عثمان اثنتا عشرة سنة وخلافة علي ست سنين هذا لفظ احمد ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن سعيد بن جمهان وقال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديثه ولفظه الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكا عضوضا وذكر بقيته
قلت ولم يكن في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم أول ما بني منبر يخطب الناس عليه بل كان النبي صلى الله عليه و سلم يخطب الناس وهو مستندا إلى جذع عند مصلاه في الحائط القبلي فلما اتخذ له عليه السلام المنبر كما سيأتي بيانه في موضعه وعدل اليه ليخطب عليه فلما جاوز ذلك الجذع خار ذلك الجذع وحن حنين النوق العشار لما كان يسمع من خطب الرسول عليه السلام عنده فرجع اليه النبي صلى الله عليه و سلم فاحتضنه حتى سكن كما يسكن المولود الذي يسكت كما سيتأتي تفصيل ذلك من طرق عن سهل بن سعد الساعدي وجابر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك وأم سلمة رضي الله عنهم وما أحسن ما قال الحسن البصري بعد ما روى هذا الحديث عن أنس بن مالك يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم شوقا اليه أو ليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا اليه
تنبيه على فضل هذا المسجد الشريف
قال الامام احمد حدثنا يحيى بن أنيس بن أبي يحيى حدثني أبي قال سمعت ابا سعيد الخدري قال اختلف رجلان رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى فقال الخدري هو مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال العمري هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألاه عن ذلك فقال هو هذا المسجد لمسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال في ذلك خير كثير يعني مسجد قباء ورواه الترمذي عن قتيبة عن حاتم بن اسماعيل عن أنيس بن أبي يحيى الاسلمي به وقال حسن صحيح وروى الامام احمد عن اسحاق بن عيسى عن الليث بن سعد والترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن الليث عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى وذكر نحو ما تقدم وفي صحيح مسلم من حديث حميد الخراط عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عبد الرحمن بن أبي سعيد كيف سمعت أباك في المسجد الذي أسس على التقوى قال أبى أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألته عن المسجد الذي أسس على التقوى فاخذ كفا من حصباء فضرب به الارض ثم قال هو مسجدكم هذا وقال الامام احمد حدثنا وكيع حدثنا ربيعة بن عثمان التميمي عن عمران بن أبي أنس عن سهيل بن سعد قال اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد في الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال الآخر هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألاه فقال (3/219)
هو مسجدي هذا وقال الامام احمد حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الله بن عامر الاسلمي عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا فهذه طرق متعددة لعلها تقرب من إفادة القطع بانه مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم وإلى هذا ذهب عمر وابنه عبد الله وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب واختاره ابن جرير وقال آخرون لا منافاة بين نزول الآية في مسجد قباء كما تقدم بيانه وبين هذه الاحاديث لان هذا المسجد أولى بهذه الصفة من ذلك لان هذا أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال اليها كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام ومسجد بيت المقدس وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد وذكرها وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وفي مسند احمد بأسناد حسن زيادة حسنة وهي قوله فان ذلك أفضل وفي الصحيحين من حديث يحيى القطان عن حبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي والاحاديث في فضائل هذا المسجد الشريف كثيرة جدا وسنوردها في كتاب المناسك من كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم
وقد ذهب الامام مالك وأصحابه إلى أن مسجد المدينة أفضل من المسجد الحرام لأن ذاك بناه ابراهيم وهذا بناه محمد صلى الله عليه و سلم ومعلوم أن محمدا صلى الله عليه و سلم أفضل من ابراهيم عليه السلام وقد ذهب الجمهور إلى خلاف ذلك وقرروا أن المسجد الحرام أفضل لانه في بلد حرمه الله يوم خلق السموات والارض وحرمه ابراهيم الخليل عليه السلام ومحمد خاتم المرسلين فاجتمع فيه من الصفات ما ليس في غيره وبسط هذه المسألة موضع آخر وبالله المستعان فصل
وبني لرسول الله صلى الله عليه و سلم حول مسجده الشريف حجر لتكون مساكن له ولاهله وكانت مساكن قصيرة البناء قريبة الفناء قال الحسن بن أبي الحسن البصري وكان غلاما مع أمه خيرة مولاة أم سلمة لقد كنت انال أطول سقف في حجر النبي صلى الله عليه و سلم بيدي قلت الا أنه قد كان الحسن البصري شكلا ضخما طوالا رحمه الله
وقال السهيلي في الروض كانت مساكنه عليه السلام مبنية من جريد عليه طين بعضها من (3/220)
حجارة مرضومة وسقوفها كلها من جريد وقد حكى عن الحسن البصري ما تقدم قال وكانت حجره من شعر مربوطة بخشب من عرعر قال وفي تاريخ البخاري أن بابه عليه السلام كان يقرع بالاظافير فدل على أنه لم يكن لابوابه حلق قال وقد أضيفت الحجر كلها بعد موت أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المسجد قال الواقدي وابن جرير وغيرهما ولما رجع عبد الله بن أريقط الدئلي إلى مكة بعث معه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر زيد بن حارثة وأبا رافع موليا رسول الله صلى الله عليه و سلم ليأتوا بأهاليهم من مكة وبعثا معهم بحملين وخمسمائة درهم ليشتروا بها إبلا من قديد فذهبوا فجاؤا ببنتي النبي صلى الله عليه و سلم فاطمة وأم كلثوم وزوجتيه سودة وعائشة وأمها أم رومان وأهل النبي صلى الله عليه و سلم وآل أبي بكر صحبة عبد الله بن أبي بكر وقد شرد بعائشة وأمها أم رومان الجمل في أثناء الطريق فجعلت أم رومان تقول واعروساه وابنتاه قالت عائشة فسمعت قائلا يقول أرسلي خطامه فأرسلت خطامه فوقف بإذن الله وسلمنا الله عز و جل فتقدموا فنزلوا بالسنح ثم دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بعائشة في شوال بعد ثمانية أشهر كما سيأتي وقدمت معهم أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير بن العوام وهي حامل متم بعبد الله بن الزبير كما سيأتي بيانه في موضعه من آخر هذه السنة فصل
فيما أصاب الهاجرين من حمى المدينة
قال البخاري حدثنا عبد الله بن وهب بن يوسف ثنا مالك بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وعك أبو بكر وبلال قالت فدخلت عليهما فقلت يا ابه كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك قالت وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول ... كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله ...
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول
... ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي اذخر وجليل ... وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل ...
قالت عائشة فجئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخبرته فقال اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة ورواه مسلم عن أبي بكر (3/221)
ابن أبي شيبة عن هشام مختصرا وفي رواية البخاري له عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكره وزاد بعد شعر بلال ثم يقول اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى أرض الوباء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد اللهم بارك لنا في صاعها وفي مدها وصححها لنا وانقل حماها إلى الجحفة قالت وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله وكان بطحان يجري نجلا يعني ماء آجنا وقال زياد عن محمد بن اسحاق حدثني هشام بن عروة وعمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن عائشة قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى فاصاب أصحابه منها بلاء وسقم وصرف الله ذلك عن نبيه قالت فكان أبو بكر وعامر بن فهيرة وبلال موليا أبى بكر في بيت واحد فاصابتهم الحمى فدخلت عليهم ادعوهم وذلك قبل أن يضرب عليهم الحجاب وبهم مالا يعلمه إلا الله من شدة الوعك فدنوت من أبي بكر فقلت له كيف تجدك يا أبه فقال ... كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله قالت والله ما يدرى أبى ما يقول قالت ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة فقلت كيف تجدك يا عامر قال كل امرئ مصبح قبل ذوقه ... إن
الجبان حتفه من فوقه
... كل امرئ مجاهد بطوقه ... كالثور يحمي جلده بروقه ... قال فقلت والله ما يدري ما يقول قالت وكان بلال إذا أدركته الحمى اضطجع بفناء البيت ثم رفع عقيرته فقال ... ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بفخ وحولي إذخر وجليل ... وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل ...
قالت عائشة فذكرت لرسول الله صلى الله عليه و سلم ما سمعت منهم وقلت إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى فقال اللهم حبب الينا المدينة كما حببت الينا مكة أو أشد وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل وباءها إلى مهيعة ومهيعة هي الجحفة وقال الامام احمد حدثنا يونس ثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي بكر بن اسحاق بن يسار عن عبد الله بن عروةعن عروة عن عائشة قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة اشتكى أبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وبلال فاستأذنت عائشة رسول الله صلى الله عليه و سلم في عيادتهم فاذن لها فقالت لابي بكر كيف تجدك فقال ... كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله (3/222)
وسألت عامرا فقال ... إني وجدت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه ...
وسألت بلالا فقال
... يا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بفخ وحولي إذخر وجليل ...
فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخبرته فنظر إلى السماء وقال اللهم حبب الينا المدينة كما حببت الينا مكة أو أشد اللهم بارك لنا في صاعها وفي مدها وانقل وباءها إلى مهيعة وهي الجحفة فيما زعموا وكذا رواه النسائي عن قتيبة عن الليث به ورواه الامام احمد من طريق عبد الرحمن بن الحارث عنها مثله وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس الاصم حدثنا احمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وهي أوبأ أرض الله وواديها بطحان نجل قال هشام وكان وباؤها معروفا في الجاهلية وكان إذا كان الوادي وبيئا فاشرف عليها الانسان قيل له أن ينهق نهيق الحمار فاذا فعل ذلك لم يضره وباء ذلك الوادي وقد قال الشاعر حين أشرف على المدينة ... لعمري لئن عبرت من خيفة الردى ... نهيق الحمار انني لجزوع ...
وروى البخاري من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة فأولتها أن وباء المدينة نقل الى مهيعة وهي الجحفة هذا لفظ البخاري ولم يخرجه مسلم ورواه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه من حديث موسى بن عقبة وقد روى حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن عائشة قالت قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وهي وبيئة فذكر الحديث بطوله الى قوله وانقل حماها الى الجحفة قال هشام فكان المولود يولد بالجحفة فلا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى ورواه البيهقي في دلائل النبوة وقال يونس عن ابن اسحاق قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وهي وبيئة فأصاب أصحابه بها بلاء وسقم حتى أجهدهم ذلك وصرف الله ذلك عن نبيه صلى الله عليه و سلم وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه صبيحة رابعة يعني مكة عام عمرة القضاء فقال المشركون إنه يقدم عليكم وفد قد وهنهم حمى يثرب فامرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرملوا وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يرملوا الاشواط كلها إلا الابقاء عليهم
قلت وعمرة القضاء كانت في سنة سبع في ذي القعدة فاما أن يكون تأخر دعاؤه عليه السلام بنقل الوباء إلى قريب من ذلك أو أنه رفع وبقي آثار منه قليل أو أنهم بقوا في خمار وما كان أصابهم من ذلك الى تلك المدة والله أعلم وقال زياد عن ابن اسحاق وذكر ابن شهاب الزهري (3/223)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمى المدينة حتى جهدوا مرضا وصرف الله ذلك عن نبيه صلى الله عليه و سلم حتى كانوا وما يصلون إلا وهم قعود قال فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وهم يصلون كذلك فقال لهم اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فتجشم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسقم التماس الفضل فصل
في عقده عليه السلام الألفة بين المهاجرين والانصار بالكتاب الذي أمر به فكتب بينهم والمؤاخاة التي أمرهم بها وقوحدهم عليها وموادعته اليهود الذين كانوا بالمدينة
وكان بها من أحياء اليهود بنو قينقاع وبنوالنضير وبنو قريظة وكان نزولهم بالحجاز قبل الانصار أيام بخت نصر حين دوخ بلاد المقدس فيما ذكره الطبري ثم لما كان سيل العرم وتفرقت شذر مذر نزل الاوس والخزرج المدينة عند اليهود فحالفوهم وصاروا يتشبهون بهم لما يرون لهم عليهم من الفضل في العلم المأثور عن الانبياء لكن من الله على هؤلاء الذين كانوا مشركين بالهدى والاسلام وخذل أولئك لحسدهم وبغيهم واستكبارهم عن اتباع الحق
وقال الامام احمد حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا عاصم الاحول عن أنس بن مالك قال حالف رسول الله صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين والانصار في دار أنس بن مالك وقد رواه الامام احمد أيضا والبخاري ومسلم وأبو داود من طرق متعددة عن عاصم بن سليمان الاحول عن أنس بن مالك قال حالف رسول الله صلى الله عليه و سلم بين قريش والانصار في داري وقال الامام احمد حدثنا نصر بن باب عن حجاج هو ابن أرطاة قال وحدثنا سريج ثنا عباد عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب كتابا بين المهاجرين والانصار أن يعقلوا معاقلهم وأن يفدوا عانيهم بالمعروف والاصلاح بين المسلمين قال احمد وحدثنا سريج ثنا عباد عن حجاج عن الحكم عن قاسم عن ابن عباس مثله تفرد به الامام احمد وفي صحيح مسلم عن جابر كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم على كل بطن عقولة وقال محمد ابن اسحاق كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا بين المهاجرين والانصار وادع فيه اليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي الامي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ثم ذكر كل بطن من بطون الانصار وأهل (3/224)
كل دار بني ساعدة وبني جشم وبني النجار وبني عمرو بن عوف وبني النبيت إلى أن قال وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه وان المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيسة ظلم أو اثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وان أيديهم عليه جميعهم ولو كان ولد احدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن وان ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وانه من تبعنا من يهود فإن له النصر والاسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم وان كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا وإن المؤمنين يبىء بعضهم بعضا بما نال دماءهم في سبيل الله وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه وانه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن وانه من اغتبط مؤمنا قتلا عن بينة فانه قود به إلى أن يرضى ولي المقتول وان المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم الا قيام عليه وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثنا ولا يؤويه وانه من نصره أو آواه فان عليه لعنة الله وغضبة يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وانكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده الى الله عز و جل وإلى محمد صلى الله عليه و سلم وان اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وان يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فانه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وان ليهود بني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جشم وبني الاوس وبني ثعلبة وجفنة وبني الشطنة مثل ما ليهود بني عوف وان بطانة يهود كأنفسهم وانه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد ولا ينحجر على ثار جرح وانه من فتك فبنفسه إلا من ظلم وان الله على أثر هذا وان على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الاثم وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم وإن يثرب حرام حرفها لاهل هذه الصحيفة وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وانه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها وانه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله وان الله على من اتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وانه لا تجار قريش ولا من (3/225)
نصرها وان بينهم النصر على من دهم يثرب وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فانهم يصالحونه وانهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فانه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم وانه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم وان الله جار لمن بر واتقى كذا أورده ابن اسحاق بنحوه وقد تكلم عليه أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتاب الغريب وغيره بما يطول فصل
في مؤاخاة النبي صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين والانصار
كما قال تعالى والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقال تعالى والذين عاقدت ايمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا
قال البخاري حدثنا الصلت بن محمد ثنا أبو أسامة عن إدريس عن طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولكل جعلنا موالي قال ورثة والذين عاقدت ايمانكم كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الانصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه و سلم بينهم فلما نزلت ولكل جلنا موالي نسخت ثم قال والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له وقال الامام احمد قرئ على سفيان سمعت عاصما عن أنس قال حالف النبى صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين والانصار في دارنا قال سفيان كانه يقول آخر
وقال محمد بن اسحاق وآخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصحابه من المهاجرين والانصار فقال فيما بلغنا ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل تآخوا في الله أخوين أخوين ثم اخذ بيد علي بن ابي طالب فقال هذا أخي فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد وعلي بن أبي طالب أخوين وكان حمزة ابن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وعم رسول الله صلى الله عليه و سلم وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم أخوين وإليه أوصى حمزة يوم أحد وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين ومعاذ بن جبل أخوين قال ابن هشام كان جعفر يومئذ غائبا بأرض الحبشة قال ابن اسحاق وكان أبو بكر وخارجة بن زيد الخزرجي أخوين وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين وأبو عبيدة وسعد بن معاذ أخوين وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش (3/226)
أخوين ويقال بل كان الزبير وعبد الله بن مسعود أخوين وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر النجاري أخوين وطلحة [ بن عبيد الله ] وكعب بن مالك أخوين وسعيد بن زيد وأبي بن كعب أخوين ومصعب بن عمير وأبو ايوب أخوين وأبو حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر أخوين وعمار وحذيفة بن اليمان العبسي حليف عبد الاشهل أخوين ويقال بل كان عمار وثابت بن قيس بن شماس أخوين
قلت وهذا السند من وجهين قال وأبو ذر بربر بن جنادة والمنذر بن عمرو المعتق ليموت أخوين وحاطب بن ابي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين وسلمان وأبو الدرداء أخوين وبلال وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي ثم أحد الفزع أخوين قال فهؤلاء ممن سمي لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم آخى بينهم من أصحابه رضي الله عنهم
قلت وفي بعض ما ذكره نظر أما مؤاخآة النبي صلى الله عليه و سلم وعلي فإن من العلماء من ينكر ذلك ويمنع صحته ومستنده في ذلك أن هذه المؤاخاة إنما شرعت لأجل ارتفاق بعضهم من بعض وليتألف قلوب بعضهم على بعض فلا معنى لمؤاخاة النبي صلى الله عليه و سلم لأحد منهم ولا مهاجري لمهاجري آخر كما ذكره من مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة اللهم إلا أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم لم يجعل مصلحة علي إلى غيره فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم من صغره في حياة أبيه أبي طالب كما تقدم عن مجاهد وغيره وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار والله أعلم
وهكذا ذكره لمؤاخاة جعفر ومعاذ بن جبل فيه نظر كما أشار إليه عبد الملك بن هشام فإن جعفر بن أبي طالب إنما قدم في فتح خيبر في أول سنة سبع كما سيأتي بيانه فكيف ويؤاخي بينه وبين معاذ بن جبل أول مقدمه عليه السلام الى المدينة اللهم إلا أن يقال أنه أرصد لأخوته إذا قدم حين يقدم وقوله وكان أبو عبيدة وسعد بن معاذ أخوين يخالف لما رواه الامام احمد حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد ثنا ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم آخى بين أبي عبيدة بن الجراح وبين أبي طلحة وكذا رواه مسلم منفردا به عن حجاج بن الشاعر عن عبد الصمد بن عبد الوارث به وهذا أصح مما ذكره ابن اسحاق من مؤاخاة أبي عبيدة وسعد بن معاذ والله أعلم
وقال البخاري باب كيف آخى النبي صلى الله عليه و سلم بين أصحابه وقال عبد الرحمن بن عوف آخى النبي صلى الله عليه و سلم بيني وبين سعد بن الربيع لما قدمنا المدينة وقال أبو جحيفة آخى النبي صلى الله عليه و سلم بين (3/227)
سلمان الفارسي وأبي الدرداء رضي الله عنهما حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن حميد عن أنس قال قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه و سلم بينه وبين سعد بن الربيع الانصاري فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله فقال عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك دلني على السوق فربح شيئا من أقط وسمن فرآه النبي صلى الله عليه و سلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة فقال النبي صلى الله عليه و سلم مهيم يا عبد الرحمن قال يا رسول الله تزوجت امرأة من الانصار قال فما سقت فيها قال وزن نواة من ذهب قال النبي صلى الله عليه و سلم اولم ولو بشاة تفرد به من هذا الوجه وقد رواه أيضا في مواضع أخر ومسلم من طرق عن حميد به وقال الامام أحمد حدثنا عفان ثنا حماد ثنا ثابت وحميد عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين سعد بن الربيع الانصاري فقال له سعد أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا فانظر شطر مالي فخذه وتحتي امرأتان فانظر أيهما أعجب اليك حتى أطلقها فقال عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فدلوه فذهب فاشترى وباع فربح فجاء بشيء من أقط وسمن ثم لبث ما شاء الله أن يلبث فجاء وعليه ودع زعفران فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مهيم فقال يا رسول الله تزوجت امرأة قال ما أصدقتها قال وزن نواة من ذهب قال أولم ولو بشاة قال عبد الرحمن فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا وفضة وتعليق البخاري هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عوف غريب فإنه لا يعرف مسندا إلا عن أنس اللهم إلا أن يكون أنس تلقاه عنه فالله أعلم وقال الامام احمد حدثنا يزيد أخبرنا حميد عن أنس قال قال المهاجرون يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا من كثير لقد كفونا المؤونة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالاجر كله قال لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم هذا حديث ثلاثي الاسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه وهو ثابت في الصحيح من وقال البخاري أخبرنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب ثنا أبو الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة قال قالت الانصار اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا قالوا أفتكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة قالوا سمعنا وأطعنا تفرد به وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للانصار إن إخوانكم قد تركوا الاموال والاولاد وخرجوا اليكم فقالوا أموالنا بيننا قطائع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو غير ذلك (3/228)
قالوا وما ذاك يا رسول الله قال هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر قالوا نعم وقد ذكرنا ما ورد من الاحاديث والآثار في فضائل الانصار وحسن سجاياهم عند قوله تعالى والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم الآية فصل
في موت أبي أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة على قومه بني النجار وقد شهد العقبات الثلاث وكان أول من بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة العقبة الثانية في قول وكان شابا وهو أول من جمع بالمدينة في نقيع الخضمات في هزم النبيت كما تقدم
قال محمد بن اسحاق وهلك في تلك الاشهر أبو أمامة أسعد بن زرارة والمسجد يبنى أخذته الذبحة أو الشهقة وقال ابن جرير في التاريخ أخبرنا محمد بن عبد الاعلى ثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كوى أسعد بن زرارة في الشوكة رجاله ثقات
قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن اسعد بن زرارة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بئس الميت أبو أمامة ليهود ومنافقي العرب يقولون لو كان نبيا لم يمت صاحبه ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا وهذا يقتضي أنه أول من مات بعد مقدم النبي صلى الله عليه و سلم وقد زعم أبو الحسن بن الاثير في الغابة أنه مات في شوال بعد مقدم النبي صلى الله عليه و سلم بسبعة أشهر فالله أعلم وذكر محمد بن اسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أن بني النجار سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقيم لهم نقيبا بعد أبي أمامة أسعد بن زرارة فقال أنتم اخوالي وأنا بما فيكم وأنا نقيبكم وكره أن يخص بها بعضهم دون بعض فكان من فضل بني النجار الذي يعتدون به على قومهم أن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم نقيبهم قال ابن الاثير وهذا يرد قول أبي نعيم وابن منده في قولهما أن أسعد بن زرارة كان نقيبا على بني ساعدة إنما كان على بني النجار وصدق ابن الاثير فيما قال وقد قال أبو جعفر بن جرير في التاريخ كان أول من توفي بعد مقدمه عليه السلام المدينة من المسلمين فيما ذكر صاحب منزله كلثوم بن الهدم لم يلبث بعد مقدمه إلا يسيرا حتى مات ثم توفي بعده أسعد بن زرارة وكانت وفاته في سنة مقدمه قبل أن يفرغ بناء المسجد بالذبحة أو الشهقة
قلت وكلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس الانصاري الاوسي وهو من بني عمرو بن عوف وكان (3/229)
شيخا كبيرا أسلم قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ولما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ونزل بقباء نزل في منزل هذا في الليل وكان يتحدث بالنهار مع أصحابه في منزل سعد بن الربيع رضي الله عنهما إلى أن ارتحل إلى دار بني النجار كما تقدم قال ابن الاثير وقد قيل إنه أول من مات من المسلمين بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم بعده أسعد بن زرارة ذكره الطبري فصل
في ميلاد عبد الله بن الزبير في شوال سنة الهجرة
فكان أول مولود ولد في الاسلام من المهاجرين كما أن النعمان بن بشير أول مولود ولد للانصار بعد الهجرة رضي الله عنهما وقد زعم بعضهم أن ابن الزبير ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا قاله أبو الاسود ورواه الواقدي عن محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه عن جده وزعموا أن النعمان ولد قبل الزبير بستة أشهر على رأس أربعة عشر شهرا من الهجرة والصحيح ما قدمنا فقال البخاري حدثنا زكريا بن يحيى ثنا أبو اسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن اسماء أنها حملت بعبد الله بن الزبير قالت فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدته بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعه في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم حنكه بتمرة ثم دعا له وبرك عليه فكان أول مولود ولد في الاسلام تابعه خالد بن مخلد عن علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن اسماء أنها هاجرت إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهي حبلى حدثنا قتيبة عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أول مولود ولد في الاسلام عبد الله بن الزبير أتوا به النبي صلى الله عليه و سلم فاخذ النبي صلى الله عليه و سلم ثمرة فلاكها ثم أدخلها في فيه فأول ما دخل بطنه ريق النبي صلى الله عليه و سلم فهذا حجة على الواقدي وغيره لانه ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث مع عبد الله بن أريقط لما رجع إلى مكة زيد بن حارثة وأبا رافع ليأتوا بعياله وعيال أبي بكر فقدموا بهم أثر هجرة النبي صلى الله عليه و سلم واسماء حامل متم أي مقرب قد دنا وضعها لولدها فلما ولدته كبر المسلمون تكبيرة عظيمة فرحا بمولده لأنه كان قد بلغهم عن اليهود أنهم سحروهم حتى لا يولد لهم بعد هجرتهم ولد فأكذب الله اليهود فيما زعموا فصل
وبنى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعائشة في شوال من هذه السنة
قال الامام احمد حدثنا وكيع ثنا سفيان عن اسماعيل بن أمية عن عبد الله بن عروة عن أبيه (3/230)
عن عائشة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم في شوال وبنى بي في شوال فأي نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أخطى عنده مني وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن سفيان الثوري به وقال الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سفيان الثوري فعلى هذا يكون دخوله بها عليه السلام بعد الهجرة بسبعة اشهر أو ثمانية أشهر وقد حكى القولين ابن جرير وقد تقدم في تزويجه عليه السلام بسودة كيفية تزويجه ودخوله بعائشة بعد ما قدموا المدينة وان دخوله بها كان بالسنح نهارا وهذا خلاف ما يعتاده الناس اليوم وفي دخوله عليه السلام بها في شوال ردا لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين خشية المفارقة بين الزوجين وهذا ليس بشيء لما قالته عائشة رادة على من توهمه من الناس في ذلك الوقت تزوجني في شوال وبنى بي في شوال أي دخل بي في شوال فاي نسائه كان أحظى عنده مني فدل هذا على أنها فهمت منه عليه السلام أنها أحب نسائه اليه وهذا الفهم منها صحيح لما دل على ذلك من الدلائل الواضحة ولو لم يكن إلا الحديث الثابت في صحيح البخاري عن عمرو ابن العاص قلت يا رسول الله أي الناس أحب اليك قال عائشة قلت من الرجال قال أبوها فصل
قال ابن جرير وفي هذه السنة يعني السنة الاولى من الهجرة زيد في صلاة الحضر فيما قيل ركعتان وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين وذلك بعد مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة بشهر في ربيع الآخر لمضي ثنتي عشرة ليلة مضت وقال وزعم الواقدي انه لا خلاف بين أهل الحجاز فيه
قلت قد تقدم الحديث الذي رواه البخاري من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت فرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر وروى من طريق الشعبي عن مسروق عنها وقد حكى البيهقي عن الحسن البصري أن صلاة الحضر أول ما فرضت أربعا والله أعلم وقد تكلمنا على ذلك في تفسير سورة النساء عند قوله تعالى وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة الآية فصل
في الأذان ومشروعيته
قال ابن اسحاق فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة واجتمع اليه اخوانه من المهاجرين واجتمع كبائر الانصار استحكم أمر الاسلام فقامت الصلاة وفرضت الزكاة والصيام وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوأ الاسلام بين أظهرهم وكان هذا الحي من الانصار هم الذين تبوؤا الدار والايمان (3/231)
وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدمها إنما يجتمع الناس اليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة فهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل بوقا كبوق يهود الذي يدعون به لصلاتهم ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به المسلمين للصلاة فبينا هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إنه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس فقال وما تصنع به قال قلت ندعو به إلى الصلاة قال ألا أدلك على خير من ذلك قلت وما هو قال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فالقها عليه فليؤذن بها فإنه أندى صوتا منك فلما أذن بها بلال سمعه عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يجر رداءه وهو يقول يا نبي الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلله الحمد قال ابن اسحاق فحدثني بهذا الحديث محمد بن ابراهيم بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن زيد بن ثعلبة ابن عبد ربه عن أبيه وقد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة من طرق عن محمد بن اسحاق به وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما وعند أبي داود أنه علمه الاقامة قال ثم تقول إذا اقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر اشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وقد روى ابن ماجه هذا الحديث عن أبي عبيد محمد بن عبيد بن ميمون عن محمد بن سلمة الحراني عن ابن اسحاق كما تقدم ثم قال قال أبو عبيد وأخبرني أبو بكر الحكمي أن عبد الله بن زيد الانصاري قال في ذلك ... الحمد لله ذي الجلال وذي الإ ... كرام حمدا على الأذان كبيرا ... إذ أتاني به البشير من الله ... فأكرم به لدي بشيرا ... في ليال والى بهن ثلاث ... كلما جاء زادني توقيرا ...
قلت ك وهذا الشعر غريب وهو يقتضي أنه رأى ذلك ثلاث ليال حتى أخبر به رسول الله صلى الله عليه و سلم فالله أعلم ورواه الامام احمد من حديث محمد بن اسحاق قال وذكر الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد به نحو رواية ابن اسحاق عن محمد بن ابراهيم التيمي ولم يذكر الشعر [ وقال ابن ماجه حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي ثنا أبي عن عبد الرحمن بن اسحاق عن الزهري عن (3/232)
سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استشار الناس لما يهمهم من الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى فأرى النداء تلك الليل رجل من الانصار يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب فطرق الانصاري رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلا فامر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالا فأذن به قال الزهري وزاد بلال في نداء صلاة الغداة الصلاة خير من النوم مرتين فاقرها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عمر يا رسول الله رأيت مثل الذي رأى ولكنه سبقني وسيأتي تحرير هذا الفصل في باب الأذان من كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله تعالى وبه الثقة فاما الحديث الذي أورده السهيلي بسنده من طريق البزار حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد ثنا أبي عن زياد بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب فذكر حديث الاسراء وفيه فخرج ملك من وراء الحجاب فاذن بهذا الاذان وكلما قال كلمة صدقه الله تعالى ثم أخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه و سلم فقدمه فأم بأهل السماء وفيهم آدم ونوح ثم قال السهيلي واخلق بهذا الحديث أن يكون صحيحا لما يعضده ويشاكله من حديث الاسراء فهذا الحديث ليس كما زعم السهيلي أنه صحيح بل هو منكر تفرد به زياد بن المنذر أبو الجارود الذي تنسب اليه الفرقة الجارودية وهو من المتهمين ثم لو كان هذا قد سمعه رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الاسراء لأوشك أن يأمر به بعد الهجرة في الدعوة إلى الصلاة والله أعلم ]
قال ابن هشام وذكر ابن جريج قال قال لي عطاء سمعت عبيد بن عمير يقول ائتمر النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه [ بالناقوس ] للاجتماع للصلاة فبينا عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى عمر في المنام لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه و سلم ليخبره بما رأى وقد جاء النبي صلى الله عليه و سلم الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أخبره بذلك قد سبقك بذلك الوحي وهذا يدل على أنه قد جاء الوحي بتقرير ما رآه عبد الله بن زيد بن عبد ربه كما صرح به بعضهم والله تعالى أعلم
قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت كان بيتي من أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن عليه للفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال اللهم احمدك واستعينك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن قالت والله ما علمته كان تركها ليلة واحدة يعنينى هذه الكلمات ورواه أبو داود من حديثه منفردا به (3/233)
فصل
في سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
قال ابن جرير وزعم الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عقد في هذه السنة في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره لحمزة بن عبد المطلب لواء أبيض في ثلاثين رجلا من المهاجرين ليعترض لعيرات قريش وأن حمزة لقي أبا جهل في ثلاثمائة رجل من قريش فحجز بينهم مجدي بن عمرو ولم يكن بينهم قتال قال وكان الذي يحمل لواء حمزة أبو مرثد الغنوي فصل
( في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب )
قال ابن جرير وزعم الواقدي أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم عقد في هذه السنة على رأس ثمانية اشهر في شوال لعبيدة بن الحارث لواء أبيض وأمره بالمسير إلى بطن رابغ وكان لواؤه مع مسطح بن أثاثة فبلغ ثنية المرة وهي بناحية الجحفة في ستين من المهاجرين ليس فيهم أنصاري وأنهم التقوا هم والمشركون على ماء يقال له أحياء وكان بينهم الرمي دون المسابقة فقال الواقدي وكان المشركون مائتين عليهم أبو سفيان صخر بن حرب وهو المثبت عندنا وقيل كان عليهم مكرز بن حفص فصل
قال الواقدي وفيها يعني في السنة الاولى في ذي القعدة عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم لسعد بن أبي وقاص إلى الخرار لواء أبيض يحمله المقداد بن الاسود فحدثني أبو بكر بن اسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد [ عن أبيه ] قال خرجت في عشرين رجلا على اقدامنا أو قال أحد وعشرين رجلا فكنا نكمن النهار ونسير الليل حتى صحبنا الخرار صبح خامسة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد عهد إلي أن لا أجاوز الخرار وكانت العير قد سبقتني قبل ذلك بيوم قال الواقدي كانت العير ستين وكان من مع سعد كلهم من المهاجرين قال أبو جعفر بن جرير ( رح ) وعند ابن اسحاق ( رح ) أن هذه السرايا الثلاث التي ذكرها الواقدي كلها في السنة الثانية من الهجرة من وقت التاريخ
قلت كلام ابن اسحاق ليس بصريح فيما قاله أبو جعفر ( رح ) لمن تأمله كما سنورده في أول كتاب المغازي في أول السنة الثانية من الهجرة وذلك تلوما نحن فيه إن شاء الله ويحتمل أن يكون مراده أنها وقعت هذه السرايا في السنة الاولى وسنزيدها بسطا وشرحا إذا انتهينا اليها إن شاء الله تعالى والواقدي ( رح ) عنده زيادات حسنة وتاريخ محرر غالبا فانه من أئمة هذا الشأن الكبار (3/234)
وهو صدوق في نفسه مكثار كما بسطنا القول في عدالته وجرحه في كتابنا الموسوم بالتكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل ولله الحمد والمنة فصل
وممن ولد في هذه السنة المباركة وهي الاولى من الهجرة عبد الله بن الزبير فكان أول مولود ولد في الاسلام بعد الهجرة كما رواه البخاري عن أمه أسماء وخالته عائشة أم المؤمنين ابنتي الصديق رضي الله عنهما ومن الناس من يقول ولد النعمان بن بشير قبله بستة أشهر فعلى هذا يكون ابن الزبير أول مولود ولد بعد الهجرة من المهاجرين ومن الناس من يقول إنهما ولدا في السنة الثانية من الهجرة والظاهر الاول كما قدمنا بيانه ولله الحمد والمنة وسنشير في آخر السنة الثانية إلى القول الثاني إن شاء الله تعالى
قال ابن جرير وقد قيل إن المختار بن أبي عبيد وزياد بن سمية ولدا في هذه السنة الاولى فالله أعلم وممن توفي في هذه السنة الاولى من الصحابة كلثوم بن الهدم الاوسي الذي نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسكنه بقباء إلى حين ارتحل منها إلى دار بني النجار كما تقدم وبعده فيها أبو أمامة أسعد بن زرارة نقيب بني النجار توفي ورسول الله صلى الله عليه و سلم يبني المسجد كما تقدم رضي الله عنهما وأرضاهما
قال ابن جرير وفي هذه السنة يعني الاولى من الهجرة مات أبو أحيحة بماله بالطائف ومات الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي فيها بمكة
قلت وهؤلاء ماتوا على شركهم لم يسلموا لله عز و جل (3/235)
بسم الله الرحمن الرحيم ذكر ما وقع في السنة الثانية من الهجرة
وقع فيها كثير من المغازي والسرايا ومن أعظمها وأجلها بدر الكبرى التي كانت في رمضان منها وقد فرق الله بها بين الحق والباطل والهدى والغي وهذا أوان ذكر المغازي والبعوث فنقول وبالله المستعان
كتاب المغازي
قال الامام محمد بن اسحاق بن يسار في كتاب السيرة بعد ذكر أحبار اليهود ونصبهم العداوة للاسلام وأهله وما نزل فيهم من الآيات فمنهم حيي بن اخطب وأخواه أبو ياسر وجدي وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع بن ابي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق وهو أبو رافع الاعور تاجر أهل الحجاز وهو الذي قتله الصحابة بارض خيبر كما سيأتي والربيع بن الربيع بن ابي الحقيق وعمرو ابن جحاش وكعب بن الاشرف وهو من طيء ثم أحد بني نبهان وأمه من بني النضير وقد قتله الصحابة قبل أبى رافع كما سياتى وحليفاه الحجاج بن عمرو وكردم بن قيس لعنهم الله فهؤلاء من بنى النضير ومن بني ثعلبة بن الفطيون عبد الله بن صوريا ولم يكن بالحجاز بعد أعلم بالتوراة منه
قلت وقد قيل أنه أسلم وابن صلوبا ومخيريق وقد اسلما يوم احد كما سيأتي وكان حبر قومه ومن بني قينقاع زيد بن اللصيت وسعد بن حنيف ومحمود بن شيخان وعزيز بن أبي عزيز وعبد الله بن ضيف وسويد بن الحارث ورفاعة بن قيس وفنحاص وأشيع ونعمان بن أضا وبحرى بن عمرو وشاش بن عدي وشاش بن قيس وزيد بن الحارث ونعمان بن عمير وسكين بن أبي سكين وعدي بن زيد ونعمان بن أبي أوفى أبو انس ومحمود بن دحية ومالك ابن صيف وكعب بن راشد وعازر ورافع بن ابي رافع وخالد وازار بن أبي ازار قال ابن هشام ويقال آزر بن أبي آزر ورافع بن حارثة ورافع بن حريملة ورافع بن خارجة ومالك بن عوف ورفاعة بن زيد بن التابوت وعبد الله بن سلام (3/236)
قلت وقد تقدم اسلامه رضي الله عنه قال ابن اسحاق وكان حبرهم وأعلمهم وكان اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله قال ابن اسحاق ومن بني قريظة الزبير بن باطا ابن وهب وعزال بن شموال وكعب بن أسد وهو صاحب عقدهم الذي نقضوه عام الأحزاب وشمويل بن زيد وجبل بن عمرو بن سكينة والنحام بن زيد وكردم بن كعب ووهب بن زيد ونافع بن ابي نافع وعدي بن زيد والحارث بن عوف وكردم بن زيد وأسامة بن حبيب ورافع بن زميلة وجبل بن أبي قشير ووهب بن يهوذا قال ومن بني زريق لبيد بن اعصم وهو الذي سحر رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن يهود بني حارثة كنانة بن صوريا ومن يهود بني عمرو بن عوف قردم بن عمرو ومن يهود بني النجار سلسلة بن برهام
قال ابن اسحاق فهؤلاء أحبار اليهود وأهل الشرور والعداوة لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضي الله عنهم وأصحاب المسألة الذين يكثرون الاسئلة لرسول الله صلى الله عليه و سلم على وجه التعنت والعناد والكفر قال وأصحاب النصب لأمر الاسلام ليطفئوه إلا ما كان من عبد الله بن سلام ومخيريق ثم ذكر اسلام عبد الله بن سلام واسلام عمته خالدة كما قدمناه وذكر اسلام مخيريق يوم أحد كما سيأتي وأنه قال لقومه وكان يوم السبت يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق قالوا إن اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم ثم أخذ سلاحه وخرج إلى من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد يرى فيها ما أراه الله وكان كثير الاموال ثم لحق برسول الله صلى الله عليه و سلم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه قال فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فيما بلغني مخيريق خير يهود فصل
ثم ذكر ابن اسحاق من مال إلى هؤلاء الاضداد من اليهود من المنافقين من الأوس والخزرج فمن الاوس زوي بن الحارث وجلاس بن سويد بن الصامت الانصاري وفيه نزل يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم وذلك أنه قال حين تخلف عن غزوة تبوك لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر فنماها ابن امرأته عمير بن سعد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فانكر الجلاس ذلك وحلف ما قال فنزل فيه ذلك قال وقد زعموا أنه تاب وحسنت توبته حتى عرف منه الاسلام والخير قال وأخوه الحارث بن سويد وهو الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي وقيس (3/237)
ابن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد خرج مع المسلمين وكان منافقا فلما التقى الناس عدا عليهما فقتلهما ثم لحق بقريش
قال ابن هشام وكان المجذر قد قتل اباه سويد بن الصامت في بعض حروب الجاهلية فاخذ بثأر أبيه منه يوم أحد كذا قال ابن هشام وقد ذكر ابن اسحاق أن الذي قتل سويد بن الصامت إنما هو معاذ بن عفراء قتله في غير حرب قل يوم بعاث رماه بسهم فقتله وأنكر ابن هشام أن يكون الحارث قتل قيس بن زيد قال لأن ابن اسحاق لم يذكره في قتلى أحد
قال ابن اسحاق وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر عمر بن الخطاب بقتله ان هو ظفر به فبعث الحارث إلى أخيه الجلاس يطلب له التوبة ليرجع إلى قومه فانزل الله فيما بلغني عن ابن عباس كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين إلى آخر القصة قال وبجاد بن عثمان بن عامر ونبتل بن الحارث وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحب أن ينظر إلى شيطان فلينظر إلى هذا وكان جسيما أدلم ثائر شعر الرأس أحمر العينين أسفع الخدين وكان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ينقله إلى المنافقين وهو الذي قال إنما محمد أذن من حدثه بشيء صدقه فانزل الله فيه ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن الآية قال وأبو حبيبة بن الازعر وكان ممن بنى مسجد الضرار وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ثم نكثا فنزل فيهما ذلك ومعتب هو الذي قال يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا فنزل وفيه الآية وهو الذي قال يوم الاحزاب كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر واحدنا لا يؤمن أن يذهب إلى الغائط فنزل فيه واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا
قال ابن اسحاق والحارث بن حاطب قال ابن هشام ومعتب بن قشير وثعلبة والحارث ابنا حاطب وهما من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من اثق به من أهل العلم قال وقد ذكر ابن اسحاق ثعلبة والحارث في بني أمية بن زيد في اسماء أهل بدر
قال ابن اسحاق وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف وبخرج وكان ممن بني مسجد الضرار وعمرو بن حرام وعبد الله بن نبتل وجارية بن عامر بن العطاف وابناه يزيد ومجمع ابنا جارية وهم ممن اتخذ مسجد الضرار وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع أكثر القرآن و [ كان ] يصلي بهم فيه فلما خرب مسجد الضرار كما سيأتي بيانه بعد غزوة تبوك وكان في أيام عمر سأل أهل قباء (3/238)
عمر أن يصلي بهم مجمع فقال لا والله أو ليس أمام المنافقين في مسجد الضرار فحلف بالله ما علمت بشيء من أمرهم فزعموا أن عمر تركه فصلى بهم قال ووديعة بن ثابت وكان ممن بنى مسجد الضرار وهو الذي قال إنما كنا نخوض ونلعب فنزل فيه ذلك قال وخذام بن خالد وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره قال ابن هشام مستدركا على ابن اسحاق في منافقي بني النبيت من الاوس وبشر ورافع ابنا زيد قال ابن اسحاق ومربع بن قيظي وكان أعمى وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم حين أجاز في حائطه وهو ذاهب إلى أحد لا أحل لك إن كنت نبيا أن تمر في حائطي وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك لرميتك بها فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوه فهذا الاعمى أعمى القلب أعمى البصر وقد ضربه سعد ابن زيد الاشهلي بالقوس فشجه قال وأخوه أوس ين قيظي وهو الذي قال إن بيوتنا عورة قال الله وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا قال وحاطب بن أمية بن رافع وكان شيخا جسيما قد عسا في جاهليته وكان له ابن من خيار المسلمين يقال له يزيد بن حاطب أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات فحمل إلى دار بنى ظفر فحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة أنه اجمع اليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو يموت فجعلوا يقولون ابشر بالجنة يا ابن حاطب قال فنجم نفاق أبيه فجعل يقول أجل جنة من حرمل غررتم والله هذا المسكين من نفسه قال وبشير بن أبيرق أبو طعمة سارق الدرعين الذي أنزل الله فيه ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم الآيات قال وقزمان حليف لبني ظفر الذي قتل يوم أحد سبعة أنفر ثم لما آلمته جراحه قتل نفسه وقال والله ما قاتلت إلا حمية على قومي ثم مات لعنه الله قال ابن اسحاق لم يكن في بني عبد الاشهل منافق ولا منافقة يعلم إلا أن الضحاك بن ثابت كان يتهم بالنفاق وحب يهود فهؤلاء كلهم من الاوس قال ابن اسحاق ومن الخزرج رافع بن وديعة وزيد بن عمرو وعمرو بن قيس وقيس بن عمرو ابن سهل والجد بن قيس وهو الذي قال ائذن لي ولا تفتني وعبد الله بن ابي بن سلول وكان رأس المنافقين ورئيس الخزرج والاوس أيضا كانوا قد أجمعوا على أن يملكوه عليهم في الجاهلية فلما هداهم الله للاسلام قبل ذلك شرق اللعين بريقه وغاظه ذلك جدا وهو الذى قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل وقد نزلت فيه آيات كثيرة جدا وفيه وفي وديعة رجل من بني عوف ومالك بن ابي قوقل وسويد وداعس وهم من رهطه نزل قوله تعالى لئن أخرجوا لا يخرجون معهم الآيات حين مالوا في الباطن إلى بني النضير (3/239)
فصل
ثم ذكر ابن اسحاق من أسلم من أحبار اليهود على سبيل التقية فكانوا كفارا في الباطن فاتبعهم بصنف المنافقين وهم من شرهم سعد بن حنيف وزيد بن اللصيت وهو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم والله لا أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها فهي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها فذهب رجال من المسلمين فوجدوها كذلك قال ونعمان بن أوفى وعثمان بن أوفى ورافع بن حريملة وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم مات فيما بلغنا قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين ورفاعة بن زيد بن التابوت وهو الذي هبت الريح الشديدة يوم موته عند مرجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من تبوك فقال إنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفار فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة قد مات في ذلك اليوم وسلسلة بن برهام وكنانة بن صوريا فهؤلاء ممن أسلم من منافقي اليهود قال فكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد ويسمعون أحاديث المسلمين ويسخرون ويستهزئون بدينهم فاجتمع في المسجد يوما منهم أناس فرآهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم إلى بعض فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخرجوا من المسجد اخراجا عنيفا فقام أبو أيوب إلى عمرو بن قيس أحد بني النجار وكان صاحب آلهتهم في الجاهلية فاخذ برجله فسحبه حتى أخرجه وهو يقول لعنه الله أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة ثم أقبل أبو أيوب إلى رافع بن وديعة النجاري فلببه بردائه ثم نتره نترا شديدا ولطم وجهه فاخرجه من المسجد وهو يقول أف لك منافقا خبيثا وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو وكان طويل اللحية فاخذ بلحيته وقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد ثم جمع عمارة يديه جميعا فلدمه بهما لدمة في صدره خر منها قال يقول خدشتني يا عمارة فقال عمارة ابعدك الله يا منافق فما أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقام أبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وكان بدريا إلى قيس بن عمرو بن سهل وكان شابا وليس في المنافقين شاب سواه فجعل يدفع قفاه حتى أخرجه وقام رجل من بني خدرة إلى رجل يقال له الحارث بن عمرو وكان ذا جمة فاخذ بجمته فسحبه بها سحبا عنيفا على ما مر به من الارض حتى أخرجه فجعل يقول المنافق قد أغلظت يا أبا الحارث فقال إنك اهل لذلك أي عدو الله (3/240)
لما أنزل فيك فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فانك نجس وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زوي بن الحارث فاخرجه اخراجا عنيفا وأفف منه وقال غلب عليك الشيطان وأمره ثم ذكر ابن اسحاق ما نزل فيهم من الآيات من سورة البقرة ومن سورة التوبة وتكلم على تفسير ذلك فأجاد وأفاد رحمه الله
أول المغازي وهي غزوة الابواء أو غزوة ودان
وهو بعث حمزة بن عبد المطلب أبو عبيدة بن الحارث كما سيأتي في المغازي قال البخاري كتاب المغازي قال ابن اسحاق أول ما غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم الابواء ثم بواط ثم العشيرة ثم روى عن زيد بن أرقم أنه سئل كم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال تسع عشرة شهد منها سبع عشرة أولهن العسيرة أو العشيرة وسيأتي الحديث باسناده ولفظه والكلام عليه عند غزوة العشيرة إن شاء الله وبه الثقة وفي صحيح البخاري عن بريدة قال غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم ست عشرة غزوة ولمسلم عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ست عشرة غزوة وفي رواية له عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا تسع عشرة غزوة وقاتل في ثماني منهن وقال الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا سبع عشرة غزوة وقاتل في ثمان يوم بدر وأحد والاحزاب والمريسيع وقديد وخيبر ومكة وحنين وبعث أربعا وعشرين سرية وقال يعقوب بن سفيان حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي التنوخي ثنا الهيثم بن حميد أخبرني النعمان عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا ثمانية عشر غزوة قاتل في ثمان غزوات أولهن بدر ثم أحد ثم الاحزاب ثم قريظة ثم بئر معونة ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ثم غزوة خيبر ثم غزوة مكة ثم حنين والطائف قوله بئر معونة بعد قريظة فيه نظر والصحيح أنها بعد أحد كما سيأتي قال يعقوب حدثنا سلمة بن شبيب ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري سمعت سعيد بن المسيب يقول غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم ثماني عشرة غزوة وسمعته مرة أخرى يقول أربعا وعشرين فلا أدري أكان ذلك وهما أو شيئا سمعه بعد ذلك وقد روى الطبراني عن الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعا وعشرين غزوة وقال عبد الرحمن بن حميد في مسنده حدثنا سعيد بن سلام ثنا زكريا ابن اسحاق حدثنا أبو الزبير عن جابر قال غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم إحدى وعشرين غزوة وقد روى الحاكم من طريق هشام عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم وسراياه كانت ثلاثا وأربعين (3/241)
ثم قال الحاكم لعله أراد السرايا دون الغزوات فقد ذكرت في الاكليل على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه و سلم وسراياه زيادة على المائة قال وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب أبي عبد الله محمد بن نصر السرايا والبعوث دون الحروب نيفا وسبعين وهذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا وحمله كلام قتادة على ما قال فيه نظر وقد روى الامام احمد عن أزهر بن القاسم الراسبى عن هشام الدستوائى عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم وسراياه ثلاث واربعون أربع وعشرون بعثا وتسع عشرة غزوة خرج في ثمان منها بنفسه بدر وأحد والاحزاب والمريسيع وخيبر وفتح مكة وحنين وقال موسى بن عقبة عن الزهري هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم التي قاتل فيها يوم بدر في رمضان سنة ثنتين ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث ثم قاتل يوم الخندق وهو يوم الاحزاب وبني قريظة في شوال من سنة أربع ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس ثم قاتل يوم خيبر سنة ست ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان ثم قاتل يوم حنين وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان ثم حج أبو بكر سنة تسع ثم حج رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع سنة عشر وغزا اثنتي عشرة غزوة ولم يكن فيها قتال وكانت أول غزاة غزاها الابواء وقال حنبل بن هلال عن اسحاق بن العلاء عن عبد الله بن جعفر الرقي عن مطرف بن مازن اليماني عن معمر عن الزهري قال أول آية نزلت في القتال أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا الآية بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فكان أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان إلى أن قال ثم غزا بني النضير ثم غزا أحدا في شوال يعني من سنة ثلاث ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع ثم قاتل بني لحيان في شعبان سنة خمس ثم قاتل يوم خيبر سنة ست ثم قاتل يوم الفتح في شعبان سنة ثمان وكانت حنين في رمضان سنة ثمان وغزا رسول الله صلى الله عليه و سلم إحدى عشرة غزوة لم يقاتل فيها فكانت أول غزوة غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم الابواء ثم العشيرة ثم غزوة غطفان ثم غزوة بني سليم ثم غزوة الابواء ثم غزوة بدر الاولى ثم غزوة الطائف ثم غزوة الحديبية ثم غزوة الصفراء ثم غزوة تبوك آخر غزوة ثم ذكر البعوث هكذا كتبته من تاريخ الحافظ ابن عساكر وهو غريب جدا والصواب ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله مرتبا وهذا الفن مما ينبغي الاعتناء به والاعتبار بأمره والتهيؤ له كما رواه محمد بن عمر الواقدي عن عبد الله بن عمر بن علي عن أبيه سمعت علي بن الحسين يقول كنا نعلم مغازي النبي صلى الله عليه و سلم كما نعلم السورة من القرآن قال الواقدي وسمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت عمي الزهري يقول في علم المغازي علم الآخرة والدنيا وقال محمد بن اسحاق ( رح ) في (3/242)
المغازي بعد ذكره ما تقدم مما سقناه عنه من تعيين رؤس الكفر من اليهود والمنافقين لعنهم الله أجمعين وجمعهم في أسفل سافلين ثم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تهيأ لحربه وقام فيما أمره الله به من جهاد عدوه وقتال من أمره به ممن يليه من المشركين قال وقد قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الاول ورسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة وذلك بعد أن بعثه الله بثلاث عشرة سنة فاقام بقية شهر ربيع الاول وشهر ربيع الآخر وجمادين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرم ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة قال ابن هشام واستعمل على المدينة سعد بن عبادة قال ابن اسحاق حتى بلغ ودان وهي غزوة الابواء قال ابن جرير ويقال لها غزوة ودان أيضا يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فوادعته فيها بنو ضمرة وكان الذي وادعه منهم مخشي بن عمرو الضمري وكان سيدهم في زمانه ذلك ورجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ولم يلق كيدا فاقام بها بقية صفر وصدرا من شهر ربيع الاول قال ابن هشام وهي أول غزوة غزاها عليه السلام قال الواقدي وكان لواؤه مع عمه حمزة وكان أبيض قال ابن اسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم في مقامه ذلك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الانصار أحد فسار حتى بلغ ماء بالحجاز باسفل ثنية المرة فلقي بها جمعا عظيما من قريش فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن ابي وقاص قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في سبيل الله في الاسلام ثم انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حامية وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة وعتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل بن عبد مناف وكانا مسلمين ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار قال ابن اسحاق وكان على المشركين يومئذ عكرمة بن أبي جهل وروى ابن هشام عن أبي عمرو بن العلاء عن أبي عمرو المدني أنه قال كان عليهم مكرز بن حفص
قلت وقد تقدم عن حكاية الواقدي قولان أحدهما أنه مكرز والثاني أنه أبو سفيان صخر بن حرب وأنه رجح أنه أبو سفيان فالله أعلم ثم ذكر ابن اسحاق القصيدة المنسوبة إلى أبي [ بكر ] الصديق في هذه السرية التي أولها ... أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث ... أرقت وأمر في العشيرة حادث ... ترى من لؤي فرقة لا يصدها ... عن الكفر تذكير ولا بعث باعث (3/243)
رسول أتاهم صادق فتكذبوا ... عليه وقالوا لست فينا بماكث ... إذا ما دعوناهم إلى الحق أدبروا ... وهروا هرير المحجرات اللواهث ...
القصيدة إلى آخرها وذكر جواب عبد الله بن الزبعري في مناقضتها التي أولها
... أمن رسم دار أقفرت بالعثاعث ... بكيت بعين دمعها غير لابث ... ومن عجب الأيام والدهر كله ... له عجب من سابقات وحادث ... لجيش أتانا ذي عرام يقوده ... عبيدة يدعى في الهياج ابن حارث ... لنترك اصناما بمكة عكفا ... مواريث موروث كريم لوارث ...
وذكر تمام القصيدة وما منعنا من ايرادها بتمامها إلا أن الامام عبد الملك بن هشام ( رح ) وكان إماما في اللغة ذكر أن أكثر أهل العلم بالشعر ينكر هاتين القصيدتين قال ابن اسحاق وقال سعد بن ابي وقاص في رميته تلك فيما يذكرون ... ألا هل أتى رسول الله أني ... حميت صحابتي بصدور نبلي ... أذود بها أوائلهم ذيادا ... بكل حزونة وبكل سهل ... فما يعتد رام في عدو ... بسهم يا رسول الله قبلي ... وذلك أن دينك دين صدق ... وذو حق أتيت به وفضل ... ينجى المؤمنون به ويخزى ... به الكفار عند مقام مهل ... فمهلا قد غويت فلا تعبني ... غوي الحي ويحك يا ابن جهل ...
قال ابن هشام وأكثر اهل العلم بالشعر ينكرها لسعد قال ابن اسحاق فكانت راية عبيدة فيما بلغنا أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم في الاسلام لاحد من المسلمين وقد خالفه الزهري وموسى عقبة والواقدي فذهبوا إلى أن بعث حمزة قبل بعث عبيدة بن الحارث والله أعلم وسيأتي في حديث سعد بن أبي وقاص أن أول امراء السرايا عبد الله بن جحش الاسدي
قال ابن اسحاق وبعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه حين أقبل من غزوة الابواء قبل أن يصل إلى المدينة وهكذا حكى موسى بن عقبة عن الزهري فصل
قال ابن اسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم في مقامه ذلك حمزة بن عبد المطلب بن هاشم إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الانصار أحد فلقي أبا (3/244)
جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان موادعا للفريقين جميعا فانصرف بعض القوم عن بعض ولم يكن بينهم قتال
قال ابن اسحاق وبعض الناس يقول كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم لاحد من المسلمين وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا فشبه ذلك على الناس
قلت وقد حكى موسى بن عقبة عن الزهري أن بعث حمزة قبل عبيدة بن الحارث ونص على أن بعث حمزة كان قبل غزوة الابواء فلما قفل عليه السلام من الابواء بعث عبيدة بن الحارث في ستين من المهاجرين وذكر نحو ما تقدم وقد تقدم عن الواقدي أنه قال كانت سرية حمزة في رمضان من السنة الاولى وبعدها سرية عبيدة في شوال منها والله أعلم وقد أورد ابن اسحاق عن حمزة رضي الله عنه شعرا يدل على أن رايته أول راية عقدت في الاسلام لكن قال ابن اسحاق فان كان حمزة قال ذلك فهو كما قال لم يكن يقول إلا حقا والله أعلم أي ذلك كان فاما ما سمعنا من أهل العلم عندنا فعبيدة أول والقصيدة هي قوله ... ألا يالقومي للتحلم والجهل ... وللنقض وللنقض من رأي الرجال وللعقل ... وللراكبينا بالمظالم لم نطأ ... لهم حرمات من سوام ولا أهل ... كأنا بتلناهم ولا بتل عندنا ... لهم غير أمر بالعفاف وبالعدل ... وأمر باسلام فلا يقبلونه ... وينزل منهم مثل منزلة الهزل ... فما برحوا حتى انتدبت لغارة ... لهم حيث حلوا أبتغي راحة الفضل ... بأمر رسول الله أول خافق ... عليه لواء لم يكن لاح من قبل ... لواء لديه النصر من ذي كرامة ... إله عزيز فعله أفضل الفعل ... عشية ساروا حاشدين وكلنا ... مراجله من غيظ أصحابه تغلي ... فلما تراءينا أناخوا فعقلوا ... مطايا وعقلنا مدى غرض النبل ... وقلنا لهم حبل الآله نصيرنا ... وما لكم إلا الضلالة من حبل ... فثار أبو جهل هنالك باغيا ... فخاب ورد الله كيد أبي جهل ... وما نحن إلا في ثلاثين راكبا ... وهم مائتان بعد واحدة فضل ... فيال لؤي لا تطيعوا غواتكم ... وفبؤا إلى الاسلام والمنهج السهل ... فاني أخاف أن يصب عليكم ... عذاب فتدعوا بالندامة والثكل (3/245)
قال فأجابه أبو جهل بن هشام لعنه الله فقال ... عجبت لاسباب الحنيظة والجهل ... وللشاغبين بالخلاف وبالبطل ... وللتاركين ما وجدنا جدودنا ... عليه ذوي الاحساب والسؤدد الجرل ...
ثم ذكر تمامها قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هاتين القصيدتين لحمزة رضي الله عنه ولابي جهل لعنه الله
غزوة بواط من ناحية رضوى
قال ابن اسحاق ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر ربيع الاول يعني من السنة الثانية يريد قريشا قال ابن هشام واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون وقال الواقدي استخلف عليها سعد بن معاذ وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم في مائتي راكب وكان لواؤه مع سعد بن أبي وقاص وكان مقصده أن يعترض لعير قريش وكان فيه أمية بن خلف ومائة رجل والفان وخمسمائة بعير
قال ابن اسحاق حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى [ الاولى ]
غزوة العشيرة
قال ابن هشام واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الاسد قال الواقدي وكان لواؤه مع حمزة بن عبد المطلب قال وخرج عليه السلام يتعرض لعيرات قريش ذاهبة إلى الشام
قال ابن اسحاق فسلك على نقب بني دينار ثم على فيناء الخيار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق فصلى عندها فثم مسجده فصنع له عندها طعام فاكل منه وأكل الناس معه فرسوم أثافي البرمة معلوم هناك واستسقى له من ماء يقال له المشيرب ثم ارتحل فنزك الخلائق بيسار وسلك شعبة عبد الله ثم صب للشاد حتى هبط ملل فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة ثم سلك فرش ملل حتى لقي الطريق بصخيرات اليمام ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فاقام بها جمادى الاولى وليال من جمادى الآخرة ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من (3/246)
بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا وقد قال البخاري حدثنا عبد الله ثنا وهب ثنا شعبة عن أبي اسحاق قال كنت إلى جنب زيد بن ارقم فقيل له كم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة قال تسع عشرة قلت كم غزوة أنت معه قال سبع عشرة غزوة قلت فايهن كان أول قال العشير أو العسير فذكرت لقتادة فقال العشير وهذا الحديث ظاهر في أن أول الغزوات العشيرة ويقال بالسين وبهما مع حذف التاء وبهما مع المد اللهم إلا أن يكون المراد غزاة شهدها مع النبي صلى الله عليه و سلم زيد بن أرقم العشيرة وحينئذ لا ينفي أن يكون قبلها غيرها لم يشهدها زيد بن أرقم وبهذا يحصل الجمع بين ما ذكره محمد بن اسحاق وبين هذا الحديث والله أعلم
قال محمد بن اسحاق ويومئذ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي ما قال فحدثني يزيد بن محمد بن خيثم عن محمد بن كعب القرظي حدثني أبو يزيد محمد بن خيثم عن عمار بن ياسر قال كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه و سلم أقام بها شهرا فصالح بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة فوادعهم فقال لي علي بن أبي طالب هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء النفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون فاتيناهم فنظرنا اليهم ساعة فغشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الارض فنمنا فيه فوالله ما أهبنا إلا ورسول الله صلى الله عليه و سلم يحركنا بقدمه فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي يا أبا تراب لما عليه من التراب فاخبرناه بما كان من أمرنا فقال ألا أخبركم باشقى الناس رجلين قلنا بلى يا رسول الله فقال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضر بك يا علي على هذه ووضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده على رأسه حتى تبل منها هذه ووضع يده على لحيته وهذا حديث غريب من هذا الوجه له شاهد من وجه آخر في تسمية علي أبا تراب كما في صحيح البخاري أن عليا خرج مغاضبا فاطمة فجاء المسجد فنام فيه فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألها عنه فقالت خرج مغاضبا فجاء إلى المسجد فايقظه وجعل يمسح التراب عنه ويقول قم أبا تراب قم أبا تراب
غزوة بدر الاولى
قال ابن اسحاق ثم لم يقم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة حين رجع من العشيرة إلا ليال قلائل لا تبلغ العشرة حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر وهي غزوة بدر الاولى وفاته كرز فلم يدركه وقال الواقدي وكان لواؤه مع علي بن أبي طالب قال ابن هشام والواقدي وكان قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة (3/247)
قال ابن اسحاق فرجع رسول الله صلى الله عليه و سلم فاقام جمادى ورجبا وشعبان وقد كان بعث بين يدي ذلك سعدا في ثمانية رهط من المهاجرين فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز قال ابن هشام ذكر بعض أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة ثم رجع ولم يلق كيدا هكذا ذكره ابن اسحاق مختصرا وقد تقدم ذكر الواقدي لهذه البعوث الثلاثة أعني بعث حمزة في رمضان وبعث عبيدة في شوال وبعث سعد في ذي القعدة كلها في السنة الاولى
وقد قال الامام احمد حدثني عبد المتعال بن عبد الوهاب حدثني يحيى بن سعيد وقال عبد الله بن الامام احمد وحدثني سعيد بن يحيى بن سعيد الاموي حدثنا أبي ثنا المجالد عن زياد ابن علاقة عن سعد بن أي وقاص قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة جاءته جهينة فقالوا إنك قد نزلت بين أظهرنا فاوثق حتى نأتيك وقومنا فاوثق لهم فاسلموا قال فبعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في رجب ولا نكون مائة وأمرنا أن نغير على حي من بني كنانة إلى جنب جهينة فاغرنا عليهم وكانوا كثيرا فلجأنا إلى جهينة فمنعونا وقالوا لم تقاتلون في الشهر الحرام فقال بعضنا لبعض ما ترون فقال بعضنا نأتي نبي الله فنخبره وقال قوم لا بل نقيم ههنا وقلت أنا في أناس معي لا بل نأتي عير قريش فنقتطعها وكان الفيء إذ ذاك من أخذ شيئا فهو له فانطلقنا إلى العير وانطلق أصحابنا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فاخبروه الخبر فقام غضبان محمر الوجه فقال أذهبتم من عندي جميعا ورجعتم متفرقين إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة لابعثن عليكم رجلا ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش فبعث علينا عبد الله بن جحش الاسدي فكان أول أمير في الاسلام وقد رواه البيهقي في الدلائل من حديث يحيى بن ابي زائدة عن مجالد به نجوه وزاد بعد قولهم لاصحابه ملمتقاتلون في الشهر الحرام فقالوا نقاتل في الشهر الحرام من أخرجنا من البلد الحرام ثم رواه من حديث أبي أسامة عن مجالد عن زياد بن علاقة عن قطبة بن مالك عن سعد بن ابي وقاص فذكر نحوه فادخل بين سعد وزياد قطبة بن مالك وهذا أنسب والله أعلم وهذا الحديث يقتضي أن أول السرايا عبد الله بن جحش الاسدي وهو خلاف ما ذكره ابن اسحاق أن أول الرايات عقدت لعبيدة بن الحارث بن المطلب وللواقدي حديث زعم أن أول الرايات عقدت لحمزة بن عبد المطلب والله أعلم
باب سرية عبد الله بن جحش
التي كان سببها لغزوة بدر العظمى وذلك يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير
قال ابن اسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن جحش بن رئاب الاسدي في رجب (3/248)
مقفله من بدر الاولى وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الانصار أحد وهم أبو حذيفة بن عتبة وعكاشة بن محصن بن حرثان حليف بني أسد بن خزيمة وعتبة بن غزوان حليف بني نوفل وسعد بن أبي وقاص الزهري وعامر بن ربيعة الوائلي حليف بني عدي وواقد بن عبد الله ابن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع التميمي حليف بني عدي أيضا وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف بني عدي أيضا وسهل بن بيضاء الفهري فهؤلاء سبعة ثامنهم أميرهم عبد الله بن جحش رضي الله عنه وقال يونس عن ابن اسحاق كانوا ثمانية وأميرهم التاسع فالله أعلم
قال ابن اسحاق وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره من أصحابه أحدا فلما سار بهم يومين فتح الكتاب فاذا فيه إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم فلما نظر في الكتاب قال سمعا وطاعة وأخبر أصحابه بما في الكتاب وقال قد نهاني أن أستكره أحدا منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فاما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد بن ابي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل نخلة فمرت عير قريش فيها عمرو بن الحضرمي قال ابن هشام واسم الحضرمي عبد الله بن عباد الصدف وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وأخوه نوفل والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فاشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا وقال عمار لا بأس عليكم منهم وتشاور الصحابة فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقالوا والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام فتردد القوم وهابوا الاقدام عليهم ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم فرمى واقد ابن عبد الله التميمي عمر بن الحضرمي بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فاعجزهم وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والاسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لاصحابه إن لرسول الله صلى الله عليه و سلم فيما غنمتا الخمس فعزله وقسم الباقي بين أصحابه وذلك قبل أن ينزل الخمس قال لما نزلنا الخمس نزل كما قسمه عبد الله بن جحش كما قاله ابن اسحاق فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير والاسيرين وأني أن يأخذ من ذلك شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم أسقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا وعنفهم أخوانهم من (3/249)
المسلمين فيما صنعوا وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الاموال وأسروا فيه الرجال فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان وقالت يهود تفائل بذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله عمرو عمرت الحرب والحضرمي حضرت الحرب وواقد بن عبد الله وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليهم لا لهم فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه و سلم يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام واخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم والفتنة أكبر من القتل أي قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند الله من القتل ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين ولهذا قال الله تعالى ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا الآية
قال ابن اسحاق فلما نزل القرآن بهذا الأمر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم العير والاسيرين وبعثت قريش في فداء عثمان والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعني سعد بن ابي وقاص وعتبة بن غزوان فانا نخشاكم عليهما فان تقتلوهما نقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة ان فافداهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فاما الحكم بن كيسان فاسلم وفحسن اسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا قال ابن اسحاق فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزاة نعطى فيها أجر المجاهدين فانزل الله فيهم إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم فوصفهم الله من ذلك على أعظم الرجاء
قال ابن اسحاق والحديث في ذلك عن الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وهكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري وكذا روى شعيب عن الزهري عن عروة نحوا من هذا وفيه وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين وقال عبد الملك بن هشام هو أول قتيل قتله المسلمون وهذه أول غنيمة غنمها المسلمون وعثمان والحكم بن كيسان أول من اسره المسلمون (3/250)
قلت وقد تقدم فيما رواه الامام احمد عن سعد بن أبي وقاص أنه قال فكان عبد الله بن جحش أول أمير في الاسلام وقد ذكرنا في التفسير لما أورده ابن اسحاق شواهد مسندة فمن ذلك ما رواه الحافظ أبو محمد بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن ابي بكر المقدمي حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه حدثني الحضرمي عن أبي السوار عن جندب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس فبعث عليهم مكانه عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأه حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال لا تكرهن أحدا على المسير معك من أصحابك فلما قرأ الكتاب استرجع وقال سمعا وطاعة لله ولرسوله فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب فرجع منهم رجلان وبقي بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى فقال المشركون للمسلمين قتلتم في الشهر الحرام فانزل الله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير الآية وقال اسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود عن جماعة من الصحابة يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية وكانوا سبعة نفر عليهم عبد الله بن جحش وفيهم عمار بن ياسر وأبو حذيفة بن عتبة وسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان وسهل بن بيضاء وعامر بن فهيرة وواقد بن عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب وكتب لابن جحش كتابا وأمره أن لا يقرأه حتى ينزل بطن ملل فلما نزل بطن ملل فتح الكتاب فاذا فيه أن سر حتى تنزل بطم نخلة فقال لأصحابه من كان يريد الموت فليمض وليوص فإنني موص وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فسار وتخلف عنه سعد وعتبة أضلا راحلة لهما فاقاما يطلبانها وسار هو وأصحابه حتى نزل بطن نخلة فإذا هو بالحكم بن كيسان والمغيرة بن عثمان وعبد الله بن المغيرة فذكر قتل واقد لعمرو بن الحضرمي ورجعوا بالغنيمة والاسيرين فكانت أول غنيمة غنمها المسلمون وقال المشركون إن محمدا يزعم أنه يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر الحرام وقتل صاحبنا في رجب وقال المسلمون إنما قتلناه في جمادى قال السدي وكان قتلهم له أول ليلة من رجب وآخر ليلة من جمادى الآخرة
قلت لعل جمادى كان ناقصا فاعتقدوا بقاء الشهر ليلة الثلاثين وقد كان الهلال رؤى تلك الليلة فالله أعلم وهكذا روى تلك الليلة فالله أعلم وهكذا روى العوفي عن ابن عباس أن ذلك كان في آخر ليلة من جمادى وكانت أول ليلة من رجب ولم يشعروا وكذا تقدم في حديث جندب الذى رواه ابن أبى حاتم وقد تقدم في سياق ابن اسحاق أن ذلك كان في آخر ليلة من رجب وخافوا إن لم يتداركوا هذه الغنيمة وينتهزوا هذه الفرصة دخل أولئك في الحرم فيتعذر عليهم ذلك فاقدموا عليهم عالمين بذلك وكذا قال الزهري (3/251)
عن عروة رواه البيهقي فالله أعلم أي ذلك كان قال الزهري عن عروة فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عقل ابن الحضرمي وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه حتى أنزل الله براءة رواه البيهقي
قال ابن اسحاق فقال أبو بكر الصديق في غزوة عبد الله بن جحش جوابا للمشركين فيما قالوا من احلال الشهر الحرام قال ابن هشام هي لعبد الله بن جحش ... تعدون قتلا في الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشد ... صدودكم عما يقول محمد ... وكفر به والله راء وشاهد ... واخراجكم من مسجد الله أهله ... لئلا يرى لله في البيت ساجد ... فانا وإن عيرتمونا بقتله ... وأرجف بالاسلام باغ وحاسد ... سقينا من ابن الحضرمي رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحرب واقد ... دما وابن عبد الله عثمان بيننا ... ينازعه غل من القيد عاند ... فصل في تحويل القبلة في سنة ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر
وقال بعضهم كان ذلك في رجب من سنة ثنتين وبه قال قتادة وزيد بن اسلم وهو رواية عن محمد بن اسحاق وقد روى احمد عن ابن عباس ما يدل على ذلك وهو ظاهر حديث البراء بن عازب كما سيأتي والله أعلم وقيل في شعبان منها قال ابن اسحاق بعد غزوة عبد الله بن جحش ويقال صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وحكى هذا القول ابن جرير من طريق السدي فسنده عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة قال الجمهور الاعظم إنما صرفت في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة ثم حكى عن محمد بن سعد عن الواقدي أنها حولت يوم الثلاثاء النصف من شعبان وفي هذا التحديد نظر والله أعلم وقد تكلمنا على ذلك مستقصى في التفسير عند قوله تعالى قد ترى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وأن الذين أورثوا الكتاب يعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما تعملون وما قبلها وما بعدها من اعتراض سفهاء اليهود والمنافقين والجهلة الطغام على ذلك لانه أول نسخ وقع في الاسلام هذا وقد أحال الله قبل ذلك في سياق القرآن تقرير جواز النسخ عند قوله ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير وقد قال البخاري حدثنا أبو نعيم (3/252)
سمع زهيرا عن أبي اسحاق عن البراء أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت وأنه صلى أول صلاة صلاها إلى الكعبة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فانزل الله وما كان الله ليضيع ايمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم رواه مسلم من وجه آخر وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا الحسن بن عطية حدثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فانزل الله قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام قال فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فانزل الله قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وحاصل الامر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه كما رواه الامام احمد عن ابن عباس رضي الله عنه فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه أن يجمع بينهما فصلى إلى بيت المقدس أول مقدمه المدينة واستدبر الكعبة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وهذا يقتضي أن يكون ذلك إلى رجب من السنة الثانية والله أعلم وكان عليه السلام يحب أن يصرف قبلته نحو الكعبة قبلة ابراهيم وكان يكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله عز و جل فكان مما يرفع يديه وطرفه إلى السماء سائلا ذلك فانزل الله عز و جل قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام الآية فلما نزل الأمر بتحويل القبلة خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين وأعلمهم بذلك كما رواه النسائي عن أبي سعيد بن المعلى وأن ذلك كان وقت الظهر وقال بعض الناس نزل تحويلها بين الصلاتين قاله مجاهد وغيره ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين عن البراء أن أول صلاة صلاها عليه السلام إلى الكعبة بالمدينة العصر والعجب أن أهل قباء لم يبلغهم خبر ذلك إلى صلاة الصبح من اليوم الثاني كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك نحو ذلك والمقصود أنه لما نزل تحويل القبلة إلى الكعبة ونسخ به الله تعالى حكم الصلاة إلى بيت المقدس طعن طاعنون من السفهاء والجهلة والاغبياء قالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها هذا والكفرة من أهل الكتاب يعلمون أن ذلك من الله لما يجدونه من صفة محمد صلى الله عليه و سلم في كتبهم من أن المدينة مهاجره وأنه سيؤمر (3/253)
بالاستقبال إلى الكعبة كما قال وإن الذين أورثوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم الآية وقد أجابهم الله تعالى مع هذا كله عن سؤالهم ونعتهم فقال سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم أي هو المالك المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه الذي يعفل ما يشاء في خلقه ويحكم ما يريد في شرعه وهو الذي يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ويضل من يشاء عن الطريق القويم وله في ذلك الحكمة التي يجب لها الرضا والتسليم ثم قال تعالى وكذلك جعلناكم أمو وسطا أي خيارا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا أي وكما اخترنا لكم أفضل الجهات في صلاتكم وهديناكم إلى قبلة أبيكم ابراهيم والد الانبياء بعد التي كان يصلي بها موسى فمن قبله من المرسلين كذلك جعلناكم خيار الامم وخلاصة العالم وأشرف الطوائف وأكرم التالد والطارف لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس لاجماعهم عليكم واشارتهم يومئذ بالفضيلة اليكم كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد مرفوعا من استشهاد نوح بهذه الامة يوم القيامة وإذا استشهد بهم نوح مع تقدم زمانه فمن بعده بطريق الاولى والاخرى ثم قال تعالى مبينا حكمته في حلول نقمته بمن شك وارتاب بهذه الواقعة وحلول نعمته على من صدق وتابع هذه الكائنة فقال وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول قال ابن عباس إلا لنرى من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة أي وان كانت هذه الكائنة العظيمة الموقع كبيرة المحل شديدة الأمر إلا على الذي هدى الله أي فهم مؤمنون بها مصدقون لها لا يشكون ولا يرتابون بل يرضون ويؤمنون ويعملون لانهم عبيد للحاكم العظيم القادر المقتدر الحليم الخبير اللطيف العليم وقوله وما كان الله ليضيع إيمانكم أي بشرعته استقبال بيت المقدس والصلاة فيه إن الله بالناس لرؤف رحيم والاحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا يطول استقصاؤها وذلك مبسوط في التفسير وسنزيد ذلك بيانا في كتابنا الاحكام الكبير وقد روى الامام احمد حدثنا علي بن عاصم حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن قيس عن محمد بن الاشعث عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني في أهل الكتاب إنهم لم يحسدونا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله اليها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا وعلى قولنا خلف الامام آمين فصل
في فريضة شهر رمضان سنة ثنتين قبل وقعة بدر
قال ابن جرير وفي هذه السنة فرض صيام شهر رمضان وقد قيل إنه فرض في شعبان منها ثم (3/254)
حكي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عنه فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى فقال نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر الناس بصيامه وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن ابن عباس وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وإن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من ايام أخر الآية وقد تكلمنا على ذلك في التفسير بما فيه الكفاية من ايراد الاحاديث المتعلقة بذلك والآثار المروية في ذلك والاحكام المستفادة منه ولله الحمد
وقد قال الامام احمد حدثنا أبو النضر حدثنا المسعودي حدثنا عمرو بن مرة عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال احيلت الصلاة ثلاثة أحوال وأحيل الصيام ثلاثة أحوال فذكر أحوال الصلاة قال وأما أحوال الصيام فان رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ثم أن الله فرض عليه الصيام وأنزل يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فاجزأ ذلك عنه ثم إن الله أنزل الآية الاخرى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه فاثبت صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وأثبت الا طعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام فهذان حولان قال وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فاذا ناموا امتنعوا ثم أن رجلا من الانصار يقال له صرمة كان يعمل صائما حتى أمسى فجاء أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فاصبح صائما فرآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قد جهد جهدا شديدا فقال مالي أراك قد جهدت جهدا شديدا فاخبره قال وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام فاتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر ذلك له فانزل الله أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل ورواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه من حديث المسعودي نحوه وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت كان عاشوراء يصام فلما نزل رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر وللبخاري عن ابن عمر وابن مسعود مثله ولتحرير هذا موضع آخر من التفسير ومن الاحكام الكبير وبالله المستعان
قال ابن جرير وفي السنة أمر الناس بزكاة الفطر وقد قيل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب (3/255)
الناس قبل الفطر بيوم أو يومين وأمرهم بذلك قال وفيها صلى النبي صلى الله عليه و سلم صلاة العيد وخرج بالناس إلى المصلى فكان أول صلاة عيد صلاها وخرجوا بين يديه بالحربة وكانت للزبير وهبها له النجاشي فكانت تحمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأعياد
قلت وفي هذه السنة فيما ذكره غير واحد من المتأخرين فرضت الزكاة ذات النصب كما سيأتي تفصيل ذلك كله بعد وقعة بدر إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم بسم الله الرحمن الرحيم غزوة بدر العظمى * يوم الفرقان يوم التقى الجمعان
قال الله تعالى ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون وقال الله تعالى كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم يريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع 2 دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون وما بعدها إلى تمام القصة من سورة الانفال وقد تكلمنا عليها هنالك وسنورد هاهنا في كل موضع ما يناسبه
قال ابن اسحاق رحمه الله بعد ذكره سرية عبد الله بن جحش ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع بابي سفيان صخر بن حرب مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال وتجارة وفيها ثلاثون رجلا أو أربعون منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص قال موسى بن عقبة عن الزهري كان ذلك بعد مقتل ابن الحضرمي بشهرين قال وكان في العير الف بعير تحمل أموال قريش باسرها إلا حويطب بن عبد العزى فلهذا تخلف عن بدر
قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن مسلم بن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن عباس كل قد حدثني بعض الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا لما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بابي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين اليهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا اليها لعل الله ينفلكموها فانتدب الناس فخفف بعضهم وثقل بعض وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يلقى حربا وكان أبو (3/256)
سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس حين لقي من الركبان تخوفا على أموال الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة قال ابن اسحاق فحدثني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قالا وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم إلى مكة بثلاث ليال رؤيا افزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم علي ما أحدثك قال لها وما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالابطح ثم صرخ باعلا صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس اجتمعوا اليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها إلا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخره فارسلها فاقبلت تهوي حتى اذا كانت باسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منها فلقة قال العباس والله إن هذه لرؤيا وأنت فاكتميها لا تذكريها لاحد ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لابنه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش قال العباس فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل ابن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فاقبل الينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال أبو جهل يا بني عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه البينة قال قلت وما ذاك قال تلك الرؤيا التي رأت عاتكة قال قلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فان يك حقا ما تقول فسيكون وإن تمصضالثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس فوالله ما كان مني اليه كبير شيء إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا قال ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت قال قلت قد والله فعلت ما كان مني اليه من كبير وايم الله لأتعرضن له فاذا عاد (3/257)
لاكفيكنه قال فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فاقع به وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر قال إذ خرج نحو باب المسجد يشتد قال قلت في نفسي ماله لعنه الله أكل هذا فرق مني أن اشاتمه وإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها الغوث الغوث قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الامر فتجهز الناس سراعا وقالوا أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي والله ليعلمن غير ذلك وذكر موسى بن عقبة رؤيا عاتكة كنحو من سياق ابن اسحاق قال فلما جاء ضمضم بن عمرو على تلك الصفة خافوا من رؤيا عاتكة فخرجوا على الصعب والذلول
قال ابن اسحاق فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا وأوعبت قريش فلم يتخلف من اشرافها أحد إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب بعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة استأجره باربعة آلاف درهم كانت له عليه قد أفلس بها قال ابن اسحاق وحدثني ابن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان قد أجمع القعود وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا فأتاه عقبة بن أبي معيط وهو جالس بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا علي استجمر فانما أنت من النساء قال قبحك الله وقبح ما جئت به قال ثم تجهز وخرج مع الناس هكذا قال ابن اسحاق في هذه القصة وقد رواها البخاري على نحو آخر فقال حدثني احمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة ثنا ابراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي اسحاق حدثني عمرو بن ميمون أنه سمع عبد الله بن مسعود حدث عن سعد بن معاذ أنه كان صديقا لامية بن خلف وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد بن معاذ وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بمكة قال سعد لامية أنظر لي ساعة خلوه لعلي أطوف بالبيت فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل فقال يا صفوان من هذا معك قال هذا سعد قال له أبو جهل ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد أويتم الصباه وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما فقال له سعد ورفع صوته عليه أما والله لئن منعتني هذا لامنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة فقال له أمية لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم فانه سيد أهل الوادي قال سعد دعنا عنك يا أمية فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنهم قاتلوك قال بمكة قال لا أدري ففزع لذلك أمية فزعا شديدا (3/258)
فلما رجع إلى أهله قال يا أم صفوان ألم تري ما قال لي سعد قالت وما قال لك قال زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلي فقلت له بمكة قال لا أدري فقال أمية والله لا أخرج من مكة فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس فقال أدركوا عيركم فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك فلم يزل به ابو جهل حتى قال إذ عبتني فوالله لاشترين أجود بعير بمكة ثم قال أمية يا أم صفوان جهزيني فقالت له يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي قال لا وما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلا الا عقل بعيره فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر وقد رواه البخاري في موضع آخر عن محمد بن اسحاق عن عبيد الله بن موسى عن اسرائيل عن أبي اسحاق به نحوه تفرد به البخاري وقد رواه الامام احمد عن خلف بن الوليد وعن أبي سعيد كلاهما عن اسرائيل وفي رواية اسرائيل قالت له امرأته والله إن محمدا لا يكذب
قال ابن اسحاق ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا المسير ذكروا ما كانوا بينهم وبين بني بكر ابن عبد مناة من الحرب فقالوا إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا وكانت الحرب التي كانت بين قريش وبين بني بكر في ابن لحفص بن الاخيف من بني عامر بن لؤي قتله رجل من بني بكر باشارة عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح ثم أخذ بثأره أخوه مكرز بن حفص فقتل عامرا وخاض بسيفه في بطنه ثم جاء الليل فعلقه باستار الكعبة فخافوهم بسبب ذلك الذي وقع بينهم
قال ابن اسحاق فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال لما اجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر فكاد ذلك أن يثنيهم فتبدى لهم ابليس في صورة سراقة ابن مالك بن جعشم المدلجي وكان من اشراف بني كنانة فقال أنا لكم جارمن أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا قلت وهذا معنى قوله تعالى ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب غرهم لعنه الله حتى ساروا وسار معهم منزلة فنزلة ومعه جنوده وراياته كما قاله غير واحد منهم فأسلمهم لمصارعهم فلما رأى الجد والملائكة تنزل للنصر وعاين جبريل نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله وهذا كقوله تعالى كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين وقد قال الله تعالى وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فابليس لعنه الله لما عاين الملائكة يومئذ تنزل للنصر فر ذاهبا فكان أول من (3/259)
هرب يومئذ بعد أن كان هو المشجع لهم المجير لهم كما غرهم ووعدهم ومناهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا وقال يونس عن ابن اسحاق خرجت قريش على الصعب والذلول في تسعمائة وخمسين مقاتلا معهم مائتا فرس يقودونها ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء المسلمين وذكر المطعمين لقريش يوما يوما وذكر الاموي أن أول من نحر لهم حين خرجوا من مكة أبو جهل نحر لهم عشرا ثم نحر لهم أمية بن خلف بعسفان تسعا ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشرا ومالوا من قديد إلى مياه نحو البحر فظلوا فيها وأقاموا بها يوما فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسعا ثم أصبحوا بالجحفة فنحر لهم يومئذ عتبة بن ربيعة عشرا ثم أصبحوا بالابواء فنحر لهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج عشرا ونحر لهم العباس بن عبد المطلب عشرا ونحر لهم على ماء بدر أبو البختري عشرا ثم أكلوا من ازوادهم قال الاموي حدثنا أبي حدثنا أبو بكر الهذلي قال كان مع المشركين ستون فرسا وستمائة درع وكان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فرسان وستون درعا
هذا ما كان من أمر هؤلاء في نفيرهم من مكة ومسيرهم إلى بدر وأما رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ابن اسحاق وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس ورد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة ودفع اللواء إلى مصعب ابن عمير وكان أبيض وبين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب يقال لها العقاب والاخرى مع بعض الانصار قال ابن هشام كانت راية الانصار مع سعد بن معاذ وقال الاموي كانت مع الحباب بن المنذر قال ابن اسحاق وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم على الساقة قيس بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النجار وقال الاموي وكان معهم فرسان على إحداهما مصعب بن عمير وعلى الاخرى الزبير بن العوام ومن سعد بن خيثمة ومن المقداد بن الاسود وقد روى الامام احمد من حديث ابي اسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد
وروى البيهقي من طريق ابن وهب عن أبي صخر عن أبي معاوية البلخي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن عليا قال له ما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الاسود يعني يوم بدر وقال الاموي حدثنا أبي حدثنا اسماعيل بن أبي خالد عن التيمي قال كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر فارسان الزبير بن العوام على الميمنة والمقداد بن الاسود على الميسرة
قال ابن اسحاق وكان معهم سبعون بعيرا يعتقبونها فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلي ومرثد بن (3/260)
أبي مرثد يعتقبون بعيرا وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة يعتقبون بعيرا كذا قال ابن اسحاق رحمه الله تعالى وقد قال الامام احمد حدثنا عفان عن حماد بن سلمة حدثنا عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير كان أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فكانت عقبة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالا نحن نمشي عنك فقال ما أنتما بأقوى مني ولا أنا بأغنى عن الاجر منكما وقد رواه النسائي عن الفلاس عن ابن مهدي عن حماد بن سلمة به قلت ولعل هذا كان قبل أن يرد أبا لبابة من الروحاء ثم كان زميلاه على مرثد بدل أبي لبابة والله أعلم وقال الامام احمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بالاجراس أن تقطع من أعناق الابل يوم بدر وهذا على شرط الصحيحين وإنما رواه النسائي عن أبي الاشعث عن خالد ابن الحارث عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به قال شيخنا الحافظ المزي في الاطراف وتابعه سعيد بن بشر عن قتادة وقد رواه هشام عن زرارة عن أبي هريرة فالله أعلم وقال البخاري حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب قال سمعت كعب بن مالك يقول لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني تخلفت عن غزوة بدر ولم يعاتب الله أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد تفرد به
قال ابن اسحاق فسلك رسول الله صلى الله عليه و سلم طريقه من المدينة إلى مكة على نقب المدينة ثم على العقيق ثم على ذي الحليفة ثم على أولات الجيش ثم مر على تربان ثم على ملل ثم على غميس الحمام ثم على صخيرات اليمامة ثم على السيالة ثم على فج الروحاء ثم على شنوكة وهي الطريق المعتدلة حتى إذا كان بعرق الظبية لقي رجلا من الاعراب فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أوفيكم رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا نعم فسلم عليه ثم قال لئن كنت رسول الله فاخبرني عما في بطن ناقي هذه قال له سلمة بن سلامة بن وقش لا تسأل رسول الله وأقبل علي فأنا أخبرك عن ذلك نزوت عليها ففي بطنها منك سخلة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مه أفخشت على الرجل ثم اعرض عن سلمة ونزل رسول الله سجسج وهي بئر الروحاء ثم ارتحل منها حتى إذا كان منها بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدرا فسلك في ناحية منها حتى إذا جزع واديا يقال له وحقان بين النازية وبين مضيق الصفراء ثم على المضيق ثم (3/261)
انصب منه حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة وعدي ابن أبي الزغباء حليف بني النجار إلى بدر يتجسسان الاخبار عن أبي سفيان صخر بن حرب وعيره وقال موسى بن عقبة بعثهما قبل أن يخرج من المدينة فلما رجعا فأخبراه بخبر العير استنفر الناس اليها فان كان ما ذكره موسى بن عقبة وابن اسحاق محفوظا فقد بعثهما مرتين والله أعلم
قال ابن اسحاق رحمه الله ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد قدمهما فلما استقبل الصفراء وهي قرية بين جبلين سأل عن جبليها ما اسماؤهما فقالوا يقال لاحدهما مسلح وللآخر مخرئ وسأل عن أهلهما فقيل بنو النار وبنو حراق بطنان من غفار فكرههما رسول الله صلى الله عليه و سلم والمرور بينهما وتفاءل باسمائهما وأسماء أهلهما فتركهما والصفراء بيسار وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران فجزع فيه ثم نزل وأتاه الخبر عن قريش ومسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسى إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم خير ودعا له ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الانصار وذلك أنهم كانوا عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فاذا وصلت الينا فانت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتخوف أن لا تكون الانصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وإن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال أجل قال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله قال فسر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقول سعد ونشطه ثم قال سيروا وابشروا فان الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم هكذا رواه ابن اسحاق رحمه الله وله شواهد من وجوه كثيرة فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه حدثنا أبو نعيم حدثنا اسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب قال سمعت ابن مسعود يقول شهدت من المقداد بن الاسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهو يدعو (3/262)
على المشركين فقال لا نقول كما قال قوم موسى لموسى إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم أشرق وجهه وسره انفرد به البخاري دون مسلم فرواه في مواضع من صحيحه من حديث مخارق به ورواه النسائى من حديثه وعنده وجاء المقداد بن الاسود يوم بدر على فرس فذكره وقال الامام احمد حدثنا عبيدة هو ابن حميد عن حميد الطويل عن أنس قال استشار النبي صلى الله عليه و سلم مخرجه إلى بدر فأشار عليه أبو بكر ثم استشارهم فأشار عليه عمر ثم استشارهم فقال بعض الانصار إياكم يريد رسول الله يا معشر الانصار فقال بعض الانصار يا رسول الله إذا لا نقول كما قالت بنو اسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك وهذا اسناد ثلاثي صحيح على شرط الصحيح وقال احمد أيضا حدثنا عفان ثنا حماد عن ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال فتكلم أبو بكر فاعرض عنه ثم تكلم عمر فاعرض عنه فقال سعد بن عبادة إيانا يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحار لاخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا فندب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس قال فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول ما لي علم بأبي سفيان ولكن هذا أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف فاذا قال ذلك ضربوه فاذا ضربوه قال نعم أنا أخبركم هذا أبو سفيان فاذا تركوه فسألوه قال مالي بابي سفيان علم ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية فاذا قال هذا أيضا ضربوه ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يصلي فلما رأى ذلك انصرف فقال والذي نفسي بيده انكم لتضربونه إذا صدق وتتركونه إذا كذبكم قال وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا مصرع فلان يضع يده على الارض ههنا وههنا فما أماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه مسلم عن أبي بكر عن عفان به نحوه وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردويه واللفظ له من طريق عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم عن أبي عمران أنه سمع أبا أيوب الانصاري يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن بالمدينة إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن تخرج قبل هذه العير لعل الله يغنمناها فقلنا نعم فخرج وخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين قال لنا ما ترون في القوم فانهم قد أخبروا بمخرجكم فقلنا لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم ولكنا أردنا العير ثم قال ما ترون في قتال القوم فقلنا مثل ذلك فقام المقداد بن عمرو [ فقال ] إذا لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون قال فتمنينا معشر الانصار لو أنا (3/263)
قلنا مثل ما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم فأنزل الله عز و جل على رسوله كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون وذكر تمام الحديث وروى ابن مردويه أيضا من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال كيف ترون فقال أبو بكر يا رسول الله بلغنا أنهم بكذا وكذا قال ثم خطب الناس فقال كيف ترون فقال عمر مثل قول أبي بكر ثم خطب الناس فقال كيف ترون فقال سعد بن معاذ يا رسول الله ايانا تريد فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ولا نكون كالذين قالوا لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم متبعون ولعل أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله اليك غيره فانظر الذي أحدث الله اليك فامض فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وعاد من شئت وسالم من شئت وخذ من أموالنا ما شئت فنزل القرآن على قول سعد كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون الآيات وذكره الاموي في مغازيه وزاد بعد قوله وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب الينا مما تركت وما أمرت به من أمر فامرنا تبع لأمرك فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك
قال ابن اسحاق ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذفران فسلك على ثنايا يقال لها الاصافر ثم انحط منها إلى بلد يقال له الدية وترك الحنان بيمين وهو كثيب عظيم كالجبل العظيم ثم نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من اصحابه قال ابن هشام هو أبو بكر قال ابن اسحاق كما حدثني محمد بن يحيى بن حبان حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أخبرتنا أخبرناك فقال أو ذاك بذاك قال نعم قال الشيخ فانه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فان كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه و سلم وبلغنى أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا فان كان الذى أخبرنى صدقنى فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذى به قريش فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال يقول الشيخ ما من ماء أمن ماء العراق قال ابن هشام يقال لهذا الشيخ سفيان الضمري (3/264)
قال ابن اسحاق ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اصحابه فلما أمسى بعث علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير فاصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلامي بني الحجاج وعريض أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد فاتوا بهما فسألوهما ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يصلي فقالوا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لابي سفيان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا نحن لابي سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلى الله عليه و سلم وسجد سجدتيه وسلم وقال إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما صدقا والله إنهما لقريش أخبراني عن قريش قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا لا ندري قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم القوم ما بين التسعمائة إلى الالف ثم قال لهما فمن فيهم من أشراف قريش قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الاسود وأبو جهل وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبدود قال فاقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم على الناس فقال هذه مكة قد القت اليكم أفلاذ كبدها
قال ابن اسحاق وكان بسبس بن عمرو وعدي بن ابي الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا فأناخا إلى تل قريب من الماء ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه ومجدي بن عمرو الجهني على الماء فسمع عدي وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما يتلازمان على الماء والملزومة تقول لصاحبتها إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك قال مجدي صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك عدي وبسبس فجلسا على بعيريهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخبراه بما سمعا وأقبل أبو سفيان حتى تقدم العير حذرا حتى ورد الماء فقال لمجدي بن عمرو هل أحسست أحدا قال ما رأيت أحدا أنكره إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته فاذا فيه النوى فقال هذه والله علائف يثرب فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها وترك بدرا بيسار وانطلق حتى أسرع وأقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب ابن عبد مناف رؤيا فقال إني رأيت فيما يرى النائم واني لبين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل قد أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم ابن هشام وأمية بن خلف وفلان وفلان فعد رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ثم رأيته (3/265)
ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه فبلغت أبا جهل لعنه الله فقال هذا أيضا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا
قال ابن اسحاق ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش انكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كل عام فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا وقال الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي وكان حليفا لبني زهرة وهم بالجحفة يا بني زهرة قد نجى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل وانما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلوا بها جبنها وارجعوا فانه لا حاجة لكم بان تخرجوا في غير ضيعة لا ما يقول هذا قال فرجعوا فلم يشهدها زهري واحد أطاعوه وكان فيهم مطاعا ولم يكن بقي بطن من قريش إلا وقد نفر منهم ناس إلا بني عدي لم يخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الاخنس فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد قال ومضى القوم وكان بين طالب بن أبي طالب وكان في القوم وبين بعض قريش محاورة فقالوا والله قد عرفنا يا بني هاشم وإن خرجتم معنا أن هواكم مع محمد فرجع طالب إلى مكة مع من رجع وقال في ذلك ... لا هم إما يغزون طالب ... في عصبة محالف محارب ... في مقنب من هذا المقانب ... فليكن المسلوب غير السالب ... وليكن المغلوب غير الغالب ...
قال ابن اسحاق ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي وهو يليل بين بدر وبين العقنقل الكثيب الذي خلفه قريش والقليب ببدر في العدوة الدنيا من بطن يليل إلى المدينة
قلت وفي هذا قال تعالى إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والراكب أسفل منكم أي من ناحية الساحل ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا الآيات وبعث الله السماء وكان الوادي دهسا فاصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه منها ماء لبد لهم الارض ولم يمنعهم من السير وأصاب قريشا منها ماء لم يقدروا على أن يرتحلوا معه
قلت وفي هذا قوله تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام فذكر أنه طهرهم ظاهرا وباطنا وأنه ثبت اقدامهم وشجع قلوبهم وأذهب عنهم تخذيل الشيطان وتخويفه للنفوس ووسوسته الخواطر وهذا تثبيت الباطن (3/266)
والظاهر وأنزل النصر عليهم من فوقهم في قوله إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق أي على الرؤوس واضربوا منهم كل بنان أي لئلا يستمسك منهم السلاح ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فان الله شديد العقاب ذلكم فذقوه وأن للكافرين عذاب النار
قال ابن جرير حدثني هارون بن اسحاق ثنا مصعب بن المقدام ثنا اسرائيل ثنا اسحاق عن حارثة عن علي بن أبي طالب قال اصابنا من الليل طش من المطر يعني الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر وبات رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني قائما يصلي وحرض على القتال وقال الامام احمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن أبي اسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي قال ما كان فينا فارس يوم بدر إلا المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح وسيأتي هذا الحديث مطولا ورواه النسائي عن بندار عن غندر عن شعبة به وقال مجاهد أنزل عليهم المطر فأطفأ به الغبار وتلبدت به الارض وطابت به أنفسهم وثبتت به أقدامهم
قلت وكانت ليلة بدر ليلة الجمعة السابعة عشر من شهر رمضان سنة ثنتين من الهجرة وقد بات رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك الليلة يصلي إلى جذم شجرة هناك ويكثر في سجوده أن يقول يا حي يا قيوم يكرر ذلك ويلظ به عليه السلام
قال ابن اسحاق فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يبادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر نزل به قال ابن اسحاق فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن منذر بن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة قال يا رسول الله فان هذا ليس بمنزل فأمض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد اشرت بالرأي قال الاموي حدثنا أبي قال وزعم الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يجمع الاقماص وجبريل عن يمينه إذ أتاه ملك من الملائكة فقال يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هو السلام ومنه السلام واليه السلام فقال الملك إن الله يقول لك ان الأمر [ هو ] الذي أمرك به الحباب بن المنذر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا جبريل هل تعرف هذا فقال ما كل أهل السماء أعرف وانه لصادق وما هو بشيطان فنهض رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه من الناس (3/267)
فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم أمر بالقلب فعورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملىء ماء ثم قذفوا فيه الآنية وذكر بعضهم أن الحباب بن المنذر لما اشار بما أشار به على رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل ملك من السماء وجبريل عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال الملك يا محمد ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك ان الرأى ما أشار به الحباب فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جبريل فقال ليس كل الملائكة أعرفهم وأنه ملك وليس بشيطان وذكر الاموي أنهم نزلوا على القليب الذي يلي المشركين نصف الليل وأنهم نزلوا فيه واستقوا منه وملؤا الحياض حتى أصبحت ملاء وليس للمشركين ماء
قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر انه حدث ان سعد بن معاذ قال يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فان اعزنا الله واظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام ما نحن باشد حبا لك منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم ويناصحونك ويجاهدون معك فاثنى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم خيرا ودعا له بخير ثم بنى لرسول الله صلى الله عليه و سلم عريش كان فيه
قال ابن اسحاق وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فاقبلت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذي جاؤا منه إلى الوادي قال اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم أحنهم الغداة وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم وهو على جمل له احمر إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الاحمر إن يطيعوه يرشدوا قال وقد كان خفاف بن ايماء بن رحضة أو أبوه ايماء بن رحضة الغفاري بعث إلى قريش ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا قال فارسلوا اليه مع ابنه أن وصلتك رحم وقد قضيت الذي عليك فلعمري إن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم وإن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد فما لاحد بالله من طاقة قال فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل إلا ما كان من حكيم بن حزام فانه لم يقتل ثم أسلم بعد ذلك فحسن اسلامه فكان إذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجاني يوم بدر
قلت وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا كما سيأتي بيان ذلك (3/268)
في فصل نعقده بعد الوقعة ونذكر أسماءهم على حروف المعجم إن شاء الله
ففي صحيح البخاري عن البراء قال كنا نتحدث أن أصحاب بدر ثلثمائة وبضع عشرة على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر وما جاوزه معه إلا مؤمن وللبخاري أيضا عنه قال استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين والانصار نيفا وأربعون ومائتان وروى الامام احمد عن نصر بن رئاب عن حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنه قال كان أهل بدر ثلثمائة وثلاثة عشر وكان المهاجرون ستة وسبعين وكان هزيمة أهل بدر لسبع عشرة مضين من شهر رمضان يوم الجمعة وقال الله تعالى إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم الآية وكان ذلك في منامه تلك الليلة وقيل إنه نام في العريش وأمر الناس أن لا يقاتلوا حتى يأذن لهم فدنا القوم منهم فجعل الصديق يوقظه ويقول يا رسول الله دنوا منا فاستيقظ وقد اراه الله إياهم في منامه قليلا ذكره الاموي وهو غريب جدا وقال تعالى وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا فعند ما تقابل الفريقان قلل الله كلا منهما في أعين الآخرين ليجترئ هؤلاء على هؤلاء وهؤلاء على هؤلاء لما له في ذلك من الحكمة البالغة وليس هذا معارض لقوله تعالى في سورة آل عمران قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء فان المعنى في ذلك على اصح القولين أن الفرقة الكافرة ترى الفرقة المؤمنة مثلي عدد الكافرة على الصحيح أيضا وذلك عند التحام الحرب والمسابقة أوقع الله الوهن والرعب في قلوب الذين كفروا فاستدرجهم أولا بأن أراهم إياهم عند المواجهة قليلا ثم أيد المؤمنين بنصره فجعلهم في أعين الكافرين على الضعف منهم حتى وهنوا وضعفوا وغلبوا ولهذا قال والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لاولي الابصار قال اسرائيل عن أبي اسحاق عن أبي عبيد وعبد الله لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى أني لأقول لرجل الى جنبي أتراهم سبعين فقال اراهم مائة
قال ابن اسحاق وحدثني أبي اسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الانصار قالوا لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا أحزر لنا القوم أصحاب محمد قال فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع اليهم فقال ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقون كمين أو مدد قال فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا فرجع اليهم فقال ما رأيت شيئا ولكن قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل (3/269)
رجلا منكم فاذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فاتى عتبة بن ربيعة فقال يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك إاى أن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي قال قد فعلت أنت على ذلك إنما هو حليفي فعلى عقله وما أصيب من ماله فأت ابن الحنطلية يعني أبا جهل فاني لا أخشى أن يسجر أمر الناس غيره ثم قام عتبة خطيبا فقال يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن اصبتموه لا يزال الرجل ينظر إلى وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فان أصابوه فذلك الذي أردتم وإن كان غير ذلك الفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون قال حكيم فانطلقت حتى جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا فهو يهنئها فقلت له يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني اليك بكذا وكذا فقال انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه فلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال ولكنه رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال هذا حليفك يريد أن يرجع الناس وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ واعمراه واعمراه قال فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوثقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم اليه عتبة فلما بلغ عتبة قول أبي جهل انتفخ والله سحره قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره أنا أم هو ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم رأسه فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له
وقد روى ابن جرير من طريق مسور بن عبد الملك اليربوعي عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال بينا نحن عند مروان بن الحكم إذ دخل حاجبه فقال حكيم بن حزام يستأذن قال ائذن له فلما دخل قال مرحبا يا أبا خالد أدن فحال عن صدر المجلس حتى جلس بينه وبين الوسادة ثم استقبله فقال حدثنا حديث بدر فقال خرجنا حتى إذا كنا بالجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش باسرها فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله تعالى فجئت عتبة بن ربيعة فقلت يا أبا الوليد هل لك في أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت قال أفعل ماذا قلت إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم ابن الحضرمي وهو حليفك فتحمل بديته ويرجع (3/270)
الناس فقال أنت علي بذلك وأذهب الى ابن الحطنلية يعني ابا جهل فقل له هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك فجئته فاذا هو في جماعة من بين يديه ومن خلفه وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول فسخت عقدي من عبد شمس وعقدي اليوم إلى بني مخزوم فقلت له يقول لك عتبة بن ربيعة هل لك أن ترجع اليوم بمن معك قال أما وجد رسولا غيرك قلت لا ولم أكن لأكون رسولا لغيره قال حكيم فخرجت مبادرا إلى عتبة لئلا يفوتني من الخبر شيء وعتبة متكئ على ايماء بن رحضة الغفاري وقد أهدى إلى المشركين عشرة جزائر فطلع أبو جهل الشر في وجهه فقال لعتبة انتفخ سحرك فقال له عتبة ستعلم فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه فقال ايماء بن رحضة بئس الفأل هذا فعند ذلك قامت الحرب وقد صف رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه وعباهم أحسن تعبية فروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف قال صفنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر ليلا وروى الامام احمد من حديث ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب أن اسلم أبا عمران حدثه أنه سمع أبا أيوب يقول صفنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف فنظر اليهم النبي صلى الله عليه و سلم فقال معي معي تفرد به احمد وهذا اسناد حسن
وقال ابن اسحاق وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني علي ابن النجار وهو مستنتل من الصف فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فاقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بطنه فقال استقد قال فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فاردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بخير وقاله قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده قال غمسه يده في العدو حاسرا فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل رضي الله عنه قال ابن اسحاق ثم عدل رسول الله صلى الله عليه و سلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه أبو بكر ليس معه فيه غيره وقال ابن اسحاق وغيره وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه واقفا على باب العريش متقلدا بالسيف ومعه رجال من الانصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه و سلم خوفا عليه من أن يدهمه العدو من المشركين والجنائب النجائب مهيأة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ان احتاج اليها ركبها ورجع الى المدينة كما أشار به سعد بن معاذ وقد روى البزار في مسنده من حديث محمد بن عقيل عن علي أنه خطبهم فقال يا أيها الناس من أشجع الناس فقالوا أنت يا أمير المؤمنين فقال أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه ولكن هو أبو بكر إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه و سلم عريشا فقلنا (3/271)
من يكون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لئلا يهوي اليه أحد من المشركين فوالله ما دنا أحد إلا أبو بكر شاهرا بالسيف على راس رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يهوي اليه أحد إلا أهوى اليه فهذا أشجع الناس قال ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخذته قريش فهذا يحاده وهذا يتلتله ويقولون أنت جعلت الآلهة إلها واحدا فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب ويجاهد ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى أخضلت لحيته ثم قال أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم هو فسكت القوم فقال علي فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الارض من مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه ثم قال البزار لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه فهذه خصوصية للصديق حيث هو مع الرسول في العريش كما كان معه في الغار رضي الله عنه وأرضاه ورسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر الابتهال والتضرع والدعاء ويقول فيما يدعو به اللهم إنك ان تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض وجعل يهتف بربه عز و جل ويقول اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم نصرك ويرفع يديه الى السماء حتى سقط الرداء عن منكبيه وجعل أبو بكر رضي الله عنه يلتزمه من ورائه ويسوي عليه رداءه ويقول مشفقا عليه من كثرة الابتهال يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فانه سينجز له ما وعدك
[ هكذا حكى السهيلي عن قاسم بن ثابت أن الصديق إنما قال بعض مناشدتك ربك من باب الاشفاق لما رأى من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه فقال بعض هذا يا رسول الله أي لم تتعب نفسك هذا التعب والله قد وعدك بالنصر وكان رضي الله عنه رقيق القلب شديد الاشفاق على رسول الله صلى الله عليه و سلم وحكى السهيلي عن شيخه أبي بكر بن العربي بانه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في مقام الخوف والصديق في مقام الرجاء وكان مقام الخوف في هذا الوقت يعني أكمل قال لأن لله أن يفعل ما يشاء فخاف أن لا يعبد في الأرض بعدها فخوفه ذلك عبادة قلت وأما قول بعض الصوفية إن هذا المقام في مقابلة ما كان يوم الغار فهو قول مردود على قائله إذ لم يتذكر هذا القائل عور ما قال ولا لازمه ولا ما يترتب عليه والله أعلم ]
هذا وقد تواجه الفئتان وتقابل الفريقان وحضر الخصمان بين يدي الرحمن واستغاث بربه سيد الانبياء وضج الصحابة بصنوف الدعاء إلى رب الارض والسماء سامع الدعاء وكاشف البلاء فكان أول من قتل من المشركين الاسود بن عبد الاسد المخزومي قال ابن اسحاق وكان رجلا شرسا سيء الخلق فقال أعاهد الله لاشربن من حوضهم أو لأهدمنه او لأموتن دونه فلما خرج خرج اليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فاطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع (3/272)
على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد زعم أن تبر يمينه واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض قال الاموي فحمى عند ذلك عتبة بن ربيعة وأراد أن يظهر شجاعته فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد فلما توسطوا بين الصفين دعوا إلى البراز فخرج اليهم فتية من الانصار ثلاثة هم عوف ومعاذ ابنا الحارث وأمهما عفراء والثالث عبد الله بن رواحة فيما قيل فقالوا من أنتم قالوا رهط من الانصار فقالوا ما لنا بكم من حاجة وفي رواية فقالوا أكفاء كرام ولكن اخرجوا الينا من بني عمنا ونادى مناديهم يا محمد اخرج الينا أكفاءنا من قومنا فقال النبي صلى الله عليه و سلم قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي وعند الاموي أن النفر من الانصار لما خرجوا كره ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم لانه أول موقف واجه فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم أعداءه فاحب أن يكون أولئك من عشيرته فامرهم بالرجوع وأمر أولئك الثلاثة بالخروج
قال ابن اسحاق فلما دنوا منهم قالوا من أنتم وفي هذا دليل أنهم كانوا ملبسين لا يعرفون من السلاح فقال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علي علي قالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد بن عتبة فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله وأما علي فلم يمهل الوليد ان قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي باسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما رضي الله عنه
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم نزلت في حمزة وصاحبه وعتبة وصاحبه يوم برزوا في بدر هذا لفظ البخاري في تفسيرها وقال البخاري حدثنا حجاج بن منهال حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي ثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب أنه قال أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن عز و جل في الخصومة يوم القيامة قال قيس وفيهم نزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة ابن ربيعة والوليد بن عتبة تفرد به البخاري وقد أوسعنا الكلام عليها في التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة
وقال الاموي حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي اسحاق عن ابن المبارك عن اسماعيل بن ابي خالد عن عبد الله البهي قال برز عتبة وشيبة والوليد وبرز اليهم حمزة وعبيدة وعلي فقالوا تكلموا نعرفكم فقال حمزة أنا أسد الله وأسد رسول الله أنا حمزة بن عبد المطلب فقال كفؤ كريم وقال علي أنا ع عبد الله وأخو رسول الله وقال عبيدة أنا الذي في الحلفاء فقام كل رجل إلى رجل فقاتلوهم (3/273)
فقتلهم الله فقالت هند في ذلك ... أعيني جودي بدمع سرب ... على خير خندف لم ينقلب ... تداعى له رهطه غدوة ... بنو هاشم وبنو المطلب ... يذيقونه حد أسيافهم ... يعلونه بعد ما قد عطب ...
ولهذا نذرت هند أن تأكل من كبد حمزة
قلت وعبيدة هذا هو ابن الحارث بن المطلب بن عبد مناف ولما جاؤا به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أضجعوه إلى جانب موقف رسول الله صلى الله عليه و سلم فاشرفه رسول الله صلى الله عليه و سلم قدمه فوضع خده على قدمه الشريفة وقال يا رسول الله لو رآني أبو طالب لعلم أني أحق بقوله ... ونسلمه حتى نصرع دونه ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل ...
ثم مات رضي الله عنه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أشهد أنك شهيد رواه الشافعي رحمه الله وكان أول قتيل من المسلمين في المعركة مهجع مولى عمر بن الخطاب رمن بسهم فقتله قال ابن اسحاق فكان أول من قتل ثم رمن بعده حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فاصاب نحره فمات وثبت في الصحيحين عن أنس أن حارثة بن سراقة قتل يوم بدر وكان في النظارة أصابه سهم غرب فقتله فجاءت أمه فقالت يا رسول الله أخبرني عن حارثة فان كان في الجنة صبرت وإلا فليرين الله ما أصنع يعني من النياح وكانت لم تحرم بعد فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ويحك أهبلت إنها جنان ثمان وان ابنك أصاب الفردوس الاعلى
قال ابن اسحاق ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقال أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل وفي صحيح البخاري عن أبي أسيد قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر إذا أكثبوكم يعني المشركين فارموهم واستبقوا نبلكم وقال البيهقي أخبرنا الحاكم أخبرنا الاصم حدثنا احمد بن عبد الجبار عن يونس ابن بكير عن أبي اسحاق حدثني عبد الله بن الزبير قال جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم شعار المهاجرين يوم بدر يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار الاوس يا بني عبيد الله وسمى خيله خيل الله وقال ابن هشام وكان شعار الصحابة يوم بدر أحد أحد
قال ابن اسحاق ورسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش معه أبو بكر رضي الله عنه يعني وهو يستغيث الله عز و جل كما قال تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بالف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم (3/274)
قال الامام احمد حدثنا أبو نوح قراد ثنا عكرمة بن عمار ثنا سماك الحنفي أبو زميل حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اصحابه وهم ثلاثمائة ونيف ونظر إلى المشركين فاذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي صلى الله عليه و سلم القبلة وعليه رداؤه وازاره ثم قال اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام فلا تعبد بعد في الأرض أبدا فما زال يستغيث بربه ويدعوه حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر فاخذ رداءه فرده ثم التزمه من ورائه ثم قال يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز لك ما وعدك فانزل الله إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بالف من الملائكة مردفين وذكر تمام الحديث كما سيأتي وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وغيرهم من حديث عكرمة بن عمار اليماني وصححه علي ابن المديني والترمذي وهكذا قال غير واحد عن ابن عباس والسدي وابن جرير وغيرهم أن هذه الآية نزلت في دعاء النبي صلى الله عليه و سلم يوم بدر وقد ذكر الاموي وغيره أن المسلمين عجوا الى الله عز و جل في الاستغاثة بجنابة والاتعانة به وقوله تعالى بالف من الملائكة مردفين أي ردفا لكم ومددا لفئتكم رواه العوفي عن ابن عباس وقاله مجاهد وابن كثير وعبد الرحمن بن زيد وغيرهم وقال أبو كدينة عن قابوس عن ابن عباس مردفين وراء كل ملك ملك وفي رواية عنه بهذا الاسناد مردفين بعضهم على اثر بعض وكذا قال أبو ظبيان والضحاك وقتادة وقد روى علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس قال وأمد الله نبيه والمؤمنين بالف من الملائكة وكان جبريل في خمسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة وهذا هو المشهور ولكن قال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا اسحاق ثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثني عبد العزيز بن عمران عن الربعي عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير عن علي قال نزل جبريل في الف من الملائكة على ميمنة النبي صلى الله عليه و سلم وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة على ميسرة النبي صلى الله عليه و سلم وأنا في الميسرة ورواه البيهقي في الدلائل من حديث محمد بن جبير عن علي فزاد ونزل اسرافيل في ألف من الملائكة وذكر أنه طعن يومئذ بالحربة حتى أختضبت إبطه من الدماء فذكر أنه نزلت ثلاثة آلاف من الملائكة وهذا غريب وفي اسناده ضعف ولو صح لكان فيه تقوية لما تقدم من الاقوال ويؤيدها قراءة من قرأ بألف من الملائكة مردفين بفتح الدال والله أعلم وقال البيهقي أخبرنا الحاكم أخبرنا الاصم ثنا محمد بن سنان القزاز ثنا عبيد الله بن عبد المجيد أبو علي الحنفي حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب أخبرني اسماعيل بن عوف بن عبد الله بن أبي رافع عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ثم جئت (3/275)
مسرعا لانظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما فعل قال فجئت فاذا هو ساجد يقول يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم لا يزيد عليها فرجعت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضا فذهبت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضا حتى فتح الله على يده وقد رواه النسائي في اليوم والليلة عن بندار عن عبيد الله بن عبد المجيد أبي علي الحنفي وقال الاعمش عن أبي اسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال ما سمعت مناشدا ينشد أشد من مناشدة محمد صلى الله عليه و سلم يوم بدر جعل يقول اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ثم التفت وكأن شق وجهه القمر وقال كأني أنظر إلى مصارع القوم عشية رواه النسائي من حديث الاعمش به وقال لما التقينا يوم بدر قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فما رأيت مناشدا ينشد حقا له أشد مناشدة من رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكره وقد ثبت إخباره عليه السلام بمواضع مصارع رؤس المشركين يوم بدر في صحيح مسلم عن أنس بن مالك كما تقدم وسيأتي في صحيح مسلم أيضا عن عمر بن الخطاب ومقتضى حديث ابن مسعود أنه أخبر بذلك يوم الوقعة وهو مناسب وفي الحديثين الآخرين عن أنس وعمر ما يدل على أنه أخبر بذلك قبل ذلك بيوم ولا مانع من الجمع بين ذلك بأن يخبر به قبل بيوم وأكثر وان يخبر به قبل ذلك بساعة يوم الوقعة والله أعلم وقد روى البخاري من طرق عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال وهو في قبة له يوم بدر اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا فاخذ أبو بكر بيده وقال حسبك يا رسول الله الححت على ربك فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر وهذه الآية مكية وقد جاء تصديقها يوم بدر كما رواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا حماد عن أيوب عن عكرمة قال لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدب ر قال عمر أي جمع يهزم وأي جمع يغلب قال عمر فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يثب في الدرع وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر فعرفت تأويلها يومئذ وروى البخاري من طريق ابن جريج عن يوسف بن ماهان سمع عائشة تقول نزل على محمد بمكة وإني لجارية العب بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر
قال ابن اسحاق وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد وأبو بكر يقول يا نبي الله بعض مناشدتك ربك فان الله منجز لك ما وعدك وقد خفق النبي صلى الله عليه و سلم [ خفقه ] وهو في العريش ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع يعني الغبار قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الناس فحرضهم وقال والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل (3/276)
صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة قال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء قال ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رحمه الله
وقال الامام احمد حدثنا هاشم بن سليمان عن ثابت عن أنس قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بسبسا عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان فجاء وما في البيت أحد غيري وغير النبي صلى الله عليه و سلم قال لا أدري ما استثنى من بعض نسائه قال فحدثه الحديث قال فخرج رسول الله فتكلم فقال إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضر فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهورهم في علو المدينة قال لا إلا من كان ظهره حاضرا وانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يتقدم ن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والارض قال يقول عمير بن الحمام الانصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والارض قال نعم قال بخ بخ فقال رسول الله ما يحملك على قول بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فانك من أهلها قال فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة قال فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وجماعة عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن سليمان بن المغيرة به وقد ذكر ابن جرير أن عميرا قاتل وهو يقول رضي الله عنه ... ركضا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد ... والصبر في الله على الجهاد ... وكل زاد عرضة النفاد ... غير التقى والبر والرشاد ...
وقال الامام احمد حدثنا حجاج حدثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي قال لما قدمنا المدينة اصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتحيز عن بدر فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا سار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بدر وبدر بئر فسبقنا المشركين اليها فوجدنا فيها رجلين رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط فأما القرشي فانفلت وأما المولى فوجدناه فجعلنا نقول له كم القوم فيقول هم والله كثير عددهم شديد بأسهم فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه حتى انتهوا به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له كم القوم قال هم والله كثير عددهم شديد بأسهم فجهد النبي صلى الله عليه و سلم أن يخبره كم هم فابى ثم أن النبي صلى الله عليه و سلم سأله كم ينحرون من الجزر فقال عشرا كل يوم فقال النبي صلى الله عليه و سلم القوم الف كل جزور لمائة وتبعها ثم إنه أصابنا من (3/277)
الليل طش من مطر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر وبات رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو ربه ويقول اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد فلما طلع الفجر نادى الصلاة عباد الله فجاء الناس من تحت الشجر والحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وحرض على القتال ثم قال إن جمع قريش تحت هذه الضلع الحمراء من الجبل فلما دنا القوم منا وصاففناهم إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير في القوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا علي ناد حمزة وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الاحمر فجاء حمزة فقال هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال ويقول لهم يا قوم أعصبوها برأسي وقولوا جبن عتبة بن ربيعة وقد علمتم أني لست بأجبنكم فسمع بذلك أبو جهل فقال أنت تقول ذلك والله لو غيرك يقوله لاعضضته قد ملأت رئتك جوفك رعبا فقال إياي تعير يا مصفر استه سيعلم اليوم أينا الجبان فبرز عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد حمية فقالوا من يبارز فخرج فتية من الانصار مشببة فقال عتبة لا نريد هؤلاء ولكن نبارز من بني عمنا من بني عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قم يا حمزة وقم يا علي وقم يا عبيدة بن الحارث بن المطلب فقتل الله عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وجرح عبيدة فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين وجاء رجل من الانصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرا فقال العباس يا رسول الله والله إن هذا ما أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق ما أراه في القوم فقال الانصاري أنا أسرته يا رسول الله فقال اسكت فقد أيدك الله بملك كريم قال فاسرنا من بني عبد المطلب العباس وعقيلا ونوفل بن الحارث هذا سياق حسن وفيه شواهد لما تقدم ولما سيأتي وقد تفرد بطوله الامام احمد وروى أبو داود بعضه من حديث اسرائيل به ولما نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من العريش وحرض الناس على القتال والناس على مصافهم صابرين ذاكرين الله كثيرا كما قال الله تعالى آمرا لهم يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا الآية
وقال الاموي حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي اسحاق قال قال الاوزاعي كان يقال قلما ثبت قوم قياما فمن استطاع عند ذلك أن يجلس أو يغض طرفه ويذكر الله رجوت أن يسلم من الرياء وقال عتبة بن ربيعة يوم بدر لاصحابه ألا ترونهم يعني أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم جثيا على الركب كأنهم حرس يتلمظون كما ثثلمظ الحيات أو قال الافاعي قال الاموي في مغازيه وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم حين حرض المسلمين على القتال قد نفل كل امرئ ما أصاب وقال والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل [ فيقتل ] صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة وذكر قصة عمير بن الحمام كما تقدم وقد قاتل بنفسه الكريمة قتالا شديدا ببدنه وكذلك أبو بكر الصديق كما كانا في العريش يجاهدان بالدعاء والتضرع ثم نزلا فحرضا وحثا على القتال وقاتلا بالابدان جمعا (3/278)
بين المقامين الشريفين قال الامام احمد حدثنا وكيع حدثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن حارثة ابن مضرب عن علي قال لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه و سلم وهو أقربنا من العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسا ورواه النسائي من حديث أبي اسحاق عن حارثة عن علي قال كنا إذا حمي البأس ولقي القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه و سلم وقال الامام احمد حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر عن أبي عون عن أبي صالح الحنفي عن علي قال قيل لعلي ولابي بكر رضي الله عنهما يوم بدر مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل واسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل أو يشهد الصف وهذا يشبه ما تقدم من الحديث أن أبا بكر كان في الميمنة ولما تنزل الملائكة يوم بدر تنزيلا كان جبريل على أحد المجنبتين في خمسمائة من الملائكة فكان في الميمنة من ناحية أبي بكر الصديق وكان ميكائيل على المجنبة الاخرى في خمسمائة من الملائكة فوقفوا في الميسرة وكان علي بن أبي طالب فيها [ وفي حديث رواه أبو بعلى من طريق محمد بن جبير بن مطعم عن علي قال كنت أسبح على القليب يوم بدر فجاءت ريح شديدة ثم أخرى ثم أخرى فنزل ميكائيل في الف من الملائكة فوقف على يمين رسول الله صلى الله عليه و سلم وهناك أبو بكر واسرافيل في الف في الميسرة وأنا فيها وجبريل في الف قال ولقد طفت يومئذ حتى بلغ إبطي ] وقد ذكر صاحب العقد وغيره أن أفخر بيت قالته العرب قول حسان بن ثابت ... وببئر بدر إذ يكف مطيهم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد ...
وقد قال البخاري حدثنا اسحاق بن ابراهيم حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة ابن رافع الزرقي عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر قال جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة انفرد به البخاري وقد قال الله تعالى إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق يعني الرؤس واضربوا منهم كل بنان وفي صحيح مسلم من طريق عكرمة بن عمار عن أبي زميل حدثني ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه قد خر مستلقيا فنظر اليه فاذا هو خطم وشق وجهه بضربة السوط وحضر ذلك أجمع فجاء الانصاري فحدث ذاك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين
قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن ابي بكر بن حزم عمن حدثه عن ابن عباس عن رجل من (3/279)
بني غفار قال حضرت أنا وابن عم لي بدرا ونحن على شركنا وإنا لفي جبل ننتظر الوقعة على من تكون الدائرة فأقبلت سحابة فلما دنت من الجبل سمعنا منها حمحمة الخيل وسمعنا قائلا يقول أقدم حيزوم فأما صاحبي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه وأما أنا لكدت أن أهلك ثم انتعشت بعد ذلك وقال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن ابي بكر عن بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك فيه ولا أتمارى فلما نزلت الملائكة ورآها ابليس وأوحى الله اليهم أني معكم فثبتوا الذين آمنوا وتثبتهم أن الملائكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول له أبشروا فانهم ليسوا بشيء والله معكم كروا عليهم
وقال الواقدي حدثني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الملك يتصور في صورة من يعرفون فيقول إني قد دنوت منهم وسمعتهم يقولون لو حملوا علينا ما ثبتنا ليسوا بشيء إلى غير ذلك من القول فذلك قوله إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا الآية ولما رأى ابليس الملائكة نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى مالا ترون وهو في صورة سراقة وأقبل أبو جهل يحرض أصحابه ويقول لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فانه كان على موعد من محمد وأصحابه ثم قال واللات والعزى لا نرجع حتى نفرق محمدا وأصحابه في الجبال فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا وروى البيهقي من طريق سلامة عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال أبو أسيد بعد ما ذهب بصره يا ابن أخي والله لو كنت أنا وأنت ببدر ثم أطلق الله بصري لأريتك الشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة من غير شك ولا تمار وروى البخاري عن ابراهيم بن موسى عن عبد الوهاب عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم بدر هذا جبريل آخذ برأس فرسه وعليه اداة الحرب
وقال الواقدي حدثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس وأخبرني موسى بن محمد بن ابراهيم التيمي عن أبيه وحدثني عابد بن يحيى عن أبي الحويرث عن عمارة بن أكيمة الليثي عن عكرمة عن حكيم بن حزام قالوا لما حضر القتال ورسول الله صلى الله عليه و سلم رافع يديه يسأل الله النصر وما وعده يقول اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك ولا يقوم لك دين وأبو بكر يقول والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك فانزل الله الفا من الملائكة مردفين عند اكتناف العدو قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والارض فلما نزل الى الارض تغيب ساعة ثم طلع وعلى ثناياه النقع يقول أتاك نصر الله إذ دعوته وروى البيهقي عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه قال يا بني لقد رأيتنا يوم (3/280)
بدر وأن أحدنا ليشير إلى رأس مشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل اليه السيف
وقال ابن اسحاق حدثني والدي حدثني رجال من بني مازن عن أبي واقد الليثي قال إني لأتبع رجلا من المشركين لاضربه فوقع رأسه قبل أن يصل اليه سيفي فعرفت أن غيري قد قتله وقال يونس بن بكير عن عيسى بن عبد الله التيمي عن الربيع بن أنس قال كان الناس يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوتة الاعناق وعلى البنان مثل سمة النار وقد احرق به
وقال ابن اسحاق حدثني من لا أتهم عن مقسم عن ابن عباس قال كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد ارخوها على ظهورهم الا جبريل فانه كانت عليه عمامة صفراء وقد قال ابن عباس لم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الايام وكانوا يكونون فيما سواه من الايام عددا ومددا لا يضربون وقال الواقدي حدثني عبد الله بن موسى بن ابي أمية عن مصعب بن عبد الله عن مولى لسهيل بن عمرو سمعت سهيل بن عمرو يقول لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض معلمين يقتلون وياسرون وكان أبو اسيد يحدث بعد أن ذهب بصره قال لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أمتري قال وحدثني خارجة بن ابراهيم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لجبريل من القائل يوم بدر من الملائكة أقدم حيزوم فقال جبريل يا محمد ما كل أهل السماء أعرف
قلت وهذا الاثر مرسل وهو يرد قول من زعم أن حيزوم اسم فرس جبريل كما قاله السهيلي وغيره والله أعلم وقال الواقدي حدثني اسحاق بن يحيى عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال فما أدري كم يد مقطوعة وضربة جائفة لم يدم كلمها قد رأيتها يوم بدر وحدثني محمد بن يحيى عن أبي عقيل عن أبي بردة بن نيار قال جئت يوم بدر بثلاثة ارؤس فوضعتهن بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت أما رأسان فقتلتهما وأما الثالث فاني رأيت رجلا طويلا [ قتله ] فاخذت رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذاك فلان من الملائكة وحدثني موسى بن محمد بن ابراهيم عن أبيه قال كان السائب بن ابي حبيش يحدث في زمن عمر يقول والله ما أسرني أحد من الناس فيقال فمن يقول لما انهزمت قريش انهزمت معها فادركني رجل اشعر طويل على فرس أبيض فاوثقني رباطا وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطا فنادى في العسكر من أسر هذا حتى انتهى بي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من أسرك قلت لا أعرفه وكرهت أن أخبره بالذي رأيت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أسرك ملك من الملائكة اذهب ياابن عوف باسيرك وقال الواقدي حدثني عابد بن يحيى حدثنا أبو الحويرث عن عمارة بن اكيمة عن حكيم بن حزام قال لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بجاد من السماء قد سد الافق فاذا الوادي يسيل نهلا فوقع في نفسي أن هذا شيء من السماء أيد به محمد فما كانت إلا الهزيمة ولقي الملائكة (3/281)
[ وقال اسحاق بن راهويه حدثنا وهب بن جرير بن حازم حدثني أبي عن محمد بن اسحاق حدثني أبي عن جبير بن مطعم قال رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الاسود قد نزل من السماء مثل النمل الاسود فلم اشك أنها الملائكة فلم يكن إلا هزيمة القوم ] ولما تنزلت الملائكة للنصر ورآهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أغفى إغفاءة ثم استيقظ وبشر بذلك أبا بكر وقال أبشر يا أبا بكر هذا جبريل يقود فرسه على ثناياه النقع يعني من المعركة ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من العريش في الدرع فجعل يحرض على القتال ويبشر الناس بالجنة ويشجعهم بنزول الملائكة والناس بعد على مصافهم لم يحملوا على عدوهم حصل لهم السكينة والطمأنينة وقد حصل النعاس الذي هو دليل على الطمأنينة والثبات والايمان كما قال إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وهذا كما حصل لهم بعد ذلك يوم أحد بنص القرآن ولهذا قال ابن مسعود النعاس في المصاف من الايمان والنعاس في الصلاة من النفاق وقال الله تعالى إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين قال الامام احمد حدثنا يزيد ابن هارون ثنا محمد بن اسحاق حدثني الزهري عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال حين التقى القوم اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة فكان هو المستفتح وكذا ذكره ابن اسحاق في السيرة ورواه النسائي من طريق صالح بن كيسان عن الزهري ورواه الحاكم من حديث الزهري أيضا ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
وقال الاموي حدثنا أسباط بن محمد القرشي عن عطية عن مطرف في قوله إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح قال قال أبو جهل اللهم [ أعن ] أعز الفئتين وأكرم القبيلتين وأكثر الفريقين فنزلت إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وقال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم قال أقبلت عير أهل مكة تريد الشام فبلغ ذلك اهل المدينة فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يريدون العير فبلغ ذلك أهل مكة فاسرعوا اليها لكيلا يغلب عليها النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان الله قد وعدهم احدى الطائفتين وكانوا يحبون أن يلقوا العير وسار رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمسلمين يريد القوم وكره القوم مسيرهم لشوكة القوم فنزل النبي صلى الله عليه و سلم والمسلمون وبينهم وبين الماء رملة دعصة فاصاب المسلمون ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذا فأمطر الله عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا فاذهب الله عنهم رجز الشيطان فصار الرمل لبدا ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم وأيد الله نبيه والمؤمنين بالف من (3/282)
الملائكة فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنبة وجاء ابليس في جند الشياطين ومعه ذريته وهم في صورة رجال من بني مدلج والشيطان في صورة سراقة بن جعشم وقال الشيطان للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطف الناس قال أبو جهل اللهم أولانا بالحق فانصره ورفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه فقال يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا فقال له جبريل خذ قبضة من التراب فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فما المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين وأقبل جبريل إلى إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين يده ثم ولى مدبرا وشيعته فقال الرجل يا سراقة أما زعمت أنك لنا جار قال إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب وذلك حين رأى الملائكة رواه البيهقي في الدلائل
[ وقال الطبراني حدثنا مسعدة بن سعد العطار ثنا ابراهيم بن المنذر الحزامي ثنا عبد العزيز بن عمران ثنا هشام بن سعد عن عبد ربه بن سعيد بن قيس الانصاري عن رفاعة بن رافع قال لما رأى أبليس ما فعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص اليه فتشبث به الحارث بن هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك فوكز في صدر الحارث ثم خرج هاربا حتى ألقى نفسه في البحر ورفع يديه فقال اللهم إني أسألك نظرتك إياي وخاف أن يخلص القتل اليه وأقبل أبو جهل فقال يا معشر الناس لا يهولنكم خذلان سراقة بن مالك فإنه كان على ميعاد من محمد ولا يهولنكم قتل شيبة وعتبة والوليد فإنهم قد عجلوا فواللات والعزى لا نرجع حتى نفرقهم بالجبال فلا الفين رجلا منكم قتل رجل ولكن خذوهم أخذا حتى تعرفوهم سوء صنيعهم من مفارقتهم اياكم ورغبتهم عن اللات والعزى ثم قال أبو جهل متمثلا ... ما تنقم الحرب الشموس مني ... بازل عامين حديث سني ... لمثل هذا ولدتني أمي ...
وروى الواقدي عن موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي بكر بن أبي سليمان عن أبي حتمة سمعت مروان بن الحكم يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر فجعل الشيخ يكره ذلك فالح عليه فقال حكيم التقينا فاقتتلنا فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الأرض مثل وقعة الحصاة في الطست وقبض النبي صلى الله عليه و سلم القبضة التراب فرمى بها فانهزمنا قال الواقدي وحدثنا اسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير سمعت نوفل بن معاوية الديلي يقول انهزمنا يوم بدر (3/283)
ونحن نسمع صوتا كوقع الحصى في الطاس في أفئدتنا ومن خلفنا وكان ذلك من أشد الرعب علينا
وقال الاموي حدثنا أبي ثنا ابن أبي اسحاق حدثني الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن أبا جهل حين التقى القوم قال اللهم اقطعنا للرحم وآتانا بمالا نعرف فأحنه الغداة فكان هو المستفتح فبينما هم على تلك الحال وقد شجع الله المسلمين على لقاء عدوهم وقللهم في أعينهم حتى طمعوا فيهم خفق رسول الله صلى الله عليه و سلم خفقة في العريش ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجر بعمامته آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع أتاك نصر الله وعدته وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخذ كفا من الحصى بيده ثم خرج فاستقبل القوم فقال شاهت الوجوه ثم نفحهم بها ثم قال لاصحابه احملوا فلم تكن إلا الهزيمة فقتل الله من قتل من صناديدهم وأسر من أسر منهم وقال زياد عن ابن اسحاق ثم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا ثم قال شاهت الوجوه ثم نفحهم بها وأمر أصحابه فقال شدوا فكانت الهزيمة فقتل الله من قتل من صناديد قريش واسر من أسر من أشرافهم وقال السدي الكبير قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي يوم بدر أعطني حصباء من الارض فناوله حصباء عليها تراب فرمى به وجوه القوم فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء ثم ردفهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم وأنزل الله في ذلك فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وهكذا قال عروة وعكرمة ومجاهد ومحمد بن كعب ومحمد بن قيس وقتادة وابن زيد وغيرهم ان هذه الآية نزلت في ذلك يوم بدر وقد فعل عليه السلام مثل ذلك في غزوة حنين كما سيأتي في موضعه إذا انتهينا اليه إن شاء الله وبه الثقة وذكر ابن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حرض أصحابه على القتال ورمى المشركين بما رماهم به من التراب وهزمهم الله تعالى صعد الى العريش أيضا ومعه أبو بكر ووقف سعد بن معاذ ومن معه من الانصار على باب العريش ومعهم السيوف خيفة أن تكر راجعة من المشركين إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق ولما وضع القوم أيديهم يأسرون رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما ذكر لي في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال له كأني بك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله باهل الشرك فكان الاثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال قال ابن اسحاق وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لاصحابه يومئذ إني قد عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن اسد فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يقتله فانه إنما خرج مستكرها فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة أنقتل (3/284)
آباءنا وابناءنا واخواننا ونترك العباس والله لئن لقيته لالحمنه بالسيف فبلغت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لعمر يا أبا حفص قال عمر والله إنه لاول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بابي حفص ايضرب وجه عم رسول الله بالسيف فقال عمر يا رسول الله دعني فلاضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق فقال أبو حذيفة ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا رضي الله عنه
مقتل ابي البختري بن هشام
قال ابن اسحاق وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قتل أبي البختري لانه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بمكة كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه وكان ممن قام في نقض الصحيفة فلقيه المجذر بن ذياد البلوي حليف الانصار فقال له إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهانا عن قتلك ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة وهو جنادة بن مليحة وهو من بني ليث قال وزميلي فقال له المجذر لا والله ما نحن بتاركي زميلك ما أمرنا رسول الله إلا بك وحدك قال لا والله إذا لأموتن أنا وهو جميعا لا يتحدث عني نساء قريش بمكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة وقال أبو البختري وهو ينازل المجذر ... لن يترك ابن حرة زميله ... حتى يموت أو يرى سبيله ... قال فاقتتلا فقتله المجذر بن ذياد وقال في ذلك ... إما جهلت أو نسيت نسبي ... فأثبت النسبة إني من بلي ... الطاعنين برماح البزني ... والطاعنين الكبش حتى ينحني ... بشر بيتم من أبوه البختري ... أو بشرن بمثلها مني بني ... أنا الذي يقال أصلي من بلي ... أطعن بالصعدة حتى تنثني ... وأعبط القرن بعصب مشرفي ... أرزم للموت كإرزام المري ... فلا يرى مجذرا يفري فري ...
ثم أتى المجذر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستائر فآتيك به فأبى إلا أن يقاتلني فقاتلته فقتلته
فصل في مقتل أمية بن خلف
قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه وحدثنيه أيضا عبد الله (3/285)
ابن أبي بكر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف قال كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة وكان اسمي عبد عمرو فتسميت حين اسلمت عبد الرحمن فكان يلقاني ونحن بمكة فيقول يا عبد عمرو ارغبت عن اسم سماكه أبوك قال فأقول نعم قال فاني لا اعرف الرحمن فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به أما أنت فلا تجيبني باسمك الاول وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف قال وكان إذا دعاني يا عبد عمرو لم أجبه قال فقلت له يا أبا علي اجعل ما شئت قال فانت عبد الاله قال قلت نعم قال فكنت اذا مررت به قال يا عبد الاله فأجيبه فاتحدث معه حتى إذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علي وهو آخذ بيده قال ومعي أدراع لي قد استلبتها فأنا أحملها فلما رآني قال يا عبد عمرو فلم أجبه فقال يا عبد الاله فقلت نعم قال هل لك في فأنا خير لك من هذه الادراع التي معك قال قلت نعم ها الله قال فطرحت الادراع من يدي وأخذت وبيد وبيد ابنه وهو يقول ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجة في اللبن ثم خرجت أمشي بهما قال ابن اسحاق حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن ابراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال قال لي أمية ابن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذا بأيديهما يا عبد الاله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره قال قلت حمزة قال ذاك الذي فعل بنا الافاعيل قال عبد الرحمن فوالله إني لاقودهما إذ رآه بلال معي وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة علا الاسلام فلما رآه قال رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال قلت أي بلال أسيري قال لا نجوت إن نجا قال ثم صرخ باعلا صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة فأنا أذب عنه قال فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط قال قلت أنج بنفسك ولا نجاء فوالله ما أغنى عنك شيئا قال فهبروهما باسيافهم حتى فرغوا منهما قال فكان عبد الرحمن يقول يرحم الله بلالا فجعني بادراعي وباسيري وهكذا رواه البخاري في صحيحه قريبا من هذا السياق فقال في الوكالة حدثنا عبد العزيز هو ابن عبد الله حدثنا يوسف هو ابن الماجشون عن صالح بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف قال كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة فلما ذكرت الرحمن قال لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية فكاتبته عبد عمرو فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لاحرزه حين نام الناس فابصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس [ من ] الانصار فقال امية بن خلف لا نجوت إن نجا أمية بن خلف فخرج (3/286)
معه فريق من الانصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لاشغلهم فقتلوه ثم أتوا حتى تبعونا وكان رجلا ثقيلا فلما أدركونا قلت له أبرك فبرك فالقيت عليه نفسي لامنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه وأصاب أحدهم رجلي بسيفه فكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك في ظهر قدمه سمع يوسف صالحا وابراهيم أباه تفرد به البخاري من بينهم كلهم وفي مسند رفاعة بن رافع أنه هو الذي قتل أمية بن خلف
مقتل أبي جهل لعنه الله
قال ابن هشام واقبل أبو جهل يومئذ يرتجز ويقول ... ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سني ... لمثل هذا ولدتني أمي ...
قال ابن اسحاق ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من عدوه أمر بابي جهل أن يلتمس في القتلى وكان أول من لقي أبا جهل كما حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس وعبد الله بن أبي بكر أيضا قد حدثني ذلك قالا قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة وهم يقولون أبو الحكم لا يخلص اليه فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها قال وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي واجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لاسحبها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها قال ابن اسحاق ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان ثم مر بابي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وتركه وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بابي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يلتمس في القتلى وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني أنظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح في ركبته فاني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت اشف منه بيسير فدفعته فوقع على ركبته فحجش في أحدهما جحشا لم يزل أثره به قال ابن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه قال وقد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني ولكزني (3/287)
ثم قلت له هل أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزاني قال اعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة اليوم قال قلت لله ولرسوله
قال ابن اسحاق وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول قال لي لقد ارتقيت مرتقى صعبا يارويعي الغنم قال ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله فقال لله الذي لا إله غيره وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت نعم والله الذي لا إله غيره ثم القيت رأسه بين يدي رسول الله فحمد الله هكذا ذكر ابن اسحاق رحمه الله وقد ثبت في الصحيحين من طريق يوسف بن يعقوب بن الماجشون عن صالح بن ابراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال إني لواقف يوم بدر في الصف فنظرت عن يميني وشمالي فاذا أنا بين غلامين من الانصار حديثة اسنانهما فتمنيت أن أكون بين أظلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم أتعرف أبا جهل فقلت نعم وما حاجتك اليه قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الا عجل منا فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال لي أيضا مثلها فلم انشب أن نظرت إلى ابي جهل وهو يجول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكم الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فاخبراه فقال أيكما قتله قال كل منهما أنا قتلته قال هل مسحتما سيفيكما قالا لا قال فنظر النبي صلى الله عليه و سلم في السيفين فقال كلاهما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والآخر معاذ بن عفراء وقال البخاري حدثنا يعقوب بن ابراهيم ثنا ابراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال قال عبد الرحمن إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فاذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه يا عم أرني أبا جهل فقلت يا ابن أخي ما تصنع به قال عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه وقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله قال فما سرني أنني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما اليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من ينظر ماذا صنع أبو جهل قال ابن مسعود أنا يا رسول الله فانطلق فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال فأخذ بلحيته قال فقلت أنت ابو جهل فقال وهو فوق رجل قتلتموه أو قال قتله قومه وعند البخاري عن أبي سلمة عن اسماعيل ابن قيس عن ابن مسعود أنه أتى أبا جهل فقال هل أخزاك الله فقال هل أعمد من رجل قتلتموه وقال الاعمش عن أبي اسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع وعليه بيضة ومعه سيف جيد ومعي سيف رديء فجعلت أنقف رأسه بسيفي وأذكر نقفا كان ينقف (3/288)
رأسي بمكة حتى ضعفت يده فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال على من كانت الدائرة لنا أو علينا ألست رويعينا بمكة قال فقتلته ثم أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت قتلت ابا جهل فقال الله الذي لا إله إلا هو فاستحلفني ثلاث مرات ثم قام معي اليهم فدعا عليهم
وقال الامام احمد حدثنا وكيع ثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن أبي عبيدة قال قال عبد الله انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو يذب الناس عنه بسيف له فقلت الحمد الله الذي أخزاك الله يا عدو الله قال هل هو إلا رجل قتله قومه فجعلت أتناوله بالسيف لي غير طائل فاصبت يده فندر سيفه فاخذته فضربته حتى قتلته قال ثم خرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه و سلم كأنما أقل من الأرض فأخبرته فقال لله الذي لا إله إلا هو فرددها ثلاثا قال قلت الله الذي لا إله إلا هو قال فخرج يمشي معي حتى قام عليه فقال الحمد لله الذي قد أخزاك الله يا عدو الله هذا فرعون هذه الأمة وفي رواية أخرى قال ابن مسعود فنفلني سيفه وقال أبو اسحاق الفزاري عن الثوري عن أبي اسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر فقلت قد قتلت أبا جهل فقال آلله الذي لا إله إلا هو فقال الله الذي لا إله إلا هو مرتين أو ثلاثا قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم الله أكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم قال انطلق فأرنيه فانطلقت فأريته فقال هذا فرعون هذه الأمة ورواه أبو داود والنسائي من حديث أبي اسحاق السبيعي به وقال الواقدي وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم على مصرع ابني عفراء فقال رحم الله ابني عفراء فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس ائمة الكفر فقيل يا رسول الله ومن قتله معهما قال الملائكة وابن مسعود قد شرك في قتله رواه البيهقي
[ وقال البيهقي أخبرنا الحاكم أخبرنا الاصم حدثنا احمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن عنبسة بن الازهر عن أبي اسحاق قال لما جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم البشير يوم بدر بقتل أبي جهل استحلفه ثلاثة أيمان بالله الذي لا إله إلا هو لقد رايته قتيلا فحلف له فخر رسول الله صلى الله عليه و سلم ساجدا ] ثم روى البيهقي من طريق أبي نعيم عن سلمة بن رجاء عن الشعثاء امرأة من بني أسد عن عبد الله ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى ركعتين حين بشر بالفتح وحين جيء برأس أبي جهل وقال ابن ماجه حدثنا أبو بشر بكر بن خلف حدثنا سلمة بن رجاء قال حدثتني شعثاء عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا أبي حدثنا هشام أخبرنا خالد عن الشعبي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم إني مررت ببدر فرأيت رجلا يخرج من الارض فيضربه رجل بمقمعة معه حتى يغيب في (3/289)
الارض ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك مرارا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذاك أبو جهل بن هشام يعذب الى يوم القيامة وقال الاموي في مغازيه سمعت أبي ثنا المجالد بن سعيد عن عامر قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إني رأيت رجلا جالسا في بدر ورجل يضرب رأسه بعمود من حديد حتى يغيب في الارض فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذاك أبو جهل وكل به ملك يفعل به كلما خرج فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة وقال البخاري حدثنا عبيد بن اسماعيل ثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال قال الزبير لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه الا عيناه وهو يكنى أبا ذات الكرش فقال أنا أبو ذات الكرش فحملت عليه بعنزة فطعنته في عينه فمات قال هشام فأخبرت أن الزبير قال لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفاها قال عروة فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه إياها فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذها ثم طلبها أبو بكر فاعطاه إياها فلما قبض أبو بكر سأله إياه عمر بن الخطاب فأعطاه إياها فلما قبض عمر أخذها ثم طلبها عثمان منه فأعطاه اياها فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل وقال ابن هشام حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص ومر به إني أراك كأن في نفسك شيئا أراك تظن أني قتلت اباك إني لو قتلته لم أعتذر اليك من قتله ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة فاما أبوك فاني مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه فحدث عند وقصد له ابن عمه علي فقتله
قال ابن اسحاق وقاتل عكاشة بن محصن بن حرثان الاسدي حليف بني عبد شمس يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعطاه جذلا من حطب فقال قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه و سلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون ثم لم يزل عنده يشهد به الشاهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قتله طليحة الاسدي أيام الردة وأنشد طليحة في ذلك قصيدة منها قوله ... عشية غادرت ابن أقرم ثاويا ... وعكاشة الغنمي عند مجال ...
وقد أسلم بعد ذلك طليحة كما سيأتي بيانه قال ابن اسحاق وعكاشة هو الذي قال حين بشر رسول الله صلى الله عليه و سلم أمته بسبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب أدع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعله منهم وهذا الحديث مخرج في الصحاح والحسان وغيرهما قال ابن اسحاق وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني منا خير فارس في العرب قالوا ومن هو يا رسول الله قال عكاشة بن محصن فقال ضرار بن الازور ذاك رجل منا يا رسول الله قال ليس منكم ولكنه (3/290)
منا للحلف وقد روى البيهقي عن الحاكم من طريق محمد بن عمر الواقدي حدثني عمر بن عثمان الخشني عن أبيه عن عمته قالت قال عكاشة بن محصن انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم عودا فاذا هو سيف أبيض طويل فقاتلت به حتى هزم الله المشركين ولم يزل عنده حتى هلك وقال الواقدي وحدثني أسامة بن زيد عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الاشهل عدة قالوا انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال اضرب به فإذا سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيدة
رده عليه السلام عين قتادة
قال البيهقي في الدلائل أخبرنا أبو سعد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي حدثنا أبو يعلى حدثنا يحيى الحماني ثنا عبد العزيز بن سليمان بن الغسيل عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها فسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا فدعاه فغمز حدقته براحته فكان لا يدري أي عين أصيب وفي رواية فكانت أحسن عينيه وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه لما أخبره بهذا الحديث عاصم بن عمر بن قتادة وأنشد مع ذلك ... أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أيما رد ...
فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عند ذلك منشدا قول أمية بن ابي الصلت في سيف بن ذي يزن فأنشده عمر في موضعه حقا
... تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا ... فصل قصة اخرى شبيهة بها
قال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد بن صالح أخبرنا الفضل بن محمد الشعراني حدثنا ابراهيم بن المنذر أخبرنا عبد العزيز بن عمران حدثني رفاعة بن يحيى عن معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه بن مالك قال لما كان يوم بدر تجمع الناس على أبي بن خلف فأقبلت اليه فنظرت إلى قطعة من درعه قد انقطعت من تحت ابطه قال فطعنته بالسيف فيها طعنة ورميت بسهم يوم بدر ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ودعا لي فما أذاني منها شيء وهذا غريب من هذا الوجه واسناده جيد ولم يخرجوه ورواه الطبراني من حديث ابراهيم بن المنذر قال ابن (3/291)
هشام ونادى أبو بكر ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين لم يسلم بعد فقال اين مالي يا خبيث فقال عبد الرحمن ... لم يبق إلا شكة ويعبوب ... صارم يقتل ضلال الشيب ...
يعني لم يبق إلا عدة الحرب وحصان وهو اليعبوب يقاتل عليه شيوخ الضلالة هذا يقوله في حال كفره وقد روينا في مغازي الاموي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل يمشي هو وأبو بكر الصديق بين القتلى ورسول الله صلى الله عليه و سلم يقول نفلق هاما فيقول الصديق
... من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما ... طرح رؤوس الكفر في بئر يوم بدر
قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها فذهبوا ليخرجوه فتزايل [ لحمه ] فاقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة فلما ألقاهم في القليب وقف عليهم فقال يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فاني قد وجدت ما وعدني ربي حقا قالت فقال له أصحابه يا رسول الله أتكلم قوما موتى فقال لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق قالت عائشة والناس يقولون لقد سمعوا ما قلت لهم وإنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد علموا قال ابن اسحاق وحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال سمع أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم رسول الله من جوف الليل وهو يقول يا أهل القليب يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام فعدد من كان منهم في القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فاني قد وجدت ما وعدني ربي حقا فقال المسلمون يا رسول الله صلى الله عليه و سلم اتنادي قوما قد جيفوا فقال ما أنتم باسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وقد رواه الامام احمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس فذكر نحوه وهذا على شرط الشيخين قال ابن اسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فاني قد وجدت ما وعدني ربي حقا
قلت وهذا مما كانت عائشة رضي الله عنها تتأوله من الاحاديث كما قد جمع ما كانت تتأوله من الاحاديث في جزء وتعتقد أنه معارض لبعض الآيات وهذا المقام مما كانت تعارض فيه قوله وما أنت بمسمع من في القبور وليس هو بمعارض له والصواب قول الجمهور من الصحابة ومن بعدهم (3/292)
للاحاديث الدالة نصا على خلاف ما ذهبت اليه رضي الله عنها وأرضاها وقال البخاري حدثنا عبيد ابن اسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال ذكر عند عائشة أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم أن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله فقالت رحمه الله إنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن قالت وذاك مثل قوله إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال قال انهم ليسمعون ما أقول وإنما قال إنهم الآن ليعلمون إنما كنت أقول لهم حق ثم قرأت إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور تقول حين تبوؤا مقاعدهم في النار وقد رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة به وقد جاء التصريح بسماع الميت بعد دفنه في غير ما حديث كما سنقرر ذلك في كتاب الجنائز من الاحكام الكبير إن شاء الله ثم قال البخاري حدثني عثمان ثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر قال وقف النبي صلى الله عليه و سلم على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ثم قال انهم الآن يسمعون ما أقول لهم وذكر لعائشة فقالت إنما قال النبي صلى الله عليه و سلم إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت إنك لا تسمع الموتى حتى قرأت الآية وقد رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة وعن أبي بكر بن ابي شيبة عن وكيع كلاهما عن هشام بن عروة وقال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد سمع روح بن عبادة ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر يوم بدر باربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان اذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على شفى الركى فجعل يناديهم بأسمائهم واسماء آبائهم يا فلان ابن فلان ويا فلان بن فلان يسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فقال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال النبي صلى الله عليه و سلم والذي نفس محمد بيده ما أنتم باسمع لما أقول منهم قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن سعيد بن أبي عروبة ورواه الامام احمد عن يونس بن محمد المؤدب عن شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قال حدث أنس بن مالك فذكر مثله فلم يذكر أبا طلحة وهذا اسناد صحيح ولكن الأول أصح وأظهر والله أعلم وقال الامام احمد حدثنا عفان ثنا حماد عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك قتلى بدر ثلاثة أيام حتى جيفوا ثم أتاهم فقام عليهم فقال يا أمية بن خلف يا أبا جهل بن هشام يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فاني قد وجدت (3/293)
ما وعدني ربي حقا قال فسمع عمر صوته فقال يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون يقول الله تعالى إنك لا تسمع الموتى فقال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا ورواه مسلم عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة به وقال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت ... عرفت ديار زينب بالكثيب ... كخط الوحي في الورق القشيب ... تداولها الرياح وكل جون ... من الوسمي منهمر سكوب ... فامسى رسمها خلقا وأمست ... يبابا بعد ساكنها الحبيب ... فدع عنك التذكر كل يوم ... ورد حرارة القلب الكئيب ... وخبر بالذي لا عيب فيه ... بصدق غير اخبار الكذوب ... بما صنع المليك غداة بدر ... لنا في المشركين من النصيب ... غداة كأن جمعهم حراء ... بدت أركانه جنح الغروب ... فلاقيناهم منا بجمع ... كأسد الغاب مردان وشيب ... أمام محمد قد وازروه ... على الاعداء في لفح الحروب ... بأيديهم صوارم مرهفات ... وكل مجرب خاطي الكعوب ... بنو الأوس الغطارف وآزرتها ... بنو النجار في الدين الصليب ... فغادرنا أبا جهل صريعا ... وعتبة قد تركنا بالجبوب ... وشيبة قد تركنا في رجال ... ذوي حسب إذا نسبوا حسيب ... يناديهم رسول الله لما ... قذفناهم كباكب في القليب ... ألم تجدوا كلامي كان حقا ... وأمر الله يأخذ بالقلوب ... فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا ... صدقت وكنت ذا رأي مصيب ...
قال ابن اسحاق ولما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يلقوا في القليب أخذ عتبة بن ربيعة فسحب في القليب فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني في وجه أبي حذيفة بن عتبة فاذا هو كئيب قد تغير لونه فقال يا حذيفة لعلك قد دخلت من شأن أبيك شيء أو كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك للاسلام فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بخير وقال له خيرا وقال البخاري حدثنا (3/294)
الحميدي حدثنا سفيان ثنا عمرو عن عطاء عن ابن عباس الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال هم والله كفار قريش قال عمرو هم قريش ومحمد نعمة الل ه وأحلوا قومهم دار البوار قال النار يوم بدر قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت ... قومي الذين هم آووا نبيهم ... وصدقوه وأهل الارض كفار ... إلا خصائص اقوام هم سلف ... للصالحين من الانصار أنصار ... مستبشرين بقسم الله قولهم ... لما أتاهم كريم الأصل مختار ... اهلا وسهلا ففي أمن وفي سعة ... نعم النبي ونعم القسم والجار ... [ فأنزلوه بدار لا يخاف بها ... من كان جارهم دارا هي الدار ] ... وقاسموهم بها الاموال إذ قدموا ... مهاجرين وقسم الجاحد النار ... سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا ... دلاهم بغرور ثم أسلمهم ... إن الخبيث لمن والاه غرار ... وقال إني لكم جار فأوردهم ... شر الموارد فيه الخزي والعار ... ثم التقينا فولوا عن سراتهم ... من منجدين ومنهم فرقة غاروا ...
وقال الامام احمد حدثنا يحيى بن ابي بكر وعبد الرزاق قالا حدثنا اسرائيل عن عكرمة عن ابن عباس قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من القتلى قيل له عليك العير ليس دونها شيء فناداه العباس وهو في الوثاق إنه لا يصلح لك قال لم قال لان الله وعدك احدى الطائفتين وقد أنجز لك ما وعدك وقد كانت جملة من قتل من سراة الكفار يوم بدر سبعين هذا مع حضور الف من الملائكة وكان قدر الله السابق فيمن بقي منهم أن سيسلم منهم بشر كثير ولو شاء الله لسلط عليهم ملكا واحدا فاهلكهم عن آخرهم ولكن قتلوا من لا خير فيه بالكلية وقد كان في الملائكة جبريل الذي أمره الله تعالى فاقتلع مدائن قوم لوط وكن سبعا فيهن من الامم والدواب والاراضي والمزروعات ما لا يعلمه إلا الله فرفعهن حتى بلغ بهن عنان السماء على طرف جناحه ثم قلبهن منكسات واتبعهن بالحجارة التي سومت لهم كما ذكرنا ذلك في قصة قوم لوط كما تقدم
وقد شرع الله جهاد المؤمنين للكافرين وبين تعالى حكمه في ذلك فقال فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض الآية وقال تعالى قاتلوهم (3/295)
يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء الآية فكان قتل أبي جهل على يدي شاب من الانصار ثم بعد ذلك يوقف عليه عبد الله بن مسعود ومسك بلحيته وصعد على صدره حتى قال له لقد رقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم ثم بعد هذا حز رأسه واحتمله حتى وضعه بين يدي رسول الله فشفى الله به قلوب المؤمنين كان هذا أبلغ من أن تأتيه صاعقة أو أن يسقط عليه سقف منزله أو يموت حتف أنفه والله أعلم
وقد ذكر ابن اسحاق فيمن قتل يوم بدر مع المشركين فيمن قتل يوم بدر مع المشركين ممن كان مسلما ولكنه خرج معهم تقية منهم لانه كان فيهم مضطهدا قد فتنوه عن إسلامه جماعة منهم الحارث بن زمعة بن الاسود وأبو قيس بن الفاكه [ وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ] وعلي بن امية بن خلف والعاص بن منبه بن الحجاج قال وفيهم نزل قوله تعالى الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا وكان جملة الاسارى يومئذ سبعين أسيرا كما سيأتي الكلام عليهم فيما بعد إن شاء الله منهم من آل رسول الله صلى الله عليه و سلم عمه العباس بن عبد المطلب وابن عمه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ابن عبد المطلب وقد استدل الشافعي والبخاري وغيرهما بذلك على أنه ليس كل من ملك ذا رحم محرم يعتق عليه وعارضوا به حديث الحسن عن ابن سمرة في ذلك فالله أعلم وكان فيهم أبو العاص ابن الربيع بن عبد شمس بن امية زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه و سلم فصل
وقد اختلف الصحابة في الاسارى أيقتلون أو يفادون على قولين كما قال الامام احمد حدثنا علي بن عاصم عن حميد عن أنس وذكر رجل عن الحسن قال استشار رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس في الاسارى يوم بدر فقال إن الله قد أمكنكم منهم قال فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم قال فاعرض عنه النبي صلى الله عليه و سلم ثم عاد النبي فقال للناس مثل ذلك فقام أبو بكر الصديق فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل منهم الفداء قال وأنزل الله تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم الآية انفرد به احمد وقد روى الامام احمد واللفظ له ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه وكذا علي بن المديني وصححه من حديث عكرمة بن عمار حدثنا سماك الحنفي أبو زميل حدثني (3/296)
ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أصحابه يوم بدر وهم ثلاثمائة ونيف ونظر الى المشركين فاذا هم ألف وزيادة فذكر الحديث كما تقدم الى قوله فقتل منهم سبعون رجلا وأسرمنهم سبعون رجلا واستشار رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر وعليا وعمر فقال أبو بكر يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والاخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ترى يا ابن الخطاب قال قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكني من فلان قريب لعمر فاضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان اخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر فغدوت الى النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وهما يبكيان فقلت يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فان وجدت بكاء بكيت وان لم اجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء قد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة وأنزل الله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم من الفداء ثم أحل لهم الغنائم وذكر تمام الحديث
وقال الامام احمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن عمرو بن مرة عن عبيدة عن عبد الله قال لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما تقولون في هؤلاء الاسرى قال فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم قال وقال عمر يا رسول الله أخرجوك وكذبوك قربهم فاضرب أعناقهم قال وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله أنظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارا قال فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يرد عليهم شيئا فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس يأخذ بقول عمر وقال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة فخرج عليهم فقال إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون الين من اللين وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر كمثل ابراهيم قال فمن تبعنى فانه ومن عصانى فانك غفور رحيم مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم أنتم عالة فلا يبقين أحد إلا بفداء أو ضربة عنق (3/297)
قال عبد الله فقلت يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فاني قد سمعته يذكر الاسلام قال فسكت قال فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال إلا سهيل بن بيضاء قال فانزل الله ما كان لنبي أن يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم إلى آخر الآيتين وهكذا رواه الترمذي والحاكم من حديث أبي معاوية وقال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه ورواه ابن مردويه من طريق عبد الله بن عمر وأبي هريرة بنحو ذلك وقد روى عن أبي أيوب الانصاري بنحوه وقد روى ابن مردويه والحاكم في المستدرك من حديث عبيد الله بن موسى حدثنا اسرائيل عن ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر قال لما أسر الاسارى يوم بدر اسر العباس فيمن اسر أسره رجل من الانصار قال وقد أوعدته الانصار أن يقتلوه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس وقد زعمت الانصار أنهم قاتلوه قال عمر أفآتيهم قال نعم فأتى عمر الانصار فقال لهم ارسلوا العباس فقالوا لا والله لا نرسله فقال لهم عمر فان كان لرسول الله رضي قالوا فان كان له رضى فخذه فاخذه عمر فلما صار في يده قال له عمر يا عباس أسلم فوالله لئن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه اسلامك قال واستشار رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر فقال أبو بكر عشيرتك فارسلهم واستشار عمر فقال اقتلهم ففاداهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فانزل الله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض الآية ثم قال الحاكم في صحيحه هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال خير أصحابك في الاسارى إن شاؤا الفداء وإن شاؤا القتل على أن يقتل عاما قابلا منهم مثلهم قالوا الفداء أو يقتل منا وهذا حديث غريب جدا ومنهم من رواه مرسلا عن عبيدة والله أعلم وقد قال ابن اسحاق عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس في قوله لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم يقول لولا أني لا أعذب من عصاني حتى اتقدم اليه لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم وهكذا روي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضا واختاره ابن اسحاق وغيره وقال الاعمش سبق منه أن لا يعذب أحدا شهد بدرا وهكذا روي عن سعد ابن أبي وقاص وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وقال مجاهد والثوري لولا كتاب من الله سبق أي لهم بالمغفرة وقال الوالبي عن ابن عباس سبق في أم الكتاب الاول أن المغانم وفداء الاسارى حلال لكم ولهذا قال بعده فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا وهكذا روى عن أبي هريرة وابن مسعود وسعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة والاعمش واختاره ابن جرير وقد ترجح هذا (3/298)
القول بما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الانبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا وحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الى قومه وبعثت الى الناس عامة وروى الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم لم تحل الغنائم لسود الرؤوس غيرنا ولهذا قال تعالى فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فاذن الله تعالى في أكل الغنائم وفداء الاسارى وقد قال أبو داود حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العبسي ثنا سفيان بن حبيب ثنا شعبة عن أبي العنبس عن أبي الشعثاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة وهذا كان أقل ما فودي به أحد منهم من المال وأكثر ما فودي به الرجل منهم أربعة آلاف درهم وقد وعد الله من آمن منهم بالخلف عما أخذ منه في الدنيا والآخرة فقال تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبهم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم الآية وقال الوالبي عن ابن عباس نزلت في العباس ففادى نفسه بالاربعين اوقية من ذهب قال العباس فآتاني الله أربعين عبدا يعني كلهم يتجر له قال وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله جل ثناؤه وقال ابن اسحاق حدثني العباس بن عبد الله بن مغفل عن بعض أهله عن ابن عباس قال لما أمسى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر والاسارى محبوسون بالوثاق بات النبى صلى الله عليه و سلم ساهرا أول الليل فقال له أصحابه مالك لا تنام يا رسول الله فقال سمعت انين عمي العباس في وثاقه فاطلقوه فسكت فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق وكان رجلا موسرا ففادى نفسه بمائة أوقية من ذهب قلت وهذه المائة كانت عن نفسه وعن ابني أخويه عقيل ونوفل وعن حليفه عتبة بن عمرو أحد بني الحارث بن فهر كما أمره بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم حين ادعى أنه كان قد أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أما ظاهرك فكان علينا والله أعلم باسلامك وسيجزيك فادعى أنه لا مال عنده قال فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل وقلت لها إن أصبت في سفري فهذا لبني الفضل وعبد الله وقثم فقال والله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا شيء ما علمه إلا أنا وأم الفضل رواه ابن اسحاق عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس وثبت في صحيح البخاري من طريق موسى بن عقبة قال الزهري حدثني أنس بن مالك قال إن رجالا من الانصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا ايذن لنا فلنترك لابن اختنا العباس فداءه فقال لا والله لا تذرون منه درهما قال البخاري وقال ابراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد فكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاءه العباس (3/299)
فقال يا رسول الله أعطني إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا فقال خذ فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت علي قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم وثم منها درهم وقال البيهقي أخبرنا الحاكم أخبرنا الاصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس عن أسباط بن نصر عن اسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال كان فداء العباس وابني اخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب كل رجل أربعمائة دينار ثم توعد تعالى الآخرين فقال وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فامكن منهم والله عليم حكيم فصل
والمشهور أن الاسارى يوم بدر كانوا سبعين والقتلى من المشركين سبعين كما ورد في غير ما حديث مما تقدم وسيأتي ان شاء الله وكما في حديث البراء بن عازب في صحيح البخاري أنهم قتلوا يوم بدر سبعين وأسروا سبعين وقال موسى بن عقبة قتل يوم بدر من المسلمين من قريش ستة ومن الانصار ثمانية وقتل من المشركين تسعة وأربعين وأسر منهم تسعة وثلاثين هكذا رواه البيهقي عنه قال وهكذا ذكر ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة في عدد من استشهد من المسلمين وقتل من المشركين ثم قال أخبرنا الحاكم أخبرنا الاصم أخبرنا احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق قال واستشهد من المسلمين يوم بدر أحد عشر رجلا أربعة من قريش وسبعة من الانصار وقتل من المشركين بضعة وعشرون رجلا وقال في موضع آخر وكان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعون أسيرا وكانت القتلى مثل ذلك ثم روى البيهقي من طريق أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن عقيل عن الزهري قال وكان أول قتيل من المسلمين مهجع مولى عمر ورجل من الانصار وقتل يومئذ من المشركين زيادة على سبعين وأسر منهم مثل ذلك قال ورواه ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة بن الزبير قال قال البيهقي وهو الاصح فيما رويناه في عدد من قتل من المشركين وأسر منهم ثم استدل على ذلك بما ساقه هو والبخاري أيضا من طريق أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال امر رسول الله صلى الله عليه و سلم على الرماة يوم أحد عبد الله ابن جبير فأصابوا منا سبعين وكان النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه قد أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا قلت والصحيح أن جملة المشركين كانوا ما بين التسعمائة إلى الالف وقد صرح قتادة بانهم كانوا تسعمائة وخمسين رجلا وكأنه اخذه من هذا الذي ذكرناه والله (3/300)
أعلم وفي حديث عمر المتقدم أنهم كانوا زيادة على الالف والصحيح الاول لقوله عليه السلام القوم ما بين التسعمائة إلى الالف وأما الصحابة يومئذ فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا كما سيأتي التنصيص على ذلك وعلى أسمائهم إن شاء الله وتقدم في حديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن وقعة بدر كانت يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان وقاله أيضا عروة بن الزبير وقتادة واسماعيل والسدي الكبير وأبو جعفر الباقر وروى البيهقي من طريق قتيبة عن جرير عن الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عبد الله بن مسعود في ليلة القدر قال تحروها لاحدى عشرة بقين فإن صبيحتها يوم بدر قال البيهقي وروى عن زيد بن أرقم أنه سئل عن ليلةالقدر فقال ليلة تسع عشرة ما شك وقال يوم الفرقان يوم التقى الجمعان قال البيهقي والمشهور عن أهل المغازي أن ذلك لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ثم قال البيهقي أخبرنا أبو الحسين بن بشران حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن اسحاق ثنا أبو نعيم ثنا عمرو بن عثمان سمعت موسى بن طلحة يقول سئل أبو ايوب الانصاري عن يوم بدر فقال إما لسبع عشرة خلت أو لثلاث عشرة خلت أو لإحدى عشرة بقيت وأما لسبع عشرة بقيت وهذا غريب جدا
[ وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة قباث بن أشيم الليثي من طريق الواقدي وغيره باسنادهم اليه أنه شهد يوم بدر مع المشركين فذكر هزيمتهم مع قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وجعلت أقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء والله لو خرجت نساء قريش بالها ردت محمدا وأصحابه فلما كان بعد الخندق قلت لو قدمت المدينة فنظرت إلى ما يقول محمد وقد وقع في نفسي الاسلام قال فقدمتها فسألت عنه فقالوا هو ذاك في ظل المسجد في ملأ من أصحابه فاتيته وأنا لا أعرفه من بين أصحابه فسلمت فقال يا قباث بن أشيم أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء فقلت أشهد أنك رسول الله فان هذا الامر ما خرج مني إلى أحد قط ولا تزمزمت به إلا شيئا حدثت به نفسي فلولا أنك نبي ما أطلعك عليه هلم أبايعك على الاسلام فاسلمت ] فصل
وقد اختلفت الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر في المغانم من المشركين يومئذ لمن تكون منهم وكانوا ثلاثة أصناف حين ولى المشركون ففرقة أحدقت برسول الله صلى الله عليه و سلم تحرسه خوفا من أن يرجع أحد من المشركين إليه وفرقة سارقت وراء المشركين يقتلون منهم ويأسرون وفرقة جمعت المغانم (3/301)
من متفرقات الاماكن فادعى كل فريق من هؤلاء أنه أحق بالمغنم من الآخرين لما صنع من الأمر المهم قال ابن اسحاق فحدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن الانفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقسمه بين المسلمين عن بواء يقول عن سواء وهكذا رواه احمد عن محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق به ومعنى قوله على السواء أي ساوى فيها بين الذين جمعوها وبين الذين اتبعوا العدو وبين الذين ثبتوا تحت الرايات لم يخصص بها فريقا منهم ممن ادعى التخصيص بها ولا ينفي هذا تخميسها وصرف الخمس في مواضعه كما قد يتوهمه بعض العلماء منهم أبو عبيدة وغيره والله أعلم بل قد تنفل رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه ذو الفقار من مغانم بدر قال ابن جرير وكذا اصطفى جملا لابي جهل كان في أنفه برة من فضة وهذا قبل اخراج الخمس أيضا وقال الامام احمد حدثنا معاوية بن عمرو ثنا ابن اسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى عن أبي سلام عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه و سلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون وأكبت طائفة على المغنم يحوزونه ويجمعونه وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه و سلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم الى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وليس لأحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم باحق به منا نحن نفينا منها العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه و سلم خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فانزل الله يسألونك عن الانفال قل الانفال لله ولرسوله فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين فقسمها رسول الله بين المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع فاذا أقبل راجعا نفل الثلث وكان يكره الانفال وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث الثوري عن عبد الرحمن ابن الحارث آخره وقال الترمذي هذا حديث حسن ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه وقد روى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم من طرق عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا فسارع في ذلك شبان الرجال وبقي الشيوخ تحت الرايات فلما كانت الغنائم جاؤا يطلبون الذي جعل لهم قال الشيوخ لا تستأثروا علينا فانا كنا ردءا لكم لو انكشفتم لفئتم الينا فتنازعوا فانزل الله تعالى يسألونك (3/302)
عن الانفال قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين وقد ذكرنا في سبب نزول هذه الآية آثارا أخر يطول بسطها ههنا ومعنى الكلام أن الانفال مرجعها إلى حكم الله ورسوله يحكما فيها بما فيه المصلحة للعباد في المعاش والمعاد ولهذا قال تعالى قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ثم ذكر ما وقع في قصة بدر وما كان من الامر حتى انتهى إلى قوله واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل الآية فالظاهر أن هذه الآية مبينة لحكم الله في الانفال الذي جعل مرده اليه وإلى رسوله صلى الله عليه و سلم فبينه تعالى وحكم فيه بما أراد تعالى وهو قول أبي زيد وقد زعم أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قسم غنائم بدر على السواء بين الناس ولم يخمسها ثم نزل بيان الخمس بعد ذلك ناسخا لما تقدم وهكذا روى الوالبي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي وفي هذا نظر والله أعلم فان في سياق الآيات قبل آية الخمس وبعدها كلها في غزوة بدر فيقتضي أن ذلك نزل جملة في وقت واحد غير متفاصل بتأخر يقتضي نسخ بعضه بعضا ثم في الصحيحين عن علي رضي الله عنه أنه قال في قصة شار فيه الذين اجتب أسنمتهما حمزة إن إحداهما كانت من الخمس يوم بدر ما يرد صريحا على أبي عبيد أن غنائم بدر لم تخمس والله أعلم بل خمست كما هو قول البخاري وابن جرير وغيرهما وهو الصحيح الراجح والله أعلم فصل
في رجوعه عليه السلام من بدر إلى المدينة وما كان من الامور في مسيره اليها مؤيدا منصورا عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام وقد تقدم أن الوقعة كانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة اثنتين من الهجرة وثبت في الصحيحين أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاثة ايام وقد أقام عليه السلام بعرصة بدر ثلاثة ايام كما تقدم وكان رحيله منها ليلة الاثنين فركب ناقته ووقف على قليب بدر فقرع أولئك الذين سحبوا اليه كما تقدم ذكره ثم سار عليه السلام ومعه الاسارى والغنائم الكثيرة وقد بعث عليه السلام بين يديه بشيرين إلى المدينة بالفتح والنصر والظفر على من أشرك بالله وجحده وبه كفر أحدهما عبد الله بن رواحة إلى أعالي المدينة والثاني زيد بن حارثة إلى السافلة قال أسامة بن زيد فاتانا الخبر حين سوينا [ التراب ] على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه قد احتبس عندها بمرضها بامر رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ضرب له رسول الله بسهمه وأجره في بدر قال أسامة فلما قدم أبي زيد بن حارثة جئته وهو (3/303)
واقف بالمصلى وقد غشيه الناس وهو يقول قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وزمعة بن الاسود وأبو البختري العاص بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قال قلت يا أبة أحق هذا قال أي والله يا بني وروى البيهقي من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه و سلم خلف عثمان وأسامة بن زيد على بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء زيد بن حارثة على العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبشارة قال أسامة فسمعت الهيعة فخرجت فاذا زيد قد جاء بالبشارة فوالله ما صدقت حتى رأينا الاسارى وضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم لعثمان بسهمه وقال الواقدي صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مرجعه من بدر العصر بالاثيل فلما صلى ركعة تبسم فسئل عن تبسمه فقال يرى ميكائيل وعلى جناحه النقع فتبسم إلي وقال إني كنت في طلب القوم وأتاه جبريل حين فرغ من قتال أهل بدر على فرس أنثى معقود الناصية وقد عصم ثنييه الغبار فقال يا محمد إن ربي بعثني اليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى هل رضيت قال نعم قال الواقدي قالوا وقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من الاثيل فجاءا يوم الاحد حين اشتد الضحى وفارق عبد الله بن رواحة زيد بن حارثة من العقيق فجعل عبد الله بن رواحة ينادي على راحلته يا معشر الانصار أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقتل المشركين وأسرهم قتل ابنا ربيعة وابنا الحجاج وأبو جهل وقتل زمعة بن الاسود وأمية بن خلف وأسر سهيل بن عمرو قال عاصم بن عدي فقمت اليه فنحوته فقلت أحقا يا ابن رواحة فقال أي والله وغدا يقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالاسرى مقرنين ثم تتبع دور الانصار بالعالية يبشرهم دارا دارا والصبيان ينشدون معه يقولون قتل أبو جهل الفاسق حتى إذا انتهى إلى دار بني أمية وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم القصواء يبشر أهل المدينة فلما جاء المصلى صاح على راحلته قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة وابنا الحجاج وقتل أمية بن خلف وأبو جهل وأبو البختري وزمعة بن الاسود وأسر سهيل بن عمرو ذو الانياب في أسرى كثير فجعل بعض الناس لا يصدقون زيدا ويقولون ما جاء زيد بن حارثة إلا فلا حتى غاظ المسلمين ذلك وخافوا وقدم زيد حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبقيع وقال رجل من المنافقين لأسامة قتل صاحبكم ومن معه وقال آخر لابي لبابة قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون فيه أبدا وقد قتل عليه أصحابه قتل محمد وهذه ناقته نعرفها وهذا زيد لا يدري ماذا يقول من الرعب وجاء فلا فقال أبو لبابة يكذب الله قولك وقالت اليهود ما جاء زيد إلا فلا قال أسامة فجئت حتى خلوت بابي فقلت أحق ما تقول فقال أي والله حق ما أقول يا بني فقويت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين لنقدمنك إلى رسول الله إذا قدم فليضربن عنقك فقال إنما هو شيء سمعته (3/304)
من الناس يقولونه قال فجيء بالاسرى وعليهم شقران مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان قد شهد معهم بدرا وهم تسع وأربعون رجلا الذين أحصوا قال الواقدي وهم سبعون في الاصل مجتمع عليه لا شك فيه قال ولقي رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الروحاء رؤوس الناس يهنئونه بما فتح الله عليه فقال له أسيد بن الحضير يا رسول الله الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى العدو ولكن ظننت أنها عير ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت فقال له رسول الله صدقت قال ابن اسحاق ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم قافلا إلى المدينة ومعه الاسارى وفيهم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وقد جعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار فقال راجز من المسلمين قال ابن هشام [ يقال إنه ] هو عدي بن أبي الزغباء ... أقم لها صدورها يا بسبس ... ليس بذي الطلح لها معرس ... ولا بصحراء عمير محبس ... إن مطايا القوم لا تحبس ... فحملها على الطريق أكيس ... قد نصر الله وفر الأخنس ...
قال ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبن النازية يقال له سير إلى سرجة به فقسم هنالك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء ثم ارتحل حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش كما حدثني عاصم بن عمر ويزيد بن رومان ما الذي تهنئوننا به والله إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعلقة فنحرناها فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال أي ابن أخي أولئك الملأ قال ابن هشام يعني الاشراف والرؤساء
مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله
قال ابن اسحاق حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علي بن أبي طالب كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة ابن أبي معيط قال ابن اسحاق فقال عقبة حين أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتله فمن للصبية يا محمد قال النار وكان الذي قتله عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح أخو بني عمرو بن عوف كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر وكذا قال موسى بن عقبة في مغازيه وزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقتل من الاسارى أسيرا غيره قال ولما أقبل اليه عاصم بن ثابت قال يا معشر قريش علام أقتل من بين من ههنا قال على عداوتك الله ورسوله وقال حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن (3/305)
الشعبي قال لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتل عقبة قال أتقتلني يا محمد من بين قريش قال نعم أتدرون ما صنع هذا بي جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران وجاء مرة أخرى بسلا شاة فالقاه على رأسي وأنا ساجد فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي قال ابن هشام ويقال بل قتل عقبة علي بن أبي طالب فيما ذكره الزهري وغيره من أهل العلم
قلت كان هذان الرجلان من شر عباد الله وأكثرهم كفرا وعنادا وبغيا وحسدا وهجاء للاسلام وأهله لعنهما الله وقد فعل قال ابن هشام فقالت قتيلة بنت الحارث اخت النضر بن الحارث في مقتل أخيها ... يا راكبا ان الاثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفق ... أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما إن تزال بها النجائب تخفق ... مني اليك وعبرة مسفوحة ... جادت بوابلها وأخرى تخنق ... هل يسمعن النضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميت لا ينطق ... أمحمد يا خير ضيء كريمة ... من قومها والفحل فحل معرق ... ما كان ضرك باعز لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق ... أو كنت قابل فدية فلينفقن ... با ما يغلو به ما ينفق ... والنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم ان كان عتق يعتق ... ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هنالك تشقق ... صبرا يقاد الى المنية متعبا ... رسف المقيد وهو عان موثق ...
قال ابن هشام ويقال والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بلغه هذا الشعر قال لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه
قال ابن اسحاق وقد تلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا الموضع أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي حجامه عليه السلام ومعه زق خمر مملوء حيسا وهو التمر والسويق بالسمن هدية لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقبله منه ووصى به الانصار قال ابن اسحاق ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قدم المدينة قبل الاسارى بيوم قال ابن اسحاق وحدثني نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اقبل بالاسارى فرقهم بين أصحابه وقال استوصوا بهم خيرا قال وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لابيه وأمه في الاسارى قال أبو عزيز مر بي أخي مصعب بن عمير (3/306)
ورجل من الانصار يأسرني فقال شديد يك به فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك قال أبو عزيز فكنت في رهط من الانصار حين اقبلوا بي من بدر فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه و سلم إياهم بنا ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها فأستحي فاردها فيردها علي ما 2 يمسها قال ابن هشام وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث ولما قال أخوه مصعب لابي اليسر وهو الذي أسره ما قال قال له أبو عزيز يا أخي هذه وصاتك بي فقال له مصعب إنه أخي دونك فسالت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي فقيل لها أربعة آلاف درهم فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها قلت وأبو عزيز هذا اسمه زرارة فيما قاله ابن الاثير في غابة الصحابة وعده خليفة بن خياط في أسماء الصحابة وكان أخا مصعب بن عمير لابيه وكان لهما أخ آخر لابويهما وهو أبو الروم بن عمير وقد غلط من جعله قتل يوم أحد كافرا ذاك أبو عزة كما سيأتي في موضعه والله أعلم قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال قدم الاسارى حين قدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه و سلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء قال وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب قال تقول سودة والله إني لعندهم إذ اتينا فقيل هؤلاء الاسارى قد أتى بهم قالت فرجعت إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه و سلم فيه وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل قالت فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت أي ابا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا متم كراما فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم من البيت يا سودة أعلى الله وعلى رسوله تحرضين قال قلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت ثم كان من قصة الاسارى بالمدينة ما سيأتي بيانه وتفصيله فيما بعد من كيفية فدائهم وكميته إن شاء الله
ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر
قال الحافظ البيهقي أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد حدثنا احمد بن سلمان النجاد حدثنا عبد الله بن ابي الدنيا حدثني حمزة بن العباس ثنا عبدان بن عثمان ثنا عبد الله ابن المبارك أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد عن جابر عن عبد الرحمن رجل من أهل صنعاء قال أرسل النجاشي ذات يوم إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان ثياب جالس على التراب قال جعفر فاشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فلما أن رأى ما في وجوهنا قال إني أبشركم بما يسركم إنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فاخبرني أن الله قد نصر نبيه (3/307)
وأهلك عدوه واسر فلان وفلان وقتل فلان وفلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الأراك كأني أنظر اليه كنت أرعى لسيدي رجل من بني ضمرة إبله فقال له جعفر ما بالك جالس على التراب ليس تحتك بساط وعليك هذه الاخلاط قال إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى إن حقا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عند ما يحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله لي نصر نبيه صلى الله عليه و سلم أحدثت له هذا التواضع
وصول خبر مصاب أهل بدر الى اهاليهم بمكة
قال ابن اسحاق وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعي فقالوا له ما وراءك قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وزمعة بن الاسود ونبيه ومنبه وابو البختري بن هشام فلما جعل يعدد اشراف قريش قال صفوان ابن أمية والله لن يعقل هذا فسلوه عني فقالوا ما فعل صفوان بن أمية قال هو ذاك جالسا في الحجر قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا قال موسى بن عقبة ولما وصل الخبر إلى أهل مكة وتحققوه قطعت النساء شعورهم وعقرت خيول كثيرة ورواحل وذكر السهيلي عن كتاب الدلائل لقاسم بن ثابت أنه قال لما كانت وقعة بدر سمعت أهل مكة هاتفا من الجن يقول ... أزار الحنيفيون بدرا وقيعة ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا ... أبادت رجالا من لؤي وابرزت ... خرائد يضربن الترائب حسرا ... فيا ويح من أمسى عدو محمد ... لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا ...
قال ابن اسحاق وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب وكان الاسلام قد دخلنا أهل البيت فاسلم العباس واسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم اسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة وكذلك كانوا صنعوا لم يتخلف منهم رجل إلا بعث مكانه رجلا فلما جاءه خبر الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا قال وكنت رجلا ضعيفا وكنت أعمل الاقداح أنحتها في حجرة رمزم فوالله إني لجالس فيها أنحت أقداحي وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره الى ظهري فبينا هو جالس اذ قال الناس هذا أبو (3/308)
سفيان واسمه المغيرة ابن الحارث بن عبد المطلب قد قدم قال فقال أبو لهب هلم إلى فعندك لعمري الخبر قال فجلس اليه والناس قيام عليه فقال يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس قال والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم اكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا ويأسروننا كيف شاؤا وايم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على جيل بلق بين السماء والارض والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت تلك والله الملائكة قال فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة قال وثاورته فاحتملني وضرب بي الارض ثم برك علي يضربني وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فاخذته فضربته به ضربه فبلغت في رأسه شجة منكرة وقالت استضعفته إن غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته زاد يونس عن ابن اسحاق فلقد تركه ابناه بعد موته ثلاثا ما دفناه حتى أنتن وكانت قريش تتقي هذه العدسة كما تتقي الطاعون حتى قال لهم رجل من قريش ويحكما ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته لا تدفنانه فقالا إنا نخشى عدوة هذه القرحة فقال انطلقا فانا أعينكما عليه فوالله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يدنون منه ثم احتملوه إلى أعلا مكة فاسندوه إلى جدار ثم رضموا عليه الحجارة [ قال يونس عن ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت لا تمر على مكان أبي لهب هذا إلا تسترت بثوبها حتى تجوز ]
قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد قال ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا لا تفعلوا يبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنسوا بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء قلت وكان هذا من تمام ما عذب الله به أحياءهم في ذلك الوقت وهو تركهم النوح على قتلاهم فان البكاء على الميت مما يبل فؤاد الحزين قال ابن اسحاق وكان الاسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده زمعة وعقيل والحارث وكان يحب أن يبكي على بنيه قال فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلام له وكان قد ذهب بصره أنظر هل أحل النحب هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني ولده زمعة فان جوفي قد احترق قال فلما رجع اليه الغلام قال إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته قال فذاك حين يقول الاسود ... اتبكي أن أضل لها بعير ... ويمنعها من النوم السهود (3/309)
فلا تبكي على بكر ولكن ... على بدر تقاصرت الجدود ... على بدر سراة بني هصيص ... ومخزوم ورهط أبي الوليد ... وبكى إن بكيت أبا عقيل ... وبكى حارثا أسد الاسود ... وبكيهم ولا تسمي جميعا ... وما لأبي حكيمة من نديد ... ألا قد ساد بعدهم رجال ... ولولا يوم بدر لم يسودوا ... بعث قريش الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فداء اسراهم
قال ابن اسحاق وكان في الاسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه فلما قالت قريش لا تعجلوا بفداء أسراكم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه قال المطلب بن أبي وداعة وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عني صدقتم لا تعجلوا وانسل من الليل وقدم المدينة فاخذ أباه باربعة آلاف درهم فانطلق به
قلت وكان هذا أول أسير فدي ثم بعثت قريش في فداء أسراهم فقدم مكرز بن حفص بن الاخيف في فداء سهيل بن عمرو وكان الذي أسراه مالك بن الدخشم أخو بني سالم بن عوف فقال في ذلك ... أسرت سهيلا فلا ابتغي ... أسيرا به من جميع الأمم ... وخندف تعلم أن الفتى ... فتاها سهيل إذا يظلم ... ضربت بذي الشفر حتى انثنى ... وأكرهت نفسي على ذي العلم ...
قال ابن اسحاق وكان سهيل رجلا أعلم من شفته السفلى قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن عمرو بن عطاء أخو بني عامر بن لؤي أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم دعنى أنزع ثنية سهيل بن عمر ويدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا
قلت وهذا حديث مرسل بل معضل قال ابن اسحاق وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمر في هذا إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه قلت وهذا هو المقام الذي قامه سهيل بمكة حين مات رسول الله صلى الله عليه و سلم وارتد من ارتد من العرب ونجم النفاق بالمدينة وغيرها فقام بمكة فخطب الناس وثبتهم على الدين الحنيف كما سيأتي في موضعه
قال ابن اسحاق فلما قاولهم فيه مكرز وانتهى إلى رضائهم قالوا هات الذي لنا قال اجعلوا رجلي مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث اليكم بفدائه فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرزا عندهم وأنشد له ابن اسحاق في ذلك شعرا أنكره ابن هشام فالله أعلم قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن أبي (3/310)
بكر قال وكان في الاسارى عمرو بن أبي سفيان صخر بن حرب قال ابن اسحاق وكانت أمه بنت عقبة بن أبي معيط قال ابن هشام بل كانت أمه أخت أبي معيط قال ابن هشام وكان الذي أسره علي بن أبي طالب قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن ابي بكر قال فقيل لابي سفيان أفد عمرا ابنك قال أيجتمع على دمي ومالي قتلوا حنظلة وأفدي عمرا دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم قال فبينما هو كذلك محبوس بالمدينة إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال أخو بني عمرو بن عوف ثم أحد بني معاوية معتمرا ومعه مرية له وكان شيخا مسلما في غنم له بالبقيع فخرج من هنالك معتمرا ولم يظن أنه يحبس بمكة إنما جاء معتمرا وقد كان عهد قريش أن قريشا لا يعرضون لأحد جاء حاجا أو معتمرا إلا بخير فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة فحبسه بابنه عمر وقال في ذلك ... أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا ... فإن بني عمرو لئام أذلة ... لئن لم يكفوا عن أسيرهم الكبلا ...
قال فأجابه حسان بن ثابت يقول
... لو كان سعد يوم مكة مطلقا ... لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا ... بعضب حسام أو بصفراء نبعة ... نحن إذا ما أنبضت تحفز النبلا ...
قال ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبروه خبره وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكوا به صاحبهم فاعطاهم النبي فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد قال ابن اسحاق وقد كان في الاسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن أمية ختن رسول الله صلى الله عليه و سلم وزوج ابنته زينب قال ابن هشام وكان الذي أسره خراش بن الصمة أحد بني حرام
قال ابن اسحاق وكان ابو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة وكانت أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد وكانت خديجة هي التي سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يزوجه بابنتها زينب وكان لا يخالفها وذلك قبل الوحي وكان عليه السلام قد زوج ابنته رقية أو أم كلثوم من عتبة بن أبي لهب فلما جاء الوحي قال أبو لهب اشغلوا محمدا بنفسه وأمر ابنه عتبة فطلق ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل الدخول فتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه ومشوا إلى أبي العاص فقالوا فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت قال لا والله لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يثني عليه في صهره فيما بلغني قلت الحديث بذلك في الثناء عليه في صهره ثابت في الصحيح كما سيأتي قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوبا على أمره وكان الاسلام قد فرق بين زينب ابنة رسول (3/311)
الله صلى الله عليه و سلم وبين أبي العاص وكان لا يقدر على أن يفرق بينهما قلت إنما حرم الله المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست من الهجرة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قال ابن اسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بني عليها قالت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم رق لها رقة شديدة وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فاطلقوه وردوا عليها الذي لها [ قال ابن اسحاق فكان ممن سمي لنا ممن من عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم من الاسارى بغير فداء من بني أمية ابو العاص بن الربيع ومن بني مخزوم المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم أسره بعض بني الحارث بن الخزرج فترك في أيديهم حتى خلوا سبيله فلحق بقومه ] قال ابن اسحاق وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب يعني أن تهاجر الى المدينة فوفى أبو العاص بذلك كما سيأتي وقد ذكر ذلك ابن اسحاق ههنا فاخرناه لانه أنسب والله أعلم وقد تقدم ذكر افتداء العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه و سلم نفسه وعقيلا ونوفلا ابني اخويه بمائة أوقية من الذهب وقال ابن هشام كان الذي أسر أبي العاص أبو ايوب خالد بن زيد قال ابن اسحاق وصيفي بن أبي رفاعة بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ترك في أيدي أصحابه فاخذوا عليه ليبعثن لهم بفدائه فخلوا سبيله ولم يف لهم قال حسان بن ثابت في ذلك ... ما كان صيفي ليوفي أمانة ... قفا ثعلب أعيا ببعض الموارد ...
قال ابن اسحاق وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمع كان محتاجا ذا بنات قال يا رسول الله لقد عرفت ما لي من مال وإني لذو حاجة وذو عيال فامنن علي فمن عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا فقال أبو عزة يمدح رسول الله صلى الله عليه و سلم على ذلك ... من مبلغ عني الرسول محمدا ... بأنك حق والمليك حميد ... وانت امرؤ تدعو الى الحق والهدى ... عليك من الله العظيم شهيد ... وأنت امرؤ بوئت فينا مباءة ... لها درجات سهلة وصعود ... فإنك من حربته لمحارب ... شقي ومن سالمته لسعيد ... ولكن إذا ذكرت بدرا وأهله ... تأوب ما بي حسرة وقعود ...
قلت ثم أن ابا عزة هذا نقض ما كان عاهد الرسول عليه ولعب المشركون بعقله فرجع اليهم (3/312)
فلما كان يوم أحد اسر أيضا فسأل من النبي صلى الله عليه و سلم أن يمن عليه أيضا فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا أدعك تمسح عارضيك وتقول خدعت محمدا مرتين ثم أمر به فضربت عنقه كما سيأتي في غزوة أحد ويقال إن فيه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين وهذا من الامثال التي لم تسمع إلا منه عليه السلام
قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحجر بعد مصاب أهل بدر بيسير وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة وكان ابنه وهب بن عمير في اسارى بدر قال ابن هشام والذي أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن جعفر عن عروة فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان والله ما أن في العيش [ بعدهم ] خير قال له عمير صدقت أما والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فان لي فيهم علة ابني أسير في أيديهم قال فاغتنمها صفوان بن أمية فقال علي دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء ويعجز عنهم فقال له عمير فاكتم علي شأني وشأنك قال سأفعل قال ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم في عدوهم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ على باب المسجد متوشحا السيف فقال هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه قال فأدخله علي قال فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها وقال لمن كان معه من الانصار أدخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث فانه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآه رسول الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال أرسله يا عمر أدن يا عمير فدنا ثم قال أنعم صباحا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة قال أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد قال فما جاء بك يا عمير قال جئت لهذا الاسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه قال فما بال السيف في عنقك قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئا قال اصدقني ما الذي جئت له قال ما جئت إلا لذلك قال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك على أن (3/313)
تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك فقال عمير اشهد انك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للاسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القرآن وأطلقوا اسيره ففعلوا ثم قال يا رسول الله إني كنت جاهدا على اطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله وأنا أحب ان تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلى الاسلام الله يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم فاذن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فلحق بمكة وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول ابشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فاخبره عن اسلامه فخلف أن لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا قال ابن اسحاق فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعوا إلى الاسلام ويءذي من خالفه أذى شديدا فاسلم على يديه ناس كثير قال ابن اسحاق وعمير بن وهب أو الحارث بن هشام هو الذي رأى عدو الله إبليس حين نكص على عقبيه يوم بدر وفر هاربا وقال إني بريء منكم إني أرى مالا ترون وكان ابليس يومئذ في صورة سراقة بن مالك بن جعشم أمير مدلج فصل
ثم إن الامام محمد بن اسحاق رحمه الله تكلم على ما نزل من القرآن في قصة بدر وهو من أول سورة الانفال إلى آخرها فأجاد وأفاد وقد تقصينا الكلام على ذلك في كتابنا التفسير فمن أراد الاطلاع على ذلك فلينظره ثم ولله الحمد والمنة فصل
ثم شرع ابن اسحاق في تسمية من شهد بدرا من المسلمين فسرد أسماء من شهدها من المهاجرين أولا ثم أسماء من شهدها من الانصار أوسها وخزرجها إلى أن قال فجميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والانصار من شهدها ومن ضرب له بسهمه وأجره ثلثمائة رجل وأربعة عشر رجلا من المهاجرين ثلاثة وثمانون ومن الأوس أحد وستون رجلا ومن الخزرج مائة وسبعون رجلا وقد سردهم البخاري في صحيحه مرتبين على حروف المعجم بعد البداءة برسول الله صلى الله عليه و سلم ثم بأبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهذه تسمية من شهد بدرا من المسلمين مرتبين على حروف المعجم وذلك من كتاب الاحكام الكبير للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي وغيره بعد البداءة باسم رئيسهم وفخرهم وسيد ولد آدم محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم (3/314)
أسماء أهل بدر مرتبة على حروف المعجم
حرف الالف
أبي بن كعب النجاري سيد القراء الارقم بن أبى الارقم وأبو الارقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم المخزومي أسعد بن يزيد بن الفاكه بن يزيد بن خلدة بن عامر بن العجلان أسود بن زيد بن ثعلبة بن عبيد بن غنم كذا قال موسى بن عقبة وقال الاموي سواد بن رزام ابن ثعلبة بن عبيد بن عدي شك فيه وقال سلمة بن الفضل عن ابن اسحاق سواد بن رزيق بن ثعلبة وقال ابن عائذ سواد بن زيد أسير بن عمرو الانصاري أبو سليط وقيل اسير بن عمرو بن أمية بن لوزان بن سالم بن ثابت الخزومي ولم يذكره موسى بن عقبة أنس بن قتادة بن ربيعة ابن خالد بن الحارث الاوسي كذا سماه موسى بن عقبة و [ سماه ] الاموي في السيرة أنيس
[ قلت وأنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه و سلم لما روى عمر بن شبة النميري حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري عن أبيه عن ثمامة بن أنس قال قيل لأنس بن مالك أشهدت بدرا قال وأين أغيب عن بدر لا أم لك وقال محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عبد الله الانصاري ثنا أبي عن مولى لأنس بن مالك أنه قال لأنس شهدت بدرا قال لا أم لك وأين أغيب عن بدر قال محمد بن عبد الله الانصاري خرج أنس بن مالك مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بدر وهو غلام يخدمه قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيبه هكذا قال الانصاري ولم يذكر ذلك أحد من أصحاب المغازي ] أنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار أنسة الحبشي مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم أوس بن ثابت بن المنذر النجاري أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الخزرجي وقال موسى ابن عقبة أوس بن عبد الله بن الحارث بن خولي أوس بن الصامت الخزرجي أخو عبادة بن الصامت إياس بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر حليف بني عدي بن كعب
حرف الباء
بجير بن أبي بجير حليف بني النجار بحاث بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة البلوي حليف الانصار بسبس بن عمرو بن ثعلبة بن خرشة بن زيد بن عمرو بن سعيد بن ذبيان (3/315)
ابن رشدان بن قيس بن جهينة الجهني حليف بني ساعدة وهو أحد العينين هو وعدي بن أبي الزغباء كما تقدم بشر بن البراء بن معرور الخزرجي الذي مات بخيبر من الشاة المسمومة بشير بن سعد ابن ثعلبة الخزرجي والد النعمان بن بشير ويقال إنه أول من بايع الصديق بشير بن عبد المنذر أبو لبابة الاوسي رده عليه السلام من الروحاء واستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره
حرف التاء
تميم بن يعار بن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج تميم مولى خراش بن الصمة تميم مولى بني غنم بن السلم وقال ابن هشام هو مولى سعد بن خيثمة
حرف الثاء
ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان ثابت بن ثعلبة ويقال لثعلبة هذا الجدع بن زيد بن الحارث بن حرام بن غنم بن كعب بن سلمة ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة ابن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار النجاري ثابت بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار النجاري ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي بن سواد بن مالك بن غنم بن عدي بن النجار النجاري ثابت بن هزال الخزرجي ثعلبة بن حاطب بن عمرو ابن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن الاوس ثعلبة بن عمرو بن عبيد بن مالك النجاري ثعلبة بن عمرو بن محصن الخزرجي ثعلبة بن عنمة بن عدي بن نابئ السلمي ثقف بن عمرو من بني حجر آل بني سليم وهو من حلفاء بني كثير بن غنم بن دودان بن أسد
حرف الجيم
جابر بن خالد بن [ مسعود بن ] عبد الاشهل بن حارثة بن دينار بن النجار النجاري جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة السلمي أحد الذين شهدوا العقبة
[ قلت فأما جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي أيضا فذكره البخاري فيهم في مسند عن سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر وقال كنت أمتح لاصحابي الماء يوم بدر وهذا الاسناد على شرط مسلم لكن قال محمد بن سعد ذكرت لمحمد بن عمر يعني الواقدي هذا الحديث فقال هذا وهم من أهل العراق وأنكر أن يكون جابر شهد بدرا (3/316)
وقال الامام احمد بن حنبل حدثنا روح بن عبادة ثنا زكريا بن اسحاق ثنا أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله يقول غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم تسع عشرة غزوة ولم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبي فلما قتل أبي يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عن غزاة ورواه مسلم عن أبي خيثمة عن روح ] جبار بن صخر السلمي جبر بن عتيك الانصاري جبير بن إياس الخزرجي
حرف الحاء
الحارث بن أنس بن رافع الخزرجي الحارث بن أوس بن معاذ بن أخي سعد بن معاذ الأوسي الحارث بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن الاوس رده عليه السلام من الطريق وضرب له بسهمه وأجره الحارث بن خزمة بن عدي بن أبي غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج حليف لبني زعور ابن عبد الاشهل الحارث بن الصمة الخزرجي رده عليه السلام لانه كسر من الطريق وضرب له بسهمه وأجره الحارث بن عرفجة الاوسي الحارث بن قيس بن خلدة أبو خالد الخزرجي الحارث بن النعمان بن أمية الانصاري حارثة بن سراقة النجاري أصابه سهم غرب وهو في النظارة فرفع إلى الفردوس حارثة بن النعمان بن رافع الانصاري حاطب بن أبي بلتعة اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى بن قصي حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية الاشجعي من بني دهمان هكذا ذكره ابن هشام عن غير ابن اسحاق وقال الواقدي حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود كذا ذكره ابن عائذ في مغازيه وقال ابن ابي حاتم حاطب بن عمرو ابن عبد شمس سمعته من أبي وقال هو رجل مجهول الحباب بن المنذر الخزرجي ويقال كان لواء الخزرج معه يومئذ حبيب بن أسود مولى بني حرام من بني سلمة وقال موسى بن عقبة حبيب بن سعد بدل أسود وقال ابن أبي حاتم حبيب بن أسلم مولى آل جشم بن الخزرج أنصاري بدري حريث بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الانصاري أخو عبد الله بن زيد الذي أرى النداء الحصين ابن الحارث بن المطلب بن عبد مناف حمزة بن عبد المطلب بن هاشم عم رسول الله صلى الله عليه و سلم
حرف الخاء
خالد بن البكير أخو إياس المتقدم خالد بن زيد أبو أيوب النجاري خالد بن قيس بن مالك ابن العجلان الانصاري خارجة بن الحمير حليف بني خنساء من الخزرج وقيل اسمه حارثة بن الحمير وسماه ابن عائذ خارجة فالله أعلم خارجة بن زيد الخزرجي صهر الصديق خباب بن الارت حليف بني زهرة وهو من المهاجرين الاولين وأصله من بني تميم ويقال من خزاعة خباب مولى (3/317)
عتبة بن غزوان من المهاجرين الاولين خراش بن الصمة السلمي خبيب بن اساف بن عتبة الخزرجي خريم بن فاتك ذكره البخاري فيهم خليفة بن عدي الخزرجي خليد بن قيس بن النعمان بن سنان بن عبيد الانصاري السلمي خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي السهمي قتل يومئذ فتأيمت منه حفصة بنت عمر بن الخطاب خوات بن جبير الانصاري ضرب له بسهمه وأجره لم يشهدها بنفسه خولى بن أبي خولى العجلي حليف بني عدي من المهاجرين الاولين خلاد بن رافع وخلاد بن سويد وخلاد بن عمرو ابن الجموح الخزرجيون
حرف الذال
ذكوان بن عبد قيس الخزرجي ذو الشمالين بن عبد بن عمرو بن نضلة من غبشان بن سليم ابن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من بني خزاعة حليف لبني زهرة قتل يومئذ شهيدا قال ابن هشام واسمه عمير وإنما قيل له ذو الشمالين لانه كان أعسرا
حرف الراء
رافع بن الحارث الاوسي رافع بن عنجدة قال ابن هشام هي أمه رافع بن المعلى بن لوذان الخزرجي قتل يومئذ ربعي بن رافع بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن عجلان بن ضبيعة وقال موسى بن عقبة ربعي بن ابي رافع ربيع بن إياس الخزرجي ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة حليف ابني عبد شمس بن عبد مناف وهو من المهاجرين الاولين رخيلة بن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة عمير مكة فأقام بها يدعوا إلى الاسلام بن بياضة الخزرجي رفاعة ابن رافع الزرقي أخو خلاد بن رافع رفاعة بن عبد المنذر بن زنير الأوسي أخو أبي لبابة رفاعة ابن عمرو بن زيد الخزرجي
حرف الزاي
الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ابن عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وحواريه زياد بن عمرو وقال موسى بن عقبة بن الاخرس بن عمرو الجهني وقال الواقدي زياد بن كعب ابن عمرو بن عدي بن رفاعة بن كليب بن برذعة بن عدي بن عمرو الزبعري بن رشدان بن قيس بن جهينة زياد بن لبيد الزرقي زياد بن المزين بن قيس الخزرجي زيد بن أسلم بن ثعلبة ابن عدي بن عجلان بن ضبيعة زيد بن حارثة بن شرحبيل مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم رضي الله عنه زيد بن الخطاب بن نفيل أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنهما زيد بن سهل بن الاسود بن حرام النجاري أبو طلحة رضي الله عنه (3/318)
حرف السين
سالم بن عمير الاوسي سالم بن [ غنم بن ] عوف الخزرجي سالم بن معقل مولى أبي حذيفة السائب بن عثمان بن مظعون الجمحي شهد مع أبيه سبيع بن قيس بن عائذ الخزرجي سبرة ابن فاتك ذكره البخاري سراقة بن عمرو النجاري سراقة بن كعب النجاري أيضا سعد بن خولة مولى بني عامر بن لؤي من المهاجرين الاولين سعد بن خيثمة الاوسي قتل يومئذ شهيدا سعد بن الربيع الخزرجي الذي قتل يوم أحد شهيدا سعد بن زيد بن مالك الاوسي وقال الواقدي سعد بن زيد بن الفاكه الخزرجي سعد بن سهيل بن عبد الاشهل النجاري سعد بن عبيد الانصاري سعد بن عثمان بن خلدة الخزرجي أبو عبادة وقال ابن عائذ أبو عبيدة سعد بن معاذ الاوسي وكان لواء الاوس معه سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي ذكره غير واحد منهم عروة والبخاري وابن أبي حاتم والطبراني فيمن شهد بدرا ووقع في صحيح مسلم ما يشهد بذلك حين شاور النبي صلى الله عليه و سلم في ملتقى النفير من قريش فقال سعد بن عبادة كأنك تريدنا يا رسول الله الحديث والصحيح أن ذلك سعد بن معاذ والمشهور أن سعد بن عبادة رده من الطريق قيل لاستنابته على المدينة وقيل لدغته حية فلم يتمكن من الخروج إلى بدر حكاه السهيلي عن ابن قتيبة فالله أعلم سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري أحد العشرة سعد بن مالك أبو سهل قال الواقدي تجهز ليخرج فمرض فمات قبل الخروج سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ابن عم عمر بن الخطاب يقال قدم من الشام بعد مرجعهم من بدر فضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه وأجره سفيان ابن بشر بن عمرو الخزرجي سلمة بن أسلم بن حريش الأوسى سلمة بن ثابت بن وقش بن زغبة سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة سليم بن الحارث النجاري سليم بن عمرو السلمي سليم بن قيس بن فهد الخزرجي سليم بن ملحان أخو حرام بن ملحان النجاري سماك بن أوس ابن خرشة أبو دجانة ويقال سماك بن خرشة سماك بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وهو أخو بشير بن سعد المتقدم سهل بن حنيف الأوسي سهل بن عتيك النجاري سهل بن قيس السلمى سهيل ابن رافع النجارى الذى كان له ولاخيه موضع المسجد النبوى كما تقدم سهيل بن وهب الفهري وهو ابن بيضاء وهي أمه سنان بن أبي سنان بن محصن ن حرثان من المهاجرين حليف بنى عبد شمس ابن عبد مناف سنان بن صيفى السلمى سواد بن زريق بن زيد الانصاري وقال الاموي سواد ابن رزام سواد بن غزية بن أهيب البلوي سويبط بن سعد بن حرملة العبدري سويد بن (3/319)
مخشي أبو مخشي الطائي حليف بني عبد شمس وقيل اسمه أزيد بن حمير
حرف الشين
شجاع بن وهب بن ربيعة الاسدي أسد بن خزيمة حليف بني عبد شمس من المهاجرين الاولين شماس بن عثمان المخزومي قال ابن هشام واسمه عثمان بن عثمان وإنما سمي شماسا لحسنه وشبهه شماسا كان في الجاهلية شقران مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الواقدي لم يسهم له وكان على الاسرى فاعطاه كل رجل ممن له في الاسرى شيئا فحصل له أكثر من سهم
حرف الصاد
صهيب بن سنان الرومي من المهاجرين الاولين صفوان بن وهب بن ربيعة الفهري أخو سهيل بن بيضاء قتل شهيدا يومئذ صخر بن أمية بن خنساء السلمي
حرف الضاد
ضحاك بن حارثة بن زيد السلمي ضحاك بن عبد عمرو النجاري ضمرة بن عمرو الجهني وقال موسى بن عقبة ضمرة بن كعب بن عمرو حليف الانصار وهو أخو زياد بن عمرو
حرف الطاء
طلحة بن عبيد الله التيمي أحد العشرة قدم من الشام بعد مرجعهم من بدر فضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه وأجره طفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف من المهاجرين وهو أخو حصين وعبيدة طفيل بن مالك بن خنساء السلمي طفيل بن النعمان بن خنساء السلمي ابن عم الذي قبله طليب بن عمير بن وهب بن أبي كبير بن عبد بن قصي ذكره الواقدي
حرف الظاء
ظهير بن رافع الأوسي ذكره البخاري
حرف العين
عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح الانصاري الذي حمته الدبر حين قتل بالرجيع عاصم بن عدي ابن الجد بن عجلان رده عليه السلام من الروحاء وضرب له بسهمه وأجره عاصم بن قيس بن ثابت الخزرجي عاقل بن البكير أخو إياس وخالد وعامر عامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس النجاري عامر بن الحارث الفهري كذا ذكره سلمة عن ابن اسحاق وابن عائذ وقال موسى بن عقبة وزياد (3/320)
عن ابن اسحاق عمرو بن الحارث عامر بن ربيعة بن مالك العنزي حليف بني عدي من المهاجرين عامر بن سلمة بن عامر بن عبد الله البلوي القضاعي حليف بني سالم بن مالك بن سالم بن غنم قال ابن هشام ويقال عمر بن سلمة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ابن فهر أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة من المهاجرين الاولين عامر بن فهيرة مولى أبي بكر عامر بن مخلد النجاري عائذ بن مامض بن قيس الخزرجي عباد بن بشر بن وقش الاوسي عباد بن قيس بن عامر الخزرجي عباد بن قيس بن عبشة الخزرجي أخو سبيع المتقدم عباد بن الخشخاش القضاعي عبادة بن الصامت الخزرجي عبادة بن قيس بن كعب بن قيس عبد الله بن أمية بن عرفطة عبد الله بن ثعلبة بن خزمة أخو بحاث المتقدم عبد الله بن جحش ابن رئاب الاسدي عبد الله بن جبير بن النعمان الأوسي عبد الله بن الجد بن قيس السلمي عبد الله بن حق بن أوس الساعدي وقال موسى بن عقبة والواقدي وابن عائذ عبد رب بن حق وقال ابن هشام عبد ربه بن حق عبد الله بن الحمير حليف لبني حرام وهو أخو خارجة بن الحمير من أشجع عبد الله بن الربيع بن قيس الخزرجي عبد الله بن رواحة الخزرجي عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة الخزرجي الذي أرى النداء عبد الله بن سراقة العدوي لم يذكره موسى بن عقبة ولا الواقدي ولا ابن عائذ وذكره ابن اسحاق وغيره عبد الله بن سلمة بن مالك العجلان حليف الانصار عبد الله بن سهل بن رافع أخو بني زعورا عبد الله بن سهيل بن عمرو خرج مع أبيه والمشركين ثم فر من المشركين إلى المسلمين فشهدها معهم عبد الله بن طارق بن مالك القضاعي حليف الاوس عبد الله بن عامر من بلى ذكره ابن اسحاق عبد الله بن عبد الله ابن أبي بن سلول الخزرجي وكان أبوه رأس المنافقين عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو سلمة زوج أم سلمة قتل يومئذ عبد الله بن عبد مناف بن النعمان السلمي عبد الله بن عبس عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة بن كعب أبو بكر الصديق رضي الله عنه عبد الله بن عرفطة بن عدي الخزرجي عبد الله بن عمر بن حرام السلمى ابو جابر عبد الله بن عمير بن عدى الخزرجى عبد الله بن قيس بن خالد النجاري عبد الله ابن قيس بن صخر بن حرام السلمي عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار جعله النبي صلى الله عليه و سلم مع عدي بن أبي الزغباء على النفل يوم بدر عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى من المهاجرين الاولين عبد الله بن مسعود الهذلي حليف بني زهرة من (3/321)
المهاجرين الاولين عبد الله بن مظعون الجمحي من الهاجرين الأولين عبد الله بن النعمان بن بلدمة السلمي عبد الله بن أنيسة بن النعمان السلمي عبد الرحمن بن جبر بن عمرو أبو عبيس الخزرجي عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة أبو عقيل القضاعي البلوي عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف ابن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب الزهري أحد العشرة رضي الله عنهم عبس بن عامر بن عدي السلمي عبيد بن التيهان أخو أبو الهيثم بن التيهان ويقال عتيك بدل عبيد عبيد بن ثعلبة من بني غنم بن مالك عبيد بن زيد بن عامر بن عمرو بن العجلان بن عامر عبيد بن أبي عبيد عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أخو الحصين والطفيل وكان أحد الثلاثة الذين بارزوا يوم بدر فقطعت يده ثم مات بعد المعركة رضي الله عنه عتبان بن مالك بن عمرو الخزرجي عتبة ابن ربيعة بن خالد بن معاوية البهراني حليف بني أمية بن لوذان عتبة بن عبد الله بن صخر السلمي عتبة بن غزوان بن جابر من المهاجرين الاولين عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الاموي أمير المؤمنين أحد الخلفاء الأربعة وأحد العشرة تخلف على زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمرضها حتى ماتت فضرب له بسهمه وأجره عثمان بن مظعون الجمحي أبو السائب أخو عبد الله وقدامة من المهاجرين الأولين عدي بن أبي الزغباء الجهني وهو الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه و سلم وبسبس بن عمرو بين يديه عينا عصمة بن الحصين بن وبرة بن خالد بن العجلان عصيمة حليف لبني الحارث بن سوار من أشجع وقيل من بني أسد بن خزيمة عطية بن نويرة بن عامر بن عطية الخزرجي عقبة بن عامر بن نابي السلمي عقبة بن عثمان بن خلدة الخزرجي أخو سعد بن عثمان عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري وقع في صحيح البخاري أنه شهد بدرا وفيه نظر عند كثير من أصحاب المغازي ولهذا لم يذكروه عقبة بن وهب بن ربيعة الأسدي أسد خزيمة حليف لبني عبد شمس وهو أخو شجاع بن وهب من المهاجرين الاولين عقبة بن وهب بن كلدة حليف بنى غطفان عكاشة بن محصن الغنمى من المهاجرين الأولين وممن لا حساب عليه علي بن أبي طالب الهاشمي أمير المؤمنين أحد الخلفاء الأربعة وأحد الثلاثة الذين بارزوا يومئذ رضي الله عنه عمار بن ياسر العنسي المذحجي من المهاجرين الأولين عمارة بن حزم بن زيد النجاري عمر ابن الخطاب أمير المؤمنين أحد الخلفاء الأربعة وأحد الشيخين المقتدى بهم رضي الله عنهما عمر ابن عمرو بن إياس من أهل اليمن حليف لبني لوذان بن عمرو بن سالم وقيل هو أخو ربيع وورقة عمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر أبو حكيم عمرو بن الحارث بن زهير ابن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبشة بن الحارث بن فهر الفهري عمرو بن سراقة العدوي من المهاجرين عمرو بن أبي سرح الفهري من المهاجرين وقال الواقدي وابن عائذ معمر (3/322)
بدل عمرو عمرو بن طلق بن زيد بن أمية بن سنان بن كعب بن غنم وهو في بني حرام عمرو بن الجموح بن حرام الانصاري عمرو بن قيس بن زيد بن سواد بن مالك بن غنم ذكره الواقدي والاموي عمرو بن قيس بن مالك بن عدي بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي بن عامر أبو خارجة ولم يذكره موسى بن عقبة عمرو بن عامر بن الحارث الفهري ذكره موسى بن عقبة عمرو ابن معبد بن الازعر الأوسي عمرو بن معاذ الأوسي أخو سعد بن معاذ عمير بن الحارث بن ثعلبة ويقال عمرو بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة السلمي عمير بن حرام بن الجموح السلمي ذكره ابن عائذ والواقدي عمير بن الحمام بن الجموح بن عم الذي قبله قتل يومئذ شهيدا عمير بن عامر بن مالك ابن الخنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن أبو داود المازني عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو وسماه الأموي وغيره عمرو بن عوف وكذا وقع في الصحيحين في حديث بعث أبي عبيدة إلى البحرين عمير بن مالك بن أهيب الزهري أخو سعد بن أبي وقاص قتل يومئذ شهيدا عنترة مولى بني سليم وقيل إنه منهم فالله أعلم عوف بن الحارث بن رفاعة بن الحارث النجاري وهو ابن عفراء بنت عبيد بن ثعلبة النجارية قتل يومئذ شهيدا عويم بن ساعدة الانصاري من بني أمية ابن زيد عياض بن غنم الفهري من المهاجرين الاولين رضي الله عنهم أجمعين
حرف الغين
غنام بن أوس الخزرجي ذكره الواقدي وليس بمجمع عليه
حرف الفاء
الفاكه بن بشر بن الفاكه الخزرجي فروة بن عمرو بن ودفة الخزرجي
حرف القاف
قتادة بن النعمان الأوسي قدامة بن مظعون الجمحي من المهاجرين أخو عثمان وعبد الله قطبة ابن عامر بن حديدة السلمي قيس بن السكن النجاري قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد المازني كان على الساقة يوم بدر قيس بن محصن بن خالد الخزرجي قيس بن مخلد بن ثعلبة النجاري
حرف الكاف
كعب بن حمان ويقال جمار ويقال جماز وقال ابن هشام كعب بن عبشان ويقال كعب بن مالك (3/323)
ابن ثعلبة بن جماز وقال الاموي كعب بن ثعلبة بن حبالة بن غنم الغساني من حلفاء بني الخزرج بن ساعدة كعب بن زيد بن قيس النجاري كعب بن عمرو أبو اليسر السلمي كلفة بن ثعلبة أحد البكائين ذكره موسى بن عقبة كناز بن حصين بن يربوع أبو مرثد الغنوي من المهاجرين الأولين
حرف الميم
مالك بن الدخشم ويقال ابن الدخشن الخزرجي مالك بن أبي خولى الجعفي حليف بني عدي مالك بن ربيعة أبو اسيد الساعدي مالك بن قدامة الأوسي مالك بن عمرو أخو ثقف بن عمرو وكلاهما مهاجري وهما من حلفاء بني تميم بن دودان بن أسد مالك بن قدامة الأوسي مالك بن مسعود الخزرجي مالك بن ثابت بن نميلة المزني حليف لبني عمرو بن عوف مبشر بن عبد المنذر ابن زنير الأوسي أخو أبي لبابة ورفاعة قتل يومئذ شهيدا المجذر بن زياد البلوي مهاجري محرز ابن عامر النجاري محرز بن نضلة الاسدي حليف بني عبد شمس مهاجري محمد بن مسلمة حليف بني عبد الاشهل مدلج ويقال مدلاج بن عمرو أخو ثقف بن عمرو مهاجري مرثد بن أبي مرثد 2 الغنوي مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف من المهاجرين الأولين وقيل اسمه عوف مسعود بن أوس الانصاري النجاري مسعود بن خلدة الخزرجي مسعود بن ربيعة القاري حليف بني زهرة مهاجري مسعود بن سعد ويقال ابن عبد سعد بن عامر بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث مسعود بن سعد بن قيس الخزرجي مصعب بن عمير العبدري مهاجري كان معه اللواء يومئذ معاذ بن جبل الخزرجي معاذ بن الحارث النجاري هذا هو ابن عفراء أخو عوف ومعوذ معاذ بن عمرو بن الجموح الخزرجي معاذ بن ماعض الخزرجي أخو عائذ معبد بن عباد بن قشير بن الفدم بن سالم بن غنم ويقال معبد بن عبادة بن قيس وقال الواقدي قشعر بدل قشير وقال ابن هشام قشعر ابو خميصة معبد بن قيس بن صخر السلمي أخو عبد الله بن قيس معتب بن عبيد بن إياس البلوي القضاعي معتب بن عوف الخزاعي حليف بني مخزوم من المهاجرين معتب بن قشير الاوسي معقل بن المنذر السلمي معمر بن الحارث الجمحي من المهاجرين معن بن عدي الاوسي معوذ بن الحارث الجمحي وهو ابن عفراء أخو معاذ بن عوف معوذ بن عمرو بن الجموح السلمي لعله أخو معاذ بن عمرو المقداد بن عمرو البهراني وهو المقداد بن الاسود من المهاجرين الاولين وهو ذو المقال المحمود ابن المتقدم ذكره وكان أحد الفرسان يومئذ مليل بن وبرة الخزرجي المنذر بن عمرو بن خنيس الساعدي المنذر بن قدامة بن عرفجة الخزرجي المنذر ابن محمد بن عقبة الانصاري من بني جحجبي مهجع مولى عمر بن الخطاب أصله من اليمن وكان أول قتيل من المسلمين يومئذ (3/324)
حرف النون
نصر بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر بن كعب نعمان بن عبد عمرو النجاري وهو أخو الضحاك نعمان بن عمرو بن رفاعة النجاري نعمان بن عصر بن الحارث حليف لبني الأوس نعمان ابن مالك بن ثعلبة الخزرجي ويقال له قوقل نعمان بن يسار مولى لبني عبيد ويقال نعمان بن سنان نوفل بن عبيد الله بن نضلة الخزرجي
حرف الهاء
هانئ بن نيار أبو بردة البلوى خال البراء بن عازب هلال بن أمية الواقفي وقع ذكره في أهل بدر في الصحيحين في قصة كعب بن مالك ولم يذكره أحد من أصحاب المغازي هلال بن المعلى الخزرجي أخو رافع بن المعلى
حرف الواو
واقد بن عبد الله التميمي حليف بني عدي من المهاجرين وديعة بن عمرو بن جراد الجهني ذكره الواقدي وابن عائذ ورقة بن إياس بن عمرو الخزرجي أخو ربيع بن إياس وهب بن سعد ابن أبي سرح ذكره موسى بن عقبة وابن عائذ والواقدي في بني عامر بن لؤي ولم يذكره ابن اسحاق
حرف الياء
يزيد بن الاخنس بن جناب بن حبيب بن جرة السلمي قال السهيلي شهد هو وأبوه وابنه يعني بدرا ولا يعرف لهم نظير في الصحابة ولم يذكرهم ابن اسحاق والأكثرون لكن شهدوا معه بيعة الرضوان يزيد بن الحارث بن قيس الخزرجي وهو الذي يقال له ابن قسحم وهي أمه قتل يومئذ شهيدا ببدر يزيد بن عامر بن حديدة أبو المنذر السلمي يزيد بن المنذر بن سرح السلمي وهو أخو معقل بن المنذر
باب الكنى
أبو أسيد مالك بن ربيعة تقدم أبو الأعور بن الحارث بن ظالم النجاري وقال ابن هشام ابو الاعور الحارث بن ظالم وقال الواقدي أبو الاعور كعب بن الحارث بن جندب بن ظالم أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان تقدم أبو حبة بن عمرو بن ثابت أحد بني ثعلبة بن عمرو بن عوف الانصاري أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة من المهاجرين وقيل اسمه مهشم أبو الحمراء مولى الحارث (3/325)
ابن رفاعة بن عفراء أبو خزيمة بن أوس بن اصرم النجاري أبو سبرة مولى أبي رهم بن عبد العزى من المهاجرين أبو سنان بن محصن بن حرثان أخو عكاشة ومعه ابنه سنان من المهاجرين أبو الصياح ابن النعمان وقيل عمير بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة رجع من الطريق وقتل يوم خيبر رجع لجرح أصابه من حجر فضرب له بسهمه أبو عرفجة من خلفاء بني جحجبي أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو لبابة بشير بن عبد المنذر تقدم أبو مرثد الغنوي كناز بن حصين تقدم أبو مسعود البدري عقبة بن عمرو تقدم أبو مليل بن الأزعر بن زيد الأوسي فصل
فكان جملة من شهد بدرا من المسلمين ثلثمائة وأربعة عشر رجلا منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قال البخاري حدثنا عمرو بن خالد ثنا زهير ثنا أبو اسحاق سمعت البراء بن عازب يقول حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ورضي عنهم ممن شهد بدرا أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر بضعة عشر وثلاثمائة قال البراء لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن ثم رواه البخاري من طريق اسرائيل وسفيان الثوري عن أبي اسحاق عن البراء نحوه قال ابن جرير وهذا قول عامة السلف إنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وقال أيضا حدثنا محمود ثنا وهب عن شعبة عن أبي اسحاق عن البراء قال استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين والانصار نيفا وأربعين ومائتين هكذا وقع في هذه الرواية وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبيد المحاربي ثنا أبو مالك الجنبي عن الحجاج وهو ابن أرطأة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال كان المهاجرون يوم بدر سبعين رجلا وكان الانصار مائتين وستة وثلاثين رجلا وكان حامل راية النبي صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب وحامل راية الأنصار سعد بن عبادة وهذا يقتضي انهم كانوا ثلثمائة وستة رجال قال ابن جرير وقيل كانوا ثلثمائة وسبعة رجال
قلت وقد يكون هذا عد معهم النبي صلى الله عليه و سلم والأول عدهم بدونه فالله أعلم وقد تقدم عن ابن اسحاق أن المهاجرين كانوا ثلاثة وثمانين رجلا وأن الأوس أحد وستون رجلا والخزرج مائة وسبعون رجلا وسردهم وهذا مخالف لما ذكره البخاري ولما روي عن ابن عباس فالله أعلم وفي الصحيح عن أنس أنه قيل له شهدت بدرا فقال وأين أغيب وفي سنن أبي داود عن سعيد بن منصور عن أبى معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر بن عبد ا الله بن عمرو بن حرام أنه قال كنت أميح الاصحابي الماء يوم بدر وهذان لم يذكرهما البخاري ولا الضياء فالله أعلم (3/326)
قلت وفي الذين عدهم ابن اسحاق في أهل بدر من ضرب له بسهم في مغنمها وأنه لم يحضرها تخلف عنها لعذر أذن له في التخلف بسببها وكانوا ثمانية أو تسعة وهم عثمان بن عفان تخلف على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمرضها حتى ماتت فضرب له بسهمه وأجره وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كان بالشام فضرب له بسهمه وأجره وطلحة بن عبيد الله كان بالشام أيضا فضرب له بسهمه وأجره وأبو لبابة بشير بن عبد المنذر رده رسول الله صلى الله عليه و سلم من الروحاء حين بلغه خروج النفير من مكة فاستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره والحارث بن حاطب بن عبيد بن أمية رده رسول الله صلى الله عليه و سلم أيضا من الطريق وضرب له بسهمه وأجره والحارث بن الصمة كسر بالروحاء فرجع فضرب له بسهمه زاد الواقدي وأجره وخوات بن جبير لم يحضر الوقعة وضرب له بسهمه وأجره وأبو الصياح بن ثابت خرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأصاب ساقه فصيل حجر فرجع وضرب له بسهمه وأجره قال الواقدي وسعد أبو مالك تجهز ليخرج فمات وقيل إنه مات بالروحاء فضرب له بسهمه وأجره وكان الذين استشهدوا من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا من المهاجرين ستة وهم عبيدة بن الحارث ابن المطلب قطعت رجله فمات بالصفراء رحمه الله وعمير بن أبي الوقاص أخو سعد بن أبي وقاص الزهري قتله العاص بن سعيد وهو ابن ست عشرة سنة ويقال إنه كان قد أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بالرجوع لصغره فبكى فأذن له في الذهاب فقتل رضي الله عنه وحليفهم ذو الشمالين بن عبد عمرو الخزاعي وصفوان بن بيضاء وعاقل بن البكير الليثي حليف بني عدي ومهجع مولى عمر بن الخطاب وكان أول قتيل قتل من المسلمين يومئذ ومن الانصار ثمانية وهم حارثة بن سراقة رماه حبان بن العرقة بسهم فاصاب حنجرته فمات ومعوذ وعوف ابنا عفراء ويزيد بن الحارث ويقال ابن قسحم وعمير بن الحمام ورافع بن المعلى بن لوذان وسعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر رضي الله عن جميعهم وكان مع المسلمين سبعون بعيرا كما تقدم قال ابن اسحاق وكان معهم فرسان على أحدهما المقداد بن الاسود واسمها بغرجة ويقال ستجة وعلى الأخرى الزبير بن العوام واسمها اليعسوب وكان معهم لواء يحمله مصعب بن عمير ورايتان يحمل احداهما للمهاجرين علي بن أبي طالب والتي للانصار يحملها سعد بن عبادة وكان رأس مشورة المهاجرين أبو بكر الصديق ورأس مشورة الانصار سعد بن معاذ
وأما جمع المشركين فأحسن ما يقال فيهم إنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف وقد نص عروة وقتادة أنهم كانوا تسعمائة وخمسين رجلا وقال الواقدي كانوا تسعمائة وثلاثين رجلا وهذا التحديد يحتاج إلى دليل وقد تقدم في بعض الاحاديث أنهم كانوا أزيد من ألف فلعله عدد أتباعهم معهم والله أعلم وقد تقدم الحديث الصحيح عند البخاري عن البراء أنه قتل منهم سبعون وأسر (3/327)
سبعون وهذا قول الجمهور ولهذا قال كعب بن مالك في قصيدة له ... فاقام بالعطن المعطن منهم ... سبعون عتبة منهم والأسود ...
وقد حكى الواقدي الاجماع على ذلك وفيما قاله نظر فان موسى بن عقبة وعروة بن الزبير قالا خلاف ذلك وهما من أئمة هذا الشان فلا يمكن حكاية الاتفاق بدون قولهما وإن كان قولهما مرجوحا بالنسبة إلى الحديث الصحيح والله أعلم وقد سرد أسماء القتلى والاسارى ابن اسحاق وغيره وحرر ذلك الحافظ الضياء في أحكامه جيدا وقد تقدم في غضون سياقات القصة ذكر أول من قتل منهم وهو الاسود بن عبد الاسد المخزومي وأول من فر وهو خالد بن الاعلم الخزاعي أو العقيلي حليف بني مخزوم وما أفاده ذلك فانه أسر وهو القائل في شعره ... ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدم ...
فما صدق في ذلك وأول من أسروا عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث قتلا صبرا بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم من بين الاسارى وقد اختلف في أيهما قتل أولا على قولين وأنه عليه السلام أطلق جماعة من الاسارى مجانا بلا فداء منهم أبو العاص بن الربيع الاموي والمطلب بن حنطب ابن الحارث المخزومي وصيفي بن أبي رفاعة كما تقدم وأبو عزة الشاعر ووهب بن عمير بن وهب الجمحي كما تقدم وفادى بقيتهم حتى عمه العباس أخذ منه أكثر مما أخذ من سائر الاسرى لئلا يحابيه لكونه عمه مع أنه قد سأله الذين أسروه من الانصار أن يتركوا له فداءه فأبى عليهم ذلك وقال لا تتركوا منه درهما وقد كان فداؤهم متفاوتا فأقل ما أخذ أربعمائة ومنهم من أخذ منه أربعون أوقية من ذهب قال موسى بن عقبة وأخذ من العباس مائة أوقية من ذهب ومنهم من استؤجر على عمل بمقدار فدائه كما قال الامام احمد حدثنا علي بن عاصم قال قال داود ثنا عكرمة عن ابن عباس قال كان ناس من الاسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم فداءهم أن يعلموا أولاد الانصار الكتابة قال فجاء غلام يوما يبكي إلى أمه فقالت ما شأنك فقال ضربني معلمي فقالت الخبيث يطلب بدخل بدر والله لا تأتيه أبدا انفرد به احمد وهو على شرط السنن وتقدم بسط ذلك كله ولله الحمد والمنة
فصل في فضل من شهد بدرا من المسلمين
قال البخاري في هذا الباب حدثنا عبد الله بن محمد ثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو اسحاق عن حميد سمعت أنسا يقول أصيب حارثة يوم بدر فجاءت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فان يك في الجنة أصبر وأحتسب وأن تكن الاخرى فترى ما أصنع فقال ويحك أوهبلت أو جنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه في جنة الفردوس تفرد به (3/328)
البخاري من هذا الوجه وقد روى من غير هذا الوجه من حديث ثابت وقتادة عن أنس وأن حارثة كان في النظارة وفيه أن ابنك أصاب الفردوس الاعلى وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر فان هذا الذي لم يكن في بحيحة القتال ولا في حومة الوغى بل كان من النظارة من بعيد وانما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس التي هي أعلى الجنان وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة التي أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها فاذا كان هذا حال هذا فما ظنك بمن كان واقفا في نحر العدو وعدوهم على ثلاثة أضعافهم عددا وعددا ثم روى البخاري ومسلم جميعا عن اسحاق بن راهويه عن عبد الله بن ادريس عن حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قصة حاطب بن أبي بلتعة وبعثه الكتاب إلى أهل مكة عام الفتح وأن عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ضرب عنقه فانه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ولفظ البخاري أليس من أهل بدر ولعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم وروى مسلم عن قتيبة عن الليث عن أبي الزبير عن جابر ان عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم يشكو حاطبا قال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذبت لا يدخلها إنه شهد بدرا والحديبية وقال الامام احمد حدثنا سليمان بن داود حدثنا أبو بكر بن عياش حدثني الاعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لن يدخل النار رجل شهد بدرا أو الحديبية تفرد به احمد وهو على شرط مسلم وقال الامام احمد حدثنا يزيد أنبأنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ورواه أبو داود عن احمد بن سنان وموسى بن اسماعيل كلاهما عن يزيد بن هارون به وروى البزار في مسنده ثنا محمد بن مرزوق ثنا أبو حذيفة ثنا عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأرجو أن لا يدخل النار من شهد بدرا إن شاء الله ثم قال لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه قلت وقد تفرد البزار بهذا الحديث ولم يخرجوه وهو على شرط الصحيح والله أعلم
وقال البخاري في باب شهود الملائكة بدرا حدثنا اسحاق بن ابراهيم ثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة انفرد به البخاري (3/329)
قدوم زينب بنت الرسول صلى الله عليه و سلم من مكة الى المدينة
قال ابن اسحاق ولما رجع أبو العاص إلى مكة وقد خلى سبيله يعني كما تقدم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة ورجلا من الانصار مكانه فقال كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصاحباها فتأتياني بها فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر أو شيعه فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بابيها فخرجت تجهز قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر قال حدثت عن زينب أنها قالت بينا أنا أتجهز لقيتني هنذ بنت عتبة فقالت يا ابنة محمد ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بابيك قالت فقلت ما أردت ذلك فقالت أي ابنة عم لا تفعلي إن كان لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك أو بمال تتبلغين به إلى أبيك فان عندي حاجتك فلا تضطبني مني فانه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال قالت والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل قالت ولكني خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك قال ابن اسحاق فتجهزت فلما فرغت من جهازها قدم اليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا فركبته وأخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود بها وهي في هودج لها وتحدث بذلك رجال من قريش فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى وكان أول من سبق إليها هبار بن الاسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى الفهري فروعها هبار بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملا فيما يزعمون فطرحت وبرك حموها كنانة ونثر كنانته ثم قال والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما فتكركر الناس عنه وأتى أبو سفيان في جلة من قريش فقال يا أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك فكف فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال إنك لم تصب خرجت بالمرأة على رؤس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد فيظن الناس إذ خرجت بابنته اليه علانية على رؤس الناس من بين أظهرنا إن ذلك عن ذل اصابنا وإن ذلك ضعف منا ووهن ولعمري ما لنا بحبسها من أبيها من حاجة وما لنا من ثورة ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الاصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سراء والحقها بأبيها قال ففعل وقد ذكر ابن اسحاق أن أولئك النفر الذين ردوا زينب لما رجعوا إلى مكة قالت هند تذمهم على ذلك ... أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة ... وفي الحرب أشباه النساء العوارك ...
وقد قيل إنها قالت ذلك للذين رجعوا من بدر بعد ما قتل منهم الذين قتلوا قال ابن اسحاق فاقامت ليال حتى إذا هدأت الاصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها ليلا على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روى البيهقي في الدلائل من طريق عمر بن عبد الله بن عروة (3/330)
ابن الزبير عن عروة عن عائشة فذكر قصة خروجها وردهم لها ووضعها ما في بطنها وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث زيد بن حارثة وأعطاه خاتمه لتجيء معه فتلطف زيد فاعطاه راعيا من مكة فاعطى الخاتم لزينب فلما رأته عرفته فقالت من دفع اليك هذا قال رجل في ظاهر مكة فخرجت زينب ليلا فركبت وراءه حتى قدم بها المدينة قال فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول هي أفضل بناتي أصيبت في قال فبلغ ذلك علي بن الحسين بن زين العابدين فأتى عروة فقال ما حديث بلغني أنك تحدثته فقال عروة والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب وأني انتقص فاطمة حقا هو لها وأما بعد ذلك أن لا أحدث به أبدا قال ابن اسحاق فقال في ذلك عبد الله بن رواحة أو ابو خيثمة أخو بني سالم ابن عوف قال ابن هشام هي لابي خيثمة ... أتاني الذي لا يقدر الناس قدره ... لزينب فيهم من عقوق ومأثم ... واخراجها لم يخز فيها محمد ... على مأقط وبيننا عطر منشم ... وأمسى أبو سفيان من حلف ضمضم ... ومن حربنا في رغم أنف ومندم ... قرنا ابنه عمرا ومولى يمينه ... بذي حلق جلد الصلاصل محكم ... فاقسمت لا تنفك منا كتائب ... سراة خميس من لهام مسوم ... نروع قريش الكفر حتى نعلها ... بخاطمة فوق الأنوف بميسم ... ننزلهم أكناف نجد ونخلة ... وإن يتهموا بالخيل والرجل نتهم ... يدى الدهر حتى لا يعوج سردنا ... ونلحقهم آثار عاد وجرهم ... ويندم قوم لم يطيعوا محمدا ... على أمرهم وأي حين تندم ... فأبلغ أبا سفيان إما لقيته ... لئن أنت لم تخلص سجودا وتسلم ... فأبشر بخزي في الحياة معجل ... وسر بال قار خالدا في جهنم ...
قال ابن اسحاق ومولى يمين أبي سفيان الذي عناه هو عامر بن الحضرمي وقال ابن هشام إنما هو عقبة بن عبد الحارث بن الحضرمي فاما عامر بن الحضرمي فإنه قتل يوم بدر قال ابن اسحاق وقد حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي اسحاق الدوسي عن أبي هريرة قال بعث النبي صلى الله عليه و سلم سرية أنا فيها فقال إن ظفرتم بهبار بن الاسود والرجل الذي سبق معه إلى زينب فحرقوهما بالنار فلما كان الغد بعث الينا فقال إني قد كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموهما ثم رأيت أنه لا ينبغي لاحد أن يحرق بالنار إلا الله عز و جل فان ظفرتم بهما فاقتلوهما تفرد به ابن اسحاق وهو على شرط السنن ولم يخرجوه (3/331)
وقال البخاري حدثنا قتيبة ثنا الليث عن بكير عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا فاحرقوهما بالنار ثم قال حين أردنا الخروج إني أمرتكم ان تحرقوا فلانا وفلانا وأن النار لا يعذب بها إلا الله فان وجدتموها فاقتلوهما وقد ذكر ابن اسحاق أن أبا العاص أقام بمكة على كفره واستمرت زينب عند أبيها بالمدينة حتى اذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش فلما قفل من الشام لقيته سرية فاخذوا ما معه وأعجزهم هربا وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فاجارته فلما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لصلاة الصبح وكبر وكبر الناس صرخت من صفة النساء أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل على الناس فقال أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت قالوا نعم قال أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم وإنه يجير على المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل على ابنته زينب فقال أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن اليك فانك لا تحلين له قال وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم فحثهم على رد ما كان معه فردوه بأسره لا يفقد منه شيئا فاخذه أبو العاص فرجع به إلى مكة فاعطى كل اسنان ما كان له ثم قال يا معشر قريش هل بقي لاحد منكم عندي مال لم يأخذه قالوا لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما قال فإني أشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والله ما منعني عن الاسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل اموالكم فلما اداها الله اليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق فحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال رد عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب على النكاح الاول ولم يحدث شيئا وهذا الحديث قد رواه الامام احمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن اسحاق وقال الترمذي ليس باسناده بأس ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث ولعله قد جاء من قبل حفظ داود بن الحصين وقال السهيلي لم يقل به أحد من الفقهاء فيما علمت وفي لفظ ردها عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ست سنين وفي رواية بعد سنتين بالنكاح الاول رواه ابن جرير وفي رواية لم يحدث نكاحا وهذا الحديث قد اشكل على كثير من العلماء فان القاعدة عندهم أن المرأة إذا اسلمت وزوجها كافر فان كان قبل الدخول تعجلت الفرقة وإن كان بعده انتظر إلى انقضاء العدة فإن أسلم فيها استمر على نكاحها وإن انقضت ولم يسلم انفسخ نكاحها وزينب رضي الله عنها أسلمت حين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم وهاجرت بعد بدر بشهر وحرم المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست وأسلم أبو العاص قبل الفتح سنة ثمان فمن قال ردها عليه بعد ست سنين أي من حين هجرتها فهو صحيح ومن قال بعد سنتين أي من حين حرمت المسلمات على المشركين فهو صحيح أيضا وعلى كل تقدير فالظاهر انقضاء عدتها في (3/332)
هذه المدة التي أقلها سنتان من حين التحريم أو قريب منها فكيف ردها عليه بالنكاح الاول فقال قائلون يحتمل أن عدتها لم تنقض وهذه قصة يمين يتطرق اليها الاحتمال وعارض آخرون هذا الحديث بالحديث الاول الذي رواه احمد والترمذي وابن ماجه من حديث الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رد بنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد قال الامام احمد هذا حديث ضعيف رواه ولم يسمع الحجاج من عمرو بن شعيب إنما سمعه من محمد بن عبيد الله العرزمي والعرزمي لا يساوي حديثه شيئا والحديث الصحيح الذي روى أن النبي صلى الله عليه و سلم أقرها على النكاح الاول وهكذا قال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث والصواب حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ردها بالنكاح الاول وقال الترمذي هذا حديث في اسناده مقال والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا اسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها أنه أحق بها ما كانت في العدة وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي واحمد واسحاق وقال آخرون بل الظاهر انقضاء عدتها ومن روى أنه جدد لها نكاحا فضعيف ففي قضية زينب والحالة هذه دليل على أن المرأة إذا أسلمت وتأخر اسلام زوجها حتى انقضت عدتها فنكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك بل يبقى بالخيار إن شاءت تزوجت غيره وإن شاءت تربصت وانتظرت اسلام زوجها أي وقت كان وهي امرأته ما لم تتزوج وهذا القول فيه قوة وله حظ من جهة الفقه والله أعلم ويستشهد لذلك بما ذكره البخاري حيث قال نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن حدثنا ابراهيم بن موسى ثنا هشام عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كان المشركون على منزلتين من رسول الله صلى الله عليه و سلم والمؤمنين كانوا مشركي أهل الحرب يقاتلونهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فاذا طهرت حل لها النكاح فان هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه وإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حران ولهما ما للمهاجرين ثم ذكر أهل العهد مثل حديث مجاهد هذا لفظه بحروفه فقوله فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر يقتضي أنها كانت تستبرئ بحيضة ولا تعتد بثلاثة قروء وقد ذهب قوم إلى هذا وقوله فان هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت اليه يقتضي أنه وإن هاجر بعد انقضاء مدة الاستبراء والعدة أنها ترد إلى زوجها الاول ما لم تنكح زوجا غيره كما هو الظاهر من قصة زينب بنت النبي صلى الله عليه و سلم وكما ذهب اليه من ذهب من العلماء والله أعلم
ما قيل من الاشعار في بدر العظمى
فمن ذلك ما ذكره ابن اسحاق عن حمزة بن عبد المطلب وأنكرها ابن هشام ... ألم تر أمرا كان من عجب الدهر ... وللحين أسباب مبينة الأمر (3/333)
وما ذاك إلا أن وقوما افادهم ... فخافوا تواص بالعقوق وبالكفر ... عشية راحوا نحو بدر بجمعهم ... وكانوا رهونا للركية من بدر ... وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها ... فساروا الينا فالتقينا على قدر ... فلما التقينا لم تكن مثنوية ... لنا غير طعن بالمثقفة السمر ... وضرب ببيض يختلي الهام حدها ... مشهرة الالوان بينة الاثر ... ونحن تركنا عتبة الغي ثاويا ... وشيبة في قتلى نجرجم في الجفر ... وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم ... فشقت جيوب النائحات على عمرو ... جيوب نساء من لؤي بن غالب ... كرام تفرعن الذوائب من فهر ... أولئك قوم قتلوا في ضلالهم ... وخلوا لواء غير محتضر النصر ... لواء ضلال قاد ابليس أهله ... فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر ... وقال لهم إذ عاين الامر واضحا ... برئت اليكم ما بي اليوم من صبر ... فإني أرى مالا ترون وإنني ... أخاف عقاب الله والله ذو قسر ... فقدمهم للحين حتى تورطوا ... وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر ... فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا ... ثلاث مئين كالمسدمة الزهر ... وفينا جنود الله حين يمدنا ... بهم في مقام ثم مستوضح الذكر ... فشد بهم جبريل تحت لوائنا ... لدل مأزق فيه مناياهم تجري ...
وقد ذكر ابن اسحاق جوابها من الحارث بن هشام تركناها عمدا وقال علي بن أبي طالب وأنكرها ابن هشام ... ألم تر أن الله أبلى رسوله ... بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل ... بما أنزل الكفار دار مذلة ... فلاقوا هوانا من أسار ومن قتل ... فأمسى رسول الله قد عز نصره ... وكان رسول الله أرسل بالعدل ... فجاء بفرقان من الله منزل ... مبينة آياته لذوي العقل ... فآمن أقوام بذاك وأيقنوا ... فامسوا بحمد الله مجتمعي الشمل ... وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم ... فزادهم ذو العرش خبلا على خبل ... وامكن منهم يوم بدر رسوله ... وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل ... بايديهم بيض خفاف عصوا بها ... وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل ... فكم تركوا من ناشئ ذي حمية ... صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل (3/334)
تبيت عيون النائحات عليهم ... تجود بأسبال الرشاش وبالوبل ... نوائح تنعي عتبة الغي وابنه ... وشيبة تنعاه وتنعي أبا جهل ... وذا الرجل تنعى وابن جدعان فيهم ... مسلبة حرى مبينة الثكل ... ثوى منهم في بئر بدر عصابة ... ذوو نجدات في الحروب وفي المحل ... دعا الغي منهم من دعا فأجابه ... وللغي أسباب مرمقة الوصل ... فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل ... عن الشغب والعدوان في أسفل السفل ...
وقد ذكر ابن اسحاق نقيضها من الحارث أيضا تركناها قصدا وقال كعب بن مالك ... عجبت لامر الله والله قادر ... على ما أراد ليس لله قاهر ... قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا ... بغوا وسبيل البغي بالناس جائر ... وقد حشدوا واستنفروا من يليهم ... من الناس حتى جمعهم متكاثر ... وسارت الينا لا تحاول غيرنا ... بأجمعها كعب جميعا وعامر ... وفينا رسول الله والاوس حوله ... له معقل منهم عزيز وناصر ... وجمع بني النجار تحت لوائه ... يمشون في الماذي والنقع ثائر ... فلما لقيناهم وكل مجاهد ... لأصحابه مستبسل النفس صابر ... شهدنا بأن الله لا رب غيره ... وأن رسول الله بالحق ظاهر ... وقد عريت بيض خفاف كأنها ... مقاييس يزهيها لعينيك شاهر ... بهن أبدنا جمعهم فتبددوا ... وكان يلاقي الحين من هو فاجر ... فكب أبو جهل صريعا لوجهه ... وعتبة قد غادرته وهو عاثر ... وشيبة والتيمي غادرت في الوغى ... وما منهم إلا بذي العرش كافر ... فأمسوا وقود النار في مستقرها ... وكل كفور في جهنم صائر ... تلظى عليهم وهي قد شب حميها ... بزبر الحديد والحجارة ساجر ... وكان رسول الله قد قال أقبلوا ... فولوا وقالوا إنما أنت ساحر ... لأمر أراد الله أن يهلكوا به ... وليس لأمر حمه الله زاجر ...
وقال كعب في يوم بدر ... الا هل أتى غسان في ناي دارها ... وأخبر شيء بالأمور عليمها ... بأن قد رمتنا عن قسي عداوة ... معد معا جهالها وحليمها (3/335)
لأنا عبدنا الله لم نرجو غيره ... رجاء الجنان إذ أتانا زعيمها ... نبي له في قومه إرث عزة ... وأعراق صدق هذبتها أرومها ... فساروا وسرنا فالتقينا كأننا ... أسود لقاء لا يرجى كليمها ... ضربناهم حتى هوى في مكرنا ... لمنخر سوء من لؤي عظيمها ... فولوا ودسناهم ببيض صوارم ... سواء علينا حلفها وصميمها ...
وقال كعب أيضا ... لعمر أبيكما يا ابني لؤي ... على زهو لديكم وانتخاء ... لما حامت فوارسكم ببدر ... ولا صبروا به عند اللقاء ... وردناه ونور الله يجلو ... دجى الظلماء عنا والغطاء ... رسول الله يقدمنا بأمر ... من أمر الله احكم بالقضاء ... فما ظفرت فوارسكم ببدر ... وما رجعوا رجعوا اليكم بالسواء ... فلا تعجل أبا سفيان وارقب ... جياد الخيل تطلع من كداء ... بنصر الله روح القدس فيها ... وميكال فياطيب الملاء ...
وقال حسان بن ثابت قال ابن هشام ويقال هي لعبد الله بن الحارث السهمي ... مستشعري حلق الماذي يقدمهم ... جلد النحيزة ماض غير رعديد ... أعني رسول إله الخلق فضله ... على البرية بالتقوى وبالجود ... وقد زعمتم بأن تحموا ذماركم ... وماء بدر زعمتم غير مورود ... مستعصمين بحبل غير منجذم ... مستحكم من حبال الله ممدود ... فينا الرسول وفينا الحق نتبعه ... حتى الممات ونصر غير محدود ... واف وماض شهاب يستضاء به ... بدر انار على كل الأماجيد ...
وقال حسان بن ثابت أيضا ... الا ليت شعري هل أتى أهل مكة ... إبادتنا الكفار في ساعة العسر ... قتلنا سراة القوم عند مجالنا ... فلم يرجعوا إلا بقاصمة الظهر ... قتلنا أبا جهل وعتبة قبله ... وشيبة يكبو لليدين وللنحر ... قتلنا سويدا ثم عتبة بعده ... وطعمة أيضا عند ثائرة القتر (3/336)
فكم قد قتلنا من كريم مسودا ... له حسب في قومه نابه الذكر ... تركناهموا للعاويات يتبنهم ... ويصلون نارا بعد حامية القعر ... لعمرك ما حامت فوارس مالك ... وأشياعهم يوم التقينا على بدر ...
وقال عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في يوم بدر في قطع رجله في مبارزته هو وحمزة وعلى مع عتبة وشيبة والوليد بن عتبة وأنكرها ابن هشام ... ستبلغ عنا أهل مكة وقعة ... يهب لها من كان عن ذاك نائيا ... بعتبة إذ ولى وشيبة بعده ... وما كان فيها بكر عتبة راضيا ... تقطعوا رجلي فإني مسلم ... أرتجي بها عيشا من الله دانيا ... أمثال التماثيل أخلصت ... من الجنة العليا لمن كان عاليا ... عيشا تعرفت صفوه ... وعاجلته حتى فقدت الأدانيا ... حمن من فضل منه ... بثوب من الاسلام غطى المساويا ... مكروها إلي قتالهم ... غداة دعا الاكفاء من كان داعيا ... بلغ إذ سألوا النبي سواءنا ... ثلاثتنا حتى حصرنا المناديا ... لقيناهم كالأسد تخطر بالقنا ... نقاتل في الرحمن من كان عاصيا ... فما برحت أقدامنا من مقامنا ... ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا ...
وقال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا يذم الحارث بن هشام على فراره يوم بدر وتركه قومه لا يقاتل دونهم ... تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تشفي الضجيع ببارد بسام ... كالمسك تخلطه بماء سحابة ... أو عاتق كدم الذبيح مدام ... نفج الحقيبة يوصها متنضد ... بلهاء غير وشيكة الاقسام ... بنيت على قطن أجم كأنه ... فضلا إذا قعدت مداك رخام ... وتكاد تكسل أن تجيء فراشها ... في جسم خرعبة وحسن قوام ... أما النهار فلا أفتر أذكرها ... والليل توزعني بها أحلامي ... أقسمت أنساها وأترك ذكرها ... حتى تغيب في الضريح عظامي ... بل من لعاذلة تلوم سفاهة ... ولقد عصيت على الهوى لوامي (3/337)
بكرت إلي بسحرة بعد الكرى ... وتقارب من حادث الايام ... زعمت بأن المرء يكرب عمره ... عدم لمعتكر من الإصرام ... إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام ... ترك الأحبة ان يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام ... يذر العناجيج الجياد بقفرة ... من الذمول بمحصد ورجام ... ملأت به الفرجين فأرمدت به ... وثوى أحبته بشر مقام ... وبنو أبيه ورهطه في معرك ... نصر الآله به ذوي الاسلام ... طحنتهم والله ينفذ أمره ... حرب يشب سعيرها بضرام ... لولا الآله وجريها لتركنه ... جزر السباع ودسنه بحوام ... من بين مأسور يشد وثاقه ... صقر إذا لاقى الاسنة حام ... ومجدل لا يستجيب لدعوة ... حتى تزول شوامخ الاعلام ... بالعار والذل المبين إذ رأى ... بيض السيوف تسوق كل همام ... بيدي أغر إذا انتمى لم يخزه ... نسب القصار سميدع مقدام ... بيض إذا لاقت حديدا صممت ... كالبرق تحت ظلال كل غمام ...
قال ابن هشام تركنا في آخرها ثلاث أبيات أقذع فيها قال ابن هشام فأجابه الحارث بن هشام أخو ابي جهل عمرو بن هشام فقال ... القوم أعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزبد ... وعرفت أني أن أقاتل واحدا ... أقتل ولا ينكى عدوي مشهدي ... فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد ...
وقال حسان أيضا
... يا جار عولت غير معول ... عند الهياج وساعة الإحساب ... إذ تمتطي سرح اليدين نجيبة ... مرطى الجراء طويلة الاقراب ... والقوم خلفك قد تركت قتالهم ... ترجو النجاة وليس حين ذهاب ... ألا عطفت على ابن أمك إذ ثوى ... قعص الأسنة ضائع الاسلاب ... عجل المليك له فأهلك جمعه ... بشنار مخزية وسوء عذاب (3/338)
وقال حسان أيضا ... لقد علمت قريش يوم بدر ... غداة الاسر والقتل الشديد ... بأنا حين تشتجر العوالي ... حماة الحرب يوم أبي الوليد ... قتلنا ابني ربيعة يوم سارا ... إلينا في مضاعفة الحديد ... وفر بها حكيم يوم جالت ... بنو النجار تخطر كالأسود ... وولت عند ذاك جموع فهر ... وأسلمها الحويرث من بعيد ... لقد لاقيتموا ذلا وقتلا ... جهيزا نافذا تحت الوريد ... وكل القوم قد ولوا جميعا ... ولم يلووا على الحسب التليد ...
وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب ترثي عبيدة بن الحارث بن المطلب ... لقد ضمن الصفراء مجدا وسؤددا ... وحلما أصيلا وافر اللب والعقل ... عبيدة فأبكيه لأضياف غربة ... وأرملة تهوي لأشعث كالجذل ... وبكيه للأقوام في كل شتوة ... إذا احمر آفاق السماء من المحل ... وبكيه للأيتام والريح زفرف ... وتشبيب قدر طالما أزبدت تغلي ... فإن تصبح النيران قد مات ضوؤها ... فقد كان يذكيهن بالحطب الجزل ... لطارق ليل أو لملتمس القرى ... ومستنبح أضحى لديه على رسل ...
وقال الاموي في مغازيه حدثني سعيد بن قطن قال قالت عاتكة بنت عبد المطلب في رؤياها التي رأت وتذكر بدرا ... ألما تكن رؤياي حقا ويأتكم ... بتأويلها فل من القوم هارب ... رأى فأتاكم باليقين الذي رأى ... بعينيه ما تفري السيوف القواضب ... فقلتم ولم أكذب عليكم وإنما ... يكذبني بالصدق من هو كاذب ... وما جاء إلا رهبة الموت هاربا ... حكيم وقد أعيت عليه المذاهب ... أقامت سيوف الهند دون رءوسكم ... وخطية فيها الشبا والتغالب ... كأن حريق النار لمع ظباتها ... إذا ما تعاطتها الليوث المشاغب ... ألا بأبي يوم اللقاء محمدا ... إذا عض من عون الحروب الغوارب ... مري بالسيوف المرهفات نفوسكم ... كفاحا كما تمري السحاب الجنائب ... فكم بردت أسيافه من مليكة ... وزعزع ورد بعد ذلك صالب ... فما بال قتلى في القليب ومثلهم ... لدى ابن أخي أسرى له ما يضارب (3/339)
فكانوا نساء أم أتى لنفوسهم ... من الله حين ساق والحين حالب ... فكيف رأى عند اللقاء محمدا ... بنو عمه والحرب فيها التجارب ... الم يغشكم ضربا يحار لوقعه الجبان وتبدو بالنهار الكواكب ... حلفت لئن عادوا لنصطلينهم ... بحارا تردى تجربتها المقانب ... كأن ضياء الشمس لمع ظباتها ... لها من شعاع النور قرن وحاجب ...
وقالت عاتكة أيضا فيما نقله الاموي ... هلا صبرتم للنبي محمد ... ببدر ومن يغشى الوغى حق صابر ... ولم ترجعوا عن المرهفات كأنها ... حريق بأيدي المؤمنين بواتر ... ولم تصبروا للبيض حتى أخذتموا ... قليلا بأيدي المؤمنين المشاعر ... ووليتموا نفرا وما البطل الذي ... يقاتل من وقع السلاح بنافر ... أتاكم بما جاء النبيون قبله ... وما ابن أخي البر الصدوق بشاعر ... سيكفي الذي ضيعتموا من نبيكم ... وينصره الحيان عمرو وعامر ...
وقال طالب بن أبي طالب يمدح رسول الله صلى الله عليه و سلم ويرثي أصحاب القليب من قريش الذين قتلوا يومئذ من قومه وهو بعد على دين قومه إذ ذاك ... ألا إن عيني أنفذت دمعها سكبا ... تبكي على كعب وما إن ترى كعبا ... ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا ... وأرداهموا اذا الدهر واجترحوا ذنبا ... وعامر تبكي للملمات غدوة ... فيا ليت شعري هل أرى لهم قربا ... فيا أخوينا عبد شمس ونوفل ... فدا لكما لا تبعثوا بيننا حربا ... ولا تصبحوا من بعد ود وإلفة ... أحاديث فيها كلكم يشتكي النكبا ... ألم تعلموا ما كان في حرب داحس ... وحرب أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا ... فلولا دفاع الله لا شيء غيره ... لاصبحتموا لا تمنعون لكم سربا ... فما إن جنينا في قريش عظيمة ... سوى أن حمينا خير من وطيء التربا ... أخا ثقة في النائبات مرزءا ... كريما ثناه لا بخيلا ولا ذربا ... يطيف به العافون يغشون بابه ... يؤمون نهرا لا نزورا ولا صربا (3/340)
فوالله لا تنفك نفسي حزينة ... تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا ... فصل ...
وقد ذكر ابن اسحاق اشعارا من جهة المشركين قوية الصنعة يرثون بها قتلاهم يوم بدر فمن ذلك قول ضرار بن الخطاب بن مرداس أخب بني محارب بن فهر وقد أسلم بعد ذلك والسهيلي في روضه يتكلم على أشعار من أسلم منهم بعد ذلك ... عجبت لفخر الأوس والحين دائر ... عليهم غدا والدهر فيه بصائر ... وفخر بني النجار إن كان معشر ... اصيبوا ببدر كلهم ثم صائر ... فأن تك قتلى غودرت من رجالنا ... فإنا رجالا بعدهم سنغادر ... وتردى بنا الجراد العناجيج وسطكم ... بني الأوس حتى يشفي النفس ثائر ... ووسط بني النجار سوف نكرها ... لها بالقنا والدارعين زوافر ... فنترك صرعى تعصب الطير حولهم ... وليس لهم إلا الاماني ناصر ... وتبكيهم من أرض يثرب نسوة ... لهن بها ليل عن النوم ساهر ... وذلك أنا لا تزال سيوفنا ... بهن دم ممن يحاربن مائر ... فأن تظفروا في يوم بدر فانما ... بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر ... وبالنفر الأخيار هم أولياؤه ... يحامون في اللأواء والموت حاضر ... يعد أبو بكر وحمزة فيهم ... ويدعى على وسط من أنت ذاكر ... أولئك لا من نتجت من ديارها ... بنو الأوس والنجار حين تفاخر ... ولكن أبوهم من لؤي بن غالب ... إذا عدت الانساب كعب وعامر ... هم الطاعنون السيل في كل معرك ... غداة الهياج الأطيبون الاكابر ...
فأجابه كعب بن مالك بقصيدته التي أسلفناها وهي قوله ... عجبت لأمر الله والله قادر ... على ما أراد ليس لله قاهر ...
قال ابن اسحاق وقال أبو بكر واسمه شداد بن الاسود بن شعوب
قلت وقد ذكر البخاري أنه خلف على امرأة أبي بكر الصديق حين طلقها الصديق وذلك حرم الله المشركات على المسلمين واسمها أم بكر ... تحيي بالسلامة أم بكر ... وهل لي بعد قومي من سلام ... فماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات والشرب الكرام (3/341)
وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى تكلل بالسنام ... وكم لك بالطوي طوي بدر ... من الحومات والنعم المسام ... وكم لك بالطوى طوى بدر ... من الغايات والدسع العظام ... وأصحاب الكريم أبي علي ... أخي الكأس الكريمة والندام ... وانك لو رأيت أبا عقيل ... وأصحاب الثنية من نعام ... إذا لظللت من وجد عليهم ... كأم السقب جائلة المرام ... يخبرناالرسل لسوف نحيا ... وكيف حياة أصداء وهام ...
قلت وقد أورد البخاري بعضها في صحيحه ليعرف به حال قائلها قال ابن اسحاق وقال أمية بن أبي الصلت يرثي من قتل من قريش يوم بدر ... ألا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولي الممادح ... كبكا الحمام على فرو ... ع الأيك في الغصن الجوانح ... يبكين حرا مشتكي ... نات يرحن مع الروائح ... امثالهن الباكيا ... ت المعولات من النوائح ... من يبكهم يبكي على ... حزن ويصدق كل مادح ... ماذا ببدر والعقد ... قل من مرازبة جحاجح ... فمدافع البرقين فالحنان من طرف الأواشح ... شمط وشبان بها ... ليل مغاوير وحاوح ... ألا ترون لما أرى ... ولقد أبان لكل لامح ... أن قد تغير بطن مكةفهي موحشة الأباطح ... من كل بطريق لبطريق نقي الود واضح ... دعموص أبواب الملو ... ك وجائب للخرق فاتح ... ومن السراطمة الخلا ... جمة الملاوثة المناجح ... القائلين الفاعل ... ين الآمرين بكل صالح ... المطعمين الشحم فو ... ق الخبز شحما كالانافح ... نقل الجفان مع الجفا ... ن إلى جفان كالمناضح ... ليست بأصفار لمن ... يعفو ولا رح رحارح ... للضيف ثم الضيف بعد الضيف والبسط السلاطح (3/342)
وهب المئين من المئ ... ين إلى المئين من اللواقح ... سوق المؤبل صادرات عن بلادح ... لكرامهم فوق الكرا ... م مزية وزن الرواجح ... كمثاقل الارطال بال ... قسطاس بالآيدي الموائح ... خذلتهموا فئة وهم ... يحمون عورات الفضائح ... الضاربين التقدمية بالمنهدة الصفائح ... ولقد عناني صوتهم ... من بين مستسق وصائح ... لله در بني علي أيم منهم وناكح ... إن لم يغيروا غارة ... شعواء تحجر كل نابح ... بالمقربات المبعدا ... ت الطامحات مع الطوامح ... مردا على جرد إلى ... أسد مكالبة كوالح ... ويلاق قرن قرنه ... مشي المصافح للمصافح ... بزهاء ألف ثم ألف بين ذي بدن ورامح ...
قال ابن هشام تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم
قلت هذا شعر المخذول المعكوس المنكوس الذي حمله كثرة جهله وقلة عقله على أن مدح المشركين وذم المؤمنين واستوحش بمكة من أبي جهل بن هشام وأضرابه من الكفرة اللئام والجهلة الطغام ولم يستوحش بها من عبد الله ورسوله وحبيبه وخليله فخر البشر ومن وجهه أنور من القمر ذي العلم الاكمل والعقل الاشمل ومن صاحبه الصديق المبادر إلى التصديق والسابق إلى الخيرات وفعل المكرمات وبذل الالوف والمئات في طاعة رب الارض والسموات وكذلك بقية أصحابه الغر الكرام الذين هاجروا من دار الكفر والجهل إلى دار العلم والاسلام رضي الله عن جميعهم ما اختلط الضياء بالظلام وما تعاقبت الليالي والايام وقد تركنا أشعارا كثيرة أوردها ابن اسحاق رحمه الله خوف الاطالة وخشية الملالة وفيما أوردنا كفاية ولله الحمد والمنة وقد قال الاموي في مغازيه سمعت أبي حدثنا سليمان بن أرقم عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عفا عن شعر الجاهلية قال سليمان فذكر ذلك الزهرى فقال عفا عنه إلا قصيدتين كلمة أمية التى ذكر فيها أهل بدر وكلمة الاعشى التي يذكر فيها الاخوص وهذا حديث غريب وسليمان بن أرقم هذا متروك والله أعلم (3/343)
قال ابن اسحاق وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من بدر في عقب شهر رمضان أو في شوال ولما قدم المدينة لم يقم بها إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم قال ابن هشام واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم الاعمى قال ابن اسحاق فبلغ ماء من مياههم يقال له الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا فاقام بها بقية شوال وذا القعدة وأفدى في اقامته تلك جل الاسارى من قريش فصل
غزوة بني سليم سنة ثنتين من الهجرة
قال السهيلي والقرقرة الأرض الملساء والكدر طير في ألوانها كدرة قال ابن اسحاق وكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك وكان من أعلم الانصار حين رجع إلى مكة ورجع فل قريش من بدر نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا فخرج في مائتي راكب من قريش لتبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له نيب من المدينة على بريد أو نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير تحت الليل فأتى حيي بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له وخافه فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في أصوار من نخل بها ووجدوا رجلا من الانصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما وانصرفوا راجعين فنذر بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبهم قال ابن هشام واستعمل على المدينة أبا لبابة بشير بن المنذر قال ابن اسحاق فبلغ قرقرة الكندر ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه ووجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أزوادا كثيرة قد القاها المشركون يتخففون منها وعامتها سويق فسميت غزوة السويق قال المسلمون يا رسول الله أنطمع أن تكون هذه لنا غزوة قال نعم قال ابن اسحاق وقال أبو سفيان فيما كان من أمره هذا ويمدح سلام بن مشكم اليهودي ... وإني تخيرت المدينة واحدا ... لحلف فلم أندم ولم أتلوم ... سقاني فرواني كميتا مدامة ... على عجل مني سلام بن مشكم ... ولما تولى الجيش قلت ولم أكن ... لافرجه أبشر بعز ومغنم (3/344)
تأمل فإن القوم سر وإنهم ... صريح لؤي لاشماطيط جرهم ... وما كان إلا بعض ليلة راكب ... أتى ساعيا من غير خلة معدم ... فصل
في دخول علي بن أبي طالب على زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وذلك في سنة ثنتين بعد وقعة بدر لما رواه البخاري ومسلم من طريق الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب قال كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي صلى الله عليه و سلم أعطاني شارفا مما أفاء الله من الخمس يومئذ فلما أردت ابتنى فاطمة بنت النبى صلى الله عليه و سلم واعدت رجلا صواغا من بنى قينقاع أن يرتحل معى فأتى باذخر فاردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي فبينا أنا أجمع لشارفي من الاقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الانصار حتى جمعت ما جمعت فاذا أنا بشار في قد أجبت اسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأت المنظر فقلت من فعل هذا قالوا فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت وهو في شرب من الانصار وعنده قينته وأصحابه فقالت في غنائها ... ألا يا حمز للشرف النواء ...
فوثب حمزة إلى السيف فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما قال علي فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه و سلم وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي صلى الله عليه و سلم الذي لقيت فقال مالك فقلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فاجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في البيت معه شرب فدعا النبي صلى الله عليه و سلم بردائه فارتداه ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن عليه فأذن له فطفق النبي صلى الله عليه و سلم يلوم حمزة فيما فعل فاذا حمزة ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه و سلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه ثم صعد النظر فنظر الى وجهه ثم قال حمزة وهل أنتم إلا عبيدا لابي فعرف النبي صلى الله عليه و سلم أنه ثمل فنكص رسول الله صلى الله عليه و سلم على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا معه هذا لفظ البخاري في كتاب المغازي وقد رواه في أماكن أخر من صحيحه بالفاظ كثيرة وفي هذا دليل على ما قدمنا من أن غنائم بدر قد خمست لا كما زعمه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الاموال من أن الخمس انما نزل بعد قسمتها وقد خالفه في ذلك جماعة منهم البخاري وابن جرير وبينا غلطه في ذلك في التفسير وفيما تقدم والله أعلم وكان هذا الصنع من حمزة وأصحابه رضي الله عنهم قبل أن تحرم الخمر بل قد قتل حمزة يوم أحد كما سيأتي وذلك (3/345)
قبل تحريم الخمر والله أعلم وقد يستدل بهذا الحديث من يرى أن عبادة السكران مسلوبة لا تأثير لها لا في طلاق ولا اقرار ولا غير ذلك كما ذهب إليه من ذهب من العلماء كما هو مقرر في كتاب الاحكام وقال الامام احمد حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجل سمع عليا يقول أردت أن أخطب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ابنته فقلت مالي من شيء ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها اليه فقال هل لك من شيء قلت لا قال فأين درعك الخطيمة التي أعطيتك يوم كذا وكذا قال هي عندي قال فأعطنيها قال فأعطيتها اياه هكذا رواه احمد في مسنده وفيه رجل مبهم وقد قال أبو داود حدثنا اسحاق بن اسماعيل الطالقاني ثنا عبدة ثنا سعيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما تزوج علي فاطمةBهما قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطها شيئا قال ما عندي شيء قال أين درعك الخطيمة ورواه النسائي عن هارون بن اسحاق عن عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن ايوب السختياني به وقال أبو داود حدثنا كثير بن عبيد الحمصي ثنا أبو حيوة عن شهيب بن أبي حمزة حدثني غيلان بن أنس من أهل حمص حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أن عليا لما تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يعطيها شيئا فقال يا رسول الله ليس لي شيء فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اعطها درعك فأعطاها درعه ثم دخل بها وقال البيهقي في الدلائل أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الاصم ثنا احمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن علي قال خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت مولاة لي هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت لا قالت فقد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فيزوجك فقلت وعندي شيء أتزوج به فقالت إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم زوجك قال فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أن قعدت بين يديه أفحمت فوالله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما جاء بك ألك حاجة فسكت فقال لعلك جئت تخطب فاطمة فقلت نعم فقال هل عندك من شيء تستحلها به فقلت لا والله يا رسول الله فقال ما فعلت درع سلحتكها فوالذي نفس علي بيده أنها لخطيمة ما قيمتها أربعة دراهم فقلت عندي فقال قد زوجتكها فابعث اليها بها فاستحلها بها فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق فولدت فاطمة لعلي حسنا وحسينا ومحسنا مات صغيرا وأم كلثوم وزينب ثم روى البيهقي من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن علي قال جهز رسول الله صلى الله عليه و سلم فاطمة في خميل وقربة ووسادة أدم حشوها اذخر ونقل البيهقي من كتاب المعرفة لابي عبد الله بن منده أن عليا تزوج فاطمة بعد سنة من الهجرة وابتنى بها بعد ذلك بسنة أخرى (3/346)
قلت فعلى هذا يكون دخوله بها في أوائل السنة الثالثة من الهجرة فظاهر سياق حديث الشارفين يقتضي أن ذلك عقب وقعة بدر بيسير فيكون ذلك كما ذكرناه في أواخر السنة الثانية والله أعلم فصل
جمل من الحوادث سنة ثنتين من الهجرة
تقدم ما ذكرناه من تزويجه عليه السلام بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وذكرنا ما سلف من الغزوات المشهورة وقد تضمن ذلك وفيات أعيان من المشاهير من المؤمنين والمشركين فكان ممن توفي فيها من الشهداء يوم بدر ونهم أربعة عشر ما بين مهاجري وأنصاري تقدم تسميتهم والرؤساء من مشركي قريش وقد كانوا سبعين رجلا على المشهور وتوفي بعد الوقعة بيسير أبو لهب عبد العزى ابن عبد المطلب لعنه الله كما تقدم ولما جاءت البشارة إلى المؤمنين من أهل المدينة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بما أحل الله بالمشركين وبما فتح على المؤمنين وجدوا رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم قد توفيت وساووا عليها التراب وكان زوجها عثمان بن عفان قد أقام عندها يمرضها بأمر النبي صلى الله عليه و سلم له بذلك ولهذا ضرب له بسهمه في مغانم بدر وأجره عند الله يوم القيامة ثم زوجه باختها الاخرى أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ولهذا كان يقال لعثمان بن عفان ذو النورين ويقال إنه لم يغلق أحد على ابنتي نبي واحدة بعد الأخرى غيره رضي الله عنه وأرضاه وفيها حولت القبلة كما تقدم وزيد في صلاة الحضر على ما سلف وفيها فرض الصيام صيام رمضان كما تقدم وفيها فرضت الزكاة ذات النصب وفرضت زكاة الفطر وفيها خضع المشركون من أهل المدينة واليهود الذين هم بها من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة ويهود بني حارثة وصانعوا المسلمين وأظهر الاسلام طائفة كثيرة من المشركين واليهود وهم في الباطن منافقون منهم من هو على ما كان عليه ومنهم من أنحل بالكلية فبقي مذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما وصفهم الله في كتابه
قال ابن جرير وفيها كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم المعاقل وكانت معلقة بسيفه قال ابن جرير وقيل أن الحسن بن علي ولد فيها قال وأما الواقدي فإنه زعم أن ابن أبي سبرة حدثه عن اسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر أن علي بن أبي طالب بنى بفاطمة في ذي الحجة منها قال فان كانت هذه الرواية صحيحة فالقول الاول باطل * تم الجزء الثالث من كتاب البداية والنهاية * * ويليه الجزء الرابع وأوله سنة ثلاث من الهجرة * (3/347)
* بسم الله الرحمن الرحيم *
سنة ثلاث من الهجرة
في أولها كانت غزوة نجد ويقال لها غزوة ذي أمر قال ابن اسحاق فلما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها غزا نجدا يريد غطفان وهي غزوة ذي أمر قال ابن هشام واستعمل على المدينة عثمان بن عفان قال ابن اسحاق فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك ثم رجع ولم يلق كيدا وقال الواقدي بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن محارب تجمعوا بذي أمر يريدون حربه فخرج اليهم من المدينة يوم الخميس لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فغاب أحد عشر يوما وكان معه أربعمائة وخمسون رجلا وهربت منه الأعراب في رءوس الجبال حتى بلغ ماء يقال له ذو أمر فعسكر به وأصابهم مطر كثير فابتلت ثياب رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزل تحت شجرة هناك ونشر ثيابه لتجف وذلك بمرأى من المشركين واشتغل المشركون في شئونهم فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له غورث بن الحارث أو دعثور بن الحارث فقالوا قد أمكنك الله من قتل محمد فذهب ذلك الرجل ومعه سيف صقيل حتى قام على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف مشهورا فقال يا محمد من يمنعك مني اليوم قال الله ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من يمنعك مني قال لا أحد وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والله لا أكثر عليك جمعا أبدا فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه فلما رجع الى أصحابه فقالوا ويلك مالك فقال نظرت الى رجل طويل فدفع في صدري فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك وشهدت أن محمدا رسول الله والله لا أكثر عليه جمعا (4/2)
وجعل يدعو قومه الى الاسلام قال ونزل في ذلك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا اليكم ايديهم عنكم الآية قال البيهقي وسيأتي في غزوة ذات الرقاع قصة تشبه هذه فلعلهما قصتان قلت ان كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعا لأن ذلك الرجل اسم غورث بن الحارث أيضا لم يسلم بل استمر على دينه ولم يكن عاهد النبي صلى الله عليه و سلم أن لا يقاتله والله أعلم
غزوة الفرع من بحران
قال ابن اسحاق فأقام بالمدينة ربيعا الأول كله أو الا قليلا منه ثم غدا يريد قريشا قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم قال ابن اسحاق حتى بلغ بحران وهو معدن بالحجاز من ناحية الفرع وقال الواقدي انما كانت غيبته عليه السلام عن المدينة عشرة أيام فالله أعلم
خبر يهود بني قينقاع في المدينة
وقد زعم الواقدي انها كانت في يوم السبت النصف من شوال سنة ثنتين من الهجرة فالله أعلم وهم المرادون بقوله تعالى كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم قال ابن اسحاق وقد كان فيما بين ذلك من غزو رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بني قينقاع قال وكان من حديثهم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم جمعهم في سوقهم ثم قال يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فانكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله اليكم فقالوا يا محمد انك ترى انا قومك لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس قال ابن اسحاق فحدثني مولى لزيد بن ثابت عن سعيد بن جبير وعن عكرمة عن ابن عباس قال ما نزلت هؤلاء الآيات الا فيهم قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا يعني أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقريش فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء ان في ذلك لعبرة لأولي الأبصار قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ان بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا العهد وحاربوا فيما بين بدر وأحد قال ابن هشام فذكر عبد الله بن جعفر [ بن عبد الرحمن ] بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال كان أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بحلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست الى صائغ هناك منهم فجعلوا (4/3)
يريدونها على كشف وجهها فأبت قعمد الصائغ الى طرف ثوبها فعقده الى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا فشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع قال ابن اسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزلوا على حكمه فقام اليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال يا محمد أحسن في موالي وكانوا حلفاء الخزرج قال فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد أحسن في موالي فأعرض عنه قال فأدخل يده في جيب درع النبي صلى الله عليه و سلم قال ابن هشام وكان يقال لها ذات الفضول فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلني وغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى رأوا لوجهه طللا ثم قال ويحك أرسلني قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر وثلثمائة دراع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة اني والله امرؤ أخشى الدوائر قال فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم هم لك قال ابن هشام واستعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم في محاصرته اياهم ابا لبابة بشير بن عبد المنذر وكانت محاصرته اياهم خمس عشرة ليلة قال ابن اسحاق وحدثني أبي عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه و سلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان من بني عوف له من حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي فخلعهم الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وتبرأ الى الله والى رسوله من حلفهم وقال يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وابرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم قال وفيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات من المائدة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض الآيت حتى قوله فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة يعني عبد الله ابن أبي الى قوله ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون يعني عبادة بن الصامت وقد تكلمنا على ذلك في التفسير
سرية زيد بن حارثة
الى عير قريش صحبة أبي سفيان أيضا وقيل صحبة صفوان قال يونس عن بكير عن ابن اسحاق وكانت بعد وقعة بدر بستة أشهر قال ابن اسحاق وكان من حديثها أن قريشا خافوا طريقهم التي كانوا يسلكون الى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان ومعه فضة كثيرة وهي عظم تجارتهم واستأجروا رجلا من بكر ابن وائل يقال له فرات بن حيان يعني العجلي حليف بني سهم ليدلهم على تلك الطريق قال ابن (4/4)
اسحاق فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة فلقيهم على ماء يقال له القردة فأصاب تلك العير وما فيها وأعجزه الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال في ذلك حسان بن ثابت ... دعوا فلجات الشام قد حال دونها ... جلاد كافواه المخاض الأوارك ... بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم ... وأنصاره حقا وأيدي الملائك ... اذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك ...
قال ابن هشام وهذه القصيدة في أبيات لحسان وقد أجابه فيها أبو سفيان بن الحارث وقال الواقدي كان خروج زيد بن حارثة في هذه السرية مستهل جمادى الأولى علىرأس ثمانية وعشرين شهرا من الهجرة وكان رئيس هذه العير صفوان بن أمية وكان سبب بعثه زيد بن حارثة أن نعيم ابن مسعود قدم المدينة ومعه خبر هذه العير وهو على دين قومه واجتمع بكنانة بن أبي الحقيق في بني النضير ومعهم سليط بن النعمان من أسلم فشربوا وكان ذلك قبل أن تحرم الخمر فتحدث بقضية العير نعيم بن مسعود وخروج صفوان بن أمية فيها وما معه من الأموال فخرج سليط من ساعته فأعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث من وقته زيد بن حارثة فلقوهم فأخذوا الأموال وأعجزهم الرجال وإنما أسروا رجلا أو رجلين وقدموا بالعير فخمسها رسول الله صلى الله عليه و سلم فبلغ خمسها عشرين ألفا وقسم أربعة أخماسها على السرية وكان فيمن أسر الدليل فرات بن حيان فأسلم رضي الله عنه قال ابن جرير وزعم الواقدي أن في ربيع من هذه السنة تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وادخلت عليه في جمادى الآخرة منها
مقتل كعب بن الأشرف
وكان من بني طيء ثم أحد بني نبهان ولكن أمه من بني النضير هكذا ذكره ابن اسحاق قبل جلاء بني النضير وذكره البخاري والبيهقي بعد قصة بني النضير والصحيح ما ذكره ابن اسحاق كما سيأتي فأن بني النضير انما كان أمرها بعد وقعة أحد وفي محاصرتهم حرمت الخمر كما سنبينه بطريقه ان شاء الله قال البخاري في صحيحه قتل كعب بن الأشرف حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لكعب بن الاشرف فأنه قد آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله قال نعم قال فأذن لي أن أقول شيئا قال قل فأتاه محمد بن مسلمة فقال ان هذا الرجل قد سألنا صدقة وانه قد عنانا واني قد أتيتك أستسلفك قال وأيضا والله لتملنه قال إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر الى أي شيء يصير شأنه وقد أردنا أن تسلفنا قال نعم ارهنوني قلت أي شيء تريد قال ارهنوني (4/5)
نساءكم فقالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال فارهنوني أبناءكم قالوا كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا ولكن نرهنك اللأمة قال سفيان يعني السلاح فواعده أن يأتيه ليلا فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة فدعاهم الى الحصن فنزل اليهم فقالت له امرأته أين تخرج هذه الساعة وقال غير عمرو قالت أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم قال انما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة ان الكريم لو دعى الى طعنه بليل لأجاب قال ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين فقال اذا ما جاء فإني مائل بشعره فأشمه فاذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه وقال مرة ثم أشمكم فنزل اليهم متوشحا وهو ينفخ منه ريح الطيب فقال ما رأيت كاليوم ريحا أي أطيب وقال غير عمر وقال عندي أعطر نساء العرب وأجمل العرب قال عمرو فقال أتأذن لي أن أشم رأسك قال نعم فشمه ثم اشم أصحابه ثم قال أتأذن لي قال نعم فلما استمكن منه قال دونكم فقتلوه ثم أتوا النبي صلى الله عليه و سلم فأخبروه وقال محمد ابن اسحاق كان من حديث كعب بن الأشرف وكان رجلا من طيء ثم أحد بني نبهان وأمه من بني النضير أنه لما بلغه الخبر عن مقتل أهل بدر حين قدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قال والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها فلما تيقن عدو الله الخبر خرج الى مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن صبيرة السهمي وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على قتال رسول الله صلى الله عليه و سلم وينشد الأشعار ويندب من قتل من المشركين يوم بدر فذكر ابن اسحاق قصيدته التي أولها ... طحنت رحى بدر لمهلك أهله ... ولمثل بدر تستهل وتدمع ...
وذكر جوابها من حسان بن ثابت رضي الله عنه ومن غيره ثم عاد الى المدينة فجعل يشبب بنساء المسلمين ويهجو النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه وقال موسى بن عقبة وكان كعب بن الأشرف أحد بني النضير أو فيهم قد آذى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهجاء وركب الى قريش فاستغواهم وقال له أبو سفيان وهو بمكة أناشدك أديننا أحب الى الله أم دين محمد وأصحابه وأينا أهدى في رأيك وأقرب الى الحق إنا نطعم الجزور الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونطعم ما هبت الشمال فقال له كعب بن الأشرف أنتم أهدى منهم سبيلا قال فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه و سلم الم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا وما بعدها قال موسى ومحمد بن اسحاق وقدم للمدينة يعلن بالعداوة ويحرض الناس على الحرب ولم يخرج من مكة حتى أجمع أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه و سلم وجعل يشبب بأم الفضل بن الحارث وبغيرها من (4/6)
نساء المسلمين قال ابن اسحاق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثني عبد الله بن المغيث بن ابي بردة من لابن الاشرف فقال له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الاشهل أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله قال فافعل إن قدرت على ذلك قال فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلأا ما يعلق نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فدعاه فقال له لم تركت الطعام والشراب فقال يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفي لك به أم لا قال إنما عليك الجهد قال يا رسول الله إنه لا بد لنا أن نقول قال فقولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك قال فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بني عبد الاشهل وكان أخا كعب بن الاشرف من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش أحد بني عبد الاشهل والحارث بن أوس بن معاذ أحد بني عبد الاشهل وأبو عبس بن جبر أخو بني حارثة قال فقدوموا بين أيديهم الى عدو الله كعب سلكان ابن سلامة أبا نائلة فجاءه فتحدث معه ساعة فتناشدا شعرا وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الاشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني قال أفعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبيل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا فقال كعب أنا ابن الاشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر يصير الى ما أقول فقال له سلكان إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك قال ترهنونى أبناءكم قال لقد أردت أن تفضحنا إن معي أصحابا لي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها فقال ان في الحلقة لوفاء قال فرجع سلكان الى أصحابه فاخبرهم خبره وأمرهم ان يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا اليه فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق فحدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال مشى معهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى بيته وهو في ليلة مقمرة فانطلقوا حتى انتهوا الى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيتها وقالت أنت امرؤ محارب وان أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة قال انه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني فقالت والله اني لأعرف في صوته الشر قال يقول لها كعب لو دعي الفتى لطعنة أجاب فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قالوا هل لك يا ابن الاشرف أن نتماشى الى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه قال إن شئتم فخرجوا فمشوا ساعة ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفودي رأسه ثم قال اضربوا عدو الله فاختلفت (4/7)
عليه أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار قال فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس يجرح في رجله أو في رأسه اصابه بعض سيوفنا قال فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم فوقفنا له ساعة ثم اتانا يتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه و سلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل رسول الله صلى الله عليه و سلم على جرح صاحبنا ورجعنا الى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود بوقعتنا بعدو الله فليس بها يهودي إلا وهو خائف على نفسه قال ابن جرير وزعم الواقدي أنهم جاءوا برأس كعب بن الاشرف الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق وفي ذلك يقول كعب بن مالك ... فغودر منهم كعب صريعا ... فذلت بعد مصرعه النضير ... على الكفين ثم وقد علته ... بأيدينا مشهرة ذكور ... بأمر محمد إذ دس ليلا ... الى كعب أخا كعب يسير ... فما كره فأنزله بمكر ... ومحمود أخو ثقة جسور ...
قال ابن هشام وهذه الأبيات في قصيدة له في يوم بني النضير ستأتي قلت كان قتل كعب ابن الاشرف على يدي الأوس بعد وقعة بدر ثم ان الخزرج قتلوا أبا رافع بن أبي الحقيق بعد وقعة أحد كما سيأتي بيانه ان شاء الله وبه الثقة وقد أورد ابن اسحاق شعر حسان بن ثابت ... لله در عصابة لاقيتهم ... يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الاشرف ... يسرون بالبيض الخفاف اليكم ... مرحا كاسد في عرين مغرف ... حتى أتوكم في محل بلادكم ... فسقوكم حتفا ببيض ذفف ... مستبصرين لنصر دين نبيهم ... مستصغرين لكل أمر مجحف ...
قال محمد بن اسحاق وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب عند ذلك محيصة بن مسعود الأوسي على ابن سنينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان أخوه حويصة بن مسعود اسن منه ولم يسلم بعد فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول أي عدو الله اقتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله قال محيصة فقلت والله لقد أمرني بقتله من لو امرني بقتلك لضربت عنقك قال فوالله إن كان لأول اسلام حويصة وقال والله لو أمرك محمد بقتلي لقتتلني قال نعم والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها قال فوالله ان دينا بلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة قال ابن اسحاق حدثني بهذا الحديث مولى لبني (4/8)
حارثة عن ابنة محيصة عن أبيها وقال في ذلك محيصة ... يلوم ابن أم لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه بأبيض قارب ... حسام كلون الملح أخلص صقله ... متى ما أصوبه فليس بكاذب ... وما سرني أني قتلتك طائعا ... وأن لنا ما بين بصري ومارب ...
وحكى ابن هشام عن أبي عبيدة عن أبي عمرو المدني أن هذه القصة كانت بعد مقتل بني قريظة فان المقتول كان كعب بن يهوذا فلما قتله محيصة عن أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بني قريظة قال له أخوه حويصة ما قال فرد عليه محيصة بما تقدم فأسلم حويصة يومئذ فالله أعلم
( تنبيه ) ذكر البيهقي والبخاري قبله خبر بني النضير قبل وقعة أحد والصواب ايرادها بعد ذلك كما ذكر ذلك محمد بن اسحاق وغيره من أئمة المغازي وبرهانه أن الخمر حرمت ليالي حصار بني النضير وثبت في الصحيح أنه اصطبح الخمر جماعة ممن قتل يوم أحد شهيدا فدل على أن الخمر كانت اذ ذاك حلالا وانما حرمت بعد ذلك فتبين ما قلناه من أن قصة بني النضير بعد وقعة أحد والله أعلم
( تنبيه آخر ) خبر يهود بني قينقاع بعد وقعة بدر كما تقدم وكذلك قتل كعب بن الاشرف اليهودي على يدي الاوس وخبر بني النضير بعد وقعة أحد كما سيأتي وكذلك مقتل أبي رافع اليهودي تاجر أهل الحجاز على يدي الخزرج وخبر يهود بني قريظة بعد يوم الاحزاب وقصة الخندق كما سيأتي
غزوة أحد في شوال سنة ثلاث
( فائدة ) ذكرها المؤلف في تسمية أحد قال سمى أحد أحدا لتوحده من بين تلك الجبال وفي الصحيح أحد جبل يحبنا ونحبه قيل معناه أهله وقيل لأنه كان يبشره بقرب أهله اذا رجع من سفره كما يفعل المحب وقيل على ظاهره كقوله وان منها لما يهبط من خشية الله وفي الحديث 2 عن أبي عبس بن جبر أحد يحبنا ونحبه وهو على باب الجنة وعير يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبواب النار قال السهيلي مقويا لهذا الحديث وقد ثبت أنه عليه السلام قال المرء مع من أحب وهذا من غريب صنع السهيلي فان هذا الحديث انما يراد به الناس ولا يسمى الجبل امرءا وكانت هذه الغزوة في شوال سنة ثلاث قاله الزهري وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن اسحاق ومالك قال ابن اسحاق للنصف من شوال وقال قتادة يوم السبت الحادي عشر منه قال مالك وكانت الوقعة في أول النهار وهي على المشهور التي أنزل الله فيها قوله تعالى وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم اذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل (4/9)
المؤمنون ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين الآيات وما بعدها الى قوله ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب وقد تكلمنا على تفاصيل ذلك كله في كتاب التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة ولنذكر ههنا ملخص الوقعة مما ساقه محمد بن اسحاق وغيره من علماء هذا الشأن رح وكان من حديث أحد كما حدثني محمد بن مسلم الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم قد حدث ببعض هذا الحديث عن يوم أحد وقد اجتمع حديثهم كلهم فيما سقت قالوا أو من قال منهم لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب ورجع فلهم الى مكة ورجع أبو سفيان بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم واخوانهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان ومن كانت له تلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش ان محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا ففعلوا قال ابن اسحاق ففيهم كما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله تعالى ان الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا الى جهنم يحشرون قالوا فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر وكان فقيرا ذا عيال وحاجة وكان في الاسارى فقال له صفوان بن أمية يا ابا عزة انك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك واخرج معنا فقال ان محمدا قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه قال بلى فأعنا بنفسك فلك الله ان رجعت أن أغنيك وان قتلت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر فخرج ابو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة ويقول ... أيا بني عبد مناة الرزام ... أنتم حماة وأبوكم حام ... لا يعدوني نصركم بعد العام ... لا تسلموني لا يحل اسلام ...
قال وخرج نافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح الى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويقول ... يا مال مال الحسب المقدم ... أنشد ذا القربى وذا التذمم ... من كان ذا رحم ومن لم يرحم ... الحلف وسط البلد المحرم ... عند حطيم الكعبة المعظم (4/10)
قال ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له وحشي يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها فقال له أخرج مع الناس فان أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فانت عتيق قال فخرجت قريش بحدها وحديدها وجدها وأحابيشها ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة وأن لا يفروا وخرج أبو سفيان صخر بن حرب وهو قائد الناس ومعه زوجته هند بنت عتبة بن ربيعة وخرج عكرمة بن أبي جهل بزوجته ابنة عمه أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وخرج عمه الحارث بن هشام بزوجته فاطمة بنت الوليد ابن المغيرة وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج وهي ام ابنه عبد الله بن عمرو وذكر غيرهم ممن خرج بامرأته قال وكان وحشي كلما مر بهند بنت عتبة أو مرت به تقول ويها ابا دسمة اشف واشتف يعني تحرضه على قتل حمزة بن عبد المطلب قال فاقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون قال لهم قد رأيت والله خيرا رأيت بقرا تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلما ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم جميعا عن أبي كريب عن أبي أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي موسى الاشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال رأيت في المنام أني أهاجر من مكة الى أرض بها نخل فذهب وهلى الى أنها اليمامة أو هجر فاذا هي المدينة يثرب ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فاذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فاذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها أيضا بقرا والله خير فاذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد واذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي أتانا بعد يوم بدر وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا الأصم أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال تعقل رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه ذا الفقار يوم بدر قال ابن عباس وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد وذلك ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأيه أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا نخرج يا رسول الله اليهم نقاتلهم بأحد ورجوا أن يصيبهم من الفضيلة ما أصاب أهل بدر فما زالوا برسول الله صلى الله عليه و سلم حتى لبس أداته ثم ندموا وقالوا يا رسول الله أقم فالرأي رأيك فقال لهم ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد ما لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه قال وكان قال لهم يومئذ قبل أن يلبس الاداة اني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة وأني مردف كبشا (4/11)
وأولته كبش الكتيبة ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم ورأيت بقرا يذبح فبقر والله خير رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه به وروى البيهقي من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس مرفوعا قال رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا وكأن ضبة سيفي انكسرت فأولت أني أقتل كبش القوم وأولت كسر ضبة سيفي قتل رجل من عترتي فقتل حمزة وقتل رسول الله صلى الله عليه و سلم طلحة وكان صاحب اللواء وقال موسى بن عقبة رح ورجعت قريش فاستجلبوا من أطاعهم من مشركي العرب وسار أبو سفيان بن حرب في جمع قريش وذلك في شوال من السنة المقبلة من وقعة بدر حتى نزلوا ببطن الوادي الذي قبلي أحد وكان رجال من المسلمين لم يشهدوا بدرا قد ندموا على ما فاتهم من السابقة وتمنوا لقاء العدو ليبلوا ما أبلى إخوانهم يوم بدر فلما نزل أبو سفيان والمشركون بأصل أحد فرح المسلمون الذين لم يشهدوا بدرا بقدوم العدو عليهم وقالوا قد ساق الله علينا أمنيتنا ثم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أرى ليلة الجمعة رؤيا فأصبح فجاءه نفر من اصحابه فقال لهم رأيت البارحة في منامي بقرا تذبح والله خير ورأيت سيفي ذا الفقار انقصم من عند ضبته أو قال به فكرهته وهما مصيبتان ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشا فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم برؤياه قالوا يا رسول الله ماذا أولت رؤياك قال أولت البقر الذي رأيت بقرا فينا وفي القوم وكرهت ما رأيت بسيفي ويقول رجال كان الذي رأى بسيفه الذي اصاب وجهه فان العدو أصاب وجهه يومئذ وقصموا رباعيته وخرقوا شفته يزعمون أن الذي رماه عتبة بن أبي وقاص وكان البقر من قتل من المسلمين يومئذ وقال أولت الكبش أنه كبش كتيبة العدو يقتله الله واولت الدرع الحصينة المدينة فامكثوا واجعلوا الذراري في الآطام فان دخل علينا القوم في الازقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت وكانوا قد سكوا أزقة المدينة بالبنيان حتى [ صارت ] كالحصن فقال الذين لم يشهدوا بدرا كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله فقد ساقه الله الينا وقرب المسير وقال رجل من الانصار متى نقاتلهم يا رسول الله اذا لم نقاتلهم عند شعبنا وقال رجال ماذا نمنع اذا لم تمنع الحرب بروع وقال رجال قولا صدقوا به ومضوا عليه منهم حمزة بن عبد المطلب قال والذي أنزل عليك الكتاب لنجادلنهم وقال نعيم بن مالك بن ثعلبة وهو أحد بني سالم يا نبي الله لا تحرمنا الجنة فوالذي نفسي بيده لأدخلنها فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم بم قال بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقت واستشهد يومئذ وأبى كثير من الناس إلا الخروج الى العدو ولم يتناهوا الى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأيه ولو رضوا بالذي أمرهم كان ذلك ولكن غلب القضاء والقدر وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدرا قد علموا الذي سبق (4/12)
لاصحاب بدر من الفضيلة فلما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة وعظ الناس وذكرهم وأمرهم بالجد والجهاد ثم انصرف من خطبته وصلاته فدعا بلأمته فلبسها ثم أذن في الناس بالخروج فلما رأى ذلك رجال من ذوي الرأي قالوا امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نمكث بالمدينة وهو أعلم بالله وما يريد ويأتيه الوحي من السماء فقالوا يا رسول الله أمكث كما أمرتنا فقال ما ينبغي لنبي اذ أخذ لأمة الحرب وأذن بالخروج الى العدو أن يرجع حتى يقاتل وقد دعوتكم الى هذا الحديث فأبيتم إلا الخروج فعليكم بتقوى الله والصبر عند البأس اذا لقيتم العدو وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا قال فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون فسلكوا على البدائع وهم الف رجل والمشركون ثلاثة آلاف فمضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل بأحد ورجع عنه عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلثمائة فبقي رسول الله صلى الله عليه و سلم في سبعمائة قال البيهقي رح هذا هو المشهور عند أهل المغازي أنهم بقوا في سبعمائة مقاتل قال والمشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل كذلك رواه يعقوب بن سفيان عن اصبغ عن ابن وهب عن يونس عن الزهري وقيل عنه بهذا الاسناد سبعمائة فالله أعلم قال موسى بن عقبة وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد وكان معهم مائة فرس وكان لواؤه مع عثمان بن طلحة قال ولم يكن مع المسلمين فرس واحدة ثم ذكر الوقعة كما سيأتي تفصيلها ان شاء الله تعالى وقال محمد ابن اسحاق لما قص رسول الله صلى الله عليه و سلم رؤياه على أصحابه قال لهم ان رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام وان هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه و سلم في أن لا يخرج اليهم فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيرهم ممن كان فاته بدر يا رسول الله اخرج بنا الى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا فقال عبد الله ابن أبي يا رسول الله لا تخرج اليهم فوالله ما خرجنا منها الى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخل فلبس لأمته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة وقد مات في ذلك اليوم رجل من بني النجار يقال له مالك بن عمرو فصلى عليه ثم خرج عليهم وقد ندم الناس وقالوا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يكن لنا ذلك فلما خرج عليهم قالوا يا رسول الله ان شئت فاقعد فقال ما ينبغي لنبي اذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في ألف من أصحابه قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم قال ابن اسحاق حتى اذا كان بالشوط بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس وقال أطاعهم وعصاني ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي والد جابر بن عبد الله فقال يا قوم اذكركم الله أن لا تخذلوا قومكم ونبيكم عند ما حضر من عدوهم قالوا لو نعلم انكم تقاتلون ما أسلمناكم (4/13)
ولكنا لا نرى أن يكون قتال فلما استعصوا عليه وأبوا الا الانصراف قال ابعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه صلى الله عليه و سلم قلت وهؤلاء القوم هم المرادون بقوله تعالى ليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لونعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون يعني انهم كاذبون في قولهم لو نعلم قتالا لاتبعناكم وذلك لأن وقوع القتال أمره ظاهر بين واضح لاخفاء ولا شك فيه وهم الذين أنزل الله فيهم فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا الآية وذلك أن طائفة قالت نقاتلهم وقال آخرون لا نقاتلهم كما ثبت وبين في الصحيح وذكر الزهري أن الانصار استأذنوا حينئذ رسول الله صلى الله عليه و سلم في الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة فقال لا حاجة لنا فيهم وذكر عروة بن موسى بن عقبة أن بني سلمة وبني حارثة لما رجع عبد الله بن أبي وأصحابه همتا أن تفشلا فثبتهما الله تعالى ولهذا قال ا ذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون قال جابر بن عبد الله ما أحب أنها لم تنزل والله يقول والله وليهما كما ثبت في الصحيحين عنه قال ابن اسحاق ومضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى سلك في حرة بني حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لصاحب السيف شم سيفك أي اغمده فاني أرى السيوف ستسل اليوم ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم لاصحابه من رجل يخرج بنا على القوم من كثب ( أي من قريب ) من طريق لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى سلك به في مال لمربع بن قيظي وكان رجلا منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله ومن معه من المسلمين قام يحثي في وجوههم التراب ويقول ان كنت رسول الله فاني لا أحل لك أن تدخل في حائطي قال ابن اسحاق وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من التراب في يده ثم قال والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقتلوه فهذا الاعمى أعمى القلب أعمى البصر وقد بدر اليه سعد بن زيد أخو بني عبد الاشهل قبل نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم فضربه بالقوس في رأسه فشجه ومضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي وفي الجبل وجعل ظهره وعسكره الى أحد وقال لا يقاتلن أحد حتى آمره بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة كانت للمسلمين فقال رجل من الانصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن القتال أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب وتعبأ رسول الله صلى الله عليه و سلم للقتال وهو في سبعمائة رجل وأمر على الرماة يومئذ عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض والرماة خمسون رجلا فقال انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا ان كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك (4/14)
لا نؤتين من قبلك وسيأتي شاهد هذا في الصحيحين ان شاء الله تعالى قال ابن اسحاق وظاهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بين درعين يعني لبس درعا فوق درع ودفع اللواء الى مصعب بن عمير أخي بني عبد الدار قلت وقد رد رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة من الغلمان يوم أحد فلم يمكنهم من حضور الحرب لصغرهم منهم عبد الله بن عمر كما ثبت في الصحيحين قال عرضت على النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني وكذلك رد يومئذ أسامة بن زيد وزيد بن ثابت والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس بن قيظي ذكره ابن قتيبة وأورده السهيلي وهو الذي يقول فيه الشماخ ... اذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين ...
ومنهم ابن سعيد بن خيثمة ذكره السهيلي أيضا وأجازهم كلهم يوم الخندق وكان قد رد يومئذ سمرة بن جندب ورافع بن خديج وهما ابنا خمس عشرة سنة فقيل يا رسول الله ان رافعا رام فأجازه فقيل يا رسول الله فان سمرة يصرع رافعا فأجازه قال ابن اسحاق رح وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل بن هشام وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من يأخذ هذا السيف بحقه فقام اليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام اليه أبو دجانه سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال وما حقه يا رسول الله قال أن تضرب به في العدو حتى ينحني قال أنا آخذه يا رسول الله بحقه فأعطاه اياه هكذا ذكره ابن اسحاق منقطعا وقد قال الامام احمد حدثنا يزيد وعفان قالا حدثنا حماد هو ابن سلمة أخبرنا ثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ سيفا يوم أحد فقال من يأخذ هذا السيف فأخذ قوم فجعلوا ينظرون اليه فقال من يأخذه بحقه فأحجم القوم فقال أبو دجانة أنا آخذه بحقه فأخذه ففلق به هام المشركين ورواه مسلم عن أبي بكر عن عفان به قال ابن اسحاق وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب وكان له عصابة حمراء يعلم بها عند الحرب يعتصب بها فيعلم أنه سيقاتل قال فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرج عصابته تلك فاعتصب بها ثم جعل يتبختر بين الصفين قال فحدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم مولى عمر بن الخطاب عن رجل من الانصار من بني سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رأى أبا دجانة يتبختر انها لمشية يبغضها الله الا في مثل هذا الموطن قال ابن اسحاق وقد قال أبو سفيان لاصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم على القتال يا بني عبد الدار قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وانما يؤتى الناس من قبل راياتهم اذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا واما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا نحن نسلم اليك لواءنا ستعلم غدا اذا التقينا كيف نصنع وذلك الذي أراد أبو سفيان قال فلما التقى الناس ودنا بعضهم من (4/15)
بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضن على القتال فقالت هند فيما تقول ... ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأديار ... ضربا بكل بتار ...
وتقول أيضا ... ان تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق ... أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق ...
قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة وكان قد خرج الى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه و سلم معه خمسون غلاما من الاوس وبعض الناس يقول كانوا خمسة عشر وكان يعد قريشا أن لو قد لقي قومه لم يتخلف عليه منهم رجلان فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الاحابيش وعبدان أهل مكة فنادى يا معشر الاوس أنا أبو عامر قالوا فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق وكان يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله الفاسق فلما سمع ردهم عليه قال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم أرضخهم بالحجارة قال ابن اسحاق فأقبل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس قال ابن هشام وحدثني غير واحد من أهل العلم أن الزبير بن العوام قال وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة وقلت أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت اليه وسألته أياه قبله فأعطاه أبا دجانه وتركني والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه فقالت الانصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت وهكذا كانت تقول له اذا تعصب فخرج وهو يقول ... أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسفح لدى النخيل ... أن لا أقوم الدهر في الكيول ... أضرب بسيف الله والرسول ...
وقال الاموي حدثني أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه و سلم أن رجلا أتاه وهو يقاتل به فقال لعلك ان أعطيتك تقاتل في الكيول قال لا فأعطاه سيفا فجعل يرتجز ويقول ... أنا الذي عاهدني خليلي ... ان لا أقوم الدهر في الكيول ...
وهذا حديث يروى عن شعبة ورواه اسرائيل كلاهما عن أبي اسحاق عن هند بنت خالد أو غيره يرفعه الكيول يعني مؤخر الصفوف سمعته من عدة من أهل العلم ولم اسمع هذا الخرف ألا في هذا الحديث قال ابن هشام فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله وكان في المشركين رجل لا يدع جريحا إلا ذفف عليه فجعل كل منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا ضربتين (4/16)
فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضيت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها فقلت الله ورسوله أعلم وقد رواه البيهقي في الدلائل من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام بذلك قال ابن اسحاق قال أبو دجانة رأيت انسانا يحمس الناس حمسا شديدا فصمدت له فلما حملت عليه السيف ولول فاذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أضرب به امرأة وذكر موسى بن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما عرضه طلبه منه عمر فأعرض عنه ثم طلبه منه الزبير فأعرض عنه فوجدا في أنفسهما من ذلك ثم عرضه الثالثة فطلبه أبو دجانة فدفعه اليه فأعطى السيف حقه قال فزعموا أن كعب بن مالك قال كنت فيمن خرج من المسلمين فلما رأيت مثل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاورت فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة يجوز المسلمين وهو يقول استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم قال واذا رجل من المسلمين ينتظره وعليه لأمته فمضيت حتى كنت من ورائه ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري فإاذا الكافر أفضلهما عدة وهيأة قال فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربه بالسيف فبلغت وركه وتفرق فرقتين ثم كشف المسلم عن وجهه وقال كيف ترى يا كعب أنا أبو دجانة
مقتل حمزة رضي الله عنه
قال ابن اسحاق وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء وهو يقول ... إن على أهل اللواء حقا ... أن يخضبوا الصعدة أو تندقا ...
فحمل عليه حمزة فقتله ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني وكان يكنى بأبي نيار فقال حمزة هلم ألي يا ابن مقطعة البظور وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي وكانت ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله فقال وحشي غلام جبير بن مطعم والله اني لانظر لحمزة يهد الناس بسيفه ما يليق شيئا يمر به مثل الجمل الأورق إذ قد نقدمني اليه سباع فقال حمزة هلم يا ابن مقطعة البظور فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوي فغلب فوقع وأمهلته حتى اذا مات جئت فأخذت حربتي ثم تنحيت الى العسكر ولم يكن لي بشيء حاجة غيره قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن الفضل بن عياش بن ربيعة بن الحارث عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري (4/17)
قال خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار أحد بني نوفل بن عبد مناف في زمان معاوية فأدربنا مع الناس فلما مررنا بحمص وكان وحشي مولى جبير قد سكنها وأقام بها فلما قدمناها قال عبيد الله بن عدي هل لك في أن نأتي وحشيا فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله قال قلت له ان شئت فخرجنا نسأل عنه بحمص فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه انكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلبت عليه الخمر فان تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا وتجدا عنده بعض ما تريدان وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه وان تجداه وبه بعض ما بع فانصرفا عنه ودعاه قال فخرجنا نمشي حتى جئناه فاذا هو بفناء داره على طنفسة له واذا شيخ كبير مثل البغاث واذا هو صاح لا بأس به فلما انتهينا اليه سلمنا عليه فرفع رأسه الى عبيد الله بن عدي فقال ابن لعدي بن الخيار أنت قال نعم قال أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك بعرضيك فلمعت لي قدماك حتى رفعتك اليها فوالله ما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما قال فجلسنا اليه فقلنا جئناك لتحدثنا عن قتل حمزة كيف قتلته فقال أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين سألني عن ذلك كنت غلاما لجبير بن مطعم وكان عمه طعيمه بن عدي قد أصيب يوم بدر فلما سارت قريش الى أحد قال لي جبير إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق قال فخرجت مع الناس وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قل ما أخطئ بها شيئا فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة واتبصره حتى رأيته في عرض الناس كأنه الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شيء فوالله إني لاتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني إذ تقدمني اليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة قال هلم إلي يا ابن مقطعة البظور قال فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه قال وهززت حربتي حتى اذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه وذهب لينوء نحوي فغلب وتركته وإياها حتى مات ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت الى العسكر وقعدت فيه ولم يكن لي بغيره حاجة إنما قتلته لأعتق فلما قدمت مكة عتقت ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة هربت الى الطائف فمكثت بها فلما خرج وفد الطائف الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليسلموا تعيت علي المذاهب فقلت ألحق بالشام أو باليمن أو ببعض البلاد فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال لي رجل ويحك انه والله لا يقتل أحدا من الناس دخل في دينه وشهد شهادة الحق قال فلما قال لي ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أشهد شهادة الحق فلما رآني قال لي أوحشي أنت قلت نعم يا رسول الله قال اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة قال فحدثته كما حدثتكما فلما فرغت من حديثي قال ويحك غيب عني وجهك فلا أرينك قال فكنت (4/18)
أتنكب برسول الله صلى الله عليه و سلم حيث كان لئلا يراني حتى قبضه الله عز و جل فلما خرج المسلمون الى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة فلما التقى الناس ورأيت مسيلمة قائما وبيده السيف وما أعرفه فتهيأت له وتهيأ له رجل من الانصار من الناحية الاخرى كلانا يريده فهززت حربتي حتى اذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه وشد عليه الانصاري بالسيف فربك أعلم أينا قتله فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقتلت شر الناس قلت الانصاري هو أبو دجانة سماك بن حرشة كما سيأتي في مقتل أهل اليمامة وقال الواقدي في الردة هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وقال سيف بن عمرو هو عدي ابن سهل وهو القائل ... ألم تر أني ووحشيهم ... قتلت مسيلمة المغتبن ... ويسألني الناس عن قتله ... فقلت ضربت وهذا طعن ...
والمشهور أن وحشيا هو الذي بدره بالضربة وذفف عليه أبو دجانة لما روىابن اسحاق عن عبد الله بن الفضل عن سليمان بن يسار عن ابن عمر قال سمعت صارخا يوم اليمامة يقول قتله العبد الاسود وقد روى البخاري قصة مقتل حمزة من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال خرجت مع عبد الله بن عدي بن الخيار فذكر القصة كما تقدم وذكر أن عبيد الله بن عدي كان معتجرا عمامة لا يرى منه وحشي إلا عينيه ورجليه فذكر من معرفته له ما تقدم وهذه قيافة عظيمة كما عرف مجزز المدلجي أقدام زيد وابنه أسامة مع اختلاف ألوانهما وقال في سباقته فلما أن صف الناس للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز فخرج اليه حمزة بن عبد المطلب فقال له يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب قال وكمنت لحمزة تحت صخرة فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه قال فكان ذلك آخر العهد به الى أن قال فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرج مسيلمة الكذاب قلت لأخرج الى مسيلمة لعلي أقتله فأكفئ به حمزة قال فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان قال فاذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس قال فرميته بحربتي فاضعها بين ثدييه حتى خرجت من كتفيه قال ووثب اليه رجل من الانصار فضربه بالسيف على هامته قال عبد الله بن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول فقالت جارية على ظهر البيت وا أمير المؤمناه قتله العبد الاسود قال ابن هشام فبلغني أن وحشيا لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان فكان عمر بن الخطاب يقول قد قلت بأن الله لم يكن ليدع قاتل حمزة قلت (4/19)
وتوفي وحشي بن حرب أبو دسمة ويقال أبو حرب بحمص وكان أول من لبس الثياب المدلوكة قال ابن اسحاق وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قتل وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجع الى قريش فقال قتلت محمدا قلت وذكر موسى بن عقبة في مغازيه عن سعيد بن المسيب أن الذي قتل مصعبا هو أبي بن خلف فالله أعلم قال ابن اسحاق فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم اللواء علي بن أبي طالب وقال يونس بن بكير عن ابن اسحاق كان اللواء أولا مع علي بن أبي طالب فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم لواء المشركين مع عبد الدار قال نحن أحق بالوفاء منهم أخذ اللواء من علي بن أبي طالب فدفعه الى مصعب بن عمير فلما قتل مصعب أعطى اللواء علي بن أبي طالب قال ابن اسحاق وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين قال ابن هشام وحدثني مسلمة بن علقمة المازني قال لما اشتد القتال يوم أحد جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت راية الانصار وأرسل الى علي أن قدم الراية فقدم علي وهو يقول أنا أبو القصم فناداه أبو سعد بن أبي طلحة وهو صاحب لواء المشركين هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة قال نعم فبرزا بين الصفين فاختلفا ضربتين فضربه علي فصرعه ثم انصرف ولم يجهز عليه فقال له بعض أصحابه أفلا أجهزت عليه فقال انه استقبلني بعورته فعطفتني عليه الرحم وعرفت أن الله قد قتله وقد فعل ذلك علي رضي الله عنه يوم صفين مع بسر ابن أبي أرطأة لما حمل عليه ليقتله أبدى له عوته فرجع عنه وكذلك فعل عمرو بن العاص حين حمل عليه في بعض أيام صفين أبدى عن عورته فرجع علي أيضا ففي ذلك يقول الحارث بن النضر ... أتى كل يوم فارس غير منته ... وعورته وسط العجاجة باديه ... يكف لها عنه علي سنانه ... ويضحك منها في الخلاء معاويه ...
وذكر يونس عن ابن اسحاق أن طلحة بن أبي طلحة العبدري حامل لواء المشركين يومئذ دعا الى البراز فأحجم عنه الناس فبرز اليه الزبير بن العوام فوثب حتى صار معه على جمله ثم اقتحم به الارض فألقاه عنه وذبحه بسيفه فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ان لكل نبي حواريا وحواري الزبير وقال لو لم يبرز اليه لبرزت أنا اليه لما رأيت من احجام الناس عنه وقال ابن اسحاق قتل أبا سعد بن أبي طلحة سعد بن أبي وقاص وقاتل عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح فقتل نافع بن أبي طلحة وأخاه الحلاس كلاهما يشعره سهما فيأتي أمه سلافة فيضع رأسه في حجرها فتقول يا بني من أصابك فيقول سمعت رجلا حين رماني يقول خذها وأنا ابن أبى الأقلح فنذرت أن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر وكان عاصم قد عاهد الله لا يمس مشركا أبدا ولا (4/20)
يمسه ولهذا حماه الله منه يوم الرجيع كما سيأتي قال ابن اسحاق والتقى حنظلة بن أبي عامر واسمه عمرو ويقال عبد عمرو بن صيفي وكان يقال لابي عامر في الجاهلية الراهب لكثرة عبادته فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم الفاسق لما خلف الحق وأهله وهرب من المدينة هربا من الاسلام ومخالفة للرسول عليه السلام وحنظلة الذي يعرف بحننطلة الفسيل لانه غسلته 2 الملائكة كما سيأتي هو وأبو سفيان صخر بن حرب فلما علاه حنظلة رآه شداد بن الاوس وهو الذي يقال له ابن شعوب فضربه شداد فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان صاحبكم لتغسله الملائكة فاسألوا أهله ما شأنه فسئلت صاحبته قال الواقدي هي جميلة بنت أبي ابن سلول وكانت عروسا عليه تلك الليلة فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذلك غسلته الملائكة وقد ذكر موسى بن عقبة أن أباه ضرب برجله في صدره وقال ذنبان أصبتهما ولقد نهيتك عن مصرعك هذا ولقد والله كنت وصولا للرحم برا بالوالد قال ابن اسحاق وقال ابن شعوب في ذلك ... لأحمين صاحبي ونفسي ... بطعنة مثل شعاع الشمس ...
وقال ابن شعوب ... ولولا دفاعي يا ابن حرب ومشهدي ... لألفيت يوم العنف غير مجيب ... ولولا مكري المهر بالنعف فرفرت ... عليه ضباع أو ضراء كليب ...
وقال أبو سفيان ... ولو شئت نجتني كميت طمرة ... ولم أحمل النعماء لابن شعوب ... وما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب ... أقاتلهم وأدعي يالغالب ... وأدفعهم عني بركن صليب ... فبكي ولا ترعي مقالة عاذل ... ولا تسأمي من عبرة ونحيب ... أباك واخوانا له قد تتابعوا ... وحقا لهم من عبرة بنصيب ... وسلي الذي قد كان في النفس انني ... قتلت من النجار كل نجيب ... ومن هاشم قرما كريما ومصعبا ... وكان لدى الهيجاء غير هيوب ... فلو أنني لم أشف نفسي منهم ... لكانت شجى في القلب ذات ندوب ... فآبوا وقد أودى الجلابيب منهم ... بهم خدب من مغبط وكئيب ... أصابهم من لم يكن لدمائهم ... كفاء ولا في خطة بضريب ...
فأجابه حسان بن ثابت ... ذكرت القروم الصيد من آل هاشم ... ولست لزور قلته بمصيب (4/21)
أتعجب أن أقصدت حمزة منهم ... نجيبا وقد سميته بنجيب ... ألم يقتلوا عمرا وعتبة وابنه ... وشيبة والحجاج وابن حبيب ... غداة دعا العاصي عليا فراعه ... بضربة عضب بله بخضيب ... فصل
قال ابن اسحاق ثم أنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر وكانت الهزيمة لا شك فيها وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال والله لقد رأيتني أنظر الى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير اذ مالت الرماة على العسكر حين كشفنا القوم عنه وخلوا ظهورنا للخيل فأتينا من خلفنا وصرخ صارخ ألا ان محمدا قد قتل فانكفأنا وانكفأ القوم علينا بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد منهم فحدثني بعض أهل العلم أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاثوا به وكان اللواء مع صواب غلام لبني أبي طلحة حبشي وكان آخر من أخذه منهم فقاتل به حتى قطعت يداه ثم برك عليه فاخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه وهو يقول اللهم هل أعزرت يعني اللهم هل أعذرت فقال حسان بن ثابت ... فخرتم باللواء وشر فخر ... لواء حين رد الى صواب ... جعلتم فخركم فيه لعبد ... وألأم من يطا عفر التراب ... ظننتم والسفيه له ظنون ... وما أن ذاك من أمر الصواب ... بأن جلادنا يوم التقينا ... بمكة بيعكم حمر العياب ... أقر العين ان عصبت يداه ... وما أن تعصبان على خضاب ...
وقال حسان أيضا في رفع عمرة بنت علقمة اللواء لهم ... إذا عضل سيقت إلينا كأنها ... جداية شرك معلمات الحواجب ... أقمنا لهم طعنا مبيرا منكلا ... وحزناهم وحزنانهم بالضرب من كل جانب ... فلولا لواء الحارثية أصبحوا ... يباعون في الاسواق بيع الجلائب ...
قال ابن اسحاق فانكشف المسلمون وأصاب منهم العدو وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم بالشهادة حتى خلص العدو الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذب بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص فحدثني حميد الطويل عن (4/22)
أنس بن مالك قال كسرت رباعية النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد وشج في وجهه فجعل يمسح الدم ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون قال ابن جرير في تاريخه حدثنا محمد بن الحسين حدثنا أحمد ابن الفضل حدثنا أسباط عن السدي قال أتى ابن قمئة الحارثي فرمى رسول الله صلى الله عليه و سلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفرق عنه أصحابه ودخل بعضهم المدينة وانطلق طائفة فوق الجبل الى الصخرة وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو الناس إلي عباد الله إلي عباد الله فاجتمع اليه ثلاثون رجلا فجعلوا يسيرون بين يديه فلم يقف أحد إلا طلحة وسهل بن حنيف فحماه طلحة فرمي بسهم في يده فيبست يده وأقبل أبي بن خلف الجمحي وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه و سلم فقال بل أنا أقتله فقال يا كذاب أين تفر فحمل عليه فطعنه النبي صلى الله عليه و سلم في جيب الدرع فجرح جرحا خفيفا فوقع يخور خوار الثور فاحتملوه وقالوا ليس بك جراحة فما يجزعك قال أليس قال لاقتلنك لو كانت تجتمع ربيعة ومضر لقتلهم فلم يلبث الا يوما أو بعض يوم حتى مات من ذلك الجرح وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قتل فقال بعص أصحاب الصخرة ليت لنا رسولا الى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان يا قوم ان محمدا قد قتل فارجعوا الى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم فقال أنس ابن النضر يا قوم ان كان محمد قد قتل فان رب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه و سلم اللهم اني أعتذر اليك مما يقول هؤلاء وأبرأ اليك مما جاء به هؤلاء ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل وانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو الناس حتى انتهى الى أصحاب الصخرة فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه يرميه فقال أنا رسول الله ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وفرح رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع به فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب عنهم الحزن فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا فقال الله عز و جل في الذين قالوا ان محمدا قد قتل فارجعوا الى قومكم وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم فلما نظروا اليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه وهمهم أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس لهم أن يعلونا اللهم ان تقتل هذه العصابة لا تعبد في الارض ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم فقال أبو سفيان يومئذ أعل هبل حنظلة بحنظلة ويوم أحد بيوم بدر وذكر تمام القصة وهذا غريب جدا وفيه نكارة قال ابن هشام وزعم ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته وان عبد الله بن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ووقع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حفرة (4/23)
من الحفر التي عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون فأخذ علي بن أبي طالب بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما ومص مالك بن سنان أبو أبي سعيد الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ازدرده فقال من مس دمه دمي لم تمسسه النار قلت وذكر قتادة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما وقع لشقه أغمى عليه فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح الدم عن وجهه فأفاق وهو يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم الى الله فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء الآية رواه ابن جرير وهو مرسل وسيأتي بسط هذا في فصل وحده قلت كان أول النهار للمسلمين على الكفار كما قال الله تعالى ولقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم بأذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين اذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم الآية قال الامام احمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثني سليمان بن داود أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله عن ابن عباس أنه قال ما نصر الله في موطن كما نصر يوم أحد قال فأنكرنا ذلك فقال بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله ان الله يقول في يوم أحد ولقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم بإذنه يقول ابن عباس والحس القتل حتى اذا فشلتم الى قوله ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين وانما عني بهذا الرماة وذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم أقامهم في موضع ثم قال احموا ظهورنا فان رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وان رأيتمونا نغنم فلا تشركونا فلما غنم النبي صلى الله عليه و سلم وأباحوا عسكر المشركين اكب الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينهبون وقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فهم هكذا ( وشبك بين أصابع يديه ) والتبسوا فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فضرب بعضهم بعضا فالتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير وقد كان لرسول الله وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة وجال المسلمون جولة نحو الجبل ولم يبلغوا حيث يقول الناس الغار انما كان تحت المهراس وصاح الشيطان قتل محمد فلم يشك فيه أنه حق فما زلنا كذلك ما نشك أنه حق حتى طلع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين السعدين نعرفه بتكفيه اذا مشى قال ففرحنا كأنه لم يصبنا ما أصابنا قال فرقي نحونا وهو يقول اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله ويقول مرة أخرى اللهم انه ليس لهم أن يعلونا حتى انتهى الينا فمكث ساعة فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل أعل هبل أعل هبل مرتين ( يعني آلهته ) أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب فقال عمر بن الخطاب ألا أجيبه قال بلى قال فلما قال اعل هبل قال الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان يا ابن الخطاب قد أنعمت (4/24)
عينها فعاد عنها أو فعال عنها فقال أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب فقال عمر هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا أبو بكر وها انا ذا عمر قال فقال أبو سفيان يوم بيوم بدر الأيام دول وان الحرب سجال قال فقال عمر لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار قال انكم لتزعمون ذلك لقد خبنا اذن وخسرنا ثم قال أبو سفيان اما انكم سوف تجدون في قتلاكم مثلة ولم يكن ذلك عن رأى سراتنا قال ثم أدركته حمية الجاهلية فقال اما انه ان كان ذلك لم نكرهه وقد رواه ابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه والبيهقي في الدلائل من حديث سليمان بن داود الهاشمي به وهذا حديث غريب وهو من مرسلات ابن عباس وله شواهد من وجوه كثيرة سنذكر منها ما تيسر ان شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان وهو المستعان قال البخاري حدثنا عبيد الله بن موسى عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء قال لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه و سلم جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال عبد الله عهد إلي النبي صلى الله عليه و سلم أن لا تبرحوا فأبوا فلما أبوا صرفت وجوههم فأصيب سبعون قتيلا وأشرف أبو سفيان فقال افي القوم محمد فقال لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن أبي قحافة فقال لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن الخطاب فقال إن هؤلاء قتلوا فلوا كانوا أحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه فقال كذبت يا عدو الله أبقى الله عليك ما يحزنك فقال أبو سفيان أعل هبل فقال النبي صلى الله عليه و سلم أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني وهذا من افراد البخاري دون مسلم وقال الامام احمد حدثن موسى حدثنا زهير حدثنا أبو اسحاق أن البراء بن عازب قال جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم على الرماة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير قال ووضعهم موضعا وقال إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل اليكم وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل اليكم قال فهزموهم قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت أسوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنظرون قال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه و سلم غير اثنى عشر رجلا فأصابوا (4/25)
منا سبعين رجلا وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا فقال أبو سفيان أفي القوم محمد أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثلاثا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجيبوه ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب ثم أقبل على أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم فما ملك عمر نفسه أن قال كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك فقال يوم بيوم بدر والحرب سجال انكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ثم أخذ يرتجز أعل هبل أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تجيبونه قالوا يا رسول الله وما نقول قال قولوا الله أعلى وأجل قال إن العزى لنا ولا عزى لكم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تجيبونه قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ورواه البخاري من حديث زهير وهو ابن معاوية مختصرا وقد تقدم روايته له مطولة من طريق اسرائيل عن أبي اسحاق وقال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت وعلي ابن زيد عن أنس بن مالك أن المشركين لما رهقوا النبي صلى الله عليه و سلم وهو في سبعة من الانصار ورجل من قريش قال من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة فجاء رجل من الانصار فقاتل حتى قتل فلما رهقوه أيضا قال من يردهم عنا وهو رفيقى في الجنة حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أنصفنا اصحابنا ورواه مسلم عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة به وقال البيهقي في الدلائل باسناده عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر قال انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الانصار وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد في الجبل فلحقهم المشركون فقال ألا أحد لهؤلاء فقال طلحة أنا يا رسول الله فقال كما أنت يا طلحة فقال رجل من الانصار فأنا يا رسول الله فقاتل عنه وصعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن بقي معه ثم قتل الانصاري فلحقوه فقال ألا رجل لهؤلاء فقال طلحة مثل قوله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل قوله فقال رجل من الانصار فأنا يا رسول الله فقاتل وأصحابه يصعدون ثم قتل فلحقوه فلم يزل يقول مثل قوله الأول ويقول طلحة أنا يا رسول فيحبسه فيستأذنه رجل من الانصار للقتال فيأذن له فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة فغشوهما فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لهؤلاء فقال طلحة أنا فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله فقال حس فقال لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون اليك حتى تلج بك في جو السماء ثم صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أصحابه وهم مجتمعون وروى البخاري عن عبد الله بن أبي شيبة عن وكيع عن اسماعيل عن قيس بن أبي حازم قال رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد وفي الصحيحين من حديث موسى بن اسماعيل عن (4/26)
معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان النهدي قال لم يبق مع النبي صلى الله عليه و سلم في بعض تلك الأيام التي يقاتل فيهن غير طلحة وسعد عن حديثهما وقال الحسن بن عرفة حدثنا مروان بن معاوية عن هاشم بن هاشم السعدي سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت سعد بن أبي وقاص يقول نثل لي رسول الله صلى الله عليه و سلم كنانته يوم أحد وقال ارم فداك أبي وأمي وأخرجه البخاري عن عبد الله بن محمد عن مروان به وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن شداد عن علي بن أبي طالب قال ما سمعت النبي صلى الله عليه و سلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك فاني سمعته يقول يوم أحد يا سعد ارم فداك أبي وأمي قال محمد بن اسحاق حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد بن أبي وقاص أنه رمى يوم أحد دون رسول الله صلى الله عليه و سلم قال سعد فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يناولني النبل ويقول ارم فداك أبي وأمي حتى انه ليناولني السهم ليس له نصل فأرمي به وثبت في الصحيحين من حديث ابراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن سعد بن أبي وقاص قال رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه و سلم وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك ولا بعده يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام وقال أحمد حدثنا عفان أخبرنا ثابت بن أنس أن أبا طلحة كان يرمي بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد والنبي صلى الله عليه و سلم خلفه يترس به وكان راميا وكان اذا رمى رفع رسول الله صلى الله عليه و سلم شخصه ينظر أين يقع سهمه ويرفع أبو طلحة صدره ويقول هكذا بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا يصيبك سهم نحري دون نحرك وكان أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقول اني جلد يا رسول الله فوجهني في حوائجك ومرني بما شئت وقال البخاري حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس قال لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه و سلم وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم مجوب عليه بجحفة له وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول انثرها لابي طلحة قال ويشرف النبي صلى الله عليه و سلم ينظر الى القوم فيقول أبو طلحة بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وانهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقران القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثا قال البخاري وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة قال كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط فآخذه هكذا ذكر البخاري معلقا بصيغة الجزم ويشهد له قوله تعالى ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشي طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم (4/27)
يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الامر من شيء قل ان الامر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذي كتب عليهم القتل الى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ان الله غفور حليم قال البخاري حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب قال جاء رجل حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القعود قال هؤلاء قريش قال من الشيخ قالوا ابن عمر فأتاه فقال اني سائلك عن شيء أتحدثني قال أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد قال نعم قال فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها قال نعم قال فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها قال نعم قال فكبر قال ابن عمر تعال لاخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وأما تغيبه عن بدر فانه كان تحته بنت النبي صلى الله عليه و سلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ان لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه أما تغيبه عن بيعة الرضوان فانه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه فبعث عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان الى مكة فقال النبي صلى الله عليه و سلم بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان اذهب بهذا الآن معك وقد رواه البخاري أيضا في موضع آخر والترمذي من حديث أبي عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب به وقال الاموي في مغازيه عن ابن اسحاق حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وقد كان الناس انهزموا عنه حتى بلغ بعضهم الى الملقى دون الأعوص وفر عثمان بن عفان وسعد بن عثمان رجل من الانصار حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الاعوص فاقاموا ثلاثا ثم رجعوا فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لهم لقد ذهبتم فيها عريضة والمقصود أن أحدا وقع فيها أشياء مما وقع في بدر منها حصول النعاس حال التحام الحرب وهذا دليل على طمأنينة القلوب بنصر الله وتأييده وتمام توكلها على خالقها وبارئها وقد تقدم الكلام على قوله تعالى في غزوة بدر إذ يغشيكم النعاس أمنة منه الآية وقال ها هنا ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم يعني المؤمنين الكمل كما قال ابن مسعود وغيره من السلف النعاس في الحرب من الايمان والنعاس في الصلاة من النفاق ولهذا قال بعد هذا وطائفة قد أهمتهم أنفسهم الآية ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استنصر يوم أحد كما استنصر يوم بدر بقوله إن تشأ لا تعبد في الأرض كما قال الامام احمد حدثنا عبد الصمد وعفان قالا حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول يوم أحد اللهم إنك ان تشأ لا تعبد في الارض ورواه مسلم (4/28)
عن حجاج بن الشاعر عن عبد الصمد عن حماد بن سلمة به وقال البخاري حدثنا عبد الله ابن محمد حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابر بن عبد الله قال قال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد أرأيت إن قتلت فأين أنا قال في الجنة فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل ورواه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به وهذا شبيه بقصة عمير بن الحمام التي تقدمت في غزوة بدر رضي الله عنهما وأرضاهما فصل
فيما لقي النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ من المشركين قبحهم الله
قال البخاري ما أصاب النبي صلى الله عليه و سلم من الجراح يوم أحد حدثنا اسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه سمع أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه يشير الى رباعيته اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله ورواه مسلم من طريق عبد الرزاق حدثنا مخلد بن مالك حدثنا يحيى بن سعيد الاموي حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال اشتد غضب الله على من قتله النبي في سبيل الله اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم أحد وهو يسلت الدم عن وجهه وهو يقول كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعو الى الله فأنزل الله ليس لك من الامر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون ورواه مسلم عن القعنبي عن حماد بن سلمة به ورواه الامام احمد عن هشيم ويزيد بن هارون عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كسرت رباعيته وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم الى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء وقال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب عن أبي حازم انه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح النبي صلى الله عليه و سلم فقال أما والله اني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن كان يسكب الماء وبما دووي قال كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم تغسله وعلي يسكب الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم وكسرت رباعيته يومئذ وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه وقال أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا ابن المبارك عن اسحاق عن يحيى بن طلحة بن عبيد الله أخبرني عيسى بن طلحة عن أم المؤمنين عائشة قالت كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد قال ذاك يوم كله لطلحة ثم أنشأ يحدث قال كنت أول من فاء يوم أحد فرأيت رجلا يقاتل في سبيل الله دونه وأراه قال حمية قال فقلت كن طلحة حيث فاتني ما فاتني فقلت يكون رجلا من قومي أحب الي وبيني وبين المشركين رجل (4/29)
لا أعرفه وأنا أقرب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم منه وهو يخطف المشي خطفا فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح فانتهينا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عليكما صاحبكما يريد طلحة وقد نزف فلم نلتفت الى قوله قال وذهبت لانزع ذاك من وجهه فقال اقسم عليك بحقي لما تركتني فتركته فكره تناولها بيده فيؤذى رسول الله صلى الله عليه و سلم فازم عليها بفيه فاستخرج احدى الحلقتين ووقعت ثنيته مع الحلقة وذهبت لاصنع ما صنع فقال أقسمت عليك بحقي لما تركتني قال ففعل مثل ما فعل في المرة الاولى فوقعت ثنيته الاخرى مع الحلقة فكان أبو عبيدة رضي الله عنه من أحسن الناس هتما فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار فاذا به بضع وسبعون من بين طعنة ورمية وضربة واذا قد قطعت اصبعه فأصلحنا من شأنه وذكر الواقدي عن ابن أبي سبرة عن اسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي الحويرث عن نافع بن جبير قال سمعت رجلا من المهاجرين يقول شهدت أحدا فنظرت الى النبل تأتي من كل ناحية ورسول الله صلى الله عليه و سلم وسطها كل ذلك يصرف عنه ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يومئذ يقول دلوني على محمد لا نجوت ان نجا ورسول الله صلى الله عليه و سلم الى جنبه ما معه أحد فجاوره فعاتبه في ذلك صفوان بن أمية فقال والله ما رايته أحلف بالله انه منا ممنوع خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله فلم نخلص اليه قال الواقدي ثبت عندي أن الذي رمى في وجنتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بن قمئة والذي رمى في شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص وقد تقدم عن ابن اسحاق نحو هذا وان الرباعية التي كسرت له عليه السلام هي اليمنى السفلى قال ابن اسحاق وحدثني صالح بن كيسان عمن حدثه عن سعد بن أبي وقاص قال ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص وان كان ما علمت لسيء الخلق مبغضا في قومه ولقد كفاني فيه قول رسول الله صلى الله عليه و سلم اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عثمان الحرري عن مقسم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا على عتبة بن أبي وقاص حين كسر رباعيته ودمى وجهه فقال اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا فما حال عليه الحول حتى مات كافرا الى النار وقال أبو سليمان الجوزجاني حدثنا محمد بن الحسن حدثنا ابراهيم بن محمد حدثني ابن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن حرب عن أبيه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رسول الله صلى الله عليه و سلم داوى وجهه يوم أحد بعظم بال هذا حديث غريب رأيته في أثناء كتاب المغازي للأموي في وقعة أحد ولما نال عبد الله بن قمئة من رسول الله صلى الله عليه و سلم ما نال رجع وهو يقول قتلت محمدا وصرخ الشيطان أزب العقبة يومئذ بأبعد صوت ألا ان محمدا قد قتل فحصل بهتة عظيمة في المسلمين واعتقد كثير من الناس ذلك وصمموا على القتال عن جوزة الاسلام حتى يموتوا على (4/30)
ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم أنس بن النضر وغيره ممن سيأتي ذكره وقد أنزل الله تعالى التسلية في ذلك على تقدير وقوعه فقال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم الا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين وقد تكلمنا على ذلك مستقصى في كتابنا التفسير ولله الحمد وقد خطب الصديق رضي الله عنه في أول مقام قامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا أيها الناس من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم الآية قال فكأن الناس لم يسمعوها قبل ذلك فما من الناس أحد الا يتلوها وروى البيهقي في دلائل النبوة من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه قال مر رجل من المهاجرين يوم أحد على رجل من الانصار وهو يتشحط في دمه فقال له يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل فقال الانصاري ان كان محمد صلى الله عليه و سلم قد قتل فقد بلغ الرسالة فقاتلوا عن دينكم فنزل وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية ولعل هذا الانصاري هو أنس بن النضر رضي الله عنه وهو عم أنس بن مالك قال الامام احمد حدثنا يزيد حدثنا حميد عن أنس أن عمه غاب عن قتال بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله النبي صلى الله عليه و سلم للمشركين لئن الله أشهدني قتالا للمشركين ليرين ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال اللهم انى أعتذر اليك عما صنع هؤلاء يعني أصحابه وابرأ اليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ دون أحد فقال سعد أنا معك قال سعد فلم أستطع أصنع ما صنع فوجد فيه بضع وثمانون من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم قال فكنا نقول فيه وفي أصحابه نزلت فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ورواه الترمذي عن عبد بن حميد والنسائي عن اسحاق بن راهويه كلاهما عن يزيد بن هارون به وقال الترمذي حسن قلت بل على شرط الصحيحين من هذا الوجه وقال أحمد حدثنا بهز وحدثنا هاشم قالا حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال قال (4/31)
أنس عمي ( قال هاشم أنس بن النضر ) سميت به ولم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر قال فشق عليه وقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه و سلم غبت عنه ولئن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليرين الله ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها فشهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس يا أبا عمرو أين واها لريح الجنة أجده دون أحد قال فقاتلهم حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية قال فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه ونزلت هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا قال فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه ورواه مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد ورواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن المبارك وزاد النسائي وأبو داود وحماد بن سلمة أربعتهم عن سليمان بن المغيرة به وقال الترمذي حسن صحيح وقال أبو الأسود عن عروة بن الزبير قال كان أبي بن خلف أخو بني جمح قد حلف وهو بمكة ليقتلن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه و سلم حلفته قال بل أنا أقتله ان شاء الله فلما كان يوم أحد أقبل أبي في الحديد مقنعا وهو يقول لا نجوت إن نجا محمد فحمل على رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد قتله فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار يقي رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه فقتل مصعب بن عمير وأبصر رسول الله صلى الله عليه و سلم ترقوة أبي بن خلف من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة فطعنه فيها بالحربة فوقع الى الأرض عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور فقالوا له ما أجزعك إنما هو خدش فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أقتل أبيا ثم قال والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون فمات الى النار فسحقا لأصحاب السعير وقد رواه موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري عن سعيد بن المسيب نحوه وقال ابن اسحاق لما أسند رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول لا نجوت إن نجوت فقال القوم يا رسول الله يعطف عليه رجل منا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوه فلما دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه و سلم الحربة من الحارث بن الصمة فقال بعض القوم كما ذكر لي فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه و سلم انتفض انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير اذا انتفض ثم استقبله رسول الله صلى الله عليه و سلم فطعنه في عنقه طعنه تدأدأ منها عن فرسه مرارا ذكر الواقدي عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الله ابن كعب بن مالك عن أبيه نحو ذلك قال الواقدي وكان ابن عمر يقول مات أبي بن خلف ببطن رابغ فأني لاسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل اذا أنا بنار تأججت فهبتها واذا برجل يخرج منها بسلسلة يجذبها يهيجه العطش فاذا رجل يقول لا تسقه فإنه قتيل رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا أبي بن خلف وقد ثبت في الصحيحين كما تقدم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن (4/32)
أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله ورواه البخاري من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس اشتد غضب الله على من قتله رسول الله بيده في سبيل الله وقال البخاري وقال أبوالوليد عن شعبة عن ابن المنكدر سمعت جابرا قال لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ينهونني والنبي صلى الله عليه و سلم لم ينه وقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تبكه أو ما تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع هكذا ذكر هذا الحديث ههنا معلقا وقد أسنده في الجنائز عن بندار عن غندر بن شعبة ورواه مسلم والنسائي من طرق عن شعبة به وقال البخاري حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله بن المبارك عن شعبة عن سعد بن ابراهيم عن أبيه ابراهيم أن عبد الرحمن ابن عوف أتى بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطى رجلاه بدا رأسه وأراه قال وقتل حمزة هو خير مني ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط ( أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا ) وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى برد الطعام انفرد به البخاري وقال البخاري حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأعمش عن شقيق عن خباب بن الأرت قال هاجرنا مع النبي صلى الله عليه و سلم نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله فمنا من مضى أو ذهب لم يأكل من أجره شيئا كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد لم يترك إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطى بها رجلاه خرج رأسه فقال لنا النبي صلى الله عليه و سلم غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله الأذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهديها وأخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن الأعمش به وقال البخاري حدثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو اسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لما كان يوم أحد هزم المشركون فصرخ ابليس لعنة الله عليه أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم فبصر حذيفة فاذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله أبي أبي قال قالت فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم قال عروة فوالله ما زال في حذيفة بقية خير حتى لقي الله عز و جل قلت كان سبب ذلك أن اليمان وثابت بن وقش كانا في الآطام مع النساء لكبرهما وضعفهما فقالا انه لم يبق من آجالنا إلا ظمء حمار فنزلا ليحضرا الحرب فجاء طريقهما ناحية المشركين فأما ثابت فقتله المشركون وأما اليمان فقتله المسلمون خطأ وتصدق حذيفة بدية أبيه على المسلمين ولم يعاتب أحدا منهم لظهور العذر في ذلك فصل
قال ابن اسحاق وأصيب يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى سقطت على وجنته فردها رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده فكانت أحسن عينيه وأحدهما وفي الحديث عن جابر بن عبد الله (4/33)
أن قتادة بن النعمان أصيبت عينه يوم أحد حتى سالت على خده فردها رسول الله صلى الله عليه و سلم مكانها فكانت أحسن عينيه وأحدهما وكانت لا ترمد اذا رمدت الاخرى وروى الدارقطني بإسناد غريب عن مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد عن أخيه قتادة ابن النعمان قال أصيبت عيناي يوم أحد فسقطتا على وجنتي فأتيت بهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعادهما مكانهما وبصق فيهما فعادتا تبرقان والمشهور الاول أنه أصيبت عينه الواحدة ولهذا لما وفد ولده على عمر بن عبد العزيز قال له من أنت فقال له مرتجلا ... أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرد ... فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسنها عينا ويا حسن ما خد ...
فقال عمر بن عيد العزيز عند ذلك ... تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا ...
ثم وصله فأحسن جائزته رضي الله عنه فصل
قال ابن هشام وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد فذكر سعيد ابن أبي زيد الانصاري أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول دخلت على أم عمارة فقلت لها يا خالة أخبريني خبرك فقالت خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح الي قالت فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت لها أصابك بهذا قالت ابن قمئة أقمأه الله لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل يقول دلوني على محمد لا نجوت ان نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فضربني هذه الضربة ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كانت عليه درعان قال ابن اسحاق وترس أبو دجانة دون رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم رمى عن قوسه حتى انقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده قال ابن اسحاق وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك الى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والانصار وقد اتقوا بأيديهم فقال فما يجلسكم قالوا قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل وبه سمي أنس بن مالك فحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة فما عرفه (4/34)
إلا أخته عرفته ببنانه قال ابن هشام وحدثني بعض أهل العلم ان عبد الرحمن بن عوف أصيب فوه يومئذ فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر اصابه بعضها في رجله فعرج فصل
قال ابن اسحاق وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد الهزيمة وقول الناس قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم كما ذكر لي الزهري كعب بن مالك قال رأيت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأشار رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أنصت قال ابن اسحاق فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه و سلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب معه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والحارث بن الصمة ورهط من المسلمين فلما أسند رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشعب أدركه أبي بن خلف ( فذكر قتله عليه السلام أبيا كما تقدم ) قال ابن اسحاق وكان أبي بن خلف كما حدثني صالح بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فيقول يا محمد ان عندي العود فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم بل أنا أقتلك ان شاء الله فلما رجع الى قريش وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم فقال قتلني والله محمد فقالوا له ذهب والله فؤادك والله ان بك بأس قال انه قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك فوالله لو بصق علي لقتلني فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به الى مكة قال ابن اسحاق فقال حسان بن ثابت في ذلك ... لقد ورت الضلالة عن أبيه ... أبي يوم بارزه الرسول ... أتيت اليه تحمل رم عظم ... وتوعده وانت به جهول ... وقد قتلت بنو النجار منكم ... أمية اذ يغوث يا عقيل ... وتب ابنا ربيعة اذ أطاعا ... ابا جهل لأمهما الهبول ... وافلت حارث لما شغلنا ... بأسر القوم أسرته قليل ...
وقال حسان بن ثابت أيضا ... ألا من مبلغ عني أبيا ... فقد ألقيت في سحق السعير ... تمني بالضلالة من بعيد ... وتقسم إن قدرت مع النذور ... تمنيك الاماني من بعيد ... وقول الكفر يرجع في غرور ... فقد لاقتك طعنة ذي حفاظ ... كريم البيت ليس بذي فجور ... له فضل على الأحياء طرا ... اذا نابت ملمات الأمور ...
قال ابن اسحاق فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم الى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته ماء من المهراس فجاء بها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه ولم يشرب منه وغسل (4/35)
عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول اشتد غضب الله على من دمي وجه نبيه وقد تقدم شواهد ذلك من الاحاديث الصحيحة بما فيه الكفاية قال ابن اسحاق فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشعب معه أولئك النفر من أصحابه اذ علت عالية من قريش الجبل قال ابن هشام فيهم خالد بن الوليد قال ابن اسحاق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم انه لا ينبغي لهم أن يعلونا فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل ونهض النبي صلى الله عليه و سلم الى صخرة من الجبل ليعلوها وقد كان بدن رسول الله صلى الله عليه و سلم ظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض لم يستطع فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يومئذ أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ ما صنع قال ابن هشام وذكر عمر مولى عفرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر يوم أحد قاعدا من الجراح التي اصابته وصلى المسلمون خلفه قعودا قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال كان فينا رجل أتى لا يدري من هو يقال له قزمان فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اذا ذكر انه لمن أهل النار قال فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل هو وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل الى دار بني ظفر قال فجعل رجال من المسلمين يقولون له والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر قال بماذا أبشر فوالله ان قاتلت الا عن أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت قال فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه وقد ورد مثل قصة هذا في غزوة خيبر كما سيأتي ان شاء الله قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن المسيب عن أبي هريرة قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الاسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الرجل الذي قلت انه من أهل النار قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه و سلم الى النار فكاد بعض القوم يرتاب فبينما هم على ذلك اذ قيل فانه لم يمت ولكن به جراح شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس انه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وأخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به قال ابن اسحاق وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق وكان أحد بني ثعلبة بن الغيطون فلما كان يوم أحد قال يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق قالوا ان اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم فأخذ سيفه وعدته وقال ان أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقاتل معه حتى قتل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغنا مخيريق خير يهود قال السهيلي فجعل (4/36)
رسول الله صلى الله عليه و سلم أموال مخيريق وكانت سبع حوائط أوقافا بالمدينة لله قال محمد بن كعب القرظي وكانت أول وقف بالمدينة وقال ابن اسحاق وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة أنه كان يقول حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو فيقول اصيرم بني عبد الاشهل عمرو بن ثابت ابن وقش قال الحصين فقلت لمحمود بن أسد كيف كان شأن الأصيرم قال كان يأبى الاسلام على قومه فلما كان يوم أحد بدا له فأسلم ثم أخذ سيفه فغدا حتى دخل في عرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة قال فبينما رجال من بني عبد الاشهل يتحسسون قتلاهم في المعركة اذا هم به فقالوا والله ان هذا للاصيرم ما جاء به لقد تركناه وانه لمنكر لهذا الحديث فسألوه فقالوا [ ما جاء بك يا عمرو ] أحدب على قومك أم رغبة في الاسلام فقال بل رغبة في الاسلام آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ثم أخذت سيفي وغدوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقاتلت حتى أصابني ما أصابني فلم يلبث أن مات في أيديهم فذكروه لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال انه من أهل الجنة قال ابن اسحاق وحدثني أبي عن أشياخ من بني سلمة قالوا كان عمرو بن الجموح رجلا أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا ان الله قد عذرك فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال ان بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه فوالله اني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد رضي الله عنه قال ابن اسحاق ووقعت هند بنت عتبة كما حدثني صالح بن كيسان والنسوة اللائي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يجدعن الآذان والانوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهن خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشيا وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها وذكر موسى ابن عقبة ان الذي بقر كبد حمزة وحشي فحملها الى هند فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فالله أعلم قال ابن اسحاق ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت ... نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر ... ما كان لي عن عتبة من صبر ... ولا أخي وعمه وبكر ... شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشي غليل صدري ... فشكر وحشي علي عمري ... حتى ترم أعظمي في قبري ...
قال فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب فقالت (4/37)
خزيت في بدر وبعد بدر ... يا بنت وقاع عظيم الكفر ... صبحك الله غداة الفجر ... م الهاشميين الطوال الزهر ... بكل قطاع حسام يفري ... حمزة ليثي وعلي صقري ... اذ رام شيب وأبوك غدري ... فخضبا منه ضواحي النحر ... ونذرك السوء فشر نذر ...
قال ابن اسحاق وكان الحليس بن زيان أخو بني الحارث بن عبد مناة وهو يومئذ سيد الاحابيش مر بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب يزج الرمح ويقول ذق عقق فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما فقال ويحك اكتمها عني فإنها كانت زلة قال ابن اسحاق ثم أن أبا سفيان حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته أنعمت ان الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل ( أي ظهر دينك ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر قم يا عمر فأجبه فقل الله أعلى وأجل لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال له أبو سفيان هلم الي يا عمر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر ائته فانظر ما شأنه فجاءه فقال له أبو سفيان أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا فقال عمر اللهم لا وانه ليسمع كلامك الآن قال أنت عندي أصدق من ابن قمئة وأبر قال ابن اسحاق ثم نادى أبو سفيان انه قد كان في قتلاكم مثل والله ما رضيت وما سخطت وما نهيت ولا أمرت قال ولما انصرف أبو سفيان نادى ان موعدكم بدر العام المقبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل من أصحابه قل نعم هو بيننا وبينك موعد قال ابن اسحاق ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب فقال أخرج في آثار القوم وانظر ماذا يصنعون وما يريدون فان كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الابل فانهم يريدون مكة وان ركبوا الخيل وساقوا الابل فهم يريدون المدينة والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن اليهم فيها ثم لاناجزنهم قال علي فخرجت في أثرهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الابل ووجهوا الى مكة
دعاء النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد
قال الامام احمد حدثنا مروان بن معاوية الفراري حدثنا عبد الواحد بن أيمن المكي عن ابن رفاعة الزرقي عن أبيه قال لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه و سلم استووا حتى أثني على ربي عز و جل فصاروا خلفه صفوفا فقال اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت (4/38)
ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت ولا مبعد لما قربت اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك اللهم اني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول اللهم اني أسألك النعيم يوم العيلة والأمن يوم الخوف اللهم اني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا اللهم حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق ورواه النسائي في اليوم والليلة عن زياد بن أيوب عن مروان بن معاوية عن عبد الواحد بن أيمن عن عبيد بن رفاعة عن أبيه به فصل
قال ابن اسحاق وفرغ الناس لقتلاهم فحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة المازني أخو بني النجار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من رجل ينظر لي ما فعل سعد ابن الربيع أفي الاحياء هو أم في الاموات فقال رجل من الانصار أنا فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق قال فقال له ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني أن أنظر أفي الاحياء أنت أم في الاموات فقال انا في الاموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم سلامي وقل له ان سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم ان سعد بن الربيع يقول لكم انه لا عذر لكم عند الله ان خلص الى نبيكم وفيكم عين تطرف قال ثم لم أبرح حتى مات وجئت النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته خبره
قلت كان الرجل الذي التمس سعدا في القتلى محمد بن سلمة فيما ذكره محمد بن عمر الواقدي وذكر أنه ناداه مرتين فلم يجبه فلما قال ان رسول الله أمرني أن أنظر خبرك أجابه بصوت ضعيف وذكره وقال الشيخ أبو عمر في الاستيعاب كان الرجل الذي التمس سعدا أبي كعب فالله أعلم وكان سعد بن الربيع من النقباء ليلة العقبة رضي الله عنه وهو الذي آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف قال ابن اسحاق وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه فحدثني محمد ابن جعفر بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال حين رأى ما رأى لولا أن تحزن صفية وتكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه و سلم وغيظه على (4/39)
من فعل بعمه ما فعل قالوا والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب قال ابن اسحاق فحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الاسلمي عن محمد بن كعب وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس أن الله أنزل في ذلك وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين الآية قال فعفا رسول الله صلى الله عليه و سلم وصبر ونهى عن المثلة قلت هذه الآية مكية وقصة أحد بعد الهجرة بثلاث سنين فكيف يلتئم هذا فالله أعلم قال وحدثني حميد الطويل عن الحسن عن سمرة قال ما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم في مقام قط ففارقه حتى يأمر بالصدقة وينهى عن المثلة وقال ابن هشام ولما وقف النبي صلى الله عليه و سلم على حمزة قال لن أصاب بمثلك أبدا ما وقفت قط موقفا أغيظ إلي من هذا ثم قال جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله قال ابن هشام وكان حمزة وأبو سلمة بن عبد الاسد أخو رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة أرضعتهم ثلاثتهم ثويبة مولاة أبي لهب
الصلاة على حمزة وقتلى أحد
وقال ابن اسحاق وحدثني من لا أتهم عن مقسم عن ابن عباس قال امر رسول الله صلى الله عليه و سلم بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون الى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة وهذا غريب وسنده ضعيف قال السهيلي ولم يقل به أحد من علماء الامصار وقد قال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا حماد حدثنا عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبر أن ليس أحد منا يريد الدنيا حتى أنزل الله منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم فلما خلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وعصوا ما أمروا به أفرد رسول الله صلى الله عليه و سلم في تسعة سبعة من الانصار واثنين من قريش وهو عاشرهم فلما رهقوه قال رحم الله رجلا ردهم عنا فلم يزل يقول ذا حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لصاحبيه ما أنصفنا أصحابنا فجاء أبو سفيان فقال أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قولوا الله أعلى وأجل فقالوا الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ثم قال أبو سفيان يوم بيوم بدر يوم لنا ويوم علينا ويوم نساء ويوم نسر حنظلة بحنظلة وفلان بفلان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا سواء أما قتلانا فأحياء يرزقون وقتلاكم في النار يعذبون قال أبو سفيان قد كانت في القوم مثلة وإن كانت لعن غير ملأ منا ما أمرت ولا نهيت ولا أحببت ولا كرهت (4/40)
ولا ساءني ولا سرني قال فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أاكلت شيئا قالوا لا قال ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة في النار قال فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم حمزة فصلى عليه وجيء برجل من الانصار فوضع الى جنبه فصلى عليه فرفع الانصاري وترك حمزة وجيء بآخر فوضعه الى جنب حمزة فصلى عليه ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة تفرد به أحمد وهذا اسناد فيه ضعف أيضا من جهة عطاء بن السائب فالله أعلم والذي رواه البخاري أثبت حيث قال حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن فاذا أشير الى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا تفرد به البخاري دون مسلم ورواه أهل السنن من حديث الليث بن سعد به وقال أحمد حدثنا محمد يعني ابن جعفر حدثنا شعبة سمعت عبد ربه يحدث عن الزهري عن ابن جابر عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في قتلى أحد فان كل جرح أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة ولم يصل عليهم وثبت أنه صلى عليهم بعد ذلك بسنين عديدة قبل وفاته بيسير كما قال البخاري حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا زكريا بن عدي أخبرنا المبارك عن حيوة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للاحياء والاموات ثم طلع المنبر فقال اني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد وان موعدكم الحوض واني لأنظر اليه من مقامي هذا واني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال فكان آخر نظرة نظرتها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه البخاري في مواضع أخر ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث يزيد بن ابي حبيب به نحوه وقال الأموي حدثني أبي حدثنا الحسن بن عمارة عن حبيب بن ابي ثابت قال قالت عائشة خرجنا من السحر مخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أحد نستطلع الخبر حتى اذا طلع الفجر اذا رجل محتجر يشتد ويقول ... لبث قليلا يشهد الهيجا حمل ...
قال فنظرنا فإذا أسيد بن حضير ثم مكثنا بعد ذلك فاذا بعير قد اقبل عليه امرأة بين وسقين قالت فدنونا منها فلإذا هي امرأة عمرو بن الجموح فقلنا لها ما الخبر قالت دفع الله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم واتخذ من المؤمنين شهداء ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ثم قالت لبعيرها حل ثم نزلت فقلنا لها ما هذا قالت أخي وزوجي وقال ابن اسحاق وقد أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر اليه وكان (4/41)
أخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لابنها الزبير بن العوام القها فارجعها لا ترى ما بأخيها فقال لها يا أمه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرك أن ترجعي قالت ولم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضانا ما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرن ان شاء الله فلما جاء الزبير الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخبره بذلك قال خل سبيلها فأتته فنظرت اليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت قال ابن اسحاق ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم فدفن ودفن معه ابن اخته عبد الله بن جحش وأمه أميمة بنت عبد المطلب وكان قد مثل به غير انه لم ينقر عن كبده رضي الله عنهما قال السهيلي وكان يقال له المجدع في الله قال وذكر سعد انه هو وعبد الله بن جحش دعيا بدعوة فاستجيبت لهما فدعا سعد أن يلقى فارسا من المشركين فيقتله ويستلبه فكان ذلك ودعا عبد الله بن جحش أن يلقاه فارس فيقتله ويجدع أنفه في الله فكان ذلك وذكر الزبير بن بكار ان سيفه يومئذ انقطع فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم عرجونا فصار في يد عبد الله بن حجش سيفا يقاتل به ثم بيع في تركة بعض ولده بمائتي دينار وهذا كما تقدم لعكاشة في يوم بدر وقد تقدم في صحيح البخاري أيضا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يجمع بين الرجلين والثلاثة في القبر الواحد بل في الكفن الواحد وانما أرخص لهم في ذلك لما بالمسلمين من الجراح التي يشق معها أن يحفروا لكل واحد واحد ويقدم في اللحد أكثرهما أخذا للقرآن وكان يجمع بين الرجلين المتصاحبين في اللحد الواحد كما جمع بين عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر وبين عمرو بن الجموح لانهما كانا متصاحبين ولم يغسلوا بل تركهم بجراحهم ودمائهم كما روى ابن اسحاق عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما انصرف عن القتلى يوم أحد قال أنا شهيد على هؤلاء انه ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمي جرحه اللون لون دم والريح ريح مسك قال وحدثني عمي موسى بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم ما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة وجرحه يدمي اللون لون الدم والريح ريح المسك وهذا الحديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه وقال الامام احمد حدثنا علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال امر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد بالشهداء ان ينزع عنهم الحديد والجلود وقال ادفنوهم بدمائهم وثيابهم رواه أبو داود وابن ماجه من حديث علي بن عاصم به وقال الامام أبو داود في سننه حدثنا القعنبي أن سليمان بن المغيرة حدثهم عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر أنه قال جاءت الانصار الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد فقالوا قد أصابنا قرح وجهد فكيف تأمر فقال احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر الواحد قيل يا رسول الله فأيهم يقدم قال أكثرهم قرآنا ثم رواه من حديث الثوري عن أيوب عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر فذكره وزاد واعمقوا قال ابن اسحاق وقد (4/42)
احتمل ناس من المسلمين قتلاهم الى المدينة فدفنوهم بها ثم نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك وقال ادفنوهم حيث صرعوا وقد قال الامام احمد حدثنا علي بن اسحاق حدثنا عبد الله وعتاب حدثنا عبد الله حدثنا عمر بن سلمة بن أبي يزيد المديني حدثني أبي سمعت جابر بن عبد الله يقول استشهد أبي بأحد فارسلني اخواتي اليه بناضح لهن فقلن اذهب فاحتمل أباك على هذا الجمل فادفنه في مقبرة بني سلمة فقال فجئته وأعوان لي فبلغ ذلك نبي الله وهو جالس بأحد فدعاني فقال والذي نفسي بيده لا يدفن إلا مع اخوته فدفن مع أصحابه بأحد تفرد به احمد وقال الامام احمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الاسود بن قيس عن نبيح عن جابر بن عبد الله أن قتلى أحد حملوا من مكانهم فنادى منادي النبي صلى الله عليه و سلم أن ردوا القتلى الى مضاجعهم وقد رواه أبو داود والنسائي من حديث الثوري والترمذي من حديث شعبة والنسائي أيضا وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينه كلهم عن الاسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة الى المشركين يقاتلهم وقال لي أبي عبد الله يا جابر لا عليك أن تكون في نظاري أهل المدينة حتى تعلم الى ما مصير أمرنا فاني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي لاحببت أن تقتل بين يدي قال فبينا أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بابي وخالي عادلتهما على ناضح فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا إذ لحق رجل ينادي ألا إن النبي صلى الله عليه و سلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت فرجعناها بهما فدفناهما حيث قتلا فبينا أنا في خلافة معاوية بن ابي سفيان إذ جاءني رجل فقال يا جابر بن عبد الله والله لقد أثار أباك عمال معاوية فبدا فخرج طائفة منه فأتيته فوجدته على النحو الذي دفنته لم يتغير إلا ما لم يدع القتل أو القتيل ثم ساق الامام قصة وفائه دين أبيه كما هو ثابت في الصحيحين وروى البيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال لما أجرى معاوية العين عند قتلى أحد بعد أربعين سنة استصرخناهم اليهم فأتيناهم فأخرجناهم فأصابت المسحاة قدم حمزة فانبعث دما وفي رواية ابن اسحاق عن جابر قال فأخرجناهم كأنما دفنوا بالأمس وذكر الواقدي أن معاوية لما أراد أن يجري العين نادى مناديه من كان له قتيل بأحد فليشهد قال جابر فحفرنا عنهم فوجدت أبي في قبره كأنما هو نائم على هيئته ووجدنا جاره في قبره عمرو بن الجموح ويده على جرحه فازيلت عنه فانبعث جرحه دما ويقال انه فاح من قبورهم مثل ريح المسك رضي الله عنهم أجمعين وذلك بعد ست وأربعين سنة من يوم دفنوا وقد قال البخاري حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا حسين المعلم عن عطاء عن جابر قال لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال لي ما أراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم واني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن علي دينا فاقض (4/43)
واستوص باخواتك خيرا فأصبحنا وكان أول قتيل فدفنت معه آخر في قبره ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فاذا هو كيوم وضعته هيئته غير أذنه وثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر أنه لما قتل أبوه جعل يكشف عن الثوب ويبكي فنهاه الناس فقال رسول الله تبكيه أو لا تبكيه لم تزل الملائكة تظله حتى رفعتموه وفي رواية أن عمته هي الباكية وقال البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن اسحاق حدثنا فيض بن وثيق البصري حدثنا أبو عبادة الانصاري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لجابر يا جابر ألا أبشرك قال بلى بشرك الله بالخير فقال اشعرت أن الله أحيا أباك فقال تمن علي عبدي ما شئت أعطكه قال يا رب عبدتك حق عبادتك أتمنى عليك أن تردني الى الدنيا فأقتل مع نبيك واقتل فيك مرة أخرى قال إنه سلف مني أنه اليها لا يرجع وقال البيهقي حدثنا أبو الحسن محمد ابن أبي المعروف الاسفرايني حدثنا أبو سهل بشر بن أحمد حدثنا أحمد بن الحسين بن نصر حدثنا علي بن المديني حدثنا موسى بن ابراهيم بن كثير بن بشير بن الفاكه الانصاري قال سمعت طلحة بن خراش بن عبد الرحمن بن خراش بن الصمة الانصارى ثم السلمى قال سمعت جابر بن عبدالله قال نظر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مالي أراك مهتما قال قلت يا رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا فقال الا أخبرك ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب أنه كلم اباك كفاحا وقال له يا عبدي سلني أعطك فقال اسألك أن تردني الى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال إنه قد سبق مني القول انهم اليها لا يرجعون قال يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون الآية وقال ابن اسحاق وحدثني بعض أصحابنا عن عبد الله بن محمد بن عقيل سمعت جابرا يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا أبشرك يا جابر قلت بلى قال إن أباك حيث أصيب بأحد أحياه الله ثم قال له ما تحب يا عبد الله ما تحب أن افعل بك قال أي رب أحب أن تردني الى الدنيا فأقاتل فيك فأقتل مرة أخرى وقد رواه أحمد عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن محمد بن علي بن ربيعة السلمي عن ابن عقيل عن جابر وزاد فقال الله إني قضيت أنهم اليها لا يرجعون وقال أحمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن عبد الله عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اذا ذكر أصحاب أحد أما والله لوددت أني غودرت مع أصحابه بحضن الجبل يعني سفح الجبل تفرد به أحمد وقد روى البيهقي من حديث عبد الاعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير عن أبي هريرة (4/44)
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف عليه فدعا له ثم قرأ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية قال أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد الى يوم القيامة إلا ردوا عليه وهذا حديث غريب وروى عن عبيد بن عمير مرسلا وروى البيهقي من حديث موسى بن يعقوب عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يأتي قبور الشهداء فاذا أتى فرضة الشعب قال السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ثم كان أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه و سلم يفعله وكان عمر بعد ابي بكر يفعله وكان عثمان بعد عمر يفعله قال الواقدي كان النبي صلى الله عليه و سلم يزورهم كل حول فاذا بلغ نقرة الشعب يقول السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ثم كان أبو بكر يفعل ذلك كل حول ثم عمر ثم عثمان وكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم تأتيهم فتبكي عندهم وتدعو لهم وكان سعد يسلم ثم يقبل على أصحابه فيقول ألا تسلمون على قوم يردون عليكم ثم حكى زيارتهم عن أبي سعيد وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وأم سلمة رضي الله عنهم وقال ابن أبي الدنيا حدثني ابراهيم حدثني الحكم بن نافع حدثنا العطاف بن خالد حدثتني خالتي قالت ركبت يوما الى قبور الشهداء وكانت لا تزال تأتيهم فنزلت عند حمزة فصليت ما شاء الله أن أصلي وما في الوادع داع ولا مجيب إلا غلاما قائما آخذا برأس دابتي فلما فرغت من صلاتي قلت هكذا بيدي السلام عليكم قالت فسمعت رد السلام علي يخرج من تحت الارض أعرفه كما أعرف أن الله عز و جل خلقني وكما أعرف الليل والنهار فاقشعرت كل شعرة مني وقال محمد بن اسحاق عن اسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي الى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ اخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عن الحرب ولا يزهدوا في الجهاد فقال الله عز و جل أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله في الكتاب قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وروى مسلم والبيهقي من حديث أبي معاوية عن الاعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فقال اما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ارواحهم في جوف طير خضر تسرح في ايها شاءت ثم تأوي الى قناديل معلقة بالعرش قال فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك اطلاعة فقال اسألوني ما شئتم فقالوا يا ربنا وما نسألك ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا (4/45)
ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أن لن يتركوا من أن يسألوا قالوا نسألك أن ترد أرواحنا الى أجسادنا في الدنيا نقتل في سبيلك مرة أخرى قال فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تركوا فصل
في عدد الشهداء قال موسى بن عقبة جميع من استشهد يوم أحد من المهاجرين والانصار تسعة وأربعون رجلاوقد ثبت في الحديث الصحيح عن البخارى عن البراء أنهم قتلوا من المسلمين سبعين رجلا فالله أعلم وقال قتادة عن أنس قتل من الانصار يوم أحد سبعون ويوم بئر معونة سبعون ويوم اليمامة سبعون وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه كان يقول قارب السبعين يوم أحد ويوم بئر معونة ويوم مؤتة ويوم اليمامة وقال مالك عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب قتل من الانصار يوم أحد ويوم اليمامة سبعون ويوم جسر أبي عبيد سبعون وهكذا قال عكرمة وعروة الزهري ومحمد بن اسحاق في قتلى أحد ويشهد له قوله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا يعني أنهم قتلوا يوم بدر سبعين وأسروا سبعين وعن ابن اسحاق قتل من الانصار لعله من المسلمين يوم أحد خمسة وستون أربعة من المهاجرين حمزة وعبد الله بن جحش ومصعب بن عمير وشماس بن عثمان والباقون من الانصار وسرد أسماءهم على قبائلهم وقد استدرك عليه ابن هشام زيادة على ذلك خمسة آخرين فصاروا سبعين على قول ابن هشام وسرد ابن اسحاق اسماء الذين قتلوا من المشركين وهم اثنان وعشرون رجلا وعن عروة كان الشهداء يوم أحد أربعة أو قال سبعة وأربعين وقال موسى بن عقبة تسعة وأربعون وقتل من المشركين يومئذ ستة عشر رجلا وقال عروة تسعة عشر وقال ابن اسحاق اثنان وعشرون وقال الربيع عن الشافعي ولم يؤسر من المشركين سوى أبي عزة الجمحي وقد كان في الاسارى يوم بدر فمن عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بلا فدية واشترط عليه الا يقاتله فلما أسر يوم أحد قال يا محمد امنن علي لبناتي وأعاهد أن لا اقاتلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا أدعك تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعت محمدا مرتين ثم امر به فضربت عنقه وذكر بعضهم أنه يومئذ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين فصل
قال ابن اسحاق ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة فلقيته حمنة بنت جحش كما ذكر لي فلما لقيت الناس نعى اليها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان زوج المرأة منها لبمكان لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها وصياحها على زوجها وقد قال ابن ماجه حدثنا محمد بن يحيى حدثنا اسحاق بن محمد الفروي حدثنا عبد الله بن عمر عن ابراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش عن أبيه عن حمنة بنت جحش انه (4/46)
قيل لها قتل أخوك فقالت رحمه الله وانا لله وانا اليه راجعون فقالوا قتل زوجك قالت واحزناه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان للزوج من المرأة لشعبة ما هي لشيء قال ابن اسحاق وحدثني عبد الواحد بن أبي عون عن اسماعيل عن محمد عن سعد بن أبي وقاص قال مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بأحد فلما نعوا لها قالت ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر اليه قال فأشير لها اليه حتى اذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل قال ابن هشام الجلل يكون من القليل والكثير وهو ههنا القليل قال امرؤ القيس ... لقتل بني أسد ربهم ... ألا
كل شيء خلاه جلل
...
أي صغير وقليل قال ابن اسحاق فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال اغسلي عن هذا دمه يا بنيه فوالله لقد صدقني في هذا اليوم وناولها علي بن أبي طالب سيفه فقال وهذا فاغسلي عنه دمه فوالله لقد صدقني اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لئن كنت صدقت القتال لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة وقال موسى بن عقبة في موضع آخر ولما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم سيف علي مخضبا بالدماء قال لئن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وروى البيهقي عن سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء علي بن أبي طالب بسيفه يوم أحد قد انحنى فقال لفاطمة هاك السيف حميدا فانها قد شفتني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لئن كنت أجدت الضرب بسيفك لقد أجاده سهل بن حنيف وأبو دجانة وعاصم بن ثابت والحارث ابن الصمة قال ابن هشام وسيف رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا هو ذو الفقار قال وحدثني بعض أهل العلم عن ابن أبي نجيح قال نادى مناد يوم أحد لا سيف الا ذو الفقار قال وحدثني بعض أهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح علينا قال ابن اسحاق ومر رسول الله صلى الله عليه و سلم بدار بني عبد الاشهل فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال لكن حمزة لا بواكي له فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير الى دار بني عبد الاشهل أمرا نساءهن أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى الله عليه و سلم فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن بعض رجال بني عبد الاشهل قال لما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن في باب المسجد يبكين فقال ارجعن يرحمكن الله فقد آسيتن بأنفسكن قال ونهى رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ عن النوح فيما قال ابن هشام وهذا الذي 2 ذكره منقطع ومنه مرسل وقد اسنده الامام احمد فقال حدثنا زيد بن الحباب حدثني اسامة بن (4/47)
زيد حدثني نافع عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما رجع من أحد فجعل نساء الانصار يبكين على من قتل من أزواجهن قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكن حمزة لا بواكي له قال ثم نام فاستنبه وهن يبكين قال فهن اليوم اذا يبكين يندبن حمزة وهذا على شرط مسلم وقد رواه ابن ماجه عن هارون بن سعيد عن ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بنساء بنى عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم احد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لكن حمزة لا بواكي له فجاء نساء الانصار يبكين حمزة فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ويحهن ما انقلبن بعد مرورهن فلينقلبن ولا يبكين على هالك بعد اليوم وقال موسى بن عقبة ولما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم أزقة المدينة اذا النوح والبكاء في الدور قال ما هذا قالوا هذه نساء الانصار يبكين قتلاهم فقال لكن حمزة لا بواكي له واستغفر له فسمع ذلك سعد بن معاذ بن عبادة ومعاذ بن جبل وعبد الله بن رواحة فمشوا الى دورهم فجمعوا كل نائحة باكية كانت بالمدينة فقالوا والله لاتبكين قتلى الانصار حتى تبكين عم النبي صلى الله عليه و سلم فإنه قد ذكر أنه لا بواكي له بالمدينة وزعموا ان الذي جاء بالنوائح عبد الله بن رواحة فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما هذا فأخبر بما فعلت الانصار بنسائهم فاستغفر لهم وقال لهم خيرا وقال ما هذا أردت وما أحب البكاء ونهى عنه وهكذا ذكر ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة بن الزبير سواء قال موسى بن عقبة وأخذ المنافقون عند بكاء المسلمين في المكر والتفريق عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وتحزين المسلمين وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق فور المرجل وقالت اليهود لو كان نبيا ما ظهروا عليه ولا أصيب منه ما أصيب ولكنه طالب ملك تكون له الدولة وعليه وقال المنافقون مثل قولهم وقالوا للمسلمين لو كنتم أطعتمونا ما اصابكم الذين أصابوا منكم فأنزل الله القرآن في طاعة من اطاع ونفاق من نافق وتعزية المسلمين يعني فيمن قتل منهم فقال واذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم الآيات كلها كما تكلمنا على ذلك في التفسير ولله الحمد والمنة
خروج النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه
على ما بهم من القرح والجراح في اثر ابي سفيان
قال موسى بن عقبة بعد اقتصاصه وقعة أحد وذكره رجوعه عليه السلام الى المدينة وقدم رجل من أهل مكة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله عن أبي سفيان وأصحابه فقال نازلتهم فسمعتهم يتلاومون ويقول بعضهم لبعض لم تصنعوا شيئا أصبتهم شوكة القوم وحدهم ثم تركتموهم ولم (4/48)
تبتروهم فقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وبهم أشد القرح بطلب العدو ليسمعوا بذلك وقال لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال فقال عبد الله بن أبي أنا راكب معك فقال لا فاستجابوا لله ولرسوله على الذي بهم من البلاء فانطلقوا فقال الله في كتابه الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم قال وأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم لجابر حين ذكر أن أباه أمره بالمقام في المدينة على اخواته قال وطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم العدو حتى بلغ حمراء الاسد وهكذا روى ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة ابن الزبير سواء وقال محمد بن اسحاق في مغازيه وكان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال فلما كان الغد من يوم الأحد لستعشة ليلة مضت من شوا أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الناس بطلب العدو وأذن مؤذنه ألا يخرجن أحد إلا من حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبد الله فأذن له قال ابن اسحاق وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم مرهبا للعدو ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم قال ابن اسحاق رحمه الله فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من بني عبد الاشهل قال شهدت أحدا أنا وأخ لي فرجعنا جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالخروج في طلب العدو قلت لأخي وقال لي أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وكنت أيسر جرحا منه فكان اذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا الى ما انتهى اليه المسلمون قال ابن اسحاق فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى انتهى الى حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال فاقام بها الاثنين والثلاثاء والاربعاء ثم رجع الى المدينة قال ابن هشام وقد كان استعمل على المدينة ابن أم مكتوم قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن معبد بن أبي معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ومعبد يومئذ مشرك مر برسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مقيم بحمراء الأسد فقال يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في اصحابك ولوددنا أن الله عافاك فيهم ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم بحمراء الاسد حتى لقي أبا سفيان ابن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وقالوا أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم فلما رأى أبو سفيان معبدا قال ما وراءك يا معبد قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل قال فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل شأفتهم قال فاني أنهاك عن ذلك ووالله لقد (4/49)
حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من شعر قال وما قلت قال قلت ... كادت تهد من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الارض بالجرد الأبابيل ... تردى بأسد كرام لا تنابلة ... عند اللقاء ولا ميل معازيل ... فظلت عدوا أظن الارض مائلة ... لما سموا برئيس غير مخذول ... فقلت ويل ابن حرب من لقائكم ... اذا تغطمطت البطحاء بالجيل ... إني نذير لأهل البسل ضاحية ... لكل ذي أربة منهم ومعقول ... من جيش أحمد لا وخش قنابله ... وليس يوصف ما أنذرت بالقيل ...
قال فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه ومر به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون قالوا المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون غني محمدا رسالة أرسلكم بها اليه واحمل لكم ابلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ اذا وافيتموها قالوا نعم قال فاذا وافيتموه فاخبروه انا قد أجمعنا السير اليه والى أصحابه لنستأصل بقيتهم فمر الركب برسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بحمراء الاسد فاخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال حسبنا الله ونعم الوكيل وكذا قال الحسن البصري وقد قال البخاري حدثنا أحمد بن يونس أراه قال حدثنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس حسبنا الله ونعم الوكيل قالها ابراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه و سلم حين قالوا ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل تفرد بروايته البخاري وقد قال البخاري حدثنا محمد بن سلام حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم قالت لعروة يا ابن اختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر رضي الله عنهما لما أصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال من يذهب في اثرهم فانتدب منهم سبعون رجلا فيهم أبو بكر والزبير هكذا رواه البخاري وقد رواه مسلم مختصرا من وجه عن هشام وهكذا رواه سعيد بن منصور وأبو بكر الحميدي جميعا عن سفيان بن عيينة وأخرجه ابن ماجه من طريقه عن هشام بن عروة به ورواه الحاكم في مستدركه من طريق أبي سعيد عن هشام ابن عروة به ورواه الحاكم في مستدركه من طريق أبى سعيد عن هشام ابن عروة به ورواه من حديث السدي عن عروة وقال في كل منهما صحيح ولم يخرجاه كذا قال وهذا السياق غريب جدا فان المشهور عند أصحاب المغازي ان الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى حمراء الاسد كل من شهد أحدا وكانوا سبعمائة كما تقدم قتل منهم سبعون وبقي الباقون وقد روى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال ان الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد الذي كان منه فرجع الى مكة وكانت وقعة أحد في شوال وكان التجار يقدمون في ذي القعدة المدينة فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة وانهم قدموا بعد وقعة أحد وكان أصاب المسلمين (4/50)
القرح واشتكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه و سلم واشتد عليهم الذي أصابهم وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم ندب الناس لينطلقوا بهم ويتبعوا ما كانوا متبعين وقال لنا ترتحلون الآن فتأتون الحج ولا يقدرون على مثلها حتى عام قابل فجاء الشيطان يخوف أولياءه فقال ان الناس قد جمعوا لكم فأبى عليه الناس أن يتبعوه فقال اني ذاهب وإن لم يتبعني أحد فانتدب معه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وابن مسعود وحذيفة في سبعين رجلا فساروا في طلب أبي سفيان حتى بلغوا الصفراء فأنزل الله الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم وهذا غريب أيضا وقال ابن هشام حدثنا أبو عبيدة أن أبا سفيان بن حرب لما انصرف يوم أحد أراد الرجوع الى المدينة فقال لهم صفوان بن أمية لا تفعلوا فان القوم قد حربوا وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي كان فارجعوا فرجعوا فقال النبي صلى الله عليه و سلم وهو بحمراء الاسد حين بلغه أنهم هموا بالرجعة والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب قال وأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم في وجهه ذلك قبل رجوعه المدينة معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس جد عبد الملك بن مروان لأمه لامه عائشة بنت معاوية وأبا عزة الجمحي وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أسره ببدر ثم من عليه فقال يا رسول الله اقلني فقال لا والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمد مرتين اضرب عنقه يا زبير فضرب عنقه قال ابن هشام بلغني عن ابن المسيب أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه وذكر ابن هشام أن معاوية بن المغيرة بن أبي العاص استأمن له عثمان على أن لا يقيم بعد ثلاث فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بعدها زيد بن حارثة وعمار بن ياسر وقال ستجدانه في مكان كذا وكذا فاقتلاه ففعلا رضي الله عنهما قال ابن اسحاق ولما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة كان عبد الله بن أبي كما حدثني الزهري له مقام يقومه كل جمعة لا ينكر له شرفا في نفسه وفي قومه وكان فيه شريفا اذا جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم أكرمكم الله وأعزكم به فانصروه وعززوه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس حتى اذا صنع يوم أحد ما صنع ورجع الناس قام يفعل ذلك كما كان يفعله فأخذ المسلمون ثيابه من نواحيه وقالوا اجلس أي عدو الله والله لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول والله لكأنما قلت بجرا أن قمت أشدد أمره فلقيه رجال من الانصار بباب المسجد فقالوا ويلك مالك قال قمت أشدد أمره فوثب الي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني لكأنما قلت بجراأن قمت أشدد أمره قالوا ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه و سلم قال والله ما أبغي (4/51)
أن يستغفر لي ثم ذكر ابن اسحاق ما نزل من القرآن في قصة أحد من سورة آل عمران عند قوله واذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم قال الى تمام ستين آية وتكلم عليها وقد بسطنا الكلام على ذلك في كتابنا التفسير بما فيه الكفاية ثم شرع ابن اسحاق في ذكر شهداء أحد وتعدادهم بأسمائهم وأسماء آبائهم على قبائلهم كما جرت عادته فذكر من المهاجرين أربعة حمزة ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان رضي الله عنهم ومن الانصار الى تمام خمسة وستين رجلا واستدرك عليه ابن هشام خمسة أخرى فصاروا سبعين على قول ابن هشام ثم سمى ابن اسحاق من قتل من المشركين وهم اثنان وعشرون رجلا على قبائلهم أيضا قلت ولم يؤسر من المشركين سوى أبي عزة الجمحي كما ذكره لشافعي وغيره وقتله رسول الله صلى الله عليه و سلم صبرا بين يديه أمر الزبير ويقال عاصم بن ثابت بن أبي الافلح فضرب عنقه فصل
فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الاشعار
وانما نورد شعر الكفار لنذكر جوابها من شعر الاسلام ليكون أبلغ في وقعها من الاسماع والافهام وأقطع لشبهة الكفرة الطغام قال الامام محمد بن اسحاق رحمه الله وكان مما قيل من الشعر يوم أحد قول هبيرة بن أبي وهب المخزومي وهو على دين قومه من قريش فقال ... ما بال هم عميد بات نيطرقني ... بالود من هند اذ تعدو عواديها ... باتت تعاتبني هند وتعذلني ... والحرب قد شغلت عني مواليها ... مهلا فلا تعذليني ان من خلقي ... ما قد علمت وما ان لست أخفيها ... مساعف لبني كعب بما كفلوا ... حمال عبء وأثقال أعانيها ... وقد حملت سلاحي فوق مشترف ... ساط سبوح اذا يجري يباريها ... كأنه اذ جرى عير بفدفدة ... مكدم لاحق بالعون يحميها ... من آل أعوج يرتاح الندي له ... كجذع شعراء مستعل مراقيها ... أعددته ورقاق الحد منتخلا ... ومارنا لخطوب قد ألاقيها ... هذا وبيضاء مثل النهي محكمة ... لظت علي فما تبدو مساويها ... سقنا كنانة من أطراف ذي يمن ... عرض البلاد على ما كان يزجيها ... قالت كنانة أنى تذهبون بنا ... قلنا النخيل فأموها ومن فيها (4/52)
نحن الفوارس يوم الجر من أحد ... هابت معد فقلنا نحن نأتيها ... هابوا ضرابا وطعنا صادقا خذما ... مما يرون وقد ضمت قواصيها ... ثمت رحنا كأنا عارض برد ... وقام هام بني النجار يبكيها ... كأن هامهم عند الوغى فلق ... من فيض ربد نفته عن أداحيها ... أو حنظل دعدعته الريح في غصن ... بال تعاوره منها سوافيها ... قد نبذل المال سحا لا حساب له ... ونطعن الخيل شرزا في مآقيها ... وليلة يصطلي بالفرث جازرها ... يختص بالنقرى المثرين داعيها ... وليلة من جمادى ذات أندية ... جربا جمادية قد بت أسريها ... لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... من القريس ولا تسري أفاعيها ... أوقدت فيها لذي الضراء جماحمة ... كالبرق ذاكية الأركان أحميها ... أورثني ذلكم عمرو ووالده ... من قبله كان بالمشتى يغاليها ... كانوا يبارون أنواء النجوم فما ... دنت عن السورة العليا مساعيها ...
قال ابن اسحاق فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه فقال ( قال ابن هشام وتروى ابن مالك وغيره قلت وقول ابن اسحاق أشهر وأكثر والله أعلم ) ... سقتم كنانة جهلا من سفاهتكم ... الى الرسول فجند الله مخزيها ... أوردتموها حياض الموت ضاحية ... فالنار موعدها والقتل لاقيها ... جمعتموهم أحابيشا بلا حسب ... أئمة الكفر غرتكم طواغيها ... ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت ... أهل القليب ومن ألقيته فيها ... كم من أسير فككناه بلا ثمن ... وجز ناصية كنا مواليها ...
قال ابن اسحاق وقال كعب بن مالك يجيب هبيرة بن أبي وهب المخزومي أيضا ... ألا هل أتى غسان عنا ودونهم ... من الارض خرق سيره متنعنع ... صحارى و 4 أعلام كأن قتامها ... من البعد نقع هامد متقطع ... تظل به البزل العراميس رزحا ... ويحلو به غيث السنين فيمرع ... به جيف الحسرى يلوح صليبها ... كما لاح كتان التجار الموضع ... به العين والآرام يمشين خلفة ... وبيض نعام قيضه يتفلع ... مجالدنا عن ديننا كل فخمة ... مذربة فيها القوانس تلمع ... وكل صموت في الصوان كأنها ... اذا لبست نهي من الماء مترع (4/53)
ولكن ببدر سائلوا من لقيتم ... من الناس والأنباء بالغيب تنفع ... وأنا بأرض الخوف لو كان أهلها ... سوانا لقد أجلوا بليل فأقشعوا ... اذا جاء منا راكب كان قوله ... أعدوا لما يزجي ابن حرب ويجمع ... فمهما يهم الناس مما يكيدنا ... فنحن له من سائر الناس أوسع ... فلو غيرنا كانت جميعا تكيده البرية قد أعطوا يدا وتوزعوا ... تجالد لا تبقي علينا قبيلة ... من الناس إلا أن يهابوا ويفظعوا ... ولما ابتنوا بالعرض قالت سراتنا ... علام إذا لم نمنع العرض نزرع ... وفينا رسول الله نتبع أمره ... اذا قال فينا القول لا نتطلع ... تدلى عليه الروح من عند ربه ... ينزل من جو السماء ويرفع ... نشاوره فيما نريد وقصرنا ... اذا ما اشتهى أنا نطيع ونسمع ... وقال رسول الله لما بدوا لنا ... ذروا عنكم هول المنيات واطعموا ... وكونوا كمن يشري الحياة تقربا ... الىملك يحيا لديه ويرجع ... ولكن خذوا أسيافكم وتوكلوا ... على الله إن الأمر لله أجمع ... فسرنا اليهم جهرة في رحالهم ... ضحيا علينا البيض لا نتخشع ... بملمومة فيها السنور والقنا ... اذا ضربوا أقدامها لا تورع ... فجئنا الى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع ... ثلاثة آلاف ونحن نصية ... ثلاث مئين إن كثرنا فأربع ... نغاورهم تجري المنية بيننا ... نشارعهم حوض المنايا ونشرع ... تهادي قسي النبع فينا وفيهم ... وما هو إلا اليثربي المقطع ... ومنجوفة حرمية صاعدية ... يذر عليها السم ساعة تصنع ... تصوب بأبدان الرجال وتارة ... تمر بأعراض البصار تقعقع ... وخيل تراها بالفضاء كأنها ... جراد صبا في قرة يتريع ... فلما تلاقينا ودارت بنا الرحا ... وليس لأمر حمه الله مدفع ... ضربناهم حتى تركنا سراتهم ... كأنهم بالقاع خشب مصرع ... لدن غدوة حتى استفقنا عشية ... كأن ذكانا حر نار تلفع ... وراحوا سراعا موجعين كأنهم ... جهام هراقت ماءه الريح مقلع ... ورحنا وأخرانا بطاء كأننا ... أسود على لحم ببيشة ضلع (4/54)
فنلنا ونال القوم منا وربما ... فعلنا ولكن ما لدى الله أوسع ... ودارت رحانا واستدارت رحاهم ... وقد جعلوا كل من الشر يشبع ... ونحن أناس لا نرى القتل سبة ... على كل من يحمي الذمار ويمنع ... جلاد على ريب الحوادث لا نرى ... على هالك عينا لنا الدهر تدمع ... بنو الحرب لا نعيا بشيء نقوله ... ولا نحن مما جرت الحرب نجزع ... بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحش ... ولا نحن من أظفارنا نتوجع ... وكنا شهابا يتقي الناس حره ... ويفرج عنه من يليه ويسفع ... فخرت علي ابن الزبعري وقد سرى ... لكم طلب من آخر الليل متبع ... فسل عنك في عليا معد وغيرها ... من الناس من أخزى مقاما وأشنع ... ومن هو لم يترك له الحرب مفخرا ... ومن خده يوم الكريهة أضرع ... شددنا بحول الله والنصر شدة ... عليكم وأطراف الأسنة شرع ... تكر القنا فيكم كأن فروعها ... عزالى مزاد ماؤها يتهزع ... عمدنا الى أهل اللواء ومن يطر ... بذكر اللواء فهو في الحمد أسرع ... فحانوا وقد أعطوا يدا وتخاذلوا ... أبى الله إلا أمره وهو أصنع ...
قال ابن اسحاق وقال عبد الله بن الزبعري في يوم أحد وهو يومئذ مشرك بعد ... يا غراب البين أسمعت فقل ... إنما تنطق شيئا قد فعل ... إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل ... والعطيات خساس بينهم ... وسواء قبر مثر ومقل ... كل عيش ونعيم زائل ... وبنات الدهر يلعبن بكل ... أبلغنا حسان عني آية ... فقريض الشعر يشفي ذا الغلل ... كم ترى بالجر من جمجمة ... وأكف قد أترت ورجل ... وسرابيل حسان سريت ... عن كماة أهلكوا في المنتزل ... كم قتلنا من كريم سيد ... ماجد الجدين مقدام بطل ... صادق النجدة قرم بارع ... غير ملتاث لدى وقع الأسل ... فسل المهراس ما ساكنه ... بين أقحاف وهام كالحجل ... ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الاسل ... حين حكت بقباء بركها ... واستحر القتل في عبد الاشل (4/55)
ثم خفوا عن ذاكم رقصا ... رقص الحفان يعلو في الجبل ... فقتلنا الضعف من أشرافهم ... وعدلنا ميل بدر فاعتدل ... لا ألوم النفس إلا أننا ... لو كررنا لفعلنا المفتعل ... بسيوف الهند تعلو هامهم ... عللا تعلوهم بعد نهل ...
قال ابن اسحاق فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه ... ذهبت بابن الزبعري وقعة ... كان منا الفضل فيها لو عدل ... ولقد نلتم ونلنا منكم ... وكذاك الحرب أحيانا دول ... نضع الاسياف في أكتافكم ... حيث نهوى عللا بعد نهل ... نخرج الأصبح من أستاهكم ... كسلاح النيب يأكلن العصل ... إذ تولون على أعقابكم ... هربا في الشعب أشباه الرسل ... إذ شددنا شدة صادقة ... فأجأناكم الى سفح الجبل ... بخناطيل كأشداق الملا ... من يلاقوه من الناس يهل ... ضاق عنا الشعب إذ نجزعه ... وملأنا الفرط منه والرجل ... برجال لستم أمثالهم ... أيدوا جبريل نصرا فنزل ... وعلونا يوم بدر بالتقى ... طاعة الله وتصديق الرسل ... وقتلنا كل رأس منهم ... وقتلنا كل جحجاج رفل ... وتركنا في قريش عورة ... يوم بدر وأحاديث المثل ... ورسول الله حقا شاهدا ... يوم بدر والتنابيل الهبل ... في قريش من جموع جمعوا ... مثل ما يجمع في الخصب الهمل ... نحن لا أمثالكم ولد استها ... نحضر البأس إذا البأس نزل ...
قال ابن اسحاق وقال كعب يبكي حمزة ومن قتل من المسلمين يوم أحد رضي الله عنهم ... نشجت وهل لك من منشج ... وكنت متى تدكر تلجج ... تذكر قوم أتاني لهم ... أحاديث في الزمن الأعوج ... فقلبك من ذكرهم خافق ... من الشوق والحزن المنضج ... وقتلاهم في جنان النعيم ... كرام المداخل والمخرج ... بما صبروا تحت ظل اللواء ... لواء الرسول بذي الأضوج ... غداة أجابت بأسيافها ... جميعا بنو الاوس والخزرج (4/56)
وأشياع احمد إذ شايعوا ... على الحق ذي النور والمنهج ... فما برحوا يضربون الكماة ... ويمضون في القسطل المرهج ... كذلك حتى دعاهم مليك ... الى جنة دوحة المولج ... وكلهم مات حر البلاء ... على ملة الله لم يحرج ... كحمزة لما وفى صادقا ... بذي هبة صارم سلجج ... فلاقاه عبد بني نوفل ... يبربر كالجمل الأدعج ... فأوجره حربة كالشهاب ... تلهب في اللهب الموهج ... ونعمان أوفى بميثاقه ... وحنظلة الخير لم يحنج ... عن الحق حتى غدت روحه ... الى منزل فاخر الزبرج ... أولئك لا من ثوى منكم ... من النار في الدرك المرتج ...
قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت يبكي حمزة ومن أصيب من المسلمين يوم أحد وهي على روي قصيدة أمية بن أبي الصلت في قتلى المشركين يوم بدر قال ابن هشام ومن أهل العلم بالشعر من ينكر هذه لحسان والله أعلم ... يا مي قومي فاندبي بسحيرة شجو النوائح ... كالحاملات الوقر بالثقل الملحات الدوالح ... المعولات الخامشات وجوه حرات صحائح ... وكأن سيل دموعها الانصاب تخضب بالذبائح ... ينقضن أشعارا لهن هناك بادية المسائح ... وكأنها أذناب خيل بالضحى شمس روامح ... من بين مشرور ومجزور يذعذع بالبوارح ... يبكين شجو مسلبات كدحتهن الكوادح ... ولقد أصاب قلوبها مجل له جلب قوارح ... إذ أقصد الحدثان من كنا نرجي إذ نشايح ... أصحاب أحد غالهم دهر ألم له جوارح ... من كان فارسنا وحامينا اذا بعث المسالح ... يا حمز لا والله لا أنساك ما صر اللقائح ... لمناخ أيتام وأضياف وأرملة تلامح ... ولما ينوب الدهر في حرب لحرب وهي لافح ... يا فارسا يا مدرها يا حمز قد كنت المصامح ... عنا شديدات الخطوب إذا ينوب لهن فادح ... ذكرتني أسد الرسول وذاك مدرهنا المنافح ... عنا وكان يعد إذ عد الشريفون الجحاجح ... يعلو القماقم جهرة سبط اليدين أغر واضح ... لا طائش رعش ولا ذو علة بالحمل آنح ... بحر فليس يغب جارا منه سيب أو منادح ... أودى شباب الى الحفائظ والثقيلون المراجح ... المطعمون اذا المشاتي ما يصفقهن ناضح ... لحم الجلاد وفوقه من شحمه شطب شرائح ... ليدافعوا عن جارهم ما رام ذو الضغن المكاشح ... لهفي لشبان رزئناهم كأنهم المصابح ... شم بطارقة غطارفة خضارمة مسامح (4/57)
المشترون الحمد بالأموال أن الحمد رابح ... والجامزون بلجمهم يوما إذا ما صاح صائح ... من كان يرمي بالنواقر من زمان غير صالح ... ما أن تزال ركابه يرسمن في غبر صحاصح ... راحت تباري وهو في ركب صدورهم رواشح ... حتى تئوب له المعالي ليس من فوز السفائح ... يا حمز قد أوحدتني كالعود شذبه الكوافح ... أشكو اليك وفوقك الترب المكور والصفائح ... من جندل يلقيه فوقك إذ أجاد الضرح ضارح ... في واسع يحشونه بالترب سوته المماسح ... فعزاؤنا أنا نقول وقولنا برح بوارح ... من كان أمسى وهو عما أوقع الحدثان جانح ... فليأتنا فلتبك عيناه لهلكانا النوافح ... القائلين الفاعلين ذوي السماحة والممادح ... من لا يزال ندى يديه له طوال الدهر مائح ...
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان قال ابن اسحاق وقال كعب بن مالك يبكي حمزة وأصحابه ... طرقت همومك فالرقاد مسهد ... وجزعت أن سلخ الشباب الاغيد ... ودعت فؤادك للهوى ضمرية ... فهواك غوري وصحوك منجد ... فدع التمادي في الغواية سادرا ... قد كنت في طلب الغواية تفند ... ولقد أتى لك أن تناهى طائعا ... أو تستفيق اذا نهاك المرشد ... ولقد هددت لفقد حمزة هدة ... ظلت بنات الجوف منها ترعد ... ولو أنه فجعت حراء بمثله ... لرأيت رأسي صخرها يتبدد ... قرم تمكن في ذؤابة هاشم ... حيث النبوة والندى والسؤدد ... والعاقر الكوم الجلاد اذا غدت ... ريح يكاد الماء منها يجمد ... والتارك القرن الكمي مجدلا ... يوم الكريهة والقنا يتقصد ... وتراه يرفل في الحديد كأنه ... ذو لبدة شثن البراثن أربد ... عم النبي محمد وصفيه ... ورد الحمام فطاب ذاك المورد ... وأئى المنية معلما في أسرة ... نصروا النبي ومنهم المستشهد ... ولقد إخال بذاك هندا بشرت ... لتميت داخل غصة لا تبرد ... مما صبحنا بالعقنقل قومها ... يوما تغيب فيه عنها الأسعد ... وببئر بدر إذ يرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد ... حتى رأيت لدى النبي سراتهم ... قسمين نقتل من نشاء ونطرد ... فأقام بالعطن المعطن منهم ... سبعون عتبة منهم والاسود (4/58)
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة ... فوق الوريد لها رشاش مزبد ... وأمية الجمحي قوم ميله ... عضب بأيدي المؤمنين مهند ... فأتاك فل المشركين كأنهم ... والخيل والخليل تثفنهم نعام شرد ... شتان من هو في جهنم ثاويا ... أبدا ومن هو في الجنان مخلد ...
قال ابن اسحاق وقال عبد الله بن رواحة يبكي حمزة وأصحابه يوم أحد قال ابن هشام وأنشدنيها أبو زيد لكعب بن مالك فالله أعلم ... بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل ... على أسد الإله غداة قالوا ... أحمزة ذاكم الرجل القتيل ... أصيب المسلمون به جميعا ... هناك وقد أصيب به الرسول ... أبا يعلى لك الاركان هدت ... وأنت الماجد البر الوصول ... عليك سلام ربك في جنان ... مخالطها نعيم لا يزول ... ألا يا هاشم الأخيار صبرا ... فكل فعالكم حسن جميل ... رسول الله مصطبر كريم ... بأمر الله ينطق إذ يقول ... ألا من مبلغ عني لؤيا ... فبعد اليوم دائلة تدول ... وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا ... وقائعنا بها يشفى الغليل ... نسيتم ضربنا بقليب بدر ... غداة أتاكم الموت العجيل ... غداة ثوى أبو جهل صريعا ... عليه الطير حائمة تجول ... وعتبة وابنه خرا جميعا ... وشيبة عضه السيف الصقيل ... ومتركنا أمية مجلعبا ... وفي جزومه لدن نبيل ... وهام بني ربيعة سائلوها ... ففي اسيافنا منها فلول ... ألا يا هند فابكي لا تملي ... فأنت الواله العبرى الهبول ... ألا يا هند لا تبدي شماتا ... بحمزة إن عزكم ذليل ...
قال ابن اسحاق وقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أخاها حمزة بن عبد المطلب وهي أم الزبير عمة النبي صلى الله عليه و سلم وBهم أجمعين ... اسائلة أصحاب أحد مخافة ... بنات أبي من أعجم وخبير ... فقال الخبير إن حمزة قد ثوى ... وزير رسول الله خير وزير ... دعاه إله الحق ذو العرش دعوة ... الى جنة يحيا بها وسرور (4/59)
فذاك ما كنا نرجي ونرتجي ... لحمزة يوم الحشر خير مصير ... فوالله لاأنساك ما هبت الصبا ... بكاء وحزنا محضري ومسيري ... على أسد الله الذي كان مدرها ... يذود مدرها ... يذود عن الاسلام كل كفور ... فياليت شلوي عند ذاك وأعظمي ... لدى أضبع تع ونسور ... اقول وقد أعلى النعي عشيرتي ... جزى الله خيرا من أخ ونصير ...
قال ابن اسحاق وقالت نعم امرأة شماس بن عثمان تبكي زوجها والله أعلم ولله الحمد والمنة ... يا عين جودي بفيض غير إبساس ... على كريم من الفتيان لباس ... صعب البديهة ميمون نقيبته ... حمال ألوية ركاب أفراس ... أقول لما أتى الناعي له جزعا ... أودى الجواد وأودى المطعم الكاسي ... وقلت لما خلت منه مجالسه ... لا يبعد الله منا قرب شماس ...
قال فأجابها أخوها الحكم بن سعيد بن يربوع يعزيها فقال ... اقنى حياءك في ستر وفي كرم ... فانما كان شماس من الناس ... لا تقتلي النفس إذ حانت منيته ... في طاعة الله يوم الروع والباس ... قد كان حمزة ليث الله فاصطبرى ... فذاق يومئذ من كأس شماس ...
وقالت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين رجعوا من أحد
... رجعت وفي نفسي بلابل جمة ... وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي ... من أصحاب بدر من قريش وغيرهم ... بني هاشم منهم ومن أهل يثرب ... ولكنني قد نلت شيئا ولم يكن ... كما كنت أرجو في مسيري ومركبي ...
وقد أورد ابن اسحاق في هذا أشعارا كثيرة تركنا كثيرا منها خشية الاطالة وخوف الملالة وفيما ذكرنا كفاية ولله الحمد وقد أورد الاموي في مغازيه من الاشعار أكثر مما ذكره ابن اسحاق كما جرت عادته ولا سيما ههنا فمن ذلك ما ذكره لحسان بن ثابت أنه قال أنه قال في غزوة أحد فالله أعلم ... طاوعوا الشيطان اذ اخزاهم ... فاستبان الخزي فيهم والفشل ... حين صاحوا صيحة واحدة ... مع أبي سفيان قالوا اعل هبل ... فأجبناهم جميعا كلنا ... ربنا الرحمن أعلى وأجل ... أثبتوا تستعملوها مرة ... من حياض الموت والموت نهل ... واعلموا أنا اذا ما نضحت ... عن خيال الموت قدر تشتعل (4/60)
وكأن هذه الابيات قطعة من جوابه لعبد الله بن الزبعري والله أعلم
اخر الكلام على وقعة أحد
فصل
قد تقدم ما وقع في هذه السنة الثالثة من الحوادث والغزوات والسرايا ومن أشهرها وقعة أحد كانت في النصف من شوال منها وقد تقدم بسطها ولله الحمد
وفيها في أحد توفي شهيدا أبو يعلى ويقال أبو عمارة أيضا حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه و سلم الملقب بأسد الله وأسد رسوله وكان رضيع النبي صلى الله عليه و سلم هو وأبو سلمة بن عبد الاسد أرضعتهم ثويبة مولاة أبي لهب كما ثبت ذلك في الحديث المتفق عليه فعلى هذا يكون قد جاوز الخمسين من النسين يوم قتل رضي الله عنهم فإنه كان من الشجعان الابطال ومن الصديقين الكبار وقتل معه يومئذ تمام السبعين رضي الله عنهم أجمعين
وفيها عقد عثمان بن عفان على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد وفاة أختها رقية وكان عقده عليها في ربيع الاول منها وبنى بها في جمادى الآخرة منها كما تقدم فيها ذكره الواقدي وفيها قال ابن جرير ولد لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسن بن علي بن أبي طالب قال وفيها علقت بالحسين رضي الله عنهم * بسم الله الرحمن الرحيم * * رب يسر *
سنة أربع من الهجرة النبوية
في المحرم منها كانت سرية أبي سلمة بن عبد الاسد أبي طليحة الاسدي فانتهى الى ما يقال له قطن قال الواقدي حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد اليربوعي عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة وغيره قالوا شهد أبو سلمة أحدا فجرح جرحا على عضده فأقام شهرا يداوى فلما كان المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة دعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها وعقد له لواء وقال سر حتى تأتي أرض بني أسد فأغر عليهم وأوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا وخرج معه في تلك السرية خمسون ومائة فانتهى الى أدنى قطن وهو ماء لبني أسد وكان هناك طليحة الاسدي وأخوه سلمة ابنا خويلد وقد جمعا حلفاء من بني أسد ليقصدوا حرب النبي صلى الله عليه و سلم فجاء رجل منهم الى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بما تمالأوا عليه (4/61)
فبعث معه أبا سلمة في سريته هذه فلما انتهوا الى أرضهم تفرقوا وتركوا نعما كثيرا لهم من الابل والغنم فأخذ ذلك كله أبو سلمة وأسر منهم معه ثلاثة مماليك وأقبل راجعا الى المدينة فأعطى ذلك الرجل الاسدي الذي دلهم نصيبا وافرا من الغنم وأخرج صفي النبي صلى الله عليه و سلم عبدا وخمس الغنيمة وقسمها بين أصحابه ثم قدم المدينة قال عمر بن عثمان فحدثني عبد الملك بن عبيد عن عبد الرحمن ابن سعيد بن يربوع عن عمر بن أبي سلمة قال كان الذي جرح أبي أبو اسامة الجشمي فمكث شهرا يداويه فبرأ فلما برأ بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم في المحرم يعني من سنة أربع الى قطن فغاب بضع عشرة ليلة فلما دخل المدينة انتقض به جرحه فمات لثلاث بقين من جمادى الاولى قال عمر واعتدت أمي حتى خلت أربعة أشهر وعشر ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم ودخل بها في ليال بقين من شوال فكانت أمي تقول ما بأس بالنكاح في شوال والدخول فيه قد تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم في شوال وبني فيه قال وماتت أم سلمة في ذي القعدة سنة تسع وخمسين رواه البيهقي قلت سنذكر في أواخر هذه السنة في شوالها تزويج النبي صلى الله عليه و سلم بأم سلمة وما يتعلق بذلك من ولاية الابن أمه في النكاح ومذاهب العلماء في ذلك ان شاء الله تعالى وبه الثقة
غزوة الرجيع
قال الواقدي وكانت في صفر يعني سنة أربع بعثهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أهل مكة ليجيزوه قال والرجيع على ثمانية أميال من عسفان قال البخاري حدثني ابراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي عن أبي هريرة قال بعث النبي صلى الله عليه و سلم سرية عينا وامر عليهم عاصم بن ثابت وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى اذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا الى فدفد وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا لكم العهد والميثاق ان نزلتم الينا ألا نقتل منكم رجلا فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر اللهم أخبر عنا رسولك فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل وبقي خبيب وزيد ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق نزلوا اليهم فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث الذي معهما هذا أول الغدر فأبى أن يصحبهم فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر فمكث عندهم أسيرا حتى اذا (4/62)
أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث يستحد بها فأعارته قالت فغفلت عن صبي لي فدرج اليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني وفي يده الموسى فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك ان شاء الله وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ من ثمره وانه لموثق في الحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف اليهم فقال لولا أن تروا أن مابي جزع من الموت لزدت فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو ثم قال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ثم قال ... ولست أبالي حين اقتل مسلما ... على أي شق كان في الله مصرعي ... وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ...
قال ثم قام اليه عقبة بن الحارث فقتله وبعثت قريش الى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء وقال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابر بن عبد الله يقول الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة قلت واسمه عقبة بن الحارث وقد أسلم بعد ذلك وله حديث في الرضاع وقد قيل ان أبا سروعة وعقبة أخوان فالله أعلم
هكذا ساق البخاري في كتاب المغازي من صحيحه قصة الرجيع ورواه أيضا في التوحيد وفي الجهاد من طرق عن الزهري عن عمرو بن أبي سفيان وأسد بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة ومنهم من يقول عمر بن أبي سفيان والمشهور عمرو وفي لفظ للبخاري بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرة رهط سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وساق بنحوه وقد خالفه محمد ابن اسحاق وموسى بن عقبة وعروة بن الزبير في بعض ذلك ولنذكر كلام ابن اسحاق ليعرف ما بينهما من التفاوت والاختلاف على أن ابن اسحاق امام في هذا الشأن غير مدافع كما قال الشافعي رحمه الله من أراد المغازي فهو عيال على محمد بن اسحاق قال محمد بن اسحاق حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة قال قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله ان فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الاسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معهم نفرا ستة من أصحابه وهم مرثد بن ابي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب قال ابن اسحاق وهو أمير القوم وخالد بن البكير الليثي حليف بني عدي وعاصم بن ثابت بن أبي الاقلح أخو بني عمرو بن عوف وخبيب بن عدي أخو بني جحجبي ابن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة أخو بني بياضة بن عامر وعبد الله بن طارق حليف بني (4/63)
ظفر رضي الله عنهم هكذا قال ابن اسحاق أنهم كانوا ستة وكذا ذكر موسى بن عقبة وسماهم كما قال ابن اسحاق وعند البخاري أنهم كانوا عشرة وعنده ان كبيرهم عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح فالله أعلم قال ابن اسحاق فخرجوا مع القوم حتى اذا كانوا على الرجيع ماء لهذيل بناحية الحجاز من صدور الهدأة غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم في رحالهم الا الرجال بايديهم السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم فقالوا لهم إنا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم فأما مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا وقال عاصم بن ثابت والله أعلم ولله الحمد والمنة ... ما علتي وأنا جلد نابل ... والقوس فيها وتر عنابل ... تزل عن صفحتها المعابل ... الموت حق والحياة باطل ... وكل ما حم الإله نازل ... بالمرء والمرء إليه آيل ... إن لم أقاتلكم فأمي هابل ...
وقال عاصم أيضا ... أبو سليمان وريش المقعد ... وضالة مثل الجحيم الموقد ... اذا النواحي افترشت لم أرعد ... ومجنا من جلد ثور أجرد ... ومؤمن بما على محمد ...
وقال أيضا ... أبو سليمان ومثلي راما ... وكان قومي معشرا كراما ...
قال ثم قاتل حتى قتل وقتل صاحباه فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن سهيل وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فمنعته الدبر فلما حالت بينهم وبينه قالوا دعوه حتى يمسي فيذهب عنه فنأخذه فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما فذهب به وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا تنجسا فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعته يحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا في حياته فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته قال ابن اسحاق وأما خبيب وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة وأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا بهم الى مكة ليبيعوهم بها حتى اذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القرآن ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة (4/64)
حتى قتلوه فقبره بالظهران وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة قال ابن اسحاق فابتاع خبيبا حجير بن أبي اهاب التميمي حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل وكان أبو اهاب أخا الحارث بن عامر لامه ليقتله الى التنعيم وأخرجه من الحرم ليقتله بابيه قال وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه فبعثه مه مولى له يقال له نسطاس واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل أنشدك بالله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وانك في أهلك قال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه واني جالس في أهلي قال يقول أبو سفيان ما رأيت من الناس أحدا يحب أحد كحب أصحاب محمد محمدا قال ثم قتله نسطاس قال وأما خبيب بن عدي فحدثني عبد الله بن أبي نجيح أنه حدث عن ماوية مولاة حجير بن أبي اهاب وكانت قد أسلمت قالت كان عندي خبيب حبس في بيتي فلقد اطلعت عليه يوما وان في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي نجيح انهما قالا قالت قال لي حين حضره القتل ابعثي الي بحديدة أتطهر بها للقتل قالت فأعطيت غلاما من الحي الموسى فقلت له أدخل بها على هذا الرجل البيت فقالت فوالله ان هو الا أن ولى الغلام بها اليه فقلت ماذا صنعت اصاب والله الرجل ثأره يقتل هذا الغلام فيكون رجلا برجل فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة الي ثم خلى سبيله قال ابن هشام ويقال ان الغلام ابنها قال ابن اسحاق قال عاصم ثم خرجوا بخبيب حتى جاءوا به الى التنعيم ليصلبوه وقال لهم ان رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا قالوا دونك فاركع فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ثم أقبل على القوم فقال أما والله لولا أن تظنوا أني انما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة قال فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين (4/65)
قال ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قال اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا ثم قال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ثم قتلوه وكان معاوية ابن أبي سفيان يقول حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان فلقد رأيته يلقيني الى الارض فرقا من دعوة خبيب وكانوا يقولون ان الرجل اذا دعى عليه فاضطجع لجنبه زلت عنه وفي مغازي موسى بن عقبة أن خبيبا وزيد بن الدثنة قتلا في يوم واحد وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع يوم قتلا وهو يقول وعليكما أو عليك السلام خبيب قتلته قريش وذكر أنهم لما صلبوا زيد بن الدثنة رموه بالنبل ليفتنوه عن دينه فما زاده إلا إيمانا وتسليما وذكر عروة وموسى بن عقبة انهم لما رفعوا خبيبا على الخشبة نادوه يناشدونه أتحب أن محمدا مكانك قال لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه فضحكوا منه وهذا ذكره ابن اسحاق في قصة زيد بن الدثنة فالله أعلم قال موسى بن عقبة زعموا أن عمرو بن أمية دفن خبيبا قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عقبة بن الحارث قال سمعته يقول والله ما أنا قتلت خبيبا لأنا كنت أصغر من ذلك ولكن أبا ميسرة أخا بني عبد الدار أخذ الحربة فجعلها في يدي ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله قال ابن اسحاق وحدثني بعض أصحابنا قال كان عمر بن الخطاب استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام فكانت تصيبه غشية وهو بين ظهري القوم فذكر ذلك لعمر وقيل إن الرجل مصاب فسأله عمر في قدمة قدمها عليه فقال يا سعيد ما هذا الذي يصيبك فقال والله يا أمير المؤمنين ما بى من بأس ولكنى كنت فيمن حضر خبيب بن عدى حين قتل وسمعت دعوته فوالله خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي (4/66)
فزادته عند عمر خيرا وقد قال الاموي حدثني أبي قال قال ابن اسحاق وبلغنا أن عمر قال من سره أن ينظر الى رجل نسيج وحده فلينظر الى سعيد بن عامر قال ابن هشام أقام خبيب في أيديهم حتى انسلخت الاشهر الحرم ثم قتلوه وقد روى البيهقي من طريق ابراهيم بن اسماعيل حدثني جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه عن جده عمرو بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان بعثه عينا وحده قال جئت الى خشبة خبيب فرقيت فيها وأنا أتخوف العيون فأطلقته فوقع الى الارض ثم اقتحمت فانتبذت قليلا ثم التفت فلم أر شيئا فكأنما بلعته الارض فلم تذكر لخبيب رمة حتى الساعة ثم روى ابن اسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال لما قتل أصحاب الرجيع قال ناس من المنافقين يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا لاهم أقاموا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله فيهم ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وما بعدها وأنزل الله في أصحاب السرية ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد قال ابن اسحاق وكان مما قيل من الشعر في هذه الغزوة قول خبيب حين اجمعوا على قتله ( قال ابن هشام ومن الناس من ينكرها له ) ... لقد جمع الاحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع ... وكلهم مبدي العداوة جاهد ... علي لأني في وثاق بمضبع ... وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع ... الى الله أشكو غربتي ثم كربتي ... وما أرصد الاعداء لي عند مصرعي ... فذا العرش صبرني على ما يراد بي ... فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي ... وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ... وقد خيروني الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناي من غير مجزع ... وما بي حذار الموت اني لميت ... ولكن حذاري جحم نار ملفع ... فوالله ما أرجو اذا مت مسلما ... على أي جنب كان في الله مضجعي ... فلست بمبد للعدو تخشعا ... ولا جزعا اني الى الله مرجعي ...
وقد تقدم في صحيح البخاري بيتان من هذه القصيدة وهما قوله ... فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان في الله مصرعي ... وذلك في ذات الإله وان يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ...
وقال حسان بن ثابت يرثي خبيبا فيما ذكره ابن اسحاق (4/67)
ما بال عينك لا ترقا مدامعها ... سحا على الصدر مثل اللؤلؤ الفلق ... على خبيب فتى الفتيان قد علموا ... لا فشل حين تلقاه ولا نزق ... فاذهب خبيب جزاك الله طبية ... وجنة الخلد عند الحور في الرفق ... ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... حين الملائكة الابرار في الافق ... فيم قتلتم شهيد الله في رجل ... طاغ قد اوعث في البلدان والرفق ...
قال ابن هشام تركنا بعضها لانه قد أقذع فيها وقال حسان يهجو الذين غدروا بأصحاب الرجيع من بني لحيان فيما ذكره ابن اسحاق والله أعلم ولله الحمد والمنة والتوفيق والعصمة ... ان سرك الغدر صرفا لا مزاج له ... فأت الرجيع فسل عن دار لحيان ... قوم تواصوا بأكل الجار بينهم ... فالكلب والقرد والانسان مثلان ... لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم ... وكان ذا شرف فيهم وذا شان ...
وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا وبني لحيان على غدرهم بأصحاب الرجيع رضي الله عنهم أجمعين ... لعمري لقد شانت هذيل بن مدرك ... أحاديث كانت في خبيب وعاصم ... أحاديث لحيان صلوا بقبيحها ... ولحيان جرامون شر الجرائم ... أناس هم من قومهم في صميمهم ... بمنزلة الزمعان دبر القوادم ... هم غادروا يوم الرجيع وأسلمت ... أمانتهم ذا عفة ومكارم ... رسول رسول الله غدرا ولم تكن ... هذيل توقى منكرات المحارة ... فسوف يرون النصر يوما عليهم ... بقتل الذي تحميه دون الحرائم ... أبابيل دبر شمس دون لحمه ... حمت لحم شهاد عظيم الملاحم ... لعل هذيلا أن يروا بمصابه ... مصارع قتلى أو مقاما لماتم ... ونوقع فيها وقعة ذات صولة ... يوافى بها الركبان أهل المواسم ... بأمر رسول الله ان رسوله ... رأى رأي ذى حزم بلحيان عالم ... قبيلة ليس الوفاء يهمهم ... وإن ظلموا لم يدفعوا كف ظالم ... اذا الناس حلوا بالفضاء رأيتهم ... بمجرى مسيل الماء بين المخارم ... محلهم دار البوار ورأيهم ... اذا نابهم أمر كرأي البهائم ...
وقال حسأن رضي الله عنه أيضا يمدح أصحاب الرجيع ويسميهم بشعره كما ذكره ابن اسحاق رحمه الله تعالى (4/68)
صلى الإله على الذين تتابعوا ... يوم الرجيع فاكرموا واثيبوا ... رأس السرية مرثد وأميرهم ... وابن البكير إمامهم وخبيب ... وابن لطارق وابن دثنة منهم ... وافاه ثم حمامه المكتوب ... والعاصم المقتول عند رجيعهم ... كسب المعالي انه لكسوب ... منع المقادة أن ينالوا ظهره ... حتى يجالد إنه لنجيب ...
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان
سرية عمرو بن أمية الضمري
قال الواقدي حدثني ابراهيم بن جعفر عن أبيه وعبد الله بن أبي عبيدة عن جعفر بن [ الفضل بن الحسن بن ] عمرو بن أمية الضمري وعبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عوف ( وزاد بعضهم على بعض ) قالوا كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة ما أحد يغتال محمدا فانه يمشي في الاسواق فندرك ثارنا فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله وقال له إن أنت وفيتني وخرجت اليه حتى أغتاله فإني هاد بالطريق خريت معي خنجر مثل خافية النسر قال أنت صاحبنا وأعطاه بعيرا ونمقه وقال اطو أمرك فاني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينميه الى محمد قال قال العربي لا يعلمه أحد فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا وصبح ظهر الحي يوم سادسه ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى المصلى فقال له قائل قد توجه الى بني عبد الاشهل فخرج الاعرابي يقود راحلته حتى انتهى الى بني عبد الاشهل فعقل راحلته ثم أقبل يؤم رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجده فلما دخل ورآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لاصحابه ان هذا الرجل يريد غدرا والله حائل بينه وبين ما يريده فوقف وقال أيكم ابن عبد المطلب فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا ابن عبد المطلب فذهب ينحني على رسول الله صلى الله عليه و سلم كأنه يساره فجبذه أسيد بن حضير وقال تنح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجذب بداخن ازاره فإذا الخنجر فقال يا رسول الله هذا غادر فأسقط في يد الاعرابي وقال دمي دمي يا محمد وأخذه أسيد بن حضير يلببه فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اصدقني ما أنت وما اقدمك فان معه ( نفعك الصدق وان كذبتني فقد اطلعت على ما هممت به قال العربي فأنا آمن قال وأنت آمن فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له فأمر به فحبس عند أسيد بن حضير ثم صارا من الغد فقال قد أمنتك فاذهب حيث شئت أو خير لك من ذلك قال وما هو فقال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك (4/69)
أنت رسول الله والله يا محمد ما كنت أفرق من الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت ثم اطلعت على ما هممت به فما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد فعرفت أنك ممنوع وأنك على حق وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يتبسم وأقام أياما ثم استأذن النبي صلى الله عليه و سلم فخرج من عنده ولم يسمع له بذكر وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمرو بن أمية الضمري ولسلمة ابن أسلم بن حريش أخرجا حتى أتأتيا أبا سفيان بن حرب فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه قال عمرو فخرجت أنا وصاحبي حتى أتينا بطن يأجج فقيدنا بعيرنا وقال لي صاحبي يا عمرو هل لك في أن نأتي مكة فنطوف بالبيت سبعا ونصلي ركعتين فقلت [ أنا أعلم بأهل مكة منك انهم اذا أظلموا رشوا أفنيتهم ثم جلسوا بها و ] اني أعرف من الفرس الابلق فأبى علي فانطلقنا فأتينا مكة فطفنا أسبوعا وصلينا ركعتين فلما خرجت لقيني معاوية بن أبي سفيان فعرفني وقال عمرو بن أمية واحزناه فنذر بنا أهل مكة فقالوا ما جاء عمرو في خير وكان عمرو فاتكا في الجاهلية فحشد أهل مكة وتجمعوا وهرب عمرو وسلمة وخرجوا في طلبهما واشتدوا في الجبل قال عمرو فدخلت في غار فتغيبت عنهم حتى أصبحت وباتوا يطلبوننا في الجبل وعمى الله عليهم طريق المدينة أن يهتدوا له فلما كان ضحوة الغد أقبل عثمان بن مالك بن عبيد التيمي يختلي لفرسه حشيشا فقلت لسلمة بن أسلم اذا أبصرنا أشعر بنا أهل مكة وقد انفضوا عنا فلم يزل يدنو من باب الغار حتى اشرف علينا قال فخرجت اليه فطعنته طعنة تحت الثدي بخنجري فسقط وصاح فاجتمع أهل مكة فأقبلوا بعد تفرقهم [ ورجعت الى مكاني فدخلت فيه ] وقلت لصاحبي لا تتحرك فأقبلوا حتى أتوه وقالوا من قتلك قال عمرو بن أمية الضمري فقال أبو سفيان قد علمنا أنه لم يأت لخير ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا فانه كان بآخر رمق فمات وشغلوا عن طلبنا بصاحبهم فحملوه فمكثنا ليلتين في مكاننا حتى [ سكن عنا الطلب ثم ] خرجنا [ الى التنعيم ] فقال صاحبي يا عمرو بن أمية هل لك في خبيب بن عدي ننزله فقلت له أين هو قال هو ذاك مصلوب حوله الحرس فقلت أمهلني وتنح عني فان خشيت شيئا فانح الى بعيرك فاقعد عليه فأت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر ودعني فاني عالم بالمدينة ثم استدرت عليه حتى وجدته فحملته على ظهري فما مشيت به إلا عشرين ذراعا حتى استيقظوا فخرجوا في أثري فطرحت الخشبة فما أنسى وجيبها يعني صوتها ثم أهلت عليه التراب برجلي فأخذت طريق الصفراء فأعيوا ورجعوا وكنت لا أدري مع بقاء نفسي فانطلق صاحبي الى البعير فركبه وأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره وأقبلت حتى أشرفت على الغليل غليل ضنجنان فدخلت في غار معي قوسي وأسهمي وخنجري فبينما أنا فيه إذ أقبل رجل من بني الديل بن بكر أعور طويل يسوق غنما ومعزى فدخل الغار وقال من الرجل فقلت رجل من (4/70)
بني بكر فقال وأنا من بني بكر ثم اتكأ ورفع عقيرته يتغنى ويقول ... فلست بمسلم ما دمت حيا ... ولست أدين دين المسلمينا ...
فقلت في نفسي والله أني لأرجو أن أقتلك فلما نام قمت اليه فقتلته شر قتلة قتلها أحد قط ثم خرجت حتى هبطت فلما أسهلت في الطريق إذا رجلان بعثهما قريش يتجسسان الاخبار فقلت استأسر فأبى أحدهما فرميته فقتلته فما رأى ذلك الآخر استأسر فشددته وثاقا ثم اقبلت به الى النبي صلى الله عليه و سلم فلما قدمت المدينة أتى صبيان الأنصار وهم يلعبون وسمعوا أشياخهم يقولون هذا عمرو فاشتد الصبيان الى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبروه وأتيته بالرجل قد ربطت ابهامه بوتر قوسي فلقد رأيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو يضحك ثم دعا لي بخير وكان قدوم سلمة قبل قدوم عمرو بثلاثة أيام رواه البيهقي وقد تقدم أن عمرا لما أهبط خبيبا لم ير له رمة ولا جسدا فلعله دفن مكان سقوطه والله أعلم وهذه السرية انما استدركها ابن هشام على ابن اسحاق وساقها بنحو من سياق الواقدي لها لكن عنده أن رفيق عمرو بن أمية في هذه السرية جبار بن صخر فالله أعلم ولله الحمد
سرية بئر معونة
وقد كانت في صفر منها وأغرب مكحول رحمه الله حيث قال انها كانت بعد الخندق قال البخاري حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة فقال القوم والله ما إياكم أردنا وانما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله عليه و سلم فقتلوهم فدعا النبي صلى الله عليه و سلم عليهم شهرا في صلاة الغداة وذاك بدء القنوت وما كنا نقنت ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بنحوه ثم قال البخاري حدثنا عبد الاعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعد عن قتادة عن أنس بن مالك ان رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم على عدو فأمدهم بسبعين من الانصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى اذا كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقنت شهرا يدعو في الصبح على احياء من العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا ثم ان ذلك رفع بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم قال البخاري حدثنا موسى بن اسماعيل حدثنا همام عن اسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثني أنس ابن مالك ان النبي صلى الله عليه و سلم بعث حراما ( أخا لأم سليم ) في سبعين راكبا وكان رئيس المشركين عامر ابن الطفيل خير رسول الله صلى الله عليه و سلم بين ثلاث خصال فقال يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر أو (4/71)
أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف فطعن عامر في بيت أم فلان فقال غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج ورجل من بني فلان فقال كونا قريبا حتى آتيهم فان آمنوني كنتم قريبا وان قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنوني حتى أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يحدثهم وأومأوا الى رجل فأتاه من خلفه فطعنه قال همام أحسبه حتى أنفذه بالرمح فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل فقتلوا كلهم غير الأعرج وكان في رأس جبل فأنزل الله علينا ثم كان من المنسوخ إنا لقد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فدعا النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله وقال البخاري حدثنا حبان حدثنا عبد الله أخبرني معمر حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس انه سمع أنس بن مالك يقول لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه وقال فزت ورب الكعبة وروى البخاري عن عبيد بن اسماعيل عن أبي أسامة عن هشام بن عروة أخبرني أبي قال لما قتل الذين ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية الضمري قال له عامر بن الطفيل من هذا وأشار الى قتيل فقال له عمرو بن أمية هذا عامر بن فهيرة قال لقد رأيته بعد ما قتل رفع الى السماء حتى اني لأنظر الى السماء بينه وبين الارض ثم وضع فأتي النبي صلى الله عليه و سلم خبرهم فنعاهم فقال ان أصحابكم قد أصيبوا وانهم قد سألوا ربهم فقالوا ربنا اخبر عنا اخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا فأخبرهم عنهم وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به ومنذر بن عمرو وسمي به منذر هكذا وقع في رواية البخاري مرسلا عن عروى وقد رواه البيهقى من حديث يحيى بن سعيد عن أبى أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة فساق من حديث الهجرة وأدرج في آخره ما ذكره البخاري ههنا فالله أعلم وروى الواقدي عن مصعب بن ثابت عن أبي الاسود وعن عروة فذكر القصة وشأن عامر ابن فهيرة واخبار عامر بن الطفيل انه رفع الى السماء وذكر ان الذي قتله جبار بن سلمى الكلابي قال ولما طعنه بالرمح قال فزت ورب الكعبة ثم سأل جبار بعد ذلك ما معنى قوله فزت قالوا يعني بالجنة فقال صدق والله ثم اسلم جبار بعد ذلك لذلك وفي مغازي موسى بن عقبة عن عروة انه قال لم يوجد جسد عامر بن فهيرة يرون ان الملائكة وارته وقال يونس عن ابن اسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني بعد أحد بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة والمحرم ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد فحدثني أبي اسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهما من أهل العلم قالوا قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الاسنة على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة (4/72)
فعرض عليه الاسلام ودعاه اليه فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك الى أهل نجد فدعوهم الى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال صلى الله عليه و سلم إني أخشى عليهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة المعنق ليموت في أربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين فيهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار وعروة بن اسماء بن الصلت السلمي ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر في رجال من خيار المسلمين فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم فلما نزلوا بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في الكتاب حتى عدا على الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوا الى ما دعاهم وقالوا لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم عصية ورعلا وذكوان والقارة فأجابوه الى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا أسيافهم ثم قاتلوا القوم حتى قتلوا عن آخرهم الا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار فإنهم تركوه به رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الانصار من بني عمرو بن عوف فلما ينبئهما بمصاب القوم الا الطير تحوم حول العسكر فقالا والله ان لهذه الطير لشأنا فأقبلا لينظرا فاذا القوم في دمائهم واذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال الانصاري لعمرو بن أمية ماذا ترى فقال أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه و سلم فنخبره الخبر فقال الانصاري لكني لم أكن لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو وما كنت لأخبر عنه الرجال فقاتل القوم حتى قتل وأخذ عمرو اسيرا فلما أخبرهم انه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه فيما زعم قال وخرج عمرو بن أمية حتى اذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا في ظل هو فيه وكان مع العامريين عهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم وجوار لم يعلمه عمرو بن أمية وقد سألهما حين نزلا ممن أنتما قالا من بني عامر فأمهلهما حتى اذا ناما عدا عليهما وقتلهما وهو يرى أن قد أصاب بهما ثأرا من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد قتلت قتيلين لأدينهما ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه اخفار عامر اياه وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بسببه وجواره فقال حسان بن ثابت في اخفار عامر أبا براء ويحرض بني أبي براء على عامر ... بني أم البنين ألم يرعكم ... وأنتم من ذوائب أهل نجد (4/73)
تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد ... ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي ... فما أحدثت في الحدثان بعدي ... ابوك أبو الحروب أبو براء ... وخالك ماجد حكم بن سعد ...
قال ابن هشام أم البنين أم أبي براء وهي بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قال فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل فطعنه في فخذه فأشواه ووقع عن فرسه وقال هذا عمل أبي براء إن أمت فدمي لعمي فلا يتبعن به وإن أعش فسأرى رايي
وذكر موسى بن عقبة عن الزهري نحو سياق محمد بن اسحاق قال موسى وكان أمير القوم المنذر بن عمرو وقيل مرثد بن ابي مرثد
وقال حسان بن ثابت يبكي قتلى بئر معونة فيما ذكره ابن اسحاق رحمه الله والله أعلم ... على قتلى معونة فاستهلي ... بدمع العين سحا غير نزر ... على خيل الرسول غداة لاقوا ... ولاقتهم مناياهم بقدر ... أصابهم الفناء بعقد قوم ... تخون عقد حبلهم بغدر ... فيالهفي لمنذر إذ تولى ... وأعنق في منيته بصبر ... وكائن قد أصيب غداة ذاكم ... من ابيض ماجد من سر عمرو ... غزوة بني النضير وفيها سورة الحشر
في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه كان يسميها سورة بني النضير وحكى البخاري عن الزهري عن عروة أنه قال كانت بنو النضير بعد بدر بستة أشهر قبل أحد وقد أسنده ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه عن عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري به وهكذا روى حنبل بن اسحاق عن هلال بن العلاء عن عبد الله بن جعفر الرقي عن مطرف بن مازن اليماني عن معمر عن الزهري فذكر غزوة بدر في سابع عشر رمضان سنة ثنتين قال ثم غزا بني النضير ثم غزا أحدا في شوال سنة ثلاث ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع وقال البيهقي وقد كان الزهري يقول هي قبل أحد قال وذهب آخرون الى أنها بعدها وبعد بئر معونة أيضا قلت هكذا ذكر ابن اسحاق كما تقدم فانه بعد ذكره بئر معونة ورجوع عمرو بن أمية وقتله ذينك الرجلين من بني عامر ولم يشعر بعهدهما الذي معهما من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولهذا قال له رسول الله (4/74)
صلى الله عليه و سلم لقد قتلت رجلين لأدينهما قال ابن اسحاق ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية للعهد الذي كان صلى الله عليه و سلم أعطاهما وكان بين بني النضير وبين بني عامر عهد وحلف فلما أتاهم صلى الله عليه و سلم قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ( ورسول الله صلى الله عليه و سلم الى جنب جدار من بيوتهم قاعد ) فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله صلى الله عليه و سلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعا الى المدينة فلما استلبث النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال رأيته داخلا المدينة فأقبل اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى انتهوا اليه فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به قال الواقدي فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده فبعث اليهم أهل النفاق يثبتونهم ويحرضونهم على المقام ويعدونهم النصر فقويت عند ذلك نفوسهم وحمى حيي بن أحطب وبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهم لا يخرجون ونابدوه بنقض العهد فعند ذلك أمر الناس بالخروج اليهم قال الواقدي فحاصروهم خمس عشرة ليلة وقال ابن اسحاق وأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالتهيؤ لحربهم والمسير اليهم قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وذلك في شهر ربيع الاول قال ابن اسحاق فسار حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر حينئذ وتحصنوا في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقطع النخيل والتحريق فيها فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها قال وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي ووديعة ومالك وسويد وداعس قد بعثوا الى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فانا لن نسلمكم ان قوتلتم قاتلنا معكم وان أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الابل من أموالهم الا الحلقة وقال العوفي عن ابن عباس أعطى كل ثلاثة بعيرا يتعقبونه وسقا رواه البيهقي وروى من طريق يعقوب بن محمد عن الزهري عن ابراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة عن أبيه عن جده عن محمد بن مسلمة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه الى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال وروى البيهقي وغيره انه كانت لهم ديون مؤجلة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ضعوا وتعجلوا وفي صحته نظر والله أعلم
قال ابن اسحاق فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الابل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا الى خيبر ومنهم من سار الى الشام فكان من أشراف (4/75)
من ذهب منهم الى خيبر سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب فلما نزلوها دان لهم أهلها فحدثني عبد الله بن أبي بكر انه حدث انهم استقبلوا بالنساء والابناء والاموال معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر مارؤي مثله لحي من الناس في زمانهم قال وخلوا الاموال لرسول الله صلى الله عليه و سلم يعني النخيل والمزارع فكانت له خاصة يضعها حيث شاء فقسمها على المهاجرين الاولين دون الانصار الا ان سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما ( وأضاف بعضهم اليهما الحارث بن الصمة حكاه السهيلي ) قال ابن اسحاق ولم يسلم من بني النضير الا رجلان وهما يامين بن عمير بن كعب ابن عم عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب فأحرزا أموالهما قال ابن اسحاق وقد حدثني بعض آل يامين ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ليامين ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني فجعل يامين لرجل جعلا على أن يقتل عمرو بن جحاش فقتله لعنه الله قال ابن اسحاق فأنزل الله فيهم سورة الحشر بكمالها يذكر فيها ما أصابهم به من نقمته وما سلط عليهم به رسوله وما عمل به فيهم ثم شرع ابن اسحاق يفسرها وقد تكلمنا عليها بطولها مبسوطة في كتابنا التفسير ولله الحمد قال الله تعالى سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار ولولا أن كتب عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار وذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فان الله شديد العقاب ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصوالها فباذن الله ولنجزي الفاسقين سبح سبحانه وتعالى نفسه الكريمة وأخبر انه يسبح له جميع مخلوقاته العلوية والسفلية وأنه العزيز وهو منيع الجناب فلا ترام عظمته وكبرياؤه وانه الحكيم في جميع ما خلق وجميع ما قدر وشرع فمن ذلك تقديره وتدبيره وتيسيره لرسول الله صلى الله عليه و سلم وعباده المؤمنين في ظفرهم بأعدائهم اليهود الذين شاقوا الله ورسوله وجانبوا رسوله وشرعه وما كان من السبب المفضي لقتالهم كما تقدم حتى حاصرهم المؤيد بالمرعب والرهب مسيرة شهر ومع هذا فأسرهم بالمحاصرة بجنوده ونفسه الشريفة ست ليال فذهب بهم الرعب كل مذهب حتى صانعوا وصالحوا على حقن دمائهم وأن يأخذوا من أموالهم ما استقلت به ركابهم على انهم لا يصحبون شيئا من السلاح اهانة لهم واحتقارا فجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار ثم ذكر تعالى انه لو لم يصبهم الجلاء وهو التسيير والنفي من جوار الرسول من المدينة لأصابهم ما هو أشد منه من العذاب الدنيوي وهو القتل مع ما ادخر لهم في الآخرة من العذاب الاليم المقدر لهم ثم ذكر (4/76)
تعالى حكمة ما وقع من تحريق نخلهم وترك ما بقي لهم وان ذلك كله سائغ فقال ما قطعتم من لينة وهو جيد الثمر أو تركتموها قائمة على اصولها فباذن الله ان الجميع قد أذن فيه شرعا وقدرا فلا حرج عليكم فيه ولنعم ما رأيتم من ذلك وليس هو بفساد كما قاله شرار العباد انما هو اظهار للقوة واخزاء للكفرة الفجرة وقد روى البخاري ومسلم جميعا عن قتيبة عن الليث عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي بالبويرة فأنزل الله ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله ولنجزي الفاسقين وعند البخاري من طريق جويرية بن اسماء عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة ولها يقول حسان بن ثابت ... وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير ...
فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول ... أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في نواحيها السعير ... ستعلم أينا منها بستر ... وتعلم أي أرضينا نضير ...
قال ابن اسحاق وقال كعب بن مالك يذكر اجلاء بني النضير وقتل كعب بن الاشرف فالله أعلم ... لقد خزيت بغدرتها الحبور ... كذاك الدهر ذو صرف يدور ... وذلك أنهم كفروا برب ... عظيم أمره أمر كبير ... وقد أوتوا معا فهما وعلما ... وجاءهم من الله النذير ... نذير صادق أدى كتابا ... وآيات مبينة تنير ... فقالوا ما أتيت بأمر صدق ... وأنت بمنكر منا جدير ... فقال بلى لقد أديت حقا ... يصدقني به الفهم الخبير ... فمن يتبعه يهد لكل رشد ... ومن يكفر به يخز الكفور ... فلما أشربوا غدرا وكفرا ... وجد بهم عن الحق النفور ... أرى الله النبي برأي صدق ... وكان الله يحكم لا يجور ... فأيده وسلطه عليهم ... وكان نصيره نعم النصير ... فغودر منهم كعب صريعا ... فذلت بعد مصرعه النضير ... على الكفين ثم وقد علته ... بأيدينا مشهرة ذكور ... بأمر محمد إذ دس ليلا ... الى كعب أخا كعب يسير ... فماكره فأنزله بمكر ... ومحمود أخو ثقة جسور (4/77)
فتلك بنو النضير بدار سوء ... أبارهم بما اجترموا المبير ... غداة أتاهم في الزحف رهوا ... رسول الله وهو بهم بصير ... وغسان الحماة مؤازروه ... على الأعداء وهو لهم وزير ... فقال السلم ويحكم فصدوا ... وخالف أمرهم كذب وزور ... فذاقوا غب أمرهم وبالا ... لكل ثلاثة منهم بعير ... وأجلوا عامدين لقينقاع ... وغودر منهم نخل ودور ...
وقد ذكر ابن اسحاق جوابها لسمال اليهودي فتركناها قصدا قال ابن اسحاق وكان مما قيل في بني النضير قول ابن لقيم العبسي ويقال قالها قيس بن بحر بن طريف الاشجعي ... أهلي فداء لأمري غير هالك ... أحل اليهود بالحسي المزنم ... يقيلون في خمر العضاه وبدلوا ... أهيضب عودا بالودي المكمم ... فإن يك ظني صادقا بمحمد ... تروا خيله بين الضلا ويرمرم ... يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم ... عدو وما حي صديق كمجرم ... عليهن أبطال مساعير في الوغى ... يهزون أطراف الوشيج المقوم ... وكل رقيق الشفرتين مهند ... توورثن من أزمان عاد وجرهم ... فمن مبلغ عني قريشا رسالة ... فهل بعدهم في المجد من متكرم ... بأن أخاهم فاعلمن محمدا ... تليد الندى بين الحجون وزمزم ... فدينوا له بالحق تجسم أموركم ... وتسمو من الدنيا الى كل معظم ... نبي تلافته من الله رحمة ... ولا تسألوه أمر غيب مرجم ... فقد كان في بدر لعمري عبرة ... لكم يا قريش والقليب الملمم ... غداة أتى في الخزرجية عامدا ... إليكم مطيعا للعظيم المكرم ... معانا بروح القدس ينكى عدوه ... رسولا من الرحمن حقا بمعلم ... رسولا من الرحمن يتلو كتابه ... فلما أنار الحق لم يتلعثم ... أرى أمره يزداد في كل موطن ... علوا لأمر جعل الله محكم ...
قال ابن اسحاق وقال علي بن أبي طالب وقال ابن هشام قالها رجل من المسلمين ولم أر أحدا يعرفها لعلي ... عرفت ومن يعتدل يعرف ... وأيقنت حقا ولم أصدف (4/78)
عن الكلم المحكم اللاء من ... لدى الله ذي الرأفة الأرأف ... رسائل تدرس في المؤمنين ... بهن اصطفى أحمد المصطفى ... فأصبح أحمد فينا عزيزا ... عزيز المقامة والموقف ... فيا ايها الموعدوه سفاها ... ولم يأت جورا ولم يعنف ... ألستم تخافون أدنى العذاب ... وما آمن الله كالأخوف ... وان تصرعوا تحت أسيافه ... كمصرع كعب أبي الاشرف ... غداة رأى الله طغيانه ... وأعرض كالجمل الاجنف ... فأنزل جبريل في قتله ... بوحي الى عبده ملطف ... فدس الرسول رسولا له ... بأبيض ذي هبة مرهف ... فباتت عيون له معولات ... متى ينع كعب لها تذرف ... وقلن لأحمد ذرنا قليلا ... فإنا من النوح لم نشتف ... فخلاهم ثم قال اظعنوا ... دحورا على رغم الآنف ... وأجلى النضير الى غربة ... وكانوا بدار ذوي زخرف ... الى أذرعات ردافا وهم ... على كل ذي دبر أعجف ...
وتركنا جوابها أيضا من سمال اليهودي قصدا
ثم ذكر تعالى حكم النفيء وأنه حكم بأموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه و سلم وملكها له فوضعها رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث أراه الله تعالى كما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم خاصة فكان يعزل نفقة أهل سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز و جل ثم بين تعالى حكم الفيء وأنه للمهاجرين والانصار والتابعين لهم باحسان على منوالهم وطريقتهم ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب قال الامام احمد حدثنا عارم وعفان قالا حدثنا معتمر سمعت أبي يقول حدثنا أنس بن مالك عن نبي الله صلى الله عليه و سلم أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات أو كما شاء الله حتى فتحت عليه قريظة والنضير قال فجعل يرد بعد ذلك قال وان أهلي أمروني أن آتي نبي الله صلى الله عليه و سلم فاسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه وكان نبي الله صلى الله عليه و سلم أعطاه أم أيمن أو كما شاء الله قال فسألت النبي صلى الله عليه و سلم فأعطانيهن فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وجعلت تقول كلا والله الذي لا إله إلا هو لا أعطيكهن وقد أعطانيهن أو كما قالت فقال النبي صلى الله عليه و سلم لك كذا وكذا وتقول كلا والله قال (4/79)
ويقول لك كذا وكذا وتقول كلا والله قال ويقول لك كذا وكذا حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو قال قريبا من عشرة أمثاله أو كما أخرجاه بنحوه من طرق عن معتمر به ثم قال تعالى ذاما للمنافقين الذين مالوا الى بني النضير في الباطن كما تقدم ووعدوهم النصر فلم يكن من ذلك شيء بل خذلوهم أحوج ما كانوا اليهم وغروهم من أنفسهم فقال ألم تر الى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وان قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ثم ذمهم تعالى على جبنهم وقلة علمهم وخفة عقلهم النافع ثم ضرب لهم مثلا قبيحا شنيعا بالشيطان حين قال للانسان اكفر فلما كفر قال أني بريء منك اني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين
قصة عمرو بن سعدي القرظي
حين مر على ديار بني النضير وقد صارت يبابا ليس بها داع ولا مجيب وقد كانت بنو النضير أشرف من بني قريظة حتى حداه ذلك على الاسلام وأظهر صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم من التوراة قال الواقدي حدثنا ابراهيم بن جعفر عن أبيه قال لما خرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو ابن سعدى فأطاف بمنازلهم فرأى خرابها وفكر ثم رجع الى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة فنفخ في بوقهم فاجتمعوا فقال الزبير بن باطا يا أبا سعيد أين كنت منذ اليوم لم تزل وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتأله في اليهودية قال رأيت اليوم عبرا قد عبرنا بها رأيت منازل اخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد والشرف الفاضل والعقل البارع قد تركوا أموالهم وملكها غيرهم وخرجوا خروج ذل ولا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط لله بهم حاجة وقد أوقع قبل ذلك بابن الاشرف ذي عزهم ثم بيته في بيته آمنا وأوقع بابن سنينة سيدهم وأوقع ببني قينقاع فأجلاهم وهم أهل جد يهود وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة فحصرهم فلم يخرج انسان منهم رأسه حتى سباهم وكلم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب يا قوم قد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبع محمدا والله انكم لتعلمون انه نبي قد بشرنا به وبأمره ابن الهيبان أبو عمير وابن حراش وهما أعلم يهود جاءانا يتوكفان قدومه وأمرانا باتباعه جاءانا من بيت المقدس وأمرانا أن نقرئه منهما السلام ثم ماتا على دينهما ودفناهما بحرتنا هذه فأسكت القوم فلم يتكلم منهم متكلم ثم اعاد هذا الكلام ونحوه وخوفهم بالحرب والسباء والجلاء فقال الزبير بن باطا قد والتوراة قرأت صفته في كتاب باطا التوراة التي نزلت على موسى ليس في المثاني الذي أحدثنا قال فقال له كعب بن أسد ما يمنعك (4/80)
يا أبا عبد الرحمن من اتباعه قال أنت يا كعب قال كعب فلم والتوراة ما حلت بينك وبينه قط قال الزبير بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا فان اتبعته اتبعناه وإن أبيت ابينا فأقبل عمرو بن سعدي على كعب فذكر ما تقاولا في ذلك الى أن قال عمرو ما عندي في أمره إلا ما قلت ما تطيب نفسي أن أصير تابعا رواه البيهقي
غزوة بني لحيان
ذكرها البيهقي في الدلائل وانما ذكرها ابن اسحاق فيما رأيته من طريق هشام عن زياد عنه في جمادى الاولى من سنة ثنتين من الهجرة بعد الخندق وبني قريظة وهو أشبه مما ذكره البيهقي والله أعلم وقال الحافظ البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس الاصم حدثنا أحمد بن عبد الجبار وغيره قالوا لما أصيب خبيب وأصحابه خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم طالبا بدمائهم ليصيب من بني لحيان غرة فسلك طريق الشام ليرى انه لا يريد بني لحيان حتى نزل بأرضهم فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤس الجبال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو انا هبطنا عسفان لرأيت قريش أنا قد جئنا مكة فخرج في مائتي راكب حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين حتى جاءا كراع الغميم ثم انصرفا فذكر أبو عياش الزرقي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى بعسفان صلاة الخوف وقد قال الامام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عياش قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الظهر فقالوا قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ثم قالوا تأتي الآن عليهم صلاة هي أحب اليهم من أبنائهم وأنفسهم قال فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر واذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلا ة قال فحضرت فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذوا السلاح فصففنا خلفه صفين ثم ركع فركعنا جميعا ثم رفع فرفعنا جميعا ثم سجد بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ثم تقدم هؤلاء الى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء الى مصاف هؤلاء قال ثم ركع فركعوا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد الصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم ثم انصرف قال فصلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم مرتين مرة بأرض عسفان ومرة بأرض بني سليم ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن منصور به نحوه وقد رواه أبو داود عن سعيد بن منصور عن جرير بن عبد الحميد والنسائي عن الفلاس عن عبد العزيز بن عبد الصمد عن (4/81)
محمد بن المثنى وبندار عن غندر عن شعبة ثلاثتهم عن منصور به وهذا اسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجه واحد منهما لكن روى مسلم من طريق أبي خيثمة زهير بن معاوية عن ابي الزبير عن جابر قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قوما من جهينة فقاتلوا قتالا شديدا فلما أن صلى الظهر قال المشركون لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك وذكر لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قالوا انه ستأتيهم صلاة هي أحب اليهم من الاولاد فذكر الحديث كنحو ما تقدم
وقال أبو داود الطيالسي حدثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأصحابه الظهر بنخل فهم به المشركون ثم قالوا دعوهم فان لهم صلاة بعد هذه الصلاة هي أحب اليهم من أبنائهم قال فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فصلى بأصحابه صلاة العصر فصفهم صفين بين أيديهم رسول الله والعدو بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فكبر وكبروا جميعا وركعوا جميعا ثم سجد الذين يلونهم والآخرون قيام فلما رفعوا رؤسهم سجد الآخرون ثم تقدم هؤلاء وتأخر هؤلاء فكبروا جميعا وركعوا جميعا ثم سجد الذين يلونه والآخرون قيام فلما رفعوا رؤسهم سجد الآخرون وقد استشهد البخاري في صحيحه برواية هشام هذه عن أبي الزبير عن جابر وقال الامام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا سعيد بن عبيد الهنائي حدثنا عبد الله بن شقيق حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل بين صنجنان وعسفان فقال المشركون إن لهؤلاء صلاةهي أحب اليهم من أبنائهم وأبكارهم وهي العصر فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم ميلة واحدة وإن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمره أن يقيم أصحابه شطرين فيصلي ببعضهم ويقدم الطائفة الاخرى وراءهم وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ثم تأتي الاخرى فيصلون معه ويأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم ليكون لهم ركعة ركعة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولرسول الله ركعتان ورواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الصمد به وقال الترمذي حسن صحيح قلت إن كان أبو هريرة شهد هذا فهو بعد خيبر وإلا فهو من مرسلات الصحابي ولا يضر ذلك عند الجمهور والله أعلم ولم يذكر في سياق حديث جابر عند مسلم ولا عند أبي داود الطيالسي أمر عسفان ولا خالد بن الوليد لكن الظاهر أنها واحدة بقي الشأن في أن غزوة عسفان قبل الخندق أو بعدها فان من العلماء منهم الشافعى من يزعم أن صلاة الخوف إنما شرعت بعدن يوم الخندق فانهم أخروا الصلاة يومئذ عن ميقاتها لعذر القتال ولو كانت صلاة الخوف مشروعة إذ ذاك لفعلوها ولم يؤخروها ولهذا قال بعض أهل المغازي أن غزوة بني لحيان التي صلى فيها صلاة الخوف بعسفان كانت بعد بني قريظة وقد ذكر الواقدي بإسناده عن خالد بن الوليد قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الحديبية لقيته بعسفان فوقفت بإزائه وتعرضت له فصلى بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نغير عليه ثم لم يعزم لنا فأطلعه الله على (4/82)
ما في أنفسنا من الهم به فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف قلت وعمرة الحديبية كانت في ذي القعدة سنة ست بعد الخندق وبني قريظة كما سيأتي وفي سياق حديث أبي عياش الزرقي ما يقتضي أن آية صلاة الخوف نزلت في هذه الغزوة يوم عسفان فاقتضى ذلك أنها أول صلاة خوف صلاها والله أعلم وسنذكر إن شاء الله تعالى كيفية صلاة الخوف واختلاف الروايات فيها في كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان
غزوة ذات الرقاع
قال ابن اسحاق ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهري ربيع وبعض جمادى ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر قال ابن هشام ويقال عثمان بن عفان قال ابن اسحاق فسار حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع قال ابن هشام لانهم رقعوا فيها راياتهم ويقال لشجرة هناك اسمها ذات الرقاع وقال الواقدي بجبل فيه بقع حمر وسود وبيض وفي حديث أبي موسى انما سميت بذلك لما كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق من شدة الحر قال ابن اسحاق فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس صلاة الخوف وقد أسند ابن هشام حديث صلاة الخوف ههنا عن عبد الوارث بن سعيد التنوري عن يونس بن عبيد عن الحسن عن جابر بن عبد الله وعن عبد الوارث عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر وعن عبد الوارث عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ولكن لم يذكر في هذه الطرق غزوة نجد ولا ذات الرقاع ولم يتعرض لزمان ولا مكان وفي كون غزوة ذات الرقاع التي كانت بنجد لقتال بني محارب وبني ثعلبة بن غطفان قبل الخندق نظر وقد ذهب البخاري الى أن ذلك كان بعد خيبر واستدل على ذلك بأن أبا موسى الاشعري شهدها كما سيأتي وقدومه انما كان ليالي خيبر صحبة جعفر وأصحابه وكذلك أبو هريرة وقد قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة نجد صلاة الخوف ومما يدل على أنها بعد الخندق أن ابن عمر انما أجازه رسول الله صلى الله عليه و سلم في القتال أول ما أجازه يوم الخندق وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل نجد فذكر صلاة الخوف وقول الواقدي انه عليه السلام خرج الى ذات الرقاع في أربعمائة ويقال سبعمائة من أصحابه ليلة السبت لعشر خلون من المحرم سنة خمس فيه نظر ثم لا يحصل به نجاة من أن صلاة الخوف انما شرعت بعد الخندق لان الخندق كان في شوال سنة خمس على المشهور وقيل في شوال سنة أربع فتحصل على هذا القول مخلص من حديث ابن عمر فأما حديث أبي موسى وأبي هريرة فلا (4/83)
قصة غورث بن الحارث
قال ابن اسحاق في هذه الغزوة حدثني عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر بن عبد الله أن رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب ألا أقتل لكم محمدا قالوا بلى وكيف تقتله قال افتك به قال فأقبل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو جالس وسيف رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجره فقال يا محمد أنظر الى سيفك هذا قال نعم فأخذه ثم جعل يهزه ويهم فكبته الله ثم قال يا محمد أما تخافني قال لا ما أخاف منك قال أما تخافني وفي يدي السيف قال لا يمنعني الله منك ثم عمد الى سيف النبي صلى الله عليه و سلم فرده عليه فأنزل الله عز و جل يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن رومان أنها إنما نزلت في عمرو بن جحاش أخي بني النضير وما هم به هكذا ذكر ابن اسحاق قصة غورث هذا عن عمرو بن عبيد القدري رأس الفرقة الضالة وهو وان كان لا يتهم بتعمد الكذب في الحديث إلا أنه ممن لا ينبغي أن يروى عنه لبدعته ودعائه اليها وهذا الحديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه ولله الحمد فقد أورد الحافظ البيهقي ها هنا طرقا لهذا الحديث من عدة أماكن وهي ثابتة في الصحيحين من حديث الزهري عن سنان بن أبي سنان وأبي سلمة عن جابر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة نجد فلما قفل رسول الله صلى الله عليه و سلم أدركته القائلة في واد كثير العضاه فتفرق الناس يستظلون بالشجر وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت ظل شجرة فعلق بها سيفه قال جابر فنمنا نومة فاذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعونا فأجبناه واذا عنده اعرابي جالس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال من يمنعك مني قلت الله فقال من يمنعك مني قلت الله فشام السيف وجلس ولم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد فعل ذلك وقد رواه مسلم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اذا كنا بذات الرقاع وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءه رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه و سلم معلق بشجرة فأخذ سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخترطه وقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم تخافني قال لا قال فمن يمنعك مني قال الله يمنعني منك قال فهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأغمد السيف وعلقه قال ونودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الاخرى ركعتين قال فكانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم أربع ركعات وللقوم ركعتان وقد علقه البخاري بصيغة الجزم عن أبان به قال البخاري وقال مسدد (4/84)
عن أبي عوانة عن أبي بشر أن اسم الرجل غورث بن الحارث وأسند البيهقي من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر قال قاتل رسول الله صلى الله عليه و سلم محارب وغطفان بنخل فرأوا من المسلمين غره فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف وقال من يمنعك مني قال الله فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم السيف وقال من يمعنك مني قال كن خير آخذ قال تشهد أن لا إله إلا الله قال لا ولكن أعاهدك على أن لا اقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فأتى أصحابه وقال جئتكم من عند خير الناس ثم ذكر صلاة الخوف وانه صلى أربع ركعات بكل طائفة ركعتين وقد أورد البيهقي هنا طرق صلاة الخوف بذات الرقاع عن صالح بن خوات بن جبير عن سهل بن أبي حثمة وحديث الزهري عن سالم عن أبيه في صلاة الخوف بنجد وموضع ذلك كتاب الاحكام والله أعلم
قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك
قال محمد بن اسحاق حدثني عمي صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر بن عبد الله قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة ذات الرقاع من نخل فاصاب رجل امرأة رجل من المشركين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم قافلا أتى زوجها وكان غائبا فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد دما فخرج يتبع إثر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم منزلا فقال من رجل يكلونا ليلتنا فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الانصار فقالا نحن يا رسول الله قال فكونا بفم الشعب من الوادي وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر فلما خرجا الى فم الشعب قال الانصاري للمهاجري أي الليل تحب أن أكفيكه أوله أم آخره قال بل اكفني أوله فاضطجع المهاجري فنام وقام الانصاري يصلي قال وأتى الرجل فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم فرمى بسهم فوضعه فيه فانتزعه ووضعه وثبت قائما قال ثم رمى بسهم آخر فوضعه فيه فنزعه فوضعه وثبت قائما قال ثم عاد له بالثالث فوضعه فيه فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد ثم أهب صاحبه فقال اجلس فقد أثبت قال فوثب الرجل فلما رآهما عرف أنه قد نذرا به فهرب قال ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك قال كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها فلما تابع علي الرمي ركعت فآذنتك وأيم الله لولاأن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها هكذا ذكره ابن اسحاق في المغازي وقد رواه أبو داود عن أبي توبه عن عبد الله بن المبارك عن ابن اسحاق به وقد ذكر الواقدي عن عبد الله العمري عن أخيه عبيد الله عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن ابيه حديث صلاة (4/85)
الخوف بطوله قال وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أصاب في محالهم نسوة وكان في السبي جارية وضيئة وكان زوجها يحبها فحلف ليطلبن محمدا ولا يرجع حتى يصيب دما أو يخلص صاحبته ثم ذكر من السياق نحو ما أورده محمد ابن اسحاق قال الواقدي وكان جابر بن عبد الله يقول بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم اذ جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر ورسول الله صلى الله عليه و سلم ينظر اليه فأقبل اليه أبواه أو أحدهما حتى طرح نفسه في يدي الذي أخذ فرخه فرأيت أن الناس عجبوا من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتعجبون من هذا الطائر أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه فوالله لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه
قصة جمل جابر
قال محمد بن اسحاق حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي ضعيف فلما قفل رسول الله صلى الله عليه و سلم جعلت الرفاق تمضي وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مالك يا جابر قلت يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا قال أنخه قال فأنخته وأناخ رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال أعطني هذه العصا من يدك أو اقطع عصا من الشجرة ففعلت فأخذها رسول الله صلى الله عليه و سلم فنخسه بها نخسات ثم قال اركب فركبت فخرج والذي بعثه بالحق يواهق ناقته مواهقة قال وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أتبيعني جملك هذا يا جابر قال قلت بل أهبه لك قال لا ولكن بعنيه قال قلت فسمنيه قال قد أخذته بدرهم قال قلت لا اذا تغبنني يا رسول الله قال فبدرهمين قال قلت لا قال فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بلغ الاوقية قال فقلت أفقد رضيت قال نعم قلت فهو لك قال قد أخذته ثم قال يا جابر هل تزوجت بعد قال قلت نعم يا رسول الله قال اثيبا أم بكرا قال قلت بل ثيبا قال أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك قال قلت يا رسول الله ان أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا فنكحت امرأة جامعه تجمع رءوسهن فتقوم عليهن قال اصبت ان شاء الله أما انا لو جئنا صرارا أمرنا بجزور فنحرت فأقمنا عليها يومنا ذلك وسمعت بنا فنفضت نمارقها قال فقلت والله يا رسول الله مالنا نمارق قال انها ستكون فاذا أنت قدمت فاعمل عملا كيسا قال فلما جئنا صرارا أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بجزور ونحرت فأقمنا عليها ذلك اليوم فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل ودخلنا قال فحدثت المرأة الحديث وما قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت فدونك فسمع وطاعة فلما أصبحت أخذت برأس الجمل فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم جلست في المسجد قريبا منه قال وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/86)
فرأى الجمل فقال ما هذا قالوا يا رسول الله هذا جمل جاء به جابر قال فأين جابر فدعيت له قال فقال يا ابن اخي خذ برأس جملك فهو لك قال ودعا بلالا فقال اذهب بجابر فأعطه أوقية قال فذهبت معه فأعطاني أوقية وزادني شيئا يسيرا قال فوالله ما زال ينمي عندي ويرى مكانه من بيننا حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا يعني يوم الحرة وقد أخرجه صاحب الصحيح من حديث عبيد الله بن عمر العمري عن وهب بن كيسان عن جابر بنحوه قال السهيلي في هذا الحديث اشارة الى ما كان أخبر به رسول الله صلى الله عليه و سلم جابر بن عبد الله أن الله أحيا والده وكلمه فقال له تمن علي وذلك أنه شهيد وقد قال الله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم وزادهم على ذلك في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ثم جمع لهم بين العوض والمعوض فرد عليهم أرواحهم التي اشتراها منهم فقال ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون والروح للانسان بمنزلة المطية كما قال ذلك عمر بن عبد العزيز قال فلذلك اشترى رسول الله صلى الله عليه و سلم من جابر جمله وهو مطيته فأعطاه ثمنه ثم رده عليه وزاده مع ذلك قال ففيه تحقيق لما كان أخبره به عن أبيه وهذا الذي سلكه السهيلي ها هنا اشارة غريبة وتخيل بديع والله سبحانه وتعالى أعلم وقد ترجم الحافظ البيهقي في كتابه ( دلائل النبوة ) على هذا الحديث في هذه الغزوة فقال باب ما كان ظهر في غزاته هذه من بركاته وآياته في جمل جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهذا الحديث له طرق عن جابر وألفاظ كثيرة وفيه اختلاف كثير في كمية ثمن الجمل وكيفية ما اشترط في البيع وتحرير ذلك واستقصاؤه لائق بكتاب البيع من الاحكام والله أعلم وقد جاء تقييده بهذه الغزوة وجاء تقييده بغيرها كما سيأتي ومستبعد تعداد ذلك والله أعلم
غزوة بدر الآخرة
وهي بدر الموعد التي توعدوا اليها من أحد كما تقدم قال ابن اسحاق ولما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقية جمادى الاولى وجمادى الآخرة ورجبا ثم خرج في شعبان الى بدر لميعاد أبي سفيان قال ابن هشام واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قال ابن اسحاق فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بدرا وأقام عليه ثمانية ينتظر أبا سفيان وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران وبعض الناس يقول قد بلغ عسفان ثم بدا له في الرجوع فقال يا معشر قريش انه لا يصلحكم الا عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن فان عامكم هذا عام جدب واني راجع فارجعوا فرجع الناس فسماهم أهل مكة (4/87)
جيش السويق يقولون انما خرجتم تشربون السويق قال واتى مخشي بن عمرو الضمري وقد كان وادع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة ودان على بني ضمرة فقال يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء قال نعم يا أخا بني ضمرة وان شئت رددنا اليك ما كان بيننا وبينك وجالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك قال لا والله يا محمد ما لنا بذلك من حاجة ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة ولم يلق كيدا قال ابن اسحاق وقد قال عبد الله بن رواحة يعني في انتظارهم أبا سفيان ورجوعه بقريش عامه ذلك قال ابن هشام وقد انشدنيها أبو زيد لكعب بن مالك ... وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد ... لميعاده صدقا وما كان وافيا ... فأقسم لو لاقيتنا فلقيتنا ... لأبت ذميما وافتقدت المواليا ... تركنا به أوصال عتبة وابنه ... وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا ... عصيتم رسول الله اف لدينكم ... وأمركم السيء الذي كان غاويا ... فإني وان عنفتموني لقائل ... فدى لرسول الله أهلي وماليا ... أطعناه لم نعدله فينا بغيره ... شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا ...
قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت في ذلك ... دعوا فلجات الشام قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك ... بايدي رجال هاجروا نحو ربهم ... وأنصاره حقا وايدي الملائك ... اذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك ... اقمنا على الرس النزوع ثمانيا ... بأرعن جرار عريض المبارك ... بكل كميت جوزه نصف خلقه ... وقب طوال مشرفات الحوارك ... ترى العرفج العامي تذري أصوله ... مناسم اخفاف المطي الرواتك ... فإن تلق في تطوافنا والتماسنا ... فرات بن حيان يكن رهن هالك ... وان تلق قيس بن امرئ القيس بعده ... يزد في سواد لونه لون حالك ... فأبلغ أبا سفيان عني رسالة ... فإنك من غر الرجال الصعالك ...
قال فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد أسلم فيما بعد ذلك ... أحسان إنا يا ابن آكلة الفغا ... وجدك نغتال الخروق كذلك ... خرجنا وما تنجو اليعافير بيننا ... ولو وألت منا بشد مدارك ... اذا ما انبعثنا من مناخ حسبته ... مد من أهل الموسم المتعارك ... اقمت على الرس النزوع تريدنا ... وتتركنا في النخل عند المدارك (4/88)
على الزرع تمشي خيلنا وركابنا ... فما وطئت ألصقنه بالدكادك ... اقمنا ثلاثا بين سلع وفارع ... بجرد الجياد والمطي الرواتك ... حسبتم جلاد القوم عند فنائكم ... كمأخذكم بالعين أرطال آنك ... فلاتبعث الخيل الجياد وقل لها ... على نحو قول المعصم المتماسك ... سعدتم بها وغيركم كان أهلها ... فوارس من أبناء فهر بن مالك ... فانك لا في هجرة إن ذكرتها ... ولا حرمات دينها أنت ناسك ...
قال ابن هشام تركنا منها أبياتا لاختلاف قوافيها وقد ذكر موسى بن عقبة عن الزهري وابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استنفر الناس لموعد أبي سفيان وانبعث المنافقون في الناس يثبطونهم فسلم الله أولياءه وخرج المسلمون صحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم الى بدر وأخذوا معهم بضائع وقالوا إن وجدنا أبا سفيان وإلا اشترينا من بضائع موسم بدر ثم ذكر نحو سياق ابن اسحاق في خروج أبي سفيان الى مجنة ورجوعه وفي مقاولة الضمري وعرض النبي صلى الله عليه و سلم المنابذة فأبى ذلك قال الواقدي خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم اليها في ألف وخمسمائة من أصحابه واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة وكان خرجوه اليها في مستهل ذي القعدة يعني سنة أربع والصحيح قول ابن اسحاق أن ذلك في شعبان من هذه السنة الرابعة ووافق قول موسى بن عقبة أنها في شعبان لكن قال في سنة ثلاث وهذا وهم فإن هذه تواعدوا اليها من أحد وكان أحد في شوال سنة ثلاث كما تقدم والله أعلم قال الواقدي فأقاموا ببدر مدة الموسم الذي كان يعقد فيها ثمانية أيام فرجعوا وقد ربحوا من الدرهم درهمين وقال غيره فانقلبوا كما قال الله عز و جل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم فصل
في جملة من الحوادث الواقعة سنة أربع من الهجرة
قال ابن جرير وفي جمادى الأولى من هذه السنة مات عبد الله بن عثمان بن عفان رضي الله عنه يعني من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن ست سنين فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ونزل في حفرته والده عثمان بن عفان رضي الله عنه قلت وفيه توفي أبو سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي وأمه برة بنت عبد المطلب عمة رسول الله (4/89)
صلى الله عليه و سلم وكان رضيع رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتضعا من ثويبة مولاة أبي لهب وكان اسلام أبي سلمة وأبي عبيدة وعثمان بن عفان والارقم بن أبي الارقم قديما في يوم واحد وقد هاجر هو وزوجته أم سلمة الى أرض الحبشة ثم عاد الى مكة وقد ولد لهما بالحبشة أولاد ثم هاجر من مكة الى المدينة وتبعته أم سلمة الى المدينة كما تقدم وشهد بدرا وأحدا ومات من آثار جرح جرحه بأحد رضي الله عنه وأرضاه له حديث واحد في الاسترجاع عند المصيبة سيأتي في سياق تزويج رسول الله صلى الله عليه و سلم بأم سلمة قريبا قال ابن جرير وفي ليال خلون من شعبان منها ولد الحسين بن علي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وBهم قال وفي شهر رمضان من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية وقد حكى أبو عمر بن عبد البر عن علي بن عبد العزيز الجرجاني انه قال كانت أخت ميمونة بنت الحارث ثم استغربه وقال لم أره لغيره وهي التي يقال لها أم المساكين لكثرة صدقاتها عليهم وبرها لهم واحسانها اليهم وأصدقها ثنتي عشرة أوقية ونشا ودخل بها في رمضان وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث فطلقها قال أبو عمر بن عبد البر عن علي بن عبد العزيز الجرجاني ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف قال ابن الاثير في الغابة وقيل كانت تحت عبد الله بن جحش فقتل عنها يوم أحد قال أبو عمر ولا خلاف انها ماتت في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقيل لم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة حتى توفيت رضي الله عنها وقال الواقدي في شوال من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أم سلمة بنت أبي أمية قلت وكانت قبله عند زوجها أبي أولادها أبي سلمة بن عبد الاسد وقد كان شهد أحدا كما تقدم وجرح يوم أحد فداوى جرحه شهرا حتى برئ ثم خرج في سرية فغنم منها نعما ومغنما جيدا ثم اقام بعد ذلك سبعة عشر يوما ثم انتقض عليه جرحه فمات لثلاث بقين من جمادى الاولى من هذه السنة فلما حلت في شوال خطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم الى نفسها بنفسه الكريمة وبعث اليها عمر بن الخطاب في ذلك مررا فتذكر أنها امرأة غيرى أي شديدة الغيرة وانها مصبية أي لها صبيان يشغلونها عنه ويحتاجون الى مؤنة تحتاج معها أن تعمل لهم في قوتهم فقال اما الصبية فالى الله والى رسوله أي نفقتهم ليس اليك وأما الغيرة فادعو الله فيذهبها فاذنت في ذلك وقالت لعمر آخر ما قالت له قم فزوج النبي صلى الله عليه و سلم تعني قد رضيت وأذنت فتوهم بعض العلماء انها تقول لابنها عمر بن ابي سلمة وقد كان إذ ذاك صغيرا لا يلي مثله العقد وقد جمعت في ذلك جزءا مفردا بينت فيه الصواب في ذلك ولله الحمد والمنة وان الذي ولى عقدها عليه ابنها سلمة بن أبي سلمة وهو أكبر ولدها وساغ هذا لان أباه ابن عمها فللابن ولاية أمه اذا كان (4/90)
سببا لها من غير جهة البنوة بالاجماع وكذا اذا كان معتقا أو حاكما فأما محض البنوة فلا يلي بها عقد النكاح عند الشافعي وحده وخالفه الثلاثة أبو حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله ولبسط هذا موضع آخر يذكر فيه وهو كتاب النكاح من الاحكام الكبير إن شاء الله
قال الامام احمد حدثنا يونس حدثنا ليث يعني ابن سعد عن يزيد بن عبد الله بن اسامة ابن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن أم سلمة قالت أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم قولا سررت به قال لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا فعل به قالت أم سلمة فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها ثم رجعت الى نفسي فقلت من اين لي خير من أبي سلمة فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أدبغ إهابا لي فغسلت يدي من القرظ وأذنت له فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف فقعد عليها فخطبني الى نفسي فلما فرغ من مقالته قلت يا رسول الله ما بي أن لا تكون بك الرغبة ولكني امرأة بي غيرة شديدة فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به وأنا امرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال فقال أما ما ذكرت من الغيرة فسيذهبها الله عنك وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي فقالت فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت أم سلمة فقد ابدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عمر بن ابي سلمة عن أمه أم سلمة عن أبي سلمة به وقال الترمذي حسن غريب وفي رواية للنسائي عن ثابت عن ابن عمر بن ابي سلمة عن أبيه ورواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة عن يزيد بن هارون عن عبد الملك بن قدامة الجمحى عن أبيه عمر بن أبي سلمة به
وقال ابن اسحاق ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني من بدر الموعد راجعا الى المدينة فأقام بها حتى مضى ذو الحجة وولى تلك الحجة المشركون وهي سنة أربع وقال الواقدي وفي هذه السنة يعني سنة أربع أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود قلت فثبت عنه في الصحيح أنه قال تعلمته في خمسة عشر يوما والله أعلم (4/91)
سنة خمس من الهجرة النبوية
غزوة دومة الجندل في ربيع الأول منها
قال ابن اسحاق ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم دومة الجندل قال ابن هشام في ربيع الاول يعني من سنة خمس واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري قال ابن اسحاق ثم رجع الى المدينة قبل أن يصل اليها ولم يلق كيدا فاقام بالمدينة بقية سنته هكذا قال ابن اسحاق وقد قال محمد بن عمر الواقدي بإسناده عن شيوخه عن جماعة من السلف قالوا اراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يدنو إلى اداني الشام وقيل له ان ذلك مما يفزع قيصر وذكر له أن بدومة الجندل جمعا كبيرا وأنهم يظلمون من مر بهم وكان لها سوق عظيم وهم يريدون ان يدنو من المدينة فندب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس فخرج في ألف من المسلمين فكان يسير الليل ويكمن النهار ومعه دليل له من بني عذرة يقال له مذكور هاد خريت فلما دنا من دومة الجندل أخبره دليله بسوائم بني تميم فسار حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه وجاء الخبر أهل دومة الجندل فتفرقوا فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بساحتهم فلم يجد فيها أحد فاقام بها أياما وبث السرايا ثم رجعوا وأخذ محمد بن سلمة رجلا منهم فأتي به رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله عن أصحابه فقال هربوا أمس فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم الاسلام فأسلم ورجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة قال الواقدي وكان خروجه عليه السلام الى دومة الجندل في ربيع الآخر سنة خمس قال وفيه توفيت أم سعد بن عبادة وابنها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه الغزوة وقد قال أبو عيسى الترمذي في جامعه حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه و سلم غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر وهذا مرسل جيد وهو يقتضي أنه عليه السلام غاب في هذه الغزوة شهرا فما فوقه على ما ذكره الواقدي رحمه الله
غزوة الخندق أو الأحزاب
وقد أنزل الله تعالى فيها صدر سورة الاحزاب فقال تعالى يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليك مإذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ (4/92)
جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون إلا فرارا ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لاخوانهم هلم الينا ولا يأتون البأس إلا قليلا اشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فاذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنة حداد اشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا يحسبون الاحزاب لم يذهبوا وان يأت الاحزاب يودوا لو انهم بادون في الاعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما ورد الله الذي كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا وقد تكلمنا على كل من هذه الآيات الكريمات في التفسير ولله الحمد والمنة ولنذكر ها هنا ما يتعلق بالقصة إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان
وقد كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة نص على ذلك ابن اسحاق وعروة ابن الزبير وقتادة والبيهقي وغير واحد من العلماء سلفا وخلفا وقد روى موسى بن عقبة عن الزهري أنه قال ثم كانت وقعة الاحزاب في شوال سنة أربع وكذلك قال الامام مالك بن أنس فيما رواه احمد بن حنبل عن موسى بن داود عنه قال البيهقي ولا اختلاف بينهم في الحقيقة لان مرادهم ان ذلك بعد مضي أربع سنين وقبل استكمال خمس ولا شك أن المشركين لما انصرفوا عن أحد واعدوا المسلمين الى بدر العام المقابل فذهب النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه كما تقدم في شعبان سنة أربع (4/93)
ورجع أبو سفيان بقريش لجدب ذلك العام فلم يكونوا ليأتوا الى المدينة بعد شهرين فتعين أن الخندق في شوال من سنة خمس والله أعلم وقد صرح الزهري بان الخندق كانت بعد أحد بسنتين ولا خلاف أن أحدا في شوال سنة ثلاث الا على قول من ذهب الى أن أول التاريخ من محرم السنة الثانية لسنة الهجرة ولم يعدوا الشهور الباقية من سنة الهجرة من ربيع الاول الى آخرها كما حكاه البيهقي وبه قال يعقوب بن سفيان الفسوي وقد صرح بان بدرا في الاولى وأحدا في سنة ثنتين وبدر الموعد في شعبان سنة ثلاث والخندق في شوال سنة أربع وهذا مخالف لقول الجمهور فان المشهور أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جعل أول التاريخ من محرم سنة الهجرة وعن مالك من ربيع الاول سنة الهجرة فصارت الاقوال ثلاثة والله أعلم والصحيح قول الجمهور أن أحدا في شوال سنة ثلاث وأن الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة والله أعلم فاما الحديث المتفق عليه في الصحيحين من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فاأازني فقد اجاب عنها جماعة من العلماء منهم البيهقي بأنه عرض يوم أحد في أول الرابعة عشرة ويوم الاحزاب في أواخر الخامسة عشرة قلت ويحتمل أنه أراد أنه لما عرض عليه يوم الاحزاب كان قد استكمل خمس عشرة سنة التي يجاز لمثلها الغلمان فلا يبقى على هذا زيادة عليها ولهذا لما بلغ نافع عمر بن عبد العزيز هذا الحديث قال ان هذا الفرق بين الصغير والكبير ثم كتب به الى الآفاق واعتمد على ذلك جمهور العلماء والله أعلم
وهذا سياق القصة مما ذكره ابن اسحاق وغيره قال ابن اسحاق ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس فحدثني يزيد بن رومان عن عروة ومن لا أتهم عن عبيد الله بن كعب بن مالك ومحمد بن كعب القرظي والزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن ابي بكر وغيرهم من علمائنا وبعضهم يحدث مالا يحدث بعص قالوا إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن ابي الحقيق النضري وحيي بن اخطب النضري وكنانة بن الربيع بن ابي الحقيق وهوذة بن قيس الوائلي وأبو عمار الوائلي في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل وهم الذين حزبوا الاحزاب على رسول الله صلى الله عليه و سلم خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم الى حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فقالت لهم قريش يا معشر يهود انكم أهل الكتاب الاول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين أنزل الله فيهم ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين (4/94)
آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا الآيات فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم اليه من حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم فاجتمعوا لذلك واتعدوا له ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم الى حرب النبي صلى الله عليه و سلم وأخبروهم أنهم يكونون معهم عليه وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك واجتمعوا معهم فيه فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بين فزارة والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة ومسعر بن رخيلة بن نويره ابن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وما أجمعوا له من الامر ضرب الخندق على المدينة قال ابن هشام يقال ان الذي اشار به سلمان قال الطبري والسهيلي أول من حفر الخنادق منو شهر بن أيرج بن أفريدون وكان في زمن موسى عليه السلام قال ابن اسحاق فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ترغيبا للمسلمين في الاجر وعمل معه المسلمون وتخلف طائفة من المنافقين يعتذرون بالضعف ومنهم من ينسل خفية بغير اذنه ولا علمه عليه الصلاة و السلام وقد أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فاذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ألا ان لله ما في السموات والارض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون اليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم
قال ابن اسحاق فعمل المسلمون فيه حتى احكموه وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له جعيل سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرا فقالوا فيما يقولون ... سماه من بعد جعيل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا ...
وكانوا اذا قالوا عمرا قال معهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرا واذا قالوا ظهرا قال لهم ظهرا وقد قال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو اسحاق عن حميد سمعت أنس قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الخندق فاذا المهاجرون والانصار يحفرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال اللهم ان العيش عيش الآخرة فاغفر الأنصار والمهاجره فقالوا مجيبين له ... نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا (4/95)
وفي الصحيحين من حديث شعبة عن معاوية بن قرة عن أنس نحوه وقد رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت وحميد عن أنس بنحوه وقال البخاري حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم ويقولون ... نحن الذين بايعوا محمدا ... على الاسلام ما بقينا أبدا ...
قال يقول النبي صلى الله عليه و سلم مجيبا لهم اللهم انه لا خير الا خير الآخرة فبارك في الانصار والمهاجرة قال يؤتون بملء كفي من الشعير فيصنع لهم باهالة سنخة توضع بين يدي القوم والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن وقال البخاري حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن سهل بن سعد قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتادنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم لا عيش الا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والانصار ورواه مسلم عن القعنبي عن عبد العزيز به وقال البخاري حدثنا مسلم بن ابراهيم حدثنا شعبة عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو اغبر بطنه يقول ... والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ... فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الاقدام إن لاقينا ... إن الالي قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ...
ورفع بها صوته أبينا أبينا ورواه مسلم من حديث شعبة به ثم قال البخاري حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة حدثني ابراهيم بن يوسف حدثني أبي عن أبي اسحاق عن البراء يحدث قال لما كان يوم الاحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني التراب جلدة بطنه وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات عبد الله بن رواحة وهو ينقل من التراب يقول ... اللهم لولا انت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ... فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الاقدام إن لاقينا ... ان الالي قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا ...
2 - ثم يمد صوته بآخرها وقال البيهقي في الدلائل أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد ابن عبيد الصفار حدثنا اسماعيل بن الفضل البجلي حدثنا ابراهيم بن يوسف البلخي حدثنا المسيب ابن شريك عن زياد بن أبي زياد عن أبي عثمان عن سلمان ان رسول الله صلى الله عليه و سلم ضرب في (4/96)
الخندق وقال ... بسم الله وبه هدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا ... يا حبذا ربا وحب دينا ...
وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقال الامام احمد حدثنا سليمان حدثنا شعبة عن معاوية ابن قرة عن أنس ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وهم يحفرون الخندق اللهم لا خير الا خير الآخرة فأصلح الانصار والمهاجرة وأخرجاه في الصحيحين من حديث غندر عن شعبة
قال ابن اسحاق وقد كان في حفر الخندق أحاديث بلغتني من الله فيها عبرة في تصديق رسول الله صلى الله عليه و سلم وتحقيق نبوته عاين ذلك المسلمون فمن ذلك ان جابر بن عبد الله كان يحدث انه اشتدت عليهم في بعض الخندق كدية فشكوها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا باناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله ان يدعو به ثم نضح الماء على تلك الكدية فيقول من حضرها فوالذي بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأسا ولا مسحاة هكذا ذكره ابن اسحاق منقطعا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وقد قال البخاري رحمه الله حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عبد الواحد ابن أيمن عن أبيه قال أتيت جابرا فقال انا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا هذه كدية عرضت في الخندق فقال أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه و سلم المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل أو أهيم فقلت يا رسول الله ائذن لي الى البيت فقلت لامرأتي رأيت النبي صلى الله عليه و سلم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء قالت عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت النبي صلى الله عليه و سلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الاثافي ثق كادت أن تنضج فقلت طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال كم هو فذكرت له فقال كثير طيب قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال قوموا فقام المهاجرون والانصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبي صلى الله عليه و سلم بالمهاجرين والانصار ومن معهم قالت هل سألك قلت نعم فقال ادخلوا ولا تضاغطوا فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور اذا أخذ منه ويقرب الى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال كلي هذا وأهدى فان الناس أصابتهم مجاعة تفرد به البخاري وقد رواه الامام احمد عن وكيع عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه أيمن الحبشي مولى بني مخزوم عن جابر بقصة الكدية وربط الحجر على بطنه الكريم ورواه البيهقي في الدلائل عن الحاكم عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر قصة الكدية والطعام وطوله أتم من رواية البخاري قال فيه لما علم النبي صلى الله عليه و سلم بمقدار الطعام قال للمسلمين جميعا قوموا الى جابر فقاموا قال فلقيت من (4/97)
الحياء مالا يعلمه إلا الله وقلت جاءنا بخلق على صاع من شعير وعناق ودخلت على امرأتي أقول افتضحت جاءك رسول الله صلى الله عليه و سلم بالخندق أجمعين فقالت هل كان سألك كم طعامك قلت نعم فقالت الله ورسوله أعلم قال فكشفت عني غما شديدا قال فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال خدمي ودعيني من اللحم وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يثرد ويغرف اللحم ويخمر هذا ويخمر هذا فما زال يقرب الى الناس حتى شبعوا أجمعين ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كلي واهدي فلم تزل تأكل وتهدي يومها وقد رواه كذلك أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر به وأبسط أيضا وقال في آخره أخبرني أنهم كانوا ثمانمائة أو قال ثلثمائة وقال يونس بن بكير عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن جابر فذكر القصة بطولها في الطعام فقط وقال وكانوا ثلثمائة ثم قال البخاري حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا حنظلة بن أبي سفيان عن أبي الزبير حدثنا ابن ميناء سمعت جابر بن عبد الله قال لما حفر الخندق رأيت من النبي صلى الله عليه و سلم خمصا فانكفأت الى امرأتي فقلت هل عندك شيء فاني رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خمصا شديدا فأخرجت لي جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن فذبحتها فطحنت ففرغت الى فراغي وقطعتها في برمتها ثم وليت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه و سلم وبمن معه فجئته فساررته فقلت يا رسول الله ذبحت بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك فصاح رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا أهل الخندق ان جابرا قد صنع سؤرا فحيهلا بكم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك فقلت قد فعلت الذي قلت فأخرجت لنا عجينا فبسق فيه وبارك ثم عمد الى برمتنا فبسق وبارك ثم قال ادع خبازة فلتخبز معك واقدحي من برمتك ولا تنزلوها وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وان برمتنا لتغط كما هي وان عجيننا كما هو ورواه مسلم عن حجاج بن الشاعر عن أبي عاصم به نحوه وقد روى محمد بن اسحاق هذا الحديث وفي سياقه غرابة من بعض الوجوه فقال حدثني سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله قال عملنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الخندق وكانت عندي شويهة غير جد سمينة قال فقلت والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه و سلم قال وأمرت امرأتي فطحنت لنا شيئا من شعير فصنعت لنا منه خبزا وذبحت تلك الشاة فشويناها لرسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم الانصارف عن الخندق قال وكنا نعمل فيه نهارا فاذا أمسينا رجعنا الى أهالينا فقلت يا رسول الله اني قد صنعت لك شويهة كانت عندنا وصنعنا معها شيئا من خبز هذا الشعير فانا أحب أن تنصرف معي الى منزلي قال وانما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه و سلم وحده قال فلما أن قلت ذلك قال نعم ثم أمر صارخا فصرخ أن (4/98)
انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى بيت جابر بن عبد الله قال قلت انا لله وانا اليه راجعون قال فاقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقبل الناس معه فجلس وأخرجناها اليه قال فبرك وسمى الله تعالى ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس حتى صدر أهل الخندق عنها والعجب أن الامام احمد انما رواه من طريق سعيد بن ميناء عن يعقوب بن ابراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن اسحاق عنه عن جابر مثله سواء قال محمد بن اسحاق وحدثني سعيد بن ميناء أنه قد حدث أن ابنة لبشير بن سعد اخت النعمان بن بشير قالت دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي ثم قالت أي بنية اذهبي الى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما قالت فأخذتها وانطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا ألتمس أبي وخالي فقال تعالى يا بنية ما هذا معك قالت قلت يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه فقال هاتيه قالت فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه و سلم فملاتهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ثم قال لانسان عنده اصرخ في أهل الخندق أن هلم الى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وانه ليسقط من أطراف الثوب هكذا رواه ابن اسحاق وفيه انقطاع وهكذا رواه الحافظ البيهقي من طريقه ولم يزد قال ابن اسحاق وحدثت عن سلمان الفارسي أنه قال ضربت في ناحية من الخندق فغلظت على صخرة ورسول الله صلى الله عليه و سلم قريب مني فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به ضربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى قال ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى قال قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب قال أوقد رأيت ذلك يا سلمان قال قلت نعم قال أما الأولى فإن الله فتح علي باب اليمن وأما الثانية فإن الله فتح علي باب الشام والمغرب وأما الثالثة فان الله فتح علي بها المشرق قال البيهقي وهذا الذي ذكره ابن اسحاق قد ذكره موسى بن عقبة في مغازيه وذكره أبو الاسود عن عروة ثم روى البيهقي من طريق محمد بن يونس الكديمي وفي حديثه نظر لكن رواه ابن جرير في تاريخه عن محمد بن بشار وبندار كلاهما عن محمد بن خالد بن عثمة عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده فذكر حديثا فيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خط الخندق بين كل عشرة أربعين ذراعا قال واحتق المهاجرون والانصار في سلمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم سلمان منا أهل البيت قال عمرو بن عوف فكنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن وستة من الانصار في أربعين ذراعا فحفرنا حتى اذا بلغنا الندى ظهرت لنا صخرة بيضاء مروة فكسرت حديدنا وشقت علينا فذهب سلمان الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في قبة تركية فأخبره عنها فجاء (4/99)
فأخذ المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة فصدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها يعني المدينة حتى كأنها مصباح في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه و سلم تكبير فتح وكبر المسلمون ثم ضربها الثانية فكذلك ثم الثالثة فكذلك وذكر ذلك سلمان والمسلمون لرسول الله صلى الله عليه و سلم وسألوه عن ذلك النور فقال لقد أضاء لي من الاولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فاخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ومن الثانية أضاءت القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ومن الثالثة أضاءت قصور صنعاء كانها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فابشروا واستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعود صادق قال ولما طلعت الاحزاب قال المؤمنون هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما وقال المنافقون يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وانها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا فنزل فيهم واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وهذا حديث غريب وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا هارون بن ملول حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالخندق فخندق على المدينة قالوا يا رسول الله انا وجدنا صفاة لا نستطيع حفرها فقام النبي صلى الله عليه و سلم وقمنا معه فلما أتاها أخذ المعول فضرب أخرى فكبر فسمعت هذة لم اسمع مثلها قط فقال فتحت فارس ثم ضرب أخرى فكبر فسمعت هدة لم اسمع مثلها قط فقال فتحت الروم ثم ضرب أخرى فكبر فسمعت جاء الله بحمير أعوانا وأنصارا وهذا أيضا غريب من هذا الوجه وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي فيه ضعف فالله أعلم وقال الطبراني أيضا حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني سعيد بن محمد الجرمي حدثنا أبو نميلة حدثنا نعيم بن سعيد الغري أن عكرمة حدث عن ابن عباس قال احتفر رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هل دللتم على رجل يطعمنا أكلة قال رجل نعم قال أما لا فتقدم فدلنا عليه فانطلقوا الى [ بيت ] الرجل فاذا هو في الخندق يعالج نصيبه منه فارسلت امرأته أن جيء فان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أتانا فجاء الرجل يسعى وقال بأبي وأمي وله معزة ومعها جديها فوثب اليها فقال النبي صلى الله عليه و سلم الجدي من ورائها فذبح الجدي وعمدت المرأة الى طحينة لها فعجنتها وخبزت فادركت القدر فثردت قصعتها فقربتها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم اصبعه فيها وقال بسم الله اللهم بارك فيها اطعموا فاكلوا منها حتى صدروا ولم يأكلوا منها إلا ثلثها وبقي ثلثاها فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه أن اذهبوا وسرحوا الينا بعدتكم فذهبوا (4/100)
فجاء أولئك العشرة فأكلوا منها حتى شبعوا ثم قام ودعا لربة البيت وسمت عليها وعلى أهل بيتها ثم مشوا الى الخندق فقال اذهبوا بنا الى سلمان واذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوني فأكون أول من ضربها فقال بسم الله فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال الله أكبر قصور الشام ورب الكعبة ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة فقال عندها المنافقون نحن نخندق على أنفسنا وهو يعدنا قصور فارس والروم ثم قال الحافظ البيهقي أخبرنا علي بن احمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا محمد بن غالب بن حرب حدثنا هوذة حدثنا عوف عن ميمون بن استاذ الزهري حدثني البراء بن عازب الانصاري قال لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بحفر الخندق عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآها أخذ المعول وقال بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها وقال الله اكبر أعطيت مفاتيح الشام والله اني لأبصر قصورها الحمر ان شاء الله ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله اني لابصر قصر المدائن الابيض ثم ضرب الثالثة فقال بسم الله فقطع بقية الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله اني لابصر ابواب صنعاء من مكاني الساعة وهذا حديث غريب أيضا تفرد به ميمون بن استاذ هذا وهو بصري روى عن البراء وعبد الله بن عمرو وعنه حميد الطويل والجريري وعوف الاعرابي قال أبو حاتم عن اسحاق بن منصور عن ابن معين كان ثقة وقال علي بن المديني كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه وقال النسائي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا ضمرة عن أبي زرعة السيباني عن أبي سكينة رجل من البحرين عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر فقام النبي صلى الله عليه و سلم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وقال وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم فندر ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه و سلم برقة ثم ضرب الثانية وقال وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلمات الله وهو السميع العليم فندر الثلث الآخر وبرقت برقة فرآها سلمان ثم ضرب الثالثة وقال وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم فندر الثلث الباقي وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ رداءه وجلس فقال سلمان يا رسول الله رأيتك حين ضربت لا تضرب إلا كانت معها برقة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا سلمان رأيت ذلك قال أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله قال فاني حين ضربت الضربة الاولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني فقال له من حضره من أصحابه يا رسول الله ادع ان يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم (4/101)
ونخرب بأيدينا بلادهم فدعا بذلك قال ثم ضربت الثانية فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعيني قالوا يا رسول الله ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ونخرب بأيدينا بلادهم فدعا ثم قال ثم ضربت الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك وما تركوكم هكذا رواه النسائي مطولا وانما روى منه أبو داود دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم عن عيسى بن محمد الرملي عن ضمرة بن ربيعة عن أبي زرعة يحيى بن أبي عمرو السيباني به ثم قال ابن اسحاق وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة انه كان يقول حين فتحت هذه الامصار في زمان عمر وزمان عثمان وما بعده افتتحوا ما بدا لكم فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحمتم من مدينة ولا تفتحونها الى يوم القيامة الا وقد أعطى الله محمدا صلى الله عليه و سلم مفاتيحها قبل ذلك وهذا من هذا الوجه منقطع أيضا وقد وصل من غير وجه ولله الحمد فقال الامام احمد حدثنا حجاج حدثنا ليث حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الارض فوضعت في يدي وقد رواه البخاري منفردا به عن يحيى بن بكير وسعد بن عفير كلاهما عن الليث به وعنده قال ابو هريرة فذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنتم تنتثلونها وقال الامام احمد حدثنا يزيد حدثنا محمدابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا وبينا أنا نائم اتيت بمفاتيح خزائن الارض فتلت في يدي وهذا اسناد جيد قوي على شرط مسلم ولم يخرجوه وفي الصحيحين اذا هلك قيصر فلا قيصر بعده واذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله وفي الحديث الصحيح ان الله زوى لي الارض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها فصل
قال ابن اسحاق ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الاسيال من رومة بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمى الى جانب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم الى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالذراري والنساء فجعلوا فوق الآطام قال ابن (4/102)
هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم قلت وهذا معنى قوله تعالى إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وقد زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا قال البخاري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الابصار قالت ذلك يوم الخندق قال موسى بن عقبة ولما نزل الاحزاب حول المدينة أغلق بنو قريظة حصنهم دونهم قال ابن اسحاق وخرج حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقدهم وعهدهم فلما سمع به كعب أغلق باب حصنه دون حيي فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه ويحك يا كعب افتح لي قال ويحك يا حيي انك امرؤ مشئوم واني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا قال ويحك افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله ان أغلقت دوني الا خوفا على جشيشتك ان آكل معك منها فأحفظ الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام قال وما ذاك قال جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الاسيال من رومة وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى الى جانب أحد قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه فقال كعب جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه فاني لم أر من محمد إلا وفاءا وصدقا وقد تكلم عمر بن سعد القرظي فأحسن فيما ذكره موسى بن عقبة ذكرهم ميثاق رسول الله صلى الله عليه و سلم وعهده ومعاقدتهم اياه على نصره وقال اذا لم تنصروه فاتركوه وعدوه قال ابن اسحاق فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمع له يعني في نقض عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي محاربته مع الاحزاب على أن أعطاه حيي عهد الله وميثاقه لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب بن أسد العهد وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم قال موسى بن عقبة وأمر كعب بن اسد بنو قريظة حيي بن أخطب أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن تكون عندهم لئلا ينالهم ضيم ان هم رجعوا ولم يناجزوا محمدا قالوا وتكون الرهائن تسعين رجلا من أشرافهم فنازلهم حيي على ذلك فعند ذلك نقضوا العهد ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد الا بني سعنة أسد وأسيد وثعلبة فانهم خرجوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق فلما انتهى الخبر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم والى المسلمين بعث سعد بن معاذ وهو يومئذ سيد الاوس وسعد بن عبادة وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير قال انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا حق ما بلغنا عنهم فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد المسلمين وان كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس قال فخرجوا حتى أتوهم قال موسى (4/103)
ابن عقبة فدخلوا معهم حصنهم فدعوهم الى الموادعة وتجديد الحلف فقالوا الآن وقد كسر جناحنا وأخرجهم ( يريدون بني النضير ) ونالوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل سعد بن عبادة يشاتمهم فأغضبوه فقال له سعد بن معاذ انا والله ما جئنا لهذا ولما بيننا أكبر من المشاتمة ثم ناداهم سعد بن معاذ فقال انكم قد علمتم الذي بيننا وبينكم يا بني قريظة وأنا خائف عليكم مثل يوم بني النضير أو أمر منه فقالوا اكلت أير أبيك فقال غير هذا من القول كان أجمل بكم وأحسن وقال ابن اسحاق نالوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقالوا من رسول الله لا عهد بيننا وبين محمد فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه وكان رجلا فيه حدة فقال له سعد بن عبادة دع عنك مشاتمتهم لما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ثم أقبل السعدان ومن معهما الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلموا عليه ثم قالوا عضل والقارة أي كغدرهم بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الله أكبر ابشروا يا معشر المسلمين قال موسى بن عقبة ثم تقنع رسول الله صلى الله عليه و سلم بثوبه حين جاءه الخبر عن بني قريظة فاضطجع ومكث طويلا فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه اضطجع وعرفوا انه لم يأته عن بني قريظة خير ثم انه رفع رأسه وقال ابشروا بفتح الله ونصره فلما أن أصبحوا دنا القوم بعضهم من بعض وكان بينهم رمي بالنبل والحجارة قال سعيد بن المسيب قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم إني أسألك عهدك ووعدك اللهم ان تشأ لا تعبد قال ابن اسحاق وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب الى الغائط وحتى قال أوس بن قيظي يا رسول الله ان بيوتنا عورة من العدو وذلك عن ملأ من رجال قومه فأذن لنا أن نرجع الى دارنا فانها خارج من المدينة قلت هؤلاء وأمثالهم المرادون بقوله تعالى واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا اذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون الا فرارا
قال ابن اسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم مرابطا وأقام المشركون يحاصرونه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ولم يكن بينهم حرب إلا الرميا بالنبل فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم عن الزهري الى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان واعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهاده ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة فلما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يفعل ذلك بعث الى السعدين فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أمرا تحبه فاصنعه أم شيئا أمرك الله به ولا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا فقال بل (4/104)
شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لاني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم الى أمر ما فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الاوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعا أفحين أكرمنا الله بالاسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أنت وذاك فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا عليها قال فأقام النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه محاصرين ولم يكن بينهم وبين عدوهم قتال إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس أحد بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهر المخزوميان وضرار بن الخطاب بن مرداس أحد بني محارب بن فهر تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيئوا يا بني كنانة للحرب فستعلمون من الفرسان اليوم ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا والله ان هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج علي بن أبي طالب في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليه الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى اثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما خرج هو وخيله قال من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له يا عمرو انك كنت هاعدت الله لا يدعوك رجل من قريش الى احدى خلتين إلا أخذتها منه قال أجل قال له علي فإني أدعوك الى الله والى رسوله والى الإسلام قال لا حاجة لي بذلك قال فإني أدعوك الى النزال قال له لم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك قال له علي لكني والله أحب أن أقتلك فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي رضي الله عنه وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة قال ابن اسحاق وقال علي بن أبي طالب في ذلك ... نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت رب محمد بصواب ... فصدرت حين تركته متجدلا ... كالجذع بين دكادك وروابي ... وعففت عن أثوابه ولو أنني ... كنت المقطر بزني أثوابي ... لا تحسبن الله خاذل دينه ... ونبيه يا معشر الاحزاب ...
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر يشك فيها لعلي قال ابن هشام وألقى عكرمة (4/105)
رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو فقال في ذلك حسان بن ثابت ... فر وألقى لنا رمحه ... لعلك عكرم لم تفعل ... ووليت تعدو كعدو الظلي ... م ما ان يحور عن المعدل ... ولم تلو ظهرك مستأنسا ... كأن قفاك قفا فرعل ...
قال ابن هشام الفراعل صغار الصباع وذكر الحافظ البيهقي في دلائل النبوة عن ابن اسحاق في موضع آخر من السيرة قال خرج عمرو بن عبد ود وهو مقنع بالحديد فنادى من يبارز فقام علي بن أبي طالب فقال أنا لها يا نبي الله فقال انه عمرو اجلس ثم نادى عمرو ألا رجل يبرز فجعل يؤنبهم ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها أفلا تبرزون إلي رجلا فقام علي فقال أنا يا رسول الله فقال اجلس ثم نادى الثالثة فقال ... ولقد بححت من النداء ... لجمعهم هل من مبارز ... ووقفت إذ جبن المشجع ... موقف القرن المناجز ... ولذاك إني لم أزل ... متسرعا قبل الهزاهز ... ان الشجاعة في الفتى ... والجود من خير الغرائز ... 4
قال فقام علي رضي الله عنه فقال يا رسول الله أنا فقال انه عمرو فقال وان كان عمرا فأذن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فمشى اليه حتى أتى وهو يقول ... لا تعجلن فقد أتاك ... مجيب صوتك غير عاجز ... في نية وبصيرة ... والصدق منجي كل فائز ... إني لأرجو أن أقي ... م عليك نائحة الجنائز ... من ضربة نجلاء ... يبقى ذكرها عند الهزاهز ...
فقال له عمرو من أنت قال أنا علي قال ابن عبد مناف قال أنا علي بن أبي طالب فقال يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك فاني أكره أن أهريق دمك فقال له علي لكني والله لا أكره أن أهريق دمك فغضب فنزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي مغضبا واستقبله علي بدرقته فضربه عمرو في درقته فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه وضربه علي على حبل عاتقهمسقط وثار العجاج وسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم التكبير فعرفنا أن عليا قد قتله فثم يقول علي ... أعلي تقتحم الفوارس هكذاعني وعنهم أخروا أصحابي ... اليوم يمنعني الفرار حفيظتي ... ومصمم في الرأس ليس بنابي (4/106)
الى أن قال ... عبد الحجارة من سفاهة رأيه ... وعبدت رب محمد بصواب ...
الى آخرها قال ثم أقبل علي نحو رسول الله صلى الله عليه و سلم ووجهه يتهلل فقال له عمر بن الخطاب هلا استلبته درعه فإنه ليس للعرب درع خير منها فقال ضربته فاتقاني بسوءته فاستحييت ابن عمي أن أسلبه قال وخرجت خيوله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق
وذكر ابن اسحاق فيما حكاه عن البيهقي أن عليا طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه فمات في الخندق وبعث المشركون الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يشترون جيفته بعشرة آلاف فقال هو لكم لا نأكل ثمن الموتى وقال الامام احمد حدثنا نصر بن باب حدثنا حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنه قال قتل المسلمون يوم الخندق رجلا من المشركين فأعطوا بجيفته مالا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ادفعوا اليهم جيفته فانه خبيث الجيفة خبيث الدية فلم يقبل منهم شيئا وقد رواه البيهقي من حديث حماد بن سلمة عن حجاج وهو ابن ارطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رجلا من المشركين قتل يوم الاحزاب فبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ابعث الينا بجسده ونعطيهم اثني عشر ألفا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا خير في جسده ولا في ثمنه وقد رواه الترمذي من حديث سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وقال غريب وقد ذكر موسى بن عقبة أن المشركين انما بعثوا يطلبون جسد نوفل بن عبد الله المخزومي حين قتل وعرضوا عليه الدية فقال انه خبيث خبيث الدية فلعنه الله ولعن ديته فلا أرب لنا في ديته ولسنا نمنعكم أن تدفنوه وذكر يونس بن بكير عن ابن اسحاق قال وخرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي فسأل المبارزة فخرج اليه الزبير بن العوام فضربه فشقه باثنتين حتى فل في سيفه فلا وانصرف وهو يقول ... اني امرؤ أحمي وأحتمي ... عن النبي المصطفى الأمي ...
وقد ذكر ابن جرير أن نوفلا لما تورط في الخندق رماه الناس بالحجارة فجعل يقول قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب فنزل اليه علي فقتله وطلب المشركون رمته من رسول الله صلى الله عليه و سلم بالثمن فأبى عليهم أن يأخذ منهم شيئا ومكنهم من أخذه اليهم وهذا غريب من وجهين وقد روى البيهقي من طريق حماد بن يزيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال جعلت يوم الخندق مع النساء والصبيان في الاطم ومعي عمر بن ابي سلمة فجعل يطأطئ لي فاصعد على ظهره فأنظر قال فنظرت الى أبي وهو يحمل مرة ها هنا ومرة ها هنا فما يرتفع له شيء إلا أتاه فلما أمسى جاءنا الى الاطم قلت يا أبة رأيتك اليوم وما تصنع قال ورأيتني يا بني قلت نعم قال فدى لك أبي (4/107)
وأمي قال ابن اسحاق وحدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل الانصاري أخو بني حارثة أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق وكان من أحرز حصون المدينة قال وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن قالت عائشة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب قالت فمر سعد وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربته يرفل بها ويقول ... لبث قليلا يشهد الهيجا جمل ... لا بأس بالموت اذا حان الأجل ...
فقالت له أمه الحق بني فقد والله أخرت قالت عائشة فقلت لها يا أم سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي قالت وخفت عليه حيث اصاب السهم منه فرمى سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الاكحل قال ابن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال رماه حيان بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي فلما أصابه قال خذها مني وأنا ابن العرقة فقال له سعد عرق الله وجهك في النار اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فانه لا قوم أحب ألي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه اللهم وان كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة قال ابن اسحاق وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك أنه كان يقول ما أصاب سعدا يومئذ إلا أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم وقد قال أبو اسامة في ذلك شعرا قاله لعكرمة بن أبي جهل ... أعكرم هلا لمتني إذ تقول لي ... فداك بآطام المدينة خالد ... ألست الذي ألزمت سعدا مريشة ... لها بين أثناء المرافق عاند ... قضى نحبه منها سعيد فأعولت ... عليه مع الشمط العذارى النواهد ... وأنت الذي دافعت عنه وقد دعا ... عبيدة جمعا منهم اذ يكابد ... على حين ما هم جائر عن طريقه ... وآخر مرعوب عن القصد قاصد ...
قال ابن اسحاق والله أعلم أي ذلك كان قال ابن هشام ويقال ان الذي رمى سعدا خفاجة بن عاصم بن حبان قلت وقد استجاب الله دعوة وليه سعد بن معاذ في بني قريظة أقر الله عينه فحكم فيهم بقدرته وتيسيره وجعلهم هم الذين يطلبون ذلك كما سيأتي بيانه فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم حتى قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد حكمت فيهم بحكم الله فوق سبع أرقعة قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت قالت وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا (4/108)
ورسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم الينا اذ أتانا آت فقلت يا حسان ان هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن واني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود وقد شغل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فانزل اليه فاقتله قال يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا قالت فلما قال لي ذلك ولم ار عنده شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت من الحصن اليه فضربته بالعمود حتى قتلته فلما فرغت منه رجعت الى الحصن فقلت يا حسان انزل فاستلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا انه رجل قال مالي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب قال موسى بن عقبة وأحاط المشركون بالمسلمين حتى جعلوهم في مثل الحصن من كتائبهم فحاصروهم قريبا من عشرين ليلة وأخذوا بكل ناحية حتى لا يدري أتم أم لا قال ووجهوا نحو منزل رسول الله صلى الله عليه و سلم كتيبة غليظة فقاتلوهم يوما الى الليل فلما حانت صلاة العصر دنت الكتيبة فلم يقدر النبي صلى الله عليه و سلم ولا أحد من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا الصلاة على نحو ما أرادوا فانكفأت الكتيبة مع الليل فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال شغلونا عن صلاة العصر ملأ الله بطونهم وقلوبهم وفي رواية وقبورهم نارا فلما اشتد البلاء نافق ناس كثير وتكلموا بكلام قبيح فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بالناس من البلاء والكرب جعل يبشرهم ويقول والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة واني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمنا وأن يدفع الله الي مفاتيح الكعبة وليهلكن الله كسرى وقيصر ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله
وقد قال البخاري حدثنا اسحاق حدثنا روح حدثنا هشام عن محمد عن عبيدة عن علي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يوم الخندق ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس وهكذا رواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن هشام بن حسان عن محمد ابن سيرين عن عبيدة عن علي به ورواه مسلم والترمذي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حسان الاعرج عن عبيدة عن علي به وقال الترمذي حسن صحيح ثم قال البخاري حدثنا المكي بن ابراهيم حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب قال النبي صلى الله عليه و سلم والله ما صليتها فنزلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب وقد رواه البخاري أيضا ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن يحيى بن ابي كثير عن أبي سلمة به وقال الامام احمد حدثنا عبد الصمد حدثنا ثابت حدثنا هلال عن عكرمة عن ابن عباس قال قاتل النبي صلى الله عليه و سلم عدوا فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها فلما رأى ذلك قال اللهم من حبسنا عن الصلاة (4/109)
الوسطى فاملأ بيوتهم نارا واملأ قبورهم نارا ونحو ذلك تفرد به احمد وهو من رواية هلال بن خباب العبدي الكوفي وهو ثقة يصحح له الترمذي وغيره وقد استدل طائفة من العلماء بهذه الاحاديث على كون الصلاة الوسطى هي صلاة العصر كما هو منصوص عليه في هذه الاحاديث وألزم القاضي الماوردي مذهب الشافعي بهذا لصحة الحديث وقد حررنا ذلك نقلا واستدلالا عند قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين وقد استدل طائفة بهذا الصنيع على جواز تأخير الصلاة لعذر القتال كما هو مذهب مكحول والاوزاعي وقد بوب البخاري ذلك واستدل بهذا الحديث وبقوله صلى الله عليه و سلم يوم أمرهم بالذهاب الى بني قريظة كما سيأتي لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة وكان من الناس من صلى العصر في الطريق ومنهم من لم يصل إلا في بني قريظة بعد الغروب ولم يعنف واحدا من الفريقين واستدل بما ذكره عن الصحابة ومن معهم في حصار تستر سنة عشرين في زمن عمر حيث صلوا الصبح بعد طلوع الشمس لعذر القتال واقتراب فتح الحصن
وقال آخرون من العلماء وهم الجمهور منهم الشافعي هذا الصنيع يوم الخندق منسوخ بشرعية صلاة الخوف بعد ذلك فإنها لم تكن مشروعة إذ ذاك فلهذا أخروها يومئذ وهو مشكل قال ابن اسحاق وجماعة ذهبوا الى أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى صلاة الخوف بعسفان وقد ذكرها ابن اسحاق وهو امام في المغازي قبل الخندق وكذلك ذات الرقاع ذكرها قبل الخندق فالله أعلم وأما الذين قالوا ان تأخير الصلاة يوم الخندق وقع نسيانا كما حكاه شراح مسلم عن بعض الناس فهو مشكل إذ يبعد أن يقع هذا من جمع كبير مع شدة حرصهم على محافظة الصلاة كيف وقد روى أنهم تركوا يومئذ الظهر والعصر والمغرب حتى صلوا الجميع في وقت العشاء من رواية أبي هريرة وأبي سعيد قال الامام حدثنا يزيد وحجاج قالا حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوى من الليل حتى كفينا وذلك قوله وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا قال فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالا فأمره فأقام فصلى الظهر كما كان يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك وذلك قبل أن ينزل قال حجاج في صلاة الخوف فان خفتم فرجالا أو ركبانا وقد رواه النسائي عن الفلاس عن يحيى القطان عن ابن أبي ذئب به قال شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس فذكره وقال أحمد حدثنا هشيم حدثنا أبو الزبير عن نافع بن جبير عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله قال فأمر بلالا فأذن ثم اقام فصلى الظهر ثم اقام فصلى العصر ثم اقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن معمر حدثنا مؤمل يعني ابن اسماعيل حدثنا حماد يعني ابن سلمة عن عبد الكريم يعني ابن أبي المخارق (4/110)
عن مجاهد عن جابر بن عبد الله ان النبي صلى الله عليه و سلم شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر ثم امره فأذن واقام فصلى العصر ثم أمره فأذن واقام فصلى المغرب ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء ثم قال ما على وجه الارض قوم يذكرون الله في هذه الساعة غيركم تفرد به البزار وقال لا نعرفه الا من هذا الوجه وقد رواه بعضهم عن عبد الكريم عن مجاهد عن أبي عبيدة عن عبد الله
فصل في دعائه عليه السلام على الأحزاب
قال الامام احمد حدثنا أبو عامر حدثنا الزبير يعني ابن عبد الله حدثنا ربيح بن ابي سعيد الخدري عن أبيه قال قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال نعم اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا قال فضرب الله وجوه أعدائه بالريح وقد رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه عن أبي عامر وهو العقدي عن الزبير بن عبد الله مولى عثمان بن عفان عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد فذكره وهذا هو الصواب وقال الامام احمد حدثنا حسين عن ابن أبي ذئب عن رجل من بني سلمة عن جابر ابن عبد الله ان النبي صلى الله عليه و سلم أتى مسجد الاحزاب فوضع رداءه وقام ورفع يديه مدا يدعو عليهم ولم يصل قال ثم جاء ودعا عليهم وصلى وثبت في الصحيحين من حديث اسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم على الاحزاب فقال اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الاحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم وفي الرواية اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم وروى البخاري عن قتيبة عن الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول لا إله إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده وقال ابن اسحاق وأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم عليهم واتيانهم اياهم من فوقهم ومن أسفل منهم قال ثم ان نعيم بن مسعود ابن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوه بن اشجع ابن ريث بن غطفان أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله اني قد اسلمت وان قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فإن الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال يا بني (4/111)
قريظة قد عرفتم ودي اياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه الى غيره وان قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره فليسوا كأنتم فان رأوا نهزة أصابوها وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به ان خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه قالوا لقد اشرت بالرأي ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لابي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وانه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني قالوا نفعل قال تعلموا ان معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد ارسلوا اليه انا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من اشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم فأرسل اليهم ان نعم فان بعثت اليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا اليهم منكم رجلا واحدا ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان انكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس الي ولا أراكم تتهموني قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال فاكتموا عني قالوا نفعل ثم قال لهم ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان من صنيع الله تعالى لرسوله صلى الله عليه و سلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان الى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقال لهم انا لسنا بدار مقام هلك الخف والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا اليهم ان اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثنا فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى ان ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال ان تنشمروا الى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه فلما رجعت اليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله ان الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا الى بني قريظة انا ولله لا ندفع اليكم رجلا من رجالنا فان كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت اليهم الرسل بهذا ان الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم الا ان تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وان كان غير ذلك انشمروا الى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم فأرسلوا الى قريش وغطفان انا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم (4/112)
وهذا الذي ذكره ابن اسحاق من قصة نعيم بن مسعود أحسن مما ذكره موسى بن عقبة وقد أورده عنه البيهقي في الدلائل فانه ذكر ما حاصله أن نعيم بن مسعود كان يذيع ما يسمعه من الحديث فاتفق أنه مر برسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم عشاء فأشار اليه أن تعال فجاء فقال ما وراءك فقال انه قد بعثت قريش وغطفان الى بني قريظة يطلبون منهم أن يخرجوا اليهم فيناجزوك فقالت قريظة نعم فأرسلوا الينا بالرهن وقد ذكر فيما تقدم أنهم انما نقضوا العهد على يدي حيي بن أخطب بشرط أن يأتيهم برهائن تكون عندهم توثقة قال فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم إني مسر اليك شيئا فلا تذكره قال انهم قد أرسلوا إلي يدعونني الى الصلح وأرد بني النضير الى دورهم وأموالهم فخرج نعيم بن مسعود عامدا إلى غطفان وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الحرب خدعة وعسى أن يصنع الله لنا فأتى نعيم غطفان وقريشا فأعلمهم فبادر القوم وأرسلوا الى بني قريظة عكرمة وجماعة معه واتفق ذلك ليلة السبت يطلبون منهم أن يخرجوا للقتال معهم فاعتلت اليهود بالسبت ثم ايضا طلبوا الرهن توثقة فأوقع الله بينهم واختلفوا قلت وقد يحتمل أن تكون قريظة لما يئسوا من انتظام أمرهم مع قريش وغطفان بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يريدون منه الصلح على أن يرد بني النضير الى المدينة والله أعلم
قال ابن اسحاق فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما اختلف من أمرهم وما فرق الله من جمعهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه اليهم لينظر ما فعل القوم ليلا قال ابن اسحاق فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله صلى الله عليه و سلم وصحبتموه قال نعم يا ابن أخي قال فكيف كنتم تصنعون قال والله لقد كنا نجتهد قال والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الارض ولحملناه على أعناقنا قال فقال حذيفة يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالخندق وصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم هويا من الليل ثم التفت الينا فقال من رجل يقول فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجعم فشرط له رسول الله صلى الله عليه و سلم الرجعة أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني فقال يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا قال فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه قال حذيفة فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت من أنت قال فلان ابن فلان ثم قال يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام الى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به (4/113)
على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلي لاتحدث شيئا حتى تأتيني لقتلته بسهم قال حذيفة فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل فلما رآني أدخلني الى رجليه وطرح علي طرف المرط ثم ركع وسجد واني لفيه فلما سلم أخبرته الخبر وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين الى بلادهم وهذا منقطع من هذا الوجه وقد روى هذا الحديث مسلم بن الحجاج في صحيحه من حديث الاعمش عن ابراهيم ابن يزيد التيمي عن أبيه قال كنا عند حذيفة فقال له رجل لو أدركت رسول الله صلى الله عليه و سلم قاتلت معه وأبليت فقال له حذيفة أنت كنت تفعل ذلك لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الاحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة فلم يجبه منا أحد ثم الثانية ثم الثالثة مثله ثم قال يا حذيفة قم فأتنا بخبر القوم فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم فقال ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي قال فمضيت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد قوسي وأردت أن أرميه ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تذعرهم علي ولو رميته لأصبته فرجعت كأنما أمشي في حمام فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأصابني برد حين رجعت وقررت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه و سلم وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أبرح نائما حتى الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قم يا نومان
وقد روى الحاكم والحافظ البيهقي في الدلائل هذا الحديث مبسوطا من حديث عكرمة بن عمار عن محمد بن عبد الله الدؤلي عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال جلساؤه أما والله لو كنا شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا فقال حذيفة لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الاحزاب ونحن صافون قعود وأبو سفيان ومن معه فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا منها في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا اصبعه فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه و سلم ويقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ويأذن لهم ويتسللون ونحن ثلاثمائة ونحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا رجلا حتى أتى علي وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامر أتى ما يجاوز ركبتي قال فأتانى وأنا جاث على ركبتى فقال من هذا فقلت حذيفة فقال حذيفة فتقاصرت للارض فقلت بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم فقمت فقال انه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم قال وأنا من أشد الناس فزعا وأشدهم قرا قال فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته قال فوالله (4/114)
ما خلق الله فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج من جوفي فما أجد فيه شيئا قال فلما وليت قال يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني قال فخرجت حتىإذا دنوت من عسكر القوم نظرت ضوء نار لهم توقد واذا رجل أدهم ضخم يقول بيديه على النار ويمسح خاصرته ويقول الرحيل الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لاتحدثن فيهم شيئا حتى تأتيني فأمسكت ورددت سهمي الى كنانتي ثم اني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر فاذا أدني الناس مين بنو عامر يقولون يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم واذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا فوالله اني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضرب بها ثم اني خرجت نحو رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما انتصفت بي الطريق أو نحو من ذلك اذا أنا بنحو من عشرين فارسا أو نحو ذلك معتمين فقالوا أخبر صاحبك أن الله قد كفاه قال فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مشتمل في شملة يصلي فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف فأومأ الي رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده وهو يصلي فدنوت منه فأسبل علي شملته وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا حزبه أمر صلى فأخبرته خبر القوم أخبرته أني تركتهم يرحلون قال وأنزل الله تعالى يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا يعني الآيات كلها الى قوله ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا أي صرف الله عنهم عدوهم بالريح التي أرسلها عليهم والجنود من الملائكة وغيرهم التي بعثها الله اليهم وكفى الله المؤمنين القتال أي لم يحتاجوا الى منازلتهم ومبارزتهم بل صرف القوي العزيز بحوله وقوته لهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الاحزاب وحده فلا شيء بعده وفي قوله وكفى الله المؤمنين القتال اشارة الى وضع الحرب بينهم وبينهم وهكذا وقع ولم ترجع قريش بعدها الى حرب المسلمين كما قال محمد بن اسحاق رحمه الله فلما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغنا لن تغزوكم قريش بعد عامكم ولكنكم تغزونهم قال فلم تغز قريش بعد ذلك وكان يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله عليه مكة وهذا بلاغ من ابن اسحاق وقد قال الامام احمد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبو اسحاق سمعت سليمان بن صرد رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الآن نغزوهم ولا يغزوننا وهكذا رواه البخاري من حديث إسرائيل وسفيان الثوري كلاهما عن أبي اسحاق السبيعي عن سليمان بن صرد به قال ابن اسحاق واستشهد من المسلمين يوم الخندق ثلاثة من بني عبد الاشهل وهم سعد بن معاذ وستأتي وفاته مبسوطة (4/115)
وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو وعبد الله بن سهل والطفيل بن النعمان وثعلبة بن غنمة الجشميان السلميان وكعب بن زيد النجاري أصابه سهم غرب فقتله قال وقتل من المشركين ثلاثة وهم منبه ابن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمكة ونوفل بن عبد الله بن المغيرة اقتحم الخندق بفرسه فتورط فيه فقتل هناك وطلبوا جسده بثمن كبير كما تقدم وعمرو بن عبد ود العامري قتله علي بن أبي طالب قال ابن هشام وحدثني الثقة أنه حدث عن الزهري أنه قال قتل علي يومئذ عمرو بن عبد ود وابنه حسل بن عمرو قال ابن هشام ويقال عمرو بن عبدود ويقال عمرو بن عبد
فصل في غزوة بني قريظة
وما أحل الله تعالى بهم من البأس الشديد مع ما أعد الله لهم في الآخره من العذاب الاليم وذلك لكفرهم ونقضهم العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم ومما لأتهم الاحزاب عليه فما أجدى ذلك عنهم شيئا وباؤا بغضب من الله ورسوله والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة وقد قال الله تعالى ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطأوها وكان الله على كل شيء قديرا قال البخاري حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا عبد الله حدثنا موسى بن عقبة عن سالم ونافع عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان اذا قفل من الغزو والحج والعمرة يبدأ فيكبر ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده
قال محمد بن اسحاق رحمه الله ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم انصرف عن الخندق راجعا الى المدينة والمسلمون ووضعوا السلاح فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثني الزهري معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال أو قد وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم فقال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ان الله يأمرك يا محمد بالمسير الى بني قريظة فإني عامد اليهم فمزلزل بهم فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم مؤذنا فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم (4/116)
وقال البخاري حدثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت لما رجع النبي صلى الله عليه و سلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل فقال قد وضعت السلاح والله ما وضعناه فاخرج اليهم قال فإلى أين قال ها هنا وأشار الى بني قريظة فخرج النبي صلى الله عليه و سلم وقال أحمد وحدثنا حسن حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما فرغ من الاحزاب دخل المغتسل ليغتسل وجاء جبريل فرأيته من خلل البيت قد عصب رأسه الغبار فقال يا محمد أوضعتم أسلحتكم فقال وضعنا أسلحتنا فقال انا لم نضع أسلحتنا بعد انهد الى بني قريظة ثم قال البخاري حدثنا موسى حدثنا جرير بن حازم عن حميد بن هلال عن أنس بن مالك قال كأني أنظر الى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله عليه و سلم الى بني قريظة ثم قال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد بن اسماء حدثنا جويرية بن اسماء عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي العصر حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فلم يعنف واحدا منهم وهكذا رواه مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء به وقال الحافظ البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن خالد بن علي حدثنا بشر بن حرب عن أبيه حدثنا الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عمه عبيد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما رجع من طلب الاحزاب وضع عنه اللأمة واغتسل واستحم فتبدى له جبريل عليه السلام فقال عذيرك من محارب ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد قال فوثب النبي صلى الله عليه و سلم فزعا فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر إلا في بني قريظة قال فلبس الناس السلاح فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس فاختصم الناس عند غروب الشمس فقال بعضهم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة فانما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه و سلم فليس علينا اثم وصلى طائفة من الناس احتسابا وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس فصلوها حين جاءوا بني قريظة احتسابا فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه و سلم واحدا من الفريقين ثم روى البيهقي من طريق عبد الله العمري عن أخيه عبيد الله عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان عندها فسلم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فزعا وقمت في أثره فاذا بدحية الكلبي فقال هذا جبريل أمرني أن أذهب الى بني قريظة وقال قد وضعتم السلاح لكنا لم نضع طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الاسد وذلك حين رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من الخندق فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فزعا وقال لأصحابه عزمت عليكم أن لا تصلوا (4/117)
صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة فغربت الشمس قبل أن يأتوهم فقالت طائفة من المسلمين ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يرد ان تدعوا الصلاة فصلوا وقالت طائفة والله إنا لفي عزيمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وما علينا من إثم فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة إيمانا واحتسابا ولم يعنف رسول الله صلى الله عليه و سلم واحدا من الفريقين وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فمر بمجالس بينه وبين بني قريظة فقال هل مر بكم أحد فقالوا مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج فقال ذلك جبريل أرسل الى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب فحاصرهم النبي صلى الله عليه و سلم وأمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يسمع كلامهم فناداهم يا اخوة القردة والخنازير فقالوا يا أبا القاسم لم تكن فحاشا فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وغيرها وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو بل الإجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنف فقالت طائفة من العلماء الذين أخروا الصلاة يومئذ عن وقتها المقدر لها حتى صلوها في بني قريظة هم المصيبون لأن أمرهم يومئذ تأخير الصلاة خاص فيقدم على عموم الأمر بها في وقتها المقدر لها شرعا قال أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب السيرة وعلم الله أنا لو كنا هناك لم نصل العصر إلا في بني قريظة ولو بعد أيام وهذا القول منه ماش على قاعدته الاصلية في الاخذ بالظاهر وقالت طائفة أخرى من العلماء بل الذين صلوا الصلاة في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرهم هم المصيبون لانهم فهموا أن المراد انما هو تعجيل السير الى بني قريظة لا تأخير الصلاة فعملوا بمقتضى الأدلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها مع فهمهم عن الشارع ما أراد ولهذا لم يعنفهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها التي حولت اليه يومئذ كما يدعيه أولئك وأما أولئك الذين أخروا فعذروا بحسب ما فهموا وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء وقد فعلوه وأما على قول من يجوز تأخير الصلاة لعذر القتال كما فهمه البخاري حيث احتج على ذلك بحديث ابن عمر المتقدم في هذا فلا إشكال على من أخر ولا على من قدم أيضا والله أعلم
ثم قال ابن اسحاق وقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب ومعه رايته وابتدرها الناس وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري فبينما رسول الله صلى الله عليه و سلم في مغتسله كما يزعمون قد رجل أحد شقيه أتاه جبريل على فرس عليه لأمته حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز فخرج اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له جبريل غفر الله لك أو قد وضعت السلاح قال نعم فقال جبريل لكنا لم نضعه منذ نزل بك العدو وما زلت في طلبهم حتى هزمهم الله ويقولون ان على وجه جبريل لأثر الغبار فقال له جبريل ان الله قد أمرك بقتال بني قريظة فأنا عامد اليهم بمن معي (4/118)
من الملائكة نزلزل بهم الحصون فاخرج بالناس فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في اثر جبريل فمر على مجلس بني عنم وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألهم فقال مر عليكم فارس آنفا قالوا مر علينا دجية الكلبي على فرس أبيض تحته نمط أو قطيفة ديباج عليه اللأمة فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ذاك جبريل وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يشبه دحية الكلبي بجبريل فقال الحقوني ببني قريظة فصلوا فيهم العصر فقاموا وما شاء الله من المسلمين فانطلقوا الى بني قريظة فحانت صلاة العصر وهم بالطريق فذكروا الصلاة فقال بعضهم لبعض ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمركم أن تصلوا العصر في بني قريظة وقال آخرون هي الصلاة فصلى منهم قوم وأخرت طائفة الصلاة حتى صلوها في بني قريظة بعد أن غابت الشمس فذكروا لرسول الله صلى الله عليه و سلم من عجل منهم الصلاة ومن أخرها فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يعنف واحدا من الفريقين قال فلما رأى علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه و سلم مقبلا تلقاه وقال ارجع يا رسول الله فإن الله كافيك اليهود وكان علي قد سمع منهم قولا سيئا لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأزواجه رضي الله عنهن فكره أن يسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لم تأمرني بالرجوع فكتمه ما سمع منهم فقال أظنك سمعت في منهم أذى فامض فإن أعداء الله لو رأوني لم يقولوا شيئا مما سمعت فلما نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بحصنهم وكانوا في أعلاه نادى بأعلى صوته نفرا من اشرافهم حتى أسمعهم فقال أجيبوا يا معشر يهود يا اخوة القردة قد نزل بكم خزي الله عز و جل فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة ورد الله حيي بن أخطب حتى دخل حصن بني قريظة وقذف في اللهقلوبهم الرعب واشتد عليهم الحصار فصرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء الانصار فقال أبو لبابة لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أذنت لك فأتاهم أبو لبابة فبكوا اليه وقالوا يا أبا لبابة ماذا ترى وماذا تأمرنا فإنه لا طاقة لنا بالقتال فأشار أبو لبابة بيده الى حلقه وأمر عليه اصابعه يريهم انما يراد بهم القتل فلما انصرف أبو لبابة سقط في يده ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة فقال والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي فرجع الى المدينة فربط يديه الى جذع من جذوع المسجد وزعموا أنه ارتبط قريبا من عشرين ليلة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين غاب عليه أبو لبابة أما فرغ أبو لبابة من حلفائه فذكر له ما فعل فقال لقد أصابته بعدي فتنة ولو جاءني لاستغفرت له وإذ قد فعل هذا فلن أحركه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما يشاء وهكذا رواه ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة وكذا ذكره محمد بن اسحاق في مغازيه في مثل سياق موسى بن عقبة عن الزهري ومثل رواية أبي الاسود عن عروة قال ابن اسحاق ونزل رسول الله صلى الله عليه و سلم على بئر من آبار بني قريظة (4/119)
من ناحية أموالهم يقال لها بئر انى فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب وقد كان حيي بن أخطب دخل معهم حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن اسد يا معشر يهود قد نزل بكم من الامر ما ترون واني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا بما شئتم منها قالوا وما هن قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج الى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك نسلا نخشى عليه وان نظهر فلعمري لنجدن النساء والابناء قالوا أنقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال فان أبيتم علي هذه فالليلة ليلة السبت وانه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا أنفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فاصابه ما لم يخف عنك من المسخ فقال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما ثم انهم بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ابعث الينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الاوس نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا يا ابا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده الى حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ارتبط في المسجد الى عمود من عمده وقال لا أبرح مكاني حتى يتوب الله على ما صنعت وعاهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا قال ابن هشام وأنزل الله فيما قال سفيان بن عيينة عن اسماعيل ابن أبي خالد عن عبد الله بن أبي قتادة يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون قال ابن هشام أقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله حتى يتوضأ ويصلي ثم يرتبط حتى نزلت توبته في قوله تعالى وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ان الله غفور رحيم وقول موسى بن عقبة انه مكث عشرين ليلة مرتبطا به والله أعلم وذكر ابن اسحاق أن الله أنزل توبته على رسوله من آخر الليل وهو في بيت أم سلمة فجعل يبتسم فسألته أم سلمة فأخبرها بتوبة الله على أبي لبابة فاستأذنته أن تبشره فأذن لها فخرجت فبشرته فثار الناس اليه يبشرونه وأرادوا أن يحلوه من (4/120)
رباطه فقال والله لا يحلني إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى صلاة الفجر حله من رباطه رضي الله عنه وأرضاه قال ابن اسحاق ثم أن ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد وهم نفر من بني هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا في تلك الليلة التي أنزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرج في تلك عمرو بن سعدي القرظي فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليهم محمد بن مسلمة تلك الليلة فلما رآه قال من هذا قال أنا عمرو ابن سعدي وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه و سلم وقال لا اغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني اقالة عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب لم يدر أين توجه من الارض الى يومه هذا فذكر شأنه لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه قال وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة فاصبحت رمته ملقاة ولم يدر أين ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه تلك المقالة والله أعلم أي ذلك كان قال ابن اسحاق فلما أصبحوا ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فتواثبت الاوس فقالوا يا رسول الله انهم كانوا موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي اخواننا بالامس ما قد علمت يعنون عفوه عن بني قينقاع حين سأله فيهم عبد الله ابن ابي كما تقدم قال ابن اسحاق فلما كلمته الاوس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا معشر الاوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك الى سعد بن معاذ وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده وكانت تداوي الجرحى فلما حكمه في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما جميلا ثم اقبلوا معه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فان رسول الله صلى الله عليه و سلم انما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه الى دار بني عبد الاشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل اليهم سعد عن كلمته التي سمع منه فلما انتهى سعد الى رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قوموا الى سيدكم فأما المهاجرون من قريش فيقولون انما أراد الانصار واما الانصار فيقولون قد عم رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين فقاموا اليه فقالوا يا أبا عمر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ان الحكم فيهم لما حكمت قالوا نعم قال وعلى من ها هنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه و سلم اجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم قال سعد فاني أحكم فيهم أن يقتل الرجال وتقسم الاموال وتسبى الذراري والنساء قال ابن اسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص (4/121)
الليثي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة وقال ابن هشام حدثني من أثق به من أهل العلم ان علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة يا كتيبة الايمان وتقدم هو والزبير بن العوام وقال والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو أقتحم حصنهم فقالوا يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ وقد قال الامام احمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن ابراهيم سمعت أبا امامة بن سهل سمعت أبا سعيد الخدري قال نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ قال فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم الى سعد فأتاه على حمار فلما دنا قريبا من المسجد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قوموا لسيدكم أو خيركم ثم قال ان هؤلاء نزلوا على حكمك قال نقتل مقاتلتهم ونسبي ذريتهم قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قضيت بحكم الله وربما قال قضيت بحكم الملك وفي رواية الملك أخرجاه في الصحيحين من طرق عن شعبة وقال الامام أحمد حدثنا حجين ويونس قالا حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله انه قال رمى يوم الاحزاب سعد بن معاذ فقطعوا أكحله فحسمه رسول الله صلى الله عليه و سلم بالنار فانتفخت يده فنزفه فحسمه أخرى فانتفخت يده فنزفه فلما رأى ذلك قال اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد فأرسل اليه فحكم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم يستعين بهم المسلمون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أصبت حكم الله فيهم وكانوا أربعمائة فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن الليث به وقال الترمذي حسن صحيح وقال الامام احمد حدثنا ابن نمير عن هشام أخبرني أبي عن عائشة قالت لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل وعلى رأسه الغبار فقال قد وضعت السلاح فوالله ما وضعتها أخرج اليهم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فأين قال ها هنا وأشار الى بني قريظة فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم اليهم قال هشام فأخبرني أبي انهم نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه و سلم فرد الحكم فيهم الى سعد قال فاني أحكم أن تقتل المقاتلة وتسبى النساء والذرية وتقسم أموالهم قال هشام قال أبي فأخبرت ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لقد حكمت فيهم بحكم الله وقال البخاري حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة رماه في الاكحل فضرب النبي صلى الله عليه و سلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب فلما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال قد وضعت السلاح والله ما وضعته أخرج اليهم قال النبي صلى الله عليه و سلم فأين فأشار الى بني قريظة فأتاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلوا على حكمه فرد الحكم الى سعد قال فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم قال هشام فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال اللهم انك تعلم أنه (4/122)
ليس أحد أحب الي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه اللهم فاني أظن انك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فان كان بقي من حرب قريش شيء فأبقى له حتى أجاهدهم فيك وان كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار الا الدم يسيل اليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم فإذا هو سعد يغدو جرحه دما فمات منها وهذا رواه مسلم من حديث عبد الله بن نمير به قلت كان دعا أولا بهذا الدعاء قبل أن يحكم في بني قريظة ولهذا قال فيه ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فاستجاب الله له فلما حكم فيهم وأقر الله عينه أي قرار دعا ثانيا بهذا الدعاء فجعلها الله له شهادة رضي الله عنه وأرضاه وسيأتي ذكر وفاته قريبا ان شاء الله وقد رواه الامام أحمد من وجه آخر عن عائشة مطولا جدا وفيه فوائد فقال حدثنا يزيد أنبأنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص قال أخبرتني عائشة قالت خرجت يوم الخندق أقفو الناس فسمعت وئيد الارض ورائي فاذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة قالت فجلست الى الارض فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه فانا أتخوف على أطراف سعد قالت وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم فمر وهو يرتجز ويقول ... لبث قليلا يدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل ...
قالت فقمت فاقتحمت حديقة فإذا نفر من المسلمين فإذا فيها عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه سبغة له تعني المغفر فقال عمر ما جاء بك والله انك لجريئة وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز فما زال يلومني حتى تمنيت أن الارض فتحت ساعتئذ فدخلت فيها فرفع الرجل السبغة عن وجهه فاذا هو طلحة بن عبيد الله فقال يا عمر ويحك انك قد اكثرت منذ اليوم وأين التحوز أو الفرار الا الى الله عز و جل قالت ويرمي سعدا رجل من قريش يقال له ابن العرقة وقال خذها وأنا ابن العرقة فاصاب أكحله فقطعه فدعا الله سعد فقال اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة قالت وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية قالت فرقأ كلمه وبعث الله الريح على المشركين وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ورجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد قالت فجاء جبريل وان على ثناياه لنقع الغبار فقال أقد وضعت السلاح لا والله ما وضعت الملائكة السلاح بعد أخرج الى بني قريظة فقاتلهم قالت فلبس رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا فمر على بني غنم وهم جيران المسجد حوله فقال من مر بكم قالوا مر بنا دحية الكلبي وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه (4/123)
جبريل عليه السلام فأتاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستشاروا ابا لبابة بن عبد المنذر فأشار اليهم أنه الذبح قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم انزلوا على حكم سعد بن معاذ فأتي به على حمار عليه اكاف من ليف قد حمل عليه وحف به قومه فقالوا يا ابا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت قالت ولا يرجع اليهم شيئا ولا يلتفت اليهم حتى اذا دنا من دورهم التفت الى قومه فقال قد آن لي أن لا ابالي في الله لومة لائم قالت قال أبو سعيد فلما طلع قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قوموا الى سيدكم فانزلوه قال عمر سيدنا الله قال انزلوه فانزلوه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أحكم فيهم فقال سعد فاني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله ثم دعا سعد فقال اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فأبقني لها وان كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني اليك قالت فانفجر كلمه وكان قد برئ حتى لا يرى منه الا مثل الخرص ورجع الى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت عائشة فحضره رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر قالت فوالذي نفس محمد بيده اني لاعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله رحماء بينهم قال علقمة فقلت يا أمة فكيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع قالت كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان اذا وجد فانما هو آخذ بلحيته وهذا الحديث إسناده جيد وله شواهد من وجوه كثيرة وفيه التصريح بدعاء سعد مرتين مرة قبل حكمه في بني قريظة ومرة بعد ذلك كما قلناه أولا ولله الحمد والمنة وسنذكر كيفية وفاته ودفنه وفضله في ذلك رضي الله عنه وأرضاه بعد فراغنا من القصة قال ابن اسحاق ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار قلت هي نسيبة ابنة الحارث بن كرز بن حبيب بن عبد شمس وكانت تحت مسيلمة الكذاب ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز ثم خرج صلى الله عليه و سلم الى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم بعث اليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق فخرج بهم اليه ارسالا وفيهم عدو الله حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول كانوا ما بين الثمانمائة والتسعمائة قلت وقد تقدم فيما رواه الليث عن أبى الزبير عن أنهم كانوا أربعمائة فالله أعلم قال ابن اسحاق وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ارسالا يا كعب ما تراه يصنع بنا قال افي كل موطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع ومن ذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم وأتى بحيي بن أخطب وعليه حلة له فقاحية قد شقها (4/124)
عليه من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه الى عنقه بحبل فلما نظر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم اقبل على الناس فقال أيها الناس انه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني اسرائيل ثم جلس فضربت عنقه فقال جبل بن جوال الثعلبي ... لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكنه من يخذل الله يخذل ... لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها ... وقلقل يبغي العز كل مقلقل ...
وذكر ابن اسحاق قصة الزبير بن باطا وكان شيخا كبيرا قد عمي وكان قد من يوم بعاث على ثابت بن قيس بن شماس وجز ناصيته فلما كان هذا اليوم أراد أن يكافئه فجاءه فقال هل تعرفني يا أبا عبد الرحمن قال وهل يجهل مثلي مثلك فقال له ثابت أريد أن أكافئك فقال ان الكريم يجزي الكريم فذهب ثابت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستطلقه فأطلقه له ثم جاءه فأخبره فقال شيخ كبير لا أهل ولا ولد فما يصنع بالحياة فذهب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستطلق له امرأته وولده فأطلقهم له ثم جاءه فقال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستطلق مال الزبير بن باطا فأطلقه له ثم جاءه فأخبره فقال له يا ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى حي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادى حي بن أخطب قال قتل قال قال فما فعل مقدمتنا اذا شددنا وحاميتنا اذا فررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال ذهبوا قتلوا قال فاني اسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله فيلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضربت عنقه فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله ألقى الاحبة قال يلقاهم والله في نار جهنم خالدا فيها مخلدا قال ابن اسحاق فيلة بالفاء والياء الثمناة من أسفل وقال ابن هشام بالقاف والباء الموحدة وقال ابن هشام الناضح البعير الذي يستقي عليه الماء لسقي النخل وقال أبو عبيدة معناه افراغة دلو
قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر كل بقتل من انبت منهم فحدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من انبت منهم وكنت غلاما فوجدوني لم أنبت فخلوا سبيلي ورواه أهل السنن الاربعة من حديث عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي نحوه وقد استدل به من ذهب من العلماء الى أن انبات الشعر الخشن حول الفرج دليل على البلوغ بل هو بلوغ في أصح قولي الشافعي ومن العلماء من يقرن بين ضبيان أهل اللغة يكون بلوغا في حقهم دون غيرهم لان المسلم قد يتأذى بذلك (4/125)
لمقصد وقد روى اسحاق عن أيوب بن عبد الرحمن أن سلمى بنت قيس أم المنذر استطلقت من رسول الله صلى الله عليه و سلم رفاعة بن شموال وكان قد بلغ فلاذ بها وكان يعرفهم قبل ذلك فأطلقه لها وكانت قالت يا رسول الله ان رفاعة يزعم أه سيصلى ويأكل لحمل الجمل فأجابها الى ذلك فأطلقه قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت والله انها لعندي تحدث معي تضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قالت قلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت لحدث أحدثته قالت فانطلق بها فضربت عنقها وكانت عائشة تقول فوالله ما أنسى عجبا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت انها تقتل وهكذا رواه الامام احمد عن يعقوب بن ابراهيم عن أبيه عن محمد بن اسحاق به قال ابن اسحاق هي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته يعني فقتلها رسول الله صلى الله عليه و سلم به قال ابن اسحاق في موضع آخر وسماها نباتة امرأة الحكم القرظي قال ابن اسحاق ثم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين بعد ما أخرج الخمس وقسم للفارس ثلاثة أسهم سهمين للفرس وسهما لراكبه وسهما للراجل وكانت الخيل يومئذ ستا وثلاثين قال وكان أول فيء وقعت فيه السهمان وخمس قال ابن اسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سعيد بن زيد بسبايا من بني قريظة الى نجد فابتاع بها خيلا وسلاحا وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد اصطفى من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة احدى نساء بني عمرو بن قريظة وكان عليها حتى توفي عنها وهي في ملكه وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عرض عليها الاسلام فامتنعت ثم اسلمت بعد ذلك فسر رسول الله صلى الله عليه و سلم باسلامها وقد عرض عليها أن يعتقها ويتزوجها فاختارت أن تستمر على الرق ليكون أسهل عليها فلم تزل عنده حتى توفي عليه الصلاة و السلام ثم تكلم ابن اسحاق على ما نزل من الآيات في قصة الخندق من أول سورة الاحزاب وقد ذكرنا ذلك مستقصى في تفسيرها ولله الحمد والمنة وقد قال ابن اسحاق واستشهد من المسلمين يوم بني قريظة خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو الخزرجي طرحت عليه رحا فشدخته شدخا شديدا فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن له لأجر شهيدين قلت كان الذى ألقى عليه الرحى تلك المرأة التي لم يقتل من بني قريظة امرأة غيرها كما تقدم والله أعلم قال ابن اسحاق ومات أبو سنان بن محصن بن حرثان من بني أسد بن خزيمة ورسول الله صلى الله عليه و سلم محاصر بني قريظة فدفن في مقبرتهم اليوم
وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه
قد تقدم أن حبان بن العرقة لعنه الله رماه بسهم فأصاب أكحله فحسمه رسول الله صلى الله عليه و سلم كيا بالنار فاستمسك الجرح وكان سعد قد دعا الله أن لا يميته حتى يقر عينه من بني قريظة (4/126)
وذلك حين نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم من العهود والمواثيق والذمام ومالوا عليه مع الاحزاب فلما ذهب الاحزاب وانقشعوا عن المدينة وباءت بنو قريظة بسواد الوجه والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة وسار اليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ليحاصرهم كما تقدم فلما ضيق عليهم وأخذهم من كل جانب أنابوا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيحكم فيهم بما أراد الله فرد الحكم فيهم الى رئيس الأوس وكانوا حلفاءهم في الجاهلية وهو سعد بن معاذ فرضوا بذلك ويقال بل نزلوا ابتداء على حكم سعد لما يرجون من حنوه عليهم واحسانه وميله اليهم ولم يعلموا بأنهم أبغض اليه من أعدادهم من القردة والخنازير لشدة ايمانه وصديقيته رضي الله عنه وأرضاه فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان في خيمة في المسجد النبوي فجيء به على حمار تحته اكاف قد وطئ تحته لمرضه ولما قارب خيمة الرسول صلى الله عليه و سلم أمر عليه السلام من هناك بالقيام له قيل لينزل من شدة مرضه وقيل توقيرا له بحضرة المحكوم عليهم ليكون أبلغ في نفوذ حكمه والله أعلم فلما حكم فيهم بالقتل والسبي وأقر الله عينه وشفى صدره منهم وعاد الى خيمته من المسجد النبوي صحبه رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا الله عز و جل أن تكون له شهادة واختار الله له ما عنده فانفجر جرحه من الليل فلم يزل يخرج منه الدم حتى مات رضي الله عنه قال ابن اسحاق فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر بسعد بن معاذ جرحه فمات منه شهيدا حدثني معاذ بن رفاهة الزرقي قال حدثني من شئت من رجال قومي أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قبض سعد بن معاذ من جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال يا محمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش قال فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم سريعا يجر ثوبه الى سعد فوجده قد مات رضي الله عنه هكذا ذكره ابن اسحاق رحمه الله وقد قال الحافظ البيهقي في الدلائل حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبي وشعيب بن الليث قالا حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبد الله قال جاء جبريل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من هذا العبد الصالح الذي مات فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش قال فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا سعد بن معاذ قال فجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم على قبره وهو يدفن فبينما هو جالس اذ قال سبحان الله مرتين فسبح القوم ثم قال الله أكبر الله أكبر فكبر القوم ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عجبت لهذا العبد الصالح شدد عليه في قبره حتى كان هذا حين فرج له
وروى الامام احمد والنسائي من طريق يزيد بن عبد الله بن اسامة بن الهاد ويحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لسعد يوم مات وهو يدفن سبحان الله لهذا (4/127)
الصالح الذي تحرك له عرش الرحمن وفتحت له أبواب السماء شدد عليه ثم فرج الله عنه وقال محمد بن اسحاق حدثني معاذ بن رفاعة عن محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح عن جابر بن عبد الله قال لما دفن سعد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سبح رسول الله صلى الله عليه و سلم فسبح الناس معه ثم كبر فكبر الناس معه فقالوا يا رسول الله مم سبحت قال لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرج الله عنه وهكذا رواه الامام احمد عن يعقوب بن ابراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن اسحاق به قال ابن هشام ومجاز هذا الحديث قول عائشة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان للقبر ضمة لو كان أحد منها ناجيا لكان سعد بن معاذ قلت وهذا الحديث قد رواه الامام احمد حدثنا يحيى عن شعبة عن سعد ابن ابراهيم عن نافع عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ان للقبر ضغطة ولو كان أحد ناجيا منها لنجا سعد بن معاذ وهذا الحديث سنده على شرط الصحيحين إلا أن الامام احمد رواه عن غندر عن شعبة عن سعد بن ابراهيم عن انسان عن عائشة به ورواه الحافظ البزار عن نافع عن ابن عمر قال حدثنا عبد الاعلى بن حماد حدثنا داود عن عبد الرحمن حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد هبط يوم مات سعد بن معاذ سبعون ألف ملك الى الارض لم يهبطوا قبل ذلك ولقد ضمه القبر ضمة ثم بكى نافع وهذا اسناد جيد لكن قال البزار رواه غيره عن عبيد الله عن نافع مرسلا ثم رواه البزار عن سليمان بن سيف عن أبي عتاب عن سكين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد نزل لموت سعد ابن معاذ سبعون ألف ملك ما وطئوا الارض قبلها وقال حين دفن سبحان الله لو انفلت أحد من ضغطة القبر لانفلت منها سعد وقال البزار حدثنا اسماعيل بن حفص عن محمد بن فضيل حدثنا عطاء ابن السائب عن مجاهد عن ابن عمر قال اهتز العرش لحب لقاء الله سعد بن معاذ فقيل انما يعني السرير ورفع أبويه على العرش قال تفتحت أعواده قال ودخل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبره فاحتبس فلما خرج قيل له يا رسول الله ما حبسك قال ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله فكشف عنه قال البزار تفرد به عطاء بن السائب قلت وهو متكلم فيه وقد ذكر البيهقي رحمه الله بعد روايته ضمة سعد رضي الله عنه في القبر أثرا غريبا فقال حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا أحمد ابن عبد الجبار حدثنا يونس عن ابن اسحاق حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا فقالوا ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن ذلك فقال كان يقصر في بعض الطهور من البول وقال البخاري حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الفضل بن مساور حدثنا أبو معاوية عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول اهتز العرش لموت سعد بن معاذ وعن الاعمش حدثنا أبو صالح عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله فقال رجل فإن البراء بن عازب يقول اهتز السرير انه كان بين هذين الحيين ضغائن سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول (4/128)
اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ورواه مسلم عن عمرو الناقد عن عبد الله بن ادريس وابن ماجه عن علي بن محمد عن أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به وليس عندهما زيادة قول الاعمش عن أبي صالح عن جابر وقال احمد حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم اهتز لها عرش الرحمن ورواه مسلم عن عبد بن حميد والترمذي عن محمود بن غيلان كلاهما عن عبد الرزاق به وقال الامام احمد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عوف حدثنا أبو نضرة سمعت أبا سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ورواه النسائي عن يعقوب بن ابراهيم عن يحيى به وقال احمد حدثنا عبد الوهاب عن سعيد قال قتادة حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وجنازته موضوعة اهتز لها عرش الرحمن ورواه مسلم عن محمد بن عبد الله الازدي عن عبد الوهاب به وقد روى البيهقي من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن البصري قال اهتز عرش الرحمن فرحا بروحه وقال الحافظ البزار حدثنا زهير بن محمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن أنس قال لما حملت جنازة سعد قال المنافقون ما أخف جنازته وذلك لحكمه في بني قريظة فسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا ولكن الملائكة تحملته اسناد جيد وقال البخاري حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي اسحاق سمعت البراء بن عازب يقول أهديت للنبي صلى الله عليه و سلم حلة حرير فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها فقال أتعجبون من لين هذه لمناديل سعد بن معاذ خير منها أو الين ثم قال رواه قتادة والزهري سمعنا أنسا عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال احمد حدثنا عبد الوهاب عن سعيد هو ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أكيدر دومة أهدى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم جبة وذلك قبل أن ينهى عن الحرير فلبسها فعجب الناس منها فقال والذي نفسي بيده لمناديل سعد في الجنة أحسن من هذه وهذا اسناد على شرط الشيخين ولم يخرجوه وانما ذكره البخاري تعليقا وقال احمد حدثنا يزيد حدثنا محمد بن عمرو حدثني واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال محمد وكان واقد من أحسن الناس وأعظمهم وأطولهم قال دخلت على أنس بن مالك فقال لي من أنت قلت أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ فقال انك بسعد لشبيه ثم بكى وأكثر البكاء وقال رحمة الله على سعد كان من أعظم الناس وأطولهم ثم قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشا الى اكيدر دومة فأرسل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم بجبة من ديباج منسوج فيها الذهب فلبسها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام على المنبر وجلس فلم يتكلم ثم نزل فجعل الناس يلمسون الجبة وينظرون اليها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتعجبون منها لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن مما ترون وهكذا رواه الترمذي والنسائي من حديث محمد بن عمرو به وقال الترمذي حسن صحيح قال ابن اسحاق بعد ذكر اهتزاز العرش لموت سعد (4/129)
ابن معاذ وفي ذلك يقول رجل من الانصار ... وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو ...
قال وقالت أمه يعني كبيشسة بنت رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة الخدرية الخزرجية حين احتمل سعد على نعشه تندبه ... ويل أم سعد سعدا ... صرامة وحدا ... وسؤددا ومجدا ... وفارسا معدا ... سد به مسدا ... يقدها ما قدا ...
قال يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ قلت كانت وفاته بعد انصراف الاحزاب بنحو من خمس وعشرين ليلة اذ كان قدوم الاحزاب في شوال سنة خمس كما تقدم فاقاموا قريبا من شهر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لحصار بني قريظة فاقام عليهم خمسا وعشرين ليلة ثم نزلوا على حكم سعد فمات بعد حكمه عليهم بقليل فيكون ذلك في أواخر ذي القعدة أو أوائل ذى الحجة من سنة الحجة من سنة خمس والله أعلم وهكذا قال محمد بن اسحاق أن فتح بنى قريظة كان في ذى القعدة وصدر ذي الحجة قال وولى تلك الحجة المشركون قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت يرثي سعد بن معاذ رضي الله عنه ... لقد سجمت من دمع عيني عبرة ... وحق لعيني أن تفيض على سعد ... قتيل ثوى في معرك فجعت به ... عيون ذواري الدمع دائمة الوجد ... على ملة الرحمن وارث جنة ... مع الشهداء وفدها أكرم الوفد ... فإن تك قد وعدتنا وتركتنا ... وأمسيت في غبراء مظلمة اللحد ... فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد ... كريم وأثواب المكارم والمجد ... بحكمك في حيي قريظة بالذي ... قضى الله فيهم ما قضيت على عمد ... فوافق حكم الله حكمك فيهم ... ولم تعف اذ ذكرت ما كان من عهد ... فإن كان ريب الدهر أمضاك في الالي ... شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد ... فنعم مصير الصادقين اذا دعوا ... الى الله يوما للوجاهة والقصد (4/130)
فصل الأشعار في الخندق وبني قريظة
قال البخاري حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة حدثنا عدي بن ثابت أنه سمع البراء ابن عازب قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لحسان اهجهم أو هاجهم وجبريل معك قال البخاري وزاد ابراهيم بن طهمان عن الشيباني عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال قال النبي صلى الله عليه و سلم يوم قريظة لحسان بن ثابت أهج المشركين فإن جبريل معك وقد رواه البخاري أيضا ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة بدون الزيادة التي ذكرها البخاري يوم بني قريظة قال ابن اسحاق رحمه الله وقال ضرار بن الخطاب بن مرداس أخو بني محارب بن فهر في يوم الخندق ( قلت وذلك قبل اسلامه ) ... ومشفقة تظن بنا الظنونا ... وقد قدنا عرندسة طحونا ... كأن زهاءها أحد اذا ما ... بدت أركانه للناظرينا ... ترى الابدان فيها مسبغات ... على الابطال واليلب الحصينا ... وجردا كالقداح مسومات ... نؤم بها الغواة الخاطئينا ... كأنهم اذا صالوا وصلنا ... بباب الخندقين مصافحونا ... أناس لا نرى فيهم رشيدا ... وقد قالوا ألسنا راشدينا ... فأحجرناهم شهرا كريتا ... وكنا فوقهم كالقاهرينا ... نراوحهم ونغدو كل يوم ... عليهم في السلاح مدججينا ... بأيدينا صوارم مرهفات ... نقد بها المفارق والشئونا ... كأن وميضهن معريات ... اذا لاحت بأيدي مصلتينا ... وميض عقيقة لمعت بليل ... ترى فيها العقائق مستبينا ... فلولا خندق كانوا لديه ... لدمرنا عليهم أجمعينا ... ولكن حال دونهم وكانوا ... به من خوفنا متعوذينا ... فإن نرحل فإنا قد تركنا ... لدى أبياتكم سعدا رهينا ... اذا جن الظلام سمعت نوحا ... على سعد يرجعن الحنينا ... وسوف نزوركم عما قريب ... كما زرناكم متوازرينا ... بجمع من كنانة غير عزل ... كأسد الغاب اذ حمت العرينا (4/131)
قال فأجابه كعب بن مالك أخو بني سلمة رضي الله عنه فقال ... وسائلة تسائل ما لقينا ... ولو شهدت رأتنا صابرينا ... صبرنا لا نرى لله عدلا ... على ما نابنا متوكلينا ... وكان لنا النبي وزير صدق ... به نعلو البرية أجمعينا ... نقاتل معشرا ظلموا وعقوا ... وكانوا بالعداوة مرصدينا ... نعالجهم اذا نهضوا الينا ... بضرب يعجل المتسرعينا ... ترانا في فضافض سابغات ... كغدران الملا متسربلينا ... وفي أيماننا بيض خفاف ... بها نشفي مراح الشاغبينا ... بباب الخندقين كأن أسدا ... شوابكهن يحمين العرينا ... فوارسنا اذا بكروا وراحوا ... على الاعداء شوسا معلمينا ... لننصر أحمدا والله حتى ... نكون عباد صدق مخلصينا ... ويعلم أهل مكة حين ساروا ... وأحزاب أتوا متحزبينا ... بأن الله ليس له شريك ... وأن الله مولى المؤمنينا ... فأما تقتلوا سعدا 8 سفاها ... فان الله خير القادرينا ... سيدخله جنانا طيبات ... تكون مقامة للصالحينا ... كما قد ردكم فلا شريدا ... بغيظكم خزايا خائبينا ... خزايا لم تنالوا ثم خيرا ... وكدتم أن تكونوا دامرينا ... بريح عاصف هبت عليكم ... فكنتم تحتها متكمهينا ...
قال ابن اسحاق وقال عبد الله بن الزبعري السهمي في يوم الخندق ( قلت وذلك قبل أن يسلم ) ... حي الديار محا معارف رسمها ... طول البلى وتراوح الاحقاب ... فكأنما كتب اليهود رسومها ... الا الكنيف ومعقد الاطناب ... قفرا كأنك لم تكن تلهو بها ... في نعمة بأوانس أتراب ... فاترك تذكر ما مضى من عيشة ... ومحلة خلق المقام يباب ... واذكر بلاء معاشر واشكرهم ... ساروا بأجمعهم من الأنصاب ... أنصاب مكة عامدين ليثرب ... في ذي غياطل جحفل جبجاب ... يدع الحزون مناهجا معلومة ... في كل نشز ظاهر وشعاب ... فيها الجياد شوازب مجنوبة ... قب البطون لواحق الاقراب (4/132)
من كل سلهبة وأجرد سلهب ... كالسيد بادر غفلة الرقاب ... جيش عيينة قاصد بلوائه ... فيه وصخر قائد الاحزاب ... قرمان كالبدرين أصبح فيهما ... غيث الفقير ومعقل الهراب ... حتى اذا وردوا المدينة وارتدوا ... للموت كل مجرب قضاب ... شهرا وعشرا قاهرين محمدا ... وصحابه في الحرب خير صحاب ... نادوا برحلتهم صبيحة قلتم ... كدنا نكون بها مع الخياب ... لولا الخنادق غادروا من جمعهم ... قتلى لطير سغب وذئاب ...
قال فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه فقال ... هل رسم دراسة المقام يباب ... متكلم لمحاور بجواب ... قفر عفا رهم السحاب رسومه ... وهبوب كل مطلة مرباب ... ولقد رأيت بها الحلول يزينهم ... بيض الوجوه ثواقب الاحساب ... فدع الديار وذكر كل خريدة ... بيضاء آنسة الحديث كعاب ... واشك الهموم الى الإله وما ترى ... من معشر ظلموا الرسول غضاب ... ساروا بأجمعهم اليه وألبوا ... أهل القرى وبوادي الأعراب ... جيش عيينة وابن حرب فيهم ... متخمطون بحلبة الاحزاب ... حتى اذا وردوا المدينة وارتجوا ... قتل الرسول ومغنم الاسلاب ... وغدوا علينا قادرين بأيدهم ... ردوا بغيظهم على الأعقاب ... بهبوب معصفة تفرق جمعهم ... وجنود ربك سيد الأرباب ... فكفى الاله المؤمنين قتالهم ... وأثابهم في الأجر خير ثواب ... من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم ... تنزيل نصر مليكنا الوهاب ... وأقر عين محمد وصحابه ... وأذل كل مكذب مرتاب ... عاتي الفؤاد موقع ذي ريبة ... في الكفر ليس بطاهر الاثواب ... علق الشقاء بقلبه ففؤاده ... في الكفر خر هذه الأحقاب ...
قال وأجابه كعب بن مالك رضي الله عنه أيضا فقال ... أبقى لنا حدث الحروب بقية ... من خير نحلة ربنا الوهاب ... بيضاء مشرفة الذرى ومعاطنا ... حم الجذوع غزيرة الاحلاب ... كاللوب يبذل جمها وحفيلها ... للجار وابن العم والمنتاب (4/133)
ونزائعا مثل السراج نمى بها ... علف الشعير وجزة المقضاب ... عرى الشوى منها وأردف نحضها ... جرد المنون وسائر الآراب ... قودا تراح الى الصباح اذا غدت ... فعل الضراء تراح للكلاب ... وتحوط سائمة الديار وتارة ... تردي العدى وتئوب بالاسلاب ... حوش الوحوش مطارة عند الوغى ... عبس اللقاء مبينة الانجاب ... علفت على دعة فصارت بدنا ... دخس البضيع خفيفة الأقصاب ... يغدرون بالزغف المضاعف شكه ... وبمترصات في الثقاف صياب ... وصوارم نزع الصياقل علبها ... وبكل أروع ماجد الانساب ... يصل اليمين بمارن متقارب ... وكلت وقيعته الى خباب ... وأغر أزرق في القناة كأنه ... في طيخة الظلماء ضوء شهاب ... وكتيبة ينفي القران قتيرها ... وترد حد قواحز النشاب ... جأوى ململمة كأن رماحها ... في كل مجمعة صريمة غاب ... تأوي الى ظل اللواء كأنه ... في صعدة الخطى فيء عقاب ... أعيت أبا كرب وأعيت تبعا ... وأبت بسالتها على الأعراب ... ومواعظ من ربنا نهدي بها ... بلسان أزهر طيب الاثواب ... عرضت علينا فاشتهينا ذكرها ... من بعد ما عرضت على الاحزاب ... حكما يراها المجرمون بزعمهم ... حرجا ويفهمها ذوو الألباب ... جاءت سخينة كي تغالب ربها ... فليغلبن مغالب الغلاب ...
قال ابن هشام حدثني من اثق به حدثني عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له لما سمع منه هذا البيت لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا قلت ومراده بسخينة قريش وانما كانت العرب تسميهم بذلك لكثرة أكلهم الطعام السخن الذي لا يتهيأ لغيرهم غالبا من أهل البوادي فالله أعلم قال ابن اسحاق وقال كعب بن مالك أيضا ... من سره ضرب يمعمع بعضه ... بعضا كمعمعة الإناء المحرق ... فليأت مأسدة تسن سيوفها ... بين الذاد وبين جذع الخندق ... دربوا بضرب المعلمين وأسلموا ... مهجات أنفسهم لرب المشرق ... في عصبة نصر الإله نبيه ... بهم وكان بعبده ذا مرفق ... في كل سابغة تخط فضولها ... كالنهي هبت ريحه المترقرق (4/134)
بيضاء محكمة كأن قتيرها ... حدق الجنادب ذات شك موثق ... جدلاء يحفرها نجاد مهند ... صافي الحديدة صارم ذي رونق ... تلكم مع التقوى تكون لباسنا ... يوم الهياج وكل ساعة مصدق ... نصل السيوف اذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها اذا لم تلحق ... فترى الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق ... نلقى العدو بفخمة ملمومة ... تنفي الجموع كقصد رأس المشرق ... ونعد للاعداء كل مقلص ... ورد ومحجول القوائم أبلق ... تردى بفرسان كأن كماتهم ... عند الهياج أسود طل ملتق ... صدق يعاطون الكماة حتوفهم ... تحت العماية بالوشيج المزهق ... أمر الإله بربطها لعدوه ... في الحرب ان الله خير موفق ... لتكون غيظا للعدو وحيطا ... للدار إن دلفت خيول النزق ... ويعيننا الله العزيز بقوة ... منه وصدق الصبر ساعة نلتقي ... ونطيع أمر نبينا ونجيبه ... واذا دعا لكريهة لم نسبق ... ومتى ينادى للشدائد ناتها ... ومتى نرى الحومات فيها نعتق ... من يتبع قول النبي فإنه ... فينا مطاع الأمر حق مصدق ... فبذاك ينصرنا ويظهر عزنا ... ويصيبنا من نيل ذاك بمرفق ... إن الذين يكذبون محمدا ... كفروا وضلوا عن سبيل المتقي ...
قال ابن اسحاق وقال كعب بن مالك أيضا ... لقد علم الأحزاب حين تالبوا ... علينا وراموا ديننا ما نوادع ... أضاميم من قيس بن غيلان أصفقت ... وخندف لم يدروا بما هو واقع ... يذودوننا عن ديننا ونذودهم ... عن الكفر والرحمن راء وسامع ... اذا غايظونا في مقام أعاننا ... على غيظهم نصر من الله واسع ... وذلك حفظ الله فينا وفضله ... علينا ومن لم يحفظ الله ضائع ... هدانا لدين الحق واختاره لنا ... ولله فوق الصانيعن صانع ...
قال ابن هاشم وهذه الأبيات في قصيدة له يعني طويلة قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت في مقتل بني قريظة ... لقد لقيت قريظة ما ساءها ... وما وجدت لذل من نصير (4/135)
أصابهم بلاء كان فيه ... سوى ما قد أصاب بني النضير ... غداة أتاهم يهوي اليهم ... رسول الله كالقمر المنير ... له خيل مجنبة تغادي ... بفرسان عليها كالصقور ... تركناهم وما ظفروا بشيء ... دماؤهم عليها كالعبير ... فهم صرعى تحوم الطير فيهم ... كذاك يدان ذو العند الفجور ... فأنذر مثلها نصحا قريشا ... من الرحمن إن قبلت نذيري ...
قال وقال حسان بن ثابت أيضا في بني قريظة ... تعاقد معشر نصروا قريشا ... وليس لهم ببلدتهم نصير ... هم أوتوا الكتاب فضيعوه ... وهم عمي من التوراة بور ... كفرتم بالقرآن وقد أتيتم ... بتصديق الذي قال النذير ... فهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير ...
فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فقال ... ادام الله ذلك من صنيع ... وحرق في طائفها السعير ... ستعلم اينا منها بنزه ... وتعلم أي أرضينا تضير ... فلو كان النخيل بها ركابا ... لقالوا لا مقام لكم فسيروا ...
قلت وهذا قاله أبو سفيان بن الحارث قبل أن يسلم وقد تقدم في صحيح البخاري بعض هذه الابيات وذكر ابن اسحاق جواب حسان في ذلك لجبل بن جوال الثعلبي تركناه قصدا قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي سعدا وجماعة ممن استشهد يوم بني قريظة ... ألا يا لقومي هل لما حم دافع ... وهل ما مضى من صالح العيش راجع ... تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت ... بنات الحشا وانهل مني المدامع ... صبابة وجد ذكرتني إخوة ... وقتلى مضى فيها طفيل ورافع ... وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت ... منازلهم فالأرض منهم بلاقع ... وفوا يوم بدر للرسول وفوقهم ... ظلال المنايا والسيوف اللوامع ... دعا فأجابوه بحق وكلهم ... مطيع له في كل أمر وسامع ... فما نكلوا حتى توالوا جماعة ... ولا يقطع الآجال الا المصارع ... لأنهم يرجون منه شفاعة ... اذا لم يكن إلا النبيون شافع ... فذلك يا خير العباد بلاؤنا ... إجابتنا لله والموت ناقع (4/136)
لنا القدم الاولى اليك وخلفنا ... لأولنا في ملة الله تابع ... ونعلم أن الملك لله وحده ... وان قضاء الله لا بد واقع ...
مقتل أبي رافع اليهودي
قال ابن اسحاق ولما انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة وكان سلام بن أبي الحقيق وهو أبو رافع فيمن حزب الاحزاب على رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت الاوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الاشرف فاستأذن الخزرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في قتل سلام بن أبي الحقيق وهو بخيبر فأذن لهم قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن مسلم الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال وكان مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه و سلم أن هذين الحيين من الانصار الأوس والخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم تصاول الفحلين لا تصنع الاوس شيئا فيه غناء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الا وقالت الخزرج والله لا يذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها واذا فعلت الخزرج شيئا قالت الاوس مثل ذلك قال ولما أصابت الاوس كعب بن الاشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه و سلم قالت الخزرج والله لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا قال فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه و سلم في العداوة كابن الاشرف فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر فاستأذنوا الرسول صلى الله عليه و سلم في قتله فأذن لهم فخرج من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة الحارث ابن ربعي وخزاعي بن اسود حليف لهم من اسلم فخرجوا وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن عتيك ونهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة فخرجوا حتى اذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا فلم يدعوا بيتا في الدار حتى أغلقوه على أهله قال وكان في علية له اليها عجلة قال فأسندوا اليها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا فخرجت اليهم امرأته فقالت من أنتم قالوا أناس من العرب نلتمس الميرة قالت ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليه الحجرة تخوفا أن يكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه قال فصاحت امرأته فنوهت بنا فابتدرناه وهو على فراشه باسيافنا فوالله ما يدلنا عليه في سواد الله إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة قال فلما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل قال فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول قطني قطني أي حسبي حسبي قال وخرجنا وكان عبد الله بن عتيك سيء البصر قال فوقع من الدرجة فوثبت يده وثبا شديدا وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم فندخل فيه فاوقدوا النيران واشتدوا (4/137)
في كل وجه يطلبونا حتى اذا يئسوا رجعوا اليه فاكتنفوه وهو يقضي قال فقلنا كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات قال فقال رجل منا أنا أذهب فأنظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس قال فوجدتها يعني امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول
أما والله قد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي وقلت أنى ابن عتيك بهذه البلاد ثم اقبلت عليه تنظر في وجهه فقالت فاظ واله يهود فما سمعت كلمة كانت ألذ على نفسي منها قال ثم جاءنا فأخبرنا فاحتملنا صاحبنا وقدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرناه بقتل عدو الله واختلفنا عنده في قتله كلنا يدعيه قال فقال هاتوا أسيافكم فجئنا بها فنظر اليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر الطعام قال ابن اسحاق فقال حسان بن ثابت في ذلك
... لله در عصابة لاقيتهم ... يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف ... يسرون بالبيض الخفاف اليكم ... مرحا كأسد في عرين مغرف ... حتى أتوكم في محل بلادكم ... فسقوكم حتفا يبيض ذفف ... مستبصرين لنصر دين نبيهم ... مستصغرين لكل أمر مجحف ...
هكذا أورد هذه القصة الامام محمد بن اسحاق رحمه الله وقد قال الامام أبو عبد الله البخاري حدثنا اسحاق بن نصر حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال بعث النبي صلى الله عليه و سلم رهطا الى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا وهو نائم فقتله قال البخاري حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبد الله بن موسى عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أبي رافع اليهودي رجالا من الانصار وأمر عليهم عبد الله بن عتيك وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم ويعين عليه وكان في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله اجلسوا مكانكم فإني منطلق متلطف للبواب لعلي أن أدخل فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته وقد دخل الناس فهتف به البواب يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل فاني أريد أن أغلق الباب فدخلت فكمنت فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الأغاليق على ود قال فقمت الى الاقاليد وأخذتها وفتحت الباب وكان أبو رافع يسمر عنده وكان في علالي له فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت اليه فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل فقلت ان القوم سدروا لي لم يخلصوا إلي حتى أقتله فانتهيت اليه فاذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري أين هو من البيت قلت أبا رافع قال من هذا فأهويت نحو الصوت فأضربه بالسيف ضربة وأنا دهش فما أغنيت شيئا وصاح فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ثم دخلت اليه فقلت ما هذا الصوت (4/138)
يا أبا رافع فقال لأمك الويل ان رجلا في البيت قتل بالسيف قال فأضربه ضربة اثخنته ولم أقتله ثم وضعت صبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعرفت اني قتلته فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت الى درجة له فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة حتى انطلقت حتى جلست على الباب فقلت لا أخرج الليلة حتى أعلم اقتلته فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال أنعى أبا رافع ناصر أهل الحجاز فانطلقت الى أصحابي فقلت النجاء فقد قتل الله أبا رافع فانتهيت الى النبي صلى الله عليه و سلم فحدثته فقال ابسط رجلك فبسطت رجلي فمسحها فكأنما لم اشتكها قط قال البخاري حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الاودي حدثنا شريح حدثنا ابراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي اسحاق سمعت البراء قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في ناس معهم فانطلقوا حتى دنوا من الحصن فقال لهم عبد الله ابن عتيك امكثوا أنتم حتى أنطلق أنا فأنظر قال فتلطفت حتى أدخل الحصن ففقدوا حمارا لهم فخرجوا بقبس يطلبونه قال فخشيت أن أعرف قال فغطيت رأسى وجلست كأنى أقضى حاجة فقال من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه فدخلت ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا حتى ذهب ساعة من الليل ثم رجعوا الى بيوتهم فلما هدأت الاصوات ولا أسمع حركة خرجت قال ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة فأخذته ففتحت به باب الحصن قال قلت ان نذر بي القوم انطلقت على مهل ثم عمدت الى أبواب بيوتهم فغلقتها عليهم من ظاهر ثم صعدت الى أبي رافع في سلم فاذا البيت مظلم قد طفئ سراجه فلم أدر أين الرجل فقلت يا أبا رافع قال من هذا فعمدت نحو الصوت فاضربه وصاح فلم تغن شيئا قال ثم جئته كانى أغيثه فقلت مال يا أبار رافع وغيرت صوتى قال لا أعجبك لأمك الويل دخل علي رجل فضربني بالسيف قال فعمدت اليه أيضا فاضربه اخرى فلم تغن شيئا فصاح وقام أهله ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث فاذا هو مستلق على ظهره فاضع السيف في بطنه ثم انكفئ عليه حتى سمعت صوت العظم ثم خرجت دهشا حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فاسقط منه فانخلعت رجلي فعصبتها ثم اتيت أصحابي أحجل فقلت انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني لا أبرح حتى اسمع الناعية فلما كان وجه الصبح صعد الناعية فقال أنعى أبا رافع قال فقمت أمشي ما بي قلبه فادركت أصحابي قبل أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فبشرته تفرد به البخاري بهذه السياقات من بين أصحاب الكتب الستة ثم قال قال الزهري قال أبي بن كعب فقدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على المنبر فقال أفلحت الوجوه قال أفلح وجهك يا رسول الله قال أفتكتموه قالوا نعم قال ناولني السيف فسله فقال اجل هذا طعامه في ذباب السيف قلت يحتمل أن عبد الله بن عتيك (4/139)
لما سقط من تلك الدرجة انفكت قدمه وانكسرت ساقه ووثبت رجله فلما عصبها استكن ما به لما هو فيه من الامر الباهر ولما أراد المشي أعين على ذلك لما هو فيه من الجهاد النافع ثم لما وصل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم واستقرت نفسه ثاوره الوجع في رجله فلما بسط رجله ومسح رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب ما كان بها ما بأس في الماضي ولم يبق بها وجع يتوقع حصوله في المستقبل جمعا بين هذه الرواية والتي تقدمت والله أعلم هذا وقد ذكر موسى بن عقبة في مغازيه مثل سياق محمد بن اسحاق وسمى الجماعة الذين ذهبوا اليه كما ذكره ابن اسحاق وابراهيم وأبو عبيد
مقتل خالد بن سفيان الهذلي
ذكره الحافظ البيهقي في الدلائل تلو مقتل أبي رافع قال الامام احمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن اسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال انه قد بلغني ان خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني وهو بعرنة فائته فاقتله قال قلت يا رسول الله انعته لي حتى اعرفه قال اذا رأيته وجدت له قشعريرة قال فخرجت متوشحا سيفي حتى وقعت عليه وهو بعرنة مع ظعن يرتاد لهن منزلا وحين كان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله صلى الله عليه و سلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه مجاملة تشغلني عن الصلاة فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي للركوع والسجود فلما انتهيت اليه قال من الرجل قلت رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لذلك قال أجل أنا في ذلك قال فمشيت معه شيئا حتى اذا أمكنني حملت عليه السيف حتى قتلته ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فرآني قال أفلح الوجه قال قلت قتلته يا رسول الله قال صدقت قال ثم قام معي رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل في بيته فأعطاني عصا فقال امسك هذه عندك يا عبد الله بن انيس قال فخرجت بها على الناس فقالوا ما هذه العصا قال قلت أعطانيها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمرني ان أمسكها قالوا
أولا ترجع الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فتسأله عن ذلك قال فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا قال آية بيني وبينك يوم القيامة ان أقل الناس المنحصرون يومئذ قال فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه حتى اذا مات أمر بها فضمت في كفنه ثم دفنا جميعا ثم رواه الامام احمد عن يحيى بن آدم عن عبد الله بن ادريس عن محمد ابن اسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن بعض ولد عبد الله بن انيس أو قال عن عبد الله بن عبد الله بن أنيس عن عبد الله بن انيس فذكر نحوه وهكذا رواه أبو داود عن أبي معمر عن عبد الوارث عن محمد بن اسحاق عن محمد بن جعفر عن عبد الله بن انيس عن أبيه فذكر نحوه (4/140)
ورواه الحافظ البيهقي من طريق محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن انيس عن ابيه فذكره وقد ذكر قصة عروة بن الزبير وموسى بن عقبة في مغازيهما مرسلة فالله أعلم قال ابن هشام وقال عبد الله بن أنيس في قتله خالد بن سفيان ... تركت ابن ثور كالحوار وحوله ... نوائح تفري كل جيب معدد ... تناولته والظعن خلفي وخلفه ... بابيض من ماء الحديد المهند ... عجوم لهام الدارعين كأنه ... شهاب غضي من ملهب متوقد ... أقول له والسيف يعجم رأسه ... أنا ابن أنيس فارس غير فعدد ... أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره ... رحيب فناء الدار غير مزند ... وقلت له خذها بضربة ماجد ... خفيف على دين النبي محمد ... وكنت اذا هم النبي بكافر ... سبقت اليه باللسان وباليد ...
قلت عبد الله بن انيس بن حرام أبو يحيى الجهني صحابي مشهور كبير القدر كان فيمن شهد العقبة وشهد أحدا والخندق وما بعد ذلك وتأخر موته بالشام الى سنة ثمانين على المشهور وقيل توفي سنة أربع وخمسين والله أعلم وقد فرق علي بن الزبير وخليفة بن خياط بينه وبين عبد الله بن انيس أبي عيسى الانصاري الذي روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه دعا يوم أحد باداوة منها ماء فحل فمها وشرب منها كما رواه أبو داود والترمذي من طريق عبد الله العمري عن عيسى بن عبد الله بن انيس عن أبيه ثم قال الترمذي وليس اسناده يصح وعبد الله العمري ضعيف من قبل حفظه
قصة عمرو بن العاص مع النجاشي
قال محمد بن اسحاق بعد مقتل أبي رافع وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب بن اوس الثقفي عن حبيب بن اوس حدثني عمرو بن العاص من فيه قال لما انصرفنا يوم الاحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأيي ويسمعون مني فقلت لهم تعلمون والله أني ارى أمر محمد يعلو الامور علوا منكرا واني لقد رأيت أمرا فما ترون فيه قالوا وما رأيت قال رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده فان ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فانا ان نكن تحت يديه أحب الينا من أن نكون تحت يدي محمد وان ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير قالوا ان هذا لرأي قلت فاجمعوا لنا ما نهدي له فكان أحب ما يهدى اليه من أرضنا الادم فجمعنا له أدما كثيرا ثم خرجنا حتى قدمنا عليه فوالله انا لعنده إذ جاءه عمرو بن (4/141)
أمية الضمري وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد بعثه اليه في شأن جعفر وأصحابه قال فدخل عليه ثم خرج من عنده قال فقلت لاصحابي هذا عمرو بن أمية لو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه فاذا فعلت رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد قال فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع فقال مرحبا بصديقي هل أهديت لي من بلادك شيئا قال قلت نعم أيها الملك قد أهديت لك أدما كثيرا قال ثم قربته اليه فأعجبه واشتهاه ثم قلت له أيها الملك أني قد رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا فأعطنيه لاقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا قال فغضب ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت الارض لدخلت فيها فرقا ثم قلت أيها الملك والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه قال أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى فتقتله قال قلت أيها الملك أكذاك هو قال ويحك يا عمرو أطعني واتبعه فانه والله لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى بن عمران على فرعون وجنوده قال قلت أفتبايعني له على الاسلام قال نعم فبسط يده فبايعته على الاسلام ثم خرجت الى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه وكتمت أصحابي اسلامي ثم خرجت على عامدا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأسلم فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح وهو مقبل من مكة فقلت أين أبا سليمان فقال والله لقد استقام الميسم وانا الرجل لنبي أذهب والله أسلم فحتى متى قال قلت والله ما جئت الا لاسلم قال فقدمنا المدينة على النبي صلى الله عليه و سلم فتقدم خال بن الوليد فأسلم وبايع ثم دنوت فقلت يا رسول الله اني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما تأخر قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عمرو بايع فان الاسلام يجب ما كان قبله وان الهجرة تجب ما كان قبلها قال فبايعته ثم انصرفت قال ابن اسحاق وقد حدثني من لا أتهم ان عثمان بن طلحة بن أبي طلحة كان معهما أسلم حين أسلما فقال عبد الله بن أبي الزبعري السهمي ... أنشد عثمان بن طلحة خلفنا ... وملقى نعال القوم عند المقبل ... وما عقد الآباء من كل حلقة ... وما خالد من مثلها بمحلل ... أمفتاح بيت غير بيتك تبتغي ... وما تبتغي من بيت مجد مؤثل ... فلا تأمنن خالدا بعد هذه ... وعثمان جاءا بالدهيم المعضل ...
قلت كان اسلامهم بعد الحديبية وذلك ان خالد بن الوليد كان يومئذ في خيل المشركين كما سيأتي بيانه فكان ذكر هذا الفصل في اسلامهم بعد ذلك أنسب ولكن ذكرنا ذلك تبعا للامام محمد بن اسحاق رحمه الله تعالى لأن أول ذهاب عمرو بن العاص الى النجاشي كان بعد وقعة الخندق الظاهر انه ذهب بقية سنة خمس والله أعلم (4/142)
فصل في تزويج النبي صلى الله عليه و سلم بام حبيبة
ذكر البيهقي بعد وقعة الخندق من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة قال هو تزويج النبي صلى الله عليه و سلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان فصارت أم المؤمنين وصار معاوية خال المؤمنين ثم قال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا احمد بن نجدة حدثنا يحيى بن عبد الحميد أنبأنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة انها كانت عند عبد الله بن جحش وكان رحل الى النجاشي فمات وان رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج بأم حبيبة وهي بأرض الحبشة وزوجها اياه النجاشي ومهرها أربعة آلاف درهم وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة وجهزها من عنده وما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بشيء قال وكان مهور أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أربعمائة قلت والصحيح ان مهور أزواج النبي صلى الله عليه و سلم كانت ثنتى عشرة أوقية ونشا والوقية أربعون درهما والنش النصف وذلك يعدل خمسمائة درهم ثم روى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة ان عبيد الله بن جحش مات بالحبشة نصرانيا فخلف على زوجته ام حبيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم زوجها منه عثمان بن عفان رضي الله عنه
قلت أما تنصر عبيد الله بن جحش فقد تقدم بيانه وذلك على أثر ما هاجر مع المسلمين الى أرض الحبشة استزله الشيطان فزين له دين النصارى فصار اليه حتى مات عليه لعنه الله وكان يعير المسلمين فيقول لهم أبصرنا وصأصأتم وقد تقدم شرح ذلك في هجرة الحبشة وأما قول عروة ان عثمان زوجها منه فغريب لأن عثمان كان قد رجع الى مكة قبل ذلك ثم هاجر الى المدينة وصحبته زوجته رقية كما تقدم والله أعلم والصحيح ما ذكره يونس عن محمد بن اسحاق قال بلغني ان الذي ولي نكاحها ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص قلت وكان وكيل رسول الله صلى الله عليه و سلم في قبول العقد أصحمة النجاشي ملك الحبشة كما قال يونس عن محمد بن اسحاق حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن أمية الضمري الى النجاشي فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وساق عنه أربعمائة دينار
وقال الزبير بن بكار حدثني محمد بن الحسن عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن زهير عن اسماعيل بن عمرو أن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي جارية يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ووهنه فاستأذنت علي فأذنت لها فقالت ان الملك يقول له ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلي أن أزوجكه فقلت بشرك الله بالخير وقالت يقول لك (4/143)
الملك وكلي من يزوجك قالت فأرسلت الى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطيت أبرهة سوارين من فضة وخذمتين من فضة كانتا علي وخواتيم من فضة في كل أصابع رجلي سرورا بما بشرتني به فلما أن كان من العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن كان هناك من المسلمين أن يحضروا وخطب النجاشي وقال الحمد لله الملك القدوس المؤمن العزيز الجبار وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم طلب أن أزوجه ام حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أصدقها أربعمائة دينار ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال الحمد لله أحمده واستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه و سلم ودفع النجاشي الدنانير الى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال اجلسوا فان من سنة الانبياء اذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا قلت فلعل عمرو بن العاص لما رأى عمرو بن أمية خارجا من عند النجاشي بعد الخندق انما كان في قضية أم حبيبة فالله أعلم لكن قال الحافظ البيهقي ذكر أبو عبد الله ابن منده أن تزويجه عليه السلام بام حبيبة كان في سنة ست وان تزويجه بأم سلمة كان في سنة أربع قلت وكذا قال خليفة وأبو عبيد الله معمر بن المثنى وابن البرقي وان تزويج أم حبيبة كان في سنة ست وقال بعض الناس سنة سبع قال البيهقي هو أشبه قلت قد تقدم تزويجه عليه السلام بام سلمة في أواخر سنة أربع وأما أم حبيبة فيحتمل أن يكون قبل ذلك ويحتمل أن يكون بعده وكونه بعد الخندق أشبه لما تقدم من ذكر عمرو بن العاص أنه رأى عمرو بن أمية عند النجاشي فهو في قضيتها والله أعلم وقد حكى الحافظ ابن الاثير في الغابة عن قتادة أن أم حبيبة لما هاجرت من الحبشة الى المدينة خطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم وتزوجها وحكي عن بعضهم أنه تزوجها بعد اسلام أبيها بعد الفتح واحتج هذا القائل بما رواه مسلم من طريق عكرمة بن عمار اليماني عن أبي زميل سماك بن الوليد عن ابن عباس أن أبا سفيان قال يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال نعم قال تؤمرني على أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وعندي أحسن العرب واجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها الحديث بتمامه قال ابن الاثير وهذا الحديث مما أنكر على مسلم لان أبا سفيان لما جاء يجدد العقد قبل الفتح دخل على ابنته أم حبيبة فثنت عنه فراش النبي صلى الله عليه و سلم فقال والله ما أدري أرغبت بي عنه أو به عني قالت بل هذا فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنت رجل مشرك فقال والله لقد أصابك بعدي يا بنية شر (4/144)
وقال ابن حزم هذا الحديث وضعه عكرمة بن عمار وهذا القول منه لا يتابع عليه وقال آخرون اراد أن يجدد العقد لما فيه بغير إذنه من الغضاضة عليه وقال بعضهم لانه اعتقد انفساخ نكاح ابنته باسلامه وهذه كلها ضعيفة والاحسن في هذا أنه أراد أن يزوجه ابنته الاخرى مرة لما رأى في ذلك من الشرف له واستعان باختها أم حبيبة كما في الصحيحين وانما وهم الراوي في تسميته أم حبيبة وقد اوردنا لذلك خبرا مفردا قال ابو عبيد القاسم بن سلام توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين وقال ابو بكر بن أبي خيثمة توفيت قبل معاوية لسنة وكانت وفاة معاوية في رجب سنة ستين
تزويجه بزينب بنت جحش
ابن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الاسدية أم المؤمنين وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه قال قتادة والواقدي وبعض أهل المدينة تزوجها عليه السلام سنة خمس زاد بعضهم في ذي القعدة قال الحافظ البيهقي تزوجها بعد بني قريظة وقال خليفة بن خياط وأبو عبيدة معمر بن المثنى وابن منده تزوجها سنة ثلاث والاول أشهر وهو الذي سلكه ابن جرير وغير واحد من أهل التاريخ وقد ذكر غير واحد من المفسرين والفقهاء وأهل التاريخ في سبب تزويجه اياها عليه السلام حديثا ذكره احمد بن حنبل في مسنده تركنا ايراده قصدا لئلا يضعه من لا يفهم على غير موضعه وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز و اذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في زواج أدعيائهم اذا قضوا منها وطرا وكان أمر الله مفعولا ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا
وقد تكلمنا على ذلك في التفسير بما فيه كفاية فالمراد بالذي أنعم الله عليه ها هنا زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنعم الله عليه بالاسلام وأنعم عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعتق وزوجه بإبه عمه زينب بنت جحش قال مقاتل بن حبان وكان صداقه لها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وخمسين مدا وعشرة أمداد من تمر فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها ثم وقع بينهما فجاء زوجها يشكو الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يقول له اتق الله وامسك عليك زوجك قال الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه ق ال علي بن الحسين زيد العابدين والسدي كان الله قد علم أنها ستكون من أزواجه فهو الذي كان في نفسه عليه السلام وقد تكلم كثير من السلف ها هنا بآثار (4/145)
غريبة وبعضها فيه نظر تركناها قال الله تعالى فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ذلك أن زيدا طلقها فلما انقضت عدتها بعث اليها رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطبها الى نفسها ثم تزوجها وكان الذي زوجها منه رب العالمين تبارك وتعالى كما ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك أن زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فتقول زوجكن أهليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات وفي رواية من طريق عيسى بن طهمان عن أنس قال كانت زينب تفخر على نساء النبي صلى الله عليه و سلم وتقول أنكحني الله من السماء وفيها أنزلت آية الحجاب يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا أن يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين إناه الآية وروى البيهقي من حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال جاء زيد يشكو زينب فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اتق الله وأمسك عليك زوجك قال أنس فلو كان رسول الله صلى الله عليه و سلم كاتما شيئا لكتم هذه فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم تقول زوجكن أهليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات ثم قال رواه البخاري عن أحمد عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن حماد بن زيد ثم روى البيهقي من طريق عفان عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال جاء زيد يشكو الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من زينب بنت جحش فقال النبي صلى الله عليه و سلم أمسك عليك أهلك فنزلت وتخفي في نفسك ما الله مبديه ثم قال البخاري عن محمد بن عبد الرحيم عن معلى بن منصور عن محمد مختصرا وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه و سلم اني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهم ان جدي وجدك واحد تعني عبد المطلب فانه أبو أبي النبي صلى الله عليه و سلم وأبو أمها أميمة بنت عبد المطلب وأني انكحنيك الله عز و جل من السماء وان السفير جبريل عليه السلام وقال الامام احمد حدثنا هاشم يعني ابن القاسم حدثنا النضر حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال لما انقضت عدة زينب قال النبي صلى الله عليه و سلم لزيد اذهب فاذكرها علي فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر اليها ان رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم بذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي عز و جل ثم قامت الى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل عليها بغير إذن قال أنس ولقد رأيتنا حين دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم اطعمنا عليها الخبز واللحم فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم واتبعته فجعل يتبع حجر نسائه يسلم عليهم ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك فما أدري أنا أخبرته والقوم قد خرجوا أو أخبر قال فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل (4/146)
الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم الآية وكذا رواه مسلم والنسائي من طريق سليمان بن المغيرة
نزول الحجاب صبيحة عرس زينب
فناسب نزول الحجاب في هذا العرس صيانة لها ولأخواتها من أمهات المؤمنين وذلك وفق الرأي العمري قال البخاري حدثنا محمد بن عبد الله الرقاش حدثنا معتمر بن سليمان سمعت أبي حدثنا أبو مجلز عن أنس بن مالك قال لما تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا وجلسوا يتحدثون فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر وجاء النبي صلى الله عليه و سلم ليدخل فإذا القوم جلوس ثم انهم قاموا فانطلقوا فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه و سلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية وقد رواه البخاري في مواضع أخر ومسلم والنسائي من طرق عن معتمر ثم رواه البخاري منفردا به من حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس نحوه وقال البخاري حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال بنى على النبي صلى الله عليه و سلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم فأرسلت على الطعام داعيا فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه فقلت يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه قال ارفعوا طعامكم وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت فخرج النبي صلى الله عليه و سلم فانطلق الى حجرة عائشة فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته قالت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته كيف وجدت أهلك بارك الله لك فتقرى حجر نسائه كلهن ويقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم فاذا رهط ثلاثة في البيت يتحدثون وكان النبي صلى الله عليه و سلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا فخرج حتى اذا وضع رجله في أسكفة الباب واخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب تفرد به البخاري من هذا الوجه ثم رواه منفردا به أيضا عن اسحاق هو ابن نصر عن عبد الله بن بكير السهمي عن حميد بن أنس بنحو ذلك وقال رجلان بدل ثلاثة فالله أعلم
قال البخاري وقال ابراهيم بن طهمان عن الجعد أبي عثمان عن أنس فذكر نحوه وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو المظفر حدثنا جعفر بن سليمان عن الجعد أبي عثمان اليشكري عن أنس بن مالك قال أعرس رسول الله صلى الله عليه و سلم ببعض نسائه فصنعت أم سليم حيسا ثم حطته في ثور فقالت اذهب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخبره ان هذا منا له قليل قال أنس والناس يومئذ في (4/147)
جهد فجئت به فقلت يا رسول الله بعثت بهذا أم سليم اليك وهي تقرئك السلام وتقول ان هذا منا له قليل فنظر اليه ثم قال ضعه في ناحية البيت ثم قال اذهب فادع لي فلانا وفلانا فسمى رجالا كثيرا قال ومن لقيت من المسلمين فدعوت من قال لي ومن لقيت من المسلمين فجئت والبيت والصفة والحجرة ملاء من الناس فقلت يا أبا عثمان كم كانوا قال كانوا زهاء ثلثمائة قال أنس فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم جيء فجئت به اليه فوضع يده عليه ودعا وقال ما شاء الله ثم قال ليتلحق عشرة عشرة ويسموا وليأكل كل انسان مما يليه فجعلوا يسمون ويأكلون حتى اكلوا كلهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ارفعه قال فجئت فأخذت الثور فنظرت فيه فلا أدري أهو حين وضعته أكثر أم حين رفعته قال وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم التي دخل بها معهم مولية وجهها الى الحائط فأطالوا الحديث فشقوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان أشد الناس حياء ولو علموا كان ذلك عليهم عزيزا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم على حجره وعلى نسائه فلما رأوه قد جاء ظنوا انهم قد ثقلوا عليه ابتدروا الباب فخرجوا وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أرخى الستر ودخل البيت وأنا في الحجرة فمكث رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته يسيرا وأنزل الله القرآن فخرج وهو يقرأ هذه الآية يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا أن يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين اناه ولكن اذا دعيتم فادخلو فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ان ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحي من الحق واذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعد أبدا ان ذلكم كان عند الله عظيما ان تبدوا شيئا أو تخفوه فان الله بكل شيء عليما قال أنس فقرأهن علي قبل الناس وأنا أحدث الناس بهن عهدا وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن جعفر بن سليمان عن الجعد أبي عثمان به وقال الترمذى حسن صحيح ورواه مسلم أيضا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن الجعد أبى عثمان به وقد روى هذا الحديث البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن أبي بشر الاحمسي الكوفي عن أنس بنحوه ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي نضرة العبدي عن أنس بنحوه ولم يخرجوه ورواه ابن جرير من حديث عمرو بن سعيد ومن حديث الزهرى عن أنس نحو ذلك قلت كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها من المهاجرات الاول وكانت كثيرة الخير والصدقة وكان اسمها أولا بره فسماها النبي صلى الله عليه و سلم زينب وكانت تكنى بأم الحكم قالت عائشة رضي الله عنها ما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم أمانة وصدقة وثبت في الصحيحين كما سيأتي في حديث الإفك عن عائشة انها قالت وسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عني زينب بنت جحش (4/148)
وهي التي كانت تساميني من نساء النبي صلى الله عليه و سلم فعصمها الله بالورع فقالت يا رسول الله احمي سمعي وبصري ما علمت الا خيرا وقال مسلم بن الحجاج في صحيحه حدثنا محمود بن غيلان حدثنا الفضل بن موسى الشيباني حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا قالت فكنا نتطاول أينا أطول يدا قالت فكانت زينب أطولنا يدا لانها كانت تعمل بيدها وتتصدق انفرد به مسلم قال الواقدي وغيره من أهل السير والمغازي والتواريخ توفيت سنة عشرين من الهجرة وصلى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودفنت بالبقيع وهي أول امرأة صنع لها النعش
سنة ست من الهجرة
ص قال البيهقي كان يقال في المحرم منها سرية محمد بن مسلمة قبل نجد وأسروا فيها ثمامة بن انال اليمامي قلت لكن في سياق ابن اسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه شهد ذلك وهو انما هاجر بعد خيبر فيؤخر الى ما بعدها والله أعلم وهي السنة التي كان في أوائلها غزوة بني لحيان على الصحيح قال ابن اسحاق وكان فتح بني قريظة في ذي القعدة وصدر من ذي الحجة وولى تلك الحجة المشركون يعني في سنة خمس كما تقدم قال ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع وخرج في جمادى الاولى على رأس ستة اشهر من فتح بني قريظة الى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع حبيب وأصحابه وأظهر انه يريد الشام ليصيب من القوم غرة قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم والمقصود انه عليه السلام لما انتهى الى منازلهم هربوا من بين يديه فتحصنوا في رؤوس الجبال فمال الى عسفان فلقي بها جمعا من المشركين وصلى بها صلاة الخوف وقد تقدم ذكر هذه الغزوة في سنة أربع وهنالك ذكرها البيهقي والاشبه ما ذكره ابن اسحاق انها كانت بعد الخندق وقد ثبت انه صلى بعسفان يوم بنى لحيان فلتكتب هاهنا وتحول من هناك تباعا لامام أصحاب المغازي في زمانه وبعده كما قال الشافعي رحمه الله من أراد المغازي فهو عيال على محمد بن اسحاق وقد قال كعب بن مالك في غزوة بني لحيان ... لو أن بني لحيان كانوا تناظروا ... لقوا عصبا في دارهم ذات مصدق ... لقوا سرعانا يملأ السرب روعه ... أمام طحون كالمجزة فيلق ... ولكنهم كانوا وبارا تتبعت ... شعاب حجاز غير ذي متنفق (4/149)
غزوة ذي قرد
قال ابن اسحاق ثم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فلم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في خيل من غطفان على لقاح النبي صلى الله عليه و سلم بالغابة وفيها رجل من بني غفار ومعه امرأته فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح قال ابن اسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك كل قد حدث في غزوة ذي قرد بعض الحديث أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الاكوع الاسلمي غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له يقوده حتى اذا علا ثنية الوداع نظر الى بعض خيولهم فاشرف في ناحية سلع ثم صرخ واصباحاه ثم خرج يشتد في آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق بالقوم فجعل يردهم بالنبل ويقول ... خذها وأنا ابن الاكوع ... اليوم يوم الرضع ...
فاذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فاذا أمكنه الرمي رمى ثم قال ... خذها وانا ابن الاكوع ... اليوم يوم الرضع ...
قال فيقول قائلهم أويكعنا هو أول النهار قال وبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم صياح ابن الاكوع فصرخ بالمدينة الفزع الفزع فترامت الخيول الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان أول من انتهى اليه من الفرسان المقداد بن الاسود ثم عباد بن بشر وسعد بن زيد وأسيد بن ظهير يشك فيه وعكاشة بن محصن ومحرز بن نضلة أخو بني أسد بن خزيمة وأبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وأبو عياش عبيد بن زيد بن الصامت أخو بني زريق قال فلما اجتمعوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر عليهم سعد بن زيد ثم قال أخرج في طلب القوم حتى ألحقك في الناس وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لابي عياش فيما بلغني عن رجال من بني زريق يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس ثم ضربت الفرس فوالله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت من ذلك فزعم رجال من زريق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وكان ثامنا قال وبعض الناس يعد سلمة بن الأكوع ثامنا ويطرح أسيد بن ظهير فالله أعلم أي ذلك كان قال ولم يكن سلمة بن الاكوع يومئذ فارسا قد كان أول من لحق بالقوم على رجليه قال فخرج الفرسان حتى تلاحقوا فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة وكان يقال له الاخرم ويقال له قمير وكانت الفرس التي تحته لمحمود بن مسلمة وكان يقال للفرس ذو اللمة (4/150)
فلما انتهى الى العدو قال لهم قفوا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والانصار قال فحمل عليه رجل منهم فقتله وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على أرية من بني عبد الاشهل أي رجع الى مربطه الذي كان فيه بالمدينة
قال ابن اسحاق ولم يقتل يومئذ من المسلمين غيره قال ابن هشام وقد ذكر غير واحد من أهل العلم انه قد قتل معه أيضا وقاص بن مجرز المدلجي قال ابن اسحاق وحدثني بعض من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك أن محرزا كان على فرس لعكاشة بن محصن يقال لها الجناح فقتل محرز واستلب جناح فالله أعلم قال ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة وغشاه برده ثم لحق بالناس وأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسلمين قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فاذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة فاسترجع الناس وقالوا قتل أبو قتادة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بابي قتادة ولكنه قتيل لابي قتادة ووضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه قال وادرك عكاشة بن محصن اوبارا وابنه عمرو بن اوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا واستنقذوا بعض اللقاح قال وسار رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد وتلاحق به الناس فاقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الاكوع يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت باعناق القوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني انهم الآن ليغبقون في غطفان فقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا وأقاموا عليه ثم رجع قافلا حتى قدم المدينة قال واقبلت امرأة الغفاري على ناقة من ابل النبي صلى الله عليه و سلم حتى قدمت عليه المدينة فاخبرته الخبر فلما فرغت قالت يا رسول الله اني قد نذرت الله أن أنحرها ان نجاني الله عليها قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها انه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين انما هي ناقة من ابلي فارجعي الى أهلك على بركة الله قال ابن اسحاق والحديث في ذلك عن أبي الزبير المكي عن الحسن البصري هكذا أورد ابن اسحاق هذه القصة بما ذكر من الاسناد والسياق وقد قال البخاري رحمه الله بعد قصة الحديبية وقبل خيبر غزوة ذي قرد وهي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه و سلم قبل خيبر بثلاث حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد سمعت سلمة بن الاكوع يقول خرجت قبل أن يؤذن بالاولى وكانت لقاح النبي صلى الله عليه و سلم ترعى بذي قرد قال فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال أخذت لقاح النبي صلى الله عليه و سلم فقلت من اخذها قال غطفان قال فصرخت ثلاث صرخات واصباحاه قال فأسمعت ما بين لابتي المدينة ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء فجعلت أرميهم بنبلي وكنت راميا وأقول انا ابن الاكوع اليوم يوم الرضع وأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم واستلبت منهم ثلاثين بردة قال وجاء النبي صلى الله عليه و سلم والناس فقلت يا رسول الله قد حميت (4/151)
القوم الماء وهم عطاش فابعث اليهم الساعة فقال يا ابن الاكوع ملكت فأسجح ثم رجعنا وردفني رسول الله صلى الله عليه و سلم على ناقته حتى قدمنا المدينة وهكذا رواه مسلم عن قتيبة به ورواه البخاري عن أبي عاصم السهلي عن يزيد بن أبي عبيدة عن مولاة سلمة بنحوه
وقال الامام احمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة بن عمار حدثني اياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه قال قدمنا المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت أنا ورباح غلام النبي صلى الله عليه و سلم بظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله أريد أن أنديه مع الابل فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على ابل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقتل رعيها وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل فقلت يا رباح اقعد على هذا الفرس فالحقه بطلحة وأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قد أغير على سرحه قال وقمت على تل فجعلت وجهي من قبل المدينة ثم ناديت ثلاث مرات يا صباحاه قال ثم اتبعت القوم معي سيفي ونبلي فجعلت أرميهم وأعقر بهم وذلك حين يكثر الشجر فاذا رجع إلي فارس جلست له في أصل شجرة ثم رميت فلا يقبل فارس إلا عقرت به فجعلت أرميهم وأنا أقول ... أنا ابن الاكوع ... واليوم يوم الرضع ...
قال فالحق برجل منهم فارميه وهو على راحلته فيقع سهمي في الرجل حتى انتظم كتفه فقلت ... خذها وانا ابن الاكوع ... واليوم يوم الرضع ...
فإذا كنت في الشجر أحرقتهم بالنبل فاذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فرديتهم بالحجارة فما زال ذاك شأني وشأنهم اتبعهم وارتجز حتى ما خلق الله شيئا من ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا خلفته وراء ظهري فاستنقذته من أيديهم ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها ولا يلقون من ذلك شيئا إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اذا امتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري مددا لهم وهم في ثنية ضيقة ثم علوت الجبل فأنا فوقهم فقال عيينة ما هذا الذي أرى قالوا لقينا من هذا البرح ما فارقنا بسحر حتى الآن وأخذ كل شيء بأيدينا وجعله وراء ظهره فقال عيينة لولا أن هذا يرى أن وراءه طلبا لقد ترككم ليقم اليه نفر منكم فقام اليه نفر منهم أربعة فصعدوا في الجبل فلما أسمعتهم الصوت قلت أتعرفونني قالوا ومن أنت قلت أنا ابن الاكوع والذي كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني فقال رجل منهم ان أظن قال فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت الى فوارس رسول الله صلى الله عليه و سلم يخللون الشجر واذا أولهم الاخرم الاسدي وعلى أثره ابو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى أثره المقداد بن الاسود الكندي فولى المشركون مدبرين وأنزل من الجبل (4/152)
فأخذ عنان فرسه فقلت يا أخرم ائذن القوم يعني احذرهم فاني لا آمن أن يقتطعوك فاتئد حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه قال يا سلمة ان كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة قال فخليت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر الاخرم بعبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله فتحول عبد الرحمن على فرس الاخرم فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة وتحول أبو قتادة على فرس الاخرم ثم اني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار صحابة النبي صلى الله عليه و سلم شيئا ويعرضون قبل غيبوبة الشمس الى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد فأرادوا أن يشربوامنه فأبصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية ثنية ذي بئر وغربت الشمس وألحق رجلا فارميه فقلت خذها وأنا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع قال فقال يا ثكل أم أكوع بكرة فقلت نعم أي عدو نفسه وكان الذي رميته بكرة وأتبعته سهما آخر فعلق به سهمان ويخلفون فرسين فجئت بهما أسوقهما الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه ذو قرد واذا بنبي الله صلى الله عليه و سلم في خمسمائة واذا بلال قد نحر جزورا مما خلفت فهو يشوي لرسول الله صلى الله عليه و سلم من كبدها وسنامها فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله خلني فأنتحب من أصحابك مائة فآخذ على الكفار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته فقال أكنت فاعلا ذلك يا سلمة قال قلت نعم والذي أكرمك فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى رأيت نواجذه في ضوء النار ثم قال انهم يقرون الآن بأرض غطفان فجاء رجل من غطفان فقال مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم حزورا فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها وخرجوا هرابا فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة فاعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم سهم الفارس والراجل جميعا ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين الى المدينة فلما كان بيننا وبينها قريب من ضحوة وفي القوم رجل من الانصار كان لا يسبق جعل ينادى هل من مسابق ألا رجل يسابق الى المدينة فأعاد ذلك مرارا وأنا وراء رسول الله صلى الله عليه و سلم مردفي فقلت له اما تكرم كريما ولا تهاب شريفا قال لا الا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلاسابق الرجل قال ان شئت قلت أذهب اليك فطفر عن راحلته وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة ثم اني ربطت عليه شرفا أو شرفين يعني استبقيت من نفسي ثم أني عدوت حتى ألحقه فاصك بين كتفيه بيدي قلت سبقتك والله أو كلمة نحوها قال فضحك وقال ان أظن حتى قدمنا المدينة وهكذا رواه مسلم من طرق عن عكرمة بن عمار بنحوه وعنده فسبقته الى المدينة فلم نلبث إلا ثلاثا حتى خرجنا الى خيبر ولأحمد هذا السياق ذكر البخاري والبيهقي هذه الغزوة بعد الحديبية وقبل خيبر وهو أشبه مما ذكره ابن اسحاق والله أعلم فينبغي (4/153)
تأخيرها الى أوائل سنة سبع من الهجرة فان خيبر كانت في صفر منها
وأما قصة المرأة التي نجت على ناقة النبي صلى الله عليه و سلم ونذرت نحرها لنجاتها عليها فقد أوردها ابن اسحاق بروايته عن أبي الزبير عن الحسن البصري مرسلا وقد جاء متصلا من وجوه أخر 2
وقال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن ابي قلابة عن ابي المهلب عن عمران بن حصين قال كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج فأخذت العضباء معه قال فمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في وثاق ورسول الله صلى الله عليه و سلم على حمار عليه قطيفة فقال يا محمد علام تأخذوني وتأخذون سابقة الحاج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف قال وكانت ثقيف قد اسروا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وقال فيما قال مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو قتلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح قال ومضى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد اني جائع فاطعمني واني ظمآن فاسقني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه حاجتك ثم فدى بالرجلين وحبس رسول الله صلى الله عليه و سلم العضباء لرحله ثم قال ان المشركين أغاروا على سرح المدينة فذهبوا به وكانت العضباء فيه وأسروا امرأة من المسلمين قال وكانوا اذا نزلوا أراحوا ابله بأفنيتهم قال فقامت المرأة ذات ليلة بعد ما ناموا فجعلت كلما أتت على بعير رغا حتى أتت على العضباء فأتت على ناقة ذلول مجرسة فركبتها ثم وجهتها قبل المدينة قال ونذرت ان الله انجاها عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفت الناقة فقيل ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بنذرها أو أتته فأخبرته فقال بئس ما جزيتيها أو بئس ما جزتها ان أنجاها الله عليها لتنحرنها قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ورواه مسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد
قال ابن اسحاق وكان مما قيل من الاشعار في غزوة ذي قرد قول حسان بن ثابت رضي الله عنه ... لولا الذي لاقت ومس نسورها ... بجنوب ساية أمس في التقواد ... للقبنكم يحملن كل مدجج ... حامي الحقيقة ماجد الاجداد ... ولسر أولاد اللقيطة اننا ... سلم غداة فوارس المقداد ... كنا ثمانية وكانوا جحفلا ... لجبا فشكوا بالرماح بداد ... كنا من القوم الذين يلونهم ... ويقدمون عنان كل جواد ... كلا ورب الراقصات الى منى ... يقطعن عرض مخارم الأطواد ... حتى نبيل الخيل في عرصاتكم ... ونئوب بالملكات والأولاد ... رهوا بكل مقلص وطمرة ... في كل معترك عطفن وواد (4/154)
افنى دوابرها ولاح متونها ... يوم تقاد به ويوم طراد ... فكذاك إن جيادنا ملبونة ... والحرب مشعلة بريح غواد ... وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي ... جنن الحديد وهامة المرتاد ... أخذ الاله عليهم لحرامه ... ولعزة الرحمن بالأسداد ... كانوا بدار ناعمين فبدلوا ... أيام ذي قرد وجوه عناد ...
قال ابن اسحاق فغضب سعد بن زيد أمير سرية الفوارس المتقدمين امام رسول الله صلى الله عليه و سلم على حسان وحلف لا يكلمه أبدا وقال انطلق الى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد فاعتذر اليه حسان بأنه وافق الروي اسم المقداد ثم قال أبياتا يمدح بها سعد بن زيد ... اذا أردتم الاشد الجلدا ... او ذا غناء فعليكم سعدا ... سعد بن زيد لا يهد هدا ...
قال فلم تقع منه بموقع وقال حسان بن ثابت في يوم ذي قرد ... أظن عيينة اذ زارها ... بأن سوف يهدم فيها قصورا ... فأكذبت ما كنت صدقته ... وقلتم سنغنم أمرا كبيرا ... فعفت المدينة اذ زرتها ... وآنست للأسد فيها زئيرا ... وولوا سراعا كشد النعام ... ولم يكشفوا عن ملط حصيرا ... أمير علينا رسول المليك ... أحبب بذاك الينا أميرا ... رسول يصدق ما جاءه ... ويتلو كتابا مضيئا منيرا ...
وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد يمدح الفرسان يومئذ من المسلمين ... ايحسب أولاد اللقيطة أننا ... على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس ... وأنا أناس لا نرى القتل سبة ... ولا ننثني عند الرماح المداعس ... وإنا لنقري الضيف من قمع الذرى ... ونضرب رأس الأبلج المتشاوس ... نرد كماة المعلمين اذا انتحوا ... بضرب يسلي نخوة المتقاعس ... بكل فتى حامي الحقيقة ماجد ... كريم كسرحان العضاة مخالس ... يذودون عن أحسابهم وبلادهم ... ببيض تقد الهام تحت القوانس ... فسائل بني بدر اذا ما لقيتهم ... بما فعل الإخوان يوم التمارس ... اذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم ... ولا تكتموا أخباركم في المجالس ... وقولوا زللنا عن مخالب خادر ... به وحر في الصدر ما لم يمارس (4/155)
غزوة بني المصطلق من خزاعة
قال البخاري وهي غزوة المريسيع قال محمد بن اسحاق وذلك في سنة ست وقال موسى بن عقبة سنة أربع وقال النعمان بن راشد عن الزهري كان حديث الافك في غزوة المريسيع هكذا رواه البخاري عن مغازي موسى بن عقبة انها كانت في سنة أربع والذي حكاه عنه وعن عروة انها كانت في شعبان سنة خمس وقال الواقدي كانت لليلتين من شعبان سنة خمس في سبعمائة من أصحابه وقال محمد بن اسحاق بن يسار بعد ما أورد قصة ذي قرد فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجب ثم غزا بني المصطلق من خزاعة في شعبان سنة ست قال ابن هشام واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال نميلة بن عبد الله الليثي قال ابن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن ابي بكر ومحمد بن يحيى بن حبان كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم ان بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد هذا فلما سمع بهم خرج اليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد الى الساحل فتزاحم الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونقل رسول الله صلى الله عليه و سلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه وقال الواقدي خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لليلتين مضتا من شعبان سنة خمس من الهجرة في سبعمائة من أصحابه الى بني المصطلق وكانوا حلفاء بني مدلج فلما انتهى اليهم دفع راية المهاجرين الى أبي بكر الصديق ويقال الى عمار بن ياسر وراية الانصار الى سعد بن عبادة ثم أمر عمر بن الخطاب فنادى في الناس أن قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم فأبوا فتراموا بالنبل ثم امر رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم رجل واحد وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عون قال كتبت الى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال فقال قد أغار رسول الله صلى الله عليه و سلم على بني المصطلق وهم غارون في أنعامهم تسقي على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم فأصاب يومئذ أحسبه قال جويرية بنت الحارث وأخبرني عبد الله بن عمر بذلك وكان بذلك الجيش قال ابن اسحاق وقد أصيب رجل من المسلمين يقال له هشام بن صبابة أصابه رجل من الانصار وهو يرى انه من العدو فقتله خطأ
وذكر ابن اسحاق أن أخاه مقيس بن صبابة قدم من مكة مظهرا للاسلام فطلب دية أخيه هشام من رسول الله صلى الله عليه و سلم لانه قتل خطأ فاعطاه ديته ثم مكث يسيرا ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ورجع (4/156)
رتدا الى مكة وقال في ذلك ... شفى النفس ان قد بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الاخادع ... وكانت هموم النفس من قبل قتله ... تلم فتحميني وطاء المضاجع ... حللت به وتري وأدركت ثؤرتي ... وكنت الى الاوثان أول راجع ... ثأرت به فهرا وحملت عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع ...
قلت ولهذا كان مقيس هذا من الاربعة الذين اهدر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح دماءهم وان وجدوا معلقين باستار الكعبة قال ابن اسحاق فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن مسعود يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الانصار وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد ابن أرقم غلام حدث فقال أوقد فعلوها قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه الا كما قال الاول سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ثم أقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بانفسكم احللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بايديكم لتحولوا الى غير داركم فسمع ذلك زيد ابن أرقم فمشى به الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال من مر به عباد ابن بشر فليقتله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف يا عمر اذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه لا ولكن آذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يرتحل فيها فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي بن سلول الى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بلغه أن زيد بن أرقم بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ولا تكلمت به وكان في قومه شريفا عظيما فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الانصار من أصحابه يا رسول الله عسى ان يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدبا على ابن ابي ودفعا عنه فلما استقل رسول الله صلى الله عليه و سلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه وقال يا رسول الله والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أو ما بلغك ما قال صاحبكم قال أي صاحب يا رسول الله قال عبد الله بن أبي قال وما قال قال زعم أنه ان رجع الى المدينة اخرج الاعز منها الاذل قال فانت والله يا رسول الله تخرجه ان شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق لقد جاءنا الله بك وان قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فانه ليرى انك قد استلبته ملكا ثم مشى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم (4/157)
يلبثوا ان وجدوا مس الارض فوقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالامس من حديث عبد الله بن أبي ثم راح رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له بقعاء فلما راح رسول الله صلى الله عليه و سلم هبت على الناس ريح شديدة فآذتهم وتخوفوها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تخوفوها فانما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان عظيما من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين مات ذلك اليوم وهكذا ذكر موسى بن عقبة والواقدي وروى مسلم من طريق الاعمش عن أبي سفيان عن جابر نحو هذه القصة الا أنه لم يسم الذي مات من المنافقين قال هبت ريح شديدة والنبي صلى الله عليه و سلم في بعض أسفاره فقال هذه لموت منافق فلما قدمنا المدينة اذا هو قد مات عظيم من عظماء المنافقين قال ابن اسحاق ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل أمره فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بأذن زيد بن أرقم وقال هذا الذي أوفى لله باذنه قلت وقد تكلمنا على تفسيرها بتمامها في كتابنا التفسير بما فيه كفاية عن اعادته ها هنا وسردنا طرق هذا الحديث عن زيد بن أرقم ولله الحمد والمنة فمن أراد الوقوف عليه أو أحب أن يكتبه ها هنا فليطلبه من هناك وبالله التوفيق قال ابن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله انه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمر لي به فأنا أحمل اليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من الرجل أبر بوالده مني واني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر الى قاتل عبد الله بن ابي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا وجعل بعد ذلك اذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم كيف ترى يا عمر أما والله لو قتلته يوم قلت لي لارعدت له أنف لو امرتها اليوم بقتله لقتلته فقال عمر قد والله علمت لامر رسول الله صلى الله عليه و سلم أعظم بركة من امري وقد ذكر عكرمة وابن زيد وغيرهما ان ابنه عبد الله رضي الله عنه وقف لابيه عبد الله بن أبي بن سلول عند مضيق المدينة فقال قف فوالله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك فلما جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم استأذنه في ذلك فأذن له فأرسله حتى دخل المدينة قال ابن اسحاق وأصيب يومئذ من بني المصطلق ناس وقتل علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكا وابنه قال ابن هشام وكان شعار المسلمين يا منصور أمت أمت
قال ابن اسحأق وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أصاب منهم سبيا كثيرا فقسمهم في المسلمين وقال (4/158)
البخاري حدثنا قتيبة بن سعيد أخبرني اسماعيل بن جعفر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أنه قال دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست اليه فسألته عن العزل فقال أبو سعيد خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب فاشتهينا النساء واشدت علينا العزوبة وأحببنا العزل وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا قبل أن نسأله فسألناه عن ذلك فقال ما عليكم أن لا تفعلوا ما من نسمة كائنة الى يوم القيامة الا كائنة وهكذا رواه قال ابن اسحاق وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت لما قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس ابن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم لتستعينه في كتابتها قالت فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت فدخلت عليه فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت ابن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي قال فهل لك في خير من ذلك قالت وما هو يا رسول الله قال أقضي عنك كتابك وأتزوجك قالت نعم يا رسول الله قد فعلت قالت وخرج الخبر الى الناس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم فارسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها ثم ذكر ابن اسحاق قصة الافك بتمامها في هذه الغزوة وكذلك البخاري وغير واحد من أهل العلم وقد حررت طرق ذلك كله في تفسير سورة النور فليلحق بكماله الى ها هنا وبالله المستعان
وقال الواقدي حدثنا حرام عن هشام بن عروة عن ابيه قال قالت جويرية بنت الحارث رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه و سلم بثلاث ليال كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري فكرهت أن أخبر به أحدا من الناس حتى قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما سبينا رجوت الرؤيا قالت فأعتقني رسول الله صلى الله عليه و سلم وتزوجني والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذي ارسلوهم وما شعرت الا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر فحمدت الله تعالى قال الواقدي ويقال ان رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل صداقها عتق أربعين من بني المصطلق وذكر موسى بن عقبة عن بني المصطلق أن أباها طلبها وافتداها ثم خطبها منه رسول الله صلى الله عليه و سلم فزوجه إياها (4/159)
قصة الأفك
وهذا سياق محمد بن اسحاق حديث الافك قال ابن اسحاق حدثني الزهري عن علقمة بن وقاص وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة قال الزهري وكل قد حدثني بهذا الحديث وبعض القوم كان أوعى له من بعض وقد جمعت كل الذي حدثني القوم قال ابن اسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة عن نفسها حين قال فيها أهل الافك ما قالوا فكل قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه وكل كان عنها ثقة فكلهم حدث عنها بما سمع قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فلما كان غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه كما كان يصنع فخرج سهمي عليهن فخرج بي رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق لم يهجهن اللحم فيثقلن وكنت اذا رحل لي بعيري جلست في هودجي ثم يأتي القوم الذين كانوا يرحلون لي فيحملونني ويأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدونه بحباله ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به قالت فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من سفره ذلك وجه قافلا حتى اذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل ثم اذن مؤذن في الناس بالرحيل فارتحل الناس وخرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي فيه جزع ظفار فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري فلما رجعت الى الرحيل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده وقد أخذ الناس في الرحيل فرجعت الى مكاني الذي ذهبت اليه فألتمسته حتى وجدته وجاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون لي البعير وقد كانوا فرغوا من رحلته فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع فاحتملوه فشدوه على البعير ولم يشكوا أني فيه ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به فرجعت الى العسكر وما فيه داع ولا مجيب قد انطلق الناس قال فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني وعرفت أن لو افتقدت لرجع الناس الي قالت فوالله اني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته فلم يبت مع الناس فرأى سوادي فأقبل حتى وقف علي وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب فلما رآني قال إنا لله وإنا إليه راجعون ظعينة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا متلففة في ثيابي قال ما خلفك يرحمك الله قالت فما كلمته ثم قرب الي البعير فقال اركبي واستأخر عني قالت فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعا يطلب الناس فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ونزل الناس فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي فقال أهل الافك ما قالوا وارتج العسكر والله ما أعلم بشيء من ذلك ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى (4/160)
شديدة لا يبلغني من ذلك شيء وقد انتهى الحديث الى رسول الله صلى الله عليه و سلم والى أبوي لا يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه و سلم بعض لطفه بي كنت اذا اشتكيت رحمني ولطف بي فلم يفعل ذلك بي في شكواي ذلك فانكرت ذلك منه كان اذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال كيف تيكم لا يزيد على ذلك قالت حتى وجدت في نفسي فقلت يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لي لو أذنت لي فانتقلت الى أمي فمرضتني قال لا عليك قالت فانقلبت الى أمي ولا علم لي بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع عشرين ليلة وكنا قوما عربا لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الاعاجم نعافها ونكرهها انما كنا نخرج في فسح المدينة وانما كانت النساء يخرجن في كل ليلة في حوائجهن فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ابنة ابي رهم بن المطلب قالت فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها فقالت تعس مسطح ( ومسطح لقب واسمه عوف ) قالت فقلت بئس لعمرو الله ما قلت لرجل من المهاجرين وقد شهد بدرا قالت أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر قالت قلت وما الخبر فاخبرتني بالذي كان من قول أهل الافك قلت أو قد كان هذا قالت نعم والله لقد كان قالت فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ورجعت فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي قالت وقلت لامي يغفر الله لك تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئا قالت أي بنية خففي عليك الشأن فوالله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها قالت وقد قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فخطبهم ولا أعلم بذلك فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق والله ما علمت عليهم إلا خيرا ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه الا خيرا ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي قالت وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني في المنزلة عنده غيرها فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيرا وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لاختها فشقيت بذلك فلما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير يا رسول الله ان يكونوا من الاوس نكفيكهم وان يكونوا من اخواننا من الخزرج فمرنا أمرك فوالله انهم لأهل أن تضرب أعناقهم قالت فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا فقال كذبت لعمر الله ما تضرب أعناقهم أما والله ما قلت هذه المقالة الا أنك قد عرفت انهم من الخزرج ولو كانوا من قومك ما قلت هذا فقال أسيد بن حضير كذبت لعمر الله ولكنك منافق تجادل عن المنافقين قالت وتساور الناس حتى كاد (4/161)
يكون بين هذين الحيين من الاوس والخزرج شر ونزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل علي فدعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد فاستشارهما فأما أسامة فأثنى خيرا وقاله ثم قال يا رسول الله أهلك وما نعلم منهم إلا خيرا وهذا الكذب والباطل وأما علي فانه قال يا رسول الله ان النساء لكثير وانك لقادر على أن تستخلف وسل الجارية فانها ستصدقك فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بريرة يسألها قالت فقام اليها علي فضربها ضربا شديدا ويقول أصدقي رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت فتقول والله ما أعلم إلا خيرا وما كنت أعيب على عائشة شيئا الا اني كنت أعجن عجيني فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي الشاة فتأكله قالت ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعندي أبواي وعندي امرأة من الانصار وأنا أبكي وهي تبكي فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا عائشة انه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتقي الله وان كنت قد فارفت سوءا مما يقول الناس فتوبي الى الله فان الله يقبل التوبة عن عباده قالت فوالله ان هو الا أن قال لي ذلك فقلص دمعي حتى ما أحس منه شيئا وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يتكلما قالت وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي وأصغر شأنا من أن ينزل الله في قرآنا يقرأ به ويصلى به ولكني كنت أرجو أن يرى النبي صلى الله عليه و سلم في نومه شيئا يكذب الله به عني لما يعلم من براءتي ويخبر خبرا وأما قرآنا ينزل في فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك قالت فلما لم أر أبوي يتكلمان قلت لهما ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالا والله ما ندري بما نجيبه قالت ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل علي آل أبي بكر في تلك الايام قالت فلما استعجما علي استعبرت فبكيت ثم قلت والله لا أتوب الى الله مما ذكرت أبدا والله اني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس والله يعلم اني منه بريئة لأقولن ما لم يكن ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني قالت ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت ولكن سأقول كما قال أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون قالت فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه و سلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه فسجى بثوبه ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت فوالله ما فزعت وما باليت قد عرفت اني بريئة وان الله غير ظالمي وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سرى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ظننت لتحرجن أنفسهما فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس قالت ثم سرى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس وانه ليتحدر من وجهه مثل الجمان في يوم شات فجعل يمسح العرق عن وجهه ويقول أبشري يا عائشة قد أنزل الله عز و جل براءتك قالت قلت الحمد لله ثم خرج الى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عز و جل من القرآن في ذلك ثم أمر بمسطح بن اثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدهم (4/162)
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين عن الزهري وهذا السياق فيه فوائد جمة وذكر حد القذف لحسان ومن معه رواه أبو داود في سننه قال ابن اسحاق وقال قائل من المسلمين في ضرب حسان وأصحابه ... لقد ذاق حسان الذي كان أهله ... وحمنة اذ قالوا هجيرا ومسطح ... تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم ... وسخطة ذي العرش الكريم فأترحوا ... وآذوا رسول الله فيها فجللوا ... مخازي تبقى عمموها وفضحوا ... وصبت عليهم محصدات كأنها ... شآبيب قطر في ذرا المزن تسفح ...
وقد ذكر ابن اسحاق أن حسان بن ثابت قال شعرا يهجو فيه صفوان بن المعطل وجماعة من قريش ممن تخاصم على الماء من أصحاب جهجهاه كما تقدم أوله هي ... أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد ... قد ثكلت أمه من كنت صاحبه ... أو كان منتشبا في برثن الاسد ... ما لقتيلي الذي أعدو فآخذه ... من دية فيه يعطاها ولا قود ... ما البحر حين تهب الريح سامية ... فيغطئل ويرمي العبر بالزبد ... يوما بأغلب مني حين تبصرني ... ملغيظ أفري كفري العارض البرد ... أما قريش فاني لا اسالمها ... حتى ينيبوا من الغياث للرشد ... ويتركوا اللات والعزى بمعزلة ... ويسجدوا كلهم للواحد الصمد ... ويشهدوا ان ما قال الرسول لهم ... حق فيوفوا بحق الله والوكد ...
قال فاعترضه صفوان بن المعطل فضربه بالسيف وهو يقول ... تلق ذباب السيف عني فانني ... غلام اذا هوجيت لست بشاعر ...
وذكر أن ثابت بن قيس بن شماس أخذ صفوان حين ضرب حسان فشده وثاقا فلقيه عبد الله بن رواحة فقال ما هذا فقال ضرب حسان بالسيف فقال عبد الله هل علم رسول الله صلى الله عليه و سلم بشيء من ذلك قال لا فاطلقه ثم أتوا كلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ابن معطل يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني الغضب فضربته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا حسان أتشوهت على قومي اذ هداهم الله ثم قال أحسن يا حسان فيما أصابك فقال هي لك يا رسول الله فعوضه منها بيرحاء التي تصدق بها أبو طلحة وجارية قبطية يقال لها سيرين جاءه منها ابنه عبد الرحمن قال وكانت عائشة تقول سئل عن ابن المعطل فوجد رجلا حصورا ما يأتي النساء ثم قتل بعد ذلك شهيدا رضي الله عنه قال ابن اسحاق ثم قال حسان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة (4/163)
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل ... عقيلة حي من لؤي بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل ... وان الذي قد قيل ليس بلائط ... بك الدهر بل قيل امرئ بي ماحل ... فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم ... فلا رفعت سوطي الى أناملي ... فكيف وودي ما حييت ونصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل ... وان لهم عزا ترى الناس دونه ... قصارا وطال العز كل التطاول ...
ولتكتب ها هنا الآيات من سورة النور وهي من قوله تعالى ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم الى مغفرة ورزق كريم وما أوردناه هنالك من الأحاديث والطرق والآثار عن السلف والخلف وبالله التوفيق
غزوة الحديبية
وقد كانت في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف وممن نص على ذلك الزهري ونافع مولى ابن عمر وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن اسحاق بن يسار وغيرهم وهو الذي رواه ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة انها كانت في ذي القعدة سنة ست وقال يعقوب بن سفيان حدثنا اسماعيل ابن الخليل على علي بن مسهر أخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الحديبية في رمضان وكانت الحديبية في شوال وهذا غريب جدا عن عروة وقد روى البخاري ومسلم جميعا عن هدبة عن قتادة همام أن أنس بن مالك أخبره ان رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة الا العمرة التي مع حجته عمرة من الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة ومن الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنائم حنين وعمرة مع حجته وهذا لفظ البخاري وقال ابن اسحاق ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة رمضان وشوال وخرج في ذي القعدة معتمرا لا يريد حربا قال ابن هشام واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي قال ابن اسحاق واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الاعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الاعراب وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم بمن معه من المهاجرين والانصار ومن لحق به من العرب وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه وليعلم الناس أنه انها خرج زائرا لهذا البيت ومعظما له قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم انهما حدثاه قالا خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا وساق معه الهدي سبعين بدنة وكان الناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن عشرة نفر وكان جابر بن عبد الله (4/164)
فيما بلغني يقول كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة قال الزهري وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا الى كراع الغميم قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا ويح قريش قد اكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وان أظهرني الله عليهم دخلوا في الاسلام وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهد على هذا الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ثم قال من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله ابن أبي بكر ان رجلا من أسلم قال أنا يا رسول الله فسلك بهم طريقا وعرا أجرل بين شعاب فلما خرجوا منه وقد شق ذلك على المسلمين فأفضوا الى أرض سهلة عند منقطع الوادي قال رسول الله قولوا نستغفر الله ونتوب اليه فقالوا ذلك فقال والله انها للحطة التي عرضت على بني اسرائيل فلم يقولوها قال ابن شهاب فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس فقال اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق يخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة قال فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين الى قريش وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس خلأت فقال ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة لا تدعوني قريش اليوم الى خطة يسألوني فيها صلة الرحم الا أعطيتهم اياها ثم قال للناس انزلوا قيل له يا رسول الله ما بالوادي ماء ينزل عليه فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل به في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن قال ابن اسحاق فحدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم ان الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ناجية بن جندب سائق بدن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق وقد زعم بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول أنا الذي نزلت بسهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فالله أعلم أي ذلك كان ثم استدل ابن اسحاق للاول ان جارية من الانصار جاءت البئر وناجية أسفله يميح فقالت ... يا أيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا ... يثنون خيرا ويمجدونكا (4/165)
فأجابها فقال ... قد علمت جارية يمانيه ... اني أنا المائح واسمي ناجيه ... وطعنة ذات رشاش واهيه ... طعنتها عند صدور العاديه ...
قال الزهري في حديثه فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة فكلموه وسألوه ما الذي جاء به فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وانما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته ثم قال لهم نحو ما قال لبشر بن سفيان فرجعوا الى قريش فقالوا يا معشر قريش انكم تعجلون على محمد وان محمدا لم يأت لقتال انما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم وقالوا وإن جاء ولا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة ولا تحدث بذلك عنا العرب قال الزهري وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه و سلم مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئا كان بمكة قال ثم بعثوا اليه مكرز بن حفص بن الاخيف أخا بني عامر بن لؤي فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم مقبلا قال هذا رجل غادر فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكلمه قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم نحوا مما قال لبديل وأصحابه فرجع الى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم بعثوا بحليس بن علقمة أو ابن زبان وكان يومئذ سيد الاحابيش وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ان هذا من قوم يتألهون فابعثوا بالهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم اعظاما لما رأى فقال لهم ذلك قال فقالوا له اجلس فانما انت اعرابي لا علم لك قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن الحليس غضب عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاهدناكم أيصد عن بيت الله من جاءه معظما له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لانفرن بالاحابيش نفرة رجل واحد قالوا مه كف عنا حتى نأخذ لانفسنا ما نرضى به قال الزهري في حديثه ثم بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم عروة بن مسعود الثقفي فقال يا معشر قريش اني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه الى محمد اذ جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ وقد عرفتم أنكم والد وابي ولد وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس بين يديه ثم قال يا محمد أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم الى بيضتك لتفضها بهم انها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا قال وأبو بكر الصديق رضي الله عنه خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال امصص بظر اللات (4/166)
أنحن ننكشف عنه قال من هذا يا محمد قال هذا ابن أبي قحافة قال اما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ولكن هذه بهذه قال ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يكلمه والمغيرة ابن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديد قال فجعل يقرع يده اذ يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقول اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن لا تصل اليك قال فيقول عروة ويحك ما أفظك وأغلظك قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له عروة من هذا يا محمد قال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال أي غدر وهل غسلت سوءتك إلا بالامس قال الزهري فكلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم بنحو ما كلم به أصحابه وأخبره أنه لم يأت يريد حربا فقام من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه فرجع الى قريش فقال يا معشر قريش اني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه واني والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم قال ابن اسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه الى قريش بمكة وحمله على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأرادوا قتله فمنعه الاحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن اسحاق وحدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين أمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحجارة والنبل ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه الى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول الله اني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة من بني عدي أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان ابن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان بن عفان فبعثه الى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فخرج عثمان الى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فحمله بين يديه ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أرسله به فقالوا لعثمان حين بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم إن شئت أن تطوف بالبيت فطف قال ما كنت لافعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه و سلم واحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمين أن عثمان قد قتل قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الى البيعة وكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة (4/167)
وكان الناس يقولون بايعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم على الموت وكان جابر بن عبد الله يقول ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر فبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين إلا حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة وكان جابر بن عبد الله يقول والله لكأني أنظر اليه لاصقا بأبط ناقته قد ضبأ اليها يستتر من الناس ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل قال ابن هشام وذكر وكيع عن اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم بيعة الرضوان أبو سنان الاسدي قال ابن هشام وحدثني من أثق به عمن حدثه باسناد له عن ابن أبي مليكة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بايع لعثمان فضرب باحدى يديه على الاخرى وهذا الحديث الذي ذكره ابن هشام بهذا الاسناد ضعيف لكنه ثابت في الصحيحين قال ابن اسحاق قال الزهري ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقالوا آت محمدا وصالحه ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها عنوة أبدا فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم مقبلا قال قد اراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى سهل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم تكلم فأطال الكلام تراجعا ثم جرى بينهما الصلح فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر فأتى ابا بكر فقال يا أبا بكر أليس برسول الله قال بلى قال اولسنا بالمسلمين قال بلى قال أوليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطي الدينة في ديننا قال ابو بكر يا عمر الزم غرزه فاني اشهد أنه رسول الله قال عمر وانا اشهد انه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ألست برسول الله قال بلى قال أولسنا مسلمين قال بلى قال أوليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطي الدنية في ديننا قال انا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني وكان عمر رضي الله عنه يقول ما زلت أصوم واتصدق واصلي واعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمته يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا قال ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال فقال سهيل لا اعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو قال فقال سهيل لو شهدت أنك رسول الله لم اقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض على انه من أتى محمدا من قريش بغير اذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه وان بيننا عيبة مكفوفة وانه ألا أسلال ولا اغلال وانه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد محمد وعهده (4/168)
وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وانك ترجع عامك هذا فلا تدخل علينا مكة وانه اذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت فيها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها قال فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد انفلت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قد خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون فلما رأى سهيل أبا جندل قام اليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه وقال يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا قال صدقت فجعل ينتره بتلبيبه ويجره يعني يرده الى قريش وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أرد الى المشركين يفتنونني في ديني فزاد ذلك الناس الى ما بهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا انا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وانا لا نغدر بهم قال فوثب عمر ابن الخطاب مع أبي جندل يمشي الى جنبه ويقول اصبر أبا جندل فانما هم المشركون وانما دم أحدهم دم كلب قال ويدني قائم السيف منه قال يقول عمر رجوت أن يأخذ السيف فيضرب أباه قال فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من الكتاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن سهيل بن عمرو وسعد بن أبي وقاص ومحمود بن مسلمة ومكرز بن حفص وهو يومئذ مشرك وعلي بن ابي طالب وكتب وكان هو كاتب الصحيفة
وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم مضطربا في الحل وكان يصلي في الحرم فلما فرغ من الصلح قام الى هديه فنحره ثم جلس فحلق رأسه وكان الذي حلقه في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن ابي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصرين قالوا يا رسول الله فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين قال لم يشكو وقال عبد الله بن أبي نجيح حدثني مجاهد عن ابن عباس أن رسول (4/169)
الله صلى الله عليه و سلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ بذلك المشركين هذا سياق محمد بن اسحاق رحمه الله لهذه القصة وفي سياق البخاري كما سيأتي مخالفة في بعض الأماكن لهذا السياق كما ستراها ان شاء الله وبه الثقة ولنوردها بتمامها ونذكر في الاحاديث الصحاح والحسان ما فيه ان شاء الله تعالى وعليه التكلان وهو المستعان
قال البخاري حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثنا صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح ثم اقبل علينا بوجهه فقال أتدرون ماذا قال ربكم فقلنا الله ورسوله أعلم فقال قال الله تعالى أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي وهكذا رواه في غير موضع من صحيحه ومسلم من طرق عن الزهري وقد روى عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة
وقال البخاري حدثنا عبيد الله بن موسى عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء قال تعدون الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم انها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا انفرد به البخاري
وقال ابن اسحاق في قوله تعالى فجعل من دون ذلك فتحا قريبا صلح الحديبية قال الزهري فما فتح في الاسلام فتح قبله كان أعظم منه انما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها وأمن الناس كلم بعضهم بعضا والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد في الاسلام يعقل شيئا الا دخل فيه ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الاسلام قبل ذلك أو أكثر قال ابن هشام والدليل على ما قاله الزهري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج الىالحديبية في ألف وأربع مائة رجل في قول جابر ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف
وقال البخاري حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا ابن فضيل حدثنا حصين عن سالم عن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه و سلم بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لكم قالوا يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا ما نشرب الا ما في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه و سلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون (4/170)
قال فشربنا وتوضأنا فقلنا لجابر كم كنتم يومئذ قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من طرق عن حصين عن سالم بن ابي الجعد عن جابر به
وقال البخاري حدثنا الصلت بن محمد حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة قلت لسعيد بن المسيب بلغني أن جابر بن عبد الله كان يقول كانوا أربع عشرة مائة فقال لي سعيد حدثني جابر كانوا خمس عشرة مائة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه و سلم يوم الحديبية تابعه أبو داود حدثنا قرة عن قتادة تفرد به البخاري
ثم قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو سمعت جابرا قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الحديبية أنتم خير أهل الارض وكنا ألفا وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة وقد روى البخاري أيضا ومسلم من طرق عن سفيان بن عيينة به وهكذا رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قال إن عبدا لحاطب جاء يشكوه فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذبت لا يدخلها شهد بدرا والحديبية رواه مسلم وعند مسلم أيضا من طرق ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول أخبرتني أم ميسر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول عند حفصة لا يدخل أحد النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها فقالت حفصة بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت حفصة و ان منكم إلا واردها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال تعالى ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا قال البخاري وقال عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة حدثني عبد الله ابن أبي أوفى قال كان أصحاب الشجرة ألفا وثلثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين تابعه محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا شعبة هكذا رواه البخاري معلقا عن عبد الله وقد رواه مسلم عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به وعن محمد بن المثنى عن أبي داود عن اسحق بن ابراهيم عن النضر بن شميل كلاهما عن شعبة به
ثم قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن مروان والمسور بن مخرمة قالا خرج النبي صلى الله عليه و سلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعر وأحرم منها تفرد به البخاري وسيأتي هذا السياق بتمامه
والمقصود أن هذه الروايات كلها مخالفة لما ذهب اليه ابن اسحاق من أن أصحاب الحديبية كانوا سبع مائة وهو والله أعلم انما قال ذلك تفقها من تلقاء نفسه من حيث ان البدن كن سبعين بدنة وكل منها عن عشرة على اختياره فيكون المهلون سبع مائة ولا يلزم أن يهدي كلهم ولا أن يحرم كلهم أيضا فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث طائفة منهم فيهم أبو قتادة ولم يحرم أبو قتادة (4/171)
حتى قتل ذلك الحمار الوحشي فأكل منه هو وأصحابه وحملوا منه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم في أثناء الطريق فقال هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار اليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من الحمار وقد قال البخاري حدثنا شعبة بن الربيع حدثنا علي بن المبارك عن يحيى عن عبد الله ابن أبي قتادة أن أباه حدثه قال انطلقنا مع النبي صلى الله عليه و سلم عام الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم
وقال البخاري حدثنا محمد بن رافع حدثنا شبابة بن سوار الفزاري حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا طارق عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان فيمن بايع تحت الشجرة فرجعنا اليها العام المقبل فعميت علينا وقال البخاري أيضا حدثنا محمود حدثنا عبيد الله عن اسرائيل عن طارق بن عبد الرحمن قال انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون فقلت ما هذا المسجد قالوا هذه الشجرة حيث بايع النبي صلى الله عليه و سلم بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال سعيد حدثني أبي انه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت الشجرة قال فلما كان من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ثم قال سعيد إن أصحاب محمد لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم ورواه البخاري ومسلم من حديث الثوري وأبي عوانة وشبابة عن طارق وقال البخاري حدثنا سعيد حدثني أخي عن سليمان عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم قال لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة فقال ابن زيد على ما يبايع ابن حنظلة الناس قيل له على الموت فقال لا أبايع على ذلك أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان شهد معه الحديبية وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من طرق عن عمرو بن يحيى به وقال البخاري حدثنا قتيبة ابن سعيد حدثنا حاتم عن يزيد بن ابي عبيد قلت لسلمة بن الاكوع على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الحديبية قال على الموت ورواه مسلم من حديث يزيد بن أبي عبيد وفي صحيح مسلم عن سلمة أنه بايع ثلاث مرات في أوائل الناس ووسطهم وأواخرهم وفي الصحيح عن معقل بن يسار أنه كان آخذا بأغصان الشجرة عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يبايع الناس وكان أول من بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ أبو سنان وهو وهب بن محصن أخو عكاشة بن محصن وقيل سنان بن أبي سنان
وقال البخاري حدثني شجاع بن الوليد سمع النضر بن محمد حدثنا صخر بن الربيع عن نافع قال إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر وليس كذلك ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله الى فرس له عند رجل من الانصار أن يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله صلى الله عليه و سلم يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك فبايعه عبد الله فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول (4/172)
الله صلى الله عليه و سلم وهي التي تحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر وقال هشام بن عمار حدثنا الوليد ابن مسلم حدثنا عمر بن محمد العمري أخبرني نافع عن ابن عمر أن الناس كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجرة فاذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه و سلم يا عبد الله أنظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدهم يبايعون فبايع ثم رجع الى عمر فخرج فبايع تفرد به البخاري من هذين الوجهين
سياق البخاري لعمرة الحديبية
قال في كتاب المغازي حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان سمعت الزهري حين حدث هذا الحديث حفظت بعضه وثبتني معمر عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه قالا خرج النبي صلى الله عليه و سلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة وسار النبي صلى الله عليه و سلم حتى اذا كان بغدير الاشطاط أتاه عينه قال إن قريشا قد جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الاحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك فقال أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل الى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون ان يصدونا عن البيت فان يأتونا كان الله قد قطع عينا من المشركين وإلا تركنا لهم محروبين قال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله هكذا رواه ها هنا ووقف ولم يزد شيئا على هذا
وقال في كتاب الشهادات حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم زمن الحديبية حتى اذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه و سلم إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى اذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه و سلم حتى اذا كان بالثنية التي هبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فألحت فقالوا خلأت القصواء خلأت القصواء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه تبرضا فلم يلبثه الناس (4/173)
حتى نزحوه وشكى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه و سلم من أهل تهامة فقال إني تركت كعب ابن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا اعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه و سلم انا لم نجيء لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وان قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فان شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فان أظهر فان شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا والا فقد جموا وان هم أبوا فوالذي نفسي بيده لاقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن أمر الله قال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال انا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فان شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم ألست بالوالد قالوا بلى قال أولستم بالولد قالوا بلى قال فهل تتهمونى قالوا لا قال ألستم تعلمون اني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آتيه فقالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت ان استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك وان تكن الاخرى فاني والله لا أرى وجوها واني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر أمصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه قال من ذا قالوا أبو بكر قال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لاجبتك قال وجعل يكلم النبي صلى الله عليه و سلم فكلما تكلم أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده الى لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم ضرب يده بنعل السيف وقال له أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال أي غدر ألست أسعى في غدرتك وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أما الأسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء ثم ان عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بعينيه قال فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه و سلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون اليه النظر تعظيما له فرجع عروة الى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر (4/174)
وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر اليه تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آتيه فقالوا ائته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثت له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع الى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعونى آتيه قالوا أئته فلما أشرف عليهم قال بن حفص فقال دعونى آتيه قالوا ائته فلما أشرف عليهم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه و سلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو قال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد سهل لكم من أمركم قال معمر قال الزهري في حديثه فجاء سهيل فقال هات فاكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبي صلى الله عليه و سلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه و سلم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها الا باسم الله الرحمن الرحيم فقال النبى صلى الله عليه و سلم اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم انك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم والله اني لرسول الله وان كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله قال الزهري وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله الا أعطيتهم اياها فقال له النبي صلى الله عليه و سلم على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به قال سهيل والله لا تتحدث العرب انا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وان كان على دينك الا رددته الينا قال المسلمون سبحان الله كيف يرد الى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده الي فقال النبي صلى الله عليه و سلم انا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا قال النبي صلى الله عليه و سلم فأجزه لي قال ما أنا بمجيزه لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجزناه لك قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد الى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله فقال عمر رضي الله عنه فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق (4/175)
وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطى الدنية في ديننا اذن قال اني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أولست كنت تحدثنا انا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام قال قلت لا قال فانك آتيه ومطوف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قال قلت فلم نعطىالدنية في ديننا اذن قال أيها الرجل انه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله انه على الحق قلت أليس كان يحدثنا انا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام فقلت لا قال فانك آتيه ومطوف به قال الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالا قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج احدهما معاوية بن أبي سفيان والاخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم الى المدينة فجاءه أو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذي جعلت لنا فدفعه الى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين والله اني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله انه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر اليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى الى النبي صلى الله عليه و سلم قال قتل والله صاحبي واني لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني اليهم ثم انجاني الله منهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده اليهم فخرج حتى اتى سيف البحر قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد اسلم الا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش الى الشام الا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش الى النبي صلى الله عليه و سلم تناشده بالله والرحم لما أرسل اليهم فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم اليهم فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم (4/176)
وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ح تى بلغ الحمية حمية الجاهلية وكانت حميتهم انهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت فهذا سياق فيه زيادات وفوائد حسنة ليست في رواية ابن اسحاق عن الزهري فقد رواه عن الزهري عن جماعة منهم سفيان بن عيينة ومعمر ومحمد بن اسحاق كلهم عن الزهري عن عروة عن مروان ومسور فذكر القصة
وقد رواه البخاري في أول كتاب الشروط عن يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر القصة وهذا هو الأاشبة فان مروان ومسورا كانا صغيرين يوم الحديبية والظاهر أنهما أخذاه عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
وقال البخاري حدثنا الحسن بن اسحاق حدثنا محمد بن سابق حدثنا مالك بن مغول سمعت أبا حصين قال قال أبو وائل لما قدم سهيل بن حنيف من صفين أتيناه نستخبره فقال اتهموا الرأي فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو استطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره لرددت والله ورسوله أعلم وما وضعنا أسيافنا عن عواتقنا لامر يقطعنا الا أسهلن بنا الى أمر نعرفه قبل هذا الامر ما نسد منها خصما الا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له
وقال البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن زيد بن اسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسير في بعض اسفاره وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه فقال عمر بن الخطاب ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين وخشيت أن ينزل في قرأن فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي قال فقلت لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن فجئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب الي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ ا نا فتحنا لك فتحا مبينا قلت وقد تكلمنا على سورة الفتح بكمالها في كتابنا التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة ومن أحب أن يكتب ذلك هنا فليفعل (4/177)
فصل في السرايا
* التي كانت في سنة ست من الهجرة *
وتلخيص ذلك ما أورده الحافظ البيهقي عن الواقدي
في ربيع الاول منها أو الآخر بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عكاشة بن محصن في أربعين رجلا الى فهربوا منه ونزل على مياههم وبعث في آثارهم وأخذ منهم مائتي بعير فاستاقها الى المدينة
وفيها كان بعث أبي عبيدة بن الجراح الى ذي القصة بأربعين رجلا أيضا فساروا اليهم مشاة حتى أتوها في عماية الصبح فهربوا منه في رءوس الجبال فأسر منهم رجلا فقدم به على رسول الله صلى الله عليه و سلم وبعثه محمد بن مسلمة في عشرة نفر وكمن القوم لهم حتى باتوا أصحاب محمد بن مسلمة كلهم وافلت هو جريحا
وفيها كان بعث زيد بن حارثة بالحموم فأصاب امرأة من مزينة يقال لها حليمة فدلتهم على محلة من محال بني سليم فأصابوا منها نعما وشاء وأسروا وكان فيهم زوج حليمة هذه فوهبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لزوجها وأطلقهما
وفيها كان بعث زيد بن حارثة أيضا في جمادى الاولى الى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فهربت منه الاعراب فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا ثم رجع بعد أربع ليال وفيها خرج زيد بن حارثة في جمادى الاولى الى العيص
قال وفيها أخذت الاموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع فاستجار بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجارته وقد ذكر ابن اسحاق قصته حين أخذت العير التي كانت معه وقتل أصحابه وفر هو من بينهم حتى قدم المدينة وكانت امرأته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم قد هاجرت بعد بدر فلما جاء المدينة استجار بها فأجارته بعد صلاة الصبح فأجاره لها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمر الناس برد ما أخذوا من عيره فردوا كل شيء كانوا أخذوه منه حتى لم يفقد منه شيئا فلما رجع بها الى مكة وأدى الى اهلها ما كان لهم معه من الودائع أسلم وخرج من مكة راجعا الى المدينة فرد عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم زوجته بالنكاح الاول ولم يحدث نكاحا ولا عقدا كما تقدم بيان ذلك وكان بين اسلامه وهجرتها ست سنين وقد بينا أنه لا منافاة بين الروايتين وان اسلامه تأخر عن وقت تحريم المؤمنات على الكفار بسنتين وكان اسلامه في سنة ثمان في سنة الفتح لا كما تقدم في كلام الواقدي من أنه سنة ست فالله أعلم
وذكر الواقدي في هذه السنة أن دحية بن خليفة الكلبي أقبل من عند قيصر قد أجازه بأموال (4/178)
وخلع فلما كان بحسمي لقيه ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا معه شيئا فبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة أيضا رضي الله عنه
قال الواقدي حدثني عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن عتبة قال خرج علي رضي الله عنه في مائة رجل الى أن نزل الى حي من بني أسد بن بكر وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر فسار اليهم بالليل وكمن بالنهار وأصاب عينا لهم فأقر له أنه بعث الى خيبر يعرض عليهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر
قال الواقدي رحمه الله تعالى وفي سنة ست في شعبان كانت سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل وقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ان هم أطاعوا فتزوج بنت ملكهم فأسلم القوم وتزوج عبد الرحمن بنت ملكهم تماضر بنت الاصبع الكلبية وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
قال الواقدي في شوال سنة ست كانت سرية كرز بن جابر الفهري الى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه و سلم واستاقوا النعم فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم في آثارهم كرز بن جابر في عشرين فارسا فردوهم وكان من أمرهم ما أخرجه البخاري ومسلم من طريق سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن رهطا من عكل وعرينة وفي رواية من عكل أو عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله انا أناس أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتى اذا كانوا بناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه و سلم واستاقوا الذود وكفرو بعد اسلامهم فبعث النبي صلى الله عليه و سلم في طلبهم فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا وهم كذلك قال قتادة فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان اذا خطب بعد ذلك حض على الصدقة ونهى عن المثلة وهذا الحديث قد رواه جماعة عن قتادة ورواه جماعة عن أنس بن مالك وفي رواية مسلم عن معاوية بن قرة عن أنس أن نفرا من عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلموا وبايعوه وقد وقع في المدينة الموم وهو البرسام فقالوا هذا الموم قد وقع يا رسول الله لو أذنت لنا فرجعنا الى الابل قال نعم فاخرجوا فكونوا فيها فخرجوا فقتلوا الراعيين وذهبوا بالابل وعنده سار من الانصار قريب عشرين فأرسلهم اليهم وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وفي صحيح البخاري من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أنس أنه قال قدم رهط من عكل فأسلموا واجتووا المدينة فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكروا ذلك له فقال الحقوا بالابل واشربوا من أبوالها وألبانها فذهبوا وكانوا فيها ما شاء الله فقتلوا الراعي واستاقوا الابل فجاء الصريخ الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم ترتفع الشمس حتى أتي بهم فأمر بمسامير فأحميت فكواهم بها وقطع (4/179)
أيديهم وأرجلهم وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا ولم يحمهم وفي رواية عن أنس قال فلقد رأيت أحدهم يكدم الارض بفيه من العطش قال أبو قلابة فهؤلاء قتلوا وسرقوا وكفروا بعد ايمانهم وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه و سلم وقد روى البيهقي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن محمد بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بعث في آثارهم قال اللهم عم عليهم الطريق واجعلها عليهم أضيق من مسك جمل قال فعمى الله عليهم السبيل فأدركوا فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وفي صحيح مسلم انما سملهم لانهم سملوا أعين الرعاء
فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة
أعني سنة ست من الهجرة فيها نزل فرض الحج كما قرره الشافعي رحمه الله زمن الحديبية في قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ولهذا ذهب الى أن الحج على التراخي لا على الفور لأنه صلى الله عليه و سلم لم يحج إلا في سنة عشر وخالفه الثلاثة مالك وأبو حنيفة وأحمد فعندهم أن الحج يجب على كل من استطاعه على الفور ومنعوا أن يكون الوجوب مستفادا من قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله وإنما في هذه الآية الأمر بالاتمام بعد الشروع فقط واستدلوا بأدلة قد اوردنا كثيرا منها عند تفسير هذه الآية من كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة بما فيه الكفاية
وفي هذه السنة حرمت المسلمات على المشركين تخصيصا لعموم ما وقع به الصلح عام الحديبية على أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته علينا فنزل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن الآية
وفي هذه السنة كانت غزوة المريسيع التي كان فيها قصة الافك ونزول براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما تقدم
وفيها كانت عمرة الحجيبية وما كان من صد المشركين رسول الله صلى الله عليه و سلم وكيف وقع الصلح بينهم على وضع الحرب بينهم عشر سنين فأمن الناس فيهن بعضهم بعضا وعل أنه لا إغلال ولا إسلال وقد تقدم كل ذلك مبسوطا في أماكنه ولله الحمد والمنة وولى الحج في هذه السنة المشركون
قال الواقدي وفيها في ذي الحجة منها بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ستة نفر مصطحبين حاطب بن أبي بلتعة الى المقوقس صاحب الاسكندرية وشجاع بن وهب بن أسد بن جذيمة شهد بدرا الى الحارث بن أبي شمر الغساني يعني ملك عرب النصارى ورضية بن خليفة الكلبي الى قيصر وهو هرقل ملك الروم وعبد الله بن حذافة السهمي الى كسرى ملك الفرس وسليط بن عمرو العامري الى هوذة ابن علي الحنفي وعمرو بن امية الضمري الى النجاشي ملك النصارى بالحبشة وهو أصحمة ابن الحر (4/180)
سنة سبع من الهجرة
غزوة خيبر في اولها
قال شعبة عن الحاكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله وأثابهم فتحا قريبا قال خيبر وقال موسى بن عقبة لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من الحديبية مكث عشرين يوما أو قريبا من ذلك ثم خرج الى خيبر وهي التي وعده الله اياها وحكى موسى عن الزهري أن افتتاح خيبر في سنة ست والصحيح ان ذلك في أول سنة سبع كما قدمنا قال ابن اسحاق ثم اقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم ثم خرج في بقية المحرم الى خيبر وقال يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق عن الزهري عن عروة عن مروان والمسور قالا انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح بين مكة والمدينة فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار الى خيبر فنزل بالرجيع واد بين غطفان فتخوف أن تمدهم غطفان حتى أصبح فغدا عليهم قال البيهقي وبمعناه رواه الواقدي عن شيوخه في خروجه أول سنة سبع من الهجرة وقال عبد الله بن ادريس عن اسحق حدثني عبد الله بن أبي بكر قال لما كان افتتاح خيبر في عقيب المحرم وقدم النبي صلى الله عليه و سلم في آخر صفر قال ابن هشام واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثى وقد قال الامام احمد حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا حسيم يعني ابن عراك عن أبيه أن أبا هريرة قدم المدينة في رهط من قومه والنبي صلى الله عليه و سلم في خيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة يعني الغطفاني على المدينة قال فانتهيت اليه وهو يقرأ في صلاة الصبح في الركعة الاولى كهيعص وفي الثانية ويل للمطففين فقلت في نفسي ويل لفلان اذا اكتال بالوافي واذا كال كال بالناقص قال فلما صلى رددنا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتح النبي صلى الله عليه و سلم خيبر قال فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم وقد رواه البيهقي من حديث سليمان بن حرب عن وهيب عن خيثم بن عراك عن أبيه عن نفر من بني غفار قال ان أبا هريرة قدم المدينة فذكره قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خرج من المدينة الى خيبر سلك على مصر وبني له فيها مسجدا ثم على الصهباء ثم أقبل بجيشه حتى نزل به بواد يقال له الرجيع فنزل بينهم وبين غطفان ليحول بينهم وبين ان يمدوا أهل خيبر كانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبلغني ان غطفان لما سمعوا بذلك جمعوا ثم خرجوا ليظاهروا اليهود عليه حتى اذا ساروا منقلة خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا ظنوا أن القوم قد خالفوا (4/181)
اليهم فرجعوا على أعقابهم فأقاموا في أموالهم وأهليهم وخلوا بين 2 رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين خيبر وقال البخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير ان سويد بن النعمان أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام خيبر حتى اذا كانوا بالصهباء وهي من أدنى خيبر صلى العصر ثم دعا بالازواد فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثرى فأكل وأكلنا ثم قام الى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ وقال البخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا حاتم بن اسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الاكوع قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول ... لا هم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ... فاغفر فداء لك ما أبقينا ... وألقين سكينة علينا ... وثبت الاقدام إن لاقينا ... إنا اذا صيح بنا أبينا ... وبالصياح عولوا علينا ...
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من هذا السائق قالوا عامر بن الاكوع قال يC فقال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا امتعتنا به فاتينا خيبر فناصرناهم حتى اصابتنا مخمصة شديدة ثم ان الله فتحها عليهم فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما هذه النيران على أي شيء توقدون قالوا على لحم قال على أي لحم قالوا لحم الحمر الانسية قال النبي صلى الله عليه و سلم اهريقوها واكسروها فقال رجل يا رسول الله أونهريقها ونغسلها فقال أو ذاك فلما تصاف الناس كان سيف عامر قصيرا فتناول به ساق يهودي ليضربه فيرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو آخذ بيدي قال مالك قلت فداك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله قال النبي صلى الله عليه و سلم كذب من قاله ان له لأجرين وجمع بين اصبعيه انه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله ورواه مسلم من حديث حاتم بن اسماعيل وغيره عن يزيد بن أبي عبيد مثله ويكون منصوبا على الحالية من نكرة وهو سائغ اذا دلت على تصحيح معنى كما جاء في الحديث فصلى وراءه رجل قياما وقد روى ابن اسحاق قصة عامر بن الاكوع من وجه آخر فقال حدثني محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الاسلمي أن أباه حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في مسيره الى خيبر لعامر بن الاكوع وهو عم سلمة بن عمرو بن الاكوع انزل يا ابن الاكوع فخذ لنا من هناتك فقال فنزل يرتجز لرسول الله صلى الله عليه و سلم (4/182)
والله لو الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ... انا اذا قوم بغوا علينا ... وان أرادوا فتنة أبينا ... فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الاقدام ان لاقينا ...
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يرحمك ربك فقال عمر بن الخطاب وجبت يا رسول الله لو أمتعتنا به فقتل يوم خيبر شهيدا ثم ذكر صفة قتله كنحو ما ذكره البخاري قال ابن اسحاق وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن ابي مروان الاسلمي عن أبيه عن ابي معتب بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أشرف على خيبر قال لاصحابه وأنا فيهم قفوا ثم قال اللهم رب السموات وما أظللن ورب الارضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين فانا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها أقدموا بسم الله وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه وقد رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن العطاردي عن يونس بن بكير عن ابراهيم بن اسماعيل بن مجمع عن صالح بن كيسان عن أبي مروان الاسلمي عن أبيه عن جده قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى خيبر حتى اذا كنا قريبا وأشرفنا عليها قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للناس قفوا فوقف الناس فقال اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الارضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن فانا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها أقدموا بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن اسحاق وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح فان سمع أذانا أمسك وان لم يسمع أذانا أغار فنزلنا خيبر ليلا فبات رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أصبح لم يسمع أذانا فركب وركبنا معه وركبت خلف أبي طلحة وان قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم واستقبلنا عمال خيبر غادين قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم والجيش قالوا محمد والخميس معه فأدبروا هرابا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الله أكبر خربت خيبر انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال ابن اسحاق حدثنا هأرون عن حميد عن أنس بمثله
وقال البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله أتى خيبر ليلا وكان اذا أتى قوما بليل لم يغر بهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم خربت خيبر انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين تفرد به دون مسلم
وقال البخاري حدثنا صدقة بن الفضل حدثنا أبو عيينة حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن (4/183)
أنس بن مالك قال صبحنا خيبر بكرة فخرج أهلها بالمساحي فلما ابصروا بالنبي صلى الله عليه و سلم قالوا محمد والله محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الله أكبر خربت خيبر انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال فأصبنا من لحوم الحمر فنادى منادي النبي صلى الله عليه و سلم ان الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فانها رجس تفرد به البخاري دون مسلم
وقال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن أنس قال لما أتى النبي صلى الله عليه و سلم خيبر فوجدهم حين خرجوا الى زرعهم ومساحيهم فلما رأوه ومعه الجيش نكصوا فرجعوا الى حصنهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم الله اكبر خربت خيبر انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين تفرد به أحمد وهو على شرط الصحيحين
وقال البخاري حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس بن مالك قال صلى الله عليه و سلم الصبح قريب من خيبر بغلس ثم قال الله أكبر خربت خيبر انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فخرجوا يسعون بالسكك فقتل النبي صلى الله عليه و سلم المقاتلة وسبى الذرية وكان في السبي صفية فصارت الى دحية الكلبي ثم صارت الى النبي صلى الله عليه و سلم فجعل عتقها صداقها قال عبد العزيز ابن صهيب لثابت يا أبا محمد أأنت قلت لأنس ما أصدقها فحرك ثابت رأسه تصديقا له تفرد به دون مسلم وقد أورد البخاري ومسلم النهي عن لحوم الحمر الاهلية من طرق تذكر في كتاب الاحكام
وقد قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو طاهر الفقيه أنبأنا خطاب بن أحمد الطوسي حدثنا محمد بن حميد الابيوردي حدثنا محمد بن الفضل عن مسلم الاعور الملائي عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعود المريض ويتبع الجنائز ويجيب دعوة الملوك ويركب الحمار وكان يوم بني قريظة والنضير على حمار ويوم خيبر على حمار مخطوم برسن ليف وتحته اكاف من ليف وقد روى هذا الحديث بتمامه الترمذي عن علي بن حجر عن علي بن مسهر وابن ماجه عن محمد بن الصباح عن سفيان وعن عمر بن رافع عن جرير كلهم عن مسلم وهو ابن كيسان الملائي الاعور الكوفي عن أنس به وقال الترمذي لا نعرفه الا من حديثه وهو يضعف قلت والذي ثبت في الصحيح عند البخاري عن أنس ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجرى في رفاق خيبر حتى انحسر الازار عن فخذه فالظاهر انه كان يومئذ على فرس لا على حمار ولعل هذا الحديث ان كان صحيحا محمول على انه ركبه في بعض الايام وهو محاصرها والله أعلم
وقال البخاري حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي حدثنا زياد بن الربيع عن أبي عمران الجوني قال نظر أنس الى الناس يوم الجمعة فرأى طيالسة فقال كأنهم الساعة يهود خيبر وقال البخاري حدثنا (4/184)
عبد الله بن مسلمة حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن مسلمة بن الاكوع قال كان علي بن ابي طالب تخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في خيبر وكان رمدا فقال أنا أتخلف عن النبي صلى الله عليه و سلم فلحق به فلما بتنا الليلة التي فتحت خيبر قال لأعطين الراية غدا ( أو ليأخذن الراية غدا ) رجل يحبه الله ورسوله يفتح عليه فنحن نرجوها فقيل هذا علي فأعطاه ففتح عليه وروى البخاري أيضا ومسلم عن قتيبة عن حاتم به ثم قال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على النبي صلى الله عليه و سلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فأرسل اليه فأتى فبصق رسول الله صلى الله عليه و سلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي يا رسول الله اقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال صلى الله عليه و سلم انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم وقد رواه مسلم والنسائي جميعا عن قتيبة به وفي الصحيح مسلم والبيهقي من حديث سهيل ابن ابي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله عليه قال عمر فما أحببت الامارة إلا يومئذ فدعا عليا فبعثه ثم قال اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت قال علي على ما أقاتل الناس قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فاذا فعلوا ذلك فقد منعوا منا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله لفظ البخاري
وقال الامام احمد حدثنا مصعب بن المقدام وجحش بن المثنى قالا حدثنا اسرائيل حدثنا عبد الله بن عصمة العجلي سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ الراية فهزها ثم قال من يأخذها بحقها فجاء فلان فقال أنا قال امض ثم جاء رجل آخر فقال امض ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم والذي كرم وجه محمد لاعطينها رجلا لا يفر فقال هاك يا علي فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتها وقديدها تفرد به أحمد واسناده لا بأس به وفيه غرابة وعبد الله بن عصمة ويقال ابن أعصم وهكذا يكنى بأبي علوان العجلي وأصله من اليمامة سكن الكوفة وقد وثقه ابن معين وقال أبو زرعة لا بأس به وقال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ كثيرا وذكره في الضعفاء وقال يحدث عن الاثبات مما لا يشبه حديث الثقات حتى يسبق الى القلب أنها موهومة أو موضوعة (4/185)
وقال يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الاسلمي عن أبيه عن سلمة بن عمرو بن الاكوع رضي الله عنه قال بعث النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر رضي الله عنه الى بعض حصون خيبر فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث عمر رضي الله عنه فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه وليس بفرار قال سلمة فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن ابي طالب رضي الله عنه وهو يومئذ أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ الراية وامض بها حتى يفتح الله عليك فخرج بها والله يصول يهرول هرولة وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال من أنت قال أنا علي بن ابي طالب فقال اليهودي غلبتم وما أنزل على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه
وقال البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا الأصم أنبأنا العطاردي عن يونس بن بكير عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة أخبرني أبي قال لما كان يوم خيبر أخذ اللواء أبو بكر فرجع ولم يفتح له وقتل محمود بن مسلمة ورجع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لادفعن لوائي غدا الى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لن يرجع حتى يفتح الله له فبتنا طيبة نفوسنا أن الفتح غدا فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الغداة ثم دعا باللواء وقام قائما فما منا من رجل له منزلة من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل حتى تطاولت أنا لها ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه فدعا علي بن أبي طالب وهو يشتكي عينيه قال فمسحها ثم دفع اليه اللواء ففتح له فسمعت عبد الله بن بريدة يقول حدثني أبي أنه كان صاحب مرحب
قال يونس قال ابن اسحاق كان أول حصون خيبر فتحا حصن ناعم وعنده قتل محمود بن مسلمة ألقيت عليه رحى منه فقتلته
ثم روى البيهقي عن يونس بن بكير عن المسيب بن مسلمة الازدي حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ربما أخذته الشقيقة فلبث اليوم واليومين لا يخرج فلما نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج الى الناس وان أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو اشد من القتال الاول ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لاعطينها غدا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (4/186)
يأخذها عنوة وليس ثم علي فتطاولت لها قريش ورجا كل رجل منهم أن يكون صاحب ذلك فأصبح وجاء علي بن ابي طالب على بعير له حتى أناخ قلايبا وهو أرمد قد عصب عينه بشقة برد قطري فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مالك قال رمدت بعدك قال ادن مني فتفل في عينه فما وجعها حتى مضى لسبيله ثم أعطاه الراية فنهض بها وعليه جبه أرجو ان حمراء قد أخرج خملها فأتى مدينة خيبر وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر يماني وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز ويقول ... قد علمت خيبر أني مرحب ... شاك سلاحي بطل مجرب ... اذا الليوث أقبلت تلهب ... وأحجمت عن صولة المغلب ...
فقال علي رضي الله عنه ... أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات شديد القسورة ... أكيلكم بالصاع كيل السندره ...
قال فاختلفنا ضربتين فبدره علي بضربه فقد الحجر والمغفر ورأسه ووقع في الاضراس وأخذ المدينة
وقد روى الحافظ البزار عن عباد بن يعقوب عن عبد الله بن بكر عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قصة بعث أبي بكر ثم عمر يوم خيبر ثم بعث علي فكان الفتح على يديه وفي سياقه غرابة ونكارة وفي اسناده من هو متهم بالتشيع والله أعلم
وقد روى مسلم والبيهقي واللفظ له من طريق عكرمة بن عمار عن اياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه فذكر حديثا طويلا وذكر فيه رجوعهم من غزوة بني فزارة قال فلم نمكث الا ثلاثا حتى خرجنا الى خيبر قال وخرج عامر فجعل يقول ... والله لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ... ونحن من فضلك ما استغنينا ... فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الاقدام إن لاقينا ...
قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من هذا القائل فقالوا عامر فقال غفر لك ربك قال وما خص رسول الله صلى الله عليه و سلم قط أحدا به الا استشهد فقال عمر وهو على جمل لولا متعتنا بعامر قال فقدمنا خيبر فخرج مرحب وهو يخطر بسيفه ويقول ... قد علمت خيبر اني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب (4/187)
اذا الحروب أقبلت تلهب ...
قال فبرز له عامر رضي الله عنه وهو يقول ... قد علمت خيبر اني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر ...
قال فاختلفنا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فذهب يسعل له فرجع على نفسه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه قال سلمة فخرجت فإذا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أبكي فقال مالك فقلت قالوا ان عامرا بطل عمله فقال من قال ذلك فقلت نفر من أصحابك فقال كذب أولئك بل له الاجر مرتين قال وأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم الى علي رضي الله عنه يدعوه وهو أرمد وقال لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله قال فجئت به أقوده قال فبصق رسول الله صلى الله عليه و سلم في عينه فبرأ فأعطاه الراية فبرز مرحب وهو يقول ... قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب ... اذا الحروب أقبلت تلهب ...
قال فبرز له علي وهو يقول ... أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره ... أوفيهم بالصاع كيل السندره ...
قال فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله وكان الفتح هكذا وقع في هذا السياق ان عليا هو الذي قتل مرحبا اليهودي لعنه الله
وقال أحمد حدثنا حسين بن حسن الاشقر حدثني قابوس بن ابي ظبيان عن أبيه عن جده عن علي قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقد روى موسى عن عقبة عن الزهري ان الذي قتل مرحبا هو محمد بن مسلمة وكذلك قال محمد بن اسحاق حدثني عبد الله بن سهل أحد بني حارثة عن جابر بن عبد الله قال خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر وهو يرتجز ويقول ... قد علمت خيبر اني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب ... أطعن أحيانا وحينا أضرب ... اذا الليوث أقبلت تلهب ... إن حماتي للحمى لا يقرب ...
قال فأجابه كعب بن مالك ... قد علمت خيبر اني كعب ... مفرج الغماء جريء صلب (4/188)
اذ شبت الحرب وثار الحرب ... معي حسام كالعقيق عضب ... يطأكمو حتى يذل الصعب ... بكف ماض ليس فيه عيب ...
قال وجعل مرحب يرتجز ويقول هل من مبارز فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لهذا فقال محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله أنا والله الموتور والثائر قتلوا اخي بالامس فقال قم اليه اللهم أعنه عليه قال فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بينهما شجرة عمرية من الشجر العشر المسد فجعل كل واحد منهما يلوذ من صاحبه بها كلما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه حتى برز كل واحد منهما لصاحبه وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن ثم حمل على محمد بن مسلمة فضربه فاتقاه بالدرقة فوقع سيفه فيها فعضت فاستله وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله وقد رواه الامام احمد عن يعقوب بن ابراهيم عن أبيه عن ابن اسحاق بنحوه
قال ابن اسحاق وزعم بعض الناس ان محمدا ارتجز حين ضربه وقال ... قد علمت خيبر اني ماض ... حلو اذا شئت وسم قاض ...
وهكذا رواه الواقدي عن جابر وغيره من السلف ان محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبا ثم ذكر الواقدي ان محمدا قطع رجلي مرحب فقال له أجهز علي فقال لا ذق الموت كما ذاقه محمود بن مسلمة فمر به علي وقطع رأسه فاختصما في سلبه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم محمد بن مسلمة سيفه ورمحه ومغفره وبيضته قال وكان مكتوبا على سيفه ... هذا سيف مرحب ... من يذقه يعطب ...
ثم ذكر ابن اسحاق ان أخا مرحب وهو ياسر خرج بعده وهو يقول هل من مبارز فزعم هشام ابن عروة ابن الزبير خرج له فقالت أم صفية بنت عبد المطلب يقتل ابني يا رسول الله فقال بل ابنك يقتله ان شاء الله فالتقيا فقتله الزبير قال فكان الزبير اذا قيل له والله ان كان سيفك يومئذ صارما يقول والله ما كان بصارم ولكني أكرهته
وقال يونس عن ابن اسحاق عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خرجنا مع علي الى خيبر بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم برايته فلما دنا من الحصن خرج اليه اهله فقاتلهم فضربه رجل منهم من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي باب الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده فلقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا ان نقلبه وفي هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر ولكن (4/189)
روى الحافظ البيهقي والحاكم من طريق مطلب بن زياد عن ليث بن ابي سليم عن ابي جعفر الباقر عن جابر ان عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه فافتتحوها وانه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا وفيه ضعف أيضا وفي رواية ضعيفة عن جابر ثم اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب
وقال البخاري حدثنا مكي بن ابراهيم حدثنا يزيد بن ابي عبيد قال رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت يا ابا مسلم ما هذه الضربة قال هذه ضربة اصابتني يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة
ثم قال البخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل قال التقى النبي صلى الله عليه و سلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا فمال كل قوم الى عسكرهم وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها فضربها بسيفه فقيل يا رسول الله ما أجزأ منا أحد ما أجزأ فلان قال انه من أهل النار فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار فقال رجل من القوم لاتبعنه فاذا أسرع وأبطأ كنت معه حتى جرح فاستعجل الموت فوضع نصاب سيفه بالارض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فجاء الرجل الى النبي صلى الله عليه و سلم فقال أشهد انك رسول الله قال وما ذاك فأخبره فقال ان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وانه من اهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وأنه من أهل الجنة رواه أيضا عن قتيبة عن يعقوب عن ابي حازم عن سهل فذكره مثله أو نحوه
ثم قال البخاري حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال شهدنا خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل ممن معه يدعي الاسلام هذا من اهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة حتى كاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم جراحه فأهوى بيده الى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه فاشتد رجال من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال قم يا فلان فاذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر
وقد روى موسى بن عقبة عن الزهري قصة العبد الأسود الذي رزقه الله الايمان والشهادة في ساعة واحدة وكذلك رواها ابن لهيعة عن ابي الأسود عن عروة قالا وجاء عبد حبشي أسود من أهل خيبر كان في غنم لسيده فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح سألهم قال ما تريدون قالوا نقاتل هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فوقع في نفسه ذكر النبي فأقبل بغنمه حتى عمد لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الى ما تدعو قال أدعوك الى الاسلام الى أن تشهد أن لا إله (4/190)
إلا الله وأني رسول الله وأن لا تعبدوا إلا الله قال فقال العبد فماذا يكون لي ان شهدت بذلك وآمنت بالله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الجنة إن مت على ذلك فأسلم العبد فقال يا نبي الله ان هذه الغنم عندي أمانة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصا فان الله سيؤدي عنك أمانتك ففعل فرجعت الغنم الى سيدها فعرف اليهودي أن غلامه قد أسلم فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فوعظ الناس فذكر الحديث في اعطائه الراية عليا ودنوه من حصن اليهود وقتله مرحبا وقتل مع علي ذلك العبد الأسود فاحتمله المسلمون الى عسكرهم فادخل في الفسطاط فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اطلع في الفسطاط ثم اطلع على أصحابه فقال لقد أكرم الله هذا العبد وساقه الى خير قد كان الاسلام في قلبه حقا وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين
وقد روى الحافظ البيهقي من طريق ابن وهب عن حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة خيبر فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها فذكر نحو قصة هذا العبد الأسود وقال فيه قتل شهيدا وما سجد لله سجدة
ثم قال البيهقي حدثنا محمد بن محمد بن محمد الفقيه حدثنا أبو بكر القطان حدثنا أبو الازهر حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله اني رجل أسود اللون قبيح الوجه لا مال لي فان قاتلت هؤلاء حتى اقتل أدخل الجنة قال نعم فتقدم فقاتل حتى قتل فأتي عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مقتول فقال لقد حسن الله وجهك الطيب وكثر مالك وقال لقد رأيت زوجتيه من الحور العين يتنازعان جبته عليه يدخلان فيما بين جلده وجبته ثم روى البيهقي من طريق ابن جريج أخبرني عكرمة بن خالد عن ابن أبي عمار عن شداد ابن الهاد أن رجلا من الاعراب جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فآمن به واتبعه فقال اهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه و سلم بعض أصحابه فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقسمه وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه اليه فقال ما هذا قالوا قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى ها هنا وأشار الى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال ان تصدق الله يصدقك ثم نهضوا الى قتال العدو فأتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم يحمل وقد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه و سلم هو هو قالوا نعم قال صدق الله فصدقه وكفنه النبي صلى الله عليه و سلم في جبة النبي صلى الله عليه و سلم ثم قدمه فصلى عليه وكان مما ظهر في صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك قتل شهيدا وأنا عليه شهيد وقد رواه النسائي عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن ابن جريج به نحوه (4/191)
فصل
قال ابن اسحاق وتدني رسول الله صلى الله عليه و سلم الأموال يأخذها مالا مالا ويفتتحها حصنا حصنا وكان أول حصونهم فتح حصن ناعم وعنده قتل محمود بن مسلمة ألقيت عليه رحى منه فقتلته ثم القموص حصن بني أبي الحقيق وأصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم سبايا منهن صفية بنت حيي بن أخطب وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وبنتي عم لها فاصطفى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية لنفسه وكان دحية بن خليفة قد سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها قال وفشت السبايا من خيبر في المسلمين وأكل الناس لحوم الحمر فذكر نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم إياهم عن أكلها وقد اعتنى البخاري بهذا الفصل فأورد النهي عنها من طرق جيدة وتحريمها مذهب جمهور العلماء سلفا وخلفا وهو مذهب الائمة الاربعة وقد ذهب بعض السلف منهم ابن عباس الى إباحتها وتنوعت أجوبتهم عن الاحاديث الواردة في النهي عنها فقيل لأنها كانت ظهرا يستعينون بها في الحمولة وقيل لأنها لم تكن خمست بعد وقيل لأنها كانت تأكل العذرة يعني جلالة والصحيح أنه نهى عنها لذاتها فانه في الاثر الصحيح أنه نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم ان الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس فاكفئوها والقدور تفور بها وموضع تقرير ذلك في كتاب الاحكام
قال ابن اسحاق حدثني سلام بن كركرة عن عمرو بن دينارعن جابر بن عبد الله ولم يشهد جابر خيبر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين نهى الناس عن اكل لحوم الحمر أذن لهم في لحوم الخيل وهذا الحديث أصله ثابت في الصحيحين من حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في الخيل لفظ البخاري
قال ابن اسحاق وحدثنا عبد الله بن أبي نجيح عن مكحول أن النبي صلى الله عليه و سلم نهاهم يومئذ عن أربع عن إتيان الحبالى من النساء وعن اكل الحمار الأهلي وعن أكل كل ذي ناب من السباع وعن بيع المغانم حتى تقسم وهذا مرسل وقال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق مولى نجيب عن حسن الصنعاني قال غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب فافتتح قرية من قرى المغرب يقال له جربة فقام فيها خطيبا فقال أيها الناس اني لا أقول فيكم الا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فينا يوم خيبر قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماء زرع غيره يعني اتيان الحبالى من السبي لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم (4/192)
الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى اذا أعجفها ردها فيه ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس يوما من فيء المسلمين حتى اذا أخلقه رده فيه وهكذا روى هذا الحديث أبو داود من طريق محمد بن اسحاق ورواه الترمذي عن حفص بن عمرو الشيباني عن ابن وهب عن يحيى بن ايوب عن ربيعة بن سليم عن بشر بن عبيد الله عن رويفع بن ثابت مختصرا وقال حسن
وفي صحيح البخاري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن أكل الثوم وقد حكى ابن حزم عن علي وشريك بن حنبل أنهما ذهبا الى تحريم البصل والثوم النيء والذي نقله الترمذي عنهما الكراهة فالله أعلم وقد تكلم الناس في الحديث الوارد في الصحيحين من طريق الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية هذا لفظ الصحيحين من طريق مالك وغيره عن الزهري وهو يقتضي تقييد تحريم نكاح المتعة بيوم خيبر وهو مشكل من وجهين أحدهما أن يوم خيبر لم يكن ثم نساء يتمتعون بهن اذ قد حصل لهم الاستغناء بالسباء عن نكاح المتعة الثاني أنه قد ثبت في صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة عن معبد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن لهم في المتعة زمن الفتح ثم لم يخرج من مكة حتى نها عنها وقال ان الله قد حرمها الى يوم القيامة فعلى هذا يكون قد نهى عنها ثم أذن فيها ثم حرمت فيلزم النسخ مرتين وهو بعيد ومع هذا فقد نص الشافعي على أنه لا يعلم شيئا أبيح ثم حرم ثم ابيح ثم حرم غير نكاح المتعة وما حداه على هذا رحمه الله الا اعتماده على هذين الحديثين كما قدمناه
وقد حكى السهيلي وغيره عن بعضهم أنه ادعى أنها أبيحت ثلاث مرات وحرمت ثلاث مرات وقال آخرون اربع مرات وهذا بعيد جدا والله أعلم واختلفوا أي وقت أول ما حرمت فقيل في خيبر وقيل في عمرة القضاء وقيل في عام الفتح وهذا يظهر وقيل في أوطاس وهو قريب من الذي قبله وقيل في تبوك وقيل في حجة الوداع رواه أبو داود
وقد حاول بعض العلماء أن يجيب عن حديث علي رضي الله عنه بأنه وقع فيه تقديم وتأخير وانما المحفوظ فيه ما رواه الامام احمد حدثنا سفيان عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد (4/193)
عن أبيهما وكان حسن أرضاهما في أنفسهما أن عليا قال لابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية زمن خيبر قالوا فاعتقدنا الراوي ان قوله خيبر ظرف للمنهي عنهما وليس كذلك انما هو ظرف للنهي عن لحوم الحمر فأما نكاح المتعة فلم يذكر له ظرفا وانما جمعه معه لأن عليا رضي الله عنه بلغه أن ابن عباس أباح نكاح المتعة ولحوم الحمر الاهلية كما هو المشهور عنه فقال له أمير المؤمنين علي انك امرؤ تائه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن نكاح المتعة ولحوم الحمر الاهلية يوم خيبر فجمع له النهي ليرجع عما كان يعتقده في ذلك من الاباحة والى هذا التقرير كان ميل شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي تغمده الله برحمته آمين ومع هذا ما رجع ابن عباس منا كان يذهب [ اليه ] من إباحة الحمر والمتعة أما النهي عن الحمر فتأوله بأنها كانت حمولتهم وأما المتعة فانما كان يبيحها عند الضرورة في الاسفار وحمل النهي على ذلك في حال الرفاهية والوجدان وقد تبعه على ذلك طائفة من أصحابه وأتباعهم ولم يزل ذلك مشهورا عن علماء الحجاز الى زمن ابن جريج وبعده وقد حكى عن الامام أحمد بن حنبل رواية كمذهب ابن عباس وهي ضعيفة وحاول بعض من صنف في الحلال ونقل رواية عن الامام بمثل ذلك ولا يصح أيضا والله أعلم وموضع تحرير ذلك في كتاب الاحكام وبالله المستعان
قال ابن اسحاق ثم جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يتدنى الحصون والاموال فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه بعض من أسلم أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا شيء فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا يعطيهم اياه فقال اللهم إنك قد عرفت تحالهم وإن ليست لهم قوة وإن ليس بيدى شيء أعطيهم اياه فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم عنى وأكثرها طعاما وودكا فغدا الناس ففتح عليهم حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه
قال ابن اسحاق ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم من حصونهم ما افتتح وحاز من الاموال ما حاز انتهوا الى حصنهم الوطيح والسلالم وكان آخر حصون خيبر افتتاحا فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بضع عشر ليلة قال ابن هشام وكان شعارهم يوم خيبر يا منصور أمت أمت
قال ابن اسحاق وحدثني بريدة بن سفيان الاسدي عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر بن كعب بن عمرو قال اني لمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بخيبر ذات عشية اذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ونحن محاصروهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من رجل يطعمنا من هذه الغنم قال أبو اليسر (4/194)
فقلت أنا يا رسول الله قال فافعل قال فخرجت أشتد مثل الظليم فلما نظر الي رسول الله صلى الله عليه و سلم موليا قال اللهم أمتعنا به قال فأدركت الغنم وقد دخلت أولها الحصن فأخذت شاتين من أخراها فاحتضنتهما تحت يدي ثم جئت بهما أشتد كأنه ليس معي شيء حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فذبحوهما فأكلوهما فكان أبو اليسر من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم موتا وكان اذا حدث هذا الحديث بكى ثم قال أمتعوا بي لعمري حتى كنت من آخرهم وقال الحافظ البيهقي في الدلائل أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الاصبهاني حدثنا أبو سعيد بن الاعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا أبو معاوية عن عاصم الاحول عن أبي عثمان النهدي أو عن أبي قلابة قال لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم خيبر قدم والثمرة خضرة قال فأسرع الناس اليها فحموا فشكوا ذلك اليه فأمرهم أن يقرسوا الماء في الشنان ثم يجرونه عليهم اذا أتى الفجر ويذكرون اسم الله عليه ففعلوا ذلك فكأنما نشطوا من عقل قال البيهقي ورويناه عن عبد الرحمن بن رافع موصولا وعنه بين صلاتي المغرب والعشاء وقال الامام أحمد حدثنا يحيى وبهز قالا حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال حدثنا عبد الله بن مغفل قال دلى جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت لا أعطى أحدا منه شيئا قال فالتفت فاذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يبتسم وقال أحمد حدثنا عفان حدثنا شعبةعن حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل قال كنا نحاصر قصر خيبر فألقى الينا جراب في شحم فذهبت فأخذته فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم فاستحيت وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة ورواه مسلم أيضا عن شيبان بن فروخ عن عثمان ابن المغيرة وقال ابن اسحاق وحدثني من لا اتهم عن عبد الله بن مغفل المزني قال أصبت من فيء خيبر جراب شحم قال فاختملته على عنقي الى رحلي وأصحابي قال فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها فأخذ بناحيته وقال هلم حتى تقسمه بين المسلمين قال وقلت لا والله لا أعطيكه قال وجعل يجاذبني الجراب قال فرآنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن نصنع ذلك فتبسم ضاحكا ثم قال لصاحب المغانم خل بينه وبينه قال فأرسله فانطلقت به الى رحلي وأصحابي فأكلناه وقد استدل الجمهور بهذا الحديث على الامام مالك في تحريمه شحوم ذبائح اليهود وما كان غلبهم عليه غيرهم من المسلمين لأن الله تعالى قال وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم قال وليس هذا من طعامهم فاستدلوا عليه بهذا الحديث وفيه نظر وقد يكون هذا الشحم مما كان حلالا لهم والله أعلم وقد استدلوا بهذا الحديث على أن الطعام لا يخمس ويعضد ذلك ما رواه الامام أبو داود حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا اسحاق الشيباني عن محمد بن أبي مجالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال قلت كنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أصبنا طعاما يوم خيبر وكان الرجل يجيء فيأخذ منه قدر ما يكفيه ثم ينصرف تفرد به أبو داود وهو حسن (4/195)
ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية
كان من شأنها أنه لما أجلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يهود بني النضير من المدينة كما تقدم فذهب عامتهم الى خيبر وفيهم حيي بن أخطب وبنو ابي الحقيق وكانوا ذوي أموال وشرف في قومهم وكانت صفية اذ ذاك طفلة دون البلوغ ثم لما تأهلت للتزويج تزوجها بعض بني عمها فلما زفت اليه وادخلت اليه بني بها ومضى على ذلك ليالي رأت في منامها كأن قمر السماء قد سقط في حجرها فقصت رؤياها على ابن عمها فلطم وجهها وقال أتتمنين ملك يثرب أن يصير بعلك فما كان الا مجيء رسول الله صلى الله عليه و سلم وحصاره اياهم فكانت صفية في جملة السبي وكان زوجها في جملة القتلى ولما اصطفاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وصارت في حوزه وملكه كما سيأتي وبنى بها بعد استبرائها وحلها وجد أثر تلك اللطمة في خدها فسالها ما شأنها فذكرت له ما كانت رأت من تلك الرؤيا الصالحة رضي الله عنها وأرضاها قال البخاري حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس بن مالك قال صلى النبي صلى الله عليه و سلم الصبح قريبا من خيبر بغلس ثم قال الله أكبر خربت خيبر انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فخرجوا يسعون في السكك فقتل النبي صلى الله عليه و سلم المقاتلة وسبى الذرية وكان في السبي صفية فصارت الى دحية الكلبي ثم صارت الى النبي صلى الله عليه و سلم فجعل عتقها صداقها ورواه مسلم أيضا من حديث حماد بن زيد وله طرق عن أنس وقال البخاري حدثنا آدم عن شعبة عن عبد العزيز ابن صهيب قال سمعت أنس بن مالك يقول سبى النبي صلى الله عليه و سلم صفية فأعتقها وتزوجها قال ثابت لأنس ما أصدقها قال أصدقها نفسها فاعتقها تفرد به البخاري من هذا الوجه وقال البخاري حدثنا عبد الغفار بن داود حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن وحدثنا أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك قال قدمنا خيبر فلما فتح صلى الله عليه و سلم الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها النبي صلى الله عليه و سلم لنفسه فخرج بها حتى بلغ بها سد الصهباء حلت فبنى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال لي آذن من حولك فكانت تلك وليمته على صفية ثم خرجنا الى المدينة فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب تفرد به دون مسلم وقال البخاري حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرني حميد أنه سمع أنسا يقول أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفية فدعوت المسلمين الى وليمته وما كان فيها من خبز ولحم وما كان فيها الا أن أمر بلالا بالانطاع فبسطت فألقى عليها التمر والاقط والسمن فقال المسلمون احدى أمهات المؤمنين أو (4/196)
ما ملكت يمينه فقالوا ان حجبها فهي احدى أمهات المؤمنين وان لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب انفرد به البخاري وقال أبو داود حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال صارت صفية لدحية الكلبي ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقال أبو داود حدثنا يعقوب بن ابراهيم قال حدثنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال جمع السبي يعني بخيبر فجاء دحية فقال يا رسول الله اعطني جارية من السبي قال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا نبي الله أعطيت دحية قال يعقوب صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ما تصلح الا لك قال ادعوا بها فلما نظر اليها النبي صلى الله عليه و سلم قال خذ جارية من السبي غيرها وان رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتقها وتزوجها وأخرجاه من حديث ابن علية وقال أبو داود حدثنا محمد بن خلاد الباهلي حدثنا بهز بن اسد حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس قال وقع في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسبعة أرؤس ثم دفعها الى أم سلمة تصنعها وتهيئها قال حماد وأحسبه قال وتعتد في بيتها صفية بنت حيي تفرد به أبو داود
قال ابن اسحاق فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم القموص حصن بني أبي الحقيق أتي بصفية بنت حيي ابن أخطب وأخرى معها فمر بهما بلال وهو الذي جاء بهما على قتلى من قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اعربوا عني هذه الشيطانة وأمر بصفية فحيزت خلفه وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد اصطفاها لنفسه وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لبلال فيما بلغني حين رأى بتلك اليهودية ما رأى أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن ابي الحقيق أن قمرا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما هذا الا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها فاتى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وبها أثر منه فسألها ما هذا فأخبرته الخبر قال ابن اسحاق وأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بكنانة بن الربيع وكان عنده كنز بني النضير فسأله عنه فجحد ان يكون يعلم مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل من اليهود فقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم اني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لكنانة أرأيت ان وجدناه عندك أقتلك قال نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤديه فأمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم الزبير بن العوام فقال عذبه حتى تستأصل ما عنده وكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة (4/197)
فصل
قال ابن اسحاق وحاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم حتى اذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم وأن يحقن دماءهم ففعل وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد حاز الاموال كلها الشق والنطاة والكتيبة وجميع حصونهم الا ما كان من ذينك الحصنين فلما سمع أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ان يسيرهم ويحقن دماءهم ويخلوا له الاموال ففعل وكان ممن مشى بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود أخو بني حارثة فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعاملهم في الاموال على النصف وقالوا نحن أعلم بها منكم وأعمر لها فصالحهم رسول الله صلى الله عليه و سلم على النصف على أنا اذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم وعامل أهل فدك بمثل ذلك فصل
فتح حصونها وقسيمة أرضها
قال الواقدي لما تحولت اليهود من حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ الى قلعة الزبير حاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة ايام فجاء رجل من اليهود يقال له عزال فقال يا ابا القاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النطاة وتخرج الى أهل الشق فان أهل الشق قد هلكوا رعبا منك قال فأمنه رسول الله على أهله وماله فقال له اليهودي انك لو اقمت شهرا تحاصرهم ما بالوا لك ان لهم تحت الارض دبولا يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعن الى قلعتهم فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقطع دبولهم فخرجوا فقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود عشرة وافتتحه رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان آخر حصون النطاة وتحول الى الشق وكان به حصون ذوات عدد فكان أول حصن بدأ به منها حصن أبي فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أشد القتال فخرج منهم رجل يقال له عزول فدعا الى البراز فبرز اليه الحباب بن المنذر فقطع يده اليمنى من نصف ذراعه ووقع السيف من يده وفر اليهودي راجعا فاتبعه الحباب فقطع عرقوبه وبرز منهم آخر فقام اليه رجل من المسلمين فقتله اليهودي فنهض اليه أبو دجانة فقتله وأخذ سلبه وأحجموا عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه وأمامهم أبو دجانة فوجدوا فيه اثاثا ومتاعا وغنما وطعاما وهرب من كان فيه من المقاتلة وتقحموا الجزر كأنهم الضباب حتى صاروا الى حصن البزاة بالشق وتمنعوا أشد الامتناع فزحف اليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فتراموا ورمى معهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده الكريمة حتى اصاب نبلهم بنانه عليه الصلاة و السلام فأخذ عليه السلام كفا من الحصا فرمى حصنهم بها فرجف بهم حتى ساخ في الارض وأخذهم المسلمون أخذا باليد قال الواقدي (4/198)
ثم تحول رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أهل الاخبية والوطيح والسلالم حصني أبي الحقيق وتحصنوا اشد التحصن وجاء اليهم كل من كان انهزم من النطاة الى الشق فتحصنوا معهم في القموص وفي الكتيبة وكان حصنا منيعا وفي الوطيح والسلالم وجعلوا لا يطلعون من حصونهم حتى هم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينصب المنجنيق عليهم فلما أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة عشر يوما نزل اليه ابن أبي الحقيق فصالحه على حقن دمائهم ويسيرهم ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين ما كان لهم من الارض والاموال والصفراء والبيضاء والكراع والحلقة وعلى البر الا ما كان على ظهر انسان يعني لباسهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله ان كتمتم شيئا فصالحوه على ذلك
قلت ولهذا لما كتموا وكذبوا وأخفوا ذلك المسك الذي كان فيه أموال جزيلة تبين انه لا عهد لهم فقتل ابني أبي الحقيق وطائفة من اهله بسبب نقض العهود منهم والمواثيق
وقال الحافظ البيهقي حدثني أبو الحسن علي بن محمد المقرىالاسفرايني حدثنا الحسن بن محمد ابن اسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا حماد بن سلمة حدثنا عبيد الله بن عمر فيما يحسب أبو سلمة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم الى قصرهم فغلب على الارض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه و سلم الصفراء والبيضاء ويخرجون منها واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فان فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب وكان احتمله معه الى خيبر حين أجليت النضير فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حينئذ ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير فقال أذهبته النفقات والحروب فقال العهد قريب والمال أكثر من ذلك فدفعه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الزبير فمسه بعذاب وقد كان حيي قبل ذلك دخل خربة فقال قد رأيت حييا يطوف في خربة ها هنا فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة فقتل رسول الله صلى الله عليه و سلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب وسبى رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا وأراد اجلاءهم منهما فقالوا يا محمد دعنا نكون في هذه الارض نصلحها ونقوم عليها ولم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا لأصحابه غلال يقومون عليها وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه و سلم وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرجها عليهم ثم يضمنهم الشطر فشكوا الى رسول الله شدة خرصه وأرادوا أن يرشوه فقال يا أعداء الله تطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس الي ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم وحبي اياه على أن لا أعدل عليكم فقالوا بهذا قامت السموات والأرض قال فرأى رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/199)
بعين صفية خضرة فقال يا صفية ما هذه الخضرة فقالت كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة فرأيت كأن قمرا وقع في حجري فأخبرته بذلك فلطمني وقال تتمنين ملك يثرب قالت وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم من أبغض الناس الي قتل زوجي وأبي فما زال يعتذر الي ويقول ان أباك ألب علي العرب وفعل ما فعل حتى ذهب ذلك من نفسي وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل عام وعشرين وسقا من شعير فلما كان في زمان عمر غشوا المسلمين وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه فقال عمر من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها فقسمها بينهم فقال رئيسهم لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر فقال عمر أتراني سقط على قول رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف بك إذا وقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية وقد رواه أبو داود مختصرا من حديث حماد بن سلمة قال البيهقي وعقله البخاري في كتابه فقال ورواه حماد بن سلمة قلت ولم أره في الأطراف فالله أعلم وقال أبو داود حدثني سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن عبد الله بن عمر قال لما فتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نقرهم على أن يعملوا على النصف مما خرج منها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أقركم فيها على ذلك ما شئنا فكانوا على ذلك وكان التمر يقسم على السهمان من نصف خيبر ويأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم الخمس وكان أطعم كل امرأة من أزواجه من الخمس مائة وسق من تمر وعشرين وسقا من شعير فلما أراد عمر إخراج اليهود أرسل الى أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهن من أحب منكن أن أقسم لها مائة وسق فيكون لها أصلها وأرضها وماؤها ومن الزرع مزرعة عشرين وسقا من شعير فعلنا ومن أحب أن نعزل الذي لها في الخمس كما هو فعلنا وقد روى أبو داود من حديث محمد بن اسحاق حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر قال أيها الناس ان رسول الله صلى الله عليه و سلم عامل يهود خيبر على ان يخرجهم اذا شاء فمن كان له مال فليلحق به فاني مخرج يهود فأخرجهم وقال البخاري حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره قال مشيت أنا بن عفان وعثمان الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلنا أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة منك فقال انما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد قال جبير بن مطعم ولم يقسم النبي صلى الله عليه و سلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا تفرد به دون مسلم وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ان بني هاشم وبني عبد المطلب شيء واحد انهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام قال الشافعي دخلوا معهم في الشعب وناصروهم في إسلامهم وجاهليتهم قلت وقد ذم أبو طالب بني عبد شمس ونوفلا حيث يقول (4/200)
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شر عاجلا غير آجل ...
وقال البخاري حدثنا الحسن بن اسحاق ثنا محمد بن ثابت ثنا زائدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما قال فسره نافع فقال اذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم وإن لم يكن معه فرس فله سهم وقال البخاري حدثنا سعيد بن أبي مريم ثنا محمد بن جعفر أخبرني زيد عن أبيه أنه سمع عمر بن الخطاب يقول أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببانا ليس لهم شيء ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه و سلم خيبر ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها وقد رواه البخاري أيضا من حديث مالك وأبو داود عن احمد بن حنبل عن ابن مهدي عن مالك عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر به وهذا السياق يقتضي أن خيبر بكمالها قسمت بين الغانمين وقد قال أبو داود ثنا ابن السرح أنبأنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال وترك من ترك من أهلها [ على الجلاء ] بعد القتال وبهذا قال الزهري خمس رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر ثم قسم سائرها على من شهدها وفيما قاله الزهري نظر فان الصحيح أن خيبر جميعها لم تقسم وإنما قسم نصفها بين الناس كما سيأتي بيانه وقد احتج بهذا مالك ومن تابعه على أن الامام مخير في الاراضي المغنومة إن شاء قسمها وإن شاء رصدها لمصالح المسلمين وإن شاء قسم بعضها وأرصد بعضها لما ينوبه في الحاجات والمصالح قال أبو داود حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ثنا أسد بن موسى حدثنا يحيى بن زكريا حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن ابي حثمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما تفرد به أبو داود ثم رواه أبو داود من حديث بشير بن يسار مرسلا فعين نصف النوائب الوطيح والكتيبة والسلالم وما حيز معها ونصف المسلمين الشق والنطاة وما حيز معهما وسهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما حيز معهما وقال أيضا حسين بن علي ثنا محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار مولى الأنصار عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ظهر على خيبر فقسمها على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم مائة سهم فكان لرسول الله صلى الله عليه و سلم وللمسلمين النصف من ذلك وعزل النصف الثاني لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس تفرد به أبو داود قال أبو داود حدثنا محمد بن عيسى ثنا مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري سمعت ابي (4/201)
يعقوب بن مجمع يقول عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الانصاري عن عمه مجمع بن حارثة الانصاري وكان احد القراء الذين قرءوا القرآن قال قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه و سلم على ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة فيهم ثلثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهما تفرد به أبو داود وقال مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب أخبره أن النبي صلى الله عليه و سلم افتتح بعض خيبر عنوة ورواه أبو داود ثم قال أبو داود قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد أخبركم ابن وهب حدثني مالك بن انس عن ابن شهاب أن خيبر بعضها كان عنوة وبعضها صلحا والكتيبة أكثرها عنوة وفيها صلح قلت لمالك وما الكتيبة قال أرض خيبر وهي أربعون ألف عذق قال أبو داود والعذق النخلة والعذق العرجون ولهذا قال البخاري حدثنا محمد بن بشار ثنا حرمي ثنا شعبة ثنا عمارة عن عكرمة عن عائشة قالت لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر حدثنا الحسن ثنا قرة بن حبيب ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر قال ما شبعنا يعني من التمر حتى فتحنا خيبر وقال محمد بن اسحاق كانت الشق والنطاة في سهمان المسلمين الشق ثلاثة عشر سهما ونطاة خمسة أسهم قسم الجميع على الف وثمانمائة سهم ودفع ذلك إلى من شهد الحديبية من حضر خيبر ومن غاب عنها ولم يغب عن خيبر ممن شهد الحديبية إلا جابر بن عبد الله فضرب له بسهمه قال وكان أهل الحديبية ألفا وأربعمائة وكان معهم مائتا فرس لكل فرس سهمان فصرف الى كل مائة رجل سهم من ثمانية عشر سهما وزيد المائتا فارس أربعمائة سهم لخيولهم وهكذا رواه البيهقي من طريق سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن صالح بن كيسان أنهم كانوا الفا وأربعمائة معهما مائتا فرس
قلت وضرب رسول الله معهم بسهم وكان أول سهم من سهمان الشق مع عاصم بن عدي قال ابن اسحاق وكانت الكتيبة خمسا لله تعالى وسهم للنبي صلى الله عليه و سلم وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وطعمة أزواج النبي صلى الله عليه و سلم وطعمة أقوام مشوا في صلح أهل فدك منهم محيصة بن مسعود أقطعه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثين وسقا من تمر وثلاثين وسقا من شعير قال وكان وادياها اللذان قسمت عليه يقال لهما وادي السرير ووادي خاص ثم ذكر ابن اسحاق تفاصيل الاقطاعات منها فأجاد وافاد رحمه الله قال وكان الذي ولي قسمتها وحسابها جبار بن صخر بن أمية ابن خنساء أخو بني سلمة وزيد بن ثابت رضي الله عنهما
قلت وكان الأمير على خرص نخيل خيبر عبد الله بن رواحة فخرصها سنتين ثم لما قتل رضي الله عنه كما سيأتي في يوم مؤتة ولى بعده جبار بن صخر رضي الله عنه وقد قال البخاري حدثنا اسماعيل حدثني مالك عن عبد المجيد بن وسهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة (4/202)
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استعمل رجلا على خيبر فجاء بتمر جنيب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أكل تمر خيبر هكذا قال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا قال البخاري وقال الدراوردي عن عبد المجيد عن سعيد بن المسيب أن أبا سعيد وأبا هريرة حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث أخا بني عدي من الانصار الى خيبر وأمره عليها وعن عبد المجيد عن أبي صالح السمان عن أبي سعيد وأبي هريرة مثله
قلت وكان سهم النبي صلى الله عليه و سلم الذي اصاب مع المسلمين مما قسم بخيبر وفدك بكمالها وهي طائفة كبيرة من أرض خيبر نزلوا من شدة رعبهم منه صلوات الله وسلامه عليه فصالحوه وأموال بني النضير المتقدم ذكرها مما لا يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت هذه الأموال لرسول الله صلى الله عليه و سلم خاصة وكان يعزل منها نفقة أهله لسنة ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله يصرفه في الكراع والسلاح ومصالح المسلمين فلما مات صلوات الله وسلامه عليه اعتقدت فاطمة وأزواج النبي صلى الله عليه و سلم أو أكثرهن أن هذه الأراضي تكون موروثة عنه ولم يبلغهم ما ثبت عنه من قوله صلى الله عليه و سلم نحن معشر الانبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ولما طلبت فاطمة وأزواج النبي صلى الله عليه و سلم والعباس نصيبهم من ذلك وسألوا الصديق أن يسلمه اليهم وذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نورث ما تركنا صدقة وقال انا أعول من كان يعول رسول الله والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب الي أن أصل من قرابتي وصدق رضي الله عنه وأرضاه فانه البار الراشد في ذلك التابع للحق وطلب العباس وعلي على لسان فاطمة إذ قد فاتهم الميراث أن ينظرا في هذه الصدقة وأن يصرفا ذلك في المصارف التي كان النبي صلى الله عليه و سلم يصرفها فيها فأبى عليهم الصديق ذلك ورأى أن حقا عليه أن يقوم فيما كان يقوم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن لا يخرج من مسلكه ولا عن سنته فتغضبت فاطمة رضي الله عنها عليه في ذلك ووجدت في نفسها بعض الموجدة ولم يكن لها ذلك والصديق من قد عرفت هي والمسلمون محله ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقيامه في نصرة النبي صلى الله عليه و سلم في حياته وبعد وفاته فجزاه الله عن نبيه وعن الاسلام وأهله خيرا وتوفيت فاطمة رضي الله عنها بعد ستىة أشهر ثم جدد علي البيعة بعد ذلك فلما كان أيام عمر بن الخطاب سألوه أن يفوض أمر هذه الصدقة الى علي والعباس وثقلوا عليه بجماعة من سادات الصحابة ففعل عمر رضي الله عنه ذلك وذلك لكثرة اشغاله واتساع مملكته وامتداد رعيته فتغلب علي على عمه العباس فيها ثم تساوقا يختصمان الى عمر وقدما بين أيديهما جماعة من الصحابة وسألا منه أن يقسمها بينهما فينظر كل منهما فيما لا ينظر فيه الآخر وقال انظرا فيها وأنتما جميع فان عجزتما عنها فادفعاها الي والذي فانتفع عمر من ذلك أشد الامتناع وخشى أن تكون هذه القسمة تشبه قسمة الواريث تقوم السماء والأرض بأمره لا أقضي فيها غير هذا فاستمرا فيها ومن (4/203)
بعدهما الى ولدهما الى ايام بني العباس تصرف في المصارف التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصرفها فيها أموال بني النضير وفدك وسهم رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر فصل
واما من شهد خيبر من العبيد والنساء فرضخ لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا من الغنيمة ولم يسهم لهم قال أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل ثنا بشر بن المفضل عن محمد بن زيد حدثني عمير مولى آبي اللحم قال شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بي فقلدت سيفا فاذا أنا أجره فأخبر أني مملوك فأمر لي بشيء من طريق المتاع ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن بشر بن المفضل به [ وقال الترمذي حسن صحيح ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع عن هشام بن سعد ] عن محمد بن زيد بن المهاجر عن منقذ عن عمير به
وقال محمد بن اسحاق وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نساء فرضخ لهن [ من الفيء ] ولم يضرب لهن بسهم حدثني سليمان بن سحيم عن أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار قد سماها لي قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في نسوة من بني غفار فقلنا يا رسول الله قد اردنا أن نخرج معك الى وجهك هذا وهو يسير الى خيبر فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا فقال على بركة الله قالت فخرجنا معه قالت وكنت جارية حدثة السن فأردفني رسول الله صلى الله عليه و سلم على حقيبة رحله [ قالت فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الصبح ونزلت عن حقيبة رحله قالت ] واذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها قالت فتقبضت الى الناقة واستحيت فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بي ورأى الدم قال مالك لعلك نفست قالت قلت نعم قال فاصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم ثم عودي لمركبك قالت فلما فتح الله خيبر رضخ لنا من الفيء وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها وعلقها بيده في عنقي فوالله لا تفارقني أبدا وكانت في عنقها حتى ماتت ثم أوصت أن تدفن معها قالت وكانت لا تطهر من حيضها إلا جعلت في طهورها ملحا وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت وهكذا رواه الامام وأبو داود من حديث محمد بن اسحاق به قال شيخنا أبو الحجاج المزي في أطرافه ورواه الواقدي عن أبي بكر بن ابي سبرة عن سليمان بن سحيم عن أم علي بنت أبي الحكم عن أمية بنت أبي الصلت عن النبي صلى الله عليه و سلم به وقال الامام احمد حدثنا حسن بن موسى ثنا رافع بن سلمة (4/204)
الأشجعي حدثني حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاة خيبر وانا سادسة ست نسوة قالت فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم أن معه نساء قالت فأرسل الينا فدعانا قالت فرأينا في وجهه الغضب فقال ما أخرجكن وبأمر من خرجتن قلنا خرجنا نناول السهام ونسقي السويق ومعنا دواء للجرحى ونغزل الشعر فنعين به في سبيل الله قال فمرن فانصرفن قالت فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاما كسهام الرجال فقلت لها يا جدة وما الذي أخرج لكن قالت تمرا قلت إنما أعطاهن من الحاصل فأما أنه أسهم لهن في الأرض كسهام الرجال فلا والله أعلم وقال الحافظ البيهقي وفي كتابي عن أبي عبد الله الحافظ أن عبد الله الأصبهاني أخبره حدثنا الحسين ابن الجهم ثنا الحسين بن الفرج ثنا الواقدي حدثني عبد السلام بن موسى بن جبير عن أبيه عن جده عن عبد الله بن أنيس قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى خيبر ومعي زوجتي وهي حبلى فنفست في الطريق فأخبرت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي انقع لها تمرا فاذا انغمر فأمر به لتشربه ففعلت فما رأت شيئا تكرهه فلما فتحنا خيبر أجدى النساء ولم يسهم لهن فأجدى زوجتي وولدي الذي ولد قال عبد السلام لست ادري غلام أو جارية
ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون
قال البخاري حدثنا محمد بن العلاء ثنا أبو اسامة ثنا يزيد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى قال بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه و سلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين اليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهم ابو بردة والآخر ابو رهم إما قال في بضع وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا الى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبي صلى الله عليه و سلم حين افتتح خيبر فكان أناس من الناس يقولون لنا يعني لأهل السفينة سبقناكم بالهجرة ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم زائرة وقد كانت هاجرت الى النجاشي فيمن هاجر فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال حين رأى أسماء من هذه قالت اسماء ابنة عميس قال عمر الحبشية هذه البحرية هذه قالت اسماء نعم قال سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه و سلم منكم فغضبت وقالت كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء والبغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى اذكر ما قلت للنبي صلى الله عليه و سلم وأسأله ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه فلما جاء النبي صلى الله عليه و سلم قالت يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا قالت قال فما قلت (4/205)
له قالت قلت كذا وكذا قال ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى وأهل السفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به افرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه و سلم قال أبو بردة قالت أسماء فلقد رأيت أبا موسى وأنه ليستعيد هذا الحديث مني وقال أبو بردة عن أبي موسى قال النبي صلى الله عليه و سلم إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم ار منازلهم حين نزلوا بالنهار ومنهم حكيم بن حزام اذا لقي العدو أو قال الخيل قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب وعبد الله بن براد عن أبي أسامة به ثم قال البخاري قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم ثنا حفص بن غياث ثنا يزيد بن [ عبد الله بن ] أبي بردة عن أبي موسى قال قدمنا على النبي صلى الله عليه و سلم بعد أن افتتح خيبر فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا تفرد به البخاري دون مسلم ورواه أبو داود والترمذي وصححه من حديث يزيد به وقد ذكر محمد بن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عمرو بن امية الضمري الى النجاشي يطلب منه من بقي من أصحابه بالحبشة فقدموا صحبة جعفر وقد فتح النبي صلى الله عليه و سلم خيبر قال وقد ذكر سفيان بن عيينة عن الأجلح عن الشعبي أن جعفر بن ابي طالب قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم بين عينيه والتزمه وقال ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر هكذا رواه سفيان الثوري عن الأجلح عن الشعبي مرسلا واسند البيهقي من طريق حسن بن حسين العرزمي عن الأجلح عن الشعبي عن جابر قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر قدم جعفر من الحبشة فتلقاه وقبل جبهته وقال والله ما أدري بأيهما افرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ثم قال البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا الحسين بن أبي اسماعيل العلوي ثنا احمد بن محمد البيروتي ثنا محمد بن احمد بن ابي طيبة حدثني مكي بن ابراهيم الرعيني ثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما نظر جعفر اليه حجل قال مكي يعني مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم بين عينيه ثم قال البيهقي في إسناده من لا يعرف الى الثوري
قال ابن اسحاق وكان الذين تأخروا مع جعفر من أهل مكة الى أن قدموا معه خيبر ستة عشر رجلا وسرد أسماءهم واسماء نسائهم وهم جعفر بن ابي طالب الهاشمي وامرأته اسماء بنت عميس وابنه عبد الله ولد بالحبشة وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس وامرأته أمينة (4/206)
بنت خلف بن اسعد وولداه سعيد وأمه بنت خالد ولدا بأرض الحبشة وأخوه عمرو بن سعيد ابن العاص ومسعيب بن أبي فاطمة وكان الى آل سعيد بن العاص قال وأبو موسى الاشعري عبد الله ابن قيس حليف آل عتبة بن ربيعة وأسود بن نوفل بن خويلد بن اسد الأسدي وجهم بن قيس ابن عبد شرحبيل العبدري وقد ماتت امرأته أم حرملة بنت عبد الاسود بارض الحبشة وابنا عمرو وابنته خزيمة ماتا بها رحمهم الله وعامر بن أبي وقاص الزهري وعتبة بن مسعود حليف لهم من هذيل والحارث بن خالد بن صخر التيمي وقد هلكت بها امرأته ريطة بنت الحارث رحمها الله وعثمان بن ربيعة بن أهبان الجمحي ومحمية بن جزء الزبيدي حليف بني سهم ومعمر بن عبد الله بن نضلة العدوي وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس العامريان ومع مالك هذا امرأته عمرة بنت السعدي والحارث بن عبد شمس بن لقيط الفهري
قلت ولم يذكر ابن اسحاق أسماء الأشعريين الذين كانوا مع أبي موسى الاشعري وأخويه أبا بردة وابا رهم وعمه أبا عامر بل لم يذكر من الأشعريين غير أبي موسى ولم يتعرض لذكر أخويه وهما أسن منه كما تقدم في صحيح البخاري وكأن ابن اسحاق رحمه الله لم يطلع على حديث أبي موسى في ذلك والله أعلم قال وقد كان معهم في السفينتين نساء من نساء من هلك من المسلمين هنالك وقد حرر ها هنا شيئا كثيرا حسنا قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان سمعت الزهري وسأله اسماعيل بن أمية قال أخبرني عنبسة بن سعيد أن أبا هريرة اتى رسول الله صلى الله عليه و سلم وسأله يعني أن يقسم له فقال بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه فقال أبو هريرة هذا قاتل ابن قوقل فقال واعجبا لوبر تدلى من قدوم الضأل تفرد به دون مسلم قال البخاري ويذكر عن الزبيدي عن الزهري أخبرني عنبسة بن سعيد أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبانا على سرية من المدينة قبل نجد قال أبو هريرة فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه و سلم بخيبر بعد ما افتتحها وأن حزم خيلهم لليف قال أبو هريرة فقلت يا رسول الله لا تقسم لهم فقال ابان وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضأل وقال النبي صلى الله عليه و سلم يا أبان اجلس ولم يقسم لهم وقد اسند أبو داود هذا الحديث عن سعيد بن منصور عن اسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي به نحوه ثم قال البخاري حدثنا موسى بن اسماعيل ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد أخبرني جدي وهو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أن أبان بن سعيد أقبل الى النبي صلى الله عليه و سلم فسلم عليه فقال أبو هريرة يا رسول الله هذا قاتل ابن قوقل فقال أبان لأبي هريرة واعجبا لك يا وبر تردى من قدوم ضأل تنعى على امرءا أكرمه الله بيدي ومنعه أن يهينني بيده هكذا رواه منفردا به ها هنا وقال في الجهاد بعد (4/207)
حديث الحميدي عن سفيان عن الزهري عن عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بخيبر بعد ما افتتحها فقلت يا رسول الله أسهم لي فقال بعض آل سعيد بن العاص لا تقسم له فقلت يا رسول الله هذا قاتل ابن قوقل الحديث قال سفيان حدثنيه السعدي يعني عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده عن أبي هريرة بهذا ففي هذا التصريح من أبي هريرة بأنه لم يشهد خيبر وتقدم في أول هذه الغزوة رواه الامام احمد من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة وأنه قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ما افتتح خيبر فكلم المسلمين فأشركونا في اسهامهم قال الامام احمد حدثنا روح ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمار بن ابي عمار قال ما شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مغنما قط إلا قسم لي إلا خيبر فانها كانت لأهل الحديبية خاصة
قلت وكان أبو هريرة وأبو موسى جا آبين الحديبية وخيبر وقد قال البخاري حدثنا عبد الله ابن محمد ثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو اسحاق عن مالك بن انس حدثني ثور حدثني سالم مولى [ عبد الله ] بن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا الابل والبقر والمتاع والحوائط ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى وادي القرى ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له بعض بني الضبيب فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاءه سهم عائر حتى اصاب ذلك العبد فقال الناس هنيئا له بالشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فجاء رجل حين سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه و سلم بشراك أو شراكين فقال هذا شيء كنت أصبته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم شراك أو شراكين من نار
قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر
قال البخاري رواه عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث حدثني سعيد عن أبي هريرة قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه و سلم شاة فيها سم هكذا أورده ها هنا مختصرا وقد قال الامام احمد حدثنا حجاج ثنا ليث عن سعيد بن ابي سعيد عن ابي هريرة قال لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه و سلم شاة فيها سم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اجمعوا لي من كان ها هنا من يهود فجمعوا له فقال النبي صلى الله عليه و سلم إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه قالوا نعم يا أبا القاسم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم من أبوكم قالوا أبونا فلان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذبتم بل أبوكم فلان قالوا صدقت وبررت فقال هل أنتم صادقي عن شيء اذا سألتكم عنه قالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أهل النار فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم والله لا نخلفكم فيها (4/208)
أبدا ثم قال لهم هل أنتم صادقي عن شيء إذا سألتكم فقالوا نعم يا أبا القاسم فقال هل جعلتم في هذه الشاة سما فقالوا نعم قال ما حملكم على ذلك قالوا أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك وقد رواه البخاري في الجزية عن عبد الله بن يوسف وفي المغازي أيضا عن قتيبة كلاهما عن الليث به وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو العباس الأصم حدثنا سعيد بن سليمان ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن امرأة من يهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه و سلم شاة مسمومة فقال لأصحابه أمسكوا فانها مسمومة وقال لها ما حملك على ما صنعت قالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه وإن كنت كاذبا أريج الناس منك قال فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن سعيد بن سليمان به ثم روى البيهقي عن طريق عبد الملك بن ابي نضرة عن أبيه عن جابر بن عبد الله نحو ذلك وقال الامام احمد حدثنا شريح ثنا عباد عن هلال هو ابن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه و سلم شاة مسمومة فأرسل اليها فقال ما حملك على ما صنعت قالت أحببت أو أردت إن كنت نبيا فان الله سيطلعك عليه وإن لم تكن نبيا أريح الناس منك قال فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا وجد من ذلك شيئا احتجم قال فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم تفرد به أحمد واسناده حسن وفي الصحيحين من حديث شعبة عن هشام ابن زيد عن أنس بن مالك أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألها عن ذلك قالت اردت لأقتلك فقال ما كان الله ليسلطك علي أو قال على ذلك قالوا ألا تقتلها قال لا قال أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال أبو داود حدثنا سليمان بن داود المهري ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم الذراع فأكل منها وأكل رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ارفعوا أيديكم وأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المرأة فدعاها فقال لها أسممت هذه الشاة قالت اليهودية من أخبرك قال أخبرتني هذه التي في يدي وهي الذراع قالت [ نعم ] قال فما أردت بذلك قالت قلت إن كنت نبيا فلن يضرك وإن لم تكن نبيا استرحنا منك فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يعاقبها وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم النبي صلى الله عليه و سلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة (4/209)
وهو مولى لبني بياضة من الانصار ثم قال أبو داود حدثنا وهب بن بقية ثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية نحو حديث جابر قال فمات بشر ابن البراء بن معرور فأرسل الى اليهودية فقال ما حملك على الذي صنعت فذكر نحو حديث جابر فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة قال البيهقي ورويناه من حديث حماد ابن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ويحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء ثم لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها وروى البيهقي من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن امرأة يهودية أهدت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم شاة مصلية بخيبر فقال ما هذه قالت هدية وحذرت أن تقول صدقة فلا يأكل قال فأكل وأصحابه ثم قال امسكوا ثم قال للمرأة هل سمعت قالت من أخبرك هذا قال هذا العظم لساقها وهو في يده قالت نعم قال لم قالت أردت إن كنت كاذبا أن نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك قال فاحتجم رسول الله صلى الله عليه و سلم على الكاهل وأمر اصحابه فاحتجموا ومات بعضهم قال الزهري فأسلمت فتركها النبي صلى الله عليه و سلم قال البيهقي هذا مرسل ولعله قد يكون عبد الرحمن حمله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وذكر ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة وكذلك موسى بن عقبة عن الزهري قالوا لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر وقتل منهم من قتل أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاة مصلية وسمتها وأكثرت في الكتف والذراع لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على صفية ومعت بشر بن البراء بن معرور وهو أحد بني سلمة فقدمت اليهم الشاة المصلية فتناول رسول الله صلى الله عليه و سلم الكتف وانتهش منها وتناول بشر عظما فانتهش منه فلما استرط رسول الله صلى الله عليه و سلم لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ارفعوا أيديكم فان كتف هذه الشاة يخبرنى أنى نعيت فيها فقال بشر بن البراء والذى أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني إن ألفظها الا أني أعظمتك أن أبغضك طعامك فلما أسغت ما في فيك لم ارغب بنفسي عن نفسك ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها نعي فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان وماطله وجعه حتى كان لا يتحول حتى يحول قال الزهري قال جابر واحتجم رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ حجمه مولى بني بياضة بالقرن والشفرة وبقي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه فقال ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم شهيدا (4/210)
وقال محمد بن اسحاق فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام ابن مشكم شاة مصلية وقد سالت أي عضو أحب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم ثم سمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور قد اخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأما بشر فاساغها وأما رسول الله صلى الله عليه و سلم فلفظها ثم قال إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ثم دعا بها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت إن كان كذابا استرحت منه وإن كان نبيا فسيخبر قال فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم ومات بشر من أكلته التي أكل
قال ابن اسحاق وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ودخلت عليه أخت بشر بن البراء بن معرور يا أم بشر إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر قال ابن هشام الأبهر العرق المعلق بالقلب قال فان كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا هلال بن بشر وسليمان بن يوسف الحراني قالا ثنا أبو غياث سهل بن حماد ثنا عبد الملك بن ابي نضرة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن يهودية أهدت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم شاة سميطا فلما بسط القوم أيديهم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمسكوا فان عضو من أعضائها يخبرني أنها مسمومة فأرسل الى صاحبتها أسممت طعامك قالت نعم قال ما حملك على ذلك قالت إن كنت كذابا أن أريح الناس منك وإن كنت صادقا علمت أن الله سيطلعك عليه فبسط يده وقال كلوا بسم الله قال فأكلنا وذكرنا اسم الله فلم يضر أحد منا ثم قال لا يروى عن عبد الملك بن ابي نضرة إلا من هذا الوجه
قلت وفيه نكارة وغرابة شديدة والله أعلم وذكر الواقدي أن عيينة بن حصن قبل أن يسلم رأى في منامه رؤيا ورسول الله صلى الله عليه و سلم محاصر خيبر فطمع من رؤياه أن يقاتل رسول الله صلى الله عليه و سلم فيظفر به فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر وجده قد افتتحها فقال يا محمد اعطني ما غنمت من حلفائي يعني أهل خيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم كذبت رؤياك وأخبره بما رأى فرجع عيينة فلقيه الحارث بن عوف فقال ألم أقل إنك توضع في غير شيء والله ليظهرن محمد على ما بين المشرق والمغرب وإن يهود كانوا يخبروننا بهذا أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق يقول إنا لنحسد محمدا على النبوة حيث خرجت من بني هارون إنه لمرسل ويهود لا تطاوعني على هذا ولنا (4/211)
منه ذبحان واحد بيثرب وآخر بخيبر قال الحارث قلت لسلام يملك الأرض قال نعم والتوراة التي أنزلت على موسى وما أحب أن تعلم يهود بقولي فيه فصل
قال ابن اسحاق فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر انصرف الى وادي القرى فحاصر أهله ليال ثم انصرف راجعا الى المدينة ثم ذكر من قصة مدعم وكيف جاءه سهم غارب فقتله وقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لم يصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا وقد تقدم في صحيح البخاري نحو ما ذكره ابن اسحاق والله أعلم وسيأتي ذكر قتاله عليه السلام بوادي القرى قال الامام احمد حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا من أشجع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم توفي يوم خيبر فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال صلوا على صاحبكم فتغير وجوه الناس من ذلك فقال إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود ما يساوي درهمين وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث يحيى بن سعيد القطان ورواه أبو داود وبشر بن المفضل وابن ماجه من حديث الليث بن سعد ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري به وقد ذكر البيهقي أن بني فزارة أرادوا أن يقاتلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مرجعه من خيبر وتجمعوا لذلك فبعث اليهم يواعدهم موضعا معينا فلما تحققوا ذلك هربوا كل مهرب وذهبوا من طريقه كل مذهب وتقدم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حلت صفية من استبرائها دخل بها بمكان يقال له سد الصهباء في أثناء طريقه الى المدينة وأولم عليها بحيس وأقام ثلاثة ايام يبني عليه بها وأسلمت فاعتقها وتزوجها وجعل عتاقها صداقها وكانت إحدى أمهات المؤمنين كما فهمه الصحابة لما مد عليها الحجاب وهو مردفها وراءه رضي الله عنها وذكر محمد بن اسحاق في السيرة قال لما أعرس رسول الله صلى الله عليه و سلم بصفية بخيبر أو ببعض الطريق وكانت التي جملتها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك وبات بها رسول الله صلى الله عليه و سلم في قبة له وبات أبو أيوب متوشحا بسيفه يحرس رسول الله صلى الله عليه و سلم ويطيف بالقبة حتى أصبح فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم مكانه قال ما لك يا أبا أيوب قال خفت عليك من هذه المرأة وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها وكانت حديثة عهد بكفر فخفتها عليك فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني ثم قال حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب فذكر نومهم عن صلاة الصبح مرجعهم من خيبر وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أولهم استيقاظا فقال ماذا صنعت بنا يا بلال قال (4/212)
يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال صدقت ثم اقتاد ناقته غير كثير ثم نزل فتوضأ وصلى كما كان يصليها قبل ذلك وهكذا رواه مالك عن الزهري عن سعيد مرسلا وهذا مرسل من هذا الوجه وقد قال أبو داود حدثنا احمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس وقال لبلال اكلأ لنا الليل قال فغلبت بلالا عيناه وهو مستند الى راحلته فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه و سلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال يا بلال قال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فامر بلالا فأقام الصلاة وصلى لهم الصبح فلما أن قضى الصلاة قال من نسي صلاة فليصلها اذا ذكرها فان الله تعالى يقول وأقم الصلاة لذكري قال يونس وكان ابن شهاب يقرأها كذلك وهكذا رواه مسلم عن حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب به وفيه أن ذلك كان مرجعهم من خيبر وفي حديث شعبة عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود أن ذلك كان مرجعهم من الحديبية ففي رواية عنه أن بلالا هو الذي كان يكلؤهم وفي رواية عنه أنه هو الذي كان يكلؤهم قال الحافظ البيهقي فيحتمل أن ذلك كان مرتين قال وفي حديث عمران بن حصين وأبي قتادة نومهم عن الصلاة وفيه حديث الميضاة فيحتمل أن ذلك إحدى هاتين المرتين أو مرة ثالثة قال وذكر الواقدي في حديث أبي قتادة أن ذلك كان مرجعهم من غزوة تبوك قال وروى زافر بن سليمان عن شعبة عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن عن ابن مسعود أن ذلك كان مرجعهم من تبوك فالله أعلم ثم اورد البيهقي ما رواه صاحب الصحيح من قصة عوف الاعرابي عن أبي رجاء عن عمران بن حصين في قصة نومهم عن الصلاة وقصة المرأة صاحبة السطيحتين وكيف أخذوا منهما ماء روى الجيش بكماله ولم ينقص ذلك منهما شيئا ثم ذكر ما رواه مسلم من حديث ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة وهو حديث طويل وفيه نومهم عن الصلاة وتكثير الماء من تلك الميضاة وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وقال البخاري حدثنا موسى بن اسماعيل ثنا عبد الواحد عن عاصم عن ابي عثمان عن أبي موسى الاشعري قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبرا وقال لما توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم الى خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم وانا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه و سلم فسمعني وأنا اقول لا حول ولا قوة إلا بالله فقال يا عبد الله بن قيس قلت لبيك يا رسول الله قال ألا أدلك على كلمة من كنز (4/213)
الجنة قلت بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي قال لا حول ولا قوة إلا بالله وقد رواه بقية الجماعة من طرق عن عبد الرحمن بن مل أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الاشعري والصواب أنه كان مرجعهم من خيبر فان أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر كما تقدم
قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني قد أعطى ابن لقيم العبسي حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة أو داجن وكان فتح خيبر في صفر فقال ابن لقيم في فتح خيبر ... رميت نطاة من الرسول بفيلق ... شهباء ذات مناكب وفقار ... واستيقنت بالذل لما شيعت ... ورجال أسلم وسطها وغفار ... صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة ... والشق أظلم أهله بنهار ... جرت بأبطحها الذيول فلم تدع ... إلا الدجاج تصيح بالأسحار ... ولكل حصن شاغل من خيلهم ... من عبد الاشهل أو بني النجار ... ومهاجرين قد اعلموا سيماهم ... فوق المغافر لم ينوا لفرار ... ولقد علمت ليغلبن محمد ... وليثوين بها الى أصفار ... فرت يهود عند ذلك في الوغى ... تحت العجاج غمائم الابصار ... فصل من استشهد بخيبر من الصحابة
على ما ذكره ابن اسحاق بن يسار رحمه الله وغيره من أصحاب المغازي
فمن خير المهاجرين ربيعة بن أكثم بن سخبرة الاسدي مولى بني أمية وثقيف بن عمرو ورفاعة بن مسروح حلفاء بني أمية وعبد الله بن الهبيب بن أهيب بن سحيم بن غيرة من بني سعد ابن ليث حليف بني اسد وابن أختهم ومن الأنصار بشر بن البراء بن معرور من أكلة الشاة المسمومة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم كما تقدم وفضيل بن النعمان السليميان ومسعود بن سعد بن قيس بن خالد بن عامر بن زريق الزرقي ومحمود بن مسلمة الأشهلي وأبو ضياح حارثة بن ثابت بن النعمان العمري والحارث بن حاطب وعروة بن مرة بن سراقة وأوس الفائد وأنيف بن حبيب وثابت (4/214)
ابن أثلة وطلحة وعمارة بن عقبة رمي بسهم فقتله وعامر بن الأكوع ثم سلمة بن عمرو بن الأكوع أصابه طرف سيفه في ركبته فقتله رحمه الله كما تقدم والأسود الراعي وقد أفرد ابن اسحاق ها هنا قصته وقد اسلفناها في أوائل الغزوة ولله الحمد والمنة
قال ابن اسحاق وممن استشهد بخيبر فيما ذكره ابن شهاب من بني زهرة مسعود بن ربيعة حليف لهم من القارة ومن الانصار ثم من بني عمرو بن عوف أوس بن قتادة رضي الله عنهم أجمعين
خبر الحجاج بن علاط البهزي
قال ابن اسحاق ولما فتحت خيبر كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي فقال يا رسول الله إن لي بمكة مالا عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة وكانت عنده له منها معوض بن الحجاج ومالا متفرقا في تجار أهل مكة فأذن لي يا رسول الله فأذن له فقال إنه لا بد لي يا رسول الله أن أقول قال قل قال الحجاج فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثينة البيضاء رجالا من قريش يستمعون الأخبار ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد بلغهم أنه قد سار الى خيبر وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ريفا ومنعة ورجالا وهم يتجسسون الأخبار من الركبان فلما رأوني قالوا الحجاج بن علاط قال ولم يكونوا علموا بإسلامي عنده والله الخبر أخبرنا يا أبا محمد فانه قد بلغنا أن القاطع قد سار الى خيبر وهي بلد يهود وريف الحجاز قال قلت قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم قال فالتبطوا يجنى ناقتى يقولون إية يا حجاج قال قلت هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وقد قتل أصحابه قتلا لم يسمعوا بمثله قط وأسر محمد أسرا وقالوا لا نقتله حتى نبعث به الى مكة [ فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم قال فقاموا وصاحوا بمكة ] وقالوا قد جاءكم الخبر هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم قال قلت أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي فاني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار الى ما هنالك قال فقاموا فجمعوا لي ما كان لي كأحث جمع سمعت به قال وجئت صاحبتي فقلت مالي وكان عندها مال موضوع فلعلي ألحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار قال فلما سمع العباس ابن عبد المطلب الخبر وما جاءه عني اقبل حتى وقف الى جنبي وأنا في خيمة من خيم التجار فقال يا حجاج ما هذا الذي جئت به قال قلت وهل عندك حفظ لما وضعت عندك قال نعم قال قلت فاستأخر حتى ألقاك على خلاء فاني في جمع مالي كما ترى فانصرف حتى افرغ قال حتى اذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة وأجمعت الخروج لقيت العباس فقلت احفظ علي حديثي يا أبا الفضل فاني أخشى الطلب ثلاثا ثم قل ما شئت قال افعل قلت فاني والله تركت ابن أخيك عروسا على بنت ملكهم يعني صفية بنت حيي وقد افتتح خيبر وانتثل ما فيها وصارت له ولأصحابه قال ما تقول (4/215)
يا حجاج قال قلت أي والله فاكتم عني ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي فرقا عليه من أن أغلب عليه فاذا مضت ثلاث فاظهر أمرك فهو والله على ما تحب قال حتى اذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له وتخلق وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها فلما رأوه قالوا يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحر المصيبة قال كلا والله الذي حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر ونزل عروسا على بنت ملكهم وأحرز أموالهم وما فيها وأصبحت له ولأصحابه قالوا من جاءك بهذا الخبر قال الذي جاءكم بما جاءكم به ولقد ذخل عليكم مسلما وأخذ أمواله فانطلق ليلحق بمحمد واصحابه فيكون معه فقالوا يا لعباد الله انفلت عدو الله أما والله لو عملنا لكان لنا وله شأن قال ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك هكذا ذكر ابن اسحاق هذه القصة منقطعة وقد أسند ذلك الامام احمد بن حنبل فقال حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر سمعت ثابتا يحدث عن أنس قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر قال الحجاج بن علاط يا رسول الله إني لي بمكة مالا وإن لي بها أهلا وإني أريد ان آتيهم أفأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا فأذن له رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقول ما شاء فأتى امرأته حين قدم فقال اجمعي لي ما كان عندك فاني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه فأنهم قد استبيحوا واصيبت أموالهم قال وفشى ذلك بمكة فانقمع المسلمون واظهر المشركون فرحا وسرورا قال وبلغ الخبر العباس فعقر وجعل لا يستطيع أن يقوم قال معمر فأخبرني عثمان الخزرجي عن مقسم قال فأخذ ابنا يقال له قثم واستلقى ووضعه على صدره وهو يقول ... حبي قثم ... شبه ذي الأنف الأشم ... بني ذي النعم بزعم من زعم ...
قال ثابت عن أنس ثم أرسل غلاما له الى حجاج بن علاط فقال ويلك ما جئت به وماذا تقول فما وعد الله خير مما جئت به فقال حجاج بن علاط اقرأ على أبي الفضل السلام وقل له فليخل لي في بعض بيوته لآتيه فان الخبر على ما يسره فجاء غلامه فلما بلغ الدار قال أبشر يا أبا الفضل قال فوثب العباس فرحا حتى قبل بين عينيه فأخبره ما قال حجاج فأعتقه قال ثم جاءه الحجاج فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد افتتح خيبر وغنم أموالهم وجرت سهام الله في أموالهم واصطفى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية بنت حيي واتخذها لنفسه وخيرها أن يعتقها وتكون زوجه أو تلحق بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته قال ولكني جئت لمال كان ها هنا أردت أن أجمعه فاذهب به فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأذن لي أن أقول ما شئت فاخف علي ثلاثا ثم اذكر ما بدا لك قال فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي أو متاع فجمعته ودفعته اليه ثم انشمر به فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال ما فعل زوجك فأخبرته أنه ذهب يوم كذا وكذا وقالت لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك قال أجل لا يحزنني الله ولم (4/216)
يكن بحمد الله إلا ما أحببنا فتح الله خيبر على رسوله وجرت فيها سهام الله واصطفى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية لنفسه فان كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به قالت أظنك والله صادقا قال فاني صادق والأمر على ما أخبرتك ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون إذا مر بهم لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل قال لم يصيبني إلا خير بحمد الله أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله على رسوله وجرت فيها سهام الله واصطفى صفية لنفسه وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثا وإنما جاء ليأخذ ماله وما كان له من شيء ها هنا ثم يذهب قال فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين وخرج المسلمون من كان دخل بيته مكتئبا حتى أتى العباس فأخبرهم الخبر فسر المسلمون ورد ما كان من كآبة أو غيظ أو حزن على المشركين وهذا الاسناد على شرط الشيخين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى النسائي عن اسحاق بن ابراهيم عن عبد الرزاق به نحوه ورواه الحافظ البيهقي من طريق محمود بن غيلان عن عبد الرزاق ورواه أيضا من طريق يعقوب بن سفيان عن زيد بن المبارك عن محمد بن ثور عن معمر به نحوه وكذلك ذكر موسى بن عقبة في مغازيه أن قريشا كان بينهم تراهن عظيم وتبايع منهم من يقول يظهر محمد وأصحابه ومنهم من يقول يظهر الحليفان ويهود خيبر وكان الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي قد أسلم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فتح خيبر وكان تحته أم شيبة أخت عبد الدار بن قصي وكان الحجاج مكثرا من المال وكانت له معادن أرض بني سليم فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم على خيبر استأذن الحجاج رسول الله صلى الله عليه و سلم في الذهاب الى مكة يجمع أمواله فأذن له نحو ما تقدم والله أعلم
قال ابن اسحاق ومما قيل من الشعر في غزوة خيبر قول حسان ... بئس ما قاتلت خيابر عما ... جمعوا من مزارع ونخيل ... كرهوا الموت فاستبيح حماهم ... واقروا وأقروا فعل الذميم الذليل ... أمن الموت يهربون فان المو ... ت موت الهزال غير جميل ...
وقال كعب بن مالك فيما ذكره ابن هشام عن أبي زيد الأنصاري ... ونحن وردنا خيبرا وفروضه ... بكل فتى عاري الاشاجع مزود ... جواد لدى الغايات 2 لا واهن القوى ... جريء على الأعداء في كل مشهد ... عظيم رماد القدر في كل شتوة ... ضروب بنصل المشرفي المهند ... يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة ... من الله يرجوها وفوزا بأحمد ... يذود ويحمي عن ذمار محمد ... ويدفع عنه باللسان وباليد ... وينصره من كل أمر يريبه ... يجود بنفس دون نفس محمد (4/217)
يصدق بالأنباء بالغيب مخلصا ... يريد بذاك العز والفوز في غد ... فصل مروره صلى الله عليه و سلم بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم
قال الواقدي حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر الى وادي القرى وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول الله صلى الله عليه و سلم عبدا أسود يقال له مدعم وكان يرحل لرسول الله صلى الله عليه و سلم فلما نزلنا بوادي القرى انتهينا الى يهود وقدم اليها ناس من العرب فبينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد استقبلتنا يهود بالرمي حين نزلنا ولم نكن على تعبية وهم يصيحون في آطامهم فيقبل سهم عاثر فأصاب مدعما فقتله فقال الناس هنيئا له بالجنة فقال النبي صلى الله عليه و سلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فلما سمع بذلك الناس جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم بشراك أو شراكين فقال النبي صلى الله عليه و سلم شراك من نار أو شراكيان من نار وهذا الحديث في الصحيحين من حديث مالك عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم بنحوه
قال الواقدي فعبى رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه للقتال وصفهم ودفع لواءه الى سعد بن عبادة وراية الى الحباب بن المنذر وراية الى سهل بن حنيف وراية الى عباد بن بشر ثم دعاهم الى الاسلام وأخبرهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم وحسابهم على الله قال فبرز رجل منهم فبرز اليه الزبير بن العوام فقتله ثم برز آخر فبرز اليه علي فقتله حتى قتل منهم أحد عشر رجلا كل ما قتل منهم رجلا دعى من بقى منهم الى الاسلام ولقد كانت الصلاة تحضر ذلك اليوم فيصلي بأصحابه ثم يعود فيدعوهم الى الاسلام والى الله عز و جل ورسوله وقاتلهم حتى أمسى وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم وفتحها عنوة وغنمهم الله أموالهم وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا وأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بوادي القرى أربعة ايام فقسم ما اصاب على اصحابه وترك الارض والنخيل في أيدي اليهود وعاملهم عليها فلما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر وفدك ووادي القرى صالحوا رسول الله صلى الله عليه و سلم على الجزية وأقاموا بأيديهم أموالهم فلما كان عمر أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام ويرى أن ما دون وادي القرى الى المدينة حجاز ومن وراء ذلك من الشام قال ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا الى (4/218)
المدينة بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى وغنمه الله عز و جل
قال الواقدي حدثني يعقوب بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن الحارث ابن عبد الله بن كعب عن أم عمارة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم بالجرف وهو يقول لا تطرقوا النساء بعد صلاة العشاء قالت فذهب رجل من الحي فطرق أهله فوجد ما يكره فخلى سبيلها ولم يهجر وضن بزوجته أن يفارقها وكان له منها أولاد وكان يحبها فعصى رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأى ما يكره فصل
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما افتتح خيبر عامل يهودها عليها على شطر ما يخرج منها من تمر أو زرع وقد ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث على أن يعملوها من أموالها وفي بعضها وقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم نقركم ما شئنا وفي السنن أنه كان يبعث عليهم عبد الله بن رواحة يخرصها عليهم عند استواء ثمارها ثم يضمنهم اياه فلما قتل عبد الله بن رواحة بمؤتة بعث جبار بن صخر كما تقدم وموضع تحرير ألفاظه وبيان طرقه كتاب المزارعة من كتاب الاحكام إن شاء الله وبه الثقة
وقال محمد بن اسحاق سألت ابن شهاب كيف أعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم يهود خيبر نخلهم فأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال وكانت خيبر مما أفاء الله عليه خمسها وقسمها بين المسلمين ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن شئتم دفعت اليكم هذه الاموال على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا وبينكم فأقركم ما أقركم الله فقبلوا وكانوا على ذلك يعملونها وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعث عبد الله بن رواحة فيقسم ثمرها ويعدل عليهم في الخرص فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه و سلم أقرها أبو بكر بأيديهم على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى توفي ثم أقرهم عمر بن الخطاب صدرا من إمارته ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ففحص عمر عن ذلك حتى بلغه الثبت فأرسل الى يهود فقال إن الله أذن لي في إجلائكم وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يجتمعن في جزيرة العرب دينان فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم فليأتني به أنفذه له ومن لم يكن عنده عهد فليتجهز للجلاء فاجلى عمر من لم يكن عنده عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم
قلت قد ادعى يهود خيبر في أزمان متأخرة بعد الثلثمائة أن بايديهم كتابا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه أنه وضع الجزية عنهم وقد اغتر بهذا الكتاب بعض العلماء حتى قال باسقاط الجزية عنهم من الشافعية الشيخ أبو علي خيرون وهو كتاب مزور مكذوب مفتعل لا اصل له وقد بينت بطلانه من وجوه عديدة في كتاب مفرد وقد تعرض لذكره وإبطاله جماعة من الأصحاب في كتبهم كابن (4/219)
الصباغ في مسائله والشيخ أبي حامد في تعليقته وصنف فيه ابن المسلمة جزءا منفردا للرد عليه وقد تحركوا به بعد السبعمائة وأظهروا كتابا فيه نسخة ما ذكره الأصحاب في كتبهم وقد وقفت عليه فاذا هو مكذوب فإن فيه شهادة سعد بن معاذ وقد كان مات قبل زمن خيبر وفيه شهادة معاوية بن ابي سفيان ولم يكن أسلم يومئذ وفي آخره وكتبه علي بن ابي طالب وهذا لحن وخطأ وفيه وضع الجزية ولم تكن شرعت بعد فانها إنما شرعت أول ما شرعت وأخذ من أهل نجران وذكروا أنهم وفدوا في حدود سنة تسع والله أعلم
ثم قال ابن اسحاق وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال خرجت أنا والزبير ابن العوام والمقداد بن الاسود الى أموالنا بخيبر نتعاهدها فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا قال فعدى علي تحت الليل وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي فلما استصرخت على صاحباي فأتياني فسألاني من صنع هذا بك فقلت لا أدري فأصلحا من يدي ثم قدما بي على عمر فقال هذا عمل يهود خيبر ثم قام في الناس خطيبا فقال ايها الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففدعوا يديه كما بلغكم مع عدوتهم على الانصاري قبله لا نشك أنهم كانوا أصحابه ليس لنا هناك عدو غيرهم فمن كان له مال من خيبر فليلحق به فاني مخرج يهود فأخرجهم
قلت كان لعمر بن الخطاب سهمه الذي بخيبر وقد كان وقفه في سبيل الله وشرط في الوقف ما أشار به رسول الله صلى الله عليه و سلم كما هو ثابت في الصحيحين وشرط أن يكون النظر فيه للأرشد فالأرشد من بناته وبنيه
قال الحافظ البيهقي في الدلائل جماع أبواب السرايا التي تذكر بعد فتح خيبر وقبل عمرة القضية وإن كان تاريخ بعضها ليس بالواضح عند اهل المغازي
سرية أبي بكر الصديق الى بني فزارة
قال الامام احمد حدثنا بهز ثنا عكرمة بن عمار ثنا أياس بن سلمة حدثني أبي قال خرجنا مع أبي بكر [ ابن ] أبي قحافة وأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم علينا فغزونا بني فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فلما صلينا الصبح امرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من مر قبلنا قال سلمة ثم نظرت الى عنق من الناس فيه من الذرية والنساء نحو الجبل وأنا أعدو في آثارهم فخشيت أن يسبقوني الى الجبل فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل قال فجئت بهم أسوقهم الى ابي بكر حتى أتيته على الماء وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب قال فنفلني أبو بكر بنتها (4/220)
قال فما كشفت لها ثوبا حتى قدمت المدينة ثم بت فلم أكشف لها ثوبا قال فلقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم في السوق فقال لي يا سلمة هب لي المرأة قال فقلت والله يا رسول الله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا قال فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم وتركني حتى اذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم في السوق فقال يا سلمة هب لي المرأة قال فقلت يا رسول الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا قال فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم وتركني حتى اذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم في السوق فقال يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك قال قلت يا رسول الله والله ما كشفت لها ثوبا وهي لك يا رسول الله قال بعث بها رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اهل مكة وفي ايديهم اسارى من المسلمين ففداهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بتلك المرأة وقد رواه مسلم والبيهقي من حديث عكرمة بن عمار به
سرية عمر بن الخطاب الى تربة وراء مكة بأربعة اميال
ثمم أورد البيهقي من طريق الواقدي بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ثلاثين راكبا ومعه دليل من بني هلال وكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار فلما انتهوا الى بلادهم هربوا منهم وكر عمر راجعا الى المدينة فقيل له هل لك في قتال خثعم فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يأمرني إلا بقتال هوازن في أرضهم
سرية عبد الله بن رواحة الى يسير بن رزام اليهودي
ثم اورد من طريق ابراهيم بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة ومن طريق موسى بن عقبة عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبا فيهم عبد الله بن رواحة الى يسير بن رزام اليهودي حتى أتوه بخيبر وبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه يجمع غطفان ليغزوه بهم فأتوه فقالوا أرسلنا اليك رسول الله صلى الله عليه و سلم ليستعملك عل خيبر فلم يزالوا به حتى تبعهم في ثلاثين رجلا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين فلما بلغوا قرقرة نيار وهي من خيبر على ستة اميال ندم يسير ابن رزام فأهوى بيده الى سيف عبد الله بن رواحة ففطن له عبد الله بن رواحة فزجر بعيره ثم اقتحم يسوق بالقوم حتى استمكن من يسير ضرب رجله فقطعها واقتحم يسير وفي يده مخراش من شوحط فضرب به وجه عبد الله بن رواحة فشجه شجة مأمومة وانكفأ كل رجل من المسلمين على رديفه فقتله غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدا ولم يصب من المسلمين أحد وبصق رسول الله صلى الله عليه و سلم في شجة عبد الله بن رواحة فلم تقيح ولم تؤذه حتى مات
سرية اخرى مع بشير بن سعد
روى من طريق الواقدي باسناده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث بشير بن سعد في ثلاثين راكبا (4/221)
الى بني مرة من أرض فدك فاستاق نعمهم فقاتلوه وقتلوا عامة من معه وصبر هو يومئذ صبرا عظيما وقاتل قتالا شديدا ثم لجأ الى فدك فبات بها عند رجل من اليهود ثم كر راجعا الى المدينة
قال الواقدي ثم بعث اليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم غالب بن عبد الله ومعه جماعة من كبار الصحابة فذكر منهم أسامة بن زيد وأبا مسعود البدري وكعب بن عجرة ثم ذكر مقتل أسامة بن زيد لمرداس بن نهيك حليف بني مرة وقوله حين علاه بالسيف لا إله إلا الله وأن الصحابة لاموه على ذلك حتى سقط في يده وندم على ما فعل وقد ذكر هذه القصة يونس بن بكير عن ابن اسحاق عن شيخ من بني سلمة عن رجال من قومه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث غالب بن عبد الله الكلبي الى أرض بني مرة فأصاب مرداس بن نهيك حليفا لهم من الحرقة فقتله أسامة قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن أسامة بن محمد بن اسامة عن أبيه عن جده أسامة بن زيد قال أدركته أنا ورجل من الأنصار يعني مرداس بن نهيك فلما شهرنا عليه السيف قال أشهد أن لا إله إلا الله فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرناه فقال يا اسامة من لك بلا إله إلا الله فقلت يا رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل قال فمن لك يا اسامة بلا إله إلا الله فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى تمنيت أن ما مضى من اسلامي لم يكن وأني أسلمت يومئذ ولم أقتله فقلت إني أعطي الله عهدا أن لا اقتل رجلا يقول لا إله إلا الله ابدا فقال بعدي يا اسامة فقلت بعدك قال الامام احمد حدثنا هشيم بن بشير أنبأنا حصين عن أبي ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد يحدث قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الحرقة من جهينة قال فصبحناهم وكان منهم رجل اذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا واذا أدبروا كان حاميتهم قال فغشيته أنا ورجل من الانصار فلما تغشيناه قال لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وقتلته فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا اسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا من القتل قال فكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ وأخرجه البخاري ومسلم من حديث هشيم به نحوه
وقال ابن اسحاق حدثني يعقوب بن عتبة عن مسلم بن عبد الله الجهني عن جندب بن مكيث الجهني قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم غالب بن عبد الله الكلبي كلب ليث الى بني الملوح بالكديد وأمره أن يغير عليهم وكنت في سريته فمضينا حتى اذا كنا بالقديد لقينا الحارث بن مالك بن البرصاء الليثي فأخذناه فقال إني إنما جئت لأسلم فقال له غالب بن عبد الله إن كنت إنما جئت لتسلم فلا يضيرك رباط يوم وليلة وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك قال فأوثقه رباطا وخلف عليه رويجلا أسود كان معنا وقال أمكث معه حتى نمر عليك فان نازعك فاحتز رأسه ومضينا حتى (4/222)
أتينا بطن الكديد فنزلنا عشية بعد العصر فبعثني أصحابي اليه فعمدت الى تل يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه وذلك قبل غروب الشمس فخرج رجل منهم فنظر فرآني منبطحا على التل فقال لامرأته إني لأرى سوادا على هذا التل ما رأيته في أول النهار فانظري لا تكون الكلاب اجترت بعض أوعيتك فنظرت فقالت والله ما أفقد منها شيئا قال فناوليني قوسي وسهمين من نبلي فناولته فرماني بسهم في جنبي أو قال في جبيني فنزعته فوضعته ولم أتحرك ثم رماني بالآخر فوضعه في رأس منكبي فنزعته فوضعته ولم أتحرك فقال لامرأته أما والله لقد خالطه سهماي ولو كان ريبة لتحرك فاذا أصبحت فابتغي سهمي فخذيهما لا تمضغهما علي الكلاب قال فأمهلنا حتى اذا راحت روايحهم وحتى احتلبوا وعطنوا وسكنوا وذهبت عتمة من الليل شننا عليهم الغارة فقتلنا واستقنا النعم ووجهنا قافلين به وخرج صريخ القوم الى قومهم بقربنا قال وخرجنا سراعا حتى نمر بالحارث بن مالك بن البرصاء وصاحبه فانطلقنا به معنا وأتانا صريخ الناس فجاءنا مالا قبل لنا به حتى اذا لم يكن بيننا وبينهم الا بطن الوادي من قديد بعث الله من حيث شاء ماء ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا حالا وجاء بما لا يقدر أحد أن يقدم عليه فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون الينا ما يقدر أحد منهم أن يقدم عليه ونحن نجديها أو نحدوها شك النفيلي فذهبنا سراعا حتى أسندنا بها في المسلك ثم حذرنا عنه حتى أعجزنا القوم بما في أيدينا وقد رواه أبو داود من حديث محمد بن اسحاق في روايته عبد الله بن غالب والصواب غالب بن عبد الله كما تقدم وذكر الواقدي هذه القصة باسناد آخر وقال فيه وكان معه من الصحابة مائة وثلاثون رجلا ثم ذكر البيهقي من طريق الواقدي سرية بشير ابن سعد أيضا الى ناحية خيبر فلقوا جمعا من العرب وغنموا نعما كثيرا وكان بعثه في هذه السرية باشارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكان معه من المسلمين ثلاثمائة رجل ودليله حسيل بن نويرة وهو الذي كان دليل النبي صلى الله عليه و سلم الى خيبر قاله الواقدي
سرية بني حدرد الى الغابة
قال يونس عن محمد بن اسحاق كان من حديث قصة أبي حدرد وغزوته الى الغابة ما حدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم عن أبي حدرد قال تزوجت امرأة من قومي فأصدقتها مائتي درهم قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم استعينه على نكاحي فقال كم اصدقت فقلت مائتي درهم فقال سبحان الله والله لو كنتم تأخذونها من واد ما زدتم والله ما عندي ما أعينك به فلبثت أياما ثم أقبل رجل من جشم بن معاوية يقال له رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة في بطن عظيم من جشم حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة يريد أن يجمع قيسا على محاربة رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان ذا اسم وشرف في جشم قال فدعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم ورجلين من المسلمين فقال اخرجوا الى هذا الرجل (4/223)
حتى تأتوا منه بخبر وعلم وقدم لنا شارفا عجفاء فحمل عليه أحدنا فوالله ما قامت به ضعفا حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلت وما كادت وقال تبلغوا على هذه فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى اذا جئنا قريبا من الحاضر مع غروب الشمس فكمنت في ناحية وأمرت صاحبي فمكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم وقلت لهما إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في العسكر فكبرا وشدا معي فوالله إنا كذلك ننتظر أن نرى غرة أو نرى شيئا وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء وقد كان لهم راع قد سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم وتخوفوا عليه فقام صاحبهم رفاعة بن قيس فأخذ سيفه فجعله في عنقه فقال والله لأتيقنن أمر راعينا ولقد اصابه شر فقال نفر ممن معه والله لا تذهب نحن نكفيك فقال لا إلا أنا قالوا نحن معك فقال والله لا يتبعني منكم أحد وخرج حتى مر بي فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده فوالله ما تكلم فوثبت اليه فاحتززت رأسه ثم شددت ناحية العسكر وكبرت وشد صاحباي وكبرا فوالله ما كان إلا التجا ممن كان فيه عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وابنائهم وما خف معهم من أموالهم واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة فجئنا بها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وجئت برأسه أحمله معي فاعطاني من تلك الابل ثلاثة عشر بعيرا في صداقي فجمعت إلي أهلي
السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الاضبط
قال ابن اسحاق حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في سرية الى أضم في نفر من المسلمين منهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم ابن جثامة بن قيس فخرجنا حتى اذا كنا ببطن أضم مر بنا عامر بن الأضبط الاشجعي على قعود له معه متيع له ووطب من لبن فسلم علينا بتحية الاسلام فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرناه الخبر فنزل فينا القرآن يا أيها الذين آمنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا هكذا رواه الامام احمد عن يعقوب عن أبيه عن محمد بن اسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن القعقاع بن عبد الله بن ابي حدرد عن أبيه فذكره
قال ابن اسحاق حدثني محمد بن جعفر سمعت زياد بن ضميرة بن سعد الضمري يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه عن جده قالا وكانا شهدا حنينا قالا فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الظهر فقام الى ظل شجرة فقعد فيه فقام اليه عيينة بن بدر فطلب بدم عامر بن الأضبط الاشجعي وهو سيد (4/224)
عامر هل لكم أن تاخذوا منا الآن خمسين بعيرا وخمسين اذا رجعنا الى المدينة فقال عيينة بن بدر والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن مثل ما أذاق نسائي فقال رجل من بني ليث يقال له ابن مكيتل وهو قصير من الرجال فقال يا رسول الله ما أجد لهذا القتيل شبها في غرة الاسلام إلا كغنم وردت فشربت اولاها فنفرت أخراها استن اليوم وغير غدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هل لكم ان تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين اذا رجعنا إلى المدينة فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية فقال قوم محلم بن جثامة إيتوا به حتى يستغفر له رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فجاء رجل طوال ضرب اللحم في حلة قد تهيأ فيها للقتل فقام بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم اللهم لا تغفر لمحلم قالها ثلاثا فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه
قال محمد بن اسحاق زعم قومه أنه استغفر له بعد ذلك وهكذا رواه أبو داود من طريق حماد ابن سلمة عن ابن اسحاق ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الاحمر عن ابن اسحاق عن محمد بن جعفر عن زيد بن ضميرة عن أبيه عن عمه فذكر بعضه والصواب كما رواه ابن اسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضميرة عن أبيه وعن جده وهكذا رواه أبو داود من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن ابي الزناد وعن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضميرة عن أبيه وجده بنحوه كما تقدم
وقال ابن اسحاق حدثني سالم أبو النضر أنه قال لم يقبلوا الدية حتى قام الاقرع بن حابس فخلا بهم وقال يا معشر قريش قيس سألكم رسول الله صلى الله عليه و سلم قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيغضب الله لغضبه ويلعنكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيلعنكم الله بلعنته لكم لتسلمنه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم أو لآتين بخمسين من بني تميم كلهم يشهدون أن القتيل كافر ما صلى قط فلا يطلبن دمه فلما قال ذلك لهم أخذوا الدية وهذا منقطع معضل وقد روى ابن اسحاق عمن لا يتهم عن الحسن البصري أن محلما لما جلس بين يديه عليه الصلاة و السلام قال له أمنته ثم قتلته ثم دعا عليه قال الحسن فوالله ما مكث محلم الا سبعا حتى مات فلفظته الأرض ثم دفنوه فلفظته الأرض ثم دفنوه فلفظته الأرض فرضموا عليه من الحجارة حتى واروه فبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ان الأرض لتطابق على من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم لما أراكم منه وقال ابن جرير ثنا وكيع ثنا جرير عن ابن اسحاق عن نافع عن ابن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم محلم بن جثامة مبعثا فلقيهم عامر بن الأضبط فحياهم بتحية الاسلام وكانت بينهم هنة في الجاهلية فرماه محلم بسهم فقتله فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فتكلم فيه عيينة والاقرع فقال الاقرع يا رسول (4/225)
الله سن اليوم وغير غدا فقال عيينة لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ليستغفر له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا غفر الله لك فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت له سابعة حتى مات فدفنوه فلفظته الأرض فجاءوا النبي صلى الله عليه و سلم فذكروا ذلك له فقال إن الارض لتقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم من حرمتكم ثم طرحوه في جيل فالقوا عليه من الحجارة ونزلت يأيها الذين آمنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية وقد ذكره موسى بن عقبة عن الزهري ورواه شعيب عن الزهري عن عبد الله ابن وهب عن قبيصة بن ذؤيب نحو هذه القصة إلا أنه لم يسم محلم بن جثامة ولا عامر بن الاضبط وكذلك رواه البيهقي عن الحسن البصري بنحو هذه القصة وقال فيه نزل قوله تعالى يأيها الذين آمنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية
قلت وقد تكلمنا في سبب نزول هذه الآية ومعناها في التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة
سرية عبد الله بن حزافة السهمي
ثبت في الصحيحين من طريق الاعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن علي بن أبي طالب قال استعمل النبي صلى الله عليه و سلم رجلا من الانصار على سرية بعثهم وأمرهم ان يسمعوا له ويطيعوا قال فاغضبوه في شيء فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فاوقدوا ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها قال فنظر بعضهم الى بعض وقالوا إنما فررنا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من النار قال فسكن غضبه وطفئت النار فلما قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم ذكروا ذلك له فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف وهذه القصة ثابتة أيضا في الصحيحين من طريق يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقد تكلمنا على هذه بما فيه كفاية في التفسير ولله الحمد والمنة * بسم الله الرحمن الرحيم * عمرة القضاء
ويقال القصاص ورجحه السهيلي ويقال عمرة القضية فالاولى قضاء عما كان أحصر عام الحديبية والثاني من قوله تعالى والحرمات قصاص والثالث من المقاضاة التي كان قاضاهم عليها على أن يرجع عنهم عامه هذا ثم يأتي في العام القابل ولا يدخل مكة الا في جلبان السلاح وأن لا يقيم أكثر من ثلاثة أيام وهذه العمرة هي المذكورة في قوله تعالى في سورة الفتح المباركة لقد صدق الله رسوله (4/226)
الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون الآية وقد تكلمنا عليها مستقصى في كتابنا التفسير بما فيه كفاية وهي الموعود بها في قوله عليه الصلاة و السلام لعمر بن الخطاب حين قال له ألم تكن تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا قال لا قال فإنك آتيه ومطوف به وهي المشار اليها في قول عبد الله بن رواحة حين دخل بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم الى مكة يوم عمرة القضاء وهو يقول ... خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله ...
أي هذا تأويل الرؤيا التي كان رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءت مثل فلق الصبح
قال ابن اسحاق فلما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر الى المدينة أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالا يبعث فيما بين ذلك سراياه ثم خرج من ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها قال ابن هشام واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الدئلي ويقال لها عمرة القصاص لأنهم صدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست فاقتص رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم فدخل مكة في ذي القعدة في الشهر الحرام الذي صدوه فيهمن سنة سبع بلغنا عن ابن عباس أنه قال فأنزل الله تعالى في ذلك والحرمات قصاص وقال معتمر بن سليمان عن أبيه في مغازيه لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر أقام بالمدينة وبعث سراياه حتى استهل ذي القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا للعمرة فتجهزوا وخرجوا الى مكة
وقال ابن اسحاق وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك وهي سنة سبع فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه وتحدثت قريش بينها أن محمدا في عسرة وجهد وشدة قال ابن اسحاق فحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن عباس قال صفوا له عند دار الندوة لينظروا اليه والى أصحابه فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى ثم قال رحم الله امرءا أراهم اليوم من نفسه قوة ثم استلم الركن ثم خرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى إذا واراه البيت منهم واستلم الركن اليماني مشى حتى استلم الركن الأسود ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها فكان ابن عباس يقول كان الناس يظنون أنها ليست عليهم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش للذي بلغه عنهم حتى حج حجة الوداع فلزمها فمضت السنة بها وقال البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد هو ابن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فقال المشركون إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم (4/227)
أن يرملوا الاشواط الثلاث وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الابقاء عليهم قال أبو عبد الله ورواه أبو سلمة يعني حماد بن سلمة عن أيوب عن سعيد بن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم لعامهم الذي استأمن قال ارملوا ليرى المشركون قوتكم والمشركين من قبل قعيقعان ورواه مسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد وأسند البيهقي من طريق حماد بن سلمة وقال البخاري ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان ثنا اسماعيل بن أبي خالد سمع بن أبي أوفى يقول لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وسيأتي بقية الكلام على هذا المقام
قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن ابي بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل مكة في تلك العمرة دخلها وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقته يقول ... خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير في رسوله ... يا رب إني مؤمن بقيله ... أعرف حق الله في قبوله ... نحن قتلناكم على تأويله ... كما قتلناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله ...
قال ابن هشام نحن قتلناكم على تأويله الى آخر الأبيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم يعني يوم صفين قاله السهيلي قال ابن هشام والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين والمشركون لم يقروا بالتنزيل وإنما يقاتل على التأويل من اقر بالتنزيل وفيما قاله ابن هشام نظر فان الحافظ البيهقي روى من غير وجه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال لما دخل النبي صلى الله عليه و سلم مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وفي رواية وهو آخذ بغرزه وهو يقول ... خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد نزل الرحمن في تنزيله ... بأن خير القتل في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله ...
وفي رواية بهذا الاسناد بعينه ... خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله ... يا رب إني مؤمن بقيله ...
وقال يونس بن بكير عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل عام القضية مكة فطاف بالبيت على ناقته واستلم الركن بمحجنه قال ابن هشام من غير علة والمسلمون (4/228)
يشتدون حوله وعبد الله بن رواحة يقول ... بسم الذي لا دين إلا دينه ... بسم الذي محمد رسوله ... خلوا بني الكفار عن سبيله ...
قال موسى بن عقبة عن الزهري ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من العام المقبل من عام الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صده المشركون عن المسجد الحرام حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها الحجف والمجان والرماح والنبل ودخلوا بسلاح الراكب السيوف وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بين يديه جعفر بن أبي طالب الى ميمونة بنت الحارث العامرية فخطبها عليه فجعلت أمرها الى العباس وكان تحته أختها أم الفضل بنت الحارث فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أصحابه قال اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدهم وقوتهم وكان يكايدهم بكل ما استطاع فاستكف أهل مكة الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وهو يطوفون بالبيت وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم متوشحا بالسيف وهو يقول ... خلوا بني الكفار عن سبيله ... أنا الشهيد أنه رسوله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله ... فاليوم نضربكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله ...
قال وتغيب رجال من اشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم غيظا وحنقا ونفاسة وحسدا وخرجوا الى الخندمة فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة واقام ثلاث ليال وكان ذلك آخر القضية يوم الحديبية فلما أتى الصبح من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ورسول الله صلى الله عليه و سلم في مجلس الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة فصاح حويطب بن عبد العزى نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث فقال سعد بن عبادة كذبت لا أم لك ليس بأرضك ولا بأرض آبائك والله لا يخرج ثم نادى رسول الله صلى الله عليه و سلم سهيلا وحويطبا فقال إن قد نكصت فيكم امرأة يضركم أن أمكث حتى أدخل بها ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا فقالوا نناشدك الله والعقد إلا خرجت عنا فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا رافع فأذن بالرحيل وركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل ببطن سرف وأقام المسلمون وخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا رافع ليحمل ميمونة وأقام بسرف حتى قدمت عليه ميمونة وقد لقيت ميمونة ومن معها عناء (4/229)
وأذى من سفهاء المشركين ومن صبيانهم فقدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم بسرف فبنى بها ثم أدلج فسار حتى أتى المدينة وقدر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد ذلك بحين فماتت حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ذكر قصة ابنة حمزة إلى أن قال وأنزل الله عز و جل في تلك العمرة الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فاعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشهر الحرام الذي صد فيه وقد روى ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة بن الزبير نحوا من هذا السياق ولهذا السياق شواهد كثيرة من أحاديث متعددة ففي صحيح البخاري من طريق فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا إلا سيوفا ولا يقيم بها إلا ما أحبوا فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج وقال الواقدي حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال لم تكن هذه عمرة قضاء وإنما كانت شرطا على المسلمين أن يعتمروا من قابل في الشهر الذي صدهم فيه المشركون وقال أبو داود ثنا النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن عمرو بن ميمون سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أن ميمون بن مهران قال خرجت معتمرا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة وبعث معي رجال من قومي بهدي قال فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم قال فنحرت الهدي مكاني ثم أحللت ثم رجعت فلما كان من العام المقبل خرجت لاقضى عمرتي فأتيت ابن عباس فسألته فقال أبدل الهدي فان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء تفرد به أبو داود من حديث أبي حاضر عثمان بن حاضر الحميري عن ابن عباس فذكره وقال الحافط البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا الاصم ثنا احمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن اسحاق حدثني عمرو بن ميمون قال كان أبي يسأل كثيرا أهل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أبدل هديه الذي نحر حين صده المشركون عن البيت ولا يجد في ذلك شيئا حتى سمعته يسأل أبا حاضر الحميري عن ذلك فقال له على الخبير سقطت حججت عام ابن الزبير في الحصر الاول فاهديت هديا فحالوا بيننا وبين البيت فنحرت في الحرم ورجعت الى اليمن وقلت لي برسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة فلما كان العام المقبل حججت فلقيت ابن عباس فسألته عما نحرت علي بدله أم لا قال نعم فابدل فان رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه قد أبدلوا الهدي الذي نحروا عام صدهم المشركون فأبدلوا ذلك في عمرة القضاء فعزت الابل عليهم فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في البقر
وقال الواقدي حدثني غانم بن ابي غانم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ناجية بن جندب الأسلمي على هديه يسير بالهدي أمامه يطلب الرعي في الشجر معه أربعة (4/230)
فتيان من أسلم وقد ساق رسول الله صلى الله عليه و سلم في عمرة القضية ستين بدنة فحدثني محمد بن نعيم المجمر عن أبيه عن أبي هريرة قال كنت مع صاحب البدن أسوقها قال الواقدي وسار رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي والمسلمون معه يلبون ومضى محمد بن مسلمة بالخيل الى مر الظهران فيجد بها نفرا من قريش فسألوا محمد بن مسلمة فقال هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبح هذا المنزل غدا إن شاء الله ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا فأخبروهم بالذي رأوا من السلاح والخيل ففزعت قريش وقالوا والله ما أحدثنا حدثا وإنا على كتابنا وهدنتنا ففيم يغزونا محمد في أصحابه ونزل رسول الله صلى الله عليه و سلم مر الظهران وقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم السلاح الى بطن يأجج حيث ينظر الى أنصاب الحرم وبعثت قريش مكرز بن حفص بن الاحنف في نفر من قريش حتى لقوه ببطن يأجج ورسول الله صلى الله عليه و سلم في اصحابه والهدي والسلاح قد تلاحقوا فقالوا يا محمد ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر تدخل بالسلاح في الحرم على قومك وقد شرطت لهم أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال النبي صلى الله عليه و سلم إني لا أدخل عليهم السلاح فقال مكرز بن حفص هذا الذي تعرف به البر والوفاء ثم رجع سريعا بأصحابه الى مكة فلما أن جاء مكرز بن حفص يخبر النبي صلى الله عليه و سلم خرجت قريش من مكة الى رؤس الجبال وخلوا مكة وقالوا لا ننظر اليه ولا إلى أصحابه فامر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهدي أمامه حتى حبس بذى طوى وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وهو على ناقته القصواء وهم محدقون به يلبون وهم متوشحون السيوف فلما انتهى إلى ذى وى وفق على ناقته القصواء وابن رواحة آخذ بزمامها وهو يرتجز بشعره ويقول ... خلوا بني الكفار عن سبيله ... إلى آخره
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه صبيحة رابعة يعني من ذي القعدة سنة سبع فقال المشركون إنه يقدم عليكم وفد قد وهنتهم حمى يثرب فامر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرملوا الاشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين ولم يمنعه أن يرملوا الاشواط كلها إلا الابقاء عليهم قال الامام احمد حدثنا محمد بن الصباح ثنا اسماعيل بن زكريا عن عبد الله ابن عثمان عن أبي الطفيل عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما نزل مر الظهران من عمرته بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قريشا تقول ما يتباعثون من العجف فقال أصحابه لو انتحرنا من ظهرنا فأكلنا من لحومه وحسونا من مرقه أصبحنا غدا حين ندخل مكة على القوم وبنا جمامة فقال لا تفعلوا ولكن اجمعوا لي من أزوادكم فجمعوا له وبسطوا الانطاع فأكلوا حتى تركوا وحشى كل واحد منهم في جرابه ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخل المسجد وقعدت قريش نحو الحجر فاضطبع بردائه ثم قال لا يرى القوم فيكم غميزة فاستلم الركن ثم رمل حتى اذا تغيب بالركن اليماني مشى الى الركن (4/231)
الأسود فقالت قريش ما يرضون بالمشي أما أنهم لينفرون نفر الظباء ففعل ذلك ثلاثة أطواف فكانت سنة قال أبو الطفيل وأخبرني ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل ذلك في حجة الوداع تفرد به أحمد من هذا الوجه
قال أبو داود ثنا أبو سلمة موسى ثنا حماد يعني ابن سلمة أنبأنا أبو عاصم الغنوي عن أبي الطفيل قال قلت لابن عباس يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة فقال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا رمل رسول الله صلى الله عليه و سلم وكذبوا ليس بسنة إن قريشا زمن الحديبية قالت دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة ايام فقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم والمشركون من قبل قعيقعان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه ارملوا بالبيت ثلاثا قال وليس بسنة وقد رواه مسلم من حديث سعيد الجريري وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين وعبد الملك بن سعيد بن أبحر ثلاثتهم عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن بن عباس به نحوه وكون الرمل في الطواف سنة مذهب الجمهور فان رسول الله صلى الله عليه و سلم رمل في عمرة القضاء وفي عمرة الجعرانة أيضا كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس فذكره وثبت في حديث جابر عند مسلم وغيره أنه عليه السلام رمل في حجة الوداع في الطواف ولهذا قال عمر بن الخطاب فيم الرملان وقد أطال الله الأسلام ومع هذا لا نترك شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم وموضع تقرير هذا كتاب الاحكام وكان ابن عباس في المشهور عنه لا يرى ذلك سنة كما ثبت في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال إنما سعى النبي صلى الله عليه و سلم بالبيت وبالصفا والمروة ليرى المشركين قوته لفظ البخاري وقال الواقدي لما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم نسكه في القضاء دخل البيت فلم يزل فيه حتى أذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره بذلك فقال عكرمة بن أبي جهل لقد أكرم الله أبا الحكم حين لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول وقال صفوان بن أمية الحمد لله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا وقال خالد بن أسيد الحمد لله الذي أمات أبي ولم يشهد هذا اليوم حتى يقوم بلال ينهق فوق البيت وأما سهيل بن عمرو ورجال معه لما سمعوا بذلك غطوا وجوههم قال الحافظ البيهقي قد اكرم الله أكثرهم بالاسلام
قلت كذا ذكره البيهقي من طريق الواقدي أن هذا كان في عمرة القضاء والمشهور أن ذلك كان في عام الفتح والله أعلم (4/232)
قصة تزويجه عليه السلام بميمونة
فقال ابن اسحاق حدثني أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبد المطلب قال ابن هشام كانت جعلت أمرها الى أختها أم الفضل فجعلت أم الفضل أمرها الى زوجها العباس فزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصدقها عنه أربعمائة درهم وذكر السهيلي أنه لما إنتهت اليها خطبة رسول الله صلى الله عليه و سلم لها وهي راكبة بعيرا قالت الجمل وما عليه لرسول الله صلى الله عليه و سلم قال وفيها نزلت الآية وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين وقد روى البخاري من طريق أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف قال البيهقي وروى الدارقطني من طريق أبي الأسود يتيم عروة ومن طريق مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو حلال قال وتأولوا رواية ابن عباس الأولى أنه كان محرما أي في شهر حرام كما قال الشاعر ... قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... فدعا فلم أر مثله مخذولا ...
أي في شهر حرام
قلت وفي هذا التأويل نظر لأن الرواية متظافرة عن ابن عباس بخلاف ذلك ولا سيما قوله تزوجها وهو محرم وبني بها وهو حلال وقد كان في شهر ذي القعدة أيضا وهو شهر حرام وقال محمد بن يحيى الذهلي ثنا عبد الرزاق قال قال لي الثوري لا يلتفت إلى قول أهل المدينة أخبرني عمرو عن أبي الشعثاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج وهو محرم قال أبو عبد الله قلت لعبد الرزاق روى سفيان الحديثين جميعا عن عمرو بن أبي الشعثاء عن ابن عباس وابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نعم أما حديث ابن خثيم فحدثنا ها هنا يعني باليمن وأما حديث عمرو فحدثنا ثم يعني بمكة وأخرجاه في الصحيحين من حديث عمرو بن دينار به وفي صحيح البخاري من طريق الاوزاعي أنبأنا عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم فقال سعيد بن المسيب وهم ابن عباس وإن كانت خالته ما تزوجها إلا بعد ما أحل وقال يونس عن ابن اسحاق حدثني بقية عن سعيد بن المسيب أنه قال هذا عبد الله بن عباس يزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نكح ميمونة وهو محرم فذكر كلمته إنما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة فكان الحل والنكاح جميعا فشبه ذلك على ابن عباس وروى مسلم وأهل السنن من طرق عن (4/233)
يزيد بن الأصم العامري عن خالته ميمونة بنت الحارث قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن حلال بسرف لكن قال الترمذي روى غير واحد هذا الحديث عن يزيد بن الأصم مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الاصفهاني الزاهد ثنا اسماعيل بن اسحاق القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد ثنا مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع قال تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت الرسول بينهما وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن حماد بن زيد به ثم قال الترمذي حسن ولا نعلم أحدا أسنده عن حماد عن مطر ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان مرسلا ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلا قلت وكانت وفاتها بسرف سنة ثلاث وستين ويقال سنة ستين رضي الله عنها
ذكر خروجه صلى الله عليه و سلم من مكة بعد قضاء عمرته
قد تقدم ما ذكره موسى بن عقبة أن قريشا بعثوا اليه حويطب بن عبد العزى بعد مضي أربعة ايام ليرحل عنهم كما وقع به الشرط فعرض عليهم أن يعمل وليمة عرسه بميمونة عندهم وإنما أراد تأليفهم بذلك فابوا عليه وقالوا بل اخرج عنا فخرج وكذلك ذكره ابن اسحاق وقال البخاري حدثنا عبيد الله بن موسى عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء قال اعتمر النبي صلى الله عليه و سلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيموا بها ثلاثة ايام فلما كتبوا الكتاب كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله قالوا لا نقر بهذا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ولكن أنت محمد بن عبد الله قال أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي بن أبي طالب أمح رسول الله قال لا والله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة إلا السيف في القراب وأن لا يخرج من أهلها بأحد اراد أن يتبعه وأن لا يمنع من اصحابه أحدا أراد ان يقيم بها فلما دخل ومضى الاجل أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الاجل فخرج النبي صلى الله عليه و سلم فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك فحملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر فقال لي أنا أخذتها وهي ابنة عمي وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي وقال زيد ابنة اخي فقضى بها النبي صلى الله عليه و سلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي أنت مني وأنا منك وقال لجعفر اشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا قال على ألا تتزوج ابنة حمزة قال انها ابنة أخي من الرضاعة (4/234)
تفرد به البخاري من هذا الوجه وقد روى الواقدي قصة ابنة حمزة فقال حدثني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن عمارة ابنة حمزة بن عبد المطلب وأمها سلمى بنت عميس كانت بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم كلم علي بن ابي طالب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال علام نترك ابنة عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين فلم ينه النبي صلى الله عليه و سلم عن إخراجها فخرج بها فتكلم زيد بن حارثة وكان وصي حمزة وكان النبي صلى الله عليه و سلم قد آخى بينهما حين آخى بين المهاجرين فقال أنا أحق بها ابنة أخي فلما سمع بذلك جعفر قال الخالة والدة وأنا أحق بها لمكان خالتها عندي أسماء بنت عميس وقال علي ألا أراكم تختصمون هي ابنة عمي وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين وليس لكم اليها سبب دوني وأنا أحق بها منكم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أنا أحكم بينكم أما أنت يا زيد فمولى الله ومولى رسول الله وأما أنت يا جعفر فتشبه خلقي وخلقي وأنت يا جعفر اولى بها تحتك خالتها ولا تنكح المرأة على خالتها ولا على عمتها فقضى بها لجعفر قال الواقدي فلما قضى بها لجعفر قام جعفر فحجل حول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما هذا يا جعفر فقال يا رسول الله كان النجاشي إذا أرضى أحدا قام فحجل حوله فقال للنبي صلى الله عليه و سلم تزوجها فقال ابنة أخي من الرضاعة فزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم سلمة بن ابي سلمة فكان النبي صلى الله عليه و سلم يقول هل جزيت أبا سلمة
قلت لانه ذكر الواقدي وغيره أنه هو الذي زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بأم سلمة لانه كان أكبر من أخيه عمر بن ابي سلمة والله أعلم
قال ابن اسحاق ورجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة في ذي الحجة وتولى المشركون تلك الحجة قال ابن هشام وأنزل الله في هذه العمرة فيما حدثني أبو عبيدة قوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا [ يعني خيبر ] فصل
ذكر البيهقي ها هنا سرية ابن أبي العوجاء السلمي الى بني سليم ثم ساق بسنده عن الواقدي حدثني محمد بن عبد الله بن مسلم عن الزهري قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من عمرة القضية رجع في ذي الحجة من سنة سبع فبعث ابن ابي العوجاء السلمي في خمسين فارسا فخرج العين إلى قومه فحذرهم وأخبرهم فجمعوا جمعا كثيرا وجاءهم ابن ابي العوجاء والقوم معدون فلما أن رأوهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ورأوا جمعهم إلى الاسلام فرشقوهم بالنبل ولم يسمعوا قولهم وقالوا لا حاجة لنا إلى ما دعوتم اليه فرموهم ساعة وجعلت الامداد تأتي حتى أحدقوا بهم من كل جانب فقاتل (4/235)
القوم قتالا شديدا حتى قتل عامتهم وأصيب ابن أبي العوجاء بجراحات كثيرة فتحامل حتى رجع الى المدينة بمن بقي معه من أصحابه في أول يوم من شهر صفر سنة ثمان فصل
قال الواقدي في الحجة من هذه السنة يعني سنة سبع رد رسول الله صلى الله عليه و سلم ابنته زينب على زوجها أبي العاص بن الربيع وقد قدمنا الكلام على ذلك وفيها قدم حاطب بن أبي بلتعة من عند المقوقس ومعه مارية وسيرين وقد اسلمتا في الطريق وغلام خصي قال الواقدي وفيها اتخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم منبره درجتين ومقعده قال والثبت عندنا أنه عمل في سنة ثمان * بسم الله الرحمن الرحيم * رب يسر وأعن بحولك وقوتك
سنة ثمان من الهجرة النبوية
اسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة
قد تقدم طرف من ذلك فيما ذكره ابن اسحاق بعد مقتل أبي رافع اليهودي وذلك في سنة خمس من الهجرة وإنما ذكره الحافظ البيهقي ها هنا بعد عمرة القضاء فروى من طريق الواقدي أنبأنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال عمرو بن العاص كنت للاسلام مجانبا معاندا حضرت بدرا مع المشركين فنجوت ثم حضرت احدا فنجوت ثم حضرت الخندق فنجوت قال فقلت في نفسي كم أوضع والله ليظهرن محمدا على قريش فلحقت بمالي بالرهط وأقللت من الناس أي من لقائهم فلما حضر الحديبية وانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم في الصلح ورجعت قريش إلى مكة جعلت أقول يدخل محمد قابلا مكة بأصحابه ما مكة بمنزل ولا الطائف ولا شيء خير من الخروج وأنا بعد نائي عن الاسلام وأرى لو اسلمت قريش كلها لم اسلم فقدمت مكة وجمعت رجالا من قومي وكانوا يرون رأيي ويسمعون مني ويقدمونني فيما نابهم فقلت لهم كيف أنا فيكم قالوا ذو رأينا ومدرهنا في يمن نفسه وبركة أمر قال قلت تعلمون أني والله لارى أمرا محمد يعلو الامور علوا منكرا وإني قد رأيت رأيا قالوا وما هو قلت نلحق بالنجاشي فنكون معه فان يظهر محمد كنا عند النجاشي (4/236)
نكون تحت يد النجاشي أحب الينا من أن نكون تحت يد محمد وإن تظهر قريش فنحن من قد عرفوا قالوا هذا الرأي قال قلت فاجمعوا ما نهديه له وكان أحب ما يهدى اليه من أرضنا الأدم فحملنا أدما كثيرا ثم خرجنا حتى قدمنا على النجاشي فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضمري وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد بعثه بكتاب كتبه يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فدخل عليه ثم خرج من عنده فقلت لاصحابي هذا عمرو بن أمية ولو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فاعطانيه فضربت عنقه فاذا فعلت ذلك سرت قريش وكنت قد أجزأت عنها حتى قتلت رسول محمد فدخلت على النجاشي فسجدت له كما كنت أصنع فقال مرحبا بصديقي أهديت لي من بلادك شيئا قال قلت نعم أيها الملك أهديت لك ادما كثيرا ثم قدمته فاعجبه وفرق منه شيئا بين بطارقته وأمر بسائره فادخل في موضع وأمر أن يكتب ويحتفظ به فلما رأيت طيب نفسه قلت أيها الملك إني قد رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول عدو لنا قد وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا فاعطنيه فاقتله فغضب من ذلك ورفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنه كسره فابتدر منخراي فجعلت أتلقى الدم بثيابي فاصابني من الذل ما لو انشقت بي الارض دخلت فيها فرقا منه ثم قلت أيها الملك لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتك قال فاستحيا وقال يا عمرو تسألني أن أعطيك رسول من يأتيه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى والذي كان يأتي عيسى لتقتله قال عمرو فغير الله قلبي عما كنت عليه وقلت في نفسي عرف هذا الحق والعرب والعجم وتخالف أنت ثم قلت أتشهد أيها الملك بهذا قال نعم أشهد به عند الله يا عمرو فأطعني واتبعه فوالله إنه لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده قلت أتبايعني له على الاسلام قال نعم فبسط يده فبايعني على الاسلام ثم دعا بطست فغسل عني الدم وكساني ثيابا وكانت ثيابي قد امتلأت بالدم فالقيتها ثم خرجت على اصحابي فلما رأوا كسوة النجاشي سروا بذلك وقالوا هل أدركت من صاحبك ما أردت فقلت لهم كرهت أن أكلمه في أول مرة وقلت أعود اليه فقالوا الرأي ما رأيت قال ففارقتهم وكأني أعمد الى حاجة فعمدت الى موضع السفن فاجد سفينة قد شحنت تدفع قال فركبت معهم ودفعوها حتى انتهوا الى الشعبة وخرجت من السفينة ومعي نفقة فابتعت بعيرا وخرجت أريد المدينة حتى مررت على مر الظهران ثم مضيت حتى اذا كنت بالهدة فاذا رجلان قد سبقاني بغير كثير يريدان منزلا وأحدهما داخل في الخيمة والآخر يمسك الراحلتين قال فنظرت فاذا خالد بن الوليد قال قلت أين تريد قال محمدا دخل الناس في الاسلام فلم يبق أحد به طعم والله لو اقمت (4/237)
لاخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضبع في مغارتها قلت وأنا الله قد أردت محمدا وأردت الاسلام فخرج عثمان بن طلحة فرحب بي فنزلنا جميعا في المنزل ثم اتفقنا حتى أتينا المدينة فما أنس قول رجل لقيناه ببئر أبي عتبة يصيح يا رباح يا رباح يا رباح فتفاءلنا بقوله وسرنا ثم نظر الينا فأسمعه يقول قد اعطت مكة المقادة بعد هذين وظننت أنه يعنيني ويعني خالد بن الوليد وولى مدبرا الى المسجد سريعا فظننت أنه بشر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقدومنا فكان كما ظننت وأنخنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا ثم نودي بالعصر فانطلقنا على أظلعنا عليه وإن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا باسلامنا فتقدم خالد بن الوليد فبايع ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طرفي حياء منه قال فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر فقال إن الاسلام يجب ما كان قبله والهجرة تجب ما كان قبلها قال فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه و سلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في أمر حزبه منذ أسلمنا ولقد كنا عند أبي بكر بتلك المنزلة ولقد كنت عند عمر بتلك الحالة وكان عمر على خالد كالعاتب قال عبد الحميد بن جعفر شيخ الواقدي فذكرت هذا الحديث ليزيد بن حبيب فقال أخبرني راشد مولى حبيب بن ابي أوس الثقفي عن مولاه حبيب عن عمرو بن العاص نحو ذلك
قلت كذلك رواه محمد بن اسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن راشد عن مولاه حبيب [ قال ] حدثني عمرو بن العاص من فيه فذكر ما تقدم في سنة خمس بعد مقتل ابي رافع وسياق الواقدي أبسط وأحسن قال الواقدي عن شيخه عبد الحميد فقلت ليزيد بن ابي حبيب وقت لك متى قدم عمرو وخالد قال لا إلا أنه قال قبل الفتح قلت فان أبي أخبرني ان عمرا وخالدا وعثمان بن طلحة قدموا لهلال صفر سنة ثمان وسيأتي عند وفاة عمرو من صحيح مسلم ما يشهد لسياق اسلامه وكيفية حسن صحبته لرسول الله صلى الله عليه و سلم مدة حياته وكيف مات وهو يتاسف على ما كان منه في مدة مباشرته الامارة بعده عليه الصلاة و السلام وصفة موته رضي الله عنه
طريق اسلام خالد بن الوليد
قال الواقدي حدثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال سمعت أبي يحدث عن خالد بن الوليد قال لما اراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الاسلام وحضرني رشدي فقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد صلى الله عليه و سلم فليس في موطن أشهده الا انصرف وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمدا سيظهر فلما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الحديبية خرجت في خيل من المشركين فلقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في اصحابه بعسفان فقمت بازائه (4/238)
وتعرضت له فصلى باصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نغير عليهم ثم لم يعزم لنا وكانت فيه خيرة فاطلع على ما في أنفسنا من الهم به فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف فوقع ذلك منا موقعا وقلت الرجل ممنوع فاعتز لنا وعدل عن سير خيلنا وأخذ ذات اليمين فلما صالح قريشا بالحديبية ودافعته قريش بالرواح قلت في نفسي أي شيء بقي أين أذهب الى النجاشي فقد اتبع محمد وأصحابه عنده آمنون فاخرج الى هرقل فأخرج من ديني الى نصرانية أو يهودية فأقيم في عجم فاقيم في داري بمن بقي فانا في ذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة في عمرة القضية فتغيبت ولم أشهد دخوله وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صلى الله عليه و سلم في عمرة القضية فطلبني فلم يجدني فكتب الي كتابا فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاني لم ار أعجب من ذهاب رأيك عن الاسلام وعقل : عقلك ومثل الاسلام جهله أحد وقد سألني رسول الله صلى الله عليه و سلم عنك وقال أين خالد فقلت يأتي الله به فقال مثله جهل الاسلام ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين كان خيرا له ولقدمناه على غيره فاستدرك يا أخي ما قد فاتك [ من ] مواطن صالحة قال فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الاسلام وسرني سؤال رسول الله صلى الله عليه و سلم عني وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة فخرجت في بلاد خضراء واسعة فقلت إن هذه لرؤيا فلما أن قدمت المدينة قلت لاذكرنا لابى بكر فقال مخرجك الذى هداك الله للاسلام والضيق الذى كنت فيه من الشرك قال فلما أجمعت الخروج الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت من أصاحب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلقيت صفوان بن أمية فقلت يا ابا وهب أما ترى ما نحن فيه إنما نحن كاضراس وقد ظهر محمد على العرب والعجم فلو قدمنا على محمد واتبعناه فإن شرف محمد لنا شرف فأبى اشد الاباء فقال لو لم يبق غيري ما اتبعته أبدا فافترقنا وقلت هذا رجل قتل أخوه وأبوه ببدر فلقيت عكرمة بن ابي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان بن أمية فقال لي مثل ما قال صفوان بن أمية قلت فاكتم علي ما قال لا أذكره فخرجت الى منزلي فأمرت براحلتي فخرجت بها الى أن لقيت عثمان بن طلحة فقلت إن هذا لي صديق فلو ذكرت له ما أرجو ثم ذكرت من قتل من آبائه فكرهت أن أذكره ثم قلت وما علي وأنا راحل من ساعتي فذكرت له ما صار الأمر اليه فقلت إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج وقلت له نحوا مما قلت لصاحبي فاسرع الاجابة وقلت له اني غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو وهذه راحلتي بفج مناخة قال فاتعدت أنا وهو يأجج إن سبقني أقام وإن سبقته أقمت عليه قال فادلجنا سحرا فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج فغدونا حتى انتهينا الى الهدة فنجد عمرو بن العاص بها قال مرحبا بالقوم فقلنا وبك فقال إلى أين مسيركم فقلنا وما أخرجك فقال وما أخرجكم قلنا الدخول في الاسلام واتباع محمد صلى الله عليه و سلم قال وذاك الذي أقدمني فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة فأنخنا بظهر الحرة (4/239)
ركابنا فاخبر بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسر بنا فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلقيني أخي فقال اسرع فان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أخبر بك فسر بقدومك وهو ينتظركم فأسرعنا المشي فاطلعت عليه فما زال يتبسم الي حتى وقفت عليه فسلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق فقلت إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال تعال ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الحمد لله الذي هداك قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك الا الى خير قلت يا رسول الله اني قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معاندا للحق فادعو الله أن يغفرها لي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الاسلام يجب ما كان قبله قلت يا رسول الله على ذلك قال اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيل الله قال خالد وتقدم عثمان وعمرو فبايعا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وكان قدومنا في صفر سنة ثمان قال والله ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعدل بي أحدا من أصحابه فيما حز به
سرية شجاع بن وهب الأسدي الى هوازن
قال الواقدي حدثني ابن ابي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن ابي فروة عن عمر بن الحكم قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلا الى جمع من هوازن وأمره أن يغير عليهم فخرج وكان يسير الليل ويكمن النهار حتى جاءهم وهم غارين وقد أوعز الى أصحابه أن لا تمعنوا في الطلب فاصابوا نعما كثيرا وشاء فاستاقوا ذلك حتى اذا قدموا المدينة فكانت سهامهم خمسة عشر بعيرا كل رجل [ وزعم غيره أنهم أصابوا سبيا أيضا وأن الامير اصطفى عنهم جارية وضيئة ] ثم قدم أهلوهم مسلمين فشاور النبي صلى الله عليه و سلم أميرهم في ردهن اليهم فقال نعم فردوهن وخير التي عنده الجارية فاختارت المقام عنده وقد تكون هذه السرية هي المذكورة فيما رواه الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية قبل نجد فكان فيهم عبد الله بن عمر قال فاصبنا إبلا كثيرا فبلغت سهامنا إثنا عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بعيرا بعيرا أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ورواه مسلم أيضا من حديث الليث ومن حديث عبد الله كلهم عن نافع عن ابن عمر بنحوه [ وقال أبو داود حدثنا هناد حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر ] قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية الى نجد فخرجت فيها فأصبنا نعما كثيرا فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ثم قدمنا على رسول الله صد فقسم بيننا غنيمتنا فاصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع فكان لكل منا ثلاثة عشر بعيرا بنفله (4/240)
سرية كعب بن عمير الى بني قضاعة
قال الواقدي حدثنا محمد بن عبد الله الزهري قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا الى ذات اطلاح من الشام فوجدوا جمعا من جمعهم كثيرا فدعوهم إلى الاسلام فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا فارتث منهم رجل جريح في القتلى فلما أن يرد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فهم بالبعثة اليهم فبلغه انهم ساروا إلى موضع آخر
غزوة مؤتة
وهي سرية زيد بن حارثة في نحو من ثلاثة آلاف الى ارض البلقاء من أرض الشام
قال محمد بن اسحاق بعد قصة عمرة القضية فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة بقية ذي الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرم وصفرا وشهري ربيع وبعث في جمادى الاولى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه الى مؤتة في جمادى الاولى من سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال إن أصيب زيد فجعفر بن ابي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف
وقال الواقدي حدثني ربيعة بن عثمان عن عمرو بن الحكم عن أبيه قال جاء النعمان ابن فنحص اليهودي فوقف على رسول الله صلى الله عليه و سلم مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة أمير الناس فان قتل زيد فجعفر بن أبي طالب فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة فان قتل عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم فقال النعمان أبا القاسم إن كنت نبيا فلو سميت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا أجمعيا ان الانبياء في بني اسرائيل كانوا اذا سموا الرجل على القوم فقالوا ان أصيب فلان ففلان فلو سموا مائة أصيبوا جميعا ثم جعل يقول لزيد اعهد فانك لا ترجع أبدا إن كان محمد نبيا فقال زيد أشهد أنه نبي صادق بار رواه البيهقي
قال ابن اسحق فلما حضر خروجهم ودع الناس امراء رسول الله صلى الله عليه و سلم وسلموا عليهم فلما ودع عبد الله بن رواحة مع من ودع بكى فقالوا ما يبكيك يا ابن رواحة فقال أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود فقال المسلمون صحبكم الله ودفع عنكم وردكم الينا صالحين فقال عبد الله بن رواحة (4/241)
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرع تقذف الزبدا ... أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا ... حتى يقال اذا مروا على جدثي ... أرشده الله من غاز وقد رشدا ...
قال ابن اسحاق ثم أن القوم تهيئوا للخروج فاتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه و سلم فودعه ثم قال ... فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا ... إني تفرست فيك الخير نافلة ... الله يعلم أني ثابت البصر ... أنت الرسول فمن يحرم نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القدر ...
قال ابن اسحاق ثم خرج القوم وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يشيعهم حتى اذا ودعهم وانصرف قال عبد الله بن رواحة ... خلف السلام على امرئ ودعته ... في النخل خير مشيع وخليل ...
وقال الامام احمد حدثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو خالد الاحمر عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث الى مؤتة فاستعمل زيدا فان قتل زيد فجعفر فأن قتل جعفر فابن رواحة فتخلف ابن رواحة فجمع مع النبي صلى الله عليه و سلم فرآه فقال ما خلفك فقال اجمع معك قال لغدوة أو روحة خير من الدنيا وما فيها وقال أحمد ثنا أبو معاوية ثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة قال فقدم أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة ثم الحقهم قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم رآه فقال ما منعك أن تغدو مع أصحابك فقال أردت أن أصلي معك الجمعة ثم الحقهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو أنفقت ما في الارض جميعا ما أدركت غدوتهم وهذا الحديث قد رواه الترمذي من حديث أبي معاوية عن الحجاج وهو ابن ارطاة ثم علله الترمذي بما حكاه عن شعبة انه قال لم يسمع الحكم عن مقسم الا خمسة احاديث وليس هذا منها قلت والحجاج بن أرطاة في روايته نظر والله أعلم والمقصود من ايراد هذا الحديث انه يقتضي أن خروج الامراء الى مؤتة كان في يوم جمعة والله أعلم
قال ابن اسحاق ثم مضوا حتى نزلوا معانا من ارض الشام فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة الف من الروم وانضم اليه من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي مائة الف منهم عليهم رجل من بلي ثم احد اراشة يقال له مالك بن رافلة وفي رواية يونس عن ابن اسحاق فبلغهم ان هرقل نزل بمآب في مائة ألف من الروم ومائة الف من المستعربة فلما بلغ ذلك المسلمين اقاموا (4/242)
على معان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم نخبره بعدد عدونا فاما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له قال فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي اكرمنا الله به فانطلقوا فانما هي احدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة قال فقال الناس قد والله صدق ابن رواحة فمضى الناس فقال عبد الله بن رواحة في محبسهم ذلك ... جلبنا الخيل من اجأ وفرع ... تعر من الحشيش الى العكوم ... حدوناها من الصوان سبتا ... أزل كأن صفحته أديم ... أقامت ليلتين على معان ... فأعقب بعد فترتها جموم ... فرحنا والحياد مسومات ... تنفس في مناخرها سموم ... فلا وأبي مآب لنأتينها ... وإن كانت بها عرب وروم ... فعبأنا أعنتها فجاءت ... عوابس والغبار لها يريم ... بذي لحب كأن البيض فيه ... اذا برزت قوانسها النجوم ... فراضية المعيشة طلقتها ... اسنتنا فتنكح أو تئيم ...
قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن ابي بكر أنه حدث عن زيد بن ارقم قال كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله فوالله انه ليسير ليلتئذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه ... اذا أدنيتني وحملت رحلي ... مسيرة أربع بعد الحساء ... فشأنك أنعم وخلاك ذم ... ولا ارجع الى أهلي ورائي ... وجاء المسلمون وغادروني ... بارض الشام مستنهى الثواء ... وردك كل ذي نسب قريب ... الى الرحمن منقطع الأخاء ... هنالك لا ابالي طلع بعل ... ولا نخل أسافلها رواء ...
قال فلما سمعتهن منه بكيت فخفقني بالدرة وقال ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل ثم قال عبد الله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز ... يا زيد زيد اليعملات الذبل ... تطاول الليل هديت فانزل (4/243)
قال ابن اسحاق ثم مضى الناس حتى اذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدو وانحاز المسلمون الى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فتعبى لهم المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الانصار يقال له عباية بن مالك وقال الواقدي حدثني ربيعة بن عثمانعن المقبري عن أبي هريرة قال شهدت مؤتة فلما دنا من المشركون رأينا مالا قبل لاحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب فبرق بصري فقال لي ثابت بن أرقم يا ابا هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة قلت نعم قال إنك لم تشهد بدرا معنا إنا لم ننصر بالكثرة رواه البيهقي قال ابن اسحاق ثم التقى الناس فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى شاط في رماح القوم ثم أخذها جعفر فقاتل القوم حتى قتل فكان جعفر أول المسلمين عقر في الاسلام وقال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد حدثني أبي الذي أرضعني وكان أحد بني مرة بن عوف وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال والله لكأني انظر الى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل القوم حتى قتل وهو يقول ... يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها ... والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها ... على إن لاقيتها ضرابها ...
وهذا الحديث قد رواه أبو داود من حديث أبي اسحاق ولم يذكر الشعر وقد استدل من جواز قتل الحيوان خشية أن ينتفع به العدو كما يقول أبو حنيفة في الاغنام اذا لم تتبع في السير ويخشى من لحوق العدو وانتفاعهم بها أنها تذبح وتحرق ليحال بينهم وبين ذلك والله أعلم قال السهيلي ولم ينكر أحد على جعفر فدل على جوازه إلا إذا أمن أخذ العدو له ولا يدخل ذلك في النهي عن قتل الحيوان عبثا قال ابن هشام وحدثني من أثق به من أهل العلم أن جعفر أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء ويقال إن رجلا من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه بنصفين قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال حدثني أبي الذي ارضعني وكان أحد بني مرة بن عوف قال فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ويقول ... أقسمت يا نفس لتنزلنه ... لتنزلن أو لتكرهنه ... إن جلب الناس وشدوا الرنة ... مالي أراك تكرهين الجنة (4/244)
قد طال ما قد كنت مطمئنة ... ها أنت إلا نطفة في شنة ...
وقال أيضا ... يا نفس إن لا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت ... وما تمنيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت ...
يريد صاحبيه زيدا وجعفرا ثم نزل فلما نزل اتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال شد بهذا صلبك فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت فأخذه من يده فانتهس منه نهسة ثم سمه الحطمة في ناحية الناس فقال وانت في الدنيا ثم القاه من يده ثم أخذ سيفه ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه قال ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم اخو بني العجلان فقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم قالوا أنت قال ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فلما أخذ الراية دافع القوم وخاشى بهم ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف بالناس قال ابن اسحق ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا قال ثم صمت رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى تغيرت وجوه الانصار وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون ثم قال أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم قال لقد رفعوا الى الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه فقلت عم هذا فقيل لي مضيا وتررد عبد الله بن رواحة بعض التردد ثم مضى هكذا ذكر ابن اسحق هذا منقطعا وقد قال البخاري ثنا أحمد بن واقد ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبر فقال اخذ الراية زيد فاصيب ثم اخذها جعفر فاصيب ثم اخذها ابن رواحة فاصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله قد فتح الله عليهم تفرد به البخاري ورواه في موضع آخر وقال فيه وهو على المنبر وما يسرهم أنهم عندنا وقال البخاري ثنا أحمد بن ابي بكير ثنا مغيرة بن عبد الرحمن المخزومي وليس بالحرامي عن عبد الله بن سعيد عن نافع عن عبد الله بن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة مؤتة زيد ابن حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان قتل زيد فجعفر وان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال عبد الله كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن ابي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وتسعين من ضربة ورمية تفرد به البخاري أيضا وقال البخاري أيضا حدثنا احمد ثنا ابن (4/245)
وهب عن ابن عمرو عن أبي هلال وهو سعيد بن ابي هلال الليثي قالا وأخبرني نافع أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر بن ابي طالب يومئذ وهو قتيل فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره وهذا أيضا من أفراد البخاري ووجه الجميع بين هذه الرواية والتي قبلها ان ابن عمر اطلع على هذا العدد وغيره اطلع على أكثر من ذلك وان هذه في قبله أصيبها قبل أن يقتل فلما صرع الى الارض ضربوه أيضا ضربات في ظهره فعد ابن عمر ما كان في قبله وهو في وجوه الاعداء قبل أن يقتل رضي الله عنه ومما يشهد لما ذكره ابن هشام من قطع يمينه وهي ممسكة اللواء ثم شماله ما رواه البخاري ثنا محمد بن ابي بكر ثنا عمر بن علي عن اسمعيل بن ابي خلاد عن عامر قال كان ابن عمر اذا حي ابن جعفر قال السلام عليك يا ابن ذي الجناحين ورواه ايضا في المناقب والنسائي من حديث يزيد بن هارون عن اسماعيل بن ابي خالد وقال البخاري ثنا أبو نعيم ثنا سفيان بن اسمعيل عن قيس بن ابي حازم قال سمعت خالد بن الوليد يقول لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي الا صفحة يمانية ثم رواه عن محمد بن المثنى عن يحيى بن اسمعيل حدثني قيس سمعت خالد بن الوليد يقول لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وصبرت في يدي صفحة يمانية انفرد به البخاري قال الحافظ أبو بكر البيهقي ثنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو عمرو مطر ثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ثنا سليمان بن حرب ثنا الاسود ثنا شيبان عن خالد بن سمير قال قدم علينا عبد الله بن رباح الانصاري وكانت الانصار تفقهه فغشيه فيمن غشيه فقال ابو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جيش الامراء وقال عليكم زيد بن حارثة وقال ان أصيب زيد فجعفر فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة قال فوثب جعفر وقال يا رسول الله ما كنت أرهب أن تستعمل زيدا علي قال امض فانك لا تدري أي ذلك خير فانطلقوا فلبثوا ما شاء الله فصعد رسول الله صلى الله عليه و سلم المنبر فامر فنودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اخبركم عن جيشكم هذا انهم انطلقوا فلقوا العدو فقتل زيد شهيدا فاستغفر له ثم أخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيدا شهد له بالشهادة واستغفر له ثم أخذ اللواء عبد الله ابن رواحة فأثبت قدميه حتى قتل شهيدا فاستغفر له ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الامراء هو أمر نفسه ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم انه سيف من سيوفك أنت تنصره فمن يومئذ سمي خالد سيف الله ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك عن الاسود بن شيبان به نحوه وفيه زيادة حسنة وهو انه عليه الصلاة و السلام لما اجتمع اليه الناس قال باب خير باب خير وذكر الحديث وقال الواقد حدثني عبد الجبار بن عمارة بن غزية عن عبد الله بن ابي بكر بن عمرو بن حزم قال لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر وكشف الله له ما بينه وبين الشام فهو ينظر (4/246)
الى معتركهم فقال أخذ الراية زيد بن حارثة فجاء الشيطان فحبب اليه الحياة وكره اليه الموت وحبب اليه الدنيا فقال الآن استحكم الايمان في قلوب المؤمنين تحبب الى الدنيا فمضى قدما حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال استغفروا له فقد دخل الجنة وهو شهيد قال الواقدي وحدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لما قتل زيد اخذ الراية جعفر بن ابي طالب فجاءه الشيطان فحبب اليه الحياة وكره اليه الموت ومناه الدنيا فقال الآن استحكم الايمان في قلوب المؤمنين يمنيني الدنيا ثم مضى قدما حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال استغفروا لاخيكم فانه شهيد دخل الجنة وهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء في الجنة قال ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فاستشهد ثم دخل الجنة معترضا فشق ذلك على الانصار فقيل يا رسول الله ما أعترضه قال لما اصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فتشجع واستشهد ودخل الجنة فسري عن قومه قال الواقدي وحدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الآن حمي الوطيس قال الواقدي فحدثني العطاف بن خالد قال لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته وميمنته ميسرته قال فانكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم وقالوا قد جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين قال فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم وهذا يوافق ما ذكره موسى بن عقبة رحمه الله في مغازيه فانه قال بعد عمرة الحديبية ثم صدر رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة فمكث بها ستة أشهر ثم إنه بعث جيشا الى مؤتة وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال إن أصيب فجعفر بن أبي طالب أميرهم فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة أميرهم فانطلقوا حتى اذا لقوا ابن ابي سبرة الغساني بمؤتة وبها جموع من نصارى العرب والروم بها تنوخ وبهراء فاغلق ابن ابي سبرة دون المسلمين الحصن ثلاثة أيام ثم التقوا على زرع أحمر فاقتتلوا قتالا شديدا فاخذ اللواء زيد بن حارثة فقتل ثم اخذه جعفر فقتل ثم أخذه عبد الله بن رواحة فقتل ثم اصطلح المسلمون بعد امراء رسول الله صلى الله عليه و سلم على خالد بن الوليد المخزومي فهزم الله العدو واظهر المسلمين قال وبعثهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في جمادى الاولى يعني سنة ثمان قال موسى بن عقبة وزعموا أن رسول 2 الله صلى الله عليه و سلم قال مر علي جعفر في الملائكة يطير كما يطيرون وله جناحان قال وزعموا والله أعلم أن يعلى بن أمية قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم بخبر أهل مؤتة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ان شئت فاخبرني وان شئت أخبرك قال اخبرني يا رسول الله قال فاخبرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم خبرهم كله ووصفه لهم فقال والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره وإن أمرهم لكما ذكرت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله رفع لي الارض حتى رأيت معتركهم فهذا السياق فيه فوائد كثيرة ليست عند ابن اسحاق وفيه مخالفة لما ذكره ابن اسحاق من أن خالد انما (4/247)
حاش بالقوم حتى تخلصوا من الروم وعرب النصارى فقط وموسى بن عقبة والواقدي مصرحان بانهم هزموا جموع الروم والعرب الذين معهم وهو ظاهر الحديث المتقدم عن أنس مرفوعا ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه ورواه البخاري وهذا هو الذي رجحه ومال اليه الحافظ البيهقي بعد حكاية القولين لما ذكر من الحديث
قلت ويمكن الجمع بين قول ابن اسحاق وبين قول الباقين وهو ان خالد لما أخذ الراية حاش بالقوم المسلمين حتى خلصهم من أيدي الكافرين من الروم والمستعربة فلما أصبح وحول الجيش ميمنة وميسرة ومقدمة وساقة كما ذكره الواقدي توهم الروم أن ذلك عن مدد جاء الى المسلمين فلما حمل عليهم خالد هزموهم بأذن الله والله أعلم وقد قال ابن اسحاق حدثني محمد بن جعفر عن عروة قال لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون معه [ قال ولقيهم الصبيان يشتدون ورسول الله صلى الله عليه و سلم مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم واعطوني ابن جعفر فأني بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه ] فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون يا فرار فررتم في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله عز و جل وهذا مرسل من هذا الوجه وفيه غرابة وعندي أن ابن اسحاق قد وهم في هذا السياق فظن أن هذا الجمهور الجيش وإنما كان للذين فروا حين التقى الجمعان وأما بقيتهم فلم يفروا بل نصروا كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم للمسلمين وهو على المنبر في قوله ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه فما كان المسلمون ليمسونهم فرارا بعد ذلك وإنما تلقوهم إكراما واعظاما وإنما كان التأنيب وحثي التراب للذين فروا وتركوهم هنالك وقد كان فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال الامام احمد حدثنا حسن ثنا زهير ثنا يزيد بن ابي زياد عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن عبد الله بن عمر قال كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه و سلم فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ثم قلنا لو دخلنا المدينة قتلنا ثم قلنا لو عرضنا انفسنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فان كانت لنا توبة والا ذهبنا فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال من القوم قال قلنا نحن فرارون فقال لا بل انتم الكرارون انا فئتكم وانا فئة المسلمين قال فاتيناه حتى قبلنا يده ثم رواه غندر عن شعبة عن يزيد بن ابي زياد عن ابن أبي ليلى عن ابن عمر قال كنا في سرية ففررنا فاردنا أن نركب البحر فأتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون فقال لا بل انتم العكارون رواه الترمذي وابن ماجه من حديث يزيد بن ابي زياد وقال الترمذي حسن لا نعرفه الا من حديثه وقال احمد حدثنا اسحاق بن عيسى وأسود بن عامر قالا حدثنا شريك عن يزيد بن ابي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال بعثنا رسول (4/248)
الله صلى الله عليه و سلم في سرية فلما لقينا العدو انهزمنا في أول غادية فقدمنا المدينة في نفر ليلا فاختفينا ثم قلنا لو خرجنا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم واعتذرنا اليه فخرجنا اليه ثم التقيناه قلنا نحن الفرارون يا رسول الله قال بل أنتم العكارون وانا فئتكم قال الاسود وانا فئة كل مسلم وقال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومع المسلمين قالت ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس يا فرار فررتم في سبيل الله حتى قعد في بيته ما يخرج وكان في غزاة مؤتة
قلت لعل طائفة منهم فروا لما عاينوا كثرة جموع العدو على ما ذكروه مائتي ألف ومثل هذا يسوغ الفرار على ما قد تقرر فلما فر هؤلاء ثبت باقيهم وفتح الله عليهم وتخلصوا من أيدي اولئك وقتلوا منهم مقتلة عظيمة كما ذكره الواقدي وموسى بن عقبة من قبله ويؤيد ذلك ويشاكله بالصحة ما رواه الامام احمد حدثنا الوليد بن مسلم حدثني صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الاشجعي قال خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة من المسلمين في غزوة مؤتة ومدوي من اليمن ليس معه غير سيفه فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المدوي طابقة من جلده فأعطاه اياه فاتخذه كهيئة الدرقة ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له اشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يغزي بالمسلمين وقعد له المدوي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقبه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله للمسلمين بعث اليه خالد بن الوليد يأخذ من السلب قال عوف فاتيته فقلت يا خالد اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى ولكني استكثر به فقلت به فقلت لتردنه اليه اولا عرفتكها عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فابى أن يرد عليه قال عوف فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقصصت عليه قصة المدوي وما فعل خالد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا خالد رد عليه ما أخذت منه قال عوف فقلت دونك يا خالد ألم أف لك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وما ذاك فاخبرته فغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركوا أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره قال الوليد سألت ثورا عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عوف بنحوه ورواه مسلم وأبو داود من حديث جبير بن نفير عن عوف بن مالك به نحوه وهذا يقتضي انهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من امرائهم وقد تقدم فيما رواه البخاري أن خالدا رضي الله عنه قال اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وما ثبت في يدي الا صفحة يمانية وهذا يقتضي انهم اثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قد روا على التخلص منهم وهذا وحده دليل مستقل والله أعلم وهذا هو (4/249)
اختيار موسى بن عقبة والواقدي والبيهقي وحكاه ابن هشام عن الزهري قال البيهقي رحمه الله إن اختلف أهل المغازي في فرارهم وانحيازهم فمنهم من ذهب الى ذلك ومنهم من زعم أن المسلمين ظهروا على المشركين وأن المشركين انهزموا قال وحديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم اخذها خالد ففتح الله عليه يدل على ظهورهم عليهم والله أعلم
قلت وقد ذكر ابن اسحاق أن قطبة بن قتادة العذري وكان رأس ميمنة المسلمين حمل على مالك بن زافلة ويقال رافلة وهو أمير اعراب النصارى فقتله وقال يفتخر بذلك ... طعنت ابن رافلة بن الاراش ... برمح مضى فيه ثم انحطم ... ضربت على جيده ضربة ... فمال كما مال غصن السلم ... وسقنا نساء بني عمة ... غداة رقوقين سوق النعم ...
وهذا يؤيد ما نحن فيه لأن من عادة أمير الجيش اذا قتل أن يفر أصحابه ثم إنه صرح في شعره بانهم سبوا من نسائهم وهذا واضح فيما ذكرناه والله اعلم واما ابن اسحاق فانه ذهب الى أنه لم يكن الا المخاشاة والتخلص من أيدي الروم وسمى هذا نصرا وفتحا أي باعتبار ما كانوا فيه منإحاطة العدو بهم وتراكمهم وتكاثرهم وتكاثفهم عليهم فكان مقتضى العادات أن يصطلحوا بالكلية فلما تخلصوا منهم وانحازوا عنهم كان هذا غاية المرام في هذا المقام وهذا محتمل لكنه خلاف الظاهر من قوله عليه الصلاة و السلام ففتح الله عليهم والمقصود أن ابن اسحاق يستدل على ما ذهب اليه فقال وقد قال فيما كان من أمر الناس وأمر خالد بن الوليد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم قيس بن المحسر اليعمري يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس يقول ... فوالله لا تنفك نفسي تلومني ... على موقفي والخيل قابعة قبل ... وقفت بها لا مستجيزا فنافذا ... ولا مانعا من كل حم له القتل ... على أنني آسيت نفسي بخالد ... ألا خالد في القوم ليس له مثل ... وجاشت الي النفس من نحو جعفر ... بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل ... وضم الينا حجزتيهم كليهما ... مهاجرة لا مشركون ولا عذل ...
قال ابن اسحاق فبين قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره أن القوم جاحزوا وكرهوا الموت وحقق انحياز خالد بمن معه قال ابن هشام واما الزهري فقال فيما بلغنا عنه أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد ففتح الله عليهم وكان عليهم حتى رجع الى المدينة فصل
قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن أم عيسى الخزاعية عن أم جعفر بنت محمد بن (4/250)
جعفر بن أبي طالب عن جدتها اسماء بنت عميس قالت لما اصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد دبغت أربعين مناء وعجنت عجيني وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ائتني ببني جعفر فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك ابلغك عن جعفر وأصحابه شيء قال نعم أصيبوا هذا اليوم قالت فقمت أصيح واجتمع الي النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أهله فقال لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد شعلوا بامر صاحبهم وهكذا رواه الامام أحمد من حديث ابن اسحاق ورواه ابن اسحاق من طريق عبد الله بن ابي بكر عن أم عيسى عن أم عون بنت محمد بن جعفر عن أسماء فذكر الأمر بعمل الطعام والصواب أنها أم جعفر وأم عون وقال الامام أحمد حدثنا سفيان ثنا جعفر بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه و سلم اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم أمر يشغلهم أو أتاهم ما يشغلهم وهكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن جعفر بن خالد بن سارة المخزومي المكي عن أبيه عن عبد الله بن جعفر وقال الترمذي حسن ثم قال محمد بن اسحاق حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم الحزن قالت فدخل عليه رجل فقال يا رسول الله [ إن النساء ] عييننا وفتننا قال أرجع اليهم فأسكتهن قالت فذهب ثم رجع فقال له مثل ذلك قالت [ يقول ] وربما ضر التكلف يعني أهله [ قالت قال فاذهب ] فأسكتهن فان أبين فاحثوا في افواههن التراب قالت وقلت في نفسي أبعدك الله فوالله ما تركت نفسك وما أنت بمطيع رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت وعرفت أنه لا يقدر يحثي في افواههن التراب إنفرد به ابن اسحاق من هذا الوجه وليس في شيء من الكتب وقال البخاري ثنا قتيبة ثنا عبد الوهاب سمعت يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة قالت سمعت عائشة تقول لما قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرف في وجهه الحزن قالت عائشة وأنا اطلع من صاير الباب شق فأتاه رجل فقال أي رسول الله إن نساء جعفر وذكر بكاءهن فامره أن ينهاهن قالت فذهب الرجل ثم أتى فقال والله لقد غلبننا فزعمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فاحث في أفواههن من التراب قالت عائشة رضي الله عنها فقلت أرغم الله أنفك فوالله ما أنت تفعل ذلك وما تركت رسول الله صلى الله عليه و سلم من العناء وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرةعنها وقال الامام أحمد حدثنا وهب بن جرير ثنا أبي سمعت محمد بن أبي يعقوب يحدث عن الحسن بن سعيد عن عبد الله بن جعفر قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة وقال إن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر فان قتل أو استشهد (4/251)
فأميركم عبد الله بن رواحة فلقوا العدو فاخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل ثم اخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه وأتى خبرهم النبي صلى الله عليه و سلم فخرج الى الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال إن إخوانكم لقوا العدو وإن زيدا أخذ الراية فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم اخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية سيفا من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه قال ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ان يأتهم ثم أتاهم فقال لا تبكوا على أخي بعد اليوم أدعوا لي بني أخي قال فجيء بنا كأننا أفراخ فقال ادعوا لي الحلاق فجيء بالحلاق فحلق رؤسنا ثم قال أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي ثم أخذ بيدي فأشالها وقال اللهم اخلف جعفرا في أهله بارك لعبد الله في صفقة يمينه قالها ثلاث مرات قال فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا وجعلت تفرح له فقال العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ورواه أبو داود ببعضه والنسائي في السير بتمامه من حديث وهب بن جرير به وهذا يقتضي أنه عليه الصلاة و السلام أرخص لهم في البكاء ثلاثة أيام ثم نهاهم عنه بعدها ولعله معنى الحديث الذي رواه الامام أحمد من حديث الحكم بن عبد الله بن شداد عن اسماء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لها لما أصيب جعفر تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت تفرد به أحمد فيحتمل أنه أذن لها في التسلب وهو المبالغة في البكاء وشق الثياب ويكون هذا من باب التخصيص لها بهذا لشدة حزنها على جعفر أبي أولادها وقد يحتمل أن يكون أمرا لها بالتسلب وهو المبالغة في الاحداد ثلاثة ايام ثم تصنع ما شاءت مما يفعله المعتدات على أزواجهن من الاحداد المعتاد والله أعلم ويروى تسلى ثلاثا أي تصبري ثلاثا وهذا بخلاف الرواية الاخرى والله أعلم فأما الحديث الذي قال الامام احمد حدثنا يزيد ثنا محمد بن طلحة ثنا الحكم بن عيينة عن عبد الله بن شداد عن أسماء بنت عميس قالت دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال لا تحدي بعد يومك هذا فانه من افراد احمد أيضا وإسناده لا بأس به ولكنه مشكل إن حمل على ظاهره لانه قد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميتها أكثر من ثلاثة أيام الا على زوج أربعة اشهر وعشرة فإن كان ما رواه الامام أحمد محفوظا فتكون مخصوصة بذلك أو هو أمر بالمبالغة في الاحداد هذه الثلاثة أيام كما تقدم والله أعلم (4/252)
قلت ورثت أسماء بنت عميس زوجها بقصيدة تقول فيها ... فآليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا ... فلله عينا من رأى مثله فتى ... أكر وأحمى في الهياج وأصبرا ...
ثم لم تنشب أن انقضت عدتها فخطبها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فتزوجها فأولم وجاء الناس للوليمة فكان فيهم علي بن أبي طالب فلما ذهب الناس استأذن علي ابا بكر رضي الله عنهما في أن يكلم اسماء من وراء الستر فأذن له فلما اقترب من الستر نفحه ريح طيبها فقال لها علي على وجه البسط من القائلة في شعرها ... فآليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا ...
قالت دعنا منك يا أبا الحسن فانك امرؤ فيك دعابة فولدت للصديق محمد بن ابي بكر ولدته بالشجرة بين مكة والمدينة ورسول الله صلى الله عليه و سلم ذاهب الى حجة الوداع فأمرها أن تغتسل وتهل وسيأتي في موضعه ثم لما توفي الصديق تزوجها بعده علي بن أبي طالب وولدت له أولادا رضي الله عنه عنها وعنهم أجمعين فصل
قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال فلما دنوا من المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون قال ولقيهم الصبيان يشتدون ورسول الله صلى الله عليه و سلم مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم واعطوني ابن جعفر فأتي بعبد الله بن جعفر فحمله بين يديه قال وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون يا فرار أفررتم في سبيل الله قال فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله وهذا مرسل وقد قال الامام احمد ثنا أبو معاوية ثنا عاصم عن مؤرق العجلي عن عبد الله بن جعفر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا قدم من سفر تلقى الصبيان من أهل بيته وأنه قدم من سفر فسبق بي اليه قال فحملني بين يديه ثم قال جيء بأحد بني فاطمة إما حسن وإما حسين فاردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة وقد رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عاصم الاحول عن مؤرق به وقال الامام احمد ثنا روح حدثنا ابن جريج ثنا خالد بن سارة أن أباه أخبره أن عبد الله بن جعفر قال لو رأيتني وقثما وعبيد الله ابني العباس ونحن صبيان نلعب اذ مر النبي صلى الله عليه و سلم على دابة فقال ارفعوا هذا الي فحملني أمامه وقال لقثم ارفعوا هذا الي فجعله وراءه وكان عبيد الله أحب الى عباس من قثم فما استحى من عمه أن حمل قثما وتركه قال ثم مسح على رأسه ثلاثا وقال كلما مسح اللهم اخلف جعفرا في ولده قال (4/253)
قلت لعبد الله ما فعل قثم قال استشهد قال قلت الله ورسوله أعلم بالخير قال أجل ورواه النسائي في اليوم والليلة من حديث ابن جريج به [ وهذا كان بعد الفتح فان العباس إنما قدم المدينة بعد الفتح فاما الحديث رواه الامام احمد ثنا اسماعيل ثنا حبيب بن الشهيد عن عبد الله بن ابي مليكة قال قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير أتذكر اذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا وأنت وابن عباس قال نعم فحملنا وتركك وبهذا اللفظ اخرجه البخاري ومسلم من حديث حبيب بن الشهيد وهذا يعد من الاجوبة المسكتة ويروى أن عبد الله بن عباس أجاب به ابن الزبير أيضا وهذه القصة قصة أخرى كانت بعد الفتح كما قدمنا بيانه والله أعلم فصل
في فضل هؤلاء الأمراء الثلاثة زيد وجعفر وعبد الله رضي الله عنهم
أما زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الكلبي القضاعي مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وذلك أن أمه ذهبت تزور أهلها فاغارت عليهم خيل فأخذوه فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد وقيل اشتراه رسول الله صلى الله عليه و سلم لها فوهبته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل النبوة فوجده أبوه فاختار المقام عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعتقه وتبناه فكان يقال له زيد بن محمد وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبه حبا شديدا وكان أول من أسلم من الموالي ونزل فيه آيات من القرآن منها قوله تعالى وما جعل أدعياءكم أبناءكم وقوله تعالى ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وقوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم وقوله وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها الآية أجمعوا أن هذه الآيات أنزلت فيه ومعنى أنعم الله عليه أي بالاسلام وأنعمت عليه أي بالعتق وقد تكلمنا عليها في التفسير والمقصود أن الله تعالى لم يسم أحدا من الصحابة في القرآن غيره وهداه الى الاسلام وأعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم وزوجه مولاته أم أيمن واسمها بركة فولدت له أسامة بن زيد فكان يقال له الحب بن الحب ثم زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش وآخى بينه وبين عمه حمزة بن عبد المطلب وقدمه في الامرة على ابن عمه جعفر بن ابي طالب يوم مؤتة كما ذكرناه وقد قال الامام احمد والامام الحافظ أبو بكر بن ابي شيبة وهذا لفظه ثنا محمد بن (4/254)
عبيد عن وائل بن داود سمعت البهي يحدث أن عائشة كانت تقول ما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم ولو بقي بعد لاستخلفه ورواه النسائي عن أحمد بن سلمان عن محمد بن عبيد الطنافسي به وهذا اسناد جيد قوي على شرط الصحيح وهو غريب جدا والله أعلم وقال الامام احمد ثنا سليمان ثنا اسمعيل أخبرني ابن دينار عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث بعثا وأمر عليهم اسامة بن زيد فطعن بعض الناس في أمرته فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ان تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة ابيه من قبل وايم الله ان كان لخليقا للامارة وإن كان لمن أحب الناس الي وان هذا لمن أحب الناس الي بعده واخرجاه في الصحيحين عن قتيبة عن اسمعيل هو ابن جعفر بن ابي كثير المدني عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر فذكره ورواه البخاري من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه ورواه البزار من حديث عاصم بن عمر عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر ثم استغربه من هذا الوجه وقال الحافظ أبو بكر البزار ثنا عمر بن اسمعيل عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت لما أصيب زيد بن حارثة وجيء بأسامة بن زيد وأوقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخر ثم عاد من الغد فوقف بين يديه فقال ألاقي منك اليوم ما لقيت منك أمس وهذا الحديث فيه غرابة والله أعلم وقد تقدم في الصحيحين أنه لما ذكر مصابهم وهو عليه السلام فوق المنبر جعل يقول اخذ الراية زيد فأصيب ثم اخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فاصيب ثم اخذها سيف من سيوف الله ففتح الله عليه قال وإن عينيه لتذرفان وقال وما يسرهم أنهم عندنا وفي الحديث الآخر أنه شهد لهم بالشهادة فهم ممن يقطع لهم بالجنة وقد قال حسان بن ثابت يرثي زيد بن حارثة وابن رواحة ... عين جودي بدمعك المنزور ... واذكري في الرخاء أهل القبور ... واذكري مؤتة وما كان فيها ... يوم راحوا في وقعة التغوير ... حين راحوا وغادروا ثم زيدا ... نعم مأوى الضريك والمأسور ... حب خير الانام طزا جميعا ... سيد الناس حبه في الصدور ... ذاكم احمد الذي لا سواه ... ذاك حزني له معا وسروري ... إن زيدا قد كان منا بأمر ... ليس امر المكذب المغرور ... ثم جودي للخزرجي بدمع ... سيدا كان ثم غير نزور ... قد اتانا من قتلهم ما كفانا ... فبحزن نبيت غير سرور ...
واما جعفر بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان أكبر (4/255)
من أخيه علي بعشر سنين وكان عقيل اسن من جعفر بعشر سنين وكان طالب أسن من عقيل بعشر سنين أسلم جعفر قديما وهاجر الى الحبشة وكانت له هناك مواقف مشهورة ومقامات محمودة وأجوبة سديدة وأحوال رشيدة وقد قدمنا ذلك في هجرة الحبشة ولله الحمد وقد قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر فقال عليه الصلاة و السلام ما أدري أنا بأيهما أسر بقدوم جعفر أم بفتح خيبر وقام اليه واعتنقه وقبل بين عينيه وقال له يوم خرجوا من عمرة القضية أشبهت خلقي وخلقي فيقال إنه حجل عند ذلك فرحا كما تقدم في موضعه ولله الحمد والمنة ولما بعثه الى مؤتة جعل في الامرة مصليا اي نائبا لزيد بن حارثة ولما قتل وجدوا فيه بضعا وتسعين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم وهو في ذلك كله مقبل غير مدبر وكانت قد طعنت يده اليمنى ثم اليسرى وهو ممسك للواء فلما فقدهما احتضنه حتى قتل وهو كذلك فيقال إن رجلا من الروم ضربه بسيف فقطعه باثنتين رضي الله عن جعفر ولعن قاتله وقد أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأنه شهيد فهو ممن يقطع له بالجنة وجاء بالاحاديث تسميته بذي الجناحين وروى البخارى عن ابن عمر انه كان اذا سلم على أبنه عبد الله بن جعفر يقول السلام عليك يا ابن ذى الجناحين وبعضهم يرويه عن عمر بن الخطاب نفسه والصحيح ما في الصحيح عن ابن عمر قالوا لأن الله تعالى عوضه عن يديه بجناحين في الجنة وقد تقدم بعض ما روي في ذلك قال الحافظ أبو عيسى الترمذي حدثنا علي بن حجر ثنا عبد الله بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة وتقدم في حديث أنه رضي الله عنه قتل وعمره ثلاث وثلاثين سنة وقال ابن الاثير في الغابة كان عمره يوم قتل إحدى واربعين قال وقيل غير ذلك
قلت وعلى ما قيل إنه كان أسن من علي بعشر سنين يقتضي أن عمره يوم قتل تسع وثلاثون سنة لأن عليا أسلم وهو ابن ثمان سنين على المشهور فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وهاجر وعمره احدى وعشرين سنة ويوم مؤتة كان في سنة ثمان من الهجرة والله أعلم وقد كان يقال لجعفر بعد قتله الطيار لما ذكرنا وكان كريما جوادا ممدحا وكان لكرمه يقال له ابا المساكين لاحسانه اليهم قال الامام احمد وحدثنا عفان بن وهيب ثنا خالد عن عكرمة عن أبي هريرة قال ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الثياب من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل من جعفر بن ابي طالب وهذا إسناد جيد الى ابي هريرة وكأنه إنما يفضله في الكرم فأما في الفضيلة الدينية فمعلوم أن الصديق والفاروق بل وعثمان بن عفان أفضل منه واما أخوه علي رضي الله عنهما فالظاهر أنهما متكافئان أو علي أفضل منه وانما أراد أبو هريرة تفضيله في الكرم بدليل ما رواه البخاري ثنا (4/256)
أحمد بن ابي بكر ثنا محمد بن ابراهيم بن دينار أبو عبد الله الجهني عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن الناس كانوا يقولون أكثر ابو هريرة وأني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه و سلم بشبع بطني خبز لا آكل الخمير ولا ألبس الحرير ولا يخدمني فلان وفلانة وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع وإن كنت لاستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج الينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها تفرد به البخاري وقال حسان ابن ثابت يرثي جعفرا ... ولقد بكيت وعز مهلك جعفر ... حب النبي على البرية كلها ... ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي ... من للجلاد لدى العقاب وظلها ... بالبيض حين تسل من أغمادها ... ضربا وإنهال الرماح وعلها ... بعد ابن فاطمة المبارك جعفر ... خير البرية كلها وأجلها ... رزءا وأكرمها جميعا محتدا ... واعزها متظلما وأذلها ... للحق حين ينوب غير تنحل ... كذبا وانداها يدا واقلها ... فحشا وأكثرها اذا ما يجتدي ... فضلا وأنداها يدا وأبلها ... بالعرف غير محمد لا مثله ... حي من أحياء البرية كلها ...
واما ابن رواحة فهو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس لاكبر بن مالك بن الاغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج أبو محمد ويقال ابو رواحة ويقال أبو عمرو الانصاري الخزرجي وهو خال النعمان بن بشير اخته عمرة بنت رواحة أسلم قديما وشهد العقبة وكان أحد النقباء ليلتئذ لبني الحارث بن الخزرج وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر وكان يبعثه على خرصها كما قدمنا وشهد عمرة القضاء ودخل يومئذ وهم ممسك بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقيل بغرزها يعني الركاب وهو يقول * خلوا بني الكفار عن سبيله * الأبيات كما تقدم وكان أحد الأمراء الشهداء يوم مؤتة كما تقدم وقد شجع المسلمين للقاء الروم حين اشتوروا في ذلك وشجع نفسه أيضا حتى نزل بعد ما قتل صاحباه وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه و سلم بالشهادة فهو ممن يقطع له بدخول الجنة ويروى أنه لما أنشد النبي صلى الله عليه و سلم شعره حين ودعه الذي يقول فيه ... فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا ...
قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنت فثبتك الله قال هشام بن عروة فثبته الله حتى قتل شهيدا ودخل الجنة وروى حماد بن زيد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة أتى (4/257)
رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يخطب فسمعه يقول اجلسوا فجلس مكانه خارجا من المسجد حتى فرغ الناس من خطبته فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال زادك الله حرصا على طواعية الله وطواعية رسوله وقال البخاري في صحيحه وقال ابن معاذ اجلس بنا نؤمن ساعة وقد ورد الحديث المرفوع في ذلك عن عبد الله بن رواحة بنحو ذلك فقال الامام احمد حدثنا عبد الصمد عن عمارة عن زياد النحوي عن أنس قال كان عبد الله بن رواحة اذا لقي الرجل من اصحابه يقوال تعال نؤمن بربنا ساعة فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل فجاء فقال يا رسول الله الا ترى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة فقال النبي صلى الله عليه و سلم رحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة وهذا حديث غريب جدا وقال البيهقي ثنا الحاكم ثنا أبو بكر ثنا محمد بن ايوب ثنا أحمد بن يونس ثنا شيخ من أهل المدينة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن رواحة قال لصاحب له تعال نؤمن ساعة قال أولسنا مؤمنين قال بلى ولكنا نذكر الله فيزداد إيمانا وقد روى الحافظ أبو القاسم اللاكائي من حديث أبي اليمان عن صفوان بن سليم عن شريح بن عبيد أن عبد الله بن رواحة كان يأخذ بيد الرجل من أصحابه فيقول قم بنا نؤمن ساعة فنجلس في مجلس ذكر وهذا مرسل من هذين الوجهين وقد استقصينا الكلام على ذلك في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة وفي صحيح البخاري عن أبي الدرداء قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر في حر شديد وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقد كان من شعراء الصحابة المشهورين ومما نقله البخاري من شعره في رسول الله صلى الله عليه و سلم ... وفينا رسول الله نتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطع ... يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع ... أتى بالهدي بعد العمي فقلوبنا ... به موقنات إن ما قال واقع ...
وقال البخاري حدثنا عمران بن ميسرة ثنا محمد بن فضيل عن حصين عن عامر عن النعمان بن بشير قال أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي واجبلاه واكذا واكذا تعدد عليه فقال حين افاق ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذلك حدثنا قتيبة ثنا خيثمة عن حصين عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال أغمي على عبد الله بن رواحة بهذا فلما مات لم تبك عليه وقد قدمنا ما رثاه به حسان بن ثابت مع غيره وقال شاعر من المسلمين ممن رجع من مؤتة مع من رجع رضي الله عنهم ... كفى حزنا إني رجعت وجعفر ... وزيد وعبد الله في رمس أقبر (4/258)
قضوا نحبهم لما مضوا لسبيلهم ... وخلفت للبلوى مع المتغير ...
وسيأتي إن شاء الله تعالى بقية ما رثي به هؤلاء الامراء الثلاث من شعر حسان بن ثابت وكعب بن مالك رضي الله عنهما وأرضاهما
فصل في من استشهد يوم مؤتة
فمن المهاجرين جعفر بن ابي طالب ومولاهم زيد بن حارثة الكلبي ومسعود بن الاسود بن حارثة بن نضلة العدوي ووهب بن سعد بن أبي سرح فهؤلاء أربعة نفر ومن الانصار عبد الله ابن رواحة وعباد بن قيس الخزرجيان والحارث بن النعمان بن اساف بن نضلة النجاري وسراقة ابن عمرو بن عطية بن خنساء المازني أربعة نفر فمجموع من قتل من المسلمين يومئذ هؤلاء الثمانية على ما ذكره ابن اسحاق لكن قال ابن هشام وممن استشهد يوم مؤتة فيما ذكره ابن شهاب الزهري أبو كليب وجابر ابنا عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول المازنيان وهما شقيقان لأب وأم وعمرو وعامر ابنا سعد بن الحارث بن عباد بن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أقصى فهؤلاء أربعة من الانصار ايضا فالمجموع على القولين اثنا عشر رجلا وهذا عظيم جدا أن يتقاتل جيشان متعاديان في الدين أحدهما وهو الفئة التي تقاتل في سبيل الله عدتها ثلاثة آلاف وأخرى كافرة وعدتها مائتا ألف مقاتل من الروم مائة ألف ومن نصارى العرب مائة ألف يتبارزون ويتصاولون ثم مع هذا كله لا يقتل من المسلمين الا اثنا عشر رجلا وقد قتل من المشركين خلق كثير هذا خالد وحده يقول لقد اندقت في يدي يومئذ تسعة اسياف وما صبرت في يدي الا صفحة يمانية فماذا ترى قد قتل بهذه الاسياف كلها دع غيره من الابطال والشجعان من حملة القرآن وقد تحكموا في عبدة الصلبان عليهم لعائن الرحمن في ذلك الزمان وفي كل أوان وهذا مما يدخل في قوله تعالى وقد كان لكم في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة ترونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الابصار
حديث فيه فضيلة عظيمة لامراء هذه السرية
وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم قال الامام العالم الحافظ أبو زرعة عبد الله بن عبد الكريم الرازي نضر الله وجهه في كتابه دلائل النبوة وهو كتاب جليل حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي ثنا الوليد ثنا ابن جابر وحدثنا عبد الرحمن بن (4/259)
إبراهيم الدمشقي ثنا الوليد وعمرو يعني ابن عبد الواحد قالا ثنا ابن جابر سمعت سليم بن عامر الخبائري يقول أخبرني أبو أمامة الباهلي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بينا أنا نائم إذا أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا اصعد فقلت لا أطيقه فقالا إنا سنسهله لك قال فصعدت حتى اذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت ما هؤلاء الاصوات فقالا عواء أهل النار ثم انطلقا بي فاذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تشيل أشداقهم دما فقلت ما هؤلاء فقالا هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم فقال خابت اليهود والنصارى قال سليم سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم أم من رأيه ثم انطلقا بي فاذا قوم اشد شيء انتفاخا وأنتن شيء ريحا كأن ريحهم المراحيض قلت من هؤلاء قال هؤلاء قتلى الكفار ثم انطلقا بي فاذا بقوم أشد انتفاخا وأنتن شيء ريحا كأن ريحهم المراحيض قلت من هؤلاء قال هؤلاء الزانون والزواني ثم انطلقا بي فاذا بنساء ينهش ثديهن الحيات فقلت ما بال هؤلاء قالا هؤلاء اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن ثم انطلقا بي فاذا بغلمان يلعبون بين بحرين قلت من هؤلاء قالا هؤلاء ذراري المؤمنين ثم اشرفا بي شرفا فاذا بنفر ثلاثة يشربون من خمر لهم فقلت من هؤلاء قالا هذا جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله ابن رواحة ثم اشرفا بي شرفا آخر فاذا أنا بنفر ثلاثة فقلت من هؤلاء قالا هذا ابراهيم وموسى عيسى عليهم السلام وهم ينتظرونك
ما قيل من الاشعار في غزوة مؤتة
قال ابن اسحاق وكان مما بكى به أصحاب مؤتة قول حسان ... تأوبني ليل بيثرب أعسر ... وهم اذا ما نوم الناس مسهر ... لذكرى حبيب هيجت لي عبرة ... سفوحا وأسباب البكاء التذكر ... بلى إن فقدان الحبيب بلية ... وكم من كريم يبتلى ثم يصبر ... رأيت خيار المسلمين تواردوا ... شعوبا وخلفا بعدهم يتأخر ... فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا ... بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر ... وزيد وعبد الله حين تتابعوا ... جميعا وأسباب المنية تخطر ... غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم ... الى الموت ميمون النقيبة أزهر ... أغر كضوء البدر من آل هاشم ... أبي إذا سيم الظلامة مجسر ... فطاعن حتى مال غير مؤسد ... بمعترك فيه القنا متكسر (4/260)
فصار مع المستشهدين ثوابه ... جنان وملتف الحدائق أخضر ... وكنا نرى في جعفر من محمد ... وفاء وأمرا حازما حين يأمر ... وما زال في الاسلام من آل هاشم ... دعائم عز لا يزلن ومفخر ... هموا جبل الاسلام والناس حولهم ... رضام الى طود يروق ويبهر ... بها ليل منهم جعفر وابن أمه ... علي ومنهم أحمد المتخير ... وحمزة والعباس منهم ومنهموا ... عقيل وماء العود من حيث يعصر ... بهم تفرج اللاواء في كل مأزق ... عماس اذا ما ضاق بالناس مصدر ... هم اولياء الله أنزل حكمه ... عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهر ...
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه ... نام العيون ودمع عينك يهمل ... سحا كما وكف الطباب المخضل ... في ليلة وردت علي همومها ... طورا أخن وتارة أتمهل ... واعتادني حزن فبت كأنني ... ببنات نعش والسماك موكل ... وكأنما بين الجوانح والحشا ... مما تأوبني شهاب مدخل ... وجدا على النفر الذين تتابعوا ... يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا ... صلى الأله عليهم من فتية ... وسقى عظامهم الغمام المسبل ... صبروا بمؤتة للأله نفوسهم ... حذر الردى ومخافة أن ينكلوا ... فمضوا أمام المسلمين كأنهم ... فنق عليهن الحديد المرفل ... إذ يهتدون بجعفر ولوائه ... قدام أولهم فنعم الأول ... حتى تفرجت الصفوف وجعفر ... حيث التقى وعث الصفوف مجدل ... فتغير القمر المنير لفقده ... والشمس قد كسفت وكادت تأفل ... قرم على بنيانه من هاشم ... فرعا أشم وسؤددا ما ينقل ... قوم بهم عصم الاله عباده ... وعليهم نزل الكتاب المنزل ... فضلوا المعاشر عزة وتكرما ... وتغمدت أحلامهم من يجهل ... لا يطلقون الى السفاه حباهموا ... وترى خطيبهم بحق يفصل (4/261)
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم ... تندى اذا اعتذر الزمان الممحل ... وبهديهم رضي الاله لخلقه ... وبجدهم نصر النبي المرسل ... *
بسم الله الرحمن الرحيم
*
كتاب بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم الى ملوك الآفاق وكتبه اليهم
ذكر الواقدي أن ذلك في آخر سنة ست في ذي الحجة بعد عمرة الحديبية وذكر البيهقي هذا الفصل في هذا الموضع بعد غزوة مؤتة والله أعلم ولا خلاف بينهم أن بدء ذلك كان قبل فتح مكة وبعد الحديبية لقول أبي سفيان لهرقل حين سأله هل يغدر فقال لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها وفي لفظ البخاري وذلك في المدة التي ماد فيها أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال محمد بن اسحاق كان ذلك ما بين الحديبية ووفاته عليه السلام ونحن نذكر ذلك ها هنا وإن كان قول الواقدي محتملا والله أعلم وقد روى مسلم عن يوسف بن حماد المعنى عن عبد الاعلى عن سعيد ابن ابي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب قبل مؤتة الى كسرى وقيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدهوهم إلى الله عز و جل وليس بالنجاشي الذي صلى عليه وقال يونس ابن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس حدثني أبو سفيان من فيه إلى في قال كنا قوما تجارا وكانت الحرب قد حصرتنا حتى نهكت أموالنا فلما كانت الهدنة هدنة الحديبية بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نأمن إن وجدنا أمنا فخرجت تاجرا إلى الشام مع رهط من قريش فوالله ما علمت بمكة امرأة ولا رجلا الا وقد حملني بضاعة وكان وجه متجرنا من الشام غزة من أرض فلسطين فخرجنا حتى قدمناها وذلك حين ظهر قيصر صاحب الروم على من كان في بلاده من الفرس فاخرجهم منها ورد عليه صليبه الاعظم وقد كان استلبوه إياه فلما أن بلغه ذلك وقد كان منزله بحمص من الشام فخرج منها يمشي متشكرا إلى بيت المقدس ليصلي فيه تبسط له البسط ويطرح عليها الرياحين حتى انتهى الى ايلياء فصلى بها فاصبح ذات غداة وهو مهموم يقلب طرفه الى السماء فقالت له بطارقته أيها الملك لقد أصبحت مهموما فقال أجل فقالوا وما ذاك فقال أريت في هذه الليلة ان ملك الختان ظاهر فقالوا والله ما نعلم امة من الأمم تختتن الا اليهود وهم تحت يديك وفي سلطانك فإن كان قد وقع ذلك في نفسك (4/262)
منهم فابعث في مملكتك كلها فلا يبقى يهودي الا ضربت عنقه فتستريح من هذا الهم فإنهم في ذلك من رأيهم يديرونه بينهم إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل من العرب قد وقع اليهم فقال أيها الملك إن هذا الرجل من العرب من أهل الشاء والابل يحدثك عن حدث كان ببلاده فاسأله عنه فلما انتهى اليه قال لترجمانه سله ما هذا الخبر الذي كان في بلاده فسأله فقال هو رجل من العرب من قريش خرج يزعم أنه نبي وقد اتبعه أقوام وخالفه آخرون وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن فخرجت من بلادي وهم على ذلك فلما أخبره الخبر قال جردوه فاذا هو مختتن فقال هذا والله الذي قد أرتي لا ما تقولون أعطه ثوبه انطلق لشأنك ثم إنه دعا صاحب شرطته فقال له قلب لي الشام ظهرا لبطن حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه قال أبو سفيان فوالله إني وأصحابي لبغزة إذ هجم علينا فسألنا ممن أنتم فأخبرناه فساقنا اليه جميعا فلما انتهينا اليه قال أبو سفيان فوالله ما رأيت من رجل قط أزعم أنه كان أدهى من ذلك الاغلف يريد هرقل قال فلما انتهينا اليه قال أيكم امس به رحما فقلت أنا قال ادنوه مني قال فاجلسني بين يديه ثم أمر اصحابي فاجلسهم خلفي وقال إن كذب فردوا عليه قال أبو سفيان فلقد عرفت أني لو كذبت ما ردوا علي ولكني كنت امرءا سيدا أتكرم وأستحي من الكذب وعرفت أن أدنى ما يكون في ذلك أن يرووه عني ثم يتحدثونه عني بمكة فلم اكذبه فقال أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج فيكم فزهدت له شأنه وصغرت له امره فقلت سلني عما بدا لك قال كيف نسبه فيكم فقلت محضا من أوسطنا نسبا قال فأخبرني هل كان من اهل بيته أحد يقول مثل قوله فهو يتشبه به فقلت لا قال فاخبرني هل له ملك فاسلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث لتردوه عليه فقلت لا قال فأخبرني عن اتباعه من هم فقلت الأحداث والضعفاء والمساكين فأما اشرافهم وذووا الانساب منهم فلا قال فاخبرني عمن صحبه أيحبه ويكرمه ويقليه ويفارقه قلت ما صحبه رجل ففارقه قال فأخبرني عن الحرب بينكم وبينه فقلت سجال يدال علينا وندال عليه قال فاخبرني هل يغدر فلم أجد شيا أغره به إلا هي قلت لا ونحن منه في مدة ولا نأمن غدره فينا فوالله ما التفت اليها مني قال فاعاد علي الحديث قال زعمت أنه من أمحضكم نسبا وكذلك يأخذ الله النبي لا ياخذه الا من أوسط قومه وسالتك هل كان من أهل بيته أحد يقول مثل قوله فهو يتشبه به فقلت لا وسألتك هل كان له ملك فاسلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث لتردوا عليه ملكه فقلت لا وسألتك عن اتباعه فزعمت أنهم الاحداث والمساكين والضعفاء وكذلك أتباع الأنبياء في كل زمان وسالتك عمن يتبعه أيحبه ويكرمه أم يقليه ويفارقه فزعمت أنه قل من يصحبه فيفارقه وكذلك حلاوة الايمان لا تدخل قلبا فتخرج منه وسألتك كيف الحرب بينكم وبينه فزعمت أنها سجال يدال عليكم وتدالون عليه وكذلك يكون حرب الانبياء (4/263)
ولهم تكون العاقبة وسالتك هل يغدر فزغمت أنه لا يغدر فلئن كنت صدقتني ليغلبن على ما تحت قدمي هاتين ولوددت أني عنده فأغسل عن قدميه ثم قال الحق بشأنك قال فقمت وأنا أضرب إحدى يدي على الأخرى واقول يا عباد الله لقد امر [ أمر ابن ابي كبشة وأصبح ملوك بني الأصفر يخافونه في سلطانهم قال ابن اسحاق وحدثني ] الزهري قال حدثني أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان قال قدم دحية بن خليفة على هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان أبيت فان إثم الاكاريين عليك قال فلما انتهى من كتابه وقرأه أخذه فجعله بين فخذه وخاصرته ثم كتب الى رجل من أهل رومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ يخبره عما جاء من رسول الله صلى الله عليه و سلم فكتب اليه إنه النبي الذي ينتظر لا شك فيه فاتبعه فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه ثم امر بها فأشرحت عليهم واطلع عليهم من علية له وهو منهم خائف فقال يا معشر الروم إنه قد جاءني كتاب احمد وإنه والله النبي الذي كنا ننتظر ومجمل ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته وزمانه فاسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم فنخروا نخرة رجل واحد وابتدروا ابواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فخافهم وقال ردوهم علي فردوهم عليه فقال لهم يا معشر الروم إني إنما قلت لكم هذه المقالة أختبركم بها لأنظر كيف صلابتكم في دينكم فلقد رأيت منكم ما سرني فوقعوا له سجدا ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا وقد روى البخاري قصة ابي سفيان مع هرقل بزيادات أخر أحببنا أن نوردها بسندها وحروفها من الصحيح ليعلم ما بين السياقين من التباين وما فيهما من الفوائد قال البخاري قبل الايمان من صحيحه حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ثنا شعيب عن الزهري اخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس اخبره أن أبا سفيان اخبره أن هرقل ارسل اليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش فأتوه بايلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعاهم ودعا بالترجمان فقال ايكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم نسبا قال ادنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ثم قال لترجمانه قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا أن يؤثروا عني كذبا لكذبت عنه ثم كان أول ما سالني عنه أن قال كيف نسبه فيكم قلت هو فينا ذو نسب قال فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله قلت لا قال فهل كان من آبائه من ملك قلت لا قال فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم قال أيزيدون أم ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه (4/264)
بعد أن يدخل فيه قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال فهل يغدر قلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها قال ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال فهل قاتلتمونه قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قلت الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه قال ماذا يأمركم قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله فذكرت أن لا فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل قبله وسألتك هل كان من آبائه [ من ملك ] فذكرت أن لا فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك ابيه وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الايمان حتى يتم وسألتك أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف فان كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أعلم أني اخلص اليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي بعث به مع دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاني أدعوك بدعاية الاسلام أسلم تسلم يؤتك الله اجرك مرتين فإن توليت فان عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا تشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون قال أبو سفيان فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الاصوات وأخرجنا فقلت لاصحابي حين خرجنا لقد أمر أمر ابن ابي كبشة أنه يخافه ملك بني الاصفر فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الاسلام قال وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل أسقف على نصارى الشام يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناطور وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه إني رأيت حين نظرت في النجوم ملك الختان (4/265)
قد ظهر فمن يختتن من هذه الامم قالوا ليس يختتن الا اليهود ولا يهمنك شأنهم واكتب الى مدائن ملكك فليقتلوا من فيهم من اليهود فبينماهم على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان فخبرهم عن خبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما استخبره هرقل قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا فنظروا اليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب فقال هم يختتنون فقال هرقل هذا ملك هذه الأمة قد ظهر ثم كتب إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص فلم يرم بحمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه و سلم وهو نبي فآذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت لكم ملككم فتتابعوا لهذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الابواب فوجدوها قد غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الايمان قال ردوهم علي وقال إني إنما قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل قال البخاري ورواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري وقد رواه البخاري في مواضع كثيرة في صحيحه بألفاظ يطول استقصاؤها وأخرجه بقية الجماعة الا ابن ماجه من طرق عن الزهري وقد تكلمنا على هذا الحديث مطولا في أول شرحنا لصحيح البخاري بما فيه كفاية وذكرنا فيه من الفوائد والنكت المعنوية واللفظية ولله الحمد والمنة وقال ابن لهيعة عن الاسود عن عروة قال خرج أبو سفيان بن حرب إلى الشام تاجرا في نفر من قريش وبلغ هرقل شأن رسول الله صلى الله عليه و سلم فأراد أن يعلم ما يعلم من شأن رسول الله صلى الله عليه و سلم فأرسل إلى صاحب العرب الذي بالشام في ملكه يأمره أن يبعث اليه برجال من العرب يسألهم عنه فأرسل اليه ثلاثين رجلا منهم أبو سفيان ابن حرب فدخلوا عليه في كنيسة إيلياء التي في جوفها فقال هرقل ارسلت اليكم لتخبروني عن هذا الذي بمكة ما أمره قالوا ساحر كذاب وليس بنبي قال فاخبروني من أعلمكم به وأقربكم منه رحما قالوا هذا أبو سفيان ابن عمه وقد قاتله فلما أخبروه ذلك أمر بهم فاخرجوا عنه ثم أجلس أبا سفيان فاستخبره قال اخبرني يا أبا سفيان فقال هو ساحر كذاب فقال هرقل إني لا أريد شتمه ولكن كيف نسبه فيكم قال هو والله من بيت قريش قال كيف عقله ورأيه قال لم يغب له رأي قط قال هرقل هل كان حلافا كذابا مخادعا في أمره قال لا والله ما كان كذلك قال لعله يطلب ملكا أو شرفا كان لاحد من أهل بيته قبله قال أبو سفيان لا ثم قال من يتبعه منكم هل يرجع اليكم منهم أحد قال لا قال هرقل هل يغدر اذا عاهد قال لا إلا أن يغدر مدته هذه فقال هرقل وما تخاف من مدته هذه قال إن قومي أمدوا حلفاءهم على حلفائه وهو بالمدينة قال هرقل إن كنتم أنتم بدأتم فانتم أغدر فغضب ابو سفيان وقال لم يغلبنا الا مرة واحدة وأنا يومئذ غائب وهو يوم (4/266)
بدر ثم غزوته مرتين في بيوتهم نبقر البطون ونجدع الآذان والفروج فقال هرقل كذابا تراه أم صادقا فقال بل هو كاذب فقال إن كان فيكم نبي فلا تقتلوه فان أفعل الناس لذلك اليهود ثم رجع أبو سفيان ففي هذا السياق غرابة وفيه فوائد ليست عند ابن اسحاق ولا البخاري وقد اورد موسى ابن عقبة في مغازيه قريبا مما ذكره عروة بن الزبير والله أعلم وقال ابن جرير في تاريخه حدثنا ابن حميد ثنا سلمة ثنا محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم قال إن هرقل قال لدحية بن خليفة الكلبي حين قدم عليه بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم والله إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعته فاذهب الى صفاطر الاسقف فاذكر له أمر صاحبكم فهو والله في الروم أعظم مني وأجود قولا عندهم مني فانظر ماذا يقول لك قال فجاء دحية فاخبره بما جاء به من رسول الله صلى الله عليه و سلم الى هرقل وبما يدعو اليه فقال صفاطر والله صاحبك نبي مرسل نعرفه بصفته ونجده في كتابنا باسمه ثم دخل والقى ثيابا كانت عليه سودا ولبس ثيابا بياضا ثم أخذ عصاه فخرج على الروم في الكنيسة فقال يا معشر الروم إنه قد جاءنا كتاب من احمد يدعونا فيه الى الله وأني أشهد أن لا إله إلا الله وأن أحمد عبده ورسوله قال فوثبوا اليه وثبة رجل واحد فضربوه حتى قتلوه قال فلما رجع دحية الى هرقل فاخبره الخبر قال قد قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا فصفاطر والله كان أعظم عندهم واجوز قولا مني [ وقد روى الطبراني من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن ابيه عن عبد الله بن شداد عن دحية الكلبي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم الى قيصر صاحب الروم بكتاب فقلت اساذنوا لرسول رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتى قيصر فقيل له إن على الباب رجلا يزعم أنه رسول رسول الله ففزعوا لذلك وقال أدخله فادخلني عليه وعنده بطارقته فاعطيته الكتاب فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى قيصر صاحب الروم فنخر ابن أخ له احمر ازرق سبط فقال لا تقرأ الكتاب اليوم فانه بدأ بنفسه وكتب صاحب الروم ولم يكتب ملك الروم قال فقرئ الكتاب حتى فرغ منه ثم أمرهم فخرجوا من عنده ثم بعث الي فدخلت عليه فسألني فأخبرته فبعث الى الاسقف فدخل عليه وكان صاحب أمرهم يصدرون عن رأيه وعن قوله فلما قرأ الكتاب قال الاسقف هو والله الذي بشرنا به موسى وعيسى الذي كنا ننتظر قال قيصر فما تأمرني قال الاسقف أما أنا فإني مصدقه ومتبعه فقال قيصر أعرف أنه كذلك ولكن لا أستطيع أن أفعل إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم ] وبه قال محمد بن اسحاق عن خالد بن يسار عن رجل من قدماء أهل الشام قال لما اراد هرقل الخروج من أرض الشام الى القسطنطينية لما بلغه من أمر النبي صلى الله عليه و سلم جمع الروم فقال يا معشر الروم إني عارض (4/267)
عليكم أمورا فانظروا فيما أردت بها قالوا ما هي قال تعلمون والله أن هذا الرجل لنبي مرسل نجده نعرفه بصفته التي وصف لنا فهلم فلنتبعه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا فقالوا نحن نكون تحت أيدي العرب ونحن أعظم الناس ملكا وأكثر رجالا وأقصاه بلدا قال فهلم أعطيه الجزية كل سنة أكسر شوكته واستريح من حربه بما أعطيه إياه قالوا نحن نعطي العرب الذل والصغار بخراج يأخذونه منا ونحن أكثر الناس عددا وأعظمه ملكا وأمنعه بلدا لا والله لا نفعل هذا أبدا قال فهلم فلأصالحه على أن أعطيه أرض سورية ويدعني وأرض الشام قال وكانت أرض سورية فلسطين والأردن ودمشق وحمص وما دون الدرب سورية وما كان وراء الدرب عندهم فهو الشام فقالوا نحن نعطيه ارض سورية وقد عرفت أنها أرض سورية الشام لانفعل هذا أبدا فلما أبوا عليه قال أما والله لتودن أنكم قد ظفرتم اذا امتنعتم منه في مدينتكم قال ثم جلس على بغل له فانطلق حتى اذا أشرف على الدرب استقبل ارض الشام ثم قال السلام عليك يا أرض سورية تسليم الوداع ثم ركض حتى دخل قسطنطينية والله أعلم
ارساله صلى الله عليه و سلم الى ملك العرب من النصارى بالشام
قال ابن اسحاق ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم شجاع بن وهب أخا بني أسد بن خزيمة الى المنذر ابن الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق قال الواقدي وكتب معه سلام على من اتبع الهدى وآمن به وادعوك الى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك فقدم شجاع بن وهب فقرأه عليه فقال ومن ينتزع ملكي إني سأسير اليه
بعثه الى كسرى ملك الفرس
وروى البخاري من حديث الليث عن يونس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث بكتابه مع رجل الى كسرى وأمره أن يدفعه الى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين الى كسرى فلما قرأه كسرى مزقه قال فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يمزقوا كل ممزق وقال عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري حدثني عبد الرحمن بن عبد القاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام ذات يوم على المنبر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال أما بعد فاني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الاعاجم فلا تختلفوا علي كما اختلف بنو اسرائيل على عيسى بن مريم فقال المهاجرون يا رسول الله إنا لا نختلف عليك في شيء ابدا فمرنا وابعثنا فبعث شجاع بن وهب إلى كسرى فأمر كسرى بايوانه أن يزين (4/268)
ثم اذن لعظماء فارس ثم اذن لشجاع بن وهب فلما أن دخل عليه أمر كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقبض منه فقال شجاع بن وهب لا حتى أدفعه أنا اليك كما أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كسرى ادنه فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة فقرأه فاذا فيه من محمد بن عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس قال فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه وصاح وغضب ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه وأمر بشجاع بن وهب فاخرج فلما رأى ذلك قعد على راحلته ثم سار ثم قال والله ما أبالي على أي الطريقين أكون إذ أديت كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ولما ذهب عن كسرى سورة غضبه بعث الى شجاع ليدخل عليه فالتمس فلم يوجد فطلب الى الحيرة فسبق فلما قدم شجاع على النبي صلى الله عليه و سلم أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه لكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مزق كسرى ملكه وروى محمد بن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عبد الله بن حذافة بكتابه الى كسرى فلما قرأه مزقه فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مزق ملكه وقال ابن جرير حدثنا أحمد بن حميد ثنا سلمة ثنا ابن اسحاق عن زيد بن أبي حبيب قال وبعث عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم إلى كسرى بن هرمز ملك فارس وكتب معه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأدعوك بدعاء الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فإن تسلم تسلم وإن أبيت فان إثم المجوس عليك قال فلما قرأه شقه وقال يكتب إلي بهذا وهو عبدي قال ثم كتب كسرى الى باذام وهو نائبه على اليمن أن ابعث الى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عند جلدين فليأتياني به فبعث باذام قهرمانه وكان كاتبا حاسبا بكتاب فارس وبعث معه رجلا من الفرس يقال له خرخرة وكتب معهما الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمره أن ينصرف معهما الى كسرى وقال لأبا ذويه إيت بلاد هذا الرجل وكلمه وائتني بخبره فخرجا حتى قدما الطائف فوجدا رجلا من قريش في ارض الطائف فسألوه عنه فقال هو بالمدينة واستبشر أهل الطائف يعني وقريش بهما وفرحوا وقال بعضهم لبعض أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم الرجل فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلمه أباذويه فقال شاهنشاه ملك الملوك كسرى قد كتب الى الملك باذام يأمره أن يبعث اليك من يأتيه بك وقد بعثني اليك لتنطلق معي فن (4/269)
فعلت كتب لك الى ملك الملوك ينفعك ويكفه عنك وإن أبيت فهو من قد علمت فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك ودخلا على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فكره النظر اليهما وقال ويلكما من أمركما بهذا قالا أمرنا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكن ربي أمرني باعفاء لحيتي وقص شاربي ثم قال ارجعا حتى تأتياني غدا قال وأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر من السماء بان الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وكذا من ليلة كذا وكذا من الليل سلط عليه ابنه شيرويه فقتله قال فدعاهما فأخبرهما فقالا هل تدري ما تقول إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا فنكتب عنك بهذا ونخبر الملك باذام قال نعم اخبراه ذاك عني وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى وينتهي الى الخف والحافر وقولا له إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الابناء ثم أعطى خرخرة منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك فخرجا من عنده حتى قدما على باذام فاخبراه الخبر فقال والله ما هذا بكلام ملك وإني لارى الرجل نبيا كما يقول وليكونن ما قد قال فلئن كان هذا حقا فهو نبي مرسل وإن لم يكن فسنرى فيه رأيا فلم ينشب باذام أن قدم عليه كتاب شيرويه أما بعد فاني قد قتلت كسرى وما أقتله إلا غضبا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم ونحرهم في ثغورهم فاذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانطلق الى الرجل الذي كان كسرى قد كتب فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه فلما انتهى كتاب شيرويه الى باذام قال إن هذا الرجل لرسول فأسلم وأسلمت الأبناء من فارس من كان منهم باليمن قال وقد قال باذويه لباذام ما كلمت أحدا أهيب عندي منه فقال له باذام هل معه شرط قال لا قال الواقدي رحمه الله وكان قتل كسرى على يدي ابنه شيرويه ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الآخرة من سنة سبع من الهجرة لست ساعات مضت منها
قلت وفي شعر بعضهم ما يرشد أن قتله كان في شهر الحرام وهو قول بعض الشعراء ... قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولى لم يمتع بكفن ...
وقال بعض شعراء العرب ... وكسرى إذ تقاسمه بنوه ... بأسياف كما اقتسم اللحام ... تمخضت المنون له بيوم ... أتى ولكل حاملة تمام ...
وروى الحافظ البيهقي من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن ابي بكرة أن رجلا من أهل فارس أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن ربي قد قتل الليلة ربك قال وقيل له يعني النبي صلى الله عليه و سلم إنه قد استخلف ابنته فقال لا يفلح قوم تملكهم امرأة قال (4/270)
البيهقي وروى في حديث دحية بن خليفة أنه لما رجع من عند قيصر وجد عند رسول الله صلى الله عليه و سلم رسل كسرى وذلك أن كسرى بعث يتوعد صاحب صنعاء ويقول له ألا تكفيني أمر رجل قد ظهر بأرضك يدعوني الى دينه لتكفينه أو لأفعلن بك فبعث اليه فقال لرسله أخبروه أن ربي قد قتل ربه الليلة فوجدوه كما قال قال وروى داود بن أبي هند عن عامر الشعبي نحو هذا ثم روى البيهقي من طريق أبي بكر بن عياش عن داود بن ابي هند عن أبيه عن أبي هريرة قال أقبل سعد الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن في وجه سعد خبرا فقال يا رسول الله هلك كسرة فقال لعن الله كسرى أول الناس هلاكا فارس ثم العرب
قلت الظاهر أنه لما أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بهلاك كسرى لذينك الرجلين يعني الاميرين اللذين قدما من نائب اليمن باذام فلما جاء الخبر بوفق ما أخبر به عليه الصلاة و السلام وشاع في البلاد وكان سعد بن ابي وقاص أول من سمع جاء الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخبره بوفق إخباره عليه السلام وهكذا بنحو هذا التقدير ذكره البيهقي رحمه الله ثم روى البيهقي من غير وجه عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه بلغه أن كسرى بينما هو في دسكرة ملكه بعث له أو قيض له عارض يعرض عليه الحق فلم يفجأ كسرى الا برجل يمشي وفي يده عصا فقال يا كسرى هل لك في الاسلام قبل أن أكسر هذه العصا فقال كسرى نعم لا تكسرها فولى الرجل فلما ذهب أرسل كسرى الى حجابه فقال من اذن لهذا الرجل علي فقالوا ما دخل عليك أحد فقال كذبتم قال فغضب عليهم وتهددهم ثم تركهم قال فلما كان رأس الحول أتى ذلك الرجل ومعه العصا قال يا كسرى هل لك في الاسلام قبل أن أكسر هذه العصا قال نعم لا تكسرها فلما انصرف عند دعا حجابه قال لهم كالمرة الاولى فلما كان العام المستقبل أتاه ذلك الرجل معه العصا فقال هل لك يا كسرى في الاسلام قبل أن أكسر هذه العصا فقال لا تكسرها لا تكسرها فكسرها فأهلك الله كسرى عند ذلك وقال الامام الشافعي انبأ ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده واذا هلك قيصر فلا قيصر بعده فوالذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله أخرجه مسلم من حديث ابن عيينة واخرجاه من حديث الزهري به قال الشافعي ولما أتى كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم مزقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يمزق ملكه وحفظنا أن قيصر أكرم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ووضعه في مسك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثبت ملكه قال الشافعي وغيره من العلماء ولما كانت العرب تأتي الشام والعراق للتجارة فأسلم من أسلم منهم شكوا خوفهم من ملكي العراق والشام الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اذا هلك كسرى فلا كسرى بعده واذا هلك قيصر فلا قيصر بعده قال فباد ملك (4/271)
الا كاسرة بالكلية وزال ملك قيصر عن الشام بالكلية وإن ثبت لهم ملك في الجملة ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم حين عظموا كتابه والله أعلم
قلت وفي هذا بشارة عظيمة بان ملك الروم لا يعود أبدا الى أرض الشام وكانت العرب تسمي قيصر لمن ملك الشام مع الجزيرة من الروم وكسرى لمن ملك الفرس والنجاشي لمن ملك الحبشة والمقوقس لمن ملك الاسكندرية وفرعون لمن ملك مصر كافرا وبطليموس لمن ملك الهند ولهم أعلام أجناس غير ذلك وقد ذكرناها في غير هذا الموضع والله أعلم وروى مسلم عن قتيبة وغيره عن أبي عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لتفتحن عصابة من المسلمين كنوز كسرى في القصر الابيض وروى اسباط عن سماك عن جابر بن سمرة مثل ذلك وزاد وكنت أنا وأبي فيهم فأصبنا من ذلك ألف درهم
بعثه صلى الله عليه و سلم الى المقوقس صاحب مدينة الاسكندرية واسمه جريج بن مينا القبطي
قال يونس بن بكير عن ابن اسحاق حدثني الزهري عن عبد الله بن عبد القاري ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث حاطب بن أبي بلتعه الى المقوقس صاحب الاسكندرية فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم اليه فقبل الكتاب واكرم حاطبا وأحسن نزله وسرحه الى النبي صلى الله عليه و سلم وأهدى له مع حاطب كسوة وبغله بسرجها وجاريتين احدهما أم ابراهيم واما الاخرى فوهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لمحمد بن قيس العبدي رواه البيهقي ثم روي من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابيه ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المقوقس ملك الاسكندرية قال فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزلني في منزله واقمت عنده ثم بعث الي وقد جمع بطارقته وقال إني سائلك عن كلام فأحب أن تفهم عني قال قلت هلم قال اخبرني عن صاحبك أليس هو نبي قلت بل هو رسول الله قال فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده الى غيرها قال فقلت عيسى ابن مريم أليس تشهد انه رسول الله قال بلى قلت فما له حيث اخذوه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بان يهلكهم الله حيث رفعه الله الى السماء الدنيا فقال لي أنت حكيم قد جاء من عند حكيم هذه هدايا أبعث بها معك الى محمد وارسل معك ببذرقة يبذرقونك الى مامنك قال فاهدى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث جوار منهم أم ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم وواحدة وهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت الانصاري وأرسل اليه بطرف من طرفهم وذكر ابن اسحاق أنه أهدى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع جوار احداهن مارية أم ابراهيم والاخرى سيرين التي وهبها لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن بن حسان (4/272)
قلت وكان في جملة الهدية غلام أسود خصي اسمه مابور وخفين ساذجين أسودين وبغلة بيضاء اسمها الدلدل وكان مابور هذا خصيا ولم يعلموا بأمره بادي الأمر فصار يدخل على مارية كما كان من عاداتهم ببلاد مصر فجعل بعض الناس يتكلم فيهما بسبب ذلك ولا يعلمون بحقيقة الحال وأنه خصي حتى قال بعضهم أنه الذي أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب بقتله فوجده خصيا فتركه والحديث في صحيح مسلم من طريق
قال ابن اسحاق وبعث سليط بن عمرو بن عبدود أخا بني عامر بن لؤي إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة وبعث العلاء بن الحضرمي إلى جيفر بن الجلندي وعمار بن الجنلدي الازديين صاحبي عمان
غزوة ذات السلاسل
ذكرها الحافظ البيهقي ها هنا قبل غزوة الفتح فساق من طريق موسى بن عقبة وعروة بن الزبير قالا بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن العاص الى ذات السلاسل من مشارف الشام في بلي وعبد الله ومن يليهم من قضاعة قال عروة بن الزبير وبنو بلي أخوال العاص بن وائل فلما صار الى هناك خاف من كثرة عدوه فبعث الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يستمده فندب رسول الله صلى الله عليه و سلم المهاجرين الاولين فانتدب أبو بكر وعمر في جماعة من سراة المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين وامر عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ابا عبيدة بن الجراح قال موسى بن عقبة فلما قدموا على عمرو قال أنا أميركم وأنا أرسلت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم استمده بكم فقال المهاجرون بل أنت أمير أصحابك وأبو عبيدة أمير المهاجرين فقال عمرو إنما أنتم مدد أمددته فلما رأى ذلك أبو عبيدة وكان رجل حسن الخلق لين الشيمة قال تعلم يا عمرو أن آخر ما عهد الى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قال إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا وإنك إن عصيتني لأطيعنك فسلم أبو عبيدة الامارة لعمرو بن العاص وقال محمد بن اسحاق حدثني محمد ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن العاص يستنفر العرب الى الاسلام وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بني بلي فبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم اليهم يتألفهم بذلك حتى إذا كان على ماء بارض جذام يقال له السلاسل وبه سميت تلك الغزوة ذات السلاسل قال فلما كان عليه وخاف بعث الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يستمده فبعث اليه أبا عبيدة بن الجراح (4/273)
في المهاجرين الاولين فيهم أبو بكر وعمر وقال لأبي عبيدة حين وجهه لا تختلفا فخرج أبو عبيدة حتى اذا قدم عليه قال له عمرو إنما جئت مددا لي فقال له أبو عبيدة لا ولكني على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه وكان أبو عبيدة رجلا لينا سهلا هينا عليه أمر الدنيا فقال له عمرو أنت مددي فقال له أبو عبيدة يا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال لي لا تختلفا وإنك إن عصيتني أطعتك فقال له عمرو فاني أمير عليك وإنما أنت مدد لي قال فدونك فصلى عمرو بن العاص بالناس وقال الواقدي حدثني ربيعة بن عثمان عن يزيد بن رومان أن أبا عبيدة لما آب الى عمرو ابن العاص فصاروا خمسمائة فساروا الليل والنهار حتى وطئ بلاد بلي ودوخها وكلما انتهى الى موضع بلغه أنه قد كان بهذا الموضع جمع فلما سمعوا بك تفرقوا حتى انتهى الى أقصى بلاد بلي وعذرة وبلقين ولقي في آخر ذلك جمعا ليس بالكثير فاقتتلوا ساعة وتراموا بالنبل ساعة ودمي يومئذ عامر بن ربيعة وأصيب ذراعه وحمل المسلمون عليهم فهزموا وأعجزوا هربا في البلاد وتفرقوا ودوخ عمرو ما هنالك أو قام أياما لا يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنعم فكانوا ينحرون ويذبحون ولم يكن في ذلك أكثر من ذلك ولم تكن غنائم تقسم وقال أبو داود ثنا ابن المثنى ثنا وهب بن جرير ثنا أبي سمعت يحيى بن ايوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جيبر عن عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فاشفقت إن اغتسلت أن أهلك قال فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب قال فاخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك نبي الله صلى الله عليه و سلم ولم يقل شيئا حدثنا محمد بن سلمة ثنا ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد ابن ابي حبيب عن عمران بن ابي أنس عن عبد الرحمن بن جيبر عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص وكان على سرية فذكر الحديث بنحوه قال فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم فذكر نحوه ولم يذكر التيمم قال ابو داود وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية وقال فيه فتيمم وقال الواقدي حدثني أفلح بن سعيد عن ابن عبد الرحمن بن رقيش عن ابي بكر بن حزم قال كان عمرو بن العاص حين قفلوا احتلم في ليلة باردة كاشد ما يكون من البرد فقال لاصحابه ما ترون والله احتلمت فان اغتسلت مت فدعا بماء فتوضأ وغسل فرجه وتيمم ثم قام فصلى بهم فكان أول من بعث عوف بن مالك بريدا قال عوف فقدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم في السحر وهو يصلي في بيته فسلمت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم عوف بن مالك فقلت عوف بن مالك يا رسول الله قال صاحب الجزور قلت نعم ولم يزد على هذا بعد ذلك شيئا ثم قال أخبرني (4/274)
فأخبرته بما كان من مسيرنا وما كان من أبي عبيدة وعمرو ومطاوعة أبي عبيدة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يرحم الله أبا عبيدة بن الجراح قال ثم اخبرته أن عمرا صلى بالناس وهو جنب ومعه ماء لم يزد على ان غسل فرجه وتوضأ فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه و سلم سأله عن صلاته فاخبره فقال والذي بعثك بالحق إني لو اغتسلت لمت ولم أجد بردا قط مثله وقد قال تعالى ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما قال فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يبلغنا أنه قال شيئا وقال ابن اسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عوف بن مالك الاشجعي قال كنت في الغزوة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن العاص وهي غزوة ذات السلاسل فصحبت أبا بكر وعمر فمررت بقوم وهم على جزور قد نحروها وهم لا يقدرون على ان يبعضوها وكنت امرءا جازرا فقلت لهم تعطوني منها عشرا على ان أقسمها بينكم قالوا نعم فأخذت الشفرة فجزأتها مكاني وأخذت منها جزءا فحملته إلى أصحابي فاطبخناه وأكلناه فقال أبو بكر وعمر إنى لك هذا اللحم يا عوف فأخبرتهما فقالا لا والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما منه فلما أن قفل الناس من ذلك السفر كنت أول قادم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فجئته وهو يصلي في بيته فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال أعوف بن مالك فقلت نعم بأبي أنت وأمي فقال صاحب الجزور ولم يزدني على ذلك شيئا هكذا رواه محمد بن اسحاق عن يزيد بن ابي حبيب عن عوف بن مالك وهو منقطع بل معضل قال الحافظ البيهقي وقد رواه ابن لهيعة وسعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط عن مالك بن زهدم أظنه عن عوف بن مالك فذكر نحوه إلا أنه قال فعرضته على عمر فسألني عنه فأخبرته فقال قد تعجلت أجرك ولم يأكله ثم حكى عن أبي عبيدة مثله ولم يذكر فيه ابا بكر وتمامه كنحو ما تقدم وقال الحافظ البيهقي انبا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن ابي عمرو قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الاصم ثنا يحيى ابن أبي طالب ثنا علي بن عاصم ثنا خالد الحذاء عن ابي عثمان النهدي سمعت عمرو بن العاص يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم على جيش ذات السلاسل وفي القوم أبو بكر وعمر فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على ابي بكر وعمر الا لمنزلة لي عنده قال فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت يا رسول الله من أحب الناس اليك قال عائشة قلت إني لست اسألك عن أهلك قال فأبوها قلت ثم من قال عمر قلت ثم من حتىعدد رهطا قال قلت في نفسي لا أعود أسأل عن هذا وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طريق خالد بن مهران الحذاء عن ابي عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل حدثني عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت فمن الرجال قال ابوها قلت ثم من قال ثم عمر بن الخطاب (4/275)
فعدد رجالا وهذا لفظ البخاري وفي رواية قال عمرو فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم
سرية ابي عبيدة الى سيف البحر
قال الامام مالك عن وهب بن كيسان عن جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثا قبل الساحل وأمر عليهم ابا عبيدة بن الجراح وهم ثلثمائة قال جابر وانا فيهم فخرجنا حتى اذا كنا ببعض الطريق فنى الزاد فأتوا أبا عبيدة بازواد ذلك الجيش فجمع كله فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني ولم يكن يصيبنا الا تمرة تمرة قال فقلت وما تغني تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت قال ثم انتهينا الى البحر فاذا حوت مثل الضرب قال فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشر ليلة ثم امر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر براحلته ثم مر تحتها فلم يصبهما أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك بنحوه وهو في الصحيحين أيضا من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عيرا لقريش فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فسمى ذلك الجيش جيش الخبط قال ونحر رجل ثلاث جزائر ثم ثلاثا فنهاه أبو عبيدة قال وألقى البحر دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر وادهنا حتى ثابت الينا أجسامنا وصلحت ثم ذكر قصة الضلع فقوله في الحديث نرصد عيرا لقريش دليل على أن هذه السرية كانت قبل صلح الحديبية والله أعلم والرجل الذي نحر لهم الجزائر هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو بكر بن اسحاق ثنا اسماعيل بن قتيبة ثنا يحيى بن يحيى ثنا أبو خيثمة وهو زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا من تمر لم نجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة قال فقلت كيف كنتم تصنعون بها قال كنا نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا الى الليل وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله قال فانطلقنا الى ساحل البحر فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فاذا به دابة تدعى العنبر فقال أبو عبيدة ميتة ثم قال لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا قال فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلثمائة حتى سمنا ولقد كنا نغرف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع منه القدر كالثور أو كقدر الثور ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فاأعدهم في عينه وأخذ ضلعا من أضلاعه فاقامها ثم رحل أعظم بعير منها فمر تحتها وتزودنا من لحمها وشايق فلما قدمنا المدينة اتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرنا ذلك له فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم شيء من لحمه تطعمونا قال فأرسلنا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكل منه ورواه مسلم عن يحيىبن يحيى وأحمد بن يونس وابو داود عن النفيلي ثلاثتهم عن ابي (4/276)
خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي عن ابي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر بن عبد الله الانصاري به
قلت ومقتضى أكثر هذه السياقات أن هذه السرية كانت قبل صلح الحديبية ولكن اوردناها ها هنا تبعا للحافظ البيهقي رحمه الله فانه أوردها بعد مؤتة وقبل غزوة الفتح والله أعلم وقد ذكر البخاري بعد غزوة مؤتة سرية اسامة بن زيد الى الحرقات من جهينة فقال حدثنا عمرو بن محمد ثنا هشيم انبأنا حصين بن جندب ثنا أبو ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم فلما غشيناهم قال لا اله الا الله فكف الانصاري وطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا اسامة اقتلته بعد ما قال لا اله الا الله قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن اسلمت قبل ذلك اليوم وقد تقدم هذا الحديث والكلام عليه فيما سلف ثم روى البخاري من حديث يزيد بن ابي عبيدة عن سلمة بن الاكوع قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات علينا مرة أبو بكر ومرة اسامة بن زيد رضي الله عنهما ثم ذكر الحافظ البيهقي ها هنا موت النجاشي صاحب الحبشة على الاسلام ونعى رسول الله صلى الله عليه و سلم له الى المسلمين وصلاته عليه فروى من طريق مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نعى الى الناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم الى المصلى فصف بهم وكبر اربع تكبيرات أخرجاه من حديث مالك وأخرجاه أيضا من حديث ابن جريج عن عطاء عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مات اليوم رجل صالح فصلوا على أصخمة وقد تقدمت هذه الاحاديث أيضا والكلام عليها ولله الحمد
قلت والظاهر أن موت النجاشي كان قبل الفتح بكثير فان في صحيح مسلم أنه لما كتب إلى ملوك الآفاق كتب الى النجاشي وليس هو بالمسلم وزعم آخرون كالواقدي أنه هو والله أعلم وروى الحافظ البيهقي من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن موسى بن عقبة عن ابيه عن أم كلثوم قالت لما تزوج النبي صلى الله عليه و سلم أم سلمة قال قد أهديت الى النجاشي أواق من مسك وحلة وإني لأراه قد مات ولا ارى الهدية الا سترد علي فان ردت علي أظنه قال قسمتها بينكن أو فهي لك قال فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مات النجاشي وردت الهدية فلما ردت عليه أعطى امرأة من نسائه أوقيه من ذلك المسك وأعطى سائره أم سلمة وأعطاها الحلة والله أعلم (4/277)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم غزوة الفتح الاعظم وكانت في رمضان سنة ثمان وقد ذكرها الله تعالى في القرآن في غير موضع فقال تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى الآية وقال تعالى إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا
وكان سبب الفتح بعد هدنة الحديبية ما ذكره محمد بن اسحاق حدثني الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم انهما حدثاه جميعا قالا كان في صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فتواثبت خزاعة وقالوا نحن في عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر وقالوا نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرا ثم إن بنى بكر وثبوا على خزاعة ليلا بماء يقال له الوتير وهو قريب من مكة وقالت قريش ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا من أحد فاعانوهم عليهم بالكراع والسلاح وقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن عمرو بن سالم ركب عند ما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبر الخبر وقد قال أبيات شعر فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم أنشدها إياه ... يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبيه وابينا الأتلدا ... قد كنتموا ولدا وكنا والدا ... ثمت أسلمنا فلم ينزع يدا ... فانصر رسول الله نصرا أبدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجردا ... إن سيم خسفا وجهه تربدا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... إن قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا ... وجعلوا لي في كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعوا أحدا ... فهم اذل واقل عددا ... هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا ...
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نصرت يا عمرو بن سالم فما برح حتى مرت بنا عنانة في السماء فقال (4/278)
رسول الله صلى الله عليه و سلم إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب وامر رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم
قال ابن اسحاق وكان السبب الذي هاجهم أن رجلا من بني الحضرمي اسمه مالك بن عباد من حلفاء الاسود بن رزن خرج تاجرا فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله فعدت بنو بكر على رجل من بني خزاعة فقتلوه فعدت خزاعة قبيل الاسلام على بني الاسود بن رزن الدئلي وهم مفخر بني كنانة واشرافهم سلمى وكلثوم وذؤيب فقتلوهم بعرفة عندا نصاب الحرم قال ابن اسحاق وحدثني رجل من الدئل قال كان بنو الاسود بن رزن يودون في الجاهلية ديتين ديتين قال ابن اسحاق فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك إذ حجز بينهم الاسلام فلما كان يوم الحديبية ودخل بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت الهدنة اغتنمها بنو الدئل من بني بكر وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة ثأرا من أولئك النفر فخرج نوفل بن معاوية الدئلي في قومه وهو يومئذ سيدهم وقائدهم وليس كل بني بكر تابعه فبيت خزاعة وهم على الوتير ماء لهم فأصابوا رجلا منهم وتحاوزوا واقتتلوا ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حاوزوا خزاعة الى الحرم فلما انتهوا اليه قالت بنو بكر إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك فقال كلمة عظيمة لا إله اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم ولجأت خزاعة الى دار بديل بن ورقاء بمكة والى دار مولى لهم يقال له رافع وقد قال الاخزر ابن لعط الدئلي في ذلك ... ألا هل أتى قصوى الأحابيش أننا ... رددنا بني كعب بأفوق ناصل ... حبسناهم في دارة العبد رافع ... وعند بديل محبسا غير طائل ... بدار الذليل الآخذ الضيم بعد ما ... شفينا النفوس منهم بالمناصل ... حبسناهم حتى اذا طال يومهم ... نفخنا لهم من كل شعب بوابل ... نذبحهم ذبح التيوس كأننا ... أسود نباري فيهم بالقواصل ... هم ظلمونا واعتدوا في مسيرهم ... وكانوا لدى الانصاب أول قاتل ... كأنهم بالجزع إذ يطردونهم ... قفا ثور حفان النعام الجوافل ...
قال فاجابه بديل بن عبد مناة بن سلمة بن عمرو بن الأجب وكان يقال له بديل بن أم أصرم فقال ... تعاقد قوم يفخرون ولم ندع ... لهم سيدا يندوهم غير نافل ... أمن خيفة القوم الاولى تزدريهم ... تجيز الوتير خائفا غير آيل ... وفي كل يوم نحن نحبوا حبائنا ... لعقل ولا يحبى لنا في المعاقل (4/279)
ونحن صبحنا بالتلاعة داركم ... بأسيافنا يسبقن لوم العواذل ... ونحن منعنا بين بيض وعتود ... الى خيف رضوى من مجر القبائل ... ويوم الغميم قد تكفت ساعيا ... عبيس فجعناه بجلد حلاحل ... أإن أجمرت في بيتها أم بعضكم ... بجعموسها تنزون إن لم نقاتل ... كذبتم وبيت الله ما إن قتلتموا ... ولكن تركنا أمركم في بلابل ...
قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن ابي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم يشد في العقد ويزيد في المدة قال ابن اسحاق ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين حتى لقوا أبا سفيان بعسفان قد بعثته قريش الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يشد في العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا للذي صنعوا فلما لقي أبو سفيان بديلا قال من اين أقبلت يا بديل وظن أنه قد اتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال سرت الى خزاعة في هذا الساحل في بطن هذا الوادي قال فعمد أبو سفيان الى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محما ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم طوته فقال يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أو رغبت به عني فقالت هو فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنت مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراشه فقال يا بنيه والله لقد أصابك بعدي شر ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما أنا بفاعل ثم اتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال عمر أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فوالله لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به ثم خرج فدخل على علي بن ابي طالب وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وعندها حسن غلام يدب بين يديهما فقال يا علي إنك امس القوم بي رحما وأقربهم مني قرابة وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا فاشفع لي الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ويحك أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه و سلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت الى فاطمة فقال يا بنت محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر فقالت والله ما بلغ ببني ذلك أن يجير بين الناس وما يجير أحد على النبي صلى الله عليه و سلم فقال يأبا الحسن إني ارى الامور قد اشتدت على فانصحني قال والله ما أعلم شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بارضك فقال أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا قال لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال أيها الناس إني قد اجرت بين الناس ثم ركب (4/280)
بعيره فانطلق فلما أن قدم على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن ابي قحافة فوالله ما وجدت فيه خيرا ثم جئت عمر فوجدته أعدى عدو ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بأمر صنعته فوالله ما أدري هل يغني عنا شيئا أم لا قالوا بماذا أمرك قال أمرني ان أجير بين الناس ففعلت قالوا هل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ويحك ما زادك الرجل على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت فقال لا والله ما وجدت غير ذلك ( فائدة ) ذكرها السهيلي فتكلم على قول فاطمة في هذا الحديث وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما جاء في الحديث ويجير على المسلمين أدناهم قال وجه الجمع بينهما بأن المراد بالحديث من يجير واحدا ونفرا يسيرا وقول فاطمة فمن يجير عددا من غزو الامام إياهم فليس له ذلك قال كان سحنون وابن الماجشون يقولان إن أمان المرأة موقوف على إجازة الامام لقوله لام هانئ قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قال ويروى هذا عن عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وقال أبو حنيفة لا يجوز امان العبد وفي قوله عليه السلام ويجير عليهم أدناهم ما يقتضي دخول العبد والمرأة والله أعلم وقد روى البيهقي من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قالت بنو كعب ... اللهم إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وابيه الاتلدا ... فانصر هداك الله نصرا عتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا ...
وقال موسى بن عقبة في فتح مكة ثم إن بني نفاثة من بني الدئل أغاروا على بني كعب وهم في المدة التي بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين قريش وكانت بنو كعب في صلح رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت بنو نفاثة في صلح قريش فأعانت بنو بكر بني نفاثة وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق واعتزلتهم بنو مدلج ووفوا بالعهد الذي كانوا عاهدوا عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي بني الدئل رجلان هما سيداهم سلمى ابن الاسود وكلثوم بن الاسود ويذكرون أن ممن أعانهم صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهيل ابن عمرو فاغارت بنو الدئل على بني عمرو وعامتهم زعموا نساء وصبيان وضعفاء الرجال فألجؤهم وقتلوهم حتى أدخلوهم إلى دار بديل بن ورقاء بمكة فخرج ركب من بني كعب حتى اتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكروا له الذي اصابهم وما كان من أمر قريش عليهم في ذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ارجعوا فتفرقوا في البلدان وخرج أبو سفيان من مكة الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وتخوف الذي كان فقال يا محمد اشدد العقد وجدد المدة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ولذلك قدمت هل كان من حدث قبلكم فقال معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم واتى ابا بكر فقال جدد العقد وزدنا في المدة فقال أبو بكر جواري في جوار رسول (4/281)
الله صلى الله عليه و سلم والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم ثم خرج فأتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال عمر بن الخطاب ما كان من حلفنا جديد فاخلقه الله وما كان منه مثبتا قطعه الله وما كان منه مقطوعا فلا وصله الله فقال له أبو سفيان جزيت من ذي رحم شرا ثم دخل على عثمان فكلمه فقال عثمان جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم اتبع اشراف قريش يكلمهم فكلهم يقول عقدنا في عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما يئس مما عندهم دخل على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلمها فقالت إنما أنا امرأة وإنما ذلك الى رسول الله فقال لها فأمري أحد ابنيك فقالت إنها صبيان ليس مثلهما يجير قال فكلمي عليا فقالت أنت فكلمه فكلم عليا فقال له يأبا سفيان إنه ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يفتات على رسول الله صلى الله عليه و سلم بجوار وأنت سيد قريش واكبرها وأمنعها فأجر بين عشيرتك قال صدقت وأنا كذلك فخرج فصاح ألا إني قد أجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد ثم دخل على النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد إني قد اجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد ولا يرد جواري فقال أنت تقول يا ابا حنظلة فخرج ابو سفيان على ذلك فزعموا والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال حين أدبر أبو سفيان اللهم خذ على اسماعهم وابصارهم فلا يرونا الا بغتة ولا يسمعوا بنا الا فجأة وقدم ابو سفيان مكة فقالت له قريش ما وراءك هل جئت بكتاب من محمد أو عهد قال لا والله لقد أبى علي وقد تتبعت اصحابه فما رأيت قوما لملك عليهم أطوع منهم له غير أن علي بن ابي طالب قد قال لي التمس جوار الناس عليك ولا تجير أنت عليه وعلى قومك وأنت سيد قريش واكبرها وأحقها أن تخفر جواره فقمت بالجوار ثم دخلت على محمد فذكرت له أني قد اجرت بين الناس وقلت ما أظن أن تخفرني فقال أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة فقالوا مجيبين له رضيت بغير رضى وجئتنا بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا وإنما لعب بك علي لعمر الله ما جوارك بجائز وإن إخفارك عليهم لهين ثم دخل على امرأته فحدثها الحديث فقالت قبحك الله من وافد قوم فمت جئت بخير قال ورأى رسول الله صلى الله عليه و سلم سحابا فقال إن هذه السحاب لتبض بنصر بني كعب فمكث رسول الله صلى الله عليه و سلم ما شاء الله أن يمكث بعد ما خرج أبو سفيان ثم اخذ في الجهاز وأمر عائشة أن تجهزه وتخفي ذلك ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المسجد أو الى بعض حاجاته فدخل أبو بكر على عائشة فوجد عندها حنطة تنسف وتنقي فقال لها يا بنية لم تصنعين هذا الطعام فسكتت فقال أيريد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يغزو فصمتت فقال يريد بني الاصفر وهم الروم فصمتت قال فلعله يريد أهل نجد فصمتت قال فلعله يريد قريشا فصمتت قال فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له يا رسول الله اتريد أن تخرج مخرجا قال نعم قال فلعلك تريد بني الاصفر قال لا قال أتريد أهل نجد قال لا قال فلعلك تريد قريشا قال نعم قال أبو (4/282)
بكر يا رسول الله أليس بينك وبينهم مدة قال الم يبلغك ما صنعوا ببني كعب قال وأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الناس بالغزو وكتب حاطب بن ابي بلتعة الى قريش وأطلع الله رسوله صلى الله عليه و سلم على الكتاب وذكر القصة كما سيأتي وقال محمد بن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تغربل حنطة فقال ما هذا امركم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالجهاز قالت نعم فتجهر قال والى أين قالت ما سمى لنا شيئا غير أنه قد أمرنا بالجهاز قال ابن اسحاق ثم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم الناس أنه سائر الى مكة وأمر بالجد والتهيؤ وقال اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها فتجهز الناس فقال حسان بن ثابت يحرض الناس ويذكر مصاب خزاعة ... عناني ولم اشهد ببطحاء مكة ... رجال بني كعب تحز رقابها ... بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم ... وقتلى كثير لم تجن ثيابها ... الا ليت شعري هل تنالن نصرتي ... سهيل بن عمرو حرها وعقابها ... وصفوان عودا حزمن شفر استه ... فهذا أوان الحرب شد عصابها ... فلا تأمننا يا ابن أم مجالد ... اذا احتلبت صرفا وأعصل نابها ... ولا تجزعوا منها فإن سيوفنا ... لها وقعة بالموت يفتح بابها ... قصة حاطب بن أبي بلتعة
قال محمد بن اسحاق حدثني محمد بن جعفر عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا قالوا لما أجمع رسول الله صلى الله عليه و سلم المسير الى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا الى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأمر في السير اليهم ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة وزعم لي غيره أنها سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث علي بن ابي طالب والزبير بن العوام فقال أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن ابي بلتعة بكتاب الى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم فخرجا حتى أدركاها بالحليفة حليفة بني أبي احمد فاستنزلاها فالتمساه في رحلها فلم يجدا فيه شيئا فقال لها علي إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته اليه فأتي به رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم حاطبا فقال يا حاطب ما حملك على هذا فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت ولكنني كنت امرءا ليس لي في القوم من اصل ولا عشيرة وكان لي بين اظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه (4/283)
فأن الرجل قد نافق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وأنزل الله في حاطب يايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة الى آخر القصة هكذا أورد ابن اسحاق هذه القصة مرسلة وقد ذكر السهيلي أنه كان في كتاب حاطب أن رسول الله قد توجه اليكم ببجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو سار اليكم وحده لنصره الله عليكم فانه منجز له ما وعده قال وفي تفسير ابن سلام أن حاطبا كتب إن محمدا قد نفر فأنا اليكم وإما الى غيركم فعليكم الحذر وقد قال البخاري ثنا قتيبة ثنا سفيان عن عمرو بن دينار أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن ابي رافع سمعت عليا يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فاذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه و سلم فاذا فيه من حاطب بن ابي بلتعة الى ناس مكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا حاطب ما هذا فقال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرءا ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت اذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم افعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فانزل الله سورة يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الى قوله فقد ضل سواء السبيل واخرجه بقية الجماعة الا ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة وقال الترمذي حسن صحيح وقال الامام احمد ثنا حجين ويونس قالا حدثنا ليث بن سعد عن ابي الزبير عن جابر ابن عبد الله أن حاطب بن ابي بلتعة كتب الى اهل مكة يذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اراد غزوهم فدل رسول الله صلى الله عليه و سلم على المرأة التي معها الكتاب فأرسل اليها فأخذ كتابها من رأسها وقال يا حاطب أفعلت قال نعم قال أما إني لم افعله غشا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولا نفاقا قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له أمره غير أني كنت غريبا بين ظهرانيهم وكانت والدتي معهم فأردت أن أتخذ يدا عندهم فقال له عمر ألا أضرب راس هذا فقال أتقتل رجلا من أهل بدر وما يدريك (4/284)
لعل الله اطلع الى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم تفرد بهذا الحديث من هذا الوجه الامام احمد وإسناده على شرط مسلم ولله الحمد فصل
قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم لسفره واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن عتبةبن خلف الغفاري وخرج لعشر مضين من شهر رمضان فصام وصام الناس معه حتى اذا كان بالكديد ببن عسفان وأمج افطر ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين وقال عروة بن الزبير كان معه اثنا عشر ألفا وكذا قال الزهري وموسى بن عقبة فسبعت سليم وبعضهم يقول ألفت سليم وألفت مزينة وفي كل القبائل عدد وإسلام وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم المهاجرون والانصار فلم يتخلف عنه منهم أحد وروى البخاري عن محمود عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري نحوه وقد روى البيهقي من حديث عاصم بن علي عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري اخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا غزوة الفتح في رمضان قال وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك لا أدري اخرج في ليال من شعبان فاستقبل رمضان أو خرج في رمضان بعد ما دخل غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرني أن ابن عباس قال صام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بلغ الكديد الماء الذي بين قديد وعسفان أفطر فلم يزل يفطر حتى انصرم الشهر ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن الليث غير أنه لم يذكر الترديد بين شعبان ورمضان وقال البخاري ثنا علي بن عبد الله ثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس قال سافر رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بأناء فشرب نهارا ليراه الناس فأفطر حتى قدم مكة قال وكان ابن عباس يقول صام رسول الله صلى الله عليه و سلم في السفر وافطر فمن شاء صام ومن شاء افطر وقال يونس عن ابن اسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم لسفره الفتح واستعمل على المدينة ابا رهم كلثوم ابن الحصين الغفاري وخرج لعشر مضين من رمضان فصام وصام الناس معه حتى أتى الكديد بين عسفان وأمج فأفطر ودخل مكة مفطرا فكان الناس يرون آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم الفطر وأنه نسخ ما كان قبله قال البيهقي فقوله خرج لعشر من رمضان مدرج في الحديث وكذلك ذكره عبد الله بن ادريس عن ابن اسحاق ثم روى من طريق يعقوب بن سفيان عن جابر عن يحيى عن صدقة عن ابن اسحاق أنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لعشر مضين من رمضان سنة ثمان ثم روى (4/285)
البيهقي من حديث أبي اسحاق الفزاري عن محمد بن ابي حفصة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال كان الفتح لثلاث عشر خلت من شهر رمضان قال البيهقي وهذا الادراج وهم إنما هو من كلام الزهري ثم روى من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري قال قال غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة الفتح فتح مكة فخرج من المدينة في رمضان ومعه من المسلمين عشرة آلاف وذلك على رأس ثماني سنين ونصف سنة من مقدمه المدينة وافتتح مكة لثلاث عشرة بقين من رمضان وروى البيهقي من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج في رمضان ومعه عشرة آلاف من المسلمين فصام حتى بلغ الكديد ثم افطر فقال الزهري وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث قال الزهري فصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان ثم عزاه في الصحيحين من طريق عبد الرزاق والله أعلم وروى البيهقي من طريق سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن عطية بن قيس عن ابي سعيد الخدري قال آذننا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد فأمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالفطر فاصبح الناس مرحى منهم الصائم ومنهم المفطر حتى اذا بلغنا المنزل الذى نلقى العدو أمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعين وقد رواه الامام احمد عن أبي المغيرة عن سعيد بن عبد العزيز حدثني عطية بن قيس عمن حدثه عن أبي سعيد الخدري قال آذننا رسول الله بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد فأمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالفطر فأصبح الناس منهم الصائم ومنهم المفطر حتى اذا بلغ أدنى منزل يلقى العدو أمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعون
قلت فعلى ما ذكره الزهري من أن الفتح كان يوم الثالث عشر من رمضان وما ذكره أبو سعيد من انهم خرجوا من المدينة في ثاني شهر رمضان يقتضي أن مسيرهم كان بين مكة والمدينة في إحدى عشرة ليلة ولكن روى البيهقي عن أبي الحسين بن الفضل عن عبد الله بن جعفر عن يعقوب ابن سفيان عن الحسن بن الربيع عن ابن إدريس عن محمد بن اسحاق عن الزهري ومحمد بن علي ابن الحسين وعاصم بن عمر بن قتادة وعمرو بن شعيب وعبد الله بن ابي بكر وغيرهم قالوا كان فتح مكة في عشر بقيت من شهر رمضان سنة ثمان قال أبو داود الطيالسي ثنا وهيب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن عبد الله قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح صائما حتى أتى كراع الغميم والناس معه مشاة وركبانا وذلك في شهر رمضان فقيل يا رسول الله إن الناس قد اشتد عليهم الصوم وإنما ينظرون كيف فعلت فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقدح فيه ماء فرفعه فشرب والناس ينظرون فصام بعض الناس وأفطر البعض حتى أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن بعضهم صائم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/286)
أولئك العصاة وقد رواه مسلم من حديث الثقفي والدراوردي عن جعفر بن محمد وروى الامام أحمد من حديث محمد بن اسحاق حدثني بشير بن يسار عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح في رمضان فصام وصام المسلمون معه حتى اذا كان بالكديد دعا بماء في قعب وهو على راحلته فشرب والناس ينظرون يعلمهم أنه قد أفطر فأفطر المسلمون تفرد به احمد فصل
في اسلام العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه و سلم وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي أخي ام سلمة أم المؤمنين وهجرتهم الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدوه في اثناء الطريق وهو ذاهب الى فتح مكة
قال ابن اسحاق وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم ببعض الطريق قال ابن هشام لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته ورسول الله صلى الله عليه و سلم عنه راض فيما ذكره ابن شهاب الزهري قال ابن اسحاق وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن ابي أمية قد لقيا رسول الله صلى الله عليه و سلم أيضا بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة والتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله إن ابن عمك وابن عمتك وصهرك قال لا حاجة لي بهما أما ابن عمي فهتك عرضي وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي بمكة ما قال قال فلما خرج اليهما الخبر بذلك ومع أبي سفيان بنى له فقال والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن في الارض ثم نموت عطشا وجوعا فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما وأنشد أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذر اليه مما كان مضى منه ... لعمرك أني يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد ... لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدى وأهتدي ... هدى بي هاد غير نفسي ونالني ... مع الله من طردت كل مطرد ... أصد وأنأى جاهدا عن محمد ... وأدعى وإن لم أنتسب من محمد ... هموا ما هموا من لم يقل بهواهم ... وإن كان ذا رأي يلم ويفند ... أريد لأرضيهم ولست بلائط ... مع القوم ما لم أهد في كل مقعد ... فقل لثقيف لا أريد قتالها ... وقل لثقيف تلك عيري أوعدي (4/287)
فما كنت في الجيش الذي نال عامر ... وما كان عن جري لساني ولا يدي ... قبائل جاءت من بلاد بعيدة ... نزائع جاءت من سهام وسردد ...
قال ابن اسحاق فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه و سلم ونالني مع الله من طردت كل مطرد ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده في صدره وقال أنت طردتني كل مطرد فصل
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم الى مر الظهران نزل فيه فأقام كما روى البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث ومسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب كلاهما عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بمر الظهران نجتني الكباث وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عليكم بالاسود منه فأنه أطيب قالوا يا رسول الله أكنت ترعى الغنم قال نعم وهل من نبي الا وقد رعاها وقال البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن سنان بن اسمعيل عن ابي الوليد سعيد بن مينا قال لما فرغ أهل مكةورجعوا أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمسير الى مكة فلما انتهى الى مر الظهران نزل بالعقبة فارسل الجناة يجتنون الكباث فقلت لسعيد وما هو قال ثمر الاراك قال فانطلق ابن مسعود فيمن يجتني قال فجعل أحدهم اذا أصاب حبة طيبة قذفها في فيه وكانوا ينظرون إلى دقة ساقي ابن مسعود وهو يرقى في الشجرة فيضحكون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم تعجبون من دقة ساقيه فوالذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد وكان ابن مسعود ما اجتنى من شيء جاء به وخياره الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال في ذلك ... هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده الى فيه ...
وفي الصحيحين عن أنس قال أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا فادركتها فأخذتها فأتيت بها ابا طلحة فذبحها وبعث الى رسول الله صلى الله عليه و سلم بوركها وفخذيها فقبله وقال ابن اسحاق ونزل رسول الله صلى الله عليه و سلم مر الظهران وقد عميت الاخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يدرون ما رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعل وخرج في تلك الليالي ابو سفيان بن حرب وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الاخبار وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به وذكره ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث بين يديه عيونا خيلا يقتصون العيون وخزاعة لا تدع أحدا يمضي وراءها فلما جاء أبو سفيان واصحابه أخذتهم خيل المسلمين وقام اليه عمر يجأ في عنقه حتى أجاره العباس بن عبد المطلب وكان صاحبا لابي سفيان قال ابن اسحاق وقال العباس حين نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم مر الظهران قلت واصباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/288)
مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش الى آخر الدهر قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم البيضاء فخرجت عليها حتى جئت الأراك فقلت لعلي أجد بعض ألحطابه أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرجوا اليه فيستأمنوه قبل ان يدخل عليهم عنوة قال فوالله إني لاسير عليها وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان وأبو سفيان يقول ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا قال يقول بديل هذه والله خزاعة حمشتها الحرب قال يقول أبو سفيان خزاعة أذل واقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها قال فعرفت صوته فقلت يا ابا حنظلة فعرف صوتي فقال أبو الفضل قال قلت نعم قال مالك فدى لك أبي وامي قال قلت ويحك يا ابا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم في الناس فقال واصباح قريش والله فما الحيلة فداك ابي وأمي قال قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه و سلم فأستأمنه لك قال فركب خلفي ورجع صاحباه وقال عروة بل ذهبا الى النبي صلى الله عليه و سلم فأسلما وجعل يستخبرهما عن أهل مكة وقال الزهري وموسى بن عقبة بل دخلوا مع العباس على رسول الله صلى الله عليه و سلم [ قال ابن اسحاق قال فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا فاذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا عليها قالوا عم رسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا وقام الي فلما رأى ابا سفيان على عجز الدابة قال أبو سفيان عدو الله [ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد وزعم عروة بن الزبير أن عمر وجأ في رقبة أبي سفيان واراد قتله فمنعه منه العباس وهكذا ذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن عيون رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذوهم بأزمة جمالهم فقالوا من أنتم قالوا وفد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلقيهم العباس فدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فحادثهم عامة الليل ثم دعاهم الى شهادة أن لا اله الا الله فشهدو وأن محمدا رسول الله فشهد حكيم وبديل وقال أبو سفيان ما أعلم ذلك ثم اسلم بعد الصبح ثم سألوه أن يؤمن قريشا فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن وكانت باعلا مكة ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن وكانت باسفل مكة ومن أغلق بابه فهو آمن قال العباس ] ثم خرج عمر يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه و سلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء قال فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم ودخل عليه عمر فقال يا رسول الله هذ أبو سفيان قد امكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلاضرب عنقه قال قلت يا رسول إني قد اجرته ثم جلست الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه الليله دوني رجل فلما أكثر عمر في شأنه قال قلت مهلا يا عمر فوالله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ولكنك قد عرفت (4/289)
أنه من رجال بني عبد مناف فقال مهلا يا عباس فوالله لاسلامك يوم اسلمت كان أحب الي من اسلام الخطاب لو اسلم وما بي الا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من اسلام الخطاب [ لو اسلم ] فقال رسول الله اذهب به يا عباس الى رحلك فاذا أصبحت فأتني به قال فذهبت به الى رحلي فبات عندي فلما أصبح غدوت به الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما [ رآه قال ] ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا اله الا الله فقال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه والله فان في النفس منها حتى الآن شيئا فقال له العباس ويحك أسلم واشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك قال فشهد شهادة الحق فأسلم قال العباس فقلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن [ زاد عروة ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن وهكذا قال موسى بن عقبة عن الزهري ] ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها [ وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن أبا سفيان وبديلا وحكيم بن حزام كانوا وقوفا مع العباس عند خطم الجبل وذكر أن سعدا لما قال لابي سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فشكى أبو سفيان الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فعزله عن راية الانصار وأعطاها الزبير بن العوام فدخل بها من أعلا مكة وغرزها بالحجون ودخل خالد من أسفل مكة فلقيه بنو بكر وهذيل فقتل من بني بكر عشرين ومن هذيل ثلاثة أو أربعة وانهزموا فقتلوا بالحزورة حتى بلغ قتلهم باب المسجد ] قال العباس فخرجت بأبي سفيان حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أحبسه قال ومرت القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال يا عباس من هؤلاء فأقول سليم فيقول لي مالي ولسليم ثم تمر به قبيلة فيقول يا عباس من هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالي ولمزينة حتى نفذت القبائل ما تمر به قبيلة إلا سألني عنها فاذا أخبرته قال مالي ولبني فلان حت مر رسول الله صلى الله عليه و سلم في كتيبته الخضراء وفيها المهاجرون والانصار لا يرى منهم الا الحدق من الحديد فقال سبحان الله يا عباس من هؤلاء قال قلت هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم في المهاجرين والانصار قال ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما قال قلت يأبا سفيان إنها النبوة قال فنعم إذن قال قلت النجاء الى قومك حتى إذا جاءهم صرخ بأعلا صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل (4/290)
لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقامت اليه هند بنت عتبة فاخذت بشاربه فقالت اقتلوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم فقال أبو سفيان ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فانه قد جاءكم ما لا قبل لكم به من دخل دار أبي سفيان فهو آمن قالوا قاتلك الله وما تغني عنا دارك قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد [ وذكر عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما مر بأبي سفيان قال له إني لأرى وجوها كثيرة لا أعرفها لقد كثرت هذه الوجوه علي فقال له رسول الله أنت فعلت هذا وقومك إن هؤلاء صدقوني إذ كذبتموني ونصروني إذ أخرجتموني ثم شكى اليه قول سعد بن عبادة حين مر عليه فقال يا ابا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فقال رسول الله كذب سعد بل هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة وذكر عروة أن أبا سفيان لما أصبح صبيحة تلك الليلة التي كان عند العباس ورأى الناس يجنحون للصلاة وينتشرون في استعمال الطهارة خاف وقال للعباس ما بالهم قال إنهم سمعوا النداء فهم ينتشرون للصلاة فلما حضرت الصلاة ورآهم يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده قال يا عباس ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه قال نعم والله لو أمرهم بترك الطعام والشراب لأطاعوه وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أنه لما توضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم جعلوا يتكففون فقال يا عباس ما رأيت كالليلة ولا ملك كسرى وقيصر ] وقد روى الحافظ البيهقي عن الحاكم وغيره عن الاصم عن أحمد بن الجبار عن يونس بن بكير عن ابن اسحاق حدثني الحسين ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس فذكر هذه القصة بتمامها كما أوردها زياد البكائي عن ابن اسحاق منقطعة فالله أعلم على أنه قد روى البيهقي من طريق أبي بلال الاشعري عن زياد البكائي عن محمد بن اسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال جاء العباس بابي سفيان الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فذكر القصة الا أنه ذكر أنه أسلم ليلته قبل أن يصبح بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنه لما قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن قال أبو سفيان وما تسع داري فقال ومن دخل الكعبة فهو آمن قال وما تسع الكعبة فقال ومن دخل المسجد فهو آمن قال وما تسع المسجد فقال ومن اغلق عليه بابه فهو آمن فقال أبو سفيان هذه واسعة وقال البخاري حدثنا عبيد بن اسماعيل ثنا أبو اسامة عن هشام عن أبيه قال لما سار رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران فاذا هم بنيران كأنها نيران عرفة فقال أبو سفيان ما هذه كانها نيران عرفة فقال بديل بن ورقاء نيران بني (4/291)
عمرو فقال أبو سفيان عمرو اقل من ذلك فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه و سلم فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس احبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر الى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم تمر كتيبة كتيبة على ابي سفيان فمرت كتيبة فقال يا عباس من هذه قال هذه غفار قال مالي ولغفار ثم مرت جهينة فقال مثل ذلك ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك ومرت سليم فقال مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها فقال من هذه قال هؤلاء الانصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي اقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وراية رسول الله صلى الله عليه و سلم مع الزبير بن العوام فلما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بأبي سفيان قال الم تعلم ما قال سعد بن عبادة فقال ما قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تركز رايته بالحجون قال عروة اخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام ها هنا أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تركز الراية قال نعم قال وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد أن يدخل من أعلا مكة من كداء ودخل رسول الله صلى الله عليه و سلم من كدى فقتل من خيل خالد بن الوليد يومئذ رجلان حنيش بن الأشعر وكرز بن جابر الفهري وقال أبو داود ثنا عثمان بن ابي شيبة ثنا يحيى بن آدم ثنا ادريس عن محمد بن اسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب فأسلم بمر الظهران فقال له العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فلو جعلت له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن
صفة دخوله صلى الله عليه و سلم مكة
ثبت في الصحيحين من حديث مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال إن ابن خطل متعلق باستار الكعبة فقال اقتلوه قال مالك ولم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما نرى والله أعلم محرما وقال أحمد ثنا عفان ثنا حماد انبأ أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء ورواه أهل السنن الأربعة من حديث حماد بن سلمة وقال الترمذي حسن صحيح ورواه مسلم عن قتيبة ويحيى بن يحيى عن معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء من غير إحرام وروى مسلم من حديث أبي أسامة عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن (4/292)
حريث عن أبيه قال كأني انظر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة وعليه عمامة حرقانية سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه وروى مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي من حديث عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وروى أهل السنن الأربعة من حديث يحيى بن آدم عن شريك القاضي عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر قال كان لواء رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم دخل مكة ابيض وقال ابن اسحاق عن عبد الله بن ابي بكر عن عائشة كان لواء رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح أبيض ورايته سوداء تسمى العقاب وكانت قطعة من مرط مرجل وقال البخاري ثنا أبو الوليد ثنا شعبة عن عبد الله بن قرة قال سمعت عبد الله بن مغفل يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجع وقال لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع وقال محمد بن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حبرة حمراء وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى أن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل وقال الحافظ البيهقي أنبا أبو عبد الله الحافظ أنبا دعلج بن احمد ثنا احمد بن علي الابار ثنا عبد الله بن ابي بكر المقدسي ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة يوم الفتح وذقنه على راحلته متخشعا وقال انبا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن بالويه ثنا أحمد بن صاعد ثنا اسماعيل بن أبي الحارث ثنا جعفر بن عون ثنا اسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن ابن مسعود أن رجلا كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح فأخذته الرعدة فقال هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد قال وهكذا رواه محمد بن سليمان بن فارس وأحمد بن يحيى ابن زهير عن اسماعيل بن ابي الحارث موصولا ثم رواه عن أبي زكريا المزكي عن أبي عبد الله محمد ابن يعقوب عن محمد بن عبد الوهاب عن جعفر بن عون عن اسماعيل بن قيس مرسلا وهو المحفوظ وهذا التواضع في هذا الموطن عند دخوله صلى الله عليه و سلم مكة في مثل هذا الجيش الكثيف العرمرم بخلاف ما اعتمده سفهاء بني اسرائيل حين أمروا أن يدخلوا باب بيت المقدس وهم سجود أي ركع يقولون حطة فدخلوا يزحفون على استاههم وهم يقولون حنطة في شعرة وقال البخاري ثنا القاسم بن خارجة ثنا حفص بن ميسرة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل عام الفتح من كداء التي باعلا مكة تابعه أبو اسامة ووهب في كداء حدثنا عبيد بن اسماعيل ثنا أبو اسامة عن هشام عن ابيه دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح من أعلا مكة من كداء وهو أصح إن أراد أن المرسل أصح من المسند المتقدم انتظم الكلام والا فكداء بالمد هي المذكورة في الروايتين وهي في أعلا مكة وكدى مقصور في أسفل مكة وهذا هو المشهور والأنسب وقد تقدم أنه عليه السلام (4/293)
بعث خالد بن الوليد من أعلا مكة ودخل هو عليه السلام من اسفلها من كدى وهو في صحيح البخاري والله أعلم وقد قال البيهقي أنبا أبو الحسين بن عبدان أنبا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبد الله بن ابراهيم بن المنذر الحزامي ثنا معن ثنا عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح وأتى النساء يلطمن وجوه الخيل فتبسم إلى أبي بكر وقال يا أبا بكر كيف قال حسان فأنشده أبو بكر رضي الله عنه ... عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفي كداء ... ينازعن الأعنة مسرجات ... يلطمهن بالخمر النساء ...
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ادخلوها من حيث قال حسان وقال محمد بن اسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جدته اسماء بنت أبي بكر قالت لما وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنة له من اصغر ولده أي بنية اظهري بي على أبي قبيس قالت وقد كف بصره قالت فأشرفت به عليه فقال أي بنيه ماذا ترين قالت ارى سوادا مجتمعا قال تلك الخيل قالت وأرى رجلا يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلا ومدبرا قال أي بنية ذلك الوزاع يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم اليها ثم قالت قد والله انتشر السواد فقال قد والله إذن دفعت الخيل فاسرعي بي الى بيتي فانحطت به وتلقاه الخيل قبل ان يصل بيته قالت وفي عنق الجارية طوق من ورق فيلقاها رجل فيقتطعه من عنقها قالت فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة ودخل المسجد أتى ابو بكر بابيه يقوده فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه قال أبو بكر يا رسول الله هو أحق أن يمشي اليك من ان تمشي أنت اليه فاجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال اسلم فاسلم قالت ودخل به أبو بكر وكان رأسه كالثغامة بياضا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم غيروا هذا من شعره ثم قام أبو بكر فاخذ بيد اخته وقال أنشد الله والاسلام طوق أختي فلم يجبه أحد قال فقال أي أخية احتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم القليل يعني به الصديق ذلك اليوم على التعيين لان الجيش فيه كثرة ولا يكاد أحد يلوى على أحد مع انتشار الناس ولعل الذي أخذه تأول أنه من حربي والله اعلم وقال الحافظ البيهقي انبا عبد الله الحافظ انبا أبو العباس الاصم انبا بحر بن نصر انبا ابن وهب اخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب أخذ بيد أبي قحافة فاتى به النبي صلى الله عليه و سلم فلما وقف به على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال غيروه ولا تقربوه سوادا قال ابن وهب وأخبرني عمر بن محمد عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هنأ أبا بكر باسلام أبيه قالت ابن اسحاق فحدثنى عبد الله بن أبى نجيح أن رسول الله ص حين فرق جيشه من ذي طوى أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كداء وكان الزبير على المجنبة اليسرى وأمر (4/294)
سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كدى قال ابن اسحاق [ من المهاجرين ] فزعم بعض أهل العلم أن سعدا حين وجه داخلا قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل قال ابن هشام يقال إنه عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله أتسمع ما يقول سعد بن عبادة ما نأمن أن يكون له في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها
قلت وذكر غير محمد بن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما شكى اليه أبو سفيان قول سعد بن عبادة حين مر به وقال يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة يعني الكعبة فقال النبي صلى الله عليه و سلم بل هذا يوم تعظم فيه الكعبة وأمر بالراية راية الانصار أن تؤخذ من سعد بن عبادة كالتأديب له ويقال إنها دفعت الى ابنه قيس بن سعد وقال موسى بن عقبة عن الزهري دفعها الى الزبير بن العوام فالله أعلم
[ وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمه يعقوب بن اسحاق بن دينار ثنا عبد الله بن السري الانطاكي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد وحدثني موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم الراية يوم فتح مكة الى سعد بن عبادة فجعل يهزها ويقول اليوم يوم الملحمة يوم تستحل الحرمة قال فشق ذلك على قريش وكبر في نفوسهم قال فعارضت امرأة رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسيره وأنشأت تقول ... يا نبي الهدي اليك لجاحي ... قريش ولات حين لجاء ... حين ضاقت عليهم سعة الار ... ض وعاداهم آله السماء ... [ والتقت حلقتا البطان على القو ... م ونودوا بالصليم الصلعاء ] ... إن سعدا يريد قاصمة الطهر ... ر بأهل الحجون والبطحاء ... خزرجي لو يستطيع من الغي ... ظ رمانا بالنشر والعواء ... [ فانهينه فإنه الاسد الاس ... ود والليث والغ في الدماء ... فلئن أقحم اللواء ونادى ... يا حماة اللواء أهل اللواء ... لنكونن بالبطاح قريش ... بقعة القاع في أكف الاماء ... [ إنه مصلت يريد لها الرأ ... ي صموت كالحية الصماء ] ...
قال فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا الشعر دخله رحمة لهم ورأفة بهم وأمر بالراية فأخذت من سعد بن عبادة ودفعت الىابنه قيس بن سعد قال فيروى أنه عليه الصلاة و السلام أحب أن لا (4/295)
يخيبها إذ رغبت اليه واستغاثت به وأحب أن لا يغضب سعد فأخذ الراية منه فدفعها الى ابنه قال ابن اسحاق ] وذكر ابن أبي نجيح في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم امر خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة في بعض الناس وكان خالد على المجنبة اليمنى وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ودخل رسول الله صلى الله عليه و سلم من أذاخر حتى نزل بأعلا مكة فضربت له هنالك قبته
وروى البخاري من حديث الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن اسامة بن زيد أنه قال زمن الفتح يا رسول الله أين تنزل غدا فقال هل ترك لنا عقيل من رباع ثم قال لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر ثم قال البخاري ثنا أبو اليمان ثنا شعيب ثنا أبو الزبير عن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال منزلنا إن شاء الله اذا فتح الله الخيف حيث تقاسموا على الكفر وقال الامام احمد ثنا يونس ثنا ابراهيم يعني ابن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر ورواه البخاري من حديث ابراهيم بن سعد به نحوه وقال ابن اسحاق وحدثني عبد الله ابن أبي نجيح وعبد الله بن ابي بكر أن صفوان بن امية وعكرمة بن ابي جهل وسهيل بن عمرو كانوا قد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا وكان حماس بن قيس بن خالد أخو بني بكر يعد سلاحا قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم ويصلح منه فقالت له امرأته لماذا تعد ما أرى قال لمحمد وأصحابه فقالت والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء قال والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ثم قال ... إن يقبلوا اليوم فمالي عله ... هذا سلاح كامل واله ... وذو غرارين سريع السله ...
قال ثم شهد الخندمة مع صفوان وعكرمة وسهيل فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد ناوشوهم شيئا من قتال فقتل كرز بن جابر أحد بني محارب بن فهر وحنيش بن خالد بن ربيعة بن اصرم حليف بني منقذ وكانا في جيش خالد فشذا عنه فسلكا غير طريقه فقتلا جميعا وكان قتل كرز قبل حنيش قالا وقتل من خيل خالد أيضا سلمة بن الميلاء الجهني واصيب من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته ثم قال لامرأته اغلقي علي بابي قالت فأين ما كنت تقول فقال (4/296)
إنك لو شهدت يوم الخندمة ... إذ فر صفوان وفر عكرمة ... وأبو يزيد قائم كالمؤتمة ... واستقبلتهم بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمه ... ضربا فلا يسمع إلا غمغمه ... لهم نهيت خلفنا وهمهمه ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة ...
قال ابن هشام وتروى هذه الابيات للرعاش الهذلي قال وكان شعار المهاجرين يوم الفتح وحنين والطائف يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار الاوس يا بني عبيد الله وقال الطبراني ثنا علي بن سعيد الرازي ثنا أبو حسان الزيادي ثنا شعيب بن صفوان عن عطاء بن السائب عن طاووس عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والارض وصاغه يوم صاغ الشمس والقمر وما حياله من السماء حرام وأنه لا يحل لاحد قبلي وإنما حل لي ساعة من نهار ثم عاد كما كان فقيل له هذا خالد بن الوليد يقتل فقال قم يا فلان فأت خالد بن الوليد فقل له فليرفع يديه من القتل فأتاه الرجل فقال إن النبي صلى الله عليه و سلم يقول أقتل من قدرت عليه فقتل سبعين إنسانا فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فذكر ذلك له فأرسل الى خالد فقال ألم أنهك عن القتل فقال جاءني فلان يأمرني أن أقتل من قدرت عليه فأرسل اليه ألم آمرك قال أردت أمرا وأراد الله أمرا فكان أمر الله فوق أمرك وما استطعت إلا الذي كان فسكت عنه النبي صلى الله عليه و سلم فما رد عليه شيئا قال ابن اسحاق وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد الى امرائه أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم غير أنه أهدر دم نفر سماهم وإن وجدوا تحت استار الكعبة وهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد اسلم وكتب الوحي ثم ارتد فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة وقد أهدر دمه فر الى عثمان وكان أخاه من الرضاعة فلما جاء به ليستأمن له صمت عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم طويلا ثم قال نعم فلما انصرف مع عثمان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن حوله أما كان فيكم رجل رشيد يقوم الى هذا حين رآني قد صمت فيقتله فقالوا يا رسول الله هلا أومأت الينا فقال إن النبي لا يقتل بالاشارة وفي رواية إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين قال ابن هشام وقد حسن إسلامه بعد ذلك وولاه عمر بعض أعماله ثم ولاه عثمان
قلت ومات وهو ساجد في صلاة الصبح أو بعد انقضاء صلاتها في بيته كما سيأتي بيانه قال ابن اسحاق وعبد الله بن خطل رجل من بني تيم بن غالب
قلت ويقال إن اسمه عبد العزى بن خطل ويحتمل انه كان كذلك ثم لما اسلم سمى عبد الله ولما أسلم بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم مصدقا وبعث معه رجلا من الانصار وكان معه مولى له فغضب (4/297)
عليه غضبة فقتله ثم ارتد مشركا وكان له قينتان فرتني وصاحبتها فكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمين فلهذا أهدر دمه ودم قينتيه فقتل وهو متعلق باستار الكعبة اشترك في قتله أبو برزة الاسلمي وسعيد بن حريث المخزومي وقتلت إحدى قينتيه واستؤمن للاخرى قال الحويرث ابن نقيذ بن وهب بن عبد قصي وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ولما تحمل العباس بفاطمة وأم كلثوم ليذهب بهما الى المدينة يلحقهما برسول الله صلى الله عليه و سلم أول الهجرة نخس بهما الحويرث هذا الجمل الذي هما عليه فسقطتا الى الارض فلما أهدر دمه قتله علي بن ابي طالب قال ومقيس بن صبابة لأنه قتل قاتل أخيه خطأ بعد ما أخذ الدية ثم ارتد مشركا قتله رجل من قومه يقال له نميلة بن عبد الله قال وسارة مولاة لبني عبد المطلب ولعكرمة بن أبي جهل لانها كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي بمكة
قلت وقد تقدم عن بعضهم أنها التي تحملت الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة وكأنها عفى عنها أو هربت ثم أهدر دمها والله أعلم فهربت حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمنها فعاشت الى زمن عمر فأوطأها رجل فرسا فماتت وذكر السهيلي أن فرتني أسلمت أيضا قال ابن اسحاق وأما عكرمة بن أبي جهل فهرب الى اليمن وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام واستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمنه فذهبت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم وقال البيهقي انبا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمس الفقيه انبا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنبا احمد بن يوسف السلمي ثنا احمد بن المفضل ثنا اسباط بن نصر الهمداني قال زعم السدي عن مصعب بن سعد عن ابيه قال لما كان يوم مكة أمن رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة وهم عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله ابن سعد بن أبى سرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق باستار الكعبة فاستبق اليه سعيد ابن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشب الرجلين فقتله وأما مقيس فأدركه الناس في السوق فقتلوه وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم قاصف فقال أهل السفينة لاهل السفينة أخلصوا فان آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ها هنا فقال عكرمة والله لئن لم ينج في البحر الا الاخلاص فانه لا ينجي في البر غيره اللهم إن لك علي عهدا إن انت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فجاء فأسلم وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فأنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس الى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر اليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث ثم اقبل على أصحابه فقال أما كان فيكم رجل رشيد يقوم الى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله فقالوا ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك هلا أومأت الينا بعينك فقال إنه لا ينبغي لنبي أن (4/298)
تكون له خائنة الأعين ورواه أبو داود والنسائي من حديث أحمد بن المفضل به نحوه وقال البيهقي انبا أبو عبد الله الحافظ انبا أبو العباس الاصم انبا أبو زرعة الدمشقي ثنا الحسن بن بشر الكوفي ثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس بن مالك قال أمن رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس يوم فتح مكة إلا أربعة عبد العزى بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وأم سارة فأما عبد العزى بن خطل فانه قتل وهو متعلق باستار الكعبة قال ونذر رجل أن يقتل عبد الله بن سعد بن ابي سرح اذا رآه وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة فأتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم ليشفع له فلما أبصر به الانصاري اشتمل على السيف ثم أتاه فوجده في حلقة رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يتردد ويكره أن يقدم عليه فبسط النبي صلى الله عليه و سلم فبايعه ثم قال للانصاري قد انتظرتك أن توفي بنذرك قال يا رسول الله هبتك أفلا أومضت إلي قال إنه ليس للنبي أن يومض
وأما مقيس بن صبابة فذكر قصته في قتله رجلا مسلما بعد إسلامه ثم ارتداده بعد ذلك قال وأما أم سارة فكانت مولاة لقريش فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فشكت اليه الحاجة فأعطاها شيئا ثم بعث معها رجل كتاب الى أهل مكة فذكر قصة حاطب بن أبي بلتعة وروى محمد بن اسحاق عن عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن مقيس بن صبابة قتل أخوه هشام يوم بني المصطلق قتله رجل من المسلمين وهو يظنه مشركا فقدم مقيس مظهرا للاسلام ليطلب دية أخيه فلما أخذها عدا على قاتل أخيه فقتله ورجع الى مكة مشركا فلما أهدر رسول الله صلى الله عليه و سلم دمه قتل وهو بين الصفا والمروة وقد ذكر ابن اسحاق والبيهقي شعره حين قتل قاتل أخيه وهو قوله ... شفى النفس من قد بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الاخادع ... وكانت هموم النفس من قبل قتله ... تلم وتنسيني وطاء المضاجع ... قتلت به فهرا وغرمت عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع ... حللت به نذري وأدركت ثورتي ... وكنت الى الأوثان أول راجع ...
قلت وقيل إن القينتين التين أهدر دمهما كانتا لمقيس بن صبابة هذا وأن ابن عمه قتله بين الصفا والمروة وقال بعضهم قتل ابن خطل الزبير بن العوام رضي الله عنه قال ابن اسحاق حدثني سعيد بن أبي هند عن أبي مرة مولى عقيل بن ابي طالب أن أم هانئ ابنة أبي طالب قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم باعلا مكة فر إلي رجلان من أحمائي من بني مخزوم قال ابن هشام هما الحارث بن هشام وزهير بن ابي أمية بن المغيرة قال ابن اسحاق وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي قالت فدخل على أخي علي بن ابي طالب فقال والله لأقتلهما فأغلقت عليهما باب بيتي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو باعلا مكة فوجدته يغتسل من جفنة إن فيها لأثر العجين وفاطمة (4/299)
ابنته تستره بثوبه فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى ثماني ركعات 2 من الضحى ثم انصرف الي فقال مرحبا وأهلا بأم هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي فقال قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فلا يقتلهما وقال البخاري ثنا أبو الوليد ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى غير أم هانئ فانها ذكرت يوم فتح مكة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم ] اغتسل في بيتها ثم صلى ثمان ركعات قالت ولم أره صلى صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود وفي صحيح مسلم من حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن أبي هند أن أبا مرة مولى عقيل حدثه أن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته أنه لما كان عام الفتح فر اليها رجلان من بني مخزوم فأجارتهما قالت فدخل علي علي فقال اقتلهما فلما سمعته أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو باعلا مكة فلما رآني رحب وقال ما جاء بك قلت يا نبي الله كنت أمنت رجلين من أحمائي فأراد علي قتلهما فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد اجرنا من أجرت يا أم هانئ ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم الى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبا فالتحف به ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى وفي رواية أنها دخلت عليه وهو يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب فقال من هذه قالت أم هانئ قال مرحبا بام هانئ قالت يا رسول الله زعم ابن أم علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلين قد أجرتهما فقال قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قالت ثم صلى ثماني ركعات وذلك ضحى فظن كثير من العلماء أن هذه كانت صلاة الضحى وقال آخرون بل كانت هذه صلاة الفتح وجاء التصريح بانه كان يسلم من كل ركعتين وهو يرد على السهيلي وغيره ممن يزعم أن صلاة الفتح تكون ثمانيا بتسليمة واحدة وقد صلى سعد بن ابي وقاص يوم فتح المدائن في إيوان كسرى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين ولله الحمد
قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن ابي ثور عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما نزل بمكة واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده [ فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف له الناس في المسجد ] وقال موسى بن عقبة ثم سجد سجدتين ثم انصرف الى زمزم فاطلع فيها ودعا بماء فشرب منها وتوضأ والناس يبتدرون وضوءه والمشركون يتعجبون من ذلك ويقولون ما رأينا ملكا قط ولا سمعنا به يعني مثل هذا وأخر المقام الى مقامه اليوم وكان ملصقا بالبيت قال محمد بن اسحاق فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/300)
قام على باب الكعبة فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو موضوع تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ففيه الدية مغلظة مائة من الابل أربعون منها في بطونها أولادها يا معشر قريش إن الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية كلها ثم قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء ثم جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد فقام اليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اين عثمان بن طلحة فدعى له فقال هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء وقال الامام احمد حدثنا سفيان عن ابن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة وهو على درج الكعبة الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألا إن قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا فيه مائةمن الابل وقال مرة أخرى مغلظة فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية ودم ودعوى وقال مرة ومال تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت فانهما أمضيتهما لأهلهما على ما كانت وهكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة بن جوشن الغطفاني عن ابن عمر به قال ابن هشام وحدثني بعض أهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل البيت يوم الفتح فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم ورأى ابراهيم مصورا في يده الازلام يستقسم بها فقال قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ما شأن ابراهيم والأزلام [ ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ثم امر بتلك الصور كلها فطمست وقال الامام احمد حدثنا سليمان أنبا عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر قال كان في الكعبة صور فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يمحوها فبل عمر ثوبا ومحاها به فدخلها رسول الله صلى الله عليه و سلم وما فيها منها شيء وقال البخاري حدثنا صدقة بن الفضل ثنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابي معمر عن عبد الله هو ابن مسعود قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل جاء الحق وما يبدي الباطل وما يعيد وقد رواه مسلم من حديث ابن عيينة وروى البيهقي عن ابن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن علي بن عبد الله ابن عباس عن أبيه قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح مكة وعلى الكعبة ثلثمائة صنم فأخذ (4/301)
قضيبه فجعل يهوي الى الصنم وهو يهوي حتى مر عليها كلها ثم يروى من طريق سويد بن عن القاسم بن عبد الله عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دخل مكة وجد بها ثلثمائة وستين صنما فاشار الى كل صنم بعصا وقال جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فكان لا يشير الى صنم إلا ويسقط من غير أن يمسه بعصاه ثم قال وهذا وإن كان ضعيفا فالذي قبله يؤكده وقال حنبل بن اسحاق انبا أبو الربيع عن يعقوب القمي ثنا جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة جاءت عجوز شمطاء حبشية تخمش وجهها وتدعو بالويل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك نائلة أيست أن تعبد ببلدكم هذا أبدا وقال ابن هشام حدثني من أثق به من أهل الرواية في اسناد له عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة [ عن ابن عباس ] أنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة يوم الفتح على راحلته فطاف عليها وحول الكعبة أصنام مشدودة بالرصاص فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يشير بقضيب في يده الى الاصنام ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فما أشار الى صنم في وجهه الا وقع لقفاه ولا اشار الى قفاه الا وقع لوجهه حتى ما بقي منها صنم الا وقع فقال تميم بن اسد الخزاعي ... وفي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقابا ...
وفي صحيح مسلم عن سنان بن فروخ عن سليمان عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة في حديث فتح مكة قال وأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أقبل على الحجر فاستلمه وطاف بالبيت وأتى الى صنم الى جنب البيت كانوا يعبدونه وفي يد رسول الله صلى الله عليه و سلم قوس وهو آخذ بسيتها فلما أتى على الصنم فجعل يطعن في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر الى البيت فرفع يديه وجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعوا وقال البخاري ثنا اسحاق بن منصور ثنا عبد الصمد ثنا أبي ثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرج صورة ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وفي أيديهما الأزلام فقال قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت وخرج ولم يصل تفرد به البخاري دون مسلم وقال الامام احمد ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل الكعبة وفيها ست سواري فقام الى كل سارية ودعا ولم يصل فيه ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بن يحيى العوذي عن عطاء به وقال الامام احمد حدثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكيرا حدثه عن كريب عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/302)
حين دخل البيت وجد فيه صورة ابراهيم وصورة مريم فقال اما هم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة هذا ابراهيم مصورا فما باله يستقسم وقد رواه البخاري والنسائي من حديث ابن وهب به وقال الامام احمد ثنا عبد الرزاق أنبا معمر أخبرني عثمان الخزرجي أنه سمع مقسما يحدث عن ابن عباس قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم البيت فدعا في نواحيه ثم خرج فصلى ركعتين تفرد به احمد وقال الامام احمد ثنا اسماعيل انبا ليث عن مجاهد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى في البيت ركعتين قال البخاري وقال الليث ثنا يونس أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل يوم الفتح من اعلا مكة على راحلته مردفا اسامة بن زيد ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد فأمر أن يؤتى بمفتاح الكعبة فدخل ومعه اسامة بن زيد وبلال وعثمان ابن طلحة فمكث فيه نهارا طويلا ثم خرج فاستبق الناس فكان عبد الله بن عمر أول من دخل فوجد بلالا وراء الباب قائما فسأله أين صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأشار له الى المكان الذي صلى فيه قال عبد الله ونسيت أن أسأله كم صلى من سجدة ورواه الامام احمد عن هشيم ثنا غير واحد وابن عون عن نافع عن ابن عمر قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه الفضل بن عباس واسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال فأمر بلالا فأجاف عليهم الباب فمكث فيه ما شاء الله ثم خرج قال ابن عمر فكان أول من لقيت منهم بلالا فقلت أين صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ها هنا بين الاسطوانتين قلت وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه عليه السلام صلى في الكعبة تلقاء وجهة بابها من وراء ظهره فجعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره وثلاثة اعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة وكان بينه وبين الحائط الغربي مقدار ثلاثة اذرع وقال الامام احمد حدثنا اسماعيل انبا ليث عن مجاهد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى في البيت ركعتين قال ابن هشام وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال فأمره أن يؤذن وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فسمع منه ما يغيظه فقال الحارث بن هشام أما والله لو اعلم أنه محق لاتبعته فقال أبو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصا فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال قد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال الحارث وعتاب نشهد أنك رسول الله ما اطلع على هذا احد كان معنا فنقول أخبرك وقال يونس بن بكير عن ابن اسحاق حدثني والدي حدثني بعض آل جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دخل مكة أمر بلالا فعلا على الكعبة على ظهرها فأذن عليها بالصلاة فقال بعض بني سعيد بن العاص لقد أكرم الله سعيدا إذ قبضه (4/303)
قبل أن يسمع هذا الأسود على ظهر الكعبة وقال عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال قال ابن أبي مليكة امر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالا فأذن يوم الفتح فوق الكعبة فقال رجل من قريش للحارث بن هشام ألا ترى الى هذا العبد أين صعد فقال دعه فإن يكن الله يكرهه فسيغيره وقال يونس بن بكير وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم امر بلالا عام الفتح فأذن على الكعبة ليغيظ به المشركين وقال محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن حرب عن اسماعيل بن ابي خالد عن أبي اسحاق أن أبا سفيان بن حرب بعد فتح مكة كان جالسا فقال في نفسه لو جمعت لمحمد جمعا فإنه ليحدث نفسه بذلك إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم بين كتفيه وقال إذا يخزيك الله قال فرفع رأسه فاذا رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم على رأسه فقال ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة قال البيهقي وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إجازة أنبأ أبو حامد احمد بن الحسن المقري أنبأ أحمد بن يوسف السلمي ثنا محمد بن يوسف الفريابي ثنا يونس بن ابي اسحاق عن أبي السفر عن ابن عباس قال رأى أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي والناس يطئون عقبه فقال بينه وبين نفسه لو عاودت هذا الرجل القتال فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ضرب بيده في صدره فقال إذا يخزيك الله فقال أتوب الى الله وأستغفر الله مما تفوهت به ثم روى البيهقي من طريق ابن خزيمة وغيره عن أبي حامد ابن الشرقي عن محمد بن يحيى الذهلي ثنا موسى بن أعين الجزري ثنا أبي عن اسحاق بن راشد عن سعيد بن المسيب قال لما كان ليلة دخل الناس مكة ليلة الفتح لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا فقال أبو سفيان لهند أترى هذا من الله قالت نعم هذا من الله قال ثم أصبح أبو سفيان فغدا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت لهند أترى هذا من الله قالت نعم هذا من الله فقال أبو سفيان أشهد أنك عبد الله ورسوله والذي تحلف به ما سمع قولي هذا أحد من الناس غير هند وقال البخاري ثنا اسحاق ثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني حسن بن مسلم عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لا تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي الا ساعة من الدهر لا ينفر صيدها ولا يعضد شوكها ولا يختلى خلاؤها ولا تحل لقطتها الا لمنشد فقال العباس بن عبد المطلب الا الأذخر يا رسول الله فإنه لا بد منه للدفن والبيوت فسكت ثم قال إلا الأذخر فانه حلال وعن ابن جريج أخبرني عبد الكريم هو ابن مالك الجزري عن عكرمة عن ابن عباس بمثل هذا أو نحو هذا ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم تفرد به البخاري من هذا الوجه الاول وهو مرسل ومن هذا الوجه الثاني أيضا وبهذا وأمثاله استدل من ذهب إلى أن مكة فتحت عنوة وللوقعة التي كانت في الخندمة كما تقدم وقد قتل فيها قريب من عشرين نفسا من المسلمين والمشركين وهي ظاهرة في (4/304)
ذلك وهو مذهب جمهور العلماء والمشهور عن الشافعي أنها فتحت صلحا لانها لم تقسم ولقوله صلى الله عليه و سلم ليلة الفتح من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل الحرم فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن وموضع تقرير هذه المسألة في كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله تعالى وقال البخاري ثنا سعيد ابن شرحبيل ثنا الليث عن المقبري عن أبي شريح الخزاعي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة إئذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه و سلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فان أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب فقيل لأبي شريح ماذا قال لك عمرو قال قال أنا أعلم بذلك منك يأبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بجزية وروى البخاري أيضا ومسلم عن قتيبة عن الليث بن سعد به نحوه وذكر ابن اسحاق أن رجلا يقال له ابن الأثوغ قتل رجلا في الجاهلية من خزاعة يقال له أحمر باسا فلما كان يوم الفتح قتلت خزاعة ابن الأثوغ وهو بمكة قتله خراش بن أمية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل إن نفع لقد قتلتم رجلا لأدينه قال ابن اسحاق وحدثني عبد الرحمن بن حرملة الاسلمي عن سعيد بن المسيب قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم ما صنع خراش ابن أمية قال إن خراشا لقتال وقال ابن اسحاق وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي قال لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخبه عبد الله بن الزبير جئته فقلت له يا هذا إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين افتتح مكة فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا خطيبا فقال يأيها الناس إن الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والارض فهي حرام من حرام الله الى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرا لم تحل لاحد كان قبلي ولا تحل لأحد يكون بعدي ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها إلا ثم قد رجعت كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قاتل فيها فقولوا إن الله قد احلها لرسوله ولم (4/305)
يحلها لكم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فلقد كثر إن نفع لقد قتلتم قتيلا لأدينه فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين إن شاؤا قدم قاتله وإن شاؤا فعقله ثم ودى رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك الرجل الذي قتلته خزاعة فقال عمرو لابي شريح انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منك إنها لا تمنع سافك دم ولا خالع طاعة ولا مانع جزية فقال أبو شريح إني كنت شاهدا وكنت غائبا وقد امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد أبلغتك فأنت وشأنك قال ابن هشام وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح جنيدب بن الاكوع قتله بنو كعب فوداه رسول الله صلى الله عليه و سلم بمائة ناقة وقال الامام احمد حدثنا يحيى عن حسين عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال لما فتحت مكة على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كفوا السلاح إلا خزاعة من بني بكر فأذن لهم حتى صلى العصر ثم قال كفوا السلاح فلقي رجل من خزاعة رجلا من بني بكر من غد بالمزدلفة فقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام خطيبا فقال فرأيته وهو مسند ظهره الى الكعبة قال إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية وذكر تمام الحديث وهذا غريب جدا وقد روى أهل السنن بعض هذا الحديث فأما ما فيه من أنه رخص لخزاعة أن تأخذ بثأرها من بني بكر الى العصر من يوم الفتح فلم أره إلا في هذا الحديث وكأنه إن صح من باب الاختصاص لهم مما كانوا اصابوا منهم ليلة الوتير والله أعلم وروى الامام احمد عن يحيى بن سعيد وسفيان بن عيينة ويزيد بن هارون ومحمد بن عبيد كلهم عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي عن الحارث بن مالك بن البرصا الخزاعي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم فتح مكة لا تغزى هذه بعد اليوم الى يوم القيامة ورواه الترمذي عن بندار عن يحيى بن سعيد لقطان به وقال حسن صحيح
قلت فان كان نهيا فلا إشكال وإن كان نفيا فقال البيهقي معناه على كفر أهلها وفي صحيح مسلم من حديث زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع عن أبيه مطيع بن الاسود العدوي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم الى يوم القيامة والكلام عليه كالأول سواء قال ابن هشام وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين افتتح مكة ودخلها قام على الصفا يدعو وقد أحدقت به الانصار فقالوا فيما بينهم أترون رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شيء يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم وهذا الذي علقه ابن هشام قد أسنده الامام احمد بن حنبل في مسنده فقال ثنا بهز وهاشم قالا حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت وقال هاشم حدثني ثابت البناني ثنا عبد الله بن رباح قال وفدت وفود إلى (4/306)
معاوية أنا فيهم وأبو هريرة وذلك في رمضان فجعل بعضنا يصنع لبعض الطعام قال وكان أبو هريرة يكثر ما يدعونا قال هاشم يكثر أن يدعونا إلى رحله قال فقلت ألا أصنع طعاما فادعوهم الى رحلي قال فأمرت بطعام يصنع فلقيت ابا هريرة من العشاء قال قلت يأبا هريرة الدعوى عندي الليلة قال استبقني قال هاشم قلت نعم فدعوتهم فهم عندي فقال أبو هريرة ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الانصار قال فذكر فتح مكة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل مكة قال فبعث الزبير على أحد المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الجسر وأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه و سلم في كتيبته وقد وبشت قريش أوباشها قال قالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطيناه الذي سألنا قال ابو هريرة فنظر فرآني فقال يأبا هريرة فقلت لبيك رسول الله فقال اهتف لي بالانصار ولا يأتيني إلا أنصاري فهتفت بهم فجاءوا فأطافوا برسول الله صلى الله عليه و سلم قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أترون إلى أوباش قريش واتباعهم ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى أحصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا قال فقال أبو هريرة فانطلقنا فما يشاء واحد منا أن يقتل منهم ما شاء وما أحد منهم يوجه الينا منهم شيئا قال فقال أبو سفيان يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من اغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن قال فغلق الناس أبوابهم قال وأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلي الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت قال وفي يده قوس آخذ بسية القوس قال فأتى في طوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه قال فجعل يطعن بها في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا قال ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه قال والانصار تحت قال يقول بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قال أبو هريرة وجاء الوحي وكان اذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يقضي قال هاشم فلما قضي الوحي رفع رأسه ثم قال يا معشر الأنصار اقلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قالوا قلنا ذلك يا رسول الله قال فما أسمى إذا كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت الى الله واليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم قال فأقبلوا اليه يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا الا الضن بالله ورسوله قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم وقد رواه مسلم والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة زاد النسائي وسلام بن مسكين ورواه مسلم أيضا من حديث حماد بن سلمة ثلاثتهم عن ثابت عن عبد الله بن رباح الانصاري نزيل البصرة عن أبي هريرة به نحوه وقال ابن هشام (4/307)
وحدثني يعني بعض أهل العلم أن فضالة بن عمير بن الملوح يعني الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه و سلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضالة قال نعم فضالة يا رسول الله قال ماذا كنت تحدث به نفسك قال لا شيء كنت أذكر الله قال فضحك النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال استغفر الله ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب الي منه قال فضالة فرجعت الى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث اليها فقالت هلم الى الحديث فقال لا وانبعث فضالة يقول ... قالت هلم الى الحديث فقلت لا ... يأبى عليك الله والاسلام ... أو ما رأيت محمدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسر الأصنام ... لرأيت دين الله أضحى بينا ... والشرك يغشى وجهه الاظلام ...
قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت خرج صفوان ابن أمية يريد جدة ليركب منها الى اليمن فقال عمير بن وهب يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فأمنه يا رسول الله صلى الله عليك فقال هو آمن فقال يا رسول الله فاعطني آية يعرف بها أمانك فأطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم عمامته التي دخل فيها مكة فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب في البحر فقال يا صفوان فداك أبي وأمي الله الله في نفسك أن تهلكها هذا أمان من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد جئتك به قال ويلك أعزب عني فلا تكلمني قال أي صفوان فداك أبي وأمي أفضل الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس ابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال إني أخافه على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم فرجع معه حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال صفوان إن هذا يزعم أنك قد امنتني قال صدق قال فاجعلني بالخيار فيه شهرين قال أنت بالخيار أربعة أشهر ثم حكى ابن اسحاق عن الزهري أن فاخة بنت الوليد امرأة صفوان وأم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل وقد ذهبت وراءه الى اليمن فاسترجعته فاسلم فلما أسلما أقرهما رسول الله صلى الله عليه و سلم تحتهما بالنكاح الاول قال ابن اسحاق وحدثني سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت قال رمى حسان بن الزبعري وهو بنجران ببيت واحد ما زاد عليه ... لا تعد من رجلا أحلك بغضه ... نجران في عيش أحد لئيم ...
فلما بلغ ذلك ابن الزبعري خرج الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم وقال حين أسلم ... يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور ... إذ أباري الشيطان في سنن الغي ومن مال ميله مثبور (4/308)
آمن اللحم والعظام لربي ... ثم قلبي الشهيد أنت النذير ... إنني عنك
زاجر ثم حيا
... من لؤي وكلهم مغرور ...
قال ابن اسحاق وقال عبد الله بن الزبعري أيضا حين أسلم ... منع الرقاد بلابل وهموم ... والليل معتلج الرواق بهيم ... مما اتاني أن احمد لامني ... فيه فبت كأنني محموم ... يا خير من حملت على اوصالها ... عيرانة سرح اليدين غشوم ... إني لمعتذر اليك من الذي ... أسديت اذ أنا في الضلال أهيم ... أيام تأمرني بأغوى خطة ... سهم وتأمرني بها مخزوم ... وأمد أسباب الردى ويقودني ... أمر الغواة وأمرهم مشؤم ... فاليوم آمن بالنبي محمد ... قلبي ومخطئ هذه محروم ... مضت العداوة وانقضت أسبابها ... ودعت أواصر بيننا وحلوم ... فاغفر فدى لك والدي كلاهما ... زللي فإنك راحم ورحوم ... وعليك من علم المليك علامة ... نور أغر وخاتم مختوم ... أعطاك بعد محبة برهانة ... شرفا وبرهان الاله عظيم ... ولقد شهدت بأن دينك صادق ... حق وأنك في المعاد جسيم ... والله يشهد أن أحمد مصطفى ... مستقبل في الصالحين كريم ... قرم علا بنيانه من هاشم ... فرع تمكن في الذرى وأروم ...
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له
قلت وكان عبد الله بن الزبعري السهمي من أكبر أعداء الاسلام ومن الشعراء الذين استعملوا قواهم في هجاء المسلمين ثم من الله عليه بالتوبة والانابة والرجوع إلى الاسلام والقيام بنصره والذب عنه فصل
قال ابن اسحاق وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف من بني سليم سبعمائة ويقول بعضهم ألف ومن بني غفار أربعمائة [ ومن أسلم اربعمائة ] ومن مزينة الف وثلاثة نفر وسائرهم من قريش والانصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد وقال عروة والزهري وموسى بن عقبة كان المسلمون يوم الفتح الذين مع رسول الله صلى الله عليه و سلم اثنا عشر الفا فالله أعلم قال ابن اسحاق وكان مما قيل من الشعر في يوم الفتح قول حسان بن ثابت (4/309)
عفت ذات الاصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء ... ديار من بني الحسحاس قفر ... تعفيها الروامس والسماء ... وكانت لا يزال بها أنيس ... خلال مروجها نعم وشاء ... فدع هذا ولكن من لطيف ... يؤرقني اذا ذهب العشاء ... لشعثاء التي قد تيمته ... فليس لقلبه منها شفاء ... كأن خبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء ... اذا ما الأشربات ذكرن يوما ... فهن لطيب الراح الفداء ... نوليها الملامة أن ألمنا ... اذا ما كان مغت أو لحاء ... ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا ما ينهنها اللقاء ... عدمنا خيلنا أن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء ... ينازعن الأعنة مصغيات ... على أكتافها الأسل الظماء ... تظل جيادنا متمطرات ... يلطمهن بالخمر النساء ... فأما تعرضوا عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء ... وإلا فاصبروا لجلاد يوم ... يعز الله فيه من يشاء ... وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء ... وقال الله قد أرسلت عبدا ... يقول الحق إن نفع البلاء ... شهدت به فقوموا صدقوه ... فقلتم لا نقوم ولا نشاء ... وقال الله قد سيرت جندا ... هم الانصار عرضتها اللقاء ... لنا في كل يوم من معد ... سباب أو قتال أو هجاء ... فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدماء ... الا أبلغ أبا سفيان عني ... مغلغلة فقد برح الخفاء ... بأن سيوفنا تركتك عبدا ... وعبد الدار سادتها الاماء ... هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء ... أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء (4/310)
هجوت مباركا برا حنيفا ... أمين الله شيمته الوفاء ... أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصر سواء ... فان أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء ... لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري لا تكدره الدلاء ...
قال ابن هشام قالها حسان قبل الفتح
قلت والذي قاله متوجه لما في اثناء هذه القصيدة مما يدل على ذلك وأبو سفيان المذكور في البيت هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قال ابن هشام وبلغني عنالزهري أنه قال لما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم الى أبي بكر رضي الله عنه قال ابن اسحاق وقال أنس بن زنيم الدئلي يعتذر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم مما كان قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعي يعني لما جاء يستنصر عليهم كما تقدم ... أأنت الذي تهدى معد بأمره ... بل الله يهديهم وقال لك اشهد ... وما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمد ... أحث على الخير وأسبغ نائلا ... اذا راح كالسيف الصقيل المهند ... وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله ... وأعطى لرأس السابق المتجرد ... تعلم رسول الله أنك مذركي ... وأن وعيدا منك كالأخذ باليد ... تعلم رسول الله أنك قادر ... على كل صرم متهمين ومنجد ... تعلم أن الركب ركب عويمر ... هموا الكاذبون المخلفوا كل موعد ... ونبوا رسول الله أني هجوته ... فلا حملت سوطي الي إذن يدي ... سوى أنني قد قلت ويل ام فتية ... أصيبوا بنحس لا بطلق وأسعد ... أصابهموا من لم يكن لدمائهم ... كفاء فعزت عبرتي وتبلدي ... وإنك قد أخبرت أنك ساعيا ... بعبد بن عبد الله وابنة مهود ... ذؤيب وكلثوم وسلمى تتابعوا ... جميعا فان لا تدمع العين أكمد ... وسلمى وسلمى ليس حي كمثله ... وأخوته وهل ملوك كأعبد ... فاني لا ذنبا فتقت ولا دما ... هرقت تبين عالم الحق واقصد ...
قال ابن اسحاق وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم الفتح (4/311)
نفى أهل الحبلق كل فج ... مزينة غدوة وبنو خفاف ... ضربناهم بمكة يوم فتح النبي الخير بالبيض الخفاف ... صبحناهم بسبع من سليم ... والف من بني عثمان واف ... نطأ أكتافهم ضربا وطعنا ... ورشقا بالمريشة اللطاف ... ترى بين الصفوف لها حفيفا ... كما انصاع الفواق من الرصاف ... فرحنا والجياد تجول فيهم ... بارماح مقومة الثقاف ... فابنا غانمين بما اشتهينا ... وآبوا نادمين على الخلاف ... وأعطينا رسول الله منا ... مواثقنا على حسن التصافي ... وقد سمعوا مقالتنا فهموا ... غداة الروع منا بانصراف ...
وقال ابن هشام وقال عباس بن مرداس السلمي في فتح مكة ... منا بمكة يوم فتح محمد ... ألف تسيل به البطاح مسوم ... نصروا الرسول وشاهدوا آياته ... وشعارهم يوم اللقاء مقدم ... في منزل ثبتت به أقدامهم ... ضنك كأن الهام فيه الحنتم ... جرت مسابكها بنجد قبلها ... حتى استقام لها الحجاز الأدهم ... الله مكنه له وأذله ... حكم السيوف لنا وجد مزحم ... عود الرياسة شامخ عرنينه ... متطلع ثغر المكارم خضرم ...
وذكر ابن هشام في سبب اسلام عباس بن مرداس أن أباه كان يعبد صنما من حجارة يقال له ضمار فلما حضرته الوفاة أوصاه به فبينما هو يوما يخدمه إذ سمع صوتا من جوفه وهو يقول ... قل للقبائل من سليم كلها ... أودى ضمار وعاش أهل المسجد ... إن الذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدي ... أودي ضمار وكان يعبد مدة ... قبل الكتاب الى النبي محمد ...
قال فحرق عباس ضمار ثم لحق برسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم وقد تقدمت هذه القصة بكمالها في باب هواتف الجان مع أمثالها وأشكالها ولله الحمد والمنة
بعثه عليه السلام خالد بن الوليد بعد الفتح الى بني جذيمة من كنانة
قال ابن اسحاق فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي قال (4/312)
بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا ولم يبعثه مقاتلا ومعه قبائل من العرب وسليم بن منصور ومدلج بن مرة فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا قال ابن اسحاق وحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال لما أمرنا خالد ان نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد والله ما بعد وضع السلاح الا الاسار وما بعد الأسار الا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي أبدا قال فأخذه رجال من قومه فقالوا يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا إن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب وآمن الناس فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم سلاحهم لقول خالد قال ابن اسحاق فقال حكيم بن حكيم عن أبي جعفر قال فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم فلما انتهى الخبر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم رفع يديه الى السماء ثم قال اللهم إني أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد قال ابن هشام حدثني بعض أهل العلم أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هل أنكر عليه أحد فقال نعم قد انكر عليه رجل أبيض ربعه فنهمه خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فاشتدت مراجعتهما فقال عمر بن الخطاب أما الأول يا رسول الله فابني عبد الله وأما الآخر فسالم مولى أبن حذيفة قال ابن اسحاق فحدثني حيكم بن حكيم عن أبي جعفر قال ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب فقال يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج علي حالا جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه و سلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الاموال حتى أنه ليدي ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي حين فرغ منهم هل بقي لكم دم أو مال يود لكم قالوا لا قال فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه و سلم مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخبره الخبر فقال أصبت وأحسنت ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه يقول اللهم إني أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات قال ابن اسحاق وقد قال بعض من يعذر خالدا أنه قال ما قاتلت حتى امرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي وقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الاسلام قال ابن هشام قال أبو عمرو المديني لما أتاهم خالد بن الوليد قالوا صبأنا صبأنا وهذه مرسلات ومنقطعات وقد قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد إلى بني احسبه قال جذيمة فدعاهم (4/313)
إلى الاسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا وخالد ياخذ بهم اسرا وقتلا قال ودفع إلى كل رجل منا أسيرا حتى إذا أصبح يوما أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره قال ابن عمر فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل أحد من اصحابي اسيره قال فقدموا على النبي صلى الله عليه و سلم فذكروا صنيع خالد فقال النبي صلى الله عليه و سلم ورفع يديه اللهم إني ابرأ اليك مما صنع خالد مرتين ورواه البخاري والنسائي من حديث عبد الرزاق به نحوه قال ابن اسحاق وقد قال لهم جحدم لما رأى ما يصنع خالد يا بني جذيمة ضاع الضرب قد كنت حذرتكم مما وقعتم فيه قال ابن اسحاق وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف فيما بلغني كلام في ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر الجاهلية في الاسلام فقال إنما ثأرت بأبيك فقال عبد الرحمن كذبت قد قتلت قاتل أبي ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مهلا يا خالد دع عنك أصحابي فوالله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته ثم ذكر ابن اسحاق قصة الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم عم خالد بن الوليد في خروجه هو وعوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة ومعه ابنه عبد الرحمن وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ومعه ابنه عثمان في تجارة الى اليمن ورجوعهم ومعهم مال لرجل من بني جذيمة كان هلك باليمن فحملوه الى ورثته فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ولقيهم بارض بني جذيمة فطلبه منهم [ قبل أن يصلوا الى أهل الميت ] فأبوا عليه فقاتلهم فقاتلوه حتى قتل عوف والفاكه وأخذت أموالهما وقتل عبد الرحمن قاتل أبيه خالد بن هشام وفر منهم عفان ومعه ابن عثمان الى مكة فهمت قريش بغزو بني جذيمة فبعث بنو جذيمة يعتذرون اليهم بانه لم يكن عن ملأ منهم وودوا لهم القتيلين وأموالهما ووضعوا الحرب بينهم يعني فلهذا قال خالد لعبد الرحمن إنما ثأرت بأبيك يعني حين قتلته بنو جذيمة فأجابه بأنه قد اخذ ثأره وقتل قاتله ورد عليه بأنه إنما ثأر بعمه الفاكه بن المغيرة حين قتلوه وأخذوا أمواله والمظنون بكل منهما أنه لم يقصد شيئا من ذلك وإنما يقال هذا في وقت المخاصمة فإنما أراد خالد بن الوليد نصرة الاسلام وأهله وإن كان قد أخطأ في أمر واعتقد أنهم ينتقصون الاسلام بقولهم صبأنا صبأنا ولم يفهم عنهم أنهم اسلموا فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم وقتل أكثر الأسرى أيضا ومع هذا لم يعزله رسول الله صلى الله عليه و سلم بل استمر به أميرا وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك وودى ما كان جناه خطأ في دم أو مال ففيه دليل لاحد القولين بين العلماء في أن خطأ الامام يكون في بيت المال لا في ماله والله اعلم ولهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك بن نويرة أيام الردة وتأول عليه ما تأول حين ضرب عنقه واصطفى امرأته أم تميم فقال له عمر بن الخطاب اعزله فان في سبقه رهقا فقال الصديق لا أغمد سيفا سله الله على المشركين (4/314)
وقال ابن اسحاق حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس عن الزهري عن ابن أبي حدرد الاسلمي قال كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد فقال فتى من بني جذيمة وهو في سني وقد جمعت يداه الى عنقه برمة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه يا فتى قلت ما تشاء قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي الى هذه النسوة حتى أقضي اليهن حاجة ثم تردني بعد فتصنعوا ما بدا لكم قال قلت والله ليسير ما طلبت فأخذت برمته فقدته بها حتى وقفته عليهن فقال اسلمي حبيش على نفد العيش ... أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم ... بحلية أو ألفيتكم بالخوانق ... الم يك أهلا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق ... فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا ... اثيبي بود قبل إحدى الصفائق ... أثيبي بود قبل أن يشحط النوى ... وينأى الامير بالحبيب المفارق ... فإني لا ضيعت سر أمانة ... ولا راق عيني عنك بعدك رائق ... سوى أن ما نال العشيرة شاغل ... عن الود إلا أن يكون النوامق ...
قالت وأنت فحييت عشرا وتسعا وترا وثمانية تترى قال ثم انصرفت به فضربت عنقه قال ابن اسحاق فحدثني أبو فراس بن ابي سنبلة الأسلمي عن أشياخ منهم عمن كان حاضرها منهم قالوا فقامت اليه حين ضربت عنقه فأكبت عليه فما زالت تقبله حتى ماتت عنده وروى الحافظ البيهقي من طريق الحميدي عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق أنه سمع رجلا من مزينة يقال له ابن عصام عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا بعث سرية قال إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا قال فبعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في سرية وأمرنا بذلك فخرجنا قبل تهامة فأدركنا رجلا يسوق بظعائن فقلنا له اسلم فقال وما الاسلام فاخبرناه به فاذا هو لا يعرفه قال أفرأيتم إن لم افعل ما أنتم صانعون قال قلنا نقتلك فقال فهل أنتم منظري حتى أدرك الظعائن قال قلنا نعم ونحن مدركوك قال فأدرك الظعائن فقال اسلمي حبيش قبل نفاد العيش فقالت الاخرى اسلم عشرا وتسعا وترا وثمانيا تترى ثم ذكر الشعر المتقدم الى قوله وينأى الامير بالحبيب المفارق ثم رجع الينا فقال شأنكم قال فقدمناه فضربنا عنقه قال فانحدرت الاخرى من هودجها فجثت عليه حتى ماتت ثم روى البيهقي من طريق أبي عبد الرحمن النسائي ثنا محمد بن علي بن حرب المروزي ثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل فقال لهم إني لست منهم إني عشقت امرأة فلحقتها فدعوني أنظر اليها ثم اصنعوا بي ما بدا لكم قال فاإا امرأة أدماء طويلة فقال لها اسلمي حبيش قبل نفاد العيش ثم ذكر البيتين بمعناهما قال فقالت نعم فديتك قال فقدموه فضربوا عنقه فجاءت (4/315)
المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبروه الخبر فقال أما كان فيكم رجل رحيم
بعث خالد بن الوليد لهدم العزى
قال ابن جرير وكان هدمها لخمس بقين من رمضان عامئذ قال ابن اسحاق ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد الى العزى وكانت بيتا بنخلة يعظمه قريش وكنانة ومضر وكان سدنتها وحجابها من بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم فلما سمع حاجبها السلمي بمسير خالد بن الوليد اليها علق سيفه عليها ثم اشتد في الجبل الذي هي فيه وهو يقول ... ايا عز شدي شدة لاشوى لها ... على خالد ألقي القناع وشمري ... أيا عز إن لم تقتلي المرء خالدا ... فبوئي بإثم عاجل أو تنصري ...
قال فلما انتهى خالد اليها هدمها ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد روى الواقدي وغيره أنه لما قدمها خالد لخمس بقين من رمضان فهدمها ورجع فاخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما رأيت قال لم أر شيئا فأمره بالرجوع فلما رجع خرجت اليه من ذلك البيت امرأة سوداء ناشرة شعرها تولول فعلاها بالسيف وجعل يقول ... يا عزى كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد اهانك ...
ثم خرب ذلك البيت الذي كانت فيه وأخذ ما كان فيه من الأموال رضي الله عنه وأرضاه ثم رجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال تلك العزى ولا تعبد أبدا وقال البيهقي أنبأ محمد بن ابي بكر الفقيه أنبأ محمد بن أبي جعفر أنبأ أحمد بن علي ثنا أبو كريب عن ابن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة بعث خالد بن الوليد الى نخلة وكانت بها العزى فأتاها وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال ارجع فانك لم تصنع شيئا فرجع خال فلما نظرت اليه السدنة وهم حجابها أمعنوا هربا في الجبل وهم يقولون يا عزى خبليه يا عزى عوريه والا فموتي برغم قال فأتاها خالد فأذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها ووجهها فعممها بالسيف حتى قتلها ثم رجع الى النبي صلى الله عليه و سلم فاخبره فقال تلك العزى
فصل في مدة اقامته عليه السلام بمكة
لا خلاف أنه عليه الصلاة و السلام أقام بقية شهر رمضان يقصر الصلاة ويفطر وهذا دليل من قال من العلماء أن المسافر اذا لم يجمع الاقامة فله أن يقصر ويفطر الى ثماني عشر يوما في أحد القولين وفي القول الآخر كما هو مقرر في موضعه قال البخاري ثنا أبو نعيم ثنا سفيان ح وحدثنا قبيصة ثنا (4/316)
سفيان عن يحيى بن أبي اسحاق عن أنس بن مالك قال أقمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرا يقصر الصلاة وقد رواه بقية الجماعة من طرق متعددة عن يحيى بن ابي اسحاق الحضرمي البصري عن أنس به نحوه قال البخاري ثنا عبدان ثنا عبد الله انبأ عاصم عن عكرمة عن ابن عباس قال اقام رسول الله صلى الله عليه و سلم تسعة عشر يوما يصلي ركعتين ورواه البخاري أيضا من وجه زاد البخاري وأبو حصين كلاهما وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عاصم بن سليمان الاحول عن عكرمة عن ابن عباس به وفي لفظ لابي داود سبعة عشر يوما وحدثنا أحمد بن يونس ثنا أحمد بن شهاب عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس قال اقمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر تسع عشرة نقصر الصلاة قال ابن عباس فنحن نقصر ما بقينا بين تسع عشرة فاذا زدنا أتممنا وقال أبو داود ثنا ابراهيم بن موسى ثنا ابن علية ثنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن عمران بن حصين قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وشهدت معه الفتح فأقام ثماني عشر ليلة لا يصلي الا ركعتين يقول يا أهل البلد صلوا اربعا فإنا سفر وهكذا رواه الترمذي من حديث علي بن زيد بن جدعان وقال هذا حديث حسن ثم رواه من حديث محمد بن اسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ثم قال رواه غير واحد عن ابن اسحاق لم يذكروا ابن عباس وقال ابن ادريس عن محمد بن اسحاق عن الزهري ومحمد بن علي ابن الحسين وعاصم بن عمرو بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر وعمرو بن شعيب وغيرهم قالوا اقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة خمس عشرة ليلة
فصل فيما حكم عليه السلام بمكة من الاحكام
قال البخاري حدثنا عبد الله بن مسلم عن مالك بن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت كان عتبة بن أبي وقاص عهد الى أخيه سعد أن يقبض ابن وليدة زمعة وقال عتبة إنه ابني فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة في الفتح أخذ سعد بن ابي وقاص ابن وليدة زمعة فاقبل به الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقبل معه عبد بن زمعة فقال سعد بن أبي وقاص هذا ابن اخي عهد الى أنه ابنه قال عبد بن زمعة يا رسول الله هذا أخي هذا ابن زمعة ولد على فراشه فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم الى ابن وليدة زمعة فاذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هو لك هو أخوك يا عبد بن زمعة من أجل أنه ولد على فراشه وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجبي منه يا سودة لما رأى من شبه عتبة ابن أبي وقاص قال ابن شهاب قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الولد للفراش وللعاهر الحجر قال ابن شهاب وكان أبو هريرة يصرح بذلك وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وأبو داود والترمذي (4/317)
جميعا عن قتيبة عن الليث به وابن ماجه من حديثه وانفرد البخاري بروايته له من حديث مالك عن الزهري ثم قال البخاري ثنا محمد بن مقاتل أنبأ عبد الله أنا يونس عن ابن شهاب اخبرني عروة ابن الزبير أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة الفتح ففزع قومها الى أسامة بن زيد يستشفعونه قال عروة فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال أتكلمني في حد من حدود الله فقال أسامة استغفر لي يا رسول الله فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه و سلم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما هلك الناس قبلكم أنهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم امر رسول الله صلى الله عليه و سلم بتلك المرأة فقطعت يدها فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت قالت عائشة كانت تأتي بعد ذلك فارفع حاجتها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد رواه البخاري في موضع آخر ومسلم من حديث ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة به وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني قال امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمتعة عام الفتح حين دخل مكة ثم لم يخرج حتى نهى عنها وفي رواية فقال ألا إنها حرام حرام من يومكم هذا الى يوم القيامة وفي رواية في مسند احمد والسنن أن ذلك كان في حجة الوداع فالله أعلم وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن ابي شيبة عن يونس بن محمد عن عبد الواحد بن زياد عن أبي العميس عن اياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه أنه قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم عام أوطاس في متعة النساء ثلاثا ثم نهانا عنه قال البيهقي وعام أوطاس هو عام الفتح فهو وحديث سبرة سواء
قلت من اثبت النهي عنها في غزوة خيبر قال إنها أبيحت مرتين ومرحت مرتين وقد نص على ذلك الشافعي وغيره وقد قيل إنها أبيحت وحرمت أكثر من مرتين فالله أعلم وقيل إنها إنما حرمت مرة واحدة وهي هذه المرة في غزوة الفتح وقيل إنها إنما أبيحت للضرورة فعلى هذا اذا وجدت ضرورة أبيحت وهذا رواية عن الامام احمد وقيل بل لم تحرم مطلقا وهي على الاباحة هذا هو المشهور عن ابن عباس وأصحابه وطائفة من الصحابة وموضع تحرير ذلك في الأحكام فصل
قال الامام أحمد حدثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أنبأ عبد الله بن عثمان بن خثيم أن محمد بن الاسود بن خلف أخبره أن اباه الاسود رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يبايع الناس يوم الفتح قال جلس عند قرن مستقبله فبايع الناس على الاسلام والشهادة قلت وما الشهادة قال أخبرني محمد بن الاسود ابن خلف أنه بايعهم على الايمان بالله وشهادة أن لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله تفرد به أحمد وعند البيهقي فجاءه الناس الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم على الاسلام والشهادة وقال ابن (4/318)
جرير ثم اجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله صلى الله عليه و سلم على الاسلام فجلس لهم فيما بلغني على الصفا وعمر بن الخطاب أسفل من مجلسه فأخذ على الناس السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا قال فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وفيهن هند بنت عتبة متنقبة متنكرة لحدثها لما كان من صنيعها بحمزة [ فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه و سلم بحدثها ذلك فلما دنين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ليبايعهن قال بايعنني على أن لا تشركن بالله شيئا فقالت هند والله إنك لتأخذ علينا مالا تأخذه من الرجال ولا تسرقن فقالت والله إني كنت أصبت من مال أبي سفيان الهنة بعد الهنة وما كنت أدري أكان ذلك علينا حلالا أم لا فقال أبو سفيان وكان شاهدا لما تقول أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك ثم قال ولا يزنين فقالت يا رسول الله وهل تزني الحرة ثم قال ولا تقتلن أولادكن قالت قد ربيناهم صغارا حتى قتلتهم أنت وأصحابك ببدر كبارا فضحك عمر بن الخطاب حتى استغرق ثم قال ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهم وأرجلهن فقالت والله إن إتيان البهتان لقبيح ولبعض التجاوز أمثل ثم قال ولا يعصينني فقالت في معروف فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر بايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم فبايعهن عمر وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يصافح النساءولا يمس الا امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه وثبت في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه و سلم يد امرأة قط وفي رواية ما كان يبايعهن إلا كلاما ويقول إنما قولى لامرأةواحدة كقولى لمائة امرأة وفي الصحيحين عن عائشة أن هندا بنت عتبة امرأة أبي سفيان أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله ان ابا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني فهل علي من حرج اذا أخذت من ماله بغير علمه قال خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك ] [ وروى البيهقي من طريق يحيى بن بكير عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله ما كان مما على وجه الارض أخباء أو خباء الشك من أبي بكر أحب الي من أن يذلوا من أهل اخبائك أو خبائك ثم ما أصبح اليوم على ظهر الارض أهل أخباء أو خباء أحب إلى من أن يعزوا من أهل أخبائك أو خبائك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأيضا والذي نفس محمد بيده قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي حرج أن أطعم من الذي له قال لا بالمعروف ورواه البخاري عن يحيى بن بكير بنحوه وتقدم ما يتعلق باسلام أبي سفيان ] (4/319)
وقال أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم الا فانفروا ورواه البخاري عن عثمان بن أبي شيبة ومسلم عن يحيى بن يحيى عن جرير وقال الامام احمد ثنا عفان ثنا وهب ثنا ابن طاوس عن أبيه عن صفوان بن امية أنه قيل له إنه لا يدخل الجنة الا من هاجر فقلت له لا أدخل منزلي حتى أسأل رسول الله ما سأله فأتيته فذكرت له فقال لا هجرة بعد فتح مكة ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا تفرد به احمد وقال البخاري ثنا محمد بن أبي بكر ثنا الفضيل بن سليمان ثنا عاصم عن أبي عثمان النهدي عن مجاشع بن مسعود قال انطلقت بابي معبد الى النبي صلى الله عليه و سلم ليبايعه على الهجرة فقال مضت الهجرة لاهلها أبايعه على الاسلام والجهاد فلقيت ابا معبد فسألته فقال صدق مجاشع وقال خالد عن أبي عثمان عن مجاشع أنه جاء بأخيه مجالد وقال البخاري ثنا عمرو بن خالد ثنا زهير ثنا عاصم عن أبي عثمان قال حدثني مجاشع قال اتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بأخي بعد يوم الفتح فقلت يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة قال ذهب أهل الهجرة بما فيها فقلت على أي شيء تبايعه قال أبايعه على الاسلام والايمان والجهاد فلقيت أبا معبد بعد وكان أكبرهما سنا فسألته فقال صدق مجاشع وقال البخاري ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن أبي بشر عن مجاهد قال قلت لابن عمر أريد أن أهاجر الى الشام فقال لا هجرة ولكن انطلق فاعرض نفسك فان وجدت شيئا والا رجعت وقال أبو النضر أنا شعبة أنا أبو بشر سمعت مجاهدا قال قلت لابن عمر فقال لا هجرة اليوم أو بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم مثله حدثنا اسحاق ابن يزيد ثنا يحيى بن حمزة حدثني أبو عمرو الاوزاعي عن عبدة بن ابي لبابة عن مجاهد بن جبير أن عبد الله بن عمر قال لا هجرة بعد الفتح وقال البخاري ثنا اسحاق بن يزيد أنا يحيى بن حمزة أنا الاوزاعي عن عطاء بن أبي رباح قال زرت عائشة مع عبيد بن عمير فسألها عن الهجرة فقالت لا هجرة اليوم وكان المؤمنون يفر أحدهم بدينه الى الله عز و جل والى رسوله مخافة أن يفتن عليه فأما اليوم فقد أظهر الله الاسلام فالمؤمن يعبد ربه حيث يشاء ولكن جهاد ونية
وهذه الاحاديث والآثار دالة على أن الهجرة إما الكاملة أو مطلقا قد انقطعت بعد فتح مكة لان الناس دخلوا في دين الله أفواجا وظهر الاسلام وثبتت أركانه ودعائمه فلم تبق هجرة اللهم الا أن يعرض حال يقتضي الهجرة بسبب مجاورة أهل الحرب وعدم القدرة على اظهار الدين عندهم فتجب الهجرة الى دار الاسلام وهذا مالا خلاف فيه بين العلماء ولكن هذه الهجرة ليست كالهجرة قبل الفتح كما أن كلا من الجهاد والانفاق في سبيل الله مشروع ورغب فيه الى يوم القيامة وليس كالانفاق ولا الجهاد قبل الفتح فتح مكة قال الله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح (4/320)
وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى الآية وقد قال الامام احمد ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لما نزلت هذه السورة إذا جاء نصر الله والفتح قرأها رسول الله حتى ختمها وقال الناس خير وأنا واصحابي خير وقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فقال له مروان كذبت وعنده ] رافع بن خديج وزيد بن ثابت قاعدان معه على السرير فقال أبو سعيد لو شاء هذان لحدثاك ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة فرفع مروان عليه الدرة ليضربه فلما رأيا ذلك قالا صدق تفرد به احمد وقال البخاري ثنا موسى بن اسماعيل ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فقال عمر إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معه فما رأيت أنه أدخلني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال ما تقولون في قول الله عز و جل إذا جاء نصر الله والفتح فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره اذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال لي أكذاك تقول يا ابن عباس فقلت لا فقال ما تقول فقلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلمه له قال إذا جاء نصر الله والفتح فذلك علام أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا قال عمر بن الخطاب لا أعلم منها الا ما يقول تفرد به البخاري وهكذا روى من غير وجه عن ابن عباس أنه فسر ذلك بنعي رسول الله صلى الله عليه و سلم في أجله وبه قال مجاهد وأبو العالية والضحاك وغير واحد كما قال ابن عباس وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فأما الحديث الذي قال الامام احمد ثنا محمد بن فضيل ثنا عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعيت الى نفسي بانه مقبوض في تلك السنة تفرد به الامام احمد وفي إسناده عطاء بن أبي مسلم الخراساني وفيه ضعف تكلم فيه غير واحد من الائمة وفي لفظه نكارة شديدة وهو قوله بأنه مقبوض في تلك السنة وهذا باطل فان الفتح كان في سنة ثمان في رمضان منها كما تقدم بيانه وهذا مالا خلاف فيه وقد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم في ربيع الاول من سنة إحدى عشرة بلا خلاف أيضا وهكذا الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني رحمه الله ثنا ابراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي ثنا أبي ثنا جعفر بن عون عن أبي العميس عن أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال آخر سورة نزلت من القرآن جميعا اذا جاء نصر الله والفتح فيه نكارة أيضا وفي إسناده نظر أيضا ويحتمل أن يكون أنها آخر (4/321)
سورة نزلت جميعها كما قال والله أعلم وقد تكلمنا على تفسير هذه السورة الكريمة بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة وقال البخاري ثنا سليمان بن حرب ينا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو ابن سلمة قال لي ابو قلابة ألا تلقاه فنسأله فلقيته فسألته قال كنا بماء ممر الناس وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس ما للناس ما هذا الرجل فيقولون يزعم أن الله أرسله وأوحى اليه كذا فكنت أحفظ ذاك الكلام فكأنما يغري في صدري وكانت العرب تلوم باسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه فانه ان ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم باسلامهم وبدر أبي قومي باسلامهم فلما قدم قال جئتكم والله من عند النبي حقا قال صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا فاذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين وكانت علي بردة اذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي ألا تغطون عنا است قارئكم فاشتروا فقطعوا لي قميصا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص تفرد به البخاري دون مسلم
غزوة هوازن يوم حنين
قال الله تعالى لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم وقد ذكر محمد بن اسحاق بن يسار في كتابه أن خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى هوازن بعد الفتح في خامس شوال سنة ثمان وزعم أن الفتح كان لعشر بقين من شهر رمضان قبل خروجه اليهم خمس عشرة ليلة وهكذا روي عن ابن مسعود وبه قال عروة بن الزبير واختاره احمد وابن جرير في تاريخه وقال الواقدي خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى هوازن لست خلون من شوال فانتهى الى حنين في عاشره وقال أبو بكر الصديق لن نغلب اليوم من قلة فانهزموا لمكان أول من انهزم بنو سليم ثم أهل مكة ثم بقية الناس
قال ابن اسحاق ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه و سلم وما فتح الله عليه من مكة جمعها ملكها مالك بن عوف النصري فاجتمع اليه مع هوازن ثقيف كلها واجتمعت نصر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال وهم قليل ولم يشهدها من قيس عيلان الا هؤلاء وغاب عنها ولم يحضرها من هوازن كعب وكلاب ولم يشهدها منهم أحد له اسم وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شيء (4/322)
الا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب وكان شيخا مجربا وفي ثقيف سيدان لهم وفي الاحلاف قارب بن الاسود بن مسعود بن معتب وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث واخوه احمر بن الحارث وجماع أمر الناس الى مالك بن عوف النصري فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أحضر مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم فلما نزل بأوطاس اجتمع اليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به فلما نزل قال بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم قال أين مالك قالوا هذا مالك ودعى له قال يا مالك إنك قد اصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الايام مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قال سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم قال ولم قال أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم قال فانقض به ثم قال راعي ضأن والله هل يرد المنهزم شيء إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ثم قال ما فعلت كعب وكلاب قال لم يشهدها منهم أحد قال غاب الحد والجد لو كان يوم علاه ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران ثم قال يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن الى نحور الخيل شيئا ثم قال دريد لمالك ابن عوف ارفعهم الى متمنع بلادهم وعليا قومهم ثم الق الصبا على متون الخيل فان كانت لك لحق بك من ورائك وإن كانت عليك الفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك قال والله لا أفعل إنك قد كبرت وكبر عقلك ثم قال مالك والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي فقالوا أطعناك فقال دريد هذا يوم لم اشهده ولم يفتني ... يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع ... اقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع ...
ثم قال مالك للناس اذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا شدة رجل واحد قال ابن اسحاق وحدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أنه حدث أن مالك بن عوف بعث عيونا من رجاله فأتوه وقد تفرقت أوصالهم فقال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد قال ابن اسحاق ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه و سلم بعث اليهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي وأمره أن يدخل في (4/323)
الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم فانطلق ابن أبي حدرد فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ثم اقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه و سلم السير الى هوازن ذكر له أن عند صفوان ابن أمية أدراعا له سلاحا فارسل اليه وهو يومئذ مشرك فقال يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلقى فيه عدونا غدا فقال صفوان أغضبا يا محمد قال بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك قال ليس بهذا بأس فاعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل هكذا أورد هذا ابن اسحاق من غير إسناد وقد روى يونس بن بكير عن ابن اسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه وعن عمرو بن شعيب والزهري وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم وغيرهم قصة حنين فذكر نحو ما تقدم وقصة الادراع كما تقدم وفيه أن ابن أبي حدرد لما رجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم خبر هوازن كذبه عمر بن الخطاب فقال له ابن ابي حدرد لئن كذبتني يا عمر فربما كذبت بالحق فقال عمر ألا تسمع ما يقول يا رسول الله فقال قد كنت ضالا فهداك الله وقد قال الامام احمد ثنا يزيد بن هارون أنبأ شريك بن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استعار من أمية يوم حنين أدراعا فقال أغصبا يا محمد فقال بل عارية مضمونة قال فضاع بعضها فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يضمنها له فقال أنا اليوم يا رسول الله في الاسلام أرغب ورواه أبو داود والنسائي من حديث يزيد بن هرون به وأخرجه النسائي من رواية اسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عبد الرحمن بن صفوان بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استعار من صفوان دروعا فذكره ورواه من حديث هشيم عن حجاج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استعار من صفوان أدراعا وافراسا وساق الحديث وقال أبو داود ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير عن عبد العزيز ابن رفيع عن أناس من آل عبد الله بن صفوان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا صفوان هل عندك من سلاح قال عارية أم غصبا قال بل عارية فأعاره ما بين الثلاثين الى الاربعين درعا وغزا رسول الله صلى الله عليه و سلم حنينا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لصفوان قد فقدنا من أدراعك أدراعا فهل نغرم لك قال لا يا رسول الله إن في قلبي اليوم ما لم يكن فيه يومئذ وهذا مرسل أيضا قال ابن اسحاق ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ففتح الله بهم مكة فكانوا اثني عشر الفا
قلت وعلى قول عروة والزهري وموسى بن عقبة يكن مجموع الجيشين الذين سار بهما الى (4/324)
هوازن أربعة عشر ألفا لأنه قدم باثني عشر ألفا إلى مكة على قولهم واضيف ألفان من الطلقاء وذكر ابن اسحاق أنه خرج من مكة في خامس شوال قال واستخلف على اهل مكة عتاب بن اسيد ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس الأموي
قلت وكان عمره إذ ذاك قريبا من عشرين سنة قال ومضى رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد لقاء هوازن وذكر قصيدة العباس بن مرداس السلمي في ذلك منها قوله ... أبلغ هوازن أعلاها واسفلها ... مني رسالة نصح فيه تبيان ... أني أظن رسول الله صابحكم ... جيشا له في فضاء الارض أركان ... فيهم سليم أخوكم غير تارككم ... والمسلمون عباد الله غسان ... وفي عضادته اليمنى بنو أسد ... والأجربان بنو عبس وذبيان ... تكاد ترجف منه الأرض رهبته ... وفي مقدمه أوس وعثمان ...
قال ابن اسحاق أوس وعثمان قبيلا مزينة قال وحدثني الزهري عن سنان بن أبي سنان الدئلي عن أبي واقد الليثي أن الحارث بن مالك قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى حنين ونحن حديثوا عهد بالجاهلية قال فسرنا معه إلى حنين قال وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ويذبحون عندها ويعكفون عليها يوما قال فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سدرة خضراء عظيمة قال فتنادينا من جنبات الطريق يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم وقد روى هذا الحديث الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان والنسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر كلاهما عن الزهري كما رواه ابن اسحاق عنه وقال الترمذي حسن صحيح ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وقال أبو داود ثنا أبو توبة ثنا معاوية بن سلام عن زيد ابن سلام أنه سمع أبا سلام عن السلولي أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان العشية فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء رجل فارس فقال يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا أنا بهوازن عن بكرة ابيهم بظعنهم وبنعمهم وشائهم اجتمعوا الى حنين فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله ثم قال من يحرسنا الليلة قال أنس بن ابي مرثد أنا يا رسول الله قال فاركب فركب (4/325)
فرسا له وجاء الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم الى مصلاه فركع ركعتين ثم قال هل أحسستم فارسكم قالوا يا رسول الله ما أحسسنا فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ويلتفت الى الشعب حتى اذا قضى صلاته قال ابشروا فقد جاءكم فارسكم فجعل ينظر الى خلال الشجر في الشعب واذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إني انطلقت حتى اذا كنت في اعلا هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم هل نزلت الليلة قال لا إلا مصليا أو قاضي حاجة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أوجبت فلا عليك ألا تعمل بعدها وهكذا رواه النسائي عن محمد بن يحيى عن محمد بن كثير الحراني عن أبي توبة الربيع بن نافع به
الوقعة وما كان أول الأمر من الفرار ثم العاقبة للمتقين
قال يونس بن بكير وغيره عن محمد بن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن ابيه قال فخرج مالك بن عوف بمن معه الى حنين فسبق رسول الله صلى الله عليه و سلم اليها فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه وأقبل رسول الله وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد وانحاز رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات اليمين يقول اين أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله انا رسول الله انا محمد بن عبد الله أنا محمد بن عبد الله قال فل شيء وركبت الابل بعضها بعضا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم امر الناس ومعه رهط من أهل بيته علي بن ابي طالب وأبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب واخوه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب والفضل بن العباس وقيل الفضيل بن أبي سفيان وأيمن بن أم أيمن وأسامة بن زيد ومن الناس من يزيد فيهم قثم بن العباس ورهط من المهاجرين منهم أبو بكر وعمر والعباس آخذ بحكمة بغلته البيضاء وهو عليها قد شجرها قال ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن وهوازن خلفه اذ أدرك طعن برمحه واذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه قال فبينما هو كذلك اذ هوى له علي بن ابي طالب ورجل من الانصار يريدانه قال فيأتي علي من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الانصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانعجف عن رحله قال واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه الامام احمد عن يعقوب بن ابراهيم الزهري عن أبيه عن محمد (4/326)
ابن اسحاق قال ابن اسحاق والتفت رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وكان ممن صبر يومئذ وكان حسن الاسلام حين اسلم وهو آخذ بثفر بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من هذا قال ابن أمك يا رسول الله قال ابن اسحاق ولما انهزم الناس تكلم رجال من جفاة الاعراب بما في أنفسهم من الظغن فقال ابو سفيان صخر بن حرب يعني وكان اسلامه بعد مدخولا وكانت الازلام بعد معه يومئذ قال لا تنتهي هزيمتهم دون البحر وصرخ كلدة بن الحنبل وهو مع أخيه صفوان بن أمية يعني لأمه وهو مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا بطل السحر اليوم فقال له صفوان اسكت فض الله فاك فوالله لئن يربني رجل من قريش أحب الي من أن يربني رجل من هوازن وقال الامام احمد حدثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة أنبا اسحاق ابن عبد الله بن ابي طلحة عن أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والابل والغنم فجعلوها صفوفا يكثرون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما التقوا ولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم قال يا معشر الانصار أنا عبد الله ورسوله قال فهزم الله المشركين ولم يضرب بسيف ولم يطعن برمح قال وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ من قتل كافرا فله سلبه قال فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وقال أبو قتادة يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبلأ العاتق وعليه درع له فاجهضت عنه فانظر من أخذها قال فقام رجل فقال أنا أخذتها فارضه منها واعطنيها قال وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يسأل شيئا ألا اعطاه أو سكت فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عمر والله لا يفئها الله علىاسد من اسد الله ويعطيكها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدق عمر قال ولقي أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال أبو طلحة ما هذا فقالت إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج في بطنه فقال ابو طلحة اما تسمع ما تقول أم سليم فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله اقتل من بعدها من الطلقاء انهزموا بك فقال إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم وقد روى مسلم منه قصة خنجر ام سليم وأبو داود قوله من قتل قتيلا فله سلبه كلاهما من حديث حماد بن سلمة به وقول عمر في هذا مستغرب والمشهور أن ذلك أبو بكر الصديق وقال الامام احمد حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا أبي ثنا نافع أبو غالب شهد أنس بن مالك فقال العلاء بن زياد العدوي يا أبا حمزة بسن أي الرجال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ بعث قال ابن اربعين سنة قال ثم كان ماذا قال ثم كان بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتمت له ستون سنة ثم قبضه الله اليه قال بسن أي الرجال هو يومئذ قال كاشب الرجال وأحسنه وأجمله والحمه قال يا ابا حمزة وهل غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نعم غزوت معه يوم حنين فخرج المشركون بكرة فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا وفي (4/327)
المشركين رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل فهزمهم الله فولوا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رأى الفتح فجعل يجاء بهم أسارى رجل رجل فيبايعونه على الاسلام فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم إن علي نذرا لئن جيء بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه قال فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم وجيء بالرجل فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم قال يا نبي الله تبت الى الله قال وأمسك نبي الله صلى الله عليه و سلم أن يبايعه ليوفي الآخر نذره قال وجعل ينظر الى النبي صلى الله عليه و سلم ليأمره بقتله ويهاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم أنه لا يصنع شيئا بايعه فقال يا نبي الله نذري قال لم أمسك عنه منذ اليوم الا لتوفي نذرك فقال يا رسول الله ألا أومأت الي قال إنه ليس لنبي ان يومي تفرد به احمد وقال احمد حدثنا يزيد ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين اللهم إنك إن تشاء لا تعبد في الارض بعد اليوم إسناده ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجه أحد من اصحاب الكتب من هذا الوجه وقال البخاري ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن ابي اسحاق سمع البراء بن عازب وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يفر كانت هوازن رماة وأنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلتنا بالسهام ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلته البيضاء وإن ابا سفيان آخذ بزمامها وهو يقول أنا النبي لا كذب ورواه البخاري عن ابي الوليد عن شعبة به وقال ... انا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب ...
قال البخاري وقال اسرائيل وزهير عن أبي اسحاق عن البراء ثم نزل عن بغلته ورواه مسلم والنسائي عن بندار زاد مسلم وأبي موسى كلاهما عن غندر به وروى مسلم من حديث زكريا بن ابي زائدة عن أبي اسحاق عن البراء قال ثم نزل فاستنصر وهو يقول ... أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب ... اللهم نزل نصرك قال البراء ولقد كنا اذا حمى البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه و سلم وإن الشجاع الذي يحاذى به وروى البيهقي من طرق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يومئذ انا ابن العواتك [ وقال الطبراني ثنا عباس بن الفضل الاسقاطي ثنا عمرو بن عوف الواسطي ثنا هشيم انبا يحيى بن سعيد عن عمرو بن سعيد بن العاص عن شبابة عن ابن عاصم السلمي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم حنين انا ابن العواتك ] وقال البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنبا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير بن أفلح عن ابي محمد مولى أبي قتادة عن ابي قتادة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام حنين (4/328)
فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر فقلت ما بال الناس فقال أمر الله ورجعوا وجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثله فقلت من يشهد لي ثم جلست فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثله فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثله فقمت فقال مالك يأبا قتادة فأخبرته فقال رجل صدق سلبه عندي فأرضه مني فقال أبو بكر لاها الله إذا تعمد إلى أسد من اسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه و سلم صدق فأعطه فأعطانيه فابتعت به مخرافا في بني سلمة فانه لأول مال تأثلته في الاسلام ورواه بقية الجماعة الا النسائي من حديث يحيى بن سعيد به قال البخاري وقال الليث بن سعد حدثني يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير بن افلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت إلي رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فأرضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت ثم ترك فتحلل فدفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون فانهزمت معهم فاذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس قال أمر الله ثم تراجع الناس إلى رسول الله فقال رسول الله من اقام بينة على قتيل فله سلبه فقمت لالتمس بينة على قتيلي فلم ار أحدا يشهد لي فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي فأرضه مني فقال أبو بكر كلا لا يعطيه أضيبع من قريش ويدع أسدا من اسد الله يقاتل عن الله ورسوله قال فقام رسول الله فأداه إلي فاشتريت به مخرافا فكان أول مال تأثلته وقد رواه البخاري في مواضع أخر ومسلم كلاهما عن قتيبة عن الليث بن سعد به وقد تقدم من رواية نافع أبي غالب عن انس أن القائل لذلك عمر بن الخطاب فلعله قاله متابعة لابي بكر الصديق ومساعدة وموافقة له أو قد اشتبه على الراوي والله أعلم وقال الحافظ البيهقي أنبأ الحاكم انبأ الاصم أنبأ احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني عاصم بن عمر عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم حنين حين رأى من الناس ما رأى يا عباس ناد يا معشر الأنصار يا اصحاب الشجرة فأجابوه لبيك لبيك فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر على ذلك فيقذف درعه عن عنقه ويأخذ سيفه وترسه ثم يؤم الصوت حتى اجتمع الى رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم مائة فاستعرض الناس فاقتتلوا وكانت الدعوة أول ما كانت للأنصار ثم جعلت آخرا للخزرج وكانوا صبرا عند الحرب واشرف رسول الله صلى الله عليه و سلم في ركايبه (4/329)
فنظر الى مجتلد القوم فقال الآن حمي الوطيس قال فوالله ما راجعه الناس الا والاسارى عند رسول الله صلى الله عليه و سلم مكتفون فقتل الله منهم من قتل وانهزم منهم من انهزم وافاء الله على رسوله صلى الله عليه و سلم اموالهم وابناءهم وقال ابن لهيعة عن ابي الأسود عن عروة وذكر موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه خرج الى هوازن وخرج معه أهل مكة لم يغادر منهم أحدا ركبانا ومشاة حتى خرج النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون مع ذلك أن تكون الصدمة برسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه قالوا وكان معه ابو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما قالوا وكان رئيس المشركين يومئذ مالك بن عوف النصري ومعه دريد بن الصمة يرعش من الكبر ومعه النساء والذراري والنعم فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن أبي حدرد عينا فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لاصحابه إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم واجعلوا مواشيكم صفا ونساءكم صفا فلما أصبحوا اعتزل أبو سفيان وصفوان وحكيم بن حزام وراءهم ينظرون لمن تكون الدائرة وصف الناس بعضهم لبعض وركب رسول الله صلى الله عليه و سلم بغلة له شهباء فاستقبل الصفوف فأمرهم وحضهم على القتال وبشرهم بالفتح إن صبروا فبينما هم كذلك إذ حمل المشركون على المسلمين حملة رجل واحد فجال المسلمون جولة ثم ولوا مدبرين فقال حارثة بن النعمان لقد حزوت من بقي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين ادبر الناس فقلت مائة رجل قالوا ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال ابشر بهزيمة محمد وأصحابه فوالله لا يجتبرونها أبدا فقال له صفوان تبشرني بظهور الأعراب فوالله لرب من قريش أحب الي من رب من الأعراب وغضب صفوان لذلك قال عروة وبعث صفوان غلاما له فقال اسمع لمن الشعار فجاءه فقال سمعتهم يقولون يا بني عبد الرحمن يا بني عبد الله يا بني عبيد الله فقال ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب قالوا وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما غشيه القتال قام في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه الى الله يدعوه يقول اللهم إني أنشدك ما وعدتني اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا ونادى أصحابه وزمرهم يا أصحاب البيعة يوم الحديبية الله الله الكرة على نبيكم ويقال حرضهم فقال يا أنصار الله وأنصار رسوله يا بني الخزرج يا اصحاب سورة البقرة وأمر من أصحابه من ينادي بذلك قالوا وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها وجوه المشركين ونواصيهم كلها وقال شاهت الوجوه وأقبل أصحابه اليه سراعا يبتدرون وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الآن حمي الوطيس فهزم الله أعداءه من كل ناحية حصبهم منها واتبعهم المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وفر مالك بن عوف حتى دخل حصن الطائف هو وأناس من أشراف قومه وأسلم عند ذلك ناس كثير من اهل مكة حين رأوا نصر الله رسوله صلى الله عليه و سلم (4/330)
وإعزازه دينه رواه البيهقي وقال ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري أخبرني كثير بن العباس ابن عبد المطلب قال قال العباس شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث لا نفارقه ورسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي فلما التقى الناس ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم يركض بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أي عباس ناد أصحاب السمرة قال فوالله لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيكاه يا لبيكاه قال فاقتتلوا هم والكفار والدعوة في الأنصار وهم يقولون يا معشر الانصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها الى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس ثم اخذ حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب محمد قال فذهبت انظر فاذا القتال على هيئته فيما أرى قال فوالله ما هو الا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا ورواه مسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب به نحوه ورواه أيضا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري نحوه وروى مسلم من حديث عكرمة ابن عمار عن اياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من المشركين فأرميه بسهم وتوارى عني فما رديت ما صنع ثم نظرت الى القوم فاذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم فولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا باحداهما مرتديا بالاخرى قال فاستطلق إزاري فجمعتها جمعا ومررت على النبي صلى الله عليه و سلم وأنا منهزم وهو على بغلته الشهباء فقال لقد رأى ابن الاكوع فزعا فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض واستقبل به وجوههم وقال شاهت الوجوه فما خلىالله منهم إنسانا الا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله وقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم غنائمهم بين المسلمين وقال أبو داود الطيالسي في مسنده ثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن يسار عن أبي عبد الرحمن الفهري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حنين فسرنا في يوم قايظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال السمر فلما زالت الشمس لبست لامتي وركبت فرسي فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في فسطاطه فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته قد حان الرواح يا رسول الله قال أجل ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا بلال فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر فقال لبيك وسعديك وأنا فداؤك فقال أسرج لي فرسي فأتاه بدفتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر قال فركب فرسه فسرنا يومنا (4/331)
فلقينا العدو وتسامت الخيلان فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله واقتحم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن فرسه وحدثني من كان أقرب اليه مني أنه أخذ حفنة من التراب فحثى بها وجوه العدو وقال شاهت الوجوه قال يعلى ابن عطاء فحدثنا أبناؤهم عن آبائهم قالوا ما بقي أحد الا امتلأت عيناه وفمه من التراب وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست الحديد فهزمهم الله عز و جل ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن موسى بن اسماعيل عن حماد بن سلمة به نحوه وقال الامام احمد ثنا عفان ثنا عبد الواحد ابن زياد ثنا الحارث بن حصين ثنا القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال قال عبد الله بن مسعود كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والانصار فنكصنا على اعقابنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة قال ورسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلته يمضي قدما فحادت به بغلته فمال عن السرج فقلت له ارتفع رفعك الله فقال ناولني كفا من تراب فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا قال أين المهاجرين والانصار قلت هم أولاء قال أهتف بهم فهتفت بهم فجاؤا سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب وولى المشركون أدبارهم تفرد به أحمد وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطري ثنا أبو قلابة ثنا أبو عاصم ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي أخبرني عبد الله بن عياض بن الحارث الانصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى هوازن في اثني عشر ألفا فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر قال وأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم كفا من حصى فرمى بها في وجوهنا فانهزمنا ورواه البخاري في تاريخه ولم ينسب عياضا وقال مسدد ثنا جعفر بن سليمان ثنا عوف بن عبد الرحمن مولى أم برثن عمن شهد حنينا كافرا قال لما التقينا نحن ورسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقوموا لنا حلب شاة فجئنا نهش سيوفنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذ غشيناه فأذا بيننا وبينه رجال حسان الوجوه فقالوا شاهت الوجوه فارجعوا فهزمنا من ذلك الكلام رواه البيهقي وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو سفيان ثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن ابراهيم ثنا الوليد بن مسلم حدثني محمد بن عبد الله الشعبي عن الحارث بن بدل النصري عن رجل من قومه شهد ذلك يوم حنين وعمرو بن سفيان الثقفي قالا انهزم المسلمون يوم حنين فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الا عباس وأبو سفيان بن الحارث قال فقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم قبضة من الحصباء فرمى بها في وجوههم قال فانهزمنا فما خيل الينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا قال الثقفي فأعجرت على فرسي حتى دخلت الطائف وروى يونس بن بكير في مغازيه عن يوسف بن صهيب بن عبد الله أنه لم يبق مع رسول الله يوم حنين إلا رجل واحد اسمه (4/332)
زيد وروى البيهقي من طريق الكديمي ثنا موسى بن مسعود ثنا سعيد بن السائب بن يسار الطائفي عن السائب بن يسار عن يزيد بن عامر السوائي أنه قال عند انكشافة انكشفها المسلمون يوم حنين فتبعهم الكفار وأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم قبضة من الارض ثم اقبل على المشركون فرمى بها وجوههم وقال ارجعوا شاهت الوجوه فما أحد يلقى أخاه الا وهو يشكو قذى في عينيه ثم روى من طريقين آخرين عن أبي حذيفة ثنا سعيد بن السائب بن يسار الطائفي حدثني أبي السائب بن يسار سمعت يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد قال فنحن نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان قال فكان يأخذ لنا بحصاة فيرمي بها في الطست فيطن قال كنا نجد في اجوافنا مثل هذا وقال البيهقي أنبأ أبو عبد الله الحافظ ومحمد ابن موسى بن الفضل قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد بن بكير الحضرمي ثنا أبو ايوب بن جابر عن صدقة بن سعيد عن مصعب بن شيبة عن ابيه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش فقلت وأنا واقف معه يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا فقال يا شيبة إنه لا يراها الا كافر فضرب يده في صدري ثم قال اللهم أهد شيبة ثم ضربها الثانية فقال اللهم أهد شيبة ثم ضربها الثالثة ثم قال اللهم أهد شيبة قال فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب الي منه ثم ذكر الحديث في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى هزم الله المشركين وقال البيهقي أنبأ أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو محمد أحمد عبد الله المزني ثنا يوسف بن موسى ثنا هشام بن خالد ثنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة مولى ابن عباس عن شيبة بن عثمان قال لما رأيت رسولن الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين قد عرى ذكرت أبى وعمى وقتل على وحمزة اياهما فقلت اليوم ادرك ثأري من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فذهبت لأجيئه عن يمينه فاذا بالعباس بن عبد المطلب قائم عليه درع بيضاء كأنها فضة ينكشف عنها العجاج فقلت عمه ولن يخذله قال ثم جئته عن يساره فاذا أنا بابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فقلت ابن عمه ولن يخذله قال ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أساوره سورة بالسيف إذ رفع شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يمحشني فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى فالتفت رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال يا شيب أدن مني اللهم اذهب عنه الشيطان قال فرفعت اليه بصري ولهو احب الي من سمعي وبصري فقال يا شيب قاتل الكفار وقال ابن اسحاق وقال شيبة بن عثمان بن ابي طلحة اخو بني عبد الدار قلت اليوم أدرك ثأري وكان أبوه قد قتل يوم أحد اليوم أقتل محمدا قال فأدرت برسول الله (4/333)
صلى الله عليه و سلم لأقتله فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذاك وعلمت أنه ممنوع مني وقال محمد بن اسحاق وحدثني والدي اسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم قال لمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين والناس يقتتلون اذا نظرت إلى مثل البجاد الاسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا وبين القوم فاذا نمل منثور قد ملأ الوادي فلم يكن الا هزيمة القوم فما كنا نشك أنها الملائكة ورواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن اسحاق به وزاد فقال خديج بن العوجا النصري يعني في ذلك ... ولما دنونا من حنين ومائه ... رأينا سوادا منكر اللون أخصفا ... بملمومة شهباء لو قذفوا بها ... شماريخ من عروى اذا عاد صفصفا ... ولو أن قومي طاوعتني سراتهم ... اذا ما لقينا العارض المتكشفا ... اذا ما لقينا جند آل محمد ... ثمانين ألفا واستمدوا بخندفا ...
وقد ذكر ابن اسحاق من شعر مالك بن عوف النصري رئيس هوازن يوم القتال وهو في حومة الوغا يرتجز ويقول ... أقدم مجاج إنه يوم نكر ... مثلي على مثلك يحمي ويكر ... اذا أضيع الصف يوما والدبر ... ثم احزألت زمر بعد زمر ... كتائب يكل فيهن البصر ... قد أطعن الطعنة تقدي بالسبر ... حين يذم المستكن المنحجر ... وأطعن النجلاء تعوي وتهر ... لها من الجوف رشاش منهمر ... تفهق تارات وحينا تنفجر ... وثعلب العامل فيها منكسر ... يا زين يا ابن همهم أين تفر ... قد أنفذ الضرس وقد طال العمر ... قد علم البيض الطويلات الخمر ... أني في أمثالها غير غمر ... إذ تخرج الحاضن من تحت الستر ...
وذكر البيهقي من طريق يونس بن بكير عن أبي اسحاق أنه أنشد من شعر مالك أيضا حين ولى اصحابه منهزمين وذلك قوله بعد ما أسلم وقيل هي لغيره ... أذكر مسيرهم والناس كلهم ... ومالك فوقه الرايات تختفق ... ومالك مالك ما فوقه أحد ... يوم حنين عليه التاج يأتلق ... حتى لقوا الناس حين البأس يقدمهم ... عليهم البيض والأبدان والدرق ... فضاربوا الناس حتى لم يروا أحدا ... حول النبي وحتى جنه الغسق ... حتى تنزل جبريل بنصرهم ... فالقوم منهزم منا ومعتلق (4/334)
منا ولو غير جبريل يقاتلنا ... لمنعتنا إذا أسيافنا الفلق ... وقد وفى عمر الفاروق إذ هزموا ... بطعنة كان منها سرجه العلق ...
قال ابن اسحاق ولما هزم المشركون وأمكن الله رسوله منهم قالت امرأة من المسلمين ... قد غلبت خيل الله خيل اللات ... والله أحق بالثبات ...
قال ابن هشام وقد أنشدنيه بعض أهل الرواية للشعر ... قد غلبت خيل الله خيل اللات ... وخيله أحق بالثبات ...
قال ابن اسحاق فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم وكانت مع ذي الخمار فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب فقاتل بها حتى قتل فأخبرني عامر بن وهب بن الاسود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بلغه قتله قال أبعده الله فانه كان يبغض قريشا وذكر ابن اسحاق عن يعقوب بن عتبة أنه قتل مع عثمان هذا غلام له نصراني فجاء رجل من الانصار ليسلبه فاذا هو أغرل فصاح بأعلا صوته يا معشر العرب إن ثقيفا غرل قال المغيرة بن شعبة الثقفي فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا في العرب فقلت لا تقل كذلك فداك ابي وأمي إنما هو غلام لنا نصراني ثم جعلت أكشف له القتلى فأقول له ألا تراهم مختتنين كما ترى قال ابن اسحاق وكانت راية الاحلاف مع قارب بن الاسود فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة وهرب هو وبنو عمه وقومه فلم يقتل من الاحلاف غير رجلين رجل من بني غيرة يقال له وهب ورجل من بني كبة يقال له الجلاح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بلغه قتل الجلاح قتل اليوم سيد شباب ثقيف إلا ما كان من ابن هنيدة يعني الحارث بن أويس قال ابن اسحاق فقال العباس بن مرداس يذكر قارب بن الاسود وفراره من بني أبيه وذا الخمار وحبسه نفسه وقومه للموت ... ألا من مبلغ غيلان عني ... وسوف أخال يأتيه الخبير ... وعروة إنما أهدي جوابا ... وقولا غير قولكما يسير ... بأن محمدا عبد رسول ... لرب لا يضل ولا يجور ... وجدناه نبيا مثل موسى ... فكل فتى بخايره مخير ... وبئس الأمر أمر بني قسي ... بوج إذا تقسمت الامور ... أضاعوا أمرهم ولكل قوم ... أمير والدوائر قد تدور ... فجئنا أسد غابات اليهم ... جنود الله ضاحية تسير ... نؤم الجمع جمع بني قسي ... على حنق نكاد له نطير (4/335)