وأقسم لو هموا مكثوا لسرنا ... اليهم بالجنود ولم يغوروا ... فكنا اسدلية ثم حتى ... ابحناها وأسلمت النصور ... ويوم كان قبل لدى حنين ... فأقلع والدماء به تمور ... من الأيام لم تسمع كيوم ... ولم يسمع به قوم ذكور ... قتلنا في الغبار بني حطيط ... على راياتها والخيل زور ... ولم يك ذو الخمار رئيس قوم ... لهم عقل يعاقب أو نكير ... اقام بهم على سنن المنايا ... وقد بانت لمبصرها الأمور ... فافلت من نجا منهم حريضا ... وقتل منهم بشر كثير ... ولا يغني الأمور أخو التواني ... ولا الغلق الصريرة الحصور ... أحانهم وحان وملكوه ... أمورهم وأفلتت الصقور ... بنو عوف يميح بهم جياد ... أهين لها الفصافص والشعير ... فلولا قارب وبنو أبيه ... تقسمت المزارع والقصور ... ولكن الرياسة عمموها ... على يمن اشار به المشير ... أطاعوا قاربا ولهم جدود ... وأحلام إلى عز تصير ... فان يهدوا الى الاسلام يلفوا ... أنوف الناس ما سمر السمير ... فإن لم يسلموا فهموا أذان ... بحرب الله ليس لهم نصير ... كما حكمت بني سعد وجرت ... برهط بني غزية عنقفير ... كأن بني معاوية بن بكر ... الى الاسلام ضائنة تخور ... فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... وقد برأت من الإحن الصدور ... كأن القوم اذ جاؤا الينا ... من البغضاء بعد السلم عور ... فصل
ولما انهزمت هوازن وقف ملكهم مالك بن عوف النصري على ثنية مع طائفة من اصحابه فقال قفوا حتى تجوز ضعفاؤكم وتلحق أخراكم قال ابن اسحاق فبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية فقال لاصحابه ماذا ترون قالوا نرى قوما واضعي رماحهم بين آذان خيلهم طويلة بوادهم فقال هؤلاء بنو سليم ولا بأس عليكم منهم فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي ثم طلعت خيل أخرى تتبعها فقال لأصحابه ماذا ترون قالوا نرى قوما عارضي رماحهم اغفالا على خيلهم فقال هؤلاء الأوس والخزرج ولا بأس عليكم منهم فلماانتهوا الى أصل الثنية سلكوا (4/336)
طريق بني سليم ثم طلع فارس فقال لأصحابه ماذا ترون فقالوا نرى فارسا طويل الباد واضعا رمحه على عاتقه عاصبا رأسه بملاءة حمراء قال هذا الزبير بن العوام وأقسم باللات ليخالطنكم فأثبتوا له فلما انتهى الزبير الى اصل الثنية أبصر القوم فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها
وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالغنائم فجمعت من الابل والغنم والرقيق وأمر أن تساق الى الجعرانة فتحبس هناك قال ابن اسحاق وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري
قال ابن اسحاق وحدثني بعض أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر يومئذ بامرأة قتلها خالد بن الوليد والناس متقصفون عليها فقال لبعض أصحابه أدرك خالدا فقل له إن رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا هكذا رواه ابن اسحاق منقطعا وقد قال الامام احمد ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد حدثني المرقع بن صيفي عن جده رباح بن ربيع أخي بني حنظلة الكاتب أنه أخبره أنه رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون اليها ويتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم على راحلته فانفرجوا عنها فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم الحق خالدا فقل له لا يقتلن ذرية ولا عسيفا وكذلك رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المرقع بن صيفي به نحوه
غزوة أوطاس
وكان سببها أن هوازن لما انهزمت ذهبت فرقة منهم فيهم الرئيس مالك بن عوف النصري فلجؤوا الى الطائف فتحصنوا بها وسارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له أوطاس فبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية من اصحابه عليهم ابو عامر الاشعري فقاتلوهم فغلبوهم ثم سار رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه الكريمة فحاصر أهل الطائف كما سيأتي قال ابن اسحاق ولما انهزم المشركون يوم حنين أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة الا بنو غيرة من ثقيف وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم من سلك الثنايا قال فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهان السلمي ويعرف بابن الدغنة وهي أمه دريد بن الصمة فاخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة وذلك أنه في شجار لهم فاذا برجل فأناخ به فاذا شيخ كبير واذا دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ماذا تريد بي قال اقتلك قال ومن أنت قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي ثم (4/337)
ضربه بسيفه فلم يغن شيئا قال بئس ما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فأنى كذلك كنت اضرب الرجال ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلك دريد بن الصمة فرب والله يوم منعت فيه نساءك فزعم بنو سليم أن ربيعة قال 2 لما ضربته فوقع تكشف فاذا عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل إعراء فلما رجع ربيعة إلى أمه اخبرها بقتله إياه فقالت أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا ثم ذكر ابن اسحاق ما رثت به عمرة بنت دريد إياها فمن ذلك قولها ... قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا ... فظل دمعي على السربال منحدر ... لولا الذي قهر الاقوام كلهم ... رأت سليم وكعب كيف يأتمر ... إذن لصبحهم غبا وظاهرة ... حيث استقرت نواهم جحفل ذفر ...
قال ابن اسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الاشعري فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه القتال فرمى أبو عامر فقتل فأخذ الراية أبو موسى الاشعري وهو ابن عمه فقاتلهم ففتح الله عليه وهزمهم الله عز و جل ويزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى ابا عامر الاشعري بسهم فاصاب ركبته فقتله وقال ... إن تسألوا عني فاني سلمه ... ابن سمادير لمن توسمه ... أضرب بالسيف رؤس المسلمه ...
قال ابن اسحاق وحدثني من اثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه أن أبا عامر الاشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين فحمل عليه أحدهم فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر ثم حمل عليه آخر فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر ثم جعلوا يحملون عليه وهو يقول ذلك حتى قتل تسعة وبقي العاشر فحمل على أبي عامر وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقال الرجل اللهم لا تشهد علي فكف عنه أبو عامر فأفلت فأسلم بعد فحسن إسلامه فكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا رآه قال هذا شريد أبي عامر قال ورمى ابا عامر اخوان العلاء وأوفى أبناء الحارث من بني جشم بن معاوية فاصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته فقتلاه وولى الناس أبا موسى فحمل عليهما فقتلهما فقال رجل من بني جشم يرثيهما ... إن الرزية قتل العلا ... ء وأوفى جميعا ولم يسندا ... هما القاتلان أبا عامر ... وقد كان داهية أربدا ... هما تركاه لدى معرك ... كأن على عطفه مجسدا (4/338)
فلم ير في الناس مثليهما ... أقل عثارا وأرمى يدا ...
وقال البخاري ثنا محمد بن العلاء وحدثنا أبو اسامة عن يزيد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من حنين بعث ابا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه قال أبو موسى وبعثني مع أبي عامر فرمى أبو عامر في ركبته رماه جشمي بسهم فاثبته في ركبته قال فانتهيت اليه فقلت يا عم من رماك فأشار إلى ابي موسى فقال ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له ألا تستحي ألا تثبت فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لابي عامر قتل الله صاحبك قال فانتزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء قال يا ابن أخي اقرئ رسول الله صلى الله عليه و سلم السلام وقل له استغفر لي واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات فرجعت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد اثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقوله قال له استغفر لي قل فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك أو من الناس فقلت ولي فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما قال أبو بردة إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى رضي الله عنهما ورواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن أبي براد عن أبي أسامة به نحوه وقال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق أنبا سفيان وهو الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري قال اصبنا نساء من سبي اوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن ازواج فسألنا النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال فاستحللنا بها فروجهن وهكذا رواه الترمذي والنسائي من حيث عثمان البتي به وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري وقد رواه الامام احمد ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث سعيد بن ابي عروبة زاد مسلم وشعبة والترمذي من حديث همام عن يحيى ثلاثتهم عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك فكان أناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كفوا وتأثموا من غشيانهن فنزلت هذه الآية في ذلك والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم وهذا لفظ احمد بن حنبل فزاد في هذا الاسناد أبا علقمة الهاشمي وهو ثقة وكان هذا هو المحفوظ والله أعلم وقد استدل جماعة من السلف بهذه الآية الكريمة على أن بيع الامة طلاقها روى ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وخالفهم الجمهور مستدلين بحديث بربرة (4/339)
حيث بيعت ثم خيرت في فسخ نكاحها أو إبقاءه فلو كان بيعها طلاقها لها لما خيرت وقد تقصينا الكلام على ذلك في التفسير بما فيه كفاية وسنذكره إن شاء الله في الأحكام الكبير وقد استدل جماعة من السلف على إباحة الأمة المشركة بهذا الحديث في سبايا أوطاس وخالفهم الجمهور وقالوا هذه قضية عين فلعلهن أسلمن أو كن كتابيات وموضع تقرير ذلك في الأحكام الكبير إن شاء الله تعالى
من استشهد يوم حنين وأوطاس
أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ايمن بن عبيد وزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب ابن اسد جمح به فرسه الذي يقال له الجناح فمات وسراقة بن مالك بن الحارث بن عدي الانصاري من بني العجلان وأبو عامر الاشعري أمير سرية أوطاس فهؤلاء أربعة رضي الله عنهم
ما قيل من الأشعار في غزوة هوازن
فمن ذلك قول بجير بن زهير بن ابي سلمى ... لولا الاله وعيده وليتم ... حين استخف الرعب كل جبان ... بالجزع يوم حيالنا أقراننا ... وسوابح يكبون للأذقان ... من بين ساع ثوبه في كفه ... ومقطر بسنانك وثبان ... والله أكرمنا وأظهر ديننا ... وأعزنا بعبادة الرحمن ... والله أهلكهم وفرق جمعهم ... وأذلهم بعبادة الشيطان ...
قال ابن هشام ويروى فيها بعض الرواة ... إذ قام عم نبيكم ووليه ... يدعون يالكتيبة الإيمان ... أين الذين هم أجابوا ربهم ... يوم العريض وبيعة الرضوان ...
وقال عباس بن مرداس السلمي ... فأني والسوابح يوم جمع ... وما يتلو الرسول من الكتاب ... لقد أحببت ما لقيت ثقيف ... بجنب الشعب أمس من العذاب ... هم رأس العدو من اهل نجد ... فقتلهم ألذ من الشراب ... هزمنا الجمع جمع بني قسي ... وحلت بركها ببني رئاب ... وصرما من هلال غادرتهم ... بأوطاس تعفر بالتراب ... ولو لاقين جمع بني كلاب ... لقام نساؤهم والنقع كابي ... ركضنا الخيل فيهم بين بس ... إلى الأوراد تنحط بالتهاب ... بذي لجب رسول الله فيهم ... كتيبته تعرض للضراب (4/340)
وقال عباس بن مرداس أيضا ... يا خاتم النباء إنك مرسل ... بالحق كل هدي السبيل هداكا ... إن الاله بنى عليك محبة ... في خلقه ومحمدا سماكا ... ثم الذين وفوا بما عاهدتهم ... جند بعثت عليهم الضحاكا ... رجلا به درب السلاح كأنه ... لما تكنفه العدو يراكا ... يغشى ذوي النسب القريب وإنما ... يبغي رضا الرحمن ثم رضاكا ... أنبئك أني قد رأيت مكره ... تحت العجاجة يدمغ الإشراكا ... طورا يعانق باليدين وتارة ... يفري الجماجم صارما فتاكا ... يغشى به هام الكماة ولو ترى ... منه الذي عاينت كان شفاكا ... وبنو سليم معنقون أمامه ... ضربا وطعنا في العدو دراكا ... يمشون تحت لوائه وكأنهم ... أسد العرين أردن ثم عراكا ... ما يرتجون من القريب قرابة ... إلا لطاعة ربهم وهواكا ... هذي مشاهدنا التي كانت لنا ... معروفة وولينا مولاكا ...
وقال عباس بن مرداس أيضا ... عفا مجدل من اهله فمتالع ... فمطلا أريك قد خلا فالمصانع ... ديار لنا يا جمل إذجل عيشنا ... رخي وصرف الدهر للحي جامع ... حبيبة ألوت بها غربة النوى ... لبين فهل ماض من العيش راجع ... فان تبتغي الكفار غير ملومة ... فاني وزير للنبي وتابع ... دعانا اليه خير وفد علمتهم ... خزيمة والمرار منهم وواسع ... فجئنا بألف من سليم عليهم ... لبوس لهم من نسج داود رائع ... نبايعه بالأخشبين وإنما ... يد الله بين الأخشبين نبايع ... فجسنا مع المهدي مكة عنوة ... بأسيافنا والنقع كاب وساطع ... علانية والخيل يغشى متونها ... حميم وآن من دم الجوف ناقع ... ويوم حنين حين سارت هوازن ... الينا وضاقت بالنفوس الأضالع ... صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا ... قراع الأعادي منهم والوقائع ... أمام رسول الله يخفق فوقنا ... لواء كخذروف السحابة لامع (4/341)
عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول الله والموت كانع ... نذود اخانا عن أخينا ولو نرى ... مصالا لكنا الأقربين نتابع ... ولكن دين الله دين محمد ... رضينا به فيه الهدى والشرائع ... اقام به بعد الضلالة أمرنا ... وليس لأمر حمه الله دافع ...
وقال عباس ايضا ... تقطع باقي وصل أم مؤمل ... بعاقبة واستبدلت نية خلفا ... وقد حلفت بالله لا تقطع القوى ... فما صدقت فيه ولا برت الحلفا ... خفافية بطن العقيق مصيفها ... وتحتل في البادين وجرة فالعرفا ... فان تتبع الكفار أم مؤمل ... فقد زودت قلبي على نأيها شغفا ... وسوف ينبئها الخبير بأننا ... أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا ... وإنا مع الهادي النبي محمد ... وفينا ولم يستوفها معشر ألفا ... بفتيان صدق من سليم أعزة ... أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا ... خفاف وذكوان وعوف تخالهم ... مصاعب زافت في طروقتها كلفا ... كأن نسيج الشهب والبيض ملبس ... أسودا تلاقت في مراصدها غضفا ... بنا عز دين الله غير تنحل ... وزدنا على الحي الذي معه ضعفا ... بمكة إذ جئنا كأن لواءنا ... عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا ... على شخص الأبصار تحسب بينها ... إذا هي جالت في مراودها عزفا ... غداة وطئنا المشركين ولم نجد ... لأمر رسول الله عدلا ولا صرفا ... بمعترك لا يسمع القوم وسطه ... لنا زحمة الا التذامر والنقفا ... ببيض تطير الهام عن مستقرها ... وتقطف أعناق الكماة بها قطفا ... فكائن تركنا من قتيل ملحب ... وأرملة تدعو على بعلها لهفا ... رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي ... ولله ما يبدو جميعا وما يخفى ...
وقال عباس أيضا رضي الله عنه ... ما بال عينك فيها عائر سهر ... مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر ... عين تأوبها من شجوها أرق ... فالماء يغمرها طورا وينحدر ... كانه نظم در عند ناظمه ... تقطع السلك منه فهو منتثر ... يا بعد منزل من ترجو مودته ... ومن اتى دونه الصمان فالحفر (4/342)
دع ما تقدم من عهد الشباب فقد ... ولى الشباب وزار الشيب والزعر ... واذكر بلاء سليم في مواطنها ... وفي سليم لأهل الفخر مفتخر ... قوم هموا نصروا الرحمن واتبعوا ... دين الرسول وأمر الناس مشتجر ... لا يغرسون فسيل النخل وسطهم ... ولا تخاور في مشتاهم البقر ... إلا سوابح كالعقبان مغرية ... في دارة حولها الأخطار والعكر ... تدعى خفاف وعوف في جوانبها ... وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر ... الضاربون جنود الشرك ضاحية ... ببطن مكة والأرواح تبتدر ... حتى رفعنا وقتلاهم كأنهم ... نخل بظاهرة البطحاء منقعر ... ونحن يوم حنين كان مشهدنا ... للدين عزا وعند الله مدخر ... إذ نركب الموت مخضرا بطائنه ... والخيل ينجاب عنها ساطع كدر ... تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا ... كما مشى الليث في غاباته الخدر ... في مأزق من مجر الحرب كلكلها ... تكاد تكاد تأفل منه الشمس والقمر ... وقد صبرنا بأوطاس اسنتنا ... لله ننصر من شئنا وننتصر ... حتى تأوب أقوام منازلهم ... لولاالمليك ولولا نحن ما صدروا ... فما ترى معشرا قلوا ولا كثروا ... إلا وقد اصبح منا فيهم أثر ...
وقال عباس أيضا رضي الله عنه ... يا ايها الرجل الذي تهوي به ... وجناء مجمرة المناسم عرمس ... إما اتيت على النبي فقل له ... حقا عليك اذا اطمأن المجلس ... يا خير من ركب المطي ومن مشى ... فوق التراب اذا تعد الأنفس ... إنا وفينا بالذي عاهدتنا ... والخيل تقدع بالكماة وتضرس ... إذ سال من افناء بهثة كلها ... جمع تظل به المخارم ترجس ... حتى صبحنا أهل مكة فيلقا ... شهباء يقدمها الهمام الأشوس ... من كل أغلب من سليم فوقه ... بيضاء محكمة الدخال وقونس ... يروي القناة اذا تجاسر في الوغى ... وتخاله أسدا اذا ما يعبس ... يغشى الكتيبة معلما وبكفه ... عضب يقد به ولدن مدعس ... وعلى حنين قد وفى من جمعنا ... ألف أمد به الرسول عرندس ... كانوا أمام المؤمنين دريئة ... والشمس والشمس يومئذ عليهم أشمس (4/343)
نمضي ويحرسنا الاله بحفظه ... والله ليس بضائع من يحرس ... ولقد حبسنا بالمناقب محبسا ... رضي الاله به فنعم المحبس ... وغداة أوطاس شددنا شدة ... كفت العدو وقيل منها يا احبسوا ... تدعو هوازن بالأخوة بيننا ... ثدي تمد به هوازن أيبس ... حتى تركنا جمعهم وكأنه ... عير تعاقبه السباع مفرس ...
وقال أيضا رضي الله عنه ... من مبلغ الأقوام أن محمدا ... رسول الاله راشد حيث يمما ... دعا ربه واستنصر الله وحده ... فأصبح قد وفى اليه وأنعما ... سرينا وواعدنا قديدا محمدا ... يؤم بنا أمرا من الله محكما ... تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا ... مع الفجر فتيانا وغابا مقوما ... على الخيل مشدودا علينا دروعنا ... ورجلا كدفاع الأتي عرمرما ... فان سراة الحي إن كنت سائلا ... سليم وفيهم منهم من تسلما ... وجند من الأنصار لا يخذلونه ... أطاعوا فما يعصونه ما تكلما ... فإن تك قد امرت في القوم خالدا ... وقدمته فإنه قد تقدما ... بجند هداه الله أنت أميره ... تصيب به في الحق من كان أظلما ... حلفت يمينا برة لمحمد ... فأكملتها ألفا من الخيل ملجما ... وقال نبي المؤمنين تقدموا ... وحب الينا أن نكون المقدما ... وبتنا بنهي المستدير ولم يكن ... بنا الخوف إلا رغبة وتحزما ... أطعناك حتى أسلم الناس كلهم ... وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما ... يظل الحصان الأبلق الورد وسطه ... ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما ... سمونا لهم ورد القطا زفه ضحى ... وكلا تراه عن أخيه قد أحجما ... لدن غدوة حتى تركنا عشية ... حنينا وقد سالت دوامعه دما ... إذا شئت من كل رأيت طمرة ... وفارسها يهوي ورمحا محطما ... وقد أحرزت منا هوازن سربها ... وحب اليها أن تخيب وتحرما ...
هكذا أورد الامام أحمد بن اسحاق هذه القصائد من شعر عباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه وقد تركنا بعض ما أورده من القصائد خشية الاطالة وخوف الملالة ثم أورد من شعر غيره أيضا وقد حصل فيه كفاية من ذلك والله أعلم (4/344)
بسم الله الرحمن الرحيم
غزوة الطائف
قال عروة وموسى بن عقبة عن الزهري قاتل رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين وحاصر الطائف في شوال سنة ثمان وقال محمد بن اسحاق ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم ابواب مدينتها وصنعوا الصنائع للقتال ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور قال ثم سار رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الطائف حين فرغ من حنين فقال كعب بن مالك في ذلك ... قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبر ثم أجممنا السيوفا ... نخبرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوسا أو ثقيفا ... فلست لحاضن إن لم تروها ... بساحة داركم منا ألوفا ... وننتزع العروش ببطن وج ... وتصبح دوركم منكم خلوفا ... ويأتيكم لنا سرعان خيل ... يغادر خلفه جمعا كثيفا ... اذا نزلوا بساحتكم سمعتم ... لها مما أناخ بها رجيفا ... بأيديهم قواضب مرهفات ... يزرن المصطلين بها الحتوفا ... كامثال العقائق أخلصتها ... قيون الهند لم تضرب كتيفا ... تخال جدية الأبطال فيها ... غداة الزحف جاديا مدوفا ... أجدهم أليس لهم نصيح ... من الأقوام كان بنا عريفا ... يخبرهم بأنا قد جمعنا ... عتاق الخيل والنجب الطروفا ... وأنا قد اتيناهم بزحف ... يحيط بسور حصنهم صفوفا ... رئيسهم النبي وكان صلبا ... نقي القلب مصطبرا عزوفا ... رشيد الأمر ذا حكم وعلم ... وحلم لم يكن نزقا خفيفا ... نطيع نبينا ونطيع ربا ... هو الرحمن كان بنا رؤفا ... فإن تلقوا الينا السلم نقبل ... ونجعلكم لنا عضدا وريفا ... وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر ... ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا ... نجالد ما بقينا أو تنيبوا ... الى الاسلام إذعانا مضيفا ... نجاهد لا نبالي ما لقينا ... أأهلكنا التلاد أم الطريفا ... وكم من معشر ألبوا علينا ... صميم الجذم منهم والحليفا ... أتونا لا يرون لهم كفاء ... فجدعنا المسامع والأنوفا (4/345)
بكل مهند لين صقيل ... نسوقهم بها سوقا عنيفا ... لأمر الله والاسلام حتى ... يقوم الدين معتدلا حنيفا ... وتنسىاللات والعزى وود ... ونسلبها القلائد والشنوفا ... فأمسوا قد اقروا واطمأنوا ... ومن لا يمتنع يقبل خسوفا ...
وقال ابن اسحاق فأجابه كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي
قلت وقد وفد على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك في وفد ثقيف فأسلم معهم قاله موسى بن عقبة وأبو اسحاق وأبو عمر بن عبد البر وابن الاثير وغير واحد وزعم المدايني أنه لم يسلم بل صار الى بلاد الروم فتنصر ومات بها ... من كان يبغينا يريد قتالنا ... فإنا بدار معلم لا نريمها ... وجدنا بها الآباء من قبل ما ترى ... وكانت لنا أطواؤها وكرومها ... وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر ... فأخبرها ذو رأيها وحليمها ... وقد علمت إن قالت الحق أننا ... اذا ما أتت صعر الخدود نقيمها ... نقومها حتى يلين شريسها ... ويعرف للحق المبين ظلومها ... علينا دلاص من تراب محرق ... كلون السماء زينتها نجومها ... ترفعها عنا ببيض صوارم ... اذا جردت في غمرة لا نشيمها ...
قال ابن اسحاق وقال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الطائف ... لا تنصروا اللات إن الله مهلكها ... وكيف ينصر من هو ليس ينتصر ... إن التي حرقت بالسد فاشتعلت ... ولم تقاتل لدى أحجارها هدر ... إن الرسول متى ينزل بلادكم ... يظعن وليس بها من أهلها بشر ...
قال ابن اسحاق فسلك رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني من حنين الى الطائف على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم على المليح ثم على بحرة الرغاء من لية فابتني بها مسجدا فصلى فيه قال ابن اسحاق فحدثني عمرو بن شعيب أنه عليه السلام أقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم وهو أول دم أقيد به في الاسلام رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم قال ابن اسحاق ثم سلك في الطريق يقال لها الضيقة فلما توجه رسول الله ص سأل عن اسمها فقال ما اسم هذه الطريق فقيل الضيقة فقال بل هي اليسرة ثم خرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريبا من مال رجل من ثقيف فارسل اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم إما أن تخرج إلينا وإما أن نخرب عليك حائطك فأبى أن يخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/346)
باخرابه وقال ابن اسحاق عن اسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير سمعت عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول حين خرجنا معه الى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه قال فابتدره الناس فاستخرجوا معه الغصن ورواه أبو داود عن يحيى بن معين عن وهب ابن جرير بن حازم عن ابيه عن محمد بن اسحاق به ورواه البيهقي من حديث يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن اسماعيل بن أمية به قال ابن اسحاق ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل قريبا من الطائف فضرب به عسكره فقتل ناس من أصحابه بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف فتأخروا الى موضع مسجده عليه السلام اليوم بالطائف الذي بنته ثقيف بعد اسلامها بناه عمرو بن أمية بن وهب وكانت فيه سارية لا تطلع عليها الشمس صبيحة كل يوم الا سمع لها نقيض فيما يذكرون قال فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة قال ابن هشام ويقال سبع عشرة ليلة وقال عروة وموسى بن عقبة عن الزهري ثم سار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الطائف وترك السبي بالجعرانة وملئت عرش مكة منهم فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالاكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة يقاتلهم ويقاتلونه من وراء حصنهم ولم يخرج اليه أحد منهم غير أبي بكرة بن مسروح أخي زياد لأمه فأعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم وكثرت الجراح وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها فقالت لهم ثقيف لا تفسدوا الأموال فانها لنا أو لكم وقال عروة أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم كل رجل من المسلمين أن يقطع خمس نخلات وخمس حبلات وبعث مناديا ينادي من خرج الينا فهو حر فاقتحم اليه نفر منهم فيهم أبو بكرة بن مسروح أخو زياد بن أبي سفيان لامه فأعتقهم ودفع كل رجل منهم الى رجل من المسلمين يعوله ويحمله وقال الامام احمد ثنا يزيد ثنا حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعتق من جاءه من العبيد قبل مواليهم اذا أسلموا وقد أعتق يوم الطائف رجلين وقال أحمد ثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس ثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل الطائف فخرج اليه عبدان فأعتقهما أحدهما أبو بكرة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتق العبيد اذا خرجوا اليه وقال احمد أيضا ثنا نصر بن رئاب عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الطائف من خرج الينا من العبيد فهو حر فخرج عبيد من العبيد فيهم ابو بكرة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا الحديث تفرد به أحمد ومداره على الحجاج بن ارطأة وهو ضعيف لكن ذهب الامام أحمد الى هذا فعنده أن كل عبد جاء من دار الحرب الى دار الاسلام عتق حكما شرعيا مطلقا عاما وقال آخرون إنما كان (4/347)
هذا شرطا لا حكما عاما ولو صح الحديث لكان التشريع العام اظهر كما في قوله عليه السلام من قتل قتيلا فله سلبه وقد قال يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني عبد الله بن المكرم الثقفي قال لما حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل الطائف خرج اليه رقيق من رقيقهم أبو بكرة عبدا للحارث بن كلدة والمنبعث وكان اسمه المضطجع فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم المنبعث ويحنس ووردان في رهط من رقيقهم فأسلموا فلما قدم وفد اهل الطائف فاسلموا قالوا يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك قال لا أولئك عتقاء الله ورد على ذلك الرجل ولاء عبده فجعله له وقال البخاري ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن عاصم سمعت ابا عثمان قال سمعت سعدا وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وابا بكرة وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاء الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قالا سمعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من ادعي الى غير أبيه وهو يعلمه فالجنة عليه حرام ورواه مسلم من حديث عاصم به قال البخاري وقال هشام أنبا معمر عن عاصم عن أبي العالية أو أبي عثمان النهدي قال سمعت سعدا وابا بكرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال عاصم قلت لقد شهد عندك رجلان حسبك بهما قال أجل أما أحدهما فاول من رمى بسهم في سبيل الله وأما الآخر فنزل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف قال محمد بن اسحاق وكان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة فضرب لهما قبتين فكان يصلي بينهما فحاصرهم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا بالنبل قال ابن هشام ورماهم بالمنجنيق فحدثني من اثق به أن النبي صلى الله عليه و سلم اول من رمن في الاسلام بالمنجنيق رمى به أهل الطائف وذكر ابن اسحاق أن نفرا من الأصحابه دخلوا تحت دبابة ثم زحفوا ليحرقوا جدار أهل الطائف فأرسلت عليهم سكك الحديد محماة فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا فحينئذ امر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقطع أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون قال وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فناديا ثقيفا بالامان حتى يكلموهم فأمنوهم فدعوا نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن اليهم وهما يخافان عليهن السباء اذا فتح الحصن فأبين فقال لهما أبو الاسود بن مسعود ألا أدلكما على خير مما جئتما له إن مال أبي الاسود حيث قد علمتما وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم نازلا بواد يقال له العقيق وهو بين مال بني الاسود وبين الطائف وليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا اشد مؤونة ولا أبعد عمارة منه وإن محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله وللرحم فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تركه لهم وقد روى الواقدي عن شيوخه نحو هذا وعنده أن سلمان الفارسي هو الذي اشار بالمننجنيق وعمله بيده وقيل قدم به وبدبابتين فالله أعلم وقد اورد البيهقي من طريق ابن لهيعة عن ابي الاسود عن عروة أن عيينة بن حصن استأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في أن ياتي أهل الطائف فيدعوهم إلى الاسلام فأذن له فجاءهم فامرهم بالثبات في حصنهم وقال (4/348)
لا يهولنكم قطع ما قطع من الاشجار في كلام طويل فلما رجع قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قلت لهم قال دعوتهم إلى الاسلام وأنذرتهم النار وذكرتهم بالجنة فقال كذبت بل قلت لهم كذا وكذا فقال صدقت يا رسول الله أتوب الى الله واليك من ذلك وقد روى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سالم بن ابي الجعد عن معدان ابن أبي طلحة عن ابن أبي نجيح السلمي وهو عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قصر الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من بلغ بسهم فله درجة في الجنة فبلغت يومئذ ستة عشر سهما وسمعته يقول من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة وأيما رجل أعتق رجلا مسلما فإن الله جاعل كل عظم من عظامه وقاء كل عظم بعظم وأيما امرأة مسلمة اعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل كل عظم من عظامها وقاء كل عظم من عظامها من النار ورواه أبو داود والترمذي وصححه النسائي من حديث قتادة به وقال البخاري ثنا الحميدي سمع سفيان ثنا هشام عن أبيه عن زينب بنت ام سلمة عن أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعندي مخنث فسمعه يقول لعبد الله بن ابي امية أرايت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فانها تقبل باربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخلن هؤلاء عليكن قال ابن عيينة وقال ابن جريج المخنث هيت وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه به وفي لفظ وكانوا يرونه من غير أولي الأربة من الرجال وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا أرى هذا يعلم ما ها هنا لا يدخلن عليكن هؤلاء يعني اذا كان ممن يفهم ذلك فهو داخل في قوله تعالى أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء والمراد بالمخنث في عرف السلف الذي لا همة له الى النساء وليس المراد به الذي يؤتى إذ لو كان كذلك لوجب قتله حتما كما دل عليه الحديث وكما قتله أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومعنى قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان يعني بذلك عكن بطنها فانها تكون أربعا اذا أقبلت ثم تصير كل واحدة اثنتين اذا أدبرت وهذه المرأة هي بادية بنت غيلان بن سلمة من سادات ثقيف وهذا المخنث قد ذكر البخاري عن ابن جريج أن اسمه هيت وهذا هو المشهور لكن قال يونس عن ابن اسحاق قال وكان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مولى لخالته بنت عمرو بن عايد مخنث يقال له مانع يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته ولا نرى أنه يفطن لشيء من امور النساء مما ينظر اليه رجال ولا يرى أن له في ذلك إربا فسمعه وهو يقول لخالد ابن الوليد يا خالد إن افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم الطائف فلا تنفلتن منكم بادية بنت غيلان فانها تقبل باربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين سمع هذا منه ألا ارى هذا يفطن لهذا الحديث ثم قال لنسائه لا يدخلن عليكم فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال البخاري ثنا علي بن عبد الله (4/349)
ثنا سفيان عن عمرو عن أبي العباس الشاعر الاعمى عن عبد الله بن عمرو قال لما حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم الطائف فلم ينل منهم شيئا قال إنا قافلون غدا إن شاء الله فثقل عليهم وقالوا نذهب ولا نفتح فقال اغدوا على القتال فغدوا فأصابهم جراح فقال إنا قافلون غدا إن شاء الله فأعجبهم فضحك النبي صلى الله عليه و سلم وقال سفيان مرة فتبسم ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به وعنده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب واختلف في نسخ البخاري ففي نسخة كذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص والله أعلم وقال الواقدي حدثني كثير بن زيد بن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف استشار رسول الله صلى الله عليه و سلم نوفل بن معاوية الدئلي فقال يا نوفل ما ترى في المقام عليهم قال يا رسول الله ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك قال ابن اسحاق وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لابي بكر وهو محاصر ثقيفا يأبا بكر إني رأيت أني أهديت لي قبعة مملوءة زبدا فنقرها ديك فهراق ما فيها فقال أبو بكر رضي الله عنه ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا لا أرى ذلك قال ثم أن خولة بنت حكيم السلمية وهي امرأة عثمان بن مظعون قالت يا رسول الله اعطني إن فتح الله عليك حلى بادية بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل وكانت من أحلى نساء ثقيف فذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لها وإن كان لم يؤذن في ثقيف يا خويلة فخرجت خولة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلته قال قد قلته قال أو ما أذن فيهم قال لا قال أفلا أؤذن بالرحيل قال بلى فأذن عمر بالرحيل فلما استقبل الناس نادى سعيد بن عبيد بن اسيد بن ابي عمرو بن علاج ألا إن الحي مقيم قال يقول عيينة بن حصن أجل والله مجدة كراما فقال له رجل من المسلمين قاتلك الله يا عيينة أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد جئت تنصره فقال إني والله ما جئت لاقاتل ثقيفا معكم ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف جارية أطؤها لعلها تلد لي رجلا فان ثقيفا مناكير وقد روى ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة قصة خولة بنت حكيم وقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قال وتأذين عمر بالرحيل قال وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس أن لا يسرحوا ظهرهم فلما أصبحوا ارتحل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه ودعا حين ركب قافلا فقال اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم وروى الترمذي من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قالوا يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال اللهم اهد ثقيفا ثم قال هذا حديث حسن غريب وروى يونس عن ابن اسحاق حدثني عبد الله بن ابي بكر وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم قالوا حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم اهل الطائف ثلاثين ليلة او قريبا من ذلك ثم انصرفوا عنهم ولم (4/350)
يؤذن فيهم فقدم المدينة فجاءه وفدهم في رمضان فاسلموا وسيأتي ذلك مفصلا في رمضان من سنة تسع إن شاء الله وهذه تسمية من استشهد من المسلمين بالطائف فيما قاله ابن اسحاق فمن قريش سعيد ابن سعيد بن العاص بن أمية وعرفطة بن حباب حليف لبني أمية بن الأسد بن الغوث وعبد الله ابن أبي بكر الصديق رمي بسهم فتوفي منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي من رمية رميها يومئذ وعبد الله بن عامر بن ربيعة حليف لبني عدي والسائب بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي وأخوه عبد الله وجليحة بن عبد الله من بني سعد بن ليث ومن الانصار ثم من الخزرج ثابت بن الجذع الاسلمي والحارث بن سهل بن أبي صعصعة المازني والمنذر بن عبد الله من بني ساعدة ومن الأوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية فقط فجميع من استشهد يومئذ اثنا عشر رجلا سبعة من قريش وأربعة من الأنصار ورجل من بني ليث رضي الله عنهم أجمعين قال ابن اسحاق ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا عن الطائف قال بجير بن زهير بن ابي سلمى يذكر حنينا والطائف ... كانت علالة يوم بطن حنين ... وغداة أوطاس ويوم الأبرق ... جمعت باغواء هوازن جمعها ... فتبددوا كالطائر المتمزق ... لم يمنعوا منا مقاما واحدا ... إلا جدارهم وبطن الخندق ... ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا ... فاستحصنوا منا بباب مغلق ... ترتد حسرانا الى رجراجة ... شهباء تلمع بالمنايا فيلق ... ملمومة خضراء لو قذفوا بها ... حصنا لظل كأنه لم يخلق ... مشي الضراء على الهراس كأننا ... قدر تفرق في القياد ويلتقي ... في كل سابغة إذا ما استحصنت ... كالنهي هبت ريحه المترقرق ... جدل تمس فضولهن نعالنا ... من نسج داود وآل محرق ...
وقال أبو داود ثنا عمر بن الخطاب أبو حفص ثنا الفريابي ثنا أبان ثنا عمرو هو ابن عبد الله ابن أبي حازم ثنا عثمان بن أبي حازم عن أبيه عن جده صخر هو أبي العيلة الأحمسي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا ثقيفا فلما أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يمد النبي صلى الله عليه و سلم فوجده قد انصرف ولم يفتح فجعل صخر حينئذ عهد وذمة لا أفارق هذا القصر حتى ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكتب اليه صخر أما بعد فان ثقيفا قد نزلت على حكمك يا رسول الله وأنا مقبل بهم وهم في خيلي فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة جامعة فدعا لأحمس عشر دعوات اللهم بارك لاحمس في خيلها ورجالها وأتى القوم فتكلم المغيرة بن شعبة فقال (4/351)
يا رسول الله إن صخرا أخذ عمتي ودخلت فيما دخل فيه المسلمون فدعاه فقال يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم فادفع الى المغيرة عمته فدفعها اليه وسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ماء لبني سليم قد هربوا عن الاسلام وتركوا ذلك الماء فقال يا رسول الله أنزلنيه أنا وقومي قال نعم فانزله وأسلم يعني الاسلميين فأتوا صخرا فسألوه أن يدفع اليهم الماء فأبى فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله أسلمنا وأتينا صخرا ليدفع الينا ماءنا فأبى علينا فقال يا صخر إن القوم اذا اسلموا أحرزوا اموالهم ودماءهم فادفع اليهم ماءهم قال نعم يا نبي الله فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم يتغير عند ذلك حمرة حياء من أخذه الجارية وأخذه الماء تفرد به أبو داود وفي اسناده اختلاف
قلت وكانت الحكمة الالهية تقتضي أن يؤخر الفتح عامئذ لئلا يستأصلوا قتلا لأنه قد تقدم أنه عليه السلام لما كان خرج الى الطائف فدعاهم الى الله تعالى والى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه عز و جل وذلك بعد موت عمه أبي طالب فردوا عليه قوله وكذبوه فرجع مهموما فلم يستفق الا عند قرن الثعالب فاذا هو بغمامة واذا فيها جبريل فناداه ملك الجبال فقال يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام وقد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل استأني بهم لعل الله ان يخرج من اصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئا فناسب قوله بل استأنى بهم أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم وأن يؤخر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام المقبل كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى
مرجعه عليه السلام من الطائف وقسمة غنائم هوازن
قال ابن اسحاق ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حين انصرف عن الطائف على دحنا حتى نزل الجعرانة فيمن معه من المسلمين ومعه من هوازن سبي كثير وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف يا رسول الله ادع عليهم فقال اللهم اهد ثقيفا وأئت بهم قال ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة وكان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الابل والشاء مالا يدرى عدته قال ابن اسحاق فحدثني عمرو بن شعيب وفي رواية يونس بن بكير عنه قال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بحنين فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا يا رسول الله إنا اصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك وقام خطيبهم زهير بن صرد أبو صرد فقال يا رسول الله إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ولو أنا ملحنا لابن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهما وعطفهما (4/352)
وأنت رسول الله خير المكفولين ثم أنشأ يقول ... امنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وننتظر ... أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... ممزق شملها في دهرها غير ... ابقت لنا الدهر هتافا على حزن ... على قلوبهم الغماء والغمر ... [ يا خير طفل ومولود ومنتجب ... في العالمين اذا ما حصل البشر ... إن لم تداركها نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر ... أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملؤه من مخضها الدرر ... أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... وإذ يزنيك ما تأتي وما تذر ... لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنا معشر زهر ... إنا لنشكر آلاء وإن كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر ...
قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نساؤكم وأبناؤكم أحب اليكم أم أموالكم فقالوا يا رسول الله خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا بل ابناؤنا ونساؤنا أحب الينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم واذا أنا صليت بالناس فقوموا فقولوا إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في ابنائنا ونسائنا فاني سأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس الظهر قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقالت الانصار وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس السلمي أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول عباس بن مرداس لبني سليم وهنتموني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ستة فرائض من أول فيء نصيبه فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأتبعه الناس يقولون يا رسول الله اقسم علينا فيئنا حتى اضطروه إلى الشجرة فانتزعت رداءه فقال أيها الناس ردوا علي ردائي فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عندي عدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم الى جنب بعير فأخذ من سنامه وبرة فجعلها بين إصبعيه ثم رفعها فقال أيها الناس والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة الا الخمس والخمس مردود عليكم فادوا الخياط والمخيط فان الغلول (4/353)
عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة فجاء رجل من الانصار بكمية من خيوط شعر فقال يا رسول الله أخذت هذه لأخيط بها برذعة بعير لي دبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما حقي منها فلك فقال الرجل أما إذا بلغ الأمر فيها فلا حاجة لي بها فرمى بها من يده وهذا السياق يقتضي أنه علي السلام رد اليهم سبيهم قبل القسمة كما ذهب اليه محمد بن اسحاق بن يسار خلافا لموسى بن عقبة وغيره وفي صحيح البخاري من طريق الليث بن عقيل عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوا أن ترد اليهم أموالهم ونساؤهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم معي من ترون وأحب الحديث الي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت أستأنيب بكم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غير راد اليهم أموالهم إلا إحدى الطائفتين قالوا إنا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسلمين وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فان إخوانكم هؤلاء قد جاؤا تائبين وإني قد رأيت أن أرد اليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول مال يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله فقال لهم إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع الينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبروه بأنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا ما بلغنا عن سبي هوازن ولم يتعرض البخاري لمنع الأقرع وعيينة وقومهما بل سكت عن ذلك والمثبت مقدم على النافي فكيف الساكت وروى البخاري من حديث الزهري اخبرني عمر بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أخبره جبير بن مطعم أنه بينما هو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه الناس مقفله من حنين علقت الاعراب برسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونه حتى اضطروه الى شجرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا تفرد به البخاري وقال ابن اسحاق وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى علي بن ابي طالب جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة وأعطى عثمان بن عفان جارية يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان وأعطى عمر جارية فوهبها من ابنه عبد الله وقال ابن اسحاق فحدثني نافع عن عبد الله بن عمر قال بعثت بها الى اخوالي من بني جمح ليصلحوا لي منها ويهيئوها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها اذا رجعت اليها قال فجئت من المسجد حين فرغت فاذا الناس يشتدون فقلت ما شأنكم قالوا رد علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءنا وابناءنا قلت تلكم صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها فذهبوا اليها فاخذوها قال ابن اسحاق (4/354)
واما عيينة بن حصن فاخذ عجوزا من عجائز هوازن وقال حين أخذها ارى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا وعسى أن يعظم نداؤها فلما رد رسول الله صلى الله عليه و سلم السبايا بست فرائض أبى أن يردها فقال له زهير بن صرد خذها عنك فوالله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا زوجها بواجد ولا درها بماكد إنك ما أخذتها والله بيضاء غريرة ولا نصفا وثيرة فردها بست فرائض قال الواقدي ولما قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم الغنائم بالجعرانة أصاب كل رجل اربع من الابل وأربعون شاة وقال سلمة عن محمد بن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أن رجلا ممن شهد حنين قال والله إني لأسير الى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم على ناقة لي وفي رجلي نعل غليظة اذ زحمت ناقتي ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله صلى الله عليه و سلم فأوجعه فقرع قدمي بالسوط وقال أوجعتني فتأخر عني فانصرفت فلما كان الغد إذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يلتمسني قال قلت هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأمس قال فجئته وأنا أتوقع فقال إنك اصبت قدمي بالامس فأوجعتني فقرعت قدمك بالسوط فدعوتك لأعوضك منها فأعطاني ثمانين نعجة بالضربة التي ضربني والمقصود من هذا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم رد إلى هوازن سبيهم بعد القسمة كما دل عليه السياق وغيره وظاهر سياق حديث عمرو بن شبيب الذي أورده محمد بن اسحاق عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رد الى هوازن سبيهم قبل القسمة ولهذا لما رد السبي وركب علقت الاعراب برسول الله صلى الله عليه و سلم يقولون له اقسم علينا فيئنا حتى اضطروه الى سمرة فخطفت رداءه فقال ردوا علي ردائي أيها الناس فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عدد هذه العضاة نعما لقسمته فيكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا كما رواه البخاري عن جبير بن مطعم بنحوه وكأنهم خشوا أن يرد الى هوازن أموالهم كما رد اليهم نساءهم وأطفالهم فسألوه قسمة ذلك فقسمها عليه الصلاة و السلام بالجعرانة كما أمره الله عز و جل وآثر أناسا في القسمة وتألف أقواما من رؤساء القبائل وأمرائهم فعتب عليه أناس من الانصار حتى خطبهم وبين لهم وجه الحكمة فيما فعله تطييبا لقلوبهم وتنقد بعض من لا يعلم من الجهلة والخوارج كذي الخويصرة واشباهه قبحه الله كما سيأتي تفصيله وبيانه في الاحاديث الواردة في ذلك وبالله المستعان قال الامام احمد حدثنا عارم ثنا معتمر بن سليمان سمعت أبي يقول ثنا السميط السدوسي عن أنس بن مالك قال فتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة ثم صفت النساء من وراء ذلك ثم صفت الغنم ثم النعم قال ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد قال فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا قال فلم نلبث أن انكشف خيلنا وفرت الاعراب ومن نعلم من الناس قال فنادى رسول الله صلى الله عليه و سلم ياللمهاجرين يا للمهاجرين يا للأنصار قال أنس هذا حديث (4/355)
عمته قال قلنا لبيك يا رسول الله قال وتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله قال فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا الى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة ثم رجعنا الى مكة قال فنزلنا فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي الرجل المائة ويعطي الرجل المائتين قال فتحدث الانصار بينها أما من قاتله فيعطيه وأما من لم يقاتله فلا يعطيه فرفع الحديث الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أمر بسراة المهاجرين والأنصار أن يدخلوا عليه ثم قال لا يدخلن علي إلا أنصاري أو الانصار قال فدخلنا القبة حتى ملأناها قال نبي الله صلى الله عليه و سلم يا معشر الانصار أو كما قال ما حديث أتاني قالوا ما أتاك يا رسول الله قال ما حديث اتاني قالوا ما أتاك يا رسول الله قال الا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون برسول الله حتى تدخلوه بيوتكم قالوا رضينا يا رسول الله قال فرضوا أو كما قال وهكذا رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان وفيه من الغريب قوله أنهم كانوا يوم هوازن ستة آلاف وإنما في كانوا اثني عشر الفا وقوله إنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة وإنما حاصروها قريبا من شهر ودون العشرين ليلة فالله أعلم وقال البخاري ثنا عبد الله بن محمد ثنا هشام ثنا معمر عن الزهري حدثني أنس بن مالك قال قال ناس من الانصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق النبي صلى الله عليه و سلم يعطي رجالا المائة من الابل فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس بن مالك فحدث رسول الله صلى الله عليه و سلم بمقالتهم فأرسل الى الانصار فجمعهم في قبة أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما حديث بلغني عنكم قال فقهاء الانصار أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة اسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني لأعطي رجالا حديثي عهد بالكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله قد رضينا فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم فستجدون إثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فاني على الحوض قال أنس فلم يصبروا تفرد به البخاري من هذا الوجه ثم رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عوف عن هشام بن زيد عن جده أنس بن مالك قال لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي صلى الله عليه و سلم عشرة آلاف والطلقاء فأدبروا فقال يا معشر الانصار قالوا لبيك يا رسول الله وسعديك لبيك نحن بين يديك فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون فأعطى الطلقاء والمهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا فقالوا فدعاهم فأدخلهم في قبته فقال أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا بلى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو (4/356)
سلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار وفي رواية للبخاري من هذا الوجه قال لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم ومع رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرة آلاف والطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما التفت عن يمينه فقال يا معشر الانصار قالوا لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك ثم التفت عن يساره فقال يا معشر الأنصار فقالوا لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون وأصاب يومئذ مغانم كثيرة فقسم بين المهاجرين والطلقاء ولم يعط الانصار شيئا فقالت الانصار اذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال يا معشر الانصار ما حديث بلغني فسكتوا فقال يا معشر الانصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى بيوتكم قالوا بلى فقال لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار قال هشام قلت يأبا حمزة وأنت شاهد ذلك قال وأين أغيب عنه ثم رواه البخاري ومسلم أيضا من حديث شعبة عن قتادة عن أنس قال دجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الانصار فقال إن قريش حديثوا عهد بجاهلية ومصيبة وأني أردت أن أجبرهم وأتألفهم اما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله الى بيوتكم قالوا بلى قال لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت وادي الانصار أو شعب الانصار وأخرجاه أيضا من حديث شعبة عن أبي التياح يزيد بن حميد عن أنس بنحوه وفيه فقالوا والله إن هذا لهو العجب إن سيوفنا لتقطر من دمائهم والغنائم تقسم فيهم فخطبهم وذكر نحو ما تقدم وقال الامام احمد ثنا عفان ثنا حماد ثنا ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى ابا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في آخرين يوم حنين فقالت الانصار يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فجمعهم في قبة له حتى فاضت فقال فيكم أحد من غيركم قالوا لا الا ابن اختنا قال ابن اخت القوم منهم ثم قال اقلتم كذا وكذا قالوا نعم قال أنتم الشعار والناس الدثار أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه و سلم الى دياركم قالوا بلى قال الانصار كرشي وعيبتي لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعبهم ولولا الهجرة لكنت امرءا من الانصار وقال قال حماد أعطى مائة من الابل فسمى كل واحد من هؤلاء تفرد به احمد من هذا الوجه وهو على شرط مسلم وقال الامام احمد حدثنا ابن ابي عدي عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله بي ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بي الم آتكم اعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا بلى يا رسول الله قال افلا تقولون جئتنا خائفا فأمناك وطريدا (4/357)
فأويناك ومخذولا فنصرناك قالوا بل لله المن علينا ولرسوله وهذا إسناد ثلاثي على شرط الصحيحين فهذا الحديث كالمتواتر عن أنس بن مالك وقد روي عن غيره من الصحابة قال البخاري ثنا موسى ابن اسماعيل ثنا وهيب ثنا عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال لما افاء الله على رسوله صلى الله عليه و سلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا في أنفسهم إذ لم يصيبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله الى رحالكم لولا الهجرة لكنت امرءا من الانصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الانصار وشعبها الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ورواه مسلم من حديث عمرو بن يحيى المازني به وقال يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري قال لما أصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الغنائم يوم حنين وقسم للمتألفين من قريش وسائر العرب ما قسم ولم يكن في الانصار منها شيء قليل ولا كثير وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى قال قائلهم لقي والله رسول الله قومه فمشى سعد بن عبادة الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الانصار قد وجدؤا عليك في أنفسهم فقال فيم قال فيما كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب ولم يكن فيهم من ذلك شيء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فأين أنت من ذلك يا سعد قال ما أنا الا امرؤ من قومي قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة فاذا اجتمعوا فاعلمني فخرج سعد فصرخ فيهم فجمعهم في تلك الحظيرة فجاء رجل من المهاجرين فأذن له فدخلوا وجاء آخرون فردهم حتى إذا لم يبق من الانصار أحد إلا اجتمع له أتاه فقال يا رسول الله قد اجتمع لك هذا الحي من الانصار حيث أمرتني أن أجمعهم فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال يا معشر الأنصار الم آتكم ضلالا فهداكم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا بلى ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تجيبون يا معشر الانصار قالوا وما نقول يا رسول الله وبماذا نجيبك المن لله ولرسوله قال والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم جئتنا طريدا فأويناك وعائلا فآسيناك وخائفا فأمناك ومخذولا فنصرناك فقالوا المن لله ولرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أوجدتم في نفوسكم يا معشر الانصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما أسلموا ووكلتكم الى ما قسم الله لكم من الاسلام أفلا ترضون يا معشر الانصار أن يذهب الناس الى رحالهم بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله الى رحالكم فوالذي (4/358)
نفسي بيده لو ان الناس سلكوا شعبا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ولولا الهجرة لكنت امرءا من الانصار اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء أبناء الانصار قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا بالله ربا ورسوله قسما ثم انصرف وتفرقوا وهكذا رواه الامام احمد من حديث ابن اسحاق ولم يروه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه وهو صحيح وقد رواه الامام احمد عن يحيى بن بكير عن الفضل بن مرزوق عن عطية بن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري قال رجل من الانصار لأصحابه أما والله لقد كنت أحدثكم انه لو استقامت الامور قد آثر عليكم قال فردوا عليه ردا عنيفا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءهم فقال لهم أشياء لا أحفظها قالوا بلى يا رسول الله قال وكنتم لا تركبون الخيل وكلما قال لهم شيئا قالوا بلى يا رسول الله ثم ذكر بقية الخطبة كما تقدم تفرد به أحمد أيضا وهكذا رواه الامام احمد منفردا به من حديث الاعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد بنحوه ورواه احمد أيضا عن موسى بن عقبة عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مختصرا وقال سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين مائة من الابل وأعطى أبا سفيان بن حرب مائة وأعطى صفوان ابن أمية مائة وأعطى عيينة بن حصن مائة وأعطى الأقرع بن حابس مائة وأعطى علقمة بن علاثة مائة وأعطى مالك بن عوف مائة وأعطى العباس بن مرداس دون المائة ولم يبلغ به أولئك فانشأ يقول ... أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع ... فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع ... وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع ... وقد كنت في الحرب ذا تدري ... فلم أعط شيئا ولم أمنع ...
قال فأتم له رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة رواه مسلم من حديث ابن عيينة بنحوه وهذا لفظ البيهقي وفي رواية ذكرها موسى بن عقبة وعروة بن الزبير وابن اسحاق فقال ... كانت نهابا تلافيتها ... بكري على المهر في الأجرع ... إيقاظي الحي أن يرقدوا ... إذا هجع الناس لم أهجع ... فأصبح نهبي ونهب العبد بين عيينة والاقرع ... وقد كنت في الحرب ذا تدرىء ... فلم أعط شيئا ولم أمنع ... إلا افايل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع (4/359)
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع ... وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع ...
قال عروة وموسى بن عقبة عن الزهري فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له أنت القائل أصبح نهبي ونهب العبيد بين الاقرع وعيينة فقال أبو بكر ما هكذا قال يا رسول الله ولكن والله ما كنت بشاعر وما ينبغي لك فقال كيف قال فأنشده أبو بكر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هما سواء ما يضرك بأيهما بدأت ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اقطعوا عني لسانه فخشي بعض الناس أن يكون اراد المثلة به وإنما أراد النبي صلى الله عليه و سلم العطية قال وعبيد فرسه وقال البخاري حدثنا محمد ابن العلاء ثنا اسامة عن يزيد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم اعرابي فقال الا تنجز لي ما وعدتني فقال له ابشر فقال قد أكثرت على من أبشر فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال رد البشرى فاقبلا أنتما ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه وفيه ومج فيه ثم قال اشربا منه وافرغا على وجوهكما ونحوركما وابشرا فأخذا القدح ففعلا فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما فأفضلا لها منه طائفة هكذا رواه وقال البخاري حدثنا يحيى بن بكير ثنا مالك عن اسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت الى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه و سلم قد اثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته قال مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت اليه فضحك ثم أمر له بعطاء وقد ذكر ابن اسحاق الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ مائة من الابل وهم أبو سفيان صخر بن حرب وابنه معاوية وحكيم بن حزام والحارث بن كلدة أخو بني عبد الدار وعلقمة بن علاثة والعلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة والحارث بن هشام وجبير بن مطعم ومالك بن عوف النصري وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وعيينة ابن حصن وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي أن قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم من اصحابه يا رسول الله أعطيت عيينة والاقرع مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما والذي نفس محمد بيده لجعيل خير من طلاع الارض كلها مثل عيينة والأقرع ولكن تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى اسلامه ثم ذكر ابن اسحاق من أعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم دون المائة ممن يطول أذكره وفي الحديث الصحيح عن صفوان بن أمية أنه قال ما زال رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطيني من غنائم حنين وهو أبغض الخلق إلي حتى ما خلق الله شيئا أحب الي منه (4/360)
قدوم مالك بن عوف النصري على الرسول
قال ابن اسحاق وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لوفد هوازن وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل فقالوا هو بالطائف مع ثقيف فقال اخبروه إنه إن اتاني مسلما رددت اليه أهله وماله وأعطيته مائة من الابل فلما بلغ ذلك مالكا انسل من ثقيف حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بالجعرانة أو بمكة فأسلم وحسن إسلامه فرد عليه أهله وماله ولما أعطاه مائة فقال مالك بن عوف رضي الله عنه ... ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم بمثل محمد ... اوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى ... ومتى تشأ يخبرك عما في غد ... وإذا الكتيبة عردت أنيابها ... بالسمهري وضرب كل مهند ... فكأنه ليث على اشباله ... وسط الهباءة خادر في مرصد ...
قال واستعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم على من أسلم من قومه وتلك القبائل ثمالة وسلمة وفهم فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرج إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم وقال البخاري ثنا موسى بن اسماعيل ثنا جرير بن حازم ثنا الحسن حدثني عمرو بن تغلب قال أعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال إني أعطي قوما أخاف هلعهم وجزعهم وأكل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب قال عمرو فما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه و سلم حمر النعم زاد أبو عاصم عن جرير سمعت الحسن ثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى بمال أو سبي فقسمه بهذا وفي رواية للبخاري قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمال أو بشيء فاعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا فخطبهم فحمد الله واثنى عليه ثم قال أما بعد فذكر مثله سواء تفرد به البخاري وقد ذكر ابن هشام أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال فيما كان من أمر الانصار وتأخرهم عن الغنيمة ... [ ذر الهموم فماء العين منحدر ... سحا إذا حفلته عبرة درر ] ... وجدا بشماء إذ شماء بهكنة ... هيفاء لا ذنن فيها ولا خور ... دع عنك شماء إذ كانت مودتها ... نزرا وشر وصال الواصل النزر ... وائت الرسول وقل يا خير مؤتمن ... للمؤمنين إذ ما عدد البشر ... علام تدعي سليم وهي نازحة ... قدام قوم هموا آووا وهم نصروا ... سماهم الله انصارا بنصرهم ... دين الهدى وعوان الحرب تستعر ... وسارعوا في سبيل الله واعترضوا ... للنائبات وما خانوا وما ضجروا (4/361)
والناس إلب علينا فيك ليس لنا ... إلا السيوف وأطراف القناوزر ... بجالد الناس لا نبقي على أحد ... ولا نضيع ما توحي به السور ... ولا تهر جناة الحرب نادينا ... ونحن حين تلظى نارها سعر ... كما رددنا ببدر دون ما طلبوا ... أهل النفاق وفينا ينزل الظفر ... ونحن جندك يوم النعف من أحد ... إذ حزبت بطرا أحزابها مضر ... فما ونينا وما خمنا وما خبروا ... منا عثارا وكل الناس قد عثروا ... اعتراض بعض أهل الشقاق على الرسول
قال البخاري ثنا قبيصة ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال لما قسم النبي قسمة حنين قال رجل من الأنصار ما أراد بها وجه الله قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته فتغير وجهه ثم قال رحمة الله على موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ورواه مسلم من حديث الأعمش به ثم قال البخاري ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه و سلم ناسا أعطى الأقرع بن حابس مائة من الابل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى ناسا فقال رجل ما أريد بهذه القسمة وجه الله فقلت لأخبرن النبي صلى الله عليه و سلم [ فأخبرته ] فقال رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر وهكذا رواه من حديث منصور عن المعتمر به وفي رواية للبخاري فقال رجل والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه و سلم وسلم فأتيته فأخبرته فقال من يعدل اذا لم يعدل اله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر وقال محمد بن اسحاق وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال خرجت انا وتليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو ابن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعلد بيده فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين كلمه التميمي يوم حنين قال نعم جاء رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف عليه وهو يعطي الناس فقال له يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت قال فغضب النبي صلى الله عليه و سلم فقال ويحك اذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون فقال عمر بن الخطاب ألا نقتله فقال دعوه فانه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم وقال الليث بن سعد عن يحيى (4/362)
ابن سعيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال أتى رجل بالجعرانة النبي صلى الله عليه و سلم منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه و سلم يقبض منها ويعطي الناس فقال يا محمد اعدل قال ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إذا لم أكن أعدل فقال عمر بن الخطاب دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يتجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية ورواه مسلم عن محمد بن رمح عن الليث وقال احمد ثنا أبو عامر ثنا قرة عن عمرو بن دينار عن جابر قال بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم مغانم حنين أذ قام اليه رجل فقال اعدل فقال لقد شقيت اذ لم أعدل ورواه البخاري عن مسلم بن ابراهيم عن قرة بن خالد السدوسي به وفي الصحيحين من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ويلك ومن يعدل إن لم أعدل لقد خبت وخسرت إذا لم أعدل فمن يعدل فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله أيذن لي فيه فاضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعه فان له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الاسلام كمايمرق السهم من الرمية ينظر الى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم الى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر الى نصبه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر الى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى غضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم واشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه وأمر بذلك الرجل فالتمس فاتى به حين نظرت اليه على نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي نعت ورواه مسلم أيضا من حديث القاسم بن الفضل عن أبي نضرة عن أبي سعيد به نحوه مجيء اخت رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة عليه بالجعرانة
قال ابن اسحاق وحدثني بعض بني سعد بن بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم هوازن إن قدرتم على نجاد رجل من بني سعد بن بكر فلا يفلتنكم وكان قد أحدث حدثا فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة قال فعنفوا عليها في السوق فقالت للمسلمين تعلمون والله إني لأخت صاحبكم من الرضاعة فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق فحدثني يزيد بن عبيد السعدي هو أبو وجزة قال فلما انتهى بها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت يا رسول الله إني أختك من الرضاعة قال وما علامة ذلك قالت عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك قال فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/363)
العلامة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه وخيرها وقال إن أحببت فعندي محببة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك وترجعي الى قومك فعلت قالت بل تمتعني وتردني الى قومي فمتعها رسول الله صلى الله عليه و سلم وردها الى قومها فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية فزوجت أحدهما الآخر فلم يزل فيهم من نسلهما بقية وروى البيهقي من حديث الحكم بن عبد الملك عن قتادة قال لما كان يوم فتح هوازن جاءت جارية الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله أنا أختك أنا شيماء بنت الحارث فقال لها إن تكوني صادقة فان بك مني اثر لا يبلى قال فكشفت عن عضدها فقالت نعم يا رسول الله وأنت صغير وعضضتني هذه العضة قال فبسط لها رسول الله صلى الله عليه و سلم رداءه ثم قال سلى تعطي واشفعي تشفعي وقال البيهقي انبأ أبو نصر بن قتادة انبأ عمرو بن اسماعيل ابن عبد السلمي ثنا مسلم ثنا أبو عاصم ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان أخبرني عمي عمارة بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال كنت غلاما أحمل عضو البعير ورأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم نعما بالجعرانة قال فجاءته امرأة فبسط لها رداءه فقلت من هذه قالوا أمه التي أرضعته هذا حديث غريب ولعله يريد أخته وقد كانت تحضنه مع أمها حليمة السعدية وإن كان محفوظا فقد عمرت حليمة دهرا فان من وقت أرضعت رسول الله صلى الله عليه و سلم الى وقت الجعرانة أزيد من ستين سنة وأقل ما كان عمرها حين أرضعته صلى الله عليه و سلم ثلاثين سنة ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك وقد ورد حديث مرسل فيه أن أبويه من الرضاعة قدما عليه والله أعلم بصحته قال أبو داود في المراسيل ثنا أحمد بن سعيد الهمداني ثنا ابن وهب ثنا عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان جالسا يوما فجاءه أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ثم جاءه أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجلسه بين يديه وقد تقدم أن هوازن بكمالها متوالية برضاعته من بني سعد بن بكر وهم شرذمة من هوازن فقال خطيبهم زهير بن صرد يا رسول الله إنما في الحظائر أمهاتك وخالاتك وحواضنك فامنن علينا من الله عليك وقال فيما قال ... أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملؤه من محضها درر ... أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... وإذ يزينك ما تأتي وما تذر ...
فكان هذا سبب إعتاقهم عن بكرة أبيهم فعادت فواضله عليه السلام عليهم قديما وحديثا خصوصا وعموما وقد ذكر الواقدي عن ابراهيم بن محمد بن شرحبيل عن أبيه قال كان النضير بن الحارث ابن كلدة من أجمل الناس فكان يقول الحمد لله الذي من علينا بالاسلام ومن علينا بمحمد صلى الله عليه و سلم ولم نمت على ما مات عليه الآباء وقتل عليه الاخوة وبنو العم ثم ذكر عداوته للنبي صلى الله عليه و سلم وأنه (4/364)
خرج مع قومه من قريش الى حنين وهم على دينهم بعد قال ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه فلم يمكنا ذلك فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه إن شعرت إلا برسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أنضير قلت لبيك قال هل لك الى خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه قال فأقبلت اليه سريعا فقال قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع قلت قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا وإني اشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم زده ثباتا قال النضير فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجر ثباتا في الدين وتبصره بالحق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الحمد لله الذي هداه
عمرة الجعرانة في ذي القعدة
قال الامام احمد ثنا بهز وعبد الصمد المعنى قالا ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة قال سألت أنس بن مالك قلت كم حج رسول الله صلى الله عليه و سلم قال حجة واحدة واعتمر أربع مرات عمرته زمن الحديبية وعمرته في ذي القعدة من المدينة وعمرته من الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنيمة حنين وعمرته مع حجته ورواه البخاري ومسلم وابو داود والترمذي من طرق عن همام بن يحيى به وقال الترمذي حسن صحيح وقال الامام احمد ثنا أبو النضر ثنا داود يعني العطاء عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع عمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة والرابعة التي مع حجته ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث داود ابن عبد الرحمن العطاء المكي عن عمرو بن دينار به وحسنه والترمذي وقال الامام احمد ثنا يحيى ابن زكريا بن أبي زائدة ثنا حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر كل ذلك في ذي القعدة يلبي حتى يستل الحجر غريب من هذا الوجه وهذه الثلاث عمر اللاتي وقعن في ذي القعدة ما عدا عمرته مع حجته فانها وقعت في ذي الحجة مع الحجة وان أراد ابتداء الاحرام بهن في ذي القعدة فلعله لم يرد عمرة الحديبية لانه صد عنها ولم يفعلها والله أعلم
قلت وقد كان نافع ومولاه ابن عمر ينكران أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر من الجعرانة بالكلية وذلك فيما قال البخاري ثنا أبو النعمان ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية فأمره أن يفي به قال وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة قال فمن رسول الله صلى الله عليه و سلم على سبي حنين فجعلوا يسعون في السكك فقال عمر يا عبد الله انظر ما هذا قال من رسول الله صلى الله عليه و سلم على السبي قال اذهب فارسل الجاريتين قال نافع ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف على (4/365)
عبد الله وقد رواه مسلم من حديث أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر به ورواه مسلم أيضا عن أحمد بن عبدة الصبي عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة فقال لم يعتمر منها وهذا غريب جدا عن ابن عمرو عن مولاه نافع في إنكارهما عمرة الجعرانة وقد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وذكر ذلك أصحاب المغازي والسنن كلهم وهذا أيضا كما ثبت في الصحيحين من حديث عطاء بن أبي رباح عن عروة عن عائشة أنها أنكرت على ابن عمر قوله إن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر في رجب وقالت يغفر الله لابي عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الا وهو شاهد وما اعتمر في رجب قط وقال الامام احمد ثنا نمير ثنا الاعمش عن مجاهد قال سال عروة بن الزبير ابن عمر في أي شهر اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في رجب فسمعتنا عائشة فسألها ابن الزبير وأخبرها بقول ابن عمر فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وقد شهدها وما اعتمر قط الا في ذي القعدة واخرجه البخاري ومسلم من حديث جرير عن منصور عن مجاهد به نحوه ورواه أبو داود والنسائي أيضا من حديث زهير عن أبي اسحاق عن مجاهد سئل ابن عمر كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مرتين فقالت عائشة لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع قال الامام احمد ثنا يحيى بن آدم ثنا مفضل عن منضور عن مجاهد قال دخلت مع عروة بن الزبير المسجد فاذا ابن عمر مستند إلى حجرة عائشة وأناس يصلون الضحى فقال عروة أبا عبد الرحمن ما هذه الصلاة قال بدعة فقال له عروة ابا عبد الرحمن كم اعتمر رسول الله فقال أربعا إحداهن في رجب قال وسمعنا استنان عائشة في الحجرة فقال لها عروة إن أبا عبد الرحمن يزعم أن رسول الله اعتمر أربعا إحداهن في رجب فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر النبي صلى الله عليه و سلم الا وهو معه وما اعتمر في رجب قط وهكذا رواه الترمذي عن احمد بن منيع عن الحسن بن موسى عن شيبان عن منصور وقال حسن صحيح غريب وقال الامام احمد ثنا روح ثنا ابن جريج أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله عن مخرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج من الجعرانة ليلا حين أمسى معتمرا فدخل مكة ليلا يقضي عمرته ثم خرج من تحت ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت حتى اذا زالت الشمس خرج من الجعرانة في بطن سرف حتى جاء مع الطريق طريق المدينة بسرة قال مخرش فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس ورواه الامام احمد عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج كذلك وهو من افراده والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل والصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من اثبتها والله أعلم ثم هم كالمجمعين على أنها كانت في ذي القعدة بعد غزوة الطائف وقسم غنائم حنين وما رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه (4/366)
الكبير قائلا حدثنا الحسن بن اسحاق التستري ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن الحسن الاسدي ثنا ابراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عمير مولى عبد الله بن عباس عن ابن عباس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من الطائف نزل بالجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال فإنه غريب جدا وفي إسناده نظر والله أعلم وقال البخاري ثنا يعقوب بن ابراهيم ثنا اسماعيل ثنا ابن جريج أخبرني عطاء أبن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى كان يقول ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين ينزل عليه قال فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالجعرانة وعليه ثوب قد أظل به معه فيه ناس من أصحابه إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ بطيب قال فأشار عمر بن الخطاب الى يعلى بيده أن تعال فجاء يعلى فادخل رأسه فاذا النبي صلى الله عليه و سلم محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سرى عنه فقال أين الذي يسألني عن العمرة آنفا فالتمس الرجل فأتى به قال أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك ورواه مسلم من حديث ابن جريج وأخرجاه من وجه آخر عن عطاء كلاهما عن صفوان بن يعلى بن أمية به وقال الامام احمد ثنا أبو اسامة أنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح من كداء من أعلى مكة ودخل في العمرة من كدى وقال أبو داود ثنا موسى أبو سلمة ثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ثلاثا ومشوا أربعا وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى تفرد به أبو داود ورواه أيضا وابن ماجه من حديث ابن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس مختصرا وقال الامام احمد ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج حدثني الحسن بن مسلم عن طاوس أن ابن عباس أخبره أن معاوية أخبره قال قصرت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمشقص أو قال رأيته يقصر عنه بمشقص عند المروة وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن جريج به ورواه مسلم أيضا من حديث سفيان بنيينة عن هشام ابن حجير عن طاوس عن ابن عباس عن معاوية به ورواه أبو داود والنسائي أيضا من حديث عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه به وقال عبد الله بن الامام أحمد حدثني عمرو بن محمد الناقد ثنا ابو أحمد الزبيري ثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن ابيه عن ابن عباس عن معاوية قال قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم عند المروة والمقصود أن هذا إنما يتوجه أن يكون في عمرة الجعرانة وذلك أن عمرة الحديبية لم يدخل إلى مكة فيها بل صد عنها كما تقدم بيانه وأما عمرة القضاء فلم يكن أبو سفيان أسلم ولم يبق بمكة من أهلها أحد حين دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بل خرجوا منها وتغيبوا عنها مدة مقامه عليه السلام بها تلك الثلاثة الأيام وعمرته التي كانت مع حجته لم يتحلل منها بالاتفاق فتعين أن هذا التقصير الذي تعاطاه معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما من رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/367)
عند المروة إنما كان في عمرة الجعرانة كما قلنا والله تعالى أعلم وقال محمد بن اسحاق رحمه الله ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة معتمرا وأمر ببقاء الفيء فحبس بمجنة بناحية مر الظهران
قلت الظاهر أنه عليه السلام انما استبقى بعض المغنم ليتألف به من يلقاه من الأعراب فيما بين مكة والمدينة قال ابن اسحاق فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من عمرته انصرف راجعا الى المدينة واستخلف عتاب بن أسيد على مكة وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن وذكر عروة وموسى بن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خلف معاذا مع عتاب بمكة قبل خروجه الى هوازن ثم خلفهما بها حين رجع الى المدينة وقال ابن هشام وبلغني عن زيد بن اسلم أنه قال لما استعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهما فقام فخطب الناس فقال أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه و سلم درهما كل يوم فليست لي حاجة الى أحد قال ابن اسحاق وكانت عمرة رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذي القعدة وقدم المدينة في بقية ذي القعدة أو في أول ذي الحجة قال ابن هشام قدمها لست بقين من ذي القعدة فيما قال أبو عمرو المديني قال ابن اسحاق وحج الناس ذلك العام على ما كانت العرب تحج عليه وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد وهي سنة ثمان قال وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم ما بين ذي القعدة إلى رمضان من سنة تسع
إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى وذكر قصيدته بانت سعاد
قال ابن اسحاق ولما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من منصرفه عن الطائف كتب بجبير بن زهير بن أبي سلمى الى أخيه لابويه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب هربوا في كل وجه فان كانت لك في نفسك حاجة فطر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فانه لا يقتل أحدا جاءه تائبا وإن أنت لم تفعل فانج الى نجائك من الارض وكان كعب قد قال ... ألا بلغا عني بجيرا رسالة ... فويحك فيما قلت ويحك هل لكا ... فبين لنا إن كنت لست بفاعل ... على أي شيء غير ذلك دلكا ... على خلق لم ألف يوما ابا له ... عليه وما تلقى عليه أبا لكا ... فان أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل إما عثرت لعالكا (4/368)
سقاك بها المأمون كأسا روية ... فأنهلك المأمون منها وعلكا ...
قال ابن هشام وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر ... من مبلع عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا ... شربت مع المأمون كأسا روية ... فأنهلك فأنهلك المأمون منها وعلكا ... وخالفت اسباب الهدى واتبعته ... على أي شيء ويب غيرك دلكا ... على خلق لم تلف أما ولا أبا ... عليه ولم تدرك عليه أخا لكا ... فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل إما عثرت لعا لكا ...
قال ابن اسحاق وبعث بها الى بجير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما سمع سقاك بها المأمون صدق وإنه لكذوب أنا المأمون ولما سمع على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه قال أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه قال ثم كتب بجير إلى كعب يقول له ... من مبلغ كعبا فهل لك في التي ... تلوم عليها باطلا وهي أحزم ... إلى الله لا العزى ولا اللات وحده ... فتنجو إذا كان النجاء وتسلم ... لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت ... من الناس إلا طاهر القلب مسلم ... فدين زهير وهو لا شيء دينه ... ودين أبي سلمى علي محرم ...
قال فلما بلغ كعب الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه وقالوا هو مقتول فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة كما ذكر لي فغدا به الى رسول الله صلى الله عليه و سلم في صلاة الصبح فصلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم اشار له الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هذا رسول الله فقم اليه فاستأمنه فذكر لي أنه قام الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس اليه ووضع يده في يده وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يعرفه فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن جئتك به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم فقال إذا أنا يا رسول الله كعب بن زهير قال ابن اسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه وثب عليه رجل من الانصار فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعه عنك فانه جاء تائبا نازعا قال فغضب كعب بن زهير على هذا الحي من الانصار لما صنع به صاحبهم وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/369)
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم عندها لم يفد مكبول ... وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول ... هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... لا يشتكي قصر منها ولا طول ... تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول ... شجت بذي شيم من ماء مجنبة ... صاف بأبطح اضحى وهو مشمول ... تنفي الرياح الفدى عنه وأمرعه ... من صوب غادية بيض يعاليل ... فيالها خلة لو أنها صدقت ... بوعدها أو لو آن النصح مقبول ... لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع وإحلاف وتبديل ... فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول ... وما تمسك بالعهد الذي زعمت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيل ... فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... إن الأماني الأحلام تضليل ... كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل ... أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما لهن إخان الدهر تعجيل ... أمست سعاد عرضتها بارض لا تبلغها ... الا العتاق النجيبات المراسيل ... ولن يبلغها إلا عذافرة ... فيها على الأبن إرقال وتبغيل ... من كل نضاحة الذفري اذا عرقت ... عرضتها طامس الاعلام مجهول ... ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق ... اذا توقدت الحزان والميل ... ضخم مقلدها فعم مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل ... حرف أخوها ابوها من مهجنة ... وعمها خالها قوداء شمليل ... يمشى القراد عليها ثم يزلقه ... منها لبان وأقراب زهاليل ... عيرانة قذفت بالنحص عن عرض ... مرفقها عن بنات الزور مفتول ... قنواء في حربتيها للبصير بها ... عتق مبين وفي الخدين تسهيل ... كأنما فات عينيها ومذبحها ... من خطمها ومن اللحيين برطيل ... تمر مثل عسيب النخل ذا خصل ... في غادر لم تخونه الأحاليل ... تهوي على يسرات وهي لاهية ... ذوابل وقعهن الارض تحليل ... يوما تظل به الحرباء مصطخدا ... كأن ضاحية بالشمس محلول (4/370)
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا ... أوب بذي فاقد سمطا معوله ... قامت فجاء بها نكر مثاكيل ... نواحة رخوة الضبعين ليس لها ... لما نعى بكرها الناعون معقول ... تفري اللبان بكفيها ومدرعها ... مشقق عن ثراقيها رعابيل ... تسعى الغواة جنابيها وقولهم ... إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول ... وقال كل صديق كنت آمله ... لا ألهينك إني عنك مشغول ... فقلت خلوا سبيلي لا أبالكم ... فكل ما قدر الرحمن مفعول ... كل ابن انثى وإن طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول ... نبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول ... مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيه مواعيظ وتفصيل ... لا تأخذني باقوال الوشاة ولم ... اذنب ولو كثرت في الاقاويل ... لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... أرى واسمع ما قد يسمع الفيل ... لظل يرعد من وجد موارده ... من الرسول بإذن الله تنزيل ... حتى وضعت يميني ما أنازعها ... في كف ذي نقمات قوله القيل ... فلهو أخو عندي إذ أكلمه ... وقيل إنك منسوب ومسئول ... من ضيغم بضراء الأرض مخدرة ... في بطن عثر غيل ذرنه غيل ... يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من الناس معفور خراديل ... إذا يساور قرنا لا يحل له ... أن يترك القرن الا وهو مغلول ... منه تظل حمير الوحش نافرة ... ولا تمشي بواديه الأراجيل ... ولا يزال بواديه أخو ثقة ... مضرج البر والدرسان مأكول ... إن الرسول لنور يشتطاء به ... مهند من سيوف الله مسلول ... في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن نمكة لما اسلموا زولوا ... زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل معازيل ... يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إذا عرد السود التنابيل ... شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل ... بيض سوابغ قد شكت لها حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول ... ليسوا معاريج إن نالت رماحهم ... قوما وليسوا مجازيعا اذا نيلوا (4/371)
لا يقع الطعن الا في نحورهم ... ولا لهم عن حياض الموت تهليل ...
قال ابن هشام هكذا اورد محمد بن اسحاق هذه القصيدة ولم يذكر لها إسنادا وقد رواها الحافظ البيهقي في دلائل النبوة باسناد متصل فقال انا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن ابن أحمد الاسدي بهذان ثنا ابراهيم بن الحسين ثنا ابراهيم بن المنذر الحزامي ثنا الحجاج بن ذي الرقيبة ابن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى عن أبيه عن جده قال خرج كعب وبجير ابنا زهير حتى أتيا أبرق العزاف فقال بجير لكعب اثبت في هذا المكان حتى آتي هذا الرجل يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم فاسمع ما يقول فثبت كعب وخرج بجير فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فعرض عليه الاسلام فاسلم فبلغ ذلك كعبا فقال ... ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ... على أي شيء ويب غيرك دلكا ... على خلق لم تلف أما ولا ابا ... عليه ولم تدرك عليه أخا لكا ... سقاك أبو بكر بكأس روية ... وأنهلك المأمون منها وعلكا ...
فلما بلغت الأبيات رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدر دمه وقال من لقي كعبا فليقتله فكتب بذلك بجيرا الى أخيه وذكر له أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أهدر دمه ويقول له النجاء وما أراك تنفلت ثم كتب اليه بعد ذلك إعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا اله الا الله وان محمد رسول الله الا قبل ذلك منه وأسقط ما كان قبل ذلك فاذا جاءك كتابي هذا فاسلم وأقبل قال فاسلم كعب وقال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه و سلم مع أصحابه كالمائدة بين القوم متحلقون معه حلقة خلف حلقة يلتفت إلى هؤلاء مرة فيحدثهم وإلى هؤلاء مرة فيحدثهم قال كعب فأنخت راحلتي بباب المسجد فعرفت رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصفة حتى جلست اليه فاسلمت وقلت اشهد ان لا اله الا الله وأنك محمد رسول الله الأمان يا رسول الله قال ومن أنت قال كعب بن زهير قال الذي يقول ثم التفت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كيف قال يا ابا بكر فانشده أبو بكر ... سقاك بها المأمون كأسا روية ... وأنهلك المأمون منها وعلكا ...
قال يا رسول الله ما قلت هكذا قال فكيف قلت قال قلت
... سقاك بها المأمون كاسا روية ... وأنهلك المأمون منها وعلكا ...
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مأمون والله ثم أنشده القصيدة كلها حتى أتى على آخرها وهي هذه القصيدة ... بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم عندها لم يغد مكبول ...
وقد تقدم ما ذكرناه من الرمز لما اختلف فيه إنشاد ابن اسحاق والبيهقي رحمهما الله عز و جل (4/372)
وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب أن كعبا لما انتهى إلى قوله ... إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول ... نبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول ...
قال فاشار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى من معه أن اسمعوا وقد ذكر ذلك قبله موسى بن عقبة في مغازيه ولله الحمد والمنة
قلت ورد في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاه بردته حين أنشده القصيدة وقد نظر ذلك الصرصري في بعض مدائحه وهكذا ذكر ذلك الحافظ أبو الحسن بن الاثير في الغابة قال وهي البردة التي عند الخلفاء
قلت وهذا من الامور المشهورة جدا ولكن لم ار ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة باسناد أرتضيه فالله أعلم وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له لما قال بانت سعاد ومن سعاد قال زوجتي يا رسول الله قال لم تبن ولكن لم يصح ذلك وكأنه على ذلك توهم أن بإسلامه تبين امرأته والظاهر أنه إنما أراد البينونة الحسية لا الحكمية والله تعالى أعلم قال ابن اسحاق وقال عاصم بن عمر بن قتادة فلما قال كعب يعني في قصيدته اذا عرد السود التنابيل وانما يريد معشر الانصار لما كان صاحبنا صنع به وخص المهاجرين من قريش بمدحته غضبت عليه الانصار فقال بعد أن أعلم يمدح الانصار ويذكر بلاءهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم وموضعهم من اليمن ... من سره كرم الحياة فلا يزل ... في مقنب من صالحي الانصار ... ورثوا المكارم كابرا عن كابر ... إن الخيار هموا بنوا الاخيار ... المكرهين السمهري بأذرع ... كسوالف الهندي غير قصار ... والناظرين بأعين محمرة ... كالجمر غير كليلة الأبصار ... والبائعين نفوسهم لنبيهم ... للموت يوم تعانق وكرار ... [ والقائدين الناس عن أديانهم ... بالمشرفي وبالقنال الخطار ] ... يتطهرون يرونه نسكا لهم ... بدماء من علقوا من الكفار ... دربوا كما دربت بطون خيفة ... غلب الرقاب من الأسود ضواري ... واذا حللت اينعوك اليهم ... أصبحت عند معاقل الاغفار ... ضربوا عليا يوم بدر ضربة ... دانت لوقعتها جميع نزار ... لو يعلم الاقوام علمي كله ... فيهم لصدقني الذين أماري ... قوم إذا خوت النجوم فإنهم ... للطارقين النازلين مقاري (4/373)
قال ابن هشام ويقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له حين أنشده بانت سعاد لولا ذكرت الانصار بخير فانهم لذلك أهل فقال كعب هذه الابيات وهي في قصيدة له قال وبلغني عن علي بن زيد بن جدعان أن كعب بن زهير أنشد رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وقد رواه الحاقظ البيهقي باسناده المتقدم إلى ابراهيم بن المنذر الحزامي حدثني معن بن عيسى حدثني محمد بن عبد الرحمن الافطس عن ابن جدعان فذكره وهو مرسل وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب بعد ما أورد طرفا من ترجمة كعب بن زهير إلى أن قال وقد كان كعب بن زهير شاعرا مجودا كثير الشعر مقدما في طبقته هو وأخو بجير وكعب أشعرهما وأبوهما زهير فوقهما ومما يستجاد من شعر كعب بن زهير قوله ... لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر ... يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... فالنفس واحدة والهم منتشر ... والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر ...
ثم أورد له ابن عبد البر أشعارا كثيرة يطول ذكرها ولم يؤرخ وفاته وكذا لم يؤرخها أبو الحسن بن الاثير في كتاب الغابة في معرفة الصحابة ولكن حكى أن أباه توفي قبل المبعث بسنة فالله أعلم وقال السهيلي ومما أجاد فيه كعب بن زهير قوله يمدح رسول الله صلى الله عليه و سلم ... تجري به الناقة الأدماء معتجرا ... بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم ... ففي عطافيه أو أثناء بردته ... ما يعلم الله من دين ومن كرم ... الحوادث المشهورة في سنة ثمان والوفيات
فكان في جمادى منها وقعة مؤتة وفي رمضان غزوة فتح مكة وبعدها في شوال غزوة هوازن بحنين وبعده كان حصار الطائف ثم كانت عمرة الجعرانة في ذي القعدة ثم عاد إلى المدينة في بقية السنة قال الواقدي رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة لليالي بقين من ذي الحجة في سفرته هذه قال الواقدي وفي هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن العاص الى جيفر وعمرو ابني الجلندي من الأزد وأخذت الجزية من مجوس بلدهما ومن حولها من الأعراب قال وفيها تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي في ذي القعدة فاستعاذت منه عليه السلام ففارقها وقيل بل خيرها فاختارت الدنيا ففارقها قال وفي ذي الحجة منها ولد ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم من مارية القبطية فاشتدت غيره أمهات المؤمنين منها حين رزقت ولدا ذكرا وكانت قابلتها فيه سلمى (4/374)
مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت الى أبي رافع فاخبرته فذهب فبشر به رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعطاه مملوكا ودفعه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أم برة بنت المنذر بن اسيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول وكانت فيها وفاة من ذكرنا من الشهداء في هذه الوقائع وقد قدمنا هدم خالد بن الوليد البيت الذي كانت العزى تعبد فيه بنخلة بين مكة والطائف وذلك لخمس بقين من رمضان منها قال الواقدي وفيها كان هدم سواع الذي كانت تعبده هذيل برهاط هدمه عمرو بن العاص رضي الله عنه ولم يجد في خزانته شيئا وفيها هدم مناة بالمشلل وكانت الانصار أوسها وخزرجها يعظمونه هدمه سعد بن زيد الاشهلي رضي الله عنه وقد ذكرنا من هذا فصلا مفيدا مبسوطا في تفسير سورة النجم عند قوله تعالى أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى
قلت وقد ذكر البخاري بعد فتح مكة قصة تخريب خثعم البيت الذي كانت تعبوه ويسمونه الكعبةاليمانية مضاهية للكعبة التي بمكة ويسمون التي بمكة الكعبة الشامية ولتلك الكعبة اليمانية فقال البخاري ثنا يوسف بن موسى ثنا أبو اسامة عن اسماعيل بن ابي خالد عن قيس عن جرير قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تريحني من ذي الخلصة فقلت بلى فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا اصحاب خيل وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فضرب يده في صدري حتى رأيت اثر يده في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قال فما وقعت عن فرس بعد قال وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد يقال له الكعبة اليمانية قال فأتاها فحرقها في النار وكسرنها قال فلما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالازلام فقيل له إن رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم ها هنا فان قدر عليك ضرب عنقك قال فبينما هو يضرب بها اذ وقف عليه جرير فقال لتكسرنها وتشهد أن لا اله الا الله أو لأضربن عنقك فكسرها وشهد ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أرطأة الى النبي صلى الله عليه و سلم يبشره بذلك قال فلما اتى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال فبارك رسول الله صلى الله عليه و سلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات ورواه مسلم من طرق متعددة عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي بنحوه * * * تم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الجزء الرابع من تاريخ البداية والنهاية لابن كثير ويتلوه الجزء الخامس وأوله ذكر غزوة تبوك في رجب منها (4/375)
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة تسع من الهجرة
ذكر غزوة تبوك في رجب منها
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم أنه لما أمر الله تعالى أن يمنع المشركون من قربان المسجد الحرام في الحج وغيره قالت قريش لينقطعن عنا المتاجر والاسواق أيام الحج وليذهبن ما كنا نصيب منها فعوضهم الله عن ذلك الأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
قلت فعزم رسول الله صلى الله عليه و سلم على قتال الروم لأنهم اقرب الناس اليه وأولى الناس بالدعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام وأهله وقد قال الله تعالى يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين فلما عزم رسول الله صلى الله عليه و سلم على غزو الروم عام تبوك وكان ذلك في حر شديد وضيق من الحال جلى للناس أمرها ودعى من حوله من أحياء الأعراب للخروج معه فاوعب معه بشر كثير كما سيأتي قريبا من ثلاثين ألفا وتخلف آخرون فعاتب (5/2)
الله من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين ولامهم ووبخهم وقرعهم أشد التقريع وفضحهم أشد الفضيحة وأنزل فيهم قرآنا يتلى وبين أمرهم في سورة براءة كما قد بينا ذلك مبسوطا في التفسير وأمر المؤمنين بالنفر على كل حال فقال تعالى انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا باموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ثم الآيات بعدها ثم قال تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون فقيل إن هذه ناسخة لتلك وقيل لا فالله أعلم
قال ابن اسحاق ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب يعني من سنة تسع ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم فذكر الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم ابن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا كل يحدث عن غزوة تبوك ما بلغه عنها وبعض القوم يحدث مالم يحدث بعض أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة الحر وجدب من البلاد وحين طابت الثمار فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص في الحال من الزمان الذي هم عليه وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قل ما يخرج في غزوة إلا 8 كنى عنها إلا ما كان من غزوة تبوك فانه بينها للناس لبعد المشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد اليه ليتأهب الناس لذلك أهبته فأمرهم بالجهاد وأخبرهم أنه يريد الروم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بني سلمة يا جد هل لك العام في جلاد بني الاصفر فقال يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما رجل أشد عجبا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا اصبر فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال قد أذنت لك ففي الجد أنزل الله هذه الآية ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد وشكا في الحق وإرجافا بالرسول صلى الله عليه و سلم فانزل الله فيهم وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون قال ابن هشام حدثني الثقة عمن حدثه عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن عن اسحاق بن ابراهيم بن عبد الله ابن حارثة عن أبيه عن جده قال بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي وكان بيته عند جاسوم يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فبعث اليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ففعل طلحة فاقتحم الضحاك (5/3)
ابن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فافلتوا فقال الضحاك في ذلك ... كادت وبيت الله نار محمد ... يشيط بها الضحاك وابن أبيرق ... وظلت وقد طبقت كبس سويلم ... أنوء على رجلي كسيرا ومرفق ... سلام عليكم لا أعود لمثلها ... اخاف ومن تشمل به النار يخرق ...
قال ابن اسحاق ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم جد في سفره وأمر الناس بالجهاز والانكماش وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا وانفق عثمان بن عفان نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها قال ابن هشام فحدثني من أثق به أن عثمان انفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم أرض عثمان فاني عنه راض وقد قال الامام احمد حدثنا هارون بن معروف ثنا ضمرة ثنا عبد الله بن شوذب عن عبد الله بن القاسم عن كثة مولى عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان بن عفان إلى النبي الف دينار في ثوبه حين جهز النبي ص جيش العسرة قال فصبها في حجر النبي صلى الله عليه و سلم فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يقلبها بيده ويقول ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم ورواه الترمذي عن محمد بن اسماعيل عن الحسن بن واقع عن ضمرة بع وقال حسن غريب وقاله عبد الله بن احمد في مسند أبيه حدثني أبو موسى العنزي حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني سكن بن المغيرة حدثني الوليد بن أبي هشام عن فرقد أبي طلحة عن عبد الرحمن بن حباب السلمي قال خطب النبي صلى الله عليه و سلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان ابن عفان علي مائة بعير باحلاسها وأقتابها قال ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث فقال عثمان علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بيده هكذا يحركها وأخرج عبد الصمد يده كالمتعجب ما على عثمان ما عمل بعد هذا وهكذا رواه الترمذي عن محمد بن يسار عن أبي داود الطيالسي عن سكن بن المغيرة أبي محمد مولى لآل عثمان به وقال غريب من هذا الوجه ورواه البيهقي من طريق عمرو بن مرزوق عن سكن بن المغيرة به وقال ثلاث مرات أنه التزم بثلاثمائة بعير باحلاسها وأقتابها قال عبد الرحمن فانا شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وهو على المنبر ما ضر عثمان بعدها أو قال بعد اليوم وقال أبو داود الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن جاوان عن الاحنف بن قيس قال سمعت عثمان بن عفان يقول لسعد بن ابي وقاص وعلي والزبير وطلحة أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من جهز جيش العسرة غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا قالوا اللهم نعم ورواه النسائي من حديث حصين به (5/4)
فصل فيمن تخلف معذورا من البكائين وغيرهم
قال الله تعالى وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بان يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا باموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم فيها شك اغبياء رضوا بان يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون قد تكلمنا على تفسير هذا كله في التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة والمقصود ذكر البكائين الذين جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليحملهم حتى يصحبوه في غزوته هذه فلم يجدوا عنده من الظهر ما يحملهم عليه فرجعوا وهم يبكون تأسفا على ما فاتهم من الجهاد في سبيل الله والنفقة فيه قال ابن اسحاق وكانوا سبعة نفر من الانصار وغيرهم فمن بني عمرو بن عوف سالم بن عمير وعلبة بن زيد أخو بني حارثة وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة وعبد الله ابن المغفل المزني وبعض الناس يقولون بل هو عبد الله بن عمرو المزني وهرمي بن عبد 2 الله أخو بني واقف وعرباض بن سارية الفزاري قال ابن اسحاق فبلغني أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضري لقي أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان فقال ما يبكيكما قالا جئنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه فاعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزودهما شيئا من تمر فخرجا مع النبي صلى الله عليه و سلم زاد يونس بن بكير عن ابن اسحاق وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله ثم بكى وقال اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندى ما أتقوى به ولم تجعل به ولم تجعل في يد رسولك ما ي يحملنى عليه وإنى أتصدق على كل مسلم فيه بكل مظلمة أصابني فيها في مال أو جسد أو جسد أو عرض ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أين المتصدق هذه الليلة فلم يقم أحد ثم قال أين المتصدق فليقم فقام اليه فاخبره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أبشر فوالذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة وقد أورد الحافظ (5/5)
البيهقي ها هنا حديث أبي موسى الأشعري فقال حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا احمد بن عبد الحميد المازني حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أسأله لهم الحملان إذ هم معه في جيش العسرة غزوة تبوك فقلت يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني اليك لتحملهم فقال والله لا أحملكم على شيء ووافقته وهو غضبان ولا أشعر فرجعت حزينا من منع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن مخافة أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم قد وجد في نفسه علي فرجعت إلى أصحابي فاخبرتهم بالذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم البث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي أين عبد الله بن قيس فاجبته فقال أجب رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعوك فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خذ هذين القربتين وهذين القربتين وهذين القربتين لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد فقال انطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله أو إن رسول الله يحملكم على هؤلاء فقلت إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يحملكم على هؤلاء ولكن والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله حين سألته لكم ومنعه لي في أول مرة ثم اعطائه إياي بعد ذلك لا تظنوا أني حدثتكم شيئا لم يقله فقالوا لي والله إنك عندنا لمصدق ولنفعلن ما أحببت قال فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا مقالة رسول الله صلى الله عليه و سلم من منعه إياهم ثم إعطائه بعد فحدثوهم بما حدثهم به أبو موسى سواء وأخرجه البخاري ومسلم جميعا عن أبي كريب عن أبي أسامة وفي رواية لهما عن أبي موسى قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في رهط من الأشعريين ليحملنا فقال والله ما أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه قال ثم جيء رسول الله صلى الله عليه و سلم بنهب أبل فامر لنا بست ذودعر الذرى فاخذناها ثم قلنا يعقلنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يمينه والله لا يبارك لنا فرجعنا له فقال ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم ثم قال وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها
قال ابن اسحاق وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم الغيبة حتى تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك بن أبي كعب أخو بني سلمة ومرارة بن ربيع أخو بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية أخو بني واقف وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف وكانوا نفر صدق لا يتهمون في اسلامهم
قلت أما الثلاثة الاول فستأتي قصتهم مبسوطة قريبا إن شاء الله تعالى الذين أنزل الله فيهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه وأما أبو خيثمة فانه عاد وعزم على اللحوق برسول الله صلى الله عليه و سلم كما سيأتي (5/6)
فصل
قال يونس بن بكير عن ابن اسحاق ثم استتب برسول الله صلى الله عليه و سلم سفره وأجمع السير فلما خرج يوم الخميس ضرب عسكره على ثنية الوداع ومعه زيادة على ثلاثين ألفا من الناس وضرب عبد الله بن أبي عدو الله عسكره أسفل منه وما كان فيما يزعمون باقل العسكرين فلما سار رسول الله صلى الله عليه و سلم تخلف عنه عبد الله بن أبي في طائفة من المنافقين وأهل الريب قال ابن هشام واستخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم على المدينة محمد بن مسلمة الانصاري قال وذكر الدراوردي أنه استخلف عليها عام تبوك سباع بن عرفطة قال ابن اسحاق وخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالاقامة فيهم فارجف به المنافقون وقالوا ما خلفه إلا استقلالا له وتخففا منه فلما قالوا ذلك أخذ على سلاحه ثم خرج حتى لحق برسول الله صلى الله عليه و سلم وهو نازل بالجرف فاخبره بما قالوا فقال كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فرجع علي ومضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفره ثم قال ابن اسحاق حدثني محمد ابن طلحة بن يزيد بن ركانة عن ابراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعلي هذه المقالة وقد روى البخاري ومسلم هذا الحديث من طريق شعبة عن سعد بن ابراهيم عن ابراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه به وقد قال أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن ابي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله أتخلفني في النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي واخرجاه من طرق عن شعبة نحوه وعلقه البخاري أيضا من طريق أبي داود عن شعبة وقال الامام احمد حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم بن اسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له وخلفه في بعض مغازيه فقال علي يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ورواه مسلم والترمذي عن قتيبة زاد مسلم ومحمد بن عباد كلاهما عن حاتم بن اسماعيل به وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه
قال ابن اسحاق ثم إن ابا خيثمة رجع بعد ما سار رسول الله صلى الله عليه و سلم اياما إلى أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت فيه ماء وهيأت له فيه طعاما فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم ما هذا بالنصف (5/7)
والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى الحق برسول الله صلى الله عليه و سلم فهيئا زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أدركه حين نزل تبوك وكان أدرك أبا خيثمة عمير ابن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الناس هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كن أبا خيثمة فقالوا يا رسول الله هو والله أبو خيثمة فلما بلغ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له أولى لك يا أبا خيثمة ثم اخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر فقال خيرا ودعا له بخير وقد ذكر عروة بن الزبير وموسى بن عقبة قصة أبي خيثمة بنحو من سياق محمد بن اسحاق وأبسط وذكر أن خروجه عليه السلام إلى تبوك كان في زمن الخريف فالله أعلم قال ابن هشام وقال أبو خيثمة واسمه مالك بن قيس في ذلك ... لما رأيت الناس في الدين نافقوا ... أتيت التي كانت أعف وأكرما ... وبايعت باليمنى يدي لمحمد ... فلم أكتسب إنما لم أغش محرما ... تركت خضيبا في العريش وصرمة ... صفايا كراما بسرها قد تحمما ... وكنت إذا شك المنافق أسمحت ... إلى الدين نفسي شطره حيث يمما ...
قال يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق عن بريدة عن سفيان عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود قال لما سار رسول الله إلى تبوك جعل لا يزال الرجل يتخلف فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك به غير ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذر وابطأ به بعيره فقال دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد اراحكم الله منه فتلوم أبو ذر بعيره فلما ابطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه و سلم ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله إن هذا الرجل ماش على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كن ابا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هو والله أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يرحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده قال فضرب ضربه وسير أبو ذر الى الربذة فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه فقال إذا مت فاغسلاني وكفناني من الليل ثم ضعاني على قارعة الطريق فاول ركب يمرون بكم فقولوا هذا أبو ذر فلما مات فعلوا به كذلك فاطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركابهم تطأ سريره فاذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة فقال ما هذا فقيل جنازة أبي (5/8)
ذر فاستهل ابن مسعود يبكي وقال صدق رسول الله يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه إسناده حسن ولم يخرجوه قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرنا عبد الله بن محمد بن عقيل في قوله الذين اتبعوه في ساعة العسرة قال خرجوا في غزوة تبوك الرجلان والثلاثة على بعير واحد وخرجوا في حر شديد فاصابهم في يوم عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها ويشربوا ماءها فكان ذلك عسرة في الماء وعسرة في النفقة وعسرة في الظهر قال عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن شأن ساعة العسرة فقال عمر خرجنا الى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرحل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه ثم يجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خبرا فادع الله لنا فقال أو تحب ذلك قال نعم قال فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فاطلت ثم سكبت فملئوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر واسناده جيد ولم يخرجوه من هذا الوجه وقد ذكر ابن اسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه أن هذه القصة كانت وهم بالحجر وأنهم قالوا لرجل معهم منافق ويحك هل بعد هذا من شيء فقال سحابة مارة وذكر أن ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم ضلت فذهبوا في طلبها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمارة بن حزم الانصاري وكان عنده إن رجلا قال هذا محمد يخبركم أنه نبي ويخبركم خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته وإني والله لا أعلم الا ما علمني الله وقد دلني الله عليها هي في الوادي قد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا فجاءوا بها فرجع عمارة الى رحله فحدثهم عما جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم من خبر الرجل فقال رجل ممن كان في رحل عمارة انما قال ذلك لزيد بن اللصيت وكان في رحل عمارة قبل أن يأتي فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ويقول إن في رحلي لداهية وأنا لا أدري أخرج عني يا عدو الله فلا تصحبني فقال بعض الناس إن زيدا تاب وقال بعضهم لم يزل متهما بشر حتى هلك
قال الحافظ البيهقي وقد روينا من حديث ابن مسعود شبيها بقصة الراحلة ثم روى من حديث الاعمش وقد رواه الامام احمد عن أبي معاوية عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي (5/9)
سعيد الخدري شك الاعمش قال لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا يا رسول الله لو اذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا وادهنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم افعلوا فجاء عمر فقال يا رسول الله إن فعلت قل الظهر ولكن ادعهم بفضل ازوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله أن يجعل فيها البركة فقال رسول الله نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الآخر بكف من التمر ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبركة ثم قال لهم خذوا في أوعيتكم فاخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوها واكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها غير شاك فيحجب عن الجنة ورواه مسلم عن أبى كريب عن أبى معاوية عن الاعمش به ورواه الامام أحمد من حديث سهيل عن أبيه عن أبى هريرة به ولم يذكر غزوة تبوك بل قال كان غزوة غزاها
قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مر بالحجر نزلها واستقى الناس من بئرها فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تشربوا من مياهها شيئا ولا تتوضئوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلقوه الأبل ولا تأكلوا منه شيئا هكذا ذكره ابن اسحاق بغير اسناد وقال الامام احمد حدثنا يعمر بن بشر حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما مر بالحجر قال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم وتقنع بردائه وهو على الرحل ورواه البخاري من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق كلاهما عن معمر باسناده نحوه وقال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لاصحابه لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فان لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم ورواه البخاري من حديث مالك ومن حديث سليمان بن بلال كلاهما عن عبد الله بن دينار ورواه مسلم من وجه آخر عن عبد الله بن دينار نحوه وقال الامام احمد حدثنا عبد الصمد حدثنا صخر هو ابن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس عام تبوك الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود فعجنوا ونصبوا القدور باللحم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهرقوا القدور وعلفوا العجين الابل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا [ فقال ] إني اخشى أن يصيبكم مثل ما اصابهم فلا (5/10)
تدخلوا عليهم وهذا الحديث اسناده على شرط الصحيحين من هذا الوجه ولم يخرجوه وإنما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس بن عياض عن أبي ضمرة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به قال البخاري وتابعه أسامة عن عبيد الله ورواه مسلم من حديث شعيب بن اسحاق عن عبيد الله عن نافع به وقال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قال لما مر النبي صلى الله عليه و سلم بالحجر قال لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فاخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله قيل من هو يا رسول الله قال هو ابو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه اسناده صحيح ولم يخرجوه وقال الامام احمد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المسعودي عن اسماعيل بن واسط عن محمد بن أبي كبشة الانماري عن أبيه قال لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي في الناس الصلاة جامعة قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ممسك بعيره وهو يقول ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم فناداه رجل نعجب منهم قال أفلا أنبئكم باعجب من ذلك رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا فان الله لا يعبأ بعذابكم شيئا وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا اسناده حسن ولم يخرجوه وقال يونس بن بكير عن ابن اسحاق حدثني عبد الله ابن أبي بكر بن حزم عن العباس بن سهل بن سعد الساعدي او عن العباس بن سعد الشك مني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مر بالحجر ونزلها استقى الناس من بئرها فلما راحوا منها قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للناس لا تشبوا من مائها شيئا ولا تتوضئوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الأبل ولا تأكلوا منه شيئا ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعير له فاما الذي ذهب لحاجته فانه خنق على مذهبه وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى القته بجبل طيء فاخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك فقال ألم انهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له ثم دعا للذي اصيب على مذهبه فشفي وأما الآخر فانه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من تبوك وفي رواية زياد عن ابن اسحاق أن طيئا أهدته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رجع إلى المدينة
قال ابن اسحاق وقد حدثني عبد الله بن ابي بكر أن العباس بن سهل سمى له الرجلين لكنه استكتمه إياهما فلم يحدثني بهما وقد قال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا وهيب بن خالد ثنا عمرو (5/11)
ابن يحيى عن العباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبي حميد الساعدي قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام تبوك حتى جئنا وادي القرى فاذا امرأة في حديقة لها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاصحابه أخرصوا فخرص القوم وخرص رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرة أوسق وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمرأة احصي ما يخرج منها حتى أرجع اليك إن شاء الله قال فخرج حتى قدم تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنها ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقومن فيها رجل فمن كان له بعير فليوثق عقاله قال أبو حميد فعقلناها فلما كان من الليل هبت علينا ريح شديدة فقام رجل فالقته في جبل طيء ثم جاء رسول الله ملك إيلة فاهدى لرسول الله بغلة بيضاء وكساه رسول الله بردا وكتب له يجيرهم ثم أقبل واقبلنا معه حتى جئنا وادي القرى قال للمرأة كم جاءت حديقتك قالت عشرة أوسق خرص رسول الله فقال رسول الله إني متعجل فمن أحب منكم أن يتعجل فليفعل قال فخرج رسول الله وخرجنا معه حتى إذا أوفى على المدينة قال هذه طابه فلما رأى أحدا قال هذا أحد يحبنا ونحبه ألا أخبركم بخير دور الأنصار قلنا بلى يا رسول الله قال خير دور النصار بنو النجار ثم دار بني عبد الاشهل ثم دار بني ساعدة ثم في كل دور الانصار خير وأخرجه البخاري ومسلم من غير وجه عن عمرو بن يحيى به نحوه وقال الامام مالك رحمه الله عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام تبوك فكان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء قال فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ثم قال إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتونها حتى يضحى ضحى النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آنى قال فجئناها وقد سبق اليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله صلى الله عليه و سلم هل مسستما من مائها شيئا قالا نعم فسبهما وقال لهما ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا أخرجه مسلم من حديث مالك به
ذكر خطبته صلى الله عليه و سلم الى تبوك إلى نخلة هناك
روى الامام احمد عن أبي النضر هاشم بن القاسم ويونس بن محمد المؤدب وحجاج بن محمد (5/12)
ثلاثتهم عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن ابي الخير عن أبي الخطاب عن أبي سعيد الخدري أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شيء منه ورواه النسائي عن قتيبة عن الليث به وقال أبو الخطاب لا أعرفه وروى البيهقي من طريق يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز بن عمران حدثنا مصعب بن عبد الله عن منظور بن جميل بن سنان أخبرني أبي سمعت عقبة بن عامر الجهني خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فاسترقد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يستيقظ حتى كانت الشمس قيد رمح قال ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر فقال يا رسول الله ذهب بي من النوم مثل الذي ذهب بك قال فانتقل رسول الله صلى الله عليه و سلم من منزله غير بعيد ثم صلى وسار بقية يومه وليلته فاصبح بتبوك فحمد الله وأثنى عليه بما هو اهله ثم قال أيها الناس أما بعد فان أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة ابراهيم وخير السنن سنة محمد واشرف الحديث ذكر الله وأحسن القصص هذا القرآن وخير الامور عوازمها وشر الامور محدثاتها وأحسن الهدي هدي الانبياء واشرف الموت قتل الشهداء وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى وخير الاعمال ما نفع وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب واليد العليا خير من اليد السفلى وما قل وكفى خير مما كثر وألهى وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة يوم القيامة ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبرا ومن الناس من لا يذكر الله إلا هجرا ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله عز و جل وخير ما وقر في القلوب اليقين والارتياب من الكفر والنياحة من عمل الجاهلية والغلول من حثاء جهنم والشعر من ابليس والخمر جماع الاثم والنساء حبائل الشيطان والشباب شعبة من الجنون وشر المكاسب كسب الربا وشر المآكل أكل مال اليتيم والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة اذرع والأمر الى الآخرة وملاك العمل خواتمه وشر الروايا روايا الكذب وكل ما هو آت قريب وسباب المؤمن فسوق وقتال المؤمن كفر وأكل لحمه من معصية الله وحرمة ماله كحرمة دمه ومن يتألى على الله يكذبه ومن يستغفره يغفر له ومن يعف يعف الله عنه ومن يكظم يأجره الله ومن يصبر على الرزية يعوضه الله ومن يبتغي السمعة يسمع الله به (5/13)
ومن يصبر يضعف الله له ومن يعص الله يعذبه الله اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي قالها ثلاثا ثم قال أستغفر الله لي ولكم وهذا حديث غريب وفيه نكارة وفي اسناده ضعف والله أعلم بالصواب وقال أبو داود ثنا احمد بن سعيد الهمداني وسليمان ابن داود قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان عن ابيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فاذا رجل مقعد فسألته عن أمره فقال سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت أني حي إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل بتبوك إلى نخلة فقال هذه قبلتنا ثم صلى اليها قال فاقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها فقال قطع صلاتنا قطع الله أثره [ قال فما قمت عليها إلى يومي هذا ثم رواه ابو داود من حديث سعيد عن عبد العزيز التنوخي عن مولى ليزيد بن نمران عن يزيد بن نمران قال رأيت بتبوك مقعدا فقال مررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا على حمار وهو يصلي فقال اللهم اقطع اثره فما مشيت عليها بعد وفي رواية قطع صلاتنا قطع الله أثره ]
الصلاة على معاوية بن أبي معاوية ( )
روى البيهقي من حديث يزيد بن هارون أخبرنا العلاء أبو محمد الثقفي قال سمعت أنس بن مالك قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء ولها شعاع ونور لم أرها طلعت فيما مضى فأتى جبريل رسول الله فقال يا جبريل مالي أرى الشمس اليوم طلعت بيضاء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى قال ذلك أن معاوية بن ابي معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم فبعث الله اليه سبعين ألف ملك يصلون عليه قال ومم ذاك قال بكثرة قراءته قل هو الله أحد بالليل والنهار وفي ممشاه وفي قيامه وقعوده فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه قال نعم قال فصلى عليه ثم رجع وهذا الحديث فيه غرابة شديدة ونكارة والناس يسندون أمرها إلى العلاء ابن زيد هذا وقد تكلموا فيه ثم قال البيهقي أخبرنا علي بن احمد بن عبدان أخبرنا احمد بن عبيد الصفار حدثنا هاشم بن علي أخبرنا عثمان بن الهيثم حدثنا محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونة عن انس قال جاء جبريل فقال يا محمد مات معاوية بن أبي معاوية المزني أفتحب أن تصلي عليه قال نعم فضرب بجناحه فلم يبق من شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت له قال فصلى وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك قال قلت يا جبريل بما نال هذه المنزلة من الله قال بحبه قل هو الله أحد يقرؤها قائما وقاعدا وذاهبا وجائيا وعلى كل حال قال عثمان (5/14)
فسألت أبي أين كان النبي صلى الله عليه و سلم قال بغزوة تبوك بالشام ومات معاوية بالمدينة ورفع له سريره حتى نظر اليه وصلى عليه وهذا أيضا منكر من هذا الوجه
قدوم رسول قيصر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم بتبوك
قال الامام احمد حدثنا اسحاق بن عيسى حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن أبي راشد قال لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بحمص وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ العقد أو قرب فقلت ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ورسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى هرقل قال بلى قدم رسول الله تبوك فبعث دحية الكلبي إلى هرقل فلما جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا قسيسي الروم وبطارقتها ثم أغلق عليه وعليهم الدار فقال قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثلاث خصال يدعوني أن أتبعه على دينه أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا أو نلقي اليه الحرب والله لقد عرفتم فيما تقرؤون من الكتب لتأخذن فهلم فلنتبعه على دينه أو نعطيه مالنا على أرضنا فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من براسنهم وقالوا تدعونا إلى نذر أن النصرانية أو نكون عبيدا لأعرابي جاء من الحجاز فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رقأهم ولم يكد وقال إنما قلت ذلك لاعلم صلابتكم على أمركم ثم دعا رجلا من عرب تجيب كان على نصارى العرب قال ادع لي رجلا حافظا للحديث عربي اللسان ابعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه فجاء بى فدفع الى هرقل كتابا فقال غذهب بكتابى غلى هذا الرجل فما سمعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال انظر هل يذكر صحيفته الي التي كتب بشيء وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل وانظر في ظهره هل به شيء يربيك قال فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوكا فاذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا على الماء فقلت أين صاحبكم قيل ها هو ذا فأقبلت أمشى حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال ممن أنت فقلت أنا أخو تنوخ قال هل لك الى الاسلام الحنيفية ملة أبيكم ابراهيم قلت إني رسول قوم وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى ارجع اليهم فضحك وقال انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين يا أخو تنوخ إني كتبت بكتاب الى كسرى والله ممزقه وممزق ملكه وكتبت الى النجاشي بصحيفة فخرقها والله مخرقه ومخرق ملكه (5/15)
وكتبت الى صاحبك بصحيفة فامسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير قلت هذه احدى الثلاث التي اوصاني بها صاحبي فاخذت سهما من جعبتي فكتبته في جنب سيفي ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره قلت من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم قالوا معاوية فاذا في كتاب صاحبي تدعوني الى جنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين فأين النار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم سبحان الله أين الليل إذا جاء النهار قال فاخذت سهما من جعبتي فكتبته في جلد سيفي فلما ان فرغ من قراءة كتابي قال إن لك حقا وانك لرسول فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها إنا سفر مرملون قال فناداه رجل من طائفة الناس قال أنا اجوزه ففتح رحله فاذا هو يأتي بحلة صفورية فوضعها في حجري قلت من صاحب الجائزة قيل لي عثمان ثم قال رسول الله أيكم ينزل هذا الرجل فقال فتى من الانصار أنا فقام الانصاري وقمت معه حتى اذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله فقال تعال يا أخا تنوخ فاقبلت أهوي حتى كنت قائما في مجلسي الذي كنت بين يديه فحل حبوته عن ظهره وقال ها هنا امض لما أمرت به فجلت في ظهره فإذا أنا بخاتم في موضع غضون الكتف مثل الحمحمه الضخمة هذا حديث غريب واسناده لا بأس به تفرد به الامام احمد
مصالحته عليه السلام ملك أيلة واهل جرباء وأذرح قبل رجوعه من تبوك
قال ابن اسحاق ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم الى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب إيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه و سلم وأعطاه الجزية وأتاه أهل جرباء وأذرح وأعطوه الجزية وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا فهو عندهم وكتب ليحنة بن رؤبة وأهل إيلة بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل إيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فانه لا يحول ماله دون نفسه وأنه طيب لمن أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يردونه من بر أو بحر زاد يونس بن بكير عن ابن اسحاق بعد هذا وهذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة باذن رسول الله
قال يونس عن ابن اسحاق وكتب لاهل جرباء وأذرح بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب (5/16)
من محمد النبي رسول الله لاهل جرباء وأذرح أنهم آمنون بامان الله وأمان محمد وأن عليهم مائة دينار في كل رجب ومائة أوقية طيبة وأن الله عليهم كفيل بالنصح والاحسان إلى المسلمين ومن لجأ اليهم من المسلمين قال وأعطى النبي صلى الله عليه و سلم أهل أيلة برده مع كتابه أمانا لهم قال فاشتراه بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن محمد بثلثمائة دينار
بعثه عليه السلام خالد بن الوليد الى اكيدر ذومة
قال ابن اسحاق ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا خالد بن الوليد فبعثه الى أكيدر دومة وهو أكيدر بن عبد الملك رجل من بني كنانة كان ملكا عليها وكان نصرانيا وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لخالد إنك ستجده يصيد البقر فخرج خالد حتى اذا كان من حصنه بمنظر العين وفي ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته وباتت البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قالت فمن يترك هذا قال لا أحد فنزل فامر بفرسه فاسرج له وركب ومعه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له حسان فركب وخرجوا معه بمطاردهم فلما خرجوا تلقتهم خيل النبي صلى الله عليه و سلم فاخذته وقتلوا أخاه وكان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد فبعث به الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل قدومه عليه قال فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس بن مالك قال رأيت قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتعجبون من هذا [ فوالذي نفسي بيد ] لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا
قال ابن اسحاق ثم إن خالد بن الوليد لما قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه و سلم حقن له دمه فصالحه على الجزية ثم خلى سبيله فرجع الى قريته فقال رجل من بني طيء يقال له بجير بن بجرة في ذلك ... تبارك سائق البقرات إني ... رأيت الله يهدي كل هاد ... فمن يك حائدا عن ذي تبوك ... فانا قد أمرنا بالجهاد ...
وقد حكى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لهذا الشاعر لا يفضض اله فاك فأتت عليه سبعون سنة ما تحرك له فيها ضرس ولا سن وقد روى ابن لهيعة عن ابي الأسود عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث خالدا مرجعه من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر دومة فذكر نحو ما تقدم إلا أنه ذكر أنه ما كره حتى أنزله من الحصن وذكر أنه قدم مع أكيدر إلى رسول الله ثمانمائة من السبي والف بعير وأربعمائة درع وأربعمائة رمح وذكر أنه لما سمع عظيم أيلة يحنة (5/17)
ابن رؤبة بقضية أكيدر دومة أقبل قادما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يصالحه فاجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم بتبوك فالله أعلم وروى يونس بن بكير عن سعد بن أوس عن بلال بن يحيى أن أبا بكر الصديق كان على المهاجرين في غزوة دومة الجندل وخالد بن الوليد على الاعراب في غزوة دومة الجندل فالله أعلم فصل
قال ابن اسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بضع عشرة ليلة لم يجاوزها ثم انصرف قافلا الى المدينة قال وكان في الطريق ماء يخرج من وشل يروي الراكب والراكبين والثلاثة بواد يقال له وادي المشقق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من سبقنا الى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه قال فسبقه اليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال من سبقنا الى هذا الماء فقيل له يا رسول الله فلان وفلان فقال أو لم أنههم أن يستقوا منه حتى آتيه ثم لعنهم ودعا عليهم ثم نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه به ومسحه بيده ودعا بما شاء الله أن يدعو فانخرق من الماء كما يقول من سمعه ما أن له حسا كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لئن بقيتم أو من بقي منكم ليسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه
قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي أن عبد الله بن مسعود كان يحدث قال قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله في غزوة تبوك فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها انظر اليها قال فاذا رسول الله وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين قد مات وإذا هم قد حفروا له ورسول الله في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه اليه وإذا هو يقول أدنيا إلى أخاكما فدلياه اليه فلما هيأه لشقه قال اللهم إني قد امسيت راضيا عنه فارض عنه قال يقول ابن مسعود يا ليتني كنت صاحب الحفرة قال ابن هشام إنما سمى ذو البجادين لأنه كان يريد الاسلام فمنعه قومه وضيقوا عليه حتى خرج من بينهم وليس عليه الابجاد وهو الكساء الغليظ فشقه باثنين فائتزر بواحدة وارتدى الأخرى ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسمي ذو البجادين
قال ابن اسحاق وذكر ابن شهاب الزهري عن ابن أكيمة الليثي عن ابن أخي أبي رهم الغفاري أنه سمع ابا رهم كلثوم بن الحصين وكان من أصحاب الشجرة يقول غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة تبوك فسرت ذات ليلة معه ونحن بالاخضر والقى الله علي النعاس وطفقت أستيقظ وقد (5/18)
دنت راحلتي من راحلة النبي صلى الله عليه و سلم فيفزعني دنوها منه مخافة أن أصيب رجله في الغرز فطفقت أحوز راحلتي عنه حتى غلبتني عيني في بعض الطريق فزاحمت راحلتي راحلته ورجله في الغرز فلم أستيقظ إلا بقوله حس فقلت يا رسول الله استغفر لي قال سر فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألني عمن تخلف عنه من بني غفار فاخبره به فقال وهو يسألني ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط الذين لا شعر في وجوههم فحدثته بتخلفهم قال فما فعل النفر السود الجعاد القصار قال قلت والله ما أعرف هؤلاء منا قال بلى الذين لهم نعم بشبكة شدخ فتذكرتهم في بني غفار فلم أذكرهم حتى ذكرت أنهم رهط من أسلم كانوا حلفاء فينا فقلت يا رسول الله أولئك رهط من أسلم حلفاء فينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل على بعير من إبله امرءا نشيطا في سبيل الله إن أعز أهلي علي أن يتخلف عني المهاجرون والانصار وغفار وأسلم
قال ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة بن الزبير قال لما قفل رسول الله صلى الله عليه و سلم من تبوك إلى المدينة هم جماعة من المنافقين بالفتك به وأن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق فاخبر بخبرهم فامر الناس بالمسير من الوادي وصعد هو العقبة وسلكها معه أولئك النفر وقد تلثموا وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان أن يمشيا معه عمار آخذ بزمام الناقة وحذيفة يشوقها فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم قد غشوهم فغضب رسول الله وأبصر حذيفة غضبه فرجع اليهم ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم بمحجنه فلما رأوا حذيفة ظنوا أن قد أظهر على ما أضمروه من الأمر العظيم فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه و سلم فامرهما فاسرعا حتى قطعوا العقبة ووقفوا ينتظرون الناس ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحذيفة هل عرفت هؤلاء القوم قال ما عرفت إلا رواحلهم في ظلمة الليل حين غشيتهم ثم قال علمتما ما كان من شأن هؤلاء الركب قالا لا فاخبرهما بما كانوا تمالئوا عليه وسماهم لهما واستكتمهما ذلك فقالا يا رسول الله أفلا تأمر بقتلهم فقال أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وقد ذكر ابن اسحاق هذه القصة إلا أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أعلم بأسمائهم حذيفة بن اليمان وحده وهذا هو الاشبه والله أعلم ويشهد له قول أبي الدرداء لعلقمة صاحب ابن مسعود أليس فيكم يعني أهل الكوفة صاحب السواد والوساد يعني ابن مسعود أليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره يعني حذيفة أليس فيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان محمد يعني عمارا وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لحذيفة أقسمت عليك بالله أنا منهم قال لا (5/19)
ولا أبرئ بعدك أحدا يعني حتى لا يكون مفشيا سر النبي صلى الله عليه و سلم
قلت وقد كانوا أربعة عشر رجلا وقيل كانوا اثني عشر رجلا وذكر ابن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث اليهم حذيفة بن اليمان فجمعهم له فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ما كان من أمرهم وبما تمالئوا عليه ثم سرد ابن اسحاق أسماءهم قال وفيهم أنزل الله عز و جل وهموا بما لم ينالوا
وروى البيهقي من طريق محمد بن مسلمة عن أبي اسحاق عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة بن اليمان قال كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم أقود به وعمار يسوق الناقة أو أنا أسوق الناقة وعمار يقود به حتى إذا كنا بالعقبة إذا باثني عشر رجلا قد اعترضوه فيها قال فأنبهت رسول الله صلى الله عليه و سلم فصرخ بهم فولوا مدبرين فقال لنا رسول الله هل عرفتم القوم قلنا لا يا رسول الله قد كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب قال هؤلاء المنافقون الى يوم القيامة وهل تدرون ما أرادوا قلنا لا قال ارادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها قلنا يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث اليك كل قوم برأس صاحبهم قال لا أكره أن يتحدث العرب بينها أن محمدا قاتل لقومه حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم ثم قال اللهم ارمهم بالدبيلة قلنا يا رسول الله وما الدبيلة قال هي شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك وفي صحيح مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن قيس بن عبادة قال قلت لعمار أرأيتم صنيعكم هذا فيما كان من أمر علي أرأي رأيتموه أم شيء عهده اليكم رسول الله فقال ما عهد الينا رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا لم يعهده الى الناس كافة ولكن حذيفة أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في أصحابي اثنا عشر منافقا منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وفي رواية من وجه آخر عن قتادة إن في أمتي اثني عشر منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ثمانية منهم يكفيكهم الدبيلة سراج من النار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم قال الحافظ البيهقي وروينا عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشر أو خمسة عشر وأشهد بالله أن اثنى عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد وعذر ثلاثة أنهم قالوا ما سمعنا المنادي ولا علمنا بما اراد وهذا الحديث قد رواه الامام احمد في مسنده قال حدثنا يزيد هو ابن هارون أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل قال لما أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة بتوك أمر مناديا فنادى إن رسول الله آخذ بالعقبة فلا يأخذها أحد يأخذها أحد فبينما رسول الله ص يقوده حذيفة ويسوقه عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عمارا وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه و سلم وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحذيفة قد قد حتى هبط رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوادي فلما هبط ورجع عمار (5/20)
قال يا عمار هل عرفت القوم قال قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون قال هل تدري ما أرادوا قال الله ورسوله أعلم قال ارادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه قال فسار عمار رجلا من اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة قال أربعة عشر رجلا فقال إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر قال فعذر رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم ثلاثة قالوا ما سمعنا منادي رسول الله وما علمنا ما أراد القوم فقال عمار أشهد أن الاثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد
قصة مسجد الضرار
قال الله تعالى والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه ابدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم وقد تكلمنا على تفسير ما يتعلق بهذه الآيات الكريمة في كتابنا التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد وذكر ابن اسحاق كيفية بناء هذا المسجد الظالم أهله وكيفية أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بخرابه مرجعه من تبوك قبل دخوله المدينة ومضمون ذلك أن طائفة من المنافقين بنوا صورة مسجد قريبا من مسجد قباء وأرادوا أن يصلي لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه حتى يروج لهم ما ارادوه من الفساد والكفر والعناد فعصم الله رسوله صلى الله عليه و سلم من الصلاة فيه وذلك أنه كان على جناح سفر إلى تبوك فلما رجع منها فنزل بذي أوان مكان بينه وبين المدينة ساعة نزل عليه الوحي في شأن هذا المسجد وهو قوله تعالى والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفروا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل الآية أما قوله ضرارا فلأنهم ارادوا مضاهاة مسجد قباء وكفرا بالله لا للايمان به وتفريقا للجماعة عن مسجد قباء وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وهو أبو عامر الراهب الفاسق قبحه الله وذلك أنه لما دعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الاسلام فابى عليه ذهب الى مكة فاستنفرهم فجاؤا عام أحد فكان من أمرهم ما قدمناه فلما لم ينهض امره ذهب إلى ملك الروم قيصر ليستنصره على رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان أبو عامر على دين هرقل ممن تنصر معهم من العرب وكان يكتب إلى إخوانه الذين نافقوا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا فكانت مكاتباته ورسله تفد اليهم كل حين فبنوا هذا المسجد في الصورة الظاهرة وباطنه دار حرب ومقر لمن (5/21)
يفد من عند أبي عامر الراهب ومجمع لمن هو على طريقتهم من المنافقين ولهذا قال تعالى وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ثم قال وليحلفن أي الذين بنوه إن أردنا إلا الحسنى أي غنما أردنا ببنائه الخير قال الله تعالى والله يشهد إنهم لكاذبون ثم قال الله تعالى الى رسوله لا تقم فيه أبدا فنهاه عن القيام فيه لئلا يقرر أمره ثم امره وحثه على القيام في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم وهو مسجد قباء لما دل عليه السياق والاحاديث الواردة في الثناء على تطهير أهله مشيرة اليه وما ثبت في صحيح مسلم من أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينافي ما تقدم لانه إذا كان مسجد قباء أسس على التقوى من أول يوم فمسجد الرسول أولى بذلك وأحرى وأثبت في الفضل منه وأقوى وقد أشبعنا القول في ذلك في التفسير ولله الحمد والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما نزل بذي اوان دعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي أو أخاه عاصم بن عدي رضي الله عنهما فامرهما أن يذهبا إلى هذا المسجد الظالم أهله فيحرقاه بالنار فذهبا فحرقاه بالنار وتفرق عنه أهله
قال ابن اسحاق وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا وهم خذام بن خالد وفي جنب داره كان بناء هذا المسجد وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الأزعر وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد ونبتل بن الحارث وبخرج وهو الى بني ضبيعة وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة ووديعة بن ثابت وهو الى بني أمية
قلت وفي غزوة تبوك هذه صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خلف عبد الرحمن بن عوف صلاة الفجر أدرك معه الركعة الثانية منها وذلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب يتوضأ ومعه المغيرة بن شعبة فابطأ على الناس فأقيمت الصلاة فتقدم عبد الرحمن بن عوف فلما سلم الناس أعظموا ما وقع فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسنتم وأصبتم وذلك فيما رواه البخاري رحمه الله قائلا حدثنا وقال البخاري حدثنا أحمد بن محمد حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم فقالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال وهم بالمدينة حبسهم العذر تفرد به من هذا الوجه قال البخاري حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان حدثني عمرو بن يحيى عن العباس بن سهل بن سعد عن ابي حميد قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة تبوك حتى إذا اشرفنا على المدينة قال هذه طابة وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه ورواه مسلم من حديث سليمان بن بلال به نحوه قال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد قال اذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم الى ثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك ورواه أبو داود والترمذي من حديث سفيان بن عيينة به وقال الترمذي حسن صحيح وقال البيهقي (5/22)
أخبرنا أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن مطر سمعت أبا خليفة يقول سمعت ابن عائشة يقول لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن ... طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع ... وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع ...
قال البيهقي وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة لا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك والله اعلم فذكرناه ها هنا أيضا قال البخاري رحمه الله حديث كعب ابن مالك رضي الله عنه حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك قال كعل لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها الا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب احدا تخلف عنها انما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة العقبة حتى تواثبنا على الاسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيشر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ولم يكن رسول الله يريد غزوة الا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله في حر شديد واستقبل سفر بعيدا وعددا وعدادا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان قال كعب فما رجل يريد أن يتغيب الا ظن أن يستخفي له ما لم ينزل فيه وحي الله وغزا رسول الله صلى الله عليه و سلم [ تلك الغزوة ] حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فارجع ولم اقض شيئا فاقول في نفسي أنا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فاصبح رسول الله والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا فقلت أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم اقض شيئا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل بي حتى اسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن ارتحل فادركهم وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك فكنت اذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله فطفت فيهم أحزنني أني لا ارى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب فقال (5/23)
رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه براده ونظره في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كعب بن مالك قال فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج غدا من سخطه واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء من كذب فاجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم قادما فكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون اليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم الى الله عز و جل فجئته فما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك ألم تكن د ابتعت ظهرك فقلت بلى وإني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرايت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد اعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لارجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي عذر ووالله ما كنت قط اقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت فثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم بما اعتذر اليه المخلفون وقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه و سلم لك فوالله ما زالوا يؤنبوننى حتى ههمت أن أرجع فاكذب نفسي ثم قلت لهم هل لقي هذا معي أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت وقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما ونهى رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الارض فما هي التي اعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فاشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الاسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فاسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة وأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ثم اصلي قريبا منه فأسارقه النظر فاذا أقبلت على صلاتي أقبل الي واذا التفت نحوه أعرض عني حتى اذا طال على ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس الي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا ابا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله (5/24)
ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال وبينا أنا أمشي بسوق المدينة اذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلني على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى اذا جاءني دفع الي كتابا من ملك غسان [ في سرقة من حرير ] فاذا فيه أما بعد فانه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسيك فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها فأقمنا على ذلك حتى اذا مضت أربعون ليلة من الخمسين اذا رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتيني فقال رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل الى صاحبي بمثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية الى رسول الله فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولكن لا يقربك قالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان الى يومه هذا فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله في امرأتك كما استأذن هلال ابن أمية أن تخدمه فقلت والله لا أستأذن فيها رسول الله وما يدريني ما يقول رسول الله إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب قال فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت خمسون ليلة من حين نهى رسول الله عن كلامنا فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز و جل قد ضاقت على نفسى وضاقت على الارض بما رحبت سمعت صوت صارخ أو في على جبل سلع [ يقول ] بأعلى صوته يا كعب ابشر فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله [ للناس ] بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يباشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل الي فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فاذا برسول الله صلى الله عليه و سلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلسنا بين (5/25)
يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة الى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فاني أمسك سهمي الذي بخيبر وقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي ألا أتحدث إلا صدقا ما بقيت فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين ابلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني ما شهدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومي هذا كذبا واني لارجو ان يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه و سلم لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الى قوله وكونوا مع الصادقين فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للاسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فان الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لاحد قال الله تعالى سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم الى قوله فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين قال كعب وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا ليس الذي ذكر الله مما خلفنا من الغزو وانما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه امرنا عمن حلف له واعتذر اليه فقبل منهم وهذا رواه مسلم من طريق الزهري بنحوه وهكذا رواه محمد بن اسحاق عن الزهري مثل سياق البخاري وقد سقناه في التفسير من مسند الامام احمد وفيه زيادات يسيرة ولله الحمد والمنة
ذكر اقوام تخلفوا من العصاة غير هؤلاء
قال علي بن طلحة الوالبي عن ابن عباس في وقوله تعالى وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله هو التواب الرحيم قال كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فلما حضروا رجوعه أوسق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد فلما مر بهم رسول الله قال من هؤلاء قالوا أبا لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك حتى تطلقهم وتعذرهم قال وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله عز و جل هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فلما أن بلغهم ذلك قالوا ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا فانزل الله عز و جل وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية وعسى من الله واجب فلما أنزلت ارسل اليهم رسول الله فاطلقهم وعذرهم فجاؤا باموالهم وقالوا يا رسول الله هذه أموالنا (5/26)
فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال ما أمرت أن آخذ أموالكم فانزل الله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وان الله سميع عليم الى قوله وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم وهم الذين لم يربطوا أنفسهم بالسواري فارجئوا حتى نزل قوله تعالى لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الذين خلفوا الى آخرها وكذا رواه عطية بن سعيد العوفي عن ابن عباس بنحوه
وقد ذكر سعيد بن المسيب ومجاهد ومحمد بن اسحاق قصة أبي لبابة وما كان من أمره يوم بني قريظة وربط نفسه حتى تيب عليه ثم إنه تخلف عن غزوة تبوك فربط نفسه أيضا حتى تاب الله عليه وأراد أن ينخلع من ماله كله صدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم يكفيك من ذلك الثلث قال مجاهد وابن اسحاق فيه نزل وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية قال سعيد بن المسيب ثم لم ير منه بعد ذلك في الاسلام الا خيرا رضي الله عنه وأرضاه
قلت ولعل هؤلاء الثلاثة لم يذكروا معه بقية اصحابه واقتصروا على أنه كان كالزعيم لهم كما دل عليه سياق ابن عباس والله أعلم وروى الحافظ البيهقي من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عياض بن عياض عن ابيه عن ابن مسعود قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن منكم منافقين فمن سميت فليقم قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى عد ستة وثلاثين ثم قال إن فيكم أو إن منكم منافقين فسلوا الله العافية قال فمر عمر برجل متقنع وقد كان بينه وبينه معرفة فقال ما شأنك فاخبره بما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بعدا لك سائر اليوم
قلت كان المتخلفون عن غزوة تبوك أربعة أقسام مأمورون مأجورون كعلي بن ابي طالب ومحمد بن مسلمة وابن أم كلثوم ومعذورون وهم الضعفاء والمرضى والمقلون وهم البكاؤن وعصاة مذنبون وهم الثلاثة أبو لبابة وأصحابه المذكورون وآخرون ملومون مذمومون وهم المنافقون
ما كان من الحوادث بعد منصرفه من تبوك
قال الحافظ البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو البختري عبد الله بن شاكر حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا عم ابي زخر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة بن لام يقول هاجرت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم منصرفه من تبوك فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قل لا يفضض الله فيما شك فقال ... من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق (5/27)
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا نطفة ولا علق ... بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق ... تنقل من صالب إلى رجم ... إذا مضى عالم بدا طبق ... حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطق ... وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض فضاءت بنورك الأفق ... فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد يخترق ...
ورواه البيهقي من طريق اخرى عن أبي السكن زكريا بن يحيى الطائي وهو في جزء له مروى عنه قال البيهقي وزاد ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الحيرة البيضاء رفعت لي وهذه الشيماء بنت نفيلة الازدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود فقلت يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما تصف فهي لي قال هي لك قال ثم كانت الردة فما ارتد أحد من طيء وكنا نقاتل من يلينا من العرب على الاسلام فكنا نقاتل قيسا وفيها عيينة بن حصن وكنا نقاتل بني أسد وفيهم طلحة بن خويلد وكان خالد بن الوليد يمدحنا وكان فيما قال فينا ... جزى الله عنا طيئا في ديارها ... بمعترك الابطال خير جزاء ... هموا أهل رايات السماحة والندى ... إذا ما الصبا ألوت بكل خباء ... هموا ضربوا قيسا على الدين بعدما ... أجابوا منادي ظلمة وعماء ...
قال ثم سار خالد إلى مسيلمة الكذاب فسرنا معه فلما فرغنا من مسيلمة أقبلنا إلى ناحية البصرة فلقينا هرمز بكاظمة في جيش هو اكبر من جمعنا ولم يكن احد من العجم أعدى للعرب والاسلام من هرمز فخرج اليه خالد ودعاه الى البراز فبرز له فقتله خالد وكتب بخبره الى الصديق فنفله سلبه فبلغت قلنسوة هرمز مائة الف درهم وكانت الفرس اذا شرف فيها الرجل جعلت قلنسوته بمائة ألف درهم قال ثم قفلنا على طريق الطف الى الحيرة فأول من تلقانا حين دخلناها الشيماء بنت نفيلة كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود فتعلقت بها وقلت هذه وهبها لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعاني خالد عليها بالبينة فأتيته بها وكانت البينة محمد بن مسلمة ومحمد بن بشير الانصاري فسلمها لي فنزل إلي أخوها عبد المسيح يريد الصلح فقال بعينها فقلت لا أنقصها والله عن عشرة مائة درهم فاعطاني ألف درهم وسلمتها اليه فقيل لو قلت مائة ألف لدفعها اليك فقلت ما كنت أحسب أن عددا أكثر من عشر مائة (5/28)
قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان من سنة تسع
تقدم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ارتحل عن ثقيف سئل أن يدعو عليهم فدعا لهم بالهداية وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اسلم مالك بن عوف النضري أنعم عليه وأعطاه وجعله أميرا على من أسلم من قومه فكان يغزو بلاد ثقيف ويضيق عليهم حتى ألجأهم الى الدخول في الاسلام وتقدم أيضا فيما رواه أبو داود عن صخر بن العيلة الاحمسي أنه لم يزل بثقيف حتى أنزلهم من حصنهم على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل بهم الى المدينة النبوية بإذن رسول الله صلى الله عليه و سلم له في ذلك
وقال ابن اسحاق وقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة من تبوك في رمضان وقدم عليه في ذلك الشهر وفد من ثقيف وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما انصرف عنهم اتبع اثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل الى المدينة فأسلم وسأله أن يرجع الى قومه بالاسلام فقال له رسول الله كما يتحدث قومه إنهم قاتلوك وعرف رسول الله أن فيهم نخوة الامتناع للذي كان منهم فقال عروة يا رسول الله أنا أحب اليهم من أبكارهم وكان فيهم كذلك محببا مطاعا فخرج يدعو قومه الى الاسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما اشرف على عيلة له وقد دعاهم الى الاسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم يقال له أوس بن عوف أخو بني سالم بن مالك ويزعم الاحلاف أنه قتله رجل منهم من بني عتاب يقال له وهب بن جابر فقيل لعروة ما ترة في دينك قال كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله الي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فيه إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه وهكذا ذكر موسى بن عقبة قصة عروة ولكن زعم أن ذلك كان بعد حجة أبي بكر الصديق وتابعه أبو بكر البيهقي في ذلك وهذا بعيد والصحيح أن ذلك قبل حجة أبي بكر كما ذكره ابن اسحاق والله أعلم
قال ابن اسحاق ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة شهرا ثم إنهم ائتمروا بينهم رأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا فائتمروا فيما بينهم وذلك عن رأي عمرو ابن أمية أخي بني علاج فائتمروا بينهم ثم أجمعوا على أن يرسلوا رجلا منهم فارسلوا عبد ياليل بن عمرو بن عمير ومعه اثنان من الأحلاف وثلاثة من بني مالك وهم الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب وعثمان بن أبي العاص وأوس بن عوف أخو (5/29)
بني سالم ونمير بن خرشة بن ربيعة وقال موسى بن عقبة كانوا بضعة عشر رجلا فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رئيسهم وفيهم عثمان بن ابي العاص وهو أصغر الوفد قال ابن اسحاق فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة الفوا المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآهم ذهب يشتد ليبشر رسول الله بقدومهم فلقيه أبو بكر الصديق فاخبره عن ركب تقيق أن قدموا يريدون البيعة والاسلام إن شرط لهم رسول الله شروطا ويكتبوا كتابا في قومهم فقال أبو بكر للمغيرة أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله حتى أكون أنا أحدثه ففعل المغيرة فدخل أبو بكر فاخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقدومهم ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية ولما قدموا على رسول الله ضربت عليهم قبة في المسجد وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله فكان إذا جاءهم بطعام من عنده لم يأكلوا منه حتى يأكل خال بن سعيد قبلهم وهو الذي كتب لهم كتابهم قال وكان مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يدع لهم الطاغية ثلاث سنين فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى عليهم حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم ليتألفوا سفهاءهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى إلا أن يبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة ليهدماها وسألوه مع ذلك أن لا يصلوا وأن لا يكسروا أصنامهم بايديهم فقال أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم من ذلك وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه فقالوا سنؤتيكها وإن كانت دناءة وقد قال الامام احمد حدثنا عفان ثنا محمد بن مسلمة عن حميد عن الحسن عن عثمان بن ابي العاص أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فانزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم فاشترطوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا ولا ولا يستعمل عليكم غيرهم فقال رسول الله
ص لكم أن لا تحشروا ولا تجبوا ولا يستعمل عليكم غيركم ولا خير في دين لا ركوع فيه وقال عثمان بن ابي العاص يا رسول الله علمني القرآن واجعلني إمام قومي وقد رواه أبو داود من حديث أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن حميد به وقال أبو داود حدثنا الحسن بن الصباح ثنا اسماعيل بن عبد الكريم حدثني ابراهيم بن عقيل بن منبه عن وهب سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت قال اشترطت على رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بعد ذلك سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا
قال ابن اسحاق فلما أسلموا وكتب لهم كتابهم أمر عليهم عثمان بن ابي العاص وكان أحدثهم سنا لأن الصديق قال يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الاسلام وتعلم (5/30)
القرآن وذكر موسى بن عقبة أن وفدهم كانوا إذا أتوا رسول الله خلفوا عثمان بن أبي العاص في رحالهم فاذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله عن العلم فاستقرأه القرآن فان وجده نائما ذهب إلى أبي بكر الصديق فلم يزل دأبه حتى فقه في الاسلام وأحبه رسول الله صلى الله عليه و سلم حبا شديدا
قال ابن اسحاق حدثني سعيد بن أبي هند عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص قال كان من آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بعثني إلى ثقيف قال يا عثمان تجوز في الصلاة وأقدر الناس بأضعفهم فان فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة وقال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن عثمان بن أبي العاص قال قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم فاقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا رواه أبو داود الترمذي من حديث حماد بن سلمة به ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن اسماعيل بن علية عن محمد بن اسحاق كما تقدم وروى احمد عن عفان عن وهب وعن معاوية بن عمرو عن زائدة كلاهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن داود ابن أبي عاصم عن عثمان بن أبي العاص أن آخر ما فارقه رسول الله حين استعمله على الطائف أن قال إذا صليت بقوم فخفف بهم حتى وقت لي اقرأ باسم ربك الذي خلق وأششباهها من القرآن وقال احمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت سعيد بن المسيب قال حدث عثمان ابن أبي العاص قال آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قال إذا أممت قوما فخفف بهم الصلاة ورواه مسلم عن محمد بن مثنى وبندار كلاهما عن محمد بن جعفر عن عبد ربه وقال احمد حدثنا أبو أحمد الزبيري ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عبد الله بن الحكم أنه سمع عثمان بن أبي العاص يقول استعملني رسول الله صلى الله عليه و سلم على الطائف فكان آخر ما عهد إلي إن قال خفف عن الناس الصلاة تفرد به من هذا الوجه وقال احمد حدثنا يحيى بن سعيد أخبرنا عمرو بن عثمان حدثني موسى هو ابن طلحة أن عثمان بن أبي العاص حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره أن يؤم قومه ثم قال من أم قوما فليخفف بهم فان فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة فاذا صلى وحده فليصل كيف شاء ورواه مسلم من حديث عمرو بن عثمان به وقال احمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم سمعت أشياخا من تقيق قالوا حدثنا عثمان بن ابي العاص أنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأم قومك وإذا أممت قوما فخفف بهم الصلاة فانه يقوم فيها الصغير والكبير والضعيف والمريض وذو الحاجة وقال احمد حدثنا ابراهيم بن اسماعيل عن الجريري عن أبي العلاء بن الشخير أن عثمان قال يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي قال ذاك شيطان يقال له خنرب فاذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا قال (5/31)
ففعلت ذلك فاذهبه الله عني ورواه مسلم من حديث سعيد الجريري به وروى مالك واحمد ومسلم وأهل السنن من طرق عن نافع بن جبير بن مطعم عن عثمان بن أبي العاص أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وجعا يجده في جسده فقال له ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر وفي بعض الروايات ففعلت ذلك فاذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم وقال أبو عبد الله بن ماجه حدثنا محمد بن يسار ثنا محمد ابن عبد الله الانصاري حدثني عيينة بن عبد الرحمن وهو ابن جوشن حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص قال لما استعملني رسول الله صلى الله عليه و سلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ابن أبي العاص قلت نعم يا رسول الله قال ما جاء بك قلت يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي قال ذاك الشيطان أدن فدنوت منه فجلست على صدور قومي قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال أخرج عدو الله فعل ذلك ثلاث مرات ثم قال الحق بعملك قال فقال عثمان فلعمري ما أحسبه خالطني بعد تفرد به ابن ماجه
قال ابن اسحاق وحدثني عيسى بن عبد الله عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور فانا لنقول إنا لنرى الفجر قد طلع فيقول قد تركت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتسحر لتأخير السحور ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها وروى الامام احمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده أوس بن حذيفة قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد ثقيف قال فنزلت الاحلاف على المغيرة بن شعبة وأنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بني مالك في قبة له كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش ثم يقول لا آسى وكنا مستضعفين مستذلين بمكة فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا فلما كانت ليلة أبطأ عنا الوقت الذي كان يأتينا فيه فقلنا لقد أبطأت علينا الليلة فقال إنه طرئ علي جزئي من القرآن فكرهت أن أجيء حتى أتمه قال أوس سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف يجزئون القرآن فقالوا ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشر وثلاث عشره وحزب المفصل وحده لفظ أبو داود قال ابن اسحاق فلما فرغوا (5/32)
من أمرهم وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية فخرجا مع القوم حتى اذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان فأبى ذلك عليه أبو سفيان وقال ادخل أنت على قومك واقام أبو سفيان بماله بذي الهرم فلما دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول وقام قومه بني معتب دونه خشية أن يرمي أو يصاب كما أصيب عروة بن مسعود قال وخرج نساء تقيق حسرا يبكين عليها ويقلن ... لنبكين دفاع ... أسلمها الرضاع ... لم يحسنوا المصاع ...
قال ابن اسحاق ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفاس وآها لك وآها لك فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان فقال إن رسول الله قد أمرنا أن نقضي عن عروة بن مسعود وأخيه الاسود بن مسعود والدقارب بن الاسود دينهما من مال الطاغية يقضي ذلك عنهما
قلت كان الاسود قد مات مشركا ولكن أمر رسول الله بذلك تأليفا وإكراما لولده قارب بن الاسود رضي الله عنه وذكر موسى بن عقبة أن وفد ثقيف كانوا بضعة عشر رجلا فلما قدموا أنزلهم رسول الله المسجد ليسمعوا القرآن فسألوه عن الربا والزنا والخمر فحرم عليهم ذلك كله فسألوه عن الربة ما هو صانع بها قال اهدموها قالوا هيهات لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها قتلت أهلها فقال عمر بن الخطاب ويحك يا ابن عبد ياليل ما أجهلك إنما الربة حجر فقالوا إنا لم نأتك يا ابن الخطاب ثم قالوا يا رسول الله تول أنت هدمها أما نحن فانا لن نهدمها أبدا فقال سأبعث اليكم من يكفيكم هدمها فكاتبوه على ذلك واستأذنوه أن يسبقوا رسله اليهم فلما جاءوا قومهم تلقوهم فسألوهم ما وراءكم فأظهروا الحزن وأنهم إنما جاءوا من عند رجل فظ غليظ قد ظهر بالسيف بحكم ما يريد وقد دوخ العرب قد حرم الربا والزنا والخمر وأمر بهدم الربة فنفرت ثقيف وقالوا لا نطيع لهذا أبدا قال فأهبوا للقتال وأعدوا السلاح فمكثوا على ذلك يومين أو ثلاثة ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فرجعوا وأنابوا وقالوا ارجعوا اليه فشارطوه على ذلك وصالحوه عليه قالوا فإنا قد فعلنا ذلك ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا اليه وفيما قاضيناه فافهموا القضية واقبلوا عافية الله قالوا فلم كتمتمونا هذا أولا قالوا أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان فأسلموا مكانهم ومكثوا أياما ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أمر عليهم خالد بن الوليد وفيهم المغيرة بن شعبة فعمدوا إلى اللات وقد استكفت ثقيف رجالها ونساءها والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال ولا يرى عامة ثقيف أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين يعني المعول وقال لاصحابه والله لاضحكنكم من ثقيف (5/33)
فضرب بالكرزين ثم سقط يركض برجله فارتج أهل الطئاف بصيحة واحدة وفرحوا وقالوا أبعد الله المغيرة قتلته الربة وقالوا لأولئك من شاء منكم فليقترب فقام المغيرة فقال والله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر فاقبلوا عافية الله واعبدوه ثم إنه ضرب الباب فكسره ثم علا سورها وعلا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها بالارض وجعل سادنها يقول ليغضبن الاساس فليخسفن بهم فلما سمع المغيرة قال لخالد دعني أحفر اساسها فحفروه حتى أخرجوا ترابها وجمعوا ماءها وبناءها وبهتت عند ذلك ثقيف ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقسم أموالها من يومه وحمدوا الله تعالى على اعتزاز دينه ونصرة رسوله
قال ابن اسحاق وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كتب لهم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله الى المؤمنين إن عضاه وج وصيده لا يعضد من وجد يفعل شيئا من ذلك فانه يجلد وتنزع ثيابه وإن تعدى ذلك فانه يؤخذ فيبلغ به النبي محمدا وإن هذا أمر النبي محمد وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله وقد قال الامام احمد حدثنا عبد الله بن الحارث من أهل مكة مخزومي حدثني محمد ابن عبد الله بن أنسان وثنى عليه خيرا عن أبيه عن عروة بن الزبير قال اقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم في طرف القرن حذوها فاستقبل محبسا ببصره يعني واديا ووقف حتى اتفق الناس كلهم ثم قال إن صيدوج وعضاهه حرم محرم لله وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا وقد رواه أبو داود من حديث محمد بن عبد الله بن انسان الطائفي وقد ذكره ابن حبان في ثقاته وقال ابن معين ليس به بأس تكلم فيه بعضهم وقد ضعف احمد والبخاري وغيرهما هذا الحديث وصححه الشافعي وقال بمقتضاه والله أعلم
موت عبد الله بن أبي قبحه الله
قال محمد بن اسحاق حدثني الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه فلما عرف فيه الموت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما والله إن كنت لأنهاك عن حب يهود فقال قد أبغضهم أسعد بن زرارة فمه وقال الواقدي مرض عبد الله بن أبي في ليال بقين من شوال ومات في ذي القعدة وكان مرضه عشرين ليلة فكان رسول الله يعوده فيها فلما كان اليوم الذي مات فيه دخل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يجود (5/34)
بنفسه فقال قد نهيتك عن حب يهود فقال قد أبغضهم أسعد بن زرارة فما نفعه ثم قال يا رسول الله ليس هذا الحين عتاب هو الموت فاحضر غسلي وأعطني قميصك الذي يلي جلدك فكفني فيه وصل علي واستغفر لي ففعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى البيهقي من حديث سالم بن عجلان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوا مما ذكره الواقدي فالله أعلم وقد قال اسحاق بن راهويه قلت لابي اسامة أحدثكم عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فاعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي عليه فقام عمر بن الخطاب فاخذ بثوبه فقال يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك الله عنه فقال رسول الله إن ربي خيرني فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وسأزيد على السبعين فقال إنه منافق أتصلي عليه فانزل الله عز و جل ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله فأقر به أبو أسامة وقال نعم وأخرجاه في الصحيحين من حديث أبي أسامة وفي رواية للبخاري وغيره قال عمر فقلت يا رسول الله تصلي عليه وقد قال في يوم كذا كذا وقال في يوم كذا كذا وكذا فقال دعني يا عمر فاني بين خيرتين ولو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت ثم صلى عليه فأنزل الله عز و جل ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره الآية قال عمر فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه و سلم والله ورسوله أعلم وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم قبر عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته فامر به فاخرج فوضعه على ركبتيه أو فخذيه ونفث عليه من ريقه والبسه قميصه فالله أعلم وفي صحيح البخاري بهذا الاسناد مثله وعنده إنه إنما ألبسه قميصه مكافأة لما كان كسى العباس قميصا حين قدم المدينة فلم يجدوا قميصا يصلح له إلا قميص عبد الله بن أبي وقد ذكر البيهقي ها هنا قصة ثعلبة بن حاطب وكيف افتتن بكثرة المال ومنعه الصدقة وقد حررنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله الآية فصل
قال ابن اسحاق وكانت غزوة تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه يعدد أيام الانصار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ويذكر مواطنهم معه في أيام غزوه قال ابن هشام وتروى لابنه عبد الرحمن بن حسان ... ألست خير معد كلها نفرا ... ومعشرا إن هموا عموا وإن حصلوا (5/35)
قوم هموا شهدوا بدرا بأجمعهم ... مع الرسول فما ألوا وما خذلوا ... وبايعوه فلم ينكث به أحد ... منهم ولم يك في إيمانه دخل ... ويوم صبحهم في الشعب من أحد ... ضرب رصين كحر النار مشتعل ... ويوم ذي قرد يوم استثار بهم ... على الجياد فما خانوا وما نكلوا ... وذا العشيرة جاسوها بخيلهم ... مع الرسول عليها البيض والأسل ... ويوم ودان أجلوا أهله رقصا ... بالخيل حتى نهانا الحزن والجبل ... وليلة طلبوا فيها عدوهم ... لله والله يخزيهم بما عملوا ... وليلة بحنين جالدوا معه ... فيها يعلهم في الحرب إذ نهلوا ... وغزوة يوم نجد ثم كان لهم ... مع الرسول بها الأسلاب والنفل ... غزوة القاع فرقنا العدو به ... كما يفرق دون المشرب الرسل ... ويوم بويع كانوا أهل بيعته ... على الجلاد فآسوا وما عدلوا ... وغزوة الفتح كانوا في سريته ... مرابطين فما طاشوا وما عجلوا ... ويوم خيبر كانوا في كتيبته ... يمشون كلهم مستبسل بطل ... بالبيض ترعش في الايمان عارية ... تعوج بالضرب أحيانا وتعتدل ... ويوم سار رسول الله محتسبا ... إلى تبوك وهم راياته الأول ... وساسة الحرب إن حرب بدت لهم ... حتى بدا لهم الإقبال فالقفل ... أولئك القوم أنصار النبي وهم ... قومي أصير إليهم حين أتصل ... ماتوا كراما ولم تنكث عهودهم ... وقتلهم في سبيل الله إذ قتلوا ... ذكر بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر الصديق أميرا على الحج سنة تسع ونزول سورة براءة
قال ابن اسحاق بعد ذكره وفود أهل الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان كما تقدم بيانه مبسوطا قال أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بقية شهر رمضان وشوالا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم وأهل الشرك على منازلهم من حجهم لم يصدوا بعد عن البيت ومنهم من له عهد مؤقت إلى أمد فلما خرج أبو بكر رضي الله عنه بمن معه من المسلمين وفصل عن البيت أنزل الله عز و جل هذه الآيات من أول سورة التوبة براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة اشهر إلى قوله وأذان من الله ورسوله إلى (5/36)
الناس يوم الحج الاكبر إن الله بريء من المشركين ورسوله إلى آخر القصة ثم شرع ابن اسحاق يتكلم على هذه الآيات وقد بسطنا الكلام عليها في التفسير ولله الحمد والمنة والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عليا رضي الله عنه بعد أبي بكر الصديق ليكون معه ويتولى علي بنفسه ابلاغ البراءة إلى المشركين نيابة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لكونه ابن عمه من عصبته
قال ابن اسحاق حدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم للناس الحج قيل له يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ثم دعا علي بن أبي طالب فقال اخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ألا إنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله عهد فهو له إلى مدته فخرج علي بن أبي طالب على ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم العضباء حتى أدرك أبا بكر الصديق فلما رآه ابو بكر قال أمير أو مأمور فقال بل مأمور ثم مضيا فاقام أبو بكر للناس الحج والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه و سلم وأجل أربعة اشهر من يوم أذن فيهم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة الا أحد كان له عند رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد فهو له إلى مدته فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا مرسل من هذا الوجه وقد قال البخاري باب حج أبي بكر رضي الله عنه بالناس سنة تسع حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع حدثنا فليح عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها النبي صلى الله عليه و سلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن في البيت عريان وقال البخاري في موضع آخر حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر الصديق في تلك الحجة في المؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان قال حميد ثم اردف النبي صلى الله عليه و سلم بعلي فأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان وقال البخاري في كتاب الجهاد حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر الصديق فيمن يؤذن يوم النحر بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الاكبر يوم النحر وإنما قيل الاكبر من أجل قول الناس العمرة (5/37)
الحج الاصغر فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم مشرك ورواه مسلم من طريق الزهري به نحوه
وقال الامام احمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مغيرة عن الشعبي عن محرز بن ابي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما كنتم تنادون قالوا كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولا يطوف في البيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد فان أجله أو أمده إلى أربعة أشهر فاذا مضت الاربعة أشهر فان الله برئ من المشركين ورسوله ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك قال فكنت أنادي حتى صحل صوتي وهذا اسناد جيد لكن فيه نكارة من جهة قول الراوي إن من كان له عهد فاجله إلى أربعة أشهر وقد ذهب إلى هذا ذاهبون ولكن الصحيح أن من كان له عهد فأجله إلى أمده بالغا ما بلغ ولو زاد على أربعة أشهر ومن ليس له أمد بالكلية فله تأجيل أربعة اشهر بقي قسم ثالث وهو من له أمديتنا إلى أقل من أربعة اشهر من يوم التأجيل وهذا يحتمل أن يلتحق بالاول فيكون أجله إلى مدته وإن قل ويحتمل أن يقال إنه يؤجل إلى أربعة اشهر لأنه أولى ممن ليس له عهد بالكلية والله تعالى أعلم وقال الامام أحمد حدثنا عفان ثنا حماد عن سماك عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث براءة مع أبي بكر فلما بلغ ذا الحليفة قال لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي فبعث بها مع علي بن أبي طالب وقد رواه الترمذي من حديث حماد بن سلمة وقال حسن غريب من حديث أنس وقد روى عبد الله بن أحمد عن لوين عن محمد بن جابر عن سماك عن حلس عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما اردف أبا بكر بعلي فأخذ منه الكتاب بالجحفة رجع أبو بكر فقال يا رسول الله نزل في شيء قال لا ولكن جبريل جاءني فقال لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك وهذا ضعيف الاسناد ومتنه فيه نكارة والله أعلم وقال الامام احمد حدثنا سفيان عن أبي اسحاق عن زيد بن بثيع رجل من همدان قال سألنا عليا بأي شيء بعثت يوم بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر في الحجة قال باربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته ولا يحج المشركون بعد عامهم هذا وهكذا رواه الترمذي من حديث سفيان هو ابن عيينة عن أبي اسحاق السبيعي عن زيد بن بثيع عن علي بن وقال حسن صحيح ثم قال وقد رواه شعبة عن أبي اسحاق فقال عن زيد ابن أثيل ورواه الثوري عن أبي اسحاق عن بعض أصحابه عن علي
قلت ورواه ابن جرير من حديث معمر عن أبي اسحاق عن الحارث عن علي وقال ابن (5/38)
جرير حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا أبو زرعة وهب الله بن راشد أخبرنا حيوة بن شريح أخبرنا ابن صخر أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول سمعت أبا الصهباء البكري وهو يقول سألت علي بن أبي طالب عن يوم الحج الاكبر فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث أبا بكر ابن أبي قحافة يقيم للناس الحج وبعثني معه باربعين آية من براءة حتى أتى عرفة فخطب الناس يوم عرفة فلما قضى خطبته التفت إلي فقال قم يا علي فأد رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من براءة ثم صدرنا فأتينا منى فرميت الجمرة ونحرت البدنة ثم حلقت رأسي وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضورا كلهم خطبة أبي بكر رضي الله عنه يوم عرفة فطفت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم قال على فمن ثم أخال حسبتم أنه يوم النحر إلا وهو يوم عرفة وقد تقصينا الكلام على هذا المقام في التفسير وذكرنا اسانيد الاحاديث والآثار في ذلك مبسوطا بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة
قال الواقدي وقد كان خرج مع أبي بكر من المدينة ثلثمائة من الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف وخرج أبو بكر معه بخمس بدنات وبعث معه رسول الله صلى الله عليه و سلم بعشرين بدنة ثم أردفه بعلي فلحقه بالعرج فنادى ببراءة امام الموسم فصل
كان في هذه السنة أعني في سنة تسع من الامور الحادثة غزوة تبوك في رجب كما تقدم بيانه قال الواقدي وفي رجب منها مات النجاشي صاحب الحبشة ونعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الناس وفي شعبان منها أي من هذه السنة توفيت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بن عبد المطلب وقيل غسلها نسوة من الانصار فيهم أم عطية
قلت وهذا ثابت في الصحيحين وثبت في الحديث أيضا أنه عليه السلام لما صلى عليها وأراد دفنها قال لا يدخله أحد قارف الليلة أهله فامتنع زوجها عثمان لذلك ودفنها أبو طلحة الانصاري رضي الله عنه [ ويحتمل أنه أراد بهذا الكلام من كان يتولى ذلك ممن يتبرع بالحفر والدفن من الصحابة كأبي عبيدة وأبي طلحة ومن شابهم فقال لا يدخل قبرها إلا من لم يفارق أهله من هؤلاء إذ يبعد أن عثمان كان عنده غير أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا بعيد والله أعلم ] وفيها صالح ملك أيلة وأهل جرباء وأذرح وصاحب دومة الجندل كما تقدم ايضاح ذلك كله في مواضعه وفيها هدم مسجد الضرار الذي بناه جماعة من المنافقين صورة مسجد وهو دار حرب فن (5/39)
الباطن فأمر به عليه السلام فحرق وفي رمضان منها قدم وفد ثقيف فصالحوا عن قومهم ورجعوا اليهم بالأمان وكسرت اللات كما تقدم وفيها توفي عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين لعنه الله في أواخرها وقبله بأشهر توفي معاوية بن معاوية الليثي أو المزني وهو الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو نازل بتبوك إن صح الخبر في ذلك وفيها حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس عن إذن رسول الله صلى الله عليه و سلم له في ذلك وفيها كان قدوم عامة وفود أحياء العرب ولذلك تسمى سنة تسع سنة الوفود وها نحن نعقد لذلك كتابا برأسه اقتداء بالبخاري وغيره كتاب الوفود
الواردين إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال محمد بن اسحاق لما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف وبايعت ضربت اليه وفود العرب من كل وجه قال ابن هشام حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع وأنها كانت تسمى سنة الوفود قال ابن اسحاق وإنما كانت العرب تربص بإسلامها أمر هذا الحي من قريش لأن قريشا كانوا امام الناس وهاديتهم وأهل البيت والحرم وصريح ولد اسماعيل بن ابراهيم وقادةالعرب لا ينكرون ذلك وكانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله صلى الله عليه و سلم وخلافه فلما افتتحت مكة ودانت له قريش ودوخها الاسلام عرفت العرب أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا عداوته فدخلوا في دين الله كما قال عز و جل أفواجا يضربون اليه منكل وجه يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا أي فاحمد الله على ما ظهر من دينك واستغفره غنه كان توابا وقد قدمنا حديث عمرو بن مسلمة قال كانت العرب تلوم باسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه فانه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم باسلامهم وبدر أي قومي باسلامهم فلما قدم قال جئتكم والله من عند النبي حقا قال صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا فاذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا وذكر تمام الحديث وهو في صحيح البخاري
قلت وقد ذكر محمد بن اسحاق ثم الواقدي والبخاري ثم البيهقي بعدهم من الوفود ما هو متقدم تاريخ قومهم على سنة تسع بل وعلى فتح مكة وقد قال الله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من مقبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى وتقدم قوله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح لا هجرة ولكن جهاد ونية فيجب التمييز بين السابق من هؤلاء الوافدين على (5/40)
زمن الفتح ممن يعد وفوده هجرة وبين الملاحق لهم بعد الفتح ممن وعد الله خيرا وحسنى ولكن ليس في ذلك كالسابق في الزمان والفضيلة والله أعلم على أن هؤلاء الأئمة الذين اعتنوا بايراد الوفود قد تركوا فيما أوردوه أشياء لم يذكروها ونحن نورد بحمد الله ومنه ما ذكروه وننبه على ما ينبغي التنبيه عليه من ذلك ونذكر ما وقع لنا مما أهملوه إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان وقد قال محمد بن عمر الواقدي حدثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه و سلم من مضر اربعمائة من مزينة وذاك في رجب سنة خمس فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الهجرة في دارهم وقال أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم فرجعوا إلى بلادهم ثم ذكر الواقدي عن هشام بن الكلبي باسناده أن أول من قدم من مزينة خزاعي بن عبد نهم ومعه عشرة من قومه فبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم على اسلام قومه فلما رجع اليهم لم يجدهم كما ظن فيهم فتأخروا عنه فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم حسان بن ثابت أن يعرض بخزاعي من غير أن يهجوه فذكر أبياتا فلما بلغت خزاعيا شكى ذلك إلى قومه فجمعوا له وأسلموا معه وقدم بهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما كان يوم الفتح دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم لواء مزينة وكان يومئذ الفا إلى خزاعي هذا قال وهو أخو عبد الله ذو البجادين وقال البخاري رحمه الله باب وفد بني تميم حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي صخرة عن صفوان بن محرز المازني عن عمران بن حصين قال أتى نفر من بني تميم ألى النبي صلى الله عليه و سلم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا يا رسول الله قد بشرتنا فاعطنا فرؤى ذلك في وجهه ثم جاء نفر من اليمن فقال اقبلوا البشرى إذا لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا يا رسول الله ثم قال البخاري حدثنا ابراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبره عن ابن ابي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر أمر القعقاع ابن معبد بن زرارة فقال عمر بل أمر الاقرع بن حابس فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي فقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت يا ايها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله حتى انقضت ورواه البخاري أيضا من غير وجه عن ابن أبي مليكة بألفاظ أخرى قد ذكرنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية
وقال محمد بن اسحاق ولما قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفود العرب قدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي في أشراف بني تميم منهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر التميمي أحد بني سعد وعمرو بن الاهتم والحتحات بن يزيد ونعيم بن يزيد وقيس بن (5/41)
الحارث وقيس بن عاصم أخو بني سعد في وفد عظيم من بني تميم قال ابن اسحاق ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وقد كان الاقرع بن حابس وعيينة شهدا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فتح مكة وحنين والطائف فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم ولما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه و سلم من وراء حجراته أن أخرج الينا يا محمد فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم من صياحهم فخرج اليهم فقالوا يا محمد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا قال قد اذنت لخطيبكم فليقل فقام عطارد بن حاجب فقال الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن وهو أهله الذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف وجعلنا أعزة أهل المشرق وأكثره عددا وأيسره عدة فمن مثلنا في الناس ألسنا برؤس الناس وأولي فضلهم فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا وإنا لو نشاء لاكثرنا الكلام ولكن نخشى من الاكثار فيما أعطانا وإنا نعرف [ بذلك ] أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا وأمر أفضل من أمرنا ثم جلس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث بن الخزرج قم فاجب الرجل في خطبته فقام ثابت فقال الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه ولم يك شيء قط إلا من فضله ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا واصطفى من خيرته رسولا أكرمه نسبا واصدقه حديثا وأفضله حسبا فانزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله من العالمين ثم دعا الناس إلى الايمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه أكرم الناس احسابا وأحسن الناس وجوها وخير الناس فعالا ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم نحن فنحن أنصار الله وزراء رسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ومن كفر جاهدناه في الله أبدا وكان قتله علينا يسيرا أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم فقام الزبرقان بن بدر فقال ... نحن الكرام فلا حي يعادلنا ... منا الملوك وفينا تنصب البيع ... وكم قسرنا من الأحياء كلهم ... عند النهاب وفضل العز يتبع ... ونحن يطعم عند القحط مطعمنا ... من الشواء إذا لم يؤنس الفزع ... بما ترى الناس تأتينا سراتهم ... من كل أرض هويا ثم تصطنع ... فننحر الكوم غبطا في أرومتنا ... للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا ... فما ترانا إلى حي نفاخرهم ... إلا استفادوا وكانوا الرأس تقتطع ... فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه ... فيرجع القوم والأخبار تستمع (5/42)
إنا أبينا ولم يأبى لنا أحد ... إنا كذلك عند الفخر نرتفع ...
قال ابن اسحاق وكان حسان بن ثابت غائبا فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فلما انتهيت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقام شاعر القوم فقال ما قال أعرضت في قوله وقلت على نحو ما قال فلما فرغ الزبرقان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت قم يا حسان فاجب الرجل فيما قال فقال حسان ... إن الذوائب من فهر وأخوتهم ... قد بينوا سنة للناس تتبع ... يرضى بها كل من كانت سريرته ... تقوى الاله وكل الخير يصطنع ... قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في اشياعهم نفعوا ... سجية تلك منهم غير محدثه ... إن الخلائق فاعلم شرها البدع ... إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم تبع ... لا يرفع الناس ما أوهت أكفهم ... عند الدفاع ولا يوهون ما رفعوا ... إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم ... أو وازنوا أهل مجد بالندى منعوا ... أعفة ذكرت في الوحي عفتهم ... لا يطمعون ولا يرديهم طمع ... لا يبخلون على جار بفضلهم ... ولا يمسهم من مطمع طبع ... غذا نصبنا لحي لم ندب لهم ... كما يدب الى الوحشية الذرع ... نسموا إذا الحرب نالتنا مخالبها ... إذا الزعانف من أظفارها خشعوا ... لا يفخرون إذا نالوا عدوهم ... وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع ... كأنهم في الوغى والموت مكتنع ... أسد بحلية في أرساعها فدع ... خذ منهم ما أتوا عفوا إذا غضبوا ... ولا يكن همك الأمر الذي منعوا ... فإن في حريتهم فاترك عداوتهم ... شرا يخاض عليه السم والسلع ... أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفاوتت الأهواء والشيع ... أهدى لهم مذ حتى قلب يؤازره ... فيما أحب لسان حائك صنع ... فإنهم
أفضل الاحياء كلهم
... إن جد في الناس جد القول أو شمعوا ...
وقال ابن هشام أخبرني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم أن الزبرقان لما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد بني تميم قام فقال (5/43)
أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا ... إذا اختلفوا عند احتضار المواسم ... بأنا فروع الناس في كل موطن ... وأن ليس في أرض الحجاز كدارم ... وأنا نذود المعلمين إذا انتخوا ... ونضرب رأس الأصيد المتفاقم ... وإن لنا المرباع في كل غارة ... تغير بنجد أو بأرض الأعاجم ...
قال فقام حسان فاجابه فقال ... هل المجد إلا السؤدد العود والندى ... وجاه الملوك واحتمال العظائم ... نصرنا وآوينا النبي محمدا ... على أنف راض من معد وراغم ... بحي حريد أصله وثراؤه ... بجابية الجولان وسط الأعاجم ... نصرناه لما حل بين بيوتنا ... بأسيافنا من كل باغ وظالم ... جعلنا بنينا دونه وبناتنا ... وطبنا له نفسا بفيء المغانم ... ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا ... على دينه بالمرهفات الصوارم ... ونحن ولدنا من قريش عظيمها ... ولدنا نبي الخير من آل هاشم ... بني دارم لا تفخروا إن فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم ... هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خول من بين ظئر وخادم ... فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... وأموالكم أن تقسموا في المقاسم ... فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا ... ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم ...
قال ابن اسحاق فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله قال الاقرع بن حابس وأبى إن هذا لمؤتي له لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره اشعر من شاعرنا ولاصواتهم أعلا من أصواتنا قال فلما فرغ القوم أسلموا وجوزهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فاحسن جوائزهم وكان عمرو بن الاهتم قد خلفه القوم في رحالهم وكان أصغرهم سنا فقال قيس بن عاصم وكان يبغض عمرو بن الاهتم يا رسول الله إنه كان رجل منا في رحالنا وهو غلام حدث وأزرى به فاعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ما أعطى القوم قال عمرو بن الاهتم حين بلغه أن قيسا قال ذلك يهجوه ... ظللت مفترش الهلباء تشتمني ... عند الرسول فلم تصدق ولم تصب ... سدناكم سؤددا رهوا وسؤددكم ... باد نواجذه مقع على الذنب ...
وقد روى الحافظ البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن محمد بن الزبير الحنظلي قال قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم الزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وعمرو بن الاهتم فقال لعمرو بن الاهتم أخبرني عن الزبرقان فاما هذا فلست (5/44)
أسألك عنه وأراه كان قد عرف قيسا قال فقال مطاع في أدنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان قد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال قال فقال عمرو والله ما علمتك الازبر المروءة ضيق العطن أحمق الاب لئيم الخال ثم قال يا رسول الله قد صدقت فيها جميعا أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم فيه وأسخطني فقلت باسوء ما أعلم قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من البيان سحرا وهذا مرسل من هذا الوجه قال البيهقي وقد روى من وجه آخر موصولا أنبأنا أبو جعفر كامل بن احمد المستملي ثنا محمد بن محمد بن محمد بن احمد بن عثمان البغدادي ثنا محمد بن عبد الله ابن الحسن العلاف ببغداد حدثنا علي بن حرب الطائي أنبأنا أبو سعد بن الهيثم بن محفوظ عن ابي المقوم يحيى بن يزيد الانصاري عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال جلس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر وعمرو بن الاهتم التميميون ففخر الزبرقان فقال يا رسول الله أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب أمنعهم من الظلم وآخذ لهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الاهتم قال عمرو بن الاهتم إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أدنيه فقال الزبرقان والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال وما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو بن الاهتم أنا أحسدك فوالله إنك للئيم الخال حديث المال أحمق الوالد مضيع في العشيرة والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولا وما كذبت فيما قلت آخرا ولكني رجل اذا رضيت قلت أحسن ما علمت واذا غضبت قلت أقبح ما وجدت ولقد صدقت في الاولى والاخرى جميعا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من البيان لسحرا وهذا اسناد غريب جدا [ وقد ذكر الواقدي سبب قدومهم وهو أنه كانوا قد جهزوا السلاح على خزاعة فبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عيينة بن بدر في خمسين ليس فيهم انصاري ولا مهاجري فاسر منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا فقدم رؤساهم بسبب اسرائهم ويقال قدم منهم تسعين أو ثمانين رجلا في ذلك منهم عطارد والزبرقان وقيس بن عاصم وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد والاقرع بن حابس ورباح بن الحارث وعمرو بن الاهتم فدخلوا المسجد وقد أذن بلال الظهر والناس ينتظرون رسول الله صلى الله عليه و سلم ليخرج اليهم فجعل هؤلاء فنادوه من وراء الحجرات فنزل فيهم ما نزل ثم ذكر الواقدي خطيبهم وشاعرهم وأنه عليه الصلاة و السلام اجازهم على كل رجل اثنى عشر أوقية ونشا إلا عمرو بن الاهتم فانما أعطي خمس أواق لحداثة سنه والله أعلم ]
قال ابن اسحاق ونزل فيهم من القرآن قوله تعالى ... إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج اليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم قال ابن (5/45)
جرير حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن ابي اسحاق عن البراء في قوله إن الذين ينادونك من وراء الحجرات قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد إن حمدي زين وذمي شين فقال ذاك الله عز و جل وهذا إسناد جيد متصل وقد روى عن الحسن البصري وقتادة مرسلا عنهما وقد وقع تسمية هذا الرجل فقال الامام احمد حدثنا عفان ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة عن أبي سلمة عن عبد الرحمن عن الاقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد يا محمد وفي رواية يا رسول الله فلم يجبه فقال يا رسول الله إن حمدي لزين وأن ذمي لشين فقال ذاك الله عز و جل
حديث في فضل بني تميم
قال البخاري حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقولها فيهم هم اشد أمتي على الدجال وكانت فيهم سبية عند عائشة فقال أعتقيها فانها من ولد اسماعيل وجاءت صدقاتهم فقال هذه صدقات قوم أو قومي وهكذا رواه مسلم عن زهير بن حرب به [ وهذا الحديث يرد على قتادة ما ذكره صاحب الحماسة وغيره من شعر من ذمهم حيث يقول ... تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت طرق الرشاد لضلت ... ولو أن بوغوثا على ظهر قملة ... رأته تميم من بعيد لولت ... وفد بني عبد القيس
ثم قال البخاري بعد وفد بني تميم باب وفد عبد القيس حدثنا أبو اسحاق حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا قرة عن أبي حمزة قال قلت لابن عباس إن لي جرة ينتبذ لي فيها فاشربه حلوا في حي إن أكثرت منه فجالست القوم فاطلت الجلوس خشيت أن أفتضح فقال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مرحبا بالقوم غير خزايا ولا الندامي فقال يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين من مضر وإنا لا نصل اليك إلا في الشهر الحرام فحدثنا بجميل من الأمر أن عملنا به دخلنا الجنة وندعوا به من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الايمان بالله هل تدرون ما الايمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغانم الخمس وأنهاكم عن أربع ما ينتبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت وهكذا وراه مسلم من حديث قرة بن خالد عن أبي حمزة وله طرق في الصحيحين عن أبي حمزة وقال أبو (5/46)
داود الطيالسي في مسنده حدثنا شعبة عن أبي حمزة سمعت ابن عباس يقول إن وفد عبد القيس لما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ممن القوم قالوا من ربيعة قال مرحبا بالوفد غير الخزايا ولا الندامى فقالوا يا رسول الله إنا حي من ربيعة وإنا نأتيك شقة بعيدة وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لا نصل اليك إلا في شهر الحرام فمرنا بأمر فصل ندعوا اليه من وراءنا وندخل به الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم آمركم باربع وأنهاكم عن أربع آمركم بالايمان بالله وحده أتدرون ما الايمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغانم الخمس وأنهاكم عن أربع عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت وربما قال والمقير فاحفظوهن وادعوا اليهن من وراءكم وقد اخرجاه صاحبا الصحيحين من حديث شعبة بنحوه وقد رواه مسلم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد بحديث قصتهم بمثل هذا السياق وعنده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لاشج عبد القيس إن فيك لخلتين يحبهما الله عز و جل الحلم والاناة وفي رواية يحبهما الله ورسوله فقال يا رسول الله [ نخلقتهما أم جبلني الله عليهما فقال جبلك الله عليهما فقال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله ]
وقال الامام احمد حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا مطر بن عبد الرحمن سمعت هند بنت الوزاع أنها سمعت الوزاع يقول أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم والاشج المنذر بن عامر أو عامر بن المنذر ومعهم رجل مصاب فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وثبوا من رواحلهم فاتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبلوا يده ثم نزل الاشج فعقل راحلته وأخرج عيبته ففتحها فاخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما ثم أتى رواحلهم فعقلها فاتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا أشج إن فيك خصلتين يحبهما الله عز و جل ورسوله الحلم والأناة فقال يا رسول الله أنا تخلقتهما أو جبلني الله عليهما فقال بل جبلك الله عليهما قال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله عز و جل ورسوله فقال الوازع يا رسول الله إن معي خالا لي مصابا فادع الله له فقال أين هو آتيني به قال فصنعت مثل ما صنع الاشج البسته ثوبيه وأتيته فاخذ من ورائه يرفعها حتى راينا بياض إبطه ثم ضرب بظهره فقال أخرج عدو الله فولى وجهه وهو ينظر بنظر رجل صحيح وروى الحافظ البيهقي من طريق هود بن عبد الله بن سعد أنه سمع جده مزيدة العبدي قال بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث أصحابه إذ قال لهم سيطلع من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق فقام عمر فتوجه نحوهم فتلقى ثلاثة عشر راكبا فقال من القوم فقالوا من بني عبد القيس قال فما اقدمكم هذه البلاد التجارة قالوا (5/47)
لا قال أما أن النبي صلى الله عليه و سلم قد ذكركم آنفا فقال خيرا ثم مشوا معه حتى أتوا النبي صلى الله عليه و سلم فقال عمر للقوم وهذا صاحبكم الذي تريدون فرمى القوم بانفسهم عن ركائبهم فمنهم من مشى ومنهم من هرول ومنهم من سعى حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخذوا بيده فقبلوها وتخلف الاشج في الركاب حتى أناخها وجمع متاع القوم ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبلها فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن فيلك خلتين يحبهما الله ورسوله قال جبل جبلت أم تخلقا مني قال بل جبل فقال الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله
وقال ابن اسحاق وقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم الجارود بن عمرو بن حنش أخو عبد القيس قال ابن هشام وهو الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبد القيس وكان نصرانيا قال ابن اسحاق وحدثني من لا أتهم عن الحسن قال فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمه فعرض عليه الاسلام ودعاه اليه ورغبه فيه فقال يا محمد إني كنت على دين وإني تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم أنا ضامن أن قد هداك الله الى ما هو خير منه قال فاسلم وأسلم أصحابه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحملان فقال والله ما عندي ما احملكم عليه قال يا رسول الله إن بيننا وبين بلادنا ضوالا من ضوال الناس أفنتبلغ عليها الى بلادنا قال لا إياك وإياها فانما تلك حرق النار قال فخرج الجارود راجعا الى قومه وكان حسن الاسلام صلبا على دينه حتى هلك وقد أدرك الردة فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم الى دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود فتشهد شهادة الحق ودعا الى الاسلام فقال ايها الناس إني اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله واكفر من لم يشهد وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة الى المنذر بن ساوى العبدي فاسلم فحسن اسلامه ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل ردة أهل البحرين والعلاء عنده أميرا لرسول الله صلى الله عليه و سلم على البحرين ولهذا روى البخاري من حديث ابراهيم بن طهمان عن أبي حمزة عن ابن عباس قال أول جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسجد عبد القيس بحونا من البحرين وروى البخاري عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخر الركعتين بعد الظهر بسبب وفد عبد القيس حتى صلاهما بعد العصر في بيتها
قلت لكن في سياق ابن عباس ما يدل على أن قدوم وفد عبد القيس كان قبل فتح مكة لقولهم وبيننا وبينك هذا الحي من مضر لا نصل اليك إلا في شهر حرام والله أعلم
قصة ثمامة ووفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب
قال البخاري باب وفد بني حنيفة وقصة ثمامة بن انال حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث (5/48)
ابن سعد حدثني سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال بعث النبي صلى الله عليه و سلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج اليه النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما عندك يا ثمامة قال عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فتركه حتى كان الغد ثم قال له ما عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك فقال أطلقوا ثمامة فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يا محمد والله ما كان على وجه الارض وجه أبغض الى من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه الي والله ما كان دين أبغض الي من دينك فاصبح دينك أحب الدين الي والله ما كان من بلد أبغض الي من بلدك فاصبح بلدك أحب البلاد الي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل أصبوت قال لا ولكن أسلمت مع محمد صلى الله عليه و سلم ولا والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه و سلم وقد رواه البخاري في موضع آخر ومسلم وأبو داود والنسائي كلهم عن قتيبة عن الليث به وفي ذكر البخاري هذه القصة في الوفود نظر وذلك أن ثمامة لم يفد بنفسه وإنما أسر وقدم به في الوثاق فربط بسارية من سواري المسجد ثم في ذكره مع الوفود سنة تسع نظر آخر وذلك أن الظاهر من سياق قصته أنها قبيل الفتح لأن أهل مكة عيروه بالاسلام وقالوا أصبوت فتوعدهم بأنه لا يفد اليهم من اليمامة حبة حنطة ميرة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم فدل على أن مكة كانت إذ ذاك دار حرب لم يسلم أهلها بعد والله أعلم ولهذا ذكر الحافظ البيهقي قصة ثمامة بن اثال قبل فتح مكة وهو أشبه ولكن ذكرناه ها هنا إتباعا للبخاري رحمه الله وقال البخاري حدثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن عبد الله بن أبي الحسين ثنا نافع بن جبير عن ابن عباس قال قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته وقدم في بشر كثير من قومه فاقبل اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول الله صلى الله عليه و سلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال له لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي رأيت فيه ما أريت وهذا ثابت يجيبك عني ثم أنصرف عنه قال ابن عباس فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه و سلم إنك الذي رأيت فيه ما أريت فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فاهمني شأنهما فاوحى الي في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا فاولتهما كذابين يخرجان بعدي أحدهما الاسود العنسي والآخر مسيلمة ثم قال (5/49)
البخاري حدثنا اسحاق بن منصور ثنا عبد الرزاق أخبرني معمر عن هشام بن أمية أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض فوضع في كفي سواران من ذهب فكبرا علي فأوحي إلي أن أنفخهما فنفختهما فذهبا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة ثم قال البخاري ثنا سعيد بن محمد الجرمي ثنا يعقوب بن ابراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن عبيدة عن نشيط وكان في موضع آخر أسمه عبد الله أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث وكان تحته الحارث بن كريز وهي أم عبد الله بن الحارث بن كريز فأتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه ثابت ابن قيس بن شماس وهو الذي يقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي يد رسول الله صلى الله عليه و سلم قضيب فوقف عليه فكلمه فقال له مسيلمة إن شئت خليت بينك وبين الأمر ثم جعلته لنا بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه وإني لأراك الذي رأيت فيه ما رأيت وهذا ثابت بن قيس وسيجيبك عني فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عبد الله سألت ابن عباس عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي ذكر فقال ابن عباس ذكر لي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بينا أنا نائم رايت أنه وضع في يدي سواران من ذهب فقطعتهما وكرهتهما فاذن لي فنفختهما فطارا فاولتهما كذابين [ يخرجان فقال عبيد الله أحدهما العنسي الذي قتله ] فيروز باليمن والآخر مسيلمة الكذاب وقال محمد بن اسحاق قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن ثمامة ابن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هماز بن ذهل بن الزول بن حنيفة ويكنى أبا ثمامة وقيل أبا هارون وكان قد تسمى بالرحمان فكان يقال له رحمان اليمامة وكان عمره يوم قتل مائة وخمسين سنة وكان يعرف أبوابا من النيرجات فكان يدخل البيضة الى القارورة وهو أول من فعل ذلك وكان يقص جناح الطير ثم يصله ويدعي أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب منها
قلت وسنذكر اشياء من خبره عند ذكر مقتله لعنه الله قال ابن اسحاق وكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الانصار ثم من بني النجار فحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه و سلم تستره بالثياب ورسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في اصحابه معه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه قال ابن اسحاق وحدثني شيخ من بني حنيفة من اهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا وزعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا (5/50)
لنا في رحالنا وفي ركابنا يحفظها لنا قال فأمر له رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل ما أمر به للقوم وقال أما أنه ليس بشركم مكانا أي لحفظه ضيعة أصحابه ذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجاؤا مسيلمة بما أعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما انتهوا الى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم وقال إني قد أشركت في الأمر معه وقال لوفده الذين كانوا معه ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بشركم مكانا ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد اشركت في الأمر معه ثم جعل يسجع لهم السجعات ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا وأحل لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة وهو مع هذا يشهد لرسول الله صلى الله عليه و سلم بأنه نبي فاصفقت معه بنو حنيفة على ذلك قال ابن اسحاق فالله أعلم أي ذلك كان وذكر السهيلي وغيره أن الرحال بن عنفوة وأسمه نهار بن عنفوة وكان قد أسلم وتعلم شيئا من القرآن وصحب رسول الله صلى الله عليه و سلم مدة وقد مر عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو جالس مع أبي هريرة وفرات بن حيان فقال لهم أحدكم ضرسه في النار مثل أحد فلم يزالا خائفين حتى ارتد الرحال مع مسيلمة وشهد له زورا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اشركه في الأمر معه وألقى اليه شيئا مما كان يحفظه يوم اليمامة من القرآن فادعاه مسيلمة لنفسه فحصل بذلك فتنة عظيمة لبني حنيفة وقد قتله زيد بن الخطاب يوم اليمامة كما سيأتي قال السهيلي وكان مؤذن مسيلمة يقال له حجير وكان مدبر الحرب بين يديه محكم بن الطفيل وأضيف اليهم سجاح وكانت تكنى أم صادر تزوجها مسيلمة وله معها أخبار فاحشة واسم مؤذنها زهير بن عمرو وقيل جنبة بن طارق ويقال إن شبث بن ربعي أذن لها ايضا ثم أسلم وقد أسلمت هي أيضا أيام عمر بن الخطاب فحسن إسلامها وقال يونس بن بكير عن ابن اسحاق وقد كان مسيلمة بن حبيب كتب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله سلام عليك أما بعد فاني قد اشركت في الأمر معك فان لنا نصف الأمر ولقريش نصف الأمر ولكن قريشا قوم لا يعتدون فقدم عليه رسولان بهذا الكتاب فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين قال وكان ذلك في آخر سنة عشر يعني ورود هذا الكتاب قال يونس بن بكير عن ابن اسحاق فحدثني سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما وأنتما تقولان مثل ما يقول قالا نعم فقال أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما وقال أبو داود الطيالسي حدثنا المسعودي عن عاصم عن ابي وائل عن عبد الله (5/51)
ابن مسعود قال جاء ابن النواحة وابن اثال رسولين لمسيلمة الكذاب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لهما أتشهدان أني رسول الله فقالا نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم آمنت بالله ورسله ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما قال عبد الله بن مسعود فمضت السنة بأن الرسل لا تقتل قال عبد الله فاما ابن اثال فقد كفاه الله وأما ابن النواحة فلم يزل في نفسي منه حتى أمكن الله منه قال الحافظ البيهقي أما أسامة بن أثال فإنه أسلم وقد مضى الحديث في اسلامه وأما ابن النواحة فأخبرنا أبو زكريا بن أبي اسحاق المزني انبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا جعفر بن عون أنبأنا اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن ابي حازم قال جاء رجل الى عبد الله بن مسعود فقال إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة وهم يقرؤن قراءة ما أنزلها الله على محمد صلى الله عليه و سلم والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا والخابزات خبزا والثاردات ثردا واللاقمات لقما قال فأرسل اليهم عبد الله فأتى بهم وهم سبعون رجلا ورأسهم عبد الله بن النواحة قال فأمر به عبد الله فقتل ثم قال ما كنا بمحرزين الشيطان من هؤلاء ولكن نحوزهم الى الشام لعل الله أن يكفيناهم وقال الواقدي كان وفد بني حنيفة بضعة عشر رجلا عليهم سلمى بن حنظلة وفيهم الرحال ابن عنفوة وطلق بن علي وعلي بن سنان ومسيلمة بن حبيب الكذاب فأنزلوا في دار مسلمة بنت الحارث وأجريت على الضيافة فكانوا يؤتون بغداء وعشاء مرة خبزا ولحما ومرة خبزا ولبنا ومرة خبزا ومرة خبزا وسمنا ومرة تمرا ينزلهم فلما قدموا المسجد أسلموا وقد خلفوا مسيلمة في رحالهم ولما أرادوا الانصارف أعطاهم جوائزهم خمس أواق من فضة وأمر لمسيلمة بمثل ما أعطاهم لما ذكروا أنه في رحالهم فقال أما إنه ليس بشركم مكانا فلما رجعوا اليه أخبروه بما قال عنه فقال إنما قال ذلك لأنه عرف أن الأمر لي من بعده وبهذه الكلمة تشبث قبحه الله حتى ادعى النبوة قال الواقدي وقد كان رسول الله بعث معهم بأدواة فيها فضل طهوره وأمرهم أن يهدموا بيعتهم وينضحوا هذا الماء مكانه ويتخذوه مسجدا ففعلوا وسيأتي ذكر مقتل الاسود العنسي في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم ومقتل مسيلمة الكذاب في ايام الصديق وما كان من أمر بني حنيفة إن شاء الله تعالى
وفد أهل نجران
قال البخاري حدثنا عباس بن الحسين ثنا يحيى بن آدم عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال جاء العاقب والسيد صاحبا نجران الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يريدان أن يلاعناه قال فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من (5/52)
بعدنا قالا إنا نعطيك ما سألتنا وأبعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا رجلا أمينا فقال لا يبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال قم يا أبا عبيدة ابن الجراح فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا أمين هذه الأمة وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من حديث شعبة عن ابي اسحاق به وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا احمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن سلمة بن يسوع عن أبيه عن جده قال يونس وكان نصرانيا فاسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب الى نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان باسم إله ابراهيم واسحاق ويعقوب من محمد النبي رسول الله الى أسقف نجران اسلم أنتم فأني احمد اليكم إله ابراهيم واسحاق ويعقوب أما بعد فاني أدعوكم الى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم الى ولاية الله من ولاية العباد فان أبيتم فالجزية فان أبيتم آذنتكم بحرب والسلام
فلما أتى الاسقف الكتاب فقرأه قطع به وذعر به ذعرا شديدا وبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة وكان من همدان ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله لا الاتهم ولا السيد ولا العاقب فدفع الاسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى شرحبيل فقرأه فقال الاسقف يا أبا مريم ما رأيك فقال شرحبيل قد علمت ما وعد الله ابراهيم في ذرية اسماعيل من النبوة فما تؤمن أن يكون هو ذاك الرجل ليس لى في النبوة رأى ولو كان أمر من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأى وجهدت لك فقال له الاسقف تنح فاجلس فتنحى شرحبيل فجلس ناحيته فبعث الاسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير فاقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فقال له مثل قول شرحبيل فقال له الاسقف تنح فاجلس فتنحى فجلس ناحيته وبعث الاسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس فاقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله فأمره الاسقف فتنحى فجلس ناحيته فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا أمر الاسقف بالناقوس فضرب به ورفعت النيران المسموح في الصوامع وكذلك كانوا يفعلوا إذا فزعوا بالنهار وإذا كان فزعهم ليلا ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع فاجتمع حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع وفيه ثلاث وسبعون (5/53)
قرية وعشرون ومائة الف مقاتل فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وسألهم عن الرأي فيه فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الاصبحي وجبار بن فيض الحارثي فيأتوهم بخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللا لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلموا فلم يرد عليهم السلام وتصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانوا يعرفونهما فوجدوهما في ناس من المهاجرين والانصار في مجلس فقالوا يا عثمان ويا عبد الرحمن إن نبيكم كتب الينا بكتاب فاقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا وتصدينا لكلامه نهارا طويلا فاعيانا أن يكلمنا فما الرأي منكما أترون أن نرجع فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم فقال علي لعثمان ولعبد الرحمن أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا اليه ففعلوا فسلموا فرد سلامهم ثم قال والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الاولى وأن ابليس لمعهم ثم ساءلهم وسائلوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا ما تقول في عيسى فانا نرجع الى قومنا ونحن نصارى ليسرنا إن كنت نبيا أن نسمع ما تقول فيه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما عندي فيه شيء يومي هذا فاقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى فاصبح الغد وقد أنزل الله عز و جل هذه الآية إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين فابوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي وإني والله أرى أمرا ثقيلا والله لئن كان هذا الرجل ملكا متقويا فكنا أول العرب طعن في عيبته ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بحائجة وإنا أدنى العرب منهم جوارا ولئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلا عناه لا يبقى على وجه الارض منا شعر ولا ظفر إلا هلك فقال له صاحباه فما الرأي يا ابا مريم فقال رأيي أن أحكمه فاني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا له أنت وذاك قال فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال وما هو فقال حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فما حكمك فينا فهو جائز فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعل وراءك أحد يثرب عليك فقال شرحبيل سل صاحبي فقالا ما يرد (5/54)
الوادي ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل فرجع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يلاعنهم حتى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب محمد النبي الأمي رسول الله لنجران أن كان عليهم حكمه في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء ورقيق فافضل عليهم وترك ذلك كله على الفي حلة في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر الف حلة وذكر تمام الشروط إلى أن شهد أبو سفيان بن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف من بني نصر والاقرع بن حابس الحنظلي والمغيرة وكتب حتى إذا قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران ومع الاسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له بشر بن معاوية وكنيته أبو علقمة فدفع الوفد كتاب رسول الله
ص إلى الاسقف فبينما هو يقرأه وأبو علقمه معه وهما يسيران إذ كبت ببشر ناقته فتعس بشر غير أنه لا يكنى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له الاسقف عند ذلك قد والله تعست نبيا مرسلا فقال له بشر لا جرم والله لا أحل عنها عقدا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فصرف وجه ناقته نحو المدينة وثنى الاسقف ناقته عليه فقال له إفهم عني إنما قلت هذا ليبلغ عني العرب مخافة أن يروا أنا أخذنا حقه أو رضينا بصوته أو نجعنا لهذا الرجل بما لم تنجع به العرب ونحن أعزهم وأجمعهم دارا فقال له بشر لا والله لا أقبل ما خرج من رأسك أبدا فضرب بشر ناقته وهو مولي الاسقف ظهره وارتجز يقول
... إليك تغدو قلقا وضينها ... معترضا في بطنها جنينها ... مخالفا دين النصارى دينها ...
حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاسلم ولم يزل معه حتى قتل بعد ذلك قال ودخل الوفد نجران فاتي الراهب بن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعته فقال له إن نبيا بعث بتهامة فذكر ما كان من وفد نجران الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنه عرض عليهم الملاعنة فأبوا وإن بشر بن معاوية دفع اليه فاسلم فقال الراهب أنزلوني وإلا ألقيت نفسي من هذه الصومعة قال فانزلوه فأخذ معه هدية وذهب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم منها هذا البرد الذي يلبسه الخلفاء قعب وقعي وعصا فاقام مدة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمع الوحي ثم رجع الى قومه ولم يقدر له الاسلام ووعد أنه سيعود فلم يقدر له حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن الاسقف أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه السيد والعاقب ووجوه قومه فاقاموا عنده يسمعون ما ينزل الله عليه وكتب للاسقف هذا الكتاب ولاساقفة نجران بعده بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للاسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير جوار الله ورسوله لا يغير أسقف من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك جوار الله ورسوله أبدا ما اصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين وكتب المغيرة بن شعبة (5/55)
وذكر محمد بن اسحاق أن وفد نصارى نجران كانوا ستين راكبا يرجع أمرهم الى اربعة عشر منهم وهم العاقب واسمه عبد المسيح والسيد وهو الاتهم وأبو حارثة بن علقمة وأوس بن الحارث وزيد وقيس ويزيد ونبيه وخويلد وعمرو وخالد وعبد الله ويحنس وأمر هؤلاء الاربعة عشر يؤل الى ثلاثة منهم وهم العاقب وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه والسيد وكان ثمالهم وصاحب رحلهم وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم وخيرهم وكان رجل من العرب من بكر بن وائل ولكن دخل في دين النصرانية فعظمته الروم وشرفوه وبنوا له الكنائس ومولوه وخدموه لما يعرفون من صلابته في دينهم وكان مع ذلك يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكن صده الشرف والجاه من اتباع الحق وقال يونس بن بكير عن ابن اسحاق حدثني بريدة بن سفيان عن ابن البيلماني عن كرز بن علقمة قال قدم وفد نصارى نجران ستون راكبا منهم أربعة وعشرون رجلا من اشرافهم والاربعة والعشرون منهم ثلاثة نفر اليهم يؤول أمرهم العاقب والسيد وأبو حارثة أحد بني بكر بن وائل اسقفهم وصاحب مدارستهم وكانوا قد شرفوه فيهم ومولوه وأكرموه وبسطوا عليه الكرامات وبنوا له الكنائس لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم فلما توجهوا من نجران جلس أبو حارثة على بغلة له والى جنبه أخ له يقال له كرز بن علقمة يسايره اذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال كرز تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له أبو حارثة بل أنت تعست فقال له كرز ولم يا أخي فقال والله انه للنبي الذي كنا ننتظره فقال له كرز وما يمنعك وأنت تعلم هذا فقال له ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا واخدمونا وقد أبوا الا خلافه ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى قال فاضمر عليها منه أخوه كرز حتى أسلم بعد ذلك وذكر ابن اسحاق أنهم لما دخلوا المسجد النبوي دخلوا في تجمل وثياب حسان وقد حانت صلاة العصر فقاموا يصلون الى المشرق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوهم فكان المتكلم لهم ابا حارثة بن علقمة والسيد والعاقب حتى نزل فيهم صدر من سورة آل عمران والمباهلة فابوا ذلك وسألوا أن يرسل معهم أمينا فبعث معهم ابا عبيدة بن الجراح كما تقدم في رواية البخاري وقد ذكرنا ذلك مستقصى في تفسير سورة آل عمران ولله الحمد والمنة
وفد بني عامر وقصة عامر بن الطفيل واربد بن مقيس
قال ابن اسحاق وقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بني عامر بن الطفيل وأربد بن مقيس (5/56)
ابن جزء بن جعفر بن خالد وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم وقدم عامر بن الطفيل عدو الله على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يريد الغدر به وقد قال له قومه يا أبا عامر ان الناس قد اسلموا فاسلم قال والله لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ثم قال لاربد ان قدمنا على الرجل فاني سأشغل عنك وجهه فاذا فعلت ذلك فأعله بالسيف فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عامر بن الطفيل يا محمد خالني قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده قال يا محمد خالني قال وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يحير شيئا فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال يا محمد خالني قال لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له فلما أبى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أما والله لاملأنها عليك خيلا ورجالا فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم اكفني عامر بن الطفيل فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عامر بن الطفيل لاربد أين ما كنت أمرتك به والله ما كان على ظهر الارض رجل أخوف على نفسي منك وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا قال لا أبالك لا تعجل علي والله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله عز و جل على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول يا بني عامر أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول قال ابن هشام ويقال أغدة كغدة الابل وموت في بيت سلولية وروى الحافظ البيهقي من طريق الزبير بن بكار حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن موءلة عن أبيها عن جدها موءلة بن جميل قال أتى عامر بن الطفيل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له يا عامر أسلم فقال أسلم على أن لي الوبر ولك المدر قال لا ثم قال أسلم فقال أسلم على أن لي الوبر ولك المدر قال لا فولى وهو يقول والله يا محمد لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا ولاربطن بكل نخلة فرسا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم اكفني عامرا وأهد قومه فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة من قومه يقال لها سلولية فنزل عن فرسه ونام في بيتها فاخذته غدة في حلقه فوثب على فرسه وأخذ رمحه وأقبل يجول وهو يقول غدة كغدة البكر وموت في بيت سلولية فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتا وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب في اسماء الصحابة موءلة هذا فقال هو موءلة بن كثيف الضبابي الكلابي العامري من بني عامر بن صعصعة أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن عشرين سنة فاسلم وعاش في الاسلام مائة سنة وكان يدعى ذا اللسانين من فصاحته روى عنه ابنه عبد العزيز وهو الذي روى قصة عامر بن الطفيل غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية (5/57)
قال الزبير بن بكار حدثتني ظميا بنت عبد العزيز بن موءلة بن كثيف بن جميل بن خالد بن عمرو بن معاوية وهو الضباب بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قالت حدثني أبي عن أبيه عن موءلة أنه أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاسلم وهو ابن عشرين سنة وبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومسح يمينه وساق أبله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فصدقها بنت لبون ثم صحب أبا هريرة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاش في الاسلام مائة سنة وكان يسمى ذا اللسانين من فصاحته قلت والظاهر أن قصة عامر بن الطفيل متقدمة على الفتح وإن كان ابن اسحاق والبيهقي قد ذكرها بعد الفتح وذلك لما رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن الاصم أنبأنا محمد بن اسحاق أنبأنا معاوية بن عمرو ثنا أبو اسحاق الفزاري عن الاوزاعي عن اسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة عن أنس في قصة بئر معونة وقتل عامر بن الطفيل حرام بن ملحان خال أنس بن مالك وغدره باصحاب بئر معونة حتى قتلوا عن آخرهم سوى عمرو بن أمية كما تقدم قال الاوزاعي قال يحيى فمكث رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت وابعث عليه ما يقتله فبعث الله عليه الطاعون وروى عن همام عن اسحاق ابن عبد الله عن أنس في قصة ابن ملحان قال وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أخيرك بين ثلاث خصال يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل الوبر وأكون خليفتك من بعدك أو أغزوك بغطفان بالف اشقر والف شقراء قال فطعن في بيت امرأة فقال غدة كغدة البعير وموت في بيت امرأة من بني فلان ائتوني بفرسي فركب فمات على ظهر فرسه
قال ابن اسحاق ثم خرج أصحابه حين رأوه حتى قدموا أرض بني عامر شاتين فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا وما وراءك يا أربد قال لا شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت لو أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله الآن فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه فارسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فاحرقتهما قال ابن اسحاق وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لامه فقال لبيد يبكي أربد ... ما أن تعرى المنون من أحد ... لا والد مشفق ولا ولد ... اخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السماك والأسد ... فعين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام النساء في كبد ... إن يشغبوا لا يبال شغبهم ... أو يقصدوا في الحكوم يقتصد ... حلو أريب وفي حلاوته ... مر لصيق الاحشاء والكبد ... وعين هلا بكيت أربد إذ ... ألوت رياح الشتاء بالعضد (5/58)
وأصبحت لاقحا مصرمة ... حتى تجلت غوابر المدد ... اشجع من ليث غابة لحم ... ذو نهمة في العلا ومنتقد ... لا تبلغ العين كل نهمتها ... ليلة تمسي الجياد كالفدد ... الباعث النوح في مآتمه ... مثل الظباء الأبكار بالجرد ... فجعني البرق والصواعق بالفا ... رس يوم الكريهة النجد ... والحارب الجابر الحريب إذا ... جاء نكيبا وإن يعد يعد ... يعفو على الجهد والسؤال كما ... ينبت غيث الربيع ذو الرصد ... كل بني حرة مصيرهم ... قل وإن كثروا من العدد ... إن يغبطوا يهبطوا وإن ... أمروا يوما فهم للهلاك والنفد ...
وقد روى ابن اسحاق عن لبيد أشعارا كثيرة في رثاء أخيه لأمه أربد بن قيس تركناها إختصارا واكتفاء بما أوردناه والله الموفق للصواب قال ابن هشام وذكر زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال فانزل الله عز و جل في عامر وأربد الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يده ومن خلفه يحفظونه من أمر الله يعني محمدا صلى الله عليه و سلم ثم ذكر أربد وقتله فقال الله تعالى وإذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشىء السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال
قلت وقد تكلمنا على هذه الآيات الكريمات في سورة الرعد ولله الحمد والمنة وقد وقع لنا إسناد ما علقه ابن هشام رحمه الله فروينا من طريق الحافظ أبي القاسم سليمان بن احمد الطبراني في معجمه الكبير حيث قال حدثنا مسعدة بن سعد العطار حدثنا ابراهيم بن المنذر الحزامي حدثني عبد العزيز بن عمران حدثني عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب وعامر بن الطفيل بن مالك قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتهيا اليه وهو جالس فجلسا بين يديه فقال عامر بن الطفيل يا محمد ما تجعل لي إن اسلمت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مالك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال عامر أتجعل لي الأمر إن اسلمت من بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس ذلك لك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل قال أنا الآن في أعنة خيل نجد اجعل لي الوبر ولك المدر قال رسول (5/59)
الله صلى الله عليه و سلم لا فلما قفا من عنده قال عامر أما والله لاملأنها عليك خيلا ورجالا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يمنعك الله فلما خرج أربد وعامر قال عامر يا أربد أنا اشغل محمدا بالحديث فاضربه بالسيف فان الناس اذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب فسنعطيهم الدية قال أربد أفعل فأقبلا راجعين اليه فقال عامر يا محمد قم معي أكلمك فقام معه رسول الله صلى الله عليه و سلم فخليا الى الجدار ووقف معه رسول الله يكلمه وسل أربد السيف فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف فلم يستطع سل السيف فابطأ أربد على عامر بالضرب فالتفت رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأى أربد وما ينصع فانصرف عنهما فلما خرج أربد وعامر من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اذا كانا بالحرة حرة وارقم نزلا فخرج اليهما سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير فقالا اشخصا يا عدوا الله لعنكما الله فقال عامر من هذا يا سعد قال أسيد بن حضير الكتائب فخرجا حتى اذا كانا بالرقم أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته وخرج عامر حتى اذا كان بالحرة أرسل الله قرحة فاخذته فادركه الليل في بيت امرأة من بني سلول فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول غدة كغدة الجمل في بيت سلولية يرغب [ عن ] أن يموت في بيتها ثم ركب فرسه فاحضرها حتى مات عليه راجعا فانزل الله فيهما الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد إلى قوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه يعني محمدا صلى الله عليه و سلم ثم ذكر أربد وما قتله به فقال ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء الآية وفي هذا السياق دلالة على ما تقدم [ من ] قصة عامر وأربد وذلك لذكر سعد بن معاذ فيه والله أعلم وقد تقدم وفود الطفيل بن عامر الدوسي رضي عنه على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة واسلامه وكيف جعل الله له نورا بين عينيه ثم سأل الله فحوله له الى طرف سوطه وبسطنا ذلك هنالك فلا حاجة الى اعادته هاهنا كما سنع البيهقي وغيره
قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا على قومه
قال ابن اسحاق حدثنى محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس قال بعث بنو سعد ابن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقدم اليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم علقه ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في أصحابه وكان ضمام رجلا جلدا اشعر ذا غديرتين فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصحابه فقال أيكم ابن عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا ابن عبد المطلب فقال يا محمد قال نعم قال يابن عبد المطلب إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك قال لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك فقال أنشدك إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك الينا رسولا قال اللهم نعم قال فأنشدك (5/60)
الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا وان نخلع هذه الانداد التي كان آباؤنا يعبدون قال اللهم نعم قال فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس قال نعم قال ثم جعل يذكر فرائض الاسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع الاسلام كلها ينشده عند كل فريضة منها كما يشهده في التي قبلها حتى اذا فرغ قال فاني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وسأؤدي هذه الفرائض واجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص ثم انصرف الى بعيره راجعا قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة قال فأتى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا اليه فكان أول ما تكلم أن قال بئست اللات والعزى فقالوا مه يا ضمام اتق البرص اتق الجذام اتق الجنون فقال ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه واني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه قال فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما قال يقول ابن عباس فما سمعنا بوافد كان أفضل من ضمام بن ثعلبة وهكذا رواه الامام احمد عن يعقوب بن ابراهيم الزهري عن أبيه عن ابن اسحاق فذكره وقد روى هذا الحديث أبو داود من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن اسحاق عن سلمة بن كهيل ومحمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس بنحوه وفي هذا السياق ما يدل على أنه رجع الى قومه قبل الفتح لأن العزى خربها خالد بن الوليد أيام الفتح
وقد قال الواقدي حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس قال بعثت بنو سعد بن بكر في رجب سنة خمس ضمام بن ثعلبة وكان جلدا أشعر ذا عذارتين وافدا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله فاغلظ في المسئلة سأله عمن أرسله وبما أرسله وسأله عن شرائع الاسلام فاجابه رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك كله فرجع الى قومه مسلما قد خلع الانداد فاخبرهم بما أمرهم به ونهاهم عنه فما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما وبنو المساجد وأذنوا بالصلاة
وقال الامام احمد حدثنا هاشم بن القاسم ثنا سليمان يعني ابن المغيرة عن ثابت عن أنس ابن مالك قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل يسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق قال فمن خلق السموات قال الله قال فمن خلق الارض قال الله (5/61)
قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال فبالذي خلق الارض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا قال صدق قال فبالذي أرسلك الله آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال صدق قال ثم ولى فقال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئا ولا أنقص عليهن شيئا فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن صدق ليدخلن الجنة وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما بأسانيد وألفاظ كثيرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه وقد رواه مسلم من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم عن سليمان بن المغيرة وعلقه البخاري من طريقه وأخرجه من وجه آخر بنحوه فقال الامام احمد حدثنا حجاج ثنا ليث حدثني سعيد بن أبي سعيد عن شريك بن عبد الله ابن أبي نمر انه سمع أنس بن مالك يقول بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم جلوس في المسجد دخل رجل على جمل فاناخه في المسجد ثم عقله ثم قال أيكم محمد ورسول الله متكئ بين ظهرانيهم قال فقلنا هذا الرجل الابيض المتكئ فقال الرجل يا ابن عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أجبتك فقال الرجل يا محمد اني سائلك فمشتد عليك المسألة فلا تجد علي في نفسك فقال سل ما بدا لك فقال الرجل أسألك بربك ورب من كان قبلك الله أرسلك الى الناس كلهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم نعم قال فأنشدك الله آلله امرك أن تصوم هذا الشهر من السنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم نعم قال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني يعد بن بكر وقد رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن الليث بن سعد عن سعيد المقبري به وهكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن الليث به والعجب أن النسائي رواه من طريق آخر عن الليث قال حدثني ابن عجلان وغيره من أصحابنا عن سعيد المقبري عن شريك عن أنس بن مالك فذكره وقد رواه النسائي أيضا من حديث عبيد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلعله عن سعيد المقبري من الوجهين جميعا فصل
وقد قدمنا ما وراه الامام احمد عن يحيى بن آدم عن حفص بن غياث عن داود بن ابي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قدوم ضماد الازدي على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة قبل الهجرة (5/62)
واسلامه واسلام قومه كما ذكرنا مبسوطا بما أغنى عن اعادته هاهنا ولله الحمد والمنة
وفد طيء مع زيد الخيل رضي الله عنه
قال ابن اسحاق وقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد طيء وفيهم زيد الخيل وهو سيدهم فلما انتهوا اليه كلموه وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الاسلام فاسلموا فحسن اسلامهم وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثني من لا أتهم من رجال طيء ما ذكر رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل فانه لم يبلغ الذي فيه ثم سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد الخير وقطع له فيد وأرضين معه وكتب له بذلك فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا إلى قومه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن ينج زيد من حمى المدينة فانه قال وقد سماها رسول الله صلى الله عليه و سلم باسم غير الحمى وغير أم ملدم لم يثبته قال فلما انتهى من بلد نجد الى ماء من مياهه يقال له فردة اصابته الحمى فمات بها ولما أحس بالموت قال ... أمرتحل قومي المشارق غدوة ... واترك في بيت بفردة منجد ... ألا رب يوم لو مرضت لعادتي ... عوائد من لم يبر منهن يجهد ...
قال ولما مات عمدت امرأته بجهلها وقلة عقلها ودينها الى ما كان معه من الكتب فحرقتها بالنار قلت وقد ثبت في الصحيح عن أبي سعيد أن علي بن أبي طالب بعث الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من اليمن بذهبية في تربتها فقسمها رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أربعة زيد الخيل وعلقمة بن علاثة والأقرع بن حابس وعتبة بن بدر الحديث وسيأتي ذكره في بعث علي الى اليمن إن شاء الله تعالى
قصة عدي بن حاتم الطائي
قال البخاري في الصحيح وفد طيء وحديث عدي بن حاتم حدثنا موسى بن اسماعيل ثنا أبو عوانة ثنا عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث عن عدي بن حاتم قال أتينا عمر بن الخطاب في وفد فجعل يدعو رجلا رجلا يسميهم فقلت أما تعرفني يا أمير المؤمنين قال بلى أسلمت اذ كفروا واقبلت اذ أدبروا ووفيت إذ غدروا وعرفت إذ أنكروا فقال عدي لا أبالي إذا وقال ابن اسحاق وأما عدي بن حاتم فكان يقول فيما بلغني ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه و سلم حين سمع به مني أما أنا فكنت امرءا شريفا وكنت نصرانيا وكنت أسير في قومي بالمرباع (5/63)
وكنت في نفسي على دين وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه و سلم كرهته فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لابلي لا أبالك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني فاذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل ثم أنه اتاني ذات غداة فقال يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن فاني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا هذه جيوش محمد قال قلت فقرب الى اجمالي فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت الحق بأهل ديني من النصارى بالشام فسلكت الحوشية وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم فتصيبت ابنة حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه و سلم في سبايا من طيء وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم هربي الى الشام قال فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس بها فمر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقامت اليه وكانت امرأة جزلة فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال ومن وافدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله قالت ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغد مربي فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالامس قالت حتى اذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست فاشار إلي رجل خلفه أن قومي فكلميه قالت فقمت اليه فقلت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك فقال صلى الله عليه و سلم قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني فسألت عن الرجل الذي اشار إلي أن كلميه فقيل لي علي بن ابي طالب قالت فقمت حتى قدم من بلي أو قضاعة قالت وإنما أريد أن آتي أخي بالشام فجئت فقلت يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ قالت فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام قال عدي فوالله إني لقاعد في أهلي فنظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا قال فقلت ابنة حاتم قال فاذا هي هي فلما وقفت علي استحلت تقول القاطع الظالم احتملت باهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك قال قلت أي أخية لا تقولي إلا خيرا فوالله مالي من عذر لقد صنعت ما ذكرت قال ثم نزلت فاقامت عندي فقلت لها وكانت امرأة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله أن تلحق به سريعا فان يكن الرجل نبيا فللسابق اليه فضله وإن يكن ملكا فلن تزل في عز اليمن وأنت أنت قال قلت والله إن هذا الرأي قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال من الرجل فقلت عدي بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم وانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لعامد بي اليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال قلت في نفسي والله ما هذا بملك قال ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلي فقال اجلس على هذه (5/64)
قال قلت بل أنت فاجلس عليها قال بل أنت فجلست وجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم بالارض قال قلت في نفسي والله ما هذا بأمر ملك ثم قال إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا قالت قلت بلى قال أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع قال قلت بلى قال فان ذلك لم يكن يحل لك في دينك قال قلت أجل والله قال وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال لعلم يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه إنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من ارض بابل قد فتحت عليهم قال فاسلمت قال فكان عدي يقول مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن وقد رأيت القصور البيض من ارض بابل قد فتحت ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه هكذا أورد ابن اسحاق رحمه الله هذا السياق بلا اسناد وله شواهد من وجوه أخر فقال الامام احمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت سماك بن حرب سمعت عباد ابن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم قال جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا بعقرب فاخذوا عمتي وناسا فلما أتوا بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فصفوا له قالت يا رسول الله بان الوافد وانقطع الولد وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة فمن علي من الله عليك فقال ومن وافدك قالت عدي بن حاتم قال الذي فر من الله ورسوله قالت فمن علي فلما رجع ورجل إلى جنبه ترى أنه علي قال سليه حملانا قال فسألته فامر لها قال عدي فاتتني فقالت لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها وقالت إيته راغبا أو راهبا فقد اتاه فلان فأصاب منه وأتاه فلان فأصاب منه قال فأتيته فاذا عنده امرأة وصبيان أو صبي فذكر قربهم منه فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر فقال له يا عدي بن حاتم ما أفرك أفرك أن يقال لا إله إلا الله فهل من إله إلا الله ما أفرك أفرك أن يقال الله أكبر فهل شيء هو أكبر من الله عز و جل فاسلمت فرأيت وجهه استبشر وقال إن المغضوب عليهم اليهود وأن الضالين النصارى قال ثم سألوه فحمد الله واثنى عليه ثم قال أما بعد فلكم أيها الناس أن ترضخوا من الفضل ارتضخ امرؤ بصاع ببعض صاع بقبضة ببعض قبضة قال شعبة وأكثر علمي أنه قال بتمرة بشق تمرة وإن أحدكم لاقى الله فقاتل ما أقول ألم أجعلك سميعا بصيرا ألم أجعل لك مالا (5/65)
وولدا فماذا قدمت فينظر من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يجد شيئا فما يتقي النار إلا بوجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة فان لم تجدوه فبكلمة لينة إني لا أخشى عليكم الفاقة لينصرنكم الله وليعطينكم أو ليفتحن عليكم حتى تسير الظعينة بين الحيرة ويثرب إن أكثر ما يخاف السرق على ظعينتها وقد رواه الترمذي من حديث شعبة وعمرو بن ابي قيس كلاهما عن سماك ثم قال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك وقال الامام احمد أيضا حدثنا يزيد أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة هو ابن حذيفة عن رجل قال قلت لعدي بن حاتم حديث بلغني عنك أحب أن أسمعه منك قال نعم لما بلغني خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم كرهت خروجه كراهية شديدة فخرجت حتى وقعت ناحية الروم وفي رواية حتى قدمت على قيصر قال فكرهت مكاني ذلك اشد من كراهيتي لخروجه قال قلت والله لو اتيت هذا الرجل فان كان كاذبا لم يضرني وإن كان صادقا علمت قال فقدمت فاتيته فلما قدمت قال الناس عدي بن حاتم فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ثلاثا قال قلت اني علي دين قال أنا أعلم بدينك منك فقلت أنت تعلم بديني مني قال نعم الست من الركوسية وأنت تأكل مرباع قومك قلت بلى قال هذا لا يحل لك في دينك قال نعم فلم يعد أن قالها فتواضعت لها قال أما أني أعلم الذي يمنعك من الاسلام تقول إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم وقد رمتهم العرب أتعرف الحيرة قلت لم أرها وقد سمعت بها قال فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز قال قلت كنوز ابن هرمز قال نعم كسرى بن هرمز وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد قال عدي بن حاتم فهذه الظعينة [ تأتي ] من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله قد قالها ثم قال احمد حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن ابي عبيدة بن حذيفة عن رجل وقال حماد وهشام عن محمد بن أبي عبيدة ولم يذكر عن رجل قال كنت اسأل الناس عن حديث عدي بن حاتم وهو إلى جنبي ولاأسأله قال فأتيته فسالته فقال نعم فذكر الحديث وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبانا أبو عمرو الأديب أنبانا أبو بكر الاسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان حدثنا اسحاق بن ابراهيم أنبأنا النضر بن شميل أنبأنا اسرائيل أنبأنا سعد الطائي أنبأنا محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ أتاه رجل فشكى اليه الفاقة وأتاه آخر فشكى اليه قطع السبيل قال يا عدي بن حاتم هل رأيت الحيرة قلت لم ارها وقد انبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله عز و جل قال قلت في نفسي فان ذعار طيء الذين (5/66)
سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى بن هرمز قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ليس بيه وبينه ترجمان فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم قال عدي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة فان لم تجدوا شق تمرة فبكلمة طيبة قال عدي فقد رأيت الظعينة ترتحل من الكوفة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله عز و جل وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة سترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم وقد رواه البخاري عن محمد بن الحكم عن النضر بن شميل به بطوله وقد رواه من وجه آخر عن سعدان بن بشر عن سعد أبي مجاهد الطائي عن محل بن خليفة عن عدى به ورواه الامام احمد والنسائى من حديث شعبة عن سعد أبى مجاهد الطائى به وممن روى هذه القصة عن عدي عامر بن شرحبيل الشعبي فذكر نحوه وقال لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها وثبت في صحيح البخاري من حديث شعبة وعند مسلم من حديث زهير بن معاوية كلاهما عن أبي اسحاق عن عبد الله بن معقل بن مقرن المزني عن عدي ابن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اتقوا النار ولو بشق تمرة ولفظ مسلم من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل طريق أخرى فيها شاهد لما تقدم وقد قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن يوسف ثنا أبو سعيد عبيد بن كثير ابن عبد الواحد الكوفي ثنا ضرار بن صرد ثنا عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الرحمن ابن جندب عن كميل بن زياد النخعي قال قال علي بن أبي طالب يا سبحان الله ما أزهد كثيرا من الناس في خير عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم في الحاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا فلو كان لا يرجو ثوابا ولا يخشى عقابا لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الاخلاق فانها تدل على سبيل النجاح فقام اليه رجل فقال فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نعم وما هو خير منه لما أتى بسبايا طيء وقفت جارية حمراء لعساء دلفاء عيطاء شماء الأنف معتدلة القامة والهامة درماء الكعبين خدلة الساقين لفاء الفخذين خميصة الخصرين ضامرة الكشحين مصقولة المتنين قال فلما رأيتها أعجبت بها وقلت لاطلبن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يجعلها في فيئي فلما تكلمت أنسيت جمالها من فصاحتها فقالت يا محمد إن رايت أن تخلي عنا ولا تشمت بنا أحياء العرب فاني ابنة سيد قومي وإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري 2 ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفش السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا انا ابنة حاتم طيء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فان اباها كان يحب مكارم الاخلاق (5/67)
والله يحب مكارم الاخلاق فقام أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله تحب مكارم الاخلاق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لا يدخل أحد الجنة إلا بحسن الخلق هذا حديث حسن المتن غريب الاسناد جدا عزيز المخرج وقد ذكرنا ترجمة حاتم طيء أيام الجاهلية عند ذكرنا من مات من أعيان المشهورين فيها وما كان يسديه حاتم الى الناس من المكارم والاحسان إلا أن نفع ذلك في الآخرة معذوق بالايمان وهو ممن لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين وقد زعم الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث علي بن أبي طالب في ربيع الآخر من سنة تسع إلى بلاد طيء فجاء معه بسبايا فيهم أخت عدي بن حاتم وجاء معه بسيفين كانا في بيت الصنم يقال لأحدهما الرسوب والآخر المخذم كان الحارث بن أبي سمر قد نذرهما لذلك الصنم
قال البخاري رحمه الله
قصة دوس والطفيل بن عمرو
حدثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن ابن ذكوان هو عبد الله بن زياد عن عبد الرحمن الاعرج عن أبي هريرة قال جاء الطفيل بن عمرو الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن دوسا قد هلكت وعصت وأبت فادع الله عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم أهد دوسا وأت بهم انفرد به البخاري من هذا الوجه ثم قال حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو اسامة حدثنا اسماعيل عن قيس عن أبي هريرة قال لما قدمت على النبي صلى الله عليه و سلم قلت في الطريق ... يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نجت ...
وأبق لي غلام في الطريق فلما قدمت على النبي صلى الله عليه و سلم وبايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النبي صلى الله عليه و سلم يا ابا هريرة هذا غلامك فقلت هو حر لوجه الله عز و جل فاعتقته انفرد به البخاري من حديث اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم وهذا الذي ذكره البخاري من قدوم الطفيل بن عمرو فقد كان قبل الهجرة ثم إن قدر قدومه بعد الهجرة فقد كان قبل الفتح لأن دوسا قدموا ومعهم أبو هريرة وكان قدوم أبي هريرة ورسول الله صلى الله عليه و سلم محاصر خيبر ثم ارتحل أبو هريرة حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر بعد الفتح فرضخ لهم شيئا من الغنيمة وقد قدمنا ذلك كله مطولا في مواضعه
قال البخاري رحمه الله (5/68)
قدوم الأشعريين وأهل اليمن
ثم روى من حديث شعبة عن سليمان بن مهران الأعمش عن ذكوان أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا الايمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الابل والسكينة والوقار في أهل الغنم ورواه مسلم من حديث شعبة ثم رواه البخاري عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا وأرق أفئدة الفقة يمان والحكمة يمانية ثم روي عن اسماعيل عن سليمان عن ثور عن أبي المغيث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الايمان يمان والفتنة هاهنا ها هنا يطلع قرن الشيطان ورواه مسلم عن شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ثم روى البخاري من حديث شعبة عن اسماعيل عن قيس عن أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الايمان هاهنا وأشار بيده الى اليمن والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الابل من حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعة ومضر وهكذا رواه البخاري أيضا ومسلم من حديث اسماعيل بن ابي خالد عن قيس بن ابي حازم عن أبي مسعود عقبة ابن عمرو ثم روى من حديث سفيان الثوري عن أبي صخرة جامع بن شداد ثنا صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال جاءت بنو تميم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ابشروا يا بني تميم فقالوا أما إذ بشرتنا فاعطنا فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم فقالوا قبلنا يا رسول الله وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث الثوري به وهذا كله مما يدل على فضل وفود أهل اليمن وليس فيه تعرض لوقت وفودهم ووفد بني تميم وإن كان متأخرا قدومهم لا يلزم من هذا أن يكون مقارنا لقدوم الأشعريين بل الاشعريين متقدم وفدهم على هذا فانهم قدموا صحبة أبي موسى الاشعري في صحبة جعفر بن أبي طالب وأصحابه من المهاجرين الذين كانوا بالحبشة وذلك كله حين فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر كما قدمناه مبسوطا في موضعه وتقدم قوله صلى الله عليه و سلم والله ما أدري بأيهما أسر أبقدوم جعفر أو بفتح خيبر والله سبحانه وتعالى أعلم
قال البخاري
قصة عمان والبحرين
حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا سفيان سمع محمد بن المنكدر سمع جابر بن عبد الله يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا ثلاثا فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قدم على أبي بكر أمر مناديا فنادى من كان له عند النبي (5/69)
صلى الله عليه و سلم دين أو عدة فليأتني قال جابر فجئت أبا بكر فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا كذا ثلاثا قال فأعرض عني قال جابر فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم اتيته الثالثة فلم يعطني فقلت له قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني فاما أن تعطني وإما أن تبخل عني قال قلت تبخل عني قال وأي داء أدوأ من البخل قالها ثلاثا ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك وهكذا رواه البخاري هاهنا وقد رواه مسلم عن عمرو الناقد عن سفيان بن عيينة به ثم قال البخاري بعده وعن عمرو عن محمد بن علي سمعت جابر بن عبد لله يقول جئته فقال لي أبو بكر عدها فعددتها فوجدتها خمسمائة فقال خذ مثلها مرتين وقد رواه البخاري أيضا عن علي بن المديني عن سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي أبي جعفر الباقر عن جابر كروايته له عن قتيبة ورواه أيضا هو ومسلم من طرق أخر عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن محمد بن علي عن جابر بنحوه وفي رواية أخرى له أنه أمره فحثى بيديه من دراهم فعدها فاذا هي خمسمائة فأضعفها له مرتين يعني فكان جملة ما أعطاه ألفا وخمسمائة درهم
وفود فروة بن مسيك المرادي الى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن اسحاق وقدم فروة بن مسيك المرادي مفارقا لملوك كندة ومباعدا لهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد كان بين قومه مراد وبين همدان وقعة قبيل الاسلام أصابت همدان من قومه حتى أثخنوهم وكان ذلك في يوم يقال له الردم وكان الذي قاد همدان اليهم الاجدع بن مالك قال ابن هشام ويقال مالك بن خريم الهمداني قال ابن اسحاق فقال فروة بن مسيك في ذلك اليوم ... مررن على لفات وهن خوص ... ينازعن الأعنة ينتحينا ... فإن نغلب فغلابون قدما ... وإن نغلب فغير مغلبينا ... وما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا وطعمة آخرينا ... كذاك الدهر دولته سجال ... تكز صروفه حينا فحينا ... فبينا ما نسر به ونرضى ... ولو لبست غضارته سنينا ... إذا انقلبت به كرات دهر ... فألفى في الأولى غبطوا طحينا ... فمن يغبط بريب الدهر منهم ... يجد ريب الزمان له خؤنا ... فلو خلد الملوك إذا خلدنا ... ولو بقي الكرام إذا بقينا ... فأفنى ذلكم سروات قومي ... كما أفنى القرون الأولينا ...
قال ابن اسحاق ولما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مفارقا ملوك كندة قال ... لما رأيت ملوك كندة أعرضت ... كالرجل خان الرجل عرق نسائها (5/70)
قربت راحلتي أؤم محمدا ... أرجو فواضلها وحسن ثرائها ...
( )
قال فلما انتهى فروة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له فيما بلغني يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم فقال يا رسول الله من ذا الذي يصيب قومه ما اصاب قومي يوم الردم لا يسوءه ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أما إن ذلك لم يزد قومك في الاسلام إلا خيرا واستعمله على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم
قدوم عمرو بن معد يكرب في أناس من زبيد
قال ابن اسحاق وقد كان عمرو بن معدي كرب قال لقيس بن مكشوح المرادي حين انتهى اليهم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم يا قيس انك سيد قومك وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقال انه نبي فانطلق بنا اليه حتى نعلم علمه فان كان نبيا كما تقول فانه لن يخفى علينا إذا لقيناه اتبعناه وإن كان غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه فركب عمرو بن معدي كرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم وصدقه وآمن به فلما بلغ ذلك قيس بن مكشوح أوعد عمرا وقال خالفني وترك امرئ ورائي فقال عمرو بن معدي كرب في ذلك ... أمرتك يوم ذي صنع ... اء أمرا باديا رشده ... امرتك باتقاء الله وا ... لمعروف تتعده ... خرجت من المنى مثل ا ... لحمير غره وتده ... تمناني على فرس ... عليه جالسا أسده ... علي مفاضة كالن ... هي أخلص ماءه جدده ... ترد الرمح منثني ال ... سنان عوائرا قصده ... فلو لاقيتني للقي ... ت ليثا فوقه لبده ... تلاقي شنبثا شثن ال ... براثن ناشرا كتده ... يسامي القرن إن قرن ... تيممه فيعتضده ... فيأخذه فيرفعه ... فيخفضه فيقتصده ... فيدفعه فيحطمه ... فيمخضه فيزدرده ... ظلوم الشرك فيما أخ ... رزت أنيابه ويده (5/71)
قال ابن اسحاق فأقام عمرو بن معد يكرب في قومه من بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتد عمرو بن معدي كرب فيمن أرتد وهجا فروة بن مسيك فقال ... وجدنا ملك فروة شر ملك ... حمار ساف منخره بثفر ... وكنت إذا رايت ابا عمير ... ترى الحولاء من خبث وغدر ...
قلت ثم رجع إلى الاسلام وحسن اسلامه وشهد فتوحات كثيرة في ايام الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما وكان من الشجعان المذكورين والابطال المشهورين والشعراء المجيدين توفي سنة احدى وعشرين بعد ما شهد فتح نهاوند وقيل بل شهد القادسية وقتل يومئذ قال أبو عمر بن عبد البد وكان وفوده إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة تسع وقيل سنة عشر فيما ذكره ابن اسحاق والواقدي قلت وفي كلام الشافعي ما يدل عليه فالله أعلم قال يونس عن ابن اسحاق وقد قيل إن عمرو بن معدي كرب لم يأت النبي صلى الله عليه و سلم وقد قال في ذلك ... إنني بالنبي موقنة نف ... سي وإن لم أر النبي عيانا ... سيد العالمين طرا وأدنا ... هم إلى الله حين بان مكانها ... جاء بالناموس من لدن الله و ... كان الأمين فيه المعانا ... حكمة بعد حكمة وضياء ... فاهتدينا بنورها من عمانا ... وركبنا السبيل حين ركبن ... اه جديدا بكرهنا ورضانا ... وعبدنا الإله حقا وكنا ... للجهالات نعبد الأوثانا ... وائتلفنا به وكنا عدوا ... فرجعنا به معا إخوانا ... فعليه السلام والسلام منا ... حيث كنا من البلاد وكانا ... إن نكن لم نر النبي فإنا ... قد تبعنا سبيله إيمانا ...
قدوم الاشعث بن قيس في وفد كندة
قال ابن اسحاق وقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم الاشعث بن قيس في وفد كندة فحدثني الزهري أنه قدم في ثمانين راكبا من كندة فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده قد رجلوا جممهم وتكحلوا عليهم جبب الحبرة قد كففوها بالحرير فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لهم ألم تسلموا قالوا بلى قال فما بال هذا الحرير في أعناقكم قال فشقوه منها فالقوه ثم قال له الاشعث بن قيس يا رسول الله نحن بنو آكل المرار وأنت ابن آكل المرار قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث وكانا تاجرين إذ شاعا في العرب فسئلا ممن أنتما قالا (5/72)
نحن بنوآ كل المرار يعني ينسبان إلى كندة ليعزا في تلك البلاد لأن كندة كانوا ملوكا فاعتقدت كندة أن قريشا منهم لقول عباس وربيعة نحن بنو آكل المرار وهو الحارث بن عمرو بن معاوية ابن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندي ويقال ابن كندة ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لهم لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا فقال لهم الاشعث بن قيس والله يا معشر كندة لا اسمع رجلا يقولها إلا ضربته بثمانين وقد روى هذا الحديث متصلا من وجه آخر فقال الامام احمد حدثنا بهز وعفان قالا حدثنا حماد بن سلمة حدثني عقيل بن طلحة وقال عفان في حديثه أنبأنا عقيل بن طلحة السلمي عن مسلم بن هيضم عن الاشعث بن قيس أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد كندة قال عفان لا يروني أفضلهم قال قلت يا رسول الله أنا ابن عم إنكم منا قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نحن بنو النضر بن كنانة لا نفقوا أمنا ولا ننتفي من أبينا قال وقال الاشعث فوالله لا أسمع أحدا نفى قريشا من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن ابي شيبة عن يزيد بن هارون وعن محمد بن يحيى عن سليمان ابن حرب وعن هارون بن حيان عن عبد العزيز بن المغيرة ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به نحوه وقال الامام احمد حدثنا سريج بن النعمان حدثنا هشيم أنبأنا مجالد عن الشعبي حدثنا الاشعث بن قيس قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد كندة فقال لي هل لك من ولد قلت غلام ولد لي في مخرجي اليك من ابنة جمد ولوددت أن مكانه شبع القوم قال لا تقولن ذلك فإن فيهم قرة عين وأجرا إذا قبضوا ثم لئن قلت ذاك انهم لمجبنه محزنة انهم لمجنبة محزنة تفرد به احمد وهو حديث حسن جيد الاسناد
قدوم اعشى بن مازن على النبي صلى الله عليه و سلم
قال عبد الله بن الامام احمد حدثني العباس بن عبد العظيم العنبري ثنا أبو سلمة عبيد بن عبد الرحمن الحنفي قال حدثني الجنيد بن امين بن ذروة بن نضلة بن طريف بن نهصل الحرمازي حدثني أبي أمين عن أبيه ذروة عن ابيه نضلة أن رجلا منهم يقال له الاعشى واسمه عبد الله الاعور (5/73)
كانت عنده امرأة يقال لها معاذة خرج في رجل بمير أهله من هجر فهربت امرأته بعده ناشزا عليه فعاذت برجل منهم يقال له مطرف بن نهشل بن كعب بن قميثع بن ذلف بن أهضم بن عبد الله بن الحرماز فجعلها خلف ظهره فلما قدم لم يجدها في بيته وأخبر أنها نشزت عليه وأنها عاذت بمطرف بن نهشل فاتاه فقال يا ابن عم أعندك امرأتي معاذة فادفعها الي قال ليست عندي ولو كانت عندي لم ادفعها اليك قال وكان مطرف أعز منه قال فخرج الاعشى حتى أتى النبي صلى الله عليه و سلم فعاذ به فانشأ يقول ... يا سيد الناس وديان العرب ... إليك اشكو ذربة من الذرب ... كالذئبة العنساء في ظل السرب ... خرجت أبغيها الطعام في رجب ... فخلفتني بنزاع وهرب ... أخلفت الوعد ولطت بالذنب ... وقد فتني بين عصر مؤتشب ... وهن شر غالب لمن غلب ...
فقال النبي صلى الله عليه و سلم عند ذلك وهن شر غالب لمن غلب فشكى اليه امرأته وما صنعت به وانها عند رجل منهم يقال له مطرف بن نهشل فكتب له النبي صلى الله عليه و سلم الى مطرف انظر امرأة هذا معاذة فادفعها اليه فاتاه كتاب النبي صلى الله عليه و سلم فقرئ عليه فقال لها يا معاذة هذا كتاب النبي صلى الله عليه و سلم فيك فانا دافعك اليه فقالت خذ لي عليه العهد والميثاق وذمة نبيه أن لا يعاقبني فيما صنعت فاخذ لها ذلك عليه ودفعها مطرف اليه فانشأ يقول ... لعمرك ما حبي معاذة بالذي ... يغيره الواشي ولا قدم العهد ... ولا سوء ما جاءت به إذ أزالها ... غواة الرجال إذ يناجونها بعدي ... قدوم صرد بن عبد الله الازدي في نفر من قومه ثم وفود أهل جرش بعدهم
قال ابن اسحاق وقدم صرد بن عبد الله الازدي على رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد من الأزد فاسلم وحسن اسلامه وأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم على من اسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن أسلم من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن فذهب فحاصر جرش وبها قبائل من اليمن وقد صوت اليهم خثعم حين سمعوا بمسيره اليهم فاقام عليهم قريبا من شهر فامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم حتى إذا كان قريبا من جبل يقال له شكر فظنوا أنه قد ولى عنهم منهزما فخرجوا في طلبه فعطف عليهم فقتلهم قتلا شديدا وقد كان أهل جرش بعثوا منهم رجلين إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فبينما هم عنده بعد العصر إذ قال بأي بلاد الله شكر فقام الجرشيان فقالا يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر وكذلك تسميه أهل جرش فقال إنه ليس بكشر ولكنه شكر قالا فما شأنه يا رسول الله فقال إن بدن الله لتنحر عنده الآن قال فجلس الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان فقال لهما ويحكما إن رسول الله (5/74)
صلى الله عليه و سلم الآن لينعى اليكما قومكما فقوما اليه فاسألاه أن يدعو الله فيرفع عن قومكما فقاما اليه فسألاه ذلك فقال اللهم أرفع عنهم فرجعا فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وجاء وفد أهل جرش بمن بقي منهم حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاسلموا وحسن اسلامهم وحمى لهم حول قريتهم
قدوم رسول ملوك حمير الى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال الواقدي وكان ذلك في رمضان سنة تسع قال ابن اسحاق وقدم على رسول الله كتاب ملوك حمير ورسلهم باسلامهم مقدمه من تبوك وهم الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان وبعث اليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي باسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله فكتب اليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي الى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد ذلكم فاني احمد اليكم الله الذي لا إله إلا هو فانه قد وقع نبأ رسولكم منقلبنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به وخبرنا ما قبلكم وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين وأن الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغاني خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه و سلم وصفيه وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء وعلى ما سقي الغرب نصف العشر وأن في الابل في الاربعين ابنة لبون وفي ثلاثين من الابل ابن لبون ذكر وفي كل خمس من الابل شاة وفي كل عشر من الابل شاتان وفي كل أربعين من البقر بقرة وفي كل ثلاثين تبيع جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة وإنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له ومن أدى ذلك وأشهد على اسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فانه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم وله ذمة الله وذمة رسوله وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فانه من المؤنين له ما لهم وعليه ما عليهم ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فانه لا يرد عنها وعليه الجزية على كل حالم ذكر وأنثى حر أو عبد دينار واف من قيمة المعافري أو عرضه ثيابا فمن أدى ذلك إلى رسول الله فان له ذمة الله وذمة رسوله ومن منعه فانه عدو لله ولرسوله أما بعد فان رسول الله محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن أن إذ أتاك رسلي فاوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرة وأصحابهم وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم وأبلغوها رسلي وإن أميرهم معاذ بن جبل فلا (5/75)
ينقلبن إلا راضيا أما بعد فان محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ثم أن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير وقتلت المشركين فابشر بخير وآمرك بحمير خيرا ولا تخونوا ولا تخاذلوا فان رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته وإنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل وإن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب فآمركم به خيرا وأني قد أرسلت اليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم فآمركم بهم خيرا فانهم منظور اليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وقد قال الامام احمد حدثنا حسن حدثنا عمارة عن ثابت عن أنس بن مالك أن مالك ذي يزن أهدى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم حلة قد أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا وثلاثة وثلاثين ناقة ورواه أبو داود عن عمرو بن عون الواسطي عن عمارة بن زاذان الصيدلاني عن ثابت البناني عن أنس به وقد رواه الحافظ البيهقي ها هنا حديث كتاب عمرو بن حزم فقال أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو العباس الاصم ثنا احمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني عبد الله بن ابي بكر عن أبيه عن ابي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم قال هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه الى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ويأخذ صدقاتهم فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره فكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله ورسوله رسول الله أيها الذين آمنو أوفوا بالعقود عهدا من رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه الى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فان الله مع الذين اتقوه والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره بتقوى الله في أمره كله فان الله مع الذين اتقوه والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به ويعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين وأن ينهى الناس فلا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر وأن يخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين لهم في الحق ويشتد عليهم في الظلم فإن الله حرم الظلم ونهى عنه فقال ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله وأن يبشر الناس بالجنة وبعملها وينذر الناس النار وعملها ويستألف الناس حتى يتفقهوا في الدين ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمره الله به والحج الاكبر الحج والحج الاصغر العمرة وأن ينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد ويفضي بفرجه إلى السماء ولا ينقض شعر رأسه إذا عفى في قفاه وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعو الى القبائل والعشائر وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له فمن لم يدع إلى الله ودعى الى العشائر والقبائل فليعطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له ويأمر الناس باسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمرهم الله عز و جل وأمروا بالصلاة لوقتها واتمام الركوع والسجود وأن يغلس الصبح وأن يهجر (5/76)
بالهاجرة حتى تميل الشمس وصلاة العصر والشمس في الارض مبدرة والمغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء والعشاء أول الليل وأمره ان يأخذ من المغانم خمس الله ما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار فيما سقى المغل وفيما سقت السماء العشر وما سقى الغرب فنصف العشر وفي كل عشر من الابل شاتان وفي عشرين أربع شياه وفي أربعين من البقر بقرة وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة فإنها فريضة الله التي أفترض على المؤمنين فمن زاد فهو خير له ومن أسلم من يهودي أو نصراني أسلاما خالصا من نفسه فدان دين الاسلام فانه من المؤمنين له مالهم وعليه ما عليهم ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فانه لا يغير عنها وعلى كل حالم ذكر وأنثى حر أو عبد دينار واف أو عرضه من الثياب فمن أدى ذلك فان له ذمة الله ورسوله ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين جميعا صلوات الله على محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال الحافظ البيهقي وقد روى سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده هذا الحديث موصولا بزيادات كثيرة ونقصان عن بعض ما ذكرناه في الزكاة والديات وغير ذلك
قلت ومن هذا الوجه رواه الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في سننه مطولا وأبو داود في كتاب المراسيل وقد ذكرت ذلك بأسانيده والفاظه في السنن ولله الحمد والمنة وسنذكر بعد الوفود بعث النبي صلى الله عليه و سلم الامراء إلى اليمن لتعليم الناس وأخذ صدقاتهم واخماسهم معاذ بن جبل وأبو موسى وخالد ابن الوليد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين
قدوم جرير بن عبد الله البجلي واسلامه
قال الامام احمد حدثنا أبو قطن حدثني يونس عن المغيرة بن شبل قال قال جرير لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي ثم حللت عيبتي ثم لبست حلتي ثم دخلت فاذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب فرماني الناس بالحدق فقلت لجليسي يا عبد الله هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نعم ذكرك باحسن الذكر بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته وقال يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي بمن إلا أن على وجهه مسحة ملك قال جرير فحمدت الله عز و جل على ما أبلاني قال أبو قطن فقلت له سمعته منه أو سمعته من المغيرة بن شبل قال نعم ثم رواه الامام احمد عن أبي نعيم واسحاق بن يوسف وأخرجه النسائي من حديث الفضل بن موسى ثلاثتهم عن يونس عن أبي اسحاق (5/77)
السبيعي عن المغيرة بن شبل ويقال ابن شبيل عن عوف البجلي الكوفي عن جرير بن عبد الله وليس له عنه غيره وقد رواه النسائي عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن حازم عن جرير بقصته يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك الحديث وهذا على شرط الصحيحين وقال الامام احمد حدثنا محمد بن عبيد ثنا اسماعيل عن قيس عن جرير قال ما حجبني رسول الله صلى الله عليه و سلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه وفي الصحيحين زيادة وشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده على صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا ورواه النسائي عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن اسماعيل عن قيس عنه وزاد فيه يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك فذكر نحو ما تقدم
قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عمر وعثمان بن احمد السماك حدثنا الحسن بن سلام السواق حدثنا محمد بن مقاتل الخراساني حدثنا حصين بن عمر الاحمسي حدثنا اسماعيل بن أبي خالد أو قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال بعث إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا جرير لأي شيء جئت قلت أسلم على يديك يا رسول الله قال فالقى علي كساء ثم اقبل علي أصحابه فقال إذا أتاكم كريم قوم فاكرموه ثم قال يا جرير أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تؤمن بالله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وتصلي الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة ففعلت ذلك فكان بعد ذلك لا يراني إلا تبسم في وجهي هذا حديث غريب من هذا الوجه وقال الامام احمد حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم وأخرجاه في الصحيحين من حديث اسماعيل بن أبي خالد به وهو في الصحيحين من حديث زياد بن علاثة عن جرير به وقال الامام احمد حدثنا أبو سعيد حدثنا زائدة ثنا عاصم عن سفيان يعني أبا وائل عن جرير قال قلت يا رسول الله اشترط علي فأنت أعلم بالشرط قال أبايعك على أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتنصح المسلم وتبرأ من الشرك ورواه النسائي من حديث شعبة عن الاعمش عن أبي وائل عن جرير وفي طريق أخرى عن الأعمش عن منصور عن أبي وائل عن أبي نخيلة عن جرير به فالله أعلم ورواه أيضا عن محمد بن قدامة عن جرير عن مغيرة عن ابي وائل والشعبي عن جرير به ورواه عن جرير عبد الله بن عميرة رواه احمد منفردا به وابنه عبيد الله بن جرير احمد ايضا منفردا به وأبو جميلة وصوابه نخيلة ورواه احمد والنسائي ورواه احمد أيضا عن غندر عن شعبة عن منصور عن أبي وائل (5/78)
عن رجل عن جرير فذكره والظاهر أن هذا الرجل هو أبو نخيلة البجلي والله أعلم وقد ذكرنا بعث النبي صلى الله عليه و سلم له حين اسلم إلى ذي الخلصة بيت كان يعبده خثعم وبجيلة وكان يقال له الكعبة اليمانية يضاهون به الكعبة التي بمكة ويقولون للتي ببكة الكعبة الشامية ولبيتهم الكعبة اليمانية فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تريحني من ذي الخلصة فحينئذ شكى إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه لا يثبت على الخيل فضرب بيده الكريمة على صدره حتى أثرت فيه وقال اللهم ثبته وأجعله هاديا مهديا فلم يسقط بعد ذلك عن فرس ونفر الى ذي الخلصة في خمسين ومائة راكب من قومه من أحمس فخرب ذلك البيت وحرقه حتى تركه مثل الجمل الاجرب وبعث الى النبي صلى الله عليه و سلم بشيرا يقال له أبو أرطاة فبشره بذلك فبرك رسول الله صلى الله عليه و سلم على خيل احمس ورجاله ما خمس مرات والحديث مبسوط في الصحيحين وغيرهما كما قدمناه بعد الفتح استطرادا بعد ذكر تخريب بيت العزى على يدي خالد بن الوليد رضي الله عنه والظاهر أن اسلام جرير رضي الله عنه كان متأخرا عن الفتح بمقدار جيد فان الامام احمد قال حدثنا هشام بن القاسم حدثنا زياد بن عبد الله بن علاثة بن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد عن جرير بن عبد الله البجلي قال إنما أسلمت بعد ما أنزلت المائدة وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح بعد ما أسلمت تفرد به احمد وهو اسناد جيد اللهم إلا أن يكون منقطعا بين مجاهد وبينه وثبت في الصحيحين أن أصحاب عبد الله بن مسعود كان يعجبهم حديث جرير في مسح الخف لأن اسلام جرير إنما كان بعد نزول المائدة وسيأتي في حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له استنصت الناس يا جرير وإنما أمره بذلك لأنه كان صبيا وكان ذا شكل عظيم كلنت نعله طولها ذراع وكان من أحسن الناس وجها وكان مع هذا من أغض الناس طرفا ولهذا روينا في الحديث الصحيح عنه أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نظر الفجأة فقال أطرق بصرك
وفادة وائل بن حجر بن ربيعة بن وائل بن يعمر الحضرمي ابن هنيد احد ملوك اليمن على رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو عمر بن عبد البركان أحد أقيال حضرموت وكان أبوه من ملوكهم ويقال أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بشر أصحابه قبل قدومه به وقال يأتيكم بقية أبناء الملوك فلما دخل رحب به وأدناه من نفسه وقرب مجلسه وبسط له رداءه وقال اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده واستعمله على الاقيال من حضرموت وكتب معه ثلاث كتب منها كتاب إلى المهاجر بن ابي أمية وكتاب إلى الاقيال والعياهلة واقطعه أرضا وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان فخرج معه راجلا فشكى اليه (5/79)
حر الرمضاء فقال انتعل ظل الناقة فقال وما يغني عني ذلك لو جعلتني ردفا فقال له وائل اسكت فلست من أرادف الملوك ثم عاش وائل بن حجر حتى وفد على معاوية وهو أمير المؤمنين فعرفه معاوية فرحب به وقربه وأدناه وأذكره الحديث وعرض عليه جائزة سنية فابى أن يأخذها وقال أعطها من هو أحوج اليها مني وأورد الحافظ البيهقي بعض هذا واشار إلى أن البخاري في التاريخ روى في ذلك شيئا وقد قال الامام احمد حدثنا حجاج أنبأنا شعبة عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقطعه أرضا قال وأرسل معي معاوية أن أعطيها إياه أو قال أعلمها إياه قال فقال معاوية أردفني خلفك فقلت لا تكون من ارداف الملوك قال فقال أعطني نعلك فقلت انتعل ظل الناقة قال فلما استخلف معاوية أتيته فاقعدني معه على السرير فذكرني الحديث قال سماك فقال وددت أني كنت حملته بين يدي وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث شعبة وقال الترمذي صحيح
وفادة لقيط بن عامر المنتفق ابي رزين العقيلي الى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال عبد الله بن الامام احمد كتب إلي ابراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير الزبيري كتبت اليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعته على ما كتبت به اليك فحدث بذلك عني قال حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي حدثني عبد الرحمن بن عياش السمعي الانصاري القبائي من بني عمرو بن عوف عن دلهم بن الاسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي [ عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم وحدثنيه أبي الاسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق ] قال لقيط فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة انسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال ايها الناس ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ألا لأسمنكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا أعلم لنا ما يقول رسول الله ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه الضلال ألا إني مسئول هل بلغت ألا فاسمعوا تعيشوا ألا اجلسوا ألا أجلسوا ( قال ) فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت يا رسول الله ما عندك من علم الغيب فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني ابتغي لسقطه فقال ضن ربك عز و جل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله وأشار بيده قلت وما هي قال علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه وعلم ( المني حين يكون في (5/80)
الرحم قد علمه ولا تعلمون وعلم ) ما في غد وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مسنتين فيظل يضحك قد علم أن غيركم الى قريب قال لقيط قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا وعلم يوم الساعة قلنا يا رسول علمنا مما لا يعلم الناس ومما تعلم فانا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربوا علينا وخثعم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها قال تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين مع ربك فاصبح ربك عز و جل يطوف بالارض وقد خلت عليه البلاد فرسل ربك السماء تهضب من عند العرش فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلقه من عند رأسه فيستوي جالسا فيقول ربك عز و جل مهيم لما كان فيه فيقول يا رب أمس اليوم فلعهده بالحياة يتحسبه حديثا باهله قلت يا رسول الله كيف يجمعنا بعد ما تفرقنا الرياح والبلى والسباع فقال انبئك بمثل ذلك في آلاء الله الارض أشرفت عليها وهي مدرة بالية فقلت لا تحي أبدا ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عليك ( إلا ) أياما حتى أشرفت عليها وهي شرية واحدة فلعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الارض فتخرجون من الاصواء ومن مصارعكم فتنظرون اليه وينظر اليكم قال قلت يا رسول الله وكيف ونحن ملء الارض وهو عز و جل شخص واحد ينظر الينا وننظر اليه فقال انبئك بمثل ذلك في آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما قلت يا رسول الله فما يفعل ( بنا ) ربنا إذا لقيناه قال تعرضون عليه بادية له صحائفكم لا يخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربك عز و جل بيده غرفة من الماء فينضح قلبكم بها فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم منها قطرة فاما المسلم فتدع على وجهه مثل الريطة البيضاء وأما الكافر فتخطمه بمثل الحمم الاسود إلا ثم ينصرف نبيكم وينصرف على أثره الصالحون فتسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر ( ة ) فيقول حس فيقول ربك عز و جل او انه فتطلعون (5/81)
على حوض الرسول على اطماء والله ناهلة عليها ما رأيتها قط فلعمر إلهك لا يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والاذى وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا قال قلت يا رسول الله فبم نبصر قال مثل بصرك ساعتك هذه وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الارض وواجهته الجبال قال قلت يا رسول الله فبم نجزى من سيآتنا وحسناتنا قال الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن يعفو قال قلت يا رسول الله اما الجنة واما النار قال لعمر الهك إن للنار سبعة أبواب ما منهم ( بابان ) الا يسير الراكب بينهما سبعين عاما ( وان للجنة لثمانية أبواب ما منها بابان الا يسير الراكب بينهما سبعين عاما ) قلت يا رسول الله فعلام نطلع من الجنة قال على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة قلت يا رسول الله ولنا فيها أزواج أو منهن مصلحات قال الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم غير أن لا توالد قال لقيط قلت أقصى ما نحن بالغون ومنتهون اليه ( فلم يجبه النبي صلى الله عليه و سلم ) قلت يا رسول الله علام أبايعك فبسط ( النبي ) يده وقال على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال الشرك وأن لا تشرك بالله إلها غيره قال قلت وإن لنا ما بين المشرق والمغرب فقبض النبي صلى الله عليه و سلم يده وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه قال قلت تحل منها حيث شئنا ولا يجني منها امرؤ إلا على نفسه فبسط يده وقال ذلك لك تحل حيث شئت ولا تجني عليك إلا نفسك قال فانصرفنا عنه ثم قال إن هذين من أتقى الناس ( لعمر إلهك ) ( في ) الأولى والآخرة فقال له كعب بن الحدارية أحد بني كلاب منهم يا رسول الله بنو المنتفق أهل ذلك منهم قال فانصرفنا وأقبلت عليه وذكر تمام الحديث إلى أن قال فقلت يا رسول الله هل لأحد ممن مضى خير في جاهليته قال فقال رجل من عرض قريش والله إن أباك المنتفق لفي النار قال فلكأنه وقع حر بين جلدتي وجهي ولحمي مما قال لأني على رؤس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله ثم اذا الاخرى أجمل فقلت يا رسول الله وأهلك لعمر الله ما أتيت ( عليه ) من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل أرسلني اليك محمد فابشرك بما يسوءك تجر على وجهك وبطنك في النار قال قلت يا رسول الله ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون قال ذلك بان الله يبعث في آخر كل سبع أمم يعني نبيا فمن عصى نبيه كان من الضالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين هذا حديث غريب جدا والفاظه في بعضها نكارة وقد (5/82)
أخرجه البيهقي في كتاب البعث والنشور وعبد الحق الاشبيلي في العاقبة والقرطبي في كتاب التذكرة في أحوال الآخرة وسيأتي في كتاب البعث والنشور إن شاء الله تعالى
وفاة زياد بن الحارث رضي الله عنه
قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو أحمد الاسداباذي بها أنبأنا أبو بكر بن مالك القطيعي حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم حدثني زياد بن نعيم الحضرمي سمعت زياد بن الحارث الصدائي يحدث قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعته على الاسلام فاخبرت أنه قد بعث جيشا إلى قومي فقلت يا رسول الله أردد الجيش وأنا لك باسلام قومي وطاعتهم فقال لي اذهب فردهم فقلت يا رسول الله إن راحلتي قد كلت فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا فردهم قال الصدائي وكتبت اليهم كتابا فقدم وفدهم باسلامهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك فقلت بل الله هداهم للاسلام فقال أفلا اومرك عليهم قلت بلى يا رسول الله قال فكتب لي كتابا أمرني فقلت يا رسول الله مر لي بشيء من صدقاتهم قال نعم فكتب لي كتابا آخر قال الصدائي وكان ذلك في بعض أسفاره فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم منزلا فاتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم ويقولون أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية فقال رسول الله أوفعل ذلك قالوا نعم فالتفت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اصحابه وأنا فيهم فقال لا خير في الامارة لرجل مؤمن قال الصدائي فدخل قوله في نفسي ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله أعطني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن فقال السائل أعطني من الصدقة فقال رسول الله إن [ الله لم يرض في الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فان كنت من تلك الاجزاء أعطيتك قال الصدائي فدخل ذلك في نفسي أني غني واني سألته من الصدقة قال ثم إن رسول الله اعتشى من أول الليل فلزمته وكنت قريبا فكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون منه ولم يبق معه أحد غيري فلما كان أوان صلاة الصبح أمرني فاذنت فجعلت أقول أقيم يا رسول الله فجعل ينظر ناحية المشرق إلى الفجر ويقول لا حتى اذا طلع الفجر نزل فتبرز ثم أنصرف إلي وهو متلاحق أصحابه فقال هل من ماء يا أخا صداء قلت لا إلا شيء قليل لا يكفيك فقال اجعله في إناء ثم ائتني به ففعلت فوضع كفه في الماء قال فرأيت بين أصبعين عينا تفور فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لولا أني استحي من ربي عز و جل لسقينا واستقينا ناد في أصحابي من له حاجة في الماء فناديت فيهم فاخذ من أراد منهم شيئا ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الصلاة فاراد بلال أن يقيم فقال له رسول الله إن أخا صداء أذن ومن (5/83)
أذن فهو يقيم قال الصدائي فاقمت فلما قضى رسول الله الصلاة أتيته بالكتابين فقلت يا رسول الله أعفني من هذين فقال ما بدا لك فقلت سمعتك يا رسول الله تقول لا خير في الامارة لرجل مؤمن وأنا أومن بالله وبرسوله وسمعتك تقول للسائل من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن وسألتك وأنا غني فقال هو ذاك فان شئت فاقبل وإن شئت فدع فقلت أدع فقال لي رسول الله فدلني على رجل أؤمره عليكم فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمره عليهم ثم قلنا يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها واذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا فقد أسلمنا وكل من حولنا عدو فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق فدعا سبع حصيات فعركهن بيده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فاذا أتيتم البئر فالقوا واحدة واحدة واذكروا الله قال الصدائي ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها يعني البئر وهذا الحديث له شواهد في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وقد ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان بعث بعد عمرة الجعرانة قيس بن سعد بن عبادة في أربعمائة الى بلاد صداء فيوطئها فبعثوا رجلا منهم فقال جئتك لترد عن قومي الجيش وأنا لك بهم ثم قدم وفدهم خمسة عشر رجلا ثم رأى منهم حجة الوداع مائة رجل ثم روى الواقدي عن الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي قصته في الأذان
وفادة الحارث بن حسان البكري الى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال الامام احمد حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي حدثنا عاصم ابن أبي النجود عن أبي وائل عن الحارث البكري قال خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فمررت بالربذة فاذا عجوز من بني تميم منقطع بها فقالت يا عبد الله إن لي إلى رسول الله حاجة فهل أنت مبلغي اليه قال فحملتها فاتيت المدينة فاذا المسجد غاص باهله وإذا راية سوداء تخفق وبلا متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت ما شأن الناس قالوا يريد أن يبعث عمرو ابن العاص وجها قال فجلست فدخل منزله أو قال رحله فاستأذنت عليه فاذن لي فدخلت فسلمت فقال هل كان بينكم وبين تميم شيء قلت نعم وكانت الدائرة عليهم ومررة بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها اليك وها هي بالباب فاذن لها فدخلت فقلت يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء فحميت العجوز واستوفزت وقالت يا رسول الله أين يضطر مضرك قال قلت إن مثلي ما قال الاول معزى حملت حتفها حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد قالت هي وما وافد عاد وهي أعلم بالحديث منه (5/84)
ولكن تستطعمه قلت إن عاد قحطوا فبعثوا وفدا لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر فاقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال اللهم إنك تعلم لم أجيء الى مريض فاداويه ولا الى أسير فافاديه اللهم اسق عاداما كنت تسقيه فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ الى سحابة منها سوداء فنودي منها خذها رمادا رمدا لا تبقي من عاد أحدا قال فلما بلغني أنه أرسل عليهم الريح الا بقدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا قال أبو وائل وصدق وكانت المرأة أو الرجل اذا بعثوا وافدا لهم قالوا لا يكن كوافد عاد وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث أبي المنذر سلام بن سليمان به ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن ابي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بن ابي النجود عن الحارث البكري ولم يذكر أبا وائل وهكذا رواه الامام احمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث والصواب عن عاصم عن أبي وائل عن الحارث كما تقدم
وفادة عبد الرحمن بن أبي عقيل مع قومه
قال أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله اسحاق بن محمد بن يوسف السوسي أنبأنا أبو جعفر محمد ابن محمد بن عبد الله البغدادي أنبانا علي بن الجعد [ ثنا ] عبد العزيز ثنا احمد بن يونس ثنا زهير ثنا أبو خالد يزيد الاسدي ثنا عون بن ابي جحيفة عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عن عبد الرحمن ابن أبي عقيل قال انطلقت في وفد الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاتيناه فأنخنا بالباب وما في الناس رجل أبغض الينا من رجل نلج عليه فلما دخلنا وخرجنا فما في الناس رجل أحب الينا من رجل دخلنا عليه قال فقال قائل منا يا رسول الله ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان قال فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال فلعل صاحبك عند الله أفضل من ملك سليمان إن الله عز و جل لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة فمنهم من اتخذها دنيا فأعطيها ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فاهلكوا وان الله أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لامتي يوم القيامة
قدوم طارق بن عبد الله واصحابه
روى الحافظ البيهقي من طريق أبي خباب الكلبي عن جامع بن شداد المحاربي حدثني رجل من قومي يقال له طارق بن عبد الله قال إني لقائم بسوق ذي المجاز إذ أقبل رجل عليه جبة وهو يقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ورجل يتبعه يرميه بالحجارة وهو يقول يا أيها الناس إنه كذاب فقلت من هذا فقالوا هذا غلام من بني هاشم يزعم أنه رسول الله قال قلت من هذا الذي يفعل به هذا قالوا هذا عمه عبد العزى قال فلما أسلم الناس وهاجروا خرجنا من الربذة (5/85)
نريد المدينة نمتار من تمرها فلما دنونا من حيطانها ونخلها قلت لو نزلنا فلبسنا ثيابا غير هذه إذا رجل في طمرين فسلم علينا وقال من أين أقبل القوم قلنا من الربذة قال وأين تريدون قلنا نريد هذه المدينة قال ما حاجتكم منها قلنا نمتار من تمرها قال ومعنا ظعينة لنا ومعنا جمل أحمر مخطوم فقال اتبيعوني جملكم هذا قلنا نعم بكذا وكذا صاعا من تمر قال فما استوضعنا مما قلنا شيئا وأخذ بخطام الجمل وانطلق فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها قلنا ما صنعنا والله ما بعنا جملنا ممن يعرف ولا أخذنا له ثمنا قال تقول المرأة التي معنا والله لقد رأيت رجلا كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر أنا ضامنة لثمن جملكم إذ أقبل الرجل فقال [ أنا ] رسول الله اليكم هذا تمركم فكلوا واشبعوا واكتالوا واستوفوا فاكلنا وشبعنا واكتلنا واستوفينا ثم دخلنا المدينة فدخلنا المسجد فاذا هو قائم على المنبر يخطب الناس فادركنا من خطبته وهو يقول تصدقوا فإن الصدقة خير لكم اليد العليا خير من اليد السفلى أمك واباك وأختك وأخاك أدناك وأدناك إذ أقبل رجل من بني يربوع أو قال رجل من الانصار فقال يا رسول الله لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية فقال إن أبا لا يجني على ولد ثلاث مرات وقد روى النسائي فضل الصدقة منه عن يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد بن ابي الجعد عن جامع بن شداد عن طارق بن عبد الله المحاربي ببعضه ورواه الحافظ البيهقي أيضا عن الحاكم عن الاصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن يزيد ابن زياد عن جامع بن طارق بطوله كما تقدم وقال فيه فقالت الظعينة لا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه
قدوم وافد فروة بن عمرو الجذامي صاحب بلاد معان
قال ابن اسحاق وبعث فروة بن عمرو النافرة الجذامي ثم النفاثي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم رسولا باسلامه واهدى له بغلة بيضاء وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام فلما بلغ الروم ذلك من اسلامه طلبوه حتى أخذوه فحبسوه عندهم فقال في محبسه ذلك ... طرقت سليمى موهنا أصحابي ... والروم بين الباب والقروان ... صد الخيال وساءه ما قد رأى ... وهممت أن أغفى وقد أبكاني (5/86)
لا تكحلن العين بعدي إثمدا ... سلمى ولا تدين للإتيان ... ولقد علمت أبا كبيشة أنني ... وسط الأعزة لا يحص لساني ... فلئن هلكت لتفقدن أخاكم ... ولئن بقيت ليعرفن مكاني ... ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى ... من جودة وشجاعة وبيان ...
قال فلما اجمعت الروم على صلبه على ماء لهم يقال له عفرى بفلسطين قال ... ألا هل أتى سلمى بأن حليلها ... على ماء عفرى فوق إحدى الرواحل ... على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... يشد به أطرافها بالمناجل ...
قال وزعم الزهري أنهم لما قدموه ليقتلوه قال ... بلغ سراة المسلمين بأنني ... سلم لربي أعظمي ومقامي ...
قال ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء رحمه الله ورضي عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه
قدوم تميم الداري على رسول الله صلى الله عليه و سلم في خروج النبي صلى الله عليه و سلم وايمان من آمن به
أخبرنا أبو عبد الله سهل بن محمد بن نصرويه المروزي بنيسابور أنبانا أبو بكر محمد بن احمد ابن الحسن القاضي أنبأنا أبو سهل احمد بن محمد بن زياد القطان حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبير أنبأنا وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت غيلان بن جرير يحدث عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت قدم علي رسول الله صلى الله عليه و سلم تميم الداري فاخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته فسقطوا إلى جزيرة فخرجوا اليها يلتمسون الماء فلقي انسانا يجر شعره فقال له من أنت قال أنا الجساسة قالوا فاخبرنا قال لا أخبركم ولكن عليكم بهذه الجزيرة فدخلناها فاذا رجل مقيد فقال من أنتم قلنا ناس من العرب قال ما فعل هذا النبي الذي خرج فيكم قلنا قد آمن به الناس واتبعوه وصدقوه قال ذلك خير لهم قال أفلا تخبروني عن عين زعر ما فعلت فاخبرناه عنها فوثب وثبة كاد أن يخرج من وراء الجدار ثم قال ما فعل نخل بيسان هل اطعم بعد فأخبرناه أنه قد أطعم فوثب مثلها ثم قال أما لوقد أذن لي في الخروج لوطئت البلاد كلها غير طيبة قالت فاخرجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فحدث الناس فقال هذه طيبة وذاك الدجال وقد روى هذا الحديث الامام احمد ومسلم وأهل السنن من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبي عن فاطمة بنت قيس وقد أورد له الامام احمد شاهدا من رواية أبي هريرة وعائشة أم المؤمنين وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه في كتاب الفتن وذكر الواقدي وفد الدارس من لخم وكانوا عشرة (5/87)
وفد بني أسد
وهكذا ذكر الواقدي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم في أول سنة تسع وفد بني أسد وكانوا عشرة منهم ضرار بن الازور ووابصة بن معبد وطليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة بعد ذلك ثم أسلم وحسن اسلامه ونفادة بن عبد الله بن خلف فقال له رئيسهم حضرمي بن عامر يا رسول الله أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء ولم تبعث الينا بعثا فنزل فيهم يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للاسلام إن كنتم صادقين وكان فيهم قبيلة يقال لهم بنو الريتة فغير اسمهم فقال أنتم بنو الرشدة وقد استهدى رسول الله صلى الله عليه و سلم من نفادة بن عبد الله بن خلف ناقة تكون جيدة للركوب وللحلب من غير أن يكون لها ولد معها فطلبها فلم يجدها الا عند ابن عم له فجاءبها فامره رسول الله صلى الله عليه و سلم بحلبها فشرب منها وسقاه سؤره ثم قال اللهم بارك فيها وفيمن منحها فقال يا رسول الله وفيمن جاء بها فقال وفيمن جاء بها
وفد بني عبس
ذكر الواقدي أنهم كانوا تسعة نفر وسماهم الواقدي فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم انا عاشركم وأمر طلحة بن عبيد الله فعقد لهم لواء وجعل شعارهم يا عشرة وذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سألهم عن خالد بن سنان العبسي الذي قدمنا ترجمته في أيام الجاهلية فذكروا أنه لا عقب له وذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثهم يرصدون عيرا لقريش قدمت من الشام وهذا يقتضي تقدم وفادتهم على الفتح والله أعلم
وفد بني فزارة
قال الواقدي حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر الجمحي عن أبي وجزة السعدي قال لما رجع رسول الله من تبوك وكان سنة تسعة قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن والحارث بن قيس بن حصن وهو اصغرهم على ركاب عجاف فجاؤا مقرين بالاسلام وسألهم رسول الله عن بلادهم فقال أحدهم يا رسول الله أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا وأجدب جناتنا وغرث عيالنا فادع الله لنا فصعد رسول الله المنبر ودعا فقال اللهم اسق بلادك وبهائمك وانشر رحمتك واحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الاعداء قال فمطرت فما رأوا السماء سبتا فصعد رسول الله المنبر فدعا فقال اللهم حوالينا (5/88)
ولا علينا على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب
وفد بني مرة
قال الواقدي إنهم قدموا سنة تسع عند مرجعه من تبوك وكانوا ثلاثة عشر رجلا منهم الحارث ابن عوف فاجازهم عليه السلام بعشر أواق من فضة وأعطى الحارث بن عوف ثنتي عشر أوقية وذكروا بأن بلادهم مجدبة فدعا لهم فقال اللهم اسقهم الغيث فلما رجعوا إلى بلادهم وجدوها قد مطرت ذلك اليوم الذي دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم
وفد بني ثعلبة
قال الواقدي حدثني موسى بن محمد بن ابراهيم عن رجل من بني ثعلبة عن أبيه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة سنة ثمان قدمنا عليه أربعة نفر فقلنا نحن رسل من خلفنا من قومنا وهم يقرون بالاسلام فأمر لنا بضيافة وأقمنا اياما ثم جئناه لنودعه فقال لبلال أجزهم كما تجيز للوافد فجاء ببقر من فضة فاعطى كل رجل منا خمس اواق وقال ليس عندنا دراهم وانصرفنا إلى بلادنا
وفد بني محارب
قال الواقدي حدثني محمد بن صالح عن أبي وجزة السعدي قال قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع وهم عشرة نفر فيهم سواء بن الحارث وابنه خزيمة بن سواء فانزلوا دار رملة بنت الحارث وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء فاسلموا وقالوا نحن على من وراءنا ولم يكن أحد في تلك المواسم أفظ ولا أغلظ على رسول الله منهم وكان في الوفد رجل منهم فعرفه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الحمد لله الذي أبقاني حتى صدقت بك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن هذه القلوب بيد الله عز و جل ومسح رسول الله وجه خزيمة بن سواء فصارت غرة بيضاء واجازهم كما يجيز الوفد وانصرفوا إلى بلادهم
وفد بني كلاب
ذكر الواقدي أنهم قدموا سنة تسع وهم ثلاثة عشر رجلا منهم لبيد بن ربيعة الشاعر وجبار بن سلمى وكان بينه وبين كعب بن مالك خلة فرحب به وأكرمه وأهدى اليه وجاؤا معه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلموا عليه بسلام الاسلام وذكروا له أن الضحاك بن سفيان الكلابي سار فيهم بكتاب الله وسنة رسوله التي أمره الله بها ودعاهم إلى الله فاستجابوا له وأخذ صدقاتهم من أغنيائهم فصرفها على فقرائهم (5/89)
وفد بني رؤاس من كلاب
ثم ذكر الواقدي أن رجلا يقال له عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قدم على رسول الله رسول الله صلى الله عليه و سلم فاسلم ثم رجع الى قومه فدعاهم إلى الله فقالوا حتى نصيب من بني عقيل مثل ما أصابوا منا فذكر مقتلة كانت بينهم وأن عمرو بن مالك هذا قتل رجلا من بني عقيل قال فشددت يدي في غل وأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وبلغه ما صنعت فقال لئن أتاني لأضرب ما فوق الغل من يده فلما جئت سلمت فلم يرد علي السلام وأعرض فاتيته عن يمينه فأعرض عني فأتيته عن يساره فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت يا رسول الله إن الرب عز و جل ليرتضي فيرضى فأرض عني رضي الله عنك قال قد رضيت
وفد بني عقيل بن كعب
ذكر الواقدي أنهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاقطعهم العقيق عقيق بنى عقيل وهي أرض فيها نخيل وعيون وكتب بذلك كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله ربيعا ومطرفا وأنسا أعطاهم العقيق ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وسمعوا وطاعوا ولم يعطهم حقا لمسلم فكان الكتاب في يد مطرف قال وقدم عليه أيضا لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر ابن عقيل وهو أبو رزين فأعطاه ماء يقال له النظيم وبايعه على قومه وقد قدمنا قدومه وقصته وحديثه بطوله ولله الحمد والمنة
وفد بني قشير بن كعب
وذلك قبل حجة الوداع وقبل حنين فذكر فيهم قرة بن هبيرة بن [ عامر بن ] سلمة الخير ابن قشير فأسلم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم وكساه بردا وأمره أن يلي صدقات قومه فقال قرة حين رجع ... حباها رسول الله إذ نزلت به ... وأمكنها من نائل غير منفد ... فأضحت بروض الخضر وهي حثيثة ... وقد أنجحت حاجاتها من محمد ... عليها فتى لا يردف الذم رحله ... يروى لأمر العاجز المتردد ... وفد بني البكاء
ذكر أنهم قدموا سنة تسع وأنهم كانوا ثلاثين رجلا فيهم معاوية بن ثور بن [ معاوية (5/90)
ابن ] عبادة بن البكاء وهو يومئذ ابن مائة سنة ومعه ابن له يقال له بشر فقال يا رسول الله إني أتبرك بمسك وقد كبرت وابني هذا بر بي فأمسح وجهه فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم وجهه وأعطاه أعنزا عفرا وبرك عليهن فكانوا لا يصيبهم بعد ذلك قحط ولا سنة وقال محمد بن بشر بن معاوية في ذلك ... وأبي الذي مسح الرسول برأسه ... ودعا له بالخير والبركات ... أعطاه أحمد إذ أتاه أعنزا ... عفرا نواحل لسن باللحيات ... يملأن وفد الحي كل عشية ... ويعود ذاك الملئ بالغدوات ... بوركن من منح وبورك مانحا ... وعليه مني ما حييت صلاتي ... وفد كنانة
روى الواقدي باسانيده أن واثلة بن الاسقع الليثي قدم على رسول الله ص 4
وهو يتجهز إلى تبوك فصلى معه الصبح ثم رجع إلى قومه فدعاهم وأخبرهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبوه والله لا أحملك ابدا وسمعت أخته كلامه فأسلمت وجهزته حتى سار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى تبوك وهو راكب على بعير لكعب بن عجرة وبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم مع خالد إلى اكيدر دومة فلما رجعوا عرض واثلة على كعب بن عجرة ما كان شارطه عليه من سهم الغنيمة فقال له كعب إنما حملتك لله عز و جل
وفد أشجع
ذكر الواقدي أنهم قدموا عام الخندق وهم مائة رجل ورئيسهم مسعود بن رخيلة فنزلوا شعب سلع فخرج اليهم رسول الله وأمر لهم باحمال التمر ويقال بل قدموا بعد ما فرغ من بني قريظة وكانوا سبع مائة رجل فوادعهم ورجعوا ثم أسلموا بعد ذلك
وفد باهلة
قدم رئيسهم مطرف بن الكاهن بعد الفتح فأسلم وأخذ لقومه امانا وكتب له كتابا فيه الفرائض وشرائع الاسلام كتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه (5/91)
وفد بني سليم
قال وقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل من بني سليم يقال له قيس بن نشبة فسمع كلامه وسأله عن أشياء فأجابه ووعى ذلك كله ودعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الاسلام فأسلم ورجع إلى قومه بني سليم فقال سمعت ترجمة الروم وهيمنة فارس وأشعار العرب وكهانة الكهان وكلام مقاول حمير فما يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم فأطيعوني وخذوا بنصيبكم منه فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم فلقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقديد وهم سبع مائة ويقال كانوا ألفا وفيهم العباس بن مرداس وجماعة من أعيانهم فأسلموا وقالوا اجعلنا في مقدمتك واجعل لواءنا احمر وشعارنا مقدما ففعل ذلك بهم فشهدوا معه الفتح والطائف وحنينا وقد كان راشد بن عبد ربه السلمي يعبد صنما فرآه يوما وثعلبان يبولان عليه فقال ... أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد زل من بالت عليه الثعالب ...
ثم شد عليه فكسره ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم وقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ما اسمك قال غاوي بن عبد العزى فقال بل أنت راشد بن عبد ربه واقطعه موضعا يقال له رهاط فيه عين تجري يقال لها عين الرسول وقال هو خير بني سليم وعقد له على قومه وشهد الفتح وما بعدها
وفد بني هلال بن عامر
وذكر في وفدهم عبد عوف بن اصرم فاسلم وسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله وقبيصة بن مخارق الذي له حديث في الصدقات وذكر في وفد بني هلال زياد بن عبد الله بن مالك بن نجير بن الهدم ابن روبية بن عبد الله بن هلال بن عامر فلما دخل المدينة يمم منزل خالته ميمونة بنت الحارث فدخل عليها فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم منزله رآه فغضب ورجع فقالت يا رسول الله انه ابن أختى فدخل ثم خرج إلى المسجد ومعه زياد فصلى الظهر ثم أدنا زيادا فدعا له ووضع يده على رأسه ثم حدرها على طرف أنفه فكانت بنو هلال تقول ما زلنا نتعرف البركة في وجه زياد وقال الشاعر لعلي بن زياد ... إن الذي مسح الرسول برأسه ... ودعا له بالخير عند المسجد ... أعني زيادا لا اريد سواءه ... من عابر أو منهم أو منجد ... ما زال ذاك النور في عرنينه ... حتى تبوأ بيته في ملحد (5/92)
وفد بني بكر بن وائل
ذكر الواقدي أنهم لما قدموا سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قس بن ساعدة فقال ليس ذاك منكم ذاك رجل من إياد تحنف في الجاهلية فوافى عكاظ والناس مجتمعون فكلمهم بكلامه الذي حفظ عنه قال وكان في الوفد بشير بن الخصاصية وعبد الله بن مرثد وحسان بن خوط فقال رجل من ولد حسان ... أنا وحسان بن خوط وأبي ... رسول بكر كلها إلى النبي ... وفد بني تغلب
ذكر أنهم كانوا ستة عشر رجلا مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب فنزلوا دار رملة بنت الحارث فصالح رسول الله صلى الله عليه و سلم النصارى على أن لا يضيعوا أولادهم في النصرانية وأجار المسلمين منهم
وغادات أهل اليمن وفد نجيب
ذكر الواقدي أنهم قدموا سنة تسع وأنهم كانوا ثلاثة عشر رجلا فاجازهم أكثر ما أجاز غيرهم وأن غلاما منهم قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حاجتك فقال يا رسول الله أدع الله يغفر لي ويرحمني ويجعل غنائي في قلبي فقال اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه فكان بعد ذلك من أزهد الناس
وفد خولان
ذكر أنهم كانوا عشرة وأنهم قدموا في شعبان سنة عشر وسألهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صنمهم الذي كان يقال له عم أنس فقالوا أبدلناه خيرا منه ولو قد رجعنا لهدمناه وتعلموا القرآن والسنن فلما رجعوا هدموا الصنم وأحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله
وفد جعفي
ذكر أنهم كانوا يحرمون أكل القلب فلما أسلم وفدهم أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بأكل القلب وأمر به فشوي وناوله رئيسهم وقال لا يتم إيمانكم حتى تأكلوه فاخذه ويده ترعد فأكله وقال ... على أني أكلت القلب كرها ... وترعد حين مسته بناني (5/93)
* بسم الله الرحمن الرحيم * فصل في قدوم الأزد على رسول الله صلى الله عليه و سلم
ذكر أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة والحافظ أبو موسى المديني من حديث احمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني قال حدثني علقمة بن مرثد بن سويد الأزدي قال حدثني أبي عن جدي عن سويد بن الحارث قال وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما دخلنا عليه وكلمناه فاعجبه ما رأى من سمتنا وزينا فقال ما أنتم قلنا مؤمنون فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم قلنا خمس عشرة خصلة خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها وخمس أمرتنا أن نعمل بها وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها قلنا أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت قال وما الخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها قلنا أمرتنا أن نقول لا إله إلا الله ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونصوم رمضان ونحج البيت من استطاع اليه سبيلا فقال وما الخمسة الذي تخلقتم بها في الجاهلية قالوا الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء والرضى بمر القضاء والصدق في مواطن اللقاء وترك الشماتة بالاعداء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ثم قال وأنا أريدكم خمسا فيتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا مالا تسكنون ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غدا تزولون واتقوا الله الذي اليه ترجعون وعليه تعرضون وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم وحفظوا وصيته وعملوا بها
ثم ذكر وفد كندة
وأنهم كانوا بضعة عشر راكبا عليهم الاشعث بن قيس وأنه أجازهم بعشر أواق وأجاز الاشعث ثنتي عشرة أوقية وقد تقدم
وفد الصدف
قدموا في بضعة عشر راكبا فصادفوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب على المنبر فجلسوا ولم يسلموا فقال أمسلمون أنتم قالوا نعم قال فهلا سلمتم فقاموا قياما فقالوا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فقال وعليكم السلام أجلسوا فجلسوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أوقات الصلوات (5/94)
وفد خشين
قال وقدم أبو ثعلبة الخشني ورسول الله يجهز إلى خيبر فشهد معه خيبر ثم قدم بعد ذلك بضعة عشر رجلا منهم فأسلموا
وفد بني سعد
ثم ذكر وفد بني سعد هذيم وبلى وبهراء وبني عذرة وسلامان وجهينة وبني كلب والجرميين وقد تقدم حديث عمرو بن سلمة الجرمي في صحيح البخاري
وذكر وفد الأزد وغسان والحارث بن كعب وهمدان وسعد العشيرة وقيس ووفد الداريين والزهاويين وبني عامر والمسجع وبجيلة وخثعم وحضرموت وذكر فيهم وائل بن حجر وذكر فيهم الملوك الاربعة حميدا ومخوسا ومشرجا وأبضعه وقد ورد في مسند احمد نعتهم مع أخيهم الغمر تكلم الواقدي كلاما فيه طول
وذكر وفد أزدعمان وغافق وبارق ودوس وثمالة والحدار وأسلم وجذام ومهرة وحمير ونجران وحيسان وبسط الكلام على هذه القبائل بطول جدا وقد قدمنا بعض ما يتعلق بذلك وفيما أوردناه كفاية والله أعلم ثم قال الواقدي
وفد السباع
حدثني شعيب بن عبادة عن عبد المطلب بن عبد الله بن حنظب قال بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس بالمدينة في أصحابه أقبل ذئب فوقف بين يديه فعوى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا وافد السباع اليكم فان أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره وإن أحببتم تركتموه وتحذرتم منه فما أخذ فهو رزقه قالوا يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشيء فاومأ اليه النبي صلى الله عليه و سلم باصابعه الثلاث أي خالسهم فولى وله عسلان وهذا مرسل من هذا الوجه ويشبه هذا الذئب الذئب الذي ذكر في الحديث الذي رواه الامام احمد حدثنا يزيد بن هارون أنبانا القاسم بن الفضل الحراني عن أبي نضرة عن ابي سعيد الخدري قال عدا الذئب على شاة فاخذها فطلبها الراعي فانتزعها منه فاقعى الذئب على ذنبه فقال ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقة الله إلي فقال يا عجبا ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الانس فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزاواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخبره فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي الصلاة جامعة ثم خرج فقال للاعرابي أخبرهم فاخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الانس وتكلم (5/95)
الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده وقد رواه الترمذي عن سفيان ابن وكيع بن الجراح عن أبيه عن القاسم بن الفضل به وقال حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل به وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث وثقه يحيى وابن مهدي
قلت وقد رواه الامام احمد أيضا حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب هو ابن أبي حمزة حدثني عبد الله بن ابي الحسين حدثني مهران أنبأنا أبو سعيد الخدري حدثه فذكر هذه القصة بطولها بأبسط من هذا السياق ثم رواه احمد حدثنا أبو النضر ثنا عبد الحميد بن بهرام ثنا شهر قال وحدث أبو سعيد فذكره وهذا السياق أشبه والله أعلم وهو اسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه فصل
وقد تقدم ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة وقد تقصينا الكلام في ذلك عند قوله تعالى في سورة الاحقاق وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فذكرنا ما ورد من الاحاديث في ذلك والآثار وأوردنا حديث سواد بن قارب الذي كان كاهنا فأسلم وما رواه عن رئيه الذي كان يأتيه بالخبر حين أسلم حين قال له ... عجبت للجن وانجاسها ... وشدها العيس بأحلاسها ... تهوى إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمن الجن كأرجاسها ... فانهض إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى راسها ...
ثم قوله ... عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس باقتابها ... تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس قدامها كأذنابها ... فانهض إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى بابها ...
ثم قوله ... عجبت للجن وتخبارها ... وشدها العيس بأكوارها ... تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس ذو الشر كأخيارها ... فانهض إلى الصفوة من هاشم ... ما مؤمنوا الجن ككفارها ...
وهذا وأمثاله مما يدل على تكرار وفود الجن إلى مكة وقد قررنا ذلك هنالك بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة وبه التوفيق
وقد أورد الحافظ أبو بكر البيهقي ها هنا حديثا غريبا جدا بل منكرا أو موضوعا ولكن مخرجه (5/96)
عزيز أحببنا أن نورده كما أورده والعجب منه فانه قال في دلائل النبوة باب قدوم هامة بن الهيثم بن لاقيس بن ابليس على النبي صلى الله عليه و سلم واسلامه أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله أنبأنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل القاري المروزي ثنا عبد الله بن حماد الآملي ثنا محمد بن أبي معشر أخبرني أبي عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر رضي الله عنه بينا نحن قعود مع النبي صلى الله عليه و سلم على جبل من جبال تهامة إذ أقبل شيخ بيده عصا فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد ثم قال نغمة جن وغمغمتهم من أنت قال أنا هامة بن الهيثم بن لاقيس بن ابليس فقال النبي صلى الله عليه و سلم فما بينك وبين ابليس الاأ بوان فكم أتى لك من الدهر قال قد افنيت الدنيا عمرها إلا قليلا ليال قتل قابيل وهابيل كنت غلاما ابن أعوام أفهم الكلام وآمر بالآكام وآمر بافساد الطعام وقطيعة الأرحام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بئس عمل الشيخ المتوسم والشاب المتلوم قال ذرني من الترداد إني تائب الى الله عز و جل إني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني وقال لا جرم إني على ذلك من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قال قلت يا نوح إني كنت ممن اشترك في دم السعيد الشهيد هابيل بن آدم فهل تجد لي عندك توبة قال يا همام هم بالخير وافعله قبل الحسرة والندامة إني قرأت فيما أنزل الله علي أنه ليس من عبد تاب الى الله بالغ أمره ما بلغ الا تاب الله عليه قم فتوضأ وأسجد لله سجدتين قال ففعلت من ساعتي ما أمرني به فناداني أرفع رأسك فقد نزلت توبتك من السماء فخررت لله ساجدا قال وكنت مع هود في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وابكاني وقال أنا على ذلك من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قال وكنت مع صالح في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاقبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكانى وقال أنا على ذلك من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين وكنت أزور يعقوب وكنت مع يوسف في المكان الامين وكنت القى الياس في الاودية وأنا القاه الآن وإني لقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة وقال إن لقيت عيسى بن مريم فاقره مني السلام وإني لقيت عيسى بن مريم فأقرأته عن موسى السلام وإن عيسى قال إن لقيت محمدا صلى الله عليه و سلم فأقره مني السلام فارسل رسول الله صلى الله عليه و سلم عينيه فبكى ثم قال وعلى عيسى السلام ما دامت الدنيا وعليك السلام يا هام بادائك الأمانة قال يا رسول الله افعل بي ما فعل بي موسى إنه علمني من التوراة قال فعلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا وقعت الواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت والمعوذتين وقل هو الله أحد وقال ارفع الينا حاجتك يا هامة ولا تدع زيارتنا قال عمر فقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يعد الينا فلا ندري الآن أحي هو أم ميت ثم قال البيهقي ابن أبي معشر هذا قد روى عنه (5/97)
الكبار إلا أن أهل العلم بالحديث يضعفونه وقد روى هذا الحديث من وجه آخر هو اقوى منه والله أعلم
سنة عشر من الهجرة
باب بعث رسول الله خالد بن الوليد
قال ابن اسحاق ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جمادى الاولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم إلى الاسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الاسلام ويقولون أيها الناس أسلموا تسلموا فاسلم الناس ودخلوا فيما دعوا اليه فاقام فيهم خالد يعلمهم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم كما أمره رسول الله إن هم أسلموا ولم يقاتلوا ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد النبي رسول الله من خالد بن الوليد السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فاني أحمد اليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة ايام وأن أدعوهم إلى الإسلام فان أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه وإن لم يسلموا قاتلتهم وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الاسلام ثلاثة ايام كما أمرني رسول الله وبعثت فيهم ركبانا يا بني الحارث أسلموا تسلموا فاسلموا ولم يقاتلوا وأنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به وأنهاهم عما نهاهم الله عنه وأعلمهم معالم الاسلام وسنة النبي صلى الله عليه و سلم حتى يكتب إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد سلام عليك فاني احمد اليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم وأجابوا إلى ما دعوتهم اليه من الاسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته فاقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب منهم قيس بن الحصين ذو الغصة ويزيد بن عبد المدان ويزيد بن المحجل وعبد الله بن قراد الزيادي وشداد بن عبيد الله القناني وعمرو بن عبد الله الضبابي فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ورآهم قال من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند قيل يا رسول الله هؤلاء بنو (5/98)
الحارث بن كعب فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم سلموا عليه وقالوا نشهد أنك رسول الله وأنه لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ثم قال أنتم الذين إذا زجروا استقدموا فسكتوا فلم يراجعه منهم أحد ثم أعادها الثانية ثم الثالثة فلم يراجعه منهم أحد ثم أعادها الرابعة قال يزيد بن عبد المدان نعم يا رسول الله نحن الذين إذا زجروا استقدموا قالها أربع مرات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو ان خالدا لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رؤسكم تحت أقدامكم فقال يزيد بن عبد المدان أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا قال فمن حمدتم قالوا حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقتم ثم قال بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية قالوا لم نك نغلب أحدا قال بلى قدكنتم تغلبون من قاتلكم قالوا كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله إنا كنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحدا بظلم قال صدقتم ثم امر عليهم قيس بن الحصين
مثال ابن اسحاق ثم رجعوا إلى قومهم في بقية شوال أو في صدر ذي القعدة قال ثم بعث اليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتابا عهد اليه فيه عهده وأمره أمره ثم أورده ابن اسحاق وقد قدمناه في وفد ملوك حمير من طريق البيهقي وقد رواه النسائي نظير ما ساقه محمد بن اسحاق بغير اسناد
بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم الأمراء الى أهل اليمن
قال البخاري باب بعث أبي موسى ومعاذ الى اليمن قبل حجة الوداع حدثنا موسى ثنا أبو عوانة ثنا عبد الملك عن أبي بردة قال بعث النبي صلى الله عليه و سلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال واليمن مخلافان ثم قال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وفي رواية وتطاوعا ولا تختلفا وانطلق كل واحد منهما الى عمله قال وكان كل واحد منهما اذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا [ فسلم عليه ] فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى اليه فاذا هو جالس وقد اجتمع الناس اليه واذا رجل عنده قد جمعت يداه الى عنقه فقال له معاذ يا عبد الله بن قيس أيم هذا قال هذا رجل كفر بعد اسلامه قال لا أنزل حتى يقتل قال انما جيء به لذلك فانزل قال ما أنزل حتى يقتل فأمر به فقتل ثم نزل فقال يا عبد الله كيف تقرأ القرآن قال اتفوقه تفوقا قال فكيف تقرأ أنت يا معاذ قال (5/99)
أنام أول الليل فاقوم وقد قضيت جزئي من النوم فاقرأ ما كتب الله لي فاحتسب نومتي كما احتسب قومتي انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه ثم قال البخاري ثنا اسحاق ثنا خالد عن الشيباني عن سعيد بن ابي بردة عن أبيه عن أبي موسى الاشعري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه الى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال ما هي قال البتع والمزر فقلت لابي بردة ما التبع قال نبيذ العسل والمزر نبيذ الشعير فقال كل مسكر حرام رواه جرير وعبد الواحد عن الشيباني عن ابي بردة ورواه مسلم من حديث سعيد بن ابي بردة
وقال البخاري حدثنا حبان أنبأنا عبد الله عن زكريا بن أبي اسحاق عن يحيى بن عبد الله ابن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمعاذ بن جبل حين بعثه الى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب فاذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فاخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب وقد اخرجه بقية الجماعة من طرق متعددة وقال الامام احمد ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثني راشد بن سعد عن عاصم بن حميد الكسوني عن معاذ بن جبل قال لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن خرج معه يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم التفت بوجهه نحو المدينة فقال إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا ثم رواه عن أبي اليمان عن صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني أن معاذ لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن خرج معه يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا تبك يا معاذ للبكاء أوان البكاء من الشيطان وقال الامام احمد حدثنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثني أبو زياد يحيى بن عبيد الغساني عن يزيد بن قطيب عن معاذ أنه كان يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن فقال لعلك أن تمر بقبري ومسجدي فقد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم يقاتلون على الحق مرتين فقاتل بمن أعطاك منهم من عصاك ثم يفيئون الى الاسلام حتى تبادر المرأة زوجها والولد والده والأخ اخاه فانزل بين الحبين السكون والسكاسك 2
وهذا الحديث فيه إشارة وظهور وايماء إلى أن معاذا رضي الله عنه لا يجتمع بالنبي صلى الله عليه و سلم بعد (5/100)
ذلك وكذلك وقع فانه أقام باليمن حتى كانت حجة الوداع ثم كانت وفاته عليه السلام بعد أحد وثمانين يوما من يوم الحج الاكبر فاما الحديث الذي قال الامام احمد حدثنا وكيع عن الاعمش عن أبي ظبيان عن معاذ أنه لما رجع من اليمن قال يا رسول الله رأيت رجالا باليمن يسجد بعضهم لبعض أفلا نسجد لك قال لو كنت آمر بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها وقد رواه احمد عن ابن نمير عن الاعمش سمعت أبا ظبيان يحدث عن رجل من الانصار عن معاذ ابن جبل قال أقبل معاذ من اليمن فقال يا رسول الله إني رأيت رجالا فذكر معناه فقد دار على رجل منهم ومثله لا يحتج به لا سيما وقد خالفه غيره ممن يعتد به فقالوا لما قدم معاذ من الشام كذلك رواه احمد ثنا ابراهيم بن مهدي ثنا اسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن ابي حسين عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله وقال احمد ثنا وكيع ثنا سفيان عن حبيب بن ابي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا معاذ اتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن قال وكيع وجدته في كتابي عن أبي ذر وهو السماع الاول وقال سفيان بن مرة عن معاذ ثم قال الامام احمد حدثنا اسماعيل عن ليث عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ أنه قال يا رسول الله أوصني فقال اتق الله حيثما كنت قال زدني قال اتبع السيئة الحسنة تمحها قال زدني قال خالق الناس بخلق حسن وقد رواه الترمذي في جامعه عن محمود بن غيلان عن وكيع عن سفيان الثوري به وقال حسن قال شيخنا في الاطراف وتابعه فضيل بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن الاعمش عن حبيب به وقال احمد ثنا أبو اليمان ثنا اسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن معاذ بن جبل قال أوصاني رسول الله صلى الله عليه و سلم بعشر كلمات قال لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت ولا تعقن [ والديك ] وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا فإن من ترك من صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ولا تشربن خمرا فإنه رأس كل فاحشة وإياك والمعصية فإن بالمعصية يحل سخط الله وإياك والفرار من زحف وإن هلك الناس وإذا أصاب الناس موت وأنت فيهم فاثبت وأنفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأحبهم في الله عز و جل وقال الامام احمد ثنا يونس ثنا بقية عن السري بن ينعم عن شريح عن مسروق عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بعثه الى اليمن قال إياك والتنعم فان عباد الله ليسوا بالمتنعمين وقال احمد ثنا سليمان بن داود الهاشمي ثنا أبو بكر يعني ابن عياش ثنا عاصم عن أبي وائل عن معاذ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارا أوعد له من المعافر وأمرني أن (5/101)
آخذ من كل أربعين بقرة مسنة ومن كل ثلاثين بقرة تبيعا حوليا وأمرني فيما سقت السماء العشر وما سقي بالدوالي نصف العشر وقد رواه أبو داود من حديث أبي معاوية والنسائي من حديث محمد بن اسحاق عن الاعمش كذلك
وقد رواه أهل السنن الاربعة من طرق عن الاعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ وقال احمد ثنا معاوية عن عمرو وهارون بن معروف قالا ثنا عبد الله بن وهب عن حيوة عن يزيد ابن أبي حبيب عن سلمة بن اسامة عن يحيى بن الحكم أن معاذا قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا قال هارون والتبيع الجذع أو جذعة ومن كل أربعين مسنة فعرضوا علي أن آخذ ما بين الاربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فابيت ذلك وقلت لهم اسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقدمت فاخبرت النبي صلى الله عليه و سلم فامرني أن أخذ من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين ومن التسعين ثلاثة أتباع ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعا ومن العشرين ومائة ثلاث مسننات أو أربعة اتباع قال وأمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم ان لا أخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن يبلغ مسنة أو جذع وزعم أن الاوقاص لا فريضة فيها وهذا من افراد احمد وفيه دلالة على أنه قدم بعد مصيره إلى اليمن على رسول الله صلى الله عليه و سلم والصحيح إنه لم ير النبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك كما تقدم في الحديث وقد قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن أبي بن كعب بن مالك قال كان معاذ بن جبل شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه لا يسأل شيئا إلا أعطاه حتى كان عليه دين أغلق ماله فكلم رسول الله في أن يكلم غرماءه ففعل فلم يضعوا له شيئا فلو ترك لأحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فدعاه رسول الله فلم يبرح أن باع ماله وقسمه بين غرمائه قال فقام معاذ ولا مال له قال فلما حج رسول الله بعث معاذا إلى اليمن قال فكان أول من تجر في هذا المال معاذ قال فقدم على أبي بكر الصديق من اليمن وقد توفي رسول الله فجاء عمر فقال هل لك أن تعطيني فتدفع هذا المال إلى أبي بكر فإن أعطاكه فاقبله قال فقال معاذ لم أدفعه اليه وإنما بعثني رسول الله ليجبرني فلما أبى عليه انطلق عمر إلى أبي بكر فقال ارسل إلى هذا الرجل فخذ منه ودع له فقال أبو بكر ما كنت لافعل إنما بعثه رسول الله ليجبره فلست آخذا منه شيئا قال فلما أصبح معاذ انطلق الى عمر فقال ما أرى الا فاعل الذي قلت إني رايتني البارحة في النوم فيما يحسب عبد الرزاق قال أجر الى النار وأنت آخذ بحجرتي قال فانطلق الى ابي بكر بكل شيء جاء به حتى جاءه بسوطه وحلف له أنه لم يكتمه شيئا قال فقال أبو بكر رضي الله عنه هو لك لا آخذ منه شيئا وقد رواه أبو ثور عن معمر عن الزهري (5/102)
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك فذكره إلا أنه قال حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم على طائفة من اليمن أميرا فمكث حتى قبض رسول الله ثم قدم في خلافة أبي بكر وخرج الى الشام قال البيهقي وقد قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استخلفه بمكة مع عتاب بن أسيد ليعلم اهلها وأنه شهد غزوة تبوك فالاشبه أن بعثه إلى اليمن كان بعد ذلك والله أعلم ثم ذكر البيهقي لقصة منام معاذ شاهدا من طريق الاعمش عن أبي وائل عن عبد الله وأنه كان من جملة ما جاء به عبيد فاتى بهم أبا بكر فلما رد الجميع عليه رجع بهم ثم قام يصلي فقاموا كلهم يصلون معه فلما انصرف قال لمن صليتم قالوا لله قال فانتم عتقاء فاعتقهم وقال الامام احمد ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو بن اخي المغيرة بن شعبة عن ناس من أصحاب معاذ من اهل حمص عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بعثه الى اليمن قال كيف تصنع إن عرض لك قضاء قال أقضي بما في كتاب الله قال فان لم يكن في كتاب الله قال فسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فان لم يكن في سنة رسول الله قال اجتهد وإني لا آلو قال فضرب رسول الله صدري ثم قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله وقد رواه احمد عن وكيع عن عفان عن شعبة باسناده ولفظه وأخرجه أبو داود والترمذي من حديث شعبة به وقال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس اسناده عندي بمتصل وقد رواه ابن ماجه من وجه آخر عنه إلا أنه من طريق محمد بن سعد بن حسان وهو المصلوب أحد الكذابين عن عياذ بن بشر عن عبد الرحمن عن معاذ بن نحوه وقد روى الامام احمد عن محمد بن جعفر ويحيى بن سعيد عن شعبة عن عمرو بن ابي حكيم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن معمر عن ابي الاسود الدئلي قال كان معاذ باليمن فارتفعوا اليه في يهودي مات وترك أخا مسلما فقال معاذ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الاسلام يزيد ولا ينقص فورثه ورواه أبو داود من حديث ابن بريدة به وقد حكى هذا المذهب عن معاوية بن أبي سفيان ورواه عن يحيى بن معمر القاضي وطائفة من السلف واليه ذهب اسحاق بن راهويه وخالفهم الجمهور ومنهم الأئمة الاربعة وأصحابهم محتجين بما ثبت في الصحيحين عن أسامة ابن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر والمقصود أن معاذ رضي الله عنه كان قاضيا للنبي صلى الله عليه و سلم باليمن وحاكما في الحروب ومصدقا اليه تدفع الصدقات كما دل عليه حديث ابن عباس المتقدم وقد كان بارزا للناس يصلي بهم الصلوات الخمس كما قال البخاري حدثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن حبيب بن ابي ثابت عن سعيد بن جبير عن عمرو بن ميمون أن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ واتخذ الله ابراهيم خليلا فقال رجل من القوم لقد قرت عين ابراهيم انفرد به البخاري ثم قال البخاري (5/103)
باب بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن ابي طالب وخالد بن الوليد الى اليمن قبل حجة الوداع
حدثنا احمد بن عثمان ثنا شريح بن مسلمة ثنا ابراهيم بن يوسف بن أبي اسحاق حدثني أبي عن أبي اسحاق سمعت البراء بن عازب قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن قال ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه قال مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه قال فغنمت أواقي ذات عدد انفرد به البخاري من هذا الوجه ثم قال البخاري حدثنا محمد بن بشار ثنا روح بن عبادة ثنا علي بن سويد بن منجوف عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال بعث النبي صلى الله عليه و سلم عليا إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا فاصبح وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى إلى هذا فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه و سلم ذكرت ذلك له فقال يا بريدة تبغض عليا فقلت نعم فقال لا تبغضه فان له في الخمس أكثر من ذلك انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه وقال الامام احمد ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الجليل قال انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابنا بريدة فقال عبد الله بن بريدة حدثني أبو بريدة قال أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط قال وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا قال فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا قال فاصبنا سبيا قال فكتب إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم أبعث الينا من يخمسه قال فبعث الينا علينا وفي السبي وصيفة من أفضل السبي قال فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلنا يا أبا الحسن ما هذا فقال ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه و سلم ثم صارت في آل علي ووقعت بها قال فكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه و سلم فقلت أبعثني فبعثني مصدقا فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق قال فأمسك يدي والكتاب فقال أتبغض عليا قال قلت نعم قال فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة قال فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى الله عليه و سلم أحب إلي من علي قال عبد الله بن بريدة فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث غير أبي بريدة تفرد به بهذا السياق عبد الجليل بن عطية الفقيه أبو صالح البصري وثقه ابن معين وابن حبان وقال البخاري إنما يهم في الشيء وقال محمد بن اسحاق ثنا ابان بن صالح عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن خاله عمرو (5/104)
ابن شاس الاسلمي وكان من أصحاب الحديبية قال كنت مع علي بن أبي طالب في خيله التي بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن فجفاني علي بعض الجفاء فوجدت في نفسي عليه فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيته فاقبلت يوما ورسول الله جالس فلما رآني انظر الى عينيه نظر إلي حتى جلست اليهفلما جلست أليه قال إنه والله يا عمرو بن شاس لقد آذيتني فقلت انا لله وانا اليه راجعون أعوذ بالله والاسلام أن أوذي رسول الله فقال فقال من آذى عليا فقد آذاني وقد رواه البيهقي من وجه آخر عن ابن اسحاق عن أبان بن الفضل بن معقل بن سنان عن عبد الله بن نيار عن خاله عمرو بن شاس فذكره بمعناه وقال الحافظ البيهقي انبأنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأنا أبو اسحاق المولى ثنا عبيدة بن أبي السفر سمعت ابراهيم بن يوسف بن ابي اسحاق عن أبيه عن أبي اسحاق عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الاسلام فلم يجيبوه ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالدا إلا رجلا كان ممن مع خالد فاحب أن يعقب مع علي فليعقب معه قال البراء فكنت فيمن عقب مع علي فلما دنونا من القوم خرجوا الينا ثم تقدم فصلى بنا علي ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فاسلمت همدان جميعا فكتب على إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم باسلامها فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال السلام على همدان السلام على همدان قال البيهقي رواه البخاري مختصرا من وجه آخر عن ابراهيم بن يوسف وقال البيهقي أنبأنا أبو الحسين محمد بن الفضل القطان أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا اسماعيل بن ابي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن سعد بن اسحاق بن كعب عن عجرة عن عمته زينب بنت كعب ابن عجرة عن أبي سعيد الخدري أنه قال بعث رسول الله علي بن أبي طالب إلى اليمن قال أبو سعيد فكنت فيمن خرج معه فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا وكنا قد رأينا في ابلنا خللا فابى علينا وقال إنما لكم فيها سهم كما للمسلمين قال فلما فرغ علي وانطفق من اليمن راجعا أمر علينا انسانا وأسرع هو وادرك الحج فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه و سلم ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم قال أبو سعيد وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا اياه ففعل فلما عرف في ابل الصدقة أنها قد ركبت ورأى اثر الركب قدم الذي أمره ولامه فقلت أما انا لله علي لئن قدمت المدينة لأذكرن لرسول الله ولأخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق قال فلما قدمنا المدينة غدوت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم أريد أن أفعل ما كنت حلفت عليه فلقيت أبا بكر خارجا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآني وقف معي ورحب بي وساءلني وساءلته وقال متى قدمت (5/105)
فقلت قدمت البارحة فرجع معي الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل وقال هذا سعد بن مالك بن الشهيد فقال ائذن له فدخلت فحييت رسول الله وحياني وأقبل علي وسألني عن نفسي وأهلي وأحفى المسألة فقلت يا رسول الله ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق فاتئذ رسول الله وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه حتى إذا كنا في وسط كلامي ضرب رسول الله على فخذي وكنت منه قريبا وقال يا سعد بن مالك ابن الشهيد مه بعض قولك لأخيك علي فوالله لقد علمت أنه أحسن في سبيل الله قال فقلت في نفسي ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم ولا أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء ابدا سرا ولا علانية وهذا إسناد جيد على شرط النسائي ولم يروه أحد من اصحاب الكتب الستة وقد قال يونس عن محمد بن اسحاق حدثني يحيى بن عبد الله ابن أبي عمر عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال إنما وجد جيش علي بن أبي طالب الذين كانوا معه باليمن لأنهم حين اقبلوا خلف عليهم رجلا وتعجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فعمد الرجل فكسى كل رجل حلة فلما دنوا خرج عليهم علي يستلقيهم فاذا عليهم الحلل قال علي ما هذا قالوا كسانا فلان قال فما دعاك الى هذا قبل أن تقدم على رسول الله فيصنع ما شاء فنزع الحلل منهم فلما قدموا على رسول الله اشتكوه لذلك وكانوا قد صالحوا رسول الله وإنما بعث عليه إلى جزية موضوعة
قلت هذا السياق أقرب من سياق البيهقي وذلك أن عليا سبقهم لاجل الحج وساق معه هديا وأهل باهلال النبي صلى الله عليه و سلم فأمره أن يمكث حراما وفي رواية البراء بن عازب أنه قال له أني سقت الهدي وقرنت والمقصود أن عليا لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه وعلي معذور فيما فعل لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج فلذلك والله أعلم لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من حجته وتفرغ من مناسكه ورجع إلى المدينة فمر بغد يرخم قام في الناس خطيبا فبرأ ساحة علي ورفع من قدره ونبه على فضله ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس وسيأتي هذا مفصلا في موضعه إن شاء الله وبه الثقة
وقال البخاري ثنا قتيبة ثنا عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة حدثني عبد الرحمن بن أبي نعم سمعت ابا سعيد الخدري يقول بعث علي بن ابي طالب إلى النبي صلى الله عليه و سلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال فقسمها بين أربعة بين عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل فقال رجل من أصحابه كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة (5/106)
كث اللحية محلوق الرأس مشمر الازار فقال [ يا رسول الله اتق الله فقال ويلك أو لست احق الناس ان يتقي الله قال ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد ] يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا لعله أن يكون يصلي قال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لم أومر أن انقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال ثم نظر اليه وهو مقف فقال إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أظنه قال لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل ثمود وقد رواه البخاري في مواضع أخر من كتابه ومسلم في كتاب الزكاة من صحيحه من طرق متعددة إلى عمارة بن القعقاع به
ثم قال الامام احمد ثنا يحيى عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن وأنا حديث السن قال فقلت تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء قال إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك قال فما شككت في قضاء بين اثنين ورواه ابن ماجه من حديث الاعمش به وقال الامام احمد حدثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن سماك عن حنش عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن قال فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم اسن مني وأنا حدث لا أبصر القضاء قال فوضع يده على صدري وقال اللهم ثبت لسانه وأهد قلبه يا علي إذا جلس اليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر ما سمعت من الاول فانك إذا فعلت ذلك تبين لك قال فما اختلف على قضاء بعد أو ما اشكل على قضاء بعد ورواه احمد أيضا وأبو داود من طرق عن شريك والترمذي من حديث زائدة كلاهما عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر وقيل ابن ربيعة الكناني الكوفي عن علي به وقال الامام احمد حدثنا سفيان بن عيينة عن الاجلح عن الشعبي عن عبد الله بن أبي الخليل عن زيد بن أرقم أن نفرا وطئوا امرأة في طهر فقال علي لاثنين اتطيبان نفسا لذا فقالا لا فأقبل على الآخرين فقال اتطيبان نفسا لذا فقالا لا فقال أنتم شركاء متشاكسون فقال إني مقرع بينكم فايكم قرع أغرمته ثلثي الدية وألزمته الولد قال فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال لا أعلم إلا ما قال علي وقال احمد ثنا شريج بن النعمان ثنا هشيم أنبأنا الاجلح عن الشعبي عن ابي الخليل عن زيد بن ارقم أن عليا أتى في ثلاثة نفر إذ كان في اليمن اشتركوا في ولد فاقرع بينهم فضمن الذي أصابته القرعة ثلثي الدية وجعل الولد له قال زيد بن أرقم فاتيت النبي صلى الله عليه و سلم فاخبرته بقضاء علي فضحك حتى بدت (5/107)
نواجذه ورواه أبو داود عن مسدد عن يحيى القطان والنسائي عن علي بن حجر عن علي بن مسهر كلاهما عن الاجلح بن عبد الله عن عامر الشعبي عن عبد الله بن الخليل وقال النسائي في رواية عبد الله بن أبي الخليل عن زيد بن أرقم قال كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فجاء رجل من أهل اليمن فقال إن ثلاثة نفر أتوا عليا يختصمون في ولد وقعوا على امرأة في طهر واحد فذكر نحو ما تقدم وقال فضحك النبي صلى الله عليه و سلم وقد رواياه أعني ابا داود والنسائي من حديث شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي عن ابي الخليل أو ابن الخليل عن علي قوله فارسله ولم يرفعه وقد رواه الامام احمد أيضا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاجلح عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم فذكر نحو ما تقدم وأخرجه أبو داود والنسائي جميعا عن حنش بن أصرم وابن ماجه عن اسحاق ابن منصور كلاهما عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن صالح الهمداني عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم قال شيخنا في الاطراف لعل عبد خير هذا هو عبد الله بن الخليل ولكن لم يضبط الراوي اسمه قلت فعلى هذا يقوى الحديث وإن كان غيره كان أجود لمتابعته له لكن الاجلح ابن عبد الله الكندي فيه كلام ما وقد ذهب إلى القول بالقرعة في الانساب الامام احمد وهو من أفراده وقال الامام احمد ثنا أبو سعيد ثنا اسرائيل ثنا سماك عن حنش عن علي قال بعثني رسول الله الى اليمن فانتهينا الى قوم قد بنوا زبية للاسد فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم تعلق آخر بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الاسد فانتدب له رجل بحربة فقتله وماتوا من جراحتهم كلهم فقام أولياء الأول الى أولياء الآخر فاخرجوا السلاح ليقتتلوا فأتاهم علي على تعبية ذلك فقال تريدون أن تقاتلوا ورسول الله صلى الله عليه و سلم حي اني أقضي بينكم قضاء ان رضيتم فهو القضاء والا أحجز بعضكم عن بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه و سلم فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له اجمعوا من قبائل الذين حضروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة فللأول الربع لانه هلك والثاني ثلث الدية والثالث نصف الدية والرابع الدية فابوا أن يرضوا فاتوا النبي صلى الله عليه و سلم وهو عند مقام ابراهيم فقصوا عليه القصة فقال أنا أحكم بينكم فقال رجل من القوم يا رسول الله إن عليا قضى علينا فقصوا عليه القصة فاجازه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم رواه الامام احمد أيضا عن وكيع عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن حنش عن علي فذكره (5/108)
كتاب حجة الوداع في سنة عشر
ويقال لها حجة البلاغ وحجة الاسلام وحجة الوداع
* * * ملاحظة هنال تكرار وخطا في من سجل رقم 4888 ولغاية سجل رقم 5103 الاسلام لانه عليه السلام لم يحج من المدينة غيرها ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها وقد قيل إن فريضة الحج نزلت عامئذ وقيل سنة تسع وقيل سنة ست وقيل قبل الهجرة وهو غريب وسميت حجة البلاغ لأنه عليه السلام بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا ولم يكن بقي من دعائم الاسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه عليه السلام فلما بين لهم شريعة الحج ووضحه وشرحه أنزل الله عز و جل عليه وهو واقف بعرفة اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا
وسيأتي ايضاح لهذا كله والمقصود ذكر حجته عليه السلام كيف كانت فإن النقلة اختلفوا فيها اختلافا كثيرا جدا بحسب ما وصل الى كل منهم من العلم وتفاوتوا في ذلك تفاوتا كثيرا لا سيما من بعد الصحابة رضي الله عنهم ونحن نورد بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ما ذكره الأئمة في كتبهم من هذه الروايات ونجمع بينهما جمعا يثلج قلب من تأمله وأنعم النظر فيه وجمع بين طريقتي الحديث وفهم معانيه ان شاء الله وبالله الثقة وعليه التكلان وقد اعتنى الناس بحجة رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتناء كثيرا من قدماء الائمة ومتأخريهم وقد صنف العلامة أبو محمد بن حزم الأندلسي رحمه الله مجلدا في حجة الوداع أجاد في أكثره ووقع له فيه أوهام سننبه عليها في مواضعها وبالله المستعان باب
بيان أنه عليه السلام لم يحج من المدينة الا حجة واحدة وإنه اعتمر قبلها ثلاث عمر كما رواه البخاري ومسلم عن هدبة عن همام عن قتادة عن أنس قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي في حجته الحديث وقد رواه يونس بن بكير عن عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي هريرة مثله وقال سعد بن منصور عن الداروردي عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر عمرة في شوال وعمرتين في ذي القعدة وكذا رواه ابن بكير عن مالك عن هشام بن عروة وروى الامام احمد من حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن رسول الله اعتمر ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة وقال احمد ثنا أبو النضر ثنا داود يعني العطار عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال اعتمر رسول الله أربع عمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة والرابعة التي مع حجته ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث داود العطار وحسنه الترمذي (5/109)
[ وقد تقدم هذا الفصل عند عمرة الجعرانة وسيأتي في فصل من قال إنه عليه السلام حج قارنا وبالله المستعان فالاولى من هذه العمر ] عمرة الحديبية التي صد عنها ثم بعدها عمرة القضاء ويقال عمرة القصاص ويقال عمرة القضية ثم بعدها عمرة الجعرانة مرجعه من الطائف حين قسم غنائم حنين وقد قدمنا ذلك كله في مواضعه عمرته مع حجة وسنبين اختلاف الناس في عمرته هذه مع الحجة هل كان متمتعا بان أوقع العمرةو والرابعه قبل الحجة وحل منها أو منهعهمن الاحلال منها سوقه الهدي أو كان قارنا لها مع الحجة كما نذكره من الاحاديث الدالة على ذلك أو كان مفردا لها عن الحجة بأن أوقعها بعد قضاء الحجة قال وهذا هو الذي يقول يقوله من بالافراد كما هو المشهور عن الشافعي وسيأتي بيان هذا عند ذكرنا احرامه صلى الله عليه و سلم كيف كان مفردا ومتمتعا وقارنا
قال البخاري ثنا عمرو بن خالد ثنا زهير ثنا أبو اسحاق حدثني زيد بن ارقم ان النبي صلى الله عليه و سلم غزا تسع عشرة غزوة وأنه حج بعد ما هاجر حجة واحدة قال ابو اسحاق وبمكة أخرى وقد رواه مسلم من حديث زهير أخرجاه من حديث شعبة زاد البخاري واسرائيل ثلاثتهم عن أبي اسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن زيد به وهذا الذي قال أبو اسحاق من أنه عليه السلام حج بمكة حجة أخرى أي أراد أنه لم يقع منه بمكة إلا حجة واحدة كما هو ظاهر لفظه فهو بعيد فانه عليه السلام كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج ويدعو الناس إلى الله ويقول من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز و جل حتى قيض الله جماعة الانصار يلقونه ليلة العقبة أي عشية يوم النحر عند جمرة العقبة ثلاث سنين متتاليات حتى إذا كانوا آخر سنة بايعوه ليلة العقبة الثانية وهي ثالث اجتماعه لهم به ثم كانت بعدها الهجرة إلى المدينة كما قدمنا ذلك مبسوطا في موضعه والله أعلم
وفي حديث جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن ابيه عن جابر بن عبد الله قال اقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس بالحج فاجتمع بالمدينة بشر كثير فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لخمس بقين من ذي القعدة أو لاربع فلما كان بذي الحليفة صلى ثم استوى على راحلته فلما أخذت به في البيداء لبى واهللنا لا ننوي إلا الحج وسيأتي الحديث بطوله وهو في صحيح مسلم وهذا لفظ البيهقي من طريق احمد بن حنبل عن ابراهيم بن طهمان عن جعفر بن محمد به باب
خروجه عليه السلام من المدينة لحجة الوداع بعد ما استعمل عليها ابا دجانة سماك بن حرشة الساعدي ويقال سباع بن عرفطة الغفاري
قال محمد بن اسحاق فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم ذو القعدة من سنة عشر تجهز للحج وأمر (5/110)
الناس بالجهاز له فحدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة وهذا اسناد جيد وروى الامام مالك في موطأه عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة عن عائشة ورواه الامام احمد عن عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة عنها وهو ثابت في الصحيحين وسنن النسائي وابن ماجه ومصنف ابن أبي شيبة من طرق عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج الحديث بطوله كما سيأتي وقال البخاري حدثنا محمد بن ابي بكر المقدمي ثنا فضيل بن سليمان ثنا موسى بن عقبة أخبرني كريب عن ابن عباس قال انطلق النبي صلى الله عليه و سلم من المدينة بعد ما ترجل وأدهن ولبس ازاره ورداءه ولم ينه عن شيء من الاردية ولا الارز إلا المزعفرة التي تردع الجلد فاصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء وذلك لخمس بقين من ذي القعدة فقدم مكة لخمس خلون من ذي الحجة تفرد به البخاري فقوله وذلك لخمس بقين من ذي القعدة إن اراد به صبيحة يومه بذي الحليفة صح قول ابن حزم في دعواه أنه صلى الله عليه و سلم خرج من المدينة يوم الخميس وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة وأصبح بها يوم الجمعة وهو اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وإن اراد ابن عباس بقوله وذلك لخمس من ذي القعدة يوم انطلاقه عليه السلام من المدينة بعد ما ترجل وأدهن ولبس إزاره ورداءه كما قالت عائشة وجابر أنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة بعد قول ابن حزم وتعذر المصير اليه وتعين القول بغيره ولم ينطبق ذلك إلا على يوم الجمعة وإن كان شهر ذي القعدة كاملا ولا يجوز أن يكون خروجه عليه السلام من المدينة كان يوم الجمعة لما روى البخاري حدثنا موسى بن اسماعيل ثنا وهيب ثنا أيوب عن ابي قلابة عن أنس بن مالك قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن معه الظهر بالمدينة اربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى اصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء حمد الله عز و جل وسبح ثم أهل بحج وعمرة وقد رواه مسلم والنسائي جميعا عن قتيبة نن حماد بن زيد عن ايوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وقال احمد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن محمد يعني ابن المنكدر وابراهيم بن ميسرة عن انس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ورواه البخاري عن ابي نعيم عن سفيان الثوري به وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث سفيان بن عيينة عن محمد بن المنذر وابراهيم بن ميسرة عن أنس به وقال احمد ثنا محمد بن بكير ثنا ابن جريج عن محمد بن المنذر عن أنس قال صلى (5/111)
بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بذي احليفة حتى أصبح فلما ركب راحلته واستوت به أهل وقال احمد ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن اسحاق حدثني محمد بن المنذر التيمي عن أنس بن مالك الانصاري قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات ثم صلى بنى العصر بذي الحليفة ركعتين أمنا لا يخاف في حجة الوداع تفرد به احمد من هذين الوجهين الآخرين وهما على شرط الصحيح وهذه ينفي كون خروجه عليه السلام يوم الجمعة قطعا ولا يجوز على هذا أن يكون خروجه يوم الخميس كما قال ابن حزم لانه كان يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة لأنه لا خلاف إن أول ذي الحجة كان يوم الخميس لما ثبت بالتواتر والاجماع من أنه عليه السلام وقف بعرفة يوم الجمعة وهو تاسع ذي الحجة بلا نزاع فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة لبقي في الشهر ست ليال قطعا ليلة الجمعة والسبت والاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء فهذه ست ليال وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة وتعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس فتعين على هذا أنه عليه السلام خرج من المدينة يوم السبت وظن الراوي أن الشهر يكون تاها فاتفق في تلك السنة نقصانه فانسلخ يوم الاربعاء واستهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس ويؤيده ما وقع في رواية جابر لخمس بقين أو أربع وهذا التقرير على هذا التقدير لا محيد عنه ولا بد منه والله أعلم
باب صفة خروجه عليه السلام من المدينة الى مكة للحج
قال البخاري حدثنا ابراهيم بن المنذر ثنا انس بن عياض عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج الى مكة يصلي في مسجد الشجرة وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى يصبح تفرد به البخاري من هذا الوجه وقال الحافظ أبو بكر البزار وجدت في كتابي عن عمرو بن مالك عن يزيد بن زريع عن هشام عن عروة عن ثابت عن ثمامة عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم حج على رحل رث وتحت قطيفة وقال حجة لا رياء فيها ولا سمعة وقد علقه البخاري في صحيحه فقال وقال محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا يزيد بن زريع عن عروة عن ثابت عن ثمامة قال حج أنس على رحل رث ولم يكن شحيحا وحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حج على رحل وكانت زاملته هكذا ذكره البزار والبخاري معلقا مقطوع الاسناد من أوله وقد اسنده الحافظ البيهقي في سننه فقال أنبأنا أبو الحسن على بن محمد بن علي المقرئ أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن (5/112)
اسحاق ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا محمد بن بن أبي بكر ثنا يزيد بن زريع فذكره
وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده من وجه آخر عن أنس بن مالك فقال حدثنا علي بن الجعد أنبأنا الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن انس قال حج رسول الله صلى الله عليه و سلم على رحل رث وقطيفة تساوي أو لا تساوي أربعة دراهم فقال اللهم حجة لا رياء فيها وقد رواه الترمذي في الشمائل من حديث أبي داود الطيالسي وسفيان الثوري وابن ماجه من حديث وكيع ابن الجراح ثلاثتهم عن الربيع بن صبيح به وهو اسناد ضعيف من جهة يزيد بن ابان الرقاشي فإنه غير مقبول الرواية عند الائمة وقال الامام أحمد حدثنا هاشم ثنا اسحاق بن سعيد عن أبيه قال صدرت مع ابن عمر فمرت بنا رفقة يمانية ورحالهم الأدم وخطم أبلهم الخرز فقال عبد الله من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت العام برسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه إذا قدموا في حجة الوداع فلينظر إلى هذه الرفقة ورواه أبو داود عن هناد عن وكيع عن اسحاق عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن ابن عمر وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو طاهر الفقية وأبو زكريا بن ابي اسحاق وأبو بكر بن الحسن وأبو سعيد بن ابي عمرو قالوا ثنا أبو العباس هو الاصم أنبأنا محمد بن عبد الله بن الحكم أنبانا سعيد بن بشير القرشي حدثنا عبد الله بن حكيم الكناني رجل من أهل اليمن من مواليهم عن بشر بن قدامة الضبابي قال ابصرت عيناي حبيبي رسول الله صلى الله عليه و سلم واقفا بعرفات مع الناس على ناقة له حمراء قصواء تحته قطيفة بولانية وهو يقول اللهم اجعلها حجة غير رياء ولا منا سمعة والناس يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال الامام احمد حدثنا عبد الله بن ادريس ثنا ابن اسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن اسماء بنت أبي بكر قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه و سلم حجاجا حتى أدركنا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلست عائشة الى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم وجلست الى جنب أبي وكانت زمالة رسول الله صلى الله عليه و سلم وزمالة أبي بكر واحدة مع غلام أبي بكر فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه فطلع عليه وليس معه بعيره فقال أين بعيرك فقال أضللته البارحة فقال أبو بكر بعير واحد تضله فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه و سلم يبتسم ويقول انظروا الى هذا المحرم وما يصنع وكذا رواه ابو داود عن احمد بن حنبل ومحمد بن عبد العزيز بن ابي رزمة وأخرجه ابن ماجه عن ابي بكر بن ابي شيبة ثلاثتهم عن عبد الله بن ادريس به فأما الحديث الذي رواه ابو بكر البزار في مسنده قائلا حدثنا اسماعيل بن حفص ثنا يحيى بن اليمان ثنا حمزة الزيات عن حمران بن أعين عن أبي الطفيل (5/113)
عن ابي سعيد قال حج النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه مشاة من المدينة الى مكة قد ربطوا أوساطهم ومشيهم خلط الهرولة فإنه حديث منكر ضعيف الاسناد وحمزة بن حبيب الزيات ضعيف وشيخ متروك الحديث وقد قال البزار لا يروي إلا من هذا الوجه وإن كان إسناده حسنا عندنا ومعناه أنهم كانوا في عمرة إن ثبت الحديث لأنه عليه السلام إنما حج حجة واحدة وكان راكبا وبعض أصحابه مشاة قلت ولم يعتمر النبي صلى الله عليه و سلم في شيء من عمره ماشيا لا في الحديبية ولا في القضاء ولا الجعرانة ولا في حجة الوداع وأحواله عليه السلام اشهر وأعرف من أن تخفى على الناس بل هذا الحديث منكر شاذ لا يثبت مثله والله أعلم فصل
تقدم أنه عليه السلام صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم ركب منها الى الحليفة وهي وادي العقيق فصلى بها العصر ركعتين فدل على أنه جاء الحليفة نهارا في وقت العصر فصلى بها العصر قصرا وهي من المدينة على ثلاثة أميال ثم فصلى بها المغرب والعشاء بات بها حتى أصبح فصلى بأصحابه وأخبرهم أنه جاءه الوحي من الليل بما يعتمده في الاحرام كما قال الامام احمد حدثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أتى في المعرس من ذي الحليفة فقيل له أنك ببطحاء مباركة وأخرجاه في الصحيحين من حديث موسى بن عقبة به وقال البخاري حدثنا الحميدي ثنا الوليد وبشر بن بكر قالا ثنا الاوزاعي ثنا يحيى حدثني عكرمه أنه سمع ابن عباس أنه سمع ابن عمر يقول سمعت رسول الله بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة تفرد به دون مسلم فالظاهر أنه أمره عليه السلام بالصلاة في وادي العقيق هو امر بالاقامة به الى أن يصلي صلاة الظهر لأن الأمر إنما جاءه في الليل وأخبرهم بعد صلاة الصبح فلم يبق إلا صلاة الظهر فأمر أن يصليها هنالك وأن يوقع الاحرام بعدها ولهذا قال أتاني الليلة آت من ربي عز و جل فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة وقد احتج به على الامر بالقرآن في الحج وهو من أقوى الادلة على ذلك كما سيأتي بيانه قريبا والمقصود أنه عليه السلام أمر بالاقامة بوادي العقيق الى صلاة الظهر وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك فأقام هنالك وطاف على نسائه في تلك الصبيحة وكن تسع نسوة وكلهن خرج معه ولم يزل هنالك حتى صلى الظهر كما سيأتي في حديث أبي حسان الاعرج عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم أشعر بدنته ثم ركب فأهل وهو عند مسلم وهكذا قال الامام احمد حدثنا روح ثنا اشعث هو ابن عبد الملك بن الحسن عن أنس * * * ملاحظة هناك تكرر وخطأ ص 182 ولغاية ص 186 بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا شرف البيداء اهل ورواه أبو داود عن احمد بن حنبل والنسائي عن اسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل عن اشعث بمعناه وعن احمد بن الازهر عن محمد بن عبد الله (5/114)
الانصاري عن اشعث اتم منه وهذا فيه رد على ابن حزم حيث زعم أن ذلك في صدر النهار وله أن يعتضد بما رواه البخاري من طريق أيوب عن رجل عن انس أن رسول الله بات بذي الحليفة حتى أصبح فصلى الصبح ثم ركب راحلته حتى إذا استوت به البيداء أهل بعمرة وحج ولكن في اسناده رجل مبهم والظاهر أنه أبو قلابة والله أعلم قال مسلم في صحيحه حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي ثنا خالد يعني ابن الحارث ثنا شعبة عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر سمعت أبي يحدث عن عائشة أنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا
وقد رواه البخاري من حديث شعبة وأخرجاه من حديث أبي عوانة زاد مسلم ومسعر وسفيان ابن سعيد الثوري أربعتهم عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر به وفي رواية لمسلم عن ابراهيم بن محمد ابن المنتشر عن أبيه قال سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرما قال ما أحب أني أصبح محرما أنضح طيبا لأن أطلي القطران أحب إلي من أن أفعل ذلك فقالت عائشة أنا طيبت رسول الله عند احرامه ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما وهذا اللفظ الذي رواه مسلم يقتضي أنه كان صلى الله عليه و سلم يتطيب قبل أن يطوف على نسائه ليكون ذلك أطيب لنفسه وأحب اليهن ثم لما اغتسل من الجنابة وللاحرام تطيب أيضا للاحرام طيبا آخر كما رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم تجرد لاهلاله واغتسل وقال الترمذي حسن غريب وقال الامام احمد حدثنا زكريا بن عدي أنبأنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي واشنان ودهنه بشيء من زيت غير كثير الحديث تفرد به احمد وقال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله أنبأنا سفيان بن عيينة عن عثمان بن عروة سمعت أبي يقول سمعت عائشة تقول طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم لحرمه ولحله قلت لها بأي طيب قال باطيب الطيب وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وأخرجه البخاري من حديث وهب عن هشام بن عروة عن أخيه عثمان عن أبيه عروة عن عائشة به وقال البخاري حدثنا عبد الله ابن يوسف أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لاحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت وقال مسلم حدثنا عبد بن حميد أنبأنا محمد بن أبي بكر أنبأنا ابن جريج أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبرانه عن عائشة قالت طيبت رسول الله بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والاحرام وروى مسلم من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي هاتين لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت (5/115)
وقال مسلم حدثني احمد بن منيع ويعقوب الدورقي قالا ثنا هشيم أنبأنا منصور عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت كنت أطيب النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يحرم ويحل ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك وقال مسلم حدثنا أبو بكر بن ابي شيبة وزهير بن حرب قالا ثنا وكيع ثنا الاعمش عن ابي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت كأني انظر الى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يلبي ثم رواه مسلم من حديث الثوري وغيره عن الحسن بن عبيد الله عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة قالت كأني أنظر الى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو محرم ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري ومسلم من حديث الاعمش كلاهما عن منصور عن ابراهيم عن الاسود عنها وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم بن ابراهيم عن الاسود عن عائشة
وقال أبو داود الطيالسي أنبأنا أشعث عن منصور عن ابراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كأني أنظر الى وبيص الطيب في أصول شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو محرم وقال الامام احمد حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن ابراهيم النخعي عن الاسود عن عائشة قالت كأني أنظر الى وبيص الطيب في مفرق النبي صلى الله عليه و سلم بعد أيام وهو محرم وقال عبد الله بن الزبير الحميدي ثنا سفيان ابن عيينة ثنا عطاء بن السائب عن ابراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت رأيت الطيب في مفرق رسول الله بعد ثالثة وهو محرم فهذه الاحاديث دالة على أنه عليه السلام تطيب بعد الغسل إذ لو كان الطيب قبل الغسل لذهب به الغسل ولما بقي له أثر ولا سيما بعد ثلاثة أيام من يوم الاحرام
وقد ذهب طائفة من السلف منهم ابن عمر إلى كراهة التطيب عند الاحرام وقد روينا هذا الحديث من طريق ابن عمر عن عائشة فقال الحافظ البيهقي انبأنا ابو الحسين بن بشران ببغداد أنبأنا ابو الحسمنعلي بن محمد المصري ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا عبد الرحمن بن ابي العمر ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة أنها قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم بالغالية الجيدة عند احرامه وهذا اسناد غريب عزيز المخرج ثم انه عليه السلام لبد رأسه ليكون احفظ لما فيه من الطيب واصون له من استقرار التراب والغبار قال مالك عن نافع عن ابن عمر ان حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر وأخرجاه في الصحيحين من حديث مالك وله طرق كثيرة عن نافع
قال البيهقي انبأنا الحاكم أنبأنا الاصم أنبأنا يحيى ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا عبد الاعلى ثنا محمد بن اسحاق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لبد رأسه بالعسل وهذا اسناد جيد (5/116)
ثم أنه عليه السلام أشعر الهدي وقلده وكان معه بذي الحليفة قال الليث عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهجدي من ذي الحليفة وسيأتي الحديث بتمامه وهو في الصحيحين والكلام عليه إن شاء الله وقال مسلم حدثنا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام هو الدستوائي حدثني أبي عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أتى ذا الحليفة دعا بناقته فاشعرها في صفحة سنامها الايمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته وقد رواه أهل السنن الاربعة من طرق عن قتادة وهذا يدل على أنه عليه السلام تعاطى هذا الاشعار والتقليد بيده الكريمة في هذه البدنة وتولى إشعار بقية الهدي وتقليده غيره فانه قد كان هدى الكثير إما مائة بدنة أو أقل منها بقليل وقد ذبح بيده الكريمة ثلاثا وستين بدنة وأعطى عليا فذبح ما غبر وفي حديث جابر أن عليا قدم من اليمن ببدن للنبي صلى الله عليه و سلم وفي سياق ابن اسحاق أنه عليه السلام اشرك عليا في بدنه والله أعلم وذكر غيره أنه ذبح هو وعلي يوم النحر مائة بدنة فعلى هذا يكون قد ساقها معه من ذي الحليفة وقد يكون اشترى بعضها بعد ذلك وهو محرم باب
بيان الموضع الذي أهل منه عليه السلام واختلاف الناقلين لذلك وترجيح الحق في ذلك
تقدم الحديث الذي رواه البخاري من حديث الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم بوادي العقيق يقول أتاني آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة وقال البخاري باب الاهلال عند مسجد ذي الحليفة حدثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان ثنا موسى بن عقبة سمعت سالم بن عبد الله وحدثنا عبد الله بن مسلمة ثنا مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول ما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن موسى ابن عقبة وفي رواية لمسلم عن موسى بن عقبة عن سالم ونافع وحمزة بن عبد الله بن عمر ثلاثتهم عن عبد الله بن عمر فذكره وزاد فقال لبيك وفي رواية لهما من طريق مالك عن موسى بن عقبة عن سالم قال قال عبد الله بن عمر بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل رسول الله من عند المسجد وقد روى عن ابن عمر خلاف هذا كما يأتي في الشق الآخر وهو ما أخرجاه في الصحيحين من طريق مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن ابن عمر فذكر حديثا فيه أن عبد الله قال وأما الاهلال فاني لم ار رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل حتى تنبعث به راحلته (5/117)
وقال الامام احمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن اسحاق حدثني خصيف بن عبد الرحمن الجزري عن سعيد بن جبير قال قلت لعبد الله بن عباس يا أبا العباس عجبا لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في اهلال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أوجب فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه قوم فحفظوا عنه ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك منه أقوم وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون ارسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا إنما أهل رسول الله حين استقلت به ناقته ثم مضى رسول الله فلا علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا إنما أهل رسول الله حين علا شرف البيداء وايم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به ناقته وأهل حين علا شرف البيداء فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس [ انه ] أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن عبد السلام بن حرب عن خصيف به نحوه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرف أحد رواه غير عبد السلام كذا قال وقد تقدم رواية الامام احمد له من طريق محمد ابن اسحاق عنه وكذلك رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن القطيعي عن عبد الله بن احمد عن أبيه ثم قال خصيف الجزري غير قوي وقد رواه الواقدي باسناد له عن ابن عباس قال البيهقي الا أنه لا ينفع متابعة الواقدي والاحاديث التي وردت في ذلك عن عمر وغيره مسانيدها قويه ثابتة والله تعالى أعلم
قلت فلو صح هذا الحديث لكان فيه جمع لما بين الاحاديث من الاختلاف وبسط لعذر من نقل خلاف الواقع ولكن في اسناده ضعف ثم قد روي عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما تقدم عنهما كما سننبه عليه ونبينه وهكذا ذكر من قال أنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته قال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد ثنا هشام بن يوسف أنبأنا ابن جريج حدثني محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال صلى النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة فلما ركب راحلته واستوت به أهل وقد رواه البخاري ومسلم وأهل السنن من طرق عن محمد بن المنكدر وابراهيم بن ميسرة عن أنس وثابت في الصحيحين من حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن ابن عمر قال وأما الاهلال فاني لم أر رسول الله يهل حتى تنبعث ربه راحلته واخرجا في الصحيحين من رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سالم عن أبيه ان رسول الله كان يركب راحلته بذي الحليفة ثم يهل حين تستوي به قائمة وقال البخاري باب من اهل حين استوت به راحلته حدثنا ابو عاصم ثنا ابن جريج أخبرني صالح بن كيسان عن نافع (5/118)
عن ابن عمر قال اهل النبي صلى الله عليه و سلم حين استوت به راحلته قائمة وقد رواه مسلم والنسائي من حديث ابن جريج به وقال مسلم حدثنا ابو بكر بن ابي شيبة ثنا علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا وضع رجله في الغرز وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة انفرد به مسلم من هذا الوجه واخرجاه من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه ثم قال البخاري باب الاهلال مستقبل القبلة قال ابو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن نافع قال كان ابن عمر اذ صلى الغداة بذي الحليفة أمر براحلته فرحلت ثم ركب فاذا استوت به واستقبل القبلة قائما ثم يلبي حتى يبلغ الحرم ثم يمسك حتى اذا جاء ذا طوى بات به حتى يصبح فاذا صلى الغداة اغتسل وزعم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل ذلك ثم قال تابعه اسماعيل عن ايوب في الغسل وقد علق البخاري ايضا هذا الحديث في كتاب الحج عن محمد بن عيسى عن حماد بن زيد وأسنده ع فيه عن يعقوب بن ابراهيم الدورقي عن اسماعيل هو ابن علية ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن اسماعيل وعن أبي الربيع الزهراني وغيره عن حماد بن زيد ثلاثتهم عن أيوب عن أبي تميمة السختياني به ورواه أبو داود عن احمد بن حنبل عن اسماعيل بن علية به ثم قال البخاري حدثنا سليمان أبو الربيع ثنا فليح عن نافع قال كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة أدهن بدهن ليس له رائحة طيبة ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب فاذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل تفرد به البخاري من هذا الوجه وروى مسلم عن قتيبة عن حاتم بن اسماعيل عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه قال بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا عند الشجرة حين قام به بعيره وهذا الحديث يجمع بين رواية ابن عمر الأولى وهذه الروايات عنه وهو أن الاحرام كان من عند المسجد ولكن بعد ما ركب راحلته واستوت به على البيداء يعني الارض وذلك قبل أن يصل إلى المكان المعروف بالبيداء ثم قال البخاري في موضع آخر حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا فضيل ابن سليمان ثنا موسى بن عقبة حدثني كريب عن عبد الله بن عباس قال انطلق النبي صلى الله عليه و سلم من المدينة بعد ما ترجل وأدهن ولبس ازاره ورداءه هو وأصحابه وله ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد فاصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه وقلد بدنه وذلك لخمس بقين من ذي الحجة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يحل من أجل بدنه لانه قلدها لم تزل باعلا مكة عند الحجون وهو مهل بالحج ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يقصروا من رءوسهم ثم يحلوا وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها ومن كانت معه امرأته فهي له حلال (5/119)
والطيب والثياب انفرد به البخاري وقد روى الامام احمد عن بهز بن أسد وحجاج وروح بن عبادة وعفان بن مسلم كلهم عن شعبة قال أخبرني قتادة قال سمعت أبا حسان الاعرج الاجرد وهو مسلم بن عبد الله البصري عن ابن عباس قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنته فاشعر صفحة سنامها الايمن وسلت الدم عنها وقلدها نعلين ثم دعا براحلته فلما استوت على البيداء أهل بالحج ورواه أيضا عن هشيم أنبأنا أصحابنا منهم شعبة فذكر نحوه ثم رواه الامام احمد أيضا عن روح وأبي داود الطيالسي ووكيع بن الجراح كلهم عن هشام الدستوائي عن قتادة به نحوه ومن هذا الوجه رواه مسلم في صحيحه وأهل السنن في كتبهم فهذه الطرق عن ابن عباس من أنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته أصح وأثبت من رواية خصيف الجزري عن سعيد بن جبير عنه والله أعلم
وهكذا الرواية المثبتة المفسرة أنه أهل حين استوت به الراحلة مقدمة على الاخرى لاحتمال أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته ويكون رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الأخرى والله أعلم ورواية أنس في ذلك سالمة عن المعارض وهكذا رواية جابر بن عبد الله في صحيح مسلم من طريق جعفر الصادق عن أبيه عن أبي الحسين زين العابدين عن جابر في حديثه الطويل الذي سيأتي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل حين استوت به راحلته سالمة عن المعارض والله أعلم وروى البخاري من طريق الاوزاعي سمعت عطاء عن جابر بن عبد الله أن اهلال رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته فأما الحديث الذي رواه محمد بن اسحاق بن يسار عن أبي الزناد عن عائشة بنت سعد قالت قال سعد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته وإذا أخذ طريقا أخرى أهل إذا علا على شرف البيداء فرواه أبو داود والبيهقي من حديث ابن اسحاق وفيه غرابة ونكارة والله أعلم فهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه عليه السلام أحرم بعد الصلاة وبعد ما ركب راحلته وابتدأت به السير زاد ابن عمر في روايته وهو مستقبل القبلة باب
بسط البيان لما أحرم به عليه السلام في حجته هذه من الافراد والتمتع أو القران
رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج ورواه مسلم عن اسماعيل (5/120)
عن أبي أويس ويحيى بن يحيى عن مالك ورواه الإمام احمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به وقال احمد حدثنا اسحاق بن عيسى حدثني المنكدر بن محمد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج وقال الإمام احمد ثنا شريح ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن عائشة وعن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة وعن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج تفرد به احمد من هذه الوجوه عنها وقال الإمام احمد حدثني عبد الاعلى بن حماد قال قرأت على مالك بن أنس عن ابي الاسود عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج وقال حدثنا روح ثنا مالك عن أبي الاسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل وكان يتيما في حجر عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج ورواه ابن ماجه عن أبي مصعب عن مالك كذلك ورواه النسائي عن قتيبة عن مالك عن ابي الاسود عن عروة عن عائشة أن رسول الله أهل بالحج وقال احمد أيضا ثنا عبد الرحمن عن مالك عن ابي الاسود عن عروة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة وأهل رسول الله بالحج فاما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة وأما من أهل بالحج أو بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر وهكذا رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف والقعيني واسماعيل ابن أبي أويس عن مالك ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك به وقال احمد حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج وأهل ناس بالحج والعمرة وأهل ناس بالعمرة ورواه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة بن نحوه فاما الحديث الذي قال الامام احمد ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد عن علقمة بن أبي علقمة عن امه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر الناس في حجة الوداع فقال من أحب أن يبدأ بعمرة قبل الحج فليفعل وأفرد رسول الله صلى الله عليه و سلم الحج ولم يعتمر فانه حديث غريب جدا تفرد به احمد بن حنبل واسناده لا بأس به ولكن لفظه فيه نكارة شديدة وهو قوله فلم يعتمر فان أريد بهذا أنه لم يعتمر مع الحج ولا قبله هو قول من ذهب إلى الافراد وإن اريد أنه لم يعتمر بالكلية لا قبل الحج ولا معه ولا بعده فهذا مما لا أعلم أحدا من العلماء قال به ثم هو مخالف لما صح عن عائشة وغيرها من أنه صلى الله عليه و سلم اعتمر اربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته وسيأتي تقرير هذا في فصل القران مستقصى والله اعلم وهكذا الحديث الذي رواه الامام احمد قائلا في مسنده حدثنا روح ثنا صالح بن أبي الاخضر ثنا ابن شهاب ان عروة اخبره ان عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت اهل رسول الله بالحج والعمرة في حجة الوداع وساق معه الهدي وأهل ناس بالعمرة وساقوا الهدي وأهل ناس بالعمرة ولم يسوقوا هديا قالت (5/121)
عائشة وكنت ممن أهل بالعمرة ولم أسق هديا فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم [ قال ] من كان منكم أهل بالعمرة فساق معه الهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ولا يحل منه شيء حرم منه حتى يقضي حجه وينحر هديه يوم النحر ومن كان منكم أهل بالعمرة ولم يسق معه هديا فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم ليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله قالت عائشة فقدم رسول الله الحج الذي خاف فوته وأخر العمرة فهو حديث من أفراد الامام احمد وفي بعض الفاظه نكارة ولبعضه شاهد في الصحيح وصالح بن أبي الاخضر ليس من عليه أصحاب الزهري لا سيما إذا خالفه غيره كما ههنا في بعض الفاظ سياقه هذا وقوله فقدم الحج الذي يخاف فوته وأخر العمرة لا يلتئم مع أول الحديث أهل بالحج والعمرة فإن أراد أنه أهل بهما في الجملة وقدم أفعال الحج ثم بعد فراغه أهل بالعمرة كما يقوله من ذهب إلى الافراد فهو مما نحن فيه ههنا وإن أراد أنه أخر العمرة بالكلية بعد احرامه بها فهذا لا أعلم أحدا من العلماء صار اليه وإن أراد أنه المقضي بافعال الحج عن أفعال العمرة ودخلت العمرة في الحج فهذا قول من ذهب إلى القران وهم يؤولون قول من روى أنه عليه الصلاة و السلام أفرد الحج أي أفرد أفعال الحج وإن كان قد نوى معه العمرة قالوا لأنه قد روى القرآن كل من روى الافراد كما سيأتي بيانه والله تعالى أعلم
رواية خالد جابر بن عبد الله في الافراد قال الامام احمد حدثنا أبو معاوية ثنا الاعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجته بالحج اسناده جيد على شرط مسلم ورواه البيهقي عن الحاكم وغيره عن الاصم عن احمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر قال أهل رسول الله في حجته بالحج ليس معه عمرة وهذه الزيادة غريبة جدا ورواية الامام احمد بن حنبل أحفظ والله اعلم وفي صحيح مسلم من طريق جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر قال أهللنا بالحج لسنا نعرف العمرة وقد روى ابن ماجه عن هشام بن عمار عن الداروردي وحاتم بن اسماعيل كلاهما عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم افرد الحج وهذا اسناد جيد وقال الامام احمد ثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا حبيب يعني المعلم عن عطاء حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل هو وأصحابه بالحج ليس مع احد منهم هدي إلا النبي صلى الله عليه و سلم وطلحة وذكر تمام الحديث وهو في صحيح البخاري بطوله كما سيأتي عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب
رواية عبد الله بن عمر للافراد قال الامام احمد حدثنا اسماعيل بن محمد ثنا عباد يعني ابن عباد حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال أهللنا مع النبي صلى الله عليه و سلم بالحج مفردا ورواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عون عن عباد بن عباد عن عبيد الله بن عمر (5/122)
عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بالحج مفردا وقال الحافظ أبو بكر البزار ثنا الحسن ابن عبد العزيز ومحمد بن مسكين قالا ثنا بشر بن بكر ثنا سعيد بن عبد العزيز بن زيد بن أسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بالحج يعني مفردا أسناده جيد ولم يخرجوه
رواية ابن عباس للافراد روى الحافظ البيهقي من حديث روح بن عبادة عن شعبة عن أيوب عن أبي العالية البراء عن ابن عباس أنه قال أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج فقدم لاربع مضين من ذي الحجة فصلى بنا الصبح بالبطحاء ثم قال من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها ثم قال رواه مسلم عن ابراهيم بن دينار عن ابن روح وتقدم من رواية قتادة عن أبي حسان الاعرج عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم أتى ببدنة فاشعر صفحة سنامها الايمن ثم أتى براحلته فركبها فلما استوت به على البيداء أهل بالحج وهو في صحيح مسلم أيضا وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني ثنا الحسين بن اسماعيل ثنا أبو بكر بن عياش ثنا أبو حصين عن عبد الرحمن بن الاسود عن أبيه قال حججت مع أبي بكر فجرد ومع عمر فجرد ومع عثمان قجرد تابعه الثوري عن أبي حصين وهذا إنما ذكرناه ههنا لأن الظاهر أن هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما يفعلون هذا عن توقيف والمراد بالتجريد ههنا الافراد والله أعلم وقال الدارقطني ثنا أبو عبيد الله القاسم بن اسماعيل ومحمد بن مخلد قالا ثنا علي بن محمد بن معاوية الرزاز ثنا عبد الله بن نافع عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم استعمل عتاب بن أسيد على الحج فافرد ثم استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحج ثم حج النبي صلى الله عليه و سلم سنة عشر فأفرد الحج ثم توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم واستخلف أبو بكر فبعث عمر فأفرد الحج ثم حج أبو بكر فأفرد الحج وتوفي أبو بكر واستخلف عمر فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفرد الحج ثم حج فأفرد الحج ثم حصر عثمان فأقام عبد الله بن عباس للناس فأفرد الحج في اسناده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف لكن قال الحافظ البيهقي له شاهد باسناد صحيح
ذكر ما قاله انه صلى الله عليه و سلم حج متمتعا
قال الامام احمد حدثنا حجاج ثنا ليث حدثني عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع بالعمرة الى الحج وأهل فساق الهدي من ذي الحليفة وبدا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وكان من الناس من أهدى فساق الهدي من ذي الحليفة ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فانه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجته ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت (5/123)
وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام وسبعة اذا رجع الى أهله وطاف رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم مكة استلم [ الحجر ] أول شيء ثم خب ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم من أهدى فساق الهدي من الناس
قال الامام احمد وحدثنا حجاج ثنا ليث حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في تمتعه بالعمرة الى الحج وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم ابن عبد الله عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روى هذا الحديث البخاري عن يحيى بن بكير ومسلم وأبو داود عن عبد الملك بن شعيب عن الليث عن أبيه والنسائي عن محمد بن عبد الله ابن المبارك المخرمي عن حجين بن المثنى ثلاثتهم عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة كما ذكره الامام احمد رحمه الله وهذا الحديث من المشكلات على كل من الاقوال الثلاثة أما قول الافراد ففي هذا اثبات عمرة أما قبل الحج أو معه وأما على قول التمتع الخاص فلأنه ذكر أنه لم يحل من احرامه بعد ما طاف بالصفا والمروة وليس هذا شأن المتمتع ومن زعم أنه إنما منعه من التحلل سوق الهدي كما قد يفهم من حديث ابن عمر عن حفصة أنها قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر فقولهم بعيد لأن الاحاديث الواردة في اثبات القران ترد هذا القول وتأبى كونه عليه السلام انما اهل أولا بعمرة ثم بعد سعيه بالصفا والمروة أهل بالحج فان هذا على هذه الصفة لم ينقله أحد باسناد صحيح بل ولا حسن ولا ضعيف وقوله في هذا الحديث تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع بالعمرة الى الحج إن أريد بذلك التمتع الخاص وهو الذي يحل منه بعد السعي فليس كذلك فان في سياق الحديث ما يرده ثم في اثبات العمرة القارنة لحجه عليه السلام ما يأباه وان أريد به التمتع العام دخل في القران وهو المراد وقوله وبدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج إن اريد به بدأ بلفظ العمرة على لفظ الحج بأن قال لبيك اللهم عمرة وحجا فهذا سهل ولا ينافي القران وان أريد به أنه أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج متراخ ولكن قبل الطواف قد صار قارنا أيضا وان أريد به أنه أهل بالعمرة ثم فرغ من أفعالها تحلل أو لم يتحلل بسوق الهدي كما زعمه زاعمون ولكنه أهل بحج بعد قضاء مناسك العمرة وقبل خروجه الى منى فهذا لم ينقله أحد من الصحابة كما قدمنا ومن ادعاه من الناس فقوله مردود لعدم نقله ومخالفته الاحاديث الواردة في (5/124)
اثبات القران كما سيأتي بل والاحاديث الواردة في الافراد كما سبق والله أعلم والظاهر والله أعلم أن حديث الليث هذا عن عقيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر يروى من الطريق الاخرى عن ابن عمر حين افرد الحج ومن محاصرة الحجاج لابن الزبير فقيل له ان الناس كائن بينهم شيء فلو أخرت الحج عامك هذا فقال اذا أفعل كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم يعني زمن حصر عام الحديبية فاحرم بعمرة من ذي الحليفة ثم علا شرف البيداء قال ما أرى أمرهما إلا واحدا فأهل بحج معها فأعتقد الراوي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هكذا فعل سواء بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فرووه كذلك وفيه نظر لما سنبينه وبيان هذا في الحديث الذي رواه عبد الله بن وهب أخبرني مالك بن أنس وغيره أن نافعا حدثهم أن عبد الله بن عمر خرج في الفتنة معتمرا وقال ان صددت عن البيت صنعنا كما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج فأهل بالعمرة وسار حتى اذا ظهر على ظاهر البيداء التفت الى اصحابه فقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة فخرج حتى جاء البيت فطاف به وطاف بين الصفا والمروة سبعا لم يزد عليه وأرى أن ذلك مجزيا عنه وأهدى وقد أخرجه صاحب الصحيح من حديث مالك وأخرجاه من حديث عبيد الله عن نافع به ورواه عبد الرزاق عن عبيد الله وعبد العزيز بن أبي رواد عن نافع به نحوه وفيه ثم قال في آخره هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيما رواه البخاري حيث قال حدثنا قتيبة ثنا ليث عن نافع أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له ان الناس كائن بينهم قتال وانا نخاف أن يصدوك قال لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة اذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم إني اشهدكم أني قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى اذا كان بظاهر البيداء قال ما أرى من شأن الحج والعمرة إلا واحدا أشهدكم أني أوجبت حجا مع عمرتي فاهدى هديا اشتراه بقديد ولم يزد على ذلك ولم ينحر ولم يحل من شيء حرم منه ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الاول وقال ابن عمر كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال البخاري حدثنا يعقوب بن ابراهيم ثنا ابن علية عن أيوب عن نافع أن ابن عمر دخل [ عليه ] ابنه عبد الله بن عبد الله وظهره في المدار فقال اني لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فيصدوك عن البيت فلو أقمت قال قد خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فحال كفار قريش بينه وبين البيت فان يحل بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة اذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم اني أشهدكم اني قد أوجبت مع عمرتي حجا ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا وهكذا رواه البخاري عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن أيوب بن ابي تميمة السختياني عن نافع به ورواه مسلم من حديثهما (5/125)
عن أيوب به فقد اقتدى ابن عمر رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه و سلم في التحلل عند حصر العدو والاكتفاء بطواف واحد عن الحج والعمرة وذلك لأنه كان قد أحرم أولا بعمرة ليكون متمتعا فخشى أن يكون حصر فجمعهما وأدخل الحج قبل العمرة قبل الطواف فصار قارنا وقال ما أرى أمرهما إلا واحدا يعني لا فرق بين أن يحصر الانسان عن الحج أو العمرة أو عنهما فلما قدم مكة اكتفى عنهما بطوافه الأول كما صرح به في السياق الأول الذي أفردناه وهو قوله ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الاول قال ابن عمر كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني أنه اكتفى عن الحج والعمرة بطواف واحد يعني بين الصفا والمروة وفي هذا دلالة على أن ابن عمر روى القران ولهذا روى النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع أن ابن عمر قرن الحج والعمرة فطاف طوافا واحدا ثم رواه النسائي عن علي بن ميمون الرقي عن سفيان بن عيينة عن اسماعيل بن أمية وأيوب بن موسى وأيوب السختياني وعبد الله بن عمر أربعتهم عن نافع أن ابن عمر أتى ذا الحليفة فأهل بعمرة فخشي أن يصد عن البيت فذكر تمام الحديث من ادخاله الحج على العمرة وصيرورته قارنا
والمقصود أن بعض الرواة لما سمع قول ابن عمر اذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقوله كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فأدخله عليها قبل الطواف فرواه بمعنى ما فهم ولم يرد ابن عمر ذلك وانما أراد ما ذكرناه والله أعلم بالصواب ثم بتقدير أن يكون أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف فانه يصير قارنا لا متمتعا التمتع الخاص فيكون فيه دلالة لمن ذهب الى افضلية التمتع والله تعالى أعلم وأما الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه حدثنا موسى بن اسماعيل ثنا همام عن قتادة حدثني مطرف عن عمران قال تمتعنا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم ونزل القران قال رجل برأيه ما شاء فقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد ابن عبد الوارث عن همام عن قتادة به والمراد به المتعة التي أعم من القران والتمتع الخاص ويدل على ذلك ما رواه مسلم من حديث شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مطرف عن عبد الله بن الشخير عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع بين حج وعمرة وذكر تمام الحديث وأكثر السلف يطلقون المتعة على القران كما قال البخاري حدثنا قتيبة ثنا حجاج بن محمد الاعور عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة فقال علي ما تريد الى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أهل بهما جميعا ورواه مسلم من حديث شعبة ايضا عن الحكم بن عيينة عن علي ابن الحسين عن مروان بن الحكم عنهما به وقال علي ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم بقول (5/126)
أحد من الناس ورواه مسلم من حديث شعبة أيضا عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عنهما فقال له علي ولقد علمت إنما تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أجل ولكنا كنا خائفين
وأما الحديث الذي رواه مسلم من حديث غندر عن شعبة وعن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن مسلم بن مخراق المقبري سمع ابن عباس يقول أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بعمرة وأهل أصحابه بحج فلم يحل رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم فقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وروح بن عبادة عن شعبة عن مسلم المقبري عن ابن عباس قال أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج وفي رواية أبي داود أهل رسول الله وأصحابه بالحج فمن كان منهم لم يكن له متعة هدي حل ومن كان معه هدي لم يحل الحديث فان صححنا الروايتين جاء القران وان توقفنا في كل منهما وقف الدليل وان رجحنا رواية مسلم في صحيحه في رواية العمرة فقد تقدم عن ابن عباس أنه روى الافراد وهو الاحرام بالحج فتكون هذه زيادة على الحج فيجيء القول بالقران لا سيما وسيأتي عن ابن عباس ما يدل على ذلك وروى مسلم من حديث غندر ومعاذ بن معاذ عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله قال هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن معه هدي فليحلل الحل كله فقد دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة وروى البخاري عن آدم بن أبي اياس ومسلم من حديث غندر كلاهما عن شعبة عن ابي جمرة قال تمتعت فنهاني ناس فسألت ابن عباس فأمرني بها فرأيت في المنام كأن رجلا يقول حج مبرور ومتعة متقبلة فأخبرت ابن عباس فقال الله أكبر سنة أبي القاسم صلوات الله وسلامه عليه والمراد بالمتعة ههنا القران وقال القعيني وغيره عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه حدثه أنه سمع سعد بن ابي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكر التمتع بالعمرة الى الحج فقالا الضحاك لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد بئس ما قلت يا ابن أخي فقال الضحاك فان عمر بن الخطاب كان ينهى عنها فقال سعد قد صنعها رسول الله صلى الله عليه و سلم وصنعناها معه ورواه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن مالك وقال الترمذى صحيح وقال عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان وعبد الله بن المبارك كلاهما عن سليمان التيمي حدثني غنيم بن قيس سألت سعد بن أبي وقاص عن التمتع بالعمرة الى الحج قال فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا يومئذ كافر في العرش يعني مكة ويعني به معاوية ورواه مسلم من حديث شعبة وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد ومروان الفزاري أربعتهم عن سليمان التيمي سمعت غنيم بن قيس سألت سعدا عن المتعة فقال قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش وفي رواية يحيى بن سعيد يعني معاوية وهذا كله من باب اطلاق التمتع على ما هو أعم من التمتع الخاص وهو الاحرام بالعمرة والفراغ منها ثم الاحرام (5/127)
بالحج ومن القران بل كلام سعد فيه دلالة على اطلاق التمتع على الاعتمار في أشهر الحج وذلك أنهم اعتمروا ومعاوية بعد كافر بمكة قبل الحج أما عمرة الحديبية أو عمرة القضاء وهو الاشبه فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية أسلم مع أبيه ليلة الفتح وروينا أنه قصر من شعر النبي صلى الله عليه و سلم بمشقص في بعض عمره وهي عمرة الجعرانة لا محالة والله أعلم
ذكر حجة من ذهب الى انه عليه السلام كان قارنا
رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تقدم ما رواه البخاري من حديث أبي عمرو الاوزاعي سمعت يحيى بت ابي كثير عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم بوادي العقيق يقول أتاني آت من ربي عز و جل فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة وقال الحافظ البيهقي أنبأنا علي بن احمد بن عمر بن حفص المقبري ببغداد أنبأنا احمد بن سليمان قال قرئ على عبد الملك بن محمد وأنا أسمع حدثنا أبو زيد الهروي ثنا علي بن المبارك ثنا يحيى بن أبي كثير ثنا عكرمة حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاني جبرائيل عليه السلام وأنا بالعقيق فقال صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل عمرة في حجة فقد دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة ثم قال البيهقي رواه البخاري عن أبي زيد الهروي وقال الامام احمد ثنا هاشم ثنا يسار عن أبي وائل أن رجلا كان نصرانيا يقال له الصبي بن معبد فأراد الجهاد فقيل له إبدأ بالحج فأتى الاشعري فأمره أن يهل بالحج والعمرة جميعا ففعل فبينما هو يلبي إذ مر بزيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة فقال أحدهما لصاحبه لهذا أضل من بعير أهله فسمعهما الصبي فكبر ذلك عليه فلما قدم أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال له عمر هديت لسنة نبيك صلى الله عليه و سلم قال وسمعته مرة أخرى يقول وفقت لسنة نبيك صلى الله عليه و سلم وقد رواه الامام احمد عن يحيى بن سعيد القطان عن الاعمش عن شقيق عن أبي وائل عن الصبي بن معبد عن عمر بن الخطاب فذكره وقال إنهما لم يقولا شيئا هديت لسنة نبيك صلى الله عليه و سلم ورواه عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن أبي وائل به ورواه أيضا عن غندر عن شعبة عن الحكم عن أبي وائل وعن سفيان بن عيينة عن عبدة بن عبدة بن أبى لبابة عن أبى وائل قال قال الصبي بن معبد كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فاهللت بحج وعمرة فسمعني زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة وأنا أهل بهما فقالا لهذا أضل من بعير أهله فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل فقدمت على عمر فاخبرته فأقبل عليهما فلامهما وأقبل علي فقال هديت لسنة النبي صلى الله عليه و سلم قال عبدة قال أبو وائل كثيرا ما ذهبت أنا ومسروق الى الصبي (5/128)
ابن معبد نسأله عنه وهذه أسانيد جيده على شرط الصحيح وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة به وقال النسائي في كتاب الحج من سننه حدثنا محمد ابن علي بن الحسن بن شقيق ثنا أبي عن جمرة السكري عن مطرف عن سلمة بن كهيل عن طاوس عن ابن عباس عن عمر أنه قال والله اني لأنهاك عن المتعة وإنها لفي كتاب الله وقد فعلها النبي صلى الله عليه و سلم إسناد جيد
رواية أميري المؤمنين عثمان وعلي رضي الله عنهما قال الامام احمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال اجتمع علي وعثمان بعسفان وكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال على ما تريد الى امر فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم تنهى عنه فقال عثمان دعنا منك هكذا رواه الامام احمد مختصرا وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال اختلف علي وعثمان وهما بعسفان في المتعة فقال علي ما تريد الى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أهل بهما جميعا وهكذا لفظ البخاري وقال البخاري ثنا محمد بن يسار ثنا غندر عن شعبة عن الحكم عن علي بن الحسين عن مروان بن الحكم قال شهدت عثمان وعلينا وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما فلما رأى علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة قال ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه و سلم لقول أحد ورواه النسائي من حديث شعبة به ومن حديث الاعمش عن مسلم البطين عن علي بن الحسين به وقال الامام احمد ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة قال قال عبد الله بن شقيق كان عثمان ينهى عن المتعة وعلي يأمر بها فقال عثمان لعلي انك لكذا وكذا ثم قال علي لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أجل ولكنا كنا خائفين ورواه مسلم من حديث شعبة فهذا اعتراف من عثمان رضي الله عنه بما رواه علي رضي الله عنهما ومعلوم أن عليا رضي الله عنه أحرم عام حجة الوداع باهلال كاهلال النبي صلى الله عليه و سلم وكان قد ساق الهدي وأمره عليه السلام أن يمكث حراما واشركه النبي صلى الله عليه و سلم في هديه كما سيأتي بيانه وروى مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه أن المقداد بن الاسود دخل على علي بن ابي طالب بالسقيا وهو ينجع بكرات له دقيقا وخبطا فقال هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة فخرج علي وعلى يده أمر الدقيق والخبط ما أنسى اثر الدقيق والخبط على ذراعيه حتى دخل على عثمان فقال أنت تنهى أن يقرن بين الحج والعمرة فقال عثمان ذلك رأيي فخرج علي مغضبا وهو يقول لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا وقد قال أبو داود في سننه ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج ثنا يونس عن ابي اسحاق عن البراء بن عازب قال كنت (5/129)
مع علي حين امره رسول الله صلى الله عليه و سلم على اليمن فذكر الحديث في قدوم علي قال علي فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف صنعت قال قلت إنما أهللت باهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال إني قد سقت الهدي وقرنت وقد رواه النسائي من حديث يحيى بن معين باسناده وهو على شرط الشيخين وعلله الحافظ البيهقي بأنه لم يذكر هذا اللفظ في سياق حديث جابر الطويل وهذا التعليل فيه نظر لأنه قد روى القران من حديث جابر بن عبد الله كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وروى ابن حبان في صحيحه عن علي بن أبي طالب قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة وخرجت أنا من اليمن وقلت لبيك باهلال كاهلال النبي فقال النبي صلى الله عليه و سلم فاني أهللت بالحج والعمرة جميعا
رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وقد رواه عنه جماعة من التابعين ونحن نوردهم مرتبين على حروف المعجم
بكر بن عبد الله المزني عنه قال الامام احمد حدثنا هشيم ثنا حميد الطويل أنبانا بكر بن عبد الله المزني قال سمعت أنس بن مالك يحدث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي بالحج والعمرة جميعا فحدثت بذلك ابن عمر فقال لبي بالحج وحده فلقيت انسا فحدثته بقول ابن عمر فقال ما تعدونا الا صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لبي عمرة وحجا ورواه البخاري عن مسدد عن بشر بن الفضل عن حميد به وأخرجه مسلم عن شريح بن يونس عن هشيم به وعن أمية بن بسطام عن يزيد بن زريع عن حبيب بن الشهيد عن بكر بن عبد الله المزني به
ثابت البناني عن أنس قال الامام احمد حدثنا وكيع عن ابن أي ليلى عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لبيك بعمرة وحجة معا تفرد به من هذا الوجه الحسن البصري عنه قال الامام احمد ثنا روح ثنا أشعث عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه قدموا مكة وقد لبوا بحج وعمرة فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة أن يحلوا وأن يجعلوها عمرة فكأن القوم هابوا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لولا أني سقت هديا لاحللت فأحل القوم وتمتعوا وقال الحافظ أبو بكر البزار ثنا الحسن بن قزعة ثنا سفيان بن حبيب ثنا أشعث عن الحسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة فلما قدموا مكة طافوا بالبيت وبالصفا والمروة أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحلوا فهابوا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أحلوا فلولا أن معي الهدي لأحللت فحلوا حتى حلوا على النساء ثم قال البزار لا نعلم رواه عن الحسن إلا الأشعث بن عبد الملك
حميد بن تيرويه الطويل عنه قال الامام احمد حدثنا يحيى بن حميد سمعت انسا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لبيك بحج وعمرة وحج هذا أسناد ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولا أحد (5/130)
من أصحاب الكتب من هذا الوجه لكن رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن هشيم عن يحيى بن ابي اسحاق وعبد العزيز بن صهيب وحميد أنهم سمعوا أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بهما جميعا لبيك عمرة وحجا لبيك عمرة وحجا وقال الامام احمد حدثنا يعمر بن يسر ثنا عبد الله أنبأنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال ساق رسول الله صلى الله عليه و سلم بدنا كثيرة وقال لبيك بعمرة وحج واني لعند فخذ ناقته اليسرى تفرد به احمد من هذا الوجه أيضا
حميد بن هلال العدوي البصري عنه قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حدثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابي قلابة عن أنس بن مالك وحدثناه سلمة بن شبيب ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة وحميد بن هلال عن انس قال إني ردف أبي طلحة وان ركبته لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يلبي بالحج والعمرة وهذا اسناد جيد قوي على شرط الصحيح ولم يخرجوه وقد تأوله البزار على أن الذي كان يلبي بالحج والعمرة أبو طلحة قال ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه و سلم وهذا التأويل فيه نظر ولا حاجة اليه لمجيء ذلك من طرق عن أنس كما مضى وكما سيأتي ثم عود الضمير الى أقرب المذكورين أولى وهو في هذه الصورة أقوى دلالة والله أعلم وسيأتي في رواية سالم بن أبي الجعد عن أنس صريح الرد على هذا التأويل
زيد بن أسلم عنه قال الحافظ أبو بكر البزار روى سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم أهل بحج وعمرة حدثناه الحسن بن عبد العزيز الجروي ومحمد بن مسكين قالا حدثنا بشر بن بكر عن سعيد بن عبد العزيز عن زيد بن أسلم عن أنس قلت هذا اسناد صحيح على شرط الصحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي بأبسط من هذا السياق فقال أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر احمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأنا العباس بن الوليد بن يزيد أخبرني أبي ثنا شعيب بن عبد العزيز عن زيد بن أسلم وغيره أن رجلا أتى ابن عمر فقال بم أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن عمر أهل بالحج فانصرف ثم أتاه من العام المقبل فقال بم أهل رسول الله قال ألم تأتني عام أول قال بلى ولكن أنس بن مالك يزعم أنه قرن قال ابن عمر إن أنس بن مالك كان يدخل على النساء وهن مكشفات الرؤوس وإني كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسني لعابها اسمعه يلبي بالحج
سالم بن ابي الجعد الغطفاني الكوفي عنه قال الامام احمد حدثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن منصور عن سالم بن ابي الجعد عن أنس بن مالك يرفعه الى النبي صلى الله عليه و سلم أنه جمع بين الحج والعمرة فقال لبيك بعمرة وحجة معا حسن ولم يخرجوه وقال الامام احمد ثنا عفان ثنا أبو عوانة ثنا عثمان (5/131)
ابن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن سعد مولى الحسن بن علي قال خرجنا مع علي فأتينا ذا الحليفة فقال علي إني أريد أن أجمع بين الحج والعمرة فمن اراد ذلك فليقل كما أقول ثم لبى قال لبيك بحجة وعمرة معا قال وقال سالم وقد أخبرني أنس بن مالك قال والله ان رجلي لتمس رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنه ليهل بهما جميعا وهذا أيضا اسناد جيد من هذا الوجه ولم يخرجوه وهذا السياق يرد على الحافظ البزار ما تأول به حديث حميد بن هلال عن أنس كما تقدم والله أعلم
سليمان بن طرخان التيمي عنه قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن أنس بن مالك قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يلبي بهما جميعا ثم قال البزار لم يروه عن التيمي إلا ابنه المعتمر ولم يسمعه إلا من يحيى بن حبيب العربي عنه قلت وهو على شرط الصحيح ولم يخرجوه
سويد بن حجير عنه قال الامام احمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي قزعة سويد بن حجير عن أنس بن مالك قال كنت رديف أبي طلحة فكانت ركبة أبي طلحة تكاد أن تصيب ركبة رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل بهما وهذا اسناد جيد تفرد به احمد ولم يخرجوه وفيه رد على الحافظ البزار صريح
عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي عنه قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال كنت رديف أبي طلحة وهو يساير النبي صلى الله عليه و سلم قال فان رجلي لتمس غرز النبي صلى الله عليه و سلم فسمعته يلبي بالحج والعمرة معا وقد رواه البخاري من طرق عن أيوب عن ابي قلابة عن أنس قال صلى صلى الله عليه و سلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر وأهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما جميعا وفي رواية له كنت رديف أبي طلحة وأنهم ليصرخون بهما جميعا الحج والعمرة وفي رواية له عن أيوب عن رجل عن أنس قال ثم بات حتى أصبح فصلى الصبح ثم ركب راحلته حتى اذا استوت به البيداء أهل بعمرة وحج
عبد العزيز بن صهيب تقدمت روايته عنه مع رواية حميد الطويل عنه عند مسلم
علي بن زيد بن جدعان عنه قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا ابراهيم بن سعيد ثنا علي بن حكيم عن شريك عن علي بن زيد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لبى بهما جميعا هذا غريب من هذا الوجه لم يخرجه أحد من أصحاب السنن وهو على شرطهم
قتادة بن دعامة السدوسي عنه قال الامام احمد حدثنا بهز وعبد الصمد المعني قالا أخبرنا همام بن يحيى ثنا قتادة قال سألت أنس بن مالك قلت كم حج النبي صلى الله عليه و سلم قال حجة واحدة (5/132)
واعتمر أربع مرات عمرته زمن الحديبية وعمرته في ذي القعدة من المدينة وعمرته من الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنيمة حنين وعمرته مع حجته وأخرجاه في الصحيحين من حديث همام ابن يحيى به
مصعب بن سليم الزبيري مولاهم عنه قال الامام احمد حدثنا وكيع ثنا مصعب بن سليم سمعت أنس بن مالك يقول أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بحجة وعمرة تفرد به احمد
يحيى بن اسحاق الحضرمي عنه قال الامام احمد ثنا هشيم أنبأنا يحيى بن اسحاق وعبد العزيز ابن صهيب وحميد الطويل عن أنس أنهم سمعوه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا لبيك عمرة وحجا وقد تقدم أن مسلما رواه عن يحيى بن يحيى عن هشيم به وقال الامام احمد أيضا ثنا عبد الاعلى عن يحيى عن أنس قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى مكة قال فسمعته يقول لبيك عمرة وحجا
أبو الصقيل عنه قال الامام احمد حدثنا حسن ثنا زهير وحدثنا احمد بن عبد الملك ثنا زهير عن أبي اسحاق عن أبي أسماء الصقيل عن أنس بن مالك قال خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكني سقت الهدي وقرنت الحج بالعمرة ورواه النسائي عن هناد عن أبي الاحوص عن أبي اسحاق عن أبي اسماء الصقيل عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وسلم يلبي بهما
أبو قدامة الحنفي ويقال إن اسمه محمد بن عبيد عن أنس قال الامام احمد ثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة عن يونس بن عبيد عن أبي قدامة الحنفي قال قلت لأنس بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي فقال سمعته سبع مرات يلبي بعمرة وحجة تفرد به الامام احمد وهو اسناد جيد قوي ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة وروى ابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قرن بين الحج والعمرة وقرن القوم معه وقد أورد الحافظ البيهقي بعض هذه الطرق عن أنس بن مالك ثم شرع يعلل ذلك بكلام فيه نظر وحاصله أنه قال والاشتباه وقع لأنس لا لمن دونه ويحتمل أن يكون سمعه رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلم غيره كيف يهل بالقران لا أنه يهل بهما عن نفسه والله أعلم قال وقد روى ذلك عن غير أنس بن مالك وفي ثبوته نظر قلت ولا يخفى ما في هذا الكلام من النظر الظاهر لمن تأمله وربما أنه كان ترك هذا الكلام أولى منه إذ فيه تطرق احتمال الى حفظ الصحابي مع تواتره عنه كما رأيت آنفا وفتح هذا يفضي الى محذور كبير والله تعالى أعلم
حديث البراء بن عازب في القران قال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا علي بن محمد المصري حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى ثنا يزيد بن هارون أنبأنا زكريا بن (5/133)
أبي زائدة عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة فقالت عائشة لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها قال البيهقي ليس هذا بمحفوظ قلت سيأتي بإسناد صحيح الى عائشة نحوه
رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني حدثنا أبو بكر بن أبي داود ومحمد بن جعفر بن رميس والقاسم بن اسماعيل أبو عبيد وعثمان بن جعفر اللبان وغيرهم قالوا حدثنا احمد بن يحيى الصوفي ثنا زيد بن الحباب ثنا سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال حج النبي صلى الله عليه و سلم ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة قرن معها عمرة وقد روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن سعيد الثوري به وأما الترمذي فرواه عن عبد الله بن أبي زياد عن زيد بن حباب عن سفيان به ثم قال غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن يعني الرازي روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي زياد وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه ورأيته لا يعده محفوظا قال وانما روى عن الثوري عن أبي اسحاق عن مجاهد مرسلا وفي السنن الكبير للبيهقي قال أبو عيسى الترمذي سألت محمد بن اسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال هذا حديث خطأ وإنما روى هذا عن الثوري مرسلا قال البخاري وكان زيد بن الحباب اذا روى خطأ ربما غلط في الشيء وأما ابن ماجه فرواه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبي عن عبد الله بن داود الخريبي عن سفيان به وهذه طريق لم يقف عليها الترمذي ولا البيهقي وربما ولا البخاري حيث تكلم في زيد ابن الحباب ظانا أنه انفرد به وليس كذلك والله أعلم
طريق أخرى عن جابر قال أبو عيسى الترمذي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرن الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا ثم قال هذا حديث حسن وفي نسخة صحيح رواه ابن حبان في صحيحه عن جابر قال لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم إلا طوافا واحدا لحجه ولعمرته قلت حجاج هذا هو ابن أرطأة وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ولكن قد روى من وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أيضا كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حدثنا مقدم بن محمد حدثني عمي القاسم بن يحيى بن مقدم عن عبد الرحمن ابن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم فقرن بين الحج والعمرة وساق الهدي وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم يقلد الهدي فليجعلها عمرة ثم قال البزار وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه بهذا الاسناد انفرد بهذه الطريق البزار في مسنده واسنادها غريبة جدا وليست في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه والله أعلم (5/134)
رواية أبي طلحة زيد بن سهل الانصاري رضي الله عنه قال الامام احمد حدثنا أبو معاوية ثنا حجاج هو ابن أرطأة عن الحسن بن سعد عن ابن عباس قال أخبرني أبو طلحة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع بين الحج والعمرة ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن أبي معاوية باسناده ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرن بين الحج والعمرة الحجاج بن أرطأة فيه ضعف والله أعلم
رواية سراقة بن مالك بن جعشم قال الامام احمد حدثنا مكي بن ابراهيم ثنا داود يعني ابن سويد سمعت عبد الملك الزراد يقول سمعت النزال بن سبرة صاحب علي يقول سمعت سراقة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة قال وقرن رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع
رواية سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه تمتع بالحج الى العمرة وهو القران قال الامام مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه حدثه أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكر التمتع بالعمرة الى الحج فقال الضحاك لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد بئس ما قلت يا ابن أخي فقال الضحاك فان عمر بن الخطاب كان ينهى عنها فقال سعد قد صنعها رسول الله وصنعناها معه ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن مالك به وقال الترمذي هذا حديث صحيح وقال الامام احمد ثنا يحيى بن سعيد ثنا سليمان يعني التيمي حدثني غنيم قال سألت ابن أبي وقاص عن المتعة فقال فعلناها وهذا كافر بالعرش يعني معاوية هكذا رواه مختصرا وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث سفيان بن سعيد الثوري وشعبة ومروان الفزاري ويحيى بن سعيد القطان أربعتهم عن سليمان بن طرخان التيمي سمعت غنيم بن قيس سألت سعد بن ابي وقاص عن المتعة فقال قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش قال يحيى بن سعيد في روايته يعني معاوية ورواه عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان وعبد الله بن 8 المبارك كلاهما عن سليمان التيمي عن غنيم بن قيس سألت سعدا عن التمتع بالعمرة الى الحج فقال فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني مكة ويعني به معاوية وهذا الحديث الثاني اصح اسنادا وإنما ذكرناه اعتضادا لا اعتمادا والاول صحيح الاسناد وهذا أصرح في المقصود من هذا والله أعلم
رواية عبد الله بن ابي أوفى قال الطبراني حدثنا سعيد بن محمد بن المغيرة المصري حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا يزيد بن عطاء عن اسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال إنما جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الحج والعمرة لأنه علم أنه لم يكن حاجا بعد ذلك العام
رواية عبد الله بن عباس في ذلك قال الامام احمد ثنا أبو النضر ثنا داود يعني القطان عن (5/135)
عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع عمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة والرابعة التي مع حجته وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن داود بن عبد الرحمن العطار المكي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس به وقال الترمذي حسن غريب ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلا ورواه الحافظ البيهقي من طريق أبي الحسن علي بن عبد العزيز البغوي عن الحسن بن الربيع وشهاب بن عباد كلاهما عن داود بن عبد الرحمن العطار فذكره وقال الرابعة التي قرنها مع حجته ثم قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز ليس احد يقول في هذا الحديث عن ابن عباس إلا داود ابن عبد الرحمن ثم حكى البيهقي عن البخاري أنه قال داود بن عبد الرحمن صدوق إلا أنه ربما يهم في الشيء وقد تقدم ما رواه البخاري من طريق ابن عباس عن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بوادي العقيق أتاني آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة فلعل هذا مستند ابن عباس فيما حكاه والله أعلم
رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنه قد تقدم فيما رواه البخاري ومسلم من طريق الليث عن عقيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه قال تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع وأهدى فساق الهدي من ذي الحليفة وبدا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وذكر تمام الحديث في عدم احلاله بعد السعي فعلم كما قررناه أولا إنه عليه السلام لم يكن متمتعا التمتع الخاص وإنما كان قارنا لأنه حكى أنه عليه السلام لم يكن متمتعا اكتفى بطواف واحد بين الصفا والمروة عن حجة وعمرته وهذا شأن القارن على مذهب الجمهور كما سيأتي بيانه والله أعلم وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ثنا أبو خيثمة ثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف طوافا واحدا لاقرانه لم يحل بينهما واشترى من الطريق يعني الهدي وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقاة إلا أ يحيى بن يمان وان كان من رجال مسلم في أحاديثه عن الثوري نكارة شديدة والله أعلم ومما يرجح أن ابن عمر أراد بالأفراد الذى رواه أفراد أفعال الحج لا الافراد الخاص الذى يصير اليه أصحاب الشافعي وهو الحج في الاعتمار بعده في بقية ذي الحجة قول الشافعي أنبأنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب الي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة
رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال الامام احمد حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري حدثنا يونس بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما قرن خشية أن يصد عن البيت وقال إن لم يكن حجة فعمرة وهذا حديث غريب سندا ومتنا تفرد بروايته (5/136)
الامام احمد وقد قال احمد في يونس بن الحارث الثقفي هذا كان مضطرب الحديث وضعفه وكذا ضعفه يحيى بن معين في رواية عنه والنسائي وأما من حيث المتن فقوله انما قرن رسول الله صلى الله عليه و سلم خشية أن يصد عن البيت فمن الذي كان يصده عليه السلام عن البيت وقد أطد الله له الاسلام وفتح البلد الحرام وقد نودي برحاب منى أيام الموسم في العام الماضي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان وقد كان معه عليه السلام في حجة الوداع قريب من أربعين ألفا فقوله خشية أن يصد عن البيت وما هذا بأعجب من قول أمير المؤمنين عثمان لعلي بن أبي طالب حين قال له علي لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أجل ولكنا كنا خائفين ولست أدري على م يحمل هذا الخوف من أي جهة كان إلا أنه تضمن رواية الصحابي لما رواه وحمله على معنى ظنه فما رواه صحيح مقبول وما اعتقده ليس بمعصوم فيه فهو موقوف عليه وليس بحجة على غيره ولا يلزم منه رد الحديث الذي رواه هكذا قول عبد الله بن عمرو لو صح السند اليه والله أعلم
رواية عمران بن حصين رضي الله عنه قال الامام احمد ثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا ثنا شعبة عن حميد بن هلال سمعت مطرقا قال قال لي عمران بن حصين إني محدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد جمع بين حجته وعمرته ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل قرآن فيه يحرمه وأنه كلن يسلم علي فلما اكتويت أمسك عني فلما تركته عاد إلي وقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى ومحمد بن يسار عن غندر عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه والنسائي عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث ثلاثتهم عن شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف عن عمران به ورواه مسلم من حديث شعبة وسعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع بين حج وعمرة الحديث قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني حديث شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف صحيح وأما حديثه عن قتادة عن مطرف فانما رواه عن شعبة كذلك بقية بن الوليد وقد رواه غندر وغيره عن سعيد بن ابي عروبة عن قتادة قلت وقد رواه أيضا النسائي في سننه عن عمرو بن علي الفلاس عن خالد بن الحارث عن شعبة وفي نسخة عن سعيد بدل شعبة عن قتادة عن مطرف عن عمران بن الحصين فذكره والله أعلم وثبت في الصحيحين من حديث همام عن قتادة عن مطرف عن عمران بن الحصين قال تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات رسول الله صلى الله عليه و سلم
رواية الهرماس بن زياد الباهلي قال عبد الله بن الامام احمد حدثنا عبد الله بن عمران بن علي أبو محمد من أهل الري وكان أصله أصبهاني حدثنا يحيى بن الضريس حدثنا عكرمة بن عمار عن (5/137)
الهرماس قال كنت ردف أبي فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو على بعير له وهو يقول لبيك بحجة وعمرة معا وهذا على شرط السنن ولم يخرجوه
رواية حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها قال الامام احمد حدثنا عبد الرحمن عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم مالك لم تحل من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك وعبيد الله بن عمر زاد البخاري وموسى بن عقبة زاد مسلم وابن جريج كلهم عن نافع عن ابن عمر به وفي لفظهما أنها قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك فقال إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر وقال الامام احمد أيضا حدثنا شعيب ابن أبي حمزة قال قال نافع كان عبد الله بن عمر يقول أخبرتنا حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع فقالت له فلانة ما يمنعك أن تحل قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى أنحر هديي وقال احمد أيضا حدثنا يعقوب ابن ابراهيم حدثنا أبي عن أبي اسحاق حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة بنت عمر أنها قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءه أن يحللن بعمرة قلنا فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا قال إني أهديت ولبدت فلا أحل حتى أنحر هديي ثم رواه احمد عن كثير بن هشام عن جعفر ابن برقان عن نافع عن ابن عمر عن حفصة فذكره فهذا الحديث فيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان متلبسا بعمرة ولم يحل منها وقد علم بما تقدم من أحاديث الافراد انه كان قد أهل بحج أيضا فدل مجموع ذلك أنه قارن مع ما سلف من رواية من صرح بذلك والله أعلم
رواية عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قال البخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منها جميعا فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال انقضى رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة ففعلت فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر الى التنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك قالت فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فانما طافوا طوافا واحدا وكذلك رواه مسلم من حديث مالك عن الزهري فذكره ثم رواه عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام حجة الوداع فأهللت بعمرة ولم أكن (5/138)
سقت الهدي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته لا يحل حتى يحل منهما جميعا وذكر تمام الحديث كما تقدم والمقصود من إيراد هذا الحديث ههنا قوله صلى الله عليه و سلم من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة ومعلوم أنه عليه السلام قد كان معه هدي فهو أول وأولى من ائتمر بهذا لأن المخاطب داخل في عموم متعلق خطابه على الصحيح وأيضا فانها قالت وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فانما طافوا طوافا واحدا يعني بين الصفا والمروة وقد روى مسلم عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما طاف بين الصفا والمروة طوافا واحدا فعلم من هذا أنه كان قد جمع بين الحج والعمر وقد روى مسلم من حديث حماد بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت فكان الهدي مع النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسار وأيضا فإنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يتحلل من النسكين فلم يكن متمتعا وذكرت أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعمرها من التنعيم وقالت يا رسول الله ينطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج فبعثها مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمرها من التنعيم ولم يذكر أنه عليه السلام اعتمر بعد حجته فل يكن مفردا فعلم أنه كان قارنا لأنه كان باتفاق الناس قد اعتمر في حجة الوداع والله أعلم وقد تقدم ما رواه الحافظ البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب أنه قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة فقالت عائشة لقد علم أنه اعتمر أربع عمر عمرته بعد التي حج معها وقال البيهقي في الخلافيات أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنبأنا أبو محمد بن حبان الاصبهاني أنبأنا ابراهيم ابن شريك أنبأنا احمد بن يونس ثنا زهير ثنا أبو اسحاق عن مجاهد قال سئل ابن عمر كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مرتين فقالت عائشة لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر ثلاثا سوى العمرة التي قرنها مع حجة الوداع ثم قال البيهقي وهذا إسناد لا بأس به لكن فيه إرسال مجاهد لم يسمع من عائشة في قول بعض المحدثين قلت كان شعبة ينكره وأما البخاري ومسلم فانهما أثبتاه والله أعلم وقد روى من حديث القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر وعروة بن الزبير وغير واحد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان معه الهدي عام حجة الوداع وفي أعمارها من التنعيم ومصادقتها له منهبطا على أهل مكة وبيتوته بالمحصب حتى صلى الصبح بمكة ثم رجع الى المدينة وهذا كله مما يدل على أنه عليه السلام لم يعتمر بعد حجته تلك ولم أعلم أحد من الصحابة نقله ومعلوم أنه لم يتحلل بين النسكين ولا روى أحد أنه عليه السلام بعد طوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة حلق وقصر ولا تحلل بل استمر على إحرامه باتفاق ولم ينقل أنه أهل بحج لما سار الى منى فعلم أنه لم يكن متمتعا وقد اتفقوا على أنه عليه السلام اعتمر عام حجة الوداع فلم يتحلل بين النسكين ولا (5/139)
أنشأ إحراما للحج ولا اعتمر بعد الحج فلزم القران وهذا مما يعسر الجواب عنه والله أعلم وأيضا فان رواية القران مثبتة لما سكت عنه أو نفاه من روى الافراد والتمتع فهي مقدمة عليها كما هو مقرر في علم الأصول وعن أبي عمران أنه حج مع مواليه قال فأتيت أم سلمة فقلت يا أم المؤمنين إني لم أحج قط فأيهما أبدأ بالعمرة أم بالحج قالت ابدأ بأيهما شئت قال ثم أتيت صفية أم المؤمنين فسألتها فقالت لي مثل ما قالت لي ثم جئت أم سلمة فأخبرتها بقول صفية فقالت لي أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجة رواه ابن حبان في صحيحه وقد رواه ابن حزم في حجة الوداع من حديث الليث ين سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم عن أبي عمران عن أم سلمة به فصل
إن قيل قد رويتم عن جماعة من الصحابة أنه عليه السلام أفرد الحج ثم رويتم عن هؤلاء بأعيانهم وعن غيرهم أنه جمع بين الحج والعمرة فما الجمع من ذلك فالجواب أن رواية من ورى أنه أفرد الحج محمولة على أنه أفرد أفعال الحج ودخلت العمرة فيه نية وفعلا ووقتا وهذا يدل على أنه اكتفى بطواف الحج وسعيه عنه وعنها كما هو مذهب الجمهور في القارن خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث ذهب الى أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين اعتمد على ما روى في ذلك عن علي بن أبي طالب وفي الاسناد اليه نظر وأما من روى التمتع ثم روى القران فقد قدمنا الجواب عن ذلك بأن التمتع في كلام السلف أعم من التمتع الخاص والقران ويطلقونه على الاعتمار في أشهر الحج وإن لم يكن معه حج كما قال سعد بن أبي وقاص تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا يعنى معاوية يومئذ كافر بالعرش يعني بمكة وإنما يريد بهذا احدى العمرتين إما الحديبية أو القضاء فاما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية قد أسلم لأنها كانت بعد الفتح وحجة الوداع بعد ذلك سنة عشر وهذا بين واضح والله أعلم فصل
إن قيل فما جوابها عن الحديث الذي رواه أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا هشام عن قتادة عن أبي سيح الهنائي واسمه صفوان بن خالد أن معاوية قال لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أتعملون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن صفف النمور قالوا اللهم نعم قال وأنا أشهد قال أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا قالوا اللهم نعم قال أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم (5/140)
نهى أن يقرن بين الحج والعمرة قالوا اللهم لا قال والله إنها لمعهن وقال الامام احمد ثنا عفان ثنا همام عن قتادة عن أبي سيح الهنائي قال كنت في ملاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عند معاوية فقال معاوية أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله نهى عن جلود النمور أن يركب عليها قالوا اللهم نعم قال وتعلمون أنه نهى عن لباس الذهب إلا مقطوعا قالوا اللهم نعم قال وتعلمون أنه نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة قالوا اللهم نعم قال وتعلمون أنه نهى عن المتعة يعني متعة الحج قالوا اللهم لا وقال احمد ثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن أبي سيح الهنائي أنه شهد معاوية وعنده جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهم معاوية أتعلمون أن رسول الله نهى عن ركوب جلود النمور قالوا نعم قال تعلمون أن رسول الله نهى عن لبس الحرير قالوا اللهم نعم قال أتعلمون أن رسول الله نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة قالوا اللهم نعم قال أتعملون أن رسول الله نهى عن جمع بين حج وعمرة قالوا اللهم لا قال فوالله إنها لمعهن وكذا رواه حماد بن سلمة عن قتادة وزاد ولكنكم نسيتم وكذا رواه أشعث بن نزار وسعيد بن أبي عروبة وهمام عن قتادة بأصله ورواه مطر الوراق وبهيس بن فهدان عن أبي سيح في متعة الحج فقد رواه أبو داود والنسائي من طرق عن أبي سيح الهنائي به وهو حديث جيد الاسناد ويستغرب منه هرواية معاوية رضي الله عنه النهي عن الجمع بين الحج والعمرة ولعل أصل الحديث النهي عن المتعة فاعتقد الراوي أنها متعة الحج وإنما هي متعة النساء ولم يكن عند أولئك الصحابة رواية في النهي عنها أو لعل النهي عن الاقران في التمر كما في حديث ابن عمر فاعتقد الراوي أن المراد القران في الحج وليس كذلك أو لعل معاوية رضي الله عنه قال إنما قال أتعلمون أنه نهي عن كذا فبناه بما لم يسم فاعله فصرح الراوي بالرفع الى النبي صلى الله عليه و سلم ووهم في ذلك فان الذي كان ينهى عن متعة الحج إنما هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يكن نهيه عن ذلك على وجه التحريم والحتم كما قدمنا وانما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر ليكثر زيارة البيت وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يهابونه كثيرا فلا يتجاسرون على مخالفته غالبا وكان ابنه عبد الله يخالفه فيقال له ان أباك كان ينهى عنها فيقول لقد خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء قد فعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم أفسنة رسول الله تتبع أم سنة عمر بن الخطاب وكذلك كان عثمان بن عفان رضي الله عنه ينهى عنها وخالفه علي بن أبي طالب كما تقدم وقال لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم لقول أحد من الناس وقال عمران بن حصين تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مات أخرجاه في الصحيحين وفي صحيح مسلم عن سعد أنه أنكر على معاوية إنكاره المتعة وقال قد فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني معاوية أنه كان حين فعلوها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم كافرا بمكة يومئذ قلت وقد تقدم أنه عليه السلام حج قارنا (5/141)
بما ذكرناه من الاحاديث الواردة في ذلك ولم يكن بين حجة الوداع وبين وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد وثمانون يوما وقد شهد الحجة ينيف عن أربعين ألف صحابي قولا منه وفعلا فلو كان قد نهى عن القران في الحج الذي شهده منه الناس لم ينفرد به واحد من الصحابة ويرده عليه جماعة منهم ممن سمع منه ولم يسمع فهذا كله مما يدل على أن هذا هكذا ليس محفوظا عن معاوية رضي الله عنه والله أعلم وقال أبو داود ثنا احمد بن صالح ابن وهب أخبرني حيوة أخبرني أبو عيسى الخراساني عن عبد الله بن القاسم خراساني عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أتى عمر ابن الخطاب فشهد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج وهذا الاسناد لا يخلو عن نظر ثم ان كان هذا الصحابي عن معاوية فقد تقدم الكلام على ذلك ولكن في هذا النهي عن المتعة لا القران وان كان في غيره فهو مشكل في الجملة لكن لا على القران والله أعلم
ذكر مستند من قال أنه عليه الصلاة و السلام أطلق الاحرام ولم يعين حجا ولا عمرة أولا ثم بعد ذلك صرفه الى معين وقد حكى عن الشافعي أنه الأفضل إلا أنه قول ضعيف قال الشافعي رحمه الله أنبأنا سفيان أنبأنا ابن طاوس وابراهيم بن ميسرة وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم من أهل بالحج ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولكن لبدت رأسي وسقت هديي فليس لي محل إلا محل هديي فقام اليه سراقة بن مالك فقال يا رسول الله اقض لنا قضاء كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل للأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال فدخل علي من اليمن فسأله النبي صلى الله عليه و سلم بم أهللت فقال أحدهما لبيك إهلال النبي صلى الله عليه و سلم وقال الآخر لبيك حجة النبي صلى الله عليه و سلم وهذا مرسل طاوس وفيه غرابة وقاعدة الشافعي رحمه الله أنه لا يقبل المرسل بمجرده حتى يعتضد بغيره اللهم إلا أن يكون عن كبار التابعين كما عول عليه كلامه في الرسالة لأن الغالب أنهم لا يرسلون إلا عن الصحابة والله أعلم وهذا المرسل ليس من هذا القبيل بل هو مخالف للاحاديث المتقدمة كلها أحاديث الافراد وأحاديث التمتع وأحاديث القران وهي مسندة صحيحة كما تقدم فهي مقدمة عليه ولأنها مثبتة أمرا نفاه هذا المرسل والمثبت مقدم على النافي لو تكافئا فكيف والمسند صحيح والمرسل من حيث لا ينهض حجة لانقطاع سنده والله تعالى أعلم وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو العباس الأصم حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا محاضر حدثنا الأعمش عن ابراهيم عن الأسود عن عائشة قالت خرجنا مع رسول (5/142)
الله صلى الله عليه و سلم لا نذكر حجا ولا عمرة فلما قدمنا أمرنا أن نحل فلما كانت ليلة النفر حاضت صفية بنت حيي فقال النبي صلى الله عليه و سلم حلقي عقري ما أراها إلا حابستكم قال هل كنت طفت يوم النحر قالت نعم قال فانفري قالت قلت يا رسول الله إني لم أكن أهللت قال فاعتمري من التنعيم قال فخرج معها أخوها قالت فلقينا مدلجا فقال موعدكن كذا وكذا هكذا رواه البيهقي وقد رواه البخاري عن محمد قيل هو ابن يحيى الذهلي عن محاضر بن المورع به إلا أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نذكر إلا الحج وهذا أشبه بأحاديثها المتقدمة لكن روى مسلم عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر عن الأعمش عن ابراهيم عن الأسود عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نذكر حجا ولا عمرة وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث منصور عن ابراهيم عن الأسود عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا نرى إلا أنه الحج وهذا أصح وأثبت والله أعلم وفي رواية لها من هذا الوجه خرجنا نلبي ولا نذكر حجا ولا عمرة وهو محمول على أنهم لا يذكرون ذلك مع التلبية وإن كانوا قد سموه حال الاحرام كما في حديث أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لبيك اللهم حجا وعمرة وقال أنس وسمعتهم يصرخون بهما جميعا فأما الحديث الذى رواه مسلم من حديث داود بن أبى نضرة عن جابر وأبي سعيد الخدري قالا قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن نصرخ بالحج صراخا فانه حديث مشكل على هذا والله أعلم
ذكر تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء اليك والعمل ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به وقال مسلم حدثنا محمد بن عباد ثنا حاتم بن اسماعيل عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن نافع مولى عبد الله بن عمر وحمزة بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك قالوا وكان عبد الله يقول في تلبية رسول الله قال نافع وكان عبد الله يزيد مع هذا لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك [ لبيك ] والرغباء اليك والعمل حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله أخبرني نافع عن ابن عمر قال تلقفت التلبية من رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر بمثل حديثهم حدثني حرملة ابن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال قال سالم بن عبد الله بن عمر أخبرني (5/143)
عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل ملبيا يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لا يزيد على هؤلاء الكلمات وان عبد الله ابن عمر يقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركع بذي الحليفة ركعتين فاذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات وقال عبد الله بن عمر كان عمر بن الخطاب يهل باهلال النبي صلى الله عليه و سلم من هؤلاء الكلمات وهو يقول لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء اليك والعمل هذا لفظ مسلم وفي حديث جابر من التلبية كما في حديث ابن عمر وسيأتي مطولا قريبا رواه مسلم منفردا به وقال البخاري بعد إيراده من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ما تقدم حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن الاعمش عن عمارة عن أبي عطية عن عائشة قالت إني لأعلم كيف كان النبي صلى الله عليه و سلم يلبي لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك تابعه أبو معاوية عن الاعمش وقال شعبة أخبرنا سليمان سمعت خيثمة عن ابي عطية سمعت عائشة تفرد به البخاري وقد رواه الامام احمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن سليمان بن مهران الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية الوادي عن عائشة فذكر مثل ما رواه البخاري سواء ورواه احمد عن أبي معاوية وعبد الله بن نمير عن الأعمش كما ذكره البخاري سواء ورواه أيضا عن محمد بن جعفر وروح بن عبادة عن شعبة عن سليمان بن مهران الاعمش به كما ذكره البخاري وكذلك رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة سواء وقال الامام احمد حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية قال قالت عائشة إني لأعلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي قال ثم سمعتها تلبي فقالت لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك فزاد في هذا السياق وحده والملك لا شريك لك وقال البيهقي أخبرنا الحاكم أنبأنا الأصم ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأنا ابن وهب أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة أن عبد الله بن الفضل حدثه عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم لبيك إله الحق وقد رواه النسائي عن قتيبة عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد العزيز بن ابي سلمة وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع عن عبد العزيز به قال النسائي ولا أعلم أحدا أسنده عن عبد الله ابن الفضل إلا عبد العزيز ورواه اسماعيل بن أمية مرسلا وقال الشافعي أنبأنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج أخبرني حميد الاعرج عن مجاهد أنه قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك فذكر التلبية قال حتى اذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد (5/144)
فيها لبيك ان العيش عيش الآخرة قال ابن جريج وحسبت أن ذلك يوم عرفة هذا مرسل من هذا الوجه وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي أخبرنا عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد يوسف بن محمد بن محمد بن يوسف حدثنا محمد بن اسحاق بن خزيمة ثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا محبوب بن الحسن ثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب بعرفات فلما قال لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة وهذا إسناد غريب وإسناده على شرط السنن ولم يخرجوه وقال الامام احمد حدثنا روح ثنا اسامة بن زيد حدثني عبد الله بن ابي لبيد عن المطلب ابن عبد الله بن حنطب سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني جبرائيل برفع الصوت في الاهلال فانه من شعائر الحج تفرد به احمد وقد رواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن وهب عن اسامة بن زيد عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وعبد الله بن أبي لبيد عن المطلب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره وقد قال عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن ابن أبي لبيد عن المطلب بن حنطب عن خلاد عن السائب عن زيد بن خالد قال جاء جبريل الى النبي صلى الله عليه و سلم فقال مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج وكذا رواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع عن الثوري به وكذلك رواه شعبة وموسى بن عقبة عن عبد الله بن أبي لبيد به وقال الامام احمد حدثنا وكيع ثنا سليمان عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءني جبرائيل فقال يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج قال شيخنا أبو الحجاج المزي في كتابه الاطراف وقد رواه معاوية عن هشام وقبيصة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب عن خلاد بن السائب عن أبيه عن زيد بن خالد به وقال احمد ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن ابي بكر بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب بن خلاد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أتاني جبرائيل فقال مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالاهلال وقال أحمد قرأت على عبد الرحمن بن مهدي عن مالك وحدثنا روح ثنا مالك يعني ابن انس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الانصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أتاني جبرائيل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالاهلال يريد أحدهما وكذلك رواه الشافعي عن مالك ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك به ورواه الامام احمد أيضا من حديث ابن جريج والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن عبد الله بن ابي بكر به وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال الحافظ البيهقي (5/145)
ورواه ابن جريج قال كتب الى عبد الله بن أبي بكر فذكره ولم يذكر أبا خلاد في إسناده قال والصحيح رواية مالك وسفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك عن خلاد بن السائب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم كذلك قال البخاري وغيره كذا قال وقد قال الامام احمد في مسنده حدثنا السائب بن خلاد بن سويد أبي سهلة الانصاري ثنا محمد بن بكر أنبأنا ابن جريج وثنا روح ثنا ابن جريج قال كتب الى عبد الله بن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك ابن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الانصاري عن أبيه السائب ابن خلاد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أتاني جبرائيل فقال إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية والاهلال وقال ورح بالتلبية أو الاهلال قال لا أدري أينا وهل أنا أو عبد الله أو خلاد في الاهلال أو التلبية هذا لفظ احمد في مسنده وكذلك ذكره شيخنا في أطرافه عن ابن جريج كرواية مالك وسفيان بن عيينة فالله أعلم فصل
في ايراد حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في حجة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو وحده منسك مستقل رأينا أن إيراده ههنا أنسب لتضمنه التلبية وغيرها كما سلف وما سيأتي فنورد طرقه وألفاظه ثم نتبعه بشواهده من الاحاديث الواردة في معناه وبالله المستعان قال الامام احمد حدثنا يحيى بن سعيد ثنا جعفر بن محمد حدثني أبي قال أتينا جابر بن عبد الله وهو في بني سلمة فسألناه عن حجة رسول الله صلى الله عليه و سلم فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مكث في المدينة تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حاج في هذا العام قال فنزل المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه و سلم ويفعل ما يفعل فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لخمس بقين من ذي القعدة وخرجنا معه حتى اذا أتى ذا الحليفة نفست اسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر فأرسلت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أصنع قال اغتسلي ثم استثفري بثوب ثم أهلي فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ولبى الناس والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه و سلم يسمع فلم يقل لهم شيئا فنظرت مد بصري بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم من راكب وماش ومن خلفه كذلك وعن يمينه مثل ذلك وعن شماله مثل ذلك قال جابر ورسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملناه فخرجنا لا ننوي إلا الحج حتى إذا أتينا الكعبة فاستلم نبي الله صلى الله عليه و سلم الحجر الاسود ثم رمل ثلاثة ومشى أربعة حتى اذا فرغ عمد الى مقام ابراهيم فصلى خلفه (5/146)
ركعتين ثم قرأ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى قال احمد وقال أبو عبد الله يعني جعفر فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون ثم استلم الحجر وخرج الى الصفا ثم قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله ثم قال نبدأ بما بدأ الله به فرقي على الصفا حتى اذا نظر الى البيت كبر ثم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده وصدق وعده وهزم أو غلب الأحزاب وحده ثم دعا ثم رجع الى هذا الكلام ثم نزل حتى اذا انصبت قدماه في الوادي رمل حتى اذا صعد مشى حتى إذا أتى المروة فرقي عليها حتى نظر الى البيت فقال عليها كما قال على الصفا فلما كان السابع عند المروة قال يا أيها الناس إني لو استقبلت من امرئ ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليلل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم فقال سراقة بن مالك بن جعثم وهو في أسفل الوادي يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه و سلم أصابعه فقال للأبد ثلاث مرات ثم قال دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة قال وقدم علي من اليمن بهدي وساق رسول الله صلى الله عليه و سلم معه هدي من المدينة هديا فاذا فاطمة قد حلت ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت أمرني به أبي قال قال علي بالكوفة قال جعفر قال الى هذا الحرف لم يذكره جابر فذهبت محرشا استفتي رسول الله صلى الله عليه و سلم في الذي ذكرت فاطمة قلت إن فاطمة لبست ثيابا صبيغا واكتحلت وقال أمرني أبي قال صدقت صدقت أنا أمرتها به وقال جابر وقال لعلي بم أهللت قال قلت اللهم إني أهل لما أهل به رسولك قال ومعي الهدي قال فلا تحل قال وكان جماعة الهدي الذي أتى به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة فنحر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثا وستين ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد نحرت ههنا ومني كلها منحر ووقف بعرفة فقال وقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقف بالمزدلفة وقال وقفت ههنا والمزدلفة كلها موقف هكذا أورد الامام احمد هذا الحديث وقد اختصر آخره جدا ورواه الامام مسلم بن الحجاج في المناسك من صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة واسحاق بن ابراهيم كلاهما عن حاتم بن اسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عن أبيه عن جابر بن عبد الله فذكره وقد أعلمنا على الزيادات المتفاوتة من سياق احمد ومسلم الى قوله عليه السلام لعلي صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه و سلم قال [ علي ] فان معي الهدي قال فلا تحل قال فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة قال فحل الناس كلهم (5/147)
وقصروا إلا النبي صلى الله عليه و سلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا الى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبةله من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى اذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بنى سعد فقتلته هذيل ورباء الجاهليه موضوع وأول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فانه موضوع كله واتقوا الله في النساء فانكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهم أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكوهونه فان فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت فقال بأصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها الى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم اقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصوى الى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف اسامة بن زيد خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد شنق القصواء الزمام حتى أن رأسها لتصيب مورك رجله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان واقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا فحمد الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ودفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم مرت ظعن بجرين فطفق الفضل ينظر اليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده على وجه الفضل فحول الفضل يده الى الشق الاخر فحول رسول الله صلى الله عليه و سلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى اذا أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع (5/148)
حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف الى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقعها ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأفاض الى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب وهم يستقون على زمزم فقال أنزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه ثم رواه مسلم عن عمر بن حفص عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فذكره بنحوه وذكر قصة أبي سنان وأنه كان يدفع بأهل الجاهلية على حمار عري وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف وقد رواه أبو داود بطوله عن النفيلي وعثمان بن ابي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشيء أربعتهم عن حاتم بن اسماعيل عن جعفر بنحو من رواية مسلم وقد رمزنا لبعض زياداته عليه ورواه أبو داود أيضا والنسائي عن يعقوب بن ابراهيم عن يحيى بن سعيد القطان عن جعفر به ورواه النسائي أيضا عن محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد ببعضه عن ابراهيم بن هارون البلخي عن حاتم بن اسماعيل ببعضه
ذكر الاماكن التي صلى فيها صلى الله عليه و سلم وهو ذاهب من المدينة الى مكة في عمرته وحجته
قال البخاري باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضيع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه و سلم حدثنا محمد ابن أبي بكر المقدمي قال ثنا فضيل بن سليمان قال ثنا موسى بن عقبة قال رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها ويحدث أن أباه كان يصلي فيها وأنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يصلي في تلك الأمكنة وحدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي في تلك الأمكنة وسألت سالما فلا أعلمه إلا وافق نافعا في الأمكنة كلها إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء قال حدثنا ابراهيم بن المنذر ثنا أنس بن عياض قال ثنا موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر وفي حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة وكان اذا رجع من غزو كان في تلك الطريق أو في حج أو عمرة هبط من بطن واد فاذا ظهر من بطن واد أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية فعرس ثم يصبح ليس عند المسجد الذي بحجارة ولا على الأكمة التي عليها المسجد كان ثم خليج يصلي عبد الله عنده في بطنه كثب كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يصلي فدحى السيل فيه بالبطحاء حتى دفن ذلك المكان الذي كان (5/149)
عبد الله يصلي فيه وان عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد الذي بشرف الروحاء وقد كان عبد الله يعلم المكان الذي كان صلى فيه النبي صلى الله عليه و سلم يقول ثم عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلي وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى وأنت ذاهب الى مكة بينه وبين المسجد الأكبر رمية بحجر أو نحو ذلك وان ابن عمر كان يصلي الى العرق الذي عند منصرف الروحاء وذلك العرق انتهاء طرفه على حافة الطريق دون المسجد الذي بينه وبين المنصرف وأنت ذاهب الى مكة وقد ابتنى ثم مسجد فلم يكن عبد الله يصلي في ذلك المسجد كان يتركه عن يساره ووراءه ويصلي أمامه الى العرق نفسه وكان عبد الله يروح من الروحاء فلا يصلي الظهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلي فيه الظهر واذا أقبل من مكة فان مر به قبل الصبح بساعة أو آخر السحر عرس حتى يصلي بها الصبح وأن عبد الله حدثه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ينزل تحت سرحة ضخمة دون الرويثة عن يمين الطريق ووجاه الطريق في مكان بطح سهل حتى يفضى من أكمة دوين بريد الرويثة بميلين وقد انكسر أعلاها فانثنى في جوفها وهي قائمة على ساق في ساقها كثب كثيرة وان عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى طرف تلعة من وراء العرج وأنت ذاهب الى هضبة عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة على القبور رضم من حجارة عن يمين الطريق عند سلمات الطريق بين أولئك السلمات كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة فيصلي الظهر في ذلك المسجد وان عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل عند سرحات عن يسار الطريق في مسيل دون هرشي ذلك المسيل لاصق بكراع هرشى بينه وبين الطريق قريب من غلوة وكان عبد الله يصلى إلى سرحة هي أقرب السرحات الى الطريق وهى أطوهن وان عبد الله ابن عمر حدثة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينزل في المسيل الذى في أدنى مر الظهران قبل المدينة حين يهبط من الصفراوات ينزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق وأنت ذاهب الى مكة ليس بين منزل رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين الطريق إلا رمية بحجر وان عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينزل بذي طوى ويبيت حتى يصبح يصلي الصبح حين يقدم مكة ومصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك على أكمة غليظة ليس في المسجد الذي بنى ثم ولكن أسفل من ذلك على أكمة غليظة وإن عبد الله حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة فجعل المسجد الذي بنى ثم يسار المسجد بطرف الأكمة ومصلى النبي صلى الله عليه و سلم أسفل منه على الأكمة السوداء تدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها ثم تصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة تفرد به البخاري رحمه الله بهذا الحديث بطوله وسياقه إلا أن مسلما روى منه عند قوله في آخره وأن عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينزل بذى طوى الى آخر الحديث عن (5/150)
محمد بن اسحاق المسيبي عن أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر فذكره وقد رواه الامام احمد بطوله عن أبي قرة موسى بن طارق عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر به نحوه وهذه الأماكن لا يعرف اليوم كثيرا منها أو أكثرها لأنه قد غير أسماء أكثر هذه البقاع اليوم عند هؤلاء الأعراب الذين هناك فان الجهل قد غلب على أكثرهم وانما أوردها البخاري رحمه الله في كتابه لعل أحدا يهتدي اليها بالتأمل والتفرس والتوسم أو لعل أكثرها أو كثيرا منها كان معلوما في زمان البخاري والله تعالى أعلم باب
دخول النبي صلى الله عليه و سلم الى مكة شرفها الله عز و جل
قال البخاري حدثنا مسدد ثنا يحيى بن عبد الله حدثني نافع عن ابن عمر قال بات النبي صلى الله عليه و سلم بذي طوى حتى أصبح ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله ورواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به وزاد حتى صلى الصبح أو قال حتى أصبح وقال مسلم ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه فعله ورواه البخاري من حديث حماد بن زيد عن أيوب به ولهما من طريق أخرى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى وذكره وتقدم آنفا ما أخرجاه من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبيت بذي طوى حتى يصبح فيصلي الصبح حين يقدم مكة ومصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عند أكمة غليظة وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة فجعل المسجد الذي بنى ثم يسار المسجد بطرف الأكمة ومصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أسفل منه على الأكمة السوداء يدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها ثم يصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة أخرجاه في الصحيحين وحاصل هذا كله أنه عليه السلام لما انتهى في مسيره إلى ذي طوى وهو قريب من مكة متاخم للحرم أمسك عن التلبية لأنه قد وصل الى المقصود وبات بذلك المكان حتى أصبح فصلى هنالك الصبح في المكان الذي وصفوه بين فرضتي الجبل الطويل هنالك ومن تأمل هذه الأماكن المشار اليها بعين البصيرة عرفها معرفة جيدة وتعين له المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم اغتسل صلوات الله وسلامه عليه لأجل دخول مكة ثم ركب ودخلها نهارا جهرة علانية من الثنية العليا التي بالبطحاء ويقال كذا ليراه الناس ويشرف عليهم وكذلك دخل منها يوم الفتح كما ذكرناه قال مالك عن نافع عن (5/151)
ابن عمر إن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى أخرجاه في الصحيحين من حديثه ولهما من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة من الثنية العليا التي في البطحاء وخرج من الثنية السفلى ولهما أيضا من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مثل ذلك ولما وقع بصره عليه السلام على البيت قال ما رواه الشافعي في مسنده أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه و سلم كان اذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه فمن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا قال الحافظ البيهقي هذا منقطع وله شاهد مرسل عن سفيان الثوري عن ابي سعيد الشامي عن مكحول قال كان النبي صلى الله عليه و سلم اذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا وزد من حجه أو اعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا وقال الشافعي أنبأنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال حدثت عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ترفع الأيدي في الصلاة واذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت قال الحافظ البيهقي وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وعن نافع عن ابن عمر مرة موقوفا عليهما ومرة مرفوعا الى النبي صلى الله عليه و سلم دون ذكر الميت قال وابن ابي ليلى هذا غير قوي ثم أنه عليه السلام دحل المسجد من باب بني شيبة قال الحافظ البيهقي روينا عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال يدخل المحرم من حيث شاء قال ودخل النبي صلى الله عليه و سلم من باب بني شيبة وخرج من باب بني مخزوم الى الصفا ثم قال البيهقي وهذا مرسل جيد وقد استدل البيهقي على استحباب دخول المسجد من باب بني شيبة بما رواه من طريق أبي داود الطيالسي ثنا حماد بن سلمة وقيس بن سلام كلهم عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي رضي الله عنه قال لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش فلما أرادوا وضع الحجر تشاجروا من يضعه فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم من باب بني شيبة فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل فخذ أن يأخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعه وقد ذكرنا هذا مبسوطا في باب بناء الكعبة قبل البعثة وفي الاستدلال على استحباب الدخول من باب بني شيبة بهذا نظر والله أعلم
صفة طوافه صلوات الله وسلامه عليه
قال البخاري حدثنا أصبغ بن الفرج عن ابن وهب أخبرني عمرو بن محمد عن محمد بن عبد الرحمن قال ذكرت لعروة قال أخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه و سلم أنه (5/152)
توضأ ثم طاف ثم لم تكن عمرة ثم حج أبو بكر وعمر مثله ثم حججت مع أبي الزبير فأول شيء بدأ به الطواف ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلونه وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا هذا لفظه وقد رواه في موضع آخر عن احمد بن عيسى ومسلم عن هارون بن سعيد ثلاثتهم عن ابن وهب به وقولها ثم لم تكن عمرة يدل على أنه عليه السلام لم يتحلل بين النسكين ثم كان أول ما ابتدأ به عليه السلام استلام الحجر الأسود قبل الطواف كما قال جابر حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا وقال البخاري ثنا محمد ابن كثير ثنا سفيان عن الأعمش عن ابراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي نمير جميعا عن أبي معاوية عن الأعمش عن ابراهيم عن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر يقبل الحجر ويقول إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك وقال الامام احمد حدثنا محمد بن عبيد وأبو معاوية قالا حدثنا الأعمش عن ابراهيم بن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر أتى الحجر فقال أما والله لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك ثم دنا فقبله فهذا السياق يقتضي أنه قال ما قال ثم قبله بعد ذلك بخلاف سياق صاحبي الصحيح فالله أعلم وقال احمد ثنا وكيع ويحيى واللفظ لوكيع عن هشام عن أبيه أن عمر بن الخطاب أتى الحجر فقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك وقال ثم قبله وهذا منقطع بين عروة بن الزبير وبين عمر وقال البخاري أيضا ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرني زيد بن اسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال للركن أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم استلمك ما استلمتك فاستلمه ثم قال وما لنا والرمل إنما كنا راءينا به المشركين ولقد أهلكهم الله ثم قال شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا نحب أن نتركه وهذا يدل على أن الاستلام تأخر عن القول وقال البخاري ثنا احمد بن سنان ثنا يزيد بن هارون ثنا ورقاء ثنا زيد بن أسلم عن أبيه قال رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك وقال مسلم بن الحجاج ثنا حرملة ثنا ابن وهب أخبرني يونس هو ابن يزيد الأيلي وعمرو هو ابن دينار وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن شهاب عن سالم أن أباه حدثه أنه قال قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال أما والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك زاد هارون في روايته قال عمرو وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه أسلم يعني (5/153)
عن عمر به وهذا صريح في أن التقبيل يقدم على القول فالله أعلم وقال الامام احمد ثنا عبد الرزاق أنبأنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر ثم قال قد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلك ما قبلتك هكذا رواه الامام احمد وقد أخرجه مسلم في صحيحه عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر وقال إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ثم قال مسلم ثنا خلف ابن هشام والمقدمي وأبو كامل وقتيبة كلهم عن حماد قال خلف ثنا حماد بن زيد عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال رأيت الأصلع يعني عمر يقبل الحجر ويقول والله إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك وفي رواية المقدمي وأبي كامل رأيت الأصلع وهذا من أفراد مسلم دون البخاري وقد رواه الامام احمد عن أبي معاوية عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس به ورواه احمد أيضا عن غندر عن شعبة عن عاصم الأحول به وقال الامام احمد ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن ابراهيم ابن عبد الاعلى عن سويد بن غفلة قال رأيت عمر يقبل الحجر ويقول إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولكني رأيت أبا القاسم صلى الله عليه و سلم بك حفيا ثم رواه احمد عن وكيع عن سفيان الثوري به وزاد فقبله والتزمه وهكذا رواه مسلم من حديث عبد الرحمن بن مهدي بلا زيادة ومن حديث وكيع بهذه الزيادة قبل الحجر والتزمه وقال رأيت رسول الله بك حفيا وقال الامام احمد ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عب الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن عمر ابن الخطاب أكب على الركن وقال إني لأعلم أنك حجر ولو لم ار حبيبي صلى الله عليه و سلم قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وهذا اسناد جيد قوي ولم يخرجوه وقال أبو داود الطيالسي ثنا جعفر بن عثمان القرشي من أهل مكة قال رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ثم قال رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه وقال ابن عباس رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه ثم قال عمر لو لم أر النبي صلى الله عليه و سلم قبله ما قبلته وهذا أيضا إسناد حسن ولم يخرجه إلا النسائي عن عمرة بن عثمان عن الوليد بن مسلم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس عن ابن عباس عن عمر فذكر نحوه وقد روى هذا الحديث عن عمر الامام احمد أيضا من حديث يعلى بن أمية عنه وأبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق هشام بن حشيش بن الأشقر عن عمر وقد أوردنا ذلك كله بطرقه وألفاظه وعزوه وعلله في الكتاب الذي جمعناه في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولله الحمد والمنة وبالجملة فهذا الحديث مروي من طرق (5/154)
متعددة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي تفيد القطع عند كثر من أئمة هذا الشأن وليس في هذه الروايات أنه عليه السلام سجد على الحجر إلا ما أشعر به رواية أبي داود الطيالسي عن جعفر بن عثمان وليست صريحة في الرفع ولكن رواه الحافظ البيهقي من طريق أبي عاصم النبيل ثنا جعفر بن عبد الله قال رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ثم قال رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه وقال ابن عباس رأيت عمر قبله وسجد عليه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل هكذا ففعلت وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو الحسن علي بن احمد بن عبدان أنبأنا الطبراني أنبأنا أبو الزنباع ثنا يحيى بن سليمان الجعفي ثنا يحيى بن يمان ثنا سفيان بن أبي حسين عن عكرمة عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم سجد على الحجر قال الطبراني لم يروه عن سفيان إلا يحيى بن يمان وقال البخاري ثنا مسدد ثنا حماد عن الزبير ابن عربي قال سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمه ويقبله قال أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت قال اجعل أرأيت باليمن رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمه ويقبله تفرد به دون مسلم وقال البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال ما تركت استلام هذين الركنين في شدة ولا رخاء منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمها فقلت لنافع أكان ابن عمر يمشي بين الركنين قال إنما كان يمشي ليكون أيسر لاستلامه وروى أبو داود والنسائي من حديث يحيى بن سعيد القطان عن عبد العزيز بن ابي رواد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفه وقال البخاري ثنا أبو الوليد ثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال لم ار النبي صلى الله عليه و سلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وقتيبة عن الليث بن سعد به وفي رواية عنه أنه قال ما أرى النبي صلى الله عليه و سلم ترك استلام الركنين الشاميين إلا أنهما لم يتمما على قواعد ابراهيم وقال البخاري وقال محمد بن بكر أنبأنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه قال ومن يتقي شيئا من البيت وكان معاوية يستلم الاركان فقال له ابن عباس إنه لا يستلم هذان الركنان فقال له ليس من البيت شيء مهجورا وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن انفرد بروايته البخاري رحمه الله تعالى وقال مسلم في صحيحه حدثني أبو الطاهر ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة بن دعامة حدثه أن أبا الطفيل البكري حدثه أنه سمع ابن عباس يقول لم ار رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلم غير الركنين اليمانيين انفرد به مسلم فالذي رواه ابن عمر موافق لما قاله ابن عباس أنه لا يستلم الركنان الشاميان لأنهما لم يتمما على قواعد ابراهيم لأن قريشا قصرت بهم النفقة فأخرجوا الحجر من البيت حين بنوه كما تقدم بيانه وود النبي صلى الله عليه و سلم أن لو بناه فتممه على قواعد ابراهيم (5/155)
ولكن خشي من حداثة عهد الناس بالجاهلية فتنكره قلوبهم فلما كانت إمرة عبد الله بن الزبير هدم الكعبة وبناها على ما أشار اليه صلى الله عليه و سلم كما أخبرته خالته أم المؤمنين عائشة بنت الصديق فان كان ابن الزبير استلم الأركان كلها بعد بنائه إياها على قواعد ابراهيم فحسن جدا وهو والله المظنون به وقال أبو داود ثنا مسدد ثنا يحيى عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوافه ورواه النسائي عن محمد بن المثنى عن يحيى وقال النسائي ثنا يعقوب بن ابراهيم الدورقي ثنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن عبد الله بن السائب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بين الركن اليماني والحجر ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ورواه أبو داود عن مسدد عن عيسى بن يونس عن ابن جريج به وقال الترمذي ثنا محمود بن غيلان ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم مكة دخل المسجد فاستلم الحجر ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم أتى المقام فقال اتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت ثم أتى الحجر بعد الركعتين فاستلمه ثم خرج إلى الصفا أظنه قال إن الصفا والمروة من شعائر الله هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم وهكذا رواه اسحاق بن راهويه عن يحيى بن آدم ورواه الطبراني عن النسائي وغيره عن عبد الاعلى بن واصل عن يحيى بن آدم به
ذكره رمله عليه السلام في طوافه واضطباعه
قال البخاري حدثنا أصبغ بن الفرج أخبرني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يخب ثلاثة أشواط من السبع ورواه مسلم عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة كلاهما عن ابن وهب به وقال البخاري ثنا محمد بن سلام ثنا شريح بن النعمان ثنا فليح عن نافع عن ابن عمر قال سعى النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثة اشواط ومشى أربعة في الحج والعمرة تابعه الليث حدثني كثير بن فرقد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم انفرد به البخاري وقد روى النسائي عن محمد وعبد الرحمن ابني عبد الله بن عبد الحكم كلاهما عن شعيب بن الليث عن أبيه الليث بن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع عن ابن عمر به وقال البخاري ثنا ابراهيم بن المنذر ثنا أبو ضمرة أنس بن عياض ثنا موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان اذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف ومشى اربعة ثم سجد سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة وقال البخاري ثنا ابراهيم بن المنذر ثنا أنس عن عبيد الله بن عمر عن (5/156)
نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول يخب ثلاثة أطواف ويمشي أربعة وأنه كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة ورواه مسلم من حديث عبيد الله بن عمر قال مسلم أنبأنا عبد الله بن عمر بن ابان الجعفي أنبأنا ابن المبارك أنبأنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال رمل رسول الله صلى الله عليه و سلم من الحجر الى الحجر ثلاثا ومشى أربعا ثم رواه من حديث سليم بن أخضر عن عبيد الله بنحوه وقال مسلم أيضا حدثني أبو طاهر حدثني عبد الله ابن وهب أخبرني مالك وابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رمل ثلاثة اشواط من الحجر الى الحجر وقال عمر بن الخطاب فيم الرملان والكشف عن المناكب وقد أطد الله الاسلام ونفى الكفر ومع ذلك لا نترك شيئا كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه احمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي من حديث هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن أبيه عنه وهكذا كله رد على ابن عباس ومن تابعه من أن المرسل ليس بسنة لأن رسول الله إنما فعله لما قدم هو وأصحابه صبيحة رابعة يعني في عمرة القضاء وقال المشركون إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعهم أن يرملوا الاشواط كلها إلا خشية الابقاء عليهم وهذا ثابت عنه في الصحيحين وتصريحه لعذر سببه في صحيح مسلم أظهر فكان ابن عباس ينكر وقوع الرمل في حجة الوداع وقد صح بالنقل الثابت كما تقدم بل فيه زيادة تكميل الرمل من الحجر الى الحجر ولم يمش ما بين الركنين اليمانيين لزوال تلك العلة المشار اليها وهي الضعف وقد ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس أنهم رملوا في عمرة الجعرانة واضطبعوا وهو رد عليه فإن عمرة الجعرانة لم يبق في ايامها خوف لأنها بعد الفتح كما تقدم رواه حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت واضطبعوا ووضعوا أرديتهم تحت آباطهم وعلى عواتقهم ورواه أبو داود من حديث حماد بنحوه ومن حديث عبد الله بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس به فأما الاضطباع في حجة الوداع فقد قال قبيصة والفريابى عن خثيم عن أبى الطفيل عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن يعلى بن أمية عن أمية قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالبيت مضطبعا رواه الترمذي من حديث الثوري وقال حسن صحيح وقال أبو داود ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن يعلى عن أبيه قال طاف رسول الله مضطبعا برداء أخضر وهكذا رواه الامام احمد عن وكيع عن الثوري عن ابن جريج عن ابن يعلى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له أخضر (5/157)
وقال جابر في حديثه المتقدم حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم الى مقام ابراهيم فقرا واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فذكر أنه صلى ركعتين قرأ فيهما قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون فان قيل فهل كان عليه السلام في هذا الطواف راكبا أو ماشيا فالجواب أنه قد ورد نقلان قد يظن أنهما متعارضان ونحن نذكرهما ونشير إلى التوفيق بينهما ورفع اللبس عند من يتوهم فيهما تعارضا وبالله التوفيق وعليه الاستعانة وهو حسبنا ونعم الوكيل قال البخاري رحمه الله حدثنا احمد بن صالح ويحيى بن سليمان قالا ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال طاف النبي صلى الله عليه و سلم على بعيره في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن ابن وهب قال البخاري تابعه الدراوردي عن ابن أخي الزهري عن عمه وهذه المتابعة غريبة جدا وقال البخاري ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب ثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال طاف النبي صلى الله عليه و سلم بالبيت على بعير كلما أتى الركن أشار اليه وقد رواه الترمذي من حديث عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وعبد الوارث كلاهما عن خالد بن مهران الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم على راحلته فإذا انتهى إلى الركن أشار اليه وقال حسن صحيح ثم قال البخاري ثنا مسدد ثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال طاف النبي صلى الله عليه و سلم بالبيت على بعير فلما أتى الركن اشار اليه بشيء كان عنده وكبر تابعه ابراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء به وروى مسلم عن الحكم بن موسى عن شعيب بن اسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن كراهية أن يضرب عنه الناس فهذا إثبات أنه عليه السلام طاف في حجة الوداع على بعير ولكن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف الأول طواف القدوم والثاني طواف الافاضة وهو طواف الفرض وكان يوم النحر والثالث طواف الوداع فلعل ركوبه صلى الله عليه و سلم كان في أحد الآخرين أو في كليهما فأما الأول وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه وقد نص الشافعي على هذا كله والله أعلم وأحكم والدليل على ذلك ما قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه السنن الكبير أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى ثنا الفضل بن محمد بن المسيب ثنا نعيم بن حماد ثنا عيسى بن يونس عن محمد بن اسحاق هو ابن يسار رحمه الله عن أبي جعفر وهو محمد بن علي ابن الحسين عن جابر بن عبد الله قال دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى فأتى النبي صلى الله عليه و سلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء ثم رمل ثلاثا ومشى (5/158)
أربعا حتى فرغ فلما فرغ قبل الحجر ووضع يده عليه ومسح بهما وجهه وهذا إسناد جيد فأما ما رواه أبو داود حدثنا مسدد ثنا خالد بن عبد الله ثنا يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته فلما أتى على الركن استلمه بمحجن فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف ثم لم يذكر أنه في حجة الوداع ولا ذكر أنه في الطواف الأول من حجة الوداع ولم يذكر ابن عباس في الحديث الصحيح عنه عند مسلم وكذا جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم ركب في طوافه لضعفه وإنما ذكر لكثرة الناس وغشيانهم له وكان لا يحب أن يضربوا بين يديه كما سيأتي تقريره قريبا إن شاء الله ثم هذا التقبيل الثاني الذي ذكره ابن اسحاق في روايته بعد الطواف وبعد ركعتيه أيضا ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر قال فيه بعد ذكر صلاة ركعتي الطواف ثم رجع إلى الركن فاستلمه وقد قال مسلم بن الحاج في صحيحه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير جميعا عن أبي خالد قال أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر عن عبيد الله عن نافع قال رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبل يده قال وما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله فهذا يحتمل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض الطوافات أو في آخر استلام فعل هذا لما ذكرنا أو أن ابن عمر لم يصل الى الحجر لضعف كان به أو لئلا يزاحم غيره فيحصل لغيره أذى به وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لوالده ما رواه احمد في مسنده حدثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي يعفور العبدي قال سمعت شيخا بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر وهذا إسناد جيد لكن راويه عن عمر مبهم لم يسم والظاهر أنه ثقة جليل فقد رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن أبي يعفور العبدي واسمه وقدان سمعت رجلا من خزاعة حين قتل ابن الزبير وكان أميرا على مكة يقول قال رسول الله لعمر يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم على الركن فإنك تؤذي الضعيف ولكن إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فكبر وامض قال سفيان بن عيينة هو عبد الرحمن بن الحارث كان الحجاج استعمله عليها منصرفه منها حين قتل ابن الزبير قلت وقد كان عبد الرحمن هذا جليلا نبيلا كبير القدر وكان أحد النفر الأربعة الذين ندبهم عثمان بن عفان في كتابة المصاحف التي نفذها إلى الآفاق ووقع ما فعله الاجماع والاتفاق
ذكر طوافه صلى الله عليه و سلم بين الصفا والمروة
روى مسلم في صحيحه عن جابر في حديثه الطويل المتقدم بعد ذكره طوافه عليه السلام بالبيت سبعا وصلاته عند المقام ركعتين قال ثم رجع الى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب الى الصفا فلما (5/159)
دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل حتى اذا انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقي عليها حتى نظر الى البيت فقال عليها كما قال على الصفا وقال الامام احمد ثنا عمر ابن هارون البلخي أبو حفص ثنا ابن جريج عن بعض بني يعلى بن أمية عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد له نجراني وقال الامام احمد ثنا يونس ثنا عبد الله بن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن ثنا عطية عن حبيبة بنت أبي تجزأة قالت دخلت دار حصين في نسوة من قريش والنبي صلى الله عليه و سلم يطوف بين الصفا والمروة قالت وهو يسعى يدور به إزاره من شدة السعي وهو يقول لأصحابه اسعوا إن الله كتب عليكم السعي وقال احمد أيضا ثنا شريح ثنا عبد الله ابن المؤمل ثنا عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجزأة قالت رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يكور به إزاره وهو يقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي تفرد به أحمد وقد رواه احمد أيضا عن عبد الرزاق عن معمر عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه و سلم بين الصفا والمروة قول كتب عليكم السعي فاسعوا وهذه المرأة هي حبيبة بنت أبي تجزأة المصرح بذكرها في الاسنادين الأولين وعن أم ولد شيبة بن عثمان أنها أبصرت النبي صلى الله عليه و سلم وهو يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول لا يقطع الأبطح الأسدا رواه النسائي والمراد بالسعي هاهنا هو الذهاب من الصفا الى اولمروة ومنها اليها وليس المراد بالسعي ههنا الهرولة والاسراع فإن الله لم يكتبه علينا حتما بل لو مشى الانسان على هينة في السبع الطوافات بينهما ولم يرمل في المسيل أجزأه ذلك عند جماعة العلماء لا نعرف بينهم اختلافا في ذلك وقد نقله الترمذي رحمه الله عن أهل العلم ثم قال ثنا يوسف بن عيسى ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن كثير بن جهمان قال رأيت ابن عمر يمشي في المسعى فقلت فقلت أتمشي في السعي بين الصفا والمروة فقال لئن سعيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يسعى ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي وأنا شيخ كبير ثم قال هذا حديث حسن صحيح وقد روى سعيد ابن جبير عن ابن عباس نحو هذا وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عطاء بن السائب عن كثير بن جهمان السلمي الكوفي عن ابن عمر فقول ابن عمر إنه شاهد الحالين منه صلى الله عليه و سلم (5/160)
يحتمل شيئين أحدهما أنه رآه يسعى في وقت ماشيا لم يمزجه برمل فيه بالكلية والثاني أنه رآه يسعى في بعض الطريق ويمشي في بعضه وهذا له قوة لأنه قد روى البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسعى بطن المسيل اذا طاف بين الصفا والمروة وتقدم في حديث جابر أنه عليه السلام نزل من الصفا فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة وهذا هو الذي تستحبه العلماء قاطبة أن الساعي بين الصفا والمروة وتقدم في حديث جابر يستحب له أن يرمل في بطن الوادي في كل طوافه في بطن المسيل الذي بينهما وحددوا ذلك بما بين الأميال الخضر فواحد مفرد من ناحية الصفا مما يلي المسجد واثنان مجتمعان من ناحية المروة مما يلي المسجد ايضا وقال بعض العلماء ما بين هذه الأميال اليوم أوسع من بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم فالله أعلم وأما قول محمد بن حزم في الكتاب الذي جمعه في حجة الوداع ثم خرج عليه السلام إلى الصفا فقرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به فطاف بين الصفا والمروة أيضا سبعا راكبا على بعير يخب ثلاثا ويمشي أربعا فانه لم يتابع على هذا القول ولم يتفوه به أحد قبله من أنه عليه السلام خب ثلاثة اشواط بين الصفا والمروة ومشى اربعا ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر عليه دليلا بالكلية بل لما انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال ولم نجد عدد الرمل بين الصفا والمروة منصوصا ولكنه متفق عليه هذا لفظه فان أراد بأن الرمل في الثلاث التطوافات الاول على ما ذكر متفق عليه فليس بصحيح بل لم يقله أحد وان اراد أن الرمل في الثلاث الاول في الجملة متفق عليه فلا يجدي له شيئا ولا يحصل له شيئا مقصودا فانهم كما اتفقوا على الرمل في الثلاث الاول في بعضها على ما ذكرناه كذلك اتفقوا على استحبابه في الأربع الاخر ايضا فتخصيص ابن حزم الثلاث الأول باستحباب الرمل فيها مخالف لما ذكره العلماء والله اعلم وأما قول ابن حزم انه عليه السلام كان راكبا بين الصفا والمروة فقد تقدم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسعى بطن المسيل اخرجاه وللترمذي عنه إن أسعى فقد رأيت رسول الله يسعى وإن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشي وقال جابر فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى اذا صعد مشى رواه مسلم وقالت حبيبة بنت أبي مجزأة يسعى يدور به ازاره من شدة الشعي رواه احمد وفي صحيح مسلم عن جابر كما تقدم أنه رقي على الصفا حتى رأى البيت وكذلك على المروة وقد قدمنا من حديث محمد بن اسحاق عن أبي جعفر الباقر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أناخ بعيره على باب المسجد يعني حتى طاف ثم لم يذكر أنه ركبه حال ما خرج الى الصفا وهذا كله مما يقتضي أنه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة ماشيا ولكن قال مسلم ثنا عبد بن حميد ثنا محمد يعني ابن بكر انا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول طاف (5/161)
النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة على بعير ليراه الناس وليشرف وليسألوه فان الناس غشوه ولم يطف النبي صلى الله عليه و سلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة الا طوافا واحدا ورواه مسلم أيضا عن ابي بكر بن ابي شيبة عن علي بن مسهر وعن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس وعن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد كلهم عن ابن جريج به وليس في بعضها وبين الصفا والمروة وقد رواه أبو داود عن احمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول طاف النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ورواه النسائي عن الفلاس عن يحيى وعن عمران بن يزيد عن سعيد بن اسحاق كلاهما عن ابن جريج به فهذا محفوظ من حديث ابن جريج وهو مشكل جدا لأن بقية الروايات عن جابر وغيره تدل على أنه عليه السلام كان ماشيا بين الصفا والمروة وقد تكون رواية أبي الزبير لهذه الزيادة وهي قوله وبين الصفا والمروة مقحمة أو مدرجة ممن بعد الصحابي والله أعلم أو أنه عليه السلام طاف بين الصفا والمروة بعض الطوفان على قدميه وشوهد منه ما ذكر فلما ازدحم الناس عليه وكثروا ركب كما يدل عليه حديث ابن عباس الآتي قريبا وقد سلم ابن حزم أن طوافه الأول بالبيت كان ماشيا وحمل ركوبه في الطواف على ما بعد ذلك وادعى أنه كان راكبا في السعي بين الصفا والمروة قال لأنه لم يطف بينهما الا مرة واحدة ثم تأول قول جابر حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل بأنه لم يصدق ذلك وان كان راكبا فانه اذا انصب بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه مع سائر جسده قال وكذلك ذكر الرمل يعني به رمل الدابة براكبها وهذا التأويل بعيد جدا والله أعلم وقال أبو داود ثنا أبو سلمة موسى ثنا حماد أنبأنا أبو عاصم الغنوي عن أبي الطفيل قال قلت لابن عباس يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد رمل بالبيت وأن ذلك من سنته قال صدقوا وكذبوا فقلت ما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا رمل رسول الله وكذبوا ليس بسنة ان قريشا قالت زمن الحديبية دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوه على أن يحجوا العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة ايام فقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم والمشركون من قبل قعيقعان فقال رسول الله لأصحابه ارملوا بالبيت ثلاثا وليس بسنة قالت يزعم قومك أن رسول الله طاف بين الصفا والمروة على بعير وأن ذلك سنة قال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا قد طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الصفا والمروة على بعير وكذبوا ليست بسنة كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يصرفون عنه فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه ولا تناله أيديهم هكذا رواه أبو داود وقد رواه مسلم عن ابي كامل عن عبد الواحد بن زياد عن الجريري عن ابي الطفيل عن ابن عباس فذكر فضل الطواف بالبيت بنحو ما تقدم ثم قال قلت لابن عباس (5/162)
أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا أسنة هو فإن قومك يزعمون أنه سنة قال صدقوا وكذبوا قلت فما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه الناس ركب قال ابن عباس والمشي والسعي أفضل هذا لفظ مسلم وهو يقتضي أنه إنما ركب في اثناء الحال وبه يحصل الجمع بين الأحاديث والله اعلم وأما ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال ثنا محمد بن رافع ثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن عبد الملك بن سعيد عن أبي الطفيل قال قلت لابن عباس أراني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فصفه لي قلت رأيته عند المروة على ناقة وقد كثر الناس عليه فقال ابن عباس ذاك رسول الله صلى الله عليه و سلم إنهم كانوا لا يضربون عنه ولا يكرهون فقد تفرد به مسلم وليس فيه دلالة على انه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة راكبا إذا لم يقيد ذلك بحجة الوداع ولا غيرها وبتقدير أن يكون ذلك في حجة الوداع فمن الجائز أنه عليه السلام بعد فراغه من السعي وجلوسه على المروة وخطبته الناس وأمره إياهم من لم يسق الهدي منهم أن يفسخ الحج إلى العمرة فحل الناس كلهم إلا من ساق الهدي كما تقدم في حديث جابر ثم بعد هذا كله أتى بناقته فركبها وسار الى منزله بالأبطح كما سنذكره قريبا وحينئذ رآه أبو الطفيل عامر بن واثلة البكري وهو معدود في صغار الصحابة قلت قد ذهب طائفة من العراقيين كأبي حنيفة وأصحابه والثوري الى أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين وهو مروي عن علي وابن مسعود ومجاهد والشعبي ولهم أن يحتجوا بحديث جابر الطويل ودلالة على أنه سعى بين الصفا والمروة ماشيا وحديثه هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم سعى بينهما راكبا على تعداد الطواف بينهما مرة ماشيا ومرة راكبا وقد روى سعيد بن منصور في سند عن علي رضي الله عنه أنه أهل بحجة وعمرة فلما قدم مكة طاف بالبيت وبالصفا والمروة لعمرته ثم عاد فطاف بالبيت وبالصفا والمروة لحجته ثم اقام حراما الى يوم النحر هذا لفظه ورواه أبو ذر الهروي في مناسكه عن علي أنه جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل وكذلك رواه البيهقي والدارقطني والنسائي في خصائص علي فقال البيهقي في سننه أنبانا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنبأنا علي بن عمر الحافظ أنبانا أبو محمد بن صاعد ثنا محمد بن زنبور ثنا فضيل بن عياض عن منصور عن ابراهيم عن مالك بن الحارث أو منصور عن مالك بن الحارث عن أبي نصر قال لقيت عليا وقد أهللت بالحج وأهل هو بالحج والعمرة فقلت هل أستطيع أن أفعل كما فعلت قال ذلك لو كنت بدأت بالعمرة قلت كيف أفعل إذا أردت ذلك قال تأخذ إداوة من ماء فتفيضها عليك ثم تهل بهما جميعا ثم تطوف لهما طوافين وتسعى لهما سعيين ولا يحل لك حرام دون يوم النحر قال منصور فذكرت ذلك لمجاهد قال ما كنا نفيء إلا بطواف واحد فأما الآن (5/163)
فلا نفعل قال الحافظ البيهقي وقد رواه سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وشعبة عن منصور فلم يذكر فيه السعي قال وأبو نصر هذا مجهول وإن صح فيحتمل أنه أراد طواف القدوم وطواف الزيارة قال وقد روى بأسانيد أخر عن علي مرفوعا وموقوفا ومدارها على الحسن بن عمارة وحفص ابن أبي داود وعيسى بن عبد الله وحماد بن عبد الرحمن وكلهم ضعيف لا يحتج بشيء مما رووه في ذلك والله أعلم قلت والمنقول في الأحاديث الصحاح خلاف ذلك فقد قدمنا عن ابن عمر في صحيح البخاري أنه أهل بعمرة وأدخل عليها الحج فصار قارنا وطاف لهما طوافا واحدا بين الحج والعمرة وقال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روى الترمذي وابن ماجه والبيهقي من حديث الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من جمع بين الحج والعمرة طاف لهما طوافا واحدا وسعى لهما سعيا واحدا قال الترمذي وهذا حديث حسن غريب قلت اسناده على شرط مسلم وهكذا جرى لعائشة أم المؤمنين فإنها كانت ممن أهل بعمرة لعدم سوق الهدي معها فلما حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تغتسل وتهل بحج مع عمرتها فصارت قارنة فلما رجعوا من منى طلبت أن يعمرها بعد الحج فأعمرها تطييبا لقلبها كما جاء مصرحا به في الحديث وقد قال الامام أبو عبد الله الشافعي أنبأنا مسلم هو ابن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله قال لعائشة طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك وهذا ظاهره الارسال وهو مسند في المعنى بدليل ما قال الشافعي أيضا أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الشافعي وربما قال سفيان عن عطاء عن عائشة وربما قال عن عطاء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعائشة فذكره قال الحافظ البيهقي ورواه ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة موصولا وقد رواه مسلم من حديث وهيب عن ابن طاوس عن ابن عباس عن أبيه عن عائشة بمثله وروى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول دخل رسول الله على عائشة وهي تبكي فقال مالك تبكين قالت أبكي إن الناس حلوا ولم أحل وطافوا بالبيت ولم أطف وهذا الحج قد حضر قال إن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي وأهلي بحج قالت ففعلت ذلك فلما طهرت قال طوفي بالبيت وبين الصفا والمروة ثم قد حللت من حجك وعمرتك قالت يا رسول الله اني أجد في نفسي من عمرتي أني لم أكن طفت حتى حججت قال اذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وله من حديث ابن جريج أيضا أخبرني أبو الزبير سمعت جابرا قال لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا وعند أصحاب أبي حنيفة رحمه الله أن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه الذين ساقوا الهدي كانوا قد قرنوا بين الحج والعمرة كما دل عليه الأحاديث المتقدمة والله أعلم وقال الشافعي أنبأنا ابراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال في القارن يطوف طوافين (5/164)
ويسعى سعيين قال الشافعي وقال بعض الناس طوافان وسعيان واحتج فيه برواية ضعيفة عن علي قال جعفر يروى عن علي قولنا رويناه عن النبي صلى الله عليه و سلم لكن قال أبو داود ثنا هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع قالا ثنا أبو عاصم عن معروف يعني ابن خربوذ المكي حدثنا أبو الطفيل قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن اليماني بمحجن ثم يقبله زاد محمد بن رافع ثم خرج الى الصفا والمروة فطاف سبعا على راحلته وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي داود الطيالسي عن معروف بن خربوذ به دون الزيادة التي ذكرها محمد بن رافع وكذلك رواه عبيد الله بن موسى عن معروف بدونها ورواه الحافظ البيهقي عن أبي سعيد بن ابي عمرو عن الاصم عن يحيى بن أبي طالب عن يزيد بن أبي حكيم عن يزيد بن مالك عن أبي الطفيل بدونها فالله أعلم وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو بكر بن الحسن وأبو زكريا بن أبي اسحاق قالا ثنا أبو جعفر محمد بن علي بن رحيم ثنا أحمد بن حازم أنبأنا عبيد الله بن موسى وجعفر بن عون قالا أنبأنا أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله ابن عمار قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يسعى بين الصفا والمروة على بعير لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك وقال البيهقي كذا قالا وقد رواه جماعة غير أيمن فقالوا يرمي الجمرة يوم النحر قال ويحتمل أن يكونا صحيحين قلت رواه الإمام أحمد في مسنده عن وكيع وقران بن تمام وأبي قرة موسى بن طارف قاضي أهل اليمن وأبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري ومعتمر بن سليمان عن ايمن بن نابل الحبشي أبي عمران المكي نزيل عسقلان مولى أبي بكر الصديق وهو ثقة جليل من رجال البخاري عن قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يرمي الجمرة يوم النحر من بطن الوادي على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك وهكذا رواه الترمذي عن احمد بن منيع عن مروان بن معاوية وأخرجه النسائي عن اسحاق بن راهويه وابن ماجه عن ابي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن وكيع كلاهما عن أيمن بن نابل عن قدامة كما رواه الامام احمد وقال الترمذي حسن صحيح فصل
قال جابر في حديثه حتى إذا كان آخر طوافه عند المروة قال إني لو استقبلت عن أمرى ما استدبرت لم اسق الهدي رواه مسلم ففيه دلالة على من ذهب الى أن السعي بين الصفا والمروة أربعة عشر كل ذهاب وإياب يحسب مرة قاله جماعة من أكابر الشافعية وهذا الحديث رد عليهم لأن آخر الطواف عن قولهم يكون عند الصفا لا عند المروة ولهذا قال أحمد في روايته في حديث جابر فما كان السابع عند المروة قال أيها الناس إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحل ويجعلها عمرة فحل الناس كلهم وقال مسلم فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه و سلم ومن كان معه هدي (5/165)
فصل
روى أمره عليه السلام لمن لم يسق الهدي بفسخ الحج الى العمرة خلق من الصحابة يطول ذكرنا لهم هاهنا وموضع سرد ذلك كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي كان ذلك من خصائص الصحابة ثم نسخ جواز الفسخ لغيرهم وتمسكوا بقول أبي ذر رضي الله عنه لم يكن فسخ الحج الى العمرة إلا لأصحاب محمد صلى الله عليه و سلم رواه مسلم وأما الامام احمد فرد ذلك وقال قد رواه أحد عشر صحابيا فأين تقع هذه الرواية من ذلك وذهب رحمه الله الى جواز الفسخ لغير الصحابة وقال ابن عباس رضي الله عنهما بوجوب الفسخ على كل من لم يسق الهدي بل عنده أنه يحل شرعا اذا طاف بالبيت ولم يكن ساق هديا صار حلالا بمجرد ذلك وليس عنه النسك إلا القران لمن ساق الهدي أو التمتع لمن لم يسق فالله أعلم قال البخاري ثنا أبو النعمان ثنا حماد بن زيد عن عبد الملك بن جريج عن عطاء عن جابر وعن طاوس عن ابن عباس قالا قدم النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه صبح رابعة من ذي الحجة يهلون بالحج لا يخلطه شيء فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة وأن نحل الى نسائنا ففشت تلك المقالة قال عطاء قال جابر فيروح أحدنا الى منى وذكره يقطر منيا قال جابر بكفه فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقال بلغني أن قوما يقولون كذا وكذا والله لأنا أبر وأتقى لله منهم ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت فقام سراقة بن جعشم فقال يا رسول الله هي لنا أو للأبد فقال بل للأبد قال مسلم ثنا قتيبة ثنا الليث هو ابن سعد سعد عن أبي الزبير عن جابر أنه قال أقبلنا مهلين مع رسول الله بحج مفرد وأقبلت عائشة بعمرة حتى اذا كنا بسرف عركت حتى اذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة وأمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي قال فقلنا حل ماذا قال الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال فهذان الحديثان فيهما التصريح بأنه عليه السلام قدم مكة عام حجة الوداع ليصبح رابعة ذي الحجة وذلك يوم الأحد حين ارتفع النهار وقت الضحاء لأن أول ذي الحجة تلك السنة كان يوم الخميس بلا خلاف لأن يوم عرفة منه كان يوم الجمعة بنص حديث عمر بن الخطاب الثابت في الصحيحين كما سيأتي فلما قدم عليه السلام يوم الاحد رابع الشهر بدأ كما ذكرنا بالطواف بالبيت ثم بالسعي بين الصفا والمروة فلما انتهى طوافه بينهما عند المروة أمر من لم يكن معه هدي أن يحل من احرامه حتما فوجب ذلك عليهم لا محالة ففعلوه وبعضهم متأسف لأجل أنه عليه السلام لم يحل من احرامه لأجل سوقه الهدي وكانوا يحبون موافقته عليه السلام والتأسي به فلما رأى ما عندهم من ذلك قال لهم لو استقبلت من (5/166)
أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة أي لو أعلم أن هذا ليشق عليكم لكنت تركت سوق الهدي حتى أحل كما أحللتم ومن هاهنا تتضح الدلالة على أفضلية التمتع كما ذهب اليه الامام احمد أخذا من هذا فإنه قال لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قارنا ولكن التمتع أفضل لتأسفه عليه وجوابه أنه عليه السلام لم يتاسف على التمتع لكونه أفضل من القران في حق من ساق الهدي وإنما تأسف عليه لئلا يشق على أصحابه في بقائه على احرامه وأمره لهم بالاحلال ولهذا والله أعلم لما تأمل الامام احمد هذا السر نص في رواية أخرى عنه على أن التمتع أفضل في حق من لم يسق الهدي لأمره عليه السلام من لم يسق الهدي من أصحابه بالتمتع وأن القران أفضل في حق من ساق الهدي كما اختار الله عز و جل لنبيه صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداع وأمره له بذلك كما تقدم والله أعلم فصل
ثم سار صلوات الله وسلامه عليه بعد فراغه من طوافه بين الصفا والمروة وأمره بالفسخ لمن لم يسق الهدي والناس معه حتى نزل بالأبطح شرقي مكة فاقام هنالك بقية يوم الأحد ويوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء حتى صلى الصبح من يوم الخميس كل ذلك يصلي بأصحابه هنالك ولم يعد الى الكعبة من تلك الأيام كلها قال البخاري باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج الى عرفة ويرجع بعد الطواف الأول حدثنا محمد بن أبي بكر ثنا فضيل بن سليمان ثنا موسى بن عقبة قال أخبرني كريب عن عبد الله بن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه و سلم مكة فطاف سبعا وسعى بين الصفا والمروة ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة انفرد به البخاري فصل
وقدم في هذا الوقت ورسول الله صلى الله عليه و سلم منيخ بالبطحاء خارج مكة علي من اليمن وكان النبي صلى الله عليه و سلم قد بعثه كما قدمنا الى اليمن أميرا بعد خالد بن الوليد رضي الله عنهما فلما قدم وجد زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم قد حلت كما حل أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم والذين لم يسوقوا الهدي واكتحلت ولبست ثيابا صبيغا فقال من أمرك بهذا قالت أبي فذهب محرشا عليها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وسلم فاخبره أنه حلت ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت وزعمت أنك أمرتها بذلك يا رسول الله فقال صدقت صدقت صدقت ثم قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم بم أهللت حين أوجبت الحج قال باهلال كاهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال فان معي الهدي فلا تحل فكان جماعة الهدي الذي جاء به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة واشتراه في الطريق مائة من الابل واشتركا في (5/167)
الهدي جميعا وقد تقدم هذا كله في صحيح مسلم رحمه الله وهذا التقرير يرد الرواية التي ذكرها الحافظ أبو القاسم الطبراني رحمه الله من حديث عكرمة عن ابن عباس أن عليا تلقى النبي صلى الله عليه و سلم الى الجحفة والله أعلم وكان أبو موسى في جملة من قدم مع علي ولكنه لم يسق هديا فامره رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن يحل بعد ما صاف للعمرة وسعى ففسخ حجه الى العمرة وصار متمتعا فكان يفتي بذلك في أثناء خلافة عمر بن الخطاب فلما راى عمر بن الخطاب أن يفرد الحج عن العمرة ترك فتياه مهابة لأمير المؤمنين عمر رضي الله ع عنه وأرضاه وقال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنه قال ورسول الله صلى الله عليه و سلم في قبة حمراء أراها من أدم قال فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عبد الرزاق وسمعته بمكة قال بالبطحاء يمر بين يديه الكلب والمرأة والحمار وعليه حلة حمراء كأني أنظر الى بريق ساقيه قال سفيان نراها حبرة وقال احمد ثنا وكيع ثنا سفيان عن عون ابن أبي جحيفة عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم بالأبطح وهو في قبة له حمراء فخرج بلال بفضل وضوئه فمن ناضح ونائل قال فأذن بلال فكنت أتتبع فاه هكذا وهكذا يعني يمينا وشمالا قال ثم ركزت له عنزة فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه جبة له حمراء أو حلة حمراء وكأني أنظر الى بريق ساقيه فصلى بنا الى عنزة الظهر أو العصر ركعتين والعصر ركعتين تمر المرأة والكلب والحمار لا يمنع ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى أتى المدينة وقال مرة فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري وقال احمد ايضا ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة وحجاج عن الحكم سمعت أبا جحيفة قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهاجرة الى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين وبين يديه عنزة وزاد فيه عون عن أبيه عن أبي جحيفة وكان يمر من ورائنا الحمار والمرأة قال حجاج في الحديث ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم قال فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة بتمامه فصل
فاقام عليه السلام بالأبطح كما قدمنا يوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وقد حل الناس إلا من ساق الهدي وقدم في هذه الايام علي بن ابي طالب من اليمن بمن معه من المسلمين وما معه من الأموال ولم يعد عليه السلام إلى الكعبة بعد ما طاف بها فلما أصبح عليه السلام يوم الخميس صلى بالأبطح الصبح من يومئذ وهو يوم التروية ويقال له يوم منى لأنه يسار (5/168)
فيه اليها وقد روى أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب قبل هذا اليوم ويقال للذي قبله فيما رأيته في بعض التعاليق يوم الزينة لأنه يزين فيه البدن بالجلال ونحوها فالله أعلم قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا احمد بن محمد بن جعفر الجلودي ثنا محمد بن اسماعيل بن مهران ثنا محمد بن يوسف ثنا أبو قرة عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا خطب يوم التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم فركب عليه السلام قاصدا الى منى قبل الزوال وقيل بعده وأحرم الذين كانوا قد حلوا بالحج من الأبطح حين توجهوا الى منى وانبعثت رواحلهم نحوها قال عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحللنا حتى كان يوم التروية وجعلنا مكة منا يظهر لبينا بالحج ذكره البخاري تعليقا مجزوما وقال مسلم ثنا محمد بن حاتم ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا الى منى قال وأهللنا من الأبطح وقال عبيد بن جريج لابن عمر رأيتك اذا كنت بمكة أهل الناس اذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى يوم التروية فقال لم ار النبي صلى الله عليه و سلم يهل حتى تنبعث به راحلته رواه البخاري في جملة حديث طويل قال البخاري وسئل عطاء عن المجاوز منى يلبي بالحج فقال كان ابن عمر يلبي يوم التروية اذا صلى الظهر واستوى على راحلته قلت هكذا كان ابن عمر يصنع اذا حج معتمرا يحل من العمرة فاذا كان يوم التروية لا يلبي حتى تنبعث به راحلته متوجها الى منى كما أحرم رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذي الحليفة بعد ما صلى الظهر وانبعثت به راحلته لكن يوم التروية لم يصل النبي صلى الله عليه و سلم الظهر بالأبطح وإنما صلاها يومئذ بمنى وهذا مما لا نزاع فيه قال البخاري باب أين يصل الظهر يوم التروية حدثنا عبد الله بن محمد ثنا اسحاق الأزرق ثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال سألت أنس بن مالك قال قلت أخبرني بشيء علقت من رسول الله صلى الله عليه و سلم أين صلى الظهر والعصر يوم التروية قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر قال بالأبطح ثم قال افعل كما يفعل أمراؤك وقد اخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن اسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان الثورى به وكذلك رواه الامام احمد عن اسحاق بن يوسف الأزرق به وقال الترمذي حسن صحيح يستغرب من حديث الأزرق عن الثوري ثم قال البخاري علي سمع أبا بكر بن عياش ثنا عبد العزيز بن رفيع قال لقيت أنس بن مالك وحدثنى اسماعيل بن أبان ثنا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز قال خرجت الى منى يوم التروية فلقيت أنسا ذاهبا على حمار فقلت أين صلى النبي صلى الله عليه و سلم هذا اليوم الظهر فقال انظر حيث صلى أمراؤك فصلى وقال احمد ثنا أسود بن عامر ثنا أبو كدينة عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى خمس صلوات بمنى وقال (5/169)
احمد أيضا حدثنا أسود بن عامر ثنا أبو محياة يحيى بن يعلى التيمي عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر يوم التروية بمنى وصلى الغداة يوم عرفة بها وقد رواه أبو داود عن زهير بن حرب عن أحوص عن جواب عن عمار بن رزيق عن سليمان بن مهران الاعمش به ولفظه صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى وأخرجه الترمذي عن الأشج عن عبد الله بن الأجلح عن الأعمش بمعناه وقال ليس هذا مما عده شعبة فيما سمعه الحكم عن مقسم وقال الترمذي ثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبد الله بن الأجلح عن اسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس قال صلى بنا رسول الله بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم غدا الى عرفات ثم قال واسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه وفي الباب عن عبد الله بن الزبير وأنس ابن مالك وقال الامام احمد عمن رأى النبي صلى الله عليه و سلم أنه راح الى منى يوم التروية والى جانبه بلال بيده عود عليه ثوب يظلل به رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني من الحر تفرد به احمد وقد نص الشافعي على أنه عليه السلام ركب من الأبطح الى منى بعد الزوال ولكنه إنما صلى الظهر بمنى فقد يستدل له بهذا الحديث والله أعلم وتقدم في حديث جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر قال فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه و سلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا الى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى اذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي ودماء الجاهلية موضوعة وان أول دم اضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث وكان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فانه موضوع كله واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد إنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها على الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات وقال أبو عبد الرحمن النسائي أنبأنا علي بن (5/170)
حجر عن مغيرة عن موسى بن زياد بن حذيم بن عمرو السعدي عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع اعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا كحرمة شهركم هذا كحرمة بلدكم هذا وقال أبو داود باب الخطبة على المنبر بعرفة حدثنا هناد عن ابن أبي زائدة ثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه عن عمه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على المنبر بعرفة وهذا الاسناد ضعيف لأن فيه رجلا مبهما ثم تقدم في حديث جابر الطويل أنه عليه السلام خطب على ناقته القصواء ثم قال أبو داود ثنا مسدد ثنا عبد الله بن داود عن سلمة بن نبيط عن رجل من الحي عن أبيه نبيط أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم واقف بعرفة على بعير أحمر يخطب وهذا فيه مبهم أيضا ولكن حديث جابر شاهد له ثم قال أبو داود حدثنا هناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة قالا ثنا وكيع عن عبد المجيد بن أبي عمرو قال حدثني العداء بن خالد بن هوذة وقال هناد عن عبد المجيد حدثني خالد بن العداء بن هوذة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائما في الركابين قال أبو داود رواه ابن العلاء عن وكيع كما قال هناد وحدثنا عباس بن عبد العظيم ثنا عثمان بن عمر ثنا عبد المجيد أبو عمرو عن العداء بن خالد بمعناه وفي الصحيحين عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب بعرفات من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل للمحرم وقال محمد بن اسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله وهو بعرفة ربيعة بن أمية بن خلف قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قل أيها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أي شهر هذا فيقولون الشهر الحرام فيقول قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا ثم يقول قل أيها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أي بلد هذا وذكر تمام الحديث وقال محمد بن اسحاق حدثني ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة قال بعثني عتاب بن أسيد الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو واقف بعرفة في حاجة فبلغته ثم وقفت تحت ناقته وإن لعابها ليقع على رأسي فسمعته يقول أيها الناس إن الله أدى الى كل ذي حق حقه وإنه لا يجوز وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر ومن أدعى الى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله له صرفا ولا عدلا ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة به وقال الترمذي حسن صحيح قلت وفيه اختلاف على قتادة والله أعلم وسنذكر الخطبة التي خطبها عليه السلام بعد هذه الخطبة يوم النحر وما فيها من الحكم والمواعظ والتفاصيل والآداب النبوية إن شاء الله قال البخاري باب (5/171)
التلبية والتكبير اذا غدا من منى الى عرفة حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى الى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه وأخرجه مسلم من حديث مالك وموسى بن عقبة كلاهما عن محمد بن أبي بكر بن عوف بن رباح الثقفي الحجازي عن أنس به وقال البخاري ثنا عبد الله بن مسلمة ثنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الملك بن مروان كتب الى الحجاج بن يوسف أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس أو زالت الشمس فصاح عند فسطاطه أين هذا فخرج اليه فقال ابن عمر الرواح فقال الآن قال نعم فقال أنظرني حتى أفيض علي ماء فنزل ابن عمر حتى خرج فسار بيني وبين أبي فقلت إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فأقصر الخطبة وعجل الوقوف فقال ابن عمر صدق ورواه البخاري أيضا عن القعنبي عن مالك وأخرجه النسائي من حديث أشهب وابن وهب عن مالك ثم قال البخاري بعد روايته هذا الحديث وقال الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب عن سالم أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله كيف تصنع في هذا الموقف فقال إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة فقال ابن عمر صدق إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة فقلت لسالم افعل ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هل تبتغون بذلك إلا سنة وقال أبو داود ثنا احمد بن حنبل ثنا يعقوب ثنا أبي عوف عن ابن اسحاق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غدا من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة فنزل بنمرة وهي منزل الامام الذي ينزل به بعرفة حتى اذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه و سلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر وهكذا ذكر جابر في حديثه بعد ما أورد الخطبة المتقدمة قال ثم أذن بلال ثم اقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا وهذا يقتضي أنه عليه السلام خطب أولا ثم أقيمت الصلاة ولم يتعرض للخطبة الثانية وقد قال الشافعي أنبأنا ابراهيم بن محمد وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه وعن جابر في حجة الوداع قال فراح النبي صلى الله عليه و سلم الى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الاولى ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله عليه و سلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان ثم اقام بلال فصلى الظهر ثم اقام فصلى العصر قال البيهقي تفرد به ابراهيم ابن محمد بن أبي يحيى قال مسلم عن جابر ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء الى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة وقال البخاري ثنا يحيى ابن سليمان عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير عن كريب عن ميمونة أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه و سلم فأرسلت اليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون (5/172)
وأخرجه مسلم عن هارون بن سعيد الايلي عن ابن وهب به وقال البخاري أنبأنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عمير مولى ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه و سلم فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت اليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه ورواه مسلم من حديث مالك أيضا وأخرجاه من طرق أخر عن أبي النضر به قلت أم الفضل هي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وقصتهما واحدة والله أعلم وصح اسناد الارسال اليها لأنه من عندها اللهم إلا أن يكون بعد ذلك أو تعدد الارسال من هذه ومن هذه والله أعلم وقال الامام احمد ثنا اسماعيل ثنا أيوب قال لا أدري أسمعته من سعيد بن جبير أم عن بنيه عنه قال أتيت على ابن عباس وهو بعرفة وهو يأكل رمانا وقال افطر رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرفة وبعثت اليه أم الفضل بلبن فشربه وقال احمد ثنا وكيع ثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التؤمة عن ابن عباس انهم تماروا في صوم النبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة فأرسلت أم فضل الى رسول الله بلبن فشربه وقال الامام احمد ثنا عبد الرزاق وأبو بكر قالا أنبأنا ابن جريج قال قال عطاء دعا عبد الله بن عباس الفضل بن عباس الى الطعام يوم عرفة فقال إني صائم فقال عبد الله لا تصم فإن رسول الله قرب اليه حلاب فيه لبن يوم عرفة فشرب منه فلا تصم فان الناس مستنون بكم وقال ابن بكير وروح ان الناس يستنون بكم وقال البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه و سلم بعرفة اذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأوقصته فقال النبي صلى الله عليه و سلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فان الله يبعثه يوم القيامة ملبيا ورواه مسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد وقال النسائي أنبأنا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه أخبرنا وكيع أنبأنا سفيان الثوري عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرفة وأتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( الحج عرفة ) فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه وقد رواه بقية أصحاب السنن من حديث سفيان الثوري زاد النسائي وشعبة عن بكير بن عطاء به وقال النسائي أنبأنا قتيبة أنبأنا سفيان عن عمرو بن دينار أخبرني عمرو بن عبد الله بن صفوان أن يزيد بن شيبان قال كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف فأتانا ابن مربع الانصاري فقال إني رسول رسول الله اليكم يقول لكم كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم ابراهيم وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به وقال الترمذي هذا حديث حسن ولا نعرفه الا من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن مربع اسمه زيد بن مربع الانصاري وانما يعرف له هذا (5/173)
الحديث الواحد قال وفي الباب عن علي وعائشة وجبير بن مطعم والشريد بن سويد وقد تقدم من رواية مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف زاد مالك في موطئه وارفعوا عن بطن عرفة فصل
فيما حفظ من دعائه عليه السلام وهو واقف بعرفه قد تقدم أنه عليه السلام أفطر يوم عرفة فدل على أن الافطار هناك أفضل من الصيام لما فيه من التقوى على الدعاء لأنه المقصود الأهم هناك ولهذا وقف عليه السلام وهو راكب على الراحلة من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس وقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وقال الامام احمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا حوشب بن عقيل حدثني مهدي المحاربي حدثني عكرمة مولى ابن عباس قال دخلت على أبي هريرة في بيته فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات فقال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صوم عرفة بعرفات وقال عبد الرحمن مرة عن مهدي العبدي وكذلك رواه احمد عن وكيع عن حوشب عن مهدي العبدي فذكره وقد رواه أبو داود عن سليمان بن حرب عن حوشب والنسائي عن سليمان ابن معبد عن سليمان بن حرب به وعن الفلاس عن ابن مهدي به وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع عن حوشب وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبى عمرو قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو اسامة الكلبي ثنا حسن بن الربيع ثنا الحارث بن عبيد عن حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة عن ابن عباس قال نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن صوم يوم عرفة بعرفة قال البيهقي كذا قال الحارث بن عبيد والمحفوظ عن عكرمة عن أبي هريرة وروى أبو حاتم محمد بن حبان البستي في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال حججت مع رسول الله فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه وأنا فلا اصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه قال الامام مالك عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال البيهقي هذا مرسل وقد روي عن مالك باسناد آخر موصولا وإسناده ضعيف وقد رزى الامام احمد والترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أفضل الدعاء يوم عرفة وخير من قلت أنا والنبيون من (5/174)
قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وللامام احمد أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال أبو عبد الله بن منده أنبأنا احمد بن اسحاق بن ايوب النيسابوري ثنا احمد بن داود بن جابر الأحمسي ثنا احمد بن ابراهيم الموصلي ثنا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال الامام احمد ثنا يزيد يعني ابن عبد ربه الجرجسي ثنا بقية بن الوليد حدثني جبير بن عمرو القرشي عن أبي سعيد الأنصاري عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في مناسكه ثنا الحسن بن مثنى بن معاذ العنبري ثنا عفان ابن مسلم ثنا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل ما قلت أنا والانبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال الترمذي في الدعوات ثنا محمد بن حاتم المؤدب ثنا علي بن ثابت ثنا قيس ابن الربيع وكان من بني أسد عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن علي رضي الله عنه قال كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عرفة في الموقف اللهم لك الحمد كالذي نقول وخير مما نقول اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ولك رب تراثي أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح ثم قال غريب من هذا الوجه وليس اسناده بالقوي وقد رواه الحافظ البيهقي من طريق موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أكثر دعاء من كان قبلي ودعائي يوم عرفة أن اقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في بصري نورا وفي سمعي نورا وفي قلبي نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر وشر فتنة القبر وشر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تهب به الرياح وشر بوائق الدهر ثم قال تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف واخوه عبد الله لم يدرك عليا وقال الطبراني في مناسكه حدثنا يحيى بن عثمان النصري ثنا يحيى بن بكير ثنا يحيى بن صالح الأيلي عن اسماعيل بن أمية عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من (5/175)
أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين وأبتهل اليك ابتهال الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسده ورغم لك أنفه اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين ويا خير المعطين وقال الامام احمد حدثنا هشيم أنبأنا عبد الملك ثنا عطاء قال قال أسامة بن زيد كنت رديف النبي صلى الله عليه و سلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها قال فتناول الخطام باحدى يديه وهو رافع يده الاخرى وهكذا رواه النسائي عن يعقوب بن ابراهيم عن هشيم وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا علي ابن الحسن ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ثنا ابن جريج عن حسين بن عبد الله الهاشمي عن عكرمة عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو بعرفة يداه الى صدره كاستطعام المسكين وقال أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا عبد القاهر بن السري حدثني ابن كنانة بن العباس بن مرداس عن أبيه عن جده عباس بن مرداس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء فأوحى الله اليه إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها فقال يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خير من مظلمته وتغفر لهذا الظالم فلم يجبه تلك العشية فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه الله تعالى اني قد غفرت لهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له بعض أصحابه يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها قال تبسمت من عدو الله إبليس إنه لما علم أن الله عز و جل قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن عيسى بن ابراهيم البركي وأبي الوليد الطيالسي كلاهما عن عبد القاهر بن السري عن ابن كنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه عن جده مختصرا ورواه ابن ماجه عن أيوب بن محمد الهاشمي بن عبد القاهر بن السري عن عبد الله بن كنانة بن عباس عن أبيه عن جده به مطولا ورواه ابن جرير في تفسيره عن اسماعيل بن سيف العجلي عن عبد القاهر بن السري عن ابن كنانة يقال له أبو لبابة عن أبيه عن جده العباس بن مرداس فذكره وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ثنا اسحاق بن ابراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عمن سمع قتادة يقول ثنا جلاس بن عمرو عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عرفة أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم ووهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل فادفعوا بسم الله فلما كانوا بجمع قال إن الله قد غفر لصالحكم وشفع لصالحيكم في طالحيكم تنزل الرحمه فتعمهم ثم تفرق الرحمه في الارض فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده وابليس وجنوده على جبال عرفات (5/176)
ينظرون ما يصنع الله بهم فاذا نزلت الرحمه دعا هو وجنوده بالويل والثبور كنت أستفزهم حقبا من الدهر المغفرة فغشيتهم فيتفرقون يدعون بالويل والثبور
ذكر ما نزل على رسول الله من الوحي في هذا الموقف
قال الامام احمد ثنا جعفر بن عون ثنا أبو العميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال جاء رجل من اليهود الى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال وأي آية هي قال قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فقال عمر والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه و سلم عشية عرفة في يوم جمعة ورواه البخاري عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون وأخرجه أيضا ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن قيس بن مسلم به
ذكر افاضته عليه السلام من عرفات الى المشعر الحرام
قال جابر في حديثه الطويل فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا قليلا حين غاب القرص فأردف اسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد شنق ناقته القصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رجله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا رواه مسلم وقال البخاري باب السير اذا دفع من عرفة حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال سئل اسامة وأنا جالس كيف كان النبي صلى الله عليه و سلم يسير في حجة الوداع حين دفع قال كان يسير العنق فاذا وجد فجوة نص قال هشام والنص فوق العنق ورواه الامام احمد وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عدة عن هشام بن عروة عن ابيه عن اسامة بن زيد وقال الامام احمد ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن اسحاق عن هشام بن عروة عن ابيه عن اسامة بن زيد قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم عشية عرفة قال فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما سمع حطمة الناس خلفه قال رويدا أيها الناس عليكم السكينة إن البر ليس بالايضاع قال فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا التحم عليه الناس أعنق واذا وجد فرجة نص حتى أتى المزدلفة فجمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة ثم رواه الامام احمد من طريق محمد بن اسحاق حدثني ابراهيم بن عقبة عن كريب عن اسامة بن زيد فذكر مثله وقال (5/177)
الامام احمد ثنا أبو كامل ثنا حماد عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس عن اسامة بن زيد قال أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفة وأنا رديفه فجعل يكبح راحلته حتى إن ذفراها ليكاد يصيب قادمة الرحل ويقول يا ايها الناس عليكم السكينة والوقار فإن البر ليس في إيضاع الابل وكذا رواه عن عفان عن حماد بن سلمة به ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن يزيد بن هارون عن عبد الملك بن ابي سليمان عن عطاء عن ابن عباس عن اسامة بنحوه قال وقال اسامة فما زال يسير على هينة حتى أتى جمعا وقال الامام احمد حدثنا احمد بن الحجاج ثنا ابن أبي فديك عن ابن ابي ذئب عن شعبة عن ابن عباس عن اسامة ابن زيد أنه ردف رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عرفة حتى دخل الشعب ثم أهراق الماء وتوضأ ثم ركب ولم يصل وقال الامام احمد ثنا عبد الصمد ثنا همام عن قتادة عن عروة عن الشعبي عن اسامة بن زيد أنه حدثه قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم حين افاض من عرفات فلم ترفع راحلته رجلها غادية حتى بلغ جمعا وقال الامام احمد ثنا سفيان عن ابراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عبس أخبرني اسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه و سلم أردفه من عرفة فلما أتى الشعب نزل فبال ولم يقل أهراق الماء فصببت عليه فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت الصلاة فقال الصلاة أمامك قال ثم أتى المزدلفة فصلى المغرب ثم حلوا رحالهم ثم صلى العشاء كذا رواه الامام احمد عن كريب عن ابن عباس عن اسامة بن زيد فذكره ورواه النسائي عن الحسين بن حرب عن سفيان بن عيينة عن ابراهيم بن عقبة ومحمد بن أبي حرملة كلاهما عن كريب عن ابن عباس عن أسامة قال شيخنا أبو الحجاج المزي في أطرافه والصحيح كريب عن أسامة وقال البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن موسى بن عقبة عن كريب عن اسامة بن زيد أنه سمعه يقول دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفة فنزل الشعب فبال ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء فقلت له الصلاة فقال الصلاة أمامك فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل انسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء ولم يصل بينهما وهكذا رواه البخاري أيضا عن القعنبي ومسلم عن يحيى بن يحيى والنسائي عن قتيبة عن مالك عن موسى بن عقبة به وأخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن موسى بن عقبة أيضا ورواه مسلم من حديث ابراهيم بن عقبة ومحمد بن عقبة عن كريب كنحو رواية أخيهما موسى بن عقبة عنه وقال البخاري أيضا ثنا قتيبة ثنا اسماعيل بن جعفر عن محمد بن ابي حرملة عن كريب عن اسامة بن زيد أنه قال ردفت رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم الشعب الايسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت الصلاة (5/178)
يا رسول الله قال الصلاة أمامك فركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى المزدلفة فصلى ثم ردف الفضل رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة جمع قال كريب فأخبرني عبد الله بن عباس عن الفضل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة ورواه مسلم عن قتيبة ويحيى بن يحيى بن أيوب وعلي بن حجر أربعتهم عن اسماعيل بن جعفر به وقال الامام احمد ثنا وكيع ثنا عمر بن ذر عن مجاهد عن اسامة بن زيد أن رسول الله أردفه من عرفة قال فقال الناس سيخبرنا صاحبنا ما صنع قال فقال اسامة لما دفع من عرفة فوقف كف رأس راحلته حتى اصاب رأسها واسطة الرحل أو كاد يصيبه يشير الى الناس بيده السكينة السكينة السكينة حتى أتى جمعا ثم اردف الفضل بن عباس قال فقال الناس سيخبرنا صاحبنا بما صنع رسول الله فقال الفضل لم يزل يسير سيرا لينا كسيره بالأمس حتى أتى على وادي محسر فدفع فيه حتىاستوت به الارض وقال البخاري ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا ابراهيم بن سويد حدثني عمرو بن أبي عمرو ومولى المطلب أخبرني سعيد بن جبير مولى والبة الكوفي حدثني ابن عباس أنه دفع النبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه و سلم وراءه زجرا شديدا وضربا للابل فاشار بسوطه اليهم وقال أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالايضاع تفرد به البخاري من هذا الوجه وقد تقدم رواية الامام احمد ومسلم والنسائي هذا من طريق عطاء ابن أبي رباح عن ابن عباس عن اسامة بن زيد فالله أعلم وقال الامام احمد حدثنا اسماعيل بن عمر ثنا المسعودي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال لما أفاض رسول من عرفات أوضع الناس فأمر رسول الله مناديا ينادي أيها الناس ليس البر بايضاع الخيل ولا الركاب قال فما رأيت من رافعة يديها غادية حتى نزل جمعا وقال الامام احمد ثنا حسين وأبو نعيم قالا ثنا اسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع قال حدثني من سمع ابن عباس يقول لم ينزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفات وجمع إلا أريق الماء وقال الامام احمد ثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الملك عن أنس بن سيرين قال كنت مع ابن عمر بعرفات فلما كان حين راح معه حتى الامام فصلى معه الأولى والعصر ثم وقف وأنا وأصحاب لي حتى افاض الامام فأفضنا معه حتى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين فأناخ وأنخنا ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي فقال غلامه الذي يمسك راحلته إنه ليس يريد الصلاة ولكنه ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما انتهى الى هذا المكان قضى حاجته فهو يحب أن يقضي حاجته وقال البخاري ثنا موسى ثنا جويرية عن نافع قال كان عبد الله بن عمر يجمع بين المغرب العشاء بجمع غير أنه يمر بالشعب الذي اخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم فيدخل فينتقص ويتوضأ ولا يصلي حتى يجيء جمعا تفرد به البخاري رحمه الله من هذا الوجه وقال البخاري ثنا آدم بن ابي ذئب عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال جمع النبي صلى الله عليه و سلم المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما باقامة ولم (5/179)
يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منها ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا ثم قال مسلم حدثني حرملة حدثني ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أخبره أن أباه قال جمع رسول الله بين المغرب والعشاء بجمع ليس بينهما سجدة فصلى المعرب ثلاث ركعات وصلى العشاء ركعتين فكان عبد الله يصلي بجمع كذلك لحق بالله ثم روى مسلم من حديث شعبة عن الحكم وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير أنه صلى المغرب بجمع والعشاء باقامة واحدة ثم حدث عن ابن عمر أنه صلى مثل ذلك وحدث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع مثل ذلك ثم رواه من طريق الثوري عن سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين باقامة واحدة ثم قال مسلم ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ثنا عبد الله بن جبير ثنا اسماعيل بن ابي خالد عن ابي اسحاق قال قال سعيد بن جبير أفضنا مع ابن عمر حتى أتينا جمعا فصلى بنا المغرب والعشاء باقامة واحدة ثم انصرف فقال هكذا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا المكان وقال البخاري ثنا خالد بن مخلد ثنا سليمان بن بلال حدثني يحيى بن سعيد حدثني عدي بن ثابت حدثني عبد الله بن يزيد الخطمي حدثني أبو زيد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع في حجة الوداع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة ورواه البخاري أيضا في المغازي عن القعنبي عن مالك ومسلم من حديث سليمان بن بلال والليث بن سعد ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عدي بن ثابت ورواه النسائي أيضا عن الفلاس عن يحيى القطان عن شعبة عن عدي بن ثابت به ثم قال البخاري باب من أذن واقام لكل واحدة منهما حدثنا عمرو بن خالد ثنا زهير بن حرب ثنا أبو اسحاق سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول حج عبد الله فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك فأمر رجلا فاذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر رجلا فأذن واقام قال عمرو لا أعلم الشك إلا من زهير ثم صلى العشاء ركعتين فلما طلع الفجر قال إن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم قال عبد الله هما صلاتان تحولان عن وقتهما صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة والفجر حين يبزغ الفجر قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يفعله وهذا اللفظ وهو قوله والفجر حين يبزغ الفجر ابين وأظهر من الحديث الآخر الذي رواه البخاري عن حفص بن عمر بن غياث عن أبيه عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود قال ما رايت رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى صلاة بغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء وصلاة الفجر قبل ميقاتها ورواه مسلم من حديث أبي معاوية وجرير عن الأعمش به وقال جابر في حديثه ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم (5/180)
حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان واقامة وقد شهد معه هذه الصلاة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال الامام احمد ثنا هشيم ثنا ابن أبي خالد وزكريا عن الشعبي أخبرني عروة بن مضرس قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو بجمع فقلت يا رسول الله جئتك من جبل طيء أتعبت نفسي وأنضيت راحلتي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال من شهد معنا هذه الصلاة يعني صلاة الفجر بجمع ووقف معنا حتى يفيض منه وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أونهارا فقد تم حجه وقضى تفثه وقد رواه الامام احمد أيضا وأهل السنن الأربعة من طرق عن الشعبي عن عروة بن مضرس وقال الترمذي حسن صحيح فصل
وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم طائفة من أهله بين يديه من الليل قبل حطمة الناس من المزدلفة الى منى قال البخاري باب من قدم ضعفة أهله بالليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم اذا غاب القمر حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال قال سالم كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون قبل أن يقف الامام وقبل أن يدفع فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فاذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن ايوب عن عكرمة عن ابن عباس قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم من جمع بليل وقال البخاري ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان أخبرني عبد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه و سلم ليلة المزدلفة في ضعفه أهله وروى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني عطاء عن ابن عباس قال بعث بي رسول الله صلى الله عليه و سلم من جمع بسحر مع ثقله وقال الامام احمد ثنا سفيان الثوري ثنا سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال قدمنا رسول الله أغيلمة بني عبد المطلب على حراثنا فجعل يلطح أفخاذنا بيده ويقول أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس قال ابن عباس ما أخال أحدا يرمي الجمرة حتى تطلع الشمس وقد رواه احمد أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري فذكره وقد رواه أبو داود عن محمد بن كثير عن الثوري به والنسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري به وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن ابي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع عن مسعر وسفيان الثوري كلاهما عن سلمة بن كهيل به وقال الامام احمد ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو الأحوص عن الاعمش عن الحكم (5/181)
ابن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال مر بنا رسول الله ليلة النحر وعلينا سواد من الليل فجعل يضرب أفخاذنا ويقول أبني أفيضوا لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ثم رواه الامام احمد من حديث المسعودي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ضعفة أهله من المزدلفة بليل فجعل يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس وقال أبو داود ثنا عثمان ابن أبي شيبة ثنا الوليد بن عقبة ثنا حمزة الزيات بن حبيب عن عطاء عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم يعني أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس وكذا رواه النسائي عن محمود بن غيلان عن بشر بن السري عن سفيان عن حبيب قال الطبراني وهو ابن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس فخرج حمزة الزيات من عهدته وجاد اسناد الحديث والله أعلم وقد قال البخاري ثنا مسدد عن يحيى عن ابن جريج حدثني عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت يا بني هل غاب القمر قلت لا فصلت ساعة ثم قال هل غاب القمر قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها يا هنتاه ما أرانا إلا قد عسلنا فقالت يا بني إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن للظعن ورواه مسلم من حديث ابن جريج به فان كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس كما ذكرنا هاهنا عن توقيف فروايتها مقدمة على رواية ابن عباس لأن اسناد حديثهما أصح من اسناد حديثه اللهم إلا أن يقال إن الغلمان أخف حالا من النساء وأنشط فلهذا أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الشمس وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهم أثقل حالا وأبلغ في التستر والله أعلم وإن كانت أسماء لم تفعله عن توقيف فحديث ابن عباس مقدم على فعلها لكن يقوى الأول قول أبي داود ثنا محمد بن خلاد الباهلي ثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عطاء أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة بليل قلت إنا رمينا الجمرة بليل قالت إنا كنا نصنع هذا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وقال البخاري ثنا أبو نعيم ثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن محمد عن عائشة قالت نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه و سلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس وكانت امرأة بطيئة فأذن لها فدفعت قبل حطمة الناس وأقمنا نحن حتى أصبحنا ثم دفعنا بدفعه فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه و سلم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به وأخرجه مسلم عن القعنبي عن أفلح بن حميد به وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة به وقال أبو داود ثنا هارون بن عبد الله ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك يعني ابن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (5/182)
أبو داود يعني عندها انفرد به أبو داود وهو اسناد جيد قوي رجاله ثقات
ذكر تلبيته عليه السلام بالمزدلفة
قال مسلم ثنا أبو بكر بن ابي شيبة ثنا أبو الأحوص عن حصين عن كثير بن مدرك عن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام لبيك اللهم لبيك فصل
في وقوفه عليه السلام بالمشعر الحرام ودفعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس وإيضاعه في وادي محسر قال الله تعالى فاذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام الآيه وقال جابر في حديثه فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله عز و جل وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى اسفر جدا ودفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وراءه وقال البخاري ثنا الحجاج بن منهال ثنا شعبة عن ابن اسحاق قال سمعت عمرو بن ميمون يقول شهدت عمر صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض قبل أن تطلع الشمس وقال البخاري ثنا عبد الله بن رجاء ثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال خرجت مع عبد الله الى مكة ثم قدمنا جمعا فصلى صلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع الفجر ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب فلا تقدم الناس جمعا حتى يقيموا وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف حتى أسفر ثم قال لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة فلا أدري أقوله كان أسرع أو دفع عثمان فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا عبد الرحمن بن المبارك العبسي ثنا عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة عن المسور بن مخرمة قال خطبنا رسول الله بعرفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا عند غروب الشمس حتى تكون الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤسها هدينا مخالف لهديهم وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤسها هدينا مخالف لهديهم قال ورواه عبد الله بن ادريس عن ابن جريج عن محمد (5/183)
ابن قيس بن مخرمة مرسلا وقال الامام احمد ثنا أبو خالد سليمان بن حيان سمعت الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض من المزدلفة قبل طلوع الشمس وقال البخاري ثنا زهير بن حرب ثنا وهب بن جرير ثنا أبي عن يونس الايلي عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عباس أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه و سلم من عرفة الى المزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة الى منى قال فكلاهما قال لم يزل النبي صلى الله عليه و سلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة ورواه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وروى مسلم من حديث الليث بن سعد عن أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس عن الفضل بن عباس وكان رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا عليكم بالسكينة وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من منى قال عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة قال ولم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي حتى رمى الجمرة وقال الحافظ البيهقي باب الايضاع في وادي محسر أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عمرو المقري وأبو بكر الوراق أنبأنا الحسن بن سفيان ثنا هشام بن عمار وأبو بكر بن ابي شيبة قالا ثنا حاتم بن اسماعيل ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في حج النبي صلى الله عليه و سلم قال حتى اذا أتى محسرا حرك قليلا رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن شيبة ثم روى البيهقي من حديث سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال افاض رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة وأوضع في وادي محسر وأمرهم أن يرموا الجمار بمثل حصى الخذف وقال خذوا عنى مناسككم لعلي لا اراكم بعد عامي هذا ثم روى البيهقي من حديث الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن ابي رافع عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض من جمع حتى أتى محسرا فقرع ناقته حتى جاوز الوادي فوقف ثم اردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها هكذا رواه مختصرا وقد قال الامام احمد ثنا أبو احمد محمد بن عبد الله الزبيري ثنا سفيان بن عبد الرحمن بن الحارث ابن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرفة فقال إن هذا الموقف وعرفة كلها موقف وافاض حين غابت الشمس وأردف اسامة فجعل يعنق على بعيدة والناس يضربون يمينا وشمالا لا يلتفت اليهم ويقول السكينة أيها الناس ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين المغرب والعشاء ثم بات حتى اصبح ثم أتى قزح فوقف على قزح فقال هذا الموقف وجمع كلها موقف ثم سار حتى أتى محسرا فوقف عليه فقرع دابته فخبت حتى جاز الوادي ثم حبسها ثم أردف الفضل وسار حتى أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر قال واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت أن أبي شيخ كبير قد أفند (5/184)
وقد أدركته فريضة الله في الحج فهل يجزئ عنه أن أودي عنه قال نعم فأدي عن أبيك قال ولوى عنق الفضل فقال له العباس يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك قال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما قال ثم جاءه رجل فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر قال أنحر ولا حرج ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج ثم اتى البيت فطاف ثم أتى زمزم فقال يا بني عبد المطلب سقايتكم ولولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت معكم وقد رواه أبو داود عن احمد بن حنبل عن يحيى بن آدم عن سفيان الثوري ورواه الترمذي عن بندار عن أبي أحمد الزبيري وابن ماجه عن علي بن محمد عن يحيى بن آدم وقال الترمذي حسن صحيح لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه قلت وله شواهد من وجوه صحيحة مخرجة في الصحاح وغيرها فمن ذلك قصة الخثعمية وهو في الصحيحين من طريق الفضل وتقدمت في حديث جابر وسنذكر من ذلك ما تيسر وقد حكى البيهقي باسناد عن ابن عباس أنه لا أنكر الاسراع في وادي محسر وقال إنما كان ذلك من الأعراب قال والمثبت مقدم على النافي قلت وفي ثبوته عنه نظر والله أعلم وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة عن رسول الله وصح من صنيع الشيخين أبي بكر وعمر أنهما كانا يفعلان ذلك فروى البيهقي عن الحاكم عن النجاد وغيره عن أبي علي محمد ابن معاذ بن المستهل المعروف بدران عن القعنبي عن أبيه بن هشام عن عروة عن أبيه عن المسور ابن مخرمة أن عمر كان يوضع ويقول ... إليك نعدوا قلقا وضينها ... مخالف دين النصارى دينها ... ذكر رميه عليه السلام جمرة العقبة وحدها يوم النحر وكيف رماها ومتى رماها ومن أي موضع رماها وبكم رماها وقطعة التلبية حين رماها
قد تقدم من حديث اسامة والفضل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أنه عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة وقال البيهقي أنبأنا الامام أبو عثمان أنبانا ابو طاهر بن خزيمة أنبأنا جدي يعني امام الأئمة محمد بن اسحاق بن خزيمة ثنا علي بن حجر ثنا شريك عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عبد الله قال رمقت النبي صلى الله عليه و سلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة وبه عن ابن خزيمة ثنا عمر بن حفص الشيباني ثنا حفص بن غياث ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال أفضت مع رسول الله من عرفات فلم يزل يلبي حى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة قال البيهقي وهذه زيادة غريبة ليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس عن الفضل وان كان ابن خزيمة قد اختارها (5/185)
وقال محمد بن اسحاق حدثني ابان بن صالح عن عكرمة قال أفضت مع الحسين بن علي فما أزال أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة فلما قذفها أمسك فقلت ما هذا فقال رأيت أبي علي بن أبي طالب يلبي حتى رمى جمرة العقبة وأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك وتقدم من حديث الليث عن أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس عن أخيه الفضل أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الناس في وادي محسر بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة رواه مسلم وقال أبو العالية عن ابن عباس حدثني الفضل قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة يوم النحر هات فألقط لي حصا فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف فوضعهن في يده فقال بأمثال هؤلاء بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو فانما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين رواه البيهقي وقال جابر في حديثه حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي رواه مسلم وقال البخاري وقال جابر رضي الله عنه رمى النبي صلى الله عليه و سلم الجرة يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال وهذا الحديث الذي علقه البخاري أسنده مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمع جابرا قال رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فاذا زالت الشمس وفي الصحيحين من حديث الاعمش عن ابراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال رمى عبد الله من بطن الوادي فقلت يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يرمونها من فوقها فقال والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة لفظ البخاري وفي لفظ له من حديث شعبة عن الحكم عن ابراهيم عن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود أنه أتى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال هكذا أرمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة ثم قال البخاري باب من رمى الجمار بسبع يكبر مع كل حصاة قاله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم وهذا إنما يعرف في حديث جابر من طريق جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر كما تقدم أنه أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف وقد روى البخاري في هذه الترجمة من حديث الاعمش عن ابراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم قال من هاهنا والذي لا إله غيره قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة وروى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمع جابر بن عبد الله قال رأيت رسول الله يرمي الجمرة بسبع مثل حصى الخذف وقال الامام احمد ثنا يحيى بن زكريا ثنا حجاج عن الحكم عن أبي القاسم يعني مقسما عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم رمى الجمرة جمرة العقبة يوم النحر راكبا ورواه الترمذي عن احمد بن منيع عن يحيى ابن زكريا بن أبي زائدة وقال حسن وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد (5/186)
الأحمر عن الحجاج بن أرطاة به وقد روى احمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي من حديث يزيد ابن زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه أم جندب الأزدية قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرمي الجمار من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل من خلفه يستره فسألت عن الرجل فقالوا الفضل بن عباس فازدحم الناس فقال النبي صلى الله عليه و سلم يا ايها الناس لا يقتل بعضكم بعضا وإذا رميتم الجمرة فارموه بمثل حصى الخذف لفظ أبي داود وفي رواية له قالت رأيته عند جمرة العقبة راكبا ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى ورمى الناس ولم يقم عندها ولابن ماجه قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النحر عند جمرة العقبة وهو راكب على بغلة وذكر الحديث وذكر البغلة هاهنا غريب جدا وقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه وروى مسلم أيضا من حديث زيد ابن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن جدته أم الحصين سمعتها تقول حججت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته يوم النحر وهو يقول لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه وفي رواية قالت حججت مع رسول الله حجة الوداع فرأيت اسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه و سلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة وقال الامام احمد ثنا أبو احمد محمد بن عبد الله الزبيري ثنا أيمن بن نابل ثنا قدامة بن عبد الله الكلابي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا اليك اليك ورواه احمد ايضا عن وكيع ومعتمر ابن سليمان وأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي ثلاثتهم عن أيمن بن نائل به ورواه أيضا عن أبي قرة عن سفيان الثوري عن ايمن وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث وكيع به ورواه الترمذي عن احمد بن منيع عن مروان بن معاوية عن أيمن بن نابل به وقال هذا حديث حسن صحيح وقال الامام احمد ثنا نوح بن ميمون ثنا عبد الله يعني العمري عن نافع قال كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا وزعم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا ورواه ابو داود عن القعنبي عن عبد الله العمري به فصل
قال جابر ثم انصرف الى المنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر واشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها (5/187)
وسنتكلم على هذا الحديث وقال الامام احمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن حميد الأعرج عن محمد بن ابراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال خطب النبي صلى الله عليه و سلم بمنى ونزلهم منازلهم فقال لينزل المهاجرون هاهنا وأشار الى ميمنة القبلة والانصار هاهنا وأشار الى ميسرة القبلة ثم لينزل الناس حولهم قال وعلمهم مناسكهم ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم قال فسمعته يقول أرموا الجمرة بمثل حصى الخذف وكذا رواه أبو داود عن احمد بن حنبل الى قوله ثم لينزل الناس حولهم وقد رواه الامام احمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه وأبو داود عن مسدد عن عبد الوارث وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث عن حميد بن قيس الأعرج عن محمد بن ابراهيم التيمي عن عبد الرحمن ابن معاذ التيمي قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كأنا نسمع ما يقول الحديث ذكر جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اشرك علي بن أبي طالب في الهدي وأن جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة من الابل وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم نحر بيده الكريمة ثلاثا وستين بدنة قال ابن حبان وغيره وذلك مناسب لعمره عليه السلام فانه كان ثلاثا وستين سنة وقد قال الامام احمد ثنا يحيى بن آدم ثنا زهير ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال نحر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحج مائة بدنة نحر منها بيده ستين وأمر ببقيتها فنحرت وأخذ من كل بدنة بضعة فجمعت في قدر فأكل منها وحسى من مرقها قال ونحر يوم الحديبية سبعين فيها جمل أبي جهل فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها وقد روى ابن ماجه بعضه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد عن وكيع عن سفيان الثوري عن ابن ابي ليلى به وقال الامام احمد ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن اسحاق حدثني رجل عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس قال أهدى رسول الله في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدنة بيده ثم أمر عليا فنحر ما بقي منها وقال قسم لحومها وجلودها وجلالها بين الناس ولا تعطين جزارا منها شيئا وخذ لنا من كل بعير جدية من لحم واجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحسو من مرقها ففعل وثبت في الصحيحين من حديث مجاهد عن ابن ابي ليلى عن علي قال أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها شيئا وقال نحن نعطيه من عندنا وقال أبو داود ثنا محمد بن حاتم ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الله بن المبارك عن حرملة بن عمران عن عبد الله بن الحارث الأزدي سمعت عرفة بن الحارث الكندي قال شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأتى بالبدن فقال أدع لي أبا حسن فدعي له علي فقال خذ بأسفل الحربة وأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم (5/188)
بأعلاها ثم طعنا بها البدن فلما فرغ ركب بغلته وأردف عليا تفرد به أبو داود وفي اسناده ومتنه غرابة والله أعلم وقال الامام احمد حدثنا احمد بن الحجاج أنبأنا عبد الله أنبأنا الحجاج بن أرطأة عن الحكم عن أبي القاسم يعني مقسما عن ابن عباس قال رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم جمرة العقبة ثم ذبح ثم حلق وقد ادعى ابن حزم أنه ضحى عن نسائه بالبقر وأهدى بمنى بقرة وضحى هو بكبشين أملحين
صفة حلقه رأسه الكريم عليه الصلاة والتسليم
قال الامام احمد ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حلق في حجته ورواه النسائي عن اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه عن عبد الرزاق وقال البخاري ثنا أبو اليمان ثنا شعيب قال قال نافع كان عبد الله بن عمر يقول حلق رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجته ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة عن نافع به وقال البخاري ثنا عبد الله بن محمد ابن أسماء ثنا جويرية بن اسماء عن نافع أن عبد الله بن عمر قال حلق رسول الله صلى الله عليه و سلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم رواه مسلم من حديث الليث عن نافع به وزاد قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يرحم الله المحلقين مرة أو مرتين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرين وقال مسلم ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع وأبو داود الطيالسي عن يحيى بن الحصين عن جدته أنها سمعت رسول الله في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة ولم يقل وكيع في حجة الوداع وهكذا روى هذا الحديث مسلم من حديث مالك وعبد الله عن نافع عن ابن عمر وعمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة والعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة وقال مسلم ثنا يحيى بن يحيى ثنا حفص ابن غياث عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذ واشار الى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس وفي رواية أنه حلق شقه الأيمن فقسمه بين الناس من شعرة أو شعرتين وأعطى شقه الأيسر
لأبي طلحة وفي رواية له أنه أعطى الأيمن لابي طلحة وأعطاه الأيسر وأمره أن يقسمه بين الناس وقال الامام احمد حدثنا سليمان بن حرب ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم والحلاق يحلقه وقد أطاف به أصحابه ما يريدون أن يقع شعرة إلا في يد رجل انفرد به احمد
فصل
ثم لبس عليه السلام ثيابه وتطيب بعد ما رمى جمرة العقبة ونحر هديه وقبل أن يطوف بالبيت (5/189)
طيبته عائشة أم المؤمنين قال البخاري ثنا علي بن عبد الله بن المديني ثنا سفيان هو ابن عيينة ثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وكان أفضل أهل زمانه أنه سمع أباه وكان أفضل أهل زمانه يقول إنه سمع عائشة تقول طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي هاتين حين احرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف وبسطت يديها وقال مسلم ثنا يعقوب الدورقي واحمد بن منيع قالا ثنا هشيم أنبأنا منصور عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه عن عائشة قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يحرم ويحل يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك وروى النسائي من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت طيبت رسول الله لحرمه حين أحرم ولحله بعد ما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت وقال الشافعي أنبأنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم قال قالت عائشة أنا طيبت رسول الله لحله واحرامه ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن عائشة فذكره وفي الصحيحين من حديث ابن جريج أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبرا عن عائشة أنها قالت طيبت رسول الله بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والاحرام ورواه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان عن أبي الرحال عن أمه عمرة عن عائشة به وقال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العوفي عن ابن عباس أنه قال إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شيء كان عليكم حراما إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت فقال رجل والطيب يا أبا العباس فقال له إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب هو أم لا وقال محمد بن اسحاق حدثني أبو عبيدة عن عبد الله بن زمعة عن أبيه وأمه زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت كانت الليلة التي يدور فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة النحر فكان رسول الله عندي فدخل وهب بن زمعة ورجل من آل ابي أمية متقمصين فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضتما قالا لا قال فانزعا قميصكما فنزعاهما فقال له وهب ولم يا رسول الله فقال هذا يوم أرخص لكم فيه إذا رميتم الجمرة ونحرتم هديا إن كان لكم فقد حللتم من كل شيء حرمتم منه إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت فاذا رميتم ولم تفيضوا صرتم حرما كما كنتم أول مرة حتى تطوفوا بالبيت وهكذا رواه ابو داود عن احمد بن حنبل ويحيى بن معين كلاهما عن ابن أبي عدي عن ابن اسحاق فذكره وأخرجه البيهقي عن الحاكم عن أبي بكر عن أبي اسحاق عن أبي المثنى العنبري عن يحيى بن معين وزاد في آخره قال أبو عبيدة وحدثتني أم قيس بنت محصن قالت خرج من عندي عكاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمصين عشية يوم النحر ثم رجعوا الينا عشيا وقمصهم على أيديهم يحملونها فسالتهم فأخبروها بمثل ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لوهب بن زمعة وصاحبه وهذا الحديث غريب جدا لا أعلم أحدا من العلماء قال به (5/190)
ذكر افاضته صلى الله عليه و سلم الى البيت العتيق
قال جابر ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه رواه مسلم ففي هذا السياق ما يدل على أنه عليه السلام ركب الى مكة قبل الزوال فطاف بالبيت ثم لما فرغ صلى الظهر هناك وقال مسلم ايضا أخبرنا محمد بن رافع أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى وهذا خلاف حديث جابر وكلاهما عند مسلم فإن عللنا بهما أمكن أن يقال إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة ثم رجع الى منى فوجد الناس ينتظرونه فصلى بهم والله أعلم ورجوعه عليه السلام الى منى في وقت الظهر ممكن لأن ذلك الوقت كان صيفا والنهار طويل وإن كان قد صدر منه عليه السلام أفعال كثيرة في صدر هذا النهار فإنه دفع فيه من المزدلفة بعد ما أسفر الفجر جدا ولكنه قبل طلوع الشمس ثم قدم منى فبدأ برمي جمرة العقبة بسبع حصيات ثم جاء فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة ونحر علي بقية المائة ثم أخذت من كل بدنة بضعة ووضعت في قدر وطبخت حتى نضجت فأكل من ذلك اللحم وشرب من ذلك المرق وفي غبون ذلك حلق رأسه عليه السلام وتطيب فلما فرغ من هذا كله ركب الى البيت وقد خطب عليه السلام في هذا اليوم خطبة عظيمة ولست أدري أكانت قبل ذهابه الى البيت أو بعد رجوعه منه الى منى فالله أعلم والقصد أنه ركب الى البيت فطاف به سبعة أطواف راكبا ولم يطف بين الصفا والمروة كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر وعائشة رضي الله عنهما ثم شرب من ماء زمزم ومن نبيذ تمر من ماء زمزم فهذا كله مما يقوي قول من قال إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة كما رواه جابر ويحتمل أنه رجع الى منى في آخر وقت الظهر فصلى بأصحابه بمنى الظهر أيضا وهذا هو الذي أشكل على ابن حزم فلم يدر ما يقول فيه وهو معذور لتعارض الروايات الصحيحة فيه والله أعلم وقال أبو داود ثنا علي بن بحر وعبد الله بن سعيد المعنى قالا ثنا أبو خالد الاحمر عن محمد بن اسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه عن عائشة قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع الى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمى الجمرة اذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة قال ابن حزم فهذا جابر وعائشة قد اتفقا على أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر بمكة وهما والله أعلم أضبط لذلك من ابن عمر كذا قال وليس بشيء فإن رواية عائشة هذه ليست ناصة أنه (5/191)
عليه السلام صلى الظهر بمكة بل محتملة إن كان المحفوظ في الرواية حتى صلى الظهر وإن كانت الرواية حين صلى الظهر وهو الأشبه فان ذلك دليل على أنه عليه السلام صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب الى البيت وهو محتمل والله سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا فيبقى مخالفا لحديث جابر فان هذا يقتضي أنه صلى الظهر بمنى قبل أن يركب الى البيت وحديث جابر يقتضي أنه ركب الى البيت قبل أن يصلي الظهر وصلاها بمكة وقد قال البخاري وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس أخر النبي صلى الله عليه و سلم يعني طواف الزيارة الى الليل وهذا والذي علقه البخاري فقد وراه الناس من حديث يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وفرج بن ميمون عن سفيان الثوري عن أبى الزبير عن عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم أخر الطواف يوم النحر الى الليل ورواه أهل السنن الأربعة من حديث سفيان به وقال الترمذي حسن وقال الامام احمد حدثنا محمد بن عبد الله ثنا سفيان عن أبي الزبير عن عائشة وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زار ليلا فإن حمل هذا على أنه أخر ذلك الى ما بعد الزوال كأنه يقول الى العشى صح ذلك وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طاف يوم النحر نهارا وشرب من سقاية زمزم وأما الطواف الذي ذهب في الليل الى البيت بسببه فهو طواف الوداع ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة كما سنذكره إن شاء الله أو طواف زيارة محضة قبل طواف الوداع وبعد طواف الصدر الذي هو طواف الفرض وقد ورد حديث سنذكره في موضعه أن رسول الله كا يزور البيت كل ليلة من ليالي منى وهذا بعيد أيضا والله أعلم وقد روى الحافظ البيهقي من حديث عمرو ابن قيس عن عبد الرحمن عن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله أذن لاصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهيرة وزار رسول الله صلى الله عليه و سلم مع نسائه ليلا وهذا حديث غريب جدا أيضا وهذا قول طاوس وعروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخر الطواف يوم النحر الى الليل والصحيح من الروايات وعليه الجمهور أنه عليه السلام طاف يوم النحر بالنهار والأشبه أنه كان قبل الزوال ويحتمل أن يكون بعده والله أعلم
والمقصود أنه عليه السلام لما قدم مكة طاف بالبيت سبعا وهو راكب ثم جاء زمزم وبنو عبد المطلب يستقون منها ويسقون الناس فتناول منها دلوا فشرب منه وأفرغ عليه منه كما قال مسلم أخبرنا محمد بن منهال الضرير ثنا يزيد بن زريع ثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني سمع ابن عباس يقول وهو جالس معه عند الكعبة قدم النبي صلى الله عليه و سلم على راحلته وخلفه اسامة فأتيناه باناء فيه نبيذ فشرب وسقى فضله اسامه وقال أحسنتم وأجملتم هكذا فاصنعوا قال ابن عباس فنحن لا نريد أن نغير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي رواية عن بكر أن اعرابيا قال لابن عباس (5/192)
مالي ارى بني عمكم يسقون اللبن والعسل وأنتم تسقون النبيذ أمن حاجة بكم أم من بخل فذكر له ابن عباس هذا الحديث وقال احمد حدثنا روح ثنا حماد عن حميد عن بكر عن عبد الله أن اعرابيا قال لابن عباس ما شأن آل معاوية يسقون الماء والعسل وآل فلان يسقون اللبن وأنتم تسقون النبيذ أمن بخل بكم أم حاجة فقال ابن عباس ما بنا بخل ولا حاجة ولكن رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءنا ورديفه اسامة بن زيد فاستسقى فسقيناه من هذا يعني نبيذ السقاية فشرب منه وقال أحسنتم هكذا فاصنعوا ورواه احمد عن روح ومحمد بن بكر عن ابن جريج عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس وداود بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس فذكره وروى البخاري عن اسحاق بن سليمان عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله جاء الى السقاية فاستقى فقال العباس يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله بشراب من عندها فقال اسقني فقال يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال اعملوا فانكم على عمل صالح ثم قال لولا أن تغلبوا لنزعت حتى أضع الحبل على هذه يعني عاتقه وأشار الى عاتقه وعنده من حديث عاصم عن الشعبي أن ابن عباس قال سقيت النبي صلى الله عليه و سلم من زمزم فشرب وهو قائم قال عاصم فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير وفي رواية ناقته وقال الامام احمد ثنا هشيم ثنا يزيد بن ابي زياد عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف بالبيت وهو على بعير واستلم الحجر بمحجن كان معه قال وأتى السقاية فقال أسقوني فقالوا إن هذا يخوضه الناس ولكنا نأتيك به من البيت فقال لا حاجة لي فيه اسقوني مما تشرب الناس وقد روى أبو داود عن مسدد عن خالد الطحان عن يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس قال قدم رسول الله مكة ونحن نستقي فطاف على راحلته الحديث وقال الامام احمد حدثنا روح وعفان قالا ثنا حماد عن قيس وقال عفان في حديثه أنبأنا قيس عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال جاء النبي صلى الله عليه و سلم إلى زمزم فنزعنا له دلوا فشرب ثم مج فيها ثم أفر غناها في زمزم ثم قال لولا أن تغلبوا عليها لنزعت بيدي انفرد به احمد واسناده على شرط مسلم فصل
ثم إنه صلى الله عليه و سلم لم يعد الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية بل اكتفى بطوافه الأول كما روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله يقول لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا قلت والمراد بأصحابه هاهنا الذين ساقوا الهدي وكانوا قارنين كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعائشة وكانت أدخلت (5/193)
الحج على العمرة فصارت قارنة يكفيك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك وعند أصحاب الامام احمد أن قول جابر وأصحابه عام في القارنين والمتمتعين ولهذا نص الامام احمد على أن التمتع يكفيه طواف واحد عن حجه وعمرته وان تحلل بينهما تحلل وهو قول غريب مأخذه ظاهر عموم الحديث والله أعلم وقال أصحاب أبي حنيفة في المتمتع كما قال المالكية والشافعية إنه يجب عليه طوافان وسعيان حتى طردت الحنفية ذلك في القارن وهو من افراد مذهبهم أنه يطوف طوافين ويسعى سعيين ونقلوا ذلك عن علي موقوفا وروى عنه مرفوعا الى النبي صلى الله عليه و سلم وقد قدمنا الكلام على ذلك كله عند الطواف وبينا أن اسانيد ذلك ضعيفة مخالفة للأحاديث الصحيحة والله أعلم فصل
ثم رجع عليه السلام الى منى بعد ما صلى الظهر بمكة كما دل عليه حديث جابر وقال ابن عمر رجع فصلى الظهر بمنى رواهما مسلم كما تقدم قريبا ويمكن الجمع بينهما بوقوع ذلك بمكة وبمنى والله أعلم وتوقف ابن حزم في هذا المقام فلم يجزم فيه بشيء وهو معذور لتعارض النقلين الصحيحين فيه فالله أعلم وقال محمد بن اسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع الى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ورواه أبو داود منفردا به وهذا يدل على أن ذهابه عليه السلام الى مكة يوم النحر كان بعد الزوال وهذا ينافي حديث ابن عمر قطعا وفي منافاته لحديث جابر نظر والله أعلم فصل
وقد خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا اليوم الشريف خطبة عظيمة تواترت بها الأحاديث ونحن نذكر منها ما يسره الله عز و جل قال البخاري باب الخطبة أيام منى حدثنا علي بن عبد الله ثنا يحيى بن سعيد ثنا فضيل بن غزوان ثنا عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب الناس يوم النحر فقال أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا قال فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهم هل بلغت اللهم قد بلغت قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ورواه الترمذي عن الفلاس عن يحيى القطان به وقال حسن صحيح وقال البخاري أيضا حدثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو عامر ثنا قرة عن محمد بن سيرين (5/194)
أخبرني عبد الرحمن بن ابي بكرة عن أبيه ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن عن ابي بكرة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النحر فقال أتدرون أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس هذا يوم النحر قلنا بلى قال أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس ذو الحجة قلنا بلى قال أي بلد هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس بالبلدة الحرام قلنا بلى قال فان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ورواه البخاري ومسلم من طرق عن محمد بن سيرين به ورواه مسلم من حديث عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه فذكره وزاد في آخره ثم انكفأ الى كبشين أملحين فذبحهما والى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا وقال الامام احمد ثنا اسماعيل أنبأنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب في حجته فقال ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنى عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ثم قال ألا أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى ثم قال أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه قال أليس ذا الحجة قلنا بلى ثم قال أي بلد هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليست البلدة قلنا بلى قال فان دماءكم وأموالكم لأحبسه قال واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا هل بلغت ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه هكذا وقع في مسند الامام احمد عن محمد بن سيرين عن أبي بكرة وهكذا رواه أبو داود عن مسدد والنسائي عن عمرو بن زرارة كلاهما عن اسماعيل وهو ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي بكرة به وهو منقطع لأن صاحبا الصحيح أخرجاه من غير وجه عن أيوب وغيره عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن ابي بكرة عن أبيه به وقال البخاري أيضا ثنا محمد ابن المثنى ثنا يزيد بن هارون أنبأنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه و سلم بمنى أتدرون أي يوم هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال فان هذا يوم حرام أفتدرون أي بلد هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال بلد حرام قال أفتدرون أي شهر هذا قالوا الله ورسوله أعلم (5/195)
قال شهر حرام فان الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا وقد أخرجه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده عبد الله بن عمر فذكره قال البخاري وقال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر وقف النبي صلى الله عليه و سلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا وقال هذا يوم الحج الأكبر فطفق النبي صلى الله عليه و سلم يقول اللهم اشهد وودع الناس فقالوا هذه حجة الوداع وقد أسند هذا الحديث أبو داود عن مؤمل بن الفضل عن الوليد بن مسلم وأخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن صدقة بن خالد كلاهما عن هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي أبي العباس الدمشقي به وقيامه عليه السلام بهذه الخطبة عند الجمرات يحتمل أنه بعد رميه الجمرة يوم النحر وقبل طوافه ويحتمل أنه بعد طوافه ورجوعه الى منى ورميه بالجمرات لكن يقوى الأول ما رواه النسائي حيث قال حدثنا عمرو بن هشام الحراني ثنا محمد بن سلمة عن ابي عبد الرحيم عن زيد بن ابي أنيسة عن يحيى بن حصين الأحمسي عن جدته أم حصين قالت حججت في حجة النبي صلى الله عليه و سلم فرأيت بلالا آخذا بقود راحلته وأسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يظله من الحر وهو محرم حتى رمى جمرة العقبة ثم خطب الناس فحمد وأثنى عليه وذكر قولا كثيرا وقد رواه مسلم من حديث زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن جدته أم الحصين قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع فرايت اسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة قالت فقال رسول الله قولا كثيرا ثم سمعته يقول إن أمر عليكم عبد مجدع حسبتها قالت أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوه وقال الامام احمد ثنا محمد بن عبيد الله ثنا الأعمش عن أبي صالح وهو ذكوان السمان عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النحر فقال أي يوم أعظم حرمة قالوا يومنا هذا قال أي شهر أعظم حرمة قالوا شهرنا هذا قال أي بلد أعظم حرمة قالوا بلدنا هذا قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد انفرد به احمد من هذا الوجه وهو على شرط الصحيحين ورواه أبو بكر بن ابي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش به وقد تقدم حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في خطبته عليه السلام يوم عرفة فالله أعلم قال الامام احمد ثنا علي بن بحر ثنا عيسى بن يونس عن الاعمش عن ابي صالح عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فذكر معناه وقد رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس به وإسناده على شرط الصحيحين فالله أعلم وقال الحافظ ابو بكر البزار حدثنا أبو هشام (5/196)
ثنا حفص عن الأعمش عن أبي صالح عن ابي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب فقال أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ثم قال البزار رواه أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد وجمعهما لنا أبو هشام عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد قلت وتقدم رواية أحمد له عن محمد بن عبيد الطنافسي عن الأعمش عن ابي صالح عن جابر ابن عبد الله فلعله عند أبي صالح عن الثلاثة والله أعلم وقال هلال بن يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع إنما هن أربع لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا قال فما أنا بأشج عليهن مني حين سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد رواه احمد والنسائي من حديث منصور عن هلال بن يساف وكذلك رواه سفيان بن عيينة والثوري عن منصور وقال ابن حزم في حجة الوداع حدثنا احمد بن عمر ابن أنس العذري ثنا أبو ذر عبد الله بن احمد الهروي الأنصاري ثنا احمد بن عبدان الحافظ بالاهواز ثنا سهل بن موسى بن شيرزاد ثنا موسى بن عمرو بن عاصم ثنا أبو العوام ثنا محمد بن جحادة عن زياد بن علاقة عن اسامة بن شريك قال شهدت رسول الله في حجة الوداع وهو يخطب وهو يقول أمك واباك وأختك وأخاك ثم ادناك أدناك قال فجاء قوم فقالوا يا رسول الله قبلنا بنو يربوع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تجني نفس على أخرى ثم سأله رجل نسي أن يرمي الجمار فقال ارم ولا حرج ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله نسيت الطواف فقال طف ولا حرج ثم أتاه آخر حلق قبل أن يذبح قال اذبح ولا حرج فما سألوه يومئذ عن شيء إلا قال لا حرج لا حرج ثم قال قد أذهب الله الحرج إلا رجلا اقترض امرأ مسلما فذلك الذي حرج وهلك وقال ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء إلا الهرم وقد روى الامام احمد وأهل السنن بعض هذا السياق من هذه الطريق وقال الترمذى حسن صحيح وقال الامام احمد ثنا حجاج حدثني شعبة عن علي بن مدرك سمعت ابا زرعة يحدث عن جرير وهو جده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في حجة الوداع يا جرير استنصت الناس ثم قال في خطبته لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ثم رواه احمد عن غندر وعن ابن مهدي كل منهما عن شعبة به وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به وقال احمد ثنا ابن نمير ثنا اسماعيل عن قيس قال بلغنا أن جريرا قال قال رسول الله استنصت الناس ثم قال عند ذلك لا أعرفن بعد ما أرى ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ورواه النسائي من حديث عبد الله بن نمير به وقال النسائي ثنا هناد بن السري عن أبي الاحوص عن ابن غرقدة عن سليمان بن عمرو عن أبيه قال شهدت رسول الله في حجة الوداع يقول ايها الناس ثلاث مرات (5/197)
أي يوم هذا قالوا يوم الحج الأكبر قال فان دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ولا يجني جان على والده ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية يوضع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وذكر تمام الحديث وقال أبو داود باب من قال يخطب يوم النحر حدثنا هارون بن عبد الله ثنا هشام بن عبد الملك ثنا عكرمة هو ابن عمار ثنا الهرماس بن زياد الباهلي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الاضحى بمنى ورواه احمد والنسائي من غير وجه عن عكرمة بن عمار عن الهرماس قال كان أبي مردفي فرايت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس بمنى يوم النحر على ناقته العضباء لفظ احمد وهو من ثلاثيات المسند ولله الحمد ثم قال أبو داود ثنا مؤمل بن الفضل الحراني ثنا الوليد ثنا ابن جرير ثنا سليم بن عامر سمعت ابا أمامة يقول سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنى يوم النحر وقال الامام احمد ثنا عبد الرحمن عن معاوية بن صالح عن سليم بن عامر الكلاعي سمعت ابا امامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يومئذ على الجدعاء واضع رجليه في الغرز يتطاول ليسمع الناس فقال بأعلا صوته ألا تسمعون فقال رجل من طوائف الناس يا رسول الله ماذا تعهد الينا فقال اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا اذا أمرتم تدخلوا جنة ربكم فقلت يا أبا أمامة مثل من أنت يومئذ قال أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة أزاحم البعير أزحزحه قدما لرسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه احمد أيضا عن زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح واخرجه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكوفي عن زيد بن الحباب وقال حسن صحيح قال الامام احمد ثنا أبو المغيرة ثنا اسماعيل بن عباس ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني سمعت ابا أمامة الباهلي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في خطبته عام حجة الوداع إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر وحسابهم على الله ومن ادعى الى غير أبيه أو انتمى الى غير مواليه فعليه لعنة الله التابعة الى يوم القيامة لا تنفق امرأة من بيتها إلا بإذن زوجها فقيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا ثم قال رسول الله العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم ورواه أهل السنن الأربعة من حديث اسماعيل بن عياش وقال الترمذي حسن ثم قال أبو داود رحمه الله باب من يخطب يوم النحر حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي ثنا مروان عن هلال بن عامر المزني حدثنى رافع بن عمرو المزنى قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي يعبر عنه والناس بين قائم وقاعد ورواه النسائي عن دحيم عن مروان الفزاري به وقال الامام احمد حدثنا أبو معاوية ثنا هلال بن عامر المزني عن ابيه قال رأيت (5/198)
رسول الله يخطب الناس بمنى على بغلة وعليه برد أحمر قال ورجل من اهل بدر بين يديه يعبر عنه قال فجئت حتى أدخلت يدي بين قدمه وشراكه قال فجعلت أعجب من بردها حدثنا محمد بن عبيد ثنا شيخ من بني فزارة عن هلال بن عامر المزني عن أبيه قال رأيت رسول الله على بغلة شهباء وعلي يعبر عنه ورواه ابو داود من حديث أبي معاوية عن هلال بن عامر ثم قال أبو داود باب ما يدكر الامام في خطبته بمنى حدثنا مسدد ثنا عبد الوارث عن حميد الاعرج عن محمد بن ابراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن بمنى ففتحت اسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع السباحتين ثم قال حصى الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك وقد رواه احمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن ابيه وأخرجه النسائي من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث كذلك وتقدم رواية الامام احمد له عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن ابراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من الصحابة فالله أعلم وثبت في الصحيحين من حديث ابن جريج عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بينا هو يخطب يوم النحر فقام اليه رجل فقال كنت أحسب أن كذا وكذا قبل كذا وكذا ثم قام آخر فقال كنت أحسب أن كذا وكذا قبل كذا فقال رسول الله افعل ولا حرج وأخرجاه من حديث مالك زاد مسلم ويونس عن الزهري به وله ألفاظ كثيرة ليس هذا موضع استقصائها ومحله كتاب الاحكام وبالله المستعان وفي لفظ الصحيحين قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك اليوم عن شيء قدم وإلا أخر إلا قال افعل ولا حرج فصل
ثم نزل عليه السلام بمنى حيث المسجد اليوم فيما يقال وأنزل المهاجرين يمنته والأنصار يسرته والناس حولهم من بعدهم وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا ابراهيم بن اسحاق الزهري ثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا اسرائيل عن ابراهيم ابن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أم مسيكة عن عائشة قال قيل يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بناء يظلك قال لا منى مناخ م 4 ن سبق وهذا إسناد لا بأس به وليس هو في المسند ولا في الكتب الستة من هذا الوجه وقال أبو داود ثنا ابو بكر محمد بن خلاد الباهلي ثنا يحيى عن ابن جريج أو ابو حريز الشك من يحيى أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر قال إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبت على المال فقال أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فبات بمنى وظل انفرد به أبو داود (5/199)
ثم قال أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا ابن نمير وأبو اسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته سقايته فاذن له وهكذا رواه البخاري ومسل من حديث عبد الله بن نمير زاد البخاري وأبي ضمرة أنس بن عياض زاد مسلم وابي أسامة حماد بن أسامة وقد علقه البخاري عن أبي اسامه وعقبة بن خالد كلهم عن عبيد الله ابن عمر به وقد كان صلى الله عليه و سلم يصلي بأصحابه بمنى ركعتين كما ثبت عنه ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود وحارثة بن وهب رضي الله عنهما ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن سبب هذا القصر النسك كما هو قول طائفة من المالكية وغيرهم قالوا ومن قال إنه عليه السلام كان يقول بمنى لأهل مكة أتموا فإنا قوم سفر فقد غلط إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح وهو نازل بالأبطح كما تقدم والله أعلم وكان صلى الله عليه و سلم يرمي الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى بعد الزوال كما قال جابر فيما تقدم ماشيا كما قال ابن عمر فيما سلف كل جمرة بسب حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى وعند الثانية يدعو الله عز و جل ولا يقف عند الثالثة قال أبو داود ثنا علي بن بحر وعبد الله ابن سعيد المعني قالا ثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن اسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه عن عائشة قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع الى منى فمكث بها ايام التشريق يرمي الجمرة اذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة ويقف عند الاولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع ويرمى الثالثة لا يقف عندها انفرد به أبو داود وروى البخاري من غير وجه عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم ثم يسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطمنالوادي لا يقف عندها ثم ينصرف فيقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله وقال وبرة بن عبد الرحمن قام ابن عمر عند العقبة بقدر قراءة سورة البقرة وقال أبو مجلز جزرت قيامه بعد قراءة سورة يوسف ذكرهما البيهقي وقال الامام احمد حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن ابي القداح عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما وقال احمد ثنا محمد بن ابي بكر وأما روح ثنا ابن جريج أخبرني محمد بن ابي بكر بن محمد بن عمرو عن ابيه عن ابي القداح بن عاصم بن عدي عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ارخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ثم يدعوا يوما وليلة ويرموا الغد وقال الامام احمد ثنا عبد الرحمن ثنا مالك عن عبد الله عن بكر عن أبيه عن ابي القداح عن عاصم ابن عدي عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص لرعاء الابل في البيتوتة بمنى حتى يرمون يوم النحر (5/200)
ثم يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر وكذا رواه عن عبد الرزاق عن مالك بنحوه وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث مالك ومن حديث سفيان ابن عيينة به قال الترمذي ورواية مالك اصح وهو حديث حسن صحيح فصل
فيما ورد من الأحاديث الدالة على أنه عليه السلام حطب الناس بمنى في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو أوسطها قال أبو داود باب أي يوم يخطب حدثنا محمد بن العلاء أنبأنا ابن المبارك عن ابراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر قالا رأينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه و سلم التي خطب بمنى انفرد به أبو داود ثم قال ابو داود ثنا محمد بن بشار ثنا أبو عاصم ثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين حدثتني جدتي سراء بنت نبهان وكانت ربة بيت في الجاهلية قالت خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الرؤوس فقال أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم قال أليس أوسط ايام التشريق انفرد به أبو داود قال أبو داود وكذلك قال عم ابي حرة الرقاشي أنه خطب اوسط أيام التشريق وهذا الحديث قد رواه الامام احمد متصلا مطولا فقال ثنا عثمان ثنا حماد بن سلمة أنبأنا علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم في أوسط ايام التشريق اذود عنه الناس فقال يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم وفي أي يوم أنتم وفي أي بلد أنتم قالوا في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقونه ثم قال اسمعوا مني تعيشوا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا إنه لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه الى يوم القيامة وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مستعرضا في بني سعد فقتلته هذيل ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ألا وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض ثم قرأ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا (5/201)
إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وإن لهن عليكم حقا ولكم عليهن حق أن لا يوطئن فرشكم أحد غيركم ولا يأذن فيي بيوتكم لأحد تكرهونه فان خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنما أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها وبسط يده وقال ألا هل بلغت ألا هل بلغت ثم قال ليبلغ الشاهد الغائب فانه رب مبلغ أسعد من سامع قال حميد قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة قد والله بلغوا أقواما كانوا أسعد به وقد روى أبو داود في كتاب النكاح من سننه عن موسى بن اسماعيل عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي حرة الرقاشي واسمه حنيفة عن عمه ببعضه في النشوز قال ابن حزم جاء أنه خطب يوم الرؤوس وهو اليوم الثاني من يوم النحر بلا خلاف عن أهل مكة وجاء أنه أوسط أيام التشريق فيحتمل على أن أوسط بمعنى أشرف كما قال تعالى كذلك جعلناكم أمة وسطا وهذا المسلك الذي سلكه ابن حزم بعيد والله أعلم وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا الوليد بن عمرو بن مسكين ثنا أبو همام محمد بن الزبرقان ثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار وصدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر قال نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنى وهو في أوسط ايام التشريق في حجة الوداع إذا جاء نصر الله والفتح فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت له ثم ركب فوقف الناس بالعقبة فاجتمع اليه ما شاء الله من المسلمين فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فان كل دم كان في الجاهلية فهو هدر وإن أول دمائكم اهدر دم ربيعة ابن الحارث كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل وكل ربا في الجاهلية فهو موضوع وان أول رباكم اضع ربا العباس بن عبد المطلب أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر منها أربعة حرم رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم الآية إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله كانوا يحلون صفرا عاما ويحرمون المحرم عاما ويحرمون صفرا عاما ويحلون المحرم عاما فذلك النسئ يا أيها الناس من كان عنده وديعة فليؤدها الى من ائتمنه عليها أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان وقد يرضى عنكم بمحقرات الأعمال فاحذروه على دينكم بمحقرات الأعمال أيها الناس إن النساء عندكم عوان أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله لكم عليهن ولهن عليكم حق ومن حقكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يعصينكم في (5/202)
معروف فإن فعلن ذلك فليس عليهن سبيل ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف فإن ضربتم فاضربوا ضربا غير مبرح ولا يحل لامرء من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه أيها الناس اني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله فاعملوا به أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلد حرام قال أي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن الله حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة هذا اليوم في هذا البلد وهذا الشهر ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم ثم رفع يديه فقال اللهم اشهد
حديث الرسول صلى الله عليه و سلم يزور البيت كل ليلة من ليالي منى
قال البخاري يذكر عن أبي حسان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يزور البيت في أيام منى هكذا ذكره معلقا بصيغة التمريض وقد قال الحافظ البيهقي أخبرناه أبو الحسن بن عبدان أنبأنا احمد بن عبيد الصفار ثنا العمري أنبأنا ابن عرعرة فقال دفع الينا معاذ بن هشام كتابا قال سمعته من ابي ولم يقرأه قال فكان فيه عن قتادة عن ابي حسان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى قال وما رأيت أحدا واطأه عليه قال البيهقي وروى الثوري في الجامع عن طاوس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفيض كل ليلة يعني ليالي منى وهذا مرسل فصل
اليوم السادس من ذي الحجة قال بعضهم يقال له يوم الزينة لأنه يزين فيه البدن بالجلال وغيرها واليوم السابع يقال له يوم التروية لأنهم يتروون فيه من الماء ويحملون منه ما يحتاجون اليه حال الوقوف وما بعده واليوم الثامن يقال له يوم منى لأنهم يرحلون فيه من الأبطح الى منى واليوم التاسع يقال له يوم عرفة لوقوفهم فيه بها واليوم العاشر يقال له يوم النحر ويوم الأضحى ويوم الحج الأكبر واليوم الذي يليه يقال له يوم القر لأنهم يقرون فيه ويقال له يوم الرؤوس لأنهم يأكلون فيه رؤوس الاضاحي وهو أول أيام التشريق وثاني أيام التشريق يقال له يوم النفر الأول لجواز النفر فيه وقيل هو اليوم الذي يقال له يوم الرؤوس واليوم الثالث من أيام التشريق يقال له يوم النفر الآخر قال الله تعالى فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه الآية فلما كان يوم النفر الآخر وهو اليوم الثالث من ايام التشريق وكان يوم الثلاثاء ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون معه فنفر بهم من منى فنزل المحصب وهو واد بين مكة ومنى فصلى به العصر كما قال البخاري حدثنا محمد بن المثنى ثنا اسحاق بن يوسف ثنا يوسف ثنا سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع (5/203)
قال سألت أنس بن مالك أخبرني عن شيء عقلته عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أين صلى الظهر يوم التروية قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر قال بالأبطح افعل كما يفعل امراؤك وقد روى أنه صلى الله عليه و سلم صلى الظهر يوم النفر بالأبطح وهو المحصب فالله أعلم قال البخاري حدثنا عبد المتعال ابن طالب ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة حدثه أن أنس بن مالك حدثه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه صلى الظهر والعصر والعشاء ورقد رقدة في المحصب ثم ركب الى البيت فطاف به قلت يعني طواف الوداع وقال البخاري ثنا عبد الله بن عبد الوهاب ثنا خالد بن الحارث قال سئل عبد الله عن المحصب فحدثنا عبيد الله عن نافع قال نزل بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وعمر وابن عمر وعن نافع أن ابن عمر كان يصلي بها يعني المحصب والظهر والعصر أحسبه قال والمغرب قال خالد لا اشك في العشاء ثم يهجع هجعة ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال الامام احمد ثنا نوح بن ميمون أنبأنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبا بكر وعمر وعثمان نزلوا المحصب هكذا رأيته في مسند الامام احمد من حديث عبد الله العمري عن نافع وقد روى الترمذي هذا الحديث عن اسحاق بن منصور وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى كلاهما عن عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم وابا بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح قال الترمذي وفي الباب عن عائشة وأبي رافع وابن عباس وحديث ابن عمر حسن غريب وإنما نعرفه من حديث عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر به وقد رواه مسلم عن محمد بن مهران الرازي عن عبد الرزاق عن معمر عن ايوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وابا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح ورواه مسلم أيضا من حديث صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينزل المحصب وكان يصلي الظهر يوم النفر بالحصبة قال نافع قد حصب رسول الله صلى الله عليه و سلم والخلفاء بعده وقال الامام احمد حدثنا يونس ثنا حماد يعني ابن سلمة عن أيوب وحميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة ثم دخل يعني مكة فطاف بالبيت ورواه احمد أيضا عن عفان عن حماد عن حميد عن بكر عن ابن عمر فذكره وزاد في آخره وكان ابن عمر يفعله وكذلك رواه ابو داود عن احمد بن حنبل وقال البخاري ثنا الحميدي ثنا الوليد ثنا الأوزاعي حدثني الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من الغد يوم النحر بمنى نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر يعني بذلك المحصب الحديث ورواه مسلم عن زهير بن (5/204)
حرب عن الوليد بن مسلم عن الاوزاعي فذكر مثله سواء وقال الامام احمد ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله أين تنزل غدا في حجته قال وهل ترك لنا عقيل منزلا ثم قال نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة يعني المحصب حيث قاسمت قريشا على الكفر وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم يعني حتى يسلموا اليهم رسول الله ثم قال عند ذلك لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم قال الزهري والخيف الوادي أخرجاه من حديث عبد الرزاق وهذان الحديثان فيهما دلالة على أنه عليه السلام قصد النزول في المحصب مراغمة لما كان تمالئ عليه كفار قريش لما كتبوا الصحيفة في مصارمة بني هاشم وبني المطلب حتى يسلموا اليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قدمنا بيان ذلك في موضعه وكذلك نزله عام الفتح فعلى هذا يكون نزوله سنة مرغبا فيها وهو أحد قولي العلماء وقد قال البخاري ثنا أبو نعيم أنبأنا سفيان عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت إنما كان منزلا ينزله النبي صلى الله عليه و سلم ليكون أسمح لخروجه يعني الابطح وأخرجه مسلم من حديث هشام به ورواه أبو داود عن احمد ابن حنبل عن يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله وقال البخاري حدثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان قال قال عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان وهو ابن عيينة به وقال أبو داود ثنا احمد بن حنبل وعثمان بن ابي شيبة ومسدد المعنى قالوا ثنا سفيان ثنا صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار قال قال أبو رافع لم يأمرني يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أنزله ولكن ضربت فيه فنزله قال مسدد وكان على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم وقال عثمان يعني الأبطح ورواه مسلم عن قتيبة وأبي بكر وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة به والمقصود أن هؤلاء كلهم اتفقوا على نزول النبي صلى الله عليه و سلم في المحصب لما نفر من منى ولكن اختلفوا فمنهم من قال لم يقصد نزوله وإنما نزله اتفاقا ليكون أسمح لخروجه ومنهم من أشعر كلامه بقصده عليه السلام نزوله وهذا هو الأشبه وذلك أنه عليه السلام أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت وكانوا قبل ذلك ينصرفون من كل وجه كما قال ابن عباس فأمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت وكانوا قبل ذلك ينصرفون من كل وجه كما قال ابن عباس فامر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت يعني طواف الوداع فاراد عليه السلام أن يطوف هو ومن معه من المسلمين بالبيت طواف الوداع وقد نفر من منى قريب الزوال فلم يكن يمكنه أن يجيء البيت في بقية يومه ويطوف به ويرحل الى ظاهر مكة من جانب المدينة لأن ذلك قد (5/205)
يتعذر على هذا الجم الغفير فاحتاج أن يبيت قبل مكة ولم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصب الذي كانت قريش قد عاقدت بني كنانة على بني هاشم وبني المطلب فيه فلم يبرم الله لقريش أمرا بل كبتهم وردهم خائبين وأظهر الله دينه ونصر نبيه وأعلا كلمته وأتم له الدين القويم وأوضح به الصراط المستقيم فحج بالناس وبين لهم شرائع الله وشعائره وقد نفر بعد اكمال المناسك فنزل في الموضع الذي تقاسمت قريش فيه على الظلم والعدوان والقطيعة فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة وقد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليعمرها من التنعيم فاذا فرغت اتته فلما قضت عمرتها ورجعت أذن في المسلمين بالرحيل الى البيت العتيق كما قال أبو داود حدثنا وهب بن بقية ثنا خالد عن أفلح عن القاسم عن عائشة قالت أحرمت من التنعيم بعمرة فدخلت فقضيت عمرتي وانتظرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأبطح حتى فرغت وامر الناس بالرحيل قالت وأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم البيت فطاف به ثم خرج وأخرجاه في الصحيحين من حديث أفلح بن حميد ثم قال أبو داود ثنا محمد بن بشار ثنا أبو بكر يعني الحنفي ثنا أفلح عن القاسم [ عنها ] يعني عائشة قالت خرجت معه يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم النفر الآخر ونزل المحصب قال أبو داود فذكر ابن بشار بعثها الى التنعيم قالت ثم جئت سحرا فأذن في الصحابة بالرحيل فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج ثم انصرف متوجها الى المدينة ورواه البخاري عن محمد بن بشار به
قلت والظاهر أنه عليه السلام صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه وقرأ في صلاته تلك بسورة والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور السورة بكمالها وذلك لما رواه البخاري حيث قال حدثنا اسماعيل حدثني مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قال شكوت الى رسول الله أني اشتكي قال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة فطفت ورسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي حينئذ الى جنب البيت وهو يقرأ والطور وكتاب مسطور وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث مالك باسناد نحوه وقد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة عن ابيه عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله قال وهو بمكة واراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت وارادت الخروج فقال لها إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون فذكر الحديث فأما ما رواه الامام احمد حدثنا ابو معاوية ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت ابي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة فهو اسناد كما (5/206)
ترى على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من هذا الوجه بهذا اللفظ ولعل قوله يوم النحر غلط من الراوي أو من الناسخ وإنما هو يوم النفر ويؤيده ما ذكرناه من رواية البخاري والله أعلم والمقصود أنه عليه السلام لما فرغ من صلاة الصبح طاف بالبيت سبعا ووقف في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجر الاسود وبين باب الكعبة فدعا الله عز و جل والزق جسده بجدار الكعبة قال الثوري عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم المثنى ضعيف فصل
ثم خرج عليه السلام من اسفل مكة كما قالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة من أعلاها وخرج من اسفلها أخرجاه وقال ابن عمر دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى رواه البخاري ومسلم وفي لفظ دخل من كداء وخرج من كدى وقد قال الامام احمد ثنا محمد بن فضيل ثنا أجلح بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة عند غروب الشمس فلم يصل حتى أتى سرف وهي على تسعة أميال من مكة وهذا غريب جدا وأجلح فيه نظر ولعل هذا في غير حجة الوداع فانه عليه السلام كما قدمنا طاف بالبيت بعد صلاة الصبح فماذا أخره الى وقت الغروب هذا غريب جدا اللهم إلا أن يكون ما ادعاه ابن حزم صحيحا من أنه عليه السلام رجع الى المحصب من مكة بعد طوافه بالبيت طواف الوداع ولم يذكر دليلا على ذلك إلا قول عائشة حين رجعت من اعتمارها من التنعيم فلقيته بصعدة وهو مهبط على أهل مكة او منهبطه وهو مصعد قال ابن حزم الذي لا شك فيه أنها كانت مصعدة من مكة وهو منهبط لأنها تقدمت الى العمرة وانتظرها حتى جاءت ثم نهض عليه السلام الى طواف الوداع فلقيها منصرفه الى المحصب من مكة وقال البخاري باب من نزل بذي طوى اذا رجع من مكة وقال محمد بن عيسى حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان اذا أقبل بات بذي طوى حتى اذا اصبح دخل واذا نفر مر بذي طوى وبات بها حتى يصبح وكان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك هكذا ذكر هذا معلقا بصيغة الجزم وقد أسنده هو ومسلم من حديث حماد بن زيد به لكن ليس فيه ذكر المبيت بذي طوى في الرجعة فالله أعلم
فائدة عزيزة فيها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استصحب معه من ماء زمزم شيئا قال الحافظ ابو عيسى الترمذي حدثنا أبو كريب ثنا خلاد بن يزيد الجعفي ثنا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحمله ثم قال (5/207)
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال البخاري ثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك ثنا موسى بن عقبة عن سالم ونافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان اذا قفل من الغزو أو من الحج أو من العمرة يبدأ فيكبر ثلاث مرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده والاحاديث في هذا كثيرة ولله الحمد والمنة فصل
في إيراد الحديث الدال على أنه عليه السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة يقال له غدير خم فبين فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه اليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وتضييقا وبخلا والصواب كان معه في ذلك ولهذا لما تفرغ عليه السلام من بيان المناسك ورجع الى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك فبين فيها أشياء وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه اليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه ونحن نورد عيون الأحاديث الواردة في ذلك ونبين ما فيها من صحيح وضعيف بحول الله وقوته وعونه وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه وساق الغث والسمين والصحيح والسقيم على ما جرت به عادة كثير من المحدثين يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة ونحن نورد عيون ما روى في ذلك مع اعلامنا أنه لاحظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه فنقول وبالله المستعان
قال محمد بن اسحاق في سياق حجة الوداع حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال لما أقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة تعجل الى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فاذا عليهم الحلل قال ويلك ما هذا قال كسوت القوم ليتجملوا به اذا قدموا في الناس قال ويلك (5/208)
انزع قبل أن ينتهي به الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فانتزع الحلل من الناس فردها في البز قال وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب وكانت عند أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد قال اشتكى الناس عليا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا خطيبا فسمعته يقول أيها الناس لا تشكو عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله [ من أن يشكي ] ورواه الامام احمد من حديث محمد بن اسحاق به وقال انه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله وقال الامام احمد حدثنا الفضل بن دكين ثنا ابن أبي غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة قال غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه وكذا رواه النسائي عن أبي داود الحراني عن ابي نعيم الفضل بن دكين عن عبد الملك بن أبي غنية باسناده نحوه وهذا اسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات وقد روى النسائي في سننه عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن ابي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن ارقم قال لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير حم أمر بدوحات فقممن ثم قال كأني قد دعيت فأجبت اني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه تفرد به النسائي من هذا الوجه قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح وقال ابن ماجه حدثنا علي بن محمد أنا أبو الحسين أنبأنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع التي حج فنزل في الطريق فأمر الصلاة جامعة فأخذ بيد علي فقال الست بأولى المؤمنين من أنفسسهم قالوا بلى قال ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فهذا ولي من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي عن البراء وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي والحسن بن سفيان ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد وابي هارون عن عدي بن ثابت عن البراء قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة (5/209)
الوداع فلما أتينا على غدير خم كشح لرسول الله صلى الله عليه و سلم تحت شجرتين ونودي في الناس الصلاة جامعة ودعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا وأخذ بيده فاقامه عن يمينه فقال ألست أولى بكل امرء من نفسه قالوا بلى قال فان هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر بن الخطاب فقال هنيئا لك أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ورواه ابن جرير عن أبي زرعة عن موسى بن اسماعيل عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد وابي هارون العبدي وكلاهما ضعيف عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب به وروىابن جرير هذا الحديث من حديث موسى بن عثمان الحضرمي وهو ضعيف جدا عن أبي اسحاق السبيعي عن البراء وزيد بن أرقم فالله أعلم وقال الامام احمد حدثنا ابن نمير ثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكندي عن زاذان أبي عمر قال سمعت عليا بالرحبة وهو ينشد الناس من شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال قال فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقول من كنت مولاه فعلي مولاه تفرد به احمد وأبو عبد الرحيم هذا لا يعرف وقال عبد الله بن الامام احمد في مسند أبيه حديث علي بن حكيم الاودي أخبرنا شريك عن أبي اسحاق عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيغ قال نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم غدير خم [ ما قال ] إلا قام قال فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعلي يوم غدير خم أليس الله أولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال عبد الله وحدثني علي بن حكيم انا شريك عن ابي اسحاق عن عمرو ذي أمر مثل حديث ابي اسحاق يعني عن سعيد وزيد وزاد فيه وانصر من نصره واخذل من خذله قال عبد الله وحدثنا علي ثنا شريك عن الاعمش عن حبيب بن ابي ثابت عن ابي الطفيل عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله وقال النسائي في كتاب خصائص علي حدثنا حسين بن حرب ثنا الفضل بن موسى عن الاعمش عن ابي اسحاق عن سعيد بن وهب قال قال علي في الرحبة أنشد بالله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غدير خم يقول ان الله ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وكذلك رواه شعبة عن ابي اسحاق وهذا اسناد جيد ورواه النسائي أيضا من حديث اسرائيل عن ابي اسحاق عن عمرو ذي أمر قال نشد علي الناس بالرحبة فقام اناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فان عليا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره ورواه ابن جرير عن احمد بن منصور عن عبد الرزاق عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن زيد بن وهب وعبد خير عن علي وقد رواه ابن جرير عن احمد بن منصور عن (5/210)
عبيد الله بن موسى وهو شيعي ثقة عن فطر بن خليفة عن أبي اسحاق عن زيد بن وهب وزيد بن يثيغ وعمرو ذي أمر أن عليا أنشد الناس بالكوفة وذكر الحديث وقال عبد الله بن احمد حدثني عبيد الله بن عمر القواريري ثنا يونس بن أرقم ثنا يزيد بن ابي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى شهدت عليا في الرحبة ينشد الناس فقال اشهد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام فشهد قال عبد الرحمن فقام اثنا عشر رجلا بدريا كأني أنظر الى أحدهم فقالوا نشهد أنا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم فقلنا بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه اسناد ضعيف غريب وقال عبد الله بن احمد حدثنا احمد بن عمير الوكيعي ثنا زيد بن الحباب ثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي أنبأنا سماك عن عبيد بن الوليد القيسي قال دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثني أنه شهد عليا في الرحبة قال أنشد بالله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم وشهده يوم غدير خم إلأ قام ولا يقوم إلا من رآه فقام اثنا عشر رجلا فقالوا قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فاصابتهم دعوته وروى أيضا عن عبد الاعلى بن عامر التغلبي وغيره عن عبد الرحمن بن ابي ليلى به وقال ابن جرير ثنا احمد بن منصور ثنا أبو عامر العقدي وروى ابن أبي عاصم عن سليمان الغلابي عن ابي عامر العقدي ثنا كثير بن زيد حدثني محمد بن عمر بن علي عن ابيه عن علي أن رسول الله حضر الشجرة بخم فذكر الحديث وفيه من كنت مولاه فان عليا مولاه وقد رواه بعضهم عن أبي عامر عن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن علي منقطعا وقال اسماعيل بن عمرو البجلي وهو ضعيف عن مسعر عن طلحة بن مصرف عن عميرة ابن سعد أنه شهد عليا على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من سمع رسول الله يوم غدير خم فقام اثنا عشر رجلا منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وقد رواه عبيد الله بن موسى عن هاني بن ايوب وهو ثقة عن طلحة بن مصرف به وقال عبد الله بن احمد حدثني حجاج بن الشاعر ثنا شبابة ثنا نعيم بن حكيم حدثني أبو مريم ورجل من جلساء علي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه قال فزاد الناس بعد وال من والاه وعاد من عاداه روى أبو داود بهذا السند حديث المخرج وقال الامام احمد حدثنا حسين بن محمد وابو نعيم المعنى قالا ثنا قطن عن ابي الطفيل قال جمع علي الناس في الرحبة يعني رحبة مسجد الكوفة فقال أنشد الله كل من سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام (5/211)
ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فخرجت كأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن ارقم فقلت له إني سمعت عليا يقول كذا وكذا قال فما تنكر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ذلك له هكذا ذكره الامام احمد في مسند زيد بن أرقم رضي الله عنه ورواه النسائى وقد تقدم واخرجه النسائي من حديث الاعمش ع عن حبيب بن ابي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم به وقد تقدم وأخرجه الترمذي عن بندار عن غندر عن شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت ابا الطفيل يحدث عن ابي سريحة أو زيد بن ارقم شك شعبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من كنت مولاه فعلي مولاه ورواه ابن جرير عن احمد بن حازم عن أبي نعيم عن كامل أبي العلاء عن حبيب بن ابي ثابت عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم وقال الامام احمد حدثنا عفان ثنا أبو عوانة عن المغيرة عن ابي عبيد عن ميمون أبي عبد الله قال قال زيد بن ارقم وأنا أسمع نزلنا مع رسول الله منزلا يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير قال فخطبنا وظل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس فقال ألستم تعلمون أو ألستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فمن كنت مولاه فان عليا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثم رواه احمد عن غندر عن شعبة عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن ارقم الى قوله من كنت مولاه فعلي مولاه قال ميمون حدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وهذا اسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن وقد صحح الترمذي بهذا السند حديثا في الريث وقال الامام احمد ثنا يحيى بن آدم ثنا حنش بن الحارث بن لقيط الاشجعي عن رباح بن الحارث قال جاء رهط الى علي بالرحبة فقالوا السلام عليك يا مولانا قال كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فهذا مولاه قال رباح فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء قالوا نفر من الأنصار منهم أبو ايوب الانصاري وقال الامام احمد ثنا حنش عن رباح بن الحارث قال رأيت قوما من الأنصار قدموا على علي في الرحبة فقال من القوم فقالوا مواليك يا أمير المؤمنين فذكر معناه هذا لفظه وهو من أفراده وقال ابن جرير ثنا احمد بن عثمان أبو الجوزاء ثنا محمد بن خالد بن عثمة ثنا موسى بن يعقوب الزمعي وهو صدوق حدثني مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب ثم قال ايها الناس إني وليكم قالوا صدقت فرفع يد علي فقال هذا وليي والمؤدي عني وإن الله موالي من والاه ومعادي من عاداه قال شيخنا الذهبي وهذا حديث حسن غريب ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن ابي كبير عن مهاجر بن مسمار فذكر الحديث وأنه (5/212)
عليه السلام وقف حتى لحقه من بعه وأمر برد من كان تقدم فخطبهم الحديث وقال أبو جعفر بن جرير الطبري في الجزء الأول من كتاب غدير خم قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي وجدته في نسخة مكتوبة عن ابن جرير حدثنا محمود بن عوف الطائي ثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا اسماعيل بن كشيط عن جميل بن عمارة عن سالم بن عبد الله بن عمر قال ابن جرير أحسبه قال عن عمر وليس في كتابي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو آخذ بيد علي من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وهذا حديث غريب بل منكر وإسناده ضعيف قال البخاري في جميل بن عمارة هذا فيه نظر وقال المطلب بن زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل سمع جابر بن عبد الله يقول كنا بالجحفة بغدير خم فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم من خباء أو فسطاط فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه قال شيخنا الذهبي هذا حديث حسن وقد رواه ابن لهيعة عن بكر بن سوادة وغيره عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بنحوه وقال الامام احمد حدثنا يحيى بن آدم وابن ابي بكير قالا ثنا اسرائيل عن أبى اسحاق عن حبشى بن جنادة قال يحيى بن آدم وكان قد شهد حجة الوداع قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على منى وأنا منه ولا يؤدى عنى إلا أنا أو على وقال ابن أبى بكير لا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي وكذا رواه احمد ايضا عن ابي احمد الزبيري عن اسرائيل قال الامام احمد وحدثناه الزبيري ثنا شريك عن ابي اسحاق عن حبشي بن جنادة مثله قال فقلت لأبي اسحاق أين سمعت منه قال وقف علينا علي فرس في مجلسنا في جبانة السبيع وكذا رواه احمد عن أسود بن عامر ويحيى بن آدم عن شريك ورواه الترمذي عن اسماعيل بن موسى عن شريك وابن ماجه عن ابي بكر بن ابي شيبة وسويد بن سعيد واسماعيل بن موسى ثلاثتهم عن شريك به ورواه النسائي عن احمد بن سليمان عن يحيى بن آدم عن اسرائيل به وقال الترمذي حسن صحيح غريب ورواه سليمان بن قرم وهو متروك عن ابي اسحاق عن حبش بن جنادة سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وذكر الحديث وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ثنا أبو بكر بن ابي شيبة أنبأنا شريك عن ابي يزيد الأودي عن ابيه قال دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع الناس اليه فقام اليه شاب فقال أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال نعم ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن شاذان عن شريك به تابعه ادريس الأودي عن أخيه أبي يزيد واسمه داود بن يزيد به ورواه ابن جرير ايضا من حديث ادريس الأودي عن ابيهما عن أبي هريرة فذكره فأما الحديث الذي رواه ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن ابي هريرة قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيد (5/213)
علي قال من كنت مولاه فعلي مولاه فأنزل الله عز و جل اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي قال أبو هريرة وهو يوم غدير خم من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا فانه حديث منكر جدا بل كذب لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآيه نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه و سلم واقف بها كما قدمنا وكذا قوله إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهرا لا يصح لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة اشهر فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا هذا باطل وقد قال شيخنا الحافظ ابو عبد الله الذهبي بعد إيراده هذا الحديث هذا حديث منكر جدا ورواه حبشون الخلال واحمد بن عبد الله بن احمد النيري وهما صدوقان عن علي بن سعيد الرملي عن ضمرة قال ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ومالك بن الحويرث وأنس بن مالك وأبي سعيد وغيرهم بأسانيد واهية قال وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله وأما اللهم وال من والاه فزيادة قوية الاسناد وأما هذا الصوم فليس بصحيح ولا والله ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام والله تعالى أعلم [ وقال الطبراني حدثنا علي بن اسحاق الوزير الاصبهاني حدثنا علي بن محمد المقدمي حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي حدثنا علي بن محمد بن يوسف بن شبان بن مالك بن مسمع حدثنا سهل بن حنيف بن سهل بن مالك اخي كعب بن مالك عن ابيه عن جده قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا ذلك له أيها الناس إني عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الأولين راض فاعرفوا ذلك لهم أيها الناس احفظوني في أصحابي وأصهاري وأحبابي لا يطلبكم الله بمظلمة أحد منهم ايها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين واذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيرا بسم الله الرحمن الرحيم ]
سنة إحدى عشرة من الهجرة
استهلت هذه السنة وقد استقر الركاب الشريف النبوي بالمدينة النبوية المطهرة مرجعه من حجة الوداع وقد وقعت في هذه السنة أمور عظام من أعظمها خطبا وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكنه عليه السلام نقله الله عز و جل من هذه الدار الفانية الى النعيم الأبدي في محلة عالية رفيعة ودرجة في الجنة لا أعلى منها ولا أسنى كما قال تعالى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى وذلك بعد ما أكمل أداء الرسالة التي أمره الله تعالى بابلاغها ونصح أمته ودلهم على خير ما يعلمه لهم وحذرهم ونهاهم عما فيه مضرة عليهم في دنياهم وأخراهم وقد قدمنا ما رواه صاحبا (5/214)
الصحيح من حديث عمر بن الخطاب أنه قال نزل قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه و سلم واقف بعرفة وروينا من طريق جيد أن عمر بن الخطاب حين نزلت هذه الآية بكى فقيل ما يبكيك فقال إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان وكأنه استشعر وفاة النبي صلى الله عليه و سلم وقد أشار عليه السلام الى ذلك فيما رواه مسلم من حديث ابن جريج عن ابي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف عند جمرة العقبة وقال لنا خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا وقدمنا ما وراه الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة الربذي عن صدقة بن يسار عن ابن عمر قال نزلت هذه السورة إذا جاء نصر الله والفتح في أوسط أيام التشريق فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم ذكر خطبته في ذلك اليوم كما تقدم وهكذا قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لعمر بن الخطاب حين سأله عن تفسير هذه السورة بمحضر كثير من الصحابة ليريهم فضل ابن عباس وتقدمه وعلمه حين لامه بعضهم على تقديمه واجلاسه له مع مشايخ بدر فقال إنه من حيث تعلمون ثم سألهم وابن عباس حاضر عن تفسير هذه السورة إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا فقالوا أمرنا إذا فتح لنا أن نذكر الله ونحمده ونستغفره فقال ما تقول يا ابن عباس فقال هو أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم نعى اليه فقال عمر لا أعلم منها الا ما تعلم وقد ذكرنا في تفسير هذه السورة ما يدل على قول ابن عباس من وجوه وان كان لا ينافي ما فسر به الصحابة رضي الله عنهم وكذلك ما رواه الامام احمد حدثنا وكيع عن ابن ابي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حج بنسائه قال إنما هي هذه الحجة ثم الزمن ظهور الحصر تفرد به احمد من هذا الوجه وقد رواه أبو داود في سننه من وجه آخر جيد
والمقصود أن النفوس استشعرت بوفاته عليه السلام في هذه السنة ونحن نذكر ذلك ونورد ما روى فيما يتعلق به من الأحاديث والآثار وبالله المستعان ولنقدم على ذلك ما ذكره الأئمة محمد بن اسحاق بن يسار وابو جعفر بن جرير وأبو بكر البيهقي في هذا الموضع قبل الوفاة من تعداد حججه وغزواته وسراياه وكتبه ورسله الى الملوك فلنذكر ذلك ملخصا مختصرا ثم نتبعه بالوفاة
ففي الصحيحين من حديث ابي اسحاق السبيعي عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا تسع عشرة غزوة وحج بعد ما هاجر حجة الوداع ولم يحج بعدها قال أبو اسحاق وواحدة بمكة كذا قال أبو اسحاق السبيعي وقد قال زيد بن الحباب عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حج ثلاث حجات حجتين قبل أن يهاجر وواحدة بعد ما هاجر (5/215)
معها عمرة وساق ستا وثلاثين بدنة وجاء علي بتمامها من اليمن وقد قدمنا عن غير واحد من الصحابة منهم أنس بن مالك في الصحيحين أنه عليه السلام اعتمر أربع عمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة والعمرة التي مع حجة الوداع وأما الغزوات فروى البخاري عن أبي عاصم النبيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الاكوع قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع غزوات ومع زيد بن حارثة تسع غزوات يؤمره علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي الصحيحين عن قتيبة عن حاتم بن اسماعيل عن زيد بن سلمة قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع غزوات وفيما يبعث من البعوث تسع غزوات مرة علينا أبو بكر ومرة على اسامة بن زيد وفي صحيح البخاري من حديث اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء قال غزا رسول الله خمس عشرة غزوة وفي الصحيحين من حديث شعبة عن أبي اسحاق عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا تسع عشرة غزوة وشهد معه منها سبع عشرة أولها العشير أو العسير وروى مسلم عن احمد بن حنبل عن معتمر عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ست عشرة غزوة وفي رواية لمسلم من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن ابيه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم تسع عشرة غزوة قاتل منها في ثمان وفي رواية عنه بهذا الاسناد وبعث أربعا وعشرين سرية قاتل يوم بدر وأحد والاحزاب المريسيع وخيبر ومكة وحنين وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا إحدى وعشرين غزوة غزوت معه منها تسع عشرة غزوة ولم اشهد بدرا ولا أحدا منعني أبي فلما قتل أبي يوم أحد لم أتخلف عن غزاة غزاها وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري قال سمعت سعيد بن المسيب يقول غزا رسول الله ثمان عشرة غزوة قال وسمعته مرة يقول أربعا وعشرين غزوة فلا أدري أكان ذلك وهما أو شيئا سمعته بعد ذلك وقال قتادة غزا رسول الله تسع عشرة قاتل في ثمان منها وبعث من البعوث أربعا وعشرين فجميع غزواته وسراياه ثلاث وأربعون وقد ذكر عروة بن الزبير والزهري وموسى بن عقبة ومحمد اسحاق بن يسار وغير واحد من أئمة هذا الشأن أنه عليه السلام قاتل يوم بدر في رمضان من سنة اثنتين ثم في أحد في شوال سنة ثلاث ثم الخندق وبني قريظة في شوال أيضا من سنة اربع وقيل خمس ثم في بني المصطلق بالمريسيع في شعبان سنة خمس ثم في خيبر في صفر سنة سبع ومنهم من يقول سنة ست والتحقيق أنه في أول سنة سبع وآخر سنة ست ثم قاتل أهل مكة في رمضان سنة ثمان وقاتل هوازن وحاصر أهل الطائف في شوال وبعض ذي الحجة سنة ثمان كما تقدم تفصيله وحج سنة ثمان بالناس عتاب بن أسيد نائب مكة ثم في سنة تسع ابو بكر الصديق ثم حج رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمسلمين سنة عشر وقال محمد (5/216)
ابن اسحاق وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه الكريمة سبعا وعشرين غزوة غزوة ودان وهي غزوة الأبواء ثم غزوة بواط من ناحية رضوى ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع ثم غزوة بدر الأولى بطلب كرز بن جابر ثم غزوة بدر العظمى الذي قتل الله فيها صناديد قريش ثم غزوة بني سليم حتى بلغ الكدر ثم غزوة السويق بطلب أبا سفيان بن حرب ثم غزوة غطفان وهي غزوة ذى أم ثم غزوة نجران معدن بالحجاز ثم غزوة أحد ثم حمراء الاسد ثم غزوة بني النضير ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ثم غزوة بدر الآخرة ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة الخندق ثم غزوة بني قريظة ثم غزوة بني لحيان من هذيل ثم غزوة ذي قرد ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصده المشركون ثم غزوة خيبر ثم عمرة القضاء ثم غزوة الفتح ثم غزوة حنين ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوك قال ابن اسحاق قاتل منها في تسع غزوات غزوة بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف قلت وقد تقدم ذلك كله مبسوطا في أماكنه بشواهده وأدلته ولله الحمد
قال ابن اسحاق وكانت بعوثه عليه السلام وسراياه ثمانيا وثلاثين من بين بعث وسرية ثم شرع رحمه الله في ذكر تفصيل ذلك وقد قدمنا ذلك كله أو أكثره مفصلا في مواضعه ولله الحمد والمنة ولنذكر ملخص ما ذكره ابن اسحاق بعث عبيدة بن الحارث الى اسفل ثنية المرة ثم بعث حمزة بن عبد المطلب الى الساحل من ناحية العيص ومن الناس من يقدم هذا على بعث عبيدة كما تقدم فالله علم بعث سعد بن ابي وقاص الى الجرار بعث عبد الله بن جحش الى بجيلة بعث زيد بن حارثة الى القردة بعث محمد بن مسلمة الى كعب بن الأشرف بعث مرثد بن ابي مرثد الى الرجيع بعث المنذر بن عمرو الى بئر معونة بعث أبي عبيدة الى ذي القصة بعث عمر بن الخطاب الى برية في أرض بني عامر بعث علي الى اليمن بعث غالب بن عبد الله الكلبي الى الكديد فاصاب بني الملوح أغار عليهم في الليل فقتل طائفة منهم فاستاق نعمهم فجاء نفرهم في طلب النعم فلما اقتربوا حال بينهم واد من السيل وأسروا في مسيرهم هذا الحارث بن مالك بن البرصاء وقد حرر ابن اسحاق هذا هاهنا وقد تقدم بيانه بعث علي بن ابي طالب الى ارض فدك بعث أبي العوجاء السلمي الى بني سليم أصيب هو وأصحابه بعث عكاشة الى الغمرة بعث أبي سلمة بن عبد الأسد الى قطن وهو ماء بنجد لبني أسد بعث محمد بن مسلمة الى القرطاء من هوازن بعث بشير بن سعد الى بني مرة بفدك وبعثه ايضا الى ناحية حنين بعث زيد بن حارثة الى الجموم من أرض بني سليم (5/217)
بعث زيد بن حارثة الى جذام من أرض بني خشين قال ابن هشام وهي من ارض حسمي وكان سببها فيما ذكره ابن اسحاق وغيره أن دحية بن خليفة لما رجع من عند قيصر وقد أبلغه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعوه الى الله فأعطاه من عنده تحفا وهدايا فلما بلغ واديا في ارض بني جذام يقال له شنار أغار عليه الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الصليعيان والصليع بطن من جذام فاخذا ما معه فنفر حي منهم قد أسلموا فاستنقذوا ما كان أخذ لدحية فردوه عليه فلما رجع دحية الى رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبره الخبر واستسقاه دم الهنيد وابنه عوص فبعث حينئذ زيد بن حارثة في جيش اليهم فساروا اليهم من ناحية الاولاج فأغار بالماقض من ناحية الحرة فجمعوا ما وجدوا من مال وناس وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الاحنف ورجلا من بني خصيب فلما احتاز زيد أموالهم وذراريهم اجتمع نفر منهم برفاعة بن زيد وكان قد جاءه كتاب من رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعوهم الى الله فقرأه عليهم رفاعة فاستجاب له طائفة منهم ولم يكن زيد بن حارثة يعلم ذلك فركبوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة في ثلاثة أيام فأعطوه الكتاب فأمر بقراءته جهرة على الناس ثم قال رسول الله كيف أصنع بالقتلى ثلاث مرات فقال رجل منهم يقال له ابو زيد بن عمرو أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هذه فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن ابي طالب فقال علي إن زيدا لا يعيطنى فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه علامة فسار معهم على جمل لهم فلقوا زيدا وجيشه ومعهم الأموال والذراري بفيفاء الفحلتين فسلمهم علي جميع ما كان أخذ لهم لم يفقدوا منه شيئا بعث زيد بن حارثة أيضا الى بني فزارة بوادي القرى فقتل طائفة من أصحابه وأرتث هو من بين القتلى فلما رجع آلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزوهم أيضا فلما استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثانيا في جيش فقتلهم بوادي القرى وأسر أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر وكانت عند مالك بن حذيفة بن بدر ومعها ابنة لها فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر اليعمري فقتل أم قرفة واستبقى ابنتها وكانت من بيت شرف يضرب بأم قرفة المثل في عزها وكانت بنتها مع سلمة بن الأكوع فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه إياها فوهبها رسول الله لخاله حزن بن ابي وهب فولدت له ابنه عبد الرحمن بعث عبد الله بن رواحة الى خيبر مرتين أحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام وكان يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث رسول الله عبد الله بن رواحة في نفر منهم عبد الله بن انيس فقدموا عليه فلم يزالوا يرغبونه ليقدموه على رسول الله صلى الله عليه و سلم فسار معهم فلما كانوا بالقرقرة على ستة أميال من خيبر ندم اليسير على مسيره ففطن له عبد الله بن أنيس هو يريد السيف فضربه بالسيف فأطن قدمه وضربه اليسير بمخرش من شوحط في رأسه فأمة (5/218)
ومال كل رجل من المسلمين على صاحبه من اليهود فقتله إلا رجلا واحدا أفلت على قدميه فلما قدم ابن أنيس تفل في رأسه رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم فلم يقح جرحه ولم يؤذه قلت وأظن البعث الآخر الى خيبر لما بعثه عليه السلام خارصا على نخيل خيبر والله أعلم بعث عبد الله بن عتيك وأصحابه الى خيبر فقتلوا أبا رافع اليهودي بعث عبد الله بن أنيس الى خالد بن سفيان بن نبيح فقتله بعرنه وقد روى ابن اسحاق قصته هاهنا مطولة وقد تقدم ذكرها في سنة خمس والله أعلم بعث زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة الى مؤتة من أرض الشام فأصيبوا كما تقدم بعث كعب بن عمير الى ذات اطلاح من أرض الشام فأصيبوا جميعا أيضا بعث عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الى بني العنبر من تميم فأغار عليهم فأصاب منهم أناسا ثم ركب وفدهم الى رسول الله صلى الله عليه و سلم في اسراهم فأعتق بعضا وفدى بعضا بعث غالب بن عبد الله أيضا الى أرض بني مرة فأصيب بها مرداس بن نهيك حليف لهم من الحرقة من جهنية قتله اسامة بن زيد ورجل من الانصار أدركاه فلما شهرا السلاح قال لا إله إلا الله فلما رجعا لامهما رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد اللوم فاعتذرا بأنه ما قال ذلك إلا تعوذا من القتل فقال لاسامة هلا شققت عن قلبه وجعل يقول لاسامة من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة قال اسامة فما زال يكررها حتى لوددت أن لم أكن اسلمت قبل ذلك وقد تقدم الحديث بذلك بعث عمرو بن العاص الى ذات السلاسل من أرض بني عذرة يستنفر العرب الى الشام وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بلى فلذلك بعث عمرا يستنفرهم ليكون أنجع فيهم فلما وصل الى ماء لهم يقال له السلسل خافهم فبعث يستمد رسول الله فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية فيهم أبو بكر وعمر وعليها أبو عبيدة بن الجراح فلما انتهوا اليه تأمر عليهم كلهم عمرو وقال إنما بعثتم مددا لي فلم يمانعه أبو عبيدة لأنه كان رجلا سهلا لينا هينا عند أمر الدنيا فسلم له وانقاد معه فكان عمرو يصلي بهم كلهم ولهذا لما رجع قال يا رسول الله أي الناس احب اليك قال عائشة قال فمن الرجال قال أبوها بعث عبد الله بن ابي حدرد الى بطن اضم وذلك قبل فتح مكة وفيها قصة محلم بن جثامة وقد تقدم مطولا في سنة سبع بعث ابن ابي حدرد أيضا الى الغابة بعث عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل قال محمد بن اسحاق حدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح قال سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله بن عمر بن الخطاب عن ارسال العمامة من خلف الرجل اذا اعتم قال فقال عبد الله أخبرك إن شاء الله عن ذلك تعلم أني كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في مسجده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود ومعاذ بن جبل وحذيفة (5/219)
ابن اليمان وأبو سعيد الخدري وأنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ اقبل فتى من الأنصار فسلم على رسول الله ثم جلس فقال يا رسول الله أي المؤمنين أفضل قال أحسنهم خلقا قال فأي المؤمنين أكيس قال أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل به اولئك الأكياس ثم سكت الفتى وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا معشر المهاجرين خمس خصال اذا نزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن أنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يغلبوا عليها إلا ظهر فيهم الطاعون والاوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم ما مطروا وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما كان في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله باسهم بينهم قال ثم أمر عبد الرحمن ابن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء فادناه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نقضها ثم عممه بها وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ثم قال هكذا يا ابن عوف فاعتم فانه أحسن وأعرف ثم أمر بلالا أن يدفع اليه اللواء فدفعه اليه فحمد الله وصلى على نفسه ثم قال خذه يا ابن عوف اغزوا جميعا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيكم فيكم فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء قال ابن هشام فخرج الى دومة الجندل بعث ابي عبيدة بن الجراح وكانوا قريبا من ثلاثمائة راكب الى سيف البحر وزودوه عليه السلام جرابا من تمر و [ فيها ] قصة العنبر وهي الحوت العظيم الذي دسره البحر وأكلهم كلهم منه قريبا من شهر حتى سمنوا وتزودوا منه وشائق أي شرائح حتى رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطعموه منه فأكل منه كما تقدم بذلك الحديث قال ابن هشام ومما لم يذكر ابن اسحاق من البعوث يعني هاهنا بعث عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان صخر بن حرب بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه فكان من أمره ما قدمناه وكان مع عمرو بن أمية جبار بن صخر ولم يتفق لهما قتل أبي سفيان بل قتلا رجلا غيره وأنزلا خبيبا عن جذعه وبعث سالم بن عمير أحد البكائين الى ابي عفك أحد بني عمرو بن عوف وكان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله الحارث بن سويد بن الصامت كما تقدم فقال يرثيه ويذم قبحه الله الدخول في الدين ... لقد عشت دهرا وما أن أرى ... من الناس دارا ولا مجمعا ... أبر عهودا وأوفي لمن ... يعاقد فيهم إذا ما دعا ... من أولاد قيلة في جمعهم ... يهد الجبال ولم يخضعا (5/220)
فصدعهم راكب جاءهم ... حلال حرام لشتى معا ... فلو أن بالعز صدقتم ... أو الملك تابعتم تبعا ...
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لي بهذا الخبيث فانتدب له سالم بن عمير هذا فقتله فقالت أمامة المريدية في ذلك ... تكذب دين الله والمرء احمدا ... لعمرو الذي أمناك بئس الذي يمنى ... حباك حنيف آخر الليل طعنة ... أبا عفك خذها على كبر السن ...
وبعث عمير بن عدي الخطمي لقتل العصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد كانت تهجو الاسلام وأهله ولما قتل أبو عفك المذكور أظهرت النفاق وقالت في ذلك ... باست بني مالك والنبيت ... وعوف وباست بني الخزرج ... أطعتم أتاوي من غيركم ... فلا من مراد ولا مذحج ... ترجونه بعد قتل الرءوس ... كما يرتجى ورق المنضج ... ألا آنف يبتغى غرة ... فيقطع من أمل المرتجي ...
قال فأجابها حسان بن ثابت فقال ... بنو وائل وبنو واقف ... وخطمة دون بني الخزرج ... متى ما دعت سفها ويحها ... بعولتها والمنايا تجي ... فهزت فتى ماجدا عرفه ... كريم المدخل والمخرج ... فضرجها من نجيع الدما ... وبعيد الهدو فلم يخرج ...
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بلغه ذلك ألا آخذ لي من ابنة مروان فسمع ذلك عمير بن عدي فلما أمسى من تلك الليلة سرى عليها فقتلها ثم أصبح فقال يا رسول الله قتلتها فقال نصرت الله ورسوله يا عمير قال يا رسول الله هل علي من شأنها قال لا تنتطح فيها عنزان فرجع عمير الى قومه وهم يختلفون في قتلها وكان له خمسة بنون فقال أنا قتلتها فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون فذلك أول يوم عز الاسلام في بني خطمة فأسلم منهم بشر كثير لما رأوا من عز الاسلام ثم ذكر البعث الذين أسروا ثمامة بن اثال الحنفي وما كان من أمره في اسلامه وقد تقدم ذلك في الأحاديث الصحاح وذكر ابن هشام أنه هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة امعاء لما كان من قلة أكله بعد اسلامه وأنه لما انفصل عن المدينة دخل مكة معتمرا وهو يلبي فنهاه أهل مكة عن ذلك فأبى عليهم وتوعدهم بقطع الميرة عنهم من اليمامة فلما (5/221)
عاد الى اليمامة منعهم الميرة حتى كتب اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعادها اليهم وقال بعض بني حنيفة ... ومنا الذي لبى بمكة محرما ... برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم ...
وبعث علقمة بن مجزز المدلجي ليأخذ بثأر أخيه وقاص بن مجزز يوم قتل بذي قرد فاستأذن رسول الله ليرجع في آثار القوم فأذن له وأمره على طائفة من الناس فلما فقلوا أذن لطائفة منهم في التقدم واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة وكانت فيه دعابة فاستوقد نارا وأمرهم أن يدخلوها فلما عزم بعضهم على الدخول قال إنما كنت أضحك فلما بلغ النبي صلى الله عليه و سلم قال من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه والحديث في هذا ذكره ابن هشام عن الدرلوردي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن عمرو ابن الحكم بن ثوبان عن أبي سعيد الخدري وبعث كرز بن جابر لقتل أولئك النفر الذين قدموا المدينة وكانوا من قيس من بجيلة فاستوخموا المدينة واستويؤها فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يخرجوا الى ابله فيشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا قتلوا راعيها وهو يسار مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذبحوه وغرزوا الشوك في عينيه واستاقوا اللقاح فبعث في آثارهم كرز بن جابر في نفر من الصحابة فجاؤا بأولئك النفر من بجيلة مرجعه عليه السلام من غزوة ذي قرد فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وهؤلاء النفر إن كانوا هم المذكورين في حديث أنس المتفق عليه أن نفرا ثمانية من عكل أو عرينة قدموا المدينة الحديث والظاهر أنهم هم فقد تقدم قصتهم مطولة وان كانوا غيرهم فها قد أوردنا عيون ما ذكره ابن هشام والله أعلم قال ابن هشام وغزوة علي بن أبي طالب التي غزاها مرتين قال أبو عمرو المدني بعث رسول الله عليا الى اليمن وخالدا في جند آخر وقال إن اجتمعتم فالأمير علي بن أبي طالب قال وقد ذكر ابن اسحاق بعث خالد ولم يذكره في عدد البعوث والسرايا فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعا وثلاثين قال ابن اسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم اسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام وأمرة أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع اسامة المهاجرون الأولون قال ابن هشام وهو آخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال البخاري حدثنا اسماعيل ثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث بعثا وأمر عليهم اسامة بن زيد فطعن الناس في امارته فقام النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن تطعنوا في امارته فقد كنتم تطعنون في امارة أبيه من قبل وأيم الله إن كان لخليقا للامارة وإن كان لمن أحب الناس الي وإن هذا لمن أحب الناس الي بعده ورواه الترمذي من حديث مالك وقال حديث صحيح حسن قد انتدب كثير من الكبار من المهاجرين الأولين والانصار في جيشه فكان من أكبرهم عمر بن الخطاب ومن قال أن أبا بكر كان فيهم فقد غلط فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم اشتد به المرض وجيش اسامة مخيم بالجرف وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر أن يصلي بالناس كما سيأتي فكيف يكون في الجيش (5/222)
وهو إمام المسلمين باذن الرسول من رب العالمين ولو فرض أنه كان قد انتدب معهم فقد استثناه الشارع من بينهم بالنص عليه للامامة في الصلاة التي هي أكبر أركان الاسلام ثم لما توفي عليه الصلاة و السلام استطلق الصديق من اسامة عمر بن الخطاب فأذن له في المقام عند الصديق ونفذ الصديق جيش أسامة كما سيأتي بيانه وتفصيله في موضعه إن شاء الله فصل
في الآيات والأحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وكيف ابتدئ رسول الله صلى الله عليه و سلم بمرضه الذي مات فيه
قال الله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون وقال تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفائن مت فهم الخلدون وقال تعالى كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون وإنما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور وقال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسجزي الله الشاكرين وهذه الآية هي التي تلاها الصديق يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما سمعها الناس كأنهم لم يسمعوها قبل وقال تعالى إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا قال عمر بن الخطاب وابن عباس هو أجل رسول الله نعي اليه وقال ابن عمر نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف رسول الله أنه الوداع فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم الخطبة المشهورة كما تقدم وقال جابر رأيت رسول الله يرمي الجمار فوقف وقال لتأخذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا وقال عليه السلام لابنته فاطمة كما سيأتي إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني به العام مرتين وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي وفي صحيح البخاري من حديث أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن ابي هريرة قال كان رسول الله يعتكف في كل شهر رمضان عشرة ايام فلما كان من العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما وكان يعرض عليه القرآن في كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين وقال محمد بن اسحاق رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من حجة الوداع في ذي الحجة فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفرا وبعث اسامة بن زيد فبينا الناس على ذلك ابتدىء رسول الله صلى الله عليه و سلم بشكواه الذي قبضه الله فيه الى ما أراده الله من رحمته (5/223)
وكرامته في ليال بقين من صفر أو في أول شهر ربيع الأول فكان اول ما ابتدئ به رسول الله من ذلك فيما ذكر لي أنه خرج الى بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع الى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن جعفر عن عبيد بن جبر مولى الحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بعثني رسول الله من جوف الليل فقال يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى ثم أقبل علي فقال يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة قال قلت بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة ثم استغفر لاهل البقيع ثم انصرف فبدئ برسول الله وجعه الذي قبضه الله فيه لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب وإنما رواه احمد عن يعقوب بن ابراهيم عن أبيه عن محمد بن اسحاق به وقال الامام احمد ثنا أبو النضر ثنا الحكم ابن فضيل ثنا يعلى بن عطاء عن عبيد بن جبر عن أبي مويهبة قال أمر رسول الله أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات فلما كانت الثالثة قال يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي قال فركب ومشيت حتى انتهى اليهم فنزل عن دابته وأمسكت الدابة فوقف أو قال قام عليهم فقال ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا الآخرة اشد من الأولى فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس ثم رجع فقال يا ابا مويهبة إني أعطيت أو قال خيرت بين مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي قال فقلت بأبي أنت وأمي فاخترنا قال لأن ترد على عقبها ما شاء الله فاخترت لقاء ربي فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال قال رسول الله نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن وخيرت بين أن أبقى حتى ارى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل قال البيهقي وهذا مرسل وهو شاهد لحديث أبي مويهبة قال ابن اسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود عن عائشة قالت رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وارأساه قالت ثم قال وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك قالت قلت والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت الى بيتي فاعرست فيه ببعض نسائك قالت فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ونام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعزبه في بيت ميمونة فدعا (5/224)
نسائه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فأذن له قالت فخرج رسول الله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتي قال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال أتدري من الرجل الآخر هو علي بن أبي طالب وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريبا وقال البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا الاصم أنبأنا احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني يعقوب بن عتبة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت دخل علي رسول الله وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت وارأساه فقال بل أنا والله يا عائشة واراساه ثم قال وما عليك لو مت قبلي فوليت امرك وصليت عليك وواريتك فقلت والله إني لأحسب لو كان ذلك لقد خلوت ببعض ناسئك في بيتي من آخر النهار فضحك رسول الله ثم تمادى به وجعه فاستعز به وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة فاجتمع اليه أهله فقال العباس إنا لنرى برسول الله ذات الجنب فهلموا فلنلده فلدوه فأفاق رسول الله فقال من فعل هذا فقالوا عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب فقال رسول الله إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس فلد أهل البيت كلهم حتى ميمونة وإنها لصائمة وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج وهو بين العباس ورجل آهر لم تسمه تخط قدماه بالأرض قال عبيد الله قال ابن عباس الرجل الآخر علي بن أبي طالب قال البخاري حدثنا سعيد بن عفير ثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت لما ثقل رسول الله واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه الأرض بين عباس قال بن عبد المطلب وبين رجل آخر قال عبيد الله فأخبرت عبد الله يعني ابن عباس بالذي قالت عائشة فقال لي عبد الله بن عباس هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة قال قلت لا ابن عباس هو علي فكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم تحدث أن رسول الله لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال هو يقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد الى الناس فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير الينا بيده أن قد فعلتن قالت عائشة ثم خرج الى الناس فصلى لهم وخطبهم وقد رواه البخاري أيضا في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من طرق عن الزهري به وقال البخاري حدثنا اسماعيل ثنا سليمان بن بلال قال هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء فكان في بيت (5/225)
عائشة حتى مات عندها قالت عائشة رضي الله عنها فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي وقبضه الله وإن رأسه لبيت سحري ونحري وخالط ريقه ريقي قالت ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت له أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستن به وهو مسند الى صدري انفرد به البخاري من هذا الوجه وقال البخاري أخبرنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت مات النبي صلى الله عليه و سلم وأنه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه و سلم وقال البخاري حدثنا حيان أنبأنا عبد الله أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان اذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث وأمسح بيد النبي صلى الله عليه و سلم عنه ورواه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس بن يزيد الايلي عن الزهري به والفلاس ومسلم عن محمد بن حاتم كلهم [ وثبت في الصحيحين من حديث ابي عوانة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم عنده لم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ مشيتها مشية أبيها فقال مرحبا بابنتي فاقعدها عن يمينه أو شماله ثم سارها بشيء فبكت ثم سارها فضحكت فقلت لها خصك رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسرار وأنت تبكين فلما أن قامت قلت اخبريتي ما سارك فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما توفي قلت لها أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني قالت أما الآن فنعم قالت سارني في الأول قال لي إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة وقد عارضني في هذا العام مرتين ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي فاتقي الله واصبري فنعم السلف أنا لك فبكيت ثم سارني فقال اما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة فضحكت وله طرق عن عائشة وقد روى البخاري عن علي بن عبد الله عن يحيى ابن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت لددنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه فجعل يشير الينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال ألم أنهكم أن لا تلدوني قلنا كراهية المريض للدواء فقال لا يبقى أحد في البيت إلا لد وانا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم قال البخاري ورواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال البخاري وقال يونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت (5/226)
بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم هكذا ذكره البخاري معلقا وقد أسنده الحافظ البيهقي عن الحاكم عن ابي بكر بن محمد بن احمد بن يحيى الأشقر عن يوسف بن موسى عن احمد بن صالح عن عنبسة عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري به وقال البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا الاصم أنبأنا احمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية عن الاعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي الاحوص عن عبد الله بن مسعود قال لئن أحلف تسعا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل قتلا أحب الي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا وقال البخاري ثنا اسحاق بن بشر حدثنا شعيب عن أبي حمزة حدثني أبي عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم أن عبد الله بن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه و سلم سوف يتوفى من وجعه هذا إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت اذهب بنا الى رسول الله فلنسأله فيمن هذا الأمر إن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا علمناه فأوضى بنا فقال علي إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه و سلم انفرد به البخاري وقال البخاري ثنا قتيبة ثنا سفيان عن سليمان الاحول عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم وجعه فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما شأنه يهجر استفهموه فذهبوا يردون عنه فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني اليه فأوصاهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها ورواه البخاري في موضع آخر ومسلم من حديث سفيان بن عيينة به ثم قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه و سلم هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فقال بعضهم إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قوموا قال عبيد الله قال ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبدالرزاق بنحوه وقد أخرجه (5/227)
البخاري في مواضع من صحيحه من حديث معمر ويونس عن الزهري به وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون اليه من مقالاتهم وهذاهو التمسك بالمتشابه وترك المحكم وأهل السنة يأخذون بالمحكم ويردون ما تشابه اليه وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز و جل في كتابه وهذا الموضع مما زل فيه اقدام كثير من أهل الضلالات أما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار وهذا الذي كان يريد عليه الصلاة و السلام أن يكتبه قد جاء في الأحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه فإنه قد قال الامام احمد حدثنا مؤمل ثنا نافع عن ابن عمرو ثنا ابن أبي مليكة عن عائشة قالت لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي قبض فيه قال ادعو لي أبا بكر وابنه لكي لا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمناه متمن ثم قال يأبى الله ذلك والمؤمنون مرتين قالت عائشة فأبى الله ذلك والمؤمنون انفرد به احمد من هذا الوجه وقال احمد حدثنا أبو معاوية ثنا عبد الرحمن بن ابي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن ابي بكر ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه احد فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا ابا بكر انفرد به احمد من هذا الوجه ايضا وروى البخاري عن يحيى بن يحيى عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال رسول الله لقد هممت أن ارسل الى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى متمنون فقال يأبى الله أو يدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث ابراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أتت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمرها أن ترجع اليه فقالت ارأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال إن لم تجديني فات أبا بكر والظاهر والله أعلم أنها إنما قالت ذلك له عليه السلام في مرضه الذي مات فيه صلوات الله وسلامه عليه وقد خطب عليه الصلاة و السلام في يوم الخميس قبل أن يقبض عليه السلام بخمس أيام خطبة عظيمة بين فيها فضل الصديق من سائر الصحابة مع ما كان قد نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين كما سيأتي بيانه مع حضورهم كلهم ولعل خطبته هذه كانت عوضا عما أراد أن يكتبه في الكتاب وقد اغتسل عليه السلام بيد يدي هذه الخطبة الكريمة فصبوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن وهذا من باب الاستشفاء بالسبع كما وردت بها الأحاديث في غير هذا الموضع والمقصود أنه عليه السلام اغتسل ثم خرج فصلى بالناس صم خطبهم كما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها
ذكر الاحادرث الواردة في ذلك قال البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا الأصم عن احمد بن (5/228)
عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق عن الزهري عن أيوب بن بشير أن رسول الله قال في مرضه أفيضوا علي من سبع قرب من سبع آبار شتى حتى أخرج فأعهد الى الناس ففعلوا فخرج فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد الله والثناء عليه ذكر أصحاب أحد فاستغفر لهم ودعا لهم ثم قال يا معشر المهاجرين إنكم اصبحتم تزيدون والأنصار على هيئتها لا تزيد وإنهم عيبتي التي أوتيت اليها فأكرموا كريمهم وتجاوزوا من مسيئهم ثم قال عليه السلام ايها الناس إن عبدا من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله ففهمها أبو بكر رضي الله عنه من بين الناس فبكى وقال بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالهنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم على رسلك يا أبا بكر انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدوها إلا ما كان من بيت أبي بكر فاني لا أعلم أحدا عندي أفضل في الصحبة منه هذا مرسل له شواهد كثيرة وقال الواقدي حدثني فروة بن زبيد بن طوسا عن عائشة بنت سعد عن أم ذرة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت خرج رسول الله عاصبا رأسه بخرقة فلما استوى على المنبر تحدق الناس بالمنبر واستكفوا فقال والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة ثم تشهد فلما قضى تشهده كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد ثم قال إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه وقال بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو المخبر وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه و سلم وجعل رسول الله يقول له على رسلك وقال الامام احمد حدثنا أبو عامر ثنا فليح عن سالم أبي النضر عن بشر بن سعيد عن أبي سعيد قال خطب رسول الله الناس فقال إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله قال فبكى أبو بكر قال فتعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله إن إمن الناس على صحبته وماله أبو بكر لو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت ابا بكر خليلا ولكن خلى الاسلام ومودته لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر وهكذا رواه البخاري من حديث أبي عامر العقدي به ثم رواه الامام احمد عن يونس عن فليح عن سالم أبي النضر عن عبيد بن حنين وبشر بن سعيد عن أبي سعيد به وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث فليح ومالك بن أنس عن سالم عن بشر بن سعيد وعبيد بن حنين كلاهما عن أبي سعيد بنحوه وقال الامام احمد حدثنا أبو الوليد ثنا هشام ثنا أبو عوانة عن عبد الملك عن ابن أبي المعلى عن أبيه أن رسول الله خطب يوما فقال إن رجلا خيره ربه بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه فبكى أبو بكر (5/229)
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تعجبون من هذا الشيخ أن ذكر رسول الله رجلا صالحا خيره ربه بين البقاء في الدنيا وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله فقال أبو بكر بل نفديك بأموالنا وأبنائنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته وذات يده من ابن أبي قحافة ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة ولكن ود وإخاء وإيمان ولكن ود وإخاء وإيمان مرتين وإن صاحبكم خليل الله عز و جل تفرد به احمد قالوا وصوابه أبو سعيد بن المعلى فالله أعلم وقد روى الحافظ البيهقي من طريق اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه ثنا زكريا بن عدي ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن ابي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث حدثني جندب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يتوفى بخمس وهو يقول قد كان لى منكم أخوة وأصدقاء وإني أبرأ الى كل خليل من خلته ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا وإن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا وإن قوما ممن كان قبلكم يتخذون قبور أبينائهم وصلحائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك وقد رواه مسلم في صحيحه عن اسحاق بن راهويه بنحوه وهذا اليوم الذي كان قبل وفاته عليه السلام بخمس أيام هو يوم الخميس الذي ذكره ابن عباس فيما تقدم وقد روينا هذه الخطبة من طريق ابن عباس قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ انبأنا الحسن بن محمد بن اسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب هو ابن عوانة الاسفراييني قال ثنا محمد بن أبي بكر ثنا وهب بن جرير ثنا أبي سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من ابي بكر ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الاسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر رواه البخاري عن عبيد الله بن محمد الجعفي عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه به وفي قوله عليه السلام سدوا عني كل خوخة يعني الأبواب الصغار الى المسجد غير خوخة أبي بكر اشارة الى الخلافة أي ليخرج منها الى الصلاة بالمسلمين وقد رواه البخاري أيضا من حديث عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر فذكر الخطبة وذكر فيها الوصاة بالأنصار الى أن قال فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قبض يعني آخر خطبة خطبها (5/230)
عليه السلام وقد روى من وجه آخر عن ابن عباس باسناد غريب ولفظ غريب فقال الحافظ البيهقي أنبأنا علي بن احمد بن عبدان أنبأنا احمد بن عبيد الصفار ثنا ابن ابي قماش وهو محمد بن عيسى ثنا موسى بن اسماعيل أبو عمران الجبلي ثنا معن بن عيسى القزاز عن الحارث بن عبد الملك ابن عبد الله بن أناس الليثي عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابيه عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال أتاني رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يوعك وعكا شديدا وقد عصب رأسه فقال خذ بيدي يا فضل قال فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال نادي في الناس يا فضل فناديت الصلاة جامعة قال فاجتمعوا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم خطيبا فقال أما بعد أيها الناس إنه قد دنى مني خلوف من بين أظهركم ولن تروني في هذا المقام فيكم وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى أقومه فيكم ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد ولا يقولن قائل اخاف الشحناء من قبل رسول الله ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي وان أحبكم الي من أخذ حقا إن كان له علي أو حللني فلقيت الله عز و جل وليس لأحد عندي مظلمة قال فقام منهم رجل فقال يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم فقال أما أنا فلا أكذب قائلا ولا مستحلفه علي يمين فيم كانت لك عندي قال أما كذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم قال أعطه يا فضل قال وأمر به فجلس قال ثم عاد رسول الله صلى الله عليه و سلم في مقالته الاولى ثم قال يا ايها الناس من عنده من الغلول شيء فليرده فقام رجل فقال يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله قال فلم غللتها قال كنت اليها محتاجا قال خذها منه يا فضل ثم عاد رسول الله صلى الله عليه و سلم في مقالته الاولى وقال يا أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو الله له فقام اليه رجل فقال يا رسول الله إني لمنافق وإني لكذوب وإني لشئوم فقال عمر بن الخطاب ويحك أيها الرجل لقد سترك الله لو سترت على نفسك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مه يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه الشئم اذا شاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر وفي اسناده ومتنه غرابة شديدة
ذكر امره عليه السلام أبا بكر الصديق رضي الله عنه ان يصلي بالصحابة أجمعين
قال الامام احمد ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن اسحاق قال قال ابن شهاب الزهري حدثني (5/231)
عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد قال لما استعز برسول الله وانا عنده في نفر من المسلمين دعا بلال للصلاة فقال مروا من يصلي بالناس قال فخرجت فاذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائبا فقلت قم يا عمر فصل بالناس قال فقام فلما كبر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم صوته وكان عمر رجلا مجهرا فقال رسول الله فأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك والمسلمون قال فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد ما صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس وقال عبد الله بن زمعة قال لي عمر ويحك ماذا صنعت يا ابن زمعة ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرني بذلك ولولا ذلك ما صليت قال قلت والله ما امرني رسول الله ولكن حين لم ار ابا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن اسحاق حدثني الزهري ورواه يونس بن بكير عن ابن اسحاق حدثني يعقوب بن عتبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن زمعة فذكره وقال ابو داود ثنا احمد بن صالح ثنا ابن أبي فديك حدثني موسى بن يعقوب عن عبد الرحمن بن اسحاق عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر قال لما سمع النبي صلى الله عليه و سلم صوت عمر قال ابن زمعة خرج النبي صلى الله عليه و سلم حتى أطلع راسه من حجرته ثم قال لا لا لا يصلي للناس إلا ابن ابي قحافة يقول ذلك مغضبا وقال البخاري ثنا عمر بن حفص ثنا أبي ثنا الأعمش عن ابراهيم قال الأسودكنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها قالت لما مرض النبي صلى الله عليه و سلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فاذن بلال فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له إن ابا بكر رجل اسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس وأعاد فأعادوا له فاعاد الثالثة فقال إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه و سلم في نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين كأني أنظر الى رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأوما اليه النبي صلى الله عليه و سلم أن مكانك ثم أتى به حتى جلس الى جنبه قيل للأعمش فكان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر فقال برأسه نعم ثم قال البخاري رواه ابو داود عن شعبة بعضه وزاد أبو معاوية عن الأعمش جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما وقد رواه البخاري في غير ما موضع من كتابه ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق متعددة عن الاعمش به منها ما رواه البخاري عن قتيبة ومسلم عن أبي بكر بن ابي شيبة ويحيى بن يحيى عن ابي معاوية به وقال البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في مرضه مروا أبا بكر فليصل بالناس قال ابن شهاب فاخبرني عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنها قالت لقد عاودت رسول (5/232)
الله في ذلك وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس بابي بكر وإلا أني علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر الى غيره وفي صحيح مسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال واخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن عائشة قالت لما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيتي قال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت قلت يا رسول الله ان أبا بكر رجل رقيق اذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غير ابي بكر قالت والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت فراجعته مرتين أو ثلاثا فقال ليصل بالناس أبو بكر فانكن صواحب يوسف وفي الصحيحين من حديث عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن ابي موسى عن أبيه قال مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع يصلي بالناس قال فقال مروا أبا بكر يصل بالناس فانكن صواحب يوسف قال فصلى أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال الامام احمد ثنا عبد الرحمن بن مهدي أنبأنا زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال دخلت على عائشة فقلت ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت بلى ثقل برسول الله صلى الله عليه و سلم وجعه فقال أصلى الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله فقال صبوا الي ماء في المخضب ففعلنا قالت فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم افاق فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم افاق فقال أصلى الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم افاق فقال اصلى الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه و سلم لصلاة العشاء فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أبي بكر بأن يصلي بالناس وكان أبو بكر رجلا رقيقا فقال يا عمر صل بالناس فقال أنت أحق بذلك فصلى بهم تلك الأيام ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجد خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فاومأ اليه أن لا يتأخر وأمرهما فاجلساه الى جنبه فجعل ابو بكر يصلي قائما ورسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي قاعدا قال عبيد الله فدخلت على ابن عباس فقلت الا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله قال هات فحدثته فما أنكر منه شيئا غير أنه قال سمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت لا قال هو علي وقد رواه البخاري ومسلم جميعا عن احمد بن يونس عن زائدة به وفي رواية فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله وهو قائم والناس يصلون بصلاة أبي بكر ورسول الله قاعد قال البيهقي ففي (5/233)
هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم تقدم في هذه الصلاة وعلق أبو بكر صلاته بصلاته قال وكذلك رواه الأسود وعروة عن عائشة وكذلك رواه الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس يعني بذلك ما رواه الامام احمد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني أبي عن أبي اسحاق عن الارقم بن شرحبيل عن ابن عباس قال لما مرض النبي صلى الله عليه و سلم أمر ابا بكر أن يصلي بالناس ثم وجد خفة فخرج فلما أحس به أبو بكر اراد ان ينكص فأومأ اليه النبي صلى الله عليه و سلم فجلس الى جنب أبي بكر عن يساره واستفتح من الآية التي انتهى اليها أبوبكر رضي الله عنه ثم رواه أيضا عن وكيع عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن أرقم عن ابن عباس بأطول من هذا وقال وكيع مرة فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه و سلم والناس يأتمون بأبي بكر ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس بنحوه وقد قال الامام احمد ثنا شبابة بن سوار ثنا شعبة عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خلف أبا بكر قاعدا في مرضه الذي مات فيه [ وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث شعية وقال الترمذي حسن صحيح ] وقال احمد ثنا بكر بن عيسى سمعت شعبة بن الحجاج عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه و سلم في الصف وقال البيهقي أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنبأنا عبد الله بن جعفر أنبأنا يعقوب بن سفيان حدثنا مسلم ابن ابراهيم ثنا شعبة عن سليمان الأعمش عن ابراهيم عن الأسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى خلف أبا بكر وهذا اسناد جيد ولم يخرجوه قال البيهقي وكذلك رواه حميد عن أنس بن مالك ويونس عن الحسن مرسلا ثم اسند ذلك من طريق هشيم أخبرنا يونس عن الحسن قال هشيم وأنبانا حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس فجلس الى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها فصلى بصلاته قال البيهقي وأخبرنا علي بن احمد بن عبدان أنبأنا احمد بن عبيد الصفار ثنا عبيد بن شريك انبأنا ابن أبي مريم أنبأنا محمد بن جعفر اخبرني حميد أنه سمع أنسا يقول آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم مع القوم في ثوب واحد ملتحفا به خلف أبي بكر قلت وهذا اسناد جيد على شرط الصحيح ولم يخرجوه وهذا التقييد جيد بأنها آخر صلاة صلاها مع الناس صلوات الله وسلامه عليه وقد ذكر البيهقي من طريق سليمان بن بلال ويحيى بن أيوب عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى خلف ابي بكر في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه فلما اراد ان يقوم قال أدع لي اسامه بن زيد فجاء فأسند ظهره الى نحره فكانت آخر صلاة صلاها قال البيهقي ففي هذا دلالة إن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة (5/234)
لانها آخر صلاة صلاها لما ثبت أنه توفي ضحى يوم الاثنين وهذا الذي قاله البيهقي أخذه مسلما من مغازي موسى بن عقبة فانه كذلك ذكر وكذا روى أبو الأسود عن عروة وذلك ضعيف بل هذه آخر صلاة صلاها مع القوم كما تقدم تقييده في الرواية الأخرى والحديث واحد فيحمل مطلقه على مقيده ثم لا يجوز أن تكون هذه صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة لأن لأن تلك لم يصلها مع الجماعة بل في بيته لما به من الضعف صلوات الله وسلامه عليه والدليل على ذلك ما قال البخاري في صحيحه حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني انس بن مالك وكان تبع النبي صلى الله عليه و سلم وخدمه وصحبه أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه و سلم الذي توفي فيه حتى اذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه و سلم ستر الحجرة ينظر الينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف تبسم يضحك فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه و سلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبي صلى الله عليه و سلم خارج الى الصلاة فاشار الينا صلى الله عليه و سلم أن أتموا صلاتكم وأرخى على الستر وتوفي من يومه صلى الله عليه و سلم وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وصبيح بن كيسان ومعمر عن الزهري عن أنس ثم قال البخاري ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال لم يخرج النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثا فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله عليكم بالحجاب فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه و سلم ما نظرنا منظرا كان أعجب الينا من وجه النبي صلى الله عليه و سلم حين وضح لنا فأومأ النبي صلى الله عليه و سلم بيده الى أبي بكر أن يتقدم وارخى النبي صلى الله عليه و سلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات صلى الله عليه و سلم ورواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به فهذا أوضح دليل على أنه عليه السلام لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح مع الناس وأنه كان قد انقطع عنهم لم يخرج اليهم ثلاثا قلنا فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر كما جاء مصرحا به في حديث عائشة المتقدم ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت ولا يوم الأحد كما حكاه البيهقي عن مغازي موسى بن عقبة وهو ضعيف ولما قدمنا من خطبته بعدها ولانه انقطع عنهم يوم الجمعة والسبت والاحد وهذه ثلاثة ايام كوامل وقال الزهري عن أبي بكر بن ابي سبرة أن أبا بكر صلى بهم سبع عشرة صلاة وقال غيره عشرين صلاة فالله أعلم ثم بدا لهم وجهه الكريم صبيحة يوم الاثنين فودعهم بنظرة كادوا يفتتنون بها ثم كان ذلك آخر عهد جمهورهم به ولسان حالهم يقول كما قال بعضهم ... وكنت أرى كالموت من بين ساعة ... فكيف ببين كان موعده الحشر ...
[ والعجب أن الحافظ البيهقي أورد هذا الحديث من هاتين الطريقين ثم قال ما حاصله فلعله عليه السلام احتجب عنهم في أول ركعة ثم خرج في الركعة الثانية فصلى خلف أبي بكر كما قال عروة (5/235)
وموسى بن عقبة وخفي ذلك على أنس بن مالك أو أنه ذكر بعض الخبر وسكت عن آخره وهذا الذي [ ذكره ] أيضا بعيد جدا لان أنسا قال فلم يقدر عليه حتى مات وفي رواية قال فكان ذلك آخر العهد به وقول الصحابي مقدم على قول التابعي والله أعلم ] والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم ابا بكر الصديق أماما للصحابة كلهم في الصلاة التي هي أكبر اركان الإسلام العملية قال الشيخ ابو الحسن الاشعري وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الاسلام قال وتقديمه له دليل على انه أعلم الصحابة واقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فان كانوا في السنة سواء فأكبرهم سنا فان كانوا في السن سواء فأقدمهم مسلما قلت من كلام الاشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق رضي الله عنه وارضاه وصلاة الرسول صلى الله عليه و سلم خلفه في بعض الصلوات كما قدمنا بذلك الروايات الصحيحة لا ينافي ما روى في الصحيح ان ابا بكر ائتم به عليه السلام لان ذلك في صلاة اخرى كما نص على ذلك الشافعي وغيره من الأئمة رحمهم الله عز و جل
فائدة استدل مالك والشفعي وجماعة من العلماء ومنهم البخاري بصلاته عليه السلام قاعدا وأبو بكر مقتديا به قائما والناس بابي بكر على نسخ قوله عليه السلام في الحديث المتفق عليه حين صلى ببعض أصحابه قاعدا وقد وقع عن فرس فجحش شقه فصلوا وراءه قياما فأشار اليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال كذلك والذي نفسي بيده تفعلون كفعل فارس والروم يقومون على عظمائهم وهم جلوس وقال إنما جعل الإمام ليؤتم به فاذا كبر فكبروا واذا ركع فاركعوا واذا رفع فارفعوا واذا سجد فاسجدوا واذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون قالوا ثم انه عليه السلام أمهم قاعدا وهم قيام في مرض الموت فدل على نسخ ما تقدم والله أعلم وقد تنوعت مسالك الناس في الجواب عن هذا الاستدلال على وجوه كثيرة موضع ذكرها كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان وملخص ذلك أن من الناس من زعم أن الصحابة جلسوا لأمره المتقدم وإنما استمر أبو بكر قائما لأجل التبليع عنه صلى الله عليه و سلم ومن الناس من قال بل كان أبو بكر هو الامام في نفس الامر كما صرح به بعض الرواة كما تقدم وكان أبو بكر لشدة ادبه مع الرسول صلى الله عليه و سلم لا يبادره بل يقتدي به فكأنه عليه السلام صار إمام الامام فلهذا لم يجلسوا لاقتدائهم بابي بكر وهو قائم ولم يجلس الصديق لأجل انه امام ولأنه يبلغهم عن النبي صلى الله عليه و سلم الحركات والسكنات والانتقالات والله أعلم ومن الناس من قال فرق بين أن يبتدأ الصلاة خلف الامام في حال القيام فيستمر فيها قائما (5/236)
وان طرأ جلوس الامام في أثنائها كما في هذه الحال وبين أن يبتدي الصلاة خلف امام جالس فيجب الجلوس للحديث المتقدم والله أعلم ومن الناس من قال هذا الصنيع والحديث المتقدم دليل على جواز القيام والجلوس وان كلا منهما سائغ جائز الجلوس لما تقدم والقيام للفعل المتاخر والله أعلم
احتضاره ووفاته عليه السلام
قال الامام احمد ثنا أبو معاوية ثنا الاعمش عن ابراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله هو ابن مسعود قال دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم وهو يوعك فمسسته فقلت يا رسول الله انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم قلت إن لك أجرين قال نعم والذي نفسي بيده ما على الارض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها وقد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الأعمش به وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا اسحاق بن أبي اسرائيل ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن رجل عن أبي سعيد الخدري قال وضع يده على النبي صلى الله عليه و سلم فقال والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك فقال النبي صلى الله عليه و سلم إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر إن كان النبي من الأنباء ليبتلى بالقمل حتى يقتله وان كان الرجل ليبتلى بالعري حتى يأخذ العباءة فيجوبها وان كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء فيه رجل مبهم لا يعرف بالكلية فالله أعلم وقد روى البخاري ومسلم من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج زاد مسلم وجرير ثلاثتهم عن الاعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عن عائشة قالت ما رأيت الوجع على أحد اشد منه على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي صحيح البخاري من حديث يزيد بن الهاد عن عبد الرحين بن القاسم عن ابيه عن عائشة قالت مات رسول الله صلى الله عليه و سلم بين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لاحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم وفي الحديث الآخر الذي رواه في صحيحه قال قال رسول الله أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل يبتلى لرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلابة شدد عليه في ابلاء وقال الامام احمد حدثنا يعقوب ثنا أبي حدثنا محمد بن اسحاق حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن محمد بن اسامة بن زيد قال لما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم هبطت وهبط الناس معي الى المدينة فدخلت على رسول الله وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يصيبها على وجهه أعرف أنه يدعو لي ورواه الترمذي عن أبي كريب عن يونس بن بكير عن ابن اسحاق وقال حسن غريب وقال الامام مالك في موطائه عن اسماعيل بن أبي حكيم أنه (5/237)
سمع عمر بن عبد العزيز يقول كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قال قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد [ لا يبقين دينان بأرض العرب هكذا رواه مرسلا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله وقد روى البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة وابن عباس قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه و سلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ] وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو بكر بن ابي رجاء الاديب أنبأنا أبو العباس الاصم ثنا احمد بن عبد الجبار ثنا أبو بكر بن عياش عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قبل موته بثلاث أحسنوا الظن بالله وفي بعض الاحاديث كما رواه مسلم من حديث الاعمش عن ابي سفيان طلحة بن نافع عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى وفي الحديث الآخر يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا وقال البيهقي أنبأنا الحاكم حدثنا الاصم ثنا محمد بن اسحاق الصغاني ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب ثنا جرير عن سليمان التيمي عن قتادة عن أنس قال كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم حين حضره الوفاة الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغر بها وما يفصح بها لسانه وقد رواه النسائي عن اسحاق بن راهويه عن جرير بن عبد الحميد به وابن ماجه عن أبي الاشعث عن معتمر بن سليمان عن ابيه به وقال الامام احمد حدثنا اسباط بن محمد ثنا التيمي عن قتادة عن أنس بن مالك قال كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم حين حضر الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه وقد رواه النسائي وابن ماجه من حديث سليمان بن طرخان وهو التيمي عن قتادة عن أنس به وفي رواية النسائي عن قتادة عن صاحب له عن انس به وقال احمد ثنا بكر بن عيسى الراسبي ثنا عمر بن الفضيل عن نعيم بن يزيد عن علي بن أبي طالب قال أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده قال فخشيت أن تفوتني نفسه قال قلت إني أحفظ وأعي قال أوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم تفرد به احمد من هذا الوجه وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل ثنا أبو عوانة عن قتادة عن سفينة عن أم سلمة قالت كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم عند موته الصلاة وما ملكت ايمانكم حتى جعل يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه وهكذا رواه النسائي عن حميد (5/238)
ابن مسعدة عن يزيد بن زريع عن سعد بن أبي عروبة عن قتادة عن سفينة عن أم سلمة به [ قال البيهقي والصحيح ما رواه عفان عن همام عن قتادة عن أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة به ] وهكذا رواه النسائي أيضا وابن ماجه من حديث يزيد بن هارون عن همام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة به وقد رواه النسائي أيضا عن قتيبة عن ابي عوانة عن قتادة عن سفينة عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره ثم رواه عن محمد بن عبد الله بن المبارك عن يونس بن محمد قال حدثنا عن سفينة فذكر نحوه وقال احمد ثنا يونس ثنا الليث عن يزيد بن الهاد عن موسى بن سرجس عن القاسم عن عائشة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدم ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم اعني على سكرات الموت ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه م حديث الليث به وقال الترمذي غريب وقال الامام احمد حدثنا وكيع عن اسماعيل عن مصعب بن اسحاق بن طلحة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ليهون علي اني رأيت بياض مف عائشة في الجنة تفرد به احمد واسناده لا بأس به وهذا دليل على شدة محبته عليه السلام لعائشة رضي الله عنها وقد ذكر الناس معاني كثيرة في كثرة المحبة ولم يبلغ أحدهم هذا المبلغ وما ذاك إلا لأنهم يبالغون كلاما لا حقيقة له وهذا كلام حق لا محالة ولا شك فيه وقال حماد بن زيد عن أيوب عن ابن ابي مليكة قال قالت عائشة توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي وتوفي بين سحري ونحري وكان جبريل عن أم سلمة به قال البيهقى والصحيح ما رواه عفان عن همام عن قتادة عن أبى الخليل عن سفينة عن أم سلمة به وهكذا رواه النسائى أيضا وابن ماجة من حديث يزيد بن هارون عن همام عن قتادة عن صالح أبى الخليل عن سفينة عن أم سلمة به وقد رواه النسائى أيضا عن قتيبة عن أبى عوانة عن قتادة عن سفينة عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره ثم رواه عن محمد بن عب الله بن المبارك عن يونس بن محمد قال حدثنا عن سفينة فذكر نحوه وقال احمد ثنا يونس ثنا الليث عن يزيد بن الهاد عن موسى بن سرجس عن القاسم عن عائشة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم اعنى على سكرات الموت ورواه الترمذى والنسائى وابن ماجه من حديث الليث به وقال الترمذى غريب وقال الامام أحمد حدثنا وكيع عن اسماعيل عن مصعب بن اسحاق بن طلحة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ليهون على انى رأيت بياض كف عائشة في الجنة تفرد به أحمد واسناده لا بأس به وهذا دليل على شدة محبته عليه السلام لعائشة رضى الله عنها وقد ذكر الناس معانى كثيرة في كثرة المحبة ولم يبلغ أحدهم هذا المبلغ وما ذاك إلا لأنهم يبالغون كلاما لا حقيقة له وهذا حق لا محالة ولا شك فيه وقال حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبى مليكة قال قالت عائشة توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتى وتوفى بين سحرى ونحرى وكان جبريل يعوذه بدعاء اذا مرض فذهبت اعوذه فرفع بصره الى السماء وقال في الرفيق الاعلى في الرفيق الاعلى ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده جريدة رطبة فنظر اليها فظننت أن له بها حاجة قالت فاخذتها فنفضتها فدفعتها اليه فاستن بها وأحسن ما كانت مستنا ثم ذهب يناولنيها فسقطت من يده قالت فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة ورواه البخاري عن سليمان بن جرير عن حماد بن زيد به وقال البيهقي أنبانا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو نصر احمد بن سهل الفقيه ببخارى ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي ثنا داود بن عمرو بن زهير الضبي ثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبى حسين أنبأنا ابن أبى مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول إن من نعمة الله علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توفي في يومي وفي بيتي وبين سحري ونحري وان الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت قالت دخل علي أخي بسواك معه وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه و سلم الى صدري فرأيته ينظر اليه وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه فقلت آخذه لك فاشار براسه أي نعم فلينته له فأمره على فيه قالت وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ثم يقول لا إله إلا الله إن للموت (5/239)
لسكرات ثم نصب أصبعه اليسرى وجعل يقول في الرفيق الاعلى في الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت يده على الماء ورواه البخاري عن محمد عن عيسى بن يونس وقال أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن سعد بن ابراهيم سمعت عروة يحدث عن عائشة قالت كنا نحدث أن النبي لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة قالت فلما كان مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي مات فيه عرضت له بحة فسمعته يقول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قالت عائشة فظننا أنه كان يخير واخرجاه من حديث شعبة به وقال الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة فلما نزل برسول الله صلى الله عليه و سلم ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم افاق فأشخص بصره الى سقف البيت وقال اللهم الرفيق الاعلى فعرفت أنه الحديث الذي كان حدثناه وهو صحيح أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة فقلت اذا لا تختارنا وقالت عائشة كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه و سلم الرفيق الاعلى أخرجاه من غير وجه عن الزهري به وقال سفيان هو الثوري عن اسماعيل بن ابي خالد عن أبي بردة عن عائشة قالت أغمي على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء فقال لا بل أسأل الله الرفيق الاعلى الاسعد مع جبريل وميكائيل واسرافيل رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وغيره قالوا ثنا أبو العباس الاصم ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم واصغت اليه قبل أن يموت وهو مسند الى صدرها يقول اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق أخرجاه من حديث هشام بن عروة وقال الامام احمد حدثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن اسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد سمعت عائشة تقول مات رسول الله صلى الله عليه و سلم بين سحري ونحري وفي دولتي ولم أظلم فيه أحدا فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبض وهو في حجري ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت الدم مع النساء وأضرب وجهي وقال الامام احمد حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما من نبى إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم ترد اليه فيخير بين أن ترد اليه وبين أن يلحق فكنت قد حفظت ذلك منه فاني لمسندته الى صدري فنظرت اليه حين مالت عنقه فقلت قد قضى فعرفت الذي قال فنظرت اليه (5/240)
حين ارتفع فنظر قالت قلت اذا والله لا يختارنا فقال مع الرفيق الاعلى في الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا تفرد به احمد ولم يخرجوه وقال الامام احمد حدثنا عفان أنبأنا همام انبأنا هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأسه بين سحري ونحري قالت فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ورواه البيهقي من حديث حنبل بن اسحاق عن عفان وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو العباس الاصم ثنا احمد بن عبد الجبار ثنا يونس عن أبي معشر عن محمد بن قيس عن أبي عروة عن أم سلمة قالت وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم مات فمرت لي جمع آكل وأتوضأ وما يذهب ريح المسك من يدي وقال احمد حدثنا عفان وبهز قالا ثنا سليمان بن المغيرة ثنا حميد بن هلال عن ابي بردة قال دخلت على عائشة فأخرجت الينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبض في هذين الثوبين وقد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق عن حميد بن هلال به وقال الترمذي حسن صحيح وقال الامام احمد حدثنا بهز ثنا حماد بن سلمة أنبأنا أبو عمران الحوني عن يزيد بن بابنوس قال ذهبت أنا وصاحب لي الى عائشة فاستأذنا عليها فألقت لنا وسادة وجذبت اليها الحجاب فقال صاحبي يا أم المؤمنين ما تقولين في العراك قالت وما العراك فضربت منكب صاحبي قال مه آذيت أخاك ثم قالت ما العراك المحيض قولوا ما قال الله عز و جل في المحيض ثم قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوشحني وينال من رأسي وبيني وبينه ثوب وأنا حائض ثم قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا مر ببابي مما يلقي الكلمة ينفعني الله بها فمر ذات يوم فلم يقل شيئا ثم مر فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا فقلت يا جارية ضعي لي وسادة على الباب وعصبت رأسي فمر بي فقال يا عائشة ما شأنك فقلت أشتكي رأسي فقال أنا واراساه فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جيء به محمولا في كساء فدخل علي وبعث الى النساء فقال إني قد اشتكيت وإني لا استطيع أن أدور بينكن فاذن لي فلأكن عند عائشة فكنت أمرضه ولم امرض أحدا قبله فبينما رأسه ذات يوم على منكبي اذ مال رأسه نحو رأسي فظننت أنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نقطة باردة فوقعت على نقرة نحري فاقشعر لها جلدي فظننت أنه غشي عليه فسجيته ثوبا فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت الحجاب فنظر عمر اليه فقال واغشياه ما أشد غشي رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة يا عمر مات رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يموت حتى يفنى (5/241)
الله المنافقين قالت ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر اليه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أتاه من قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال وانبياه ثم رفع رأسه فحدرفاه وقبل جبهته ثم قال واصفياه ثم رفع راسه وحدرفاه وقبل جبهته وقال واخليلاه مات رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرج الى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين فتكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله يقول إنك ميت وإنهم ميتون حتى فرغ من الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه حتى فرغ من الآيه ثم قال فمن كان يعبد الله فان الله حي لا يمون ومن كان يعبد محمد فان محمدا قد مات فقال عمر أو انها في كتاب الله ما شعرت أنها في كتاب الله ثم قال عمر يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذو سبية المسلمين فبايعوه فبايعوه وقد روى أبو داود والترمذي في الشمائل من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار عن ابي عمران الجوني به ببعضه وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ انبانا أبو بكر بن اسحاق أخبرنا أحمد بن ابراهيم بن ملحان ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن أن عائشة أخبرته أن ابا بكر اقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فيمم رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى ثم قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله والله لا يجمع عليك موتتين أبدا الموتة الأولى كتبت عليك فقدمتها قال الزهري وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فقال اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فتشهد ابو بكر فاقبل الناس اليه فقال أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت قال الله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم الآية قال فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما سمع بشر من الناس إلا يتلوها قال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال والله ما هو إلا أن سمعت ابا بكر تلاها فعرفت أنه الحق فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مات ورواه البخاري عن يحيى ابن بكير به وروى الحافظ البيهقي من طريق ابن لهيعة ثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويتوعد من قال مات بالقتل والقطع ويقول إن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غشية لو قد قام قتل وقطع وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن (5/242)
أم مكتوم في مؤخر المسجد يقرأ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية والناس في المسجد يبكون ويموجون لا يسمعون فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس فقال يا ايها الناس هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفاته فليحدثنا قالوا لا قال هل عندك يا عمر من علم قال لا فقال العباس اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهده اليه في وفاته والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه و سلم الموت قال وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد واقبل مكروبا حزينا فاستأذن في بيت ابنته عائشة فأذنت له فدخل ورسول الله صلى الله عليه و سلم قد توفي على الفراش والنسوة حوله فخمرن وجوههن واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة فكشف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فحثى عليه يقبله ويبكي ويقول ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئا توفي رسول الله والذي نفسي بيده رحمة الله عليك يا رسول الله ما أطيبك حيا وميتا ثم غشاه بالثوب ثم خرج سريعا الى المسجد يتخطى رقاب الناس حتى أتى المنبر وجلس عمر حين رأى ابا بكر مقبلا إليه وقام ابو بكر الى جانب المنبر ونادى الناس فجلسوا وأنصتوا فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد وقال إن الله عز و جل نعى نبيه الى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله عز و جل قال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية فقال عمر هذه الآية في القرآن والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم وقد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه و سلم إنك ميت وإنهم ميتون وقال الله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم واليه ترجعون وقال تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقال كل نفس ذائقة الموت إنما توفون أجوركم يوم القيامة وقال إن الله عمر محمدا صلى الله عليه و سلم وابقاه حتى اقام دين الله وأظهر أمر الله وبلغ رسالةالله وجاهد في سبيل الله ثم توفاه الله على ذلك وقد ترككم على الطريقة فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء فمن كان الله ربه فان الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمدا وينزله إلها فقد هلك إلهه فاتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فان دين الله قائم وإن كلمة الله تامة وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه وأن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء وبه هدى الله محمدا صلى الله عليه و سلم وفيه حلال الله وحرامه والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله إن سيوف الله لمسلوله ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يبغين أحد إلا على نفسه ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث في غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه قلت كما سنذكره مفصلا بدلائله وشواهده إن شاء الله تعالى وذكر الواقدي عن شيوخه قالوا ولما شك في موت النبي (5/243)
صلى الله عليه و سلم فقال بعضهم مات وقال بعضهم لم يمت وضعت اسماء بنت عميس يدها بين كتفي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال قد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد رفع الخاتم من بين كتفيه فكان هذا الذي قد عرف به موته هكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النبوة من طريق الواقدي وهو ضعيف وشيوخه لم يسمون ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صح وفيه غرابة شديدة وهو رفع الخاتم فالله أعلم بالصواب وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارا كثيرة فيها نكارات وغرابة شديدة أضربنا عن اكثرها صفحا لضعف اسانيدها ونكارة متونها ولا سيما ما يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم فكثير منه موضوع لا محالة وفي الاحاديث الصحيحة والحسنة والمروية في الكتب المشهورة غنية عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده والله أعلم فصل
في ذكر أمور مهمة وقعت بعد وفاته صلى الله عليه و سلم وقبل دفنه
ومن أعظمها وأجلها وأيمنها بركة على الاسلام واهله بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وذلك لأنه عليه الصلاة و السلام لما مات كان الصديق رضي الله عنه قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله صلى الله عليه و سلم افاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع وكشف سترة الحجرة ونظر الى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر فأعجبه ذلك وتبسم صلوات الله وسلامه عليه حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة لفرحهم به وحتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصل الصف فأشار اليهم أن يمكثوا كما هم وأرخى الستارة وكان آخر العهد به عليه الصلاة و السلام فلما انصرف أبو بكر رضي الله عنه من الصلاة دخل عليه وقال لعائشة ما أرى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا قد أقلع عنه الوجع وهذا يوم بنت خارجة يعني إحدى زوجتيه وكانت ساكنة بالسنح شرقي المدينة فركب على فرس له وذهب الى منزله وتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم وقيل عند زوال الشمس والله أعلم
فلما مات واختلف الصحابة فيما بينهم فمن قائل يقول مات رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن قائل لم يمت فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق الى السنح فاعلمه بموت رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء الصديق من منزله حين بلغه الخبر فدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم منزله وكشف الغطاء عن وجهه وقبله وتحقق أنه قد مات خرج الى الناس فخطبهم الى جانب المنبر وبين لهم وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قدمنا وأزاح الجدل وأزال الاشكال ورجع الناس كلهم اليه وبايعه في المسجد جماعة من الصحابة ووقعت شبهة لبعض الانصار وقام في أذهان بعضهم جواز استخلاف خليفة من الانصار وتوسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين وأمير من الانصار حتى بين لهم الصديق أن الخلافة لا تكون إلا في قرش فرجعوا اليه وأجمعوا عليه كما سنبينه وننبه عليه (5/244)
قصة سقيفة بني ساعدة
قال الامام احمد ثنا اسحاق بن عيسى الطباع ثنا مالك بن أنس حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس اخبره أن عبد الرحمن بن عوف رجع الى رحله قال ابن عباس وكنت اقرئ عبد الرحمن بن عوف فوجدني وأنا انتظره وذلك بمنى في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب فقال عبد الرحمن بن عوف إن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال إن فلانا يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا فقال عمر إني قائم العشية إن شاء الله في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم قال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وأنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس فاخشى أن تقول مقالة يطير بها أولئك فلا يعوها ولا يضعوها مواضعها ولكن حتى تقدم المدينة فانها دار الهجرة والسنة وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم فتقول ما قلت متمكنا فيعون مقالتك ويضعوها مواضعها قال عمر لئن قدمت المدينة صالحا لأكلمن بها الناس في أول مقام أقومه فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة وكان يوم الجمعة عجلت الرواح صكة الاعمى قلت لمالك وما صكة الاعمى قال إنه لا يبالي أي ساعة خرج لا يعرف الحر والبرد أو نحو هذا فوجدت سعيد بن زيد عند ركن المنبر الايمن قد سبقني فجلست حذاءه تحك ركبتي ركبته فلم أنشب أن طلع عمر فلما رأيته قلت ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله قال فانكر سعيد بن زيد ذلك وقال ما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام فاثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قائل مقالة وقد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن لم يعها فلا أحل له أن يكذب علي إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها ورجم رسول الله صلى الله عليه و سلم ورجمنا بعده فاخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله عز و جل فالرجم في كتاب الله حق على من زنا اذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ألا وإنا قد كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فان كفروا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تطروني كما أطرى عيسى بن مريم فانما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وقد بلغني أن قائلا منكم يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امروء أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ألا وأنها كانت كذلك إلا إن الله وقى شرها وليس فيكم اليوم من تقطع اليه (5/245)
الاعناق مثل أبي بكر وأنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم إن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وتخلف عنها الانصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون الى أبي بكر فقلت له يا ابا بكر انطلق بنا الى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذى صنع القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلت تريد اخواننا من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا هم مجتمعون واذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ماله قالوا وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فاثنى على الله بما هو أهله وقال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا وتحصنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد رورت مقالة أعجبتني أردت أن اقولها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد وهو كان احكم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قالها في بدهته ؟ حتى سكت فقال أما بعد فما ذكرتم من خبر فانتم أهله وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم واحد بيدي زيد أبي عبيدة بن الجراح فلم أكره مما قال غيرها كان والله ان اقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك الى اثم أحب الي أن أتأمر على قوم فيهم ابو بكر إلا ان تغير نفسي عند الموت فقال قائل من الانصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فقللت لمالك ما يعني أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب قال كأنه يقول انا داهيتها قال فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى خشينا الاختلاف فقلت أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعدا فقلت قتل الله سعدا قال عمر أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أرفق من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فاما نبايعهم على مالا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فساد فمن بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرة أن يقتلا قال مالك فأخبرني ابن شهاب عن عروة أن الرجلين اللذين لقياهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي قال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب أن الذي قال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب هو الخباب بن المنذر وقد اخرج هذا الحديث الجماعة في كتبهم من طرق عن مالك وغيره عن الزهري به وقال الامام احمد حدثنا معاوية عن عمرو ثنا زائدة ثنا عاصم ح وحدثني حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله هو ابن مسعود قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت الانصار منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر فقال (5/246)
يا معشر الانصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر ابا بكر ان يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالت الانصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر ورواه النسائي عن اسحاق بن راهويه وهناد بن السري عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة به ورواه علي بن المديني عن حسين ابن علي وقال صحيح لا أحفظه إلا من حديث زائدة عن عاصم وقد رواه النسائي أيضا من حديث سلمة بن نبيط عن نعيم بن ابي هند عن نبيط بن شريط عن سالم بن عبيد عن عمر مثله وقد روى عن عمر بن الخطاب نحوه من طريق آخر وجاء من طريق محمد بن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر أنه قال قلت يا معشر المسلمين ان أولى الناس بأمر النبي ثاني اثنين إذ هما في الغار وأبو بكر السباق المسن ثم اخذت بيده وبدرني رجل من الانصار فضرب على يده قبل أن أضرب على يده ثم ضربت على يده وتبايع الناس وقد روى محمد بن سعد عن عارم بن الفضل عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد فذكر نحوا من هذه القصة وسمى هذا الرجل الذي بايع الصديق قبل عمر بن الخطاب فقال هو بشير بن سعد والد النعمان بن بشير
اعتراف سعد بن عبادة بصحة ما قاله الصديق يوم السقيفة
قال الامام احمد [ حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وابو بكر رضي الله عنه في صائفه من المدينة قال فجاء [ فكشف ] عن وجهه فقبله وقال فداك ابي وأمي ما أطيبك حيا وميتا مات محمد ورب الكعبة فذكر الحديث قال فانطلق أبو بكر وعمر يتعادان حتى أتوهم فتكلم ابو بكر فلم يترك شيئا أنزل في الانصار ولا ذكره رسول الله من شأنهم إلا ذكره وقال لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار واديا سلكت وادي الانصار ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا الامر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم فقال له سعد صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء وقال الامام احمد ] حدثنا علي بن عباس ثنا الوليد بن مسلم أخبرني يزيد بن سعيد بن ذي عضوان العبسي عن عبد الملك بن عمير اللخمي عن رافع الطائي رفيق أبي بكر الصديق في غزوة ذات السلاسل قال وسألته عما قيل في بيعتهم فقال وهو يحدثه عما تقاولت به الانصار وما كلمهم به وما كلم به عمر بن الخطاب الانصار وما ذكرهم به من امامتي إياهم بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه فبايعوني لذلك وقبلتها منهم وتخوفت أن (5/247)
تكون فتنة بعدها ردة وهذا اسناد جيد قوي ومعنى هذا أنه رضي الله عنه انما قبل الامامة تخوفا أن يقع فتنة أربى من تركه قبولها رضي الله عنه وأرضاه قلت كان هذا في بقية يو الاثنين فلما كان الغد صبيحة يوم الثلاثاء اجتمع الناس في المسجد فتممت البيعة من المهاجرين والانصار قاطبة وكان ذلك قبل تجهيز رسول الله صلى الله عليه و سلم تسليما قال البخاري أنبأنا ابراهيم بن موسى ثنا هشام عن معمر عن الزهري أخبرني أنس بن مالك أنه سمع خطبة عمر الأخيرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر صامت لا يتكلم قال كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فان يك محمد قد مات فان الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به هدى محمدا صلى الله عليه و سلم وأن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وثاني اثنين وأنه أولى المسلمين بأموركم فقدموا فبايعوه وكانت طائفة قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر قال الزهري عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول يومئذ لأبي بكر اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه عامة الناس وقال محمد بن اسحاق حدثني الزهري حدثني أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر وقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهدها الي رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكني كنت ارى أن رسول الله سيدبر أمرنا يقول يكون آخرنا وان الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله فان اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله له وأن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم ابو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أمابعد أيها الناس فاني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني وان اسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق ان شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله وهذا إسناد صحيح فقوله رضي الله عنه وليتكم ولست بخيركم من باب الهضم والتواضع فانهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنهم وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحافظ الاسفراييني حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ حدثنا أبو بكر محمد بن اسحاق بن خزيمة وابن ابراهيم بن ابي طالب قالا حدثنا ميدار بن يسار وحدثنا أبو هشام المخزومي حدثنا وهيب حدثنا داود بن ابي هند (5/248)
حدثنا أبو نضرة عن ابي سعيد الخدري قال قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر قال فقام خطيب الانصار فقال أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين ونحن كنا أنصار رسول الله ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره قال فقام عمر بن الخطاب فقال صدق قائلكم أما لو قلتم على ( غير ) هذا لم نبايعكم وأخذ بيد أبي بكر وقال هذا صاحبكم فبايعوه فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والانصار قال فصعد ابو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير قال فدعا بالزبير فجاء فقال قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء فقال قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين قال لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعه هذا أو معناه وقال أبو علي الحافظ سمعت محمد بن اسحاق بن خزيمة يقول جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأته عليه وهذا حديث يسوى بدنة بل يسوى بدرة وقد رواه البيهقي عن الحاكم وأبي محمد بن حامد المقري كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم عن جعفر بن محمد بن شاكر عن عفان بن سلم عن وهيب به ولكن ذكر أن الصديق هو القائل لخطيب الانصار بدل عمر وفيه أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فسأل عنه فقام ناس من الانصار فأتوا به فذكر نحو ما تقدم ثم ذكر قصة الزبير بعد على فالله أعلم وقد رواه على بن عاصم عن الجريري عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدري قذكر نحو ما تقدم وهذا اسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب أما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة وهذا حق فان علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه كما سنذكره وخرج معه الى ذي القصة لما خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة كما سنبينه قريبا ولكن لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم تعلم بما أخبرها به الصديق رضي الله عنه أنه قال لا نورث ما تركنا فهو صدقة فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح كما سنبين ذلك في موضعه فسالته أن ينظر علي في صدقة الأرض التي بخيبر وفدك فلم يجبها الى ذلك لأنه رأى أن حقا عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو الصادق البار الراشد التابع للحق رضي الله عنه فحصل لها وهي امرأة من البشر ليست براجبة العصمة عتب وتغضب ولم تكلم الصديق حتى (5/249)
ماتت واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه و سلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه كما سنذكره من الصحيحين وغيرهما فيما بعد ان شاء الله تعالى معما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه و سلم ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن ابراهيم حدثني ابي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر وان محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ثم خطب ابو بكر واعتذ الى الناس وقال ما كنت حريصا على الامارة يوما ولا ليلة ولا سالتها في سر ولا علانية فقبل المهاجرون مقالته وقال علي والزبير ما غضبنا إلا لأنا اخرنا عن المشورة وانا نرى ان ابا بكر احق الناس بها انه لصاحب الغار وانا لنعرف شرفه وخبره ولقد امره رسول الله صلى الله عليه و سلم ان يصلي بالناس وهو حي اسناد جيد ولله الحمد والمنة فصل
ومن تأمل ما ذكرناه ظهر له اجماع المهاجرين منهم والأنصار على تقديم أبي بكر وظهر برهان قوله عليه السلام يابى الله والمؤمنون إلا أبا بكر وظهر له أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينص على الخلافة عينا لأحد من الناس لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة ولا لعلي كما يقوله طائفة من الرافضة ولكن اشار اشارة [ قوية يفهمها كل ذي لب وعقل الى الصديق كما قدمنا وسنذكره ] ولله الحمد كما ثبت في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له ألا تستخلف يا أمير المؤمنين فقال إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر وإن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن عمر فعرفت حين ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه غير مستخلف وقال سفيان الثوري عن عمرو بن قيس عن عمرو بن سفيان قال لما ظهر علي على الناس قال يا أيها الناس ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يعهد الينا في هذه الامارة شيئا حتى رأينا من الرأي أن يستخلف ابا بكر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله ثم إن ابا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله أو قال حتى ضرب الين بجرانه الى آخره وقال الامام احمد ثنا أبو نعيم ثنا شريك عن الاسود ابن قيس عن عمرو بن سفيان قال خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي فقال علي هذا الخطيب السجسج سبق رسول الله صلى الله عليه و سلم وصلى أبو بكر وثلث عمر ثم خبطتنا فتنة بعدهم يصنع الله فيها ما يشاء وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ انبأنا أبو بكر محمد بن احمد الزكي بمرو ثنا عبد الله ابن روح المدائني ثنا شبابة بن سوار ثنا شعيب بن ميمون عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي (5/250)
عن أبي وائل قال قيل لعلي بن ابي طالب ألا تستخلف علينا فقال ما استخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستخلف ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم إسناد جيد ولم يخرجوه وقد قدمنا ما ذكره البخاري من حديث الزهري عن عبد الله ابن كعب بن مالك عن ابن عباس أن عباسا وعليا لما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رجل كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال علي أصبح بحمد الله بارئا فقال العباس انك والله عبد العصا بعد ثلاث إني لأعرف في وجوه بني هاشم الموت واني لأرى في وجه رسول الله الموت فاذهب بنا اليه فنسأله فيمن هذا الأمر فان كان فينا عرفناه وان كان في غيرنا أمرناه فوصاه بنا فقال علي اني لا اسأله ذلك والله ان منعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدا وقد رواه محمد بن اسحاق عن الزهري به فذكره وقال فيه فدخلا عليه في يوم قبض صلى الله عليه و سلم فذكره وقال في آخره فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم قلت فهذا يكون في يوم الاثنين يوم الوفاة فدل على أنه عليه السلام توفي عن غير وصية في الامارة وفي الصحيحين عن ابن عباس أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين أن يكتب ذلك الكتاب وقد قدمنا أنه عليه السلام كان طلب أن يكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده فلما أكثروا اللغط والاختلاف عنده قال قوموا عني فما أنا فيه خير مما تدعونني اليه وقد قدمنا أنه قال بعد ذلك يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عون عن ابراهيم التيمي عن الاسود قال قيل لعائشة أنهم يقولون ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصى الى علي فقالت بما أوصى الى علي لقد دعا بطست ليبول فيها وأنا مسندته الى صدري فانحنف فمات وما شعرت فيم يقول هؤلاء انه أوصى الى علي وفي الصحيحين من حديث مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال سألت عبد الله بن ابي أوفى هل أوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا قلت فلم امرنا بالوصية قال أوصى بكتاب الله عز و جل قال طلحة بن مصرف وقال هذيل بن شرحبيل أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه و سلم ود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرم أنفه بخرامة وفي الصحيحين أيضا من حديث الاعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه قال خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال من زعم أن عندنا شيئا نقرأه ليس في كتاب الله وهذه الصحيفة لصحيفة معلقة في سيفه فيها اسنان الابل وأشياء من الجراحات فقد كذب وفيها قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة حرم ما بين عير الى ثور من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ومن ادعى الى غير أبيه أو انتمى الى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس (5/251)
أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وهذا الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما عن علي رضي الله عنه يرد على فرقة الرافضة في زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اوصى اليه بالخلافة ولو كان الأمر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فانهم كانوا أطوع لله ولرسوله في حياته وبعد وفاته من أن يقتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه ويؤخروا من قدمه بنصه حاشا وكلا ولما ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم الى الفجور والتواطئ على معاندة الرسول صلى الله عليه و سلم ومضادتهم في حكمه ونصه ومن وصل من الناس الى هذا المقام فقد خلع ربقة الاسلام وكفر باجماع الائمة الاعلام وكان أراقة دمه أحل من إراقة المدام ثم لو كان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه نص فلم لا كان يحتج به على الصحابة على اثبات امارته عليهم وامامته لهم فان لم يقدر على تنفيذ ما معه من النص فهو عاجز والعاجز لا يصلح للامارة وان كان يقدر ولم يفعله فهو خائن والخائن الفاسق مسلوب معزول عن الامارة وان لم يعلم بوجود النص فهو جاهل ثم وقد عرفه وعلمه من بعده هذا محال وافتراء وجهل وضلال وإنما يحسن هذا في اذهان الجهلة الطغام والمغترين من الأنام يزينه لهم الشيطان بلا دليل ولا برهان بل بمجرد التحكم والهذيان والافك والبهتان عياذا بالله مما هم فيه من التخليط والخذلان والتخبيط والكفران وملاذا بالله بالتمسك بالسنة والقرآن والوفاة على الاسلام والايمان والموافاة على الثبات والايقان وتثقيل الميزان والنجاة من النيران والفوز بالجنان انه كريم منان رحيم رحمن
وفي هذا الحديث الثابت في الصحيحين عن علي الذي قدمناه رد على متقولة كثير من الطرقية والقصاص الجهلة في دعواهم ان النبي صلى الله عليه و سلم أوصى الى علي بأشياء كثيرة يسوقونها مطولة يا علي افعل كذا يا علي لا تفعل كذا يا علي من فعل كذا كان كذا وكذا بالفاظ ركيكة ومعاني أكثرها سخيفة وكثير منها صحيفة لا تساوي تسويد الصحيفة والله أعلم وقد اورد الحافظ البيهقي من طريق حماد بن عمرو النصيبي وهو أحد الكذابين الصواغين عن السري بن خلاد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يا علي أوصيك بوصية أحفظها فانك لا تزال بخير ما حفظها يا علي ان للمؤمن ثلاث علامات الصلاة والصيام والزكاة قال البيهقي فذكر حديثا مطويلا في الرغائب والآداب وهو حديث موضوع وقد شرطت في أول الكتاب أن لا أخرج فيه حديثا أعلمه موضوعا ثم روى من طريق حماد بن عمر وهذا عن زيد بن رفيع عن مكحول الشامي قال هذا ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي بن أبي طالب حين رجع من غزوة حنين وأنزلت عليه سورة النصر قال البيهقي فذكر حديثا طويلا في الفتنة وهو أيضا حديث منكر ليس له (5/252)
أصل وفي الأحاديث الصحيحية كفاية وبالله التوفيق
ولنذكر هاهنا ترجمة حماد بن عمر وأبي اسماعيل النصيبي روى عن الاعمش وغيره وعنه ابراهيم ابن موسى ومحمد بن مهران وموسى بن أيوب وغيرهم قال يحيى بن معين هو ممن يكذب ويضع الحديث وقال عمرو بن علي الفلاس وأبو حاتم منكر الحديث ضعيف جدا وقال ابراهيم بن يعقوب الجوزجاني كان يكذب وقال البخاري منكر الحديث وقال أبو زرعة واهي الحديث وقال النسائي متروك وقال ابن حبان يضع الحديث وضعا وقال ابن عدي عامة حديثه مما لا يتابعه أحد من الثقات عليه وقال الدارقطني ضعيف وقال الحاكم أبو عبد الله يروى عن الثقات أحاديث موضوعة وهو ساقط بمرة فأما الحديث الذي قال الحافظ البيهقي أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الحافظ أنبأنا حمزة بن العباس العقبي ببغداد ثنا عبد الله بن روح المدائني ثنا سلام بن سليمان المدائني ثنا سلام بن سليم الطويل عن عبد الملك بن عبد الرحمن عن الحسن المقبري عن الاشعث بن طليق عن مرة بن شراحيل عن عبد الله بن مسعود قال لما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم اجتمعنا في بيت عائشة فنظر الينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فدمعت عيناه ثم قال لنا قد دنا الفراق ونعى الينا نفسه ثم قال مرحبا بكم حياكم الله هداكم الله نصركم الله نفعكم الله وفقكم الله سددكم الله وقاكم الله أعانكم الله قبلكم الله أوصيكم بتقوى الله وأوصي الله بكم واستخلفه عليكم إني لكم منه نذير مبين أن لا تعلوا على الله في عباده وبلاده فان الله قال لي ولكم تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين وقال اليس في جهنم مثوى للمتكبرين قلنا فمتى أجلك يا رسول الله قال قد دنا الأجل والمنقلب الى الله والسدرة المنتهى والكأس الأوفى والفرش الأعلى قلنا فمن يغسلك يا رسول الله قال رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم قلنا ففيم نكفنك يا رسول الله قال في ثيابي هذه ان شئتم أو في يمنية أو في بياض مصر قلنا فمن يصلي عليك يا رسول الله فبكى وبكينا وقال مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا اذا غسلتموني وحنطتموني وكفنتموني فضعوني على شفير قبري ثم أخرجوا عني ساعة فان أول من يصلي علي خليلاي وجليساي جبريل وميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة عليهم السلام وليبدأ بالصلاة علي رجال أهل بيتي ثم نساؤهم ثم ادخلوا علي أفواجا افواجا وفرادى فرادى ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا بضجة ومن كان غائبا من أصحابي فأبلغوه عني السلام واشهدكم بأني قد سلمت على من دخل في الاسلام ومن تابعني في ديني هذا منذ اليوم الى يوم القيامة قلنا فمن يدخلك قبرك يا رسول الله قال رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم ثم قال (5/253)
البيهقي تابعه احمد بن يونس عن سلام الطويل وتفرد به سلام الطويل
قلت وهو سلام بن مسلم ويقال ابن سليم ويقال ابن سليمان والأول أصح التميمي السعدي الطويل يروى عن جعفر الصادق وحميد الطويل وزيد العمي وجماعة وعنه جماعة أيضا منهم احمد بن عبد الله بن يونس وأسد بن موسى وخلف بن هشام البزار وعلي بن الجعد وقبيصة بن عقبة وقد ضعفه علي بن المديني واحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة والجوزجاني والنسائي وغير واحد وكذبه بعض الأئمة وتركه خرون لكن روى هذا الحديث بهذا السياق بطوله الحافظ ابو بكر البزار من غير طريق سلام هذا فقال حدثنا محمد بن اسماعيل الأحمسي ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ابن لاصبهاني أنه أخبره عن مرة عن عبد الله فذكر الحديث بطوله ثم قال البزار وقد روى هذا عن مرة من غير وجه بأسانيد متقاربة وعبد الرحمن ابن الاصبهاني لم يسمع هذا من مرة وانما هو عمن أخبره عن مرة ولا أعلم أحدا رواه عن عبد الله عن مرة فصل
في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ومبلغ سنه حال وفاته وفي كيفية غسله عليه السلام والصلاة عليه ودفنه وموضع قبره صلوات الله وسلامه عليه
لا خلاف أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين قال ابن عباس ولد نبيكم صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين ونبئ يوم الاثنين وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ومات يوم الاثنين رواه الامام احمد والبيهقي وقال سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال لي أبو بكر أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت يوم الاثنين فقال اني لأرجو أن أموت فيه فمات فيه رواه البيهقي من حديث الثوري به وقال الامام احمد حدثنا أسود ابن عامر ثنا هريم حدثني ابن اسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء تفرد به احمد وقال عروة بن الزبير في مغازيه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب لما اشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم وجعه أرسلت عائشة الى ابي بكر وأرسلت حفصة الى عمر وارسلت فاطمة الى علي فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في صدر عائشة وفي يومها يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الاول وقد قال أبو يعلى ثنا أبو خيثمة ثنا ابن عيينة عن الزهري عن أنس قال آخر نظرة نظرتها الى رسول الله يوم الاثنين كشف الستارة والناس خلف أبي بكر فنظرت الى وجهه كأنه ورقة مصحف فاراد الناس أن (5/254)
ينحرفوا فاشار اليهم أن امكثوا والقي السجف وتوفي من آخر ذلك اليوم وهذا الحديث في الصحيح وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال والله أعلم وروى يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار عن محمد بن شعيب وعن صفوان عن عمر بن عبد الواحد جميعا عن الاوزاعي أنه قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا احمد بن حنبل ثنا الحسن بن علي البزار ثنا محمد بن عبد الاعلى ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه وهو سليمان بن طرخان التيمي في كتاب المغازي قال ان رسول الله صلى الله عليه و سلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر وبدأه وجعه عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود وكان أول يوم مرض يوم السبت وكانت وفاته عيله السلام يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه عليه السلام المدينة وقال الواقدي حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاربعاء لاحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة احدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة فاجتمع عنده نساؤه كلهن فاشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفى يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة وقال الواقدى وقالوا بدئ رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاربعاء لليلتين خلتا من ربيع الاول سنة إحدى عشرة وقال الواقدي وقالوا بدئ رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من صفر وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول وهذا جزم به محمد بن سعد كاتبه وزاد ودفن يوم الثلاثاء قال الواقدي وحدثني سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض عن المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بدئ في بيت ميمونة وقال يعقوب بن سفيان حدثنا احمد بن يونس ثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة عشر يوما فكان اذا وجد خفة صلى واذا ثقل صلى أبو بكر رضي الله عنه وقال محمد بن اسحاق توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا واستكمل رسول الله صلى الله عليه و سلم في هجرته عشر سنين كوامل قال الواقدي وهو المثبت عندنا وجزم به محمد بن سعد كاتبه وقال يعقوب بن سفيان عن يحيى بن بكير عن الليث أنه قال توفي رسول الله يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول وفيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه وقال سعد بن أبراهيم الزهري توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة رواه ابن عساكر ورواه الواقدي عن أبي معشر عن محمد بن قيس مثله سواء وقاله خليفة بن خياط أيضا وقال أبو نعيم الفضل بن دكين توفي رسول الله يوم الاثنين مستهل ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة ورواه ابن عساكر أيضا وقد تقدم قريبا عن عروة وموسى بن عقبة والزهري مثله فيما نقلناه عن مغازيهما فالله أعلم والمشهور قول ابن اسحاق والواقدي ورواه الواقدي عن ابن عباس عن عائشة رضي الله عنها (5/255)
فقال حدثني ابراهيم بن يزيد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قالا توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول ورواه ابن اسحاق عن عبد الله بن ابي بكر بن حزم عن أبيه مثله وزاد ودفن ليلة الأربعاء وروى سيف بن عمر عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال لما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع ارتحل فأتى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا ومات يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول وروى أيضا عن محمد بن اسحاق عن الزهري عن عروة وفي حديث فاطمة عن عمرة عن عائشة مثله إلا أن ابن عباس قال في أوله لأيام مضين منه وقالت عائشة بعد ما مضى أيام منه
فائدة قال أبو القاسم السهيلي في الروض ما مضمونه لا يتصور وقوع وفاته عليه السلام يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول من سنة احدى عشرة وذلك لأنه عليه السلام وقف في حجة الوداع سنة عشر يوم الجمعة فكان أول ذي الحجة يوم الخميس فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة أو بعضها تام وبعضها تاقص لا يتصور أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول وقد اشتهر هذا الايراد على هذا القول وقد حاول جماعة الجواب عنه ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد وهو اختلاف المطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لخمس بقين من ذي القعدة يعني من المدينة الى حجة الوداع ويتعين بما ذكرناه انه خرج يوم السبت وليس كما زعم ابن حزم انه خرج يوم الخميس لأنه قد بقي اكثر من خمس بلا شك ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة لأن أنسا قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين فعلى هذا انما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة واذا كان أول ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة وحسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الاول يوم الخميس فيكون ثاني عشره يوم الاثنين والله أعلم وثبت في الصحيحين من حديث مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالابيض الامهق ولا الادام ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله عز و جل على رأس أربعين سنة فاقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء وهكذا رواه ابن وهب عن عروة عن الزهري عن أنس وعن قرة بن ربيعة عن انس مثل ذلك قال الحافظ ابن عساكر حديث قرة عن الزهري غريب وأما من رواية ربيعة عن انس فرواها عنه جماعة كذلك ثم اسند من طريق سليمان بن بلال (5/256)
من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وربيعة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توفي وهو ابن ثلاث وستين وكذلك رواه ابن البربري ونافع بن ابي نعيم عن ربيعة عن انس به قال والمحفوظ عن ربيعة عن انس ستون ثم اورده ابن عساكر من طريق مالك والاوزاعي ومسعر وابراهيم بن طهمان وعبد الله بن عمر وسليمان بن بلال وأنس بن بلال وأنس بن عياض والدراوردي ومحمد بن قيس المدني كلهم عن ربيعة عن أنس قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن ستين سنة وقال البيهقي أنبأنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو عمرو بن السماك ثنا حنبل بن اسحاق ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث ثنا أبو غالب الباهلي قال قلت لانس بن مالك ابن أي الرجال رسول الله إذ بعث قال كان ابن اربعين سنة قال ثم كان ماذا قال كان بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتمت له ستون سنة يوم قبضه الله عز و جل وهوكأشد الرجال وأحسنهم وأجملهم وألحمهم ورواه الامام احمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به وقد روى مسلم عن ابي غسان محمد بن عمرو الرازي الملقب برشح عن حكام بن مسلم عن عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال قبض النبي صلى الله عليه و سلم وهو ابن ثلاث وستين وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين انفرد به مسلم وهذا لا ينافي ما تقدم عن أنس لأن العرب كثيرا ما تحذف الكسر وثبت في الصحيحين من حديث الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت توفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين سنة قال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب مثله وروى موسى بن عقبة وعقيل ويونس ابن يزيد وابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن ثلاث وستين قال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب مثل ذلك وقال البخاري ثنا أبو نعيم ثنا شيبان عن يحيى بن ابي كثير عن أبي سلمة عن عائشة وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مكث بمكة عشر سنين يتنزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا لم يخرجه مسلم وقال أبو داود الطيالسي في مسنده ثنا شعبة عن ابي اسحاق عن عامر بن سعد عن جرير بن عبد الله عن معاوية بن ابي سفيان قال قبض النبي صلى الله عليه و سلم وهو ابن ثلاث وستين وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وعمر وهو ابن ثلاث وستين وهكذا رواه مسلم من حديث غندر عن شعبة وهو من افراده دون البخاري ومنهم من يقول عن عامر بن سعد عن معاوية والصواب ما ذكرناه عن عامر بن سعد عن جرير عن معاوية وروينا من طرشث عامر بن شراحيل عن الشعبى عن جرير بن عبد الله البجلى عن معاوية فذكره فذكره وروى الحافظ ابن عساكر من طريق القاضي أبي يوسف عن يحيى بن سعيد الانصاري عن أنس قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن ثلاث وستين وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين وقال ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة عن عائشة قالت تذاكر (5/257)
رسول الله وأبو بكر ميلادهما عندي فكان رسول الله أكبر من ابي بكر فتوفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين وتوفي أبو بكر بعده وهو ابن ثلاث وستين وقال الثوري عن الاعمش عن القاسم بن عبد الرحمن قال توفي رسول الله وأبو بكر وهمر وهم بنو ثلاث وستين وقال حنبل حدثنا الامام احمد ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال انزل على النبي صلى الله عليه و سلم وهو ابن ثلاث واربعين فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وهذا غريب عنه وصحيح اليه وقال احمد ثنا هشيم ثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال نبئ رسول الله وهو ابن أربعين سنة فمكث ثلاث سنين ثم بعث اليه جبريل بالرسالة ثم مكث بعد ذلك عشر سنين ثم هاجر الى المدينة فقبض وهو ابن ثلاث وستين سنة قال الامام أبو عبد الله احمد بن حنبل الثابت عندنا ثلاث وستون قلت وهكذا روي عن مجاهد عن الشعبي وروي من حديث اسماعيل بن أبي خالد عنه وفي الصحيحين من حديث روح بن عبادة عن زكريا بن اسحاق عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مكث بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وفي صحيح البخاري من حديث روح بن عبادة أيضا عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ثم مات وهو ابن ثلاث وستين وكذلك رواه الامام احمد عن روح بن عبادة ويحيى بن سعيد ويزيد بن هارون كلهم عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس به وقد رواه أبو يعلى الموصلي عن الحسن بن عمر بن شقيق عن جعفر بن سليمان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن ابن عباس فذكر مثله ثم أورده من طرق عن ابن عباس مثل ذلك ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن أبي حمزة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اقام بمكة ثلاث عشرة يوحى اليه وبالمدينة عشرا ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة وقد أسند الحافظ ابن عساكر من طريق مسلم بن جنادة عن عبد الله بن عمر عن كريب عن ابن عباس قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن ثلاث وستين ومن حديث أبي نضرة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس مثله وهذا القول هو الاشهر وعليه الاكثر وقال الامام احمد ثنا اسماعيل عن خالد الحذاء حدثني عمار مولى بني هاشم سمعت ابن عباس يقول توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن خمس وستين سنة ورواه مسلم من حديث خالد الحذاء به وقال احمد ثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن عمارة بن ابي عمار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقام بمكة خمس عشرة سنة ثماني سنين أو سبع يرى الضوء ويسمع الصوت وثمانية أو سبعا يوحى اليه وأقام بالمدينة عشرا ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به وقال احمد أيضا حدثنا عفان ثنا يزيد بن زريع ثنا يونس عن عمار مولى بني هاشم قال سألت ابن عباس كم أتى لرسول الله صلى الله عليه و سلم يوم مات قال ما كنت أرى مثلك في (5/258)
قومه يخفى عليه ذلك قال قلت إني قد سألت فاختلف علي فأحببت أن أعلم قولك فيه قال أتحسب قلت نعم قال أمسك أربعين بعث لها وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف وعشرا مهاجرا بالمدينة وهكذا رواه مسلم من حديث يزيد بن زريع وشعبة بن الحجاج كلاهما عن يونس ابن عبيد عن عمار عن ابن عباس بنحوه وقال الامام احمد ثنا ابن نمير ثنا العلاء بن صالح ثنا المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير أن رجلا أتى ابن عباس فقال أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم عشرا بمكة وعشرا بالمدينة فقال من يقول ذلك لقد أنزل عليه بمكة خمس عشرة وبالمدينة عشرا خمسا وستين وأكثر وهذا من افراد احمد اسنادا ومتنا وقال الامام احمد ثنا هشيم ثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال قبض النبي صلى الله عليه و سلم وهو ابن خمس وستين سنة تفرد به احمد وقد روى الترمذي في كتاب الشمائل وأبو يعلى الموصلي والبيهقي من حديث قتادة عن الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة أن النبي صلى الله عليه و سلم قبض وهو ابن خمس وستين ثم قال الترمذي دغفل لا يعرف له سماعا عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد كان في زمانه رجلا وقال البيهقي وهذا يوافق رواية عمار ومن تابعه عن ابن عباس ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح فهم أوثق وأكثر وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة عن عائشة واحدى الروايتين عن أنس والرواية الصحيحة عن معاوية وهي قول سعيد بن المسيب وعامر الشعبي وأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم قلت وعبد الله بن عقبة والقاسم بن عبد الرحمن والحسن البصري وعلي بن الحسين وغير واحد ومن الاقوال الغريبة ما رواه خليفة بن خياط عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن اثنتين وستين سنة ورواه يعقوب بن سفيان عن محمد بن المثنى عن معاذ ابن هشام عن أبيه عن قتادة مثله ورواه زيد العمي عن يزيد عن أنس ومن ذلك ما رواه محمد بن عابد عن القاسم بن حميد عن النعمان بن المنذر الغساني عن مكحول قال توفي رسول الله وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهر ورواه يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار عن محمد بن شعيب عن النعمان بن المنذر عن مكحول قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن اثنتين وستين سنة ونصف واغرب من ذلك كله ما رواه الامام احمد عن روح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه و سلم ثماني سنين بمكة وعشرا بعد ما هاجر فان كان الحسن ممن يقول بقول الجمهور وهو أنه عليه السلام أنزل عليه القرآن وعمره أربعون سنة فقد ذهب الى أنه عليه السلام عاش ثمانيا وخمسين سنة وهذا غريب جدا لكن روينا من طريق مسدد عن هشام بن حسان عن الحسن أنه قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن ستين سنة وقال خليفة بن خياط حدثنا أبو عاصم عن أشعث عن الحسن قال بعث رسول الله وهو ابن خمس وأربعين فاقام (5/259)
بمكة عشرا وبالمدينة ثمانيا وتوفي وهو ابن ثلاث وستين وهذا بهذا الصفة غريب جدا والله أعلم
صفة غسله عليه السلام
قد قدمنا أنهم رضي الله عنهم اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء فلما تمهدت وتوطدت وتمت شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه و سلم مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق رضي الله عنه قال ابن اسحاق فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الثلاثاء وقد تقدم من حديث ابن اسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء وقال ابو بكر بن ابي شيبة حدثنا أبو معاوية ثنا أبو بردة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن ابيه قال لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم ناداهم مناد من الداخل أن لا تجردوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قميصه ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن أبي بردة واسمه عمرو بن يزيد التميمي كوفي وقال محمد بن اسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه سمعت عائشة تقول لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه و سلم قالوا ما ندري انجرد رسول الله صلى الله عليه و سلم من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا القى الله عليهم النوم حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه ثيابه فقاموا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فغسلوه وعليه قميص يصبون الماء فوق القميص فيدلكونه بالقميص دون أيديهم فكانت عائشة تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا نساؤه رواه أبو داود من حديث ابن اسحاق وقال الامام احمد حدثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن اسحاق حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال اجتمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس في البيت إلا أهله عمه العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس وقثم بن العباس واسامة بن زيد بن حارثة وصالح مولاه فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناس أوس ابن خولى الانصاري أحد بني عوف بن الخزرج وكان بدريا علي بن أبي طالب فقال يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له علي أدخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يل من غسله شيئا فاسنده علي الى صدره وعليه قميصه وكان العباس وفضل وقثم يقلبونه مع علي وكان اسامة بن زيد وصالح مولاه هما يصبان الماء وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا مما يرى من الميت وهو يقول بأبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا حتى اذا فرغوا من غسل رسول الله وكان يغسل بالماء والسدر جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت (5/260)
ثم أدرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد وحبرة قال ثم دعا العباس رجلين فقال أحدكما ليذهب الى أبى عبيدةبن الجراح وكان أبوعبيدة يصرخ لأخل مكة وليذهب الآخر أبى طلحة ابن سهل الأنصارى وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة قال ثم قال العباس حين سرحهما اللهم خر لرسولك قال فذهبا فلم يجد صاحب ابي عبيدة أبا عبيدة ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه و سلم انفرد به احمد وقال يونس بن بكير عن المنذر بن ثعلبة عن الصلت عن العلباء بن احمر قال كان علي والفضل يغسلان رسول الله فنودي علي ارفع طرفك الى السماء وهذا منقطع
قلت وقد روى بعض أهل السنن عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له يا علي لا تبد فخذك ولا تنظر الى فخذ حي ولا ميت وهذا فيه اشعار بأمره له في حق نفسه والله أعلم وقال الحافظ البيهقي انبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا محمد بن يعقوب ثنا يحيى ابن محمد بن يحيى ثنا ضمرة ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال قال علي غسلت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا وكان طيبا حيا وميتا صلى الله عليه و سلم وقد رواه أبو داود في المراسيل وابن ماجه من حديث معمر به زاد البيهقي في روايته قال سعيد بن المسيب وقد ولي دفنه عليه السلام أربعة علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم لحدوا له لحدا ونصبوا عليه اللبن نصبا وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين منهم عامر الشعبي ومحمد بن قيس وعبد الله بن الحارث وغيرهم بالفاظ مختلفة يطول بسطها هاهنا وقال البيهقي وروى أبو عمرو بن كيسان عن يزيد بن بلال سمعت عليا يقول أوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا يغسله أحد غيري فانه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه قال علي فكان العباس واسامة يناولاني الماء من وراء الستر قال علي فما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله وقد اسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في مسنده فقال حدثنا محمد بن عبد الرحيم ثنا عبد الصمد بن النعمان ثنا كيسان أبو عمرو عن يزيد بن بلال قال قال علي ابن أبي طالب أوصاني النبي صلى الله عليه و سلم أن لا يغسله احد غيري فانه لا يرى احد عورتي إلا طمست عيناه قال علي فكان العباس واسامة يناولاني الماء من وراء الستر قلت هذا غريب جدا وقال البيهقي انبأنا محمد بن موسى بن الفضل ثنا أبو العباس الأصم ثنا اسيد بن عاصم ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن عبد الملك بن جريج سمعت محمد بن علي ابا جعفر قال غسلت النبي صلى الله عليه و سلم بالسدر ثلاثا وغسل وعليه قميص وغسل من بشر كان يقال له الغرس بقباء كانت لسعد بن خيثمة وكان رسول الله يشرب منها وولي غسله علي والفضل يحتضنه والعباس (5/261)
يصب الماء فجعل الفضل يقول ارحنى قطعت وتيني اني لأجد شيئا يترطل علي وقال الواقدي ثنا عاصم بن عبد الله الحكمي عن عمر بن عبد الحكم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة وماؤها أطيب المياه وكان رسول الله يستعذب له منها وغسل من بئر غرس وقال سيف بن عمر عن محمد بن عون عن عكرمة عن ابن عباس قال لما فرع من القبر وصلى الناس الظهر أخذ العباس في غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم فضرب عليه كلة من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت فدخل الكلة ودعا عليا والفضل فكان اذا ذهب الى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله ورجال من بني هاشم من وراء الكلة ومن أدخل من الانصار حيث ناشدوا أبي وسألوه منهم أوس بن خولي رضي الله عنهم أجمعين ثم قال سيف عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي عن ابن عباس فذكر ضرب الكلة وأن العباس أدخل فيها عليا والفضل وأبا سفيان واسامة ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في البيت فذكر أنهم القي عليهم النعاس فسمعوا قائلا يقول لا تغسلوا رسول الله فانه كان طاهرا فقال العباس ألا بلى وقال أهل البيت صدق فلا تغسلوه فقال العباس لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو وغشيهم النعاس ثانية فناداهم أن غسلوه وعليه ثيابه فقال أهل البيت إلا لا وقال العباس غلا نعم فشرعوا في غسله وعليه قميص ومجول مفتوح فغسلوه بالماء القراح وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله واعتصر قميصه ومجوله ثم أدرج في أكفانه حجوره عودا وندا ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه وهذا السياق فيه غرابة جدا
صفة كفنه عليه الصلاة و السلام
قال الامام احمد ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي حدثني الزهري عن القاسم عن عائشة قالت أدرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوب حبرة ثم أخر عنه قال القاسم ان بقايا ذلك الثوب لعندنا بعد وهذا الاسناد على شرط الشيخين وانا رواه أبو داود عن احمد بن حنبل والنسائي عن محمد ابن مثنى ومجاهد بن موسى فروهما كلهم عن الوليد بن مسلم به وقال الامام أبو عبد الله محمد بن ادريس الشافعي ثنا مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة اثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة وكذا رواه البخاري عن اسماعيل بن ادريس عن مالك وقال الامام احمد حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة اثواب سحولية بيض وأخرجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وأخرجه البخاري عن ابي نعيم عن سفيان الثوري كلاهما عن هشام بن عروة به وقال أبو داود ثنا قتيبة ثنا حفص (5/262)
ابن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله كفن في ثلاثة اثواب بيض يمانية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة قال فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة فقالت قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه وهكذا رواه مسلم عن ابي بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث به وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو الفضل محمد بن ابراهيم ثنا احمد بن مسلم ثنا هناد بن السري ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت كفن رسول الله في ثلاثة اثواب بيض سحوليه من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة فاما الحلة فانما شبه على الناس فيها إنا اشتريت له حلة ليكفن فيها فتركت وأخذها عبد الله بن ابي بكر فقال لأحبسنها حتى أكفن فيها ثم قال لو رضيها الله لنبيه صلى الله عليه و سلم لكفنه فيها فباعها وتصدق بثمنها رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وغيره عن ابي معاوية ثم رواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن احمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كفن رسول الله في برد حبرة كانت لعبد الله بن أبي بكر ولف فيها ثم نزعت عنه فكان عبد الله بن أبي بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه حتى يكفن فيها اذا مات ثم قال أن أمسكها ما كنت أمسك لنفسي شيئا منع الله رسوله صلى الله عليه و سلم أن يكفن فيه فتصدق بثمنها عبد الله وقال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة اثواب سحولية بيض ورواه النسائي عن اسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق قال الامام احمد حدثنا مسكين بن بكير عن سعيد يعني ابن عبد العزيز قال قال مكحول حدثني عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كفن في ثلاثة أثواب رياط يمانية انفرد به احمد وقال أبو يعلى الموصلي ثنا سهل بن حبيب الانصاري ثنا عاصم بن هلال امام مسجد أيوب ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية وقال سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كفن في ثلاثة أثواب ووقع في بعض الروايات ثوبين صحاريين وبرد حبرة وقال الامام احمد ثنا ابن ادريس ثنا يزيد عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كفن في ثلاثة أثواب في قميصه الذي مات فيه وحلة نجرانية الحلة ثوبان ورواه أبو داود عن احمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة وابن ماجه عن علي بن محمد ثلاثتهم عن عبد الله بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس بنحوه وهذا غريب جدا وقال الامام احمد أيضا حدثنا عبد الرزاق ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوبين أبيضين وبرد حمراء انفرد به احمد من هذا الوجه وقال أبو بكر الشافعي ثنا علي بن الحسن ثنا حميد بن الربيع ثنا بكر يعني ابن عبد الرحمن ثنا عيسى يعني ابن المختار عن (5/263)
محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال كفن رسول الله في ثوبين أبيضين وبرد حمراء وقال أبو يعلى ثنا سليمان الشاذكوني ثنا يحيى بن أبي الهيثم ثنا عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس عن الفضل قال كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوبين أبيضين سحوليين زاد فيه محمد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى وبرد احمر وقد رواه غير واحد عن اسماعيل المؤدب عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس عن الفضل قال كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوبين أبيضين وفي رواية سحولية فالله أعلم وروى الحافظ ابن عساكر من طريق أبي طاهر المخلص ثنا احمد بن اسحاق البهلول ثنا عباد بن يعقوب ثنا شريك عن أبي اسحاق قال وقعت على مجلس بني عبد المطلب وهو متوافرون فقلت لهم في كم كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا قباء ولا عمامة قلت كم أسر منكم يوم بدر قالوا العباس ونوفل وعقيل وقد روى البيهقي من طريق الزهري عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال كفن رسول الله في ثلاثة أثواب أحدها برد حمراء حبرة وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من طريق في صحتها نظر عن علي بن أبي طالب قال كفنت رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوبين سحوليين وبرد حبرة وقد قال أبو سعيد ابن الاعرابي حدثنا ابراهيم بن الوليد ثنا محمد بن كثير ثنا هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ريطتين وبرد نجراني وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن هشام و عمران القطان عن قتادة عن سعيد عن أبي هريرة به وقد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى ثنا نصر بن طريف عن قتادة ثنا ابن المسيب عن أم سلمة أن رسول الله كفن في ثلاثة اثواب أحدها برد نجراني وقال البيهقي وفيما روينا عن عائشة بيان سبب الاشتباه على الناس وأن الحبرة أخرت عنه والله أعلم ثم روى الحافظ البيهقي من طريق محمد بن اسحاق بن خزيمة ثنا يعقوب بن ابراهيم الدورقي عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن حسن بن صالح عن هارون بن سعيد قال كان عند علي مسك فأوصى أن يحنط به وقال هو من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه من طريق ابراهيم بن موسى عن حميد عن حسن عن هارون عن أبي وائل عن علي فذكره
كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم
وقد تقدم الحديث الذي رواه البيهقي من حديث الأشعث بن طليق البزار من حديث الأصبهاني كلاهما عن مرة عن ابن مسعود في وصية النبي صلى الله عليه و سلم أن يغسله رجال أهل بيته وأنه قال كفنوني في ثيابي هذه أو في يمانية أو بياض مصر وأنه اذا كفنوه يضعونه على شفير قبره ثم (5/264)
ثم يخرجون عنه حتى تصلي عليه الملائكة ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه ثم الناس بعدهم فرادى الحديث بتمامه وفي صحته نظر كما قدمنا والله أعلم وقال محمد بن اسحاق حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال لما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير امام أرسالا حتى فرغوا ثم أدخل النساء فصلين عليه ثم ادخل الصبيان فصلوا عليه ثم أدخل العبيد فصلوا عليه ارسالا لم يأمهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد وقال الواقدي حدثني ابي بن عياش بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال لما أدرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في أكفانه وضع على سريرة ثم وضع على شفير حفرته ثم كان الناس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم عليه أحد قال الواقدي حدثني موسى بن محمد بن ابراهيم قال وجدت كتابا بخط أبي فيه انه لما كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت فقالا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وسلم المهاجرون والأنصار كما سلم أبو بكر وعمر ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل اليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى اعز الله دينه وتمت كلمته وأومن به وحده لا شريك له فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي انزل معه وأجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا تعرفنا به فانه كان بالمؤمنين رؤفا رحيما لا نبتغي بالايمان به بديلا ولا نشتري به ثمنا أبدا فيقول الناس آمين آمين ويخرجون ويدخل آخرون حتى صلى الرجال ثم النساء ثم الصبيان وقد قيل إنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الاثنين الى مثله من يوم الثلاثاء وقيل إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه كما سيأتي بيان ذلك قريبا والله أعلم
وهذا الصنيع وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه وقد اختلف في تعليله فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه وليس لأحد أن يقول لأنه لم يكن لهم امام لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه عليه السلام بعد تمام بيعة ابي بكر رضي الله عنه وأرضاه وقد قال بعض العلماء إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه اليه ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم ونساءهم وصبيانهم حتى العبيد والاماء وأما السهيلي فقال ما حاصله إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه اليه والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل قال وأيضا فان (5/265)
الملائكة لنا في ذلك ائمة فالله أعلم
وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة فقيل نعم لأن جسده عليه السلام طري في قبره لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما ورد بذلك الحديث في السنن وغيرها فهو كالميت اليوم وقال آخرون لا يفعل لأن السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه ولو كان مشروعا لبادروا اليه ولثابروا عليه والله أعلم
صفة دفنه عليه السلام وأين دفن
قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني أبي وهو عبد العزيز بن جريج أن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم لم يدروا أين يقبروا النبي صلى الله عليه و سلم حتى قال أبو بكر سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لم يقبر نبي الا حيث يموت فأخروا فراشه وحفروا تحت فراشه صلى الله عليه و سلم وهذا فيه انقطاع بين عبد العزيز بن جريج وبين الصديق فانه لم يدركه لكن رواه الحافظ أبو يعلى من حديث ابن عباس وعائشة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم فقال حدثنا أبو موسى الهروي ثنا أبو معاوية ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه و سلم حين قبض فقال أبو بكر سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لا يقبض النبي ألا في أحب الامكنة اليه فقال أدفنوه حيث قبض وهكذا رواه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر سمعت من رسول الله شيئا ما نسيته قال ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه ادفنوه في موضع فراشه ثم ان الترمذي ضعف المليكي ثم قال وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه رواه ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال الاموي عن أبيه عن ابن اسحاق عن رجل حدثه عن عروة عن عائشة ان أبا بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنه لم يدفن نبي قط الا حديث قبض قال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني محمد بن سهل التميمي ثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان بالمدينة حفاران فلما مات النبي صلى الله عليه و سلم قالوا أين ندفنه فقال أبو بكر رضي الله عنه في المكان الذي مات فيه وكان أحدهما يلحد والآخر يشق فجاء الذي يلحد فلحد للنبي صلى الله عليه و سلم وقد رواه مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه منقطعا وقال أبو يعلى حدثنا جعفر بن مهران ثنا عبد الاعلى عن محمد بن اسحاق حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال لما ارادوا أن يحفروا للنبي صلى الله عليه و سلم وكان أبو عبيدة الجراح يضرح كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل (5/266)
هو الذي كان يحفر لاهل المدينة وكان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب الى أبي عبيدة وقال للآخر اذهب الى أبي طلحة اللهم خره لرسولك قال فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه و سلم فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه فقال قائل ندفنه في مسجده وقال قائل ندفنه مع أصحابه فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي توفي فيه فحفروا له تحته ثم ادخل الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلون عليه ارسالا الرجال حتى إذا فرغ منهم ادخل النساء حتى اذا فرغ النساء ادخل الصبيان ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد فدفن رسول الله صلى الله عليه و سلم من أوسط الليل ليلة الاربعاء وهكذا رواه ابن ماجه عن نصر بن علي الجهضمي عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن اسحاق فذكر باسناده مثله وزاد في آخره ونزل في حفرته علي بن ابي طالب والفضل وقثم ابنا عباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أوس بن خولي وهو أبو ليلى لعلي بن أبي طالب انشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له علي انزل وكان شقران مولاه اخذ قطيفة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبسها فدفنها في القبر وقال والله لا يلبسها أحد بعدك فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد رواه الامام احمد عن حسين بن محمد عن جرير بن حازم عن ابن اسحاق مختصرا وكذلك رواه يونس بن بكير وغيره عن ابن اسحاق به وروى الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قبض الله نبيا إلا ودفن حيث قبض وروى البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين أو محمد بن جعفر بن الزبير قال لما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم اختلفوا في دفنه فقالوا كيف ندفنه مع الناس أو في بيوته فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما قبض الله نبيا إلا دفن حيث قبض فدفن حيث كان فراشه رفع الفراش وحفر تحته وقال الواقدي حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عثمان بن محمد الاخنسي عن عبد الرحمن بن سعيد يعني ابن يربوع قال لما توفي النبي صلى الله عليه و سلم اختلفوا في موضع قبره فقال قائل في البقيع فقد كان يكثر الاستغفار لهم وقال قائل عند منبره وقال قائل في مصلاه فجاء أبو بكر فقال ان عندي من هذا خبرا وعلما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي قال الحافظ البيهقي وهو في حديث يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وفي حديث ابن جريج عن أبيه كلاهما عن ابي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا وقال البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن سلمة بن نبيط بن شريط عن (5/267)
أبيه عن سالم بن عبيد وكان من أصحاب الصفة قال دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مات ثم خرج فقيل له توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نعم فعلموا أنه كما قال وقيل له انصلي عليه وكيف نصلي عليه قال تجيئون عصبا عصبا فتصلون فعلموا انه كما قال قالوا هل يدفن واين قال حيث قبض الله روحه فانه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب فعلموا أنه كما قال وروى البيهقي من حديث سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب قال عرضت عائشة على أبيها رؤيا وكان من اعبر الناس قالت رأيت ثلاثة اقمار وقعن في حجري فقال لها إن صدقت رؤياك دفن في بيتك من خير أهل الارض ثلاثة فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا عائشة هذا خير أقمارك ورواه مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة منقطعا وفي الصحيحين عنها أنها قالت توفي النبي صلى الله عليه و سلم في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وجمع الله بين ريقي وريقه في آخر ساعة من الدنيا وأول ساعة من الآخرة وفي صحيح البخاري من حديث أبي عوانة عن هلال الوراق عن عروة عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي مات فيه يقول لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة ولولا ذلك لابرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا وقال ابن ماجه حدثنا محمود بن غيلان ثنا هاشم بن القاسم ثنا مبارك بن فضالة حدثني حميد الطويل عن انس بن مالك قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان بالمدينة رجل يلحد والآخر يضرح فقالوا نستخير الله ونبعث اليهما فأيهما سبق تركناه فارسل اليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله عليه و سلم تفرد به ابن ماجه وقد رواه الامام احمد عن أبي النضر هاشم بن القاسم به وقال ابن ماجه أيضا حدثنا عمر بن شبة عن عبيدة بن يزيد ثنا عبيد بن طفيل ثنا عبد الرحمن بن أبي مليكة حدثني ابن أبي مليكة عن عائشة قالت لما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم اختلفوا في اللحد والشق حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم فقال عمر لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حيا ولا ميتا أو كلمة نحوها فارسلوا الى الشقاق واللاحد جميعا فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثم دفن تفرد به ابن ماجه وقال الامام احمد حدثنا وكيع ثنا العمري عن نافع عن ابن عمر وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ألحد له لحد تفرد به احمد من هذين الوجهين وقال الامام احمد حدثنا يحيى بن شعبة وابن جعفر ثنا شعبة حدثني ابو حمزة عن ابن عباس قال جعل في قبر النبي صلى الله عليه و سلم قطيفة حمراء وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن شعبة به وقد رواه وكيع عن شعبة وقال وكيع كان هذا خاصا برسول الله صلى الله عليه و سلم رواه ابن عساكر وقال ابن سعد أنبانا محمد بن عبد الله الانصاري ثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بسط تحته قطيفة حمراء كان يلبسها قال وكانت (5/268)
أرضا ندية وقال هشيم بن منصور عن الحسن قال جعل في قبر النبي صلى الله عليه و سلم قطيفة حمراء كان اصابها يوم حنين قال الحسن جعلها لأن المدينة أرض سبخة وقال محمد بن سعد ثنا حماد بن خالد الخياط عن عقبة بن أبي الصهباء سمعت الحسن يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم افرشوا لي قطيفة في لحدي فان الارض لم تسلط على أجساد الانبياء وروى الحافظ البيهقي من حديث مسدد ثنا عبد الواحد ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال قال علي غسلت النبي صلى الله عليه و سلم فذهبت أنظر الى ما يكون من الميت فلم ار شيئا وكان طيبا حيا وميتا قال وولي دفنه عليه الصلاة و السلام وإجنانه دون الناس أربعة علي والعباس والفضل وصالح مولى النبي صلى الله عليه و سلم ولحد للنبي صلى الله عليه و سلم لحدا ونصب عليه اللبن نصبا وذكر البيهقي عن بعضهم أنه نصب على لحده عليه السلام تسع لبنات وروى الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد الله بن معبد عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين الى ان زاغت الشمس يوم الثلاثاء يصلي الناس عليه وسريره على شفير قبره فلما أرادوا أن يقبروه عليه السلام نحوا السرير قبل رجليه فادخل من هناك ودخل في حفرته العباس وعلي وقثم والفضل وشقران وروى البيهقي من حديث اسماعيل السدي عن عكرمة عن ابن عباس قال دخل قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم العباس وعلي والفضل وسوى لحده رجل من الانصار وهو الذي سوى لحود قبور الشهداء يوم بدر قال ابن عساكر صوابه يوم احد وقد تقدم رواية ابن اسحاق عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الذين نزلوا في قبر رسول الله علي والفضل وقثم وشقران وذكر الخامس وهو أوس بن خولي وذكر قصة القطيفة التي وضعها في القبر شقران وقال الحافظ البيهقي اخبرنا أبو طاهر المحمد آبادي ثنا أبو قلابة ثنا أبو عاصم ثنا سفيان بن سعيد هو الثوري عن اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي قال حدثني أبو مرحب قال كأني انظر اليهم في قبر النبي صلى الله عليه و سلم أربعة أحدهم عبد الرحمن بن عوف وهكذا رواه أبو داود عن محمد بن الصباح عن سفيان عن اسماعيل بن ابي خالد به ثم رواه احمد بن يونس عن زهير عن اسماعيل عن الشعبي حدثني مرحب أو أبو مرحب أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف فلما فرغ علي قال إنما يلي الرجل أهله وهذا حديث غريب جدا واسناده جيد قوي ولا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد قال أبو عمر بن عبد البر في استيعابه أبو مرحب اسمه سويد بن قيس وذكر أبا مرحب آخر وقال لا أعرف خبره قال ابن الاثير في الغابة فيحتمل أن يكون راوي هذا الحديث أحدهما او ثالثا غيرهما ولله الحمد (5/269)
آخر الناس به عهدا عليه الصلاة و السلام
قال الامام احمد ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن اسحاق حدثني أبي اسحاق بن يسار عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل عن مولاه عبد الله بن الحارث قال اعتمرت مع علي في زمان عمر أو زمان عثمان فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب فلما فرغ من عمرته رجع فسكبت له غسلا فاغتسل فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا يا أبا حسن جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه قال اظن المغيرة بن شعبة يحدثكم انه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا اجل عن ذلك جئنا نسألك قال احدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه و سلم قثم بن عباس تفرد به احمد من هذا الوجه وقد رواه يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق به مثله سواء إلا أنه قال قبله عن ابن اسحاق قال وكان المغيره بن شعبة يقول اخذت خاتمي فالقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم وقلت حين خرج القوم إن خاتمي قد سقط في القبر وانما طرحته عمدا لأمس رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكون آخر الناس عهدا به قال ابن اسحاق فحدثني والدي اسحاق بن يسار عن مقسم عن مولاه عن عبد الله بن الحارث قال اعتمرت مع علي فذكر ما تقدم وهذا الذي ذكر عن المغيرة بن شعبة لا يقتضي أنه حصل له ما امله فانه قد يكون علي رضي الله عنه لم يمكنه النزول في القبر بل امر غيره فناوله اياه وعلى ما تقدم يكون الذي امره بمناولته له قثم بن عباس وقد قال الواقدي حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال القى المغيرة بن شعبة خاتمه في قبر الرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال علي إنما ألقيته لتقول نزلت في قبر النبي صلى الله عليه و سلم فنزل فاعطاه أو أمر رجلا فاعطاه وقد قال الامام احمد حدثنا بهز وأبو كامل قالا ثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن أبي عسيب أو أبي غنم قال بهز إنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم قالوا كيف نصلي قال ادخلوا ارسالا ارسالا فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر قال فلما وضع في لحده قال المغيرة قد بقي من رجليه شيء لم تصلحوه قالوا فادخل فاصلحه فدخل وادخل يده فمس قدميه عليه السلام فقال اهيلوا علي التراب فأهالوا عليه حتى بلغ الى انصاف ساقيه ثم خرج فكان يقول انا أحدثكم عهدا برسول الله صلى الله عليه و سلم
متى وقع دفنه عليه الصلاة و السلام
وقال يونس عن ابن اسحاق حدثتني فاطمة بنت محمد امرأة عبد الله بن ابي بكر وادخلني عليها حتى سمعته منها عن عمرة عن عائشة أنها قالت ما علمنا بدفن النبي صلى الله عليه و سلم حتى سمعنا صوة المساحي في جوف ليلة الاربعاء وقال الواقدي حدثنا ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام عن عبد الله بن وهب عن أم سلمة قالت بينا نحن مجتمعون نبكي لم ننم ورسول الله صلى الله عليه و سلم في بيوتنا ونحن نتسلى (5/270)
برؤيته على السرير إذ سمعنا صوت الكرارين في السحر قالت أم سلمة فصحنا وصاح أهل المسجد فارتجت المدينة صيحة واحدة واذن بلال بالفجر فلما ذكر النبي صلى الله عليه و سلم بكى وانتحب فزادنا حزنا وعالج الناس الدخول الى قبره فغلق دونهم فيالها من مصيبة ما اصبنا بعدها بمصيبة إلا هانت اذ ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه و سلم وقد روى الامام احمد من حديث محمد بن اسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء وقد تقدم مثله في غير ما حديث وهو الذي نص عليه غير واحد من الأئمة سلفا وخلفا منهم سليمان بن طرخان التيمي وجعفر بن محمد الصادق وابن اسحاق وموسى بن عقبة وغيرهم وقد روى يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد عن بكار عن محمد بن شعيب عن الاوزاعي انه قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار ودفن يوم الثلاثاء وهكذا روى الامام احمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مات في الضحى يوم الاثنين ودفن من الغد في الضحى وقال يعقوب حدثنا سفيان ثنا سعيد بن منصور ثنا سفيان عن جعفر ابن محمد عن أبيه وعن ابن جريج عن أبي جعفر ان رسول الله توفي يوم الاثنين فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة ويوم الثلاثاء الى آخر النهار فهو قول غريب والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من انه عليه السلام توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء ومن الاقوال الغريبة في هذا أيضا ما رواه يعقوب ابن سفيان عن عبد الحميد بن بكار عن محمد بن شعيب عن أبي النعمان عن مكحول قال ولد رسول الله يوم الاثنين واوحي اليه يوم الاثنين وهاجر يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين لثنتين وستين سنة ونصف ومكث ثلاثة ايام لا يدفن يدخل عليه الناس إرسالا ارسالا يصلوت لا يصلون ولا يؤمهم عليه أحد فقوله إنه مكث ثلاثة ايام لا يدفن غريبا والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء بمكاله ودفن ليلة الاربعاء كما قدمنا والله أعلم وضده ما رواه سيف عن هشام عن أبيه قال توفي رسول الله يوم الاثنين وغسل يوم الاثنين ودفن ليلة الثلاثاء قال سيف وحدثنا يحيى بن سعيد مرة بجمعيه عن عائشة به وهذا غريب جدا وقال الواقدي حدثنا عبد الله ابن جعفر عن ابن أبي عون عن ابي عتيق عن جابر بن عبد الله قال رش على قبر النبي صلى الله عليه و سلم الماء رشا وكان الذي رشه بلال بن رباح بقربة بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى الى رجليه ثم ضرب بالماء الى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار وقال سعيد بن منصور عن الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن أبي يمن عن أم سلمة قالت توفي رسول الله يوم الاثنين (5/271)
ودفن يوم الثلاثاء وقال ابن خزيمة حدثنا مسلم بن حماد عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن كريب عن ابن عباس قال توفي رسول الله يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وقال الواقدي حدثني أبي ابن عياش بن سهل بن سعيد عن أبيه قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين ودفن ليلة الثلاثاء وقال أبو بكر بن أبي الدنيا عن محمد بن سعد توفي رسول الله يوم الاثنين لثنتي عشرة ليله من ربيع الاول ودفن يوم الثلاثاء وقال عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا الحسن بن اسرائيل أبو محمد النهرتيري ثنا عيسى بن يونس عن اسماعيل بن ابي خالد سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول مات رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين فلم يدفن إلا يوم الثلاثاء وهكذا قال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو جعفر الباقر
صفة قبره عليه الصلاة و السلام
قد علم بالتواتر أنه عليه الصلاة و السلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة ثم دفن بعده فيها أبو بكر ثم
عمر رضي الله عنه
ما وقد قال البخاري ثنا محمد بن مقاتل ثنا أبو بكر بن عياش عن سفيان التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه و سلم مسنما تفرد به البخاري وقال أبو داود ثنا احمد بن صالح ثنا ابن أبي فديك أخبرني عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم قال دخلت على عائشة وقلت لها يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء
النبي صلى الله عليه و سلم
أبو بكر رضي الله عنه
عمر رضي الله عنه
تفرد به أبو داود وقد رواه الحاكم البيهقي من حديث ابن أبي فديك عن عمرو بن عثمان عن القاسم قال فرايت النبي عليه السلام مقدما وأبو بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه و سلم وعمر رأسه عند رجل النبي صلى الله عليه و سلم قال البيهقي وهذه الرواية تدل على أن قبورهم مسطحة لأن الحصباء لا تثبت على على المسطح وهذا عجيب من البيهقي رحمه الله فانه ليس في الرواية ذكر الحصباء بالكلية وبتقدير ذلك فيمكن أن يكون مسنما وعليه الحصباء مغروزة بالطين ونحوه وقد روى الواقدي عن الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال جعل قبر النبي صلى الله عليه و سلم مسطحا وقال البخاري ثنا فروة بن أبي المغراء ثنا علي بن مسهر عن هشام عن عروة عن أبيه قال لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه فبدت لهم قدم ففزعوا فظنوا أنه قدم النبي صلى الله عليه و سلم فما وجد واحد يعلم ذلك حتى قال لهم عروة لا والله ما هي قدم النبي صلى الله عليه و سلم ما هي إلا قدم (5/272)
عمر وعن هشام عن أبيه عن عائشة أنها أوصت عبد الله بن الزبير لا تدفني معهم وادفني مع صواحبي بالبقيع لا أزكي به أبدا
قلت كان الوليد بن عبد الملك حين ولى الامارة في سنة ست وثمانين قد شرع في بناء جامع دمشق وكتب الى نائبه بالمدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز أن يوسع في مسجد المدينة فوسعه حتى من ناحية الشرق فدخلت الحجرة النبوية فيه وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن زاذان مولى الفرافصة وهو الذي بنى المسجد النبوي أيام [ ولاية ] عمر بن عبد العزيز على المدينة فذكر عن سالم بن عبد الله نحو ما ذكره البخاري وحكى صفة القبور كما رواه أبو داود
ما اصاب المسلمين من المصيبة بوفاته صلى الله عليه و سلم
قال البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد ثنا ثابت عن أنس قال لما ثقل النبي صلى الله عليه و سلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة واكرب ابتاه فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت واأبتاه اجاب ربا دعاه يا ابتاه من جنة الفردوس مأواه يا ابتاه الى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم التراب تفرد به البخاري رحمه الله وقال الامام احمد حدثنا يزيد ثنا حماد بن زيد ثنا ثابت البناني قال أنس فلما دفن النبي صلى الله عليه و سلم قالت فاطمة يا أنس أطابت أنفسكم أن دفنتم رسول الله صلى الله عليه و سلم في التراب ورجعتم وهكذا رواه ابن ماجه مختصرا من حديث حماد بن زيد به وعنده قال حماد فكان ثابت اذا حدث بهذا الحديث بكى حتى تختلف اضلاعه وهذا لا يعد نياحة بل هو من باب ذكر فضائله الحق عليه أفضل الصلاة والسلام وإنما قلنا هذا لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن النياحة وقد روى الامام احمد والنسائي من حديث شعبة سمعت قتادة سمعت مطرفا يحدث عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه فيما أوصى به الى بنيه أنه قال ولا تنوحوا علي فان رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينح عليه وقد رواه اسماعيل بن اسحاق القاضي في النوادر عن عمرو بن ميمون عن شعبة به ثم رواه عن علي بن المديني عن المغيرة بن سلمة عن الصعق بن حزن عن القاسم بن مطيب عن الحسن البصري عن قيس بن عاصم به قال لا تنوحوا علي فان رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينح عليه وقد سمعته ينهى عن النياحة ثم رواه عن علي عن محمد بن الفضل عن الصعق عن القاسم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عاصم به وقال الحافظ أبو بكر البزار ثنا عقبة بن سنان ثنا عثمان بن عثمان ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينح عليه وقال الامام احمد ثنا عفان ثنا جعفر بن سليمان ثنا ثابت عن أنس قال لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أضاء (5/273)
منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء قال وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الايدي حتى انكرنا قلوبنا وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعا عن بشر بن هلال الصواف عن جعفر بن سليمان الضبعي به وقال الترمذي هذا حديث صحيح غريب
قلت وإسناده على شرط الصحيحين ومحفوظ من حديث جعفر بن سليمان وقد أخرج له الجماعة رواه الناس عنه كذلك وقد أغرب الكديمي وهو محمد بن يونس رحمه الله في روايته له حيث قال ثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا الى بعض وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها أو لا يبصرها وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا رواه البيهقي من طريقه كذلك وقد رواه من طريق غيره من الحفاظ عن أبي الوليد الطيالسي كما قدمنا وهو المحفوظ والله أعلم وقد روى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر من طريق أبي حفص بن شاهين ثنا حسين ابن احمد بن بسطام بالابلة ثنا محمد بن يزيد الرواسي ثنا سلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء وقال ابن ماجه ثنا اسحاق بن منصور ثنا عبد الوهاب ابن عطاء العجلي عن ابن عون عن الحسن عن أبي بن كعب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما وجهنا واحد فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا وقال أيضا ثنا ابراهيم بن المنذر الحزامي ثنا خالي محمد ابن ابراهيم بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة السهمي حدثني موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي حدثني مصعب بن عبد الله عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا قام المصلى يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ( وكان أبو بكر ) فكان الناس اذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه فتوفي أبو بكر وكان عمر فكان الناس اذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة فتوفي عمر وكان عثمان وكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا وقال الامام احمد حدثنا عبد الصمد ثنا حماد عن ثابت عن أنس أن أم أيمن بكت لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل لها ما يبكيك على النبي صلى الله عليه و سلم فقالت إني قد سلمت أن رسول الله سيموت ولكني إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا هكذا رواه مختصرا وقد قال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن نعيم ومحمد بن النضر الجارودي قالا ثنا الحسن بن علي الخولاني ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن انس قال ذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أم ايمن زائرا وذهبت معه (5/274)
فقربت اليه شرابا فاما كان صائما وأما كان لا يريده فرده فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم تضاحكه فقال أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم لعمر انطلق بنا الى أم ايمن نزورها فلما انتهينا اليها بكت فقالا لها ما يبكيك ما عند الله خير لرسوله قالت والله ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله ولكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان ورواه مسلم منفردا به عن زهير بن حرب عن عمرو بن عاصم به وقال موسى بن عقبة في قصة وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وخطبة أبي بكر فيها قال ورجع الناس حين فرغ أبو بكر من الخطبة وأم أيمن قاعدة تبكي فقيل لها ما يبكيك قد أكرم الله نبيه صلى الله عليه و سلم فأدخله جنته وأراحه من نصب الدنيا فقالت إنما أبكي على خبر السماء كان ياتينا غضا جديدا كل يوم وليلة فقد انقطع ورفع فعليه أبكي فعجب الناس من قولها وقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه وحدثت عن أبي اسامة وممن روى ذلك عنه ابراهيم بن سعيد الجوهري ثنا أبو اسامة حدثني يزيد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله إذا اراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا يشهد لها واذا اراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر اليها فأقر عينه بهلكها حين كذبوه وعصوا أمره تفرد به مسلم اسنادا ومتنا وقد قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا يوسف ابن موسى ثنا عبد الحميد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام قال وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ثم قال البزار لم نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه
قلت وأما أوله وهو قوله عليه السلام إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام فقد رواه النسائي من طرق متعددة عن سفيان الثوري وعن الاعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب عن أبيه به وقد قال الامام احمد حدثنا حسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الاسود الصنعاني عن أوس بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فان صلاتكم معروضة علي قالوا يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يعني قد بليت قال إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام وهكذا رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله وعن الحسن بن علي والنسائي عن اسحاق بن منصور ثلاثتهم عن حسين بن علي به ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حسين بن علي عن جابر عن أبي الاشعث (5/275)
عن شداد بن أوس فذكره قال شيخنا أبو الحجاج المزي وذلك وهم من ابن ماجه والصحيح أوس بن أوس وهو الثقفي رضي الله عنه
قلت وهو عندي في نسخة جيدة مشهورة على الصواب كما رواه احمد وأبو داود النسائي عن أوس ابن أوس ثم قال ابن ماجه حدثنا عمرو بن سواد المصري ثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن ابي هلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فانه مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا ليصل علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام نبي الله حي ويرزق وهذا من أفراد ابن ماجه رحمه الله وقد عقد الحافظ ابن عساكر هاهنا بابا في ايراد الأحاديث المروية في زيارة قبره الشريف صلوات الله وسلامه عليه دائما الى يوم الدين وموضع استقصاء ذلك في كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله تعالى
ما ورد من التعزية به عليه الصلاة و السلام
قال ابن ماجه حدثنا الوليد بن عمرو بن السكين ثنا أبو همام وهو محمد بن الزبرقان الاهوازي ثنا موسى بن عبيدة ثنا مصعب بن محمد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم بابا بينه وبين الناس أو كشف سترا فاذا الناس يصلون وراء أبي بكر فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم رجاء أن يخلفه فيهم بالذي رآهم فقال يا أيهما الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة أشد عليه من مصيبتي تفرد به ابن ماجه وقال الحافظ البيهقي أخبرنا أبو اسحاق ابراهيم بن محمد الفقيه ثنا شافع بن محمد ثنا أبو جعفر بن سلامة الطحاوي ثنا المزني ثنا الشافعي عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه علي بن الحسين فقال ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا بلى فحدثنا عن أبي القاسم قال لما أن مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه جبريل فقال يا محمد إن الله أرسلني اليك تكريما لك وتشريفا لك وخاصة تلك أسألك عما هو أعلم به منك يقول كيف نجدك قال أجدني يا جبريل مغموما وأجدني يا جبريل مكروبا ثم جاءه اليوم الثاني فقال له ذلك فرد عليه النبي صلى الله عليه و سلم كما رد أول يوم ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم ورد عليه كما رد وجاء معه ملك يقال له اسماعيل على مائة ألف ملك كل ملك على مائة ألف ملك فاستأذن عليه فسأل عنه ثم قال (5/276)
جبريل هذا ملك الموت يستأذن عليك ما استأذن على آدمي قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك فقال عليه السلام إيذن به فأذن له فدخل فسلم عليه ثم قال يا محمد إن الله أرسلني اليك فان أمرتني أن أقبض روحك قبضت وان أمرتني أن اتركه تركته فقال رسول الله أو تفعل يا ملك الموت قال نعم وبذلك أمرت وأمرت أن أطيعك قال فنظر النبي صلى الله عليه و سلم الى جبريل فقال له جبريل يا محمد إن الله قد اشتاق الى لقائك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لملك الموت امض لما أمرت به فقبض روحه فلما توفي النبي صلى الله عليه و سلم وجاءت التعزية سمعوا صوتا من ناحية البيت السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فانما المصاب من حرم الثواب فقال علي رضي الله عنه أتدرون من هذا هذا الخضر عليه السلام وهذا الحديث مرسلا وفي اسناده ضعف حال القاسم العمري هذا فانه قد ضعفه غير واحد من الأئمة وتركة بالكلية آخرون وقد رواه الربيع عن الشافعي عن القاسم عن جعفر عن أبيه عن جده فذكر منه قصة التعزية فقط موصولا وفي الاسناد العمري المذكور قد نبهنا على أمره لئلا يغتر به على أنه قد رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن أبي جعفر البغدادي حدثنا عبد الله بن الحارث أو عبد الرحمن بن المرتعد الصنعاني ثنا أبو الوليد المخزومي ثنا أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن جابر بن عبد الله قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمعون الحس ولا يرون الشخص فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل فائت ودركا من كل هالك فبالله فثقوا وإياه فارجوا فانما المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم قال البيهقي هذان الاسنادان وان كانا ضيفان فاحدهما يتأكد بالآخر ويدل على أن له أصلا من حديث جعفر والله أعلم وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر احمد بن بالويه ثنا محمد بن بشر بن مطر ثنا كامل ابن طلحة ثنا عباد بن عبد الصمد عن أنس بن مالك قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدق به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت الى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن في الله عزآء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت وخلفا من كل هالك فالى الله فانيبوا واليه فارغبوا ونظره اليكم في البلايا فانظروا فان المصاب من لم يجبر فانصرف فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل فقال أبو بكر وعلي نعم هذا اخو رسول الله صلى الله عليه و سلم الخضر ثم قال البيهقي عباد بن عبد الصمد ضعيف وهذا منكر بمرة وقد روى الحارث بن أبي اسامة عن محمد بن سعد أنبأنا هشام بن القاسم ثنا صالح المري عن أبي حازم المدني أن رسول الله (5/277)
حين قبضه الله عز و جل دخل المهاجرون فوجا فوجا يصلون عليه ويخرجون ثم دخلت الانصار على مثل ذلك ثم دخل أهل المدينة حتى اذا فرغت الرجال دخلت النساء فكان منهن صوت وجزع كبعض ما يكون منهن فسمعن هزة في البيت يعرفنا فسكتن فاذا قائل يقول إن في الله عزاء من كل هالك وعوض من كل مصيبة وخلف من كل فائت والمجبور من جبره الثواب والمصاب من لم يجبره الثواب فصل
فيما روي من معرفة اهل الكتاب بيوم وفاته صلى الله عليه و سلم
قال أبو بكر بن ابي شيبة حدثنا عبد الله بن ادريس عن اسماعيل بن خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال كنت باليمن فلقينا رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو فجعلت أحدثهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فقالا لي إن كان ما تقول حقا فقد مضى صاحبك على أجله منذ ثلاث قال فأقبلت وأقبلا حتى اذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من المدينة فسألناهم فقالوا قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون قال فقالا لي أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله عز و جل قال ورجعنا الى اليمن فلما أتينا أخبرت ابا بكر بحديثهم قال أفلا جئت بهم فلما كان بعد قال لي ذو عمرو يا جرير ان لك علي كرامة وإني مخبرك خبرا أنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم اذا هلك أمير تأمرتم في آخر واذا كانت بالسيف كنتم ملوكا تغضبون غضب الملوك وترضون رضى الملوك هكذا رواه الامام احمد والبخاري عن أبي بكر بن أبي شيبة وهكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان عنه وقال البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا علي بن المتوكل ثنا محمد بن يونس ثنا يعقوب بن اسحاق الحضرمي ثنا زائدة عن زياد بن علاقة عن جرير قال لقيني حبر باليمن وقال لي ان كان صاحبكم نبيا فقد مات يوم الاثنين هكذا رواه البيهقي وقد قال الامام احمد حدثنا أبو سعيد ثنا زائدة ثنا زياد بن علاقة عن جرير قال قال لي حبر باليمن إن كان صاحبكم نبيا فقد مات اليوم قال جرير فمات يوم الاثنين وقال البيهقي أنبأنا أبو الحسين بن بشران المعدل ببغداد أنبأنا أبو جعفر محمد بن عمرو ثنا محمد بن الهيثم ثنا سعيد بن أبي كبير بن عفير حدثني عبد الحميد بن كعب بن علقمة بن كعب بن عدي التنوخي عن عمرو بن الحارث عن ناعم بن أجيل عن كعب بن عدي قال أقبلت في وفد من أهل الحيرة الى النبي صلى الله عليه و سلم فعرض علينا الاسلام فأسلمنا ثم انصرفنا الى الحيرة فلم (5/278)
نلبث أن جاءتنا وفاة النبي صلى الله عليه و سلم فارتاب أصحابي وقالوا لو كان نبيا لم يمت فقلت قد مات الأنبياء قبله وثبت على اسلامي ثم خرجت أريد المدينة فمررت براهب كنا لا نقطع أمرا دونه فقلت له أخبرني عن أمر أردته نفخ في صدري منه شيء فقال رائت باسم من الأسماء فاتيته بكعب فقال القه في هذا السفر لسفر أخرجه فألقيت الكعب فيه فصفح فيه فاذا بصفة النبي صلى الله عليه و سلم كما رأيته واذا هو يموت في الحين الذي مات فيه قال فاشتدت بصيرتي في إيماني وقدمت على ابي بكر رضي الله عنه فأعلمته واقمت عنده فوجهني الى المقوقس فرجعت ووجهني أيضا عمر بن الخطاب فقدمت عليه بكتابه فأتيته وكانت وقعة اليرموك ولم اعلم بها فقال لي أعلمت أن الروم قتلت العرب وهزمتهم فقلت كلا قال ولم قلت إن الله وعد نبيه أن يظهره على الدين كله وليس بمخلف الميعاد قال فان نبيكم قد صدقكم قتلت الروم والله قتل عاد قال ثم سألني عن وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته وأهدى الى عمر وإليهم وكان ممن أهدى اليه علي وعبد الرحمن والزبير وأحسبه ذكر العباس قال كعب وكنت شريكا لعمر في البز في الجاهلية فلما أن فرض الديوان فرض لي في بني عدي ابن كعب وهذا اثر غريب وفيه نبأ عجيب وهو صحيح فصل
قال محمد بن اسحاق ولما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية ونجم النفاق وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبي بكر رضي الله عنه قال ابن هشام وحدثني أبو عبيدة وغيره من اهل العلم أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم هموا بالرجوع عن الاسلام وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن اسيد رضي الله عنه فتوارى فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه فحمد الله واثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال إن ذلك لم يزد الاسلام إلا قوة فمن رابنا ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عما هموا به فظهر عتاب بن أسيد فهذا المقام الذي اراد رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله لعمر بن الخطاب يعني حين اشار بقلع ثنيته حين وقع في الاسارى يوم بدر إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمنه
قلت وسيأتي عما قريب إن شاء الله ذكر ما وقع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من الردة في أحياء كثيرة من العرب وما كان من أمر مسيلمة بن حبيب المتنبئ باليمامة والاسود العنسي باليمن وما كان من أمر الناس حتى فاءوا ورجعوا الى الله تائبين نازعين عما كانوا عليه في حال ردتهم من السفاهة والجهل العظيم الذي استفزهم الشيطان به حتى نصرهم الله وثبتهم وردهم الى دينه الحق على يدي الخليفة الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كما سيأتي مبسوطا مبينا مشروحا ان شاء الله (5/279)
فصل
وقد ذكر ابن اسحاق وغيره قصائد لحسان بن ثابت رضي الله عنه في وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن أجل ذلك وأفصحه وأعظمه ما رواه عبد الملك بن هشام رحمه الله عن أبي زيد الأنصاري أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال يبكي رسول الله صلى الله عليه و سلم ... بطيبة رسم للرسول ومعهد ... منير وقد تعفو الرسوم وتمهد ... ولا تمتحي الآيات من دار حرمة ... بها منبر الهادي الذي كان يصعد ... وواضح آيات وباقي معالم ... وربع له فيه مصلى ومسجد ... بها حجرات كان ينزل وسطها ... من الله نور يستضاء ويوقد ... معارف لم تطمس على العهد آيها ... أتاها البلا فالآي منها تجدد ... عرفت بها رسم الرسول وعهده ... وقبرا بها واراه في الترب ملحد ... ظللت بها ابكي الرسول فأسعدت ... عيون ومثلاها من الجن تسعد ... يذكرن آلاء الرسول ولا ارى ... لها محصيا نفسي فنفسي تبلد ... مفجعة قد شفها فقد أحمد ... فظلت لآلاء الرسول تعدد ... وما بلغت من كل أمر عشيره ... ولكن لنفسي بعد ما قد توجد ... أطالت وقوفا تذرف العين جهدها ... على طلل القبر الذي فيه أحمد ... فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ... بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد ... تهيل عليه الترب أيد وأعين ... عليه وقد غارت بذلك أسعد ... لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة ... عشية علوه الثرى لا يوسد ... وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم ... وقد وهنت منهم ظهور وأعضد ... ويبكون من تبكي السموات يؤمه ... ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد ... وهل عدلت يوما رزية هالك ... رزية يوم مات فيه محمد ... تقطع فيه منزل الوحي عنهم ... وقد كان ذا نور يغور وينجد ... يدل على الرحمن من يقتدى به ... وينقذ من هول الخزايا ويرشد ... إمام لهم يهديهم الحق جاهدا ... معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا (5/280)
عفو عن الزلات يقبل عذرهم ... وإن يحسنوا فالله بالخير أجود ... وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله ... فمن عنده تيسير ما يتشدد ... فبيناهم في نعمة الله وسطهم ... دليل به نهج الطريقة يقصد ... عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى ... حريص على أن يستقيموا ويهتدوا ... عطوف عليهم لا يثنى جناحه ... الى كنف يحنو عليهم ويمهد ... فبيناهم في ذلك النور إذ غدا ... إلى نورهم سهم من الموت مقصد ... فأصبح محمودا إلى الله راجعا ... يبكيه جفن المرسلات ويحمد ... وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها ... لغيبة ما كانت من الوحي تعهد ... قفارا سوى معمورة اللحد ضافها ... فقيد يبكيه بلاط وغرقد ... ومسجده فالموحشات لفقده ... خلاء له فيها مقام ومقعد ... وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت ... ديار وعرصات وربع ومولد ... فبكى رسول الله يا عين عبرة ... ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد ... ومالك لا تبكين ذا النعمة التي ... على الناس منها سابغ يتغمد ... فجودي عليه بالدموع وأعولي ... لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد ... وما فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد ... أعف وأوفى ذمة بعد ذمة ... وأقرب منه نائلا لا ينكد ... وأبذل منه للطريف وتالد ... إذا ضن معطاء بما كان يتلد ... وأكرم حيا في البيوت إذا انتمى ... واكرم جدا أبطحيا يسود ... وأمنع ذروات وأثبت في العلا ... دعائم عز شاهقات تشيد ... واثبت فرعا في الفروع ومنبتا ... وعودا غذاه المزن فالعود أغيد ... رباه وليدا فاستقم بتمامه ... على اكرم الخيرات رب ممجد ... تاهت وصاة المسلمين بكفه ... فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند ... أقول ولا يلفي لما قلت عائب ... من الناس إلا عازب القول مبعد ... وليس هوائي نازعا عن ثنائه ... لعلي به في جنة الخلد أخلد ... مع المصطفى أرجو بذاك جواره ... وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد ...
وقال الحافظ أبو القاسم السهيلي في آخر كتابه الروض وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (5/281)
يبكي رسول الله صلى الله عليه و سلم ... أرقت فبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول ... وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل ... لقد عظمت مصيبتنا وجلت ... عشية قيل قد قبض الرسول ... وأضحت ارضنا مما عراها ... تكاد بنا جوانبها تميل ... فقدنا الوحي والتنزيل فينا ... يروح به ويغدو جبرئيل ... وذاك أحق ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كربت تسيل ... نبي كان يجلو الشك عنا ... بما يوحى اليه وما يقول ... ويهدينا فلا نخشى ضلالا ... علينا والرسول لنا دليل ... أفاطم إن جزعت فذاك عذر ... وإن لم تجزعي ذاك السبيل ... فقبر ابيك سيد كل قبر ... وفيه سيد الناس الرسول ... باب
بيان أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا ولا شيئا يورث عنه بل أرضا جعلها كلها صدقة لله عز و جل فان الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده كما هي عند الله من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وسلم تسليما كثيرا دائما الى يوم الدين
قال البخاري حدثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي اسحاق عن عمرو بن الحارث قال ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة انفرد به البخاري دون مسلم فرواه في أماكن من صحيحه من طرق متعددة عن أبي الاحوص وسفيان الثوري وزهير بن معاوية ورواه الترمذي من حديث اسرائيل والنسائي أيضا من حديث يونس بن ابي اسحاق كلهم عن ابي اسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن عمرو بن الحارث بن المصطلق بن ابي ضرار أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما به وقد رواه الامام احمد حدثنا أبو معاوية ثنا الاعمش وابن نمير عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء وهكذا رواه مسلم منفردا به عن البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق متعددة (5/282)
عن سليمان بن مهران الأعمش عن شقيق بن سلمة أبي وائل عن مسروق بن الأجدع عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات رضي الله عنها وأرضاها وقال الامام احمد حدثنا اسحاق بن يوسف عن سفيان عن عاصم عن ذر بن حبيش عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا ولا درهما ولا أمة ولا عبدا ولا شاة ولا بعيرا وحدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عاصم عن ذر عن عائشة ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا قال سفيان وأكثر علمي واشك في العبد والأمة وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي به قال الامام احمد وحدثنا وكيع ثنا مسعر عن عاصم بن أبي النجود عن ذر عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا هكذا رواه الامام احمد من غير شك وقد رواه البيهقي عن أبي زكريا بن ابي اسحاق المزكي عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب أنبأنا جعفر بن عون أنبأنا مسعر عن عاصم عن ذر قال قلت عائشة تسألوني عن ميراث رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة قال مسعر أراه قال ولا شاة ولا بعيرا قال وأنبأنا مسعر عن عدي بن ثابت عن على بن الحسين قال ما ترك رسول الله ص دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة وقد ثبت في الصحيحين من حديث الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اشترى طعاما من يهودي الى أجل ورهنه درعا من حديد وفي لفظ للبخاري رواه عن قبيصة عن الثوري عن الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة رضي الله عنها قالت توفي رسول النبي الله صلى الله عليه و سلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين ورواه البيهقي من حديث يزيد بن هارون عن الثوري عن الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عنها قالت توفي النبي صلى الله عليه و سلم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير ثم قال رواه البخاري عن محمد بن كثير عن سفيان ثم قال البيهقي أنبأنا علي بن احمد بن عبدان أنبأنا أبو بكر محمد بن حمويه العسكري ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا آدم ثنا شيبان عن قتادة عن انس قال لقد دعي رسول الله صلى الله عليه و سلم على خبز شعير وإهالة سنخة قال أنس ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول والذي نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاع بر ولا صاع تمر وإن له يومئذ تسع نسوة ولقد رهن درعا له عند يهودي بالمدينة وأخذ منه طعاما فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى الله عليه و سلم وقد روى ابن ماجه بعضه من حديث شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة به وقال الامام احمد حدثنا عبد الصمد ثنا ثابت ثنا هلال عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم نظر الى أحد فقال والذي نفسي بيده ما يسرني أحدا لآل محمد ذهبا (5/283)
أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت وعندي منه ديناران إلا أن أرصدهما لدين قال فمات فما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة فترك درعه رهنا عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير وقد روى آخره ابن ماجه عن عبد الله بن معاوية الجمحي عن ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب العبدي الكوفي به ولأوله شاهد في الصحيح من حديث ابي ذر رضي الله عنه وقد قال الامام احمد حدثنا عبد الصمد وأبو سعيد وعفان قالوا حدثنا ثابت هو ابن يزيد ثنا هلال هو ابن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا فقال مالي وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها تفرد به احمد وإسناده جيد وله شاهد من حديث ابن عباس عن عمر في المرأتين التين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقصة الايلاء وسيأتي الحديث مع غيره مما شاكله في بيان زهده عليه السلام وتركه الدنيا وإعراضه عنها واطراحه لها وهو مما يدل على ما قلناه من انه عليه السلام لم تكن الدنيا عنده ببال وقال الامام احمد حدثنا سفيان ثنا عبد العزيز بن رفيع قال دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس فقال ابن عباس ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا ما بين هذين اللوحين قال ودخلنا على محمد بن علي فقال مثل ذلك وهكذا رواه البخاري عن قتيبة عن سفيان بن عيينة به وقال البخاري حدثنا أبو نعيم ثنا مالك بن مغول عن طلحة قال سألت عبد الله بن أبي أوفى أأوصى النبي صلى الله عليه و سلم فقال لا فقلت كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بها قال أوصى بكتاب الله عز و جل وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وأهل السنن إلا أبا داود من طرق عن مالك بن مغول به وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك بن مغول
تنبيه قد ورد أحاديث كثيرة سنوردها قريبا بعد هذا الفصل في ذكر أشياء كان يختص بها صلوات الله وسلامه عليه في حياته من دور ومساكن نسائه وإماء وعبيد وخيول وإبل وغنم وسلاح وبغلة وحمار وثياب واثاث وخاتم وغير ذلك مما سنوضحه بطرقه ودلائله فلعله عليه السلام تصدق بكثير منها في حياته منجزا وأعتق من أعتق من إمائه وعبيده وارصد ما أرصده من أمتعته مع ما خصه الله به من الأرضين من بني النضير وخيبر وفدك في مصالح المسلمين على ما سنبينه إن شاء الله إلا أنه لم يخلف من ذلك شيئا يورث عنه قطعا لما سنذكره قريبا وبالله المستعان (5/284)
باب
بيان انه عليه السلام قال لا نورث
قال الامام احمد حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن ابي هريرة يبلغ به وقال مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود من طرق عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عبد الله ابن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤهو عاملي فهو صدقة لفظ البخاري ثم قال البخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم أردن أن يبعثن عثمان الى أبي بكر ليسالنه ميراثهن فقالت عائشة أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نورث ما تركنا صدقة وهكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة كلهم عن مالك به فهذه إحدى النساء الوارثات إن لو قدر ميراث قد اعترفت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل ما تركه صدقة لا ميراثا والظاهر أن بقية أمهات المؤمنين وافقنها على ما روت وتذكرن ما قالت لهن من ذلك فان عبارتها تؤذن بأن هذا أمر مقرر عندهن والله أعلم وقال البخاري حدثنا اسماعيل بن أبان ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا نورث ما تركنا صدقة وقال البخاري باب قول رسول الله لا نورث ما تركنا صدقة حدثنا عبد الله بن محمد ثنا هشام أنبأنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه و سلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر فقال لهما ابو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال قال أبو بكر والله لا أدع أمرا رايت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنعه فيه إلا صنعته قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت وهكذا رواه الامام احمد عن عبد الرزاق عن معمر ثم رواه احمد عن يعقوب بن ابراهيم عن ابيه عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة سألت ابا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها مما ترك مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة وهجرت ابا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت قال وعاشت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ستة أشهر وذكر تمام الحديث هكذا قال الامام احمد وقد روى البخاري هذا الحديث في كتاب المغازي من صحيحه عن ابن أبي بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري (5/285)
عن عروة عن عائشة كما تقدم وزاد فلما توفيت دفنها علي ليلا ولم يؤذن أبا بكر وصلى عليها وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل الى أبي بكر أيتنا ولا يأتنا معك أحد وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر فقال عمر والله لا تدخل عليهم وحدك قال أبو بكر وما عسى أن يصنعوا بي والله لآتينهم فانطلق أبو بكر رضي الله عنه وقال إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله اليك ولكنكم استبددتم بالأمر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لنا في هذا الأمر نصيبا فلم يزل علي يذكر حتى بكى ابو بكر رضي الله عنه وقال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وأما الذي شجر بينكم في هذه الأموال فاني لم آل فيها عن الخير ولم اترك أمرا صنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا صنعته فلما صلى أبو بكر رضي الله عنه الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر به وتشهد علي رضي الله عنه فعظم حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ثم قام الى أبي بكر رضي الله عنهما فبايعه فأقبل الناس على علي فقالوا أحسنت وكان الناس الى علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وابو داود والنسائي من طرق متعددة عن الزهري عن عروة عن عائشة بنحوه فهذه البيعة التي وقعت من علي رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها بيعة مؤكدة للصلح الذي وقع بينهما وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولا يوم السقيفة كما رواه ابن خزيمة وصححه مسلم بن الحجاج ولم يكن علي مجانبا لأبي بكر هذه الستة الاشهر بل كان يصلي وراءه ويحضر عنده للمشورة وركب معه الى ذي القصة كما سيأتي وفي صحيح البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بليال ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان فاحتمله على كاهله وجعل يقول يا بأبي شبه النبي ليس شبيها بعلي وعلي يضحك ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها فنفى ذلك والمثبت مقدم على النافي كما تقدم وكما تقرر والله أعلم وأما تغضب فاطمة رضي الله عنها وأرضاها على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فما أدري ما وجهه فان كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث فقد اعتذر اليها بعذر يجب قبوله وهو ما رواه عن أبيها رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا نورث ما تركنا صدقة وهي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث كما خفي على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم (5/286)
حتى أخبرتهن عائشة بذلك ووافقنها عليه وليس يظن بفاطمة رضي الله عنها أنها اتهمت الصديق رضي الله عنه فيما أخبرها به حاشاها وحاشاه من ذلك كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن ابن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص وأبو هريرة وعائشة رضي الله عنهم أجمعين كما سنبينه قريبا ولو تفرد بروايته الصديق رضي الله عنه لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته والانقياد له في ذلك وإن كان غضبها لأجل ما سألت الصديثق إذ كانت هذه الأراضي صدقة لا ميراثا أن يكون زوجها ينظر فيها فقد اعتذر بما حاصله أنه لما كان خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو يرى أن فرضا عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم ويلي ما كان يليه رسول الله ولهذا قال وإني والله لا أدع امرا كان يصنعه فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا صنعته قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت وهذا الهجران والحالة هذه فتح على الفرقة الرافضة شرا عريضا وجهلا طويلا وأدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم ولو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله ولكنهم طائفة مخذولة وفرقة مرذولة يتمسكون بالمتشابه ويتركون الأمور المحكمة المقدرة عند ائمة الاسلام من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الاعصار والأمصار رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين
بيان رواية الجماعة لما رواه الصديق وموافقتهم على ذلك
قال البخاري حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني مالك ابن أوس بن الحدثان وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك فانطلقت حتى دخلت عليه فسألته فقال انطلقت حتى أدخل على عمر فأتاه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد قال نعم فأذن لهم ثم قال هل لك في علي وعباس قال نعم قال عباس يا أمير المؤمنين أقض بيني وبين هذا قال أنشدكم بالله الذي باذنه تقوم السماء والأرض هل تعملون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه قال الرهط قد قال ذلك فأقبل على علي وعباس فقال هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال ذلك قالا قد قال ذلك قال عمر بن الخطاب فاني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله كان قد خص لرسول الله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره قال ما أفاء الله على رسوله الى قوله قدير فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه و سلم والله ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته ثم (5/287)
يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم قال لعلي وعباس انشدكما بالله هل تعلمان ذلك قالا نعم فتوفي الله نبيه فقال أبو بكر رضي الله عنه أنا ولي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم توفي الله ابا بكر فقلت أنا ولي ولي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم وابو بكر ثم جئتماني كلمتكما واحدة وامركما جميع حتى جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك وجاءني هذا ليسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت إن شئتما دفعتها اليكما بذلك فتلتمسان مني قضاء غير ذلك فوالله الذي باذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي غير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما فادفعاها الي فأنا أكفيكماها وقد رواه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه ومسلم وأهل السنن من طرق عن الزهري به وفي رواية في الصحيحين فقال عمر فوليها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق ثم وليتها فعملت فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر والله يعلم أني صادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني فدفعتها اليكما لتعملا فيها بما عمل رسول الله وابو بكر وعملت فيها أنا أنشدكم بالله أدفعتها اليهما بذلك قالوا نعم ثم قال لهما أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك قالا نعم قال افتلتمسان مني قضاء غير ذلك لا والذي باذنه تقوم السماء والأرض وقال الامام احمد حدثنا سفيان عن عمرو عن الزهري عن مالك بن أوس قال سمعت عمر يقول لعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد نشدتكم بالله الذي تقوم السماء والأرض بأمره أعلمتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا نورث ما تركنا صدقة قالوا نعم على شرط الصحيحين
قلت وكان الذي سألاه بعد تفويض النظر اليهما والله أعلم هو أن يقسم بينهما النظر فيجعل لكل واحد منهما نظر ما كان يستحقه بالأرض لو قدر أنه كان وارثا وكأنهما قدما بين أيديهما جماعة من الصحابة منهم عثمان وابن عوف وطلحة والزبير وسعد وكان قد وقع بينهما خصومة شديدة بسبب اشاعة النظر بينهما فقالت الصحابة الذين قدموهم بين أيديهما يا أمير المؤمنين اقض بينهما أو أرح أحدهما من الآخر فكأن عمر رضي الله عنه تحرج من قسمة النظر بينهما بما يششبه قسمة الميراث ولو في الصورة الظاهرة محافظة على امتثال قوله صلى الله عليه و سلم لا نورث ما تركنا صدقة فامتنع عليهم كلهم وأبى ذلك اشد الاباء رضي الله عنه وأرضاه ثم إن عليا والعباس استمرا على ما كانا عليه ينظران فيها جميعا الى زمان عثمان بن عفان فغلبه عليها علي وتركها له العباس باشارة ابنه عبد الله رضي الله عنهما بين يدي عثمان كما رواه احمد في مسنده فاستمرت في ايدي العلويين وقد تقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فاني ولله الحمد جمعت لكل واحد منهما مجلدا ضخما مما رواه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ورآه (5/288)
من الفقه النافع الصحيح ورتبته على ابواب الفقه المصطلح عليها اليوم وقد روينا أن فاطمة رضي الله عنها احتجت أولا بالقياس وبالعموم في الآية الكريمة فاجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي وأنها سلمت له ما قال وهذا هو المظنون بها رضي الله عنها وقال الامام احمد حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن فاطمة قالت لابي بكر من يرثك اذا مت قال ولدي وأهلي قالت فما لنا لا نرث رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن النبي لا يورث ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعول وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينفق وقد رواه الترمذي في جامعه عن محمد بن المثنى عن أبيو الوليد الطيالسي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره بوصل الحديث وقال الترمذي حسن صحيح غريب فأما الحديث الذي قال الامام احمد حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلت فاطمة الى أبي بكر أانت ورثت رسول الله صلى الله عليه و سلم أم أهله فقال لا بل أهله فقالت فأين سهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله اذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده فرأيت أن أرده على المسلمين قالت فأنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم وهكذا رواه أبو داود عن عثمان بن ابي شيبة عن محمد بن فضيل به ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة وفيهم من فيه تشيع فليعلم ذلك وأحسن ما فيه قولها أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا هو الصواب والمظنون بها واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها رضي الله عنها وكأنك سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظرا على هذه الصدقة فلم يجبها الى ذلك لما قدمناه فتعتبت عليه بسبب ذلك وهي امرأة من بنات آدم تأسف كما يأسفون وليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله صلى الله عليه و سلم ومخالفة أبي بكر الصديق رضي الله عنها وقد روينا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه ترضا فاطمة وتلاينها قبل موتها فرضيت رضي الله عنها
قال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور أنبأنا أبو حمزة عن اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي قال لما مرضت فاطمة أتاها ابو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت أتحب أن ىذن له قال نعم فأذنت له فدخل عليها يترضاها فقال والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم اهل البيت ثم ترضاها حتى رضيت وهذا إسناد جيد قوي والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي وقد اعترف علماء أهل البيت بصحة ما حكم به أبو بكر في ذلك قال الحافظ البيهقي أنبأنا محمد (5/289)
ابن عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله الصفار ثنا اسماعيل بن اسحاق القاضي ثنا نصر بن علي ثنا ابن داود عن فضيل بن مرزوق قال قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك فصل
وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل وتكلفوا مالا علم لهم به وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم وحاول بعضهم أن يرد خبر أبي بكر رضي الله عنه فيما ذكرناه بأنه مخالف للقرآن حيث يقول الله تعالى وورث سليمان داود الآية وحيث قال تعالى إخبارا عن زكريا أنه قال فهب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا واستدالهم بهذا باطل من وجوه أحدها أن قوله وورث سليمان داود إنما يعني بذلك في الملك والنبوة أي جعلناه قائما بعده فيما كان يليه من الملك وتدبير الرعايا والحكم بين بني اسرائيل وجعلناه نبيا كريما كأبيه وكما جمع لأبيه الملك والنبوة كذلك جعل ولده بعده وليس المراد بهذا وراثة المال لأن داود كما ذكره كثير من المفسرين كان له اولاد كثيرون يقال مائة فلم اقتصر على ذكر سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال إنما المراد وراثة القيام بعده في النبوة والملك ولهذا قال وورث سليمان داود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين وما بعدها من الآيات وقد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة كثيرا
وأما قصة زكريا فانه عليه السلام من الأنبياء الكرام والدنيا كانت عنده أحقر من أن يسأل الله ولدا ليرثه في ماله كيف وإنما كان نجارا يأكل من كسب يده كما رواه البخاري ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولدا يرث عنه ماله أن لو كان له مال وإنما سأل ولدا صالحا يرثه في النبوة والقيام بمصالح بني اسرائيل وحملهم على السداد ولهذا قال تعالى كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا القصة بتمامها فقال وليا يرثني ويرث من آل يعقوب يعني النبوة كما قررنا ذلك في التفسير ولله الحمد والمنة وقد تقدم في رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عن ابي بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال النبي لا يورث وهذا اسم جنس يعم كل الأنبياء وقد حسنه الترمذي وفي الحديث الآخر نحن معشر الأنبياء لا نورث (5/290)
والوجه الثاني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد خص من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فيها كما سنعقد له بابا مفردا في آخر السيرة إن شاء الله فلو قدر أن غيره من الأنبياء يورثون وليس الأمر كذلك لكان ما رواه من ذكرنا من الصحابة الذين منهم الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي مبينا لتخصيصه بهذا الحكم دون ما سواه
والثالث أنه يجب العمل بهذا الحديث والحكم بمقتضاه كما حكم به الخلفاء واعترف بصحته العلماء سواء كان من خصائصه أم لا فانه قال لا نورث ما تركناه صدقة إذ يحتمل من حيث اللفظ أن يكون قوله عليه السلام ما تركنا صدقة أن يكون خبرا عن حكمه أو حكم سائر الأنبياء معه على ما تقدم وهو الظاهر ويحتمل أن يكون إنشاء وصيته كأنه يقول لا نورث لأن جميع ما تركناه صدقة ويكون تخصيصه من حيث جواز جعله ماله كله صدقة والاحتمال الأول أظهر وهو الذي سلكه الجمهور وقد يقوى المعنى الثاني بما تقدم من حديث مالك وغيره عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة وهذا اللفظ مخرج في الصحيحين وهو يرد تحريف من قال من الجهلة من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث ما تركنا صدقة بالنصب جعل ما نافية فكيف يصنع بأول الحديث وهو قوله لا نورث وبهذه الرواية ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة وما شأن هذا إلا كما حكي عن بعض المعتزلة أنه قرأ على شيخ من أهل السنة وكلم الله موسى تكليما بنصب الجلالة فقال له الشيخ ويحك كيف تصنع بقوله تعالى فلما جاء موسى لميقاتنا فكلمه ربه والمقصود أنه يجب العمل بقوله صلى الله عليه و سلم لا نورث ما تركنا صدقة على كل تقدير احتمله اللفظ والمعنى فانه مخصص لعموم آية الميراث ومخرج له عليه السلام منها إما وحده أو مع غيره من إخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام باب
زوجاته صلوات الله وسلامه عليه واولاده صلى الله عليه و سلم
قال الله تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا لا خلاف أنه عليه السلام توفي عن تسع وهن عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية وحفصة بنت عمر بن الخطاب (5/291)
العدوية وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن امية الأموية وزينب بنت جحش الأسدية وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية وميمونة بنت الحارث الهلالية وسودة بنت زمعة العامرية وجويرية بنت الحارث بن ابي ضرار المصطلقية وصفية بنت حيي بن أخطب النضرية الاسرائيلية الهارونية رضي الله عنهن وارضاهن وكانت له سريتان وهما مارية بنت شمعون القبطية المصرية من كورة الصنا وهي أما ولده ابراهيم عليه السلام وريحانة بنت شمعون القرظية أسلمت ثم أعتقها فلحقت بأهلها ومن الناس من يزعم أنها احتجبت عندهم والله أعلم واما الكلام على ذلك مفصلا ومرتبا من حيث ما وقع اولا فأولا مجموعا من كلام الأئمة رحمهم الله فنقول وبالله المستعان
روى الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي من طريق سعيد بن ابي عروبة عن قتادة قال تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بخمس عشرة امرأة دخل منهن بثلاث عشرة واجتمع عنده احدى عشرة ومات عن تسع ثم ذكر هؤلاء التسع اللاتي ذكرناهن رضي الله عنهن ورواه سيف بن عمر عن سعيد عن قتادة عن أنس والأول اصح ورواه سيف بن عمر التميمي عن سعيد عن قتادة عن أنس وابن عباس مثله وروى عن سعيد بن عبد الله عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة مثله قالت فالمرأتان اللتان لم يدخل بهما فهما عمرة بنت يزيد الغفارية والشنباء فأما عمرة فانه خلا بها وجردها فرأى بها وضحا فردها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره وأما الشنباء فلما أدخلت عليه لم تكن يسيرة فتركها ينتظر بها اليسر فلما مات ابنه ابراهيم على بغتة ذلك قالت لو كان نبيا لم يمت ابنه فطلقها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره قالت فاللاتي اجتمعن عنده عائشة وسودة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة وزينب بنت جحش وزينب بنت خزيمة وجويرية وصفية وميمونة وأم شريك
قلت وفي صحيح البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يطوف على نسائه وهن إحدى عشرة امرأة والمشهور أن أم شريك لم يدخل بها كما سيأتي بيانه ولكن المراد بالاحدى عشرة اللاتي كان يطوف عليهن التسع المذكورات والجاريتان مارية وريحانة وروى يعقوب بن سفيان (5/292)
الفسوي عن الحجاج بن ابي منيع عن جده عبيد الله بن ابي زياد الرصافي عن الزهري وقد علقه البخاري في صحيحه عن الحجاج هذا وأورد له الحافظ ابن عساكر طرفا عنه أن أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة بن خويلد بن اسد بن عبد العزى بن قصي زوجه إياها أبوها قبل البعثة وفي رواية قال الزهري وكان عمر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة وقيل خمسا وعشرين سنة زمان بنيت الكعبة وقال الواقدي وزاد ولها خمس وأربعون سنة وقال آخرون من أهل العلم كان عمره عليه السلام يومئذ ثلاثين سنة وعن حكيم بن حزام قال كان عمر رسول الله يوم تزوج خديجة خمسا وعشرين سنة وعمرها أربعون سنة وعن ابن عباس كان عمرها ثمانيا وعشرين سنة رواهما ابن عساكر وقال ابن جريج كان عليه السلام ابن سبع وثلاثين سنة فولدت له القاسم وبه يكنى والطيب والطاهر وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة
قلت وهي أم أولاده كلهم سوى ابراهيم فمن مارية كما سيأتي بيانه ثم تكلم على كل بنت من بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن تزوجها وحاصله أن زينب تزوجها العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف وهو ابن أخت خديجة أمه هالة بنت خويلد فولدت له ابنا اسمه علي وبنتا اسمها امامة بنت زينب وقد تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة ومات وهي عنده ثم تزوجت بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأما رقية فتزوجها عثمان ابن عفان فولدت له ابنه عبد الله وبه كان يكنى أولا ثم اكتنى بابنه عمرو وماتت رقية ورسول الله صلى الله عليه و سلم ببدر ولما قدم زيد بن حارثة بالبشارة وجدهم قد ساووا التراب عليها وكان عثمان قد أقام عندها بمرضها فضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه وأجره ثم زوجه بأختها أم كلثوم ولهذا كان يقال له ذو النورين فتوفيت عنده أيضا في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأما فاطمة فتزوجها ابن عمه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فدخل بها بعد وقعة بدر كما قدمنا فولدت له حسنا وبه كان يكنى وحسينا وهو المقتول شهيدا بأرض العراق
قلت ويقال ومحسنا قال وزينب وأم كلثوم وقد تزوج زينب هذه ابن عمها عبد الله بن جعفر فولدت له عليا وعونا وماتت عنده وأما أم كلثوم فتزوجها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فولدت له زيدا ومات عنها فتزوجت بعده ببني عمها جعفر واحدا بعد واحد تزوجت بعون بن جعفر فمات فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها فخلف عليها أخوهما عبد الله بن جعفر فماتت عنده قال الزهري وقد كانت خديجة بنت خويلد تزوجت قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم برجلين الأول منهما عتيق بن عابد بن مخزوم فولدت منه جارية وهي أم محمد بن صيفي والثاني أبو هالة التميمي (5/293)
فولدت له هند بن هند وقد سماه ابن اسحاق فقال ثم خلف عليها بعد هلاك عابد أبو هالة النباش بن زرارة أحد بني عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار فولدت له رجلا وامرأة ثم هلك عنها فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فولدت له بناته الأربع ثم بعدهن القاسم والطيب والطاهر فذهب الغلمة جميعا وهم يرضعون
قلت ولم يتزوج عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم مدة حياتها امرأة كذلك رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت ذلك وقد قدمنا تزويجها في موضعه وذكرنا شيئا من فضائلها بدلائلها قال الزهري ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد خديجة بعائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ولم يتزوج بكرا غيرها
قلت ولم يولد له منها ولد وقيل بل أسقطت منه ولدا سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله ولهذا كانت تكنى بأم عبد الله وقيل إنما كانت تكنى بعبد الله ابن اختها اسماء من الزبير بن العوام رضي الله عنهم
قلت وقد قيل إنه تزوج سودة قبل عائشة قاله ابن اسحاق وغيره كما قدمنا ذكر الخلاف في ذلك فالله أعلم وقد قدمنا صفة تزويجه عليه السلام بهما قبل الهجرة وتأخر دخوله بعائشة الى ما بعد الهجرة قال وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن حذافة بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي مات عنها مؤمنا قال وتزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكانت قبله تحت ابن عمها أبو سلمة عبد الله بن عبد الآسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قال وتزوج سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو بن عبد شمس مات عنها مسلما بعد رجوعه وإياها من ارض الحبشة الى مكة رضي الله عنهما قال وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش بن رئاب من بني اسد بن خزيمة مات بأرض الحبشة نصرانيا بعث اليها رسول الله عمرو بن أمية الضمري الى ارض الحبشة فخطبها عليه فزوجها منه عثمان بن عفان كذا قال والصواب عثمان بن أبي العاص وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة وقد قدمنا ذلك كله مطولا ولله الحمد (5/294)
قال وتزوج [ زينب ] بنت جحش بن رئاب بن اسد بن خزيمة وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت قبله تحت زيد بن حارثة مولاه عليه الصلاة و السلام وهي أول نسائه لحوقا به وأول من عمل عليها النعش صنعته اسماء بنت عميس عليها كما رأت ذلك بارض الحبشة قال وتزوج زينب بنت خزيمة وهي من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ويقال لها أم المساكين وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش بن رئاب قتل يوم أحد فلم تلبث عنده عليه السلام إلا يسيرا حتى توفيت رضي الله عنها وقال يونس عن محمد بن اسحاق كانت قبله عند الحصين ابن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف أو عند أخيه الطفيل بن الحارث قال الزهري وتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رؤيبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة قال وهي التي وهبت نفسها
قلت الصحيح أنه خطبها وكان السفير بينهما أبو رافع مولاه كما بسطنا ذلك في عمرة القضاء قال الزهري وقد تزوجت قبله رجلين أولهما ابن عبد ياليل وقال سيف بن عمر في روايته كانت تحت عمير بن عمرو أحد بني عقدة بن ثقيف مات عنها ثم خلف عليها أبو رهم ابن عبد العزى بن ابي قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي قال وسبى رسول الله صلى الله عليه و سلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحارث بن عامر بن مالك بن المصطلق من خزاعة يوم المريسيع فأعتقها وتزوجها ويقال بل قدم أبوها الحارث وكان ملك خزاعة فأسلم ثم تزوجها منه وكانت قبله عند ابن عمها صفوان بن أبي السفر قال قتادة عن سعيد بن المسيب والشعبي ومحمد بن اسحاق وغيرهم قالوا وكان هذا البطن من خزاعة حلفاء لأبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه و سلم ولهذا يقول حسان ... وحلف الحارث بن أبي ضرار ... وحلف قريظة فيكم سواء ...
وقال سيف بن عمر في روايته عن سعيد بن عبد الله عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت وكانت جويرية تحت ابن عمها مالك بن صفوان بن تولب ذي الشفر بن أبي السرح بن مالك بن المصطلق قال وسبي صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير يوم خيبر وهي عروس بكنانة بن أبي الحقيق وقد زعم سيف بن عمر في روايته أنها كانت قبل كنانة عند سلام بن مشكم فالله أعلم قال فهذه إحدى عشرة امرأة دخل بهن قال وقد قسم عمر بن الخطاب في خلافته لكل امرأة من (5/295)
أزواج النبي صلى الله عليه و سلم اثنا عشر ألفا وأعطى جويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف بسبب أنهما سبيتا قال الزهري وقد حجبهما رسول الله صلى الله عليه و سلم وقسم لهما
قلت وقد بسطنا الكلام فيما تقدم في تزويجه عليه السلام كل واحدة من هذه النسوة رضي الله عنهن في موضعه
قال الزهري وقد تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو من بني بكر بن كلاب ودخل بها وطلقها قال البيهقي كذا في كتابي وفي رواية غيره ولم يدخل بها فطلقها وقد قال محمد بن سعد عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي حدثني رجل من بني ابي بكر بن كلاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد بن ابي بكر بن كلاب فمكثت عنده دهرا ثم طلقها وقد روى يعقوب بن سفيان عن حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري عن عروة عن عائشة أن الضحاك بن سفيان الكلابي هو الذي دل رسول الله صلى الله عليه و سلم عليها وأنا أسمع من وراء الحجاب قال يا رسول الله هل لك في أخت أم شبيب وأم شبيب مرأة الضحاك وبه قال الزهري تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة من بني عمرو بن كلاب فانبئ أن بها بياضا فطلقها ولم يدخل بها
قلت الظاهر أن هذه هي التي قبلها والله أعلم قال وتزوج أخت بني الجون الكندي وهم حلفاء بني فزارة فاستعاذت منه فقال لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك فطلقها ولم يدخل بها قال وكانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم سرية يقال لها مارية فولدت له غلاما أسامه ابراهيم فتوفي وقد ملأ المهد وكانت له وليدة يقال لها ريحانة بنت شمعون من أهل الكتاب من خنافة وهم بطن من بني قريظة أعتقها رسول الله صلى الله عليه و سلم ويزعمون أنها قد احتجبت وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن علي بن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج خولة بنت الهذيل بن هبيرة التغلبي وأمها حريق بنت حذيفة أخت دحية بن حليفة فحملت اليه من الشام فماتت في الطريق فتزوج خالها شراف بنت فضالة بن خليفة فحملت اليه من الشام فماتت في الطريق أيضا وقال يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج أسماء بنت كعب الجونية فلم يدخل بها حتى طلقها وتزوج عمرة بنت زيد إحدى نساء بني كلاب ثم بنى من الوحيد وكانت قبله عند الفضل بن عباس بن عبد المطلب فطلقها ولم يدخل بها قال البيهقي فهاتان هما اللتان ذكرهما الزهري ولم يسمهما إلا أن ابن اسحاق لم يذكر العالية وقال البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا الأصم أنبأنا احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قال وهبن لرسول الله صلى الله عليه و سلم نساء أنفسهن (5/296)
فدخل ببعضهن وارجى بعضهن فلم يقربهن حتى توفي ولم ينكحن بعده منهن أم شريك فذلك قوله تعالى ترجى من تشاء منهن وتؤوي اليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك قال البيهقي وقد روينا عن هشام بن عروة عن أبيه قال كانت خولة يعني بنت حكيم ممن وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقال البيهقي وروينا في حديث أبي رشيد الساعدي في قصة الجونية التي استعاذت فألحقها بأهلها أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل كذا قال وقد قال الامام احمد حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري ثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي اسيد عن أبيه وعباس بن سهل عن أبيه قالا مر بنا النبي صلى الله عليه و سلم وأصحاب له فخرجنا معه حتى انطلقنا الى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا الى حائطين فجلسنا بينهما فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اجلسوا ودخل هو وقد أتى بالجونية فعزلت في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها داية لها فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هبي لي نفسك قالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة وقالت إني أعوذ بالله منك قال لقد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال يا أبا أسيد اكسها دراعتين وألحقها بأهلها وقال غير أبي احمد امرأة من بني الجون يقال لها أمينة وقال البخاري حدثنا أبو نعيم ثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي اسيد عن أبي اسيد قال خرجنا مع رسول الله حتى انطلقنا الى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا الى حائطين جلسنا بينهما فقال اجلسوا هاهنا فدخل وقد أتى بالجونية فأنزلت في محل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هبي لي نفسك قالت وهل تهب الملكة نفسها لسوقة قال فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك قال لقد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال يا أبا أسيد اكسها رازقتين وألحقها بأهلها قال البخاري وقال الحسين بن الوليد عن عبد الرحمن بن الغسيل عن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه وأبي أسيد قالا تزوج النبي صلى الله عليه و سلم أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسط يده اليها فكأنها كرهت ذلك فأمر أبا اسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقتين ثم قال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد ثنا ابراهيم ابن الوزير ثنا عبد الرحمن بن حمزة عن أبيه وعن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه بهذا انفرد البخاري بهذه الروايات من بين أصحاب الكتب وقال البخاري ثنا الحميدي ثنا الوليد ثنا الأوزاعي سألت الزهري أي أزواج النبي صلى الله عليه و سلم استعاذت منه فقال أخبرني عروة عن عائشة أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله قالت أعوذ بالله منك فقال لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك وقال ورواه حجاج بن ابي منيع عن جده عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت ( الحديث ) انفرد به دون مسلم قال البيهقي ورأيت في كتاب المعرفة لابن منده أن اسم التي استعاذت منه أميمة بنت (5/297)
النعمان بن شراحيل ويقال فاطمة بنت الضحاك والصحيح أنها أميمة والله أعلم وزعموا أن الكلابية اسمها عمرة وهي التي وصفها أبوها بأنها لم تمرض قط فرغب عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روى محمد ابن سعد عن محمد بن عبد الله عن الزهري قال هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان استعاذت منه فطلقها فكانت تلقط البعر وتقول أنا الشقية قال وتزوجها في ذي القعدة سنة ثمان وماتت سنة ستين وذكر يونس عن ابن اسحاق فيمن تزوجها عليه السلام ولم يدخل بها أسماء بنت كعب الجونية وعمرة بنت يزيد الكلابية وقال ابن عباس وقتادة أسماء بنت النعمان بن أبي الجون فالله أعلم قال ابن عباس لما استعاذت منه خرج من عندها مغضبا فقال له الاشعث لا يسؤك ذلك يا رسول الله فعندي أجمل منها فزوجه أخته قتيلة وقال غيره كان ذلك في ربيع سنة تسع وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس عشرة امرأة فذكر منهن أم شريك الانصارية النجارية قال وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأحب أن أتزوج من الانصار ولكني اكره غيرتهن ولم يدخل بها قال وتزوج أسماء بنت الصلت من بني حرام ثم من بني سليم ولم يدخل بها وخطب حمزة بنت الحارث المزنية وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى تزوج رسول الله ثماني عشرة امرأة فذكر منهن قتيلة بنت قيس أخت الأشعث ابن قيس فزعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه قال ولم يكن قدمت عليه ولا رآها ولم يدخل بها قال وزعم آخرون أنه عليه السلام أوصى أن تخير قتيلة فان شاءت يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين وإن شاءت فلتنكح من شاءت فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت فبلغ ذلك ابا بكر فقال لقد هممت أن أحرق عليهما فقال عمر بن الخطاب ما هي من أمهات المؤمنين ولا دخل بها ولا ضرب عليها الحجاب قال أبو عبيدة وزعم بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يوص فيها بشيء وأنها ارتدت بعده فاحتج عمر على أبي بكر بارتدادها أنه ليست من أمهات المؤمنين وذكر ابن منده أن التي ارتدت هي البرحاء من بني عوف بن سعد بن ذبيان وقد روى الحافظ ابن عساكر من طرق عن داود بن ابي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله تزوج قتيلة أخت الاشعث بن قيس فمات قبل أن يخيرها فبرأها الله منه وروى حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي أن عكرمة بن أبي جهل لما تزوج قتيلة أراد أبو بكر أن يضرب عنقه فراجعه عمر بن الخطاب فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يدخل بها وأنها ارتدت مع أخيها فبرئت من الله ورسوله فلم يزل به حتى كف عنه قال الحاكم (5/298)
وزاد أبو عبيدة في العدد فاطمة بنت شريح وسبأ بنت اسماء بن الصلت السلمية هكذا روى ذلك ابن عساكر من طريق ابن منده بسنده عن قتادة فذكره وقال محمد بن سعد عن ابن الكلبي مثل ذلك قال ابن سعد وهي سبأ قال ابن عساكر ويقال سبأ بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف السلمي قال ابن سعد وأخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي حدثني العرزمي عن نافع عن ابن عمر قال كان في نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم سبأ بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب وقال ابن عمر إن رسول الله بعث أبا أسيد يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها عمرة بنت يزيد بن عبيد بن كلاب فتزوجها فبلغه أن بها بياضا فطلقها وقال محمد بن سعد عن الواقدي حدثني أبو معشر قال تزوج رسول الله مليكة بنت كعب وكانت تذكر بجمال بارع فدخلت عليها عائشة فقالت ألا تستحين أن تنكحي قاتل أبيك فاستعاذت منه فطلقها فجاء قومها فقالوا يا رسول الله إنها صغيرة ولا أرى لها وإنها خدعت فارتجعها فأبى فاستأذنوه أن يزوجوها بقريب لها من بني عذرة فأذن لهم قال وكان ابوها قد قتله خالد بن الوليد يوم الفتح قال الواقدي وحدثني عبد العزيز الجندعي عن أبيه عن عطاء ابن يزيد قال دخل بها رسول الله في رمضان سنة ثمان وماتت عنده قال الواقدي وأصحابنا ينكرون ذلك وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أنبأنا يوسف بن عبد الواحد الماهاني أنبأنا شجاع بن بن شجاع علي أنبأنا أبو عبد الله بن منده أنبأنا الحسن بن محمد بن حكيم المروزي ثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري أنبأنا عبد الله بن عثمان أنبأنا عبد الله بن المبارك أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة وكانت قبله تحت عقيق بن عائذ المخزومى ثم تزوج بمكة عائشة بنت أبى بكر ثم تزوج بالمدينة حفصة بنت عمر وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي ثم تزوج سودة بنت زمعة وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي بني عامر بن لؤي ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي أحد بني خزيمة ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية وكان اسمها هند وكانت قبله تحت أبي سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن عبد العزى ثم تزوج زينب بنت خزيمة الهلالية وتزوج العالية بنت ظبيان من بني بكر بن عمرو بن كلاب وتزوج امرأة من بني الحون من كندة وسبا جويرية في الغزوة التي هدم فيها مناة غزوة المريسيع ابنة الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق من خزاعة وسبا صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير وكانتا مما أفاء الله عليه فقسمهما له واستسر مارية القبطية فولدت له ابراهيم واستسر ريحانة من بني قريظة ثم (5/299)
أعتقها فلحقت بأهلها واحتجبت وهي عند أهلها وطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم العالية بنت ظبيان وفارق أخت بني عمرو بن كلاب وفارق أخت بني الجون الكندية من أجل بياض كان بها وتوفيت زينب بنت خزيمة الهلالية ورسول الله صلى الله عليه و سلم حي وبلغنا أن الغالية بنت ظبيان التي طلقت تزوجت قبل أن يحرم الله النساء فنكحت ابن عم لها من قومها وولدت فيهم سقناه بالسند لغرابة ما فيه من ذكره تزويج سودة بالمدينة والصحيح أنه كان بمكة قبل الهجرة كما قدمناه والله أعلم
قال يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق قال فماتت خديجة بنت خويلد قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم بثلاث سنين لم يتزوج عليها امرأة حتى ماتت هي وأبو طالب في سنة فتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد خديجة سودة بنت زمعة ثم تزوج بعد سودة عائشة بنت أبي بكر لم يتزوج بكرا غيرها ولم يصب منها ولدا حتى مات ثم تزوج بعد عائشة حفصة بنت عمر ثم تزوج بعد حفصة زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين ثم تزوج بعدها أم حبيبة بنت أبي سفيان ثم تزوج بعدها أم سلمة هند بنت أبي أمية ثم تزوج بعدها زينب بنت جحش ثم تزوج بعدها جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار قال ثم تزوج بعد جوهرية صفية بنت حيي بن أخطب ثم تزوج بعدها ميمونة بنت الحارث الهلالية فهذا الترتيب أحسن واقرب مما رتبه الزهري والله أعلم وقال يونس ابن بكير عن أبي يحيى عن جميل بن زد الطائي عن سهل بن زيد الانصاري قال تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة من بني غفار فدخل بها فأمرها فنزعت ثوبها فرأى بها بياضا من برص عند ثدييها فانماز رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال خذي ثوبك وأصبح فقال لها الحقي بأهلك فأكمل لها صداقها [ وقد رواه أبو نعيم من حديث حميد بن زيد عن سهل بن زيد الانصاري وكان ممن رأى النبي صلى الله عليه و سلم قال تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة من غفار فذكر مثله
قلت وممن تزوجها صلى الله عليه و سلم ولم يدخل بها أم شريك الأزدية قال الواقدي والمثبت أنها دوسية وقيل الانصارية ويقال عامرية وأنها خولة بنت حكيم السلمي وقال الواقدي اسمها غزية بنت جابر بن حكيم قال محمد بن اسحاق عن حكيم بن حكيم عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه قال كان جميع ما تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس عشرة امرأة منهن أم شريك الانصارية وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه و سلم وقال سعيد بن أبى عروبة عن قتادة وتزوج أم شريك الانصارية من بني النجار وقال إني أحب أن أتزوج من الانصار ولكني أكره غيرتهن ولم يدخل بها وقال ابن اسحاق (5/300)
عن حكيم عن محمد بن علي عن أبيه قال تزوج صلى الله عليه و سلم ليلى بنت الحطيم الانصارية وكانت غيورا فخافت نفسها عليه فاستقالته فاقالها ] فصل
فيمن خطبها عليه السلام ولم يعقد عليها
قال اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبها فذكرت أن لها صبية صغارا فتركها وقال خير نساء ركبن الابل صالح نساء قريش أحناه على ولد طفل في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده [ وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت يا رسول الله إنى قد كبرت ولى عيال وقال الترمذى حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبد اله ابن موسى حدثنا اسرائيل عن السدى عن أبى صالح عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت خطبني رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعتذرت اليه فعذرني ثم أنزل الله إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك الآية قالت فلم أكن أحل له لاني لم أهاجر كنت من الطلقاء ثم قال هذا حديث حسن لا نعرفه الا من حديث السدي فهذا يقتضي أن من تكن من المهاجرات لا تحل له صلى الله عليه و سلم وقد نقل هذا المذهب مطلقا القاضي الماوردي في تفسيره عن بعض العلماء وقيل المراد بقوله اللاتي هاجرن معك أي من القزابات المذكورات وقال قتادة اللاتي هاجرن معك أي أسلمن معك فعلى هذا لا يحرم عليه إلا الكفار وتحل له جميع المسلمات فلا ينافي تزويجه من نساء الانصار إن ثبت ذلك ولكن لم يدخل بواحدة منهن أصلا وأما حكاية الماوردي عن الشعبي أن زينب بنت خزيمة أم المساكين أنصارية فليس بجيد فانها هلالية بلا خلاف كما تقدم بيانه والله أعلم ] وروى محمد بن سعد عن هشام بن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال أقبلت ليلى بنت الحطيم الى رسول الله وهو مول ظهره الى الشمس فضربت منكبه فقال من هذا أكله الاسود فقالت أنا بنت مطيم الطير ومباري الريح أنا ليلى بنت الحطيم جئتك لأعرض عليك نفسي تزوجني قال قد فعلت فرجعت الى قومها فقالت قد تزوجت النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا بئس ما صنعت أنت امرأة غيرى ورسول الله صاحب نساء تغارين عليه فيدعو الله عليك فاستقيليه فرجعت فقالت أقلني يا رسول الله فأقالها فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له فبينما هي يوما تغتسل في بعض حيطان المدينة إذ وثب عليها ذئب أسود فأكل بعضها فماتت وبه عن ابن عباس أن ضباعة بنت عامر بن قرط كانت تحت عبد الله بن جدعان (5/301)
فطلقها فتزوجها بعده هشام بن المغيرة فولدت له سلمة وكانت امرأة ضخمة جميلة لها شعر غزير يجلل جسمها فخطبها رسول الله من ابنها سلمة فقال حتى استأمرها فاستأذنها فقالت يا بني أفي رسول الله صلى الله عليه و سلم تستأذن فرجع ابنها فسكت ولم يرد جوابا وكأنه رأى أنها قد طعنت في السن وسكت النبي صلى الله عليه و سلم عنها وبه عن ابن عباس قال خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية بنت بشامة بن نضلة العنبري وكان أصابها سبي فخيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم إن شئت أنا وإن شئت زوجك فقالت بل زوجي فأرسلها فلعنتها بنو تميم وقال محمد بن سعد أنبأنا الواقدي ثنا موسى بن محمد ابن ابراهيم التيمي عن أبيه قال كانت أم شريك امرأة من بني عامر بن لؤي قد وهبت نفسها من رسول الله فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت قال محمد بن سعد وأنبأنا وكيع عن شريك عن جابر عن الحكم عن علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج أم شريك الدوسية قال الواقدي الثبت عندنا أنها من دوس من الأزد قال محمد بن سعد واسمها غزية بنت جابر بن حكيم وقال الليث بن سعد عن هشام بن محمد عن أبيه قال متحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم وكانت امرأة صالحة [ وممن خطبها ولم يعقد عليها حمزة بنت الحارث بن عون بن أبي حارثة المري فقال أبوها إن بها سوءا ولم يكن بها فرجع اليها وقد تبرصت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر هكذا ذكره سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال وخطب حبيبة بنت العباس بن عبد المطلب فوجد أباها أخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب ] فهؤلاء نساؤه وهن ثلاثة اصناف صنف دخل بهن ومات عنهن وهن التسع المبدأ بذكرهن وهن حرام على الناس بعد موته عليه السلام بالاجماع المحقق المعلوم من الدين ضرورة وعدتهن بانقضاء أعمارهن قال الله تعالى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما وصنف دخل بهن وطلقهن في حياته فهل يحل لأحد أن يتزوجهن بعد انقضاء عدتهن منه عليه السلام فيه قولان للعلماء أحدهما لا لعموم الآية التي ذكرناها والثاني نعم بدليل آية التخيير وهي قوله يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله رسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحصنات منكن أجرا عظيما قالوا فلولا أنها تحل لغيره أن يتزوجها بعد فراقه إياها لم يكن في تخييرها بين الدنيا والآخرة فائدة إذ لو كان فراقه لها لا يبحها لغيره لم يكن فيه فائدة لها وهذا قوي والله تعالى أعلم وأما الصنف الثالث وهي من تزوجها وطلقها قبل أن يدخل بها فهذه تحل لغيره أن يتزوجها ولا أعلم في هذا القسم نزاعا وأما من خطبها ولم يعقد عليها فأولى لها أن تتزوج وأولى وسيجيء فصل في كتاب الخصائص يتعلق بهذا المقام والله أعلم (5/302)
فصل
في ذكر سراريه عليه السلام
كانت له عليه السلام سريتان احداهما مارية بنت شمعون القبطية أهداها له صاحب اسكندرية واسمه جريج بن مينا وأهدى معها أختها شيرين [ وذكر أبو نعيم أنه أهداها في أربع جواري والله أعلم ] وغلاما خصيا اسمه مابور وبغلة يقال لها الدلدل فقبل هديته واختار لنفسه مارية وكانت من قرية ببلاد مصر يقال لها حفن من كورة انصنا وقد وضع عن أهل هذه البلدة معاوية بن أبي سفيان في ايام إمارته الخراج إكراما لها من أجل أنها حملت من رسول الله صلى الله عليه و سلم بولد ذكر وهو ابراهيم عليه السلام قالوا وكانت مارية جميلة بيضاء أعجب بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأحبها وحضيت عنده ولا سيما بعد ما وضعت ابراهيم ولده وأما أختها شيرين فوهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان وأما الغلام الخصي وهو مابور فقد كان يدخل على مارية وسيرين بلا إذن كما جرت به عادته بمصر فتكلم بعض الناس فيها بسبب ذلك ولم يشعروا أنه خصي حتى انكشف الحال على ما سنبينه قريبا إن شاء الله وأما البغلة فكان عليه السلام يركبها والظاهر والله أعلم أنها التي كان راكبها يوم حنين وقد تأخرت هذه البغلة وطالت مدتها حتى كانت عند علي بن أبي طالب في ايام إمارته ومات فصارت الى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وكبرت حتى كان يجش لها الشعير لتأكله قال أبو بكر بن خزيمة حدثنا محمد بن زياد بن عبد الله أنبأنا سفيان بن عيينة عن بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة بن الخصيب عن أبيه قال أهدى أمير القبط الى رسول الله جاريتين أختين وبغلة فكان يركب البغلة بالمدينة واتخذ إحدى الجاريتين فولدت له ابراهيم ابنه ووهب الاخرى وقال الواقدي حدثنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجب بمارية القبطية وكانت بيضاء جعدة جميلة فأنزلها وأختها على أم سليم بنت ملحان فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه و سلم [ فعرض عليهما الاسلام ] فأسلمتا هناك فوطئ مارية بالملك وحولها الى مال له بالعالية كان من أموال بني النضير فكانت فيه في الصبف وفي خرافة النخل فكان يأتيها هناك وكانت حسنة الدين ووهب أختها شيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن وولدت مارية لرسول الله غلاما سماه ابراهيم وعق عنه بشاة يوم سابعه وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بشعره فدفن في الأرض وسماه ابراهيم وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت الى زوجها أبي رافع فأخبرته بأنها قد ولدت غلاما فجاء أبو رافع (5/303)
الى رسول الله فبشرة فوهب له عقدا وغار نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم واشتد عليهن حين رزق منها الولد وروى الحافظ أبو الحسن الدارقطني عن أبي عبيد القاسم بن اسماعيل عن زياد بن أيوب عن سعيد بن زكريا المدائني عن ابن ابي سارة عن عكرمة عن ابن عباس قال لما ولدت مارية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتقها ولدها ثم قال الدارقطني تفرد به زياد بن أيوب وهو ثقة وقد رواه ابن ماجه من حديث حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس بمثله ورويناه من وجه آخر وقد افردنا لهذه المسألة وهي بيع أمهات الأولاد مصنفا مفردا على حدته وحكينا فيه أقوال العلماء بما حاصله يرجع الى ثمانية اقوال وذكرنا مستند كل قول ولله الحمد والمنة وقال يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق عن ابراهيم بن محمد بن علي بن ابي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال أكثروا على مارية أم ابراهيم في قبطي ابن عم لها يزورها ويختلف اليها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم خذ هذا السيف فانطلق فان وجدته عندها فاقتله قال قلت يا رسول الله أكون في أمرك إذا ارسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أمرتني به أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل الشاهد يرى مالايرى الغائب فاقبلت متوشحا السيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما رآني عرف أني أريده فأتى نخلة فرقي فيها ثم رمى بنفسه على قفاه ثم شال رجليه فاذا به أجب أمسح ماله مما للرجال لا قليل ولا كثير فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته فقال الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت وقال الامام احمد حدثنا يحيى بن سعيد ثنا سفيان حدثني محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي قال قلت يا رسول الله اذا بعثتني أكون كالسكة المحماة أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب قال الشاهد يرى مالا يرى الغائب هكذا رواه مختصرا وهو أصل الحديث الذي أوردناه وإسناده رجال ثقات [ وقال الطبراني حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني حدثناأبى حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وعقيل عن الزهري عن أنس قال لما ولدت مارية ابراهيم كاد أن يقع في النبي صلى الله عليه و سلم منه شيء حتى نزل جبريل عليه السلام فقال السلام عليك يا ابا ابراهيم وقال أبو نعيم حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو بكر بن أبى عاصم حدثنا محمد بن يحيى الباهلي حدثنا يعقوب بن محمد عن رجل سماه عن الليث بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت أهدى ملك من بطارقة الروم يقال له المقوقس جارية قبطية من بنات الملوك يقال لها مارية وأهدى معها ابن عم لها شابا فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم منها ذات يوم خلوته فاصابها حملت بابراهيم قالت عائشة فلما استبان حملها جزعت من ذلك فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يكن لها لبن فاشترى لها ضأنة لبونا تغذي منها الصبي فصلح اليه جسمه وحسن لونه وصفا لونه فجاءته ذات يوم تحمله على عاتقها فقال يا عائشة كيف (5/304)
ترين الشبه فقلت أنا وغيري ما أرى شبها فقال ولا اللحم فقلت لعمري من تغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه ] قال الواقدي ماتت مارية في المحرم سنة خمس عشرة فصلى عليها عمر ودفنها في البقيع وكذا قال المفضل بن غسان الغلابي وقال خليفة وأبو عبيدة ويعقوب بن سفيان ماتت سنة ست عشرة رحمها الله
ومنهن ريحانة بنت زيد من بني النضير ويقال من بني قريظة قال الواقدي كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير ويقال من بني قريظة قال الواقدي كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير وكانت مزوجة فيهم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أخذها لنفسه صفيا وكانت جميلة فعرض عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تسلم فأبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله صلى الله عليه و سلم ووجد في نفسه فارسل الى ابن شعبة فذكر له ذلك فقال ابن شعبة فداك أبي وأمي هي تسلم فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها لا تتبعي قومك فقد رأيت ما أدخل عليهم حيي بن أخطب فاسلمي يصطفيك رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال إن هاتين لنعلا ابن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة فجاء يقول يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسر بذلك [ وقال محمد ابن اسحاق لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم قريظة اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه وكان عرض عليها الاسلام ويتزوجها فأبت إلا اليهودية ثم ذكر من إسلامها ما تقدم ] قال الواقدي فحدثني عبد الملك بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أيوب بن بشير المعاوي قال فأرسل بها رسول الله الى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول الله فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطأك بالملك فعلت فقالت يا رسول الله إن أخف عليك وعلي أن أكون في ملكك فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه و سلم يطأها حتى ماتت قال الواقدي وحدثني ابن ابي ذئب قال سألت الزهري عن ريحانة فقال كانت أمة رسول الله فأعتقها وتزوجها فكانت تحتجب في أهلها وتقول لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الواقدي وهذا أثبت الحديثين عندنا وكان زوجها قبله عليه السلام الحكم وقال الواقدي ثنا عاصم بن عبد الله بن الحكم عن عمر بن الحكم قال أعتق رسول الله صلى الله عليه و سلم ريحانة بنت زيد ابن عمرو بن خنافة وكانت عند زوج لها وكان محبا لها مكرما فقالت لا أستخلف بعده أحدا أبدا وكانت ذات جمال فلما سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه (5/305)
وسلم قالت فكنت فيمن عرض عليه فأمر بي فعزلت وكان يكون له صفي في كل غنيمة فلما عزلت خار الله لي فأرسل بي الى منزل أم المنذر بنت قيس أياما حتى قتل الاسرى وفرق السبي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فتجنبت منه حياء فدعاني فأجلسني بين يديه فقال [ إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله لنفسه فقلت ] إني أختار الله ورسوله فلما أسلمت أعتقني رسول الله صلى الله عليه و سلم وتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونشا كما كان يصدق نساءه وأعرس بي في بيت أم المنذر وكان يقسم [ لي كما يقسم ] لنسائه وضرب علي الحجاب قال وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم معجبا بها وكانت لا تسأله شيئا إلا أعطاها فقيل لها لو كنت سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم بني قريظة لأعتقهم فكانت تقول لم يخل بي حتى فرق السبي ولقد كان يخلو بها ويستكثر منها فلم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع فدفنها بالبقيع وكان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة وقال ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري قال استسر رسول الله ريحانة من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى كانت ريحانة بنت زيد بن شمعون من بني النضير وقال بعضهم من بني قريظة وكانت تكون في نخل من نخل الصدقة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقيل عندها أحيانا وكان سباها في شوال سنة اربع وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ثنا احمد ابن المقدام ثنا زهير عن سعيد عن قتادة قال كانت لرسول الله وليدتان مارية القبطية وريحه أو ريحانة بنت شمعون بن زيد بن خنافة من بني عمرو بن قريظة كانت عند ابن عم لها يقال له عبد الحكم فيما بلغني وماتت قبل وفاة النبي صلى الله عليه و سلم وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم أربع ولائد مارية القبطية وريحانة القرظية وكانت له جارية أخرى جميلة فكادها نساؤه وخفن أن تغلبهن عليه وكانت له جارية نفيسة وهبتها له زينب وكان هجرها في شأن صفية بنت حيي ذا الحجة والمحرم وصفر فلما كان شهر ربيع الاول الذي قبض فيه رضي عن زينب ودخل عليها فقالت ما أدري ما أجزيك فوهبتها له صلى الله عليه و سلم وقد روى سيف بن عمر عن سعيد بن عبد الله عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقسم لمارية وريحانة مرة ويتركهما مرة [ وقال أبو نعيم قال أبو محمد بن عمر الواقدي توفيت ريحانة سنة عشرة وصلى عليها عمر بن الخطاب ودفنها بالبقيع ولله الحمد ] فصل
في ذكر اولاده عليه الصلاة و السلام
لا خلاف أن جمبع أولاده من خديجة بنت خويلد سوى ابراهيم فمن مارية بنت شمعون القبطية (5/306)
قال محمد بن سعد أنبأنا هشام بن الكلبي أخبرني أبي عن ابي صالح عن ابن عباس قال كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية فمات القاسم وهو أول ميت من ولده بمكة ثم مات عبد الله فقال العاص بن وائل السهمي قد انقطع نسله فهو ابتر فأنزل الله عز و جل إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر قال ثم ولدت له مارية بالمدينة ابراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة فمات ابن ثمانية عشر شهرا وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري ثنا عبد الباقي بن نافع ثنا محمد بن زكريا ثنا العباس بن بكار حدثني محمد بن زياد والفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال ولدت خديجة من النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن محمد ثم أبطأ عليه الولد من بعده فبينا رسول الله يكلم رجلا والعاص بن وائل ينظر اليه إذ قال له رجل من هذا قال له هذا الأبتر وكانت قريش اذا ولد للرجل ثم ابطأ عليه الولد من بعده قالوا هذا الابتر فأنزل الله إن شانئك هو الأبتر أي مبغضك هو الابتر من كل خير قال ثم ولدت له زينب ثم ولدت له رقية ثم ولدت له القاسم ثم ولدت الطاهر ثم ولدت المطهر ثم ولدت الطيب ثم ولدت المطيب ثم ولدت أم كلثوم ثم ولدت فاطمة وكانت أصغرهم وكانت خديجة اذا ولدت ولدا دفعته الى من يرضعه فلما ولدت فاطمة لم يرضعها غيرها وقال الهيثم بن عدي حدثنا هشام بن عروة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال كان للنبي صلى الله عليه و سلم ابنان طاهر والطيب وكان يسمى أحدهما عبد شمس والآخر عبد العزى وهذا فيه نكارة والله أعلم وقال محمد بن عائذ أخبرني الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن خديجة ولدت القاسم والطيب والطاهر ومطهر وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم وقال الزبير بن بكار أخبرني عمي مصعب بن عبد الله قال ولدت خديجة القاسم والطاهر وكان يقال له الطيب وولد الطاهر بعد النبوة ومات صغيرا واسمه عبه الله وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم قال الزبير وحدثني ابراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود أن خديجة ولدت القاسم والطاهر والطيب وعبد الله وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم وحدثني محمد بن فضالة عن بعض من أدرك من المشيخة قال ولدت خديجة القاسم وعبد الله فأما القاسم فعاش حتى مشى وأما عبد الله فمات وهو صغير وقال الزبير بن بكار كانت خديجة تذكر في الجاهلية الطاهرة بنت خويلد وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه و سلم القاسم وهو أكبر ولده وبه كان يكنى ثم زينب ثم عبد الله وكان يقال له الطيب ويقال له الطاهر ولد بعد النبوة ومات صغيرا ثم ابنته أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية هكذا الأول فالأول ثم مات القاسم بمكة وهو أول ميت من ولده ثم مات عبد الله ثم ولدت له مارية بنت شمعون ابراهيم وهي القبطية التي أهداها المقوقس صاحب اسكندرية وأهدى (5/307)
معها أختها شيرين وخصيا يقال له مابور فوهب شيرين لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن وقد انقرض نسل حسان بن ثابت وقال أبو بكر بن الرقي يقال إن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله ويقال إن الطيب المطيب ولدا في بطن والطاهر والمطهر ولدا في بطن وقال المفضل ابن غسان عن احمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج عن مجاهد قال مكث القاسم ابن النبي صلى الله عليه و سلم سبع ليال ثم مات قال المفضل وهذا خطأ والصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا وقال الحافظ أبو نعيم قال مجاهد مات القاسم وله سبعة أيام وقال الزهري وهو ابن سنتين وقال قتادة عاش حتى مشى وقال هشام بن عروة وضع أهل العراق ذكر الطيب والطاهر فأما مشايخنا فقالوا عبد العزى وعبد مناف والقاسم ومن النساء رقية وأم كلثوم وفاطمة هكذا رواه ابن عساكر وهو منكر والذي أنكره هو المعروف وسقط ذكر زينب ولا بد منها والله أعلم فأما زينب فقال عبد الرزاق عن ابن جريج قال لي غير واحد كانت زينب أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت فاطمة أصغرهن وأحبهن الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وتزوج زينب أبو العاص بن الربيع فولدت منه عليا وأمامة وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحملها في الصلاة فاذا سجد وضعها واذا قام حملها ولعل ذلك كان بعد موت أمها سنة ثمان من الهجرة على ما ذكره الواقدي وقتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم وكأنها كانت طفلة صغيرة فالله أعلم وقد تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موت فاطمة على ما سيأتي إن شاء الله وكانت وفاة زينب رضي الله عنها في سنة ثمان قاله قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وخليفة بن خياط وأبو بكر بن أبي خيثمة وغير واحد وقال قتادة عن ابن حزم في أول سنة ثمان وذكر حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أنها لما هاجرت دفعها رجل فوقعت على صخرة فاسقطت حملها ثم لم تزل وجعة حتى ماتت فكانوا يرونها ماتت شهيدة وأما رقية فكان قد تزوجها أولا ابن عمها عتبة بن أبي لهب كما تزوج أختها أم كلثوم أخوه عتيبة بن أبي لهب ثم طلقاهما قبل الدخول بهما بغضة في رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أنزل الله تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد فتزوج عثمان ابن عفان رضي الله عنه رقية وهاجرت معه الى ارض الحبشة ويقال إنه أول من هاجر اليها ثم رجعا الى مكة كما قدمنا وهاجرا الى المدينة وولدت له ابنه عبد الله فبلغ ست سنين فنقره ديك في عينيه فمات وبه كان يكنى اولا ثم اكتنى بابنه عمرو وتوفيت وقد انتصر رسول الله صلى الله عليه و سلم ببدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ولما أن جاء البشير بالنصر الى المدينة وهو زيد بن حارثة وجدهم قد ساووا على قبرها التراب وكان عثمان قد اقام عليها يمرضها بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وضرب له (5/308)
بسهمه وأجره ولما رجع زوجه بأختها أم كلثوم أيضا ولهذاكان يقال له ذو النورين ثم ماتت عنده في شعبان سنة تسع ولم تلد له شيئا وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كن عشرا لزوجتهن عثمان وأما فاطمة فتزوجها ابن عمها علي ابن أبي طالب في صفر سنة اثنتين فولدت له الحسن والحسين ويقال ومحسن وولدت له أم كلثوم وزينب وقد تزوج عمر بن الخطاب في أيام ولايته بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة وأكرمها إكراما زائدا أصدقها أربعين ألف درهم لاجل نسبها من رسول الله صلى الله عليه و سلم فولدت له زيد ابن عمر بن الخطاب ولما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر فمات عنها فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها فتزوجها أخوهما عبد الله بن جعفر فماتت عنده وقد كان عبد الله بن جعفر تزوج بأختها زينب بنت علي وماتت عنده أيضا وتوفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم بستة أشهر على أشهر الأقوال وهذا الثابت عن عائشة في الصحيح وقاله الزهري أيضا وأبو جعفر الباقر وعن الزهري بثلاثة اشهر وقال أبو الزبير بشهرين وقال أبو بريدة عاشت بعده سبعين من بين يوم وليلة وقال عمرو بن دينار مكثت بعده ثمانية أشهر وكذا قال عبد الله بن الحارث وفي رواية عن عمرو بن دينار بأربعة أشهر وأما ابراهيم فمن مارية القبطية كما قدمنا وكان ميلاده في ذي الحجة سنة ثمان وقد روى عن ابن لهيعة وغيره عن عبد الرحمن بن زياد قال لما حبل بابراهيم أتى جبريل فقال السلام عليك يا أبا ابراهيم إن الله قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية وأمرك أن تسميه ابراهيم فبارك الله لك فيه وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة وروى الحافظ أبو بكر البزار عن محمد بن مسكين عن عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن عقيل ويزيد بن أبي حبيب عن الزهري عن أنس قال لما ولد للنبي صلى الله عليه و سلم ابنه ابراهيم وقع في نفسه منه شيء فاتاه جبريل فقال السلام عليك يا ابا ابراهيم وقال اسباط عن السدي وهو اسماعيل بن عبد الرحمن قال سألت أنس ابن مالك قلت كم بلغ ابراهيم بن النبي صلى الله عليه و سلم من العمر قال قد كان ملأ مهده ولو بقي لكان نبيا ولكن لم يكن ليبق لأن نبيكم صلى الله عليه و سلم آخر الأنبياء وقد قال الامام احمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن السدي عن أنس بن مالك قال لو عاش ابراهيم بن النبي صلى الله عليه و سلم لكان صديقا نبيا وقال أبو عبيد الله بن منده ثنا محمد بن سعد ومحمد بن ابراهيم ثنا محمد بن عثمان العبسي ثنا منجاب ثنا أبو عامر الأسدي عن سفيان عن السدي عن أنس قال توفي ابراهيم بن النبي صلى الله عليه و سلم وهو ابن ستة عشر شهرا فقال رسول الله ادفنوه البقيع فان له مرضعا يتم رضاعه في الجنة وقال أبو يعلى ثنا أبو خيثمة ثنا اسماعيل بن ابراهيم عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس قال ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله كان ابراهيم مسترضعا في عوالي المدينة وكان ينطلق (5/309)
ونحن معه فيدخل إلى البيت وإنه ليدخن وكان ظئره فينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع قال عمرو فلما توفي ابراهيم قال رسول الله إن ابراهيم ابني وإنه مات في الثدي وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة وقد روى جرير وأبو عوانة عن الاعمش عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن البراء قال توفي ابراهيم بن رسول الله وهو ابن ستة عشر شهرا فقال ادفنوه في البقيع فان له مرضعا في الجنة ورواه احمد من حديث جابر عن عامر عن البراء وهكذا رواه سفيان الثوري عن فراس عن الشعبي عن البراء بن عازب بمثله وكذا رواه الثوري أيضا عن أبي اسحاق عن البراء وأورد له ابن عساكر من طريق عتاب بن محمد بن شوذب عن عبد الله بن أبي أوفى قال توفي ابراهيم فقال رسول الله يرضع بقية رضاعه في الجنة وقال أبو يعلى الموصلي ثنا زكريا بن يحيى الواسطي ثنا هشيم عن اسماعيل قال سألت ابن ابي أوفى أو سمعته يسأل عن ابراهيم بن النبي صلى الله عليه و سلم فقال مات وهو صغير ولو قضى أن يكون بعد النبي صلى الله عليه و سلم نبي لعاش وروى ابن عساكر من حديث احمد بن محمد بن سعيد الحافظ ثنا عبيد بن ابراهيم الجعفي ثنا الحسن بن أبي عبد الله الفراء ثنا مصعب بن سلام عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو عاش ابراهيم لكان نبيا وروى ابن عساكر من حديث محمد ابن اسماعيل بن سمرة عن محمد بن الحسن الاسدي عن أبي شيبة عن أنس قال لما مات ابراهيم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر اليه فجاء فانكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه صلى الله عليه و سلم
قلت أبو شيبة هذا لا يتعامل بروايته ثم روى من حديث مسلم بن خالد الزنجي عن ابن خيثم عن شهر بن حوشب عن اسماء بنت يزيد بن السكن قالت لما توفي ابراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر وعمر أنت أحق من علم لله حقه فقال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب لولا أنه وعد صادق وموعود جامع وأن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا ابراهيم وجدا اشد مما وجدنا وإن بك يا ابراهيم لمحزونون وقال الامام احمد ثنا أسود بن عامر ثنا اسرائيل عن جابر عن الشعبي عن البراء قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنه ابراهيم ومات وهو ابن ستة عشر شهرا وقال إن له في الجنة من يتم رضاعه وهو صديق وقد روى من حديث الحكم بن عيينة عن الشعبي عن البراء وقال أبو يعلى ثنا القواريري ثنا اسماعيل بن أبي خالد عن ابن أبي أوفى قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنه وصليت خلفه وكبر عليه اربعا وقد روى يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال مات ابراهيم ابن رسول الله وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه وروى ابن عساكر من حديث اسحاق (5/310)
ابن محمد الفروي عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن أبي جده عن علي قال لما توفي ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث علي بن أبي طالب إلى أمه مارية القبطية وهي في مشربة فحمله علي في سفط وجعله بين يديه على الفرس ثم جاء به الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فغسله وكفنه وخرج به وخرج الناس معه فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد فدخل علي في قبره حتى سوى عليه ودفنه ثم خرج ورش على قبره وأدخل رسول الله يده في قبره فقال أما والله إنه لنبي ابن نبي وبكى رسول الله صلى الله عليه و سلم وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يغضب الرب وإنا عليك يا ابراهيم لمحزونون وقال الواقدي مات ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الاول سنة عشر وهو ابن ثمانية عشر شهرا في بني مازن بن النجار في دار أم برزة بنت المنذر ودفن بالبقيع
قلت وقد قدمنا أن الشمس كسفت يوم موته فقال الناس كسفت لموت ابراهيم فخطب رسول الله فقال في خطبته إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز و جل لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته قاله الحافظ الكبير أبو القاسسم ابن عساكر باب
ذكر عبيده عليه الصلاة و السلام وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه
ولنذكر ما أورده مع الزيادة والنقصان وبالله المستعان
فمنهم أسامة بن زيد بن حارثة ابو زيد الكلبي ويقال أبو يزيد ويقال أبو محمد مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وابن مولاه وحبه وابن حبه وأمه أم أيمن واسمها بركة كانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه و سلم في صغره وممن آمن به قديما بعد بعثته وقد أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر أيام حياته وكان عمره إذ ذاك ثماني عشرة أو تسع عشرة وتوفي وهو أمير على جيش كثيف منهم عمر بن الخطاب ويقال وأبو بكر الصديق وهو ضعيف لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم نصبه للامامة فلما توفي عليه السلام وجيش أسامة مخيم بالجرف كما قدمناه استطلق أبو بكر من اسامه عمر بن الخطاب في الاقامة عنده ليستضيء برأيه فاطلقه له وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بعد مراجعة كثيرة من الصحابة له في ذلك وكل ذلك يأبى عليهم ويقول والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم فساروا حتى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد وجعفر بن أبي طالب (5/311)
وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم فأغار على تلك البلاد وغنم وسبى وكر راجعا سالما مؤيدا كما سيأتي فلهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يلقى أسامة إلا قال له السلام عليك أيها الأمير ولما عقد له رسول الله صلى الله عليه و سلم راية الامرة طعن بعض الناس في إمارته فخطب رسول الله فقال فيها إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل وايم الله إن كان لخليقا للامارة وإن كان لمن أحب الخلق إلي بعده وهو في الصحيح من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه وثبت في صحيح البخاري عن اسامة رضي الله عنه أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأخذني والحسن وفيقول اللهم إني أحبهما فأحبهما وروى عن الشعبي عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من أحب الله ورسوله فليحب أسامة بن زيد ولهذا لما فرض عمر بن الخطاب للناس في الديوان فرض لأسامة في خمسة آلاف وأعطى ابنه عبد الله بن عمر في أربعة آلاف فقيل له في ذلك فقال إنه كان أحب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم منك وأبوه كان أحب الى رسول الله من أبيك وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن أسامة أن رسول الله أردفه خلفه على حمار عليه قطيفة حين ذهب يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر
قلت وهكذا أردفه وراءه على ناقته حين دفع من عرفات الى المزدلفة كما قدمنا في حجة الوداع وقد ذكر غير واحد أنه رضي الله عنه لم يشهد مع علي شيئا من مشاهده واعتذر اليه بما قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قتل ذلك الرجل وقد قال لا إله إلا الله فقال من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة الحديث وذكر فضائله كثيرة رضي الله عنه وقد كان أسود كالليل أفطس حلوا حسنا كبيرا فصيحا عالما ربانيا رضي الله عنه وكان أبوه كذلك إلا أنه كان أبيض شديد البياض ولهذا طعن بعض من لا يعلم في نسبه منه ولما مر مجزز المدلجي عليهما وهما نائمان في قطيفة وقد بدت أقدامهما اسامة بسواده وأبوه زيد ببياضه قال سبحان الله إن بعض هذه الأقدام لمن بعض أعجب بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ودخل على عائشة مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تر أن مجززا نظر آنفا الى زيد بن حارثة واسامة بن زيد فقال إن بعض هذه الاقدام لمن بعض ولهذا أخذ فقهاء الحديث كالشافعي واحمد من هذا الحديث من حيث التقرير عليه والاستبشار به العمل بقول القافة في اختلاط الانساب واشتباهها كما هو مقرر في موضعه والمقصود أنه رضي الله عنه توفي سنة أربع وخمسين مما صححه أبو عمر وقال غيره سنة ثمان أو تسع وخمسين وقيل مات بعد مقتل عثمان فالله أعلم وروى له جماعة في كتبهم الستة
ومنهم أسلم وقيل ابراهيم وقيل ثابت وقيل هرمز أبو رافع القبطي أسلم قبل بدر ولم يشهدها لأنه (5/312)
كان بمكة مع سادته آل العباس وكان ينحت القداح وقصته مع الخبيث أبي لهب حين جاء خبر وقعة بدر تقدمت ولله الحمد ثم هاجر وشهد أحدا وما بعدها وكان كاتبا وقد كتب بين يدي علي ابن أبي طالب بالكوفة قاله المفضل بن غسان الغلابي وشهد فتح مصر في ايام عمر وقد كان أولا للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه و سلم وعتقه وزوجه مولاته سلمى فولدت له أولادا وكان يكون على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم وقال الامام احمد ثنا محمد بن جعفر وبهز قالا ثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي رافع عن أبي رافع أن رسول الله بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع أصحبني كيما تصيب منها فقال لا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسأله فأتى رسول الله فسأله فقال الصدقة لا تحل لنا وإن ملى القوم منهم وقد رواه الثوري عن محمد بن عبد الرحن بن أبي ليلى عن الحكم به وروى أبو يعلى في مسنده عنه أنه أصابهم برد شديد وهم بخيبر فقال رسول الله من كان له لحاف فليلحف من لا لحاف له قال أبو رافع فلم أحد من يلحفني معه فأتيت رسول الله فألقى علي لحافه فنمنا حتى أصبحنا فوجد رسول الله صلى الله عليه و سلم عند رجليه حية فقال يا ابا رافع أقتلها أقتلها وروى له الجماعة في كتبهم ومات في أيام علي رضي الله عنه
ومنهم أنسة بن زيادة بن مشرح ويقال أبو مسرح من مولدي السراة مهاجري شهد بدرا فيما ذكره عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن اسحاق والبخاري وغير واحد قالوا وكان ممن يأذن على النبي صلى الله عليه و سلم اذا جلس وذكر خليفة بن خياط في كتابه قال قال علي بن محمد عن عبد العزيز بن ابي ثابت عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال استشهد يوم بدر أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الواقدي وليس هذا بثبت عندنا ورأيت أهل العلم يثبتون أنه شهد أحدا أيضا وبقي زمانا وأنه توفي في حياة أبي بكر رضي الله عنه ايام خلافته
ومنهم أيمن بن عبيد بن زيد الحبشي ونسبه ابن منده الى عوف بن الخزرج وفيه نظر وهو ابن أم أيمن بركة أخو اسامة لأمه قال ابن اسحاق وكان على مطهرة النبي صلى الله عليه و سلم وكان ممن ثبت يوم حنين ويقال إن فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا قال الشافعي قتل أيمن مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم حنين قال فرواية مجاهد عنه منقطعة يعني بذلك ما رواه الثوري عن منصور عن مجاهد عن عطاء عن أيمن الحبشي قال لم يقطع النبي صلى الله عليه و سلم السارق إلا في المجن وكان ثمن المجن يومئذ دينار وقد رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة عن هارون بن عبد الله عن أسود بن عامر عن الحسن بن صالح عن منصور عن الحكم عن مجاهد وعطاء عن أيمن عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه وهذا يقتضي تأخر موته عن النبي صلى الله عليه و سلم إن لم يكن الحديث مدلسا عنه ويحتمل أن يكون أريد غيره والجمهور كابن (5/313)
اسحاق وغيره ذكروه فيمن قتل من الصحابة يوم حنين فالله أعلم ولابنه الحجاج بن أيمن مع عبد الله بن عمر قصة
ومنهم باذام وسيأتي ذكره في ترجمة طهمان
ومنهم ثوبان بن بحدد ويقال ابن جحدر أبو عبد الله ويقال أبو عبد الكريم ويقال أبو عبد الرحمن أصله من أهل السراة مكان بين مكة واليمن وقيل من حمير من أهل اليمن وقيل من الهان وقيل من حكم بن سعد العشيرة من مذحج أصابه سبي في الجاهلية فاشتراه رسول الله فأعتقه وخيره إن شاء أن يرجع الى قومه وإن شاء يثبت فانه منهم أهل البيت فأقام على ولاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يفارقه حضرا ولا سفرا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وشهد فتح مصر أيام عمر ونزل حمص بعد ذلك وابتنى بها دارا وأقام بها الى أن مات سنة أربع وخمسين وقيل سنة أربع وأربعين وهو خطأ وقيل إنه مات بمصر والصحيح بحمص كما قدمنا والله أعلم روى له البخاري في كتاب الأدب ومسلم في صحيحه وأهل السنن الأربعة
ومنهم حنين مولى النبي صلى الله عليه و سلم وهو جد ابراهيم بن عبد الله بن حنين وروينا أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه و سلم ويوضئه فاذا فرغ النبي صلى الله عليه و سلم خرج بفضله الوضوء الى أصحابه فمنهم من يشرب منه ومنهم من يتمسح به فاحتبسه حنين فخبأه عنده في جرة حتى شكوه الى النبي صلى الله عليه و سلم فقال له ما تصنع به فقال أدخره عندي أشربه يا رسول الله فقال عليه السلام هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا ثم إن النبي صلى الله عليه و سلم وهبه لعمه العباس فاعتقه رضي الله عنهما
ومنهم ذكوان يأتي ذكره في ترجمة طهمان
ومنهم رافع أو أبو رافع ويقال له أبو البهي قال أبو بكر بن ابي خيثمة كان لأبي أحيحة سعيد ابن العاص الأكبر فورثه بنوه وأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم وشهد معهم يوم بدر فقتلوا ثلاثتهم ثم اشترى أبو رافع بقية انصباء بني سعيد مولاه الانصيب خالد بن سعيد فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقبله وأعتقه فكان يقول أنا مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكذلك كان بنوه يقولون من بعده ومنهم رباح الاسود وكان يأذن على النبي صلى الله عليه و سلم وهو الذي أخذ الاذن لعمر بن الخطاب حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم في تلك المشربة يوم آلى من نسائه واعتزلهن في تلك المشربة وحده عليه السلام هكذا جاء مصرحا باسمه في حديث عكرمة بن عمار عن سماك بن الوليد عن ابن عباس عن عمر وقال الامام احمد ثنا وكيع ثنا عكرمة بن عمار عن أياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه قال كان للنبي صلى الله عليه و سلم غلام يسمى رباح (5/314)
ومنهم رويفع مولاه عليه الصلاة و السلام هكذا عده في الموالي مصعب بن عبد الله الزبيري وأبو بكر بن أبي خيثمة قالا وقد وفد ابنه على عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته ففرض له قالا ولا عقب له
قلت وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديد الاعتناء بموالي رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب أن يعرفهم ويحسن اليهم وقد كتب في أيام خلافته الى أبي بكر بن حزم عالم أهل المدينة في زمانه أن يفحص له عن موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم الرجال والنساء وخدامه رواه الواقدي وقد ذكره أبو عمر مختصرا وقال لا أعلم له رواية حكاه ابن الأثير في الغابة
ومنهم زيد بن حارثة الكلبي وقد قدمنا طرفا من ذكره عند ذكر مقتله بغزوة مؤتة رضي الله عنه وذلك في جمادى من سنة ثمان قبل الفتح بأشهر وقد كان هو الأمير المقدم ثم بعده جعفر ثم بعدهما عبد الله بن رواحة وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم ولو بقي بعده لاستخلفه رواه احمد
ومنهم زيد أبو يسار قال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة سكن المدينة روى حديثا واحدا لا أعلم له غيره حدثنا محمد بن علي الجوزجاني ثنا أبو سلمة هو التبوذكي ثنا حفص بن عمر الطائي ثنا أبو عمر بن مرة سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه و سلم سمعت أبي حدثني عن جدي أنه سمع رسول الله يقول من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه غفر له وإن كان فر من الزحف وهكذا رواه أبو داود عن أبي سلمة وأخرجه الترمذي عن محمد ابن اسماعيل البخاري عن أبي سلمة موسى بن اسماعيل به وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
ومنهم سفينة أبو عبد الرحمن ويقال أبو البختري كان اسمه مهران وقيل عبس وقيل احمر وقيل رومان فلقبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لسبب سنذكره فغلب عليه وكان مولى لام سلمة فاعتقته واشترطت عليه أن يخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يموت فقبل ذلك وقال لو لم تشترطي علي ما فارقته وهذا الحديث في السنن وهو من مولدي العرب وأصله من أبناء فارس وهو سفينة بن مافنة وقال الامام احمد ثنا أبو النضر ثنا حشرج بن نباتة العبسي كوفي حدثنا سعيد بن جمهان حدثني سفينة قال قال رسول الله الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملكا بعد ذلك ثم قال لي سفينة أمسك خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان وأمسك خلافة علي ثم قال فوجدناها ثلاثين سنة ثم نظرت بعد ذلك في الخلفاء فلم أجده يتفق لهم ثلاثون قلت لسعيد أين لقيت سفينة قال ببطن نخلة في زمن الحجاج فاقمت عنده ثلاث ليال أسأله عن أحاديث رسول الله قلت له ما اسمك قال (5/315)
ما أنا بمخبرك سماني رسول الله سفينة قلت ولم سماك سفينة قال خرج رسول الله ومعه اصحابه فثقل عليهم متاعهم فقال لي ابسط كساك فبسطته فجعلوا فيه متاعهم ثم حملوه علي فقال لي رسول الله احمل فانما أنت سفينة فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي إلا أن يحفوا وهذا الحديث عن أبي داود والترمذي والنسائي ولفظه عندهم خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تكون ملكا وقال الامام احمد حدثنا بهز ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال كنا في سفر فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه ترسا أو سيفا حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا فقال النبي صلى الله عليه و سلم أنت سفينة هذا هو المشهور في تسميته سفينة وقد قال أبو القاسم البغوي ثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني ومحمد بن جعفر الوركاني قالا ثنا شريك بن عبد الله النخعي عن عمران البجلي عن مولى لام سلمة قال كنا مع رسول الله فمررنا بواد أو نهر فكنت أعبر الناس فقال لي رسول الله ما كنت منذ اليوم إلا سفينة وهكذا رواه الامام احمد عن أسود بن عامر عن شريك وقال أبو عبد الله بن منده ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر عن سفينة قال ركبت البحر في سفينة فكسرت بنا فركبت لوحا منها فطرحني في جزيرة فيها أسد فلم يرعني الا به فقلت يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق ثم همهم فظننت أنه السلام وقد رواه أبو القاسم البغوي عن ابراهيم بن هانئ عن عبيد الله بن موسى عن رجل عن محمد بن المنكر عنه ورواه أيضا عن محمد بن عبد الله المخرمي عن حسين بن محمد قال قال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر عن سفينة فذكره ورواه أيضا حدثنا هارون بن عبد الله ثنا علي بن عاصم حدثني أبو ريحانة عن سفينة مولى رسول الله قال لقيني الأسد فقلت أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فضرب بذنبه الأرض وقعد وروى له مسلم وأهل السنن وقد تقدم في الحديث الذي رواه الامام احمد أنه كان يسكن بطن نخلة وأنه تأخر إلى أيام الحجاج
ومنهم سلمان الفارسي أبو عبد الله مولى الاسلام أصله من فارس وتنقلت به الاحوال إلى أن صار لرجل من يهود المدينة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة أسلم سلمان وأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم فكاتب سيده اليهودي وأعانه رسول الله صلى الله عليه و سلم على أداء ما عليه فنسب اليه وقال سلمان منا أهل البيت وقد قدمنا صفة هجرته من بلده وصحبته لاولئك الرهبان واحدا بعد واحد حتى آل به الحال الى المدينة النبويه وذكر صفة إسلامه رضي الله عنه في أوائل الهجرة (5/316)
النبوية الى المدينة وكانت وفاته في سنة خمس وثلاثين في آخر ايام عثمان أو في أول سنة ست وثلاثين وقيل إنه توفي في ايام عمر بن الخطاب والاول اكثر قال العباس بن يزيد البحراني وكان اهل العلم لا يشكون انه عاش مائتين وخمسين سنة واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين وقد ادعى بعض الحفاظ المتأخرين أنه لم يجاوز المائة فالله أعلم بالصواب
ومنهم شقران الحبشي واسمه صالح بن عدي ورثه عليه السلام من أبيه وقال مصعب الزبيري ومحمد بن سعد كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي صلى الله عليه و سلم وقد روى احمد بن حنبل عن اسحاق بن عيسى عن أبي معشر أنه ذكره فيمن شهد بدرا قال ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه و سلم وهكذا ذكره محمد بن سعد فيمن شهد بدرا وهو مملوك فلهذا لم يسهم له بل استعمله على الأسرى فحذاه كل رجل له أسير شيئا فحصل له أكثر من نصيب كامل قال وقد كان ببدر ثلاثة غلمان غيره غلام لعبد الرحمن بن عوف وغلام لحاطب بن أبي بلتعة وغلام لسعيد بن معاذ فرضخ لهم ولم يقسم قال أبو القاسم البغوي وليس له ذكر فيمن شهد بدرا في كتاب الزهري ولا في كتاب ابن اسحاق وذكر الواقدي عن أبي بكر بن عبد الله بن ابي سبرة عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال استعمل رسول الله شقران مولاه على جميع ما وجد في رحال المريسيع من رثة المتاع والسلاح والنعم والشاء وجمع الذرية ناحية وقال الامام احمد ثنا أسود بن عامر ثنا مسلم بن خالد عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن شقران مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رأيته يعني النبي صلى الله عليه و سلم متوجها الى خيبر على حمار يصلي عليه يومئ إيماء وفي هذه الاحاديث شواهد أنه رضي الله عنه شهد هذه المشاهد وروى الترمذي عن زيد بن أخزم عن عثمان بن فرقد عن جعفر بن محمد أخبرني ابن أبي رافع قال سمعت شقران يقول أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه و سلم في القبر وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال الذي اتخذ قبر النبي صلى الله عليه و سلم أبو طلحة والذي ألقى القطيفة شقران ثم قال الترمذي حسن غريب وقد تقدم أنه شهد غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم ونزل في قبره وأنه وضع تحته القطيفة التي كان يصلي عليها وقال والله لا يلبسها أحد بعدك وذكر الحافظ أبو الحسن بن الاثير في الغابة أنه انقرض نسله فكان آخرهم موتا بالمدينة في أيام الرشيد
ومنهم ضميرة بن ابي ضميرة الحميري أصابه سبي في الجاهلية فاشتراه النبي صلى الله عليه و سلم فأعتقه ذكره مصعب الزبيري قال وكانت له دار بالبقيع وولد قال عبد الله بن وهب عن ابن (5/317)
أبي ذئب عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده ضميرة أن رسول الله مر بأم ضميرة وهي تبكي فقال لها ما يبكيك أجائعة أنت أعارية أنت قالت يا رسول الله فرق بيني وبين ابني فقال رسول الله لا يفرق بين الوالدة وولدها ثم أرسل الى الذي عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر قال ابن أبي ذئب ثم أقرأني كتابا عنده بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لابي ضميرة وأهل بيته أن رسول الله أعتقهم وأنهم أهل بيت من العرب إن أحبوا اقاموا عند رسول الله وإن أحبوا رجعوا الى قومهم فلا يعرض لهم إلا بحق ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا وكتب أبي بن كعب
ومنهم طهمان ويقال ذكوان ويقال مهران ويقال ميمون وقيل كيسان وقيل باذام روى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي وإن مولى القوم من أنفسهم رواه البغوي عن منجاب بن الحارث وغيره عن شريك عن عطاء بن السائب عن إحدى بنات علي بن أبي طالب وهي أم كلثوم بنت علي قالت حدثني مولى للنبي صلى الله عليه و سلم يقال له طهمان أو ذكوان قال قال رسول الله فذكره
ومنهم عبيد مولى النبي صلى الله عليه و سلم قال أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سليمان التيمي عن شيخ عن عبيد مولى للنبي صلى الله عليه و سلم قال قلت هل كان النبي صلى الله عليه و سلم يأمر بصلاة سوى المكتوبة قال صلاة بين المغرب والعشاء قال أبو القاسم البغوي لا أعلم روى غيره قال ابن عساكر وليس كما قال ثم ساق من طريق أبي يعلى الموصلي حدثنا عبد الاعلى بن حماد ثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن عبيد مولى رسول الله أن امرأتين كانتا صائمتين وكانتا تغتابان الناس فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقدح فقال لهما قيئا فقاءا قيحا ودما ولحما عبيطا ثم قال إن هاتين الصائمتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام وقد رواه الأمام احمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي عن سليمان التيمي عن رجل حدثهم في مجلس أبي عثمان عن عبيد مولى رسول الله فذكره ورواه احمد أيضا عن غندر عن عثمان بن غياث قال كنت مع أبي عثمان فقال رجل حدثني سعيد أو عبيد عثمان يشك مولى النبي صلى الله عليه و سلم فذكره
ومنهم فضالة مولى النبي صلى الله عليه و سلم قال محمد بن سعيد أنبأنا الواقدي حدثني عتبة بن خيرة الاشهلي قال كتب عمر بن عبد العزيز الى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن افحص لي عن خدم رسول الله من الرجال والنساء ومواليه فكتب اليه قال وكان فضالة مولى له يماني نزل الشام (5/318)
بعده وكان أبو مويهبة مولدا من مولدي مزينة فاعتقه قال ابن عساكر لم أجد لفضالة ذكرا في الموالي إلا من هذا الوجه
ومنهم قفيز أوله قاف وآخره زاي قال أبو عبد الله بن منده أنبأنا سهل بن السري ثنا احمد ابن محمد بن المنكدر ثنا محمد بن يحيى عن محمد بن سليمان الحراني عن زهير بن محمد عن أبي بكر ابن عبد الله بن أنيس قال كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم غلاما يقال له قفيز تفرد به محمد بن سليمان
ومنهم كركرة كان على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم في بعض غزواته وقد ذكره أبو بكر بن حزم فيما كتب به الى عمر بن عبد العزيز قال الامام احمد حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم رجل يقال له كركرة فمات فقال هو في النار فنظروا فاذا عليه عباءة قد غلها أو كساء قد غله رواه البخاري عن علي بن المديني عن سفيان قلت وقصته شبيهة بقصة مدعم الذي أهداه رفاعة من بني النصيب كما سيأتي
ومنهم كيسان قال البغوي حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن فضيل عن عطاء بن ا السائب قال أتيت أم كلثوم بنت علي فقالت حدثني مولى للنبي صلى الله عليه و سلم يقال له كيسان قال له النبي صلى الله عليه و سلم في شيء من أمر الصدقة إنا أهل بيت نهينا أن نأكل الصدقة وإن مولانا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة
ومنهم مابور القبطي الخصي أهداه له صاحب اسكندرية مع مارية وشيرين والبغلة وقد قدمنا من خبره في ترجمة مارية رضي الله عنهما ما فيه كفاية
ومنهم مدعم وكان أسود من مولدي حسمي أهداه رفاعة بن زيد الجذامي قتل في حياة النبي صلى الله عليه و سلم وذلك مرجعهم من خيبر فلما وصلوا الى وادي القرى فبينما مدعم يحط عن ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم رحلها إذ جاءه سهم عائر فقلته فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين فقال النبي صلى الله عليه و سلم شراك من نار أو شراكان من نار أخرجاه من حديث مالك عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة
ومنهم مهران ويقال طهمان وهو الذي روت عنه أم كلثوم بنت علي في تحريم الصدقة على بني هاشم ومواليهم كما تقدم
ومنهم ميمون وهو الذي قبله (5/319)
ومنهم نافع مولاه قال الحافظ ابن عساكر أنبأنا أبو الفتح الماهاني أنبأنا شجاع الصوفي أنبأنا محمد بن اسحاق أنبأنا احمد بن محمد بن زياد حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان ثنا يزيد بن هارون أنبأنا أبو مالك الاشجعي عن يوسف بن ميمون عن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يدخل الجنة شيخ زان ولا مسكين متكبر ولا منان بعمله على الله عز و جل
ومنهم نفيع ويقال مسروح ويقال نافع بن مسروح والصحيح نافع بن الحارث بن كلدة ابن عمرو بن علاج بن سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن قيس وهو ثقيف أبو بكرة الثقفي وأمه سمية أم زياد تدلى هو وجماعة من العبيد من سور الطائف فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان نزوله في بكرة فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكرة قال أبو نعيم وكان رجلا صالحا آخى رسول الله بينه وبين أبي برزة الاسلمي
قلت وهو الذي صلى عليه بوصيته اليه ولم يشهد أبو بكرة وقعة الجمل ولا أيام صفين وكانت وفاته في سنة إحدى وخمسين وقيل سنة اثنتين وخمسين
ومنهم واقد أو أبو واقد مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني حدثنا أبو عمرو ابن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم حدثنا الحسين بن محمد ثنا الهيثم ابن حماد عن الحارث بن غسان عن رجل من قريش من أهل المدينة عن زاذان ع واقد مولى النبي صلى الله عليه و سلم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ومن عصى الله فلم يذكره وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن
ومنهم هرمز أبو كيسان ويقال هرمز أو كيسان هو الذي يقال فيه طهمان كما تقدم وقد قال ابن وهب ثنا علي بن عباس عن عطاء بن السائب عن فاطمة بنت علي أو أم كلثوم بنت علي قالت سمعت مولى لنا يقال له هرمز يكنى أبا كيسان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة وإن مواينا من أنفسنا فلا تأكلوا الصدقة وقد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى عن ورقاء عن عطاء بن السائب قال دخلت على أم كلثوم فقالت إن هرمز أو كيسان حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنا لا نأكل الصدقة وقال أبو القاسم البغوي ثنا منصور بن أبي مزاحم ثنا أبو حفص الأبار عن ابن أبي زياد عن معاوية قال شهد بدرا عشرون (5/320)
مملوكا منهم مملوك للنبي صلى الله عليه و سلم يقال له هرمز فأعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال إن الله قد أعتقك وإن مولى القوم من أنفسهم وإنا أهل بيت لا نأكل الصدقة فلا تأكلها
ومنهم هشام مولى النبي صلى الله عليه و سلم قال محمد بن سعد أنبأنا سليمان بن عبيد الله الرقي أنبأنا محمد بن أيوب الرقي عن سفيان عن عبد الكريم عن أبي الزبير عن هشام مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال جاء رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس قال طلقها قال إنها تعجبني قال فتمتع بها قال ابن منده وقد رواه جماعة عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن مولى بني هاشم عن النبي صلى الله عليه و سلم ولم يسمه ورواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن أبي الزبير عن جابر
ومنهم يسار ويقال إنه الذي قتله العرنيون وقد مثلوا به وقد ذكر الواقدي بسنده عن يعقوب بن عتبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذه يوم قرقرة الكدر مع نعم بني غطفان وسليم فوهبه الناس لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقبله منهم لأنه رآه يحسن الصلاة فأعتقه ثم قسم في الناس النعم فاصاب كل انسان منهم سبعة أبعره وكانوا مائتين
ومنهم أبو الحمراء مولى النبي صلى الله عليه و سلم وخادمه وهو الذي يقال إن اسمه هلال بن الحارث وقيل ابن مظفر وقيل هلال بن الحارث بن ظفر السلمي أصابه سبي في الجاهلية وقال أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا أحمد بن حازم أنبأنا عبد الله بن موسى والفضل بن دكين عن يونس بن أبي اسحاق عن أبي داود القاص عن أبي الحمراء قال رابطت المدينة سبعة أشهر كيوم فكان النبي صلى الله عليه و سلم يأتي باب علي وفاطمة كل غداة فيقول [ الصلاة الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ] قال احمد بن حازم وأنبأنا عبيد الله بن موسى والفضل بن دكين واللفظ له عن يونس بن أبي اسحاق عن أبي داود عن أبي الحمراء قال مر النبي صلى الله عليه و سلم برجل عنده طعام في وعاء فادخله يده فقال غششته من غشنا فليس منا وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم به وليس عنده سواه وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث الاعمى أحد المتروكين الضعفاء قال عباس الدوري عن ابن معين أبو الحمراء صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم اسمه هلال بن الحارث كان يكون بحمص وقد رأيت بها غلاما من ولده وقال غيره كان منزله خارج باب حمص وقال أبو الوازع عن سمرة كان أبو الحمراء في الموالي
ومنهم أبو سلمي راعي النبي صلى الله عليه و سلم ويقال أبو سلام واسمه حريث قال أبو القاسم البغوي ثنا كامل بن طلحة ثنا عباد بن عبد الصمد حدثني أبو سلمة راعي النبي صلى الله عليه و سلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وآمن بالبعث والحساب (5/321)
دخل الجنة قلنا أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فادخل أصبعيه في أذنيه ثم قال أنا سمعت هذا منه غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع لم يورد له ابن عساكر سوى هذا الحديث وقد روى له النسائي في اليوم والليلة آخر وأخرج له ابن ماجه ثالثا
ومنهم أبو صفية مولى النبي صلى الله عليه و سلم قال أبو القاسم البغوي ثنا احمد بن المقدام ثنا معتمر ثنا أبو كعب عن جده بقية عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فاذا صلى الاولى سبح حتى يمسي
ومنهم أبو ضميرة مولى النبي صلى الله عليه و سلم والد ضميرة المتقدم وزوج أم ضميرة وقد تقدم في ترجمة ابنه طرف من ذكرهم وخبرهم في كتابهم وقال محمد بن سعد في الطبقات أنبأنا اسماعيل بن عبد الله بن أويس المدني حدثني حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة أن الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي ضميرة بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة وأهل بيته إنهم كانوا أهل بيت من العرب وكانوا ممن أفاء الله على رسوله فأعتقهم ثم خير أبا ضميرة إن أحب أن يلحق بقومه فقد أذن له وإن أحب أن يمكث مع رسول الله فيكونوا من أهل بيته فاختار الله ورسوله ودخل في الأسلام فلا يعرض لهم أحد إلا بخير ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا وكتب أبي بن كعب قال اسماعيل بن ابي أويس فهو مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو أحد حمير وخرج قوم منهم في سفر ومعهم هذا الكتاب فعرض لهم اللصوص فاخذوا ما معهم فاخرجوا هذا الكتاب اليهم فاعلموهم بما فيه فقرؤه فردوا عليهم ما أخذوا منهم ولم يعرضوا لهم قال ووفد حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة إلى المهدي أمير المؤمنين وجاء معه بكتابهم هذا فاخذه المهدي فوضعه على بصره وأعطى حسينا ثلاثمائة دينار
ومنهم أبو عبيد مولاه عليه الصلاة و السلام قال الإمام احمد حدثنا عفان ثنا أبان العطار ثنا قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي عبيد أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه و سلم قدرا فيها لحم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ناولني ذراعها فناولته فقال ناولني ذراعها فناولته فقال ناولني ذراعها فقلت يا نبي الله كم للشاة من ذراع قال والذي نفسي بيده لو سكت لأعطيتني ذراعها ما دعوت به ورواه الترمذي في الشمائل عن بندار عن مسلم بن ابراهيم عن ابان بن يزيد العطار به
ومنهم أبو عشيب ومنهم من يقول أبو عسيب والصحيح الاول ومن الناس من فرق بينهما وقد تقدم أنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وحضر دفنه وروى قصة المغيرة بن شعبة وقال الحارث بن أبي أسامة ثنا يزيد بن هارون ثنا مسلم بن عبيد أبو نصيرة قال سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن النبي صلى الله عليه و سلم قال أتاني جبريل بالحمى والطاعون فامسكت (5/322)
الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون الى الشام فالطاعون شهادة لامتي ورحمة لهم ورجس على الكافر وكذا رواه الامام احمد عن يزيد بن هارون وقال أبو عبد الله بن منده أنبأنا محمد بن يعقوب ثنا محمد بن اسحاق الصاغاني ثنا يونس بن محمد ثنا حشرج بن نباتة حدثني أبو نصيرة البصري عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلا فمر بي فدعاني ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج اليه ثم مر بعمر فدعاه فخرج اليه ثم انطلق يمشي حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فقال رسول الله لصاحب الحائط أطعمنا بسرا فجاء به فوضعه فأكل رسول الله وأكلوا جميعا ثم دعا بماء فشرب منه ثم قال إن هذا النعيم لتسألن يوم القيامة عن هذا فاخذ عمر العذق فضرب به الارض حتى تناثر البسر ثم قال يا نبي الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة قال نعم إلا من ثلاثة خرقة يستر بها الرجل عورته أو كسرة يسد بها جوعته أو حجر يدخل فيه يعني من الحر والقر ورواه الامام احمد عن شريح عن حشرج وروى محمد بن سعد في الطبقات عن موسى بن اسماعيل حدثتنا سلمة بنت أبان الفريعية قالت سمعت ميمونة بنت أبي عسيب قالت كان أبو عسيب يواصل بين ثلاث في الصيام وكان يصلي الضحى قائما وعجز وكان يصوم أيام البيض قالت وكان في سريره جلجل فيعجز صوته حين يناديها به فاذا حركه جاءت
ومنهم أبو كبشة الانماري من أنمار مذحج على المشهور مولى النبي صلى الله عليه و سلم في اسمه أقوال أشهرها أن اسمه سليم وقيل عمرو بن سعد وقيل عسكه وأصله من مولدي أرض دوس وكان ممن شهد بدرا قاله موسى بن عقبة عن الزهري وذكره ابن اسحاق والبخاري والواقدي ومصعب الزبيري وأبو بكر بن ابي خيثمة زاد الواقدي وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد وتوفي يوم استخلف عمر بن الخطاب وذلك في يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة وقال خليفة بن خياط وفي سنة ثلاث وعشرين توفي أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تقدم عن أبي كبشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما مر في ذهابه الى تبوك بالحجر جعل الناس يدخلون بيوتهم فنودي أن الصلاة جامعة فاجتمع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يدخلكم على هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم فقال رجل نعجب منهم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا أنبئكم بأعجب من ذلك رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم الحديث وقال الامام احمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد الحرازي سمعت أبا كبشة الانماري قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا في أصحابه فدخل ثم خرج وقد اغتسل فقلنا يا رسول الله قد كان شيء قال أجل مرت بي فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها فكذلك فافعلوا فانه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال (5/323)
وقال احمد حدثنا وكيع ثنا الاعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي كبشة الانماري قال قال رسول الله مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر رجل اتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله وينفقه في حقه ورجل أتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فهما في الأجر سواء ورجل أتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يحبط فيه ينفقه في غير حقه ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فهما في الوزر سواء وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع ورواه ابن ماجه أيضا من وجه آخر من حديث منصور عن سالم بن أبي الجعد عن ابن أبي كبشة عن أبيه وسماه بعضهم عبد الله بن أبي كبشة وقال احمد حدثنا يزيد بن عبد ربه ثنا محمد بن حرب ثنا الزبيدي عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهورني عن أبي كبشة الانماري أنه أتاه فقال أطرقني من فرسك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من أطرق مسلما فعقب له الفرس كان كأجر سبعين حمل عليه في سبيل الله عز و جل وقد روى الترمذي عن محمد بن اسماعيل عن أبي نعيم عن عبادة بن مسلم عن يونس بن خباب عن سعيد أبي البختري الطائي حدثني أبو كبشة أنه قال ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه ما نقص مال عبد صدقة وما ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر الحديث وقال حسن صحيح وقد رواه احمد عن غندر عن شعبة عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عنه وروى أبو داود وابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان عن أبيه عن أبي كبشة الانماري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه وروى الترمذي حدثنا حميد بن مسعدة ثنا محمد بن حمران عن أبي سعيد وهو عبد الله بن بسر قال سمعت أبا كبشة الانماري يقول كانت كمام أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بطحا
ومنهم أبو مويهبة مولاه عليه السلام وكان من مولدي مزينة اشتراه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعتقه ولا يعرف اسمه رضي الله عنه وقال أبو مصعب الزبيري شهد أبو مويهبة المريسيع وهو الذي كان يقود لعائشة رضي الله عنها بعيرها وقد تقدم ما رواه الامام احمد وبسنده عنه في ذهابه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الليل الى البقيع فوقف عليه السلام فدعا لهم واستغفر لهم ثم قال ليهنكم ما أنتم فيه مما (5/324)
فيه بعض الناس أتت الفتن كقطع الليل المظلم يركب بعضها بعضا الآخرة أشد من الأولى فليهنكم أنتم فيه ثم رجع فقال يا أبا مويهبة إني خيرت مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي فاخترت لقاء ربي قال فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض فهؤلاء عبيده عليه السلام
واما إماؤه عليه السلام
فمنهن أمة الله بنت رزينة الصحيح أن الصحبة لأمها رزينة كما سيأتي ولكن وقع في رواية ابن أبي عاصم حدثنا عقبة بن مكرم ثنا محمد بن موسى حدثتنا عليلة بنت الكميت العتكية قالت حدثني أبي عن أمة الله خادم النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله سبا صفية يوم قريظة والنضير فأعتقها وأمهرها رزينة أم أمة الله وهذا حديث غريب جدا
[ ومنهن أميمة قال ابن الاثير وهي مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ] روى حديثها أهل الشام روى عنها جبير بن نفير أنها كانت توضئ رسول الله فأتاه رجل يوما فقال له أوصني فقال لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت بالنار ولا تدع صلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله ولا تشربن مسكرا فانه رأس كل خطيئة ولا تعصين والديك وإن أمراك أن تختلي من أهلك ودنياك
ومنهن بركة أم أيمن وأم أسامة بن زيد بن حارثة وهي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين ابن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان الحبشية غلب عليها كنيتها أم أيمن وهو ابنها من زوجها الأول عبيد بن زيد الحبشي ثم تزوجها بعده زيد بن حارثة فولدت له اسامة بن زيد وتعرف بأم الظباء وقد هاجرت الهجرتين رضي الله عنها وهي حاضنة رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أمه آمنة بنت وهب وقد كانت ممن ورثها رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أبيه قاله الواقدي وقال غيره بل ورثها من أمه وقيل بل كانت لأخت خديجة فوهبتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم وآمنت قديما وهاجرت وتأخرت بعد النبي صلى الله عليه و سلم وتقدم ما ذكرناه من زيارة أبي بكر [ وعمر ] رضي الله عنهما إياها بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم وأنها بكت فقالا لها أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت بلى ولكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء فجعلا يبكيان معها وقال البخاري في التاريخ وقال عبد الله بن يوسف عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري قال كانت أم أيمن تحضن النبي صلى الله عليه و سلم حتى كبر فاعتقها ثم زوجها زيد بن حارثة وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه و سلم بخمسة اشهر وقيل ستة اشهر وقيل أنها بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب وقد رواه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب عن (5/325)
يونس عن الزهري قال كانت أم أيمن الحبشية فذكره وقال محمد بن سعد عن الواقدي توفيت أم أيمن في أول خلافة عثمان بن عفان قال الواقدي وأنبأنا يحيى بن سعيد بن دينار عن شيخ من بني سعد بن بكر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لأم أيمن يا أمه وكان اذا نظر اليها قال هذه بقية أهل بيتي وقال أبو بكر بن أبي خيثمة أخبرني سليمان بن أبي شيخ قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول أم أيمن أمي بعد أمي وقال الواقدي عن أصحابه المدنيين قالوا نظرت أم أيمن الى النبي صلى الله عليه و سلم وهو يشرب فقالت اسقني فقالت عائشة أتقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت ما خدمته أطول فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقت فجاء بالماء فسقاها وقال المفضل بن غسان حدثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال سمعت عثمان بن القاسم قال لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء وهي صائمة فاصابها عطش شديد حتى جهدها قال فدلى عليها دلو من السماء برشاء أبيض فيه ماء قالت فشربت فما أصابني عطش بعد وقد تعرضت العطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد وقال الحافظ أبو يعلى ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا مسلم بن قتيبة عن الحسين بن حرب عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن أم أيمن قالت كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم فخارة يبول فيها فكان اذا أصبح يقول يا أم أيمن صبي ما في الفخارة فقمت ليلة وأنا عطشى فشربت ما فيها فقال رسول الله يا أم ايمن صبي ما في الفخارة فقالت يا رسول الله قمت وأنا عطشى فشربت ما فيها فقال إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبدا قال ابن الأثير في الغابة وروى حجاج ابن محمد عن [ ابن ] جريج عن حكيمة بنت أميمة عن أمها بنت رقية قالت كان للنبي صلى الله عليه و سلم قدح من عيدان فيبول فيه يضعه تحت السرير فجاءت امرأة اسمها بركة فشربته فطلبه فلم يجده فقيل شربته بركة فقال لقد احتظرت من النار بحظار قال الحافظ أبو الحسن بن الأثير وقيل إن التي شربت بوله عليه السلام إنما هي بركة الحبشية التي قدمت مع أم حبيبة من الحبشة وفرق بينهما فالله أعلم
قلت فأما بريرة فانها كانت لآل أبي احمد بن جحش فكاتبوها فاشترتها عائشة منهم فأعتقتها فثبت ولاؤها لها كما ورد الحديث بذلك في الصحيحين ولم يذكرها ابن عساكر
ومنهن خضرة ذكرها ابن منده فقال [ روى معاوية عن هشام عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال ] كان للنبي صلى الله عليه و سلم خادم يقال لها خضرة وقال محمد بن سعد عن الواقدي ثنا فائد مولى عبد الله عن عبد الله بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى قالت كان خدم رسول الله أنا (5/326)
وخضرة ورضوى وميمونة بنت سعد أعتقهن رسول الله صلى الله عليه و سلم كلهن
ومنهن خليسة مولاة حفصة بنت عمر قال ابن الأثير في الغابة روت حديثها عليلة بنت الكميت عن جدتها عن خليسة مولاة حفصة في قصة حفصة وعائشة مع سودة بنت زمعة ومزحهما معها بأن الدجال قد خرج فاختبأت في بيت كانوا يوقدون فيه واستضحكتا وجاء رسول الله فقال ما شأنكما فأخبرتاه بما كان من أمر سودة فذهب اليها فقالت يا رسول الله أخرج الدجال فقال لا وكأن قد خرج فخرجت وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت وذكر ابن الأثير خليسة مولاة سلمان الفارسي وقال لها ذكر في اسلام سلمان وإعتاقها إياه وتعويضه عليه السلام لها بأن غرس لها ثلاثمائة فسيلة ذكرتها تمييزا
ومنهن خولة خادم النبي صلى الله عليه و سلم كذا قال ابن الأثير وقد روى حديثها الحافظ أبو نعيم من طريق حفص بن سعيد القرشي عن أمه عن أمها خولة وكانت خادم النبي صلى الله عليه و سلم فذكر حديثا في تأخر الوحي بسبب جرو كلب مات تحت سريرة عليه السلام ولم يشعروا به فلما أخرجه جاء الوحي فنزل قوله تعالى والضحى والليل اذا سجى وهذا غريب والمشهور في سبب نزولها غير ذلك [ والله أعلم ]
ومنهن رزينة قال ابن عساكر والصحيح أنها كانت لصفية بنت حيي وكانت تخدم تخدم النبي صلى الله عليه و سلم
قلت وقد تقدم في ترجمة ابنتها أمة الله أنه عليه السلام أمهر صفية بنت حيي أمها رزينة فعلى هذا يكون أصلها له عليه السلام وقال الحافظ أبو يعلى ثنا أبو سعيد الجشمي حدثتنا عليلة بنت الكميت قالت سمعت أمي أمينة قالت حدثتني أمة الله بنت رزينة مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سبا صفية يوم قريظة والنضير حين فتح الله عليه فجاء يقودها سبية فلما رأت النساء قالت اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فارسلها وكان ذراعها في يده فأعتقها ثم خطبها وتزوجها وأمهرها رزينة هكذا وقع في هذا السياق وهو أجود مما سبق من رواية ابن أبي عاصم ولكن الحق أنه عليه السلام اصطفى صفية من غنائم خيبر وأنه أعتقها وجعل عتقها صداقها وما وقع في هذه الرواية يوم قريظة والنضير تخبيط فانهما يومان بينهما سنتان والله أعلم وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل أخبرنا ابن عبدان أنبأنا احمد بن عبيد الصفار ثنا علي بن الحسن السكري ثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثتنا عليلة بنت الكميت العتكية عن أمها أمينة قالت قلت لأمة الله بنت رزينة مولاة رسول الله يا أمة الله أسمعت أمك تذكر أنها سمعت رسول الله يذكر صوم عاشوراء قالت نعم كان يعظمه ويدعو برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة فيتفل في أفواههم (5/327)
ويقول لأمهاتهم لا ترضعيهم إلى الليل له شاهد في الصحيح
ومنهن رضوى قال ابن الأثير روى سعيد بن بشير عن قتادة عن رضوى بنت كعب أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الحائض تخضب فقال ما بذلك بأس رواه أبو موسى المديني
ومنهن ريحانة بنت شمعون القرظية وقيل النضرية وقد تقدم ذكرها بعد أزواجه رضي الله عنهن
ومنهن زرينة والصحيح رزينة كما تقدم
ومنهن سانية مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم روت عنه حديثا في اللقطة وعنها طارق بن عبد الرحمن روى حديثها أبو موسى المديني هكذا ذكر ابن الاثير في الغابة
ومنهن سديسة الانصارية وقيل مولاة حفصة بنت عمر روت عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه قال ابن الاثير رواه عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق عن أبيه عن اسرائيل عن الاوزاعي عن سالم عن سديسة ورواه اسحاق بن يسار عن الفضل فقال عن سديسة عن حفصة عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره رواه أبو نعيم وابن منده
ومنهن سلامة حاضنة ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم روت عنه حديثا في فضل الحمل والطلق والرضاع والسهر فيه غرابة ونكارة من جهة اسناده ومتنه رواه أبو نعيم وابن منده من حديث هشام بن عمار بن نصير خطيب دمشق عن أبيه عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس عنها ذكرها ابن الاثير
ومنهن سلمى وهي أم رافع امرأة أبي رافع كما رواه الواقدي عنها أنها قالت كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا وخضرة ورضوى وميمونة بنت سعد فأعتقنا رسول الله صلى الله عليه و سلم كلنا قال الأمام احمد حدثنا أبو عامر وأبو سعيد مولى بني هاشم ثنا عبد الرحمن بن ابي الموالي عن فائد مولى ابن ابي رافع عن جدته سلمى خادم النبي صلى الله عليه و سلم قالت ما سمعت قط أحدا يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وجعا في رأسه إلا قال احتجم وفي رجليه إلا قال اخضبهما بالحناء وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن أبي الموالي والترمذي وابن ماجه من حديث زيد بن الخباب كلاهما عن فائد عن مولاه عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى به وقال الترمذي غريب إنما نعرفه من حديث فائد وقد روت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم يطول ذكرها واستقصاؤها قال مصعب الزبيري وقد شهدت سلمى وقعة حنين
قلت وقد ورد أنها كانت تطبخ للنبي صلى الله عليه و سلم الحريرة فتعجبه وقد تأخرت الى بعد (5/328)
موته عليه السلام وشهدت وفاة فاطمة رضي الله عنها وقد كانت أولا لصفية بنت عبد المطلب عمته عليه السلام ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت قابلة أولاد فاطمة وهي التي قبلت ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد شهدت غسل فاطمة وغسلتها مع زوجها علي بن أبي طالب واسماء بنت عميس امرأة الصديق وقد قال الامام احمد حدثنا أبو النضر ثنا ابراهيم بن سعد عن محمد بن اسحاق عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه عن سلمى قالت اشتكت فاطمة عليها السلام شكواها الذي قبضت فيه فكنت أمرضها فاصبحت يوما كمثل ما يأتيها في شكواها ذلك قالت وخرج علي لبعض حاجته فقالت يا أمه اسكبي لي غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ثم قالت يا أمه اعطني ثيابي الجدد فلبستها ثم قالت يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت ففعلت واضطجعت فاستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها ثم قالت يا أمه إني مقبوضة الآن وقد تطهرت فلا يكشفني أحد فقبضت مكانها قالت فجاء علي فاخبرته وهو غريب جدا
ومنهن شيرين ويقال سيرين أخت مارية القبطية خالة ابراهيم عليه السلام وقدمنا أن المقوقس صاحب اسكندرية واسمه جريج بن مينا أهداهما مع غلام اسمه مابور وبغله يقال لها الدلدل فوهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان
ومنهن عنقودة أم مليح الحبشية جارية عائشة كان اسمها عنبة فسماها رسول الله صلى الله عليه و سلم عنقودة رواه أبو نعيم ويقال اسمها غفيرة
فروة ظئر النبي صلى الله عليه و سلم يعني مرضعه قالت قال لي رسول الله إذا أويت الى فراشك فاقرئي قل يا أيها الكافرون فانها براءة من الشرك ذكرها أبو احمد العسكري قاله ابن الأثير في الغابة فاما فضة النوبية فقد ذكر ابن الاثير في الغابة أنها كانت مولاة لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أورد باسناد مظلم عن محبوب بن حميد البصري عن القاسم بن بهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ثم ذكر ما مضمونه أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه و سلم وعادهما عامة العرب فقالوا لعلي لو نذرت فقال علي إن برآ مما بهما صمت لله ثلاثة أيام وقالت فاطمة كذلك وقالت فضة كذلك فألبسهما الله العافية فصاموا وذهب علي فاستقرض من شمعون الخيبري ثلاثة آصع من شعير فهيئوا منه تلك الليلة صاعا فلما وضعوه بين أيديهم للعشاء وقف على الباب سائل فقال أطعموا المسكين أطعمكم الله على موائد الجنة فأمرهم علي فأعطوه ذلك الطعام وطووا فلما كانت الليلة الثانية صنعوا لهم الصاع الآخر فلما وضعوه بين أيديهم وقف سائل فقال أطعموا اليتيم فأعطوه ذلك وطووا فلما كانت الليلة الثالثة قال أطعموا (5/329)
الاسير فاعطوه وطووا ثلاثة أيام وثلاث ليال فأنزل الله في حقهم هل أتى على الانسان الى قوله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا وهذا الحديث منكر ومن الأئمة من يجعله موضوعا ويسند ذلك الى ركة الفاظه وأن هذه السورة مكية والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة والله أعلم
ليلى مولاة عائشة قالت يا رسول الله إنك تخرج من الخلاء فادخل في أثرك فلم أر شيئا إلا أني أجد ريح مسك فقال إنا معشر الأنبياء تنبت أجسادنا على أرواح أهل الجنة فما خرج منا من نتن ابتلعته الأرض رواه أبو نعيم من حديث أبي عبد الله المدني وهو أحد المجاهيل عنها
مارية القبطية أم ابراهيم تقدم ذكرها مع أمهات المؤمنين وقد فرق ابن الاثير بينها وبين مارية أم الرباب قال وهي جارية للنبي صلى الله عليه و سلم أيضا حديثها عند أهل البصرة رواه عبد الله بن حبيب عن أم سلمى عن أمها عن جدتها مارية قالت تطأطأت للنبي صلى الله عليه و سلم حتى صعد حائطا ليلة فر من المشركين ثم قال ومارية خادم النبي صلى الله عليه و سلم روى أبو بكر عن ابن عباس عن المثنى بن صالح عن جدته مارية وكانت خادم النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت ما مسست بيدي شيئا قط الين من كف رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب لا أدري أهي التي قبلها أم لا
ومنهن ميمونة بنت سعد قال الامام احمد حدثنا علي بن محمد بن محرز ثنا عيسى هو ابن يونس ثنا ثور هو ابن يزيد عن زياد بن أبي سودة عن أخيه أن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه و سلم قالت يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس قال أرض المنشر والمحشر إئتوه فصلوا فيه فان صلاة فيه كألف صلاة قالت أرأيت من لم يطق أن يتحمل اليه أو يأتيه قال فليهد اليه زيتا يسرج فيه فانه من أهدى له كان كمن صلى فيه وهكذا رواه ابن ماجه عن اسماعيل بن عبد الله الرقي عن عيسى بن يونس عن ثور عن زياد عن أخيه عثمان بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه و سلم وقد رواه أبو داود عن الفضل بن مسكين بن بكير عن سعيد بن عبد العزيز عن ثور عن زياد عن ميمونة لم يذكر أخاه فالله أعلم وقال احمد حدثنا حسين وأبو نعيم قالا ثنا اسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضبي عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه و سلم قالت سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن ولد الزنا قال لا خير فيه نعلان أجاهد بهما في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا وهكذا رواه النسائي عن عباس الدوري وابن ماجه من حديث أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن أبي نعيم الفضل بن دكين به وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا المحاربي ثنا موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن ميمونة وكانت تخدم النبي صلى الله عليه و سلم قالت قال رسول الله الرافلة في الزينة في غير أهلها كالظلمة يوم القيامة لا نور لها ورواه الترمذي من حديث موسى بن عبيدة وقال لا نعرفه إلا من حديثه وهو يضعفه في الحديث وقد رواه بعضهم عنه فلم يرفعه (5/330)
ومنهن ميمونة بنت أبي عسيبة أو عنبسة قاله أبو عمرو بن منده قال أبو نعيم وهو تصحيف والصواب ميمونة بنت أبي عسيب كذلك روى حديثها المشجع بن مصعب أبو عبد الله العبدي عن ربيعة بنت يزيد وكانت تنزل في بني قريع عن منبه عن ميمونة بنت أبي عسيب وقيل بنت أبي عنبسة مولاة النبي صلى الله عليه و سلم أن امرأة من حريش أتت النبي صلى الله عليه و سلم فنادت يا عائشة أغيثيني بدعوة من رسول الله تسكنيني بها وتطمنيني بها وأنه قال لها ضعي يدك اليمنى على فؤادك فامسحيه وقولي بسم الله اللهم داوني بدوائك واشفني بشفائك واغنني بفضلك عمن سواك قالت ربيعة فدعوت فوجدته جيدا
ومنهن أم ضميرة زوج أبي ضميرة قد تقدم الكلام عليهم رضي الله عنهم
ومنهن أم عياش بعثها رسول الله صلى الله عليه و سلم مع ابنته تخدمها حين زوجها بعثمان بن عفان قال أبو القاسم البغوي حدثنا عكرمة ثنا عبد الواحد بن صفوان حدثني أبي صفوان عن أبيه عن جدته أم عياش وكانت خادم النبي صلى الله عليه و سلم بعث بها مع ابنته الى عثمان قالت كنت أمغث لعثمان التمر غدوة فيشربه عشية وأنبذه عشية فيشربه غدوة فسألني ذات يوم فقال تخلطين فيه شيئا فقلت أجل قال فلا تعودي فهؤلاء إماؤه رضي الله عنهن وقد قال الامام احمد حدثنا وكيع ثنا القاسم ابن الفضل حدثني ثمامة بن حزن قال سألت عائشة عن النبيذ فقالت هذه خادم رسول الله فسلها لجارية حبشية فقالت كنت أنبذ لرسول الله صلى الله عليه و سلم في سقاء عشاء فأوكيه فاذا أصبح شرب منه ورواه مسلم والنسائي من حديث القاسم بن الفضل به هكذا ذكره أصحاب الاطراف في مسند عائشة والأليق ذكره في مسند جارية حبشيه كانت تخدم النبي وهي إما أن تكون واحدة ممن قدمنا ذكرهن أو زائدة عليهن والله تعالى أعلم فصل
وأما خدامه صلى الله عليه و سلم الذين خدموه من الصحابة من غير مواليه فمنهم أنس بن مالك
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عاصم بن غنم بن عدي ابن النجار الانصاري النجاري أبو حمزة المدني نزيل البصرة خدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مدة مقامه بالمدينة عشر سنين فما عاتبه علي شيء أبدا ولا قال لشيء فعله لم فعلته ولا لشيء لم يفعله إلا فعلته وأمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام هي التي أعطته رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبله وسألته أن (5/331)
يدعو له فقال اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره وأدخله الجنة قال أنس فقد رأيت اثنتين وأنا أنتظر الثالثة والله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو من مائة وفي رواية وإن كرمي ليحمل في السنة مرتين وإن ولدي لصلبي مائة وستة أولاد وقد اختلف في شهوده بدرا وقد روى الانصاري عن أبيه عن ثمامة قال قيل لأنس أشهدت بدرا فقال وأين أغيب عن بدر لا أم لك والمشهور أنه لم يشهد بدرا لصغره ولم يشهد أحدا أيضا لذلك وشهد الحديبية وخيبر وعمرة القضاء والفتح وحنينا والطائف وما بعد ذلك قال أبو هريرة ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم من ابن أم سليم يعني أنس بن مالك وقال ابن سيرين كان أحسن الناس صلاة في سفره وحضره وكانت وفاته بالبصرة وهو آخر من كان قد بقي فيها من الصحابة فيما قاله علي بن المديني وذلك في سنة تسعين وقيل إحدى وقيل اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وهو الأشهر وعليه الأكثر وأما عمره يوم مات فقد روى الامام احمد في مسنده حدثنا معتمر بن سليمان عن حميد أن أنسا عمر مائة سنة غير سنة وأقل ما قيل ست وتسعون وأكثر ما قيل مائة وسبع سنين وقيل ست وقيل مائة وثلاث سنين فالله أعلم
ومنهم رضي الله عنهم الأسلع بن شريك بن عوف الأعرجي قال محمد بن سعد كان اسمه ميمون بن سنباذ قال الربيع بن بدر الأعرجي عن أبيه عن جده عن الأسلع قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه و سلم وأرحل معه فقال ذات ليلة يا أسلع قم فارحل قال أصابتني جنابة يا رسول الله قال فسكت ساعة وأتاه جبريل بأية الصعيد [ فقال قم يا اسلع فتيمم ] قال فتيممت وصليت فلما انتهيت الى الماء قال يا اسلع قم فاغتسل قال فاراني التيمم فضرب رسول الله يديه الى الأرض ثم نفضهما ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بيديه الأرض ثم نفضهما فمسح بهما ذراعيه باليمنى على اليسرى وباليسرى على اليمنى ظاهرهما وباطنهما قال الجميع واراني أبي كما أراه أبوه كما أراه الأسلع كما أراه رسول الله قال الربيع فحدثت بهذا الحديث عوف بن أبي جميلة فقال هكذا والله رأيت الحسن يصنع رواه ابن منده والبغوي في كتابيهما معجم الصحابة من حديث الربيع بن بدر هذا قال البغوي ولا أعلمه روى غيره قال ابن عساكر وقد روى يعني هذا الحديث الهيثم بن رزيق المالكي المدلجي عن أبيه عن الأسلع بن شريك
ومنهم رضي الله عنهم أسماء بن حارثة بن سعد بن عبد الله بن عباد بن سعد بن عمرو بن عامر ابن ثعلبة بن مالك بن أقصى الأسلمي وكان من أهل الصفة قاله محمد بن سعد وهو أخو هند بن حارثة وكانا يخدمان النبي صلى الله عليه و سلم قال الامام أحمد حدثنا عفان ثنا عفاف ثنا وهيب ثنا عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند بن حارثة وكان هند من أصحاب الحديبية وكان أخوه الذي بعثه رسول الله يأمر (5/332)
قومه بالصيام يوم عاشوراء وهو أسماء بن حارثة فحدثني يحيى بن هند عن اسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه فقال مر قومك بصيام هذا اليوم قال أرأيت إن وجدتهم قد طعموا قال فليتموا آخر يومهم وقد رواه احمد بن خالد الوهبي عن محمد بن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن حبيب بن هند بن أسماء الاسلمي عن أبيه هند قال بعثني رسول الله الى قوم من أسلم فقال مر قومك فليصوموا هذا اليوم ومن وجدت منهم أكل في أول يومه فليصم آخره قال محمد بن سعد عن الواقدي أنبأنا محمد بن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبيه قال سمعت أبا هريرة يقول ما كنت أظن أن هندا وأسماء ابني حارثة إلا مملوكين لرسول الله [ صلى الله عليه و سلم قال الواقدي كانا يخدمانه لا يبرحان بابه هما وأنس بن مالك ] قال محمد بن سعد وقد توفي أسماء بن حارثة في سنة ست وستين بالبصرة عن ثمانين سنة
ومنهم بكير بن الشداخ الليثي ذكر ابن منده من طريق أبي بكر الهذلي عن عبد الملك بن يعلى الليثي أن بكير بن شداخ الليثي كان يخدم النبي صلى الله عليه و سلم فاحتلم فاعلم بذلك رسول الله وقال إني كنت أدخل على أهلك وقد احتلمت الآن يا رسول الله فقال اللهم صدق قوله ولقه الظفر فلما كان في زمان عمر قتل رجل من اليهود فقام عمر خطيبا فقال أنشد الله رجلا عنده من ذلك علم فقام بكير فقال أنا قتلته يا أمير المؤمنين فقال عمر بؤت بدمه فأين المخرج فقال يا امير المؤمنين إن رجلا من الغزاة استخلفني على أهله فجئت فاذا هذا اليهودي عند امرأته وهو يقول ... وأشعث غره الاسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام ... أبيت على ترائبها ويمسي ... على جرد الأعنة والحزام ... كان مجامع الربلات منها ... فئام ينهضون الى فئام ...
قال فصدق عمر قوله وأبطل دم اليهودي بدعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم لبكير بما تقدم
ومنهم رضي الله عنهم بلال بن رباح الحبشي ولد بمكة وكان مولى لأمية بن خلف فاشتراه أبو بكر منه بمال جزيل لأن كان أمية يعذبه عذابا شديدا ليرتد عن الاسلام فيأبى إلا الاسلام رضي الله عنه فلما اشتراه أبو بكر أعتقه ابتغاء وجه الله وهاجر حين هاجر الناس وشهد بدرا وأحدا وما بعدهما من المشاهد رضي الله عنه وكان يعرف ببلال بن حمامة وهي أمه وكان من أفصح الناس لا كما يعتقده بعض الناس أن سينه كانت شينا حتى أن بعض الناس يروي حديثا في ذلك لا أصل له عن رسول الله أنه قال إن سين بلال شينا وهو أحد المؤذنين الأربعة كما سيأتي وهو أول من أذن كما قدمنا وكان يلي أمر النفقة على العيال ومعه حاصل ما يكون من المال ولما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم كان فيمن خرج الى الشام للغزو ويقال إنه أقام يؤذن لأبي بكر أيام خلافته (5/333)
والأول أصح وأشهر قال الواقدي مات بدمشق سنة عشرين وله بضع وستون سنة وقال الفلاس قبره بدمشق ويقال لداريا وقيل إنه مات بحلب والصحيح أن الذي مات بحلب أخوه خالد قال مكحول حدثني من رأى بلال قال كان شديد الأدمة نحيفا أجنا له شعر كثير وكان لا يغير شيبه رضي الله عنه
ومنهم رضي الله عنهم حبة وسواء ابنا خالد رضي الله عنهما قال الامام احمد حدثنا أبو معاوية قال وثنا وكيع ثنا الأعمش عن سلام بن شرحبيل عن حبة وسواء ابنا خالد قالا دخلنا على النبي صلى الله عليه و سلم وهو يصلح شيئا فأعناه فقال لا ينسأ من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما فان الانسان تلده أمه أحيمر ليس عليه قشرة ثم يرزقه الله عز و جل
ومنهم رضي الله عنهم ذو مخمر ويقال ذو محبر وهو ابن أخي النجاشي ملك الحبشة ويقال ابن أخته والصحيح الأول كان بعثه ليخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم نيابة عنه قال الامام احمد حدثنا أبو النضر ثنا جرير عن يزيد بن صليح عن ذي مخمر وكان رجلا من الحبشة يخدم النبي صلى الله عليه و سلم قال كنا معه في سفر فأسرع السير حتى انصرف وكان يفعل ذلك لقلة الزاد فقال له قائل يا رسول الله قد انقطع الناس قال فجلس وحبس الناس معه حتى تكاملوا اليه فقال لهم هل لكم أن نهجع هجعة [ أو قال له قائل ] فنزل ونزلوا فقالوا من يكلؤنا الليلة فقلت أنا جعلني الله فداك فأعطاني خطام ناقته فقال هاك لا تكونن لكعا قال فأخذت بخطام ناقة رسول الله وخطام ناقتي فتنحيت غير بعيد فخليت سبيلهما ترعيان فاني كذلك أنظر اليهما اذ اخذني النوم فلم اشعر بشيء حتى وجدت حر الشمس على وجهي فاستيقظت فنظرت يمينا وشمالا فاذا أنا بالراحلتين مني غير بعيد فأخذت بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم وبخطام ناقتي فأتيت أدنى القوم فأيقظته فقلت أصليت قال لا فأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا بلال هل في الميضاء ماء يعني الاداوة فقال نعم جعلني الله فداك فأتاه بوضوء لم يلت منه التراب فأمر بلالا فاذن ثم قام النبي صلى الله عليه و سلم فصلى ركعتين قبل الصبح وهو غير عجل ثم أمره فاقام الصلاة فصلى وهو غير عجل فقال له قائل يا رسول الله أفرطنا قال لا قبض الله أرواحنا وردها الينا وقد صلينا
ومنهم رضي الله عنهم ربيعة بن كعب الأسلمي أبو فراس قال الأوزاعي حدثني يحيى بن ابي كثير عن أبي سلمة عن ربيعة بن كعب قال كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فآتيه بوضوئه وحاجته فكان يقوم من الليل فيقول سبحان ربي وبحمده الهوي سبحان رب العالمين الهوي (5/334)
فقال رسول الله هل لك حاجة قلت يا رسول الله مرافقتك في الجنة قال فأعني على نفسك بكثرة السجود وقال الامام احمد حدثنا يعقوب بن ابراهيم ثنا أبي ثنا محمد بن اسحاق حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن نعيم بن محمد عن ربيعة بن كعب قال كنت أخدم رسول الله نهاري أجمع حتى يصلي عشاء الآخرة فأجلس ببابه اذا دخل بيته أقول لعلها أن تحدث لرسول الله حاجة فما أزال أسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول سبحان الله وبحمده حتى امل فارجع أو تغلبني عيناي فأرقد فقال لي يوما لما يرى من حقي له وخدمتي إياه يا ربيعة بن كعب سلني أعطك قال فقلت أنظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك قال ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيني قال فقلت أسأل رسول الله لاخرتي فانه من الله بالمنزل الذي هو به قال فجئته فقال ما فعلت يا ربيعة قال فقلت نعم يا رسول الله اسألك أن تشفع لي الى ربك فيعتقني من النار قال فقال من أمرك بهذا يا ربيعة قال فقلت لا والذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقا سيأتيني فقلت اسأل رسول الله لآخرتي قال فصمت رسول الله صلى الله عليه و سلم طويلا ثم قال لي إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا أبو خيثمة أنبأنا يزيد بن هارون ثنا مبارك بن فضالة ثنا أبو عمران الجوني عن ربيعة الاسلمي وكان يخدم النبي صلى الله عليه و سلم قال فقال لي ذات يوم يا ربيعة ألا تزوج قال قلت يا رسول الله ما أحب أن يشغلني عن خدمتك شيء وما عندي ما أعطي المرأة قال فقلت بعد ذلك رسول الله أعلم بما عندي مني يدعوني الى التزويج لئن دعاني هذه المرة لأجيبنه قال فقال لي يا ربيعة ألا تزوج فقلت يا رسول الله ومن يزوجني ما عندي ما أعطي المرأة فقال لي انطلق الى بني فلان فقل لهم إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني فتاتكم فلانة قال فأتيتهم فقلت إن رسول الله أرسلني اليكم لتزوجوني فتاتكم فلانة قالوا فلانة قال نعم قالوا مرحبا برسول الله ومرحبا برسوله فزوجوني فأتيت رسول الله فقلت يا رسول الله أتيتك من خير أهل بيت صدقوني وزوجوني فمن أين لي ما أعطي صداقي فقال رسول الله لبريدة الأسلمي اجمعوا لربيعة في صداقه في وزن نواة من ذهب فجمعوها فأعطوني فاتيتهم فقبلوها فأتيت رسول الله فقلت يا رسول الله قد قبلوا فمن أين لي ما أولم قال فقال رسول الله لبريدة اجمعوا لربيعة في ثمن كبش قال فجمعوا وقال لي انطلق الى عائشة فقل لها فلتدفع إليك ما عندها من الشعير قال فأتيتها فدفعت الي فانطلقت بالكبش والشعير فقالوا أما الشعير فنحن نكفيك وأما الكبش فمر أصحابك فليذبحوه وعملوا الشعير فأصبح والله عندنا خبز ولحم ثم إن رسول الله أقطع أبا بكر ارضا له فاخلتفنا في عذق فقلت هو في أرضي (5/335)
وقال أبو بكر هو في أرضي فتنازعنا فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها فندم فأحضرني فقال لي قل لي كما قلت قال فقلت لا والله لا اقول لك كما قلت لي قال اذا آتي رسول الله قال فأتى رسول الله وتبعته فجاءني قومي يتبعونني فقالوا هو الذي قال لك وهو يأتي رسول الله فيشكو قال فالتفت اليهم فقلت تدرون من هذا هذا الصديق وذو شيبة المسلمين أرجعوا لا يلتفت فيراكم فيظن أنكم إنما جئتم لتعينوني عليه فيغضب فيأتي رسول الله فيخبره فيهلك ربيعة قال فأتى رسول الله فقال إني قلت لربيعة كلمة كرهتها فقلت له يقول لي مثل ما قلت له فأبى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا ربيعة ومالك وللصديق قال فقلت يا رسول الله والله لا أقول له كما قال لي فقال رسول الله لا تقل له كما قال لك ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر
ومنهم رضي الله عنهم سعد مولى أبي بكر رضي الله عنه ويقال مولى النبي صلى الله عليه و سلم قال أبو داود الطيالسي ثنا أبو عامر عن الحسن عن سعد مولى أبي بكر الصديق أن رسول الله قال لأبي بكر وكان سعد مملوكا لأبي بكر وكان رسول الله يعجبه خدمته أعتق سعدا فقال يا رسول الله ما لنا خادم هاهنا غيره فقال أعتق سعدا أتتك الرجال أتتك الرجال وهكذا رواه احمد عن أبي داود الطيالسي وقال أبو داود الطيالسي حدثنا أبو عامر عن الحسن عن سعد قال قربت بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم تمرا فجعلوا يقرنون فنهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن القران ورواه ابن ماجه عن بندار عن أبي داود به
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن رواحة دخل يوم عمرة القضاء مكة وهو يقود بناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقول ... خلوا بني كفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويشغل الخليل عن خليله ...
كما قدمنا ذلك بطوله وقد قتل عبد الله بن رواحة بعد هذا بأشهر في يوم مؤتة كما تقدم أيضا
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن مسعود بن غافل بن غافل بن حبيب بن شمخ أبو عبد الرحمن الهذلي أحد أئمة الصحابة هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما بعدها كان يلي حمل نعلي النبي صلى الله عليه و سلم ويلي طهوره ويرحل دابته اذا اراد الركوب وكانت له اليد الطولى في تفسير كلام الله وله العلم الجم والفضل والحلم وفي الحديث أن رسول الله قال لأصحابه وقد جعلوا يعجبون من دقة ساقيه فقال والذي نفسي بيده لهما في الميزان اثقل من أحد وقال عمر بن الخطاب في ابن مسعود هو كنيف ملئ علما وذكروا أنه نحيف الخلق حسن الخلق يقال إنه كان اذا مشى يسامت الجلوس (5/336)
وكان يشبه النبي صلى الله عليه و سلم في هديه ودله وسمته يعني أنه يشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم في حركاته وسكناته وكلامه ويتشبه بما استطاع من عبادته توفي رضي الله عنه في أيام عثمان سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين بالمدينة عن ثلاث وستين سنة وقيل إنه توفي بالكوفة والأول أصح
ومنهم رضي الله عنهم عقبة بن عامر الجهني قال الامام احمد ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جابر عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال بينما أقود برسول الله صلى الله عليه و سلم في نقب من تلك النقاب إذ قال لي يا عقبة ألا تركب قال فاشفقت أن تكون معصية قال فنزل رسول الله وركبت هنيهة ثم ركب ثم قال يا عقب ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس قلت بلى يا رسول الله فأقرأني قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ بهما ثم مر بي فقال اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت وهكذا رواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم وعبد الله بن المبارك عن ابن جابر ورواه أبو داود والنسائي أيضا من حديث ابن وهب عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة به
ومنهم رضي الله عنهم قيس بن عبادة الانصاري الخزرجي روى البخاري عن أنس قال كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي صلى الله عليه و سلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير وقد كان قيس هذا رضي الله عنه من أطول الرجال وكان كوسجا ويقال إن سراويله كان يضعه على أنفه من يكون من أطول الرجال فتصل رجلاه الأرض وقد بعث سراويله معاوية الى ملك الروم يقول له هل عندكم رجل يجيء هذه السروايل على طوله فتعجب صاحب الروم من ذلك وذكروا أنه كان كريما ممدحا ذا رأي ودهاء وكان مع علي بن أبي طالب ايام صفين وقال مسعر عن معبد بن خالد كان قيس بن سعد لا يزال رافعا أصبعه المسبحة يدعو رضي الله عنه وأرضاه وقال الواقدي وخليفة بن خياط وغيرهما توفي بالمدينة في آخر ايام معاوية وقال الحافظ ابو بكر البزار ثنا عمر بن الخطاب السجستاني ثنا علي بن يزيد الحنفي ثنا سعيد بن الصلت عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال كان عشرون شابا من الأنصار يلزمون رسول الله صلى الله عليه و سلم لحوائجه فاذا أراد أمرا بعثهم فيه
ومنه رضي الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه كان بمنزلة السلحدار بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم كما كان رافعا السيف في يده وهو واقف على رأس النبي صلى الله عليه و سلم في الخيمة يوم الحديبية فجعل كلما أهوى عمه عروة بن مسعود الثقفي حين قدم في الرسيلة الى لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما جرت به عادة العرب في مخاطباتها يقرع يده بقائمة السيف ويقول أخر (5/337)
يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن لا تصل اليك الحديث كما قدمناه قال محمد بن سعد وغيره شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وولاه مع أبي سفيان الإمرة حين ذهبا فخربا طاغوت أهل الطائف وهي المدعوة بالربة وهي اللات وكان داهية من دهاة العرب قال الشعبي سمعته يقول ما غلبني أحد قط وقال الشعبي سمعت قبيصة بن جابر يقول صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها وقال الشعبي القضاة أربعة أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو موسى والدهاة أربعة معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد وقال الزهري الدهاة خمسة معاوية وعمرو والمغيرة واثنان مع علي وهما قيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل بن ورقاء وقال الامام مالك كان المغيره بن شعبة رجلا نكاحا للنساء وكان يقول صاحب الواحدة إن حاضت حاض معها وإن مرضت مرض معها وصاحب الثنتين بين نارين يشتعلان قال فكان ينكح أربعا ويطلقهن جميعا وقال غيره تزوج ثمانين امرأة وقيل ثلاث مائة امرأة وقيل احصن بألف امرأة وقد اختلف في وفاته على أقوال أشهرها وأصحها وهو الذي حكى عليه الخطيب البغدادي الاجماع أنه توفي سنة خمسين
ومنهم رضي الله عنهم المقداد بن الأسود أبو معبد الكندب حليف بني زهرة قال الامام احمد حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد بن الاسود قال قدمت المدينة أنا وصاحبان فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فأتينا الى النبي صلى الله عليه و سلم فذكرنا له فذهب بنا الى منزله وعنده أربعة أعنز فقال احلبهن يا مقداد وجزئهن أربعة أجزاء واعط كل انسان جزءا فكنت أفعل ذلك فرفعت للنبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة فاحتبس واضطجعت على فراشي فقالت لي نفسي إن النبي صلى الله عليه و سلم قد أتى أهل بيت من الأنصار فلو قمت فشربت هذه الشربة فلم تزل بي حتى قمت فشربت جزءا فلما دخل في بطني ومعائي أخذني ما قدم وما حدث فقلت يجيء الآن النبي صلى الله عليه و سلم جائعا ظمآنا فلا يرى في القدح شيئا فسجيت ثوبا على وجهي وجاء النبي صلى الله عليه و سلم فسلم تسليمة تسمع اليقظان ولا توقظ النائم فكشف عنه فلم ير شيئا فرفع رأسه الى السماء فقال اللهم اسق من سقاني وأطعم من أطعمني فاغتنمت دعوته وقمت فأخذت الشفرة فدنوت الى الأعنز فجعلت أجسهن أيتهن اسمن لأذبحها فوقعت يدي على ضرع إحداهن فاذا هي حافل ونظرت الى الأخرى فاذا هي حافل فنظرت فاذا هن كلهن حفل فحلبت في الاناء فأتيته به فقلت اشرب فقال ما الخبر يا مقداد فقلت اشرب ثم الخبر فقال بعض سوآتك يا مقداد فشرب ثم قال اشرب فقلت اشرب يا نبي الله فشرب حتى تضلع ثم أخذته فشربته ثم أخبرته الخبر فقال النبي صلى الله عليه و سلم هيه فقلت كان كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه و سلم هذه بركة منزلة من (5/338)
السماء أفلا أخبرتني حتى اسقي صاحبيك فقلت إذا شربت البركة أنا وأنت فلا أبالي من أخطأت وقد رواه الامام احمد أيضا عن أبي النضر عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن المقداد فذكر ما تقدم وفيه أنه حلب في الاناء الذي كانوا لا يطيقون أن يحلبوا فيه فحلب حتى علته الرغوة ولما جاء به قال له رسول الله أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد فقلت اشرب يا رسول الله فشرب ثم ناولني فقلت اشرب يا رسول الله فشرب ثم ناولني فأخذت ما بقي ثم شربت فلما عرفت أن رسول الله قد روى فأصابتني دعوته ضحكت حتى ألقيت الى الأرض فقال رسول الله إحدى سوآتك يا مقداد فقلت يا رسول الله كان من أمري كذا صنعت كذا فقال ما كانت هذه إلا رحمة الله ألا كنت أذنتني توقظ صاحبيك هذين فيصيبان منها قال قلت والذي بعثك بالحق ما أبالي اذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من الناس وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة به
ومنهم رضي الله عنهم مهاجر مولى أم سلمة قال الطبراني حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني ابراهيم بن عبد الله سمعت بكيرا يقول سمعت مهاجرا مولى أم سلمة قال خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم سنين فلم يقل لي لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لم تركته وفي رواية خدمته عشر سنين أو خمس سنه
ومنهم رضي الله عنهم أبو السمح قال أبو العباس محمد بن اسحاق الثقفي ثنا مجاهد بن موسى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا يحيى بن الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح قال كنت أخدم رسول الله قال كان اذا أراد أن يغتسل قال ناولني أداوتي قال فأناوله واستتره فأتي بحسن أو حسين فبال على صدره فجئت لأغسله فقال يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام وهكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن مجاهد بن موسى
ومنهم رضي الله عنهم أفضل لصحابة على الاطلاق أبو بكر الصديق رضي الله عنه تولى خدمته بنفسه في سفرة الهجرة لا سيما في الغار وبعد خروجهم منه حتى وصلوا الى المدينة كما تقدم ذلك مبسوطا ولله الحمد والمنة فصل
أما كتاب الوحي وغيره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه ورضي عنهم اجمعين
فمنهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم سيأتي ترجمة (5/339)
كل واحد منهم في أيام خلافته إن شاء الله وبه الثقة
ومنهم رضي الله عنهم أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي أسلم بعد أخويه خالد وعمرو وكان اسلامه بعد الحديبية لأنه هو الذي أجار عثمان حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أهل مكة يوم الحديبية وقيل خيبر لأن له ذكر في الصحيح من حديث أبي هريرة في قسمة غنائم خيبر وكان سبب إسلامه أنه اجتمع براهب وهو في تجارة بالشام فذكر له أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له الراهب ما اسمه قال محمد قال فانا أنعته لك فوصفه بصفته سواء وقال إذا رجعت الى أهلك فاقرئه السلام فاسلم بعد مرجعه وهو أخو عمرو بن سعيد الاشدق الذي قتله عبد الملك بن مروان قال أبو بكر بن ابي شيبة كان أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم أبي بن كعب فاذا لم يحضر كتب زيد بن ثابت وكتب له عثمان وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد هكذا قال يعني بالمدينة وإلا فالسور الكية لم يكن أبي بن كعب حال نزولها وقد كتبها الصحابة بمكة رضي الله عنهم وقد اختلف في وفاة أبان بن سعيد هذا فقال موسى بن عقبة ومصعب بن الزبير بن بكار وأكثر أهل النسب قتل يوم أجنادين يعني في جمادى الأولى سنة ثنتي عشرة وقال آخرون قتل يوم مرج الصفر سنة أربع عشرة وقال محمد بن اسحاق قتل هو وأخوه عمرو يوم [ اليرموك لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة وقيل إنه تأخر إلى أيام عثمان وكان يملي المصحف ] الامام على زيد بن ثابت ثم توفي سنة تسع وعشرين فالله أعلم
ومنهم أبي بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي الانصاري أبو المنذر ويقال أبو الطفيل سيد القراء شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها وكان ربعة نحيفا أبيض الرأس واللحية لا يغير شيبه قال أنس جمع القرآن أربعة يعني من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد ابن ثابت ورجل من الأنصار يقال له أبو يزيد أخرجاه وفي الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال وسماني لك يا رسول الله قال نعم قال فذرفت عيناه ومعنى أن أقرأ عليك قراءة ابلاغ واسماع لا قراءة تعلم منه هذا لا يفهمه أحد من أهل العلم وإنما نبهنا على هذا لئلا يعتقد خلافه وقد ذكرنا في موضع آخر سبب القراءة عليه وأنه قرأ عليه سورة لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وذلك أن أبي بن كعب كان قد أنكر على رجل قراءة سورة على خلاف ما كان يقرأ أبي فرفعه أبي إلى رسول الله فقال اقرأ يا ابي فقرأ فقال هكذا أنزلت ثم قال لذلك الرجل اقرأ فقرأ فقال هكذا أنزلت قال أبي فأخذني من الشك ولا إذ كنت في الجاهلية قال فضرب رسول الله في صدره ففضضت عرقا وكأنما أنظر إلى (5/340)
الله فرقا فبعد ذلك تلا عليه رسول الله هذه السورة كالتثبيت له والبيان له إن هذا القرآن حق وصدق وإنه أنزل على أحرف كثيرة رحمه ولفظا بالعباد وقال ابن أبي خيثمة هو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد اختلف في وفاته فقيل في سنة تسع عشرة وقيل سنة عشرين وقيل ثلاث وعشرين وقيل قبل مقتل عثمان بجمعة فالله أعلم
ومنهم رضي الله عنهم أرقم بن ابي الأرقم واسمه عبد مناف بن أسد بن جندب بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم المخزومي أسلم قديما وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مستخفيا في داره عند الصفا وتعرف تلك الدار بعد ذلك بالخيزران وهاجر وشهد بدرا وما بعدها وقد آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين عبد الله بن أنيس وهو الذي كتب أقطاع عظيم بن الحارث المحاربي بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بفخ وغيره وذلك فيما رواه الحافظ ابن عساكر من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري حدثني عبد الملك بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عمرو بن حزم وقد توفي في سنة ثلاث وقيل خمس وخمسين وله خمس وثمانون سنة وقد روى الامام احمد له حديثين الأول قال أحمد والحسن بن عرفة واللفظ لأحمد حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن هشام بن زياد عن عمار ابن سعد عن عثمان بن أرقم بن ابي الأرقم عن أبيه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله قال إن الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الأمام كالجار قصبه في النار والثاني قال احمد حدثنا عصام بن خالد ثنا العطاف بن خالد ثنا يحيى بن عمران عن عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن جده الأرقم أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اين تريد قال أردت يا رسول الله هاهنا وأومأ بيده الى حيز بيت المقدس قال ما يخرجك اليه أتجارة قال لا ولكن أردت الصلاة فيه قال الصلاة هاهنا وأومأ بيده الى مكة خير من ألف صلاة وأومأ بيده الى الشام تفرد بهما أحمد
ومنهم رضي الله عنهم ثابت بن قيس بن شماس الانصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن ويقال أبو محمد المدني خطيب الانصار ويقال له خطيب النبي صلى الله عليه و سلم قال محمد بن سعد أنبأنا علي بن محمد المدايني باسانيده عن شيوخه في وفود العرب على رسول الله قالوا قدم عبد الله بن عبس اليماني ومسلمة بن هاران الحمداني على رسول الله في رهط من قومهما بعد فتح مكة فاسلموا وبايعوا على قومهم وكتب لهم كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم كتبه ثابت بن قيس بن شماس وشهد فيه سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم وهذا الرجل ممن ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بشره بالجنة وروى الترمذي في جامعه باسناد على شرط مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل ابو عبيدة بن الجراح نعم الرجل (5/341)
أسيد بن حضير نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح وقد قتل رضي الله عنه شهيدا يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة في أيام ابي بكر الصديق وله قصة سنوردها إن شاء الله اذا انتهينا إلى ذلك بحول الله وقوته وعونه ومعونته
ومنهم رضي الله عنهم حنظلة بن الربيع بن صيفي بن رياح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية ابن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميمي الاسيدي الكاتب وأخوه رباح صحابي أيضا وعمه أكثم بن صيفي كان حكيم العرب قال الواقدي كتب للنبي صلى الله عليه و سلم كتابا وقال غيره بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أهل الطوائف في الصلح وشهد مع خالد حروبه بالعراق وغيرها وقد ادرك أيام علي وتخلف عن القتال معه في الجمل وغيره ثم انتقل عن الكوفة لما شتم بها عثمان ومات بعد أيام علي وقد ذكر ابن الاثير في الغابة أن امرأته لما مات جزعت عليه فلامها جاراتها في ذلك فقالت ... تعجبت دعد لمحزونة ... تبكي على ذي شيبة شاحب ... إن تسأليني اليوم ما شفني ... أخبرك قولا ليس بالكاذب ... إن سواد العين أودى به ... حزن على حنظلة الكاتب ...
قال احمد بن عبد الله بن الرقي كان معتزلا للفتنة حتى مات بعد علي جاء عنه حديثان
قلت بل ثلاثة قال الأمام احمد حدثنا عبد الصمد وعفان قالا ثنا همام ثنا قتادة عن حنظلة الكاتب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من حافظ على الصلوات الخمس بركوعهن وسجودهن ووضوئهن ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة أو قال وجبت له تفرد به احمد وهو منقطع بين قتادة وحنظلة والله أعلم والحديث الثاني رواه احمد ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة لو تدمون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم وعلى فرشكم ولكن ساعة وساعة وقد رواه احمد والترمذي أيضا من حديث عمران بن داود القطان عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن حنظلة والثالث رواه احمد والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي بن حنظلة عن جده في النهي عن قتل النساء في الحرب لكن رواه الأمام احمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرت عن أبي الزناد عن مرقع بن صيفي بن رياح بن ربيع [ عن جده رباح بن ربيع ] أخي حنظلة الكاتب فذكره وكذلك رواه احمد أيضا عن حسين بن محمد وابراهيم بن أبي العباس كلاهما (5/342)
عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه وعن سعيد بن منصور وأبي عامر العقدي كلاهما عن المغيرة ابن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن مرقع عن جده رباح ومن طريق المغيرة رواه النسائي وابن ماجه كذلك وروى أبو داود والنسائي من حديث عمر بن مرقع عن أبيه عن جده رباح فذكره فالحديث عن رباح لا عن حنظلة ولذا قال أبو بكر بن ابي شيبة كان سفيان الثوري يخطئ في هذا الحديث
قلت وصح قول ابن الرقي أنه لم يرو سوى حديثين والله أعلم
ومنهم رضي الله عنهم خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سعيد الأموي أسلم قديما يقال بعد الصديق بثلاثة أو أربعة وأكثر ما قيل خمسة وذكروا أن سبب إسلامه أنه رأى في النوم كأنه وافقا على شفير جهنم فذكر من سعتها ما الله به عليم قال وكأن أباه يدفعه فيها وكأن رسول الله صلى الله عليه و سلم آخذ بيده ليمنعه من الوقوع فقص هذه الرؤيا على أبي بكر الصديق فقال له لقد أريد بك خير هذا رسول الله فاتبعه تنج مما خفته فجاء رسول الله فأسلم فلما بلغ أباه إسلامه غضب عليه وضربه بعصاة في يده حتى كسرها على رأسه واخرجه من منزله ومنعه القوت ونهى بقية إخوته أن يكلموه فلزم خالد رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلا ونهارا ثم أسلم أخوه عمرو فلما هاجر الناس الى ارض الحبشة هاجرا معهم ثم كان هو الذي ولى العقد في تزويج أم حبيبة من رسول الله كما قدمنا ثم هاجرا من أرض الحبشة صحبة جعفر فقدما على رسول الله بخيبر وقد افتتحها فأسهم لهما عن مشورة المسلمين وجاء أخوهما ابان بن سعيد فشهد فتح خيبر كما قدمنا ثم كان رسول الله يوليهم الأعمال فلما كانت خلافة الصديق خرجوا الى الشام للغزو فقتل خالد بأجنادين ويقال بمرج الصفر والله أعلم قال عتيق بن يعقوب حدثني عبد الملك بن أبي بكر عن ابيه عن جده عن عمرو بن حزم يعني أن خالد بن سعيد كتب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله راشد بن عبد رب السلمي أعطاه علوتين وعلوة بحجر برهاط فمن خافه فلا حق له وحقه حق وكتب خالد بن سعيد وقال محمد بن سعد عن الواقدي حدثني جعفر بن محمد بن خالد عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان قال أقام خالد بن سعيد بعد أن قدم من ارض الحبشة بالمدينة وكان يكتب لرسول الله وهو الذي كتب كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف وسعى في الصلح بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم
ومنهم رضي الله عنهم خالد بن الوليد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم [ أبو سليمان ] المخزومي وهو أمير الجيوش المنصورة الاسلامية والعساكر المحمدية والمواقف المشهودة والأيام المحمودة (5/343)
ذو الرأي السديد والبأس الشديد والطريق الحميد أبو سليمان خالد بن الوليد ويقال إنه لم يكن في جيش فكسر لا في جاهلية ولا اسلام قال الزبير بن بكار كانت إليه في قريش القبة وأعنة الخيل أسلم هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة بعد الحديبية وقيل خيبر ولم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعثه فيما يبعثه أميرا ثم كان المقدم على العساكر كلها في أيام الصديق فلما ولي عمر بن الخطاب عزله وولى أبو عبيدة أمين الأمة على أن لا يخرج عن رأي ابي سليمان ثم مات خالد في أيام عمر وذلك سنة إحدى وعشرين وقيل اثنتين وعشرين والأول أصح بقرية على ميل من حمص قال الواقدي سألت عنها فقيل لي دثرت وقال دحيم مات بالمدينة والأول أصح وقد روى أحاديث كثيرة يطول ذكرها قال عتيق بن يعقوب حدثني عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن جده عن عمرو بن حزم أن هذه قطايع أقطعها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى المؤمنين أن صيدوح وصيده لا يعضد صيده ولا يقتل فمن وجد يفعل من ذلك شيئا فانه يجلد وينزع ثيابه وإن تعدى ذلك أحد فانه يؤخذ فيبلغ به النبي صلى الله عليه و سلم وأن هذا من محمد النبي وكتب خالد بن الوليد بأمر رسول الله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمره به محمد
ومنهم رضي الله عنهم الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي أبو عبد الله الأسدي أحد العشرة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض [ وحواري رسول الله صلى الله عليه و سلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب وزوج أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه ] روى عتيق بن يعقوب بسنده المتقدم أن الزبير بن العوام هو الذي كتب لبني معاوية بن جرول الكتاب الي أمره به رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكتبه لهم وروى ابن عساكر باسناد عن عتيق به أسلم الزبير قديما رضي الله عنه وهو ابن ست عشرة سنة ويقال ابن ثمان سنين وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها وهو اول من سل سيفا في سبيل الله وقد شهد اليرموك وكان أفضل من شهدها واخترق يومئذ صفوف الروم من أولهم الى آخرهم مرتين ويخرج من الجانب الآخر سالما لكن جرح فق قفاه بضربتين رضي الله عنه وقد جمع له رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الخندق أبويه وقال إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير وله فضائل ومناقب كثيرة وكانت وفاته يوم الجمل وذلك أنه كر راجعا عن القتال فلحقه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس ورجل ثالث يقال له نفيع التميميون بمكان يقال له وادي السباع فبدر اليه عمرو بن جرموز وهو نائم فقتله وذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى 2 الأولى سنة ست وثلاثين وله من العمر يومئذ سبع وستون سنة وقد خلف رضي الله (5/344)
الله عنه بعده تركة عظيمة فأوصى من ذلك بالثلث بعد إخراج ألفي ألف ومائتي ألف دينار فلما قضى دينه وأخرج ثلث ماله قسم الباقي على ورثته فنال كل امرأة من نسائه وكن أربعا ألف ألف ومائتا ألف فمجموع ما ذكرناه مما تركه رضي الله عنه تسعة وخمسين ألف ألف وثمان مائة ألف وهذا كله في وجوه حل نالها في حياته مما كان يصيبه من الفيء والمغانم ووجوه متاجر الحلال وذلك كله بعد إخراج الزكاة في أوقاتها والصلاة البارعة الكثيرة لأربابها في أوقات حاجاتها رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنات الفردوس مثواه وقد فعل فانه قد شهد له سيد الأولين والآخرين ورسوله رب العالمين بالجنة ولله الحمد والمنة وذكر ابن الأثير في الغابة انه كان له ألف مملوك يؤدون اليه الخراج وأنه كان يتصدق بذلك كله وقال فيه حسان بن ثابت يمدحه ويفضله بذلك ... أقام على عهد النبي وهديه ... حواريه والقول بالفضل يعدل ... أقام على منهاجه وطريقه ... يوالي ولي الحق والحق أعدل ... هو الفارس المشهور والبطل الذي ... يصول إذا ما كان يوم محجل ... وإن امرأ كانت صفية أمه ... ومن أسد في بيته لمرسل ... له من رسول الله قربى قريبة ... ومن نصرة الاسلام مجد مؤثل ... فكم كربة ذب الزبير بسيفه ... عن المصطفى والله يعطي ويجزل ... إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها ... بأبيض [ سياف ] الى الموت يرفل ... فما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدهر ما دام يذبل ...
قد تقدم أنه قتله عمرو بن جرموز التميمي بوادي السباع وهو نائم ويقال بل قام من آثار النوم وهو دهش فركب وبارزه ابن جرموز فلما صمم عليه الزير أنجده صاحباه فضالة والنعر فقتلون وأخض عمرو بن جرموزر رأسه وسيفه فليما دخل بهما على علي قال رضي الله عنه لما رأى سيف الزبير إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال علي فيما قال بشر قاتل ابن صفية بالنار فيقال إن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه والصحيح أنه عمر بعد علي حتى كانت أيام ابن الزبير فاستناب أخاه مصعبا على العراق فاختفى عمرو بن جرموز خوفا بعد سطوته أن يقتله بأبيه فقال مصعب أبلغوه أنه آمن أيحسب أني اقتله بابي عبد الله كلا والله ليسا سواء وهذا من حلم مصعب وعقله ورياسته وقد روى الزبير عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أحاديث (5/345)
كثيرة يطول ذكرها ولما قتل الزبير بن العوام بوادي السباع كما تقدم قالت امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثيه رضي الله عنها وعنه ... غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير معرد ... يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعش الجنان ولا اليد ... كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طراد يا ابن فقع القردد ... ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله ... فيمن مضى فيمن يروح ويغتدي ... والله ربك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد ...
ومنهم رضي الله عنهم زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبيد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الانصاري النجاري أبو سعيد ويقال أبو خارجة ويقال أبو عبد الرحمن المدني قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وهو ابن احدى عشرة سنة فلهذا لم يشهد بدرا لصغره قيل ولا أحدا وأول مشاهده الخندق ثم شهد ما بعدها وكان حافظا لبيبا عالما عاقلا ثبت عنه في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود ليقرأه على النبي صلى الله عليه و سلم اذا كتبوا اليه فتعلمه في خمسة عشر يوما وقد قال الامام احمد حدثنا سليمان بن داود ثنا عبد الرحمن عن ابي الزناد عن خارجة بن زيد أن أباه زيدا أخبره أنه لما قدم رسول الله المدينة قال زيد ذهب بي الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعجب بي فقالوا يا رسول الله هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فأعجب ذلك رسول الله وقال يا زيد تعلم لي كتاب يهود فاني والله ما آمن يهود على كتابي قال زيد فتعلمت لهم كتابهم ما مرت خمس عشرة ليلة حتى حذقته وكنت أقرأ له كتبهم اذا كتبوا اليه وأجيب عنه اذا كتب ثم رواه احمد عن شريح بن النعمان عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة عن أبيه فذكر عن أبيه فذكر نحوه وقد علقه البخارى في الأحكام عن خارجة ابن زيد بن ثابت بصيغة الجزم فقال وقال خارجة بن زيد فذكره ورواه أبو داود عن احمد بن يونس والترمذي عن علي بن حجر كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة عن أبيه به نحوه وقال الترمذي حسن صحيح وهذا ذكاء مفرط جدا وقد كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم من القراء كما ثبت في الصحيحين عن أنس وروى احمد والنسائي من حديث أبي قلابة عن أنس عن رسول الله أنه قال أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر وأصدقها حياء عثمان وأقضاهم علي بن أبي طالب وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأعلمهم بالفرائض زيد بن ثابت ولكل أمة امين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ومن الحفاظ من يجعله مرسلا إلا ما يتعلق بأبي عبيدة ففي صحيح البخاري من هذا الوجه وقد كتب الوحي (5/346)
بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير ما موطن ومن أوضح ذلك ما ثبت في الصحيح عنه أنه قال لما نزل قوله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين في سبيل الله الآية دعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اكتب لا يستوي القاعدون المجاهدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله فجاء ابن أم مكتوم فجعل يشكو ضرارته فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه و سلم فثقلت فخذه على فخذي حتى كادت ترضها فنزل غير أولي الضرر فأمرني فألحقتها فقال زيد فاني لأعرف موضع ملحقها عند صدع في ذلك اللوح يعني من عظام الحديث وقد شهد زيد اليمامة وأصابه سهم فلم يضره وهو الذي أمره الصديق بعد هذا بأن يتتبع القرآن فيجمعه وقال له إنك شاب عاقل لا تنهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فتتبع القرآن فاجمعه ففعل ما أمره به الصديق فكان في ذلك خير كثير ولله الحمد والمنة وقد استنابه عمر مرتين في حجتين على المدينة واستنابه لما خرج الى الشام وكذلك كان عثمان يستنيبه على المدينة أيضا وكان علي يحبه وكان يعظم عليا ويعرف له قدره ولم يشهد معه شيئا من حروبه وتأخر بعده حتى توفي سنة خمس وأربعين وقيل سنة إحدى وقيل خمس وخمسين وهو ممن كان يكتب المصاحف الأئمة التي نفذ بها عثمان بن عفان الى سائر الآفاق اللائي وقع على التلاوة طبق رسمهن الاجماع والاتفاق كما قررنا ذلك في كتاب فضائل القرآن الذي كتبناه مقدمة في أول كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة
ومنهم السجل كما ورد به الحديث المروي في ذلك عن ابن عباس إن صح وفيه نظر قال أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا نوح بن قيس عن يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال السجل كاتب للنبي صلى الله عليه و سلم وهكذا رواه النسائي عن قتيبة به عن ابن عباس أنه كان يقول في هذه الآية يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب السجل الرجل هذا لفظه ورواه أبو جعفر بن جرير في تفسيره عند قوله تعالى يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب عن نصر بن علي عن نوح بن قيس وهو ثقة من رجال مسلم وقد ضعفه ابن معين في رواية عنه وأما شيخه يزيد بن كعب العوفي البصري فلم يرو عنه سوى نوح بن قيس وقد ذكره مع ذلك ابن حبان في الثقات وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي فأنكره جدا وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول هو حديث موضوع وإن كان في سنن أبي داود فقال شيخنا المزي وأنا أقوله
قلت وقد رواه الحافظ ابن عدي في كامله من حديث محمد بن سليمان الملقب ببومة عن يحيى ابن عمرو عن مالك النكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم كاتب يقال له السجل وهو قوله [ تعالى ] يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ] قال كما (5/347)
يطوي السجل للكتاب كذلك تطوى السماء وهكذا رواه البيهقي عن أبي نصر بن قتادة عن أبي علي الرفا عن علي بن عبد العزيز عن مسلم بن ابراهيم عن يحيى بن عمرو بن مالك به ويحيى هذا ضعيف جدا فلا يصلح للمتابعة والله أعلم وأغرب من ذلك أيضا ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب وابن منده من حديث احمد بن سعيد البغدادي المعروف بحمدان عن بهز عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كان للنبي صلى الله عليه و سلم كاتب يقال له سجل فأنزل الله يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب قال ابن منده غريب تفرد به حمدان وقال البرقاني قال أبو الفتح الأزدي تفرد به ابن نمير إن صح
قلت وهذا أيضا منكر عن ابن عمر كما هو منكر عن ابن عباس وقد ورد عن ابن عباس وابن عمر خلاف ذلك فقد روى الوالبي والعوفي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية قال كطي الصحيفة على الكتاب وكذلك قال مجاهد وقال ابن جرير هذا هو المعروف في اللغة أن السجل هو الصحيفة قال ولا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل وأنكر أن يكون السجل اسم ملك من الملائكة كما رواه عن أبي كريب عن ابن يمان ثنا أبو الوفا الاشجعي عن أبيه عن ابن عمر في قوله يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب قال السجل ملك فاذا صعد بالاستغفار قال الله اكتبها نورا وحدثنا بندار عن مؤمل عن سفيان سمعت السدي يقول فذكر مثله وهكذا قال أبو جعفر الباقر فيما رواه أبو كريب عن المبارك عن معروف بن خربود عمن سمع أبا جعفر يقول السجل الملك وهذا الذي أنكره ابن جرير من كون السجل اسم صحابي أو ملك قوي جدا والحديث في ذلك منكر جدا ومن ذكره في أسماء الصحابة كابن منده وأبي نعيم الأصبهاني وابن الأثير في الغابة إنما ذكره إحسانا للظن بهذا الحديث أو تعليقا على صحته والله أعلم
ومنهم سعد بن أبي السرح فيما قاله خليفة بن خياط وقد وهم إنما هو ابنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح كما سيأتي قريبا إن شاء الله
ومنهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال قال الزهري أخبرني عبد الملك بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك أن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول فذكر خبر هجرة النبي صلى الله عليه و سلم وقال فيه فقلت له إن قومك جعلو فيك الدية وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزؤني منه شيئا ولم يسألوني إلا أن أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من آدم ثم مضى
قلت وقد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة وقد روى أن أبا بكر هو الذي كتب لسراقة هذا (5/348)
الكتاب فالله أعلم وقد كان عامر بن فهيرة ويكنى أبا عمرو من مولدي الأزد أسود اللون وكان أولا مولى للطفيل بن الحارث أخي عائشة لأمها أم رومان فأسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم بن ابي الأرقم التي عند الصفا مستخفيا فكان عامر يعذب مع جملة المستضعفين بمكة ليرجع عن دينه فيأبى فاشتراه أبو بكر الصديق فأعتقه فكان يرعى له غنما بظاهر مكة ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه أبو بكر كان معهما رديفا لأبي بكر ومعهم الدليل الدئلي فقط كما تقدم مبسوطا ولما وردوا المدينة نزل عامر [ بن فهيرة ] على سعد بن خيثمة آخى رسول الله بينه وبين أوس بن معاذ وشهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة كما تقدم وذلك سنة أربع من الهجرة وكان عمره إذ ذاك أربعين سنة فالله أعلم وقد ذكر عروة وابن اسحاق والواقدي وغير واحد أن عامر قتله يوم بئر معونة رجل يقال له جبار بن سلمى من بني كلاب فلما طعنه بالرمح قال فزت ورب الكعبة ورفع عامر حتى غاب عن الأبصار حتى قال عامر بن الطفيل لقد رفع حتى رأيت السماء دونه وسئل عمرو بن أمية عنه فقال كان من أفضلنا ومن أول أهل بيت نبينا صلى الله عليه و سلم قال جبار فسألت الضحاك بن سفيان عما قال ما يعني به فقال يعني الجنة ودعاني الضحاك الى الاسلام فأسلمت لما رأيت من قتل عامر بن فهيرة فكتب الضحاك الى رسول الله يخبره باسلامي وما كان من أمر عامر فقال وارته الملائكة وأنزل عليين وفي الصحيحين عن أنس أنه قال قرأنا فيهم قرآنا أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وقد تقدم ذلك وبيانه في موضعه عند غزوة بئر معونة وقال محمد بن اسحاق حدثني هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونه قالوا عامر بن فهيرة وقال الواقدي حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قال رفع عامر بن فهيرة الى السماء فلم توجد جثته يرون أن الملائكة وارته
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن أرقم بن أبي الأرقم المخزومي أسلم عام الفتح وكتب للنبي صلى الله عليه و سلم قال الامام مالك وكان ينفذ ما يفعله ويشكره ويستجيده وقال سلمة عن محمد بن اسحاق ابن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله استكتب عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث وكان يجيب عنه الملوك وبلغ من أمانته أنه [ كان يأمره أن ] يكتب الى بعض الملوك فيكتب ويختم على ما يقرأه لأمانته عنده وكتب لأبي بكر وجعل اليه بيت المال وأقره عليهما عمر بن الخطاب فلما كان عثمان عزله عنهما
قلت وذلك بعد ما استعفاه عبد الله بن أرقم ويقال إن عثمان عرض عليه ثلاثمائة ألف درهم عن أجرة عمالته فأبى أن يقبلها وقال إنما عملت لله فأجري على الله عز و جل (5/349)
قال ابن اسحاق وكتب لرسول الله زيد بن ثابت فاذا لم يحضر ابن الأرقم وزيد بن ثابت كتب من حضر من الناس وقد كتب عمر وعلي وزيد والمغيرة بن شعبة ومعاوية وخالد بن سعيد ابن العاص وغيرهم ممن سمي من العرب وقال الأعمش قلت لشقيق بن سلمة من كان كاتب النبي صلى الله عليه و سلم قال عبد الله بن الأرقم وقد جاءنا كتاب عمر بالقادسية وفي أسفله وكتب عبد الله بن الأرقم وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا الفضل بن محمد البيهقي ثنا عبد الله بن صالح ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر قال أتى النبي صلى الله عليه و سلم كتاب رجل فقال لعبد الله بن الأرقم أجب عني فكتب جوابه ثم قرأه عليه فقال أصبت وأحسنت اللهم وفقه قال فلما ولي عمر كان يشاوره وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال ما رأيت أخشى لله منه يعني في العمال أضر رضي الله عنه قبل وفاته
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي صاحب الأذان أسلم قديما فشهد عقبة السبعين وحضر بدرا وما بعدها ومن أكبر مناقبه رؤيته الأذان والاقامة في النوم وعرضه ذلك على رسول الله وتقريره عليه وقوله له إنها لرؤيا حق فألقه على بلال فانه أندى صوتا منك وقد قدمنا الحديث بذلك في موضعه وقد روى الواقدي بأسانيده عن ابن عباس أنه كتب كتابا لمن أسلم من جرش فيه الأمر لهم باقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإعطاء خمس المغنم وقد توفي رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين عن أربع وستين سنة وصلى عليه عثمان ابن عفان رضي الله عنه
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري أخو عثمان لأمه من الرضاعة أرضعته أم عثمان وكتب الوحي ثم ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين بمكة فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان قد أهدر دمه فيمن أهدر من الدماء فجاء الى عثمان بن عفان فاستأمن له فأمنه رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قدمنا في غزوة الفتح ثم حسن إسلام عبد الله بن سعد جدا قال أبو داود حدثنا احمد بن محمد المروزي ثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال كان عبد الله [ بن سعد ] بن أبي سرح يكتب للنبي صلى الله عليه و سلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به رسول الله أن يقتل فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه النسائي من حديث علي بن الحسين بن واقد به
قلت وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح عمرو مصر سنة عشرين في الدولة العمرية فاستناب عمر بن الخطاب عمرا عليها فلما صارت الخلافة إلى عثمان عزل عنها عمرو بن العاص وولى (5/350)
عليها عبد الله بن سعد سنة خمس وعشرين وأمره بغزو بلاد أفريقية فغزاها ففتحها وحصل للجيش منها مال عظيم كان قسم الغنيمة لكل فارس من الجيش ثلاثة آلاف مثقال من ذهب وللراجل ألف مثقال وكان معه في جيشه هذا ثلاثة من العبادلة عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمرو ثم غزا عبد الله بن سعد بعد افريقية الأساود من أرض النوبة فهادنهم فهي الى اليوم وذلك سنة إحدى وثلاثين ثم غزا غزوة الصواري في البحر الى الروم وهي غزوة عظيمة كما سيأتي بيانها في موضعها إن شاء الله فلما اختلف الناس على عثمان خرج من مصر واستناب عليها ليذهب الى عثمان لينصره فلما قتل عثمان أقام بعسقلان وقيل بالرملة ودعا الله أن يقبضه في الصلاة فصلى يوما الفجر وقرأ في الأولى منها بفاتحة الكتاب والعاديات وفي الثانية بفاتحة الكتاب وسورة ولما فرغ من التشهد سلم التسليمة الأولى ثم أراد أن يسلم الثانية فمات بينهما رضي الله عنه وذلك في سنة ست وثلاثين وقيل سنة سبع وقيل إنه تأخر الى سنة تسع وخمسين والصحيح الأول
قلت ولم يقع له رواية في الكتب الستة ولا في المسند للامام احمد
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق وقد تقدم الوعد بأن ترجمته ستأتي في أيام خلافته إن شاء الله عز و جل وبه الثقة وقد جمعت مجلدا في سيرته وما رواه من الأحاديث وما روي عنه من الآثار والدليل على كتابته ما ذكره موسى بن عقبة عن الزهري عن عبد الرحمن ابن مالك بن جعشم عن أبيه عن سراقة بن مالك في حديثه حين اتبع رسول الله حين خرج هو وأبو بكر من الغار فمروا على أرضهم فلما غشيهم وكان من أمر فرسه ما كان سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكتب له كتاب أمان فأمر أبا بكر فكتب له كتابا ثم ألقاه اليه وقد روى الامام احمد من طريق الزهري بهذا السند أن عامر بن فهيرة كتبه فيحتمل أن أبا بكر كتب بعضه ثم أمر مولاه عامرا فكتب باقية والله أعلم
ومهم رضي الله عنهم عثمان بن عفان أمير المؤمنين وستأتي ترجمته في أيام خلافته وكتابته بين يديه عليه السلام مشهورة وقد روى الواقدي بأسانيده أن نهشل بن مالك الوائلي لما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان بن عفان فكتب له كتابا فيه شرائع الاسلام
ومنهم رضي الله عنهم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وستأتي ترجمته في خلافته وقد تقدم أنه كتب الصلح بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين قريش يوم الحديبية أن يأمن الناس وأنه لا إسلال ولا إغلال وعلى وضع الحرب عشر سنين وقد كتب غير ذلك من الكتب بين يديه صلى الله عليه و سلم وأما ما يدعيه طائفة من يهود خيبر أن بأيديهم كتاب من النبي صلى الله عليه و سلم يوضع الجزية عنهم وفي آخره (5/351)
وكتب علي بن أبي طالب وفيه شهادة جماعة من الصحابة منهم سعد بن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان فهو كذب وبهتان مختلق موضوع مصنوع وقد بين جماعة من العلماء بطلانه واغتر بعض الفقهاء المتقدمين فقالوا بوضع الجزية عنهم وهذا ضعيف جدا وقد جمعت في ذلك جزءا مفردا بينت فيه بطلانه وأنه موضوع اختلقوه وصنعوه وهم أهل لذلك وبينته وجمعت مفرق كلام الأئمة فيه ولله الحمد والمنة
ومن الكتاب بين يديه صلى الله عليه و سلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وستأتي ترجمته في موضعها وقد أفردت له مجلدا على حدة ومجلدا ضخما في الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم والآثار والأحكام المروية عنه رضي الله عنه وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة عبد الله بن الأرقم
ومنهم رضي الله عنهم العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عباد ويقال عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن عريقة بن مالك بن الخزرج بن أياد بن الصدق بن زيد بن مقنع بن حضرموت ابن قحطان وقيل غير ذلك في نسبه وهو من حلفاء بني أمية وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة أبان ابن سعيد بن العاص وكان له من الاخوة عشرة غيره فمنهم عمرو بن الحضرمي أول قتيل من المشركين قتله المسلمون في سرية عبد الله بن جحش وهي أول سرية كما تقدم ومنهم عامر بن الحضرمي الذي أمره أبو جهل لعنه الله فكشف عن عورته وناداه واعمراه حين اصطف المسلمون والمشركون يوم بدر فهاجت الحرب وقامت على ساق وكان ما كان مما قدمناه مبسوطا في موضعه ومنهم شريح بن الحضرمي وكان من خيار الصحابة قال فيه رسول الله ذاك رجل لا يتوسد القرآن يعني لا ينام ويتركه بل يقوم به آناء الليل والنهار ولهم كلهم أخت واحدة وهي الصعبة بنت الحضرمي أم طلحة بن عبيد الله وقد بعث النبي صلى الله عيه وسلم العلاء بن الحضرمي الى المنذر بن ساوى ملك البحرين ثم ولاه عليها أميرا حين افتتحها وأقره عليها الصديق ثم عمر بن الخطاب ولم يزل بها حتى عزله عنها عمر بن الخطاب وولاه البصرة فلما كان في اثناء الطريق توفي وذلك في سنة احدى وعشرين وقد روى البيهقي عنه وغيره كرامات كثيرة منها أنه سار بجيشه على وجه البحر ما يصل الى ركب خيولهم وقيل إنه ما بل اسافل نعال خيولهم وأمرهم كلهم فجعلوا يقولون يا حليم يا عظيم وأنه كان في جيشه فاحتاجوا الى ماء فدعا الله فامطرهم قدر كفايتهم وأنه لما دفن لم ير له أثر بالكلية وكان قد سأل الله ذلك وسيأتي هذا في كتاب دلائل النبوة قريبا إن شاء الله عز و جل وله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة أحاديث الأول قال الامام احمد حدثنا سفيان بن عيينة حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن السائب بن يزيد عن العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يمكث (5/352)
المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وقد أخرجه الجماعة من حديثه والثاني قال احمد حدثنا هشيم ثنا منصور عن ابن سيرين عن ابن العلاء بن الحضرمي أن أباه كتب الى النبي صلى الله عليه و سلم فبدأ بنفسه وكذا رواه أبو داود عن احمد بن حنبل والحديث الثالث رواه أحمد وابن ماجه من طريق محمد بن زيد عن حبان الاعرج عنه أنه كتب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من البحرين في الحائط يعني البستان يكون بين الاخوة فيسلم أحدهم فأمره أن يأخذ العشر ممن أسلم والخراج يعني ممن لم يسلم
ومنهم العلاء بن عقبة قال الحافظ ابن عساكر كان كاتبا للنبي صلى الله عليه و سلم ولم أجد أحدا ذكره الا فيما أخبرنا ثم ذكر إسناده الى عتيق بن يعقوب حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن عمرو بن حزم أن هذه قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء القوم فذكرها وذكر فيها بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى النبي محمد عباس ببن مرداس السلمي أعطاه مدمورا فمن خافه فيها فلا حق له وحقه حق وكتب العلاء بن عقبة وشهد ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله عوسجة بن حرملة الجهني من ذي المروة وما بين بلكثه الى الظبية الى الجعلات الى جبل القبيلة فمن خافه فلا حق له وحقه حق وكتبه العلاء بن عقبة وروى الواقدي بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقطع لبني سيح من جهينة وكتب كتابهم بذلك العلاء بن عقبة وشهد وقد ذكر ابن الاثير في الغابة هذا الرجل مختصرا فقال العلاء بن عقبة كتب للنبي صلى الله عليه و سلم ذكره في حديث عمرو بن حزم ذكره جعفر أخرجه أبو موسى يعني المديني في كتابه
ومنهم رضي الله عنهم محمد بن مسلمة بن جريس بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الحارثي أبو عبد الله ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو سعيد المدني حليف بني عبد الاشهل أسلم على يدي مصعب بن عمير وقيل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وآخي رسول الله حين قدم المدينة بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح وشهد بدرا والمشاهد (5/353)
بعدها واستخلفه رسول الله على المدينة عام تبوك قال ابن عبد البر في الاستيعاب كان شديد السمرة طويلا أصلع ذا جشة وكان من فضلاء الصحابة وكان ممن اعتزل الفتنة واتخذ سيفا من خشب ومات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين على المشهور عند الجمهور وصلى عليه مروان بن الحكم وقد روى حديثا كثيرا عن النبي صلى الله عليه و سلم وذكر محمد بن سعد عن علي بن محمد المدايني بأسانيده أن محمد بن مسلمة هو الذي كتب لوفد مرة كتابا عن أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم
ومنهم رضي الله عنهم معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي وستأتي ترجمته في أيام إمارته إن شاء الله وقد ذكره مسلم بن الحجاج في كتابه عليه السلام وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك بن الوليد عن ابن عباس أن أبا سفيان قال يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال نعم قال تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت اقاتل المسلمين قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم الحديث وقد افردت لهذا الحديث جزءا على حدة بسبب ما وقع فيه من ذكر طلبه تزويج أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكن فيه من المحفوظ تأمير أبي سفيان وتوليته معاوية منصب الكتابة بين يديه صلوات الله وسلامه عليه وهذا قدر متفق عليه بين الناس قاطبة فأما الحديث قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه في ترجمة معاوية هاهنا أخبرنا أبو غالب بن البنا أنبأنا أبو محمد الجوهري أنبأنا أبو علي محمد بن احمد بن يحيى بن عبد الله العطشى حدثنا احمد بن محمد البوراني ثنا السري بن عاصم ثنا الحسن بن زياد عن القاسم ابن بهرام عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استشار جبريل في استكتاب معاوية فقال استكتبه فانه أمين فانه حديث غريب بل منكر والسري بن عاصم هذا هو أبو عاصم الهمذاني وكان يؤدب المعتز بالله كذبه في الحديث ابن خراش وقال ابن حبان وابن عدي كان يسرق الحديث زاد ابن حبان ويرفع الموقوفات لا يحل الاحتجاج به وقال الدارقطني كان ضعيف الحديث وشيخه الحسن بن زياد إن كان اللؤلؤي فقد تركه غير واحد من الأئمة وصرح كثير منهم بكذبه وإن كان غيره فهو مجهول العين والحال وأما القاسم بن بهرام فاثنان أحدهما يقال له القاسم ابن بهرام الأسدي الواسطي الأعرج أصله من أصبهان روى له النسائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديث القنوت بطوله وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وابن حبان والثاني القاسم بن بهرام أبو حمدان قاضي هيت قال ابن معين كان كذابا وبالجملة فهذا الحديث من هذا الوجه ليس بثابت ولا يغتر به والعجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره واطلاعه على صناعة (5/354)
الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره بل ومن تقدمه بدهر كيف يورد في تاريخه هذا وأحاديث كثيرة من هذا النمط ثم لا يبين حالها ولا يشير الى شيء من ذلك اشارة لا ظاهرة ولا خفية ومثل هذا الصنيع فيه نظر والله أعلم
ومنهم رضي الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفي وقد قدمت ترجمته فيمن كان يخدمه عليه السلام من بين أصحابه من غير مواليه وأنه كان سيافا على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روى ابن عساكر بسنده عن عتيق بن يعقوب باسناده المتقدم غير مرة أن المغيرة بن شعبة هو الذي كتب اقطاع حصين بن نضلة الاسدي الذي أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأمره فهؤلاء كتابه الذين كانوا يكتبون بأمره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه فصل
وقد ذكر ابن عساكر من أمنائه أبا عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري احد العشرة رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف الزهري أما أبو عبيدة فقد روى البخاري من حديث أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لكل أمة أمين وأمين هذه الامة ابو عبيدة ابن الجراح وفي لفظ أن رسول الله قال لوفد عبد القيس نجران لأبعثن معكم أمينا حق أمين فبعث معهم أبا عبيدة قال ومنهم معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي مولى بني عبد شمس كان على خاتمه ويقال كان خادمه وقال غيره أسلم قديما وهاجر الى الحبشة في الناس ثم الى المدينة وشهد بدرا وما بعدها وكان على الخاتم واستعمله الشيخان على بيت المال قالوا وكان قد أصابه الجذام فأمر عمر بن الخطاب فدووي بالحنظل فتوقف المرض وكانت وفاته في خلافة عثمان وقيل سنة أربعين فالله أعلم
قال الامام احمد ثنا يحيى بن ابي بكير ثنا شيبان عن يحيى بن أبي بكير عن أبي سلمة حدثني معيقيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال إن كنت لا بد فاعلا فواحدة وأخرجاه في الصحيحين من حديث شيبان النحوي زاد مسلم وهشام الدستوائي زاده الترمذي والنسائي وابن ماجه والاوزاعي ثلاثتهم عن يحيى بن أبي كثير به وقال الترمذي حسن صحيح وقال الامام احمد ثنا خلف بن الوليد ثنا أيوب بن عتبة 2 عن يحيى بن ابي كثير عن أبي سلمة عن معيقيب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ويل للأعقاب من النار وتفرد به الامام احمد وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي عتاب سهل بن حماد الدلال عن أبي مكين نوح بن ربيعة (5/355)
عن اياس بن الحارث بن المعيقيب عن جده وكان على خاتم النبي صلى الله عليه و سلم قال كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم من حديد ملوي عليه فضة قال فربما كان في يدي
قلت أما خاتم النبي صلى الله عليه و سلم فالصحيح أنه كان من فضة فصه منه كما سيأتي في الصحيحين وكان قد اتخذ قبله خاتم ذهب فلبسه حينا ثم رمى به وقال والله لا ألبسه ثم اتخذ هذا الخاتم من فضة فصه منه ونقشه محمد رسول الله محمد سطر ورسول سطر والله سطر فكان في يده عليه السلام ثم كان في يد أبي بكر من بعده ثم في يد عمر ثم كان في يد عثمان فلبث في يده ست سنين ثم سقط منه في بئر اريس فاجتهد في تحصيله فلم يقدر عليه وقد صنف أبو داود رحمة الله عليه كتابا مستقلا في سننه في الخاتم وحده وسنورد منه إن شاء الله قريبا ما نحتاج اليه وبالله المستعان واما لبس معيقيب لهذا الخاتم فيدل على ضعف ما نقل أنه أصابه الجذام كما ذكره ابن عبد البر وغيره لكنه مشهور فلعله أصابه ذلك بعد النبي صلى الله عليه و سلم أو كان به وكان مما لا يعدى منه أو كان ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم لقوة توكله كما قال لذلك المجذوم ووضع يده في القصعة كل ثقة بالله وتوكلا عليه رواه أبو داود وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فر من المجذوم فرارك من الاسد والله أعلم
وأما أمراؤه عليه السلام فقد ذكرناهم عند بعث السرايا منصوصا على اسمائهم ولله الحمد والمنة
وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم فنقل عن أبي زرعة أنه قال يبلغون مائة ألف وعشرين ألف وعن الشافعي رحمه الله أنه قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء عن ستين ألف وقال الحاكم أبو عبد الله يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي
قلت والذي روى عنهم الامام احمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته فمن الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفسا [ ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمائة صحابي أيضا ] وقد اعتنى جماعة من الحفاظ رحمهم الله بضبط اسمائهم وذكر أيامهم ووفياتهم من أجلهم الشيخ ابو عمر بن عبد البر النمري في كتابه الاستيعاب وأبو عبد الله محمد ابن اسحاق بن منده وأبو موسى المديني ثم نظم جميع ذلك الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الصحابية صنف كتابه الغابة في ذلك فاجاد وأفاد وجمع وحصل ونال ما رام وأمل فC وأثابه وجمعه والصحابة آمين يا رب العالمين * تم الجزء الخامس من كتاب البداية النهاية ويليه الجزء السادس وأوله باب ما يذكر من آثار النبي صلى الله عليه و سلم التي كان يختص بها في حياته من ثياب وسلاح الخ * (5/356)
البداية والنهاية
* الجزء السادس * (6/356)
* بسم الله الرحمن الرحيم *
باب آثار النبي صلى الله عليه و سلم التي كان يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب
ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه السلام
وقد أفرد له أبو داود في كتابه السنن كتابا على حدة ولنذكر عيون ما ذكره في ذلك مع ما نضيفه إليه والمعول في أصل ما نذكره عليه
قال أبو داود حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي حدثنا عيسى عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكتب إلى بعض الأعاجم فقيل له إنهم لا يقرؤن كتابا إلا بخاتم فاتخذ خاتما من فضة ونقش فيه محمد رسول الله وهكذا رواه البخاري عن عبد الاعلى بن حماد عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به ثم قال أبو داود حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن سعيد عن قتادة عن أنس بمعنى حديث عيسى بن يونس زاد فكان في يده حتى قبض وفي يد أبي بكر حتى قبض وفي يد عمر حتى قبض وفي يد عثمان فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر فأمر بها فنزحت فلم يقدر عليه تفرد به أبو داود من هذا الوجه ثم قال أبو داود رحمه الله حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن صالح قالا أنا ابن وهب أخبرني يونس (6/2)
عن ابن شهاب قال حدثني أنس قال كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم من ورق فصه حبشي وقد روى هذا الحديث البخاري من حديث الليث ومسلم من حديث ابن وهب وطلحة عن يحيى الانصاري وسليمان بن بلال زاد النسائي وابن ماجه وعثمان عن عمر خمستهم عن يونس بن يزيد الأيلي به وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه ثم قال أبو داود حدثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم من فضة كله فصه منه وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث زهير بن معاوية الجعفي أبي خيثمة الكوفي به وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقال البخاري ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز ابن صهيب عن أنس بن مالك قال اصطنع رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتما فقال إنا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا فلا ينقش عليه أحد قال فاني ارى بريقه في خنصره ثم قال أبو داود حدثنا نصير بن الفرج ثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر اتخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي بطن كفه ونقش فيه محمد رسول الله فاتخذ الناس خواتم الذهب فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال لا ألبسه أبدا ثم اتخذ خاتما من فضة نقش فيه محمد رسول الله ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر ثم لبسه بعد أبي بكر عمر ثم لبسه بعده عثمان حتى وقع في بئر أريس وقد رواه البخاري عن يوسف بن موسى عن أبي أسامة حماد بن أسامة به ثم قال أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم فنقش فيه محمد رسول الله وقال لا ينقش أحد على خاتمي هذا وساق الحديث وقد رواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث سفيان بن عيينة به نحوه ثم قال أبو داود حدثنا محمد بن يحيى ابن فارس ثنا أبو عاصم عن المغيرة بن زياد عن نافع عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال فالتمسوه فلم يجدوه فاتخذ عثمان خاتما ونقش فيه محمد رسول الله قال فكان يختم به أو يتختم به ورواه النسائي عن محمد بن معمر عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل به ثم قال أبو داود
باب في ترك الخاتم
حدثنا محمد بن سليمان لوين عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه و سلم خاتما من ورق يوما واحدا فصنع الناس فلبسوا وطرح النبي صلى الله عليه و سلم فطرح الناس ثم قال رواه عن الزهري زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر كلهم قال من ورق قلت وقد رواه البخاري حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني أنس بن مالك (6/3)
أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه و سلم خاتما من ورق يوما واحدا ثم ن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها فطرح رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتمه فطرح الناس خواتيمهم ثم علقه البخاري عن ابراهيم ابن سعد الزهري المدني وشعيب بن أبي حمزة وزياد بن سعد الخراساني واخرجه مسلم من حديثه وانفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلهم عن الزهري كما قال أبو داود خاتما من ورق والصحيح أن الذي لبسه يوما واحدا ثم رمى به إنما هو خاتم الذهب لا خاتم الورق لما ثبت في الصحيحين عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال كان رسول الله يلبس خاتما من ذهب فنبذه وقال لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم وقد كان خاتم الفضة يلبسه كثيرا ولم يزل في يده حتى توفي صلوات الله وسلامه عليه وكان فصه منه يعني ليس فيه فص ينفصل عنه ومن روى أنه كان فيه صورة شخص فقد ابعد وأخطأ بل كان فضه كله وفصه منه ونقشه محمد رسول الله ثلاثة اسطر محمد سطر رسول سطر الله سطر وكأنه والله أعلم كان منقوشا وكتابته مقلوبة ليطبع على الاستقامة كما جرت العادة بهذا وقد قيل إن كتابته كانت مستقيمة وتطبع كذلك وفي صحة هذا نظر ولست أعرف لذلك إسنادا لا صحيحا ولا ضعيفا وهذه الأحاديث التي أوردناها أنه عليه السلام كان له خاتم من فضة ترد الأحاديث التي قدمناها في سنني أبي داود والنسائي من طريق أبي عتاب سهل ابن حماد الدلال عن أبي مكين نوح بن ربيعة عن إياس بن الحارث بن معيقيب بن أبي فاطمة عن جده قال كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم من حديد ملوي عليه فضة ومما يزيده ضعفا الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي طيبة عبد الله بن مسلم السلمي المروزي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه خاتم من شبه فقال مالي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال مالي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه ثم قال يا رسول الله من أي شيء أتخذه قال اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا وقد كان عليه السلام يلبسه في يده اليمنى كما رواه أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي من حديث شريك وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن القاضي عن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسن عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن رسول الله قال شريك وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله كان يتختم في يمينه وروى في اليسرى رواه أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتختم في يساره وكان فصه في باطن كفه قال أبو داود رواه أبو إسحاق وأسامة بن زيد عن نافع في يمينه وحدثنا هناد عن عبدة عن عبيد الله عن نافع أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى ثم قال أبو داود حدثنا عبد الله بن سعيد ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتما في خنصره (6/4)
اليمنى فقلت ما هذا فقال رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا وجعل فصه على ظهرها قال ولا يخال ابن عباس إلا قد كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يلبس خاتمه كذلك وهكذا رواه الترمذي من حديث محمد بن اسحاق به ثم قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري حديث ابن إسحاق عن الصلت حديث حسن وقد روى الترمذي في الشمائل عن انس وعن جابر وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتختم في اليمين وقال البخاري حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري ثنا أبي عن ثمامة عن أنس بن مالك أن ابا بكر لما استخلف كتب له وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر قال أبو عبد الله وزاد أبو أحمد ثنا الانصاري حدثني أبي ثنا ثمامة عن أنس قال كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم في يده وفي يد أبي بكر وفي يد عمر بعد أبي بكر قال فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخذ الخاتم فجعل يعبث به فسقط قال فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم يجده فأما الحديث الذي رواه الترمذي في الشمائل حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي يسر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اتخذ خاتما من فضة فكان يختم به ولا يلبسه فانه حديث غريب جدا وفي السنن من حديث ابن جريج عن الزهري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه
ذكر سيفه عليه السلام
قال الامام احمد ثنا شريح ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الاعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال تنفل رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى الرؤيا يوم أحد قال رأيت في سيفي ذا الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم ورأيت أني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة ورأيت اني في درع حصينة فاولتها المدينة ورأيت بقرا تذبح فبقر والله خير فبقر والله خير فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه به وقد ذكر أهل السنن أنه سمع قائل يقول لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي وروى الترمذي من حديث هود بن عبد الله بن سعيد عن جده مزيدة بن جابر العبدي العصري رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة وعلى سيفه ذهب وفضة الحديث ثم قال هذا حديث غريب وقال الترمذي في الشمائل حدثنا محمد بن بشار ثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن قال كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم من فضة وروى أيضا من حديث عثمان بن سعد عن ابن سيرين قال صنعت سيفي على سيف سمرة وزعم سمرة انه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان حنفيا وقد صار إلى آل علي سيف من سيوف رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلاء عند الطف كان (6/5)
معه فأخذه علي بن الحسين بن زين العابدين فقدم معه دمشق حين دخل على يزيد بن معاوية ثم رجع معه إلى المدينة فثبت في الصحيحين عن المسور بن مخرمة أنه تلقاه إلى الطريق فقال له هل لك إلي من حاجة تأمرني بها قال فقال لا فقال هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم فاني أخشى أن يغلبك عليه القوم وأيم الله ان أعطيتنيه لا يخلص اليه أحد حتى يبلغ نفسي
وقد ذكر للنبي صلى الله عليه و سلم غير ذلك من السلاح من ذلك الدروع كما روى غير واحد منهم السائب ابن يزيد وعبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ظاهر يوم أحد بين درعين وفي الصحيحين من حديث مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل يوم الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه قيل له هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه وعند مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء وقال وكيع عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس وعليه عمامة دسماء ذكرهما الترمذي في الشمائل وله من حديث الدراوردي عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اعتم سدلها بين كتفيه وقد قال الحافظ ابو بكر البزار في مسنده حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن محمد ثنا مخول بن إبراهيم ثنا إسرائيل عن عاصم عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أنه كانت عنده عصية لرسول الله صلى الله عليه و سلم فمات فدفنت معه بين جنبه وبين قميصه ثم قال البزار لا نعلم رواه إلا مخول بن راشد وهو صدوق فيه شيعية واحتمل على ذلك وقال الحافظ البيهقي بعد روايته هذا الحديث من طريق مخول هذا قال وهو من الشيعة يأتي بإفراد عن إسرائيل لا يأتي بها غيره والضعف على رواياته بين ظاهر
ذكر نعله التي كان يمشي فيها
ثبت في الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يلبس النعال السبتية وهي التي لا شعر عليها وقد قال البخاري في صحيحه حدثنا محمد هو ابن مقاتل حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك أنا عيسى بن طهمان قال خرج إلينا أنس بن مالك بنعلين لهما قبالان فقال ثابت البناني هذه نعل النبي صلى الله عليه و سلم وقد رواه في كتاب الخمس عن عبد الله بن محمد عن أبي أحمد الزبيري عن عيسى بن طهمان عن أنس قال أخرج إلينا انس نعلين جرداوين لهما قبالان فحدثني ثابت البناني بعد عن أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه و سلم وقد رواه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع عن أبي أحمد الزبيري به وقال الترمذي في الشمائل حدثنا أبو كريب ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن عبد الله ابن الحارث عن ابن عباس قال كان لنعل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبالان مثني شراكهما وقال أيضا ثنا إسحاق بن منصور أنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي (6/6)
هريرة قال كان لنعل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبالان وقال الترمذي ثنا محمد بن مرزوق أبو عبد الله ثنا عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية ثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة قال كان لنعل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبالان وأبي بكر وعمر وأول من عقد عقدا واحدا عثمان قال الجوهري قبال النعل بالكسر الزمام الذي يكون بين الاصبع الوسطى والتي تليها قلت واشتهر في حدود سنة ستمائة وما بعدها عند رجل من التجار يقال له ابن أبي الحدرد نعل مفردة ذكر أنها نعل النبي صلى الله عليه و سلم فسامها الملك الاشرف موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب منه بمال جزيل فأبى أن يبيعها فاتفق موته بعد حين فصارت الى الملك الأشرف المذكور فأخذها إليه وعظمها ثم لما بنى دار الحديث الاشرفية الى جانب القلعة جعلها في خزانة منها وجعل لها خادما وقرر له من المعلوم كل شهر أربعون درهما وهي موجودة إلى الآن في الدار المذكورة وقال الترمذي في الشمائل ثنا محمد بن رافع وغير واحد قالوا ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا شيبان عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس عن أبيه قال كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم سلة يتطيب منها
صفة قدح النبي صلى الله عليه و سلم
قال الامام احمد حدثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن عاصم قال رأيت عند أنس قدح النبي صلى الله عليه و سلم فيه ضبة من فضة وقال الحافظ البيهقي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله أخبرني أحمد ابن محمد النسوي ثنا حماد بن شاكر ثنا محمد بن إسماعيل هو البخاري ثنا الحسن بن مدرك حدثني يحيى بن حماد أنا أبو عوانة عن عاصم الأحول قال رأيت قدح النبي صلى الله عليه و سلم عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضة قال وهو قدح جيد عريض من نضار قال أنس لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا قال وقال ابن سيرين إنه كان فيه حلقة من حديد فاراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فتركه وقال الامام احمد حدثنا روح بن عبادة ثنا حجاج بن حسان قال كنا عند أنس فدعا بإناء فيه ثلاث ضبات حديد وحلقة من حديد فأخرج من غلاف أسود وهو دون الربع وفوق نصف الربع وامر أنس بن مالك فجعل لنا فيه ماء فأتينا به فشربنا وصببنا على رؤسنا ووجوهنا وصلينا على النبي صلى الله عليه و سلم انفرد به أحمد
المكحلة التي كان عليه السلام يكتحل منها
قال الامام أحمد ثنا يزيد أنا عبد الله بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثا في كل عين وقد رواه الترمذي وابن ماجه من حديث يزيد بن هارون قال علي بن المديني سمعت يحيى بن سعيد يقول قلت لعباد بن منصور (6/7)
سمعت هذا الحديث من عكرمة فقال اخبرنيه ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عنه قلت وقد بلغني أن بالديار المصرية مزارا فيه أشياء كثيرة من آثار النبي صلى الله عليه و سلم اعتنى بجمعها بعض الوزراء المتأخرين فمن ذلك مكحلة وقيل ومشط وغير ذلك فالله أعلم البردة
قال الحافظ البيهقي وأما البرد الذي عند الخلفاء فقد روينا عن محمد بن اسحاق بن يسار في قصة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى أهل إيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار يعني بذلك أول خلفاء بني العباس وهو السفاح رحمه الله وقد توارث بنو العباس هذه البردة خلفا عن سلف كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه ويأخذ القضيب المنسوب إليه ( صلوات الله وسلامه عليه ) في إحدى يديه فيخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع به القلوب ويبهر به الابصار ويلبسون السواد في أيام الجمع والأعياد وذلك اقتداء منهم بسيد أهل البدو والحضر ممن يسكن الوبر والمدر لما أخرجه البخاري ومسلم إماما أهل الأثر من حديث عن مالك الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر وفي رواية وعليه عمامة سوداء وفي رواية قد أرخى طرفها بين كتفيه صلوات الله وسلامه عليه وقد قال البخاري ثنا مسدد ثنا اسماعيل ثنا أيوب عن محمد عن أبي بردة قال أخرجت إلينا عائشة كساء وإزارا غليظا فقالت قبض روح النبي صلى الله عليه و سلم في هذين وللبخاري من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة وابن عباس قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه و سلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا قلت وهذه الأبواب الثلاثة لا يدري ما كان من أمرها بعد هذا وقد تقدم أنه عليه السلام طرحت في تحته قبره الكريم قطيفة حمراء كان يصلي عليها ولو تقصينا ما كان يلبسه في أيام حياته لطال الفصل وموضعه كتاب اللباس من كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان
افراسه ومراكيبه عليه الصلاة و السلام
قال ابن اسحاق عن يزيد بن حبيب عن مرثد بن عبد الله المزني عن عبد الله بن رزين عن علي قال كان للنبي صلى الله عليه و سلم فرس يقال له المرتجز وحمار يقال له عفير وبغلة يقال لها دلدل وسيفه ذو الفقار ودرعه ذو الفضول ورواه لبيهقي من حديث الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي نحوه قال البيهقي وروينا في كتاب السنن أسماء أفراسه التي كانت عند الساعد بين لزاز واللحيف وقيل اللخيف والظرب والذي ركبه لأبي طلحة يقال له المندوب وناقته القصواء والعضباء والجدعاء (6/8)
وبغلته الشهباء والبيضاء قال البيهقي وليس في شيء من الروايات أنه مات عنهن إلا ما روينا في بغلته البيضاء وسلاحه وأرض جعلها صدقة ومن ثيابه وبلغته وخاتمه ما روينا في هذا الباب وقال أبو داود الطيالسي ثنا زمعة بن صالح عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وله جبة صوف في الحياكة وهذا إسناد جيد وقد روى الحافظ أبو يعلى في مسنده حدثنا مجاهد عن موسى ثنا علي بن ثابت ثنا غالب الجزري عن انس قال لقد قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنه لينسج له كساء من صوف وهذا شاهد لما تقدم وقال أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصير ثنا سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير عن حسين عن فاطمة بنت الحسين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبض وله بردان في الجف يعملان وهذا مرسل وقال أبو القاسم الطبراني ثنا الحسن بن إسحاق التستري ثنا أبو امية عمرو بن هشام الحراني ثنا عثمان بن عبد الرحمن بن علي ابن عروة عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء وعمرو بن دينار عن ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم سيف قائمته من فضة وقبيعته وكان يسميه ذا الفقار وكان له قوس تسمى السداد وكانت له كنانة تسمى الجمع وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى ذات الفضول وكانت له حربة تسمى السغاء وكان له مجن يسمى الذقن وكان له ترس أبيض يسمى الموجز وكان له فرس أدهم يسمى السكب وكان له سهرج يسمى الداج وكان له بغلة شهباء يقال لها دلدل وكانت له ناقة تسمى القصواء وكان له حمار يقال له يعفور وكان له بساط يسمى الكرمه وكان له نمرة تسمى النمر وكانت له ركوة تسمى الصادر وكانت له مرآة تسمى المرآة وكان له مقراض يسمى الجاح وكان له قضيب شوحط يسمى الممشوق قلت قد تقدم عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة سوى بغلة وأرض جعلها صدقة وهذا يقتضي أنه عليه السلام نجز العتق في جميع ما ذكرناه من العبيد والاماء والصدقة في جميع ما ذكر من السلاح والحيوانات والاثاث والمتاع مما أوردناه ومالم نورده وأما بغلته فهي الشهباء وهي البيضاء ايضا والله أعلم وهي التي أهداها له المقوقس صاحب الاسكندرية واسمه جريج بن ميناء فيما أهدي من التحف وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم راكبها يوم حنين وهو في نحور العدو ينوه باسمه الكريم شجاعة وتوكلا على الله عز و جل فقد قيل إنها عمرت بعده حتى كانت عند علي بن ابي طالب في أيام خلافته وتأخرت أيامها حتى كانت بعد علي عند عبد الله بن جعفر فكان يجش لها الشعير حتى تأكله من ضعفها بعد ذلك وأما حماره يعفور ويصغر فيقال له عفير فقد كان عليه السلام يركبه في بعض الأحايين وقد روى أحمد من حديث محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي (6/9)
حبيب عن يزيد بن عبد الله العوفي عن عبد الله بن رزين عن علي قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركب حمارا يقال له عفير ورواه أبو يعلى من حديث عون بن عبد الله عن ابن مسعود وقد ورد في أحاديث عدة أنه عليه السلام ركب الحمار وفي الصحيحين أنه عليه السلام مر وهو راكب حمارا بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وأخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فنزل ودعاهم الى الله عز و جل وذلك قبل وقعة بدر وكان قد عزم على عيادة سعد بن عبادة فقال له عبد الله لا أحسن مما تقول ايها المرء فان كان حقا فلا تغشنا به في مجالسنا وذلك قبل أن يظهر الاسلام ويقال إنه خمر أنفه لما غشيتهم عجاجة الدابة وقال لا تؤذنا بنتن حمارك فقال له عبد الله ابن رواحة والله لريح حمار رسول الله صلى الله عليه و سلم أطيب من ريحك وقال عبد الله بل يا رسول الله اغشنا به في مجالسنا فانا نحب ذلك فتثاور الحيان وهموا أن يقتتلوا فسكنهم رسول الله ثم ذهب الى سعد بن عبادة فشكى اليه عبد الله بن أبي فقال ارفق به يا رسول الله فوالذي أكرمك بالحق لقد بعثك الله بالحق وانا لننظم له الخدر لنملكه علينا فلما جاء الله بالحق شرق بريقه وقد قدمنا أنه ركب الحمار في بعض أيام خيبر وجاء أنه أردف معاذا على حمار ولو أوردناها بألفاظها وأسانيدها لطال الفصل والله أعلم فأما ما ذكره القاضي عياض بن موسى السبتي في كتابه الشفا وذكره قبل إمام الحرمين في كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما انه كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم حمار يسمى زياد بن شهاب وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه فيجيء إلى باب أحدهم فيقعقعه فيعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يطلبه وأنه ذكر للنبي صلى الله عليه و سلم أنه سلالة سبعين حمارا كل منها ركبه نبي وأنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب فتردى في بئر فمات فهو حديث لا يعرف له إسناد بالكلية وقد أنكره غير واحد من الحفاظ منهم عبد الرحمن بن أبي حاتم وأبوه رحمهما الله وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ينكره غير مرة إنكارا شديدا وقال الحافظ ابو نعيم في كتاب دلائل النبوة ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا ابراهيم ابن سويد الجذوعي حدثني عبد الله بن أذين الطائي عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهو بخيبر حمار اسود فوقف بين يديه فقال من أنت قال أنا عمرو بن فلان كنا سبعة إخوة كلنا ركبنا الأنبياء وأنا أصغرهم وكنت لك فملكني رجل من اليهود فكنت إذا ذكرتك كبوت به فيوجعني ضربا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنت يعفور هذا حديث غريب جدا (6/10)
فصل
وهذا أوان إيراد ما بقي علينا من متعلقات السيرة الشريفة وذلك أربعة كتب الأول في الشمائل الثاني في الدلائل الثالث في الفضائل الرابع في الخصائص وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم
كتاب الشمائل
شمائل رسول الله صلى الله عليه و سلم وبيان خلقه الطاهر
قد صنف الناس في هذا قديما وحديثا كتبا كثيرة مفردة وغير مفردة ومن أحسن من جمع في ذلك فأجاد وافاد الامام ( أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ) رحمه الله أفرد في هذا المعنى كتابه المشهور بالشمائل ولنا به سماع متصل اليه ونحن نورد عيون ما أورده فيه ونزيد عليه اشياء مهمة لا يستغنى عنها المحدث والفقيه ولنذكر أولا بيان حسنه الباهر الجميل ثم نشرع بعد ذلك في إيراد الجمل والتفاصيل فنقول والله حسبنا ونعم الوكيل
باب ما ورد في حسنه الباهر
قال البخاري ثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله ثنا إسحاق بن منصور ثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي اسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول كان النبي صلى الله عليه و سلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب عن إسحاق بن منصور وقال البخاري حدثنا جعفر بن عمر ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء ابن عازب قال كان النبي صلى الله عليه و سلم مربوعا بعيد ما بين المنكبين له شعر يبلغ شحمة أذنه رأيته في حلة حمراء لم ار شيئا قط أحسن منه قال يوسف بن أبي اسحاق عن أبيه الى منكبيه وقال الامام أحمد حدثنا وكيع ثنا اسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال ما رأيت من ذي لمة أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه و سلم له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين ليس بالطويل ولا بالقصير وقد رواه مسلم وأبو دواد والترمذي والنسائي من حديث وكيع به وقال الامام أحمد ثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل أنا أبو اسحاق ح وحدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إسرائيل عن أبي اسحاق قال سمعت البراء يقول ما رأيت أحدا من خلق الله أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن جمته لتضرب الى منكبيه قال ابن أبي بكير لتضرب قريبا من (6/11)
منكبيه قال يعني ابن اسحاق وقد سمعته يحدث به مرارا ما حدث به قط الاضحك وقد رواه البخاري في اللباس والترمذي في الشمائل والنسائي في الزينة من حديث إسرائيل به وقال البخاري حدثنا أبو نعيم ثنا زهير عن أبي اسحاق قال سئل البراء بن عازب أكان وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل السيف قال لا بل مثل القمر ورواه الترمذي من حديث زهير بن معاوية الجعفي الكوفي عن أبي اسحاق السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله الكوفي عن البراء بن عازب به وقال حسن صحيح وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان ببغداد أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم وعبد الله عن اسرائيل عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم وجهه مثل السيف قال لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى به وقد رواه الامام أحمد مطولا فقال ثنا عبد الرزاق أنا اسرائيل عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته فإذا ادهن ومشطهن لم ينبين وإذا شعث رأسه تبين وكان كثير الشعر واللحية فقال رجل وجهه مثل السيف قال لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا قال ورأيت خاتمه عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده وقال الحافظ البيهقي أنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ثنا المحاربي عن أشعث عن أبي اسحاق عن جابر بن سمرة قال رايت رسول الله صلى الله عليه و سلم في ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر هكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا عن هناد بن السري عن عيثر بن القاسم عن أشعث بن سوار قال النسائي وهو ضعيف وقد أخطأ والصواب أبو أسحاق عن البراء وقال الترمذي هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث اشعث بن سوار وسألت محمد بن اسماعيل يعني البخاري قلت حديث أبي اسحاق عن البراء أصح أم حديثه عن جابر فرأى كلاالحديثين صحيحا وثبت في صحيح البخاري عن كعب بن مالك في حديث التوبة قال وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر وقد تقدم الحديث بتمامه وقال يعقوب بن سفيان حدثنا سعيد ثنا يونس بن أبي يعفور العبدي عن أبي اسحاق الهمداني عن امرأة من همدان سماها قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة بيده محجن عليه بردان أحمران يكاد يمس منكبه إذا مر بالحجر استلمه بالمحجن ثم يرفعه إليه فيقبله قال أبو اسحاق فقلت لها شبهته قالت كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله وقال يعقوب بن سفيان حدثنا ابراهيم بن المنذر ثنا عبد الله بن موسى التيمي ثنا أسامة بن زيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال قلت للربيع بنت (6/12)
معوذ صفى لي رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة ورواه البيهقي من حديث يعقوب بن محمد الزهري عن عبد الله بن موسى التيمي بسنده فقالت لو رأيته لقلت الشمس طالعة وثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم مسرورا تبرق أسارير وجهه الحديث
صفة لون رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن خالد هو ابن يزيد عن سعيد يعني ابن هلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سمعت أنس بن مالك يصف النبي صلى الله عليه و سلم قال كان ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا بآدم ليس بجعد قطط ولا سبط رجل أنزل عليه وهو ابن أربعين فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه وبالمدينة عشر سنين وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء قال ربيعة فرأيت شعرا من شعره فاذا هو أحمر فسألت فقيل احمر من الطيب ثم قال البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم وليس بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء وكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك ورواه أيضا عن قتيبة ويحيى بن أيوب وعلي بن حجر ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر وعن القاسم بن زكريا عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال ثلاثتهم عن ربيعة به ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن مالك به وقال الترمذي حسن صحيح قال الحافظ البيهقي ورواه ثابت عن أنس فقال كان أزهر اللون قال ورواه حميد كما أخبرنا ثم ساق باسناده عن يعقوب بن سفيان حدثني عمرو بن عون وسعيد بن منصور قالا حدثنا خالد بن عبد الله عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أسمر اللون وهكذا روى هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار عن علي عن خالد بن عبد الله عن حميد عن أنس وحدثناه محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا حميد عن أنس قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالطويل ولا بالقصير وكان إذا مشى تكفأ وكان أسمر اللون ثم قال البزار لا نعلم رواه عن حميد إلا خالد وعبد الوهاب ثم قال البيهقي رحمه الله أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر البزار ثنا يحيى ابن جعفر ثنا علي بن عاصم ثنا حميد سمعت أنس بن مالك يقول فذكر الحديث في صفة النبي صلى الله عليه و سلم قال كان أبيض بياضه الى السمرة قلت وهذا السياق أحسن من الذي قبله وهو يقتضي أن (6/13)
السمرة التي كانت تعلو وجهه عليه السلام من كثرة اسفاره وبروزه للشمس والله أعلم فقد قال يعقوب ابن سفيان الفسوي أيضا حدثني عمرو بن عون وسعيد بن منصور قالا ثنا خالد بن عبد الله بن الجريري عن أبي الطفيل قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم ولم يبق أحد رآه غيري فقلنا له صف لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كان أبيض مليح الوجه ورواه مسلم عن سعيد بن منصور به ورواه أيضا أبو داود من حديث سعيد بن اياس الجريري عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أبيض مليحا إذا مشى كأنما ينحط في صبوب لفظ أبي داود وقال الامام احمد حدثنا زيد بن هارون الجريري قال كنت أطوف مع أبي الطفيل فقال ما بقي أحد رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم غيري قلت ورأيته قال نعم قال قلت كيف كانت صفته قال كان ابيض مليحا مقصدا وقد رواه الترمذي عن سفيان بن وكيع ومحمد بن بشار كلاهما عن يزيد بن هارون به وقال البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الله بن جعفر أو ابو الفضل محمد بن ابراهيم ثنا احمد ابن سلمة ثنا واصل بن عبد الاعلى الاسدي ثنا محمد بن فضيل عن اسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أبيض قد شاب وكان الحسن بن علي يشبهه ثم قال رواه مسلم عن واصل بن عبد الأعلى ورواه البخاري عن عمرو بن علي عن محمد بن فضيل وأصل الحديث كما ذكر في الصحيحين ولكن بلفظ آخر كما سيأتي وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن أبيه أن سراقة بن مالك قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما دنوت منه وهو على ناقته جعلت أنظر إلى ساقه كأنها جمارة وفي رواية يونس عن ابن اسحاق والله لكأني انظر الى ساقه في غرزه كأنها جمارة قلت يعني من شدة بياضها كأنها جمارة طلع النخل وقال الامام احمد ثنا سفيان بن عيينة عن اسماعيل بن أمية عن مولى لهم مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد عن رجل من خزاعة يقال له محرش أو مخرش لم يكن سفيان يقف على اسمه وربما قال محرش ولم اسمعه أنا ان النبي صلى الله عليه و سلم خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر ثم رجع فأصبح بها كبائت فنظرت الى ظهره كأنها سبيكة فضة تفرد به أحمد وهكذا رواه يعقوب بن سفيان عن الحميدي عن سفيان بن عيينة وقال يعقوب بن سفيان حدثنا إسحاق بن ابراهيم بن العلاء حدثني عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي أخبرني محمد بن مسلم عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كان شديد البياض وهذا إسناد حسن ولم يخرجوه وقال الامام أحمد ثنا حسن ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة أنه سمع أبا هريرة يقول ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم كان كأن الشمس تجري في جبهته وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله (6/14)
صلى الله عليه و سلم كأنما الأرض تطوى له إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث ورواه الترمذي عن قتيبة عن ابن لهيعة به وقال كأن الشمس تجري في وجهه وقال غريب ورواه البيهقي من حديث عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد المصري عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس عن أبي هريرة وقال كأنما الشمس تجري في وجهه وكذلك رواه ابن عساكر من حديث حرملة عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس عن أبي هريرة فذكره وقال كأنما الشمس تجري في وجهه وقال البيهقي أنا علي بن أحمد بن عبدان أنا احمد بن عبيد الصفار ثنا ابراهيم بن عبد الله ثنا حجاج ثنا حماد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي يعني ابن الحنفية عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أزهر اللون وقال أبو داود الطيالسي حدثنا المسعودي عن عثمان بن عبد الله بن هرمز عن نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مشربا وجهه حمرة وقال يعقوب بن سفيان ثنا ابن الاصبهاني ثنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير قال وصف لنا علي النبي صلى الله عليه و سلم فقال كان أبيض مشرب الحمرة وقد رواه الترمذي بنحره من حديث المسعودي عن عثمان بن مسلم عن هرمز وقال هذا حديث صحيح قال البيهقي وقد روى هكذا عن علي من وجه آخر قلت رواه ابن جريج عن صالح بن سعيد عن نافع بن جبير عن علي قال البيهقي ويقال إن المشرب فيه حمرة ماضحا للشمس والرياح وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر
صفة وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر محاسنه فرقه وجبينه وحاجبيه وعينيه وانفه
قد تقدم قول ابي الطفيل كان ابيض مليح الوجه وقول أنس كان أزهر اللون وقول البراء وقد قيل له اكان وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل السيف يعني في صقاله فقال لا بل مثل القمر وقول جابر بن سمرة وقد قيل له مثل ذلك فقال لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا وقول الربيع بنت معوذ لو رأيته لقلت الشمس طالعة وفي رواية لرأيت الشمس طالعة وقال أبو إسحاق السبيعي عن امرأة من همدان حجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألها عنه فقالت كان كالقمر ليلة البدر لم ار قبله ولا بعده مثله وقال ابو هريرة كأن الشمس تجري في وجهه وفي رواية في جبهته وقال الامام أحمد حدثنا عفان وحسن بن موسى قالا ثنا حماد وهو ابن سلمة عن عبد الله ابن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ضخم الرأس عظيم العينين أهدب الاشفار مشرب العينين بحمره كث اللحية أزهر اللون شتن الكفين والقدمين إذا مشى كأنما يمشي في صعد واذا التفت التفت جميعا تفرد به أحمد وقال ابو يعلى حدثنا زكريا (6/15)
ويحيى الواسطي ثنا عباد بن العوام ثنا الحجاج عن سالم المكي عن ابن الحنفية عن علي أنه سئل عن صفة النبي صلى الله عليه و سلم فقال كان لا قصيرا ولا طويلا حسن الشعر رجله مشربا وجهه حمرة ضخم الكراديس شئن الكعبين والقدمين عظيم الراس طويل المسربة لم ار قبله ولا بعده مثله إذا مشى تكفأ كأنما ينزل من صبب وقال محمد بن سعد عن الواقدي حدثني عبد الله بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن فاني لأخطب يوما على الناس وحبر من احبار يهود واقف في يده سفر ينظر فيه فلما رآني قال صف لنا أبا القاسم فقال علي رسول الله ليس بالقصير ولا بالطويل البائن وليس بالجعد القطط ولا بالسبط هو رجل الشعر أسوده ضخم الرأس مشربا لونه حمرة عظيم الكراديس شثن الكفين والقدمين طويل المسربة وهو الشعر الذي يكون من النحر إلى السرة أهدب الأشفار مقرون الحاجبين صلت الجبين بعيد ما بين المنكبين إذا مشى تكفأ كأنما ينزل من صبب لم أر قبله مثله ولا بعده مثله قال علي ثم سكت فقال لي الحبر وماذا قال علي هذا ما يحضرني قال الحبر في عينيه حمر حسن اللحية حسن الفم تام الأذنين يقبل جميعا ويدبر جميعا فقال علي والله هذه صفته قال الحبر [ وماذا ] قال علي وما هو قال الحبر وفيه جناء قال علي هو الذي قلت لك كأنما ينزل من صبب قال الحبر فاني أجد هذه الصفة في سفر اياي ونجده يبعث في حرم الله وأمنه وموضع بيته ثم يهاجر الى حرم يحرمه هو ويكون له حرمة كحرمة الحرم الذي حرم الله ونجد أنصاره الذين هاجر اليهم قوما من ولد عمر بن عامر أهل نخل وأهل الأرض قبلهم يهود قال علي هو هو وهو رسول الله قال الحبر فاني أشهد أنه نبي وأنه رسول الله الى الناس كافة فعلى ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله قال فكان يأتي عليا فيعلمه القرآن ويخبره بشرائع الاسلام ثم خرج علي والحبر من هنالك حتى مات في خلافة أبي بكر وهو مؤمن برسول الله صلى الله عليه و سلم مصدق به وهذه الصفة قد وردت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من طرق متعددة سيأتي ذكرها وقال يعقوب بن سفيان حدثنا سعيد بن منصور حدثنا خالد بن عبد الله عن عبيد الله بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال سئل أو قيل لعلي انعت لنا رسول الله فقال كان ابيض مشربا بياضه حمرة وكان أسود الحدقة أهدب الأشفار قال يعقوب وحدثنا عبد الله ابن سلمة وسعيد بن منصور قالا ثنا عيسى بن يونس ثنا عمر بن عبد الله مولى عفرة عن ابراهيم ابن محمد عن ولد علي قال كان علي اذا نعت رسول الله قال كان في الوجه تدوير أبيض أدعج العينين أهدب الاشفار قال الجوهري الدعج شدة سواد العينين مع سعتها وقال أبو داود الطيالسي ثنا (6/16)
شعبة أخبرني سماك سمعت جابر بن سمرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اشهل العينين منهوس العقب ضليع الفم هكذا وقع في روايةأبي داود عن شعبة أشهل العينين قال أبو عبيد والشهلة حمرة في سواد العين والشكلة حمرة في بياض العين قلت وقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه عن أبي موسى وبندار كلاهما عن أحمد بن منيع عن ابي قطن عن شعبة به وقال أشكل العينين وقال حسن صحيح ووقع في صحيح مسلم تفسير الشكلة بطول أشفار العينين وهو من بعض الرواة وقول أبي عبيد حمرة في بياض العين أشهر وأصح وذلك يدل على القوة والشجاعة والله تعالى أعلم وقال يعقوب بن سفيان ثنا إسحاق بن ابراهيم حدثني عمرو بن الحرث حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله فقال كان مفاض الجبين أهدب الاشفار وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو غسان ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي حدثني رجل بمكة عن ابن لأبي هالة التميمي عن الحسن بن علي عن خاله قال كان رسول الله واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الاسنان وقال يعقوب ثنا ابراهيم بن المنذر ثنا عبد العزيز بن أبي ثابت الزهري ثنا إسماعيل بن ابراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال كان رسول الله أفلج الثنيتين وكان إذا تكلم رئي كالنور بين ثناياه ورواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن المنذربه وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عباد بن حجاج عن سماك عن جابر عن سمرة قال كنت إذا نظرت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت أكحل العينين وليس بأكحل وكان في ساقي رسول الله حموشة وكان لا يضحك إلا تبسما وقال الامام احمد ثنا وكيع حدثني مجمع بن يحيى عن عبد الله بن عمران الانصاري عن علي والمسعودي عن عثمان بن عبد الله عن هرمز عن نافع بن جبير عن علي قال كان رسول الله ليس بالقصير ولا بالطويل ضخم الرأس واللحية شثن الكفين والقدمين والكراديس مشربا وجهه حمرة طويل المسربة إذا مشى تكفأ كأنما يقلع من صخر لم ار قبله ولا بعده مثله قال ابن عساكر وقد رواه عبد الله بن داود الخريبي عن مجمع فأدخل بين ابن عمران وبين علي رجلا غير مسمى ثم أسند من طريق عمرو بن علي الفلاس عن عبد الله بن داود ثنا مجمع بن يحيى الأنصاري عن عبد الله ابن عمران عن رجل من الأنصار قال سألت علي بن أبي طالب وهو محتب بحمالة سيفه في مسجد الكوفة عن نعت رسول الله فقال كان أبيض اللون مشربا حمرة أدعج العينين سبط الشعر دقيق المسربة سهل الخد كث اللحية ذا وفرة كأن عنقه إبريق فضة له شعر من لبته إلى سرته كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره شثن الكفين والقدم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى (6/17)
كأنما يتقلع من صخر وإذا التفت التفت جميعا ليس بالطويل ولا بالقصير ولا العاجز ولا اللأم كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر لم ار قبله ولا بعده مثله وقال يعقوب بن سفيان ثنا سعيد بن منصور ثنا نوح بن قيس الحراني ثنا خالد بن خالد التميمي عن يوسف بن مازن المازني أن رجلا قال لعلي يا أمير المؤمنين انعت لنا رسول الله قال كان أبيض مشربا حمرة ضخم الهامة أغر أبلج أهدب الأشفار وقال الامام أحمد ثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن ابن عمير قال شريك قلت له عمن يا ابا عمير ( عمن حدثه ) قال عن نافع بن جبير عن أبيه عن علي قال كان رسول الله ضخم الهامة مشربا حمرة شثن الكفين والقدمين ضخم اللحية طويل المسربة ضخم الكراديس يمشي في صبب يتكفأ في المشية لا قصير ولا طويل لم أر قبله مثله ولا بعده وقد روى لهذا شواهد كثيرة عن علي وروى عن عمر نحوه وقال الواقدي ثنا بكير بن مسمار عن زياد بن سعد قال سألت سعد بن أبي وقاص هل خضب رسول الله قال لا ولا هم به كان شيبه في عنفقته وناصيته لو أشاء أن أعدها لعددتها قلت فما صفته قال كان رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالادم ولا بالسبط ولا بالقطط وكانت لحيته حسنة وجبينه صلتا مشربا بحمرة شثن الاصابع شديد سواد الرأس واللحية وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني ثنا أبو محمد عبد الله ابن جعفر بن أحمد بن فارس ثنا يحيى بن حاتم العسكري ثنا بسر بن مهران ثنا شريك عن عثمان ابن المغيرة عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال إن أول شيء علمته من رسول الله قدمت مكة في عمومة لي فأرشدونا إلى العباس بن عبد المطلب فانتهينا اليه وهو جالس إلى زمزم فجلسنا إليه فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا ابيض تعلوه حمرة له وفرة جعدة إلى أنصاف اذنيه اقنى الأنف براق الثنايا أدعج العينين كث اللحية دقيق المسربة شثن الكفين والقدمين عليه ثوبان أبيضان كأنه القمر ليلة البدر وذكر تمام الحديث وطوافه عليه السلام بالبيت وصلاته عنده هو وخديجة وعلي بن أبي طالب وأنهم سألوا العباس عنه فقال هذا هو ابن أخي محمد بن عبد الله وهو يزعم أن الله أرسله إلى الناس وقال الامام أحمد ثنا جعفر ثنا عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي قال رأيت رسول الله في النوم في زمن ابن عباس قال وكان يزيد يكتب المصاحف قال فقلت لابن عباس إنى رأيت رسول الله في النوم قال ابن عباس فأن رسول الله ص صلى الله عليه و سلم كان يقول إن الشيطان لا يستطيع ان يتشبه بي فمن رآني فقد رآني هل تستطيع أن تنعت لنا هذا الرجل الذي رأيت قال قلت نعم رأيت رجلا بين الرجلين جسمه ولحمه أسمر إلى البياض حسن (6/18)
الضحك أكحل العينين جميل دوائر الوجه قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه حتى كادت تملأ نحره قال عوف لا أدري ما كان مع هذا من النعت قال فقال ابن عباس لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا وقال محمد بن يحيى الذهلي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري قال سئل أبو هريرة عن صفة رسول الله فقال أحسن الصفة وأجملها كان ربعة إلى الطول ما هو بعيد ما بين المنكبين أسيل الخدين شديد سواد الشعر أكحل العين أهدب الأشفار إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها ليس لها أخمص إذا وضع رداءه على منكبيه فكأنه سبيكة فضة وإذا ضحك كاد يتلألأ في الجدر لم أر قبله ولا بعده مثله وقد رواه محمد بن يحيى من وجه آخر متصل فقال ثنا إسحاق ابن ابراهيم يعني الزبيدي حدثني عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فذكر نحو ما تقدم ورواه الذهلي عن إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل عن صالح عن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول الله كأنما صيغ من فضة رجل الشعر مفاض البطن عظيم مشاش المنكبين يطأ بقدمه جميعا إذا أقبل أقبل جيمعا وإذا أدبر أدبر جميعا ورواه الواقدي حدثني عبد الملك عن سعيد بن عبيد بن السباق عن أبي هريرة قال كان رسول الله شثن القدمين والكفين ضخم الساقين عظيم الساعدين ضخم العضدين والمنكبين بعيد ما بينهما رحب الصدر رجل الرأس أهدب العينين حسن الفم حسن اللحية تام الأذنين ربعة من القوم لا طويل ولا قصير أحسن الناس لونا يقبل معا ويدبر معا لم أر مثله ولم أسمع بمثله وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا أبو الحسن المحمودي المروزي ثنا أبو عبد الله محمد بن عي الحافظ ثنا محمد بن المثنى ثنا عثمان بن عمر ثنا حرب بن سريج صاحب الحلواني حدثني رجل بلعدربه حدثني جدي قال انطلقت إلى المدينة أذكر الحديث في رؤية رسول الله قال فإذا رجل حسن الجسم عظيم الجمة دقيق الأنف دقيق الحاجبين وإذا من لدن نحره إلى سرته كالخيط الممدود شعره ورأسه من طمرين فدنا مني وقال السلام عليك
ذكر شعره عليه السلام
قد ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رءوسهم فسدل رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم فرق بعد وقال الامام احمد ثنا حماد ابن خالد ثنا مالك ثنا زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سدل ناصيته (6/19)
ما شاء أن يسدل ثم فرق بعد تفرد به من هذا الوجه وقال محمد بن اسحاق بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت أنا فرقت لرسول الله رأسه صدعت فرقه عن يافوخه وأرسلت ناصيته بين عينيه قال ابن اسحاق وقد قال محمد بن جعفر بن الزبير وكان فقيها مسلما ما هي إلا سيما من سيما النصارى تمسكت بها النصارى من الناس وثبت في الصحيحين عن البراء أن رسول الله كان يضرب شعره الى منكبيه وجاء في الصحيح عنه وعن غيره إلى أنصاف أذنيه ولا منافاة بين الحالين فإن الشعر تارة يطول وتارة يقصر منه فكل حكى بحسب ما رأى وقال أبو داود ثنا ابن نفيل ثنا ابن الرواد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم فوق الوفرة ودون الجمة وقد ثبت أنه عليه السلام حلق جميع رأسه في حجة الوداع وقد مات بعد ذلك بأحد وثمانين يوما صلوات الله وسلامه عليه دائما الى يوم الدين وقال يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن مسلم ويحيى بن عبد الحميد قالا ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قالت أم هانئ قدم النبي صلى الله عليه و سلم مكة قدمة وله أربع غدائر تعني ضفائر وروى الترمذي من حديث سفيان بن عيينة وثبت في الصحيحين من حديث ربيعة عن أنس قال بعد ذكره شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه ليس بالسبط ولا بالقطط قال وتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء وفي صحيح البخاري من حديث أيوب عن ابن سيرين أنه قال قلت لأنس أخضب رسول الله قال إنه لم ير من الشيب إلا قليلا وكذا روى هو ومسلم من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس وقال حماد بن سلمة عن ثابت قيل لأنس هل كان شاب رسول الله فقال ما شانه الله بالشيب ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة شعرة وعند مسلم من طريق المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله لم يختضب انما كان شمط عند العنفقته يسيرا وفي الصدغين يسيرا وفي الرأس يسيرا وقال البخاري ثنا أبو نعيم ثنا همام عن قتادة قال سألت انسا هل خضب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا إنما كان شيء في صدغيه وروى البخاري عن عصام بن خالد عن جرير بن عثمان قال قلت لعبد الله بن بسر السلمى رأيت رسول الله أكان شيخا قال كان في عنفقته شعرات بيض وتقدم عن جابر بن سمرة مثله وفي الصحيحين من حديث أبي اسحاق عن أبي جحيفة قال رأيت رسول الله هذه منه بيضاء يعني عنفقته وقال يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن عثمان عن أبي حمزة السكري عن عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي قال دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر رسول الله فاذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم رواه البخاري عن إسماعيل بن موسى عن سلام بن أبي مطيع عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن أم سلمة به وقال البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا يحيى بن بكير ثنا إسرائيل (6/20)
عن عثمان بن موهب قال كان عند أم سلمة جلجل من فضة ضخم فيه من شعر رسول الله فكان اذا أصاب إنسانا الحمى بعث اليها فحضحضته فيه ثم ينضحه الرجل على وجهه قال فبعثني أهلي اليها فأخرجته فاذا هو هكذا وأشار إسرائيل بثلاث أصابع وكان فيه خمس شعرات حمر رواه البخاري عن مالك بن إسماعيل عن إسرائيل وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم ثنا عبيد الله ابن إياد حدثني إياد عن أبي رمثة قال انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأيته قال هل تدري من هذا قلت لا قال إن هذا رسول الله فاقشعررت حين قال ذلك وكنت أظن أن رسول صلى الله عليه و سلم شيء لا يشبه الناس فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء وعليه بردان أخضران ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبيد الله بن إياد بن لقيط عن أبيه عن أبي رمثة واسمه حبيب بن حيان ويقال رفاعة بن يثربي وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث إياد كذا قال وقد رواه النسائي أيضا من حديث سفيان الثوري وعبد الملك بن عمير كلاهما عن إياد بن لقيط به ببعضه ورواه يعقوب بن سفيان أيضا عن محمد بن عبد الله المخرمي عن أبي سفيان الحميري عن الضحاك بن حمزة بن غيلان بن جامع عن إياد بن لقيط بن أبي رمثة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخضب بالحناء والكتم وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه وقال أبو داود ثنا عبد الرحيم بن مطرف بن سفيان ثنا عمرو بن محمد أنا ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران وكان ابن عمر يفعل ذلك ورواه النسائي عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي عن عمرو بن محمد المنقري به وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم ثنا الحسن بن محمد بن زياد ثنا إسحاق بن ابراهيم ثنا يحيى بن آدم ح وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر أنا يعقوب بن سفيان حدثني أبو جعفر محمد بن عمر بن الوليد الكندي الكوفي ثنا يحيى ابن آدم ثنا شريك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان شيب رسول الله صلى الله عليه و سلم نحوا من عشرين شعرة وفي رواية إسحاق رأيت شيب رسول الله نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه قال البيهقي وحدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أحمد بن سلمان الفقيه ثنا هلال بن العلاء الرقي ثنا حسين بن عباس الرقي ثنا جعفر بن برقان ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل قال قدم انس بن مالك المدينة وعمر بن عبد العزيز وال عليها فبعث إليه عمر وقال للرسول سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني رأيت شعرا من شعره قد لون فقال أنس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد منع بالسواد ولو عددت ما أقبل على من شيبه في راسه ولحيته ما كنت أزيد على إحدى عشرة شيبة وإنما هو الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الذي غير لونه قلت ونفى (6/21)
أنس للخضاب معارض بما تقدم عن غيره من اثباته والقاعدة المقررة أن الاثبات مقدم على النفى لأن المثبت معه زيادة علم ليست عند النافي وهكذا إثبات غيره لزيادة ما ذكر من السبب مقدم لا سيما عن ابن عمر الذي المظنون أنه تلقى ذلك عن أخته أم المؤمنين حفصة فان اطلاعها أتم من اطلاع أنس لأنها ربما أنها فلت رأسه الكريم عليه الصلاة و السلام
ما ورد في منكبيه وساعديه وإبطيه وقدميه وكعبيه صلى الله عليه و سلم
قد تقدم ما أخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مربوعا بعيدا ما بين المنكبين وروى البخاري عن أبي النعمان عن جرير عن قتادة عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم ضخم الرأس والقدمين سبط الكفين وتقدم من غير وجه أنه عليه السلام كان شثن الكفين والقدمين وفي رواية ضخم الكفين والقدمين وقال يعقوب ابن سفيان ثنا آدم وعاصم بن علي قالا ثنا ابن أبي ذئب ثنا صالح مولى التوأمة قال كان ابو هريرة ينعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كان شبح الذراعين بعيد ما بين المنكبين أهدب اشفار العينين وفي حديث نافع بن جبير عن علي قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم شثن الكفين والقدمين ضخم الكراديس طويل المسربة وتقدم في حديث حجاج عن سماك عن جابر بن سمرة قال كان في ساقي رسول الله صلى الله عليه و سلم حموشة أي لم يكونا ضخمين وقال سراقة بن مالك بن جعشم فنظرت الى ساقيه وفي رواية قدميه في الغرز يعني الركاب كأنهما جمارة أي جمارة النخل من بياضهما وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة كان ضليع الفم وفسره بأنه عظيم الفم أشكل العينين وفسره بأنه طويل شق العينين منهوس العقب وفسره بأنه قليل لحم العقب وهذا أنسب وأحسن في حق الرجال وقال الحارث بن أبي اسامة ثنا عبد الله بن بكر ثنا حميد عن أنس قال أخذت أم سليم بيدي مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فقالت يا رسول الله هذا أنس غلام كاتب يخدمك قال فخدمته تسع سنين فما قال لشيء صنعت أسأت ولا بئس ما صنعت ولا مسست شيئا قط خزا ولا حريرا ألين من كف رسول الله ولا شممت رائحة قط مسكا ولا عنبرا أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهكذا رواه معتمر بن سليمان وعلي بن عاصم ومروان بن معاوية الفزاري وإبراهيم بن طهمان كلهم عن حميد عن أنس في لين كفه عليه السلام وطيب رائحته صلاة الله وسلامه عليه وفي حديث الزبيدي عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله كان يطأ بقدمه كلها ليس لها أخمص وقد جاء خلاف هذا كما سيأتي وقال يزيد بن هارون حدثني عبد الله بن يزيد بن مقسم قال حدثتني عمتي سارة بنت مقسم عن ميمونة بنت كردم قالت رأيت رسول الله بمكة وهو على ناقة وأنا مع أبي وبيد رسول الله درة كدرة الكتاب فدنا منه أبي فأخذ يقدمه فأقر له رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت فما نسيت (6/22)
طول أصبع قدمه السبابة على سائر أصابعه ورواه الامام أحمد عن يزيد بن هارون مطولا ورواه أبو داود من حديث يزيد بن هارون ببعضه وعن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريح عن إبراهيم بن ميسرة عن خالته عنها ورواه ابن ماجه من وجه آخر عنها والله أعلم وقال البيهقي أنا علي بن أحمد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن إسحاق أبو بكر ثنا سلمة بن حفص السعدي ثنا يحيى بن اليمان ثنا إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة قال كانت إصبع لرسول الله خنصره من رجله متظاهرة وهذا حديث غريب
قوامه عليه السلام وطيب رائحته
في صحيح البخاري من حديث ربيعة عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير وقال أبو إسحاق عن البراء كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل ولا بالقصير أخرجاه في الصحيحين وقال نافع بن جبير عن علي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بالطويل ولا بالقصير لم ار قبله ولا بعده مثله وقال سعيد بن منصور عن خالد بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن علي قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بالطويل ولا بالقصير وهو إلى الطول أقرب وكان عرقه كاللؤلؤ الحديث وقال سعيد عن روح بن قيس عن خالد بن خالد التميمي عن يوسف بن مازن الراسبي عن علي قال كان رسول الله ليس بالذاهب طولا وفوق الربعة إذا جامع القوم غمرهم وكان عرقه في وجهه كاللؤلؤ الحديث وقال الزبيدي عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال كان رسول الله ربعة وهو ألى الطول أقرب وكان يقبل جميعا ويدبر جميعا لم أر قبله ولا بعده مثله وثبت في البخاري من حديث حماد بن زيد عن ثابت عن انس قال ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول الله ولا شممت رائحة أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس به ورواه مسلم أيضا من حديث حماد بن سلمة وسليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ وما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال أحمد ثنا ابن أبي عدي ثنا حميد عن أنس قال ما مسست شيئا قط خزا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا شممت رائحة أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه و سلم والاسناد ثلاثي على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه وقال يعقوب بن سفيان أنا عمرو بن حماد بن طلحة الفناد وأخرجه البيهقي من حديث أحمد بن حازم بن أبي عروة عنه قال ثنا اسباط بن نصر عن سماك عن جابر بن سمرة قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الأولى ثم خرج إلى أهله وخرجت (6/23)
معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا قال وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجها من جونة عطار ورواه مسلم عن عمرو بن حماد به نحوه وقال الامام أحمد ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة وحجاج أخبرني شعبة عن الحكم سمعت أبا جحيفة قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهاجرة الى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين وبين يديه عنزة زاد فيه عون عن أبيه يمر من ورائها الحمار والمرأة قال حجاج في الحديث ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم قال فأخذت يده فوضعتها على وجهي فاذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك وهكذا رواه البخاري عن الحسن بن منصور عن حجاج بن محمد الأعورعن شعبة فذكر مثله سواء وأصل الحديث في الصحيحين أيضا وقال الامام أحمد حدثنا يزيد بن هارون أنا هشام بن حسان وشعبة وشريك عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه يعني يزيد بن الأسود قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنى فانحرف فرأى رجلين من وراء الناس فدعا بهما فجيئا ترعد فرائصهما فقال ما منعكما أن تلصيا مع الناس قالا يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في الرحال قال فلا تفعلا إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الصلاة مع الامام فليصلها معه فانها له نافلة قال فقال أحدهما استغفر لي يا رسول الله فاستغفر له قال ونهض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ونهضت معهم وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلده قال فما زلت أزحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله فأخذت بيده فوضعتها إما على وجهي أو صدري قال فما وجدت شيئا أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وهو يومئذ في مسجد الخيف ثم رواه أيضا عن أسود بن عامر وأبي النضر عن شعبة عن يعلى بن عطاء سمعت جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح فذكر الحديث قال ثم ثار الناس يأخذون بيده يمسحون بها وجوههم قال فأخذت بيده فمسحت بها وجهي فوجدتها أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك وقد رواه أبو داود من حديث شعبة والترمذي والنسائي من حديث هشيم عن يعلى به وقال الترمذي حسن صحيح وقال الامام أحمد حدثنا أبو نعيم ثنا مسعر عن عبد الجبار بن وائل بن حجر قال حدثني أهلي عن أبي قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بدلو من ماء فشرب منه ثم مج في الدلو ثم صب في البئر أو شرب من الدلو ثم مج في البئر ففاح منها ريح المسك وهذا رواه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي النعيم وهو الفضل بن دكين وقال الامام أحمد ثنا هاشم ثنا سليمان عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتى بأناء الا غمس يده فيها فربما جاءوه في الغداة الباردة فيمس يده فيها ورواه مسلم من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم به وقال الامام أحمد حدثنا حجين بن المثنى ثنا عبد العزيز يعني ابن أبي سلمة (6/24)
الماجشون عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه قال فجاء ذات يوم فنام على فراشها فأتت فقيل لها هذا رسول الله نائم في بيتك على فراشك قال فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عبيرتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتصره في قواريرها ففزع النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما تصنعين يا أم سليم فقالت يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا قال أصبت ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن حجين به وقال أحمد ثنا هاشم بن القاسم ثنا سليمان عن ثابت عن أنس قال دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عندنا فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ رسول الله فقال يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين قالت عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن أبي النضر هاشم بن القاسم به وقال أحمد ثنا اسحاق بن منصور يعني السلولي ثنا عمارة يعني ابن زاذان عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله يقبل عند أم سليم وكان من أكثر الناس عرقا فاتخذت له نطعا وكان يقيل عليه وحطت بين رجليه حطا وكانت تنشف العرق فتأخذه فقال ما هذا يا أم سليم قالت عرقك يا رسول الله أجعله في طيبي قال فدعا لها بدعاء حسن تفرد به أحمد من هذا الوجه وقال أحمد ثنا محمد بن عبد الله ثنا حميد عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نام ذا عرق فتأخذ عرقه بقطنة في قارورة فتجعله في مسكها وهذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولا أحد منهما وقال البيهقي أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو عمرو المغربي أنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وقال مسلم ثنا أبو بكر بن شيبة ثنا عفان ثنا وهيب ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن أم سليم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا فيقيل عليه وكان كثير العرق فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أم سليم ما هذا فقالت عرقك أدوف به طيبي لفظ مسلم وقال أبو يعلى الموصلى في مسنده ثنا بسر ثنا حليس ابن غالب ثنا سفيان الثوري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله إني زوجت ابنتي وأنا احب أن تعينني بشيء قال ما عندي شيء ولكن إذا كان غد فأتني بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة وآية بيني وبينك أن تدق ناحية الباب قال فأتاه بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة قال فجعل يسلت العرق من ذراعيه حتى امتلأت القارورة قال فخذها ومر ابنتك أن تغمس هذا العود في القارورة وتطيب به قال فكانت إذا تطيبت به شم أهل المدينة رائحة الطيب فسموا بيوت المطيبين هذا حديث غريب جدا وقد قال الحافظ أبو بكر البزار ثنا محمد بن هشام ثنا موسى بن عبد الله ثنا عمر بن سعيد عن سعيد (6/25)
عن قتادة عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا مر في طريق من طرق المدينة وجدوا منه رائحة الطيب وقالوا مر رسول الله في هذا الطريق ثم قال وهذا الحديث رواه أيضا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعرف بريح الطيب كان رسول الله صلى الله عليه و سلم طيبا وريحه طيب وكان مع ذلك يحب الطيب أيضا قال الامام احمد ثنا أبو عبيدة عن سلام أبي المنذر عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال حبب إلى النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا سلام أبو المنذر القاري عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة وهكذا رواه النسائي بهذا اللفظ عن الحسين بن عيسى القرشي عن عفان بن مسلم عن سلام بن سليمان أبي المنذر القاري البصري عن ثابت عن أنس فذكره وقد روى من وجه آخر بلفظ حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعل قرة عيني في الصلاة وليس بمحفوظ بهذا فان الصلاة ليست من أمور الدنيا وإنما هي من أهم شئون الآخرة والله أعلم
صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلى الله عليه و سلم
قال البخاري ثنا محمد بن عبيد الله ثنا حاتم عن الجعد قال سمعت السائب بن يزيد يقول ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إن ابن أختي وجع فمسح رأسي ودعا لي بالبركة وتوضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم بين كتفيه مثل زر الحجلة وهكذا رواه مسلم عن قتيبة ومحمد بن عباد كلاهما عن حاتم بن إسماعيل به ثم قال البخاري الحجلة من حجلة الفرس الذي بين عينيه وقال إبراهيم بن حمزة رز الحجلة قال أبو عبد الله الرز الراء قبل الزاي وقال مسلم ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبيد الله عن إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر ابن سمرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته وكان إذا ادهن لم يتبين وإذا شعث رأسه تبين وكان كثير شعر اللحية فقال رجل وجهه مثل السيف قال لا بل كان المثل الشمس والقمر وكان مستديرا ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده حدثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن حزم ثنا شعبة عن سماك سمعت جابر بن سمرة قال رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم كانه بيضة حمام وحدثنا ابن نمير ثنا عبيد الله بن موسى ثنا حسن بن صالح عن سماك بهذا الاسناد مثله وقال الامام احمد ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عاصم بن سليمان عن عبد الله بن سرجس (6/26)
قال ترون هذا الشيخ يعني نفسه كلمت نبي الله صلى الله عليه و سلم وأكلت معه ورأيت العلامة التي بين كتفيه وهي في طرف نغض كتفه اليسرى كأنه جمع ( بمعنى الكف المجتمع وقال بيده فقبضها ) عليه خيلان كهيئة الثواليل وقال أحمد حدثنا هاشم بن القاسم وأسود بن عامر قالا ثنا شريك عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وسلمت عليه وأكلت معه وشربت من شرابه ورأيت خاتم النبوة قال هاشم في نغض كتفه اليسرى كأنه جمع فيه خيلان سود كأنها الثآليل ورواه عن غندر عن شعبة عن عاصم عن عبد الله بن سرجس فذكر الحديث وشك شعبة في أنه هل هو في نغض الكتف اليمنى أو اليسرى وقد رواه مسلم من حديث حماد بن زيد وعلي ابن مسهر وعبد الواحد بن زياد ثلاثتهم عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأكلت معه خبزا ولحما أو قال ثريدا فقلت يا رسول الله غفر الله لك قال ولك فقلت أستغفر لك يا رسول الله قال نعم ولكم ثم تلا هذه الآية واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات قال ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل وقال أبو داود الطيالسي ثنا قرة بن خالد ثنا معاوية بن قرة عن أبيه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله أرني خاتم الخاتم فقال أدخل يدك فادخلت يدي في جربانه فجعلت ألمس أنظر إلى الخاتم فاذا هو على نغض كتفه مثل البيضة فما منعه ذاك أن جعل يدعو لي وإن يدي لفي جربانه ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد عن وهب بن جرير عن قرة بن خالد به وقال الأمام احمد ثنا وكيع ثنا سفيان عن اياد بن لقيط السدوسي عن أبي رمثة التيمي قال خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأيت برأسه ردع حناء ورأيت على كتفه مثل التفاحة فقال أبي إني طبيب أفلا أطبها لك قال طبيبها الذي خلقها قال وقال لأبي هذا ابنك قال نعم قال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعميم ثنا عبيد الله بن زياد حدثني أبي عن أبي ربيعة أو رمثة قال انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه و سلم فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه فقال يا رسول الله إني كأطب الرجال أفأعالجها لك قال لا طبيبها الذي خلقها قال البيهقي وقال الثوري عن إياد بن لقيط في هذا الحديث فاذا خلف كتفيه مثل التفاحة وقال عاصم بن بهدلة عن أبي رمثة فاذا في نغض كتفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة ثم روى البيهقي من حديث سماك بن حرب عن سلامة العجلي عن سلمان الفارسي قال أتيت رسول الله فألقى رداءه وقال يا سلمان انظر الى ما أمرت به قال فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة وروى يعقوب بن سفيان عن الحميدي عن يحيى بن سليم عن أبي خيثم عن سعيد ابن أبي راشد عن التنوخي الذي بعثه هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بتبوك فذكر الحديث كما (6/27)
قدمناه في غزوة تبوك إلى أن قال فحل حبوته عن ظهره ثم قال ههنا امض لما أمرت به قال فجلت في ظهره فاذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل الحجمة الضخمة وقال يعقوب بن سفيان ثنا مسلم بن ابراهيم ثنا عبد الله بن ميسرة ثنا عتاب سمعت ابا سعيد يقول الخاتم الذي بين كتفي النبي صلى الله عليه و سلم لحمة نابتة وقال الامام احمد حدثنا شريح ثنا أبو ليلى عبد الله بن ميسرة الخراساني عن غياث البكري قال كنا نجالس أبا سعيد الخدري بالمدينة فسألته عن خاتم رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كان بين كتفيه فقال باصبعه السبابة هكذا لحم ناشز بين كتفيه صلى الله عليه و سلم تفرد به أحمد من هذا الوجه وقد ذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية المصري في كتابه التنوير في مولد البشير النذير عن أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن بشر المعروف بالحكيم الترمذي أنه قال كان الخاتم الذي بين كتفي رسول الله صلى الله عليه و سلم كأنه بيضة حمامة مكتوب في باطنها الله وحده وفي ظاهرها توجه حيث شئت فإنك منصور ثم قال وهذا غريب واستنكره قال وقيل كان من نور ذكره الامام أبو زكريا يحيى بن مالك بن عائذ في كتابه تنقل الأنوار وحكى أقوالا غريبة غير ذلك ومن أحسن ما ذكره ابن دحية رحمه الله وغيره من العلماء قبله في الحكمة في كون الخاتم كان بين كتفي رسول الله صلى الله عليه و سلم إشارة إلى أنه لا نبي بعدك يأتي من ورائك قال وقيل كان على نغض كتفه لأنه يقال هو الموضع الذي يدخل الشيطان منه الى الانسان فكان هذا عصمة له عليه السلام من الشيطان قلت وقد ذكرنا الاحاديث الدالة على أنه لا نبي بعده عليه السلام ولا رسول عند تفسير قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما
باب احاديث متفرقة وردت في صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم
قد تقدم في رواية نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب أنه قال لم أر قبله ولا بعده مثله وقال يعقوب بن سفيان حدثنا عبد الله بن مسلم القعنبي وسعيد بن منصور ثنا عمر بن يونس ثنا عمر بن عبد الله مولى عفرة حدثني ابراهيم بن محمد من ولد علي قال كان علي إذا نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد وكان ربعة من القوم ولم يكن بالجعد (6/28)
القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم وكان في الوجه تدوير أبيض مشربا أدعج العينين أهدب الاشفار جليل المشاش والكتد أجرد ذو مسربة شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة أجود الناس كفا وأرحب الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس ذمة وألينهم عريكة وألزمهم عشرة من رآه بديهة هابة ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله وقد روى هذا الحديث الامام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الغريب ثم روى عن الكسائي والاصمعي وأبي عمرو تفسير غريبه وحاصل ما ذكره مما فيه غرابة أن المطهم هو الممتلئ الجسم والمكلثم شديد تدوير الوجه يعني لم يكن بالسمين الناهض ولم يكن ضعيفا بل كان بين ذلك ولم يكن وجهه في غاية التدوير بل فيه سهولة وهي أحل عند العرب ومن يعرف وكان أبيض مشربا حمرة وهي أحسن اللون ولهذا لم يكن أمهق اللون والادعج هو شديد سواد الحدقة وجليل المشاش هو عظيم رءوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين والكتد الكاهل وما يليه من الجسد وقوله شثن الكفين أي غليظهما وتقلع في مشيته أي شديد المشية وتقدم الكلام على الشكلة والشهلة والفرق بينهما والاهدب طويل أشفار العين وجاء في حديث أنه كان شبح الذراعين يعني غليظهما والله تعالى اعلم
حديث ام معبد في ذلك
قد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة من مكة الى المدينة حين ورد عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه أبو بكر ومولاه عامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن أريقط الديلي فسألوها هل عندها لبن أو لحم يشترونه منها فلم يجدوا عندها شيئا وقالت لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى وكانوا ممحلين فنظر إلى شاة في كسر خيمتها فقال ما هذه الشاة يا أم معبد فقالت خلفها الجهد فقال أتأذنين أن أحلبها فقالت إن كان بها حلب فاحلبها فدعا بالشاة فمسحها وذكر اسم الله فذكر الحديث في حلبه منها ما كفاهم أجمعين ثم حلبها وترك عندها إناءها ملأى وكان يربض الرهط فلما جاء بعلها استنكر اللبن وقال من أين لك هذا يا أم معبد ولا حلوبة في البيت والشاء عازب فقالت لا والله إنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت فقال صفيه لي فوالله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلب فقالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة حسن الخلق مليح الوجه لم تعبه ثجلة ولم تزربه صعلة قسيم وسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صحل أحور أكحل أزج أقرن في عنقه سطع وفي لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار وإذا تكلم سما وعلاه البهاء حلو المنطق فصلا لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن أبهى الناس وأجمله من بعيد (6/29)
وأحلاه وأحسنه من قريب ربعة لا تشنؤه عين من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو انضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدا له رفقاء يحفون به إن قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند فقال بعلها هذا والله صاحب قريش الذي تطلب ولو صادفته لالتمست أن أصحبه ولاجهدن إن وجدت إلى ذلك سبيلا قال وأصبح صوت بمكة عال بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرون من يقوله وهو يقول ... جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد ... هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد ... فيال قضي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجازى وسؤدد ... سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكموا إن تسألوا الشاة تشهد ... دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرة الشاة مزبد ... فغادره رهنا لديها لحالب ... يدر لها في مصدر ثم مورد ...
وقد قدمنا جواب حسان بن ثابت لهذا الشعر المبارك بمثله في الحسن والمقصود أن الحافظ البيهقي روى هذا الحديث من طريق عبد الملك بن وهب المذحجي قال ثنا الحسن بن الصباح عن أبي معبد الخزاعي فذكر الحديث بطوله كما قدمناه بألفاظه وقد رواه الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي والحافظ أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة قال عبد الملك فبلغني أن أبا معبد أسلم بعد ذلك وأن أم معبد هاجرت وأسلمت ثم إن الحافظ البيهقي أتبع هذا الحديث بذكر غريبه وقد ذكرناه في الحواشي فيما سبق ونحن نذكر ههنا نكتا من ذلك فقولها ظاهر الوضاءة أي ظاهر الجمال أبلج الوجه أي مشرق الوجه مضيئه لم تعبه ثجلة قال أبو عبيد هو كبر البطن وقال غيره كبر الرأس ورد أبو عبيدة رواية من روى لم تعبه نحلة يعني من النحول وهو الضعف قلت وهذا هو الذي فسر به البيهقي الحديث والصحيح قول أبي عبيدة ولو قيل إنه كبر الرأس لكان قويا وذلك لقولها بعده لو تزر به صعلة وهو صغر الرأس بلا خلاف ومنه يقال لولد النعامة صعل لصغر رأسه ويقال له الظليم وأما البيهقي فرواه لم تعبه نحلة يعني من الضعف كما فسره ولم تزربه صعلة وهو الحاصرة يريد أنه ضرب من الرجال ليس بمشفح ولا ناحل قال ويروى لم تعبه ثجلة وهو كبر البطن ولم تزر به صعلة وهو صغر الرأس وأما الوسيم فهو حسن الخلق وكذلك القسيم أيضا والدعج شدة سواد الحدقة والوطف طول أشفار العينين ورواه القتيبي في أشفاره عطف وتبعه البيهقي في ذلك قال ابن قتيبة ولا أعرف (6/30)
ما هذا لأنه وقع في روايته غلط فحار في تفسيره والصواب ما ذكرناه والله أعلم وفي صوته صحل وهو بحة يسيرة وهي أحلى في الصوت من أن يكون حادا قال أبو عبيد وبالصحل يوصف الظباء قال ومن روى في صوته صهل فقد غلط فان ذلك لا يكون إلا في الخيل ولا يكون في الانسان قلت وهو الذي أورده البيهقي قال ويروى صحل والصواب قول أبي عبيد والله أعلم وأما قولها أحور فمستغرب في صفة النبي صلى الله عليه و سلم وهو قبل في العين يزينها لا يشينها كالحول وقولها أكحل قد تقدم له شاهد وقولها أزج قال أبو عبيد هو المتقوس الحاجبين قال وأما قولها أقرن فهو التقاء الحاجبين بين العينين قال ولا يعرف هذا في صفة النبي صلى الله عليه و سلم الا في هذا الحديث قال والمعروف في صفته عليه السلام أنه أبلج الحاجبين في عنقه سطع قال أبو عبيد أي طول وقال غيره نور قلت والجمع ممكن بل متعين وقولها إذا صمت فعليه الوقار أي الهيبة عليه في حال صمته وسكوته وإذا تكلم سما أي علا على الناس وعلاه البهاء أي في حال كلامه حلو المنطق فصل أي فصيح بليغ يفصل الكلام ويبينه لا نزر ولا هذر أي لا قليل ولا كثير كأن منطقه خرزات نظم يعني الذي من حسنه وبلاغته وفصاحته وبيانه وحلاوة لسانه أبهى الناس وأجمله من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب أي هو مليح من بعيد ومن قريب وذكرت أنه لا طويل ولا قصير بل هو أحسن من هذا ومن هذا وذكرت أن أصحابه يعظمونه ويخدمونه ويبادرون إلى طاعته وما ذلك إلا لجلالته عندهم وعظمته في نفوسهم ومحبتهم له وأنه ليس بعابس أي ليس يعبس ولا يفند أحدا أي يهجنه ويستقل عقله بل جميل المعاشرة حسن الصحبة صاحبه كريم عليه وهو حبيب إليه صلى الله عليه
حديث هند بن أبي هالة في ذلك
وهند هذا هو ربيب رسول الله صلى الله عليه و سلم أمه خديجة بنت خويلد وأبوه أبو هالة كما قدمنا بيانه قال يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ رحمه الله حدثنا سعيد بن حماد الأنصاري المصري وأبو غسان مالك ابن اسمعيل الهندي قالا ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي قال حدثني رجل بمكة عن ابن لأبي هالة التميمي عن الحسن بن علي قال سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافا عن حلية رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر إذا تفرقت عقيصته فرق والا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه ذا وفرة أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية أدعج سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان دقيق المسربة كأنه عنقه جيد دمية في صفاء يعني الفضة معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين (6/31)
المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة سبط الغضب شثن الكفين والقدمين سابل الاطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا يخطو تكفيا ويمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره الى السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه يبدأ من لقيه بالسلام قلت صف لي منطقه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه يتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول ولا تقصير دمث ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئا ولا يمدحه ولا يقوم لغضبه إذا تعرض للحق شيء حتى ينتصر له وفي رواية لا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعرض للحق لم يعرفه أحد ولم يقيم لغضبه شيء حتى ينتصر له لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث يصل بها ليضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام قال الحسن فكتمتها الحسن بن علي زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني اليه فسأله عما سألته عنه ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئا قال الحسن سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزأ الله وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ثم جزأ جزأه بين الناس فرد ذلك على العامة والخاصة لا يدخر عنهم شيئا وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بأدبه وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم وأخبارهم بالذي ينبغي ويقول ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فانه من بلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده الا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون عليه زوارا ولا يفترقون إلا عن ذواق وفي رواية ولا يتفرقون الا عن ذوق ويخرجون أدلة يعني فقهاء قال وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخزن لسانه الا بما يعينهم ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خاتمه يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهيه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجوزه الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعمهم (6/32)
نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة قال فسألته عن مجلسه كيف كان فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يجلس ولا يقوم الا على ذكر ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك يعطي كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم منه عليه منه من جالسه أوقاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ومن سأله حاجة لم يرده الا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء مجلسه مجلس حكم وحياء وصبر وامانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ولا تنثى فلتاته متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير يؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب قال فسألته عن سيرته في جلسائه فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح يتغافل عما لا يشتهى ولا يؤيس منه [ راجيه ] ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث المراء والاكثار ومالا يعنيه وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم الا فيما يرجو ثوابه إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير فاذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى ان كان أصحابه في التيمورية يستحلونه في المنطق ويقول إذا رأيتم طالب حاجة فارفدوه ولا يقبل الثناء الا من مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام قال فسألته كيف كان سكوته قال كان سكوته على أربع الحلم والحذر والتقدير والتفكر فأما تقديره ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس وأما تذكره أو قال تفكره ففيما يبقى ويفنى وجمع له صلى الله عليه و سلم الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه وجمع له الحذر في أربع أخذه بالحسنى والقيام لهم فيما جمع لهم الدنيا والآخرة صلى الله عليه و سلم وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله في كتاب شمائل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن سفيان بن وكيع بن الجراح عن جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي حدثني رجل من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله سماه غيره يزيد بن عمر عن ابن لأبي هالة عن الحسن بن علي قال سألت خالي فذكره وفيه حديثه عن أخيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب وقد رواه الحافظ ابو بكر البيهقي في الدلائل عن أبي عبد الله الحاكم النيسابوري لفظا وقراءة عليه أنا أبو محمد الحسن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب القعنبي صاحب كتاب النسب ببغداد حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد بالمدينة سنة ست وستين ومائتين حدثني علي (6/33)
ابن جعفر بن محمد عن أخيه موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد عن علي بن الحسين بن علي عن أبيه محمد بن علي بن الحسين قال قال الحسن سألت خالي هند بن أبي هالة فذكره قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله في كتابه الأطراف بعد ذكره ما تقدم من هاتين الطريقين وروى إسماعيل بن مسلم بن قعنب القعنبي عن إسحاق بن صالح المخزومي عن يعقوب التيمي عن عبد الله ابن عباس أنه قال لهند بن أبي هالة وكان وصافا لرسول الله صف لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر بعض هذا الحديث وقد روى الحافظ البيهقي من طريق صبيح بن عبد الله الفرغاني وهو ضعيف عن عبد العزيز بن عبد الصمد عن جعفر بن محمد عن أبيه وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة حديثا مطولافي صفة النبي صلى الله عليه و سلم قريبا من حديث هند بن أبي هالة وسرده البيهقي بتمامه وفي أثنائه تفسير ما فيه من الغريب وفيما ذكرناه غنية عنه والله تعالى أعلم وروى البخاري عن أبي عاصم الضحاك عن عمر بن سعيد بن أحمد بن حسين عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال صلى أبو بكر العصر بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم بليال فخرج هو وعلي يمشيان فاذا الحسن بن علي يلعب مع الغلمان قال فاحتمله أبو بكر على كاهله وجعل يقول ياباي شبه النبي ليس شبيها بعلي وعلي يضحك منهما رضي الله عنهما وقال البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا إسماعيل عن أبي جحيفة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان الحسن بن علي يشبهه وروى البيهقي عن أبي علي الروذباري عن عبد الله بن جعفر بن شوذب الواسطي عن شعيب بن أيوب الصريفيني عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانىء عن علي رضي الله عنه قال الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه و سلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين الله صلى الله عليه و سلم ما كان اسفل من ذلك
باب ذكر اخلاقه وشمائله الطاهرة صلى الله عليه و سلم
قد قدمنا طيب أصله ومحتده وطهارة نسبه ومولده وقد قال الله تعالى والله أعلم حيث يجعل رسالته وقال البخاري حدثنا قتيبة ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بعثت من خير قرون بني آدم قرنا بعد قرن حتى كنت من القرن الذي كنت فيه وفي صحيح مسلم عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله اصطفى قريشا من بني إسماعيل واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم وقال الله تعالى ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم (6/34)
يعني وإنك لعلى دين عظيم وهو الاسلام وهكذا قال مجاهد وابن مالك والسدي والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال عطية لعلى أدب عظيم وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال سألت عائشة أم المؤمنين فقلت أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت أما تقرأ القرآن قلت بلى فقالت كان خلقه القرآن وقد روى الامام أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال وسئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت كان خلقه القرآن وروى الامام احمد عن عبد الرحمن ابن مهدي والنسائي من حديثه وابن جرير من حديث ابن وهب كلاهما عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال حججت فدخلت على عائشة فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت كان خلقه القرآن ومعنى هذا أنه عليه السلام مهما أمره به القرآن العظيم امتثله ومهما نهاه عنه تركه هذا ما جبله الله عليه من الأخلاق الجبلية الأصلية العظيمة التي لم يكن أحد من البشر ولا يكون على أجمل منها وشرع له الدين العظيم الذي لم يشرعه لأحد قبله وهو مع ذلك خاتم النبيين فلا رسول بعده ولا نبي صلى الله عليه و سلم فكان فيه من الحياءوالكرم والشجاعة والحلم والصفح والرحمة وسائر الأخلاق الكاملة ما لا يحد ولا يمكن وصفه وقال يعقوب بن سفيان ثنا سليمان ثنا عبد الرحمن ثنا الحسن بن يحيى ثنا زيد بن واقد عن بشر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه وقال البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن سهل الفقيه ببخارى أنا قيس بن أنيف ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران عن زيد بن بابنوس قال قلنا لعائشة يا أم المؤمنين كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت كان خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قالت أتقرأ سورة المؤمنون إقرأ قد أفلح المؤمنون إلى العشر قالت هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم وهكذا رواه النسائي عن قتيبة وروى البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير في قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قال أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وقال الامام احمد حدثنا سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق تفرد به أحمد ورواه الحافظ أبو بكر الخرائطي في كتابه فقال وإنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق وتقدم ما رواه البخاري من حديث أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس وجها وأحسن الناس خلقا وقال مالك عن الزهري (6/35)
عن عروة عن عائشة أنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما مالم يكن إثما فان كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها ورواه البخاري ومسلم من حديث مالك وروى مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده شيئا قط لا عبدا ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا نيل منه شيء فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز و جل وقد قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده خادما له قط ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما فاذا كان إثما كان أبعد الناس من الاثم ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله عز و جل وقال أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن أبي اسحاق سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول سمعت عائشة وسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح أو قال يعفو ويغفر شك أبو داود ورواه الترمذي من حديث شعبة وقال حسن صحيح وقال يعقوب بن سفيان ثنا آدم وعاصم بن علي قالا ثنا ابن أبي ذئب ثنا صالح مولى التوأمة قال كان أبو هريرة ينعت رسول الله قال كان يقبل جميعا ويدبر جميعا بأبي وأمي لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الاسواق زاد آدم ولم أر مثله قبله ولم ار مثله بعده وقال البخاري ثنا عبدان عن أبي حمزة عن الاعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم فاحشا ولا متفحشا وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ورواه مسلم من حديث الاعمش به وقد روى البخاري من حديث فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمر أنه قال إن رسول الله موصوف في التوراة بما هو موصوف في القرآن يا ايها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للاميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وقد روى عن عبد الله بن سلام وكعب الأحبار وقال البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه و سلم أشد حياء من العذراء في خدرها حدثنا ابن بشار ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا ثنا شعبة مثله وإذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه ورواه مسلم من حديث شعبة وقال الامام احمد ثنا أبو عامر ثنا فليح عن هلال بن علي عن أنس بن مالك قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم (6/36)
سبابا ولا لعانا ولا فاحشا كان يقول لأحدنا عند المعاتبة ماله تربت جبينه ورواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح وفي الصحيحين واللفظ لمسلم من حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لم تراعوا لم تراعوا قال وجدناه بحرا أو إنه لبحر قال وكان فرسا يبطأ ثم قال مسلم ثنا بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن سعيد عن قتادة عن أنس قال كان فزع بالمدينة فاستعار رسول الله صلى الله عليه و سلم فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه فقال ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا قال كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه و سلم وقال أبو اسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب عن علي بن أبي طالب قال لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه و سلم وكان أشد الناس بأسا رواه أحمد والبيهقي وتقدم في غزوة هوازن أنه عليه السلام لما فر جمهور أصحابه يومئذ ثبت وهو راكب بغلته وهو ينوه باسمه الشريف يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وهو مع ذلك يركضها إلى نحور الأعداء وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة العظيمة والتوكل التام صلوات الله عليه وفي صحيح مسلم من حديث إسماعيل ابن علية عن عبد العزيز عن أنس قال لما قدم رسول الله المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بنا إلى رسول الله فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في السفر والحضر والله ما قال لي شيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا وله من حديث سعيد بن أبي بردة عن أنس قال خدمت رسول الله تسع سنين فما أعلمه قال لي قط لم فعلت كذا وكذا ولا عاب علي شيئا قط وله من حديث عكرمة بن عمار عن إسحاق قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحسن الناس خلقا فأرسلني يوما لحاجة فقلت والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قبض بقفاي من ورائي قال فنظرت إليه وهو يضحك فقال يا أنيس ذهبت حيث أمرتك فقلت نعم أنا أذهب يا رسول الله قال أنس والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لم صنعت كذا وكذا أو لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا وقال الامام أحمد ثنا كثير ثنا هشام ثنا جعفر ثنا عمران القصير عن أنس بن مالك قال خدمت النبي صلى الله عليه و سلم عشر سنين فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني وإن لامني أحد من أهله إلا قال دعوه فلو قدر أو قال قضى أن يكون كان ثم رواه أحمد عن علي بن ثابت عن جعفر هو ابن برقان عن عمران البصري وهو القصير عن أنس فذكره تفرد به الامام احمد وقال الامام أحمد ثنا (6/37)
عبد الصمد ثنا أبي ثنا أبو التياح ثنا أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه قال فطيما قال فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فرآه قال أبا عمير ما فعل النغير قال نفر كان يلعب به قال فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح ثم يقوم رسول الله صلى الله عليه و سلم ونقوم خلفه يصلي بنا قال وكان بساطهم من جريد النخل وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن أبي التياح يزيد بن حميد عن أنس بنحوه وثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة وقال الامام أحمد حدثنا أبو كامل ثنا حماد بن زيد ثنا سلم العلوي سمعت أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى على رجل صفرة فكرهها قال فلما قام قال لو امرتم هذا أن يغسل عنه هذه الصفرة قال وكان لا يكاد يواجه أحدا بشيء يكرهه وقد رواه ابو داود والترمذي في الشمائل والنسائي في اليوم والليلة من حديث حماد بن زيد عن سلم بن قيس العلوي البصري قال أبو داود وليس من ولد علي بن أبي طالب وكان يبصر في النجوم وقد شهد عند عدي بن أرطأة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته وقال أبو داود ثنا عثمان ابن أبي شيبة ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا بلغه عن رجل شيء لم يقل ما بال فلان يقول ولكن يقول ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يبلغني أحد عن أحد شيئا إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر وقال مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه و سلم وعليه برد غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذا شديدا حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه و سلم فاذا قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك قال فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فضحك ثم أمر له بعطاء أخرجاه من حديث مالك وقال الامام احمد ثنا زيد بن الحباب أخبرني محمد ابن هلال القرشي عن أبيه أنه سمع ابا هريرة يقول كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد فلما قام قمنا معه فجاء أعرابي فقال اعطني يا محمد فقال لا وأستغفر الله فجذبه بحجزته فخدشه قال فهموا به فقال دعوه قال ثم أعطاه قال فكانت يمينه لا وأستغفر الله وقد روى أصل هذا الحديث أبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق عن محمد بن أبي هلال بن أبي هلال مولى بني كعب عن أبيه عن أبي هريرة بنحوه وقال يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن ثمامة بن عتبة عن زيد بن أرقم قال كان رجل من الأنصار يدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم ويأتمنه وأنه عقد (6/38)
له عقدا وألقاه في بئر فصرع ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتاه ملكان يعودانه فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا وهي في بئر فلان ولقد اصفر الماء من شدة عقده فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم فاستخرج العقد فوجد الماء قد اصفر فحل العقد ونام النبي صلى الله عليه و سلم فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه و سلم فما رأيته في وجه النبي صلى الله عليه و سلم حتى مات قلت والمشهور في الصحيح أن لبيد بن الأعصم اليهودي هو الذي سحر النبي صلى الله عليه و سلم في مشط ومثاقة في جف طلعة ذكر تحت بئر ذروان وأن الحال استمر نحو ستة اشهر حتى أنزل الله سورتي المعوذتين ويقال إن آياتهما إحدى عشرة آية وأن عقد ذلك الذي سحر فيه كان إحدى عشرة عقدة وقد بسطنا ذلك في كتابنا التفسير بما فيه كفاية والله أعلم وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم ثنا عمران بن زيد أبو يحيى الملائي ثنا زيد العمي عن أنس ابن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صافح أو صافحه الرجل لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده وإن استقبله بوجه لا يصرفه عنه حتى يكون الرجل ينصرف عنه ولا يرى مقدما ركبتيه بين يدي جليس له ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمران بن زيد الثعلبي أبي يحيى الطويل الكوفي عن زيد بن الحواري العمي عن أنس به وقال أبو داود ثنا أحمد بن منيع ثنا أبو قطن ثنا مبارك بن فضالة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال ما رأيت رجلا قط التقم أذن النبي صلى الله عليه و سلم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه وما رأيت رسول الله آخذا بيده رجل فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده تفرد به أبو داود وقال الامام احمد وحدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا ثنا شعبة قال ابن جعفر في حديثه قال سمعت علي بن يزيد قال قال أنس بن مالك ان كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجيء فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت ورواه ابن ماجه من حديث شعبة وقال الامام احمد ثنا هشيم ثنا حميد عن أنس بن مالك قال إن كانت الامة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فتنطلق به في حاجتها وقد رواه البخاري في كتاب الادب من صحيحه معلقا فقال وقال محمد بن عيسى هو ابن الطباع ثنا هشيم فذكره وقال الطبراني ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي ثنا أيوب بن نهيك سمعت عطاء بن أبي رباح سمعت ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى صاحب بز فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم فخرج وهو عليه فإذا رجل من الانصار فقال يا رسول الله اكسني قميصا كساك الله من ثياب الجنة فنزع القميص فكساه إياه ثم رجع إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم وبقي معه درهمان فاذا هو بجارية في الطريق تبكي فقال ما يبكيك فقالت يا رسول الله دفع إلي أهلي درهمين اشتري بهما دقيقا فهلكا فدفع إليها رسول الله الدرهمين الباقيين ثم انقلب وهي تبكي فدعاها فقال ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين فقالت أخاف أن (6/39)
يضربوني فمشى معها إلى أهلها فسلم فعرفوا صوته ثم عاد فسلم ثم عاد فسلم ثم عاد فثلث فرودا فقال أسمعتم أول السلام قالوا نعم ولكن أحببنا أن تزيدنا من السلام فما أشخصك بأبينا وأمنا فقال أشفقت هذه الجارية أن تضربوها فقال صاحبها هي حرة لوجه الله لممشاك معها فبشرهم رسول الله بالخير والجنة ثم قال لقد بارك في العشرة كسا الله نبيه قميصا ورجلا من الانصار قميصا وأعتق الله منها رقبة وأحمد الله هو الذي رزقنا هذا بقدرته هكذا رواه الطبراني وفي إسناده أيوب بن نهيك الحلبي وقد ضعفه أبو حاتم وقال أبو زرعة منكر الحديث وقال الأزدي متروك وقال الامام احمد ثنا عفان ثنا حماد عن ثابت عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت يا رسول الله إن لي حاجة فقال يا أم فلان انظري أي الطرق شئت فقام معها يناجيها حتى قضت حاجتها وهكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة وثبت في الصحيحين من حديث الاعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال ما عاب رسولى صلى الله عليه و سلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه وقال الثوري عن الأسود بن قيس عن شيخ العوفي عن جابر قال أتانا رسول الله في منزلنا فذبحنا له شاة فقال كأنهم علموا أنا نحب اللحم الحديث وقال محمد بن إسحاق عن يعقوب ابن عتبة عن عمر بن عبد العزيز عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا جلس يتحدث كثيرا ما يرفع طرفه الى السماء وهكذا رواه أبو داود في كتاب الادب من سننه من حديث محمد بن إسحاق به وقال أبو داود حدثنا سلمة بن شعيب ثنا عبد الله بن إبراهيم ثنا إسحاق بن محمد الانصاري عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا جلس احتبى بيده ورواه البزار في مسنده ولفظه كان إذا جلس نصب ركبتيه واحتبى بيديه ثم قال أبو داود ثنا حفص بن عمر وموسى بن اسماعيل قالا ثنا عبد الرحمن بن حسان العنبري حدثني جدتاي صفية ودحيبة ابنتا عليبة قال موسى ابنة حرملة وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة وكانت جدة أبيهما أنها أخبرتهما أنها رأت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو قاعد القرفصاء قالت فلما رأيت رسول الله المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق ورواه الترمذي في الشمائل وفي الجامع عن عبد بن حميد عن عفان بن مسلم بن عبد الله بن حسان به وهو قطعة من حديث طويل قد ساقه الطبراني بتمامه في معجمه الكبير وقال البخاري ثنا الحسن بن الصباح البزار ثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه قال البخاري وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت (6/40)
ألا أعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمعني ذلك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو ادركته لرددت عليه إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم وقد رواه أحمد عن علي بن إسحاق ومسلم عن حرملة وأبو داود عن سليمان بن داود كلهم عن ابن وهب عن يونس بن يزيد به وفي روايتهم ألاأعجبك من أبي هريرة فذكره نحوه وقال الامام احمد حدثنا وكيع عن سفيان عن أسامة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان كلام النبي صلى الله عليه و سلم فصلا يفهمه كل أحد لم يكن يسرد سردا وقد رواه أبو داود عن ابن أبي شيبة عن وكيع وقال أبو يعلى ثنا عبد الله بن محمد بن اسماء ثنا عبد الله بن مسعر حدثني شيخ أنه سمع جابر بن عبد الله أو ابن عمر يقول كان في كلام النبي صلى الله عليه و سلم ترتيل أو ترسيل وقال الامام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا تكلم بكلمة رددها ثلاثا وإذا أتى قوما يسلم عليهم سلم ثلاثا ورواه البخاري من حديث عبد الصمد وقال أحمد ثنا أبو سعيد بن أبي مريم ثنا عبد الله بن المثنى سمعت ثمامة بن أنس يذكر أن أنسا كان إذا تكلم تكلم ثلاثا ويذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا تكلم تكلم ثلاثا وكان يستأذن ثلاثا وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا تكلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه ثم قال الترمذي حسن صحيح غريب وفي الصحيح أنه قال أوتيت جوامع الكلم وأختصر الحكم اختصارا قال الامام أحمد حدثنا حجاج حدثنا ليث حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي وهكذا رواه البخاري من حديث الليث وقال أحمد حدثنا إسحاق بن عيسى ثنا ابن لهيعة عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي تفرد به أحمد من هذا الوجه وقال أحمد حدثنا يزيد ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط مسلم وثبت في الصحيحين من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحرث حدثني أبو النضر عن سليمان بن يسار عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم وقال الترمذي ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن المغيرة ع عبد الله بن الحرث بن جزء قال ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم (6/41)
رواه من حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحرث بن جزء قال ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا تبسما ثم قال صحيح وقال مسلم ثنا يحيى بن يحيى ثنا أبو خيثمة عن سماك بن حرب قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نعم كثيرا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس قام وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال أبو داود الطيالسي ثنا شريك وقيس بن سعد عن سماك بن حرب قال قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس النبي صلى الله عليه و سلم قال نعم كان قليل الصمت قليل الضحك فكان أصحابه ربما يتناشدون الشعر عنده وربما قال الشيء من أمورهم فيضحكون وربما يتبسم وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق أنا أبو عبد الرحمن المقري ثنا الليث بن سعد عن الوليد بن أبي الوليد أن سليمان بن خارجة أخبره عن خارجة بن زيد يعني ابن ثابت أن نفرا دخلوا على أبيه فقالوا حدثنا عن بعض أخلاق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كنت جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتيه فأكتب الوحي وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا فكل هذا نحدثكم عنه ورواه الترمذي في الشمائل عن عباس الدوري عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن يزيد المقري به نحوه
كرمه عليه السلام
تقدم ما أخرجاه في الصحيحين من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل بالوحي فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة وهذا التشبيه في غاية ما يكون من البلاغة في تشبيهه الكرم بالريح المرسلة في عمومها وتواترها وعدم انقطاعها وفي الصحيحين من حديث سفيان بن سعيد الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا قط فقال لا وقال الامام احمد حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن موسى بن أنيس عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يسأل شيئا على الاسلام إلا أعطاه قال فأتاه رجل فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة قال فرجع إلى قومه فقال يا قوم اسلموا فان محمدا يعطي عطاء ما يخشى الفاقة ورواه مسلم عن عاصم بن النضر عن خالد بن الحارث عن حميد وقال أحمد ثنا عفان ثنا حماد ثنا ثابت عن أنس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم فأعطاه غنما بين جبلين فأتى قومه فقال يا قوم اسلموا فان محمد يعطي عطاء ما يخاف الفاقة فان كان الرجل ليجيء إلى رسول الله ما يريد إلا الدنيا فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به (6/42)
وهذا العطاء ليؤلف به قلوب ضعيفي القلوب في الاسلام ويتألف آخرين ليدخلوا في الاسلام كما فعل يوم حنين حين قسم تلك الأموال الجزيلة من الابل والشاء والذهب والفضة في المؤلفة ومع هذا لم يعط الأنصار وجمهور المهاجرين شيئا بل أنفق فيمن كان يحب أن يتألفه على الاسلام وترك أولئك لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير وقال مسليا لمن سأل عن وجه الحكمة في هذه القسمة لمن عتب من جماعة الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى رحالكم قالوا رضينا يا رسول الله وهكذا أعطى عمه العباس بعد ما أسلم حين جاءه ذلك المال من البحرين فوضع بين يديه في المسجد وجاء العباس فقال يا رسول الله اعطني فقد فاديت نفسي يوم بدر وفاديت عقيلا فقال خذ فنزع ثوبه عنه وجعل يضع فيه من ذلك المال ثم قام ليقله فلم يقدر فقال لرسول الله ارفعه علي قال لا أفعل فقال مر بعضهم ليرفعه علي فقال لا فوضع منه شيئا ثم عاد فلم يقدر فسأله أن يرفعه أو أن يأمر بعضهم برفعه فلم يفعل فوضع منه ثم احتمل الباقي وخرج به من المسجد ورسول الله صلى الله عليه و سلم يتبعه بصره عجبا من حرصه قلت وقد كان العباس رضي الله عنه رجلا شديدا طويلا نبيلا فأقل ما احتمل شيء يقارب أربعين ألفا والله أعلم وقد ذكره البخاري في صحيحه في مواضع معلقا بصيغة الجزم وهذا يورد في مناقب العباس لقوله تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم وقد تقدم عن أنس بن مالك خادمه عليه السلام أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس وأشجع الناس الحديث وكيف لا يكون كذلك وهو رسول الله صلى الله عليه و سلم المجبول على أكمل الصفات الواثق بما في يدي الله عز و جل الذي أنزل عليه في محكم كتابه العزيز وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض الآية وقال تعالى وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين وهو عليه السلام القائل لمؤذنه بلال وهو الصادق المصدوق في الوعد والمقال
أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا وهو القائل عليه السلام
ما من يوم تصبح العباد فيه إلا وملكان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا وفي الحديث الآخر أنه قال لعائشة
لا توعى فيوعى الله عليك ولا توكي فيوكي الله عليك وفي الصحيح أنه عليه السلام قال
يقول الله تعالى ابن آدم أنفق أنفق عليك فكيف لا يكون أكرم الناس وأشجع الناس وهو المتوكل الذي لا أعظم منه في توكله الواثق برزق الله ونصره المستعين بربه في جميع أمره ثم قد كان قبل بعثته وبعدها وقبل هجرته ملجأ الفقراء والأرامل والأيتام والضعفاء والمساكين كما قال عمه أبو طالب فيما قدمناه من القصيدة المشهورة (6/43)
وما ترك قوم لا أبالك سيدا ... يحوط الذمار غير ذرب موكل ... وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل ... يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل ...
ومن تواضعه ما روى الامام احمد من حديث حماد بن سلمة عن ثابت زاد النسائي وحميد عن أنس أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم يا سيدنا وابن سيدنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
يا أيها الناس قولوا يقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق ما رفعني الله وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله
لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فانما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وقال الامام احمد حدثنا يحيى بن شعبة حدثني الحكم عن إبراهيم عن الأسود قال قلت لعائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع في أهله قالت كان في مهنة أهله فاذا حضرت الصلاة خرج الى الصلاة وحدثنا وكيع ومحمد بن جعفر قالا حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود قال قلت لعائشة ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يصنع إذا دخل بيته قالت كان يكون في مهنة أهله فاذا حضرت الصلاة خرج فصلى ورواه البخاري عن آدم عن شعبة وقال الامام أحمد حدثنا عبدة ثنا هشام بن عروة عن رجل قال سئلت عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع في بيته قالت كان يرقع الثوب ويخصف النعل ونحو هذا وهذا منقطع من هذا الوجه وقد قال عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة وهشام بن عروة عن أبيه قال سأل رجل عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعمل في بيته قالت نعم كان يخصف نعله ويخيط ثوبه كما يعمل أحدكم في بيته رواه البيهقي فاتصل الاسناد وقال البيهقي أنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البحتري إملاء حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي حدثنا ابن صالح حدثني معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن عمرة قالت قلت لعائشة ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ورواه الترمذي في الشمائل عن محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن عمرة قالت قيل لعائشة ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته الحديث وروى ابن عساكر من طريق أبي أسامة عن حارثة بن محمد الأنصاري عن عمرة قالت قلت لعائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في أهله قالت كان ألين الناس وأكرم الناس وكان ضحاكا بساما وقال أبو داود الطيالسي ثنا شعبة حدثني مسلم أبو عبد الله الأعور سمع أنسا يقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر الذكر ويقل اللغو ويركب الحمار ويلبس الصوف ويجيب دعوة المملوك ولو رأيته يوم خيبر على حمار خطامه من ليف (6/44)
وفي الترمذي وابن ماجه من حديث مسلم بن كيسان الملائي عن أنس بعض ذلك وقال البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ إملاء ثنا أبو بكر محمد بن جعفر الآدمي القاري ببغداد ثنا عبد الله بن احمد بن ابراهيم الدروري ثنا احمد بن نصر بن مالك الخزاعي ثنا علي بن الحسين ابن واقد عن أبيه قال سمعت يحيى بن عقيل يقول سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ولا يستنكف أن يمشي مع العبد ولا مع الأرملة حتى يفرغ لهم من حاجاتهم ورواه النسائي عن محمد بن عبد العزيز عن أبي زرعة عن الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن يحيى بن عقيل الخزاعي البصري عن ابن أبي أوفى بنحوه وقال البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الفقيه بالري ثنا أبو بكر محمد بن الفرج الأزرق ثنا هاشم بن القاسم ثنا شيبان أبو معاوية عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبي بردة عن أبي موسى قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركب الحمار ويلبس الصوف ويعتقل الشاة ويأتى مراعاة الضيف وهذا غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه وإسناده جيد وروى محمد بن سعد عن إسماعيل بن أبي فديك عن موسى بن يعقوب الربعي عن سهل مولى عتبة أنه كان نصرانيا من أهل مريس وأنه كان في حجر عمه وأنه قال قرأت يوما في مصحف لعمي فاذا فيه ورقة بغير الخط وإذا فيها نعت محمد صلى الله عليه و سلم لا قصير ولا طويل أبيض ذو ضفيرتين بين كتفيه خاتم يكثر الاختباء ولا يقبل الصدقة ويركب الحمار والبعير ويحتلب الشاة ويلبس قميصا مرقوعا ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر وهو من ذرية إسماعيل اسمه أحمد قال فلما جاء عمي ورآني قد قرأتها ضربني وقال مالك وفتح هذه فقلت إن فيها نعت أحمد فقال إنه لم يأت بعد وقال الامام احمد ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن عمرو عن سعيد عن أنس قال ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر الحديث ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل بن عليه به وقال الترمذي في الشمائل ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود عن شعبة عن الأشعث بن سليم [ قال ] سمعت عمتي تحدث عن عمها قال بينا أنا أمشي بالمدينة إذا إنسان خلفي يقول ارفع إزارك فانه أنقى وأبقى [ فنظرت ] فاذا هو رسول الله فقلت يا رسول الله إنما هي بردة ملحاء قال أمالك في أسوة فاذا إزاره إلى نصف ساقيه ثم قال ثنا سويد بن نصر ثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عبيدة عن إياس بن سلمة عن أبيه قال كان عثمان بن عفان متزرا إلى أنصاف ساقيه قال هكذا كانت أزره صاحبي صلى الله عليه و سلم وقال أيضا (6/45)
ثنا يوسف بن عيسى ثنا وكيع ثنا الربيع بن صبيح ثنا يزيد بن أبان عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات وهذا فيه غرابة ونكارة والله أعلم وروى البخاري عن علي بن الجعد عن شعبة عن يسار أبي الحكم عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر على صبيان يلعبون فسلم عليهم ورواه مسلم من وجه آخر عن شعبة
مزاجه عليه السلام
وقال ابن لهيعة حدثني عمارة بن غزية عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم من أفكه الناس مع صبى وقد تقدم حديثه في ملاعبته أخاه أبا عمير وقوله أبا عمير ما فعل النغير يذكره بموت نغر كان يلعب به ليخرجه بذلك كما جرت به عادة الناس من المداعبة مع الأطفال الصغار وقال الامام أحمد ثنا خلف بن الوليد ثنا خالد بن عبد الله عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فاستحمله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنا حاملوك على ولد ناقة فقال يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وهل تلد الابل إلا النوق ورواه أبو داود عن وهب بن بقية والترمذي عمر قيتبه كلاهما عن خالد بن عبد الله الواسطي الطحان به وقال الترمذي صحيح غريب وقال أبو داود في هذا الباب ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج بن محمد ثنا يونس بن أبي اسحاق عن أبي اسحاق عن العيزار بن حرب عن النعمان بن بشير قال استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه و سلم فسمع صوت عائشة عاليا على رسول الله فلما دخل تناولها ليلطمها وقال ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يحجزه وخرج أبو بكر مغضبا فقال رسول الله حين خرج أبو بكر كيف رأيتني أنقذتك من الرجل فمكث أبو بكر أياما ثم استأذن على رسول الله فوجدهما قد اصطلحا فقال لهما أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد فعلنا قد فعلنا وقال أبو داود ثنا مؤمل بن الفضل ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء عن بشر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك الأشجعي قال أتيت رسول الله في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فسلمت فرد وقال ادخل فقلت أكلي يا رسول الله فقال كلك فدخلت وحدثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد ابن عثمان بن أبي العاملة إنما قال أدخل كلي من صغر القبة ثم قال أبو داود ثنا ابراهيم بن مهدي ثنا شريك عن عاصم عن أنس قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ياذا الأذنين قلت ومن هذا القبيل ما رواه الامام أحمد ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن ثابت عن أنس أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا يهدي النبي صلى الله عليه و سلم الهدية من البادية فيجهزه النبي صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يخرج (6/46)
فقال رسول الله إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبه وكان رجلا دميما فأتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره فقال أرسلني من هذا فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه و سلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه و سلم حين عرفه وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من يشتري العبد فقال يا رسول الله إذن والله تجدني كاسدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لكن عند الله لست بكاسد أو قال لكن عند الله أنت غال وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات على شرط الصحيحين ولم يروه الا الترمذي في الشمائل عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق ورواه ابن حبان في صحيحه عن هكذا ورد ومن هذا القبيل ما رواه البخاري في صحيحه أن رجلا كان يقال له عبد الله ويلقب حمارا وكان يضحك النبي صلى الله عليه و سلم وكان يؤتى به في الشراب فجيء يوما فقال رجل لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تلعنه فانه يحب الله ورسوله ومن هذا ما قال الامام احمد ثنا حجاج حدثني شعبة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في مسير وكان حاد يحدو بنسائه أو سائق قال فكان نساؤه يتقدمن بين يديه فقال يا أنجشة ويحك ارفق بالقوارير وهذا الحديث في الصحيحين عن أنس قال وكان للنبي صلى الله عليه و سلم حاد يحدو بنسائه يقال له أنجشة فحدا فأعنقت الابل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ويحك يا أنجشة ارفق بالقوارير ومعنى القوارير النساء وهي كلمة دعابة صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين
ومن مكارم أخلاقه ودعابته وحسن خلقه استماعه عليه السلام حديث أم زرع من عائشة بطوله ووقع في بعض الروايات أنه عليه السلام هو الذي قصه على عائشة ومن هذا ما رواه الامام أحمد ثنا أبو النضر ثنا أبو عقيل يعني عبد الله بن عقيل الثقفي به حدثنا مجالد بن سعيد عن عامر عن مسروق عن عائشة قالت حدث رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءه ذات ليلة حديثا فقالت امرأة منهن يا رسول الله كان الحديث حديث خرافة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اتدرين ما خرافة إن خرافة كان رجلا من عذرة أسرته الجن في الجاهلية فمكث فيهم دهرا طويلا ثم ردوه إلى الانس فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس حديث خرافة وقد رواه الترمذي في الشمائل عن الحسن بن الصباح البزار عن أبي النضر هاشم بن القاسم به قلت وهو من غرائب الأحاديث وفيه نكارة ومجالد بن سعيد يتكلمون فيه فالله أعلم وقال الترمذي في باب خراج النبي صلى الله عليه و سلم من كتابه الشمائل ثنا عبد بن حميد ثنا مصعب بن المقدام ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن (6/47)
قال أتت عجوز النبي صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله ادع لي أن يدخلني الله الجنة قال يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز فولت العجوز تبكي فقال أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز فان الله تعالى يقول إنا إنشأناهن إنشاء فجعلناهن إبكارا وهذا مرسل من هذا الوجه وقال الترمذي ثنا عباس ابن محمد الدوري ثنا علي بن الحسن بن شقيق ثنا عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد عن سعيد المقبري عن ابي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا قال إني لا أقول إلا حقا تداعبنا يعني تمازحنا وهكذا رواه الترمذي في جامعه في باب البر بهذا الاسناد ثم قال وهذا حديث مرسل حسن
باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار
قال الله تعالى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى وقال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا وقال تعالى فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم وقال ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين والآيات في هذا كثيرة وأما الأحاديث فقال يعقوب بن سفيان حدثني أبو العباس حيوة بن شريح أنا بقية عن الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال كان ابن عباس يحدث أن الله أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل فقال الملك لرسوله إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا نبيا فالتفت رسول الله إلى جبريل كالمستشير له فأشار جبريل إلى رسول الله أن تواضع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل أكون عبدا نبيا قال فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي الله عز و جل وهكذا رواه البخاري في التاريخ عن حيوة بن شريح وأخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان كلاهما عن بقية بن الوليد به وأصل هذا الحديث في الصحيح بنحو من هذا اللفظ وقال الامام أحمد حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة ولا أعلمه الا عن أبي هريرة قال جلس جبريل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر إلى السماء فاذا ملك ينزل فقال جبريل إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة فلما نزل قال يا محمد أرسلني إليك ربك أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا هكذا وجدته بالنسخة التي عندي بالمسند مقتصرا وهو من إفراده من هذا الوجه وثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب في حديث إيلاء رسول الله صلى الله عليه و سلم من أزواجه أن لا يدخل عليهن شهرا واعتزل عنهن في علية فلما دخل عليه عمر في تلك العلية فإذا (6/48)
ليس فيها سوى صبرة من قرظ وأهبة معلقة وصبرة من شعير وإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أمر في جنبه فهملت عينا عمر فقال مالك فقلت يا رسول الله أنت صفوة الله من خلقه وكسرى وقيصر فيما هما فيه فجلس محمرا وجهه فقال أوفي شك أنت يا ابن الخطاب ثم قال أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا وفي رواية لمسلم أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة فقلت بلى يا رسول الله قال فاحمد الله عز و جل ثم لما انقضى الشهر أمره الله عز و جل أن يخير أزواجه وأنزل عليه قوله يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما وقد ذكرنا هذا مبسوطا في كتابنا التفسير وأنه بدأ بعائشة فقال لها إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وتلا عليها هذه الآية قالت فقلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة وكذلك قال سائر أزواجه عليه السلام ورضي عنهن وقال مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال دخلت على رسول الله وهو على سرير مزمول بالشريط وتحت رأسه وسادة من ادم حشوها ليف ودخل عليه عمر وناس من الصحابة فانحرف رسول الله انحرافة فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى فقال له ما يبكيك يا عمر قال ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال بلى قال هو كذلك هكذا رواه البيهقي وقال الامام احمد [ حدثنا أبو النضر ] ثنا مبارك عن الحسن عن أنس بن مالك قال دخلت على رسول الله وهو على سرير مضطجع مزمل بشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف فدخل عليه نفر من أصحابه ودخل عمر فانحرف رسول الله انحرافة فلم ير عمر بين جنبه وبين الشريط ثوبا وقد أثر الشريط بجنب رسول الله فبكى عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يبكيك يا عمر قال والله ما أبكي ألا أكون أعلم أنك أكرم على الله من كسرى وقيصر وهما يعيشان في الدنيا فيما يعيشان فيه وأنت يا رسول الله في المكان الذي أرى فقال رسول الله أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال بل قال فانه كذلك وقال أبو داود الطيالسي ثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة بن مسعود قال اضطجع رسول الله على حصير فأثر الحصير بجلده فجعلت أمسحه وأقول بأبي أنت وأمي ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه فقال مالي وللدنيا ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ورواه ابن ماجه عن يحيى بن حكيم عن أبي داود الطيالسي به وأخرجه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي عن زيد بن الحباب كلاهما عن المسعودي به وقال الترمذي حسن صحيح وقد رواه الامام أحمد من حديث ابن عباس فقال (6/49)
حدثنا عبد الصمد وأبو سعيد وعفان قالوا ثنا ثابت ثنا هلال عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال يا رسول الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا فقال مالي وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها تفرد به أحمد وفي صحيح البخاري من حديث الزهري عن عبد الله بن عبد الله ابن عتبة عن أبي هريرة أن رسول الله قال
لو أن لي مثل أحد ذهبا ما سرني أن تأتي علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين وفي الصحيحين من حديث عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه من حديث يزيد بن سنان عن ابن المبارك عن عطاء عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اللهم احيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين فانه حديث ضعيف لا يثبت من جهة إسناده لأن فيه يزيد بن سنان أبا فروة الرهاوي وهو ضعيف جدا والله أعلم وقد رواه الترمذي من وجه آخر فقال حدثنا عبد الأعلى بن واصل الكوفي ثنا ثابت بن محمد العابد الكوفي حدثنا الحارث بن النعمان الليثي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة فقالت عائشة لم يا رسول الله قال إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة يا عائشة حبي المساكين وقربيهم فان الله يقربك يوم القيامة ثم قال هذا حديث غريب قلت وفي إسناده ضعف وفي متنه نكارة والله أعلم وقال الامام احمد حدثنا عبد الصمد [ قال حدثنا ] أبو عبد الرحمن يعني عبد الله ابن دينار عن أبي حازم عن سعيد بن سعد أنه قيل له هل رأى النبي بعينه يعني الحواري فقال له ما رأى رسول الله النقى بعينه حتى لقي الله عز و جل فقيل له هل لكم مناخل على عهد رسول الله فقال ما كانت لنا مناخل فقيل له فكيف كنتم تصنعون بالشعير قال ننفخه فيطير [ منه ] ما طار وهكذا رواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار به وزاد ثم نذريه ونعجنه ثم قال حسن صحيح وقد رواه مالك عن أبي حازم قلت وقد رواه البخاري عن سعيد بن أبي مريم عن محمد بن مطرف بن غسان المدني عن أبي حازم عن سهل بن سعد به ورواه البخاري أيضا والنسائي عن شيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن القاري عن أبي حازم عن سهل به وقال الترمذي حدثنا عباس بن محمد الدوري ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا جرير بن عثمان عن سليم بن عامر سمعت ابا أمامة يقول ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم خبز الشعير ثم قال حسن صحيح غريب وقال الامام أحمد ثنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان حدثني أبو حازم قال رأيت أبا هريرة يشير بأصبعه مرارا والذي نفس ابي هريرة بيده ما شبع نبي الله وأهله ثلاثة (6/50)
أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا ورواه مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث يزيد بن كيسان وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الحميد عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت ما شبع آل محمد صلى الله عليه و سلم منذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله وقال الامام أحمد حدثنا هاشم ثنا محمد بن طلحة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت ما شبع آل محمد ثلاثا من خبز بر حتى قبض وما رفع من مائدته كسرة قط حتى قبض وقال أحمد ثنا محمد بن عبيد ثنا مطيع الغزال عن كردوس عن عائشة قالت قد مضى رسول الله لسبيله وما شبع أهله ثلاثة أيام من طعام بر وقال الامام احمد ثنا حسن ثنا زويد عن أبي سهل عن سليمان بن رومان مولى عروة عن عروة عن عائشة أنها قالت والذي بعث محمدا بالحق ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله [ عز و جل ] إلى أن قبض قلت كيف كنتم تأكلون الشعير قالت كنا نقول أف تفرد به أحمد من هذا الوجه وروى البخاري عن محمد بن كثير عن الثوري عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة عن أبيه عن عائشة قالت إن كنا لنخرج الكراع بعد خمسة عشر يوما فنأكله قلت ولم تفعلون ذلك فضحكت وقالت ما شبع آل محمد صلى الله عليه و سلم من خبز مأدوم حتى لحق بالله عز و جل وقال أحمد ثنا يحيى ثنا هشام أخبرني أبي عن عائشة قالت كان يأتي على آل محمد الشهر ما يوقدون فيه نارا ليس إلا التمر والماء إلا أن يؤتى باللحم وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت إن كنا آل محمد ليمر بنا الهلال ما نوقد نارا إنما هو الأسودان التمر والماء إلا أنه كان حولنا أهل دور من الأنصار يبعثون إلى رسول الله بلبن منائحهم فيشرب ويسقينا من ذلك اللبن ورواه أحمد عن بريدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنها بنحوه وقال الامام أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين ثنا محمد بن مطرف عن أبي حازم عن عروة بن الزببير أنه سمع عائشة تقول كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه و سلم نارا قال قلت يا خالة على أي شيء كنتم تعيشون قالت على الأسودين التمر والماء تفرد به أحمد وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن ابن يزيد عن الأسود عن عائشة قالت ما شبع رسول الله صلى الله عليه و سلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض وقد رواه مسلم من حديث شعبة وقال الامام أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال قالت عائشة أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلا فأمسكت وقطع رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قالت أمسك رسول الله صلى الله عليه و سلم وقطعت قالت تقول للذي تحدثه هذا على غير مصباح وفي رواية لو كان عندنا مصباح لأتدمنا به قال قالت عائشة إنه ليأتي على آل محمد الشهر ما يختبزون خبزا ولا يطبخون قدرا وقد رواه أيضا عن بهز بن أسد عن سليمان بن (6/51)
المغيرة وفي رواية شهرين تفرد به أحمد وقال الامام أحمد ثنا خلف ثنا أبو معشر عن سعيد هو ابن ابي سعيد عن أبي هريرة قال كان يمر بآل رسول الله هلال ثم هلال لا يوقدون في بيوتهم النار لا بخبز ولا بطبخ قالوا بأي شيء كانوا يعيشون يا أبا هريرة قال الأسودان التمر والماء وكان لهم جيران من الانصار جزاهم الله خيرا لهم منائح يرسلون إليهم شيئا من لبن تفرد به أحمد وفي صحيح مسلم من حديث منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه عن عائشة قالت توفي رسول الله وقد شبع الناس من الأسودين التمر والماء وقال ابن ماجه حدثنا سويد بن سعيد ثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما بطعام سخن فأكل فلما فرغ قال ( الحمد لله ) ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا وقال الامام أحمد ثنا عبد الصمد ثنا [ عمار ] أبو هاشم صاحب الزعفراني عن أنس بن مالك أن فاطمة ناولت رسول الله صلى الله عليه و سلم كسرة من خبز الشعير فقال هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة ايام تفرد به أحمد وروى الامام أحمد عن عفان والترمذي وابن ماجه جميعا عن عبد الله بن معاوية كلاهما عن ثابت ابن يزيد عن هلال بن خباب العبدي الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان عامة خبزهم خبز الشعير وهذا لفظ أحمد وقال الترمذي في الشمائل ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ثنا عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن يزيد بن أبي أمية الأعور عن أبي يوسف بن عبد الله بن سلام قال رأيت رسول الله أخذ كسرة من [ خبز ] الشعير فوضع عليها تمرة وقال هذا إدام هذه وأكل وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان أحب الشراب إلى رسول الله الحلو البارد وروى البخاري من حديث قتادة عن أنس قال ما أعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله ولا شاة سميطا بعينه قط وفي رواية له عنه أيضا ما أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق فقلت لأنس فعلى ما كانوا يأكلون قال على [ هذه ] السفر وله من حديث قتادة أيضا عن أنس أنه مشى إلى رسول صلى الله عليه و سلم بخبز شعير وإهالة سنخه ولقد رهن درعه من يهودي فأخذ لأهله شعيرا ولقد سمعته ذات يوم يقول ما أمسى عند آل محمد صاع تمر ولا صاع حب وقال الامام أحمد ثنا عفان ثنا أبان بن يزيد ثنا قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف ورواه الترمذي في الشمائل عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن عفان وهذا الاسناد على شرط الشيخين وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت عمر بن الخطاب يخطب فذكر ما فتح الله على الناس فقال لقد (6/52)
رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلتوي من الجوع ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه وأخرجه مسلم من حديث شعبة وفي الصحيح أن أبا طلحة قال يا أم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعرف فيه الجوع وسيأتي الحديث في دلائل النبوة وفي قصة أبي الهيثم بن التيهان أن أبا بكر وعمر خرجا من الجوع فبينما هما كذلك إذ خرج رسول الله فقال ما أخرجكما فقالا الجوع فقال والذي نفسي بيده لقد أخرجني الذي أخرجكما فذهبوا الى حديقة الهيثم بن التيهان فأطعمهم رطبا وذبح لهم شاة فأكلوا وشربوا الماء البارد وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا من النعيم الذي تسألون عنه وقال الترمذي ثنا عبد الله بن أبي زياد ثنا سيار ثنا يزيد بن أسلم عن يزيد بن أبي منصور عن أنس عن أبي طلحة قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم [ عن بطنه ] عن حجرين ثم قال غريب وثبت في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت كان من آدم حشوه ليف وقال الحسن بن عرفة ثنا عباد بن عباد المهلبي عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله عباءة مثنية فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف فدخل علي رسول الله فقال ما هذا يا عائشة قالت قلت يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك فذهبت فبعثت إلي بهذا فقال رديه قالت فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات قالت فقال رديه يا عائشة فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة وقال الترمذي في الشمائل حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري ثنا عبد الله بن مهدي ثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال سئلت عائشة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتك قالت من آدم حشوه ليف وسئلت حفصة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت مسحا نثنيه ثنيتين فينام عليه فلما كان ذات ليلة قلت لو ثنيته بأربع ثنيات كان أوطأ له فثنيناه له بأربع ثنيات فلما أصبح قال ما فرشتم لي الليلة قالت قلنا هو فراشك الا أنا ثنيناه بأربع ثنيات قلنا هو أوطأ لك قال ردوه لحالته الاولى فإنه منعتني وطأته صلاتي الليلة [ وقال الطبراني حدثنا محمد بن أبان الأصبهاني حدثنا محمد بن عبادة الواسطي حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثنا محمد بن ابراهيم حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن حكيم بن حزام قال خرجت الى اليمن فابتعت حلة ذي يزن فأهديتها إلى النبي صلى الله عليه و سلم فردها فبعتها فاشتراها فلبسها ثم خرج على أصحابه وهي عليه فما رأيت شيئا أحسن منه فيها فما ملكت نفسي أن قلت ... ما ينظر الحكام بالفضل بعدما ... بدا واضح من غرة وحجول (6/53)
إذا قايسوه الجد أربى عليهم ... بمستفرع ما الذباب سحيل ...
فسمعها النبي صلى الله عليه و سلم فالتفت إلي يتبسم ثم دخل فكساها أسامة بن زيد ] وقال الامام أحمد حدثني [ حسين بن ] علي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير [ قال حدثني ] ربعي بن خراش عن أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ساهم الوجه قالت فحسبت ذلك من وجع فقلت يا رسول الله أراك ساهم الوجه أفمن وجع فقال لا ولكن الدنانير السبعة التي أتينا بها [ أمس أمسينا ] ولم ننفقها نسيتها في خصم الفراش تفرد به أحمد وقال الامام أحمد ثنا أبو سلمة [ قال أنا بكر ] بن مضر ثنا موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل قال دخلت أنا وعروة ابن الزبير يوما على عائشة فقالت لو رأيتما نبي الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم في مرض مرضه قالت وكان له عندي ستة دنانير قال موسى أو سبعة قالت فأمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أفرقها قالت فشغلني وجع نبي الله صلى الله عليه و سلم حتى عافاه الله عز و جل قالت ثم سألني عنها فقال ما فعلت السنة قال أو السبعة قلت لا والله لقد شغلني عنها وجعك قالت فدعا بها ثم صفها في كفه فقال ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده تفرد به أحمد وقال قتيبة ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخر شيئا لغد وهذا الحديث في الصحيحين والمراد أنه كان لا يدخر شيئا لغد مما يسرع إليه الفساد كالأطعمة ونحوها لما ثبت في الصحيحين عن عمر أنه قال كانت أموال بني النضير مما أفاء ا الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب فكان يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز و جل ومما يؤيد ما ذكرناه ما رواه الامام أحمد حدثنا مروان بن معاوية [ قال أخبرني ] هلال بن سويد أبو معلى [ قال ] سمعت أنس بن مالك وهو يقول أهديت لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة طوائر فأطعم خادمه طائرا فلما كان من الغد أتته به فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد فان الله [ عز و جل ] يأتي برزق كل غد
حديث بلال في ذلك
قال البيهقي ثنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو محمد بن جعفر بن نصير ثنا إبراهيم بن عبد الله البصري ثنا بكار بن محمد أنا عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله دخل على بلال فوجد عنده صبرا من تمر قال ما هذا يا بلال قال تمر أدخره قال ويحك يا بلال أو ما تخاف أن تكون له بحار في النار أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا قال البيهقي (6/54)
بسنده عن أبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي كلاهما عن أبي ثوبة الربيع بن نافع حدثني معاوية ابن سلام عن زيد بن سلام حدثني عبد الله الهوريني قال لقيت بلالا مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم بحلب فقلت يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما كان له شيء إلا أنا الذي كنت إلى ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي فكان إذا أتاه الانسان المسلم فرآه عائلا يأمرني فأنطلق فأستقرض فاشتري البردة والشيء فأكسوه وأطعمه حتى اعترضني رجل من المشركين فقال يا بلال إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت فلما كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فاذا المشرك في عصابة من التجار فلما رآني قال يا حبشي قال قلت يا لبيه فتجهمني وقال قولا عظيما أو غليظا وقال أتدري كم بينك وبين الشهر قلت قريب قال إنما بينك وبينه أربع ليال فآخذك بالذي لي عليك فاني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك ولا من كرامة صاحبك وإنما أعطيتك لتصير لي عبدا فأذرك ترعى في الغنم كما كنت قبل ذلك قال فأخذني في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس فانطلقت فناديت بالصلاة حتى إذا صليت العتمة ورجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك الذي ذكرت لك أني كنت أتدين منه قد قال كذا وكذا وليس عندك ما يقضي عني ولا عندي وهو فاضحي فأذن لي أن آتي إلى بعض هؤلاء الاحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه و سلم ما يقضي عني فخرجت حتى أتيت منزلي فجعلت سيفي وحرابي ورمحي ونعلي عند رأسي فاستقبلت بوجهي الافق فكلما نمت انتبهت فإذا رأيت على ليلا نمت حتى انشق عمود الصبح الأول فأردت أن أنطلق فاذا إنسان يدعو يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه و سلم فانطلقت حتى آتيه فاذا أربع ركائب عليهم أحمالهن فأتيت رسول الله فاستأذنت فقال لي رسول الله أبشر فقد جاءك الله بقضاء دينك فحمدت الله وقال ألم قمر على الركائب المناخات الأربع قال قلت بلى قال فإن لك رقابهن وما عليهن فاذا عليهن كسوة وطعام أهداهن له عظيم فدك فاقبضهن إليك ثم اقض دينك قال ففعلت فحططت عنهن أحمالهن ثم علفتهن ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خرجت الى البقيع فجعلت أصبعي في أذني فقلت من كان يطلب من رسول الله صلى الله عليه و سلم دينا فليحضر فما زلت أبيع وأقضي وأعرض حتى لم يبق على رسول الله صلى الله عليه و سلم دين في الأرض حتى فضل عندي أوقيتان أو أوقية ونصف ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار فاذا رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد في المسجد وحده فسلمت عليه فقال لي ما فعل ما قبلك قلت قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يبق شيء قال فضل شيء قلت نعم (6/55)
ديناران قال انظر أن تريحني منهما فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منهما فلم يأتينا أحد فبات في المسجد حتى أصبح وظل في المسجد اليوم الثاني حتى إذا كان آخر النهار جاء راكبان فانطلقت بهما فكسوتهما وأطعمتهما حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال ما فعل الذي قبلك قلت قد اراحك الله منه فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ثم اتبعته حتى جاء أزواجه فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهذا الذي سألتني عنه وقال الترمذي في الشمائل حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة المديني حدثني أبي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله أن يعطيه فقال ما عندي ما أعطيك ولكن ابتع علي شيئا فاذا جاءني شيء قضيته فقال عمر يا رسول الله قد أعطيته فما كلفك الله مالا تقدر عليه فكره النبي صلى الله عليه و سلم قول عمر فقال رجل من الانصار يا رسول الله انفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم وعرف التبسم في وجهه لقول الانصاري وقال بهذا أمرت وفي الحديث ألا أنهم ليسألوني ويأبى الله على البخل وقال يوم حنين حين سألوه قسم الغنائم والله لو أن عندي عدد هذه العضاه نعما لقسمتها فيكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا ضانا ولا كذابا صلى الله عليه و سلم وقال الترمذي ثنا علي بن حجر ثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عمر قالت أتيت رسول الله بقناع من رطب وأجرز عنب فأعطاني ملء كفيه حليا أو ذهبا وقال الامام أحمد حدثنا سفيان عن مطرف عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر قال المسلمون يا رسول الله فما نقول قال قولوا ( حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا ) ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن مطرف ومن حديث خالد بن طهمان كلاهما عن عطية وأبي سعيد العوفي البجلي وأبو الحسن الكوفي عن أبي سعيد الخدري وقال الترمذي حسن قلت وقد روى من وجه آخر عنه ومن حديث ابن عباس كما سيأتي في موضعه
ومن تواضعه عليه الصلاة و السلام قال أبو عبد الله بن ماجه حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ثنا عمرو بن محمد ثنا أسباط بن نصر عن السدي عن أبي سعد الأزدي وكان قارئ الازد عن أبي الكنود عن خباب في قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الى قوله فتكون من الظالمين قال جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول رسول الله حقروهم فأتوا فخلوا به فقالوا نريد أن يجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فان وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فاذا (6/56)
نحن جئناك فاقمهم عنك فاذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال نعم قالوا فاكتب لنا عليك كتابا قال فدعا بصحيفة ودعا عليا ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبريل عليه السلام فقال ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ثم قال وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة قال فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجلس معنا فاذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز و جل واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ولا تجالس الأشراف ولا تطع من أغفلنا قبله عن ذكرنا يعني عيينة والأقرع واتبع هواه وكان أمره فرطا قال هلاكا قال أمر عيينة والاقرع ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا قال خباب فكنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فاذا بلغنا الساعة التي يقوم قمنا وتركناه حتى يقوم ثم قال ابن ماجه حدثنا يحيى بن حكيم ثنا أبو داود ثنا قيس بن الربيع عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد قال نزلت هذه الآية فينا ستة في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال قال قالت قريش يا رسول الله انا لا نرضى أن نكون أتباعا لهم فاطردهم عنك قال فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل فأنزل الله عز و جل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الآية وقال الحافظ البيهقي أنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصفهاني أنا أبو سعيد بن الاعرابي ثنا أبو الحسن خلف ابن محمد الواسطي الدوسي ثنا يزيد بن هارون ثنا جعفر بن سليمان الضبعي ثنا المعلى بن زياد يعني عن العلاء بن بشير المازني [ عن ] أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال كنت في عصابة من المهاجرين جالسا معهم وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري وقارئ لنا يقرأ علينا فكنا نسمع إلى كتاب الله فقال رسول الله الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم نفسي قال فاستدارت الحلقة وبرزت وجوههم قال فما عرف رسول الله أحدا منهم غيري فقال رسول الله أبشروا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور يوم القيامة تدخلون قبل الأغنياء بنصف يوم وذلك خمسمائة عام وقد روى الامام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال لم يكن شخص أحب اليهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك (6/57)
فصل
عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك
قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وكان لا تشاء تراه من الليل قائما الا رأيته ولا تشاء أن تراه نائما إلا رأيته قالت وما زاد على رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان وفي غيره على احدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يوتر بثلاث قالت وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها قالت ولقد كان يقوم حتى أرثي له من شدة قيامه وذكر ابن مسعود أنه صلى معه ليلة فقرأ في الركعة الأولى بالبقرة والنساء وآل عمران ثم ركع قريبا من ذلك ورفع نحوه وسجد نحوه وعن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام ليلة حتى أصبح يقرأ هذه الآية إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم رواه أحمد وكل هذا في الصحيحين وغيرهما من الصحاح وموضع بسط هذه الاشياء في كتاب الأحكام الكبير وقد ثبت في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام حتى تفطرت قدماه فقيل له أليس قد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا وتقدم في حديث سلام بن سليمان عن ثابت عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة رواه أحمد والنسائي وقال الامام أحمد ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أخبرني علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم قد حبب اليك الصلاة فخذ منها ما شئت وثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر رمضان في حر شديد وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبد الله ابن رواحة وفي الصحيحين من حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة قال سألت عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخص شيئا من الأيام قالت لا كان عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستطيع وثبت في الصحيحين من حديث أنس وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يواصل ونهى اصحابه عن الوصال وقال إني لست كأحدكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني والصحيح أن هذا الاطعام والسقيا معنويان كما ورد في الحديث الذي رواه ابن عاصم عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فان الله يطعمهم ويسقيهم وما أحسن ما قال بعضهم ... لها أحاديث من ذكراك يشغلها ... عن الشراب ويلهيها عن الزاد (6/58)