامره ان يتعاهد المدينة في بعض الأحيان حتى لايرتد (7/155)
اعرابيا بعد هجرته ففعل فلم يزل مقيما بها حتى مات على ما سنذكره رضي الله عنه
وفي هذه السنة زاد عثمان النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء فصل
وممن ذكر شيخنا ابو عبد الله الذهبي انه توفي في هذه السنة اعني خنساء أبو عبدالرحمن الأنصاري عقبي بدري وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى خيبر خارصا وقد توفي عن ستين سنة
حاطب بن بلتعة ابن عمرو سنة ثلاثين ابي بن كعب فيما صححه الواقدي
جبار بن صخر
ابن أمية بن بن عمير اللخمي حليف بني اسد بن عبد العزي شهد بدرا وما بعدها وهو الذي كان كتب الى المشركين يعلمهم بعزم رسول الله ( ص ) على فتح مكة فعذره رسول الله ( ص ) بما اعتذر به ثم بعثه بعد ذلك برسالة الى المقوقس ملك الاسكندرية
الطفيل بن الحارث ابن المطلب اخو عبيدة وحصين شهد بدرا قال سعيد بن عمير توفي في هذه السنة
عبد الله بن كعب ابن عمر المازني ابو الحارث وقيل ابو يحيى الأنصاري شهد بدرا وكان على الخمس يومئذ
عبد الله بمن مظعون أخو عثمان بن مظعون هاجر الى الحبشة وشهد بدرا
عياض بن زهير ابن ابي شداد بن ربيعة بن هلال ابو سعيد أبو عمر القاري شهد بدرا وما بعدها توفي عن نيف وستين سنة
معمر بن ابي سرح ابن ربيعة بن القرشي الفهري شهد بدرا وما بعدها
مسعود بن ربيعة
وقيل ابن الربيع هلال القرشي ابو سعد الفهري وقيل اسمه عمرو بدري قديم الصحبة (7/156)
ابو اسيد
مالك بن ربيعة قال الفلاس مات في هذه السنة و الاصح انه مات سنة اربعين و قيل سنة ستين فالله أعلم
ثم دخلت سنة احدى وثلاثين
ففيها كانت غزوة الصواري وغزوة الاساودة في البحر فيما ذكره الواقدي وقال ابو معشر كانت غزوة الصواري سنة اربع وثلاثين وملخص ذلك فيما ذكره الواقدي وسيف وغيرهما ان الشام كان قد جمعها لمعاوية بن ابي سفيان لسنتين مضتا من خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه وقد احرزه غاية الحفظ وحمى حوزته ومع هذا له في كل سنة غزوة في بلاد الروم في زمن الصيف ولهذا يسمون هذه الغزوة الصائفة فيقتلون خلقا وياسرون آخرين ويفتحون حصونا ويغنمون اموالا ويرعبون الاعداء فلما اصاب عبدالله بن سعد بن ابي سرح من اصاب من الفرنج والبربر ببلاد افريقية والاندلس حميت الروم واجتمعت على قسطنطين بن هرقل وساروا الى المسلمين في جمع لم ير مثله منذ كان الاسلام خرجوا في خمسمائة مركب وقصدوا عبدالله بن ابي سرح في اصحابه من المسلمين الذين ببلاد المغرب فلما تراءى الجمعان بات الروم يقسقسون ويصلبون وبات المسلمون يقرؤن ويصلون فلما اصبحوا صف عبدالله بن سعد اصحابه صفوفا في المراكب وامرهم بذكر الله وتلاوة القرآن قال بعض من حضر ذلك فاقبلوا الينا في امر لم ير مثله من كثرة المراكب وعقدوا صواريها وكانت الريح لهم وعلينا فارسينا ثم سكنت الريح عنا فقلنا لهم ان شئتم خرجنا نحن وانتم الى البر فمات الاعجل مناومنكم قال فنخروا نخرة رجل واحد وقالوا الماء الماء قال فدنونا منهم وربطنا سفننا بسفنهم ثم اجتلدنا واياهم بالسيوف يثب الرجال على الرجال بالسيوف والخناجر وضربت الأمواج في عيون تلك السفن حتى الجأتها الى الساحل والقت الأمواج جثث الرجال الى الساحل حتى صارت مثل الجبل العظيم وغلب الدم على لون الماء وصبر المسلمون يومئذ صبرا لم يعهد مثله قط وقتل منهم بشر كثير ومن الروم اضعاف ذلك ثم انزل الله نصره على المسلمين فهرب قسطنطين وجيشه وقد قلوا جدا وبه جراحات شديدة مكينة مكث حينا يداوي منها بعد ذلك واقام عبد الله بن سعد بذات الصواري اياما ثم رجع مؤيدا منصورا مظفرا قال الواقدي فحدثني معمر عن الزهري قال كان في هذه الغزوة محمد بن ابي حذيفة ومحمد بن ابي بكر فاظهرا عيب عثمان وماغير وما خالف ابا بكر وعمر ويقولان دمه حلال لانه استعمل عبد الله ابن سعد وكان قد ارتد وكفر بالقرآن العظيم واباح رسول الله ( ص ) دمه واخرج رسول الله ( ص ) اقواما واستعملهم عثمان ونزع اصحاب رسول الله ( ص ) واستعمل سعيد بن العاص وعبد الله بن (7/157)
عامر فبلغ ذلك عبدالله بن سعد فقال لا تركبا معنا فركبا في مركب ما فيه احد من المسلمين ولقوا العدو فكانا انكل المسلمين قتالا فقيل لهما في ذلك فقالا كيف نقاتل مع رجل لا ينبغى لنا ان نحكمه فارسل اليهما عبدالله بن سعد فنهاهما اشد النهي وقال والله لولا لا ادري ما يوافق امير المؤمنين لعاقبتكما وحبستكما قال الواقدي وفي هذه السنة فتحت ارمينية على يدي حبيب بن مسلمة وفي هذه السنة قتل كسرى ملك الفرس
كيفية قتل كسرى ملك الفرس وهو يزدجر
قال ابن اسحاق هرب يزدجر من كرمان في جماعة يسيرة الى مرو فسأل من بعض اهلها مالا فمنعوه وخافوه على انفسهم فبعثوا الى الترك يستفزونهم عليه فاتوه فقتلوا اصحابه وهرب هو حتى اتى منزل رجل ينقر الارجية على شط فاوى اليه ليلا فلما نام قتله وقال المدائني لما هرب بعد قتل اصحابه انطلق ماشيا عليه تاجه ومنطقته وسيفه فانتهى الى منزل هذ الرجل الذي ينقر على الارحية فجلس عنده فاستغفله وقتله واخذ ما كان عليه وجاءت الترك في طلبه فوجدوه وقد قتله واخذ حاصله فقتلوا ذلك الرجل واهل بيته واخذوا ما كان مع كسرى ووضعوا كسرى في تابوت وحملوه الى اصطخر وقد كان يزدجر وطىء امرأة من اهل مرو قبل ان يقتل فحملت منه ووضعت بعد قتله غلاما ذاهب الشق وسمى ذلك الغلام المخدج وكان له نسل وعقب في خراسان وقد سبى قتيبة بن مسلم في بعض غزواته بتلك البلاد جاريتان من نسله فبعث باحداهما الى الحجاج فبعث بها الى الوليد بن عبدالملك فولدت له ابنه يزيد بن الوليد عبدالملك الملقب بالناقص وقال المدائني في رواية عن بعض شيوخه ان يزدجر لما انهزم عنه اصحابه عقر جواده وذهب ماشيا حتى دخل رحى على شط نهر يقال له المرعاب فمكث فيه ليلتين والعدو في طلبه فلم يدر اين هو ثم جاء صاحب الرحى فراى كسرى وعليه ابهته فقال له ما انت انسي ام جنى قال انسي فهل عندك طعام قال نعم فاتاه بطعام فقال انى مزمزم فأتني بما ازمزم به قال فذهب الطحان الى اسوار من الاساورة فطلب منه ما يزمزم به قال وما تصنع به قال عندي رجل لم ار مثله قط وقد طلب منى هذا فذهب به الاسوار الى ملك البلد مرو واسمه ماهويه بن باباه فاخبره وخبره فقال هو يزدجر اذهبوا فجيئوني براسه فذهبوا مع الطحان فلما دنوا من دار الرحى هابوا ان يقتلوه وتدافعوا وقالوا للطحان ( 1 ) ادخل انت فاقتله فدخل فوجده نائما فاخذ حجرا فشدخ به راسه ثم احتزه فدفعه اليهم والقى جسده في النهر فخرجت العامة الى الطحان فقتلوه وخرج اسقف فاخذ جسده الى النهر وجعله في تابوت وحمله الى اصطخر فوضعه في ناووس ويروى انه مكث في منزل ذلك الطحان ثلاثة ايام لا ياكل (7/158)
حتى رق له وقال له ويحك يا مسكين الا تاكل واتاه بطعام فقال اني لا استطيع ان اكل الا بزمزمة فقال له كل وانا ازمزم لك فسال ان ياتيه بمزمزم فلما ذهب يطلب له من بعض الاساورة شموا رائحة المسك من ذلك الرجل فانكروا رائحة المسك منه فسالوه فاخبرهم فقال ان عندي رجلا من صفته كيت وكيت فعرفوه وقصدوه مع الطحان وتقدم الطحان فدخل عليه وهم بالقبض عليه فعرف يزدجر ذلك فقال له ويحك خذ خاتمي سواري ومنطقتي ودعنى اذهب من ههنا فقال لا اعطني اربعة دراهم وانا اطلقك فزاده احدى قرطه من اذنه فلم يقبل حتى يعطيه اربعة دراهم اخرى فهم في ذلك اذ دهمهم الجند فلما احاطوا به وارادوا قتله قال ويحكم لا تقتلوني فانا نجد في كتبنا ان من اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق في الدنيا مع ما هو قادم عليه فلا تقتلوني واذهبوا بي الى الملك او الى العرب فانهم يستحيون من قتل الملوك فابوا عليه ذلك فسلبوه ما كان عليه من الحلي فجعلوه في جراب وخنقوه بوتر والقوه في النهر فتعلق بعود فاخذه اسقف واسمه ايليا فحن عليه مما كان من اسلافه من الاحسان الى النصارى الذين كانوا ببلادهم فوضعه في تابوت ودفنه فى ناووس ثم حمل ما كان عليه من الحلي الى امير المؤمنين عثمان بن عفان ففقد قرط من حليه فبعث الى دهقان تلك البلاد فأغرمه ذلك وكان ملك يزدجر عشرين سنة منها اربع سنبن في دعة وباقي ذلك هاربا من بلد الى بلد خوفا من الاسلام واهله وهو اخر ملوك الفرس في الدنيا على الاطلاق لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا هلك قيصر فلا قيصر بعده واذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفق كنوزهما في سبيل الله رواه البخاري وثبت في الحديث الصحيح انه لما جاء كتاب النبي صلى الله عليه و سلم مزقه فدعا النبي صالى الله عليه وسلم عليه ان يمزق كل ممزق فوقع الامر كذلك وفي هذه السنة فتح ابن عامر فتوحات كثيرة كان قد نقض اهلها ما كان لهم من الصلح فمن ذلك ما فتح عنوة ومن ذلك ما فتح صلحا فكان في جملة ما صالح عليه بعض المدائن وهي مرو على الفي ألف ومائتي الف وقيل على ستة الاف الف مائتي الف وفي هذه السنة حج بالناس عثمان بن عفان رضى الله عنه
ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين
وفيها غزا معاوية بلاد الروم حتى بلغ المضيق مضيق القسطنطينية ومعه زوجته عاتكة ويقال فاطمة بنت قرطة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبدمناف قاله ابو معشر والواقدي وفيها استعمل سعيد بن العاص سلمان بن ربيعة على جيش وامره ان يغزو الباب وكتب الى عبدالرحمن بن ربيعة نائب تلك الناحية بمساعدته فسار حتى بلغ بلنجر فحصروها ونصبت عليها المجانيق والعرادات ثم ان اهل بلنجر خرجوا اليهم وعاونهم الترك فاقتتلوا قتالا شديدا وكانت الترك تهاب (7/159)
قتال المسلمين ويظنون انهم لا يموتون حتى اجترأوا عليهم بعد ذلك فلما كان هذا اليوم التقوا معهم فاقتتلوا فقتل يومئذ عبدالرحمن بن ربيعة وكان يقال له ذو النون وانهزم المسلمون فافترقوا فرقتين ففرقة ذهبت الى بلاد الخزر وفرقة سلكوا ناحية جيلان وجرجان وفي هؤلاء ابو هريرة وسلمان الفارسي واخذت الترك جسد عبدالرحمن بن ربيعة وكان من سادات المسلمين وشجعانهم ودفنوه في بلادهم فهم يستسقون عنده الى اليوم ولما قتل عبدالرحمن بن ربيعة استعمل سعيد بن العاص على ذلك الفرع سلمان بن ربيعة وامدهم عثمان باهل الشام عليهم حبيب بن مسلمة فتنازع حبيب وسلمان في الامرة حتى اختلفا فكان اول اختلاف وقع بين اهل الكوفة واهل الشام حتى قال في ذلك رجل من اهل الكوفة وهو اوس ... فان تضربوا سلمان نضرب حبيبكم ... وان ترحلوا نحو ابن عفان نرحل ... وان تقسطوا فالثغر ثغر اميرنا ... وهذا امير في الكتائب مقبل ... ونحن ولاة الثغر كنا حماته ... ليالي نرمى كل ثغر وننكل ...
وفيها فتح ابن عامر مرو الروذ والطالقان والفارياب والجوزجان وطخارستان فاما مرو الروذ فبعث اليهم أبو عامر الاحنف بن قيس فحصرها فخرجوا اليه فقاتلهم حتى كسرهم فاضطرهم الى حصنهم ثم صالحوه على مال جزيل وعلى ان يضرب على اراضي الرعية الخراج ويدع الارض التي كان اقتطعها كسرى لوالد المرزبان صاحب مرو حين قتل الحية التي كانت تقطع الطريق على الناس وتاكلهم فصالحهم الاحنف على ذلك وكتب لهم كتاب صلح بذلك ثم بعث الاحنف الاقرع بن حابس الى الجوزجان ففتحها بعد قتال وقع بينهم قتل فيه خلق من شجعان المسلمين ثم نصروا فقال في ذلك ابو كثير النهشلي قصيدة طويلة فيها ... سقى مزن السحاب اذا استهلت ... مصارع فتية بالجوزجان ... الى القصرين من رستاق حوط ... ابادهم هناك الاقرعان ...
ثم سار الاحنف من مرو الروذ الى بلخ فحاصرهم حتى صالحوه على اربعمائة الف واستناب ابن عمه اسيد بن المشمس على قبض المال ثم ارتحل يريد الجهاد وداهمه الشتاء فقال لاصحابه ما تشاؤون فقالوا قد قال عمرو بن معد يكرب
... اذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه الى ما تستطيع ... فامر الاحنف بالرحيل الى بلخ فاقام بها مدة الشتاء ثم عاد الى عامر فقيل لابن عامر ما فتح على احد ما فتح عليك فارس وكرمان وسجستان وعامر وخراسان فقال لا جرم لاجعلن شكري لله على ذلك ان احرم بعمرة من موقفي هذا مشمرا فاحرم بعمرة من نيسابور فلما قدم على (7/160)
عثمان لأمه على احرامه من خراسان وفيها اقبل قارن في اربعين الفا فالتقاه عبد الله بن حازم في اربعة الآف وجعل لهم مقدمة ستمائة رجل وامر كلا منهم ان يحمل على راس رمحه نارا واقبلوا اليهم في وسط الليل فبيتوهم فثاروا اليهم فناوشتهم المقدمة فاشتغلوا بهم واقبل عبد الله بن حازم بمن معه من المسلمين فاتفقواهم واياهم فولى المشركون مديرين واتبعهم المسلمون يقتلون من شاؤا كيف شاؤا وغنموا سبيا كثيرا واموالا جزيلة ثم بعث عبد الله بن حازم بالفتح الى ابن عامر فرضي عنه واقره على خراسان وكان قد عزله عنها فاستمر بها عبد الله بن حازم الى ما بعد ذلك
ذكر من توفي من الاعيان في هذا السنة العباس بن عبد المطلب
ابن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ابو الفضل المكي عم رسول الله ( ص ) ووالد الخلفاء العباسيين وكان اسن من رسول الله ( ص ) بسنتين او ثلاث اسر يوم بدر فافتدى نفسه بمال وافتدى ابني اخويه عقيل بن ابي طالب ونوفل بن الحارث وقد ذكرنا انه لما اسر وشد في الوثاق وامسى الناس ارق رسول ( ص ) فقيل يارسول الله مالك فقال اني اسمع انين العباس في وثاقه فلا انام فقام رجل من المسلمين فحل من وثاق العباس حتى سكن انينه فنام رسول الله ( ص ) ثم اسلم عام الفتح وتلقى رسول الله ( ص ) الى الجحفة فرجع معه وشهد الفتح ويقال انه اسلم قبل ذلك ولكنه اقام بمكة باذن النبي ( ص ) له في ذلك كما ورد به الحديث فالله اعلم وقد كان رسول الله ( ص ) يجله ويعظمه وينزله منزلة الوالد من الولد ويقول هذا بقية آبائي وكان من أوصل الناس لقريش واشفقهم عليهم وكان ذا رأي وعقل تام واف وكان طويلا جميلا ابيض بضا ذا طفرتين وكان له من الولد عشرة ذكور سوى الاناث وهم تمام وكان اصغرهم والحارث وعبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وعون والفضل وقثم وكثير ومعبد واعتق سبعين مملوكا من غلمانه وقال الامام احمد ثنا علي بن عبدالله قال حدثني محمد بن طلحة التميمي من اهل المدينة حدثني ابو سهيل نافع بن مالك عن سعيد بن المسيب عن سعد بن ابي وقاص قال قال رسول الله ( ص ) للعباس هذا العباس بن عبد المطلب اجود قريش كفا واوصلها تفرد به وثبت في الصحيحين ان رسول الله ( ص ) قال لعمر حين بعثه على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله ( ص ) فقال له رسول الله ( ص ) ما ينقم ابن جميل الا ان كان فقيرا فأغناه (7/161)
واما خالد فانكم تظلمون خالدا وقد احتبس ادراعه واعتاده في سبيل الله واما العباس فهي على ومثلها ثم قال ياعمر اما شعرت ان عم الرجل صنوا ابيه وثبت في صحيح البخاري عن انس ان عمر خرج يستسقي وخرج بالعباس معه يستقسي به وقال اللهم انا كنا إذا قحطنا توسلنا اليك بنبينا فتسقينا وانا نتوسل اليك بعم نبينا قال فيسقون ويقال ان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا اذا مرا بالعباس وهما راكبان ترجلا اكراما له قال الواقدي وغير واحد توفي العباس في يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب وقيل من رمضان سنة ثنتين وثلاثين عن ثمان وثمانين سنة وصلى عليه عثمان بن عفان ودفن بالبقيع وقيل توفي سنة ثلاث وثلاثين وقيل سنة اربع وثلاثين وفضائله ومناقبه كثيرة جدا
عبد الله بن مسعود
ابن غافل بن حبيب بن سمح بن فار بن مجزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تيم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر الهذلي ابو عبد الرحمن حليف بني زهرة اسلم قديما قبل عمر وكان سبب اسلامه حين مر به رسول الله ( ص ) وابو بكر رضي الله عنه وهو يرعى غنما فسألاه لبنا فقال اني مؤتمن قال فأخذ رسول الله ( ص ) عناقا لم ينزل عليها الفحل فاعتقلها ثم حلب وشرب وسقى ابا بكر ثم قال للضرع اقلص فقلص فقلت علمني من هذا الدعاء فقال انك غلام معلم الحديث وروى محمد بن اسحاق عن يحيى بن عروة عن ابيه ان ابن مسعود كان اول من جهر بالقرآن بمكة فقاموا إليه فضربوه ولزم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان يحمل نعليه وسواكه وقال له اذنك على ان تسمع بعد النبي صلى الله عليه و سلم عند البيت وقريش في أنديتها قرأ سورة الرحمن علم القرآن سوادي ولهذا كان يقال له صاحب السواك والوساد وهاجر الى الحبشة ثم عاد الى مكة ثم هاجر الى المدينة وشهد بدرا وهو الذي قتل أبا جهل بعد ما اثبته ابنا عفراء وشهد بقية المشاهد وقال له رسول الله ( ص ) يوما اقرأ علي فقلت اقرأ عليك وعليك انزل فقال أني احب ان اسمعه من غيري فقرأ عليه من أول سورة النساء الى قوله فكيف اذا وقال حسبك وقال أبو موسى قدمت أنا وأخي من اليمن وما كنا نظن إلا أن ابن مسعود وأمه من أهل بيت النبي صلى الله عليه و سلم جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فبكى رسول الله صلى الله عليه و سلم لكثرة دخولهم بيت النبي ( ص ) وقال حذيفة ما رأيت احدا أشبه برسول الله ( ص ) في هديه ودله وسمته من ابن مسعود ولقد علم المحفوظون من اصحاب محمد ( ص ) ان ابن ام عبد أقربهم الى الله زلفى وفي الحديث وتمسكوا بعهد ابن ام عبد وفي الحديث الآخر الذي رواه احمد عن محمد بن فضيل عن مغيرة عن ام حرسي عن علي ان ابن (7/162)