الاختراق الصهيوني للعراق
البريد الالكتروني: unecriv@net.sy E-mail :
aru@net.sy
موقع اتحاد الكتّاب العرب على شبكة الإنترنت
http://www.awu-dam.org
((
د. خالد الناشف
الاختراق الصهيوني للعراق
دراسة
من منشورات اتحاد الكتاب العرب
دمشق - 2005
"في الحقيقة، حرب العراق هي جنين أخرى، ولكن على مستوى أضخم. فما حصل في جنين أن الإسرائيليين قالوا للفلسطينيين: تركناكم هنا لوحدكم ولكنكم لعبتم بالنار وفجأة قمتم بتفجير سيدر (عشاء عيد الفصح) في ناتانيا، ولهذا لن نترككم وحدكم بعد الآن. سنذهب من بيت إلى بيت في القصبة. ومن وجهة نظر أمريكا، عراق صدام هو جنين".
توماس فريدمان من مكاتب صحيفة النيويورك تايمز في واشنطن
تمهيد(1/1)
كان الخطاب العربي مقصراً في تحديد طبيعة دور إسرائيل، أو اليهودية العالمية، في العدوان الأمريكي على العراق. ولا يتناسب هذا التقصير مع حجم الكارثة التي حلت بالعراق، وبشكل تلقائي بالأمة العربية، وتمثلت بالاحتلال الأجنبي لدولة عربية وتدمير تراثها الحضاري، وشكلت سابقة خطيرة تهدد المنطقة بأسرها. لهذا كان من الصعب ترك الوعي العربي أسير عموميات عاطفية لا تتجاوز في أحسن الأحوال الاعتماد على ما يتسرب هنا وهناك في وسائل الإعلام العربية من معلومات مبعثرة ومحدودة حول دور إسرائيلي أو يهودي محتمل. لهذا كانت هناك حاجة ملحة لبحث الموضوع وتقييمه من جميع جوانبه، التي لا تقتصر على توغل الشركات الإسرائيلية في السوق العراقي. من هنا جاءت فكرة هذا الكتاب، الذي اعتمدت المادة الواردة فيه، بشكل شبه تام، على مصادر أجنبية، أمريكية يهودية أو إسرائيلية، ونادراً ما كان هناك رجوع إلى مصدر عربي أو أجنبي له مواقف مناوئة لإسرائيل أو الصهيونية (1) . وتبين من التقييم أن الكثير من الأطراف لم تتردد في التعبير بشكل مباشر عن مصالحها في العدوان على العراق، الذي يهدف في الدرجة الأولى إلى إلغاء العراق كعنصر قومي في الصراع العربي الإسرائيلي. وعمق العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تؤكدها مواقف أيديولوجية صريحة تحملها بشكل خاص المنظمات والجماعات اليهودية الأمريكية، وكل هذا يحصل في ظل خمول عربي مقيت. وفي المقابل، لم يكن هذا الاندفاع الجنوني نحو تدمير العراق إلا تعبيراً عن المأزق الذي تواجهه المصالح الأمريكية الإسرائيلية في فلسطين مع استمرار المقاومة الفلسطينية وثباتها.
__________
(1) مثلاً لم تؤخذ المعلومات، التي ترددت في وسائل الإعلام العربية حول "وزراء" أو مستشارين أمريكيين يهود في العراق.(1/2)
يعرض الفصل الأول مشاركة الجنود والضباط الأمريكيين اليهود في القوات الأمريكية التي غزت العراق. وبعض هؤلاء هم من رجال الدين، الذين احتفلوا بالأعياد اليهودية مباشرة بعد الاحتلال وكانوا يتجولون في العراق بحرية. يتناول الفصل الثاني الدور الإسرائيلي في العدوان، كما انعكس إعلامياً في الولايات المتحدة وإسرائيل، ويجمع المعلومات المتوفرة حول تنسيق الجهود بين الطرفين، مثل عمليات أمريكية إسرائيلية مشتركة تمت في العراق قبل العدوان، وتزويد القوات الأمريكية بالأسلحة و"الخبرات" الإسرائيلية. الفصل الثالث يسلِّط الضوء على الوجود الإسرائيلي واليهودي في العراق بعد الاحتلال، وهو ما اتخذ أشكالاً مختلفة، من بينها زيارات لمسؤولين إسرائيليين إلى بغداد قاموا بها بعد الاحتلال مباشرة بدعوى تفقد أوضاع الجماعة اليهودية في العراق. وبالفعل نجح هؤلاء، وغيرهم من المنظمات الأمريكية اليهودية، في إخراج عدد من اليهود من العراق وإحضارهم إلى إسرائيل واستغل هذا الموضوع دعائياً لخدمة الصهيونية. وكذلك يعرض الفصل نشاط مكتب إسرائيلي أسس في بغداد بذريعة رصد وسائل الإعلام العراقية، وخلفية الشخصيات التي تقف وراء نشاطه. ويتطرق الفصل إلى ما أمكن جمعه حول نشاطات الموساد في العراق بعد الاحتلال، وتحركات منظمات مشبوهة في المنطقة الكردية، واستغلال الحالة الإنسانية لعائلة كردية لأغراض صهيونية، وأدوار أفراد أمريكيين يهود أو إسرائيليين في العراق. موضوع الفصل الرابع هو الدور الذي لعبته اليهودية العالمية، الممثلة بشكل خاص بالمنظمات والجماعات اليهودية الأمريكية، في دعم العدوان والتعاون مع "المعارضة العراقية". ومع سقوط بغداد في نيسان أصبح المجال مفتوحاً أمام رجال أعمال أمريكيين وبريطانيين يهود لتحقيق أهداف سياسية لخدمة إسرائيل.(1/3)
وبشكل متزامن مع بدايات التحضير للعدوان أطلقت المنظمات والجماعات اليهودية حملة للتعويض عن ممتلكات اليهود من العراق والبلدان العربية، والفصل يبيِّن أن الهدف النهائي من هذه التحركات هو تصفية القضية الفلسطينية. يجمع الفصل الخامس المعلومات المتوفرة حول التوغل الإسرائيلي في السوق العراقي، الذي أصبح في ظل الاحتلال مفتوحاً بالكامل أمام الشركات والاستثمارات الإسرائيلية ورجال الأعمال الإسرائيليين. يعرض الفصل السادس استغلال موضوع يهود العراق، وكيف كان تشويهه تاريخياً جزءاً من حملة تبرير العدوان. الفصل السابع والأخير يعرض الاهتمام الزائد والمصطنع بالتراث اليهودي العراقي ومحاولات إخراجه من العراق، واستغلال بعض جوانب التراث الحضاري العراقي، التي قيل أنها يهودية، لتحقيق موطئ قدم في العراق، ويوضح نقاط الالتقاء مع الممارسات الاستعمارية في فلسطين، التي تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر.(1/4)
هناك خيط يربط فصول الكتاب وهو المنظمات والجماعات اليهودية الأمريكية وتشابكها على مستويات متعددة. ولا شك أن لهذه الأطراف تأثير كبير في الرأي العام الأمريكي، وخاصة أن هناك مؤسسات وأشخاص مرتبطين بها يمتلكون العديد من وسائل الإعلام الأمريكية أو لهم دور حيوي فيها. وقد يكون هذا التأثير أو الضغط، الذي يفرض مباشرة على الكونغرس من خلال أعضاء يهود فيه، أحد العوامل الأساسية في صياغة السياسة الأمريكية، غير أن هذا لا يعني أن هذه السياسة تسير بشكل تلقائي باتجاه "يهودي" أو "إسرائيلي"، أو أن تحركات المجموعات اليهودية تعبر فقط عن مصالح يهودية أو إسرائيلية. الجميع يدرك وجود مجموعات ضغط يهودية كـ "اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة" (1) (أيباك)، وهي تعلن بكل وضوح عن أهدافها التي تتمحور حول الضغط على الكونغرس الأمريكي. يشير جيفري بلانكفورت (2) إلى أن هناك مجموعات ضغط متعددة في الصراعات السياسية والاجتماعية الأمريكية، كما في مجالات النفط، السلاح، التبغ، التأمين، والمستشفيات، والكثير غيرها، وهذه المجموعات معروفة في واشنطن. فلماذا يحرم الحديث عن مجموعات ضغط تصنف بأنها موالية لإسرائيل، أسوة بغيرها، وهو ما يطرحه بلانكفورت، الذي قام بجمع أسماء أشخاص يهود يملكون أو يؤثرون في وسائل الإعلام الأمريكية. وبلا شك، ينبغي الحديث عن مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل والجماعات التي تدعي أنها تمثل مصالح اليهود الأمريكيين.
__________
(1) (American Israel Public Affairs Committee). أضيفت في هوامش الكتاب أسماء المؤسسات والأشخاص كما وردت في المصادر الأجنبية لدى ذكرها للمرة الأولى فقط، كما استخدمت في الكتاب اختصارات لأسماء بعض المؤسسات.
(2) (Jeffrey Blankfort)؛ أنظر هامشي 193 و591.(1/5)
ولكن الأهم من ذلك هو تحديد العلاقة والمصالح المتشابكة بين هؤلاء ومراكز القوى الأمريكية الحقيقية، وهي ليست بالضرورة "يهودية"، والأمر كله لا يخضع لاعتبارات دينية أو مذهبية. وأفضل ما يعبر عن اللوبي الصهيوني في أمريكا هو ما قاله يوسي كلاين هاليفي (1) من أن "مجموعة الضغط المساندة لإسرائيل هي الأقوى في واشنطن، ولكنها لن تكون كذلك لو لم يرَ الأمريكيون في إسرائيل انعكاساً لأنفسهم". واللافت للنظر أن كلاين هاليفي يذكر هذه الملاحظة في رده على ما يقوله بعض "الحاقدين، وخاصة من العالم العربي، من أن دعم أمريكا لإسرائيل مرده ‘مؤامرة صهيونية’". ما يقوله "الأمريكي" أو "اليهودي" أو "الإسرائيلي" كلاين هاليفي في موقع "إسرائيل القرن الحادي والعشرون" (2) الدعائي، الذي يقوم بتمويله إريك بينهامو، رجل الأعمال الأمريكي اليهودي الجزائري الأصل، يوصلنا إلى نتيجة تقول ببساطة ... إسرائيل، هي امتداد لأمريكا.
__________
(1) (Yossi Klein Halevi)، مراسل إسرائيل لـ "ذي نيو ريبوبليك" (The New Republic).
(2) (Israel21c)، 9/2/2003.(1/6)
هذا الكتاب ليس ضد اليهود، ولا ينتقد اليهودية كديانة، التي هي ككل الديانات الأخرى ليست إلا ملجأً روحياً، يتعايش فيه الفرد مع نفسه وعالمه الخارجي وتناقضاته. وكلمة "يهود" أو "الجماعة اليهودية" استخدمت تماشياً مع المبدأ الصهيوني الذي حوَّل اليهودية إلى قومية، ولا تعني على الإطلاق تقييماً للديانة أو من يعتنقها. فالكتاب يوثق التماهي بين اليهود، أمريكا وإسرائيل، وهو ما تعبر عنه العديد من الأطراف الصهيونية، مؤسسات وأفراد، كالحاخام كارلوس هويرتا (1) العامل في القوات الأمريكية الغازية للعراق، الذي يقول: "أنا فخور بالخدمة في [الجيش الأمريكي] ليس كأمريكي فحسب، بل أيضاً كيهودي أمريكي"، أو جوناثان زاغدانسكي (2) الملازم أول في الجيش الأمريكي، الذي غزا العراق، ويعبر عن نفسه كيهودي فيقول: "نحن في أمريكا وإسرائيل" و"كل أمريكي وكل يهودي". هذا الدمج بين "أمريكا" و"إسرائيل"، أو التعبير عن مصالح "يهودية"، هو الموقف ذاته الذي تحمله المنظمات والجماعات اليهودية الأمريكية، كـ "المؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي" (3) ( (جينسا)، التي تهدف إلى: "تثقيف الجمهور الأمريكي حول أهمية وجود طاقات دفاعية فعالة لحماية مصالحنا الحيوية كأمريكيين، وإحاطة وزارتي الخارجية والدفاع علماً بالدور المهم الذي تلعبه إسرائيل في تعزيز المصالح الديمقراطية في منطقة البحر الأبيض والشرق الأوسط"، أو "منظمة النساء الصهيونيات الأمريكية" (4) ،
__________
(1) (Carlos Huerta).
(2) (Jonathan Zagdansky).
(3) (Jewish Institute of National Security Affairs).
(4) (Women’s Zionist Organization of America) أو ما يعرف باسم "هداساه" (Hadassah)..(1/7)
التي "تهدف إلى تعزير العلاقة بين أعضائها وإسرائيل، الحفاظ على الاستمرارية اليهودية، والعمل كقوة فعَّالة في المجتمع الأمريكي"؛ أو أيباك، التي تعرِّف نفسها بأنها "لوبي أمريكا لمناصرة إسرائيل" وتساعد على تمرير حوالي "مائة مبادرة تشريعية" سنوياً في الكونغرس لمصلحة إسرائيل ومن بين نشاطاتها: "تمويل الجهود المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتطوير الدفاع ضد الأسلحة غير التقليدية" (1) (.
__________
(1) أهداف المنظمات من مواقعها على الإنترنت.(1/8)
يقول: غيل تروي (1) (، مؤلف كتاب: "لماذا أنا صهيوني: إسرائيل، الهوية اليهودية وتحديات اليوم"، "إن الأمريكيين، الإسرائيليين، والديموقراطيين الليبراليين هم جميعاً مهاجَمون"، ويطالب بتفعيل النشاط المجتمعي الأمريكي لمجابهة "الإرهاب" أيديولوجياً. فلا "جورج بوش أو أرييل شارون يبدوان مناسبين لأداء هذا الدور المهم في تحقيق بعث أيديولوجي ومجتمعي". وهذا لا يعني أن الصهيوني تروي يعارض القوة العسكرية، التي يمارسها بوش وشارون ضد العراقيين والفلسطينيين، إذ يقول: "لندع القادة يشنون الحروب. ولكن دعونا نصوغ مواطنة نشيطة ومندفعة وملتزمة أيديولوجياً ومضحية، ونكسب السلام". وكمثال على هذه المواطنة "الملتزمة والساعية لكسب السلام"، يذكر تروي أن على المواطنين الأمريكيين بذل مجهود أكبر في دعم القوات الأمريكية، "حتى ولو بشكل رمزي، كالتبرع ببطاقة هاتف للجندي الأمريكي حتى لا تقلقه تكاليف الاتصال الهاتفي عبر البحار" (2) . ولا يختلف ما يكتبه الصهيوني تروي عن الآراء التي عبر عنها هويرتا أو زاغدانسكي، والموقف ذاته تعبر عنه بشكل صريح المنظمات والجماعات اليهودية في برامجها وسياساتها. المقارنة تكشف عن خط متفق عليه يتبناه المؤدلوجون من القادة اليهود، حتى في التفاصيل، كاقتراح تروي حول جمع التبرعات لشراء بطاقات هاتفية، وهو أحد جوانب الحملة التي نظمتها الجماعات اليهودية الأمريكية (3) لدعم الجنود اليهود في العراق.
__________
(1) (Gil Troy)، أستاذ "التاريخ الأمريكي" في جامعة ماكغيل (McGill University) (مونريال، كندا).
(2) (Israel21c)، 26/5/2003.
(3) أنظر ص 19.(1/9)
ولكن! أين يقف العرب من هذا الزخم المتناغم من الطاقات الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة والعالم؟ وهل يتصدون له؟ وهل يعرفون حقاً الدور المشبوه الذي تلعبه "مؤسسة الشرق الأوسط للإعلام والأبحاث" (1) (ميمري)، التي يرأسها ييغال كارمون (2) ، العضو السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية؟ إن هذه المنظمة تعمل على انتقاء ما تراه مناسباً من الإعلام العربي خدمة لأغراضها، ثم تقوم بترجمته، مستغلة عائق اللغة الذي يمنع الإعلام الغربي من الاطلاع على كل ما ينشر باللغة العربية. ميمري هذه فتحت فرعاً لها في بغداد في شهر تموز 2003، وربما قبل ذلك، والمؤسسة مدرجة في موقع لمراكز الأبحاث تابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية.
__________
(1) (Middle East Media and Research Institute).
(2) (Yigal Carmon).(1/10)
بريان ويتاكر (1) ، الصحفي البريطاني، كشف عن الدور المشبوه الذي تلعبه هذه المؤسسة وكتب قائلاً: "كل ما يلزم أن تقوم مجموعة صغيرة، ولكن نشيطة، من الإسرائيليين باستغلال عائق عدم المعرفة باللغة العربية لأغراضها الخاصة وتبدأ بتغيير نظرة الغرب إلى العرب تجاه الأسوأ". وإذا كانت صورتنا كعرب لا يمكن أن تصل إلى أسوأ مما هي عليه الآن في الغرب، فإن في ما يكتبه ويتاكر لمواجهة ميمري رسالة واضحة لنا: "ليس من الصعب تصور ما يمكن للعرب أن يقوموا به لمواجهة ذلك. تلتئم مجموعة من شركات وسائل الإعلام وتتولى نشر ترجمات لمقالات تعكس بدقة أكثر ما تتضمنه صحفهم"، وقد يكون ما يقترحه ويتاكر أحد أمور كثيرة يفترض بالعرب القيام بها، كرصد الإعلام الصهيوني والغربي، أو الكشف عن مجموعات الضغط اليهودية أو الإسرائيلية في الولايات المتحدة. ولكن العرب لا يفعلون هذا ولا ذاك، إذ يكتب ويتاكر في ختام مقاله، أن العرب: "كالعادة، يفضلون الاسترخاء في مقاعدهم وهم يتذمرون حول مكائد عملاء المخابرات الإسرائيلية". هذا الكلام عن التقاعس العربي يؤكده الأمريكي رامزي كلارك (2) ، داعية السلام واحترام حقوق الإنسان، الذي قال أثناء وجوده في القاهرة في كانون الأول عام 2003: "ليس من المعقول أن يخرج مليونا مواطن أمريكي للشارع في مظاهرات عارمة، وتقوم الشرطة بضربهم وتصيبهم إصابات بالغة في أجسامهم، والعرب جالسون في بيوتهم يتفرجون علينا وكأننا قد خرجنا إرضاء لمزاجنا مع أن هذا يعتبر شأناً عربياً ولا بد من التحرك حياله" (3) . وبالمقابل يوجد موقع على الإنترنت (4)
__________
(1) (Brian Whitaker)، (The Guardian)، 12/8/2002.
(2) (Ramsey Clark).
(3) حسب "الدستور" الأردنية 25/12/2003.
(4) "فلسطين: إعلام مع مصدر" (Palestine: Information with Provenance)..توجد قاعدة البيانات ضمن موقع "جامعة كورك" (University College Cork) ويديره أعضاء من "حملة دعم فلسطين" التابعة للجامعة (UCC Palestine Solidarity Campaign).(1/11)
يشرف عليه طلاب وأساتذة في جامعة ايرلندية، يقدم أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تكشف خلفية الآراء الواردة في وسائل الإعلام حول "إسرائيل أو فلسطين"، وعملياً يشكل هذا الجهد حملة مضادة للإعلام الكثيف الموالي لإسرائيل. ولا يوجد فلسطينياً أو عربياً ما يقابل هذا الموقع، سواء من حيث المضمون أو التوجه.(1/12)
فالرأي العام، الأوروبي والأمريكي، لم يعد يصغي إلى النغمة القديمة التي تستدر العطف أو الشفقة لليهود، لتصب هذه المشاعر تلقائياً باتجاه إسرائيل، "الدولة الصغيرة، الديموقراطية، التي تتعرض منذ إقامتها لخطر وجودي" (1) ، كما يصفها شلومو غازيت، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. فقد أصبح واضحاً أن منطق استخدام العنف من قبل إسرائيل جاء نتيجة سياسة هذه "الدولة الصغيرة"، وأن هذه اللعبة لم تعد فعَّالة في أوروبا وأمريكا، خاصة وأن إسرائيل تتعمد أيضاً إظهار القوة بمواجهة الشعب الفلسطيني الأعزل، الذي يطالب بوطنه المسلوب. هذه هي الخلفية وراء نتائج الاستطلاع، الذي أجراه الاتحاد الأوروبي في خمسة عشر دولة في تشرين الثاني عام 2003، وكانت نتائجه أن 59% اعتبروا أن إسرائيل تشكل الخطر الأكبر على الأمن العالمي. وقد رأت "عصبة مناهضة التشهير" (2) اليهودية الأمريكية أن السبب يعود إلى العداء للسامية ودفعها إلى إجراء استطلاع مشابه في الولايات المتحدة في بداية شهر كانون الأول 2003 جاءت نتائجه مفاجئة، وليس كما تتوقع "العصبة"، فـ 43% وصلوا إلى الخلاصة ذاتها كما في أوروبا. ومقارنة بأوروبا وجدت "العصبة" أن هذه النتيجة تصب في صالحها، غير أن غازيت، في مقاله المشار إليه، نبه إلى أن هذا يعني نصف الأمريكيين تقريباً، وهو ما لا يمكن إرجاعه إلى "العداء للسامية"، الضعيف في الولايات المتحدة أصلاً. والكثير من الأمريكيين اليهود لا يتفقون مع اتجاه المنظمات اليهودية الأمريكية، كما أشار إلى ذلك الحاخام مايكل ليرنر (3) ،
__________
(1) حسب "شلومو غازيت" (Shlomo Gazit) في مقال نشر مؤخراً في صحيفة "معاريف"؛ أنظر "الدستور" الأردنية، 27/12/2003.
(2) (Anti-Defamation League)؛ حول الاستطلاع، أنظر موقع "العصبة" (http://www.adl.org/PresRele/Aslnt_13/4185_13.asp).
(3) (Michael Lerner)..استخدمنا كلمة "حاخام" للدلالة على رجل الدين (chaplain) اليهودي وكمقابل للإنجليزية (rabbi)، التي تعني بالعبرية أصلاً "سيدي" من "رَب" ("سيد"). ويبدو أن "حاخام" (Hakham) كانت شائعة بين أوساط اليهود الشرقيين؛ اليهودية العراقية موزيل ساسون في يومياتها من عام 1910 تستخدم هذه الكلمة إلى جانب (rabbi) في إشارتها إلى رجال الدين في العراق (حول هذه اليوميات أنظر الفصل السابع). ويمكن استخدام كلمة حَبْر أو حِبْر، جمع أحبار، كما وردت في القرآن. ولكن فضلنا "حاخام"، التي دخلت الأدبيات العربية الحديثة حول اليهود والصهيونية. وخلافاً لما يعتقده جيفري فإننا لا نرى أن كلمة "رباني"، التي ذكرت في القرآن الكريم إلى جانب "أحبار"، تعني رجل الدين اليهودي أو أنها عبرية أو سيريانية الأصل. أنظر (Arthur Jeffery, The Foreign Vocabulary of the Qur’an. Baroda: Oriental Institute, 1938, pp. 137-138).(1/13)
أحد المعارضين اليهود للعدوان على العراق.
لهذا أخذت مجموعات الضغط اليهودية تقوم بمحاولات مستميتة لاستعادة التوازن الذي فقدته كنتيجة مباشرة لبروز المقاومة الفلسطينية، مع انتفاضة الأقصى في أيلول عام 2000، وتأثيرها الجذري على الكيان الإسرائيلي. وهناك العديد من الإشارات، التي تعكس تخوف المنظمات والجماعات اليهودية من فقدان تأثيرها على الرأي العام الأمريكي يجدها القارئ في صفحات هذا الكتاب، كاستطلاعات الرأي، التي أجراها "مشروع إسرائيل" و" إسرائيل القرن الحادي والعشرون" أو الحملة بين الطلاب، التي نظمتها أيباك بين أوساط الطلاب الأمريكيين في "مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط" (1) . وهذا التخوف لم يأت نتيجة حملة عربية رسمية لمجابهة مجموعات الضغط اليهودية، بل أفرزته المقاومة الفلسطينية، التي أصبحت المقاومة العراقية اليوم حليفها المباشر.
يبقى أن هذا الكتاب هو تسجيل لمواقف مرتبطة بالعدوان على العراق، الذي لا يمكن حصر دوافعه بمجرد تحقيق مآرب إسرائيلية أو يهودية. فمن الواضح أن العدوان يمثل، في النهاية، ظاهرة متعددة الأهداف، من بينها محاولة التصدي للركود الاقتصادي العالمي، يتجاوز تحليلها إطار هذا الكتاب وطبيعته. وعلى المستوى الإعلامي، عكست ردود الفعل على العدوان بدرجات متفاوتة الارتباط مع الأوضاع في فلسطين. والأمريكي اليهودي توماس فريدمان (2) ، كما استشهدنا به في مطلع الكتاب، يدرك تماماً العلاقة بين فلسطين والعراق، التي شبهها بجنين كبرى، وبالفعل جاء العدوان على العراق بسبب التهديد الذي تعرضت له ناتانيا، التي تقع في أمريكا الصغرى، أي إسرائيل. والفلسطينيون يحسون بالفخر أن تكون العراق جَنين المقاومة الأكبر في العالم العربي.
__________
(1) (Saban Center for Middle East Policy).
(2) حسب مقابلة أجراها معه "آري شافيت" (Ari Shavit) ونشرت في صحيفة (Haaretz)، 6/4/2003.(1/14)
وفي الختام، لم يكن ممكناً لهذا الكتاب أن يأخذ شكله النهائي بدون القراءة المتأنية لوسام عبد الله، التي قامت بتحرير النص ومراجعته، لا بل مناقشته معي لأكثر من مرة أثناء تطور العمل، فلها كل امتناني وتقديري.
د. خالد الناشف
عمان، 31 كانون الثاني 2004
***
جنود أمريكيون يهود
في العراق
"ستكون التوراة إلى جانبهم بينما يقومون بتحرير شعب آخر. خلال التاريخ اليهودي كانت التوراة دائماً إلى جانبنا. ونحن فخورون بجنودنا الذين يحملون التوراة معهم ويمكنون شعوباً أخرى من العيش بحرية".
جوزف بوتاسنيك، رئيس "مجلس حاخامات نيويورك"
"فوجئت برؤية كل هذه اليهودية في ساحة الحرب".
الملازم أول أبراهام فالكوفيتس(1/15)
تكتسب مشاركة جنود أمريكيين يهود (1) في القوات الأمريكية أهمية خاصة في الإطار العام للعدوان على العراق من حيث الأهداف المعلنة أو غير المعلنة. فمن وجهة نظر إسرائيلية يعتبر اليهودي إسرائيلياً بالولادة، لهذا يمكن الافتراض أن الجنود الأمريكيين اليهود هم عملياً إسرائيليون شاركوا في العدوان على العراق وغزوه، وإن لم يذكر هذا الانتماء، أو يؤكد، علنياً. ولكن هناك حالات تشير إلى أن الجندي الأمريكي اليهودي كان مقيماً في إسرائيل، أو قضى فيها فترة طويلة، ما يعني أنه إسرائيلي قانونياً، وربما خدم في الجيش الإسرائيلي. مجموعة من الضباط اليهود يعملون كحاخامات لرعاية الجنود اليهود الملتحقين في فرق عسكرية مختلفة. وكان هؤلاء يقيمون قداسات أيام السبت والأعياد، كعيد الفصح، رأس السنة، عيد المظلة، وعيد الأنوار، التي جاءت بدايتها بعد أسبوع واحد من سقوط بغداد في التاسع من نيسان. وأجريت هذه المراسيم الدينية في قواعد عسكرية في العراق، الكويت، وقاعدة باغرام الأمريكية في أفغانستان، وأحياناً في خيم خاصة نصِّبت لهذا الغرض وفي القصور الرئاسية في بغداد.
__________
(1) لا توجد أرقام مؤكدة لعدد الجنود اليهود، المتمركزين في المنطقة أو شاركوا في العدوان على العراق، وبعض المصادر تذكر رقم 1200 جندي، وهو ما قد يشمل أيضاً الجنود اليهود في أفغانستان، أنظر (The Jewish Week)، 10/10/2003. الرقم "1200" يذكره أيضاً موقع طائفة لوبافيتش، أنظر (Lubavitch News Service)، 10/10/2003. ولكن موقع "الاتحاد الأرثوذكسي" (Orthodox Union) يذكر "2000 إلى 3000" جندي؛ أنظر: (http://www.ou.org/other/5763lphonecards63.htm). قارن أيضاً (The Jewish Week)، 14/4/2003، التي تذكر رقم 2000؛ وبمناسبة الاحتفال بعيد راس السنة في أحد القصور الرئاسية في بغداد ذكر أن عدد الجنود اليهود هو خمسمائة جندي، أنظر (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2003.(1/16)
دعم عدد كبير من المنظمات والجماعات اليهودية في الولايات المتحدة، وخاصة ولاية نيويورك، هذه الاحتفالات الدينية بأشكال مختلفة، كتوفير الحاجات الطقوسية اللازمة والأغذية المناسبة. ويلاحظ التكاتف الذي أبدته هذه المنظمات والجماعات لرعاياها على اختلاف انتماءاتها، ولكن الأهم من ذلك هو أن هذه المنظمات التي تقدم الدعم "المعنوي" للجنود في الأعياد، تقوم بذلك خدمة لأغراض سياسية جوهرها دعم العدوان الأمريكي. هذا الدعم متبادل ويظهر في موقف وزارة الدفاع الأمريكية لتسهيل عمل هذه المنظمات. والكثير من تصريحات رجال الدين اليهود لا تخلو من توجهات عنصرية تنحاز إلى جانب اليهود واليهودية. ولن يخفى على العراقي أو العربي عنصرا الإهانة والتشفي اللذان يشوبان بعض هذه التصريحات، وهو ما يؤكد الطابع الانتقامي للعدوان على العراق بسبب مواقفه القومية تجاه القضية الفلسطينية.
"أيام عصيبة"
قبل بداية العدوان على العراق، انتاب الآباء والأمهات في أمريكا القلق على "المصير المجهول" الذي ينتظر أبناءهم اليهود، فقد التحق الكثير منهم بالخدمة في الجيش الأمريكي بمحض إرادتهم، كمايكل هينكن (1) وكايتس فينلي (2) ، اللذين كانا قد وصلا إلى الكويت استعداداً لغزو العراق. فوالد مايكل الحاخام ألان هينكن (3) في إنكينو (كاليفورنيا) لم يكن متحمساً في البداية لالتحاق ابنه في احتياط الجيش، ولكن الإبن رأى في الخدمة العسكرية "مغامرة وفرصة للتوحد مع رجال ونساء طيبين وأن يخدم بلاده"، ومنذ ذلك الحين اتخذ الأب "موقفاً داعماً" لما عزم ابنه عليه (4) .
__________
(1) (Michael Henkin).
(2) (Kayitz Finley).
(3) مدير "اتحاد الطوائف العبرية الأمريكية" (Union of American Hebrew Congregations).
(4) (Jewish Journal)، 21/3/2003.(1/17)
هذا الحاخام قال أن العائلات تمر بـ "أيام عصيبة"، وهم قلقون على أحبائهم، الذين "سيواجهون قريباً صدام، القائد القاسي، الذي قام بقتل شعبه بالغاز ومئات الآلاف الآخرين في حروب مع إيران والكويت". وقد تكون مشاعر الخوف أكثر حدة بالنسبة لعائلات وزوجات الجنود اليهود، أكثر من غيرهم، بالنظر لـ "عداء صدام الشديد للصهيونية، ويستطيع المرء التكهن بما سيحل بالجنود الأمريكيين اليهود إذا ما وقعوا في الأسر". ولهذا لم تشجع إحدى الضابطات الأمريكيات، أحجمت عن ذكر اسمها، الجنود اليهود على التحدث إلى صحيفة "جويش جورنال" اليهودية.
ولم تكن لدى الحاخام مورديخاي فينلي (1) من لوس أنجلوس، أي هواجس عندما حسم ابنه كايتس أمره فترك الكلية والتحق بالمارينز. فالأب نفسه خدم في المارينز بين الأعوام 1973 و1976، وثمّن هذه التجربة التي "منحته حساً بالهدف والانتظام"، بالرغم من أن زملاء كايتس في الكلية "كانوا في حيرة من أمرهم كيف يقدم شاب يهودي ذكي على سلوك هذا الدرب الخطر". ولكن بالنسبة للحاخام فينلي لا يوجد ما هو أعظم من خدمة الوطن "وخاصة إذا كان الهدف هو نزع أسلحة طاغية عنيف وعدواني كصدام". ومنذ التحاقه بالمارينز عام 2000 عمل كايتس إلى جانب الجنود الكينيين في أفريقيا ورأى العالم، وحصل على منحة حكومية لإكمال دراسته الجامعية (2) . وسيحتفل الابن كايتس فيما بعد بعيد الفصح في بغداد، ويتجول بحرية في العراق ويكشف عن هويته الدينية أمام العراقيين بشكل متعمد وبدون أي حرج (3) .
كما في إسرائيل
__________
(1) (Mordechai Finley). رئيس "طائفة نور التوراة" (Or HaTorah) ورئيس "أكاديمية الديانة اليهودية" (Academy for Jewish Religion).
(2) (Jewish Journal)، 21/3/2003.
(3) أنظر أدناه ص 30.(1/18)
بداية نيسان 2003، وقبل الذهاب إلى العراق، كانت جوانا كوهين (1) من لونغ أيلاند (نيويورك) تتدرب في قاعدة عسكرية لم يكشف عن اسمها في ولاية أيوا. وفي أيوا سيتي تجولت كوهين بزيها العسكري ودخلت أحد المقاهي الجامعية، التي "تعبق بالدخان"، فصرخت بها "مجموعة هوجاء" من الطلاب: "ينبغي أن لا تكوني هنا"، وتقدم منها شباب للاعتراض شخصياً على الحرب المزمعة. وتقول كوهين أن أحداً لم يسألها عن رأيها، ولكن هذا لا علاقة له بالموضوع، فهي تقوم بواجبها، وتقوم بذلك "مرفوعة الرأس". لكن كوهين تصبح فجأة إسرائيلية: "بالتأكيد أشعر بالكبرياء، وهذا شيء لا يشعر به كل شخص في أمريكا، بخلاف إسرائيل. وفي الحقيقة أعتقد أن على أمريكا أن تلزم كل شخص بالتدريب العسكري بعد الانتهاء من الكلية. إن هذا يفتح الأعين على كيف يسير العالم، ويعلم المسؤولية". الجنود الآخرون كانوا يسألون كوهين عن آرائها السياسية، وخاصة في ضوء الإشارات المستمرة في وسائل الإعلام إلى إسرائيل. فتقول كوهين: "هذا ليس بالأمر السيئ ولكنه يحزنني أحياناً". الجنود الآخرون لا يعرفون الكثير عن إسرائيل، ولكنهم يعرفون أنها وراء الكثير من المشاكل في الشرق الأوسط. وفي مواجهة هذا الوضع تقول كوهين: "أحياناً أمزح بأنه ربما ينبغي علي تغيير الصفيحة المعدنية التي تحمل اسمي، لأنني سأكون الهدف الأول في العراق. أنا أخشى أن أكون يهودية في العراق". وأخيراً تم إرسال كوهين باتجاه العراق، وكذلك الرقيب بينجامين روثمان (2) (نيو جيرسي)، الذي كان متمركزاً في القاعدة نفسها (3) .
وجبات عيد الفصح
__________
(1) (Joanna Cohen).
(2) (Benjamin Rothman) من "فرق المهندسين" (Army Corps of Engineers).
(3) (Forward)، 11/4/2003.(1/19)
لم تجر الأمور كما ينبغي بالنسبة للجنود اليهود في الكويت والعراق أثناء عيد الفصح اليهودي، الذي ابتدأ يوم السادس عشر من نيسان 2003، ليس بسبب "المعارك"، التي كان الجيش الأمريكي ما زال يقودها في العراق، بل لأنه لم تكن هناك مؤن غذائية مناسبة وكافية لوجبات عيد الفصح، الذي يمتد إلى ثمانية أيام. فالرائد دافيد روزنر (1) ذكر أن وجبات العشاء ("سيدريم") في الكويت احتوت على الحد الأدنى من مأكولات الكوشر (2) . هذه القضية الحيوية، التي قد تؤثر على سير عملية "الحرية العراقية"، ألزمت جيرولد نادلر (3) ، النائب الديموقراطي عن مانهاتن، على التدخل لدى "القوات الجوية" لإرسال المزيد من الغذاء الكوشر إلى الكويت والعراق. ولكن النائب، بعد حصوله على إجابات متضاربة من تلك القوات و"مجلس الرفاه اليهودي" (4) المسؤول عن تزويد المؤن الغذائية، قرر أن عليه مناقشة هذه القضية لأهميتها القصوى مع دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي، والجنرال ريتشارد مايرز، رئيس الهيئة المشتركة للأركان الأمريكية. اليهودية ليا دون (5) ، إحدى عناصر القوة الجوية في الكويت، لم تعرف على من تضع اللوم للنقص في أغذية الكوشر، وقالت أن المنظمات اليهودية قامت بجمع عشرات الآلاف من الدولارات حتى يقوم "مجلس الرفاه اليهودي" بإرسال مواد غذائية، وتضيف "بهذا المبلغ يمكن شراء الكثير، أين هذا كله؟ ليس لدينا كميات كافية من الغذاء لعيد الفصح ... لم يصلنا أي شيء على الإطلاق".
__________
(1) (David Rosner). روزنر كان أيضاً في العراق، أنظر موقع (Jewish Educators Network): (http://www.jewisheducatorsnetwork.com/pages/1/index.htm).
(2) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2003.
(3) (Jerrold Nadler).
(4) (Jewish Welfare Board).
(5) (Leah Dunne).(1/20)
ويقول بروس غرينفيلد (1) "إنه أمر مريع. هناك كل أولئك الناس، الذين اعتقدوا أنهم يشاركون في عمل خيري ("ميتسفاه") في غاية الأهمية وسيصابون بخيبة أمل كبيرة عندما يعلمون أن أغذية عيد الفصح لم تصل إلى هناك". ومهما كان الأمر، فقد تفقد المقدم ميتشل أكرسون (2) (بالتيمور)، الحاخام الأعظم في مسرح العمليات (3) ، المؤن اللازمة بعد وصوله إلى الكويت في الأسبوع الأول من نيسان 2003 (4) ، فوجد أن "السلامي" المرسلة كانت كلها متضررة. وحسب رأيه الشخصي فإن ما هو متوفر من المؤن الغذائية غير كافٍ لوجبة عشاء ("سيدر") واحدة، فكيف سيكون الأمر بالنسبة لبقية الأسبوع؟ (5) .
"وثنية"
__________
(1) (Bruce Greenfield)، المدير التنفيذي لـ "منطقة مدينة نيويورك للكنيس المتحد لليهودية المحافظة" (New York Metropolitan Region of the United Synagogue of Conservative Judaism).
(2) (Mitchell Ackerson).
(3) حسب رسالة له في بداية شهر نيسان 2003 أرسلها إلى (Frum.org). "فروم" موقع
صهيوني يديره "مايكل وينر" (Michael Winner). ويشار إلى أكرسون بأنه "حاخام
أرثوذكسي ورجل دين عسكري" يتمركز في الكويت ويقوم برحلات إلى العراق،
حسب موقع لـ "الاتحاد الأرثوذكسي" (Orthodox Union)، أنظر:
(http://www.ou.org/other/5763lphonecards63.htm).
(4) حسب الرسالة الأولى له في بداية شهر نيسان 2003 إلى (Frum.org).
(5) (The Jewish Week)، 14/4/2003.(1/21)
بعد حوالي أسبوع أخذ الحاخام أكرسون يتنقل في جنوب العراق للتحضير لإقامة مراسيم عيد الفصح بين الجنود اليهود، في حين كان زميلاه الحاخامان إلسون وهويرتا يتحركان في منطقة غير محددة في الشمال (1) . وأثناء وجوده في المنطقة زار الموقع الأثري أور ولم يكن بإمكانه تجنب رؤية "المعبد الوثني" في الموقع، ويقصد المعبد المرتفع المعروف باسم "الزقورة". وفي العادة هو لا يصرف الكثير من الوقت في التفكير بالمعابد الوثنية، على حد تعبيره، ولكن هذا المعبد أثار انتباهه بحجمه الهائل وموقعه المشرف على ما يصفه بأنه "قرية أور ببيوتها المنخفضة، التي لا يتعدى ارتفاعها طابقاً واحداً وطابقين في أفضل الحالات". هذه "القرية" هي أحد أكبر مواقع المدن الأثرية في العالم وأهمها، ولكن أكرسون يتساءل "مندهشاً" كيف خرج إبراهيم من هذا المكان الذي يطل عليه "المعبد الوثني" المهيب؟ وفجأة يجد الجواب، وهو أن إبراهيم استطاع أن يشق طريقه عبر هذا الظلام الوثني مهتدياً بنور التوحيد، ليصل إلى حران، ثم إلى ما يسميه بـ "أرض إسرائيل"، وهو الاسم الذي أعيد إحياؤه بعد أربعة آلاف سنة من الفترة التي يفترض أن إبراهيم عاش فيها. ويفكر الحاخام أن هناك اليوم وثنية من نوع آخر لا تتماشى مع قيم التوراة، كما يقول، وهي: "وثنية المال، السلطة، الجشع والثقافة الشعبية". ولا يحدد أين توجد هذه الوثنية المعاصرة، وإن كان أفضل مكان تتجسد فيه هو البلاد التي جاء منها ويدافع عن قيمها في أكثر من مناسبة. (2)
__________
(1) الإشارة إلى السون وهويرتا في رسالة أكرسون الأولى من الكويت، أنظر (Frum.org).
(2) رسالة أكرسون الثانية من الكويت، أنظر (Frum.org).(1/22)
وربما بالقرب من ذلك "المعبد الوثني"، نصبت خيمة الكنيس للاحتفال بعيد الفصح بالرغم من عاصفة رملية هبت في المكان، ولكن الزوبعة هدأت، لحسن الحظ، قبل البدء بوجبة العشاء (السيدر). حضر إلى الخيمة أربعة عشر جندياً في الليلة الأولى، وعشرين في الليلة الثانية. كانوا خليطاً من الجنود الفعليين، الاحتياط، الضباط، والمنتسبين، وأحدهم كان من صحيفة "النيويورك تايمز". مكونات وجبة عشاء العيد جاءت من متبرعين عديدين: "مجلس الرفاه اليهودي"، "مؤسسة ألف" (1) (فلوريدا)، "أكاديمية سان دييغو العبرية" (2) ، "مجلس حاخامات بالتيمور" (3) . وتكلم الجميع عن "الحرية، الديموقراطية، والعدالة، وأن هذه هي المثل العليا للشعب اليهودي". وكل واحد من هؤلاء كان يغني بحيوية: "العام القادم في القدس، التي أعيد بناؤها" (4) .
"الرب معي، فلا يروعني شيء"
__________
(1) (Aleph Institute).
(2) (San Diego Hebrew Academy).
(3) (Baltimore Board of Rabbis).
(4) رسالة أكرسون الأولى من الكويت، أنظر (Frum.org).(1/23)
يقول الملازم أول أبراهام فالكوفيتس (1) ، الذي كان يحتفل بعيد الفصح في إحدى الخيم في العراق: "فوجئت برؤية كل هذه اليهودية في ساحة الحرب". هذا الاحتفال نظمه الرائد جوناس فوغلهوت، الذي كان يقيم في البداية قداسات يوم السبت (الشابات) في الكويت (2) ، بعد أن خرج من مكانه السري يرافقه رجلا الدين ياكوفاتس (3) وواينيك (4) ليصلوا إلى موقع اسمه "أوبجيكتيف غرادي" (5) . وكان في استقبالهم هناك رجل الدين كارلوس هويرتا ومجموعة من عشرة جنود يهود من "الفرقة 101 المحمولة جواً". واشتملت المجموعة على مشاة، طيارين، أطباء، وسائقي سيارات شحن. وأفسحت هذه المناسبة المجال للتأمل بـ "التاريخ" واستخلاص العبر. يقول فوغلهوت: "نحن الشعب اليهودي كنا مرةً عبيداً. وبشكل مشابه، وعلى مدى جيل، تعرض الشعب العراقي للاضطهاد من قبل صدام حسين. والآن كلانا أحرار. الويلات التي أنزلها الرب بالفرعون المصري، أنزلها بصدام حسين: الحصار، القيود، الحرب، وربما الموت. والآن، كاليهود الذين عبروا البحر الأحمر، على العراقيين أن يقوموا بإعادة بناء حياتهم وتعليم الحرية لأطفالهم". وعندما جلس الجميع في الخيمة كانوا يفتقدون العائلة والأصدقاء في باسادينا (كاليفورنيا)، بيتسبورغ (بنسلفانيا)، فينيكس (أريزونا)، بروكلين (نيويورك)، وأورلاندو (فلوريدا). وأنشد الجميع الأغاني والمزامير، كالمزمور 118، الذي استشهد منه الحاخام هويرتا بالعبارة التالية: "الرب معي، فلا يروعني شيء" (6) .
"تحرر وتحرير"
__________
(1) (Abraham Falkowitz).
(2) (Jewish Telegraphic Agency)، 21/3/2003.
(3) (Yacovac)، من "الفرقة الثالثة مشاة" (3rd Infantry Division).
(4) (Waynick)، من "القيادة المساندة 24" (24th Support Command).
(5) (Objective Grady).
(6) (Jewish War Veterans of the United States of America)، خريف 2003، المجلد 56/4.(1/24)
رجل الدين إرفينغ إلسون (1) شعر من خلال احتفاله بعيد الفصح في العراق أنه، بالإضافة إلى أنه "تحرر"، قام أيضاً بـ "تحرير" الشعب العراقي. قبل أربعة أيام من بداية العيد كان إلسون مع فرقته في العراق، وذهب إلى "معسكر كوماندو" في الكويت ليحضر مؤن عيد الفصح التي تبرع بها "مجلس رجال الدين اليهود" (2) و"العديد من المنظمات اليهودية الأخرى"، بالإضافة إلى ما أرسلته العائلة والأصدقاء. فرقة المارينز الأولى (3) ، التي اتخذت من مجمع الحرس الجمهوري العراقي في بغداد مقراً لها، أقامت لليهود في أفواجها أربعة احتفالات لعيد الفصح (4) ، أحدها في "مكان الإقامة الرسمي لوزير الإعلام، بوب بغداد الشائن"، ويقصد رجل الدين بذلك وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف. اكتسب هذا الاحتفال معانٍ خاصة بالنسبة لإلسون، كما يقول. ففي الموقع كانت الكهرباء والمياه مقطوعة، فأضيئت القاعة بالشموع التي أحضرها الأب بيل ديفاين (5) وخوفاً من القناصة أغلقت النوافذ.
__________
(1) (Irving Elson)، المقدم في قوة "طلائع المارينز الأولى". يخدم في العراق حسب (Jewish War Veterans of the United States of America)، الخريف، المجلد 56/4.
(2) (Jewish Chaplains Council)، التابع لـ "مجلس الرفاه اليهودي".
(3) (1st Marine Division).
(4) أجري الاحتفال الأول في رواق أحد أبنية مجمع "الحرس الجمهوري" والثاني في "مقر المخابرات العراقية"، وهذا الموقع الأخير ليس "مقر المخابرات" العام، الذي قصفته القوات الأمريكية؛ المقصود مقر المخابرات للحرس الجمهوري، كما يتضح من خطاب مفتوح للحاخام مورديخاي فينلي نشر في (ChronWatch)، 20/8/2003. جرى الاحتفال الثالث في "الأكاديمية العسكرية العراقية".
(5) (Bill Devine).(1/25)
لم يكن لديهم الأغذية المناسبة للعيد، ولكنهم فتحوا ما توفر من رزم أغذية الكوشر اللذيذة، وكانت من بينها علبة من الخضروات المخللة أرسلها لإلسون "أحدهم من إسرائيل". كان الحاخام يحتفل مع رعيته بـ "عيد الحرية" ويحيط بهم "أناس بدؤوا بتذوق حلاوة الشعور بأنهم شعب لم يعد مضطهداً". ولدى عودته إلى الكويت استقل مروحية، وأثناء تحليقها أخذ يتأمل الريف العراقي ويفكر بما "أنجزه المارينز، الجنود، والطيارون. كنا شركاء مع الرب العظيم، الذي فعل للشعب العراقي ما فعله معنا في مصر. هذا حقاً موعد مع الحرية والخلاص" (1) .
حيرة بين بزتين
__________
(1) (Jewish War Veterans of the United States of America)، خريف 2003، المجلد 56/4.(1/26)
في الأول من نيسان 2003 اتصل الحاخام إلسون بعائلة العريف مارك إفنين (1) في برلينغتون (فيرمونت) ليستفسر أين يجده في ساحة المعركة. لم يكن إفنين كبقية الأمريكيين، فقد كان كـ "صبرا" (2) ، مهتماً منذ طفولته بالجيش. ويتذكر جده لأمه ماكس وال (3) : "كان عنده شعور متأصل بأن عليه أن يخدم وطنه، ولكن السؤال الوحيد هو أي بزة عسكرية كان عليه ارتداؤها" الأمريكية أم الإسرائيلية، ولا يبدو أن هناك فرقاً بين الاثنتين. تقول أمه: "بعدما أصبح من المارينز والتقى جنوداً إسرائيليين كان يتكلم عن الذهاب إلى إسرائيل يوماً ما ليلتحق بالجيش الإسرائيلي"، دون أن توضح أين وكيف التقى ابنها بالجنود الإسرائيليين. وتضيف: "أنا متأكدة أن الأمر الذي كان يعنيه هو أنه يقوم بشيء سيساعد، على الأغلب، إسرائيل الآن". وعندما كان في الكشافة كان يصر على ارتداء القلنسوة، بالرغم من أنه لم يكن متديناً، فقد كان "يهودياً وطنياً، آمن بوطنه وأحب إسرائيل". تلقى إفنين تدريبه العسكري في "معسكر ليجون" (4) (نورث كارولاينا)، وقبل إرساله إلى الكويت كان في "معسكر بندلتون" (5) (كاليفورنيا). وتتذكر أمه أنه ورفاقه في المارينز كانوا يقرؤون كتب هاري بوتر (6) ، وتقول: "يعجبني أنهم كانوا يقرؤون كل هذه الأشياء الحلوة، لأنهم يبدون كأولئك القتلة". وفي العراق كانت المهمة الحاسمة له هي الكشف عن القناصة العراقيين (7) وقيادة عربة باتجاه بغداد فيها قناص أمريكي والصحافي جون كوبمان (8)
__________
(1) (Mark Evnin)؛ كان إفنين يخدم في الكتيبة الثالثة، الفوج الرابع للفرقة الأولى للمارينز.
(2) مصطلح يطلق على اليهودي المولود في إسرائيل.
(3) (Max Wall)، الحاخام الشرفي في "كنيس أوهافي صيديق"(Ohavi Zedek Synagogue).
(4) (Camp Lejeune).
(5) (Camp Pendleton).
(6) (Harry Potter).
(7) مقال "الجويش ويك" يذكر أن إفنين نفسه كان قناصاً.
(8) (John Koopman)..(1/27)
من "السان فرانسيسكو كرونيكل". في الثالث من نيسان 2003 تعرضت قافلة إفنين في مدينة الكوت لإطلاق نار فأصيب ولقي حتفه أثناء نقله من المكان (1) .
"اليهود ... نور الشعوب"
عندما عاد أكرسون إلى الكويت، بعد أسبوع ونصف قضاها في "بغداد وضواحيها"، أخذ يتأمل بما رآه هناك، وإلى واقع الخراب الذي تسببت به الحرب والقصف وإطلاق النار طوال الليل وتذكر ماريو كوؤمو (2) عندما استشهد بمطلع رواية تشارلز ديكينز "قصة مدينتين": "كانت أفضل الأزمنة، كانت أسوأ الأزمنة". وربما فكر رجل الدين أن "تحرير العراق" كان "أفضل الأزمنة" لإسرائيل، و"أسوأ الأزمنة" للعراق. الحاخام تأمل أيضاً في بعض "قصور صدام"، ونام في أحدها، لترد إلى ذهنه مقولة للفيلسوف الأمريكي جورج سانتايانا كان يطلب من تلاميذه أن يحفظوها: "من لا يتذكر الماضي مدان بأن يكرره"، والعبارة نفسها ذكرها تشرشل، مستبدلاً "يتذكر" بـ "يتعلم من". فالأمريكي أو اليهودي، لا فرق بالنسبة لأكرسون، عليه أن "يتذكر الماضي" أو "يتعلم منه"، حتى لا يكون موضع إدانة. ففي الماضي البعيد من لا يتذكر "تمادي اليونان، أو هيرود؟ وماذا عن الرومان؟ أو الصليبيين؟". وكذلك في جيلنا "هناك هتلر، عيدي أمين، آية الله، ستالين، تشاوشيسكو، وعرفات، وغيرهم". ويوضح لنا أكرسون فلسفته: "لدينا رئيس وقوات مسلحة لم تتذكر فحسب، بل تعلمت أيضاً من الماضي ورأوا في حسين ما رفض الغير رؤيته".
__________
(1) (Jewish Telegraphic Agency)، 8/4/2003؛ (The Jewish Week)، 11/4/2003.
(2) (Mario Cuomo)، حاكم نيويورك في الثمانينات من القرن الماضي. الديموقراطي كوؤمو في خطابه، الذي ألقاه في سان فرانسيسكو بتاريخ 16 تموز 1984 في رد على الرئيس رونالد ريغان: "سيدي الرئيس، ينبغي عليك أن تعرف أن هذه الدولة ليست ‘مدينة باهرة فوق هضبة’ هي قصة مدينتين".(1/28)
وفجأة يصبح ضمير "نحن" عائماً، عندما يبدأ بالحديث عما يتذكره اليهود، ليقول: "نحن نستطيع القول هذه المرة، وعلى الدوام، أننا نحمل على عاتقنا مسؤولية إصلاح العالم وإبعاد الشر عن وجهه". وها هو يجعل "اليهود" يعلون فوق كل شيء في هذا العالم، كما كانت تفعل النازية بالنسبة للشعب الألماني، إذ يكمل "تأملاته" بالقول: "كيهود علينا أن نصفق لما حصل هنا فنحن نتذكر أكثر من الآخرين". وعندما يستخدم الحاخام كلمة "إسرائيل" فهو يخلط بشكل مقصود بين مفهومين، قديم وحديث، ليؤكد أن "إسرائيل" أيضاً تعلو فوق كل شيء: "فكما تذكر الرب (1) وعده لنا، علينا نحن أيضاً أن نتذكر التزاماتنا، أن نكون نوراً للشعوب، لتذكيرهم بالتاريخ ودروسه، حتى لا ندان بالشر، وحتى نكافأ بأيام طوال من السلام لنا ولإسرائيل ولكل العالم ... إلى الأبد" (2) .
السبت (الشابات) في بابل
__________
(1) يستخدم أكرسون الكلمة العبرية "هاشيم" ("الاسم") بدلاً من "الرب".
(2) رسالة أكرسون الثالثة من الكويت، أنظر (Frum.org).(1/29)
الكولونيل أفروهام هوروفيتس (1) ترعرع ودرس الديانة اليهودية في القدس، يخدم في المارينز، وهو حاخام آخر دعي من "معسكر كوماندو" في الكويت ليجري احتفالات يوم السبت (الشابات) في معسكر بابل في حزيران 2003، وتلك هي المرة الأولى التي يحضر فيها إلى بابل، وكان يتصل مع الجنود اليهود بالبريد الإلكتروني. ويتعاون مع قادة المارينز حتى يتمكن الجنود اليهود من الحفاظ على حرمة يوم السبت، وعندما سمع الجندي جون ليفين (2) (غارلاند، تكساس) عن إقامة القداس أصابه الحماس: "آخر مرة ذهبت إلى القداس كانت في آذار عندما كنت في معسكر كوماندو". ولم يتمكن ليفين من الحضور يوم الجمعة لحضور الاحتفال فوصل في اليوم التالي بعد أن خصصت ثلاث عربات لمجرد نقله إلى المعسكر حيث يقام القداس. وعمل هوروفيتس لم يقتصر على إجراء المراسيم الدينية فقط، فهو أيضاً "رسول لعقيدته"، فأثناء وجوده في العراق تمكن، مع حاخامات آخرين، من زيارة "ضريح النبي حزقيال" في الكفل، جنوب غرب الحلة، ولكنه لا يشير إلى "مرقد ذي الكفل"، الاسم الفعلي للموقع، بل يصفه بأنه "الكنيس القديم الذي كان يستخدمه المسلمون للصلاة" وأنه كان قبل خمسين سنة "سوقاً يهودياً". وهناك تحدث مع رجل الدين المسلم المسؤول عن المرقد، الذي ربما أخبره أن "ذي الكفل" هو إحدى الشخصيات المذكورة في القرآن.
__________
(1) (Avroham Horovitz). اسم الكولونيل حسب "هندرسون هال نيوز"، المصدر الآخر يذكر اسمه على نحو: أفروهوم. يتبع هوروفيتس الكتيبة الثالثة من فوج المدفعية السابع والعشرين لفورت براغ (Fort Bragg) (نورث كارولاينا)، ويخدم في العراق والكويت حسب (Veterans News and Information Service)، 28/6/2003.
(2) (Jon Levine).(1/30)
وهوروفيتس الـ "كثير التجوال"، يقول أنه "أولاً، رجل دين في وحدته وحاخام في الوقت نفسه ويقضي معظم وقته بالعناية بوحدته"، وأنه "كالنبي حزقيال يمنح الأمل ليس للجنود في كتيبته فحسب، بل أيضاً لأي شخص يخدم في عملية الحرية العراقية" (1) . وأثناء وجوده في بابل أدلى لأحد مراسلي المارينز بمعلومات حول بابل التاريخية (2) ، ولكنه أطلق على فلسطين تسمية "إسرائيل" عندما وقع السبي البابلي في القرن السادس ق. م.، بالرغم من أن "إسرائيل" لم تكن موجودة في تلك الفترة. كما أبلغ الجنود اليهود والمارينز بأن لهم الحق بارتداء القلنسوة (3) . وهكذا امتدت استباحة العراق لتشمل رموزاً دينية كالقلنسوة.
"تفاح وعسل"
__________
(1) (Veterans News and Information Service)، 28/6/2003.
(2) (Henderson Hall News)، 20/6/2003. "هندرسون هال نيوز" (واشنطن) هي نشرة أنباء أمريكية للمارينز.
(3) (Veterans News and Information Service)، 28/6/2003.(1/31)
كان من الضروري أن يحتفل الجنود اليهود العاملون في الكويت والعراق بالأعياد على أفضل وجه، لهذا تطلب الأمر عدداً من التحضيرات، من بينها "مبادرة" لـ "شبكة المربين اليهود"، التي حشدت لهذا الهدف "حاخامات، سياسيين، متطوعين، ومسؤولين عسكريين". وتقول ميريديث فايس (1) ، رئيسة الشبكة ومؤسستها: "كنا نريد لقواتنا أن تحتفل بالأعياد اليهودية بالشكل المناسب، وأن يشعروا بأننا هنا نفكر بهم في هذه المناسبة الخاصة". وقد بدأت فكرة إرسال بعض أطعمة الكوشر قبل أشهر عندما كانت فايس تتبادل الرسائل بالبريد الإلكتروني مع "المارين اليهودي"، الرائد دافيد روزنر، وتحولت الفكرة إلى عملية كبرى أطلق عليها اسم "تفاح وعسل"، في إشارة إلى بداية طقوس عيد رأس السنة اليهودية (2) . وتدخل المقدم ميتشل أكرسون لترسل رسائل إلى "المئات من الحاخامات في الولايات المتحدة" للمساهمة في المشروع. وبرزت الرغبة في الحصول على لفافات توراة أصلية، أي تلك المكتوبة بخط اليد على الرَّق، وليس نسخاً ورقية عادية (3) . وشارك في جهود التنسيق مع "شبكة المربين اليهود" الحاخام جوزف بوتاسنيك (4) ، رئيس "مجلس حاخامات نيويورك" (5) ، فاختار لفافات التوراة التي سترسل للقداسات في الكويت والعراق، وقام بتغطية تكاليف التأمين التي بلغت عشرة آلاف دولار. ولم يكن من السهل تأمين هذه اللفافات في منطقة حروب، ولكن هيرب ليبين (6) من شركة "غراميرسي إنشورانس" (7) تمكن من إقناع شركة لويد في لندن بتقديم بوليصة تأمين تشمل جميع المخاطر، بما في ذلك "الإرهاب" (8) .
__________
(1) (Jewish Educators Network)، (Meredith Weiss).
(2) يؤكل التفاح بعد غمسه في العسل.
(3) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2003.
(4) (Joseph Potasnik).
(5) (New York Board of Rabbis).
(6) (Herb Lippin).
(7) (Gramercy Insurance)، ريغو بارك (الكوينز، نيويورك).
(8) (The Jewish Week)، 17/10/2003..(1/32)
ويشعر بوتاسنيك بالعرفان لـ "الأمريكيين، الذين قاموا بتحرير عائلته من المحرقة"، ويقول أن غطاء إحدى هذه اللفافات يحمل إهداء لذكرى عائلته التي ستكون فخورة بالجنود الأمريكيين اليهود: "ستكون التوراة إلى جانبهم بينما يقومون بتحرير شعب آخر"، ويضيف: "خلال التاريخ اليهودي كانت التوراة دائماً إلى جانبنا. ونحن فخورون بجنودنا الذين يحملون التوراة معهم ويمكنون شعوباً أخرى من العيش بحرية" (1) . ولكن بوتاسنيك أو غيره من الحاخامات لم يسأل تلك الشعوب ما إذا كانت تريد من التوراة أو ممن يحملها أن يقوم بتحريرها، أو بالأحرى استعبادها من قبل القوى، التي تقف وراء الحاخامات. وما ينبغي تحريره ليس الشعب العراقي، وإنما التوراة، التي كانت وما زالت تستغل في خدمة الاستعمار.
"شبكة المربين اليهود"، التي نظمت مشروع "تفاح وعسل"، منظمة يهودية أمريكية جديدة تضاف إلى العشرات من المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة. تستهدف المنظمة "المربين" اليهود، الذي يعملون في مدارس عامة أو خاصة، وتقوم بتنظيم ورشات عمل لهم للتعامل مع "عداء السامية" بين الطلاب، وتعزيز صورة إيجابية لـ "العالم اليهودي" في بيئة المدارس الأمريكية، متعددة الثقافات. وتعمل على تطوير برنامج لربط "المربين" اليهود الأمريكيين مع زملائهم في إسرائيل، وترى أن هذه الروابط تعمل على "تكثيف الدعم لإسرائيل بين الجمهور الأمريكي، بالإضافة إلى نقض الأساطير والتشويهات الإعلامية حول إسرائيل" (2) .
التوراة في مسرح المعارك
__________
(1) حسب موقع (Jewish Educators Network)، أنظر (http://www.jewisheducatorsnetwork.com/pages/1/index.htm).
(2) أنظر الهامش السابق.(1/33)
وافقت طوائف يهودية سريعاً على تأمين لفافات التوراة وكتب الصلوات و"مواد تربوية عبرية" ستساهم بـ "تحرير" الشعب العراقي. فلفافات التوراة قامت بإقراضها طوائف يهودية في منطقة نيويورك (1) وتوراة صغيرة من حركة "خَبَد لوبافيتش" (2) . ويقول الحاخام بروس غينزبورغ (3) : "سيضمن هذا المشروع أن يقوم أخوتنا وأخواتنا الجنود في العراق والكويت بسماع قراءات صحيحة من التوراة وأن يتمتعوا بوجبات الأعياد" (4) . ولأن التفاح لا يمكن أن يبقى طازجاً لفترة طويلة في حر العراق القائظ، قرر "مجلس رجال الدين اليهود" تحضير حلويات بنكهة التفاح وجرار عسل.
__________
(1) "طائفة أبناء إسرائيل" (Sons of Israel) تنتمي هذه الطائفة إلى "الكنيس المتحد" (United Synagogue)، أحد فروع "اليهودية المحافظة" (Conservative Judaism)؛ "روديلف شوليم" (Rodelph Sholem)؛ "كنيس سوتون بلاس" (Sutton Place Synagogue). أسماء الكنس الثلاثة حسب موقع "شبكة المربين اليهود".
(2) التوراة الرابعة حسب (The Jewish Week)، 17/10/2003. لوبافيتش موقع في روسيا البيضاء ازدهرت فيه حركة فكرية (حاسيدية) يهودية 1813-1915 تعرف باسم "خَبَد" (اختصار: الأحرف الأولى من كلمات "حَخماه" ["حكمة"]، "بيناه" ["إدراك"]، "دعت" ["معرفة"]). تستعمل الكلمتان، "خَبَد" (Chabad) و"لوبافيتش" (Lubavitch)، بشكل متبادل للدلالة على الحركة (Chabad)، وأحياناً "خَبَد لوبافيتش". بدأت الحركة نشاطها كمنظمة في بداية الأربعينات للعمل على "خدمة الشعب اليهودي حول العالم"، مقرها بروكلين، نيويورك، ولها العديد من الفروع في مختلف أنحاء العالم.
(3) (Bruce Ginsburg) من "طائفة أبناء إسرائيل" و"رئيس اتحاد اليهودية التقليدية" (Union for Traditional Judaism).
(4) حسب موقع "شبكة المربين اليهود".(1/34)
كما وزعت على رجال الدين العاملين في المنطقة بطاقات عيد رأس السنة اليهودية (1) . وقامت إيمي، زوجة الحاخام ميتشل أكرسون، بحملة تبرع لجمع "بطاقات هاتف" لتوزيعها على الجنود اليهود حتى يتمكنوا من الاتصال بذويهم في فترة الأعياد. وقد ساهم بجمع هذه البطاقات "الاتحاد الأرثوذكسي" (نيويورك) بالتعاون مع "مجلس الرفاه اليهودي" (2) . وقامت طائفة "جماعة إسرائيل" (3) (سينسيناتي، أوهيو) بالتبرع بمئات من كتب الصلاة للجنود اليهود في العراق، الكويت وأفغانستان. الرائد ألان كباكوف (4) هو أحد أعضاء تلك الطائفة ويخدم في العراق كضابط شرطة، وتأمل زوجته أن يتمكن من الاحتفال بعيد رأس السنة هناك (5) . وتبرع أحد مراكز طائفة خَبَد في ميلبورن (نيوجيرسي) بشمعدانات وسلاسل ورقية لنجمة داود، التي ربما ستزين القصر الرئاسي في بغداد أثناء الاحتفال بعيد رأس السنة اليهودية. وأرسل أطفال من كنيس أرثوذكسي في بالم بيتش (فلوريدا) بطاقات وزينة لعيد المظلة (6) .
"انتصار على الفوضى"
__________
(1) (Jewish Community Centers Association of North America)، 17/9/2003.
(2) أنظر موقع لـ "الاتحاد الأرثوذكسي" (Orthodox Union) : (http://www.ou.org/other/5763lphonecards63.htm).
(3) (Adath Israel). المعلومة، التي توردها (The Jewish Week)، 10/10/2003، بأن "‘جماعة جيشورون’ (Adath Jeshurun) (سينسيناتي)" هي من قدم كتب الصلاة، مغلوطة. هذه "الجماعة" ليست موجودة في سينسيناتي، وإنما لويزفيل، كينتاكي.
(4) (Alan Kabakoff).
(5) (The Enquirer)، 26/9/2003.
(6) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2003.(1/35)
قام بنقل لفافات التوراة الثمينة إلى الكويت رجل الدين، الكولونيل جاكوب غولدستين (1) ، ووضعت تحت الحراسة المسلحة طوال الوقت. وبعمل "دؤوب" ساهمت النائبة هيلاري كلينتون بتسهيل إجراءات التأمين والنقل وأجرت استفسارات مهمة وأساسية في الدوائر الأمريكية المعنية. وأرسلت "شبكة المربين اليهود" "1200 وجبة عشاء" و"800 وجبة غذاء" كوشر ومواد دينية. ويقول أكرسون حول هذه الحملة لدعم "محرري العراق": "يثبت هذا المشروع، وجميع من قام به، أن أحداً لم ينس العسكريين البعيدين عن الوطن الذين يعرضون حياتهم للخطر من أجل هدف أكبر". هذا "الهدف الأكبر" دفع ديبي أستور (2) ، والدة أحد جنود المارينز من اليهود (3) الذي عاد من "خدمته" في العراق، إلى القول: "جنودنا اليهود يستحقون الاحترام وينبغي النظر إليهم بجدية. إن الجهد المبذول من أجل الأعياد هو انتصار على الفوضى في عالمنا" (4) . وأستور تساهم بشكل فعال في الجهود المبذولة للقضاء على الفوضى في العالم، فقد أسست في شهر شباط 2003 "الشجاع"، وهي قائمة بريدية إلكترونية لتحقيق التواصل مع الجنود اليهود. وبدأت الفكرة عندما تذكرت أن ابن الحاخام مورديخاي فينلي، هو أيضاً جندي في القوات الأمريكية. ويقول موريس كابروف (5) ، الحاخام المناوب في الأسطول الأمريكي السادس في البحر الأبيض: "نريد للعالم أن يعرف أن اليهود موجودين في الجيش 365 يوماً في السنة وليس في فترة الحرب فقط". ويستضيف القائمة موقع "الكنيس المتحد لليهود المحافظين".
__________
(1) (Jacob Goldstein)، كبير رجال الدين في "الحرس الوطني لنيويورك".
(2) (Debbie Astor).
(3) لا تذكر المصادر اسم ابن السيدة ديبي أستور، وهو ملازم أول في المارينز كان متمركزاً في "معسكر بيندلتون" (كاليفورنيا) ووصل إلى الكويت نهاية شباط.
(4) موقع "شبكة المربين اليهود" (Jewish Educators Network).
(5) (Maurice Kaprow).(1/36)
وأستور هي أيضاً المديرة التنفيذية لـ "معبد إسرائيل" (1) في بلدة شارون، ماساتشوسيتس (2) .
مهرجان الكوشر
من بين الأغذية التي أرسلت للجنود اليهود في العراق والكويت، مواد تبرع بها "مهرجان الكوشر" (3) ، وهو "المعرض التجاري الدولي لخدمات وأغذية الكوشر" (4) في نيويورك التي تعتبر، بعد إسرائيل، أكبر منتج ومستهلك لهذه الأغذية، ويبلغ حجم سوقها ثلاثة بلايين دولار، كما أفاد مكتب جورج باتاكي (5) ، حاكم ولاية نيويورك. وكان باتاكي قد صرح في آب عام 2002، وبمناسبة الإعلان عن نقل هذا المعرض من نيوجيرسي إلى نيويورك، "عندما نركز على أغذية الكوشر، نقوم في الوقت نفسه بتسليط الضوء على الدولة اليهودية، وهو أمر حيوي في هذه الفترة التي تعاني فيها إسرائيل من الهجمات الانتحارية الإجرامية. ومع اقترابنا من عيد رأس السنة وصلاتنا من أجل السلام في الشرق الأوسط، فإن على سكان نيويورك أن يقوموا بكل ما في وسعهم لإظهار تكاتفهم مع إسرائيل" (6) .
"غذاء الجسد والروح"
__________
(1) (Temple Israel of Sharon).
(2) (Forward)، 11/4/2003؛ أنظر أيضاً (Jewish Telegraphic Agency)، 21/3/2003.
(3) (Kosher Fest). أنظر موقع "شبكة المربين اليهود".
(4) (International Kosher Food and Foodservice Trade Show).
(5) (George Pataki).
(6) المعلومات حول "كوشر فيست" وتصريح باتاكي منشورة في الموقع الرسمي لولاية نيويورك؛ أنظر (http://www.state.ny.us/governor/press/year02/aug9_2_02.htm).(1/37)
وهكذا وصل الحاخام جاكوب غولدستين إلى الكويت، في شهر أيلول عام 2003 (1) قادماً من نيويورك ومعه أربع لفافات توراة، توراة صغيرة، خمس مجموعات من سعف النخيل والنارنج للاحتفال بعيد المظلة (2) ، وأرغفة خبز وكعك بالعسل وغيرها من المؤن لإضفاء البهجة على الأعياد التي سيحتفل بها الجنود الأمريكيون اليهود في الكويت والعراق وأفغانستان. وأحضر معه أيضاً "ثلاث مظلات كبيرة وسبع صغيرة لاستخدام المئات من اليهود المنتشرين في الكويت والعراق" (3) . ولم ينس أن يحضر معه "أعداداً لا تحصى" من علب سلامي البقر. كل هذا "بفضل وزارة الدفاع، فهي لم تدخر وسعاً لتأمين الحاجات الدينية للجنود اليهود"، كما قال غولدستين. وشحنت "مؤسسة ألف" أكثر من مائة ثوب صلاة (4) ، أردية لرجال الدين، وخمسمائة علبة عسل، وغيرها من المؤن (5) .
__________
(1) (The Jewish Week)، 10/10/2003.
(2) أنظر أيضاً (The Jewish Week)، 17/10/2003.
(3) أنظر أيضاً (Lubavitch News Service)، 10/10/2003: "دزينة من المظلات".
(4) أنظر أيضاً (Lubavitch News Service)، 10/10/2003.
(5) (The Jewish Week)، 10/10/2002.(1/38)
وقد أستدعي غولدستين لأن هناك "نقصاً" في رجال الدين اليهود في الخدمة العسكرية الفعلية، وقبل مغادرته نيويورك صرح قائلاً: "لدينا غذاء الجسد والروح. وسأتولى أنا خدمة القداس في عيد رأس السنة لجميع القوات اليهودية في الكويت". وأشار إلى أنه يوجد كنيس صغير ثابت في الموقع، أي في الكويت. وهكذا أصبح هناك ثلاثة رجال دين احتياط واثنان في الخدمة العسكرية الفعلية من رجال الدين اليهود للمساعدة في إقامة القداس للجنود اليهود .. في "العراق وإيران"، على حد تعبير "ذي جويش ويك"، التي ربما، في خطأ مطبعي ذي دلالة، وجدت أن "الكويت" لا تستحق كل هذا العناء، فاستبدلتها بـ "إيران". وعندما سأل عن شعوره إزاء تركه عائلته عشية الأعياد، أجاب: "إنهم فخورون بما أقوم به، وقلقون على سلامتي. ولكن ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها استدعائي إلى منطقة معارك ... لقد كنت في أفغانستان في عيد الفصح 2002 وفي عملية عاصفة الصحراء" (1) . وفي الكويت أقام غولدستين احتفال عيد رأس السنة لمائة من الجنود اليهود العاملين هناك (2) .
"أمريكا وإسرائيل والرب"
__________
(1) المرجع السابق.
(2) (Lubavitch News Service)، 10/10/2003.(1/39)
كانت الأسابيع الأولى من شهر أيلول "محمومة" بالنسبة للحاخام ميتشل أكرسون، فقد كان يعمل على التحضير لعيد رأس السنة اليهودية في العراق، ولكن الأحداث هذه المرة أضفت بعداً جديداً على طابع "التأمل" الذي يتصف به هذا الشهر عادةً. فأثناء العمل على الترتيبات النهائية للعيد التقى مجموعة من الجنود اليهود من "الفرقة المدرعة الأولى" (1) كان معظمهم "مهاجرين من الاتحاد السوفياتي سابقاً، ولكن كانت هناك أيضاً شابة لطيفة من البرازيل وأخرى من أمريكا اللاتينية". وقد اغتنم الفرصة ليتحدث مع هؤلاء حول مفهوم العدالة في اليهودية، أي كيف "نتعلم أن العدالة التي لا تمارس بعدل، هي ليست عدالة، وأن الغاية لا تبرر الوسيلة في اليهودية". وناقش الجميع أن الجيش الأمريكي هو "الأداة لتحقيق العدالة في العالم وأننا نتصرف بعدل ونلاحق هؤلاء، الذين لا يفعلون ذلك". ومن جديد تتوحد إسرائيل وأمريكا، عندما يعقب الحاخام الصالح قائلاً: "حقاً، إن الولايات المتحدة وإسرائيل هما البلدان الوحيدان اللذان دخلا حرباً حقيقية على مدى الأربعين سنة السابقة، ويستطيعان فعلاً القول أنهما تقيدا بمواثيق جنيف (وبالتأكيد لم يفعل ذلك البلجيكيون، الفرنسيون، أو غيرهم في أفريقيا وأماكن أخرى)". أكرسون مطلع على التاريخ الأفريقي الحديث، أي ما أنزله الاستعمار من ويلات بالقارة السوداء، لكن ما جرى ويجري في فلسطين والعراق على أيدي الإسرائيليين والأمريكيين يختلف عما قام به الفرنسيون والبلجيكيون، فلم يقم أي من هؤلاء المستعمرين بما قام به الإسرائيليون، أي طرد شعب من وطنه والاستيلاء على هذا الوطن بدعم من أمريكا التي "تتقيد فعلاً" بمواثيق جنيف. وربما بسبب هذا الدعم المطلق تجد أمريكا مكاناً فخرياً لها في اليهودية، يؤكده أكرسون عندما يكتب: "أمريكا تؤمن بصنع عالم أحسن، أي ما نسميه نحن ‘إصلاح العالم’ (2) ،
__________
(1) (1st armoured division).
(2) بالعبرية "تكون عولام"..(1/40)
شاكرين، ليس فقط أمريكا أو الجنود الذين يموتون دفاعاً عنها، ولكن أيضاً الرب الذي منحنا الحياة والهدف" (1) .
"الصعود" في القصر الرئاسي
أخيراً أقيم احتفال رأس السنة اليهودية ("روش هاشاناه") في أحد القصور الرئاسية في بغداد، يوم الجمعة، السادس والعشرين من أيلول من عام "تحرير العراق" (2) . الحاخام ميتشل أكرسون، نفخ في الشوفار ليتردد صوت يعلن بداية طقوس العيد في أرجاء القصر المحتل. وتجول الجنود اليهود في القصر ينظرون إلى كل هذا الرخام، والذهب، والمقاعد الفاخرة. ويقول الحاخام أكرسون أن الأمر كان بديعاً وأنه "بإمكاننا في الواقع استخدام هذه الأماكن بشكل مفيد". لقد أراد أن تبدأ فترة الأعياد بالنسبة للجنود الأمريكيين اليهود بـ "نشاط روحي مدوٍ". وتجمع أكثر من مائة يهودي للاحتفال بالمناسبة السعيدة في بغداد، ووقع شرف الاختيار على أحد الجنود ليمارس "الصعود" (العَلِيه) (3) بتلاوة الدعوات قبل البدء بقراءات من التوراة. ولا ندري إن كان هذا الجندي يفكر بأن "صعوده" في بغداد يشبه "صعوداً" آخر أدى إلى اغتصاب فلسطين، ومهما كان الأمر، فالجنود لم يصدقوا أن لفافات توراة حقيقية أرسلت إليهم، فالكثير منهم لم يروا هذه اللفافات في حياتهم، والبعض منهم لم يشاهد "توراة حقيقية" أبداً. وعندما لم يكن "الجنود اليهود مستغرقين في مجموعات يقرؤون ويناقشون الكتب حول ‘رأس السنة ويوم الغفران’ فإنهم كانوا ينامون بهدوء في بيت صدام السابق".
__________
(1) (Sarasota Manatee Jewish Federation)، أيلول، 2003.
(2) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2003.
(3) "عَلِيه" هي الكلمة المستخدمة أيضا للدلالة على الهجرة اليهودية إلى فلسطين.(1/41)
هذا الزخم الديني اليهودي في بغداد دفع إحدى الصحف اليهودية الأمريكية أن تكتب بداية عام 2004 بسخرية: "إن كنتم تبحثون عن المركز الأحدث لليهودية في العالم في العام الماضي فما عليكم إلا أن تنظروا إلى أحد قصور صدام حسين" (1) .
"التخلص من الذنوب"
__________
(1) (The Jewish Journal of Greater Los Angeles)، 9/1/2004.(1/42)
كتب الحاخام أكرسون رسالتين إلى ميريديث فايس، رئيسة "شبكة المربين اليهود"، بعد الانتهاء من احتفال الجنود بعيد رأس السنة في القصر الرئاسي (1) . ويتبين من هاتين الرسالتين أن الاحتفالات أجريت أيضاً في تكريت والكويت، وكان عدد المشاركين في بغداد وتكريت مائة وخمسين. وحسب أحد المصادر شارك في الاحتفالات في العراق، الكويت، وقطر (الدوحة) ثلاثمائة من "العسكريين والمدنيين" اليهود (2) . وقد كان الجنود الأمريكيون اليهود في غاية الإثارة، وهو ما يعكس أن للاحتفال، وفي القصر الرئاسي بالذات، هدف سياسي واضح. واللافت للنظر أن احتفال بغداد ضم "عشرة مدنيين"، بالإضافة إلى العسكريين، ولا يوضح أكرسون "هوية" المدنيين، الذين لم يكونوا من الجالية اليهودية في بغداد، لأن هؤلاء "لم يتمكنوا من الوصول بسبب التدابير الأمنية المفروضة على قاعدتنا". وما يدل على أن الاحتفال في القصر الرئاسي كان ذا أهمية خاصة بالنسبة لمنظميه، هو أن الجنود اليهود قد أحضروا من عدة أمكنة، ونام حوالي ستين منهم لمدة ثلاثة أيام في "قصر صدام". ولم يكن هناك من هو أعلى من رتبة كابتن، ما عدا أكرسون نفسه و"ضابط من الشؤون المدنية" (3) . وعيد رأس السنة هو مناسبة للتخلص من الذنوب، فبعد ظهر اليوم الأول للعيد، وفي احتفال خاص، تلقى فتات الخبز بشكل رمزي في مياه جارية للتخلص من هذه الذنوب. وهذه المرة ألقيت الذنوب في "بركة" خارج القصر الرئاسي، لقصي وعدي، ابني الرئيس العراقي صدام حسين (4) .
"عيد المظلة"
__________
(1) الرسالتان بتاريخ 29/9/2003؛ 1/10/2003؛ أنظر موقع "شبكة المربين اليهود".
(2) (The Jewish Week)، 17/10/2003.
(3) أنظر هامش 125.
(4) (The Jewish Week)، 17/10/2003؛ أنظر أيضاً (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2003.(1/43)
ابتداء من مساء العاشر من تشرين الأول 2003 كان الحاخام جاكوب غولدستين يردد الصلوات كل يوم، أمام مظلة أقيمت في الساحة المواجهة للقصر الرئاسي في بغداد. وكانت المظلة كبيرة "حتى يراها الجميع"، وكان هناك كل صباح يعلق النارنج وسعف النخيل، مما أحضره معه إلى الكويت قبل شهر، وقد احتفظ بمجموعة من سعفات النخيل والنارنج، ووزع ثلاث منها على بقية الحاخامات في العراق، وحمل بنفسه واحدة إلى باغرام، القاعدة العسكرية الأمريكية شمال كابول. وعلق على الاحتفال قائلاً: "كان الأمر رائعاً. كنت أتمنى لو كان صدام هنا حتى يرى المظلة (سوكاه) أمام البوابات الرئيسية لقصره. كان الأمر مدهشاً أين كنا وماذا فعلنا، وأننا اليوم هنا نبتهج بالتوراة في مقر الشر. وبطريقة ما قمنا بتحسين البيئة روحياً". ونام غولدستين في "أحد قصور صدام وسمح له أن يتجول في المكان بسبب رتبته والإعفاء الخاص الذي كان يحمله". والتقطت صور له وهو يحمل سعفة نخيل بإحدى يديه ونارنجة بالأخرى أمام "قصر صدام" في بغداد (1) . كما احتفل مع ثلاثة عشر جندياً بعيد المظلة جنوب بغداد. وتناول الجميع وجبة العيد في الخيمة الحارة، "كما كان يفعل اليهود منذ أجيال"، في إشارة إلى ما جاء في التوراة من إقامة طقس المظلة في الصحراء (2) . ولا يهم غولدستين أن كلمة "أجيال" تلغي آلاف السنين التي لم تعرف فيها فلسطين اليهود.
"الإيمان على خط النار"
__________
(1) (The Jewish Journal of Greater Los Angeles)، 9/1/2004 وصورة غولدستين.
(2) (The Jewish Week)، 17/10/2003.(1/44)
الكولونيل جاكوب غولدستين (1) ، أحد رجال الدين "الأسطوريين" (2) ، من سكان بروكلين (نيويورك)، ينتمي إلى طائفة "خَبَد لوبافيتش" (3) وخدم منذ عام 1977 كرجل دين في "الحرس الوطني لولاية نيويورك". وفي نهاية عام 1998 أصبح مسؤولاً عن رجال دين الولاية في هذا الحرس (4) ، وبهذا يكون "أول مسؤول عسكري يهودي" يتقلد المنصب. وبمناسبة هذا التعيين قال جورج باتاكي، حاكم ولاية نيويورك، "إن تعيين غولدستين كأول حاخام في هذا المنصب في أي ولاية أمريكية، ليس شرفاً له فحسب، بل أيضاً للحرس الوطني للجيش في ولاية نيويورك". شارك غولدستين في الخدمة الفعلية في عملية "الغضب المُلِّح" (5) ، وهي التسمية التي أطلقت على غزو جزيرة غرينادا واحتلالها عام 1983. كما خدم في القوة الأمريكية التي كانت في إسرائيل، أثناء حرب الخليج عام 1991، لـ "الدفاع" عن صواريخ الباتريوت (6) التي نشرت هناك. وقبل الخدمة العسكرية في ولاية نيويورك تبوأ عدة مناصب في المدينة، من بينها نائب مدير دائرة تعنى بالإسكان وتطويره. وإلى جانب عمله في الحرس الوطني لولاية نيويورك، يعمل غولدستين كرجل الدين اليهودي لـ "المخابرات السرية للولايات المتحدة" (7) ، وجمعية "المحاربين القدماء اليهود في أمريكا" (8) في الولاية.
__________
(1) المعلومات حول غولدستين من الموقع الرسمي لولاية نيويورك (http://www.state.ny.us/governor/press/dec21_1_98.htm)، 21/12/1998.
(2) أنظر موقع (The Head Heeb)، 5/7/2003.
(3) (Lubavitch News Service)، 10/10/2003.
(4) (State Staff Chaplain of the New York Army National Guard).
(5) (Operation Urgent Fury).
(6) (Patriot Defender Joint Task Force).
(7) (United States Secret Service).
(8) (Jewish War Veterans of America).(1/45)
وعقب تفجيرات الحادي عشر من أيلول عام 2001، جرى تعيينه ليكون مسؤولاً عن مهمات رجال الدين في عمليات الإنقاذ التي قام بها الحرس الوطني في موقع "مركز التجارة العالمي"، ولتقديم الدعم المعنوي، وكان مسؤولاً عن ثلاثين فريقاً يمثلون "كل المعتقدات"، ويتألف كل فريق من رجل دين ومساعده. وصورته، التي كان يوزعها الحرس الوطني لولاية نيويورك، تظهره بلحيته البيضاء الضخمة أمام دمار "مركز التجارة العالمي" وقد كتب تحتها الكلمات التالية بالخط العريض: "الإيمان على خط النار"، وبكلمات أصغر: "حاخام يحمل المعونة الروحية لجنودنا" (1) .
عيد الأنوار ("الحنوكة")
__________
(1) أنظر (Forward)، 21/9/2001. الصورة نشرت في أكثر من موقع، أنظر مثلاً: (http://www.homemaker.org/chanukah62/feature.html).(1/46)
بين السابع عشر والرابع والعشرين من شهر كانون الأول 2003 تنقلت فرقة فنية أمريكية بين الكويت والعراق وأفغانستان وأوزبيكستان وقدمت خمسة عروض للترفيه عن الجنود الأمريكيين العاملين في تلك البلدان. الكوميدي الأمريكي اليهودي آل فرانكن (1) قدم مع الممثلة كاري تيرنر (2) مقطعاً هزلياً حول إلقاء القبض على الرئيس العراقي صدام حسين. وزار أثناء وجوده في العراق تكريت لأنه كان يرغب بشدة في الذهاب إلى "حُجْر صدام". درس فرانكن العلوم السياسية في "كلية جون إف كينيدي" (3) التابعة لجامعة هارفارد. ورغم أنه لا يؤمن بـ "صحة الكتاب المقدس أو المستوطنات الإسرائيلية"، التي يصفها بأنها "أصولية دينية"، إلا إنه سيفتتح في واشنطن في آذار عام 2004 مؤتمر "الجماعات اليهودية المتحدة" (4) ليخاطب "الآلاف من القادة اليهود" في الولايات المتحدة. ومن بين المتكلمين في المؤتمر الدكتور سابي شابتاي، "الخبير العالمي في الإرهاب" (5) ، وهذا المؤتمر بالذات يهدف إلى تحفيز المشاركين على جعل النشاط اليهودي أولوية في حياة هؤلاء القادة (6) .
__________
(1) حول "آل فرانكن" وديانته أنظر (The National Debate): (http://www.thenationaldebate.com/profiles/Al%Franken.htm). حول زيارته للعراق، أنظر (CNN.com)، 2/1/2004؛ (Army News Service)، 23/12/2003.
(2) (Kari Turner).
(3) (John F. Kennedy School of Government). أنظر (Townhall)، 12/11/2003. حول هذه المدرسة وتعاونها مع "مؤسسة ويكسنر" (Wexner Foundation) الصهيونية أنظر هامش 192.
(4) (United Jewish Communities).
(5) (Sabi Shabtai). مؤلف وكاتب سيناريو استوحى مواضيعه من نشاطات الموساد. كان يعمل في المخابرات العسكرية ووزارة الخارجية الإسرائيلية. أنظر (San Diego Jewish Press-Heritage)، 23/4/1999.
(6) (United Jewish Federation of San Diego)، 23/1/2004.(1/47)
وبالرغم من علمانيته، احتفل آل فرانكن أثناء وجوده في بغداد بعيد الأنوار ("الحنوكة") في "قصر صدام"، وأشعل شمعات العيد في "قصر الديكتاتور الذي عرض بفخر لوحات صواريخ السكود وهي تضرب إسرائيل، وكراسي مذهبه تحمل كتابات تتبجح بالنصر على ‘الكيان الصهيوني’" (1) .
"استخدام القوة"
__________
(1) (The Jewish Journal of Greater Los Angeles)، 9/1/2004.(1/48)
أسبوعية "ذي جويش ويك" لاحظت أن الحاخام كارلوس هويرتا كان مراوغاً في إجابته عندما سئل عن مشاعره "تجاه العراق بسبب تأثيرٍ محتمل على إسرائيل" فقد أجاب: "هناك عدة بلدان، إسلامية ومسيحية، وبشكل واضح إسرائيل، تشارك في الحرب ضد مرض الإرهاب". ولم يحدد هويرتا ما إذا كانت إسرائيل تشارك بالعدوان على العراق، أو أنها مثل أمريكا تعتدي على الفلسطينيين "الإرهابيين"، وأن الاثنتين تتحدان في هدف واحد هو "الحرب على الإرهاب". وحسب مفاهيمه، تتطابق الهويتان القومية والدينية، وذلك حتى يمكن سحب هذا المبدأ على إسرائيل، التي لا يمكن إسقاط مفهوم القومية على "شعبها" وهو يحتل أرضاً سلبها من أصحابها. واستطرد قائلاً: "أنا فخور بالخدمة في الجيش [الأمريكي] ليس كأمريكي فحسب، بل أيضاً كيهودي أمريكي". كان هذا في بداية آذار وقبل أن يصل الرائد هويرتا إلى العراق مع "الفرقة 101 المحمولة جواً" لـ "يلبي الحاجات الروحية للجنود في الفرقة، بصرف النظر عن انتمائهم الديني" (1) . ففي هذه الفرقة، التي خلدها المخرج اليهودي ستيفن سبيلبيرغ في مسلسل "رباط الدم" (2) ، توزع نسخ من الكتاب المقدس تحمل صورة جمجمة بين جناحي خفاش. وعندما وصل هويرتا إلى الكويت، يوم الجمعة الرابع عشر من آذار 2003، أقام "صلاة صغيرة" مع جنوده في "معسكر نيويورك" في الكويت واستشهد فيها بعبارات من التوراة تفسر للجنود اليهود "لماذا الحرب ضد صدام ضرورية". ويقول جوشوا سلوتنيك (3) ، أحد المشاركين في هذه الصلاة: "الوسيلة الوحيدة للإيقاع بهؤلاء الناس هي القوة المادية، عليكم استخدام القوة لإنقاذ الشعب العراقي" (4) .
__________
(1) (The Jewish Week)، 7/3/2003.
(2) (Band of Brothers).
(3) (Joshua Slotnick).
(4) (Reuters)، "معسكر نيويورك، الكويت"، 16/3/2003.(1/49)
ولد هويرتا في بروكلين (نيويورك) والتحق بالجيش الأمريكي عام 1972 كضابط مدفعية وخدم في كوريا، تركيا، ألمانيا، وإيطاليا. وحصل على تأهيله الديني في "نور التوراة"، وهي مدرسة دينية في القدس. وإن كانت "ذي جويش ويك" لا تذكر الفترة التي قضاها في القدس، فإن مصدراً آخر يذكر أنه "عاش هناك لعدة سنوات" (1) . وبعد الانتهاء من دراسته، التحق عام 1994 بالدائرة الدينية العسكرية، بناء على نصيحة الحاخام دافيد زاليس (2) ليخدم كحاخام في فورت سيل (أوكلاهوما) وهايدلبيرغ (ألمانيا). بالنسبة لهويرتا لا فرق بين "القيم التقليدية اليهودية والأمريكية أو القيم التقليدية للجيش"، وهي: "الولاء، الواجب، التفاني، الشرف، الاستقامة، الشجاعة الشخصية، الاحترام. هذه القيم هي مائة بالمائة يهودية" (3) .
"ذرة رمل على شاطئ البطولات"
__________
(1) (Virtual Jerusalem)، د. ت. أنظر (http://virtualjerusalem.com/leisure/travel/?disp_feature=AB06MM.var).
(2) (David Zalis)، رئيس رجال الدين اليهود في احتياطي الجيش الأمريكي.
(3) (The Jewish Week)، 7/3/2003.(1/50)
قبل أن يغادر هويرتا الولايات المتحدة ليشارك في عملية "الحرية العراقية"، كان يعمل في الأكاديمية الحربية في ويست بوينت (نيويورك). واليوم، لا يتعدى عدد الطلاب اليهود في الأكاديمية السبعين طالباً. ورغم ذلك، بإمكان كنيس الأكاديمية (1) أن يستوعب عدة مئات من المصلين. وإذا زار الأكاديمية أحد الضيوف، فإن هويرتا عادة ما يصحبه لزيارة قبر الكولونيل دافيد "مايكي" ماركوس (2) في المقبرة الحربية على مسافة قريبة من الكنيس. ماركوس هذا تخرج من الأكاديمية عام 1924، ومنح أوسمة بطولة من الحرب العالمية الثانية وشارك في "بناء الجيش الإسرائيلي من أجل حرب الاستقلال عام 1948" (3) . والبطل الصهيوني ماركوس هو صاحب فكرة "ممر بورما"، الذي يصل منطقة الساحل بالقدس، الذي نقلت عبره معدات عسكرية في انتهاك واضح للهدنة الأولى، التي أبرمت في حزيران عام 1948، وأدى ذلك إلى انقلاب موازين القوى في منطقة القدس لصالح اليهود. وهويرتا، لدى وصوله إلى الكويت للشروع بالعدوان على العراق، صرح بأنه لا يريد أن ينظر إليه كبطل: "فهو ليس إلا ذرة رمل على شاطئ البطولات" (4) .
هويرتا يتفقد الموصل
__________
(1) قام بتصميم الكنيس ماكس أبراموفيتس (Max Abramovitz)، مصمم مبنى الأمم المتحدة في مانهاتن، "مركز لينكولن"، وجامعة برانديس الشهيرة .. بيهوديتها.
(2) (David “Mickey” Marcus).
(3) (Virtual Jerusalem)، د. ت.
(4) (The Jewish Week)، 7/3/2003.(1/51)
في إشارة إلى اليهود الأمريكيين الذين شاركوا بغزو العراق (1) يقول هويرتا "جميعهم فخورون بكونهم يهوداً ويخدمون بلادهم". ونفهم من ذلك أن "بلادهم" تعني الولايات المتحدة الأمريكية، لا إسرائيل. لكنه ذهب إلى الموصل نهاية تموز ليقوم بواجبه، ليس بصفته رائداً في الجيش الأمريكي ولكن لتفقد معالم الوجود السابق لليهود في المدينة. وما كتبه يعطي انطباعا بأن البلدة القديمة للموصل كانت تعج بالكنس والمدارس الدينية والمنازل اليهودية. فقد عثر بالصدفة (!) على مبنى مهدم تملأه "النفايات المتعفنة، البراز، ومياه المجاري"، لكن هناك كتابات بالعبرية على الجدران. ولم يكشف عن سبب اهتمامه بهذا الموقع للمواطنين الذين تجمعوا حوله، بل أوعز للمترجم المرافق بالكذب: "الجيش الأمريكي مهتم بمواقع أثرية قديمة من كل نوع". وعندما سألهم عن طبيعة المكان أجابوه بصوت واحد على الفور "إنه كان مكاناً يصلي فيه اليهود"، وأخبروه أن "جميع البيوت في الشوارع المحيطة بالكنيس كانت مليئة باليهود". وأخذه هؤلاء إلى "مدرسة دينية للأطفال"، تسكن فيها حالياً "عائلة متشردة". وبينما كان "يسير في الحي" قاده المواطنون إلى "ضريح النبي يونس، الذي كان في وقت ما كنيسا". وهنا يستولي هويرتا ليس على البلاد فحسب، بل أيضاً على تراثها لمجرد أن التوراة تربط "يونس" بنينوى، رغم أن يونس هو أحد الأنبياء المذكورين في القرآن (2) .
__________
(1) حسب هويرتا هناك في "الفرقة 101 المحمولة جواً" الكثير من الأمريكيين اليهود: "مشاة، رجال مدفعية، عاملون طبيون، طيارون، محامون، أطباء".
(2) حول مسجد النبي يونس أنظر عطا الحديثي وهناء عبد الخالق، القباب المخروطية في العراق. بغداد: مديرية الآثار العامة، 1974، ص ص 85-87. أنظر أيضاً أدناه ص 140.(1/52)
وأخذ يتخيل الحياة اليهودية في الموصل، وترقرقت الدموع في عينيه عندما مر بخياله أيضاً "الأطفال وهم يبكون، بنات صهيون اليانعات يتشبثن بثياب أمهاتهن ويتساءلن لماذا يقوم الأشرار بقتلهم ولماذا يجبرونهم على ترك بيوتهم منذ آلاف السنين"... الأشرار هنا هم العراقيون! ولكن من المؤكد أن مخيلة هويرتا الخصبة، التي رأت ما لم يحدث على الإطلاق، كانت هي الأمر الوحيد الواقعي.
"مقبرة يهودية دنست وأزيلت"(1/53)
عاد هويرتا مع أفراد يهود من "الفرقة 101 المحمولة جواً" إلى "الحي اليهودي في الموصل القديمة" وعثروا على "خمسة كنس إضافية، والمزيد من المدارس الدينية والبيوت اليهودية". وأصاب الجميع "الحزن، ولكنهم كانوا جميعاً فخورين بانتمائهم إلى هذا التراث القديم والغني في مدينة نينوى التاريخية". ومن يقرأ هذا الكلام حول نينوى يخرج بانطباع أن هذه المدينة كانت يهودية أو لها علاقة باليهودية، علماً بأنها دمرت نهائياً عام 612 ق. م.، أي قبل السبي البابلي لمن يفترض أنهم كانوا من اليهود في فلسطين. وإذا كانت هناك في الموصل جماعة يهودية بهذا الحجم، كما يقول، فلا بد أن تكون هناك مقبرة يهودية كان الحاخام مصمماً على إيجادها، غير أنه لم يعثر على هذه المقبرة، وكل ما عثر عليه هو شاهد قبر عليه كتابة بالعبرية والإنجليزية، وكان ملقى في مكان ما في مقبرة عسكرية بريطانية تقع بالقرب من المقبرة المسيحية. ويرى هويرتا "أن هذا شاهد لجندي بريطاني شاب أسمه زيف. قام الجيش البريطاني، في حينها، بالاتصال بالجماعة اليهودية المحلية للإيعاز إلى نقاش من الموصل بنقش الاسم بالعبرية إلى جانب الإنجليزية. فهذه طريقتهم بتقدير واحترام رفاقهم". وقد أعاد "دفن الشاهد والصلاة عليه وعلى كل اليهود الذين دفنوا هنا"! ورغم أنه لم يجد المقبرة المزعومة، فقد ظل مصراً على: "أن المقبرة اليهودية هي في مكان قريب، ولكنها دنست وأزيلت من الوجود خلال الستين سنة السابقة" (1) .
في الميتم
__________
(1) مقال لكارلوس هويرتا بتاريخ 24/7/2003 تحت عنوان "إعادة زيارة الموصل اليهودية: أسى وأمل يهودي في نينوى" نشر في مجلة (The Scribe)، عدد 76 (ربيع 2003)، عن (The Jerusalem Post).(1/54)
ميتشل أكرسون، الحاخام الأعظم لليهود في مسرح المعارك، تجول في كافة أنحاء العراق وكتب "موضحاً" الفرق بين عراق شهر نيسان، والعراق "المحرر" بعد ثمانية أشهر. فآنذاك كان "ما شاهدته كله رمال وصخور. التدمير والخراب في كل مكان، والبؤس هو القاعدة". أما اليوم: "فنشاهد حقولاً خضراء، إذ لم نقم بتنظيف أربعة عشر ألف ميل من الأقنية والأنابيب فحسب بل جعلنا أيضاً المياه تنساب فيها". ويستفيض في وصف ما أنجزه الأمريكيون في العراق، ليقول: "فعلنا الكثير حتى نجعل هذه بلاداً أفضل ومكانا للعيش فيه، ولكن هناك جانباً مظلماً لمساعدتنا". ماذا حصل؟ زار أكرسون الناصرية، التي يرمم فيها أحد الأفواج الأمريكية أربعة مياتم لأطفال "أصبحوا أيتاماً خلال حكم صدام، والبعض منهم أيتام حرب، لم يعد بإمكان أمهاتهم الاعتناء بهم (1) ". ودون أن يوضح المقصود بالأمهات، "اللواتي لم يعد بإمكانهم الاعتناء بأطفالهن"، يصف هذه المياتم قبل أن يباشر الجيش الأمريكي برعايتها في أيار بأنها: "كانت قذرة وفيها القليل من الطعام ولا يوجد أثاث محترم والتجهيزات على وشك الانهيار". وشاركه في زيارته الثانية القسيس إليس (2) ، الذي كان صليبه واضحاً على صدره، في حين لم تكن شعارات رجل الدين اليهودي، "الوصايا العشر ونجمة داود، واضحة تماماً". وبصرف النظر عن ظهور هذه الشعارات وما إذا كان قد أخفاها أثناء زيارته للميتم، فإنه شعر "أن موقف مديري المياتم من الأمر كان مبهماً، هم يحتاجوننا ويريدوننا، ولكنهم في الواقع لا يريدوننا. هم في حقيقة الأمر محرجون أننا كنا مضطرين للمجيء لمساعدتهم ومستاؤون أن هذا كان ضرورياً"، وأن "إخوانهم المسلمين لم يقدموا" على مساعدتهم. ولا يمكن تجاهل العنصرية في هذه الأقوال، عندما يفاضل الحاخام على ما يبدو وبدون مبرر بين ديانتين، اليهودية والإسلام.
__________
(1) (whose mothers could not take care of them any longer).
(2) (Ellis).(1/55)
ولكنه يعي حجم الكراهية ويعلم لماذا عليهم، ربما كيهود، تحضير أنفسهم لـ "ردود فعل في المستقبل". إذ نراه يستعيد حالة أخرى لشعب ناكر للجميل، وهو تساؤل طرح في نقاش جرى في "المستشفيات الإسرائيلية مع أطباء إسرائيليين يقومون بزرع أعضاء للعرب، أو يقدمون لهم الخدمات الطبية. والتساؤل: هل سيحبوننا غداً؟"، ولكن هؤلاء الأطباء جميعهم يخبرون أكرسون: "إنهم يعيشون اللحظة الراهنة ولا يستطيعون الوقوف مكتوفي الأيدي". أطباء إسرائيليون يتحدثون مع حاخام أمريكي حول إنسانيتهم، وتجاه من؟ تجاه الفلسطينيين الذين سلبهم اليهود وطنهم لتقوم عليه دولة إسرائيل. لكن الحاخام الأمريكي يرى الأمر بشكل مختلف وهو أن "مساعدة" الطفل العراقي هي "مخاطرة، فمن نساعده اليوم سيحاول قتلنا غداً، ولكن لكل مخاطرة ثمن: نسبة الفائدة" (1) . المسألة باختصار ليست إنسانية كما يدعي، بل تدخل في ميزان الربح والخسارة. ويبقى العدو عدواً، طفلاً كان أم لا، كما عبر بشكل مشابه زميل أكرسون الحاخام غولدستين: "رأيت الأطفال العراقيين وهم يشيرون إلى بطونهم وأفواههم. ينبغي أن تشعروا بالقلق من أجلهم، ولكن أيضاً بالقلق من أنهم ربما يحضرون كميناً لكم" (2) .
"ليبارك الرب أمريكا والجميع"
__________
(1) رسالة أكرسون الرابعة من الكويت، أنظر (Frum.org).
(2) (The Jewish Journal of Greater Los Angeles)، 9/1/2004.(1/56)
وفي نهاية شهر تشرين الثاني 2003 تذكر الحاخام أكرسون بمناسبة "عيد الشكر" فيلم "رئيس الدولة" (1) ، وهو لا ينصح أحداً يحترم نفسه بمشاهدته، إذ يقول فيه المرشح للرئاسة: "ليبارك الرب أمريكا ولا أحد غيرها"، لكن خصمه في الفيلم يجيبه بأن العبارة ينبغي أن تكون: "ليبارك الرب أمريكا والجميع". ويضيف أكرسون: "نحن، الأمريكيين، أكثر من أي دولة أخرى في العالم، نتشارك مع الجميع البركات التي وهبنا إياها الرب، وأحياناً تكون هذه المشاركة ضارة لنا". وبالرغم من هذا الأذى يبقى الهدف إشراك الأمم الأخرى بهذه "البركات": "ينبغي علينا كأمريكيين وكيهود أن نصلي لتحصل جميع شعوب العالم على رأفة الرب وإحسانه". فها هو أكرسون يقسم الهويات القومية في العالم إلى "أمريكيين"، "يهود"، وشعوب أخرى. وكأن المقصود أنه لا يمكن استيعاب "الهوية اليهودية" إلا في كيان يجسدها، وهو إسرائيل، التي تقوم هي وأمريكا بتوزيع "البركات" على الجميع. ويختتم رسالته بالقول: "في هذا العيد نصلي ليواصل الرب مباركة أمريكا والجميع" (2) . في عيد الشكر، الذي بدأ احتفالا بالاستيلاء على كل الأراضي الخصبة التي عاش عليها الهنود الحمر لآلاف السنين، تتلى الصلوات شكرا للرب لما حققه للمستوطنين في القارة الأمريكية، ولما يرتجى تحقيقه لليهود في فلسطين ... وربما في العراق (3) .
"يهودي في بغداد"
__________
(1) (Head of State).
(2) رسالة أكرسون الخامسة من الكويت، أنظر (Frum.org).
(3) حول المقارنة بين الهنود الحمر والفلسطينيين أنظر نورمان ج. فنكلستين، صعود وأفول فلسطين. دمشق: دار كنعان، 2000، ص ص 260-290.(1/57)
تحت عنوان "يهودي في بغداد" (1) سجل قائد الفصيل الملازم أول جوناثان زاغدانسكي انطباعاته على مدى ما يقارب ستة أشهر من العمليات العسكرية في العراق. وكان الفصيل جزءاً من الفرقة الثالثة مشاة التي قادت غزو العراق واستولت على بغداد. وكان قادة زاغدانسكي من السياسيين والعسكريين قد أخبروه قبل الغزو "أنهم لاعبون رئيسيون في الحرب على الإرهاب"، غير أن زاغدانسكي "الأمريكي اليهودي" اكتشف أثناء وجوده في العراق أنه "لا يحارب الإرهاب فحسب، بل شيئاً أكثر عمقاً".
مهمة زاغدانسكي في إحدى ضواحي بغداد، تلخصت في البداية "بالبحث عن الأسلحة التقليدية الثقيلة والذخيرة العسكرية، القبض على اللصوص، تحديد تمديدات الطاقة المخربة، وحفظ النظام"، وأثناء ذلك كان يدخل في نقاش مع "المتعلمين و‘المعتدلين’" من العراقيين حول "الحرب ضد العراق، إسرائيل، اليهود، وأمريكا"، وقد فوجئ بأن "معظمهم يحملون آراء لا عقلانية حول العالم. مثلاً، معظمهم يقسم بأن أرييل شارون هو من ضغط على الرئيس بوش المتردد لشن الحرب على العراق، وأن وكالة الاستخبارات المركزية هي من وضع صدام حسين في الحكم ليسمح للقوات الأمريكية بأخذ البترول العراقي وإفقار العراق. وأخيراً، أنهم كانوا مقتنعين بأن وكالة الاستخبارات المركزية هي منظمة يسيطر عليها الموساد، وأن الصهاينة الأقوياء يسيطرون على واشنطن". ويضيف أن معظم العرب في العالم يحملون هذه "الآراء الغريبة، التي جاءت نتيجة سنين من غسيل الدماغ المكثف الذي قامت به أنظمتهم التربوية، وسائل الإعلام، وقياداتهم السياسية والدينية. هذه المعتقدات حولت رجال أسرة عرب، متعلمين وأذكياء، إلى مختطفين يضربون أبنية بطائرات ركاب، ومنتحرين يقتلون أعداداً كبيرة من الإسرائيليين في حافلات".
"مرض عقلي خطير"
__________
(1) نشر المقال في (FrontPageMagazine)، 31/10/2003. كان زاغدانسكي أثناء مشاركته في غزو العراق قائد فصيل مشاة من 26 جندياً.(1/58)
يكتب زاغدانسكي: "نحن لسنا في حرب مع الإرهاب، وإنما مع أيديولوجية أعتبر أنها جاءت نتيجة مرض عقلي خطير ابتلى به الملايين من العرب، الذين يعتقدون بأنهم من خلال تدمير العدو، أي، اليهود، دولة إسرائيل، و‘الشيطان الأكبر’ أمريكا، فإن بالإمكان إعادة العزة والعظمة العربية السابقة. هذا المرض العقلي يجر العالم ببطء، ولكن بتصميم، إلى حرب عالمية ثالثة". ومنظومة زاغدانسكي الفكرية متناسقة مع نفسها، فهو يعتقد أيضا أن الحرب العالمية الثانية جاءت نتيجة مرض عقلي مماثل "أصاب الملايين من الألمان وجعلهم يعتقدون أن إبادة اليهود وغزو الأمم غير الآرية ستوصلهم إلى عظمة وحرية لا حدود لهما". ولا يعود إلى الحرب العالمية الأولى ليقدم تفسيراً لها، ربما لأنه لا يمكن إقحام "اليهود" أو "إسرائيل" في الموضوع. ولكنه يقول أن "العرب، خلافاً للألمان، يقودون حرباً متعددة الأبعاد ضد أمريكا وإسرائيل"، ويرى أن الإرهاب، "ليس إلا سلاحاً واحداً من بين عدة أسلحة يستخدمها أعداؤنا ضدنا. فكل أمريكي وكل يهودي هو هدف للهجوم بهذا الشكل أو ذاك". لهذا يطالب، بالإضافة إلى الجهد العسكري، بحرب إعلامية شاملة ضد أعداء أمريكا وإسرائيل. وبالرغم من المنحى العنصري السافر لمقاله، فقد أعادت نشره على الأقل عشرة مواقع على الإنترنت، وهو ما يؤكد أن ما يطالب به من حرب إعلامية موجود فعلاً ومطبق منذ أمد بعيد.
"القيم الأمريكية واليهودية"(1/59)
تحدث كايتس فينلي (1) عن تجاربه في العراق. فعندما كان في أحد الخنادق مرت فوق رأسه مباشرة قذيفة صاروخية، حتى أنه تمكن من قراءة الأحرف التي تحملها. ولكنه "أبعد كل الخوف الذي تملكه، ليحمل بندقيته ويمضي إلى العمل" (2) ، أي قتل العراقيين. فينلي هذا في الواحدة والعشرين من عمره ورغم صغر سنه فهذه هي حربه الثانية، فقد شارك عام 2001 في العدوان على أفغانستان، واليوم يشارك في "تحرير العراق"؛ والدته إسرائيلية من أصل يمني. وحسب ما قال أبوه، مورديخاي فينلي، فقد خاض في البداية معارك قذرة، بشكلٍ خاص في الناصرية، الكوت، وبغداد. وسمع الأب عن "العنف، الخراب، والمعارك مع العدو حتى الموت. ولكن، بعد التقدم بين الجثث والخراب، هناك أيضاً قصص إنسانية حول مساعدة العراقيين ليجدوا أقرباءهم، وإسعاف الجرحى". والابن كايتس يتفق مع الأب بالرأي في أنه "كان يأمل أن يقابله الشعب العراقي كمحرر له ... ولا يعني ذلك أن تحقيق الأمن لأمريكا لم يكن هو القضية؛ ولكن إحساسه بالقيم الأمريكية واليهودية جعلت التحرير يصبح الفكرة الرئيسية في ذهنه". وعندما كان طفلاً كان يسأل أباه "لماذا لم يعد الرب يحرر المضطهدين بشكل مباشر"، كما فعل في "تحرير اليهود من العبودية" في مصر. فكان الأب الحاخام يجيب الابن كما يجيب الأطفال الآخرين: "فعل الرب ذلك مرة ليكشف لنا ما الذي يريده. والآن الأمر يعود إلينا". وبعدما كبر الطفل كان الأب والابن "يتناقشان مطولاً حول قسوة نظام صدام وما يعني أن يشارك هو في الحرب للقضاء على هذا النظام".
__________
(1) عريف في "الكتيبة الأولى، المارينز الرابعة، الفرقة الأولى".
(2) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2003.(1/60)
ومع انتهاء "الحرب" تمركز فينلي في الحلة، محافظة بابل، مع فرقته التي وصل تعدادها إلى مائتي عنصر، وكانت تقع عليها مسؤولية "الأمن وإعادة البناء" في هذه المدينة، بالإضافة إلى "التنسيق" مع بقية الكتيبة المنتشرة في المنطقة (1) .
"شيء مضحك"
__________
(1) المعلومات حسب خطاب مفتوح للحاخام مورديخاي فينلي نشر في (ChronWatch)، 20/8/2003.(1/61)
يقول فينلي، الذي احتفل بعيد الفصح في "مقر المخابرات" التابع للحرس الجمهوري الخاص في بغداد، أن "العراقيين رحبوا بشكل عام بالقوات الأمريكية"، وكان يتعمد أن يخبرهم بأنه "يهودي يضحي بحياته حتى يحرر بلادهم". ولكن هذا "الإعلان" كان يستقبل بامتعاض، والكثيرون من العراقيين كانت وجوههم تصفر ويبتعدون عنه، وآخرون يطلبون منه مغادرة البيت بعد أن كانوا يرحبون به قبل لحظات. ومع الزمن أدرك أن تصميمه على كشف ديانته أمام العراقيين لن يجديه نفعاً، وأصبح لا يتكلم كثيراً عن يهوديته، فـ "هذا يعقد الأمور" (1) . ومرة سأل أحد المدرسين كيف يشعر بالنسبة لليهود، وذلك قبل أن يخبره بأنه يهودي، فأجابه المدرس أن "القرآن علمه أن يقتل اليهود". وعندها كشف عن الصفيحة المعدنية حول عنقه التي تشير إلى ديانته قائلاً: "هذه سكيني، خذها، قم بما طلب منك واقتلني" ووقف ينتظر، ولكن المدرس، حسبما يقول، لم يستطع القيام بذلك. وقبل أن يذهب المدرس، قال له فينلي: "الحياة أقصر من أن يملأها تعصب كهذا". ويتناسى فينلي أنه تجاوز مهمته كجندي عندما كان يعلن أمام العراقيين عن يهوديته بكل عنجهية، مؤكداً بذلك الدوافع وراء التصرف الذي كان ينتقده عند العراقيين. القصة لم تنته هنا، ففي اليوم التالي عاد المدرس ليقول له: "الحياة أقصر من أن تملأها الكراهية". ويعلق الجندي الأمريكي اليهودي على ذلك: "تمكنت من تغيير حياة واحدة على الأقل". ويضيف: "شيء مضحك" (2) .
في الحلة
__________
(1) حسب ما ذكره أبوه الحاخام مورديخاي فينلي؛ المرجع السابق.
(2) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2003.(1/62)
الرسالة التي يحملها فينلي لإصلاح العالم، تنبع من إحساسه بـ "القيم الأمريكية اليهودية" المتلاحمة، التي تعود لتطفو على السطح باستمرار. ففي الحلة كلف بتدريب "الشرطة العراقية الجديدة" في "أكاديمية الشرطة"، بالإضافة إلى أشغال في "البنية التحتية للإطفائية ومدرسة ابتدائية، والأمن في مبنى البلدية". أما تكليفه بتأهيل رجال الشرطة العراقيين فهي بسبب ما يمتلكه من "تدريب في العمليات الخاصة". وهو لا يرى أن عليه أن يدرب شرطة عراق المستقبل على المهارات الشرطية واستخدام السلاح فحسب، بل أن يرسخ أيضاً "القيم الأمريكية واليهودية، المتمثلة باحترام الفرد واستخدام القوة بالقدر الضروري لإنجاز المهمة بسلام"، ولهذا أخذ يقضي المزيد من الوقت في "أكاديمية الشرطة" مع "قوة الشرطة الجديدة" ليضيف إلى منهج التدريس بشكل خاص "معالجة المشكلة المستمرة للبعثيين، الذين يحاولون زعزعة السلام في المدينة". وكان يقوم بنشاطات إنسانية، فهو "يقدم الطعام يوميا للفقراء، ويأوي المشردين، ويحل الأزمات" ويحاول أن يقوم بدوره في "تعليم كيفية تأسيس المجتمع المدني، من وجهة نظر أمريكية، ومن وجهة نظره هو، أي يهودية" (1) .
أثناء الإجازة
__________
(1) أنظر هامش 171.(1/63)
في نهاية أيلول 2003 عاد فينلي إلى الوطن في إجازة لمدة شهر (1) وزار تلاميذ مدرستين متوسطتين في كالاباساس (كاليفورنيا) كانوا قد تبنوه وظلوا على اتصال معه أثناء وجوده في ساحة المعارك. وقضى يوماً كاملاً مع التلاميذ الذين احتفوا به وبلغ عددهم 650 طالباً. وعندما سأله أحدهم فيما إذا مثل "صدام حسين تهديداً مباشراً للأمريكيين"، أجاب بالإيجاب، وأضاف أن صدام حسين "عذب وقتل مئات الآلاف" وأنه شاهد بنفسه المقابر الجماعية. وأجاب بعناية على كل الأسئلة، التي تراوحت بين كيف "بقي صامداً، وعن صعوبة القتال مع إمكانية قتل الآخرين". وعرض أمام التلاميذ علماً أمريكياً عليه تواقيع زملائه من المارينز. وقال التلميذ سام ليبرستين (2) : "الأمر مدهش أنه تمكن من البقاء على قيد الحياة وتحمل ألم كل هؤلاء الذين عذبوا". أما التلميذ ليون كاين (3) من الصف السابع فلم يكن من قبل يدعم الحرب، ولكنه أكتسب وجهة نظر مختلفة بعد سماع فينلي (4) . وهكذا تمكن كايتس فينلي، على الأقل في الوطن، من تغيير أكثر من حياة واحدة وزرع الروح الوطنية الأمريكية اليهودية في جنود المستقبل الذين يقع على عاتقهم تحرير شعوب العالم!
(((
الدور الإسرائيلي
وتنسيق الجهود
"تتشارك الولايات المتحدة وإسرائيل الانتصارات والمحن. نحن، الأمريكيين والإسرائيليين، حقاً إخوة .. على الأرض وفي الفضاء".
دانييل كورتسر، السفير الأمريكي في إسرائيل
__________
(1) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2003.
(2) (Sam Lieberstein).
(3) (Leon Cain).
(4) (The Acorn)، 23/10/2003.(1/64)
أثناء فترة التحضير للحرب على العراق، كانت هناك العديد من المؤشرات التي تربط العدوان بإسرائيل. المنظمات اليهودية الأمريكية عكست الموقف الأمريكي الرسمي، الذي يتلخص ظاهرياً بأن إسرائيل لن تتدخل في العدوان حتى لا يتأثر الرأي العام الأمريكي، الذي كان موقفه سلبياً أصلاً، وتمثل ذلك بالحملة المناهضة للحرب وفي الوقت نفسه إدانة العدوان على الفلسطينيين، فعملياً توحدت فلسطين والعراق في الرأي العام الغربي، وربما لأول مرة، أخذت تتضح الأهداف الحقيقية لوجود إسرائيل في المنطقة. ومن وجهة نظر المنظمات اليهودية الأمريكية، كان من الضروري الفصل بين القضيتين، لهذا جاءت المطالبة بالصمت حول أي دور إسرائيلي في العدوان، وفي الوقت نفسه شنت حملة لتحسين صورة إسرائيل التي اهتزت بسبب الانتفاضة الفلسطينية. اختلف هذا الموقف في بداية نيسان 2003 مع توقع سقوط بغداد، فبرزت استراتيجية جديدة لفترة ما بعد صدام، شددت على دعم إسرائيل المطلق للولايات المتحدة في "حربها ضد الإرهاب". أما في إسرائيل، فتعددت الأصوات الداعمة للعدوان وعبر عنها سياسيون، أكاديميون، ورجال دين. وعلى المستوى العملي تكثف التنسيق الأمريكي الإسرائيلي، كالقيام بتدريبات عسكرية مشتركة، تنفيذ عمليات تخريبية في غرب العراق، تزويد القوات الأمريكية بالأسلحة والمعدات العسكرية الإسرائيلية. وتحضيراً لـ "حرب مدن" محتملة، لجأ الضباط الأمريكيون إلى الإسرائيليين للاستفادة من "خبرتهم" في فلسطين.
"شـ .. شـ .. شش"(1/65)
أشار الإعلامي مايكل كينسلي (1) إلى أنه نادراً ما كان يشار في الولايات المتحدة إلى دور إسرائيل في العدوان المزمع على العراق، لا في الرأي العام الأمريكي ولا في الجدل السياسي القائم. والسبب واضح و"يستحق الإعجاب"، فلا أحد من المؤيدين أو المعارضين يريد لـ "عداء السامية" أن يبرز، وأن تبدو صورة اليهود كمستشاري الملك الذين يهمسون بالسموم في أذنه حتى يبيع البلد لمصالح دولة أجنبية. ولكن هذه الـ "شـ .. شـ .. شش" المنتشرة بشكل واسع جعلت رغبة أمريكا في "وجود حليف ديموقراطي في منطقة تملؤها الحكومات الدينية والملكيات المتعفنة" مبررة تماماً، ولكن الأسوأ أن هذا الصمت بدا ماكراً ومثيراً للشكوك، حسب اليهودي كينسلي الذي أشار هو نفسه إلى انتمائه الديني. لهذا استطاع خرق هذا الصمت ليقول: "إن مستشاري الرئيس، يهودا أو غير يهود، هم أمريكيون وطنيون ويؤمنون بكل صدق أن مصالح أمريكا وإسرائيل تتطابق. والأهم من ذلك، أنهم محقون في اعتقادهم هذا، بالرغم من أنهم قد يكونون مخطئين في المجال الذي تلتقي فيه تلك المصالح". وحسب كينسلي لا توجد في أمريكا إجابة عما إذا كانت "الحرب" ضد العراق مفيدة لإسرائيل، أما في إسرائيل، فيدور جدل عنيف حول الموضوع وتطرح نظريات تتراوح بين "الدنيوي إلى الخيالي وحتى المريض: التخلص من مشاغب قبل أن يحصل على القنبلة النووية؛ إزاحة صدام ستؤدي إلى ردود فعل متتالية ستحول الدول العربية، نوعاً ما، إلى مجتمعات بورجوازية مسالمة؛ أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يريد أن يحصل حريق هائل في المنطقة يكون بمثابة عذر وغطاء لترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية".
__________
(1) (Michael Kinsley)، مؤسس الموقع الإلكتروني "سلايت" التابع لشركة مايكروسوفت العملاقة والمحرر السابق لـ "ذي نيو ريبوبليك".(1/66)
وبصرف النظر عن أي من هذه النظريات هو "الدنيوي" أو "المريض"، فكينسلي يختتم مقاله بالقول: "مهما يكن، فإن خطر مجزرة، مدنية أو عسكرية، تواجهه إسرائيل هو كالخطر الذي يواجه أمريكا، ولكن أعظم، إلا أنه من الأفضل عدم الحديث عن ذلك" (1) .
"مشروع إسرائيل"
تكمن المشكلة التي يواجهها اليهودي كينسلي في أنه مدرك بأن هذه "الحرب" مفيدة لإسرائيل، ولكنه لا يريد إيضاح طبيعة هذه الفائدة، ويكتفي بالقول أن مخططي الحرب، "الوطنيين والصادقين"، يدركون تطابق المصالح الأمريكية والإسرائيلية، ويترك السؤال عن ماهية الخطر الذي تواجهه إسرائيل بدون إجابة. ولكن هذا الصمت في وسائل الإعلام الأمريكية لا يبدو أنه جاء نتيجة لتفادي الاتهام بـ "عداء السامية"، فهو ما كانت تطالب به أطراف يهودية، ويهدف، عملياً، إلى التعتيم على العلاقة بين العدوان على العراق والانتفاضة الفلسطينية التي أصبحت تهدد الوجود الإسرائيلي. ففي تشرين الثاني عام 2002 كشفت الواشنطن بوست عن مذكرة موجهة إلى قادة الجماعات والمنظمات اليهودية تحثهم على "التزام الصمت" أثناء تحضير الإدارة الأمريكية للعدوان على العراق أو أثناءه. وضع المذكرة "مشروع إسرائيل" (2) ، الذي يمثل مجموعة من المنظمات اليهودية وممولين أفراد. تأسس هذا "المشروع" في آذار عام 2002، أي في أوج المقاومة الفلسطينية، وبعد تدهور صورة إسرائيل في العالم، وتفاقم سوء الحالة الاقتصادية في إسرائيل. والهدف من تأسيسه العمل على "بقاء إسرائيل والشعب اليهودي من خلال تحسين صورة إسرائيل في دول العالم الديموقراطية" (3) . من بين المشاركين في المشروع المستشارة الديموقراطية جينيفر لاسلو ميزراحي (4)
__________
(1) (MSN Slate)، 24/10/2002.
(2) (Israel Project).
(3) (Jewish Post of New York)، 11/2002. أنظر أيضاً (The Jewish Week)، 8/11/2002.
(4) (Jennifer Laszlo Mizrahi)..(1/67)
وهي مؤسسته، والديموقراطي ستانلي غرينبيرغ (1) والجمهوريان نيل نيوهاوس (2) وفرانك لونتس (3) . وتطالب المذكرة الإسرائيليين بأن يخففوا من الخطاب القائل أن إسرائيل سترد في حال حصول هجوم عراقي على إسرائيل: "ربما يمثل التأكيد على الرد سياسة إسرائيلية، غير أن الإعلان عنه بشكل مكشوف لن يكون له صدى جيد عند معظم الأمريكيين لأنه يعبر عن نتيجة محتمة وليس من خلال معالجة مدروسة. وهناك الشعور في أمريكا أن إسرائيل لم تقم بكل ما عليها للتوصل إلى السلام في الشرق الأوسط لهذا لا تحاولوا تغيير الرأي العام في خضم حرب". وجاء في المذكرة: "إذا كان هدفكم تغيير نظام، فعليكم أن تكونوا أكثر حذراً بسبب ردود الفعل الممكنة. لا تريدون أن يعتقد الأمريكيون أن الحرب تشن على العراق لحماية إسرائيل بدلاً من حماية أمريكا". وترشد المذكرة القادة اليهود بأن يقولوا: "مثل أمريكا، إسرائيل لها الحق بالدفاع عن نفسها وشعبنا". المذكرة حملت عنوان: "ملكية سرية لـ ‘مشروع إسرائيل’"، ولا تذكر صحيفة الواشنطن بوست التاريخ الدقيق لصدورها، وتكتفي بالإشارة إلى أنها وزعت في الأسابيع السابقة لتاريخ نشر المقال (4) .
__________
(1) (Stanley Greenberg)، من مؤسسة إجراء الاستطلاعات "أبحاث غرينبيرغ، قوينلان، وروزنر" (Greenberg, Quinlan, Rosner Research)؛ أنظر (Jewish Post of New York)، 11/2002.
(2) (Neil Newhouse).
(3) (Frank Luntz). اتهمت "الرابطة الأمريكية لأبحاث الرأي العام" (American Association for Public Opinion Research) مستطلع الرأي لونتس عام 1997 بأنه انتهك المبادئ الأخلاقية للرابطة، فقد رفض أثناء فترة تقصيات امتدت 14 شهراً كشف منهجية استطلاع كان يقوم به ذلك العام. أنظر (Forward)، 14/11/2003.
(4) (The Washington Post)، 27/11/2003.(1/68)
وما يلفت النظر أن الصحيفة ترى أن واضعي المذكرة كانوا يفكرون بالإسرائيليين كما تدل على ذلك صياغة بعض العبارات الواردة فيها. وحقيقة الأمر، أن المذكرة لا تفرق، ولا تريد أن تفرق، بين قادة المنظمات اليهودية الأمريكية والقادة الإسرائيليين ... والشعب الإسرائيلي.
"إسرائيل صديق حقيقي لأمريكا"(1/69)
تكمن أهمية المذكرة السابقة في أنها توضح وسائل التأثير في الرأي العام على المستوى المهني، أو بمعنى أدق، تضليله. فصوت "مشروع إسرائيل"، الذي يطالب بالصمت، كان كثير الضجيج عند نشر نتائج استطلاع أجراه في تشرين الأول عام 2002 برعاية منظمة "إسرائيل القرن الحادي والعشرون" بين "صانعي الرأي" أو "قادة الرأي" الأمريكيين، أي هؤلاء الذي يصل دخلهم السنوي إلى 75 ألف دولار فما فوق. فبعد "سنتين من العنف المؤذي والصور السلبية في الصحافة" أظهر هذا الاستطلاع أن أكثر من 50% "يدعمون إسرائيل"، و12% يدعمون الفلسطينيين. وفي حين رأى 80% من المستطلعين أن إسرائيل هي دولة "ديموقراطية"، رأى 19% أن "الطبيعة الديموقراطية" للحكومة الإسرائيلية هي السبب الرئيسي لقيامهم بدعم إسرائيل. ومن أسباب دعم إسرائيل الرئيسية التي ذكرت في الاستطلاع "الحرب المشتركة ضد الإرهاب ودور إسرائيل المتواصل كحليف للولايات المتحدة في المنطقة". ويقول زفي ألون (1) ، رئيس منظمة "إسرائيل القرن الحادي والعشرون": "الدعم الأمريكي لإسرائيل في تصاعد". أما جينيفر لاسلو ميزراحي فتقول "أن الاستطلاع أوضح أن القيم الديموقراطية المشتركة هي الأساس القوي للتضامن والصداقة بين إسرائيل وأمريكا وأن إسرائيل هي صديق حقيقي لأمريكا". ومن الواضح أن منظمي الاستطلاع كانوا يريدون أن تؤدي نتائج الاستطلاع إلى إظهار الرفض لما تقوم به جامعات من نشاط يهدف إلى التصدي إلى الشركات الأمريكية، التي تعمل في إسرائيل، وهذا ما حصل. فقد قال 61% أن هذه فكرة سيئة، وأيدها 30% فقط. وخلفية هذا الموضوع أنه كان "قضية ساخنة في عدد من الكليات" وواجهتها المنظمات اليهودية منذ صيف عام 2002 (2) .
__________
(1) (Zvi Alon).
(2) أنظر أدناه ص 103.(1/70)
ولا يتردد منظمو الاستطلاع في التصريح أنهم كانوا يبثون في واشنطن منذ شهر أيلول دعايات تلفزيونية تركز على "الممارسات الديموقراطية في إسرائيل"، وبدعم من "اللجنة اليهودية الأمريكية". أما منظمة "إسرائيل القرن الحادي والعشرون" فبثت مادة مماثلة في القنوات الفضائية "سي إن إن"، "م إس إن بي سي"، و"فوكس" (1) .
"خارطة طريق" إسرائيلية
__________
(1) المعلومات حول الاستطلاع من (Jewish Post of New York)، 11/2002.(1/71)
مع توقعات تغيير النظام في بغداد بداية نيسان عام 2003 قدم "مشروع إسرائيل" و"شركات لونتس للأبحاث" (1) لـ "مؤسسة ويكسنر" (2) وثيقة من سبع عشرة صفحة تحمل عنوان: "أولويات الاتصال بالنسبة لإسرائيل 2003". وتوضح الوثيقة أنه بعد "الصمت النسبي" لفترة الثلاثة أشهر السابقة لـ "الحرب"، ومع اقتراب انتهاء "الصراع العسكري" فقد حان الوقت لتنفيذ الخطوة التالية. وتتلخص هذه الخطوة بأن "تقوم إسرائيل بالكشف عن ‘خارطة الطريق’ الخاصة بها التي تتضمن الدعم المطلق لأمريكا والالتزام المطلق بالحرب المتواصلة ضد الإرهاب".
__________
(1) (The Luntz Research Companies).
(2) (Wexner Foundation). تعرف هذه المؤسسة نفسها بأنها تهدف إلى "تقوية القيادة اليهودية في شمال أمريكا وإسرائيل". أحد برامجها هو "زمالة إسرائيل" (Wexner Israel Fellowship Program)، الذي ينفذ بالتعاون مع "كلية جون إف كينيدي" للعلوم السياسية التابعة لجامعة هارفارد (أنظر هامش 142). ويمول هذا البرنامج سنوياً عدداً من المنح تقدم لمسؤولين إسرائيليين للحصول على درجة الماجستير في "الإدارة العامة" ودعمهم للمشاركة في مجموعة من "مؤسسات القيادة". وتدعم "مؤسسة ويكسنر" الكثير من مراكز الجماعة اليهودية في ولاية أوهيو، وعلى المستوى القومي تشارك المؤسسة في منظمات يهودية، منها "إسرائيل: حق بالولادة" والمنظمة الجامعية هيليل (Hillel) وغيرها. الملياردير ليزلي ويكسنر (Leslie Wexner) (كولومبوس، أوهيو) يملك شركة "ذي ليميتد" (The Limited)، "انتيمايت براندز" (Intimate Brands) و"فيكتوريا سيكريت" (Victoria’s Secret). وهذه الشركات تنتج مستحضرات العناية بالجسم والملابس الداخلية النسائية التي تلقى رواجا كبيرا في العالم العربي. المعلومات حول المؤسسة من موقعها على الإنترنت.(1/72)
والمقصود بـ "الاتصال" في عنوان الوثيقة هو طبيعة الخطاب الإسرائيلي أو اليهودي الذي ينبغي استخدامه لتحقيق الاتصال مع الرأي العام الأمريكي، أي بمعنى آخر التأثير عليه. وتدخل الوثيقة في تفاصيل دقيقة حول كيفية صياغة الخطاب المطلوب، حتى نوعية الكلمات المناسبة وأمثلة وهمية وردود الفعل عليها. وتصل الوثيقة إلى إحدى عشرة "نتيجة جوهرية"، من بينها:
* العراق يطغى على كل شيء، صدام هو دفاعكم الأفضل حتى لو كان ميتاً.
* الأمن’ يمكن تسويقه.
* اربطوا تحرير العراقيين بمعاناة الشعب الفلسطيني.
وبالرغم من غرابة الوثيقة، أو ربما طرافتها، فإنها بطريقة ما تكشف عن الأهداف غير المعلنة للسياسة الإسرائيلية. "الأمن" هو السياق الذي ينبغي أن تشرح فيه حاجة إسرائيل لضمانات القروض والدعم العسكري، وهو السبب الذي يمنع إسرائيل من التخلي عن الأرض. وتقول الوثيقة: "المستوطنات هي عقب أخيل عندنا"، وأفضل رد هو "الحاجة إلى الأمن الذي تخلقه هذه المنطقة الفاصلة". وهذا يعني ببساطة أن إسرائيل لن تنسحب من الضفة الغربية وقطاع غزة. وتملأ الوثيقة الإرشادات الموضوعة في إطار، من بينها التحذير الذي يدعو بأن لا تسقط كلمتا "صدام حسين" من الخطاب الإعلامي، "فهؤلاء الذين يقولون أن صدام حسين قد أصبح أخباراً قديمة لا يفهمون التاريخ. هم لا يفهمون كيف يمكن استحضار التاريخ لفائدة إسرائيل". "صدام" هو أقوى سلاح في "الدفاع اللغوي عن إسرائيل".
"الربط بين العراق والفلسطينيين"(1/73)
وتشرح الوثيقة طريقتها كيف يجب أن يكون الربط بين العراق والفلسطينيين، فالأمريكيون يجدون أن القضيتين منفصلتان، "على الأقل الآن". وترى أن الافتراض بأن الدعم الواسع لتغيير النظام في العراق يمكن الاستفادة منه بشكل كامل في تغيير القيادة الفلسطينية خاطئ، لهذا يمكن، وينبغي، أن يربط "دعمكم للجهود الأمريكية في تحرير شعب العراق بمصلحتنا المتبادلة بضمان الحرية للشعب الفلسطيني". ينبغي أن يكون التركيز على أن "الأمريكيين يريدون للديموقراطية أن تزدهر في الشرق الأوسط"، وأن العراقيين لم يعودوا بحاجة إلى النظر أبعد من جيرانهم الإسرائيليين. التدرج المطلوب في هذا المنطق، هو: الديموقراطية مهمة؛ الديموقراطية في العراق مهمة؛ يمكن للديموقراطية أن تجلب السلام؛ حان الوقت لتحقيق ديموقراطية حقيقية للشعب الفلسطيني. فالأمريكيون يأملون بصدق أن يصبح العراق، العدو سابقاً، شريك السلام حال إقامة حكومة تمثل العراقيين. وهذا ما يستحقه الفلسطينيون أيضاً، ترشد الوثيقة. وهذا تماماً "ما تتطلبه إسرائيل من السلطة الفلسطينية منذ أمد طويل: أقيموا حكومة شرعية يمكن لها أن تصبح شريكاً للسلام". من الواضح أن هذا الكلام يهدف إلى تغطية ما يحصل على أرض الواقع ويكشف أن أحد أهداف عملية العراق، وربما الهدف الرئيسي، هو ترتيب الوضع الفلسطيني المتفجر. وكما يبدو لم تكن هذه النصائح والإرشادات ذكية، فالتطورات اللاحقة، في العراق بشكل خاص، لم تأت كما كان يأمل "مشروع إسرائيل".
أسئلة بلاغية وجواب وحيد عليها(1/74)
تشير الوثيقة إلى نتيجة جوهرية، وهي مدى فعالية الأسئلة البلاغية، أي الفارغة من المضمون، وتدرج الوثيقة مجموعة منها، مثال: "لماذا بقي ياسر عرفات في السلطة لهذه الفترة الطويلة من الزمن دون أن يحقق إلا القليل في التقدم نحو حل سلمي؟ لو كان ملتزماً فعلاً بإخلاص بعملية السلام، أما كان توصل إلى تحقيق هذا الهدف الآن؟". ومهما تعددت الأسئلة من هذا النوع، فالجواب عليها هو دائماً نفسه: "سيأتي السلام عندما يتم الإصلاح فعلاً في القيادة الفلسطينية الحالية وتتوقف تكتيكات الإرهاب". ويبدو الجواب بلاغيا أيضاً، ولكن الوثيقة عندما تنصح أن "يبهر" الخطاب بالأسئلة البلاغية، فإنها تقول: "هكذا يتكلم اليهود على جميع الأحوال". وفي هذا السياق تتساءل الوثيقة فيما إذا كان إنكار محمود عباس رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك للمحرقة، في إشارة إلى أطروحته للدكتوراه في الاتحاد السوفياتي، مبعثاً للقلق، وتجيب: "بالتأكيد". ولكن السؤال هو هل إنكاره للمحرقة سيقنع الأمريكيين بأنه لا يصلح لتقديم عرض مخلص للسلام مع الفلسطينيين. تجيب الوثيقة: بالكاد. لماذا؟ لأن الأمريكيين لم يعودوا يرغبون بسماع شيء عن المحرقة، وبشكل خاص إذا جاء من الجماعة اليهودية. ونحن نتساءل بدورنا هل أجريت دراسات حول موقف الأمريكيين من خطاب المحرقة؟ ومن قبل من؟ ولكن الأهم من ذلك، أن الوثيقة تقدم إرشاداتها لإسرائيل، وبشكلٍ مماثل، لمجموعات الضغط اليهودية وأذرعها في الولايات المتحدة للتأثير على الرأي العام الأمريكي. وهذا ما يدعم الافتراض أن وسائل الإعلام الأمريكية يسيطر عليها اليهود بهذا الشكل أو ذاك، كما يظهر من القائمة التي جمعها اليهودي جيفري بلانكفورت (1) ،
__________
(1) أنظر (San Francisco Bay Area Indymedia)، 12/1/2003..(1/75)
وتشمل خمسة وثمانين شخصية يهودية تملك وسائل إعلام أو ترأسها، أو تلعب دوراً فعالاً فيها (1) .
"الشعور بالمسؤولية"
في إسرائيل كان معروفا متى سيشن العدوان الأمريكي على العراق. ففي نهاية أيلول عام 2002، صرح بينيامين بن-إليعيزر، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بأن الأمريكيين سيهاجمون العراق في نهاية شهر تشرين الثاني. وبصرف النظر عن الهدف الخفي وراء تصريح من هذا النوع فإنه يعكس التنسيق الذي كان يجرى بين الولايات المتحدة وإسرائيل قبل العدوان وبشكل عام المصالح الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة. وهذا ما يؤكده رد فعل أرييل شارون، رئيس الوزراء، عندما حذر وزراء حكومته في السابع من تشرين الأول 2002 بأن لا يدلوا بتصريحات حول المخططات الأمريكية تجاه العراق. ويقول مسؤول إسرائيلي كبير: "الجميع يريدون التعبير عن رأيهم حول موضوع حيوي، وهذا أمر صحي. ولكن ينبغي أحياناً أن تشعروا بالمسؤولية وتصمتوا" (2) . في تشرين الأول 2002 كان وفد إسرائيلي يضم الجنرال عاموس يارون، من وزارة الدفاع الإسرائيلية، ومسؤولين آخرين كبار يجري محادثات في واشنطن مع ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية الأمريكي، حول "الخطر الذي يشكله صدام حسين". وفي هذه الزيارة اجتمع يارون مع دوغلاس فايث (3) ، مساعد وزير الدفاع الأمريكي للسياسة ومدير "مكتب الخطط الخاصة" (4)
__________
(1) نشرت هذه القائمة تحت عنوان "يهود في وسائل الإعلام" كملحق لمقال "رونالد بلاير"، في (Demographic, Environmental and Security Issues Project)، نيسان 2003.
(2) (New York Times)، 7/10/2003.
(3) (Douglas Feith).
(4) (Office of Special Plans).(1/76)
في الوزارة. وأفادت صحيفة هآريتس في هذه المناسبة أن "نقاشات هادئة حول التحضير للحرب كانت تجرى منذ أشهر، ولكن الرئيس بوش قرر تكثيف هذه النقاشات" (1) . وفي الشهر نفسه ترددت أنباء أن الولايات المتحدة وإسرائيل "اتفقتا على أهداف العراق"، وأن "الأمريكيين سيزودون إسرائيل بقمر اصطناعي يقدم إنذاراً مبكراً بهجمات صاروخية عراقية، وأن قطع غيار وأجهزة أمريكية أخرى ستخزن في إسرائيل" (2) . وأثناء زيارة شاؤول موفاز لواشنطن، في شهر كانون الأول 2002، طمأن المسؤولون الأمريكيون الوفد الإسرائيلي بأن الولايات المتحدة ستقوم بكل ما في وسعها للدفاع عن إسرائيل، وأن لا حاجة لمشاركة إسرائيل في العدوان المرتقب. وبالرغم من ذلك، صرح أحد المسؤولين من وزارة الدفاع الإسرائيلية لـ "الوكالة التلغرافية اليهودية" أنه في حالة تعرض إسرائيل للعدوان فإنها سترد، حتى يرى الجميع أنها هي من قام بذلك، "وأن يدركوا ما الذي يمكننا أن نفعله" (3) .
"كانوا يتحركون بسرعة"
__________
(1) (Middle East Times)، 4/10/2003؛ عن معاريف وهآريتس.
(2) (New York Times)، 7/10/2003.
(3) (Jewish Telegraphic Agency)، 27/12/2002.(1/77)
أثناء فترة التحضير للعدوان كانت مجموعة سرية من رجال المخابرات الإسرائيليين تزود "مكتب الخطط الخاصة" في وزارة الدفاع الأمريكية بمعلومات استخباراتية حول العراق. ولم تكن المجموعة تابعة لجهاز الموساد، وإنما مرتبطة بمكتب أرييل شارون، رئيس الوزراء. وحسب الغارديان فإن الإسرائيليين، الذين كانوا يترددون على "مكتب الخطط الخاصة" لم يدخلوا البنتاغون خلال القنوات المعهودة، وأدخلوا إلى مكتب دوغلاس فايث بدون تعبئة الاستمارات المطلوبة. وتقول كارن كفايتوفسكي (1) أنها رافقت مرة حوالي نصف دزينة من الإسرائيليين، بينهم جنرالات، من قاعة الاستقبال في الطابق الأول للبنتاغون إلى المكتب المذكور: "كان علينا ببساطة أن نتبعهم، لأنهم كانوا يعرفون تماماً وجهتهم وكانوا يتحركون بسرعة"، وتضيف أن الإسرائيليين لم يكونوا بحاجة إلى ملء أي استمارة، كما أصبح مشروطاً بعد الحادي عشر من أيلول، وترجح أن "مكتب الخطط الخاصة" تخلى عن هذه التدابير حتى لا يكون هناك أي سجل بالاجتماع (2) .
"حرب لليهود"
__________
(1) (Karen Kwiatkowski)، الكولونيل المتقاعد في سلاح الجو.
(2) (The Guardian)، 17/7/2003؛ (The Nation)، 19/6/2003؛ (Inter Press Service)، 7/8/2003؛ عن (Center for Cooperative Research) حول "مكتب الخطط الخاصة" (Office of Special Plans).(1/78)
في إسرائيل، هناك الكثير مما يقال حول العدوان على العراق. فإلى جانب "النظريات" هناك العديد من التصريحات لمسؤولين إسرائيليين، قبيل العدوان على العراق، تظهر إلى أي مدى ترى إسرائيل في هذا العدوان ما يخدم مصالحها بشكل مباشر. ففي منتصف شباط كان شاؤول موفاز يقول أمام أعضاء "مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية": "نحن مهتمون جداً بإعادة صياغة الشرق الأوسط". ورأى إفراييم هاليفي (1) أن "موجات الصدمة التي ستنبعث من بغداد ما بعد صدام، سيكون لها تأثيرات واسعة في طهران، دمشق، ورام الله. نأمل أن تسود المنطقة أجواء مفعمة باستقرار وثقة أكبر، من الخليج الفارسي إلى سواحل الأطلسي في المغرب" (2) . جايمس بينيت، مدير مكتب النيويورك تايمز في القدس، يوجز بشكل معبر الفائدة التي ستجنيها إسرائيل من العدوان على النحو التالي: "اعتقدت إسرائيل أن اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين كانت ستفتح المجال نحو شرق أوسط جديد بتعايش إسرائيلي عربي مريح. والآن مع تآكل أوسلو، هم يضعون آمالهم في حرب أمريكية على العراق" (3) . ويقول أيضاً: "الموضوع بسيط وواضح: الحرب الأمريكية ضد العراق هي حرب لليهود" (4) .
"الرب يقف معكم"
__________
(1) (Efraim Halevy)، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس جهاز المخابرات السابق.
(2) (James Bennet)، (New York Times)، 24/2/2003.
(3) المرجع السابق.
(4) (The New York Times)، 3/4/2003؛ عن (Arab-Israeli Politics, Role Profiles).(1/79)
في إشارة إلى إيلان رامون (1) ، الذي شارك في قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، وقتل في تحطم المركبة الفضائية كولومبيا في بداية شهر شباط 2003 ، قال دانييل كورتسر (2) ، السفير الأمريكي في إسرائيل: "تتشارك الولايات المتحدة وإسرائيل الانتصارات والمحن. نحن، الأمريكيين والإسرائيليين، حقاً اخوة ... على الأرض وفي الفضاء" (3) . وفي نهاية شهر آذار حضر السفير نفسه قداساً أقيم في جامعة بار إيلان، وكذلك السفير البريطاني ورؤساء المعاهد والكليات في الجامعة وطلابها. وفيه شكر السفير الأمريكي جامعة بار إيلان قائلا بالعبرية: "نقدر دعم الحكومة الإسرائيلية وجمهور إسرائيل بأكمله". وبالعبرية أيضاً قال شيرارد كاوبر-كولز، السفير البريطاني (4) : "نشكر الحكومة الإسرائيلية وشعبها لدعمهم قوات التحالف العاملة في الخليج. ونأمل أن نشهد السلام ليس فقط من أجل إسرائيل، وإنما من أجل شعب العراق وكل شعوب الشرق الأوسط" (5) . وفي نهاية القداس ناشد الأستاذ موشيه كافيه (6) ، رئيس جامعة بار إيلان، الجمهور الإسرائيلي أن يقوم بتلاوة صلاة خاصة يوم السبت الخامس من نيسان، هذا نصها:
"ليحمنا الرب من أعدائنا، الذين يهبون ضدنا، ليحمي المقدس المبارك جنود قوات الحلفاء في العراق ويقيهم من الحزن والمشقة، ومن الخطر والمرض. ليكلل بالبركة والنجاح جهودهم كلها، ليتوجهم بالخلاص والنصر ويهزم هؤلاء الذين يكرهونهم، وذلك حتى تتحقق المأثرة من خلالهم: من أجل الرب، ربَّكم، الذي يقف معكم ويحارب أعدائكم ... من أجلكم ولحمايتكم، لنبتهل، آمين".
مطالبة رئيس جامعة بار إيلان بتلاوة صلاة يهودية تنفي المبدأ الأكاديمي للمؤسسة الجامعية التي يمثلها، وتظهر بوضوح الاستغلال السياسي للدين اليهودي.
__________
(1) (Ilan Ramon).
(2) (Daniel Kurtzer).
(3) (Israel21c)، 2/2/2003.
(4) (Sherard Cowper-Coles).
(5) (Israel21c)، 30/3/2003.
(6) (Moshe Kaveh).(1/80)
"الحرب مبررة"
"متى تكون الحرب مبررة؟ العراق كحالة". هذا هو السؤال، الذي كان مطروحاً في لقاء نظمه، بداية آذار 2003، "مجلس التنسيق بين الأديان" (1) بالتعاون مع "مؤسسة كونراد
أديناور" الألمانية في القدس. ومثل رئيس جامعة بار إيلان، وجد مورديخاي بيرون (2) ، الحاخام الأعظم السابق في الجيش الإسرائيلي، مبررات العدوان على العراق في الدين اليهودي. إذ بالرغم من أن "اليهودية" تعارض الحرب، فإن هناك "استثناءين كبيرين": "الأول، عندما يشن العدو هجوماً للقضاء على الشعب اليهودي والدولة اليهودية، فإن لدينا الحق بالدفاع عن أنفسنا؛ والثاني، عندما يتآمر العدو لمحوكم ويعلن بوضوح عن خطط للقضاء على شعبكم ودولتكم من خلال وسائل مدمرة، فإن لديكم الحق، ليس في الدفاع عن النفس فقط، بل شنَّ حرب وقائية". ومن يتكلم هنا هو إسرائيل وليس الولايات المتحدة، فالمقصود بـ "الوقاية"، التي تذرعت بها الولايات المتحدة، هو إسرائيل (3) .
"اتصالات وتنسيق" من إسرائيل
في شهر آب 2003 عبر أرييل شارون في واشنطن عن "امتننانه العميق للخطوات التي قام بها الرئيس بوش" في إشارة غير مباشرة إلى غزو العراق. وفي هذه المناسبة أقر بأن "هناك بعض المشاكل"، كناية عن المقاومة العراقية، التي أصبحت آنذاك واضحة المعالم وملموسة. ولكنه أضاف: "أن التاريخ سينظر إلى [غزو العراق] على أنه يمثل أحد أهم الخطوات التي أتخذت منذ الحرب العالمية الثانية" (4) . هذه الخطوة ذات الأهمية القصوى "أتخذت" من قبل من؟ إسرائيل أو أمريكا؟
__________
(1) (Interreligious Coordinating Council).
(2) (Mordechai Piron).
(3) المعلومات حول المؤتمر حسب "رون كرونيش" (Ron Kronish)، رئيس "مجلس التنسيق بين الأديان" في (Israel21c)، 2/3/2003.
(4) مقابلة أجرتها معه مجلة "النيوزويك" ونشرت مقتطفات منها (Washington Post)، 3/8/2003.(1/81)
وصلت إلى إسرائيل "وحدة ارتباط أمريكية" في بداية كانون الثاني 2003 لإنشاء بنية تحتية لـ "الاتصالات والتنسيق" أثناء الحرب مع العراق بين الجيش الإسرائيلي، ووزارة الدفاع الأمريكية والقوات الأمريكية الموجودة في المنطقة. كما وصل إلى السفارة الأمريكية في تل أبيب عدد محدود من الموظفين لـ "تعزيز قنوات الارتباط والاتصالات، القوية أصلاً". وجرى تعيين الجنرال تشارلز سيمبسون (1) ليكون "كبير ضباط الارتباط" مع الجيش الإسرائيلي. وأجرى سيمبسون مقابلات مع رئيس هيئة الأركان، موشيه يعلون (2) ، وضباط كبار في الجيش الإسرائيلي (3) . ومنذ اليوم الأول للعدوان الأمريكي على العراق، ورغم أن إسرائيل كانت في حالة تأهب قصوى، قال سيلفان شالوم، وزير الخارجية الإسرائيلي: "إسرائيل ليست جزءاً من الحملة ضد العراق ولا تريد أن تزج بها"، ولكنه أضاف: "نحن نصليِّ من أجل سلامة قوات التحالف. إسرائيل تقف إلى جانب الشعب الأمريكي وحلفائه في حملتهم للقضاء على التهديد الذي تمثله أسلحة الدمار الشامل العراقية" (4) . صلاة سيلفان شالوم لا تعبر تماماً عن حقيقة الجهود المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فحسب صحيفة "نيويورك دايلي نيوز" كان القمر الاصطناعي الإسرائيلي المتطور "عاموس 4" يمد المخابرات الأمريكية بالمعلومات بشكل روتيني، في حين كان عملاء المخابرات الإسرائيلية في بغداد يجمعون معلومات في غاية الحساسية. كما قامت قوة الكوماندو الإسرائيلية "ساييريت ماتكال" (5) بالاشتراك مع قوات أمريكية وأسترالية خاصة بعمليات سرية في الصحراء الغربية للعراق بحثاً عن منصات إطلاق صواريخ سكود.
__________
(1) (Charles Simpson)، مدير العمليات الجوية والفضائية في "القيادة الأوروبية" في الجيش الأمريكي.
(2) (Moshe Ya’alon).
(3) (India Info)، القدس، 14/1/2003، عن "هآريتس".
(4) (Israel21c)، 20/3/2003.
(5) (Sayeret Matkal).(1/82)
كما أن "مسؤول مخابرات عربي"، مطلع على تفاصيل هذه المهمة، أبلغ الدايلي نيوز أن الإسرائيليين دخلوا العراق بعد أن فشلت تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية (1) . وفي الأسبوع الثالث من شهر كانون الثاني قامت البحرية الإسرائيلية بتدريبات مشتركة مع الأسطول السادس الأمريكي في البحر الأبيض (2) . وبعد سيمبسون، زار إسرائيل في أواخر كانون الثاني الجنرال تشارلز فالد (3) الذي سيكون مسؤولاً عن "الارتباط" مع الجيش الإسرائيلي. وبهذا الصدد صرح مسؤول أمني إسرائيلي كبير بأن التنسيق الاستراتيجي مع الأمريكيين هو بمستوى أعلى بكثير مما كان عليه عام
1991 (4) .
تدريبات مشتركة
__________
(1) (Israel21c)، 30/3/2003.
(2) حسب موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، (Israel Line)، 17/1/2003.
(3) (Charles Wald)، القائد المفوض لـ "القيادة الأوروبية" في الجيش الأمريكي.
(4) حسب موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، (Israel Line)، 17/1/2003.(1/83)
تعددت أشكال التعاون الأمريكي الإسرائيلي. ففي شهر كانون الأول عام 2002 أرسلت قوة مهام أمريكية تتألف من 700 عنصر تحت قيادة الجنرال ستانلي غرين (1) للمشاركة في تدريبات دفاعية مشتركة للصواريخ البالستية. وبقيت تلك القوات في إسرائيل أثناء "الأزمة العراقية" لدعم سبع منصات لإطلاق صواريخ "باتريوت 2" في حيفا وصفد ومنطقة تل أبيب الكبرى. وقد دمج نظاما الدفاع الأمريكي والإسرائيلي، الباتريوت والأرو، في شبكة واحدة. وانتهت مهمة القوة الأمريكية بعد أربعة أشهر عندما سيطرت قوات التحالف على مناطق في غرب العراق. وقد تصرف الجنود الذين كانوا يشغلون النظامين كـ "أفراد عائلة واحدة"، على حد تعبير الكولونيل روجر ماثيوز (2) . وفي العشرين من نيسان احتفل الجنود الأمريكيون والإسرائيليون بهذه المناسبة في "قاعدة تل يونا الجوية" (3) في ريشون ليتسيون. وبمناسبة حلول عيد الفصح اليهودي دعي خمسون جندياً أمريكياً إلى بيوت إسرائيلية لتناول عشاء العيد (4) .
أسلحة ومعدات إسرائيلية
__________
(1) (Stanley Green).
(2) (Roger Mathews)، قائد اللواء 69.
(3) (Tel Yona Air Force Base).
(4) (Israel21c)، 20/4/2003، عن (Associated Press).(1/84)
تعتبر إسرائيل ثالث أكبر مُصدِّر للأسلحة في العالم، بعد الولايات المتحدة وبريطانيا، وتتقدم بذلك على روسيا بصناعاتها الحربية الضخمة، حسب مجلة "جاينز ديفينس ويكلي" (1) . وقدر حجم المبيعات العسكرية الإسرائيلية بأكثر من 3.5 بليون دولار للعام 2002. يقول جويل جونسون (2) : "أعتقد أننا سنسقط طائرات الميراج ثري إس (الفرنسية) إذا استخدمها العراقيون. وقد نسقطها بواسطة صواريخ إسرائيلية". استخدمت القوات الأمريكية في عدوانها على العراق أنواعاً متعددة من الأسلحة والعتاد العسكري، الذي يصنع الكثير منه في فروع لشركات إسرائيلية في الولايات المتحدة، أو من خلال مشاريع أمريكية إسرائيلية مشتركة. ويرى البعض أن استخدام الجيش الأمريكي لأسلحة إسرائيلية لا يعدو كونه مسألة تندرج في سياق الصفقات التجارية. يقول الأستاذ غيرالد ستينبيرغ (3) من جامعة بار إيلان: "لدى إسرائيل خبرة واسعة في تطوير بعض الأسلحة الذكية أو تلك الموجهة بالليزر، وهي على درجة عالية من الدقة. إنهم يصنعون هذه الأسلحة لجيش الدفاع الإسرائيلي، ولكنها أيضاً تباع للولايات المتحدة من بين دول أخرى". لكن يفتاح شابير (4) من "مركز جافي للدراسات الاستراتيجية" (5)
__________
(1) (Jane’s Defense Weekly ). معظم المعلومات حول الأسلحة العراقية حسب (Associated Press)، 21/3/2003 و(Israel21c)، 23/3/2003.
(2) (Joel Johnson)، الناطق باسم "رابطة الصناعات الفضائية الجوية" (Aerospace Industries Association)، وهي مجموعة ضغط لصناعات الأسلحة في واشنطن.
(3) (Gerald Steinberg)، رئيس "برنامج إدارة الصراع والمفاوضات" (Program on Conflict Management and Negotiation).
(4) (Yiftah Shapir).
(5) (Jaffee Center for Strategic Studies)..(1/85)
في جامعة تل أبيب يضيف بعداً آخر: "إن وجود أسلحة إسرائيلية في الجهاز العسكري الأمريكي الضخم يشير إلى التفوق التقني للبلاد وإلى مكانتها كحليف مفضل". ويتراجع شابير بعض الشيء في تقييمه لهذا التحالف عندما يقول أن الصداقة الأمريكية الإسرائيلية "تساعد إلى حد ما، ولكن عندما يصل الأمر إلى المنافسة التجارية، توضع هذه المشاعر جانباً. هذه الأجهزة متقدمة جداً، وأسعارها باهظة للغاية". ويلخص ستينبيرغ برنامج التعاون العسكري الأمريكي الإسرائيلي بقوله: "إن مساهمة إسرائيل في الإطار الواسع للأشياء صغيرة، ولكنها هامة. إنها تعكس الإمكانيات التقنية لإسرائيل، وإلى حد ما تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة. ولكن من الخطأ القول أن إسرائيل تساهم بالحرب ضد العراق لأنها تزود أمريكا بالسلاح. هذه الأسلحة قد تكون استخدمت أيضاً في أفغانستان وكوسوفو".
الأسلحة الإسرائيلية، التي يرى فيها شابير وستينبيرغ مجرد بضاعة تجارية، كان لها، إذن، دور في إحلال الدمار والقتل في أفغانستان ويوغوسلافيا، واليوم في العراق. ولا يبدو أن العامل التجاري فقط هو ما يقف وراء تطوير الأسلحة الإسرائيلية، فالهدف الرئيسي لـ "مركز جافي للدراسات الاستراتيجية" هو إجراء أبحاث ذات مستوى أكاديمي عالٍ في قضايا تهم "الأمن القومي الإسرائيلي وقضايا الأمن الإقليمية والدولية". هذا المركز، كان يترأسه لدى تأسيسه أهارون ياريف (1) ، مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية، وجاء الدعم له من قبل أمريكيين يهود (2) .
أجهزة تصوير بالأشعة
__________
(1) (Aharon Yariv).
(2) المعلومات حول "مركز جافي للدراسات الاستراتيجية" من موقعه على الإنترنت.(1/86)
في بداية شباط 2003 ظهرت تقارير تفيد بأن شركة إسرائيلية، تنتج الإلكترونيات في المجالات الطبية، هي "أوركس للتصوير المحوسب بالأشعة " (1) باعت القوات الأمريكية أجهزة تصوير بالأشعة قابلة للحمل، لاستخدامها أثناء المعارك. ومقارنة بأجهزة التصوير بالأشعة المستخدمة حالياً في الميدان، التي تحتاج إلى رجلين لحملها وتتطلب إعادة تعيير كلما حركت، فإن ما تنتجه الشركة يعتبر متطورا جدا، ويقول هيليل باخراخ (2) أن الأجهزة الجديدة خفيفة
(40 كغ) ولا تتطلب أي مواد كيماوية للتظهير، وأحد مزاياها قدرتها على إرسال صور الأشعة عبر الإنترنت. وقامت الشركة بتدريب 30 عنصراً من القوات الأمريكية على استخدام هذه الأجهزة. وقد سلمت 50 قطعة كدفعة أولى في شهر آذار، و26 قطعة في نيسان وبلغت كلفة الصفقة 7.5 مليون دولار. ويضيف باخراخ: "عندما تكونون في العراق لستم
بحاجة إلى نقل كل هذه المواد الكيماوية" (3) . ونضيف أن ميزة إرسال الصور بالإنترنت تتمثل أيضاً بإمكانية إرسالها إلى أي مكان في العالم، بما فيه إسرائيل.
الصاروخ الذي قتل أبو علي مصطفى
__________
(1) (Orex Computerized Radiography Inc.).
(2) (Hillel Bachrach)، رئيس الشركة ومديرها التنفيذي.
(3) (Israel21c)، 2/4/2003، عن (Boston Herald)، 2/4/2003. أنظر موقع الشركة (http://www.orex-cr.com/MilitaryContractAward)، 12/2/2003.(1/87)
تستطيع طائرات البي 52 إطلاق صواريخ جو أرض المعروفة باسم "بوبيي" (1) ، وقامت بتطويرها رافائيل (2) ، وهي شركة تملكها الحكومة الإسرائيلية جزئياً. ويقول ستينبيرغ: "يشتهر بوبيي بأنه يمكن إطلاقه ليخترق نافذة شقة. لقد استخدم جيش الدفاع الإسرائيلي هذه الأسلحة لاستهداف قادة الإرهاب الفلسطينيين خلال السنتين والنصف الماضية، وعلى الأرجح أن هذا الصاروخ يستخدم من قبل الجيش الأمريكي". و"الاستهداف" هنا يعني القتل، ولا نعرف من استهدف هذا الصاروخ أو النسخة المعدلة منه (3) في العراق، ولكن على الأغلب فإن هذا الصاروخ هو ذاته الذي اخترق نافذة مكتب في مدينة البيرة الفلسطينية في السابع والعشرين من آب عام 2002 ليقتل أبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
__________
(1) (Popeye).
(2) (Rafael).
(3) تشير بعض المصادر أن الشركات الأمريكية والإسرائيلية طورت نسخة معدلة (HaveLite) من صاروخ بوبيي، أصغر وأخف، لاستخدامه في الطائرات المقاتلة إف 16. أنظر (Globes Online)، 13/5/2003.(1/88)
ومن الأسلحة الإسرائيلية التي استخدمتها القوات الأمريكية في العراق، الطائرات بدون طيار "هانتر" و"بيونير"، واستخدمهما المارينز في استكشاف الدفاعات العراقية. وكلا الطائرتان من إنتاج "صناعات إسرائيل الجوية" (1) ، وهي أكبر شركة خاصة في إسرائيل. ويقول شابير أن عربات برادلي الأمريكية المصفحة مزودة بحواسيب تنتجها شركة تابعة لـ "أنظمة إلبيت" (2) . والجنود الذين يستقلون هذه العربات قد يكونون محميين بدروع من إنتاج رافائيل، كما صرح لوفا دروري (3) ، رئيس فرع التسويق العالمي في هذه الشركة. وقد أصبح استخدام الأسلحة الإسرائيلية في الحرب ضد العراق مؤكداً عندما بث التلفزيون العراقي، في الأسبوع الثالث من آذار 2003، مشاهد لصواريخ إسرائيلية أطلقت من طائرات أمريكية تحمل الأحرف "آي إم آي"، الذي تبين أنه يعني "صناعات إسرائيل العسكرية" (4) ، كما أوضح شاؤول موفاز، وزير الدفاع الإسرائيلي، في اجتماع حكومي في الثالث والعشرين من آذار. وأضاف الوزير أن هذه الصواريخ استخدمت كـ "طعم" لتضليل المضادات الجوية العراقية (5) .
احتلالان!
__________
(1) (Israel Aircraft Industries).
(2) (Elbit Systems).
(3) (Lova Drori).
(4) (Israel Military Industries).
(5) على الأغلب أن هذا الجهاز هو (Tactical Air-Launched Decoy)، الذي طورته الشركة للاستخدام في الطيران الحربي. أنظر (Israel21c)، 6/4/2003.(1/89)
مع اقتراب القوات الأمريكية من بغداد في بداية نيسان 2003 كانت صحيفة يو إس إي توداي الأمريكية تتحدث عن دور سري هام لعبته إسرائيل في تدريب الجنود والمارينز الأمريكيين على حرب المدن. وذكرت الصحيفة أن الإسرائيليين بنوا لهذا الهدف مدينتين في وسط مكان بقي سرياً تتضمنان مساجد وألبسة معلقة أمام النوافذ وحمير تتجول في الأزقة. وصرح ماير بايل (1) ، مؤرخ عسكري وكولونيل احتياط في الجيش الإسرائيلي، بأن "التقنيات التي سيستخدمها الأمريكيون تشبه إلى حد كبير أسلوبنا" (2) . الشبه بين الاحتلالين، الإسرائيلي والأمريكي، واضح لأي "إسرائيلي أو فلسطيني"، كما عبر عن ذلك جايمس بينيت من النيويورك تايمز. فالجنود الأمريكيون والبريطانيون يقيمون الحواجز، يدققون في الهويات، يفتشون الرجال، ويفحصون رزما بريئة للغاية، أي أنهم يفعلون ما يفعله الجنود الإسرائيليون كل يوم في الضفة الغربية وغزة. ويعتمد الأمريكيون، كالإسرائيليين، على العملاء والسجناء للقيام بعمليات مداهمة للبحث عن مطلوبين، أسلحة، ولجمع معلومات جديدة. ومثلهم يجرفون الأشجار والبيوت للحصول على مناطق مكشوفة لإطلاق النار. وبدون تردد يطلقون النار على الأشخاص الذين يدخلون في مناطق محظورة. وكذلك مثل الإسرائيليين يدعي الأمريكيون أنهم لا يملكون خياراً آخر لأن "العدو" يتعمد إطلاق النار على المدنيين لتشويه صورتهم أمام المراقب الخارجي. وفي نهاية آذار نشرت معاريف صوراً عديدة تظهر أوجه الشبه، من بينها صورة لأطفال عراقيين يقفون وسط ركام منازلهم التي دمرها القصف، وصورة أخرى مشابهة لأطفال فلسطينيين في غزة (3) .
"خبرة" جنين
__________
(1) (Meir Payil).
(2) (Agence France-Presse)، 5/4/2003.
(3) (New York Times)، 1/4/2003(1/90)
كان العسكريون الأمريكيون قبل سقوط بغداد بفترة طويلة "يستمعون بانتباه إلى خبراء إسرائيليين، ويجمعون نصائح عن تجارب الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية ولبنان". ففي أيلول عام 2002 كان الإسرائيلي مارتن فان كريفيلد (1) يعرض على ضباط من المارينز في "معسكر ليجون" (نورث كارولاينا) ما حصل في مخيم جنين في نيسان 2002. يقول فان كريفيلد أن الأمريكيين كانوا مهتمين "بالوضع" لدى مواجهة حرب عصابات، كما حصل في جنين. وقال أنه ركز على ثلاثة مجالات: استخدام الجرافات والمروحيات، والأخلاق. في المخيم منعت الأزقة الضيقة في البداية الدبابات الإسرائيلية من التقدم والعمل "ضد حوالي 150 فلسطينياً مسلحاً"، لذلك، تقدم ببطء المشاة المدعومون بالمروحيات "وتنقلوا من بيت إلى بيت وقاموا بتفجيرات لإحداث ثقوب في جدران البيوت، وتحديد نطاق العمليات في الشوارع الخطرة، التي زرع المسلحون فيها ألغاماً، وأسطح المنازل التي وضعوا عليها قناصة". وأخبر الحضور أن جرافات الـ "دي ناين" الضخمة شقت معابر عريضة في الأزقة مكنت الدبابات من العبور. وقال أن الجيش الأمريكي اشترى تسع جرافات من إسرائيل. وحذر الأستاذ الحضور من "استخدام" المروحيات، وأن إسرائيل استطاعت استخدامها في جنين لأن الفلسطينيين لم يكونوا مسلحين بشكل جيد: "لا يمكن أن تفعلوا ذلك إذا كنتم بمواجهة إطلاق نار من الأرض، فالمروحيات معرضة للخطر بشكل كبير". وركزَّ فان كريفيلد بشكل خاص على "المشاكل الأخلاقية" التي من المؤكد أنها ستظهر نتيجة حرب تشن بين "غير مسلحين"، ويقصد مدنيين. ونبه إلى أهمية تجنب "حملة طويلة يقودها القوي ضد الضعيف". وحسب مصادر إسرائيلية طلب المسؤولون العسكريون الأمريكيون تقارير تصف "تقنيات الجيش
__________
(1) (Martin van Creveld)، أستاذ التاريخ العسكري والاستراتيجية في الجامعة العبرية (القدس).(1/91)
الإسرائيلي" المستخدمة في مناطق فلسطينية مأهولة، وحصلوا عليها، بالإضافة إلى شرائط فيديو تصور "عمليات التغلغل" الإسرائيلية (1) . فان كريفيلد، في وقت لاحق، حذر من أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تتوقع الخروج منتصرة من العراق، وقارنها بإسرائيل، التي لم تنجح بالقضاء على "المجموعات المتشددة والمفجرين الانتحاريين". وقال: "لا أدري بحق السماء كيف يمكنهم الانتصار. سينتهي الأمر كما حصل في فيتنام. سيفرون من البلاد معلقين بالحبال المتدلية من المروحيات"، مشيراً إلى مغادرة الأمريكيين لسايغون عام 1973 (2) . وفي مجلة يصدرها الجيش الأمريكي نشرت رسالة في تموز 2003 لقائد اللواء مايكل فاين (3) (فورت مونرو، فيرجينيا)، يقول فيها أنهم كانوا مؤخراً في إسرائيل للاستفادة من دروس "العمليات المناهضة للإرهاب في المدن" التي قام بها الإسرائيليون (4) . وذكر أيضاً أن "وفداً كبيراً" من "قيادة التدريب والتعليمات" زار إسرائيل في بداية شهر كانون الأول، ولكن الناطق المدني للقيادة المذكورة اعتبر هذه الزيارة "روتينية" بدون إيضاح طبيعتها (5) .
__________
(1) (Israel21c)، 30/3/2003؛ (Associated Press)، 31/3/2003؛ أنظر أيضاً (New York Times)، 1/4/2003.
(2) (Associated Press)، 13/12/2003. خروج الأمريكيين من سايغون حصل عام 1975؛ أنظر جون بويكن، ملعون هو صانع السلام. بيروت: دار النهار للنشر، 2002، ص 69.
(3) (Michael Vane) في "قيادة التدريب والتعليمات" (Training and Doctrine Command).
(4) (The New York Times)، 7/12/2003؛ أنظر أيضاً (The Guardian)، 9/12/2003.
(5) (Associated Press)، القدس، 13/12/2003.(1/92)
وحسب الكولونيل الإسرائيلي يوني فايغل (1) فإنه بالإمكان الاستفادة من "الخبرة" الإسرائيلية، ولكنه يعتقد أن "النظام العراقي استلهم أيضاً بعض النتائج من الضفة الغربية وغزة". فايغل وصف "العمليات الانتحارية وحرب العصابات" بأنها "وسيلة ممتازة لبناء حاجز" بين الجنود الأمريكيين والبريطانيين من جهة، والمدنيين الذين يحاول الجنود الأمريكيون كسب ثقتهم من جهة أخرى (2) . مسؤول عسكري أمريكي، فضل عدم ذكر اسمه، أكد أن البنتاغون "بحث عن الخبرة الإسرائيلية في معارك المدن". وقال كولونيل المشاة المتقاعد راندي غانغل (3) أن ضباطاً إسرائيليين كانوا بين عسكريين من عدة دول جاؤوا إلى الولايات المتحدة "لتبادل الآراء حول معارك المدن وقضايا تكتيكية أخرى". وأخبر المسؤول الأمريكي الأسوشييتد بريس: "لقد قدرنا خبرة الإسرائيليين في الانتفاضة" (4) . وذكرت المصادر بناء على مصدر أمني إسرائيلي أن ضباطاً أمريكيين زاروا "نموذجاً لقرية عربية" تستخدم في التدريبات الإسرائيلية (5) .
"برنامج تعليمي"
__________
(1) (Yoni Fighel). خدم في "الحرب اللبنانية" كضابط مخابرات، وفيما بعد كحاكم عسكري في الضفة الغربية وأصبح "باحثاً" في "معهد السياسة العالمية لمناهضة الإرهاب" (International Policy Institute for Counterterrorism)، التابع لـ "مركز الاختصاصات المتداخلة" (Interdisciplinary Center)، هرتسليا.
(2) (New York Times)، 1/4/2003.
(3) (Randy Gangle). يعمل غانغل في "مختبر معارك الحروب التابع لقوات المارينز" (Marine Corps Warfighting Lab) في كوانتيكو (فرجينيا).
(4) (Israel21c)، 30/3/2003.
(5) (Associated Press)، 13/12/2003.(1/93)
ثمة تعاون من نوع آخر بين القوات الأمريكية في العراق والجيش الإسرائيلي تمثل باطلاع مسؤولين عسكريين أمريكيين على برنامج "تعليمي" حاسوبي (1) يجري استخدامه في الأراضي الفلسطينية المحتلة (2) . يعتمد البرنامج على مجموعة من المبادئ تشمل "جوانب أخلاقية وإنسانية، مثلاً، كيفية التصرف عند الحواجز، وعند القيام بالاعتقالات والتفتيش، وفي حالات الشغب، وهو ما يواجهه الجنود يومياً في الضفة الغربية وقطاع غزة". وفي حين يقر المقدم عاموس غيورا (3) بأن "القوات الإسرائيلية أحياناً تؤذي المدنيين الفلسطينيين"، فإنه يرى أن استيعاب مبادئ البرنامج من قبل الجنود "سيرفع من مستوى العمليات لدى القادة العسكريين لأنهم سيعرفون أن رد فعل جنودهم سيكون حسبما هو مطلوب". ويضيف "إن الضغط على جندي في التاسعة عشرة من العمر بشأن القرار بما عليه عمله مخيف جداً". وقد تعرض الجيش الإسرائيلي للنقد بسبب معاملته السيئة للمدنيين الفلسطينيين، وبشكلٍّ خاص على الحواجز، ولكن "رابطة الحقوق المدنية" (4) الإسرائيلية تقول أن ذلك لا يشكل القاعدة. و"المبادئ المفيدة" التي على الجنود استيعابها هي:
* يستخدم النشاط العسكري ضد أهداف عسكرية فقط.
* ينبغي أن يكون استخدام القوة متناسباً.
* يستطيع الجنود استخدام أسلحة صادرة عن الجيش الإسرائيلي فقط.
* لا يمكن مهاجمة أي شخص يستسلم.
__________
(1) قام بتطوير البرنامج "مكتب ممثل النيابة العامة" (Judge Advocate General’s Office) بناء على طلب الجيش الإسرائيلي، بالتعاون مع "دائرة التربية والتكنولوجيا"، التابعة لـ "قيادة القوات البرية".
(2) (Israel21c)، 21/9/2003، عن (The Jerusalem Post)؛ (Associated Press)، القدس، 25/10/2003؛ (Israel21c)، 26/10/2003.
(3) (Amos Giora)، "مدرسة القانون العسكري" (School of Military Law)، التابعة للجيش الإسرائيلي.
(4) (Association of Civil Rights).(1/94)
* يستطيع المدربون بشكل جيد فقط استجواب السجناء.
* ينبغي أن يبدي الجنود الاحترام للسكان الفلسطينيين ولمن يجري اعتقاله.
* ينبغي أن يحصل الجنود على عناية طبية مناسبة لهم وللعدو، عندما تسمح الظروف بذلك.
* النهب غير مشروع أبداً.
* ينبغي أن يبدي الجنود الاحترام اللازم للمواقع الدينية والحضارية والمواد الحضارية.
* على الجنود حماية عناصر منظمات الإغاثة الدولية، بما فيه ممتلكاتهم وعرباتهم.
* ينبغي على الجنود أن يبلغوا عن أي انتهاك قد يحصل لهذه المبادئ.
وزع البرنامج الحاسوبي فعلاً على قادة الجيش الميدانيين وحرس الحدود في شهر تشرين الأول عام 2003 ليطلع عليه جنود الوحدات في مساقات التدريب. ويستخدم البرنامج مقاطع من أفلام سينمائية، حالات متخيلة، وسيناريوهات ليرى الجنود "وسائل التصرف، الصحيحة والخاطئة، في النطاق الحساس للمعارك المحدودة". ويقول غيورا: "البرنامج معد لما يحصل في المناطق [الضفة الغربية وغزة]، ولكن يمكن تطبيقه في الحروب والمعارك" الأخرى. ويضيف: "لقد عرضنا هذا البرنامج على الأمريكيين وتكلمنا عنه، وبرز بوضوح موضوع ترجمته. هذا ما أخبرونا به من وجهة نظرهم، فمن الواضح أن بعض أجزائه ذات أهمية بالنسبة لما يواجهونه في العراق". فالاحتلال هو الاحتلال: "إذا نظرتم إلى تجاربنا وتجاربهم، فبإمكانكم رؤية التشابه بينهما بوضوح". وقد أكدت السفارة الأمريكية في تل أبيب أن مسؤولين عسكريين أمريكيين اطلعوا على البرنامج ووافقوا على أنه سيكون مفيداً للجنود. ولكنهم أحجموا عن إبداء أي تعليق إضافي.
"ضغطة زر"(1/95)
ويمكن استخدام البرنامج في صفوف التدريب وفي حواسيب محمولة. ومدة البرنامج 30 إلى 90 دقيقة، ولكن يمكن الحصول على تفاصيل أي موضوع فرعي بمجرد "ضغطة زر"، وتتضمن "الحالات المتخيلة" أوضاعاً صعبة، مثلاً، كيف يتصرف الجنود مع "سيارات إسعاف استخدمها الإرهابيون الفلسطينيون أحياناً لنقل مسلحين وانتحاريين". وبضغطة زر نرى "سيارة إسعاف تسير عبر الشاشة، وفجأة يظهر مسلح ويبدأ بإطلاق النار من داخلها"، وهكذا يتعلم الجنود أن وضع سيارة الإسعاف يمكن أن يتغير. وهناك جنديان يصلان إلى حاجز من الحجارة ولكن "يواجه الاثنان مشكلة. هل يستطيعان الطلب من الفلسطينيين القيام بإزاحة الأحجار؟ أم عليهما الانتظار حتى يأتي خبير ألغام؟ هل يمكن أن يزيحوا الأحجار بأنفسهم؟" تجدون الجواب في البرنامج. كما أنه يمكن الحصول على أمثلة من أفلام سينمائية مثل "نهاية العالم الآن" (1) ، "المريض الإنجليزي" (2) و"بلاتون" (3) ، والدمج بين "الحالات المتخيلة" ومقاطع من الأفلام يضفي على البرنامج "طابعاً ودياً"، على حد تعبير غيوراً، خاصة إذا ما قورن بمحاضرة طويلة تبعث على الضجر حول القانون الدولي. وقد بوشر بترجمة البرنامج إلى الإنجليزية حتى يستطيع الأمريكيون الاستفادة منه.
يفهمون القوة فقط
__________
(1) (Apocalypse now).
(2) (The English Patient).
(3) (Platoon).(1/96)
تتعدى استفادة القوات الأمريكية من "الخبرة" الإسرائيلية التدابير العسكرية، لتشمل ممارسات تخصصت بها إسرائيل في التعامل مع المدنيين الفلسطينيين منذ احتلال فلسطين عام 1948. ديكستر فيلكينز مراسل النيويورك تايمز (1) في العراق يشير إلى أن القوات الأمريكية "درست بدقة التجربة الإسرائيلية" وقيَّمت تقارير لـ "خبراء عسكريين إسرائيليين". الممارسات، التي ذكرها فيلكينز، تشمل "تسييج قرى بأكملها بأسلاك شائكة، هدم البيوت التي يعتقد أن المهاجمين قد استخدموها، اعتقال أقارب مقاومين مشتبه بهم". ففي قرية أبو حشمة العراقية، التي سيجت بالأسلاك الشائكة، أجبر السكان على حمل بطاقات تعريف مطبوعة بالإنجليزية. وأشار أحد العراقيين إلى هذه التدابير قائلاً: "لا أرى أي فرق بيننا وبين الفلسطينيين. لم نتوقع شيئاً كهذا بعد سقوط نظام صدام حسين". ومع تصاعد المقاومة العراقية أخذت القوات الأمريكية تستخدم "استراتيجية الشدة" (2) . يقول الكابتن تود براون (3) : "عليكم أن تفهموا العقلية العربية. الشيء الوحيد الذي يفهمونه هو القوة ... القوة، الكرامة، وحفظ ماء الوجه". ويقول المقدم ناتان ساسامان (4) ، الذي أمر بتسييج القرية: "بجرعات كبيرة من الخوف والعنف، والكثير من المال للمشاريع، أعتقد أنه يمكننا إقناع هؤلاء الناس بأننا هنا لمساعدتهم". وكانت مقاتلة أمريكية قد ألقت قنبلة تزن نصف طن على بيت في القرية يفترض أن قذيفة صاروخية أطلقت منه. وقد لاحظ التشابه بين الممارسات الأمريكية والإسرائيلية جيم سوليش من الواشنطن بوست، ولكنه لا يعترض من حيث المبدأ على النهج الذي تستخدمه إسرائيل مع الفلسطينيين، فهو يقول: "إنني يهودي ومع أنني أؤيد إسرائيل فإنني لا أؤيد سياستها ‘العين بالعين’.
__________
(1) (Dexter Felkins)، (The New York Times)، 7/12/2003.
(2) (get-tough strategy).
(3) (Todd Brown).
(4) (Nathan Sassaman).(1/97)
وأنا لا أقول هذا كإنسان مثالي بل أقوله كإنسان واقعي ... جيشنا اختار نموذجاً أثبت فشله الواضح في إسرائيل بكل المعايير، فكل تفجير انتحاري يؤدي إلى انتقام إسرائيلي يؤدي بدوره إلى تفجير انتحاري آخر، والأسوأ من ذلك أنه يخلق ألف انتحاري محتمل" (1) .
"أولئك الملطخة أيديهم بالدماء"
__________
(1) (Jim Sollisch)، (Washington Post)، 14/12/2003.(1/98)
يضاف إلى هذه الممارسات ما أعلن عنه بول بريمر، الحاكم الفعلي للعراق المحتل، في السابع من كانون الثاني عام 2004 من أن قرار إطلاق سراح بعض الأسرى لا يشمل "أولئك الملطخة أيديهم بالدماء" (1) . وعندما يصدر تصريح من هذا النوع، فلن يكون هناك فلسطيني أو عربي إلا ويتذكر ما تكرره المصادر الإسرائيلية إلى حد الضجر وبالعبارات نفسها حول الأسرى الفلسطينيين. إسرائيل هي النموذج المثالي لما يمكن للولايات المتحدة أن تقتدي به عندما تقوم بعمليات تخريبية. فالحاكم بريمر عندما سئل عام 1989 فيما إذا كان يمكن للولايات المتحدة أن تفكر باختطاف أفراد مستهدفين كما اختطفت إسرائيل الشيخ عبد الكريم عبيد من لبنان، أجاب: "بالتأكيد". ويوضح بريمر، الذي يعتبر أحد الخبراء العالميين الرواد في "إدارة الأزمات، الإرهاب، والأمن القومي" (2) : "هناك أعمال عسكرية مناسبة، ولكن المشكلة تعتمد بشكلٍ حيويٍّ على الاستخبارات الجيدة والتنفيذ السريع" (3) .
"دروس"
__________
(1) أنظر الموقع الرسمي لـ "سلطة الائتلاف المؤقتة" (http://cpa-iraq.org/transcripts/Jan7Bremer_Conditional.htm).
(2) هكذا شخصه موقع "سلطة الائتلاف المؤقتة"؛ أنظر سيرة حياته (http://cpa-iraq.org/bios/).
(3) حسب مقابلة أجريت مع موشي أراد (Moshe Arad) السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة وعضوي مجلس الشيوخ لوغار (Lugar) ودود (Dodd)، و"خبير محاربة الإرهاب"، نويل كوخ (Noel Koch). نشرت المقابلة في موقع "السفارات الإسرائيلية" بتاريخ 21/7/1989: (http://www.israelemb.org/bios/Speeches/arad/890731.html).(1/99)
مع نهاية عام 2003 كشفت النيويوركر (1) عن تفاصيل خطة لإنشاء قوة خاصة (2) ، وذلك لمجابهة المقاومة العراقية المتصاعدة بأساليب جديدة، وستبدأ هذه الفرقة العمل في كانون الثاني 2004. وفي هذا السياق ذكرت النيويوركر أن إحدى الخطوات التي اتخذها البنتاغون هي طلب المساعدة الفعلية والسرية من إسرائيل. وحسب مصادر أمريكية وإسرائيلية عسكرية واستخباراتية، كانت فرق كوماندو ومخابرات إسرائيلية تعمل بشكل وثيق مع نظرائها من الأمريكيين في قاعدة تدريب القوات الخاصة في "فورت براغ" (نورث كارولاينا) وفي إسرائيل (3) . ويفترض أن يعمل عناصر كوماندو كمستشارين للقوة الخاصة عندما تبدأ عملها على مستوى واسع. وتشير الغارديان إلى مصادر أمريكية تؤكد أن هؤلاء المستشارين قد زاروا العراق فعلاً. القضية الأساسية إذن هي الاستخبارات، لهذا يحاول الأمريكيون حل مشكلتهم في الميدان بـ "استقطاب فرق من الشرائح العليا لجهاز المخابرات العراقية السابق وتدريبهم لاختراق التمرد". واستشهدت النيويوركر بأمريكي كان يقدم المشورة للإدارة المدنية: "الوسيلة الوحيدة لتحقيق النجاح هو العمل بطريقة غير تقليدية. ينبغي علينا أن نلعب لعبتهم، حرب العصابات ضد حرب العصابات، الإرهاب ضد الإرهاب. علينا أن نرعب العراقيين إلى حد الاستسلام". ويتمثل التعاون الأمريكي الإسرائيلي المطلوب بتدريب الأمريكيين على "تفكيك التمرد". ويتلخص "الدرس الأساسي"، حسب ضابط سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، في كيفية "القيام بالقتل المستهدف".
__________
(1) (The New Yorker)، 8/12/2003؛ أنظر أيضاً (The Guardian)، 9/12/2003.
(2) (Task Force 121).
(3) المقدم هانس بوش (Hans Bush) من "قيادة العمليات الخاصة" (Special Operations Command) نفى أن تكون هناك في ذلك الوقت، أي بداية شهر كانون الأول، "أي قوات إسرائيلية في فورت براغ"، أنظر (Associated Press)، 13/12/2003.(1/100)
والنموذج هنا هو فرق المستعربين الذين تستخدمهم إسرائيل للقيام بعمليات اغتيال في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويقول الضابط أن على وحدات الفرق الخاصة أن تقيم شبكة من العملاء، كالتي نظمتها إسرائيل ومكنتها "من اختراق المنظمات التي تسيطر عليها مجموعات كحماس". ويشير الضابط إلى أن إسرائيل قتلت أو اعتقلت الكثيرين من "المخططين الميدانيين على مستوى الوسط وأن حماس هي الآن، وإلى حد بعيد، خلايا معزولة تقوم بهجمات إرهابية ضد إسرائيل على عاتقها". وأوضح الضابط أنه "لا توجد سيطرة مركزية على الكثير من المفجرين الانتحاريين. ونحن نحاول إخبار الأمريكيين أن الغرض ليس القضاء على المركز، وليست الفكرة أن يصبح هناك [في العراق] أشخاص يعملون بشكل مستقل (1) ". وتستشهد الغارديان بضابط مخابرات أمريكي سابق حول الخطط الأمريكية الجديدة، الذي يقول: "هذا، بشكلٍ أساسيٍّ، برنامج اغتيال".
(((
إسرائيليون في العراق
وعراقيون في إسرائيل
"العراقيون لم يلفظوا من قبل كلمة ‘إسرائيل’ على الإطلاق وأشاروا إليها دائماً بالعدو الصهيوني. من كان يتصور أن بغداد ستحوي في يوم من الأيام مركزاً يخدم المخططات والمؤامرات الإسرائيلية؟؟!!".
الدكتورة سعاد بهاء الدين الموصلي، جامعة الرافدين
__________
(1) (freelancers).(1/101)
أصبح العراق بعد سقوط بغداد مفتوحاً بشكل كامل أمام أي اختراق إسرائيلي أو يهودي، فما تسرب من أخبار يشير إلى وصول مسؤول إسرائيلي بعد أيام من سقوط بغداد، بذريعة تفقد أوضاع الجالية اليهودية هناك. وتمكنت الوكالة اليهودية، بمساعدة منظمة يهودية أمريكية، من نقل ستة من اليهود العراقيين إلى إسرائيل، وصهيونياً، جرى استغلال هذا الموضوع بشكل منظم. وفيما بعد نظمت الوكالة نفسها عمليتين إضافيتين لنقل يهود عراقيين. وفي تموز افتتحت ميمري مكتبا لها في بغداد، وهي مؤسسة لا يمكن فهمها إلا كمركز للاستخبارات الإسرائيلية. وما يؤكد هذا الاعتقاد خلفية المسؤولين عن هذا المؤسسة ونشاطاتها، التي تركز ظاهرياً على رصد وسائل الإعلام العراقية الجديدة. كما تم تسجيل عدد من النشاطات التي يقوم بها الموساد، بالأخص في شمال العراق. وفي آذار بدأ الحديث عن إقامة علاقات مع إسرائيل، وبالأخص من قبل أعضاء في "المؤتمر الوطني العراقي" وفيما بعد أطراف كردية. وتمكنت منظمة مسيحية صهيونية من تنظيم عملية نقل لطفلة عراقية لإجراء عملية جراحية لها في تل أبيب، وتفاصيل هذه العملية تكشف عن العلاقات بين إسرائيل والمنظمات المسيحية الصهيونية من جهة، ومدى اختراق الصهيونية لشمال العراق من جهة أخرى. وتمكن من دخول العراق العديد من الصحافيين الإسرائيليين، أو اليهود الأمريكيين، ورجال أعمال يهود من أصل عراقي مرتبطين بمنظمات يهودية عالمية ولهم نشاط سياسي. وأخيراً قامت "سلطة الائتلاف المؤقتة" بتعيين يهودي أمريكي، ذي تدريب ديني منذ الصغر، ليشرف على صياغة دستور عراقي جديد.
"بنى تحتية مدمرة"(1/102)
لم تخف بعض الأصوات في إسرائيل رغبتها بالدخول إلى العراق مباشرة بعد سقوط بغداد، فبعد أقل من أسبوعين من سقوط بغداد ذكر أن شامويل بن نافتالي (1) أخذ يدرب أدلاء سياحيين إسرائيليين لتنظيم رحلات سياحية إلى العراق في شهر تشرين الأول. وبدأ أرييه اسحاقي (2) ، "المؤرخ العسكري" المقيم في إحدى المستوطنات في قطاع غزة، بتحضير قوائم للراغبين بالسفر إلى العراق (3) . وبين 26-28 آب 2003 بادر "المؤتمر اليهودي الأمريكي" إلى عقد مؤتمر في القدس تحت العنوان المريب "التعاون من أجل استقلال الطاقة في ديموقراطيات القرن الحادي والعشرين" (4) بمشاركة وزارة الطاقة الأمريكية ووزارة البنى التحتية الإسرائيلية. ومن المواضيع التي نوقشت في المؤتمر "الاعتماد على الأوبيك، بما في ذلك علاقة هذه المنظمة بالإرهاب". وكان هناك ورقة لعوزي لانداو (5) بعنوان: "الإرهاب وتزويد الطاقة". ونبه دافيد هابرمان (6) ، رئيس المؤتمر، إلى أن العراق وأفغانستان "يتشاركان في فترة ما بعد الحرب ببنى تحتية مدمرة ويتطلعان إلى وسائل محسنة لإنتاج الطاقة واستغلالها. ففي الخمس سنوات القادمة سيستخدم كلا البلدين أشكالاً مختلفة من تطوير الطاقة تكون نماذج عالمية".
__________
(1) (Shamuel bin Naftali).
(2) (Arieh Ishaqi).
(3) (Arabic News.com)، 22/4/2003، عن "معاريف" و"يديعوت أحرونوت".
(4) (Cooperation for Energy Independence of Democracies in the 21st Century).
(5) (Uzi Landau)، وزير "التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
(6) (David Haberman)، خبير الطاقة في "المؤتمر اليهودي الأمريكي".(1/103)
والهدف من المؤتمر هو التخفيف من اعتماد "الولايات المتحدة، إسرائيل، وحلفائهما الديموقراطيين على مصادر طاقة مستوردة"، أي البترول ومشتقاته، ولكن أيضاً تسويق وسائل جديدة لإنتاج الطاقة، كالهيدروجين، في العراق وأفغانستان (1) .
"العام القادم في القدس"
__________
(1) المعلومات من موقع المؤتمر (http://www.energycooperation.org/).(1/104)
قبل اعلان الرئيس بوش انتهاء العمليات العسكرية، ومباشرة بعد سقوط بغداد في التاسع من نيسان وصل مسؤول إسرائيلي إلى العاصمة العراقية، كما كشف عن ذلك مراسل الأسوشييتد بريس (1) : "كان مبعوث إسرائيلي في طريقه إلى بغداد لتفقد أوضاع اليهود بعد بضعة أيام من الإطاحة بصدام حسين". وعلى الأغلب أن هذا المبعوث، الذي لم يكشف عن أسمه، كان يقوم بالتنسيق مع حكومته من بغداد. فأثناء عيد الفصح الذي ابتدأ في السادس عشر من الشهر أرسل أرييل شارون رسالة إلى اليهود العراقيين قائلاً فيها: "آمل أن تتمكنوا من تناول وجبة العيد (السيدر) العام القادم في القدس". وقد نقل هذه الرسالة إلى بغداد خمسة صحافيين إيطاليين. وحسب الصحيفة، رفضت الجماعة اليهودية هذا العرض قائلة أن أفرادها متقدمين في العمر. ولكن أصوات أخرى عبرت عن نفسها بشكل أوضح كخالدة صالح، الأصغر سناً من بين المجموعة، عندما قالت: "أنا عراقية قبل أن أكون يهودية"، وأضافت أنها إذا أرادت أن تترك العراق فستذهب إلى بريطانيا أو هولندة، وليس إسرائيل، التي سمعت أنها سيئة (2) . توفيق سفر، التسعيني، شكر رئيس الوزراء، ولكنه قال: "ستبقى القدس حلماً" (3) .
__________
(1) (The Jewish Agency for Israel – In the News)، 29/7/2003.
(2) أنظر (World War 3 Report)، 12/5/2003. أنظر أيضاً تقريراً سابقاً لوكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 19/4/2003 قيمه خليل السواحري، "الدستور" الأردنية، 21/4/2003، الذي يشير إلى أن خالدة صالح قالت "لا أريد الرحيل، أريد الموت في العراق في بلدي". "خالدة صالح" قد تكون هي نفسها "نضال صالحي"، التي أجرت قناة الجزيرة مقابلة معها (أنظر ص 56). كذلك المسن يعقوب يوسف قد يكون هو يعقوب في تحقيق قناة الجزيرة. حول تصريحات يعقوب يوسف، خال أو عم خالدة، أنظر أيضاً ص 126.
(3) "معاريف"، 16/4/2003 عن (Dispatch Online)، 17/4/2003.(1/105)
واستغلت وكالات الأنباء حلول عيد الفصح اليهودي مع بداية احتلال العراق لتوحي بأوضاع سيئة يعيشها اليهود العراقيون (1) . زيارة المسؤول الإسرائيلي كشف عنها بعد أن تمكنت الوكالة من نقل ستة من اليهود العراقيين إلى إسرائيل في الخامس والعشرين من تموز 2003. ويذكر موقع "أروتس شيفا" أن مسؤولين من "الوكالة اليهودية" أمضوا أسابيع في العراق يفتشون عن اليهود ووجدوا هناك ثلاثة وأربعين منهم (2) .
جيف كاي يصل إلى بغداد
بالتنسيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وهيئات في "إسرائيل والخارج"، كـ "جمعية معونة المهاجرين العبريين"، شكلت الوكالة اليهودية فريقاً من ثلاثة أشخاص ترأسه جيف كاي (3) ، وسافر الفريق، الذي ضم مبعوثاً من الجمعية المذكورة (4) ، إلى بغداد في الحادي عشر من حزيران (5) ، بغرض التأكد من الأمور التالية:
? الوضع الأمني الحساس للجماعة اليهودية في بغداد وتعزيز العلاقة مع قوات الأمن الأمريكية.
? التعرف على الأوضاع المادية للجماعة اليهودية.
? تشجيع الجماعة معنوياً بإعطائهم مواد دينية من إسرائيل.
? التحقق من عدد اليهود العراقيين، وفيما إذا كان بينهم يهود زائفون (6) .
? معالجة موضوع محفوظات الجماعة اليهودية، التي عثر عليها في مكاتب المخابرات العراقية، بغرض جلبها إلى إسرائيل.
? توثيق مكتوب ومصور لأعضاء الجماعة اليهودية وممتلكاتها.
__________
(1) (Associated Press)، 17/4/2003
(2) (Arutz Sheva)، 21/8/2003.
(3) (Jeff Kaye)، مدير مكتب الموارد المالية التابع للوكالة اليهودية (Israel Education Fund and Financial Resource Development).
(4) على الأغلب راتشيل زيلون.
(5) التاريخ حسب (The Jewish Agency for Israel – In the News)، 29/7/
2003.
(6) (crypto-Jews).(1/106)
ووجد كاي 34 يهودياً عراقياً، معظمهم مسنون يقيمون في بغداد والبصرة. ستة منهم فقط أبدوا استعدادهم للهجرة إلى إسرائيل، أما البقية فكانوا "إما مترددين في ترك الوطن الوحيد الذي عرفوه أو أنهم كانوا بحاجة للمزيد من الوقت لأخذ القرار" (1) . وربما لمساعدتهم بأخذ هذا القرار قام كاي بتزويدهم بـ "مواد دينية لم تتوفر في العراق منذ الخمسينات". وقد أحيطت التفاصيل الأخرى للرحلة بسرية تامة لأن "الأساليب نفسها قد تستخدم في المستقبل" كما أوضح مسؤولون. سالاي ميريدور (2) ، رئيس الوكالة اليهودية، قال: "أفضل أن لا أدخل في التفاصيل لأسباب واضحة". وتمكن جيف كاي أثناء زيارته لبغداد في حزيران من تحقيق الاتصال المنشود بين الجماعة اليهودية والقوات الأمريكية في بغداد. وحصل أيضاً على معلومات إضافية حول "محفوظات الجماعة اليهودية"، التي "صادرتها" السلطات العراقية "في السبعينات" (3) . وقدم كاي نتائج رحلته في حزيران إلى مجلس مدراء الوكالة اليهودية وإلى رئيس الوزراء، أرييل شارون (4) .
"صندوق ضحايا الإرهاب"
__________
(1) أنظر أيضاً (USA Today)، 27/7/2003: "على الأقل ثلاث عائلات قررت البقاء، في حين أن آخرين مترددون".
(2) (Salai Meridor).
(3) أنظر أدناه ص ص 136-138.
(4) المعلومات حول نقل العراقيين اليهود الستة من موقع "الوكالة اليهودية لإسرائيل" (The Jewish Agency for Israel)، "بيانات صحفية"، 21/6/2003؛ (Haaretz)، 22/6/2003؛ (The Jewish Agency for Israel – In the News)، 29/7/2003.؛ وتقرير لـ "كيرين هايسود" (Keren Hayesod – Solidarity Update)، رقم 231، 4/8/2003.(1/107)
جيف كاي (1) كان عام 2002 منهمكاً في جمع التبرعات من "اتحادات، متبرعين أفراد، ومؤسسات من جميع أنحاء العالم" لتصب في "صندوق ضحايا الإرهاب"، الذي يقع تحت مسؤوليته ويتبع الوكالة اليهودية. وكان هذا الصندوق قد وزع في الفترة الواقعة بين نيسان وحزيران 2002 ما يعادل مليون ونصف مليون دولار على "أفراد تأثرت حياتهم بموجة الإرهاب المتواصلة التي تواجهها إسرائيل على مدى الـ 21 شهراً السابقة". فهذا الصندوق "سدد إيجار بيت إلا نيليموف (2) ، التي فقدت ابنتيها في عملية تفجير ديسكو الدولفيناريوم، وتكاليف المعيشة لأرملة وأطفالها الستة قتل زوجها على يد إرهابي وتعاني من سرطان متقدم. وأمنت أيضاً علاجاً نفسياً لطفلين قتل والداهما برصاص قناص فلسطيني ويتولى تربيتهما عمتهما وعمهما، وكان الطفلان كثيراً ما يستيقظان ليلا وهما يبكيان". وبعد العدوان على العراق في آذار 2003 استدعي كاي كجندي احتياط ليشارك في وحدة تابعة لـ "الجبهة الداخلية" للجيش لاتخاذ التدابير اللازمة في حالة التعرض لهجوم بأسلحة كيماوية. انضم إلى وحدة لم يعلن عن مكانها في "المنطقة الوسطى"، وتضم حوالي 500 فرد، وكان مسؤولاً عن البيانات الموجهة إلى الجمهور العام.
__________
(1) المعلومات حول جيف كاي من (Jewish Telegraphic Agency)، نيويورك، 28/3/2003 وموقع (Partnership 2000)، التابع للوكالة اليهودية، دائرة إسرائيل، الذي يدرج خبراً بعنوان: "حملة تورونتو لإسرائيل تحطم الأرقام القياسية"، بتاريخ تموز 2002. أنظر (http://www.partner.org.il/eilat/news-0207-campaign.html)، ومن (Chicago Jewish Community Online)، التابع لـ (Jewish United Fund)، أنظر (http://www.juf.org/news_public_affairs/article.asp?key = 3255).
(2) (Ella Nelimov).(1/108)
هذه التدابير الضخمة ضد الهجوم بالأسلحة الكيماوية، بتكاليفها العالية التي لا يستفيد منها غير مصانع أقنعة الغاز، يبدو الهدف منها رفع الروح المعنوية لا غير وإنقاذ الشعور بالانتماء إلى كيان على وشك الانهيار ... بسبب الانتفاضة الفلسطينية، ولكن جيف كاي، ورغم كل شيء لم يفقد انتماءه لإسرائيل ويقول مبرراً ذلك: "ارتداء البزة العسكرية الكاكية اللون هو سبب وجودي في هذا البلد منذ البداية، هذا سبب حضوري إلى هنا". والبداية كانت عام 1981، عندما حضر إلى فلسطين وهو في الواحدة وعشرين من عمره.
يهود في كل مكان(1/109)
جيف كاي، الذي ولد في إسكوتلندة، ليس شخصاً عادياً، فمنذ الصغر كان يقوم بمهام مشابهة في الولايات المتحدة كممثل للوكالة اليهودية (1) . ففي التاسعة عشرة من عمره أجرى اتصالات مع يهود في موسكو، سانت بيترسبورغ، وكييف، والكثير من هؤلاء أصبحوا يعيشون في إسرائيل. يقول كاي حول عمله في الوكالة اليهودية: "نصل بسرعة إلى كل مكان يتعرض اليهود فيه للخطر، إن كانوا في كوسوفو، شيشنيا، الحبشة، أو الأرجنتين". ومهمته، التي أوكل إليه القيام بها في العراق، تعنيه بشكل خاص، فوالدي زوجته من يهود العراق، الذين غادروا البلاد عام 1951. وهو يكرر ما كانت تقوله له حماته: "كيف أنهم تعرضوا للإهانة وانتزعت منهم كل ممتلكاتهم وألقي بهم عند الحدود، لمجرد أنهم كانوا يريدون الذهاب إلى إسرائيل" (2) . ولا يتفق هذا الوصف مع شهادات اليهود العراقيين، الذين لم تصادر ممتلكاتهم وتركوا العراق ضمن ظروف ضغط تعرضت لها الحكومة العراقية آنذاك وبعد تفجيرات يعتقد أن عملاء المخابرات الصهيونية قاموا بتخطيطها (3) . الوكالة اليهودية قامت بتعيين كاي ليكون "شالياخ ("مبعوث") ديترويت" للأعوام 1993-1997. حنان ليز (4) ، رئيس "مركز الجماعة اليهودية لمدينة ديترويت" (5) ، أشاد بعمل المبعوث الإسرائيلي قائلا: "كان جيف أكثر المبعوثين نجاحاً لجماعة ديترويت". فحتى نهاية عام 2003 أخرج كاي ثلاث مجموعات من اليهود العراقيين. لكنه أيضا يريد إضافة المزيد من أسماء اليهود العراقيين إلى قائمته: "الأشخاص في قائمتي ليسوا اليهود الوحيدين في العراق.
__________
(1) (The Jewish Week)، 1/8/2003: "ممثل سابق [للوكالة اليهودية] في الولايات المتحدة". على الأغلب أن كاي ترعرع في مدينة ديترويت.
(2) (Jewish Telegraphic Agency)، 24/6/2003.
(3) أنظر أدناه ص ص 127-129.
(4) (Hannan Lis).
(5) (Jewish Community Center of Metropolitan Detroit).(1/110)
كل من تحدثت معه في العراق أخبرني عن يهود آخرين اندمجوا في المجتمع العراقي، أو يعيشون بهدوء (خارج الجماعة اليهودية). البعض قال أن هناك المئات من اليهود، ولكننا لا نعرف عنهم شيئا" (1) .
"جمعية معونة المهاجرين العبريين"
تختلف الرواية حول نقل اليهود العراقيين الستة بعض الشيء في تقارير "جمعية معونة المهاجرين العبريين"، التي تذكر أن العملية نفذت "بالاشتراك والتعاون مع الوكالة اليهودية لإسرائيل" (2) .
__________
(1) (Jewish.com)، 10/12/2003. يشير هذا المصدر إلى عملية نقل ليهود عراقيين جرت في أوائل كانون الأول 2003.
(2) المعلومات حول نشاط "جمعية معونة المهاجرين العبريين" (Hebrew Immigrants Aid Society) بما يخص اليهود العراقيين استمدت من تقريرين وبيان للجمعية بالتواريخ التالية: 24/7/2003؛ 25/7/2003؛ 28/7/2003؛ أنظر موقع "الجمعية" :
(http://www.hias.org/home.html). تأسست هذه الجمعية في نيويورك عام 1881 من قبل مهاجرين ألمان يهود. وساهمت بالتعاون مع "الوكالة اليهودية" بإعادة توطين مليون يهودي في إسرائيل والآلاف في كندا، أمريكا اللاتينية، أستراليا، نيوزيلندة وأماكن أخرى ولعبت دوراً رئيسياً في "إنقاذ وإعادة استقرار الناجين مما يسمى المحرقة واليهود من المغرب، الحبشة، ومصر والبلاد الشيوعية في أوروبا الشرقية". ومؤخراً ساعدت الجمعية أكثر من 300000 يهودي بالهرب من "الاضطهاد" في الاتحاد السوفييتي سابقاً ليستقروا في الولايات المتحدة. وتمثل الجمعية ذراع "الجماعات اليهودية الأمريكية المنظمة" وبهذا تقوم بالدفاع عن "اللاجئين والمهاجرين على المستوى الدولي والأمريكي القومي".(1/111)
وعلاقة "الجمعية" مع اليهود العراقيين قديمة عندما كانت تساعد "الهاربين" من العراق بإعادة توطينهم في بريطانيا بالتعاون مع "لجنة اللاجئين اليهود" (1) في لندن. بعد حصول "العداوات" في العراق، والمقصود العدوان الأمريكي على العراق، تقدمت قيادات المجموعات اليهودية الأوروبية إلى "جمعية معونة المهاجرين العبريين" لمساعدة اليهود المتبقين في العراق على مغادرة البلاد. وكذلك وصلت المنظمة استفسارات من "ناشطين عراقيين يهود عبر البحار". ويقول ليونارد غليكمان (2) ، رئيس الجمعية: "استجابة لهذه الطلبات، ولتحقيق مهمة الجمعية في مساعدة اليهود المحتاجين، وبعد استشارة زملاء يهود في منظمات عالمية أخرى، اتخذنا قراراً بالقيام برحلات عمل إلى بغداد لتحديد استراتيجية طويلة الأمد لمساعدة هذه الجماعة المهددة". إحدى "رحلتي العمل" إلى العراق قامت بها "في الصيف" راتشيل زيلون (3) ، نائبة مدير "برنامج العمليات" في الجمعية. وخلال تسعة أيام قيّمت الوضع وعادت إلى مقر الجمعية في نيويورك لتضع نتائج زيارتها أمام الجمعية، وتقرر أن تعود إلى العراق مع الوكالة اليهودية لمساعدة من يرغب من يهود العراق بالخروج منه. وفي إشارة مقتضبة تذكر رحلة ثانية لأفراد من المنظمة إلى العراق، قام بها مدير "برنامج العمليات" في المنظمة دون تحديد تاريخها.
"جماعة مهددة"
__________
(1) (Jewish Refugees Committee).
(2) (Leonard Glickman).
(3) (Rachel Zelon).(1/112)
تقول زيلون: "هذه مجموعة مهددة جداً، وكانت معزولة عن بقية العالم خلال السنوات الثلاثين الماضية" (1) ، وتسجل مشاهداتها في العراق بقولها أن "الجماعة اليهودية الصغيرة كانت تعيش تحت نظام قمعي لعقود. إنهم يعيشون ضمن مجتمع يحتقر معظم سكانه اليهود وإسرائيل. معظمهم كان يعيش محاولاً إخفاء هويته اليهودية ما عدا أمام الأصدقاء المقربين والزملاء والجيران". وتضيف: "بالنظر إلى التوتر المتصاعد في العراق وتزايد العداء للسامية، من الواضح أن هذه الجماعة مهددة إلى حد بعيد. رأيت علامات في الشوارع تحذر السكان من التعامل مع اليهود، وعلمت أن منشورات معادية للسامية كانت توزع في الأماكن العامة والمستشفيات والعيادات". وبذلك تتجاهل زيلون أن هذا "التحذير من التعامل مع اليهود" لا يقصد به اليهود العراقيون بل أولئك الذين جاؤوا مع الغزو والاحتلال. وحسب شهادة جيف كاي حافظت الجماعة اليهودية على وجودها أثناء فترة "النظام السابق" بسبب حماية الحكومة لها (2) . ولكن كاي، وبالرغم من تصريحه هذا، يقول في مكان آخر بشكل مضلل أن اليهود العراقيين "اضطهدوا في نظام صدام حسين وصودرت أملاكهم، ولكنهم بشكل عام تمتعوا بالحماية" (3) .
__________
(1) (USA Today)، 27/7/2003. هناك عدة تصريحات لراتشيل زيلون، من بينها ما قالته لـ "أورييل هايلمان" (Uriel Heilman) من "الوكالة التلغرافية اليهودية" في أحد فنادق العاصمة الأردنية عمان. أنظر (Jewish Telegraphic Agency)، 24/6/2003.
(2) (Haaretz)، 22/6/2003.
(3) (Jewish Telegraphic Agency)، 24/6/2003.(1/113)
حصلت زيلون على معلومات بشأن اليهود العراقيين من يهود عراقيين غادروا العراق في السابق وقامت الجمعية بدعمهم، وشمل ذلك "أسماء، عناوين، ووصف موجز لكل يهودي ما زال في العراق، ورسالتي تعريف بشخصها لتسهيل مهمتها والتعاون معها"، وهو ما يكشف أن اليهود في العراق لم يكونوا معزولين وأنهم كانوا على اتصال وثيق مع اليهود في الخارج. ولم يكن وضع اليهود في العراق سيئاً، كما تصفه المنظمة، لأن أول اتصال لزيلون كان مع "طبيبة أسنان تعيش مع أمها، التي هي أيضاً طبيبة متقاعدة في الثالثة والثمانين من العمر، وأخيها أخصائي جراحة المفاصل". كما قابلت شخصاً "يعمل في مستشفى الرشاد للأمراض العصبية" ولكنه كان "مفقوداً" أثناء إخراج اليهود الستة من العراق في تموز. وحسب جيف كاي (1) ، كان اليهود العراقيون يستفيدون من ريع عقارات يملكونها، ومن الواضح أن هؤلاء، أو على الأقل الأطباء منهم، لم يكونوا يعانون من أوضاع "كئيبة".
لا يريدون الذهاب إلى إسرائيل
__________
(1) هآريتس، حسب موقع "كيرين هايسود" بالألمانية بتاريخ 25/6/2003.(1/114)
ادعت الجمعية أن اليهود الثمانية وعشرين المتبقين في العراق يرغبون بترك العراق، وجرى تحديد بريطانيا وهولندة مكاناً لإعادة استقرارهم فيهما. وهذا الأمر لا يتفق مع نتائج تقرير جيف كاي ولا مع ما ذكرته مصادر أخرى، على الأغلب بالاعتماد على زيلون نفسها، وهي أن "ثلاث عائلات على الأقل عبرت عن رغبتها بالبقاء. والبقية مترددون". ومن هؤلاء توفيق سفر، الذي أفاد لرويترز في بداية تموز أن "صدام" كان جيداً معهم. ولكن زيلون تفسر ذلك بالقول: "الذهاب إلى المجهول أصعب من الإبحار في حقل ألغام يعرفونه" (1) . واختيرت بريطانيا بسبب "علاقتها التاريخية مع العراق" وهولندة لأن يهوداً عراقيين استقروا فيها في السابق "بنجاح". ولكن طبيبة الأسنان خالدة فؤاد إلياهو، التي كانت "مستميتة" لترك العراق، تقول أنها لم تكن متحمسة للذهاب إلى إسرائيل واعتبرتها "خطرة جداً". وتدعي وكالة الأنباء "أروتس شيفا" بأن ساسون صالح قال: "المسلمون العراقيون لا يهتمون بنا"، وتشير إلى أنه يقرأ التلمود "ويحفظه غيباً"، ولكنه لا يفكر بالذهاب إلى إسرائيل. وتذكر "جمعية معونة المهاجرين العبريين" أنها و"لجنة اللاجئين اليهود" و"الوكالة اليهودية" و"لجنة التوزيع المشتركة اليهودية" (2) ستبقى على اتصال مع الجماعة المتبقية في العراق (3) .
"أتمنى لو يعود صدام"
__________
(1) (USA Today)، 27/7/2003.
(2) (Jewish Joint Distribution Committee). منظمة يهودية تأسست عام 1914 لرعاية مصالح اليهود، وبشكل خاص "حماية" اليهود عبر البحار؛ للمنظمة برامج في مختلف أنحاء العالم.
(3) (Associated Press)، 17/4/2003؛ (Arutz Sheva)، 27/7/2003.(1/115)
نضال صالحي في أواخر الأربعينات من عمرها، والأصغر سناً بين اليهود الذين بقوا في العراق. وفي تحقيق أجرته قناة الجزيرة في شهر تشرين الأول 2003 كان كلامها مفاجئاً عندما قالت: "أتمنى لو يعود صدام". لم يكن قائل هذا الكلام شخصاً متعاطفاً مع البعثيين أو من المخابرات، وإنما يهودية عراقية، تقول الجزيرة. وتقول صبحية، المسيحية التي شاركت في اللقاء: "في زمن صدام حكم القانون، كان هناك أمن. اليوم لا أجرؤ على إخراج ابنتي إلى الشارع. لن يكون بوسعها إكمال دراستها. هذا ما جلبه الأمريكيون". وقد حاول مراسل قناة الجزيرة إنقاذ الموقف عندما قال أن الوضع الأمني سيتحسن، وأنه أخيراً ستكون هناك حكومة ديموقراطية جديدة. ولكن نضال ردت عليه: "ماذا يفيدنا ذلك؟ أنظر إلى بيوتنا، أنظر كيف نعيش ... هل جلبت الديموقراطية الطعام إلى موائدنا، الأمن إلى الشوارع، الكهرباء إلى البيوت؟ كل هذه الأشياء جلبها لنا صدام". وانضم إلى المجموعة اليهودي المسن يعقوب قائلا: "لولا البريطانيين لما ترك أي يهودي العراق"، وهنا ضحك الجميع وعلقت نضال: "دائماً يلوم يعقوب البريطانيين على نهاية جماعتنا". يعقوب محق في ما قاله، ولكن مراسل الجزيرة لم يرغب بالإشارة إلى نعيم غيلادي (1) ، وهو يهودي عراقي "مشهور نسبياً" لئلا ينتهي الحوار بالتاريخ. ولكن التاريخ ظل يطفو على السطح، إذ عندما سأل مراسل الجزيرة يعقوب فيما إذا كان يعتقد أن الأمريكيين سيخرجون من العراق، كما يعدون دائماً، أجابه يعقوب: "لا أدري، ولكن البريطانيين كانوا يقولون الشيء نفسه. كل ما نستطيعه هو أن نأمل" (2) .
"الديموقراطية في سومر"
__________
(1) أنظر أدناه ص ص 129-130.
(2) الجزيرة، 18/10/2003؛ أنظر (Aljazeera.net)، 20/10/2003.(1/116)
تقوم "جمعية معونة المهاجرين العبريين" بإعادة كتابة التاريخ وتوزيع "النعم" على من تشاء وبسخاء، ففي تقديمها لموضوع اليهود في العراق كتبت تقول أن جذور هؤلاء "كانت تعود إلى قرون عندما كانت بلادهم تسمى سومر ... مسقط رأس إبراهيم، أب اليهودية، المسيحية، والإسلام". وتصف المنطقة آنذاك بأنها كانت "غنية بالحضارات التي كانت تعمل بشكل ديموقراطي وتشاركت بالآداب والشعر وبنت المعابد وطبقت أنظمة زراعية وصحية حديثة". ونستطيع أن نفهم لماذا أقحمت "الديمقراطية" في هذه الجنة، فـ "العراق اليوم يعيد البناء من الحرب. فالدمار المادي، إلى جانب ندوب لا يمكن محوها جاءت نتيجة سنين لحكم ديكتاتوري قمعي، وهو ما جعل الأربعة والثلاثين يهودياً، البقية الباقية في العالم من أصول سامية، بأمس الحاجة إلى المساعدة من الخارج". هذا الخطاب، الذي تتبناه الجمعية، لا علاقة له بالأديان الثلاثة المذكورة ولا بالتاريخ. الهدف هو "التأكيد" أن اليهود في كل مكان ... حتى سومر وإدانة العراق، الذي انعدمت فيه "الديموقراطية" منذ زمن سومر حتى تحريره من قبل الولايات المتحدة.
"النجدة من صهيون"(1/117)
أثيرت ضجة إعلامية كبيرة لدى وصول العراقيين الستة إلى "إسرائيل" (1) ، وذكر أن العملية أجريت بسرية كاملة وأطلق عليها اسم "النجدة من صهيون"، ولم يعلن عنها إلا بعد هبوط الطائرة، التي ذكر أحد المصادر أنها أردنية الهوية (2) ، في مطار تل أبيب في الخامس والعشرين من تموز 2003. وحسب مصدر آخر فإن من قام بتنظيم الرحلة هي "الوكالة اليهودية"، في حين "قامت القوات الأمريكية بتأمين مرافقة جوية حتى مطار بغداد" حسب مايكل روزنبرغ (3) ، أحد المسؤولين في الوكالة المذكورة (4) . وقالت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية "أن هذه أول رحلة جوية مباشرة بين البلدين منذ عملية النقل الجوي إلتى تمت بين 1950-1951، وأحضرت حينها الآلاف من اليهود العراقيين إلى إسرائيل " (5) . الكثيرون رأوا أن وصول هؤلاء الستة إلى إسرائيل "تحقيق للأيديولوجية الصهيونية التي تقول بأن على جميع اليهود أن يعيشوا في إسرائيل". فبعد ثلاثة أيام، تناقلت وسائل الإعلام صورة تظهر أحد هؤلاء، وهو عزرا ليفي البالغ من العمر 82 عاماً، يقبل جداراً في القدس هو "حائط المبكى"، بالرغم من أن هذا الجدار إسلامي ويعود إلى الفترة الأموية. وفي صورة أخرى كان المذكور ينفخ في الشوفار في "الساحة" المقابلة للجدار، وهي الساحة التي كانت تشكل يوماً ما حارة المغاربة، التي هدمت بالكامل في حزيران 1967 على رؤوس من لم يتمكن من مغادرتها من سكانها. ولكن وجود ليفي في هذا المكان جعله "يشعر بالسعادة القصوى والشرف".
__________
(1) حسب (The Jewish Agency for Israel – Press Releases)، 26/7/2003 ومصادر أخرى.
(2) حسب "إيليل شاخر" من "معاريف"، أنظر (Die jüdische)، 21/8/2003؛ أنظر أيضاً (The Jewish Week)، 1/8/2003.
(3) (Michael Rosenberg).
(4) (Israel21c)، 3/8/2003.
(5) المرجع السابق.(1/118)
وقد قضى الستة ليلتهم الأولى في فلسطين في فندق في مستوطنة يهود، التي أنشئت على أنقاض قرية العباسية التي دمرت عام 1948. كان في انتظار عزرا ليفي في المطار أخته دينا التي "هربت" من العراق عام 1949 بعد "حملة اضطهاد قامت بها الدولة، بما في ذلك الشنق العلني"، وهنا لا يبدو أن هناك فرقاً بين النظام آنذاك والنظام الذي أطاح به الغزاة الأمريكيون والبريطانيون. ومهما كان الأمر، فإن ليفي بقي في العراق لأنه لم يحسم أمره عام 1949 بـ "الهرب" من وطنه، وعندما وصل إلى قرار كان الوقت قد أصبح متأخراً "لأنه منع من المغادرة". ولا شك أن وضع ليفي في ظل "نظام صدام" كان صعباً، لأنه عندما سئل عن ذلك لم يقل أي شيء مكتفياً بإطلاق "شخرة ساخرة قوية".
وكمثال على معاناة اليهود الستة، سردت النيويورك تايمز حكاية سليمة موشي نيسيم، البالغة من العمر 79 عاماً وكانت تقطن في البصرة. تقول السيدة سليمة: "كنت وحيدة كلياً في البصرة، ولم أكن أبداً سعيدة لأنني لم أتمكن من رؤية عائلتي". ولا نعرف لماذا قرر شقيق السيدة نيسيم وشقيقتيها ترك العراق عام 1951، بينما بقي الوالدان هناك وهي معهما. ويبدو أن سبب وحدة السيدة نيسيم كان وفاة عائلتها، الواحد تلو الآخر، وكان آخرهم أمها عام 1967. ولكنها تمكنت من "تدبير أمورها بإعطاء دروس بالإنجليزية، وكانت تشعر بأنها مقبولة، ولكن ليس مرحباً بها تماماً" (1) .
مجموعة من سبعة عشر فرداً
__________
(1) حسب (Israel21c)، 3/8/2003.(1/119)
في ليلة الأربعاء العشرين من آب 2003 وصلت إلى إسرائيل مجموعة أخرى مؤلفة من سبعة عشر يهودياً، قامت الوكالة اليهودية بإخراجهم من العراق بالتعاون مع وزارة الخارجية. وكان في استقبال المجموعة أقاربها في إسرائيل وتسيبي ليفني (1) ، الوزيرة في "وزارة استيعاب المهاجرين"، وميريلا غال (2) ، المديرة العامة في الوزارة. كانت المجموعة تتألف من عائلتين، أفراهام وتيكفا وأربعة من بناتهما وابنين، وخالة أفراهام وزوجها وأولادهما الخمسة، بالإضافة إلى قريبين. راتشيل نيسان، إحدى بنات العائلة الأولى، غادرت العراق مع زوجها أمير عام 2000. وحسب تعليمات مشددة من "الوكالة اليهودية" رفض أمير، الذي يسكن في الخضيرة، إعطاء تفاصيل حول كيفية مغادرته للعراق آنذاك، ولا كيف تمت العملية الجديدة.
عساف، شقيق أمير، يخدم في الجيش، ولكنه حصل على إذن خاص ليتمكن من استقبال أقاربه. وهو نفسه كان قد ترك العراق وهو في السادسة عشرة من عمره، وقد حصل على جواز سفر بعد أن أخبر السلطات العراقية أنه يرغب بقضاء إجازة في الأردن. وقبل مغادرته العراق اتصل بجدته في إسرائيل وأخبرها بتفاصيل "اجازته". لا يفصح عساف كيف وصل إلى إسرائيل، ولكنه يقول وابتسامة عريضة على وجهه: "وصلت إلى الأردن الساعة التاسعة صباحاً، وفي الساعة الحادية عشرة والنصف كنت في إسرائيل".
__________
(1) (Tzippy Livni).
(2) (Mirela Gal).(1/120)
وحسب صحيفة هآريتس كان أفراهام يملك كاراجاً في بغداد وأوضاعه المادية جيِّدة. وعندما "اندلعت الحرب" قصف الحي الذي كان يسكن فيه بكثافة، لأن "مكاتب القوات الأمنية لصدام حسين كانت موجودة في الجوار"، وقتل الكثير من الجيران. وفضلت العائلة الانتظار حتى "يسقط نظام صدام". وبعد سقوط بغداد تركت العائلة بيتها في بغداد ومكثت في "مدينة" أخرى، لم يذكر أسمها، وهناك تم "الاتصال" بالوكالة اليهودية، وغادرت العائلة العراق بعد أن توقفت في "محطة انتقالية". ويقول أفراهام أنه خرج خالي الوفاض دون أن يتمكن من بيع أملاكه. وحسب معاريف كانت العائلتان تعيشان مع أطفالهما في المنطقة الكردية، وقطعوا الحدود العراقية التركية ليصلوا إلى استنبول، ثم استقلوا الطائرة إلى إسرائيل. وتقول إحدى الشخصيات الإسرائيلية الهامة في "الوكالة اليهودية": "لا تمثل العملية هذه المرة إنقاذاً لمسنين لأسباب إنسانية، وإنما عملية هجرة حقيقية من العراق". وتأمل الوكالة أن تكتمل عملية "النجدة من صهيون" قريباً لإحضار "50 من المسنين إلى إسرائيل" (1) .
"مركز أبحاث" في بغداد
__________
(1) (Haaretz)، 22/8/2003، (Maariv)، حسب (Die jüdische)، 21/8/2003؛ (Arutz Sheva)، 21/8/2003.(1/121)
افتتح في بغداد بعد الاحتلال الأمريكي مكتب في شارع أبو نواس، واعتبره البعض أول وجود علني للإسرائيليين في بغداد منذ سقوط العاصمة في التاسع من نيسان، إذ ذكر منذ البداية أن هذا المكتب مرتبط بـ "مؤسسة الشرق الأوسط للإعلام والأبحاث" (ميمري)، وهي المنظمة الأهلية التي أسست في واشنطن عام 1998، ولها فروع في لندن، برلين، والقدس، "تهدف إلى متابعة وسائل الإعلام المحلية في الشرق الأوسط وترجمة ما يصدر عنها إلى اللغة الإنجليزية وتحليل الاتجاهات السياسية، الأيديولوجية، الاجتماعية، الثقافية، والدينية في المنطقة". وتترجم المؤسسة مواداً من "العربية، الفارسية، والعبرية"، وتصدر ثلاث سلاسل من المنشورات هي: "التقصي والتحليل" (1) ، "تقارير خاصة" (2) و"رسائل أخبارية خاصة" (3) ، وهذه الترجمات ترسل مجاناً بالفاكس أو البريد الإلكتروني. وعلى الأغلب أن الكشف عن افتتاح المكتب جاء بعد أن ذكرت ميمري نفسها في أحد تقاريرها المؤرخ السابع والعشرين من آب أنه يعتمد على رسائل إخبارية قام بجمعها "مكتب ميمري في بغداد". وقد كتب هذا التقرير نمرود رفائيلي، وهو على ما يبدو إسرائيلي، ربما من أصل عراقي (4) . "الرسائل الإخبارية" تعتمد على صحف بدأت بالظهور في العراق بعد الاحتلال، وبالإمكان الاستنتاج أن مكتب ميمري بدأ ممارسة نشاطه على الأقل منذ بداية شهر تموز 2003، بعد فحص تواريخ (5) المقالات المجموعة من هذه الصحف.
رسائل عبر الإنترنت
__________
(1) (Inquiry and Analysis Series).
(2) (Special Reports).
(3) (Special Dispatch Series).
(4) حول هذا التقرير أنظر أدناه ص 64.
(5) أقدم تاريخ هو 7/7 وأحدثها 18/8/2003.(1/122)
بريان ويتاكر كان قد أشار في الغارديان (1) إلى أنه وزملاؤه في الصحيفة، والعديد من الصحافيين، السياسيين، والأكاديميين، كانت تصلهم من ميمري كل بضعة أيام ترجمات ذات مستوى عالٍ لمواد من صحف عربية وكثيراً ما تكون مثيرة للاهتمام. ولكن الصحافي البريطاني لاحظ أن هالة من السرية تحيط بالمسؤولين عن هذه المؤسسة، فموقعها في الشبكة الإلكترونية لا يقدم أسماء العاملين فيها ولا عنوانا للاتصال به. والسبب في ذلك، حسب موظف سابق في المنظمة، "أنها لا تريد أن تفاجأ بمفجر انتحاري أمام الباب". ولاحظ ويتاكر أيضاً أن المواد التي تعممها الصحيفة تتبع باستمرار نهجاً خاصاً، فالمقالات المترجمة عن لغات غير العبرية يجري اختيارها ضمن خط مألوف، وهذه المقالات إما أنها "تعكس صورة سيئة عن العرب، أو تقف بشكل ما مع الخط السياسي الإسرائيلي". وبالإضافة إلى أن المؤسسة تدعم الليبرالية الديموقراطية، المجتمع المدني، السوق الحرة، فإنها أيضاً "تركز على أهمية الصهيونية للشعب اليهودي وإسرائيل" كما يقول موقعها، الذي كان يحتوي على إشارة بأن ثلاثة من أعضائها كانوا يعملون في الاستخبارات الإسرائيلية. وحسب ويتاكر، كان هذا في البداية، ولكن فيما بعد حذفت هذه العبارات من موقع المنظمة. والمؤسسة تندرج في قائمة أعدتها وزارة الخارجية الإسرائيلية تحت عنوان "مؤسسات الأبحاث والمجلات الأكاديمية" الإسرائيلية، وهو ما يبدد أي شكوك في أن ميمري إسرائيلية.
ييغال كارمون
__________
(1) (The Guardian)، 12/8/2002.(1/123)
مؤسس "ميمري" هو الكولونيل ييغال كارمون (1) ، الذي خدم في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لسنوات عديدة وكان أحد الأعضاء الرئيسيين في "الوحدة 504"، المسؤولة عن تجنيد العملاء في الأراضي المحتلة، وحسب تيمور غوكسل (2) ، قائد قوات الأمم المتحدة في لبنان، كانت هذه الوحدة مسؤولة عن قيادة "جيش لبنان الجنوبي". وكان عضواً في "الرابطة الدولية لمناهضة الإرهاب والأخصائيين الأمنيين" (3) . وأثناء عمله في الاستخبارات العسكرية التحق بالجامعة العبرية وكتب رسالة ماجستير عام 1987 حول "مفتي القدس الحاج أمين الحسيني وألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية". وعمل منذ عام 1988 كمستشار للإرهاب في حكومة يتسحاق شامير، وشارك في الوفد الإسرائيلي لمفاوضات مدريد. حول اتفاقيات أوسلو قال: "هذه الاتفاقيات مريعة" (4) ،
__________
(1) معظم المعلومات حول ييغال كارمون من مقال مطول بالألمانية لـ "غيرهارد لانغه" (Gerhard Lange) بعنوان: "ييغال كارمون: حياة من أجل الاحتلال: سيرة حياة رئيس ميمري" نشر في (Kommunikationssystem.de)، 16/8/2003.
(2) (Timur G?ksel).
(3) (The International Association for Counterterrorism & Security Professionals). منظمة أهلية أمريكية تأسست عام 1992: لـ "مجابهة التحديات الأمنية، التي تواجه العالم مع دخوله عصر العولمة للقرن الحادي والعشرين". خلفية المنظمة يشوبها الغموض، أنظر موقعها على الإنترنت (http://www.iacsp.com/).
(4) أنظر المقابلة، التي أجرتها معه (Arutz Sheva)، 7/3/1996..(1/124)
وحمل أيضاً موقفاً مناوئا حتى من "اتفاقية الخليل" الفرعية، التي خسر الفلسطينيون بإبرامها السيادة الكاملة على الحرم الإبراهيمي وجزءاً كبيراً من البلدة القديمة للخليل ووافق موقعوها على "مجابهة المنظمات الإرهابية بشكل منظم وفعال"، وكان كارمون يريد أن تحدد هذه المنظمات بالاسم في الاتفاقية (1) . وبين الأعوام 1994-1996 تعاون مع بيني بيغن، ابن ميناحيم بيغن والقائد السابق لحزب حيروت اليميني المتطرف. وما يمثله كارمون بمؤسسته ميمري ليس موقفاً سياسياً محدداً، كرفض اتفاقيات أوسلو، بقدر ما هو تضليل للرأي العام العالمي لإخفاء الأهداف الحقيقية لوجود إسرائيل وعلاقتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة، هذا هو المبدأ وراء أشكال الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي تتبناه المنظمات والجماعات اليهودية بانتظام في برامجها.
"التحديات السياسية"
ميراف ورمسر (2) كانت تعمل إلى جانب ييغال كارمون كمديرة تنفيذية لميمري. ورمسر تحتل حالياً منصب مديرة فرع "سياسات الشرق الأوسط" في "مؤسسة هودسون" (3) (انديانابوليس)، التي تهدف إلى أن تكون "المصدر الأول لأمريكا في الأبحاث التطبيقية حول التحديات السياسية". وإذا قمنا بإلقاء نظرة على بعض أعضاء هذه المؤسسة سنجد ما يلي:
? يرأس مجلس إدارتها فالتر ستيرن (4) ، الذي يحتل أيضاً منصب نائب رئيس "مؤسسة سياسة الشرق الأوسط في واشنطن" (5) المعروفة باتجاهاتها الموالية لإسرائيل وارتباطاتها بأيباك، مجموعة الضغط الإسرائيلية الرسمية في الولايات المتحدة (6) .
__________
(1) أنظر مقاله في (Yediot Ahronot)، 16/1/1997.
(2) (Meyrav Wurmser).
(3) (Hudson Institute).
(4) (Walter Stern).
(5) (Washington Institute for Near East Policy).
(6) أنظر "مارك ميلستين"، (Washington Report)، تموز 1991.(1/125)
? ستيرن هو أيضاً عضو في "مجلس العلاقات الخارجية" (1) ، وعضو في مجلس الإدارة الشرفي لـ "اللجان الأمريكية للعلاقات الخارجية" (2) ؛
? أحد أعضاء مجلس إدارتها هو ريتشارد بيرل، الرئيس السابق لمجلس السياسات الدفاعية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية وأحد مخططي العدوان على العراق.
__________
(1) (Council on Foreign Relations).
(2) (American Committees on Foreign Relations).(1/126)
"مؤسسة هودسون" تفتخر بضمها ميراف ورمسر إلى فريقها وتصنفها بأنها "باحثة رائدة في شؤون العالم العربي"، وتقيم عملها السابق في ميمري بأنها كانت تساعد على "تثقيف صانعي السياسة" الأمريكية حول "المسار المزدوج للسلطة الفلسطينية، التي تنادي بالسلام في الصحافة الغربية وفي مفاوضاتها مع السياسيين الغربيين، وتحرض على الكراهية والعنف من خلال وسائل الإعلام العربية الرسمية". ومن بين "إنجازات" ورمسر في ميمري كتاب بعنوان: "مدارس حزب البعث – دراسة للكتب المدرسية السورية" (1) ، وهي الدراسة التي عرضها كارمون أمام "لجنة العلاقات الدولية" (2) التابعة لمجلس النواب الأمريكي. ورغم أن ورمسر من السفارديم، فإنها، وبشكل مشابه لكارمون لا تخفي مواقفها الرافضة لاتفاقيات أوسلو وموقف حزب العمل منها. ففي إحدى مقالاتها بعنوان "أزمة السياسة الإسرائيلية" (3) تكتب: "معظم الإسرائيليين، الذين عليهم التعايش مع الإرهاب الفلسطيني اليومي، ينظرون إلى الجدل داخل حزب العمل حول سرعة العودة إلى طاولة المفاوضات بمشاعر مختلطة من الغضب والدهشة". وتصف اليساريين الإسرائيليين الأشكيناز بأنهم "الشماليون"، الذين يسكنون الأحياء الفاخرة في شمال تل أبيب، وتقول: "المتدينون في إسرائيل، اليهود السفارديون، المستوطنون، والمهاجرون الجدد، كلهم يشعرون بالإهانة من غطرسة هؤلاء". وفي مقال تحت عنوان "مذبحة مختلقة" (4) ، في إشارة إلى مذبحة الطنطورة، تصف ما حصل بأنه "إخلاء قرية عربية أثناء حرب الاستقلال".
__________
(1) (The Schools of Ba’athism – A Study of Syrian Schoolbooks)، واشنطن: ميمري، 2000.
(2) (Committee on International Relations).
(3) (National Review Online)، 29/1/2003.
(4) صدر عن "مؤسسة هودسون" بتاريخ 19/9/2001.(1/127)
مذبحة الطنطورة كعشرات المذابح التي اقترفها الصهاينة بشكل منظم عام 1948، وكانت ستبقى مجهولة في الإعلام الغربي لو لم يقم تيدي كاتس بالكشف عنها في رسالة ماجستير أنجزت في جامعة حيفا عام 2000، وتجاوز عدد ضحاياها المائتين، وهي من أكبر المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون عام 1948.
"الدفاع عن النفس والحرية"(1/128)
العدوان الأمريكي على العراق تقيمه ورمسر في مقال تحت عنوان "آفاق الديموقراطية في الشرق الأوسط" (1) . وتصف هذا العدوان بأنه "حرب أمريكا في العراق"، وأنه لم يكن "بسبب البترول، أو رئيس تدفعه رغبة الانتقام أو طموحات استعمارية. لقد كانت حرباً للدفاع عن النفس والحرية". ورمسر محقة هنا، فالعدوان على العراق لم يكن هدفه استعمارياً، بقدر ما كان دفاعاً عن النفس. فالذي يدافع عن نفسه هو إسرائيل، والحرية تعني أن يتمكن هذا الكيان من تنفيذ مخططاته لاستيعاب الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل. وفي هذا المقال، الذي تصف فيه القادة العرب بـ "الطغاة" (2) ، تكرر "الباحثة" مواقف ثابتة ومعروفة لإسرائيل والمنظمات والجماعات اليهودية الأمريكية ضد أنظمة المنطقة، وهي مواقف بلاغية كما يروج لها "مشروع إسرائيل"، ويجب فهمها ضمن إطار الصراع القائم بين القوى الاستعمارية في الغرب وشعوب المنطقة، وإسرائيل، حسب ورمسر، هي جزء من الغرب. وحول الدول العربية تقول: "هذه الأنظمة التي تعتبر صديقة للغرب كالسعودية، عراق ما قبل 1990، السلطة الفلسطينية، مصر، وسوريا، تؤجج نيران الكراهية وتشجع مشاعر العداء للسامية والغرب". لا توضح الباحثة طبيعة صداقة الدول المذكورة بالغرب، ولكن بالتأكيد يمكن استنتاج ما هو المطلوب من خلال إقران "الغرب" بـ "السامية" ... أي "اليهود" أو بمعنى آخر، حسب مفهوم قومي مصطنع، إسرائيل.
الافتراء على العراق
__________
(1) حول آراء ورمسر أنظر مقالاتها التالية: "أزمة السياسة الإسرائيلية" في (American Outlook Today)، 31/1/2003؛ "مذبحة مختلقة"، (Hudson Institute)، 19/9/2001؛ "آفاق الديموقراطية في الشرق الأوسط"، (American Outlook Today)، ربيع عام 2003.
(2) (tyrants).(1/129)
يقول ويتاكر أن لا أحد يشك بدقة ترجمات ميمري، ولكن ينبغي التعامل بحذر مع مضمون بعض هذه المقالات، ففي فقرة أخذت من صحيفة الحياة اللبنانية، بقلم عادل عوض، يذكر فيها أن طبيباً في الجيش العراقي ادعى "أن صدام حسين أعطى بنفسه أوامر ببتر آذان الفارين من الخدمة العسكرية". ويكتب ويتاكر أن "هذا النوع من القصص حول ‘الوحشية العراقية’ هو تماماً ما تقوم الصحف بالتطوع بإعادة نشره دون التأكد من مصداقيته، وخاصة في أجواء الحرب الحالية المحمومة". ولا يمكن اعتبار هذه المادة غير منحازة، خاصة وأن كاتب المقال كان ينتمي حينها إلى "المعارضة العراقية"، وهو ما لم تذكره صحيفة الحياة أو ميمري. ويكشف ويتاكر أن قصة بتر الآذان تعود إلى العام 1998 وأنه كان لراويها مصلحة خاصة في ترويجها، فقد كانت ضمن طلبه اللجوء السياسي إلى الولايات المتحدة، حسب تقرير للواشنطن بوست. وما يلفت النظر أن عوض أرسل "تصحيحا" إلى صحيفة الغارديان، نشر بتاريخ 21 آب 2002، قال فيه أن "مصادر مستقلة" تدعم قصة بتر الآذان. ويبدو أن الحاجة إلى نشر هذا النوع من القصص استمرت حتى بعد الإعلان عن انتهاء "الحرب" في الأول من أيار 2003، ففي بداية شهر تشرين الثاني 2003، بثت إذاعة مونتي كارلو تقريراً يتضمن القصة نفسها.
أمام "لجنة العلاقات الدولية"(1/130)
يدرج ويتاكر أمثلة متطرفة أخرى مما ينشر في وسائل الإعلام العربية وتترجمه ميمري، ويرى أن الخطر في تعميمها يكمن في أن "الشيوخ والنواب ومن ‘يصوغ الآراء’ ممن يقرأ رسائل ميمري الإلكترونية، ولا يقرأ العربية، قد يتبادر إلى أذهانهم أن هذه الأمثلة ليست نموذجية فحسب، بل تعكس أيضاً سياسات الحكومات العربية". وهذا أيضاً، كما أشار ويتاكر، هو ما أراد أن يوصله كارمون عندما وقف أمام "لجنة العلاقات الدولية" التابعة لمجلس النواب الأمريكي، مدلياً بشهادته كخبير في وسائل الإعلام في الشرق الأوسط. فهذا المسؤول السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية شهد أمام هذه اللجنة بأن "وسائل الإعلام العربية هي جزء من وسائل التأثير التي تشمل الأنظمة التعليمية، بالإضافة إلى المواعظ الدينية والتوجيه في المساجد"، وأشار إلى كتيب قدمه إلى اللجنة يسلط الضوء على هذه الاتجاهات. وحتى لا يكون هناك أدنى شك بأنه يقصد أيضاً وسائل الإعلام الرسمية، قال: "وسائل الإعلام العربية التي تسيطر عليها الحكومات العربية تنشر مشاعر الكراهية تجاه الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة". وعناصر "عداء السامية العربي الحديث" تظهر في مجالات متعددة، من بينها: "كتابات مصدرها الغرب، كبروتوكولات حكماء صهيون؛ كره إسلامي قديم لليهود في القرآن والحديث؛ نفي المحرقة". ومرة أخرى وجه "اتهامه" إلى الحكومات العربية قائلاً أنها: "كثيراً ما تشجع مفاهيم كالجهاد والشهادة (مع استثناءات نادرة جداً). وكما رأينا في فيديو السلطة الفلسطينية (1) يأخذ ذلك أشكالاً عديدة، كالمواعظ التي تبث في شبكات التلفزة الرسمية، الأعمدة الدينية في الصحف، إلخ". ولكن كارمون كان منصفا بحق قناة الجزيرة عندما قال: "في الأعوام السابقة أحدثت قناة الجزيرة القطرية ثورة في وسائل الإعلام المستقلة في العالم العربي.
__________
(1) كارمون لا يحدد طبيعة هذا الفيديو أو مصدره.(1/131)
وبالرغم من أن القناة تدعو ضيوفاً وتفسح المجال أمام متصلين معادين بالشكل المألوف لأمريكا والسامية، فإنني كأحد الذين ظهروا على شاشتها عدة مرات ألاحظ أن القناة تدعو على الدوام شخصاً يعبر عن رأي مناوئ". عندما نقرأ هذه الفقرة تتأكد لنا الشكوك حول هوية "الآخر" في الشعار الذي تتبناه القناة "الرأي ... والرأي الآخر"، وأن هذا الرأي الآخر يقف إلى جانب "أمريكا والسامية". وأخيراً، وبهدف "تنوير" النواب فقط لا غير، قدم كارمون دراستين قامت مؤسسته بنشرهما، الأولى حول الكتب المدرسية السورية، بقلم زميلته السابقة ورمسر، والثانية حول المناهج في مناطق السلطة الفلسطينية (1) .
أهداف خفية
__________
(1) أنظر موقع "لجنة العلاقات الدولية" التابعة لمجلس النواب الأمريكي (http://www.house.gov/international_relations/107/carm0418.htm).(1/132)
لم يكن رد ييغال كارمون على مقال بريان ويتاكر، الذي نشرته له الغارديان (1) ، مقنعاً، بل إنه أضاف مؤشرات أخرى إلى أن المنظمة التي يرأسها تخدم أغراضاً خفيِّة، بالإضافة إلى تعميم صورة مضللة عن الإعلام العربي في الغرب. فمن "المشاريع"، التي تقوم بها ميمري: "مشروع اقتصادي يشرف عليه خبير من البنك الدولي، مشروع توثيق عداء السامية العربي، دراسات للكتب المدرسية في الأنظمة التربوية العربية، ومراقبة خطب الجمعة في العالم العربي". ويصعب عدم ملاحظة الأهداف المشبوهة لـ "مشاريع" المنظمة التي ذكرها كارمون، وتتحرك على أكثر من مستوى. فـ "المشروع الاقتصادي"، الذي تعمل عليه المنظمة بدون إيضاح طبيعته ولا هوية "الخبير" الاقتصادي السابق للبنك الدولي، هو "برنامج الدراسات الاقتصادية للشرق الأوسط"، الذي يحتل فيه نمرود رافائيلي منصباً رفيعاً، ولكن ما يكتبه، كما سنرى، أبعد ما يكون عن الاقتصاد. ويشير كارمون نفسه إلى أن فريق ميمري يشمل عشرين مترجماً، وهو ما يعكس الإمكانيات المادية الضخمة، التي تتمتع بها هذه المؤسسة.
"مشروع إصلاحي"
__________
(1) (The Guardian)، 21/8/2003.(1/133)
ولكن بالنسبة للإسرائيلي كارمون المشروع الأهم والمبدع هو "مشروعنا الإصلاحي، الذي يسلِّط الأضواء على الأصوات الليبرالية التي تنادي بجرأة بإصلاحات سياسية، دينية، اجتماعية، واقتصادية، مع كل ما يترتب على ذلك من مخاطرة. وهذه الأصوات ليست فقط من العواصم الغربية، ولكن من داخل العالمين العربي والإسلامي". والمثال على هذه "المشاريع" يظهر في مقال لكارمون نفسه نشر في سلسلة ميمري "تقصيات وتحليل" تحت عنوان "بشائر تغيير في الخطاب المعادي للسامية في العالم العربي". ومن بين هذه "البشائر" بيان صحفي وقع عليه عدد من المثقفين العرب يطالبون بإلغاء مؤتمر حول إنكار المحرقة كان مزمعاً عقده في بيروت في أواخر آذار 2001. ويدرج كارمون "بشائر" أخرى ويستشهد مطولاً بتصريحات من مفكرين ومثقفين عرب ترفض "عداء السامية"، ولكنه بالرغم من ذلك يقول: "إن عدد هؤلاء الذين ينتقدون عداء السامية في العالم العربي ما زال ضئيلاً، ومعظمهم لا يريدون إعادة التفكير لرفض عداء السامية العربي" (1) . وهو لا يريد أن يرى أن "عداء السامية العربي"، سواء في الكتب المدرسية أو خطب المساجد، ليس إلا تعبيراً عن المواقف البسيطة والمبدئية للشعوب العربية تجاه ظاهرة إسرائيل.
"خيال عراقي"
__________
(1) "ميمري"، (Inquiry and Analysis)، رقم 135، 23 نيسان 2003.(1/134)
ومن التقارير، التي وضعتها ميمري مسح لموضوع "الصحافة العراقية الجديدة واليهود"، الذي نشر في نهاية شهر آب (1) . وضع التقرير الدكتور نيمرود رافائيلي، وهو "محلل كبير" في "برنامج الدراسات الاقتصادية للشرق الأوسط" (2) التابع للمؤسسة، واعتمد على مادة قام بجمعها مكتب المؤسسة في بغداد من الصحافة العراقية اليومية، وصحف أخرى كالشرق الأوسط والحياة. وفي المقدمة القصيرة للتقرير يكرر الباحث ثلاث مرات كلمة "خيال" أو "خيالي": فالمقالات العراقية "غالباً ما تنزع إلى الخيال". ولأن الصحافة العراقية الجديدة "لم تعتد على حرية الصحافة"، فإن لا شيء يقف أمام الكثير من هذه الصحف "غير حدود الخيال لمراسليها"، كاستخدام عبارة "الكيان الصهيوني" بدلاً من "إسرائيل". وحتى لا يكون هناك أدنى شك بما يزعج المؤلف في "الخيال" العراقي، فإنه يوضح أن بعض الأخبار والتعليقات حول إسرائيل بشكل عام، واليهود العراقيين السابقين بشكل خاص "جاءت نتيجة لخيال جامح". ما يقلق رافائيلي أن الصحافة العراقية امتلأت بالتقارير حول الوجود الإسرائيلي أو اليهودي في عراق ما بعد الاحتلال. ورافائيلي نفسه يجنح إلى الخيال عندما يكتب أن "بول بريمر ... أخبر العراقيين بأنه يمكنهم طباعة أي شيء طالما أنه لا يحرض على العنف"، ومصدره لهذه المعلومة هو بيان صحفي لـ "سلطة الائتلاف المؤقتة" (3) جاء فيه: "سلطة الائتلاف المؤقتة تدعم وتشجع تطوير صحافة عراقية حرة ومسؤولة"، وهو ما يمكن تفسيره على النحو الذي يرغب فيه من أصدر البيان بهدف تعطيل الصحافة الحرة، كإغلاق صحيفة المستقلة، وهو السبب المباشر في صدور بيان سلطات الاحتلال.
__________
(1) (The Middle East Media Research Institute)، 17/8/2003.
(2) هكذا يعرف رفائيلي في إحدى مقالاته، المنشورة بتاريخ 17/6/2003.
(3) (Coalition Provisional Authority)، 21/7/2003.(1/135)
ويلاحظ أن بعض ما جاء في الصحافة العراقية يجد قبولاً لدى رافائيلي، كمحاولة ما يسمى بـ "اتحاد المحامين العراقيين" دعم محاولات يهود عراقيين لاسترجاع أملاكهم، وهو ما لا يعلق عليه رافائيلي بتاتاً.
يقول الدكتور أنور عبد العزيز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، أن "أهداف إسرائيل السرية في الشرق الأوسط ليست سراً. هذا المركز [ميمري] هو واجهة لهيئات استخباراتية وأمنية يشرف عليها الموساد". أما الدكتورة سعاد بهاء الدين الموصلي من جامعة الرافدين فتقول بحسرة: "العراقيون لم يلفظوا من قبل كلمة ‘إسرائيل’ على الإطلاق وأشاروا إليها دائماً بالعدو الصهيوني. من كان يتصور أن بغداد ستحوي في يوم من الأيام مركزاً يخدم المخططات والمؤامرات الإسرائيلية؟". وتضيف أنه قبل الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين "كان العراق هو البلد الوحيد في العالم العربي، وربما في العالم أجمع، الذي يطبق العقوبة القصوى بحق من يقوم باستيراد منتجات إسرائيلية. هذه حصيلة احتلال العراق، وهو ما يؤكد اعتقادنا أن إسرائيل والولايات المتحدة هما وجهان لعملة واحدة" (1) . ما يقوله جامعيون عراقيون لم يجد مكاناً له في تقييمات ميمري، على العكس من مقالات خالد القشطيني حول اليهود العراقيين، التي نشرت في "الشرق الأوسط" وأثارت جدلاً حول "مساهمة يهود العراق، والظروف التي أدت إلى إخلائهم من العراق"، حسب رافائيلي، الذي أعلن أنه سيخصص دراسة كاملة تتناول هذه المقالات. والسبب وراء الاهتمام بمقالات القشطيني يقدمه رافائيلي نفسه عندما يتكلم حول "التأثير العميق لليهود في الاقتصاد والمجتمع العراقيين".
"مقيم في بغداد"
__________
(1) (Islam Online)، 16/8/2003.(1/136)
وإن كان رافائيلي يدرج ما ينبض به الشارع العراقي في خانة "الخيال"، فالأمر يصل بالصحافي نير روزن (1) "حد الغثيان" عندما جمع في مقال مطول ما يتردد في الشارع العراقي حول اليهود وإسرائيل إذ يذكر "إشاعة" تقول "في إسرائيل يبنون بيوت الدعارة لتبدو كالمساجد". ويستشهد روزن بمقالات من الصحافة العراقية، معظمها مما جمعه رافائيلي في مقاله الذي نشرته ميمري. ويركز الكاتب على الجانب الديني، أي "اليهودية" مقابل "الإسلام"، ولكنه لا ينسى الإدانة المألوفة للنظام العراقي السابق وتبرأة العدوان الأمريكي على العراق عندما يفسر الإشارات إلى "اليهود"، التي تتردد في كل مكان بأنها "تؤكد مدى إساءة فهم العراقيين للعالم الخارجي وخوفهم منه وهو ما جاء نتيجة سنين من الاستبداد، السيطرة، والخوف، وقلة في مصادر المعلومات التي لا يتحكم بها البعثيون أو المراجع الدينية". ولم يلجأ الكاتب إلى أي من هذه المراجع الدينية أو غيرها قبل أن يستشهد بآيات من القرآن، ويفسرها على هواه ليستنتج بأنها تعبر عن موقف معادٍ لليهود. ويبدو أن روزن مدرك لدور إسرائيل في عداء العراقيين لليهود، إذ يقول: "مع تأسيس إسرائيل، الدولة اليهودية التي هزمت العرب والمسلمين واحتلتهم، أصبح اليهود يشكلون تهديداً، بدلاً من أن يبقوا من مخلفات الماضي. لهذا اقتبس الكتاب العرب والمسلمون أفكاراً أوروبية عنصرية ومعادية للسامية ونظريات المؤامرة لتفسير وجود إسرائيل وقوتها وتأثيرها على السياسة الأمريكية". نظريات مؤامرة؟ ولكن ماذا عن "صك الانتداب"، الذي مهد الطريق نحو تأسيس كيان يهودي في فلسطين دون أي حساب لسكان البلاد وبدعم بريطاني، وفيما بعد أمريكي، غير محدود يستمد منه هذا الكيان قوته.
__________
(1) (Nir Rosen)؛ المقال نشر في (Asia Times)، 26/11/2003.(1/137)
إن مشاعر الشارع العراقي لا علاقة لها بأي أفكار مستوردة من أوروبا حول "عداء السامية"، فما كتبه روزن نفسه مبرر كافٍ لهذا العداء. وقد يكون الدافع وراء كتابة المقال هو محاولة التغطية على الأسباب الحقيقية للعدوان على العراق، وهو حماية إسرائيل أو تحقيق الأمن لها، وهو ما تدركه المقاومة العراقية، التي لا يمكن لروزن القبول بها. فالموضوع برمته لا علاقة له بـ "عداء السامية" أو "نظريات المؤامرة" عندما تكتب الغارديان أن "الكثير من العراقيين يقولون أنهم يرحبون بأي فرصة تمكنهم من مهاجمة القوات الأمريكية، لأنهم يعرفون أن هناك جنودا يهودا في صفوف هذه القوات" (1) . في موقعه على الإنترنت يعرف روزن عن نفسه بأنه "ولد في نيويورك عام 1977 من أم بوسنية وأب إيراني. وهو كاتب، مصور، وسينمائي حر يقيم في بغداد منذ الخامس عشر من نيسان" (2) ، وهو لا يشير من قريب أو بعيد إلى جنسيته. ولكنه في الحقيقة إسرائيلي دخل بغداد ولم تمض بضعة أيام على سقوطها.
"الوطن المحطم"
__________
(1) (The Guardian)، 15/12/2003.
(2) (http://www.nirrosen.com/).(1/138)
في مقال تحت عنوان "الوطن المحطم" (1) يشير روزن أنه "زار إسرائيل من جديد بعد غياب استمر ثلاثة أعوام" ويشير إلى أن ما عاشه هذه المرة كان تكراراً حرفياً لطفولته، عندما "أجبرتنا الانتفاضة (الأولى)، نحن الإسرائيليين، أن نجابه الحقيقة بأن هناك سكاناً عرباً ننكر عليهم تطلعاتهم ونحتل أرضهم". ويكتب أيضاً: "كنت في الماضي أحلم بالالتحاق بالقوات الخاصة الإسرائيلية، واليوم لا يمكنني تحقيق هذا الهدف حتى لو أردت ذلك. إذ أبلغني مسؤول في وزارة الخارجية أن لدى الحكومة الإسرائيلية ملفاً جاء فيه أني أقف مع الفلسطينيين، ومعادٍ للصهيونية ‘وعدو للدولة’". وبالرغم من هذا "الكشف" فإن روزن في مواقفه لا يختلف عن الاتجاه السائد والمدروس الذي ينكر حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ويكرس وجود إسرائيل في المنطقة، إذ يكتب: "الفلسطينيون أيضاً ليسوا خارج إطار اللوم. لا يوجد صراع أبيض أسود، الخير ضد الشر. إذا كان الإسرائيليون سينسحبون من المناطق المحتلة، فإن على الفلسطينيين، وبقية العالم العربي، أن يبدؤوا بالتفكير ويتوقفوا عن وضع اللوم لفقرهم، جهلهم، والنقص في الإنجازات والحرية على عوامل خارجية. ولكن كيف يمكن للفلسطينيين أن ينخرطوا بأي عملية فكرية بينما يتضورون جوعاً ويذبحون؟". ألا يعبر هذا الكلام المضلل عن الموقف الرسمي لحكومة شارون والحكومات السابقة، التي تتفادى المسألة الجوهرية وهي الانسحاب الكامل غير المشروط من الأراضي المحتلة عام 1967 وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير. وتساؤل روزن لا يختلف عن "الأسئلة البلاغية"، التي ينصح بها "مشروع إسرائيل" (2) . أما أراضي عام 1948 فهي قصة أخرى.
صحافيون
__________
(1) (Counterpunch)، 24/4/2002.
(2) أنظر الفصل الثاني.(1/139)
لا يعرف إذا كان روزن هو أحد الصحافيين الإسرائيليين، الذين دخلوا العراق مع القوات الغازية ويحملون جنسيات مزدوجة. فهؤلاء حصلوا على بطاقات اعتماد من القوات الأمريكية ولكنهم لم يتمكنوا من دخول الكويت سوى بصفتهم مراسلين لوسائل اعلام دولية ليخفوا هويتهم الإسرائيلية. وحسب صحيفة الشرق الأوسط اللندنية دخل ثلاثة منهم بجوازات سفر إسرائيلية. وتضيف الصحيفة أن الصحافيين الإسرائيليين "يحاولون التكلم بلغات أجنبية وعندما ينقل أحدهم تقريراً فإنه يبتعد حتى لا يسمع وهو يتكلم العبرية". وواجهت كارولين غليك (1) العاملة في صحيفة الجيروساليم بوست "صعوبات" في الكويت، بالرغم من أنها تحمل بطاقة اعتماد من صحيفة "الشيكاغو صن تايمز" (2) ، التي تنتمي إلى مجموعة صحفية تضم الصحيفة الإسرائيلية. إذ "أرغمت" الصحافية من قبل السلطات الكويتية على توقيع اعلان تتعهد فيه بعدم نشر أي شيء في الصحافة الإسرائيلية. ومنعت القوات الأمريكية الصحافي الإسرائيلي دان سكيماما (3) ، مراسل الاذاعة والتلفزيون الاسرائيليين، من دخول الأراضي العراقية لكنه نجح في نهاية الأمر من أن "يندس بين مراسلين آخرين لتغطية الحرب". صحيفة يديعوت أحرونوت أرسلت موفداً خاصاً إلى بغداد لكنه يعمل بحسب رئاسة التحرير كصحافي فرنسي يكتب باسم مستعار أخفيت هويته بعناية كبيرة (4) . وبعد الاحتلال لم تعد هناك حاجة إلى إخفاء هوية الصحافيين الإسرائيليين كأساف حاييم (5) ،
__________
(1) (Caroline Glick).
(2) (Chicago Sun Times).
(3) (Dan Scemama). حسب (Haaretz)، 29/3/2003 احتجز سكيماما وبوآز بيسموث (Boaz Bismuth) لمدة 48 ساعة من قبل القوات الأمريكية بعد أن تبين أنهما لا يحملان بطاقتي اعتماد.
(4) (Agence France-Presse)، 24/3/2003. حول المعلومات من صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية أنظر "الرأي" الأردنية، 24/3/2003.
(5) (Assaf Haim)..(1/140)
مراسل صحيفة معاريف، الذي كان يتجول في العراق بحرية (1) .
العلاقات مع إسرائيل
في شهر كانون الأول عام 2003 تساءل عضو مجلس الشيوخ الجمهوري جون كيل (2) (أريزونا) أثناء زيارته لإسرائيل "هل سيكون العراق حليفاً لأمريكا ومعادياً لإسرائيل، علينا أن نضمن أن لا يكون كذلك". وقال أن على الولايات المتحدة أن تعالج موضوع علاقات العراق بإسرائيل كـ "مسألة حساسة"، وتقنع هذا البلد بأن دعمه لإسرائيل يخدم مصالحه. أما النائبة جاين هارمان (3) (كاليفورنيا)، الديموقراطية وعضو "لجنة المجلس للمخابرات"، فقالت أن على العراقيين أن يقرروا بأنفسهم، ولكنها أوضحت "أنهم سيرغبون بلا شك باستكشاف الإمكانيات التكنولوجية، وفي الجوار هناك إسرائيل، وهي الأكثر تطوراً في هذا المجال" (4) .
__________
(1) أنظر ص 139؛ لا يعرف فيما إذا كان مراسل "الجيروساليم بوست"، الذي ذكر تصريحات لـ "مسؤول كبير" في "مجلس الحكم الانتقالي" كان موجوداً في العراق (ص 75 أدناه).
(2) (Jon Kyl).
(3) (Jane Harmann).
(4) (Associated Press)، 17/12/2003.(1/141)
بدأت التصريحات بإقامة علاقات مع إسرائيل قبل بداية العدوان على العراق، ففي بداية آذار أعلن انتفاض قنبر، ممثل "المؤتمر الوطني العراقي" في واشنطن، دعمه لأن تقوم الحكومة العراقية المقبلة بالتوصل إلى "اتفاقية سلام مع إسرائيل، وسنحل جميع النزاعات الإقليمية سلمياً". وأضاف: "لا نريد أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، ولكننا نريد للفلسطينيين أن يقيموا دولة ديموقراطية في المستقبل القريب" (1) . في أيار قال برهم صالح، رئيس حكومة "الاتحاد الوطني الكردستاني"، إن العلاقات مع إسرائيل ستكون مدار بحث في الحكومة العراقية المقبلة (2) . جلال طالباني، رئيس "الاتحاد"، صرح في تموز 2003 في دمشق "أن الحكومة العراقية المقبلة لن تقيم علاقات مع إسرائيل"، ولكنه أضاف: "إذا كانت هذه العلاقات موجودة فعلاً فلن نتردد في الحديث عنها، فنحن لا نرغب أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. العلاقات العربية الإسرائيلية موجودة، والعلم الإسرائيلي لا يرفرف فوق كردستان ولكن في قلب أكبر بلد عربي" (3) . وأوضح طالباني نقطة أخرى: "إذا كان اليهود الأكراد يرغبون بالعودة إلى قراهم وأراضيهم التي تركوها قبل عشرات السنين بمحض إرادتهم، فهم أحرار في أن يفعلوا ذلك. لن تكون هناك مقاييس مزدوجة في كردستان". وطالباني الذي لا يريد أن يكون "فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين"، يوافق على عودة اليهود الأكراد إلى العراق، لكنه عندما لا يطالب بعودة الفلسطينيين إلى "قراهم وأراضيهم" يصبح دون أدنى شك "يهودياً أكثر من اليهود".
__________
(1) (Arabic News.com)، 8/3/2003.
(2) (Arabic News)، 5/7/2003.
(3) حسب "الشرق الأوسط"، الصادرة في لندن، 9/7/2003.(1/142)
"عودة اليهود إلى شمال العراق" عكستها مخاوف عبرت عنها صحف عراقية في حزيران: "العشرات من اليهود غزوا محافظة الموصل مؤخراً كموطئ قدم لتأسيس مستعمرات في أجزاء مختلفة من العراق" (1) . وفي نهاية شهر تموز 2003 كان سيلفان شالوم، وزير الخارجية الإسرائيلي، يناقش آخر التطورات في العراق مع كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي، يقول شالوم: "كنا متشجعين جداً، فالوضع سيدفع قادة المنطقة للتفاوض مع إسرائيل والتقدم نحو إرساء سلام مع إسرائيل. لسنوات عديدة كان هؤلاء خائفين من اتخاذ خطوة في هذا الاتجاه وصدام حسين في السلطة". وأضاف باول معلقاً على الحكم الجديد في العراق، أي مجلس الحكم الانتقالي: "مع تقدم هذا الحكم إلى الأمام سيجدون أن في مصلحتهم تأسيس حكومة ديموقراطية تعيش بسلام مع جيرانها ولا تهددهم وأن لا يفكروا بأسلحة الدمار الشامل، وكجزء من هذه العملية سيجدون أن في مصلحتهم إرساء سلام مع دولة إسرائيل وأنهم يريدون ذلك ... هذه توقعاتي" (2) . وحسب تصريح لمسؤول كبير من "مجلس الحكم الانتقالي" نشرته الصحيفة الإسرائيلية الجيروسالم بوست (3) كان مسؤولون إسرائيليون يحاولون عقد "صفقة بترولية خلف الكواليس مع الأكراد".
"يهود كردستان"
__________
(1) نشر المقال بالإنجليزية في (Al-Hilal News)، وذكره "جايمس بيكرتون"، الذي زار العراق، في (Newsday.com)، 22/6/2003.
(2) حسب المؤتمر الصحفي الذي عقد في واشنطن بتاريخ 23/7/2003. أنظر
نص المؤتمر في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية
(http://www.state.gov/secretary/rm/2003/22710.htm).
(3) (The Jerusalem Post)، 25/12/2003.(1/143)
طالباني محق تماماً عندما يذكّر بأكبر دولة عربية سمحت للعلم الإسرائيلي أن يرفرف في سمائها، ولكنه نسى أن هذه الرفرفة لم تحصل في ذلك البلد وهو محتل ومسلوب الإرادة، كما في العراق اليوم. وأن الاحتلال الأمريكي يعني ببساطة اختراقاً صهيونياً للعراق أكده طالباني نفسه في مناسبة أخرى. ففي شهر آب عام 1999 وافق على تأسيس حزب يهودي في محافظة السليمانية تحت اسم "يهود كردستان". وفي حينها أشارت صحيفة بابل إلى أن "موافقة الاتحاد الوطني الكردستاني على تأسيس هذا الحزب جاءت بعد موافقة إسرائيل على تقديم الدعم المالي المطلوب". ولم تذكر في حينه أي معلومات حول رئيس الحزب (1) . وحسب مصادر أخرى ذكر أن طالباني قال في اجتماع للاتحاد آنذاك "أن معارضة فتح مقر لهذا الحزب سيدفع الولايات المتحدة إلى أن تطلب منا رسمياً فتح هذا المقر". وذكر أنه قال: "إن أي شخص يعارض ذلك عليه أن يوقف الجيوش التي ستحضرها الولايات المتحدة إلى كردستان". وفي آذار عام 2000 أشارت صحيفة العراق (2) الصادرة من السليمانية أن طالباني يدعم تشكيل مثل هذا الحزب، وأن نشاطه هو "جزء من الديموقراطية في كردستان". وتجدر الإشارة إلى "مؤسسة كردستان في واشنطن" تعمل على قضايا "تهم الأكراد في الولايات المتحدة، تركيا، إيران، العراق، سوريا، وإسرائيل" بالتنسيق مع "المؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي" (جينسا) (3) .
__________
(1) حسب (Arabic News.com)، 11/8/1999.
(2) 21/3/2000، حسب موقع (Iraq Report)، 31/3/2000 (مجلد 3، رقم 8).
(3) (Washington Kurdish Institute)؛ أنظر (Turkish Daily News)، 5/10/1996. يذكر هذا المصدر أن مايكل أميتاي (Michael Amitay)، المدير التنفيذي لـ "مؤسسة كردستان في واشنطن"، هو ابن مورديخاي أميتاي، الذي كان يحتل منصب "مسؤول كبير" في جينسا..لم نستطع العثور على مورديخاي أميتاي هذا في جينسا، ولكن هناك في المؤسسة موريس أميتاي (Morris Amitay)، الذي يعمل كنائب الرئيس. أميتاي مدير سابق لأيباك وأحد مؤسسي "التحالف من أجل الديموقراطية في إيران" (Coalition for Democracy in Iran).(1/144)
الهدف تفكيك العراق
لا تخفي إسرائيل رغبتها بتفكيك العراق إلى ما يسمى بوحدات إثنية أو دينية، وهو ما قد يكون أحد الخيارات الأساسية المطروحة في التخطيط السياسي الأمريكي لمستقبل العراق. شلومو أفينيري (1) كتب مقالاً لـ "كردستان أوبزيرفر" يروِّج فيه لهذا الهدف ويقتدي بمثال الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا، ويطالب بـ "حل خلاق ومبدع للعراق"، يتلخص بـ "إنشاء دولة كردية في الشمال، وواحدة سنية عربية في الوسط حول بغداد، وأخرى شيعية عربية في الجنوب". وهذا التقسيم الذي يثير العجب يخضع مرةً لمقاييس دينية ومرة أخرى لمقاييس قومية، وإذا أردنا الإنصاف والعدل على الطريقة "الأفينيرية"، فينبغي أن يكون هناك "دولة سنية كردية"، أسوة بأختيها، وليس مجرد "كردية"، كما طالب في مقاله. الأستاذ أفينيري الذي "يفكر بما لا يفكر به أحد"، لم ينس أن يزج في مقاله "الكليشة" المعهودة حول يهود العراق، بالرغم من أن ذلك لا علاقة له بالموضوع: "لم يكن الأمر مجرد صدفة أن تشكل في بداية الأربعينات حكومة رشيد عالي الكيلاني الفاشية الموالية للنازية. لقد قمع البريطانيون هذا البلاء، ولكن ليس قبل أن يقتل المئات من اليهود في الفرهود (2) ، الذي خططت له هذه الحكومة".
أكراد في تل أبيب
__________
(1) (Shlomo Avinery)، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية؛ أنظر (Kurdistan Observer)، 23/10/2003.
(2) اضطرابات عام 1941 كما كانت تسمى في العراق؛ أنظر ص 130.(1/145)
قصة الرضيعة، التي أجريت لها عملية جراحية في أحد مستشفيات إسرائيل في أواخر تشرين الثاني عام 2003، تكشف عن علاقات غير معلنة بين أطراف عراقية في شمال العراق ومنظمة مسيحية صهيونية بدعم من قوات الاحتلال الأمريكية. والقصة يرويها البوق الدعائي الصهيوني من أمريكا "إسرائيل القرن الحادي والعشرون" (1) وتقول أن "الأمريكي المسيحي" جوناثان مايلز (2) يدير "شيفيت أخيم" (3) ، وهي "منظمة غير ربحية توفر الخدمات في مراكز طبية إسرائيلية للمرضى من الأطفال العرب". السيد مايلز سمع بوجود رضيعة عراقية كردية تدعى بيان جاسم تعاني من خلل مرضي في القلب، فاتصل بسيمون فيشر (4) مدير منظمة "أنقذوا قلب طفل" (5) الإسرائيلية، وهي تتخصص بإحضار الأطفال الذين هم بحاجة لإجراء جراحة في القلب إلى "مركز فولفسون الطبي" في حولون، جنوب تل أبيب، وقد نقلت المنظمة جواً "أكثر من 500 طفل من دول أجنبية، بما في ذلك أطفال من الضفة الغربية وقطاع غزة". المهم أن "المسيحي الأمريكي واليهودي الإسرائيلي" قررا العمل معاً لإحضار الطفلة العراقية إلى إسرائيل لإجراء عملية لها.
"جسر بين الشعبين"
__________
(1) (Israel21c)، 30/11/2003؛ أنظر أيضاً (Haaretz)، 16/5/2003؛ (Chicago Tribune)، 5/12/2003.
(2) (Jonathan Miles).
(3) (Shevet Achim).
(4) (Simon Fisher).
(5) (Save A Child’s Heart).(1/146)
إحضار الطفلة بيان إلى تل أبيب كان نتيجة تعاون فريد بين "مسيحيين، مسلمين، ويهود" أو "أمريكيين، عراقيين، أردنيين، وإسرائيليين". "اليهودي" هنا هو "الإسرائيلي" و"المسلم" هو "العراقي والأردني"، و"المسيحي" هو "الأمريكي"، ولم يبق مكان للفلسطيني في هذا الخليط، فهو يوصف، كما سنرى، بأنه "عربي". المهم أن تذكر صفة "يهودي"، حتى لا يكون هناك أدنى شك بأن من عالج الفتاة العراقية كان "إسرائيلياً يهودياً". كانت القرارات تتخذ "بلمح البصر" بين الأطباء العراقيين والأطباء الإسرائيليين بواسطة هواتف فضائية للجيش الأمريكي، فأصدرت "تصاريح سفر" لبيان وعائلتها للسفر جواً، ثم براً عبر الأردن. إن سرعة قرار "المسؤولين العراقيين بإصدار هذه التصاريح بالسفر إلى إسرائيل قد يكون مؤشراً إلى رغبة الحكومة القادمة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل". وقبل سفر العائلة، بادر عكيفا تامر (1) ، مدير قسم جراحة القلب للأطفال، إلى "إعطاء إرشادات لطبيب في بغداد حول كيفية إجراء جراحة صغيرة للطفلة حتى تستقر حالتها". ولدى وصول العائلة العراقية إلى المستشفى قوبلت بـ "التحية العربية السلام عليكم". ويقول موشيه ماشياح (2) ، وهو نفسه يهودي هاجر من العراق عام 1951، "آمل أن تنجح الجراحة وأن تخدم هذه الطفلة كجسر بين الشعبين"، أي بين الشعب الذي كان ينتمي إليه الطبيب، و"الشعب" الذي أصبح ينتمي إليه. كما أن ليور ساسون (3) ، الذي أدار العملية الجراحية هو أيضاً "ابن مهاجرين يهود من العراق". وبعد أسبوعين من الانتهاء من العملية قال جاسم عبد الله، والد الطفلة: "في أيام صدام ربما قتلت من أجل هذا. ولكن الآن الأمر طبيعي. العراق حر الآن، ويعاملوننا هنا باحترام"، يقصد في إسرائيل.
"عالم صغير"
__________
(1) (Akiva Tamir).
(2) (Moshe Mashiah)، مدير "مركز فولفسون الطبي".
(3) (Lior Sasson).(1/147)
ومنذ وصول العائلة "الكردية"، قدم الإسرائيليون "يهوداً وعرباً، الطعام، المأوى والعطف". وصرَّح والد الطفلة ليديعوت أحرونوت: "لم أكن أحلم قط بالمجيء إلى إسرائيل. لقد أخبروني في الماضي أن إسرائيل مكان سيئ، وما أراه أن الناس هنا طيبون، الجميع يريد المساعدة". وبعيداً عن براءة الأطفال، أفاد فيشر، مدير منظمة "أنقذوا قلب طفل"، "أريد لهذا التعاون أن ينتشر بشكل أكبر. إنها بداية جيِّدة لتعاون واسع بين الولايات المتحدة، إسرائيل، العراق، والأردن. هناك أكراد من العراق، يهود من إسرائيل، الجميع ملتزمون ويعملون معاً. وفي الحقيقة فإن د. ماشياح من العراق، وكذلك عائلة د. ساسون، كل هذا يدل على أننا نعيش في عالم صغير". إنه حقاً عالم صغير، ذلك أن "الأمريكي المسيحي" جوناثان مايلز يحمل معتقدات تدعو إلى عودة اليهود إلى "الأرض المقدسة". بدأت مسيرة مايلز المهنية كصحفي تلفزيوني في ألباني (نيويورك)، ثم درس في "كلية فولر للاهوت" (1) في باسادينا (كاليفورنيا)، وهنا تأثر بتركيز "الأنبياء العبريين على العودة إلى الشرق الأوسط". فجاء إلى إسرائيل مصمماً على "مساعدة المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفياتي سابقاً، ولكنه واصل توسيع مجال نشاطاته". فقد اكتشف بعد زيارته لغزة أن "أطفالاً فلسطينيين يموتون لنقص العناية الطبية، التي يمكن الحصول عليها على بعد بضعة أميال من غزة لا غير". وقرأ في إحدى المجلات أن طبيباً إسرائيلياً يرغب في أن يعالج أطفالاً فلسطينيين. وهكذا أخذ د. كوهين في مستشفى فولفسون يعالج الحالات التي يرسلها له مايلز، الذي انتقل إلى قطاع غزة وسكن في رفح لمدة خمس سنوات، وأرسل بناته، اللواتي ارتدين الحجاب "كملبس تقليدي وللتواضع"، إلى مدارس عربية.
"اخوة معاً"
__________
(1) (Fuller Theological Seminary).(1/148)
أطلق مايلز على منظمته اسم "شيفات أخيم"، وقد استوحاه من مطلع المزمور 133 ("هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الأخوة معاً")، ولهذا عرب اسم المنظمة على نحو "اخوة معاً". وهو كثيراً ما يتلو صلواته بالعبرية قبل البدء بالعمل، إذ بالنسبة له، هذا تأكيد على "ارتباط المسيحية بالمصادر اليهودية". وهو يؤمن بقوة "بعودة اليهود إلى أرضهم، ولكن من الخطأ فهم ذلك بحرفية كبيرة في سياق الأحداث الراهنة". ولا يوضح حدود هذه "الحرفية" التي كانت سبباً في ظهور المشكلة الفلسطينية، لكن يبدو أن عنده الحل، عندما يقول: "كلما ازداد اقترابنا من قلب الله، رأينا حبه لكل الشعوب ودعوته لنا أن نقوم بالمثل". ولكن التقرب من الله وحب الشعوب يبقيان عديمي التأثير بدون التمويل، الذي يحصل عليه من "الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، وإسرائيل" وتصل الميزانية السنوية لمنظمته إلى 125 ألف دولار. الصلوات التي كان مايلز يتلوها بالعبرية، لم تكن ذات نفع كبير. ففي حزيران عام 2002 أبعدته السلطات الإسرائيلية بعد أن أقام في "البلد" لمدة طويلة، رغم أنه كان يقيم في قطاع غزة، وهي من المناطق التابعة لـ "السلطة الفلسطينية". تقول الناطقة باسم وزارة الداخلية، توفا إلنسون (1) ، "كان يقوم بأشياء مهمة جداً للفلسطينيين. ولكنه مكث في البلد بشكل شرعي لمدة طويلة. لا يمكننا أن نسمح لأحد بتجاهل قوانينا". ولكن هناك من يقف إلى صفه مثل تسيون هوري (2) ، الذي يقول: "عندما تكون في حرب وتشعر أنك الطرف الأقوى فأنه يمكن أن تسمح لنفسك بالمساعدة". وهكذا انتقل مايلز إلى عمان وواصل إدارة منظمته بـ "الريموت كونترول"، على حد تعبير الكريستيان سيينس مونيتور (3) .
"إخواننا وأخواتنا الإسرائيليون"
__________
(1) (Tova Ellinson).
(2) (Zion Houri)، المدير الطبي لبرنامج "أنقذوا قلب طفل".
(3) (The Christian Science Monitor)، 22/8/2002؛ حسب رسالة بتاريخ 2/12/2003.(1/149)
ما لم تذكره الصحيفة السابقة هو أن جوناثان مايلز عضو في مجموعة مسيحية صهيونية تطلق على نفسها اسم "إرساليات احتضنوا إسرائيل" (سيدار رابيدس، أيوا) (1) . وتندرج تحت أسماء مختلفة، من بينها "إرساليات الرحمة"، وهي عملياً فروع تنشط في فلسطين، وتعمل في مشاريع فرعية كـ "النور للشعوب"، وهو المشروع الذي يعمل فيه مايلز ويركز على قطاع غزة. ولا يبدو أن لطائفة "احتضنوا إسرائيل" هدف سياسي واضح، بل أنها تتعمد الغموض بالنسبة لأي "إسرائيل" تقصد، "إسرائيل" التوراة أو "إسرائيل" الحديثة، ولكنها تدرج في موقعها عدداً من الوصلات (2) للحصول على "أخبار عاجلة"، من بينها "ميمري"، ليتأكد للمرء أي "إسرائيل" عليه احتضانها. ويتضح اتجاه المنظمة المشبوه عندما نعلم أن حاجتها إلى الدعم المالي تصل، كحد أدنى، إلى مبلغ "15000 دولار شهرياً لتلبية التزامنا تجاه إخواننا وأخواتنا الإسرائيليين". ففي رسائل (3)
__________
(1) المعلومات المدرجة هنا من موقع الطائفة (Embrace Israel Ministries).
(2) "وزارة الخارجية الإسرائيلية"، موقع "أساطير وحقائق أونلاين" التابع لـ "المكتبة اليهودية شبه الحقيقية" (Jewish Virtual Library)، "رصد وسائل الإعلام الفلسطينية" (Palestinian Media Watch)، "أروتس شيفا – الأخبار القومية الإسرائيلية"، "إسرائيل نيوز دايجست" (Israel News Digest) التابع لـ "أصدقاء إسرائيل المسيحيون" (Christian Friends of Israel) (القدس).
(3) وهي بتاريخ 22/11/2003 (من عمان)؛ 25/11/2003 (من تل أبيب)؛ 2/12/2003
(من تل أبيب). نشرت الرسائل في موقع المنظمة
(http://www.embraceisrael.org/israelministries/lightmat.htm).(1/150)
بعثها مايلز إلى "أصدقائه" في المنظمة الأم ونشرت على الإنترنت، تتكشف تفاصيل أخرى حول موضوع إجراء العملية الجراحية للطفلة الكردية بيان جاسم في تل أبيب، وتشير بوضوح إلى اختراق إسرائيلي أو صهيوني لعراق ما بعد الغزو الأمريكي والبريطاني.
"الإيمان والشجاعة"
جوناثان مايلز ومعه فريق لم يحدد عدد أفراده، كان موجوداً في شمال العراق قبل اكتشافه وجود الطفلة بيان. ففي التاسع عشر من تشرين الثاني 2003 قابل الطبيب الاختصاصي في القلب المقدم جون سكوت (1) ، الذي كان يعاين بيان في عيادة في كركوك تابعة للجيش الأمريكي. و"على الفور" أدرك أن هذه حالة طارئة، وفي المساء ذهب مايلز والفريق إلى دكوك، قرية العائلة، و"لم يعترض أحد على فكرة إرسال الطفلة بيان إلى إسرائيل، فالكثير من اليهود كانوا يعيشون مع الأكراد قبل الذهاب إلى إسرائيل، وهناك تاريخ طويل للعلاقات الودية بين الشعبين". وفي صباح يوم الخميس اتجه مع العائلة وبمرافقة ممرضة الأطفال أنجيلا ريكاردز (2) إلى بغداد، وقابل أحد أخصائيي القلب "الذين كنا نعمل معهم"، الذي تمكن من جمع فريق يضم ستة إلى سبعة أشخاص ليقوموا بعملية صغيرة للطفلة في اليوم التالي. واتصل رائد في الجيش الأمريكي بإسرائيل وجرت مكالمة هاتفية بين طبيب عراقي وآخر إسرائيلي لتبادل الرأي حتى تبقى حالة الطفلة مستقرة اثناء نقلها. وفي هذه الأثناء كانت ريكاردز تنهي معاملة الحصول على وثائق سفر للعائلة من "وزارة الداخلية العراقية" رغم أن اليوم كان الجمعة. وبدون تردد وافقت المنظمة العالمية "إير سيرف" (3) على نقل الطفلة إلى عمان.
__________
(1) (John Scott).
(2) (Angela Rickards).
(3) (Air Serv International).(1/151)
ويوم الثلاثاء الخامس والعشرين من تشرين الثاني حصلت العائلة على تأشيرة دخول إلى إسرائيل بعد أن اتصل "نائب رئيس بعثة السفارة الإسرائيلية بمايلز وحرر التأشيرات شخصياً بخط اليد، متمنياً بكل دفء علاقات أحسن مع العالم العربي". وعلق مايلز على ما حصل: "لم نكن قد خططنا لما حدث. كنا نراقب بخشوع ما كان يقوم به الرب، وكل ما كان يتطلبه منا هو الإيمان والشجاعة".
"وادي" الألمانية(1/152)
من حيث المبدأ، لا تختلف الجمعية الألمانية "وادي" عن المنظمة السابقة، وقد ابتدأت عملها في المناطق الكردية عام 1991 "من قبل مجموعات مختلفة وأفراد" وسجلت رسمياً في فرانكفورت عام 1992 تحت اسم "اتحاد المساعدة في الأزمات والتعاون التنموي". وفي عام 1995 أصبح للجمعية مكتباً في "كردستان العراق" يديره "عاملون محليون". والجمعية التي لا تكشف عن "الأشخاص" الذين يقفون وراءها، لا تعنى بمجرد "المساعدة الخيرية"، وإنما "تعزيز التواصل الاجتماعي من خلال عمل تنموي للمشاريع والمبادرات". وفي الصدارة تجئ "العلاقة بين تقديم يد المساعدة في المكان، التوعية بأسباب الاضطهاد، الفقر، واللجوء". وتذكر الجمعية أنها تقوم بدعم مشاريع في "كردستان العراق" وفي "الأردن وإسرائيل/فلسطين"، من بينها "نساء في أوضاع نفسية صعبة، ضحايا العنف الجنسي، الأسرى، واللاجئين". وفي ألمانيا تنشط الجمعية في دعم اللاجئين من المنطقة، وتناضل من أجل الحق الأساسي للجوء، وتعرض "أوضاع حقوق الإنسان في العراق، كردستان العراق، وبلدان أخرى في المنطقة". وفي حين لا تشير الجمعية إلى طبيعة نشاطاتها بعد الاحتلال، فإن مواقفها المريبة تظهر في بيان صحافي أصدرته في الرابع والعشرين من آب 2003 "تنتقد" فيه المظاهرة التي أعلن "المنتدى الاجتماعي النمساوي" عن إقامتها بتاريخ السابع والعشرين من أيلول بمناسبة الذكرى الثالثة لانتفاضة الأقصى، تحت شعار: "لتخرج القوات الأمريكية البريطانية من العراق – الحرية لفلسطين". "وادي" تتبنى موقفاً داعماً لاحتلال العراق، ولكنها تحجم عن التعليق على شعار المتظاهرين حول فلسطين. إن هذا الغموض المريب يرجح إلى أن خلفية "وادي"، وبالنظر إلى نشاطها في المناطق الكردية، لا علاقة له بمساعدة العراقيين الأكراد، خاصة وأن البيان يذكر اسم الصهيوني توماس شميدينغر كأحد أعضائها (1) .
__________
(1) المعلومات حول "وادي" (Wadi) من موقعها على الإنترنت..حول مواقف شميدينغر أنظر أدناه ص ص 123-125.(1/153)
الموساد
في بداية شهر تموز ذكر أن عملاء من الموساد كانوا يتفاوضون مع مسؤولين أكراد حول عودة يهود عراقيين من الشمال إلى العراق. وقدر المسؤولون الأكراد عدد اليهود الأكراد الذين "طردوا من العراق"، بمائة وخمسين ألف، في حين أوضحت الصحيفة التي أوردت الخبر (1) أن العدد لا يتجاوز الخمسين ألف يهودي. وتضيف الصحيفة أن "الحملة الشرسة لإعادة توطين اليهود في العراق تثير حفيظة العراقيين، وبشكل خاص رجال الدين" (2) . وبناء على صحيفة "الحياة" أشار أحد المسؤولين الأكراد إلى أن فريقاً من الموساد زار بغداد في شهر آب لتنسيق جهود محاربة "الإرهاب" مع القوات الأمريكية في العراق. وقام الفريق بجولة ميدانية في العاصمة العراقية وبجولات جوية بمروحية أمريكية فوق الموصل، تكريت، والرمادي. وأوضح المسؤول أن التنسيق الأمريكي الإسرائيلي جاء نتيجة لتقارير تفيد بتصاعد تأثير "القاعدة" و"أنصار الإسلام" في البلاد. وتضيف الصحيفة الإسرائيلية أن آية الله علي خامنئي قد ذكر في نهاية آب أن وفداً إسرائيلياً زار بغداد، بدون تحديد طبيعة هذا الوفد (3) . وبناء على مصادر في شمال العراق أشارت صحيفة البيان الإماراتية في بداية تشرين الأول 2003 إلى أن الموساد قد اشترى قطعة أرض، محاذية للحدود السورية في شمال العراق، من أكراد معدمين يقطنون المنطقة لغرض التجسس على سوريا. وحصلت المؤسسة الإسرائيلية على الأرض بعشرة أضعاف سعرها الأصلي. ويقول سكان المنطقة أن عناصر الموساد يتنقلون بسيارات جيب تحمل لوحات كردية، والكثير منهم يتكلمون العربية والكردية ويتظاهرون بأنهم من المحليين.
__________
(1) "اليوم الآخر"، 7/7/2003؛ حسب "نمرود رافائيلي"، في "ميمري"، (Inquiry and Analysis)، 27/8/2003.
(2) أنظر أيضاً "النهار" اللبنانية، 19/6/2003؛ حسب (Naharnet)، 20/6/2003.
(3) (Haaretz)، 3/9/2003.(1/154)
وتضيف المصادر أن الموساد يخطط لإنشاء قواعد بالقرب من الحدود العراقية الإيرانية (1) . في ليلة العاشر من تشرين الثاني 2003 وقع انفجار في مكتب في كركوك قيل أنه "يخص الموساد"، كما نقلت "وكالة أنباء الشرق الأوسط" في القاهرة. ولم يعرف حينها عدد القتلى في هذا الانفجار، لكن ذكر أن من بينهم "أشخاص من الموساد" ومتعاونين أكراد كانوا يعملون في المكتب. وقد نقل بعض الجرحى إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في كركوك، والبعض الآخر إلى أحد مستشفيات الموصل (2) .
"إشاعة مصدرها رجال الدين"
__________
(1) (The Media Line)، 7/10/2003.
(2) (The Media Line)، 12/11/2003.(1/155)
في شهر حزيران أقدمت إحدى شركات الترميم العراقية على عقد مؤتمر صحفي في فندق عقال في حي الكرادة، نفت فيه تعاملها مع الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية (1) . وفي الوقت نفسه وزع منشور في بغداد يطالب فيه كاتبه سكان العاصمة عدم الذهاب إلى هذا الفندق وحذر من أن اليهود "يريدون شراء المنازل والسيطرة على وسائل الاعلام والتجارة". وأوضح أحمد سنجاري، مدير الشؤون القانونية والاتصالات في الشركة، لوكالة الصحافة الفرنسية أن الاشاعة "مصدرها بالتأكيد رجال دين ربما لأننا أول شركة تتعامل بعد الحرب مع الأمريكيين". وكانت الشركة قد وقعت عقداً مع شركة "دين كورب" (2) الدولية "المتخصصة في التكنولوجيا العسكرية الدقيقة لإعداد إقامات وتأمين سلامة خبراء أمريكيين". وأكد سنجاري أن عشرات سيارات الدفع الذاتي التي كانت متوقفة أمام الفندق، وكانت موضع أحاديث المدينة، هي ملك الشركة الأمريكية. وفي مقال بعنوان "أسرار فندق في الكرادة" كتبت صحيفة "الدعوة" أن "فندقاً في وسط المدينة يستقبل مجموعة من الصهاينة بهدف شراء منازل أو قصور كانت ملك ضباط النظام السابق" (3) .
__________
(1) تشير صحيفة "الخالد" العراقية، 11/7/2003 بأن الشركة المذكورة قامت بتشييد بناء للموساد؛ حسب "نمرود رافائيلي"، في "ميمري"، (Inquiry and Analysis)، 27/8/2003.
(2) (DynCorp).
(3) (Agence France-Presse)، 22/6/2003.(1/156)
القضية لا علاقة لها بأي موقف لرجال دين، فـ "دين كورب" الأمريكية (فرجينيا) ليست إلا "شركة أمنية"، وهي أحد أكبر "المقاولين العسكريين" في العالم، وطاقمها يضم 26000 عنصر ينتشرون في جميع أنحاء العالم، وقد تردد اسمها في الأخبار عندما كشف النقاب عن أن القتلى الثلاثة في حادث التفجير الذي وقع في قطاع غزة، بتاريخ الخامس عشر من تشرين الأول عام 2003، هم من مستخدميها. فالشركة مسؤولة عن حراسة العاملين في السفارة الأمريكية عندما يتنقلون في غزة والضفة الغربية. ولكن ريتشارد باوتشر، الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، أعلن حينذاك أن الحراس هم جزء من "فريق السلام"، الذي كان يخطط لمقابلة "مرشحين فلسطينيين لبعثات فولبرايت" (1) .
__________
(1) (Haaretz)، 16/10/2003.(1/157)
مباشرة بعد سقوط بغداد في التاسع من نيسان تعاقدت وزارة الخارجية الأمريكية مع "دين كورب"، التي يصل دخلها السنوي إلى ملياري دولار، ونص العقد الذي قد تصل قيمته في السنة الأولى إلى خمسين مليون دولار، على تأمين ألف "مستشار مدني" حسب "حاجات العراق وقدراته". والبيانات الصحفية للشركة تذكر أن هؤلاء "المقاولين" سيعملون مع المؤسسات العراقية على جميع المستويات لتقييم "التهديدات للنظام العام"، و"تدريب موظفين في النظام العراقي لفرض القانون"، أي بمعنى آخر تدريب الشرطة العراقية وتأهيلها. مارست الشركة نشاطاتها في عدد من دول العالم الثالث، كأفغانستان، كولومبيا، والبيرو، وقامت "بتدريب مجموعات الثوار في جنوب السودان وزودتهم بمعدات لوجستية" (1) . وعندما كانت الشركة تقوم بتدريب الشرطة في البوسنة، كان عاملون فيها يتاجرون بالرقيق الأبيض. وفي هذا الشأن قالت مادلين ريس، المسؤولة الرئيسية عن حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في ساراييفو: "كان ينبغي أن لا تمنح شركة دين كورب عقد الشرطة العراقية" (2) . ولكن الشركة حصلت على العقد، هذا بالرغم من وصول فضيحة البوسنة إلى "اللجنة الفرعية للعمليات الدولية وحقوق الإنسان" (3) التابعة لـ "لجنة العلاقات الدولية" في مجلس النواب الأمريكي ووثقت تحت عنوان: "الأمم المتحدة وتجارة الجنس في البوسنة: حالة محدودة أم مشكلة أكبر في منظومة الأمم المتحدة؟".
__________
(1) حول الشركة وعقدها في العراق أنظر موقع (The Center for Public Integrity)؛ أنظر أيضاً (Reuters)، 11/4/2003؛ (Electronic Iraq)، 13/4/2003؛ (Asia Times)، 30/4/2003.
(2) (Madeleine Rees)؛ أنظر (The Guardian)، 10/12/2003.
(3) (Subcommittee on International Operations and Human Rights)، أنظر وقائع جلسات الاستماع لهذه اللجنة.(1/158)
"دين كورب" ليست "الشركة الأمنية" الوحيدة العاملة في العراق. ففي الكرادة أيضاً يقع فندق شاهين، الذي تعرض لهجوم في الثامن والعشرين من كانون الثاني عام 2004 وكان يأوي مستخدمين من جنوب أفريقيا قامت بتأمينهم شركة "أنظمة التطبيقات الأمنية الدولية" (ساسي) (1) الأمريكية. وقد تسلم مدير الفندق قبل أشهر تحذيرا يقول: "هناك يهود وأمريكيون في فندقكم: تخلص منهم" (2) ، واستهدف هذا الفندق لأنه كما يبدو لم يستجب للتحذير. ونستطيع أن نفهم الاشارة إلى "اليهود" في هذا التحذير، فعقد "أنظمة التطبيقات الأمنية الدولية" (ساسي) هو مع شركة "إرينس"، وهي "شركة أمنية" أخرى تعمل في العراق، ومنذ حصولها على عقد مع وزارة الدفاع الأمريكية لحماية المنشآت النفطية العراقية بدأت الأنباء تشير إلى العلاقة الوثيقة بين الشركة و"المؤتمر الوطني العراقي" ورئيسه أحمد الجلبي.
في مقهى الإنترنت
__________
(1) (Security Applications Systems International) (SASI).
(2) (Agence France-Presse)، 28/1/2004؛ حول الحادث أنظر (The Pretoria News)، 29/1/2004؛ حول "إرينس" (Erinys)، التي تعاقدت مع "أنظمة التطبيقات الأمنية الدولية" وعلاقتها بـ "المؤتمر الوطني العراقي" أنظر (The St. Petersburg Times)، 23/12/2003.(1/159)
في كانون الأول عام 2003 صرح مسؤول كبير من "مجلس الحكم الانتقالي" لصحيفة الجيروسالم بوست أن المجلس "طمأن ممثلي اليهود العراقيين الذين يرغبون بزيارة العراق أنه سيرحب بهم، وأنه سيضمن أمنهم في العراق". وأوضح المسؤول أن المجلس "لا توجد عنده مشكلة بالتعامل مع رجال الأعمال اليهود أو الإسرائيليين كأفراد. ولكن لا نشعر أننا ندين بأي شيء لدولة إسرائيل". ويعكس هذا التصريح، الذي لا ينفي إمكانية التعامل مع إسرائيل، الحضور الفعلي لإسرائيليين أو يهود في العراق بعد الاحتلال (1) . فإلى جانب الصحافيين الإسرائيليين (2) ، هناك رجال الأعمال اليهود كالبريطاني اليهودي إدوين شوكر (3) ، الذي زار العراق في الثامن والعشرين من أيلول 2003 ومكث هناك أحد عشر يوماً. وشوكر عراقي الأصل غادر العراق وهو في السادسة عشرة من عمره عام 1971. وكان يرسل رسائل إلى موقع "اليهود العراقيون" (4) من مقهى للإنترنت في الكرادة واحتفل بعيد راس السنة العبرية في "بيت خاص" حيث أقام مراسم العيد عماد ليفي، القائم بأعمال حاخام بغداد. ويقول شوكر أنه لم يستطع أن يضبط دموعه عندما كانت طائرته تحط في مطار بغداد، وكذلك عندما رأى المدينة: "بكيت من أجل جماعتنا القديمة والنبيلة، الذين أصبحوا مشتتين في أصقاع العالم ومبتورين عن جذورهم ومهددين بالاندثار بعد جيل أو جيلين. وبكيت من أجل أبي الذي توفي قبل أقل من شهر دون أن يتمكن من زيارة مكان ولادته وموطن أجداده منذ 2500 سنة... بكيت من أجل كل أولئك الذين قام صدام حسين بتعذيبهم وقتلهم ولم يروا أبداً نهايته.
__________
(1) (The Jerusalem Post)، 25/12/2003.
(2) أنظر أعلاه ص 66.
(3) (Edwin Shuker).
(4) (Iraqi Jews)، أنظر (http://thesite2000.virtualave.net/iraqijews/index.html). ارسلت الرسائل بالتواريخ التالية: 28/9/2003؛ 4/10/2003؛ 7/10/2003؛ 8/10/2003؛ 9/10/2003؛ 10/10/2003.(1/160)
وبكيت فرحاً وامتناناً للرب العظيم، الذي حقق أمنيتي بإعادة الاتصال مع جذورنا وتاريخنا" (1) . وإن كان أي شخص، وخاصة الفلسطيني، يدرك تماماً مشاعر ذلك العائد إلى وطنه، إلا أنه لا يفهم تخطي شوكر للبعد الشخصي في تجربته وإقحام "صدام حسين" في الموضوع.
"حرية مثالية"
عندما زار شوكر المدرسة اليهودية في بغداد، كان مقاول قد انتهى من دهان المدرسة بأكملها، وشاهد كيف كانت تخرج المقاعد والألواح القديمة لتفسح المجال لتجهيزات جديدة. أعمال الترميم والتحديث جرت "بفضل العم سام"، على حد تعبيره. وعندما زار بيت العائلة في أحد الشوارع وأخذ يصور البيت خرج عراقي مقيم في البيت ليسأله لماذا يقوم بالتصوير. واعتبر شوكر هذا "التحدي" مؤشراً على الحرية الجديدة في العراق: "اليوم كل عراقي يعيش حرية مثالية غير معروفة حتى في الغرب: لا توجد شرطة، جامعو ضرائب، سلطة"، وربما لم يدرك شوكر أن هذا الوضع بالذات هو ما دفع العراقي للخوف من عابر سبيل يلتقط الصور، وغاب عن باله أيضاً أن هذا الوضع بالذات، الذي لم يشهده أي بلد تعرض للاحتلال، هو ما يفسر الهجوم الكاسح للشركات الباحثة عن الصفقات في العراق، فإلى جانب الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا جاءت شركات من جميع أنحاء العالم: تركيا، الباكستان، بولندة، اندنوسيا، الصين، والكثير غيرها (2) .
يهودي في "المؤتمر الوطني العراقي"
__________
(1) حسب إحدى رسائل الإنترنت؛ تكرر ما قاله شوكر في مقال (Newsweek)، 20/10/2003: "بكيت من أجل كل حياتنا، ومن أجل جماعتنا المشتتة في أصقاع العالم، من أجل جميع من قتلهم صدام حسين".
(2) حسب موقع (PortAl Iraq)، الذي يقدم دليلاً للأعمال وارشادات عملية للشروع بعمل تجاري أو استثمارات في العراق.(1/161)
إدوين شوكر، هو رجل أعمال بريطاني (1) ، يُعرف بأنه على صلة وثيقة بـ "المؤتمر اليهودي العالمي" (2) ، منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" (3) ، "مركز الشرق الأوسط للسلام" (4) و"شرعة 91" (5) . وقبل سفره إلى العراق خصصت "السي إن إن" مقالاً حول رحلته المقبلة، كتبته داليت حردون، مراسلة الشبكة في لندن (6) . وفي مطلع المقال كان حماسها بادياً لذكر أن شوكر هو "أول عضو يهودي في المؤتمر الوطني العراقي". يقول "السياسي" شوكر أن "ما نطالب به هو الحقيقة والمصالحة مع الشعب العراقي". والحقيقة، كما يراها، أو تراها السي إن إن: "شوكر هو واحد من ما يزيد على 2000 يهودي هربوا من العراق بعد حرب عام 1967 ووصول حزب البعث لصدام حسين إلى الحكم عام 1968. الكثير من اليهود سجنوا، عذبوا، وشنقوا". وبالنظر لضآلة عدد اليهود العراقيين "وأعداد الذين شنقوا واستجوبوا، فإنه بالكاد توجد عائلة يهودية لم يكن أحد أعضائها قد تعرض للتعذيب من قبل النظام بشكل مباشر".
__________
(1) هكذا يشار إلى إدوين شوكر بدون تحديد طبيعة الأعمال التي يقوم بها.
(2) (World Jewish Congress).
(3) (Justice for Jews from Arab Countries). أنظر ص 90.
(4) (Center for Middle East Peace)، المقصود على الأغلب (Center for Middle East Peace and Economic Cooperation). أنظر ص 93.
(5) (Something Jewish)، وهو موقع لمنظمة يهودية في بريطانيا (http://www.something.jewish.co.uk/community_diary/manchester/)، في إعلان لكلمة يلقيها إدوين شوكر في "كنيس شعاريه حاييم السفاردي" في مانشستر بتاريخ 30/10/2003. "شرعة 91" (Charter 91) منظمة "حقوق إنسان" عراقية أسستها "المعارضة العراقية" في لندن. أنظر (World Jewish Congress, News)، 30/6/2003.
(6) (CNN.com)، 18/8/2003.(1/162)
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عائلة شوكر بقيت في العراق حتى عام 1971، أي ثلاث سنين بعد وصول البعثيين إلى السلطة، وهذا بحد ذاته يضع مصداقيته على المحك.
"مصالحة"
تتمثل المصالحة مع الشعب العراقي في قيام شوكر بالتخطيط لزيارة "أصدقاء دراسة مسلمين" بقي على اتصال معهم بعد أن ترك العراق، ويعتقد أن "اليهود سرعان ما سيرحب بهم بعد أن يتذكر العراقيون العلاقات الحسنة بين الجماعتين". وهناك الكثير مما يمكن عمله فـ "نحن نستطيع أن نبني وننشر الديموقراطية معاً" (1) . ويظهر نوع "المصالحة" التي يريدها شوكر مع الشعب العراقي في تصريح له لراديو "ماركتبلاس" (لوس أنجلوس)، الذي يبث في ستمائة محطة في الولايات المتحدة، يقول فيه: "لن أسمح لدورنا أن يشطب من تاريخ الشرق الأوسط. كنا هناك، أجدادنا كانوا هناك، وينبغي الاعتراف بنا على هذا النحو. أريدهم أن يعرفوا أننا كنا شركائهم، وأننا قمنا ببناء بلدهم. أريدهم أن يعرفوا أننا مشاركين في العراق، مثلما يشعر بذلك المسلم أو المسيحي الذي يعيش خارج العراق ويرغب بالعودة" (2) . وهكذا، بالنسبة لشوكر الشعوب تتمثل بالأديان، ولكن إضفاء هوية قومية على الديانة مسألة تعنيه هو فقط ولا قيمة لها عند العراقيين. وهو أيضاً يتحلى بالشجاعة، فهو يعرف أن "الصورة ليست وردية على الإطلاق، وأعرف أن هناك معارضة لعودتنا، ولكن علينا أن نكسر الطوق ونخاطر". وإذا ترجمنا هذا الكلام إلى لغة مفهومة، فإن ما يقصده، كرجل أعمال، هو اقتحام السوق العراقي الذي أصبح مفتوحاً بفضل "التحرير الأمريكي"، والمنافسة شديدة ولا تخلو من عنصر مخاطرة لا يستهان بها في زمان العولمة.
"مدارس، مستشفيات، عقارات"
__________
(1) (CNN.com)، 18/8/2003.
(2) (Marketplace)، 11/7/2003.(1/163)
نعيم دنغور، رجل أعمال بريطاني آخر، يريد استثمار الأموال من خلال مؤسسته الخيرية "مؤسسة رئيس المنفى". والأموال التي لم يحدد حجمها، ستخصص لـ "المدارس، المستشفيات، والعقارات". الجميع يمكن أن يدرك الجانب الخيري في "المدارس والمستشفيات"، لكن التساؤل هو أين يكمن "العمل الخيري" عند الاستثمار في مجال العقارات؟ هذا التصريح لن يروق لعضو مؤسسة ميمري، الإسرائيلي رافائيلي، الذي يعزي الشائعات حول شراء يهود لعقارات في بغداد إلى خيال عراقي جامح. ولكن بالنسبة لدنغور فإن العراق "مهم، إن لم يكن أكثر أهمية من إسرائيل. كنا نتمتع برفاهية هناك أكثر مما في إسرائيل"، ورغم أنه يرى أن الحياة في العراق أفضل من إسرائيل، إلا أنه لا ينوي العيش فيه، لكن استثماراته ستشجع آخرين على العودة، كما يقول، دون أن يشير إلى حجم الأرباح التي ستعود عليه (1) .
وحسب السي إن إن ليس كل يهودي عراقي متحمساً للعودة إلى العراق. فجميل خزوم، الذي ترك العراق في أوائل السبعينات، يقول "إن كراهية إسرائيل تحملها الحكومة [العراقية السابقة] ولا تمثل بالضرورة رأي الشعب [العراقي]". ولكنه متردد في العودة للعراق، إذ "ما زال العراقيون يحملون اتجاهات قومية، ولا يمكن التصور أن هذه الكراهية [لإسرائيل] ستنمحي بمرور بضعة أشهر. انظروا إلى ما يعانيه الجنود الأمريكيون" (2) . وخزوم ينتظر .. حتى تزول المشاعر القومية عند العراقيين.
يهودي يصوغ الدستور العراقي
__________
(1) (CNN.com)، 18/8/2003؛ حول تسمية "مؤسسة رئيس المنفى" أنظر ص 89.
(2) (CNN.com)، 18/8/2003.(1/164)
لم يمض وقت طويل على سقوط بغداد حتى قام "مكتب إعادة الاعمار والشؤون الإنسانية" (فيما بعد "سلطة الائتلاف المؤقتة") التابع لقوات الاحتلال بتعيين الأمريكي اليهودي نوح فيلدمان (1) لتقديم المشورة في صياغة الدستور العراقي. فيلدمان، البالغ من العمر 32 عاماً، ترعرع في بوسطن كـ "يهودي أرثوذكسي"، ودرس في "مايمونيدس"، وهي مدرسة دينية يهودية في بروكلين، ماساتشوسيتس. وتابع دراسته العليا في البداية في جامعة هارفارد، ثم في جامعة أوكسفورد وحصل على شهادة الدكتوراه في "الفكر السياسي الإسلامي"، وهو "يتكلم العربية ويقرؤها بطلاقة". ومنذ عام 2001 يعمل فيلدمان كمدير مشارك في "مركز القانون والأمن" التابع لجامعة نيويورك، وهو مؤلف كتاب: "بعد الجهاد: أمريكا والصراع من أجل الديموقراطية" (2) . وحتى تموز 2003 بقي في منصبه كمستشار دستوري كبير لـ "سلطة الائتلاف المؤقتة"، وفيما بعد أصبح "مستشاراً حراً" في مشروع صياغة الدستور العراقي. وضمن المهام المكلف بها مكث في العراق خمسة أسابيع وقبل عودته إلى الولايات المتحدة في أيلول ذهب إلى المنامة وشارك في مؤتمر حول الدستور العراقي قامت بتنظيمه "نقابة المحامين الأمريكيين" والسفارة الأمريكية في البحرين. وفي هذا المؤتمر أشرف على جلسة خصصت لمناقشة "الحرية الدينية". وفي الرابع والعشرين من أيلول قدم تقريراً أمام "لجنة العلاقات الدولية" التابعة لمجلس الشيوخ تحت عنوان "بناء المؤسسات الديموقراطية في العراق والشرق الأوسط". تنعكس مفاهيم فيلدمان حول الديموقراطية في تقسيمه للشعب العراقي إلى شيعة وأكراد وسنة وتركمان وأقليات مسيحية ودينية أخرى.
__________
(1) (Noah Feldman).
(2) المعلومات حول فيلدمان من (New York Times)، 11/5/2003 وموقع "لجنة العلاقات الخارجية" (أنظر هامش 567). حول المؤتمر الذي عقد في المنامة أنظر (Gulf News)، 22/9/2003.(1/165)
ويقول أن كثيرين من "السنة" يعتقدون أنه لا يسعهم "إلا الاستفادة من فشل الديموقراطية ونشوء شكل من أشكال الدولة السنية الاستبدادية لتقوم بإعادة الامتيازات لهم". ولمجابهة هذا الخطر اقترح "خبير القانون" وصفة غير قانونية تذكر بالنصائح المقدمة لقوات الاحتلال الأمريكي من قبل خبراء إسرائيليين (1) : "لا يمكن القضاء على خلايا المقاومة السنية وتحديد هوية الغرباء، الذين ربما كانوا إيرانيين أو عناصر من القاعدة، إلا بوجود شرطة وجنود عراقيين على دراية بالأوضاع المحلية والسكان ويوجد تحت تصرفهم جهاز استخبارات محلي مميز". والعراقيون بانتظار دستورهم الجديد ليروا إلى أي مدى تسربت إلى بنوده القيم اليهودية التي اكتسبها فيلدمان منذ الصغر.
وآخر يهرب تراثاً عراقياً مسروقاً
__________
(1) أنظر ص 48.(1/166)
الكاتب الأمريكي جوزف براود (1) ، اليهودي من أصل عراقي، يلفت انتباهنا إلى أن "المنفيين [العراقيين من أصل يهودي] يشكلون رابطاً عقلياً هاماً بين وطنهم السابق ووطنهم الجديد" (2) . ويبدو أن ما يقصده هو أن هؤلاء يمكن أن يؤدوا دوراً فعالاً في تنفيذ مخططات المحتلين في العراق الجديد لأنهم يجمعون بين العقلية العراقية وعقلية المحتل الأمريكي. ولا ندري إلى أي من العقليتين تنتمي صفة تهريب مواد تراثية مسروقة، وهي ما اتهم به براود عندما ضبطت بحوزته في مطار كندي الدولي، في الحادي عشر من حزيران 2003، ثلاثة أختام اسطوانية تحمل أرقام المتحف العراقي. وقد نفى في بادئ الأمر أن يكون قد زار العراق، ولكنه أقر في وقت لاحق أنه كان في بغداد، وأنه يعرف أن الأختام جاءت على الأغلب من المتحف العراقي، ولكنه بالرغم من ذلك اقتناها بمبلغ مائتي دولار. وقد ألقي القبض عليه في الثامن من شهر آب 2003 بناء على مذكرة توقيف، وأفرج عنه في اليوم التالي بكفالة قيمتها مائة ألف دولار بعد مثوله أمام إحدى المحاكم الفدرالية. وما يلفت النظر أن براود هو مؤلف كتاب بعنوان "العراق الجديد: إعادة اعمار العراق من أجل شعبه، الشرق الأوسط، والعالم" وصدر في آذار 2003 وبسبب هذا الكتاب أصبح مرجعاً يستشهد به بالنسبة لمستقبل العراق (3) . وكما يعمل كمحلل كبير في مؤسسة "بيراميد ريسيرتش" (4) (كامبردج، ماساتشوسيتس)، التي تقدم دراسات وخدمات استشارية لإنشاء الاتصالات العالمية.
__________
(1) (Joseph Braude).
(2) (Newsweek)، 20/10/2003. أنظر عرض مصطفى سامي وتحليله للكتاب، "الدستور" الأردنية 13/11/؛ 18/11؛ 7/12/2003.
(3) (Arizona Daily Sun)، 10/8/2003. يحمل براود شهادة الماجستير من جامعة برينستون في "الدراسات العربية والإسلامية".
(4) (Pyramid Research).(1/167)
وهكذا يتضح أن الشركة التي يمثلها براود تساهم في الاختراق الاقتصادي للعراق وتخدم مصالح الرأسمالية الأمريكية، وهذا على الأغلب ما كان يعمل عليه أثناء زيارته لبغداد، ويتفق مع أسس العراق الحديث التي وضعها في كتابه.
(((
اليهودية العالمية
"دولة إسرائيل تدعم هذه الحرب بوضوح، مؤيدو الحرب في الإدارة الأمريكية هم من اليهود، معظم الأصوات من الكنس الأرثوذكسية تدعم الحرب. والليبراليون، الذين عادة ما يفترض بهم إثارة الأسئلة، يصمتون".
الحاخام الأمريكي مايكل ليرنر
"على البلدان العربية، التي لم تهتم باللاجئين الفلسطينيين، دفع تعويضات للفلسطينيين واليهود. لماذا على الأمريكيين أو الأوروبيين أن يقوموا بدفع هذه التعويضات؟"
المحامية اليهودية الأمريكية عراقية الأصل سمحا علوية(1/168)
لم تستطع المنظمات أو الجماعات اليهودية الأمريكية أن تتبنى بوضوح موقفاً داعماً للعدوان على العراق، خاصة في ظل التحرك الشعبي المناهض للحرب. فعلى المستوى الإعلامي كان الدعم قبل العدوان هادئاً نسبياً، في حين كانت بعض المنظمات اليهودية، ودون أي ضجة إعلامية، تجري اتصالات مع ما يسمى بالمعارضة العراقية. ومع اقتراب موعد العدوان أصبح موقف المنظمات اليهودية أكثر وضوحاً. ومع الاحتلال، بدأ رجال أعمال يهود، أمريكيين وبريطانيين من أصل عراقي، يطالبون بالحصول على تعويضات عن ممتلكاتهم في العراق، وكان هذا التوجه مدخلاً يساعد هؤلاء وغيرهم في الحصول على استثمارات في السوق العراقي الجديد. تتمثل خلفية هذه المطالبات بحملة كانت المنظمات والجماعات اليهودية تشنها بشكل مكثف على المستوى العالمي "لإقرار حقوق" اليهود من البلدان العربية، بشكل مماثل لإقرار حقوق اللاجئين الفلسطينيين. وتزامن هذه الحملة مع بدايات التحضير للعدوان على العراق يدل بوضوح على أن الهدف منها يتجاوز موضوع "إعادة الحقوق" لليهود العرب، وأن له علاقة بالنتائج المتوقعة من العدوان على العراق، أي إفساح المجال نحو تصفية القضية الفلسطينية. فإدراج موضوع ما يسمى بـ "اللاجئين اليهود" في مفاوضات "سلام" نهائية سيلغي، أو يخفف، من العبء المادي الذي تتطلبه عملية تعويض اللاجئين الفلسطينيين أو توطينهم. واللافت للنظر في هذه الحملة بروز جوانب، في قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية أو في مبادرات السلام، لا تخدم المصلحة القومية الفلسطينية. دعمت إسرائيل هذه الحملة، بالرغم من أنها كانت لا تقر رسمياً بوجود "لاجئين يهود"، غير أن الدور الحيوي في هذا المجال لعبه ممولون يهود، يمثلون عملياً ما يمكن اعتباره مجموعات الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة، أي أطراف في الرأسمالية الأمريكية.
ردود فعل متناقضة(1/169)
قبل أسبوع من بداية الحرب أكد جيم موران (1) ، النائب الديموقراطي عن فيرجينيا، أن الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة تؤيد "الحرب" ضد العراق، وأن قادة هذه الجماعة "ذوي تأثير كافٍ وأن بإمكانهم تغيير الاتجاه الذي نسير فيه، وأعتقد أن عليهم القيام بذلك". وعلى الفور تعرض النائب لهجوم واسع من المنظمات والجماعات اليهودية، وبعض حاخامات منطقته طالبوا باستقالته. وتراجع موران عن أقواله في مقابلة مع "ذي جويش ويك" اليهودية قائلاً أنه كان يقصد "الأديان الثلاثة" وليس اليهودية فقط، وقدم اعتذاراً مكتوباً رفضته تلك المنظمات. ولكن قضية موران أثارت ردود فعل متناقضة بين الجماعات والمنظمات اليهودية، نظراً لتصاعد الحملات المعارضة للحرب والمناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة. فأبراهام فوكسمان (2) ، المدير التنفيذي القومي لـ "عصبة مناهضة التشهير"، رأى أن "جيم موران ليس هو المشكلة"، بل بأن "الاعتقاد بمسؤولية اليهود عن الحرب أصبح سائداً داخل التيارات الرئيسية للمعارضين". وأشار فوكسمان إلى مقالات في صحف رئيسية تتهم إسرائيل وجهات أخرى بالتخطيط للحرب، من بينها الشيكاغو تريبيون، التي قالت: "إن الحرب هي في مصلحة حزب الليكود وليست في مصلحتنا". ويقول الحاخام إريك يوفي (3) : "أنا أوافق على أن هناك إدراك بأن المنظمات اليهودية تدعم رداً عسكرياً [على العراق]، ولكنه إدراك خاطئ. فالبيانات الصادرة عن هذه المنظمات حذرة وتعكس القلق السائد داخل الجماعة اليهودية".
__________
(1) (Jim Moran).
(2) (Abraham Foxman).
(3) (Eric Yoffie)، رئيس "اتحاد الطوائف العبرية الأمريكية".(1/170)
ويوضح يوفي أن هناك يهوداً مميزين منخرطين في العملية السياسية، داخل الإدارة الأمريكية ومن خارجها، قيل أنهم يدعمون الحرب، ومن هؤلاء بول فولفوفيتس، نائب وزير الدفاع، ودوغلاس فايث، مساعد وزير الدفاع للسياسة، وريتشارد بيرل، مستشار وزارة الدفاع آنذاك. ويقول أحد قادة الجماعات اليهود في واشنطن أنهم كانوا يعملون على دعم الرأي القائل بفصل "الحالة العراقية" عن "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، ولكن فجأة بدا الرئيس الأمريكي وكأنه يفعل العكس، وهو ما كان وراء التشويش حول أسباب الحرب ومواقف الجماعة اليهودية الأمريكية. ويقول الحاخام سيدني شفارتس (1) أن "رفض معظم الجماعات اليهودية الخوض في الجدل القائم حول الحرب سببه في نهاية الأمر الخلاف السائد بين أوساط هذه المنظمات. القادة اليهود موزعون بين المصلحة الواضحة لإسرائيل المتمثلة بالتخلص من أخطر ديكتاتور في الشرق الأوسط والأصعب تنبؤاً بخطواته، وبين ما يمكن أن تعنيه الحرب بالنسبة لأمريكا المنقسمة على نفسها. ويتردد الكثيرون في انتقاد أولويات السياسة الخارجية لإدارة وقفت إلى جانب إسرائيل في لحظات صعبة".
__________
(1) (Sidney Schwarz)، رئيس "مؤسسة القيادة والقيم اليهودية" (The Institute for Jewish Leadership and Values).(1/171)
ويقول الحاخام دوغ كان (1) : "يتمثل القلق الأكبر لجماعتنا بالمشاركة في أجندات معادية لإسرائيل والحرب. إن عدداً من المنظمين الرئيسيين للحملات المناهضة للحرب يحملون مواقف واضحة ضد إسرائيل، ولكني لا أعتقد أن هذا ينطبق على الكثيرين ممن يشاركون في هذه النشاطات انطلاقاً من الضمير" (2) . ولكن الحاخام مايكل ليرنر، أحد الناشطين اليهود المعارضين للحرب، يرى العكس: "دولة إسرائيل تدعم هذه الحرب بوضوح، مؤيدو الحرب في الإدارة الأمريكية هم من اليهود، معظم الأصوات من الكنس الأرثوذكسية تدعم الحرب. والليبراليون، الذين عادة ما يفترض بهم إثارة الأسئلة، يصمتون. أليس في هذا كله ما يكفي ليجعل الكثيرين يعتقدون أن هذه الحرب مدعومة من قبل الجماعة اليهودية، بالرغم من أن هذا الدعم يمثله، في الحقيقة، منظمو الجماعة وليس معظم اليهود" (3) .
مواقف داعمة "مترددة"
__________
(1) (Doug Kahn).
(2) "دوغ كان" هو المدير التنفيذي لـ "مجلس علاقات الجماعة اليهودية" (Jewish Community Relations Council)، فرع سان فرانسيسكو.
(3) مواقف المنظمات اليهودية الداعمة للعدوان على العراق والمعارضة له حسب (The Jewish Week)، 14/3/2003.(1/172)
كان موقف الجماعات اليهودية الأمريكية داعماً للحرب، وإن كان التعبير عن هذا الدعم هادئاً حتى نهاية عام 2002. فالحركة الإصلاحية التابعة لـ "اتحاد الطوائف العبرية الأمريكية" قالت أنها تدعم "الحرب" في حال فشل الجهود الدبلوماسية (1) . ولكن هذه الحركة لم تأخذ موقفاً واضحاً في اجتماعها الذي عقدته في بداية نيسان. فالحركة التي تعتبر "ليبرالية"، لم تقم بانتقاد الحرب، ولكنها صلت من أجل الجنود في الجبهة. وعبر عن موقف هذه الحركة الحاخام إريك يوفي بقوله "هناك أطياف من الآراء حول حرب العراق في الحركة الإصلاحية، ولكن هذه الحرب لا تأخذ مكان الحروب الأخرى، كتلك التي ضد الجوع، الكراهية والاستغلال" (2) . حركة "الاتحاد الأرثوذكسي" (3) اتخذت موقفاً واضحاً من العدوان عندما أعلنت دعمها للرئيس الأمريكي وقراره بشن "الحرب التي تحمل أهدافاً نبيلة" (4) ، حسب ما تدعي الحركة. "المجلس الرابيني" (5) أصدر في اجتماعه السنوي في لوس أنجلوس قراراً خاصاً بالعراق (نيسان 2003) يقبل فيه بحرب وقائية: "اليهودية تؤكد جواز الحرب رداً على عدوان حالي، أو متوقع، يهدد الحياة" ويدعم "جهود التحالف بإزالة تهديدات الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل". وكذلك عبر رجال الدين المحافظون عن دعمهم للجنود المشاركين في العدوان (6) .
__________
(1) (Post-Gazette)، بيتسبورغ، 10/11/2002.
(2) (Haaretz)، 7/4/2003.
(3) (Orthodox Union).
(4) (Haaretz)، 7/4/2003.
(5) (Rabbinical Assembly). هذا المجلس، الذي تأسس عام 1901، هو الرابطة الدولية للحاخامات اليهود المحافظين. يمثل المجلس حركة "الكنيس المتحد" (United Synagogue) أو "اليهودية المحافظة" (Conservative Judaism)، التي تدعم الصهيونية منذ تأسيسها عام 1913.
(6) حول القرارات أنظر موقع "المجلس الرابيني"
(http://www.rabassembly.org/mainpage.html).(1/173)
وموقف الحاخام إسمار شورش (1) لم يكن كذلك قبل الحرب عندما قال أن الولايات المتحدة تدخل "عصر الظلام"، وأن دوافع هذه الحرب سياسية وليست دفاعية، لكنه اتخذ في ما بعد موقفاً مختلفاً ظهر في مقال له في النيويورك تايمز عندما كتب أنه لا يريد انتقاد الحرب والجنود في خضم المعركة (2) . ويلاحظ أن قرارات المجلس تتضمن بنداً حول "دعم إسرائيل" بالنظر إلى أن "مواطني إسرائيل يتعرضون للاعتداء يومياً، ولأن المجلس الرابيني يقف مع إسرائيل وشعبها في هذه الأوقات الصعبة كما دائماً". وفي هذا السياق يطري المجلس الولايات المتحدة "لدعمها المستمر والثابت للدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
"الشابات" لدعم العدوان
__________
(1) (Ismar Schorsch)، رئيس "كلية اللاهوت اليهودية" (Jewish Theologial Seminary)، المرتبطة بـ "المجلس الرابيني" ومؤسسته التعليمية الأولى.
(2) (Haaretz)، 7/4/2003؛ أنظر أيضاً (Jewish Telegraphic Agence)، 11/4/2003.(1/174)
ما ظهر أنه "تردد" أو "انقسام" في صفوف المنظمات اليهودية (1) لا يتفق مع التوجه الرئيسي لهذه المنظمات والداعم للعدوان، وهو ما تجلى بشكل واضح مع وصول القوات الأمريكية إلى مشارف العاصمة العراقية وتوقع سقوطها (2) . وقبل بداية العدوان انعكس هذا الموقف في نشاطات "برنامج التواصل اليهودي القومي" (3) في القواعد العسكرية الأمريكية. فهذا البرنامج خصص حملته السنوية "يوم السبت (الشابات) عبر أمريكا" (4) . وحسب البرنامج اكتسبت هذه الحملة أهمية خاصة مع اقتراب أمريكا من الحرب، وفي ضوء التحذيرات المتزايدة لـ "مكتب الأمن القومي" (5) حول مخاطر الإرهاب.
__________
(1) الحديث عن "تردد" أو "انقسام" هو شكل من أشكال التمويه. وأفضل ما يمثل ذلك مقال لألان كوبرمان (Alan Kuperman) في "الواشنطن بوست" بتاريخ 15/3/2003. فكاتب المقال يتحدث عن المعارضة في أوساط الروم الكاثوليك والبروتستانت ليقابل ذلك بنطاق أوسع من المواقف بين الجماعات اليهودية. على هذا النحو يتجاهل المؤلف المستوى الشعبي الشامل للمعارضة الأمريكية. وعندما يتطرق كوبرمان إلى مقال لباتريك بوخانان (Patrick Buchanan) ("حرب من؟") في (The American Conservative)، 24/3/2003، يحصر الموضوع فيما إذا كان بوخانان "معادياً للسامية". ولكن بوخانان ليس "معاديا للسامية" على الإطلاق، فهو يكشف دور ما يسمى بـ "المحافظين الجدد" على الادارة الأمريكية ويرى أن المصالح الأمريكية لا تلتقي بالضرورة مع تلك الإسرائيلية، ولكنه يعبر عن تفسه ومعتقداته بوضوح عندما يكتب أن "الإسرائيليين هم أصدقاء لأمريكا ويملكون كل الحق بالتمتع بالسلام والحدود الآمنة. وينبغي أن نساعدهم في تحقيق هذين الهدفين".
(2) أنظر أعلاه ص ص 35-37.
(3) (National Jewish Outreach Program)، 13/2/2003.
(4) (Shabbath Across America).
(5) (Office of Homeland Security).(1/175)
فقد وصل "الضغط النفسي والخوف إلى حدود غير مسبوقة". ونظمت الحملة لعام 2003 يوم الجمعة السابع من آذار في:
? "القاعدة الجوية أفوت" (1) (نيبراسكا).
? "فورت بيلفوار" (2) (فيرجينيا).
? "فورت سيل" (3) (أوكلاهوما).
? الأكاديمية الحربية في ويست بوينت (نيويورك).
والهدف هو "تكريم الأمريكيين والأمريكيات في الخدمة العسكرية، والتشديد على الدور الحيوي الذي يلعبه الإيمان بشكل عام، ويوم السبت ("الشابات") بشكل خاص، بالنسبة للمدنيين وعناصر القوات المسلحة في هذه الأوقات العصيبة". وفي "القاعدة الجوية أفوت" تقرر أن يقود الحملة الحاخام كالمان دوبوف (4) ، الذي يعرف مزايا "التقيد بيوم السبت"، يقول: "مع تقديم النصح للعسكريين والعسكريات من كل المعتقدات، أنا مقتنع تماماً أن الإيمان بقوة أكبر، وإحساس المرء بأنه جزء من الجماعة، يمكن لهما أن يكونا بالأهمية ذاتها التي للتدريب العسكري والقوة الذهنية في الحفاظ على الانتباه، الثقة، والأمل أثناء الخدمة الفعلية". ما يقصده الحاخام أن الولايات المتحدة ستخرج منتصرة من عدوانها المرتقب من خلال الإيمان اليهودي.
__________
(1) (Offut Air Force Base).
(2) (Fort Belvoire).
(3) (Fort Sill).
(4) (Kalman Dubov)، يحمل رتبة رائد في الجيش الأمريكي.(1/176)
يقول الحاخام إفراييم بوخفالد (1) : "بالنسبة لليهود، تراث يوم السبت والتقيد به يمكن أن يمنحهم ما يطمحون إليه. الولايات المتحدة ومواطنوها يتعرضون جميعاً لضغوط ضخمة، ويمكن ليوم السبت والإيمان أن يشكلا فعلاً الدواء. ولأكثر من 3400 سنة كان اليهود في أوقات الظلام يجدون في إيمانهم الأمل والراحة. والتراث القديم في يومنا هذا هو الأهم، كما كان على الدوام". وحملة تكريم الجنود الأمريكيين هذه ستشمل إلى جانب القواعد العسكرية سبعمائة كنيس في الولايات المتحدة وكندا. و"البرنامج" الذي ينظمها يعتبر من أكبر منظمات التواصل اليهودي وأهمها في العالم، ويقيم خدمات قداس السبت في 3850 موقعاً في الولايات المتحدة، وفي 30 مركزا في العالم. وقد تمكن من "التواصل" بنجاح مع أكثر 660 ألف يهودي وساعد على انخراطهم في الحياة اليهودية.
"المعارضة العراقية" والمنظمات اليهودية
__________
(1) (Ephraim Buchwald)، مؤسس "برنامج التواصل اليهودي القومي" ومديره.(1/177)
حسب صحيفة هآريتس أقامت المجموعات اليهودية قبل العدوان علاقات هادئة تقريباً مع كل تجمعات "المعارضة العراقية"، وكان الغرض "تبادل المعلومات"، ولكن كانت هناك أحياناً محاولة لإقناع العراقيين بالحاجة "إلى علاقات جيدة مع إسرائيل واليهودية العالمية". وبالنسبة لأهداف هذه المجموعات يقول أحد الناشطين اليهود: "ينبغي أن نكون واقعيين بالنسبة لأهدافنا. علينا الاهتمام بأن لا يصبح العراق دولة عربية تتبنى سياسة خارجية متقلبة". وتوقعت المنظمات اليهودية أن يلتزم العراق بأن لا "يكون عدوانياً تجاه إسرائيل وأن يتبنى الاتجاه الرئيسي في العالم العربي. ربما شيء مشابه للسعودية أو دول الخليج" (1) . وبعد سقوط بغداد، قال توم نويمان (2) ، المدير التنفيذي لجينسا، عن أحمد الجلبي: "لا أحد من القيادة العراقية له علاقات مع الجماعة اليهودية سواه"، وأن علاقة الجلبي مع مؤسسته تعود إلى عشرة أعوام. وعن المستقبل يقول: "لأن صدام كان إلى ذلك الحد معادياً لإسرائيل، فالأمل أن يعاد النظر بجميع سياسات صدام، بما في ذلك علاقته مع إسرائيل والولايات المتحدة. لا يوجد هناك سبب لأن يكون للشعب العراقي مشكلة مع إسرائيل". ويشار إلى أن جاي غارنر، الذي عين في البداية لإعادة اعمار العراق، هو على علاقة وثيقة بجينسا. وتعلق "جويش بوليتين أوف نورثرن كاليفورنيا" (3) أن تعيين الإدارة الأمريكية لقائد عسكري وتشجيع مجموعة معارضة لها علاقات مع إسرائيل زاد من "نظريات المؤامرة" المنتشرة في العالم العربي من أن الحرب قد شنت لفائدة إسرائيل.
__________
(1) (Haaretz)، 7/4/2003.
(2) (Tom Neumann).
(3) (Jewish Bulletin of Northern California)، 18/4/2003.(1/178)
العلاقات بين ممثلي "المؤتمر الوطني العراقي" والمنظمات اليهودية الأمريكية توثقت مع اقتراب العدوان على العراق في نهاية عام 2002. ففي التاسع من تشرين الأول 2002 دعي أحمد الجلبي إلى حفل عشاء نظمته له جينسا في لونغ أيلاند في نيويورك. ودعي انتفاض قنبر، مدير مكتب "المؤتمر" في واشنطن في السابع من الشهر نفسه ليلقي كلمة أمام أيباك في اجتماع المنظمة في أتلانتا (1) . وحسب مسؤول كبير من "مجلس الحكم الانتقالي" فإن "الكثيرين من أعضاء المجلس ميالون شخصياً بشدة لإسرائيل، وأصر على أن العراق الجديد لن يكون معادياً لإسرائيل". كما عبر عن تذمره من أن إسرائيل "لم تقدم أي دعم للمؤتمر الوطني العراقي، وأنها لم تتجاوب مع عرض المؤتمر للتعاون معه أثناء نشاطه في المنفى". وكان الجلبي قد صرح للجيروسالم بوست الإسرائيلية بأنه عومل بشكل سيئ لدى زيارته إسرائيل لمقابلة بينيامين نتنياهو عندما كان الأخير رئيساً للوزراء (2) . ولكن هناك وجهات نظر متباينة حول الدور الذي تلعبه جينسا في دعم "المؤتمر الوطني العراقي". فمايكل أميتاي، المدير التنفيذي لـ "مؤسسة كردستان في واشنطن"، يرى أن المجموعات اليهودية قد تواجه مشاكل عندما تعمل مع "المؤتمر" لأنه لا يحظى بدعم قوي بين مجموعات المعارضة الأخرى العراق. وبالرغم من علاقة "مؤسسة كردستان في واشنطن" بالمنظمة اليهودية جينسا، فإن أميتاي لا يتردد في القول أن السياسة اليهودية "قصيرة النظر"، والأفضل للمجموعات اليهودية أن تقوم بدعم الأكراد (3) .
كيف تسير الأمور
__________
(1) تصريحات الجلبي وقنبر بهذه المناسبة نشرتها (Jewish Telegraphic Agency)، 15/10/2002. أنظر خالد الناشف، تدمير التراث الحضاري العراقي: فصول الكارثة. بيروت: دارالحمراء، مركز الدراسات، 2004، ص ص 166-167.
(2) (The Jerusalem Post)، 25/12/2003.
(3) (Jewish Bulletin of Northern California)، 18/4/2003.(1/179)
المجال الذي تتحرك ضمنه المنظمات اليهودية يتخطى مجموعة جينسا، التي تعبر عن مصالح الصناعات الحربية (1) ، وتخطط لسياسة يهودية شاملة. فها هو مالكولم هونلاين (2) يقول: "من المبكر القول، أو حتى التفكير، بأي واحد منهم [غارنر والجلبي] سيحتفظ بمنصبه. لا تسير الأمور أبداً كما يتوقع الناس لها أن تسير" (3) . وبالفعل فإن غارنر "لم يحتفظ بمنصبه"، وجاء محله بول بريمر، وأحمد الجلبي ما زال في موقعه.
__________
(1) أنظر تقييم "جيسون فيست" (Jason Vest) الشامل لجينسا في (The Nation)، 15/8/2002.
(2) (Malcolm Hoenlein)، نائب الرئيس التنفيذي لـ "مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية".
(3) أنظر هامش 474.(1/180)
وصلت الاتصالات بين "المعارضة العراقية" والمنظمات اليهودية الأمريكية ذروتها في بداية نيسان عام 2003 عندما دعت أيباك انتفاض قنبر إلى مؤتمرها السنوي في العاصمة الأمريكية. ولم يتمكن قنبر من حضور المؤتمر، إذ كلفته الإدارة الأمريكية بمهمة في شمال العراق، وحضر عوضاً عنه كنعان مكية (1) . وبعد سقوط بغداد وضعت خطة لإرسال وفد من "المعارضة العراقية" لزيارة إسرائيل لمدة خمسة أيام لمقابلة القادة والعسكريين الإسرائيليين، وكان يفترض أن يضم الوفد أحمد الجلبي، وفيق السامرائي، وثلاثة من قادة الشيعة، وآخرين من منظمات "معارضة". ولم يتضح ما إذا كانت هذه الخطة نفذت أم لا. وفي هذا السياق أشير أيضاً إلى أن الحكومة المقبلة في العراق ستتخذ قراراً بشأن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، التي ستقوم بدورها بإرسال خبراء في مجالات مختلفة للإشراف على تنفيذ المشاريع في الأراضي العراقية (2) .
"الشر"
__________
(1) (Haaretz)، 7/4/2003.
(2) (Arabic News.com)، 22/4/2003، عن "المنار" الفلسطينية. أحد جوانب التعاون بين "المؤتمر الوطني العراقي" واليهودية العالمية، يمكن استنتاجه من نشر صحيفة "المؤتمر الوطني العراقي" في لندن (16-22 أيار 2003)، أي بعد سقوط بغداد، لصورة ملكة جمال العراق لعام 1947، وهي اليهودية رينيه دنغور. وتعليق الصحيفة على تلك الأيام السعيدة التي كان يعيشها العراقيون: "كانت لديهم فسحة لتقدير الجمال والتغني به واجراء مسابقات لاختيار جميلات البلاد". أعادت نشر الصورة مع التعليق عليها مجلة رجل الأعمال البريطاني، العراقي الأصل، نعيم دنغور "ذي سكرايب"
(The Scribe)، عدد 76، ربيع 2003.(1/181)
كنعان مكية، القريب من "المؤتمر الوطني العراقي" (1) كان له دور مركزي في "مشروع مستقبل العراق" (2) الذي رعته وزارة الخارجية الأمريكية. وقد حضر مؤتمر "المعارضة العراقية" في لندن في الثاني من كانون الأول عام 2002 ليقدم نموذجه "الفدرالي" حول "عراق ما بعد صدام". ومن بين عناصر هذا التصور دولة غير عسكرية، تفكيك حزب البعث العراقي بشكل مشابه لعملية القضاء على النازية في ألمانيا ما بعد الحرب، وضع دستور يحفظ حقوق الأقليات قبل إجراء انتخابات محلية ووطنية، حتى "لا تؤدي الديموقراطية إلى استبداد الأغلبية". وحسب النيويورك تايمز يعني هذا النموذج نهاية العراق كدولة عربية (3) . عندما يطرح صاحب كتاب "جمهورية الشر" (4) أفكاره يكثر من العبارات المنمقة، كقوله أن "الشر حميم، عندما تراه أو تعرفه؛ إنه يكاد يكون حسياً"، "انه كعمل فني عظيم، لا يمكنكم أن تستوعبوه كلية"، وما يتبقى من هذا الزخم الفلسفي يلتقي بشكل واضح مع التبريرات الأيديولوجية الصهيونية لما يسمى بالحرب على الإرهاب. فهو يشرح مفهوم الشهادة في الإسلام، ثم يقول: "التحدي الأكبر الذي يواجه المسلمين اليوم هو إنكار هذا المفهوم. ليس بالفعل فحسب، وليس بالقول ‘أننا ضد الإرهاب هنا وهناك’. ينبغي أن يكون رفضاً أكثر عمقاً". ولا يفلت العرب من هذه التقييمات: "الأمر المفزع أننا سمحنا لذلك الجانب المظلم من الدين أن يزدهر في العالم العربي"، أو "منشأ كل ذلك هو الجزء العربي من العالم الإسلامي".
__________
(1) أنظر (The New York Times Magazine)، 2/3/2003. مكية باحث في "مركز دراسات الشرق الأوسط" التابع لجامعة هارفارد وأستاذ سابق في جامعة براندايس ... اليهودية.
(2) (Future of Iraq Project)؛ أنظر موقع وزارة الخارجية الأمريكية (http://usinfo.state.gov/products/pubs/dutyiraq/homepage.htm).
(3) (The New York Times Magazine)، 2/3/2003.
(4) (The Republic of Fear).(1/182)
ويحب مكية مقارنة عراق "ما قبل التحرير" بالنازية الألمانية، فتسقط كلمات كـ "المحرقة" وأسماء كأيخمان (1) . ومثل الأستاذ الجامعي الصهيوني تروي أو الجندي اليهودي في الجيش الأمريكي زاغدانسكي، المشار إليهما في تمهيد هذا الكتاب، يعبر مكية تحت ستار الإرهاب عن موقف عنصري، عندما يحمل العرب والمسلمين كل تلك الشرور دون غيرهم.
"بلايين الدولارات"
__________
(1) حسب موقع (http://middleeastreference.org.uk/iraqiopposition.html)؛ كلامه حول "الشر" والعراق من مقابلة أجرتها معه المحطة التلفزيونية (PBS) عقب تفجيرات الحادي عشر من أيلول عام 2001؛ أنظر (http://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/shows/faith/interviews/makiya.html).(1/183)
مع بدء العدوان الأمريكي على العراق، بدأت حملة للمطالبة بشكل مباشر بتعويضات عن ممتلكات اليهود العراقيين الذين غادروا العراق بعد عام 1948، وتصاعدت هذه الحملة مع الاحتلال. كارول بصري (1) نشرت في "مجلة القانون الدولي" (2) "دراسة" تقول فيها: "إن الحرب وتغيير النظام في العراق خلقا ظروفاً ستجعل من العراق أول دولة عربية تواجه ماضيها بالنسبة لليهود ... من المهم للشعب العراقي، ولأولئك الذين يصوغون السياسات الأمريكية، أن يقروا بانتهاكات حقوق الإنسان التي تعرض لها يهود العراق". وقدرت بصري الممتلكات والأصول لليهود الذين تركوا العراق عام 1951 بـ "150 إلى 200 مليون دولار". ويقول أفي بيكر (3) ، الأمين العام لـ "المؤتمر اليهودي العالمي": "بمعدلات اليوم نحن نتكلم عن بليون دولار" (4) . ولا شيء يمنع أي مبالغات كادعاء فيفيين روماني-دين (5) أن مجموع مطالبات اليهود يصل في العراق وحدها إلى "بلايين الدولارات". وكأمثلة على "الممتلكات العامة" التي يرغب البعض بالتركيز عليها، بدلاً من المطالبة بالتعويض عن الممتلكات الشخصية، "أكثر المستشفيات تطوراً في الشرق الأوسط وأضخمها". وكانت الحكومة العراقية قد قامت بمصادرته عام 1950، كما يقول، "سعيد ‘ناعوم’ حردون"، أحد العراقيين اليهود المقيمين في الولايات المتحدة.
__________
(1) (Carole Basri). كارول بصري استاذة في جامعة بنسيلفانيا، كلية الحقوق، وهي ابنة حفيدة الحاخام عزرا دنغور، الحاخام الأعظم للجالية اليهودية في بغداد.
(2) (Fordham International Law Journal)، عدد آذار 2003: "اللاجئون اليهود من البلدان العربية: الحقوق القانونية. دراسة حالة لانتهاك الحقوق الإنسانية لليهود العراقيين". تصدر المجلة عن (جامعة فوردهام، نيويورك).
(3) (Avi Becker).
(4) (Haaaretz)، 16/5/2003.
(5) (Vivienne Roumani-Denn)، رئيسة "الاتحاد السفاردي الأمريكي" (American Sephardi Federation).(1/184)
ويضيف حردون، الذي "هرب من العراق عام 1970": "كنت أدرس في مدرسة لها ثلاثة ملاعب تنس، ملعب كرة سلة، وثلاث مكتبات ... كانت ضخمة، ويؤسفني أن يكون هناك الكثير من الحديث عن ممتلكات شخصية، ينبغي أن يدور الحديث عن الممتلكات الجماعية". كارول بصري، التي ترى أيضاً أنه ينبغي التركيز على "الممتلكات الجماعية" وليس "الشخصية"، تقول أن "الاضطهاد الذي تعرض له اليهود العراقيون، هو أكثر الأمثلة قسوة لما حصل لليهود من البلدان العربية ليجبروا على مغادرتها في السنين اللاحقة لتأسيس إسرائيل". رواية هؤلاء "ينبغي أن تسرد ومطالباتهم ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار في سياق عملية سلام حقيقية" (1) . ونأمل أن تتذكر المحامية بصري أن حردون تمكن من البقاء في العراق حتى عام 1970 بالرغم من "انتهاكات حقوق الإنسان" التي تعرض لها هناك.
المجموعات اليهودية تتحرك
__________
(1) "ستيوارت أين" (Stewart Ain)، (The Jewish Week)، 23/5/2003.(1/185)
أخذت المجموعات اليهودية "تتزاحم بعد خلع صدام حسين للمطالبة بتعويضات اللاجئين اليهود من العراق والبلدان العربية"، على حد تعبير "ذي جويش ويك" (1) . وتضيف: "في الكثير من الحالات كانت المجموعات تتنافس مع بعضها البعض". والصحيفة ليست مضطرة إلى إخفاء العلاقة بين هذه الحملة، التي أصبح الوقت مناسباً لإطلاقها، وبين مطالبة الفلسطينيين بحق العودة. ويوضح أفي بيكر أن "شهادة اليهود المشردين ستكون كافية لإدراجها في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية". وليس المقصود من هذه التحركات الحصول على التعويضات، وإنما لأن ذلك يمثل "أقوى حجة أخلاقية تملكها إسرائيل ضد حق العودة للفلسطينيين، الذي برهن على أنه عثرة رئيسية أمام عملية السلام". ويشكِّك طبيب العيون هيسكل حداد (2) من مانهاتن بجدية هذه الحملة، فهي ليست إلا "بهلوانيات دعائية" وليس لها "قيمة مالية". فهو لا يرغب بأن يظهر اليهود المطالبون بالتعويضات "نهمين للنقود"، كما يقول، إذ يريد الانتظار حتى تتحقق مطالب شبيهة لـ "أقليات" أخرى، كأكراد العراق. حداد، "غير النهم للنقود"، شخص عملي، فما يفكر فيه هو دعوى جماعية، كالتي رفعت ضد البنوك السويسرية، تضم المطالب "الفردية والعامة"، ولا بأس بعد ذلك من رفع دعاوى بشكل منفصل، إذ يقول: "يدين العراق لهم [لليهود] بالكثير. ولكن عندما نحصل على النقود، سيقوم الأفراد برفع دعاوى بشكل منفصل، كدعاوى المحرقة".
"اليهود ... هم من بنى العراق"
__________
(1) المرجع السابق.
(2) (Heskel Haddad)، رئيس "اللجنة الأمريكية لإنقاذ اليهود العراقيين وإعادة توطينهم" (American Committee for the Rescue and Resettlement of Iraqi Jews).(1/186)
ذكر جورج هاي (1) ، وهو تاجر ألماس يهودي بريطاني من أصل عراقي، أنه يريد تعويضات من العراق، فهذا البلد: "ليس فقيراً، إنه غني جداً، ينبغي أن يعطوا للمواطنين الذين ناضلوا طوال حياتهم. اليهود هم من بنى العراق، لقد أخذوا حياتنا كلها". ونعيم دنغور، وهو يهودي بريطاني آخر، يقول أنه كان يملك: "مصنعين، بيوتاً وشققاً عديدة" (2) . ومع الغزو، بدأت تصل إلى أعضاء مميزين من الجماعات اليهودية الأمريكية في نيويورك طلبات من يهود عراقيي الأصل، تدعو إلى حملة منظمة للمطالبة بالتعويضات عن الممتلكات اليهودية العراقية. ومع نهاية العام ازداد حجم هذه الطلبات، التي أخذت تصل بشكل خاص إلى مكاتب "المؤتمر اليهودي العالمي". وفي حزيران 2003 صرح أبراهام سوفاير (3) أن مطالبة اليهود العراقيين، وهو ابن أحدهم، مشروعة. ولكن يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة، "فلا توجد أبداً وثائق تشهد على نقل الملكية لمالكين جدد". وإحدى الوسائل تتمثل برفع دعاوى في محاكم اتحادية أمريكية، بشكل مشابه للدعاوى التي رفعت ضد بنوك سويسرية وشركات ألمانية للحصول على تعويضات المحرقة. وهذه الدعاوى تهدف في الدرجة الأولى إلى "إحراج المدَّعى عليه"، ولكن "العراق ليست بلداً يمكن إحراجه بسهوله"، يقول سوفاير (4) .
زيلخا من مونتي كارلو
__________
(1) (George High).
(2) راديو (Marketplace)، لوس أنجلوس، 11/7/2003.
(3) (Abraham Sofaer)، كبير المستشارين السابق للرئيس الأمريكي رونالد ريغان.
(4) (Wall Street Journal)، 23/6/2003.(1/187)
بدأ كبار أثرياء اليهود من العراق يفكرون كذلك برفع دعوى للمطالبة بتعويضات عن ممتلكاتهم التي صودرت في العراق. فعزرا زيلخا (1) هو من أصحاب المليارات في لوس أنجلوس وهوستون، وفي حزيران عام 2003 كان يصرح من "جناحه" في فندق "دو باري" في مونتي كارلو أنه مهتم بالمبدأ وليس بالنقود، لكنه أضاف "سنأخذ أي شيء يمكننا الحصول عليه الآن". وحسب "الوول ستريت جورنال" كان خضوري زيلخا، والد عزرا، قبل 1948 يمثل "العائلة المصرفية الأولى في الشرق الأوسط". ومع تأسيس "دولة إسرائيل" أجبر خضوري على التخلي عن "بنك زيلخا" في بغداد، وفروعه في القاهرة، دمشق، وبيروت قبل هروبه من المنطقة (2) . ولا توضح الصحيفة كيف "أجبر" زيلخا على التخلي عن بنوكه، علماً بأنه أسس بعد عام 1948 بنوكاً ومؤسسات مالية في جينيف ونيويورك (3) .
"فلسطين بيعت مرتين"
__________
(1) (Ezra Zilkha)، رئيس "شركة زيلخا وأبناؤه" (Zilkha & Sons Inc.).
(2) (Wall Street Journal)، 23/6/2003. لا يذكر المصدر أسماء بنوك زيلخا؛ "بنك زيلخا" أخذت من موقع (Family Names & Web Cards)، أنظر (http://farhi.org/wc20_366.htm).
(3) حسب شهادة "يهودا آسيا" (Yehuda Assia)، وهو مصرفي عراقي يهودي آخر. أنظر موقع
(http://www.babylonjewry.org.il/new/english/nehardea/8/b7.htm).(1/188)
زيلخا يقارن فلسطين بالمنضدة التي كان يجلس إليها عندما أجريت معه مقابلة، مباشرة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في نهاية تشرين الأول عام 2000 (1) . فالمشكلة، حسب رأيه، أن فلسطين لم تقهر بالقوة، حتى يتحقق السلم بين قوي وضعيف، كما حصل في ألمانيا واليابان. وأصل المشكلة أن فلسطين بيعت مرتين، "لا يمكنك بيع هذه المنضدة بالذات مرتين. وفلسطين كانت قطعة أرض محددة وعدت لكل من اليهود والعرب بعد الحرب العالمية الأولى". ولو دقق زيلخا في وعد بلفور، لاكتشف أن فلسطين وعدت، أو بيعت، مرة واحدة فقط لليهود، دون أن يُسأل أصحابها الأصليون، كما أنه لا يسأل نفسه من أعطى البريطانيين، أو عصبة الأمم، الحق ببيع "قطعة الأرض" وسكانها الفلسطينيين الموجودين فوقها، بالإضافة إلى أنه يتناسى تماما قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة الذي أعطى الفلسطينيين الحق في 46% من الأرض. وهو يرى أن المشكلة هي في القدس، فـ "هذه أمور عاطفية جداً، كجبل الهيكل". أما مشكلة اللاجئين، ومعظمهم في لبنان، فيمكن حلها: "هناك 350 ألف لاجئ تقريباً ينبغي توطينهم، وأعتقد أنه كان بالإمكان إنجاز ذلك، ربما في أمريكا، ربما في كندا، وبكثير من النقود إلخ". وفي إشارة إلى مفاوضات كامب دافيد عام 2000 قال: "أعتقد أنه تم التوصل، على الأغلب، إلى تفاهم غير رسمي حول كيفية حل هذه المشكلة". وعن ماذا ستفعل إسرائيل إذا أعلن الفلسطينيون عن دولة (في الخامس عشر من تشرين الثاني)؟ أجاب: "ربما وضعوا أسيجة حول بعض الأماكن، ربما ردوا عسكرياً، وستكون هناك مشكلة للجميع، وبالأخص للفلسطينيين، هناك 120 ألف فلسطيني في الضفة الغربية يريدون الذهاب إلى عملهم ". ويرى زيلخا المستقبل صعباً، "فهناك بقية الدول في المنطقة، حيث يوجد البترول. بعض هذه الدول ترى أن أمنها مهدد إذا لم تقم بعمل، أو رد فعل ما.
__________
(1) (welling@weeden)، المجلد 2، عدد 24، 17/11/2003.(1/189)
علينا الآن أن نعيش حالة القلق يوماً بعد يوم. وغير واضح إلى أين ستنتهي الأمور". واليوم، وبعد ثلاث سنوات من الانتفاضة، رأينا إلى أين وصلت الأمور: قضي على العراق كدولة عربية مناهضة لإسرائيل.
"رئيس المنفى"
نعيم دنغور، اليهودي العراقي الأصل ورئيس إحدى الشركات العقارية الكبرى في لندن، نصب نفسه عام 1970 كـ "رئيس المنفى" (1) لليهود الشرقيين، وكان حامل هذا اللقب يفض جميع الخلافات بين اليهود من إسبانيا حتى الهند. وبذلك أعاد إلى الحياة منصباً كان موجوداً في بابل أثناء حكم الاسكندر المقدوني، واستمر حتى "تخريب بابل" أثناء غزو المغول للعراق في القرن الثالث عشر، كما جاء في صحيفة "الوول ستريت جورنال".
__________
(1) (Exilarch).(1/190)
بشكل مماثل لعزرا زيلخا، يرى دنغور أن "حكام العراق الجدد" مدينون لـ "شعبه" بمبلغ عشرين مليار دولار كتعويض عن "الكارثة التي حلت بأقدم وأغنى جماعة يهودية في العالم بعد أن حكم العراق قوميون متطرفون بعد الحرب العالمية الثانية". جدُّ نعيم دنغور كان الحاخام الأعظم ليهود العراق، وقد لقب أبوه بـ "ملك الورق"، لأنه يفترض "أنه كان يملك أكبر مطبعة للكتب بالعربية". ويبدو أن نعيم دنغور، الذي ولد عام 1914، لم تكن تزعجه تصفية اليهود في ألمانيا النازية، فقد كان أثناء الحرب العالمية الثانية "ينقل البضائع بين الحلفاء والمحور"، وكلمة "محور" استخدمت هنا لعدم الكشف بشكل صريح عن التعامل مع ألمانيا وحلفائها، فالتاجر النشيط كان يشتري من تركيا التبغ ليبيعه إلى مصانع السجائر في الولايات المتحدة. ويقول دنغور أنه اشترى كل ما كان في تركيا من ورود، كانت تحتاجها شركات مساحيق التجميل في الولايات المتحدة، ليصبح مع نهاية الحرب أحد كبار أثرياء اليهود في العراق. ولكن الذاكرة تنشط فجأة وتسقط كلمة "النازية" عندما يسرد دنغور ما حصل بعد عام 1948، عندما "قيد النشاط التجاري لليهود في العراق بناء على أنظمة وضعت بشكل مشابه لقوانين نورينبيرغ التي سنت في ألمانيا النازية". وحسب "الوول ستريت جورنال" تحولت معظم بيوت اليهود إلى نُزُل للفلسطينيين مع حلول العام 1952. ولا نفهم كيف تمكن دنغور من البقاء في بغداد حتى عام 1964، بالرغم من هذه الظروف "الصعبة"، ففي ذلك العام غادر إلى لندن للزيارة، وأثناء وجوده هناك ورده خبر مفاده أن أملاكه ستصادر فيما لو لم يعد إلى العراق، وخوفاً من "مصير أسوأ" اختار "المنفى" في بريطانيا لينشط في مجال "شراء العقارات المحتجزة"، أي، بمعنى آخر، جاء ثراؤه الجديد على حساب المنكوبين في الظروف الاقتصادية الصعبة لبريطانيا ما بعد الحرب.(1/191)
واليوم فإن "العقار المحتجز الوحيد الذي يعنيه، هو بيته الواقع في شارع أبو نواس". ولكن رواد أحد المقاهي في هذا الشارع أبدوا معارضتهم لعودة نعيم دنغور وغيره من اليهود العراقيين (1) . وعلق أحد القاطنين في شارع أبو نواس على هذا الموضوع قائلاً: "هل يتوقع [دنغور] أن يتذكره أحد ما بعد كل هذه السنين؟" (2) .
"إحدى حقائق الحياة"
في مجلته "ذي سكرايب" يشن نعيم دنغور حملة واسعة للحصول على تعويضات عن ممتلكات اليهود في العراق. ففي شهر تشرين الثاني 1999 اجتمع في لندن خمس عشرة من قادة الجماعة اليهودية في بريطانيا مع إيهود باراك، رئيس الوزراء، الذي كان آنذاك في زيارة رسمية إلى بريطانيا، وكان من بينهم نعيم دنغور. وفي هذه المناسبة عبر باراك عن رأي حكومته بشأن اللاجئين الفلسطينيين قائلاً بأنه قبل 50 سنة كان هناك "تبادلاً للاجئين: ما يقارب المليون من العرب الفلسطينيين تركوا إسرائيل، بشكل رئيسي بسبب تحريض الحكومات العربية، وما يقارب المليون من اليهود طردوا من البلاد العربية بعد اضطهادهم ومضايقتهم". وحسب باراك الفلسطينيون "تركوا" وطنهم لكن اليهود العرب "طردوا" من أوطانهم، وبعد تحديده لظروف ما حصل كما يشاء، يضيف "هذه إحدى حقائق الحياة التي لا يمكن تغييرها". مجلة دنغور، التي تظهره في صورة وهو يصافح رئيس الوزراء، "تنتقد" الأخير قائلة: "حكومة إسرائيل ترفض الإعلان عن هذه الموقف رسمياً، وبهذا تشجع الفلسطينيين وتدعم موقفهم بالنسبة لمطالبهم ورغبتهم بأن تكون القدس عاصمة لفلسطين، وهو أمر ينبغي أن لا يحصل حتى في حالة التوصل إلى حل نهائي مع الفلسطينيين وسوريا" (3) .
"العدالة لليهود من البلدان العربية"
__________
(1) راديو (Marketplace)، لوس أنجلوس، 11/7/2003.
(2) المعلومات حول نعيم دنغور من (Wall Street Journal)، 30/6/2003.
(3) (The Scribe)، عدد 73، تموز 2000.(1/192)
بشكل موازٍ لتحرك رجال أعمال يهود وأفراد، بعضهم مرتبط بالمنظمات والجماعات اليهودية الأمريكية مثل كارول بصري، بدأت المنظمات تعمل في اتجاه آخر لا يمكن فصله عن مخططات العدوان على العراق من جهة، وتصفية القضية الفلسطينية من جهة أخرى. ففي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة منغمسة في التحضير للعدوان على العراق، أسست المجموعات اليهودية، في الثلاثين من أيلول عام 2002، منظمة جديدة لإثارة موضوع "إعادة الحقوق" لليهود من البلدان العربية وأجرت العديد من المؤتمرات استمرت حتى نهاية عام 2003. أطلق على هذه المنظمة اسم "العدالة لليهود من البلدان العربية" ورعتها المنظمات التالية:
? مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية (1) ،
? المؤتمر اليهودي العالمي،
? الاتحاد السفاردي الأمريكي،
كما شارك في تأسيسها المنظمات التالية:
? عصبة مناهضة التشهير،
? اللجنة الأمريكية اليهودية (2)
? المؤتمر اليهودي الأمريكي (3)
? مركز الشرق الأوسط للسلام والتعاون الاقتصادي.
__________
(1) (Conference of Presidents of Major American Jewish Organizations).
(2) (American Jewish Committee).
(3) (American Jewish Congress).(1/193)
وفيما بعد أضيفت إلى هذه القائمة "منظمة النساء الصهيونيات الأمريكية" (هاداساه) و"المجلس اليهودي للشؤون العامة" (1) . وعلى الأغلب في بداية عام 2003، انضمت إليهم "اللجنة العالمية لليهود من البلدان العربية" (2) وأصبحت منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" تحت مظلة الأخيرة (3) . وقد جرى تعيين ستانلي أورمان (4) كرئيس للمنظمة الجديدة، في حين كان رؤساؤها الشرفيون:
? إروين كوتلر (5) ، عضو في البرلمان الكندي.
? شلومو هيليل (6) ، ناطق سابق باسم الكنيست الإسرائيلي.
? ريتشارد هولبروك (7) ، مندوب أمريكا السابق في الأمم المتحدة.
__________
(1) (Jewish Council for Public Affairs).
(2) (International Committee of Jews from Arab Lands).
(3) حسب ما قال ستانلي أورمان في كلمته التي ألقاها في مؤتمر "يهود الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" (Jews Indigenous to the Middle East and North Africa) (جيمينا) في سان فرانسيسكو بتاريخ 23 آذار 2003.
(4) حسب "غاري روزنبلات" (Gary Rosenblatt)، (The Jewish Week)، 23/5/2003.
(5) (Irwin Cotler).
(6) (Shlomo Hillel).
(7) (Richard Holbrooke).(1/194)
? ليون ليفي (1) ، الذي كان الرئيس الشرفي مدى الحياة لـ "الاتحاد السفاردي الأمريكي".
? لورد جورج فايدينفيلد (2) ، عضو مجلس اللوردات، المملكة المتحدة.
إلى جانب "الاتحاد السفاردي الأمريكي" أدرجت "وزارة العدل الإسرائيلية" في تذييل موقع المنظمة الجديدة على الإنترنت. وقد جاء تأسيس المنظمة بعد خمسة أشهر من إعلان ماير شيتريت (3) ، وزير العدل الإسرائيلي، قيام الوزارة بحفظ وحوسبة عشرة آلاف مطالبة قامت بجمعها حملات سابقة. وتوجهت الوزارة إلى "الاتحاد السفاردي الأمريكي" للمشاركة في جهودها، وكان "الاتحاد" يعمم الحملة ويجمع مطالبات اليهود على مستوى عالمي. وتهدف الوزارة إلى "مواجهة مطالب الفلسطينيين في المفاوضات المستقبلية"، كما صرح شيتريت في حزيران 2002 (4) .
"معاناة اللاجئين اليهود"
__________
(1) (Leon Levy). ليفي هو أحد الأثرياء اليهود الأمريكيين، وكان يعمل في مجال الاستثمار في السوق المالية، وقد توفي بتاريخ 6/4/2003. ولفترة طويلة كان يمول التنقيبات الواسعة التي قامت بها جامعة هارفارد في الموقع الأثري عسقلان، إلى أن توقف هذا النشاط مع اشتداد حدة الانتفاضة الفلسطينية. شيلبي وايت (Shelby White)، زوجة ليون ليفي، هي من هواة جمع التحف الفنية، بعض مصادرها مشبوه، كما تبين أثناء معرض "فنون المدن الأولى – الألف الثالث ق. م. من المتوسط إلى نهر السند"، الذي نظمه "متحف ميتروبوليتان للفنون" (Metropolitan Museum of Art) في نيويورك في شهر أيار 2003. أنظر خالد الناشف، تدمير التراث الحضاري العراقي: فصول الكارثة. بيروت: دار الحمراء، مركز الدراسات، 2004، ص ص 172-173. يشار إلى أن ليفي قد منح "متحف ميتروبوليتان للفنون" مبلغ عشرين مليون دولار لتأسيس جناح روماني جديد. المعلومات حول ليفي من موقع (Forbes)، 7/3/2003.
(2) (George Weidenfeld).
(3) (Meir Sheetrit).
(4) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2002.(1/195)
بحضور مجموعة من "الشخصيات الأوروبية والأمريكية المرموقة"، جاء الإعلان عن تأسيس منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" في نيويورك على لسان مورتيمر زوكيرمان (1) : "نحن هنا اليوم حتى تتصدر وعينا قضية اللاجئين اليهود من البلدان العربية في الشرق الأوسط". ويوضح كلامه بالقول "في الحقيقة هناك لاجئون سابقون يهود شردوا من البلدان العربية في الشرق الأوسط نتيجة للصراع العربي الإسرائيلي عام 1948 ويقدرون بحوالي 850 ألفا، وهم أكثر من اللاجئين العرب الذين يقدر عددهم بـ 750 ألف لاجئ. وفي ضوء انشغال العالم بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين فإننا نريد أن نجلب الانتباه إلى معاناة اللاجئين اليهود". وحضرت مراسم تأسيس المنظمة كارول بصري وقدمت سرداً مؤثراً لتراث عائلتها في العراق وروت قصة عمها، الذي، حسبما تقول، عذب ثم شنق لأنه كان ضد اضطهاد اليهود في العراق، بالرغم من ذلك "فإنني أرغب برؤية العراق. أريد لأولادي أن يروا من أين جاءت عائلتنا، وأن يكونوا فخورين بتراثهم اليهودي والعربي". وتضيف أن "اليهود من البلدان العربية يمكن أن يكونوا جسراً للسلام في المنطقة". وألقى كلمات كل من يهودا لانكري (2) ، وليون ليفي، ومالكولم هونلاين (3) . وتكلمت في الحفل ايفيلن سومر (4) بصفتها ممثلة
للجماعات اليهودية في "أكثر من 175 دولة"، مدعية أن الكثير من هذه الجماعات "قد أسسه رجال ونساء وأطفال شردوا بسبب الطرد العربي" (5) .
"خلف الكواليس"
__________
(1) (Mortimer Zuckerman)، رئيس "مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية".
(2) مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة.
(3) (The Jewish Post of New York)، 30/9/2002.
(4) (Evelyn Sommer)، رئيسة "المؤتمر اليهودي الأمريكي"، وهو الفرع الأمريكي لـ "المؤتمر اليهودي العالمي".
(5) (The Jewish Post of New York).(1/196)
تبرز أهمية هذا التحرك في أنه جاء من قبل ثلاث منظمات يهودية، إحداها "مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية" الذي يمثل 52 منظمة يهودية قومية، ويعرف نفسه بأنه "منبر للقيادة اليهودية الأمريكية للتداول فيما بينها والعنوان المركزي الذي يتوجه إليه القادة الأمريكيون والإسرائيليون وقادة العالم، للحصول على المشورة في قضايا ذات أهمية حيوية للجماعة اليهودية". ويحتل هذا المؤتمر علنياً، وأكثر "خلف الكواليس"، دوراً ريادياً في "تعزيز مصالح الجماعة الأمريكية اليهودية وتعميق التفاهم بأن إسرائيل آمنة وسالمة ستبقى الحليف والشريك الاستراتيجي والحيوي لأمريكا". وتحتوي أجندة "المؤتمر" على عدة بنود يركز معظمها على أولويات استراتيجية لأمريكا وإسرائيل، كالوقوف "وراء أمريكا في التزامها القضاء على الإرهاب العالمي بمشاركة إسرائيل، الحليف الوفي لأمريكا" (1) . وهناك بند "تقوية إسرائيل من خلال دعم المساعدات العسكرية والاقتصادية والاستثمارات" وبند "تشكيل دعم لإسرائيل في وسائل الإعلام والرأي العام العالمي". ويستحق البند الأخير الاهتمام، فالرئيس الحالي لـ "المؤتمر"، مورتيمر زوكيرمان، يملك "يو إس نيوز"، "ورلد ريبورت"، و"نيويورك دايلي نيوز" (2) . وكان يرأس سابقا "المؤتمر" رونالد لودر، رئيس "الصندوق القومي اليهودي" (3)
__________
(1) المعلومات حول "المؤتمر" من موقعه في الشبكة، بالإضافة إلى موقع (Israel on Campus Coalition).
(2) أنظر "جيفري بلانكفورت" (Jews in Media)، وهو ملحق لمقال "رونالد بلاير" (Ronald Bleier)، الذي نشر في (Demographic, Environmental and Security Issues Project)، نيسان 2003 تحت عنوان: "غزو العراق: أجندتان متطابقتان للولايات المتحدة وإسرائيل".
(3) (Jewish National Fund)؛ تأسس عام 1901، أحد أكبر المؤسسات الصهيونية في مجالات شراء وادارة الأراضي والاستيطان..(1/197)
(نيويورك) ورئيس شركة "استيه لودر" (1) لمساحيق التجميل.
"المؤتمر اليهودي العالمي" (نيويورك) هو اتحاد عالمي للجماعات والمنظمات اليهودية يضم أكثر من مائة جماعة إقليمية في أمريكا الشمالية، أمريكا اللاتينية، أوروبا، وآسيا. وله مكاتب في القدس (حيث يوجد مركز أبحاث المؤتمر)، باريس (المسؤول عن أوروبا)، وبوينس أيريس (المسؤول عن أمريكا اللاتينية والجنوبية)، ومكتب ارتباط مع الأمم المتحدة في جنيف. ويقوم منذ عام 1987 برعاية "مجلس إسرائيل للعلاقات الخارجية" (2) ، الذي يديره مكتب المؤتمر في القدس.
الدعم جاء من أبراهام
__________
(1) (Estée Lauder).
(2) (Israel Council for Foreign Relations).(1/198)
يقف وراء منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" س. دانييل أبراهام، "الرائد" في مجال الصناعات الصيدلية وأغذية الحمية، وكان اسمه قد ورد في قائمة الأربعمائة الأكثر ثراء في الولايات المتحدة عام 2001. وقدرت حينها مجلة فوربس ثروته الصافية بـ 1.8 بليون دولار. وفي العقد الأخير ركز أبراهام نشاطه السياسي و"الخيري" على دعم "إسرائيل وعملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط". في ما يخص إسرائيل، قام بالمشاركة في تمويل برنامج "إسرائيل: حق بالولادة" (1) ، الذي يقوم بتنظيم رحلات إلى إسرائيل للشباب من اليهود الأمريكيين. وفيما يخص "الشرق الأوسط" شارك أبراهام عام 1989 في تأسيس "مركز الشرق الأوسط للسلام والتعاون الاقتصادي"، الذي دعم اتفاقيات أوسلو للسلام والعديد من بعثات تقصي الحقائق لرجال الكونغرس إلى الشرق الأوسط، فأنشأ بذلك "علاقات بين السياسيين الأمريكيين، قادة إسرائيل، والقادة العرب". وتمكن أبراهام بذلك من إسناد دور شخصي لنفسه في الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث قابل مراراً قادة فلسطينيين، الرئيس المصري حسني مبارك، شمعون بيريس، والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. وأخيراً وليس آخراً، ساهم أبراهام في دعم حفر النفق تحت الحرم القدسي (2) ، الذي فجر غضب الفلسطينيين عام 1996 وأدى إلى استشهاد 85 فلسطينياً. يحمل أبراهام شهادات دكتوراه فخرية من "جامعة بار إيلان" في رامات غان، "جامعة بن-غوريون في النقب" و"جامعة يشيفا" (3) في نيويورك.
__________
(1) (Birthright Israel).
(2) المعلومات حول أبراهام من موقع "مركز الشرق الأوسط للسلام والتعاون الأقتصادي"، أنظر (http://www.centerpeace.org/bios/bio_abraham.htm) وموقع (Mother Jones.com)، 5/3/2001.
(3) (Yeshiva University).(1/199)
ستانلي أورمان، رئيس المنظمة، هو المدير التنفيذي لـ ""مركز الشرق الأوسط للسلام والتعاون الاقتصادي" (1) ، ومسؤول كبير في "عصبة الصداقة الأمريكية الإسرائيلية" (2) . أما شلومو هيليل، أحد الرؤساء الشرفيين للمنظمة، فقد "ساعد حوالي مائة ألف يهودي على ترك العراق بعد حرب إسرائيل للاستقلال" (3) ، ولا تتضح طبيعة هذه المساعدة، وما إذا كانت تشبه مساعدة بن-بورات في الخمسينات، وهو عميل للمخابرات الصهيونية شاع أنه قام بتنفيذ عمليات تفجير في بغداد لدفع اليهود العراقيين إلى مغادرة العراق (4) .
__________
(1) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2002.
(2) (American-Israeli Friendship League)، عن (T-Line TV).
(3) "راتشيل بوميرانتس"، (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2002.
(4) أنظر ص ص 127-129.(1/200)
يرمي التحرك اليهودي الجديد إلى تحديد قيمة مادية للممتلكات اليهودية في البلدان العربية، وهو ما تعكسه الاستمارة التي حضرتها المنظمة لتعبأتها من قبل "المطالبين" (1) وأطلق عليها اسم "استمارة مطالبات ‘اللاجئين اليهود من البلدان العربية’". وتحتوي الاستمارة على تفاصيل حول مطالب العقارات والأعمال. فبالنسبة للعقارات تطلب معلومات حول عنوان العقار وسنده القانوني، وما إذا كان أرضاً زراعية أو مبنى وعدد الطوابق والغرف، وهل الملكية كلية أم جزئية، وما إذا كان هناك بيع أو "إجبار على البيع"، على حد تعبير الاستمارة، والثمن الذي جرى الحصول عليه. وكذلك الأمر بالنسبة للأعمال، كالمباني، الآلات، المواد الخام، البضائع، وقيمة الماركة التجارية، وأي ديون مترتبة على الأعمال. ويلاحظ أن الاستمارة تطلب إيضاحات حول وجود مطالبات لدى منظمات أخرى، إذ "يمكن تعبئة مطالبات ‘اللاجئين اليهود من البلدان العربية’ بالإضافة إلى استمارة مطالبات من خلال منظمات أخرى"، وهو ما يعني أن هناك تنسيقاً بين المنظمات اليهودية المختلفة (2) . وحتى شهر أيار 2003 جمعت حوالي 12 ألف استمارة (3) .
"اعتبارات سياسية وقانونية"
__________
(1) (claimants).
(2) حول الاستمارة أنظر موقع (Jewish Refugees from Arab Countries).
(3) (The Jewish Week)، 23/5/2003.(1/201)
من بين "الاعتبارات السياسية والقانونية"، التي تشير إليها منظمة "العدالة لليهود اللاجئين من البلدان العربية"، وتوظفها في خدمة أهدافها، بعض قرارات الأمم المتحدة، كالقرار 237 بتاريخ 14 حزيران 1967، الذي جاء فيه أن على الحكومات المعنية أن "تحترم بشكل صارم المبادئ الإنسانية التي تتعلق بحماية الأشخاص في أوقات الحرب". وكان يو ثانت، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، قد صرح في مؤتمر صحفي مباشرة بعد صدور القرار أنه "يمكن اعتبار مواده قابلة للتطبيق على أشخاص عرب أو يهود". وفي الثاني والعشرين من حزيران من العام نفسه جاء قرار مجلس الأمن 242 ليطالب بتسوية سلمية في الشرق الأوسط، بما في ذلك "تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين"، وتنبه المنظمة إلى أن القرار لا يفرق بين "اللاجئين العرب واللاجئين اليهود السابقين من البلدان العربية". ويذكر ستانلي أورمان أن الاتحاد السوفياتي حاول، دون جدوى، حصر عبارة "تسوية عادلة" باللاجئين الفلسطينيين، وأن أرثور غولدبيرغ (1) ، مندوب الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة، قد أوضح آنذاك أن صفتي "فلسطينية" أو "عربية" حذفتا عمداً للإشارة إلى أنه "ينبغي أيضاَ المطالبة بحقوق اليهود اللاجئين من البلدان العربية، إلى جانب حقوق اللاجئين الفلسطينيين" (2) . وكان ريتشارد هولبروك قد نبه إلى تشديد يو ثانت على أن المقصود بالقرار 242 هو كل اللاجئين وقرأ تصريحات للرئيسين الأمريكيين كارتر وكلينتون يقران فيهما بـ "حقوق اللاجئين اليهود" (3) .
"في الوقت المناسب"
__________
(1) (Arthur Goldberg).
(2) أنظر أيضاً كلمة أورمان في مؤتمر جيمينا في سان فرانسيسكو بتاريخ 23 آذار 2003؛ أنظر هامش 510.
(3) (Jewish Post of New York).(1/202)
تشير المنظمة إلى أن اتفاقيات كامب دافيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية تتضمن موافقة "جميع الأطراف على تأسيس ‘لجنة مطالبات’ للتسوية المتبادلة لجميع المطالبات النهائية". وتذكر المنظمة ما قاله الرئيس الأمريكي السابق كارتر بتاريخ 27 تشرين الأول 1977: "للفلسطينيين حقوق ... ومن الواضح أن هناك لاجئين يهود ... لهم حقوق كما للآخرين". وكذلك تذكر المنظمة أن "مؤتمر مدريد للسلام" عام 1991 أسس "مجموعة عمل متعددة الأطراف" مهمتها الحفاظ على حقوق "كافة الأشخاص المشردين نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948". وبناء على المنظمة نوقش موضوع "حقوق اليهود المشردين من البلدان العربية" في مفاوضات "كامب دافيد الثانية" في تموز عام 2002 وعلى إثرها تحدث الرئيس الأمريكي كلينتون عن "اليهود، الذين كان يعيش معظمهم في البلدان العربية وجاؤوا إلى إسرائيل بعد أن جعلوا منهم لاجئين في بلادهم". أما بالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية فيقول ستانلي أورمان، رئيس المنظمة، بالحرف الواحد: "نحن على ثقة، ونتوقع بأن يقوم الرئيس بوش في الوقت المناسب بإعادة تأكيد الالتزام الرئاسي الأمريكي بحقوق اللاجئين اليهود السابقين من البلدان العربية" (1) . وبصرف عن النظر عن لهجة هذا التصريح الغريب يبقى السؤال ما هو المقصود بـ "في الوقت المناسب".
"التخفيف من الضغط الفلسطيني"
__________
(1) أنظر كلمته التي ألقاها في مؤتمر جيمينا في سان فرانسيسكو بتاريخ 23 آذار 2003؛ أنظر 510.(1/203)
إذن، فالغرض من تأسيس منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" سياسي في الدرجة الأولى، كما يتبين من تصريحات المسؤولين، داخل المنظمة وخارجها، إذ يقول أورمان: "لكي ننجح، علينا استهداف القادة السياسيين، الهيئات الدولية، والجمهور العام على نطاق واسع" (1) . وبالتحديد: "نريد أن نتأكد من أن قضية اللاجئين اليهود السابقين ستثار في كل مرة تثار فيها قضية اللاجئين في سياق عملية السلام في الشرق الأوسط. كل ما نريد قوله هو أنه ينبغي معالجة هذه القضية بالشكل المناسب، من ناحية قانونية ومن أجل الإنصاف" (2) . ويوضح أن المجموعة لا تريد أن ترفع دعوى ضد "الجامعة العربية"، كما اقترح في حزيران 2002، أمرام أتياس (3) ، رئيس "اللجنة العالمية لليهود من البلدان العربية"، التي يشرف عليها "الاتحاد السفاردي الأمريكي". ويعقب أورمان على ذلك: "أولويتنا أن ندخل في نقاشات سياسية، ولن نرفع أي مطالب قانونية ضد أي حكومة عربية". ويقول لانكري: "علينا أن نكون مستعدين للتخفيف من الضغط الفلسطيني بالنسبة لقضية اللاجئين" (4) . يكتب غاري روزنبالت، رئيس تحرير وناشر "ذي جويش ويك"، بأن المجموعة الجديدة "تصر على أن الطرفين [اليهود والفلسطينيين] يستطيعان أن يلعبا هذه اللعبة السياسية"، أي أن لا ينحصر الموضوع بالمطالبة بحق العودة للفلسطينيين، وهو ما يحتل "مركزاً رئيسياً في الأجندة الفلسطينية" لـ "مفاوضات السلام في الشرق الأوسط". وحسب مالكولم هونلاين، نائب الرئيس التنفيذي لـ "مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية" (5) ، تفكر المجموعة بإحضار القضية إلى الأمم المتحدة والطلب من "وفود رسمية في الأمم المتحدة ومجموعات يهودية استشارية" طرحها هناك (6) ،
__________
(1) المصدر السابق.
(2) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2002.
(3) (Amram Attias).
(4) (Jewish Telegraphic Agency)، 30/9/2002.
(5) المرجع السابق.
(6) المرجع السابق..(1/204)
إذ "لا توجد حتى الآن أي أداة للقيام بذلك على أساس ثابت، أو مكان يمكن التعبير فيه عن الموضوع قانونياً، والأمم المتحدة لم تتبنى هذا الموضوع".
الموضوع لا يتعلق بالضرورة بالحصول على تعويضات، إذ "ستبقى المسألة للمستقبل، أي فيما إذا سيكون هناك تعويض عن أي انتهاك لحقوق الإنسان ضد لليهود من البلدان العربية ... غير أن الموضوع في غاية الأهمية على المستوى القانوني، الأخلاقي، والنفسي ليبدأ العالم بالإدراك بأن ‘لاجئي الشرق الأوسط’ لا يقصد بهم العرب فقط". وهذا الموقف لا يتجاهل أن إسرائيل قامت بـ "توطين لاجئيها"، لكن "هل ينبغي معاقبة إسرائيل لعطفها على اليهود المطرودين الذين أصبحوا بلا وطن، وكفاءتها في احتضانهم؟ وهل تكافأ الدول العربية على اضطهاد اليهود وطردهم ومصادرة ممتلكاتهم، أو حتى استغلال أشقائهم العرب سياسياً بدلاً من استيعابهم؟" (1) .
"مصالحة"
__________
(1) "روزنبلات"، (The Jewish Week)، 23/5/2003.(1/205)
أحد المؤتمرات، التي خصصت لـ "بحث" موضوع "اللاجئين اليهود العرب"، عقد في سان فرانسيسكو، في الثالث والعشرين من آذار 2003 (1) ونظم المؤتمر مشروع جيمينا (2) ، الذي يديره "مجلس علاقات الجماعة اليهودية" في ولاية كاليفورنيا. تلتقي أهداف مشروع جيمينا مع أهداف الحملة التي أطلقتها منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية". وتتلخص الخطوط العريضة للمشروع بإثارة موضوع اليهود من البلدان العربية، وإدخاله في سياق سياسي راهن وربطه بـ "عملية السلام". فـ "العدالة"، التي يركز عليها مشروع جيمينا ويفهمها ليست قضية إعادة الحقوق لليهود من البلدان العربية، التي يفترض أنها انتهكت، وإنما "مصالحة" ينبغي التوصل إليها حتى يكون هناك "سلام بين جميع شعوب الشرق الأوسط". وكلمة "مصالحة" هنا مطاطة جداً، ولا تعني "إعادة الحقوق" بالضرورة. ويبدو هذا الموقف واضحاً في ما تذكره ملكة بوبليل (3) ، الليبية الأصل، حول أحد أهداف منظمة جيمينا التي شاركت بتأسيسها: "أن تنشط كمقابل أخلاقي للفلسطينيين، ليس للتقليل من معاناتهم، ولكن لإيضاح نجاح عملية استيعابنا. فإسرائيل استوعبت بنجاح ستمائة ألف من مجموع تسعمائة ألف لاجئ [يهودي من البلدان العربية]". الرسالة واضحة: استيعاب الفلسطينيين، وليس إعادة الحقوق لهم أو لليهود من البلدان العربية (4) .
إسرائيل القرن الحادي والعشرون
__________
(1) عقد المؤتمر تحت رعاية "مجلس علاقات الجماعة اليهودية" (Jewish Community Relations Council) و"الصندوق الوقفي للجماعة اليهودية" (Jewish Community Endowment Fund)، التابع لـ "اتحاد الجماعات اليهودية" (Jewish Community Federation).
(2) أنظر هامش 510.
(3) (Malaka Bublil).
(4) المعلومات حول جيمينا من موقعها على الإنترنت: (http://www.jimena-justice.org/).(1/206)
يشكل مؤتمر سان فرانسيسكو جزءاً من الحملة التي أطلقتها منظمة "العدالة من أجل اليهود العرب". ستانلي أورمان، رئيس المنظمة، كان متحدثاً رئيسياً في المؤتمر. وجاء الدعم من "المؤتمر اليهودي العالمي"، أحد المخططين الرئيسيين لمنظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية"، بالإضافة إلى منظمات يهودية عالمية وقومية أخرى لم تحدد هويتها. وتبرز أهمية المؤتمر في عدد الحضور، الذي بلغ حوالي ثلاثمائة شخص معظمهم من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. المتحدث الرئيسي الثاني كان إريك بينهامو (1) ، اليهودي الجزائري الأصل، رئيس مجلس إدارة شركة "ثري كوم كوربوراشين" (2) (مارلبورو، ماتساشوسيتس)، وهي إحدى الشركات الأمريكية العملاقة في مجال الحوسبة المتقدمة وتكنولوجيا الاتصالات، وكانت أرباحها الصافية 162 مليون دولار للربع الأول من عام 2003. وقد منحه بينيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، "جائزة اليوبيل للمستثمر الأجنبي" في عام 1998. وهو أحد أعضاء مجلس إدارة "جامعة بن غوريون في النقب"، التي منحته شهادة دكتوراه فخرية. وبينهامو نائب رئيس "إسرائيل القرن الحادي والعشرون" (3) ، وهي منظمة أهلية تهدف إلى "تعزيز إسرائيل القرن الحادي والعشرين لتتجاوز [مرحلة] الصراع"، حسب المنظمة، ولكنها عملياً تأسست بعد الانتفاضة الفلسطينية كرد فعل للدفاع عن صورة إسرائيل السلبية، التي أخذت تنتشر في وسائل الإعلام الأمريكية، ولمواجهة تراجع الاستثمارات الأمريكية في إسرائيل (4) . بينهامو هو أيضاً رئيس "شبكة إسرائيل فينتشر" (5)
__________
(1) (Eric Benhamou).
(2) (3Com Corporation). المعلومات حول بينهامو من موقع الشركة على الإنترنت.
(3) (Israel21c).
(4) حسب بينهامو نفسه، أنظر (The Jerusalem Post)، 27/7/2003؛ أنظر أيضاً (Israel21c)، 27/1/2003.
(5) (Israel Venture Network)..(1/207)
وهي شبكة "خيرية" تضم رجال أعمال من الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل "مجتمع إسرائيلي قوي" (1) .
"مبادئ"
كان مؤتمر سان فرانسيسكو فرصة سانحة لأورمان كي يعرض المبادئ التي تمنح "الشرعية والثقل" للحملة التي تقوم بها منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية"، وهذه المبادئ هي: "التذكر"، "فضح الأسطورة"، "العدالة"، "إعادة الحقوق"، "المصالحة". إن مبادئ مثل "التذكر"، "الحقيقة"، "العدالة"، و"المصالحة" تبقى مسألة نسبية يحدد طبيعتها وحدودها حاملها. لكن الأمر يختلف مع "الحقيقة"، "فضح الأسطورة" و"إعادة الحقوق". فهذه الأمور تكتسب بعداً خاصاً يستوجب الرد، خاصة عندما يقول أورمان أنه يجب "مجابهة ونقض المقولة الخاطئة أن الإسلام هو دين تسامح، وأن اليهود كـ ‘أهل الذمة’ كان لديهم وضع حماية تحت الحكم الإسلامي". وإن كان يقر بأن أوضاع اليهود ازدهرت فعلاً في بعض الأماكن، إلا أنه "في الغالب كان ينظر إليهم، ويعاملوا، كمواطنين من الدرجة الثانية في العديد من البلدان العربية". لهذا "علينا مواجهة أسطورة أن اليهود تركوا البلدان العربية بمحض إرادتهم وبمشيئتهم. فمنذ فترة طويلة انتشرت في العالم العربي ثقافة كراهية مدعومة من الدولة من خلال وسائل الإعلام والمساجد والمدارس". وهنا يتحول "الإسلام" إلى "عدو" وهمي للديانة اليهودية، ويستغل لإضفاء طابع قومي على اليهودية، وهذا مبدأ صهيوني قديم جديد يرمي في النهاية، ومن خلال اصطناع هوية قومية، إلى تبرير استعمار فلسطين.
__________
(1) حول "شبكة إسرائيل فينتشر" أنظر موقع المنظمة على الإنترنت.(1/208)
وإذا كان اليهود مواطنين من الدرجة الثانية في الدول العربية فكيف أمكن لهم أن يتعلموا ويحوزوا كل هذه "الحقوق" التي يطالبون بها اليوم؟ أما عن انتشار ثقافة الكراهية في الدول العربية، فإنها لا تحتاج لأي دعم من الدولة أو المساجد والمدارس، إذ يكفي أن يشاهد أي طفل، على شاشات الفضائيات، ما يحدث ضد الفلسطينيين منذ سنوات، وفي العراق حاليا، لكي يصبح مشبعا بالكراهية. والمشكلة ليست في الإسلام وإنما في من يستغله بمنحى عنصري كما لاحظناه في مواقف بعض رجال الدين اليهود الذين شاركوا بـ "تحرير العراق".
"غولدبيرغ" و"غولدستين"
في المؤتمر نفسه، قال يتسحاق سانتيس (1) ، مدير "شؤون الشرق الأوسط" في "مجلس علاقات الجماعة اليهودية" (2) أنه "لن يكون هناك سلام ومصالحة حقيقية في الشرق الأوسط، وبين إسرائيل والفلسطينيين، بدون الاعتبار الكامل لقضية اللاجئين اليهود وكونها جزءاً من معادلة التسوية". يوسف عبد الواحد، المصري الأصل والرئيس المشارك لمنظمة جيمينا، علق مازحاً أنه التأم في عصر ذلك اليوم من أيام سان فرانسيسكو الكثيرون ممن يحملون أسماء "سمحة" و"وهبة"، بدلاً من "غولدبيرغ" و"غولدستين". وبالرغم من النقد المتضمن لسيطرة الأشكيناز على سياسة الجماعات اليهودية، فإن عبد الواحد لا يتردد في القول: "فقد مئات الآلاف من اليهود من البلدان العربية حياتهم وأملاكهم. روايتنا غير معروفة، وقد حان الوقت لسردها على العالم" (3) . وفي حزيران عام 2003 قال عبد الواحد لأسبوعية "ذي جويش ويك": "لا يوجد شك بأن العرب قد تآمروا على طردنا" (4) .
نشاط مكثف
__________
(1) (Yitzhak Santis).
(2) (Jewish Community Relations Council).
(3) (Jewish Bulletin of Northern California)، 28/3/2003.
(4) (The Jewish Week)، 27/6/2003.(1/209)
في أيار 2003 بدأت منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" بتكثيف نشاطها، وذلك عندما طالب النائب الديموقراطي فرانك بالون (1) (نيوجيرسي) بأن تكون هناك جلسات استماع تشريعية حول الموضوع، وفي السادس عشر من حزيران وجه السناتور رون وايدن (2) (أوريغون) طلباً مماثلاً إلى ريتشارد لوغار (3) رئيس "لجنة العلاقات الخارجية" (4) التابعة لمجلس الشيوخ يقول فيه: "ينبغي أن نرفع درجة الوعي بهذه القضية وأن نضمن حقوق [اليهود] من وجهة نظر القانون والإنصاف". وعقد مسؤولون من المنظمة لقاءً استشاريا في الثامن عشر من أيار وبحثوا القانون الدولي و"حقوق اللاجئين اليهود"، بالإضافة إلى إمكانية التمثيل السياسي في الأمم المتحدة من بلدان منفردة (5) . وكانت منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" قد أعدت تقريراً صدر في الثالث والعشرين من حزيران بعنوان "اليهود من البلدان العربية: إثارة موضوع الحقوق". وقد وضع هذا التقرير أورمان بالاشتراك مع دافيد ماتاس (6) من "اللجنة القانونية الاستشارية" (7) . وفي اليوم التالي قامت بتوزيعه في نيويورك مجموعة من اليهود من أصل عربي بالقرب من مبنى الأمم المتحدة. وقال مالكولم هونلاين أنه سيقدم التقرير إلى البيت الأبيض. أما عضو البرلمان الكندي إروين كوتلر، وهو أيضاً أحد الرؤساء الشرفيين للمنظمة، فقد قام بتقديم التقرير إلى "مسؤولين حكوميين في إسرائيل وبريطانيا العظمى" (8) .
المنظمات اليهودية تحت سيطرة الأشكيناز
__________
(1) (Frank Pallone).
(2) (Ron Wyden).
(3) (Richard Lugar).
(4) (Committee on Foreign Relations).
(5) (The Jewish Week)، 23/5/2003.
(6) (David Matas).
(7) (Advisory Legal Committee). نشرت نسخة مختصرة من التقرير في (Isranet Briefing. Permanent Archive).
(8) (The Jewish Week)، 27/6/2003.(1/210)
الديماغوجية الأمريكية غويلا بوخوبزا (1) ، الليبية الأصل، صرحت بهذه المناسبة في نيويورك قائلة: "أن اليهود سكنوا ليبيا منذ 2000 عام، أي قبل قرون من الغزو والاحتلال العربي". وبالرغم من أن "المئات قتلوا وجرحوا والآلاف أصبحوا مشردين" بين 1945 و1951 فإن عائلة بوخوبزا بقيت في ليبيا حتى عام 1961. مثل هذه الأصوات التي أخذت تتعالى لدعم منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" وتقريرها، يبدو أنها غير مدركة لحجم ما يعرفه آخرون حول ما حصل بالنسبة لليهود في البلدان العربية. يقول زاخاري لوكمان (2) أن هناك أدلة تشير "إلى أن عملاء إسرائيليين كان لهم دور في تخريب العلاقة بين اليهود والعرب في تلك البلدان، وذلك بهدف دفع اليهود المترددين بالمغادرة إلى حزم أمتعتهم والرحيل"، ويضيف: "معظم اليهود في تلك البلدان لم يكونوا صهيونيين". دافيد شاشا (3) ، الناشط السفاردي، ينتقد المنظمة التي تدافع عن "حقوق السفارديين" لأن رؤساءها هم من الأشكيناز. ويقول: "إن المشكلة الرئيسية التي تواجه السفارديين في إسرائيل، هي الفرق الاقتصادي والاجتماعي الشاسع بينهم وبين الأشكيناز؛ عدم محاولة المدارس في إسرائيل وأمريكا تدريس التاريخ السفاردي؛ وأن المنظمات اليهودية الرسمية هي تحت سيطرة الأشكيناز". ويضيف "إن طرح مسألة اليهود العرب الآن هو، من جديد، لتفادي القضايا الرئيسية التي تواجه الجماعة السفاردية" (4) .
موقف يرحب بكل الآراء
__________
(1) (Guilla Boukhobza).
(2) (Zachary Lockman)، الأستاذ في دراسات الشرق الأوسط من جامعة نيويورك.
(3) (David Shasha).
(4) (The Jewish Week)، 27/6/2003.(1/211)
الخلاف بين اليهود "السفارديين" و"الأشكيناز"، الذي هو في أصله صراع قومي مع الغرب، دفع أورمان، الذي يمثل عملياً مصالح اليهود "الأشكيناز"، إلى اتخاذ موقف غير محدد يرحب بكل الآراء: "هناك عدة وسائل لمتابعتها وكل شخص سيقوم بما هو أفضل حسبما يراه، فأي وسيلة صحيحة إذا ترتب عليها مطالبة فردية أو جماعية، أو أن تصبح القضية جزءاً من خارطة الطريق" (1) . المحامية سمحا علوية (2) من بيركلي (كاليفورنيا) تقول أنها مستعدة للعمل على دعوى جماعية مع محامين آخرين وتعتقد أن "البلدان العربية أخذت الممتلكات من اليهود ولم تستخدمها لدمج الفلسطينيين فيها"، وتضيف: "على البلدان العربية، التي لم تهتم باللاجئين الفلسطينيين، دفع تعويضات للفلسطينيين واليهود. لقد كان هناك نقاش حول صندوق تعويضات دولي، هذا الصندوق ينبغي تمويله من الأصول المجمدة لليبيا والعراق، ومن الأصول المجمدة للمنظمات الإرهابية منذ الحادي عشر من أيلول. لماذا على الأمريكيين أو الأوروبيين أن يقوموا بدفع هذه التعويضات؟" (3) . ويستدل من هذه التصريحات أن المسألة لا علاقة لها بالحصول على تعويضات لليهود العرب، بل وضع تعويضات اللاجئين الفلسطينيين مقابل تعويضات اليهود العرب، وحسمها ضمن "صندوق تعويضات دولي" ما قد يؤدي إلى ضياع حقوق اللاجئين في هذا التعويض، والكلام عن "صندوق تعويضات" كان قد ورد في "اتفاقية جنيف"، بدون إشارة واضحة للاجئين الفلسطينيين، كما سنرى.
"مشكلتا لاجئين"
__________
(1) (The Jewish Week)، 23/5/2003.
(2) (Semha Alwaya)، يهودية من أصل عراقي.
(3) (The Jewish Week)، 23/5/2003؛ أنظر أيضاً (Haaretz)، 16/5/2003.(1/212)
يكتب أفي بيكر (1) أنه يصعب على المرء "أن يفهم صمت الحكومات الإسرائيلية والمجتمع في البلاد عن موضوع هو في مركز الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي يعني عملياً أنه كان هناك في الشرق الأوسط مبادلة سكانية". ولكن المقابلة أو المساواة تقف عند هذا الحد، فبيكر يتفق مع كارول بصري، "القانونية" ذات الأصل العراقي، عندما تدعي أن ما أصاب اليهود العرب "ليس إلا تطهيراً عرقياً". ويضيف "أن من يريد أن يقابل بين روايات اللاجئين اليهود والعرب، فإنه سيجد حججاً أخلاقية وعادلة ضد مطالب الفلسطينيين بـ ‘حق العودة’"، ويشير إلى أن الفلسطينيين "تركوا" فلسطين، ويجد من يدعمه. ففي صيف عام 2000 في كامب دافيد "فوجئت القيادة الإسرائيلية بالمطلب الفلسطيني بـ ‘حق العودة’ لأربعة ملايين فلسطيني"، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون رأى أنه توجد "في الشرق الأوسط مشكلتا لاجئين، يهودية وعربية، وكل منهما تتطلب العدل والتعويض"، موضوع "التعويض" واضح، ولكن ليس "العدل"، فبيكر يقول: "إن عصر ما بعد الحداثة يرفض التبريرات الأيديولوجية ويعتبرها تفسيراً منحازاً للتاريخ. ولكن لا خيار آخر أمامنا. المعركة ضد ‘حق العودة’ مستمرة وتتطلب منا موقفاً واقعياً ومتماشياً مع الحقيقة في مقابل المبادئ الأخلاقية والعدالة الصهيونية". وما يقوله صراحة، هو إسقاط إحدى الأساطير الصهيونية، أي أن "معظم اليهود العرب جذبتهم إسرائيل بسبب مثل صهيونية فهم ليسوا لاجئين". وقد يشك المرء أن هناك ما يمكن اعتباره خلافا بين موقف الجماعات اليهودية خارج إسرائيل والحكومة الإسرائيلية، ولكن هذه الشكوك تتبدد عندما يكتب بيكر نفسه أن موضوع تعويض الممتلكات اليهودية في العراق "ينبغي أن يعالج بكثير من الحذر، وأن المؤتمر لن يبحث فيه دون تنسيق وثيق مع الحكومة الإسرائيلية" (2) .
__________
(1) (Die jüdische)، 30/7/2003.
(2) (Haaretz)، 16/5/2003.(1/213)
موقف أفي بيكر عبر عنه عندما شارك في "نقاشات" جرت أمام "لجنة العلاقات الدولية" التابعة لمجلس النواب الأمريكي، وتزامنت مع العدوان الأمريكي على العراق وغزوه. ويلاحظ أن موقفه بالنسبة للمطالبة بتعويضات عن الممتلكات اليهودية العراقية، أو الممتلكات اليهودية العربية بشكل عام، لا يتعارض وقيام اليهود بالمطالبة بالتعويض عن ممتلكاتهم بشكل منفرد، وبمعزل عن أي تحرك دولي، إذ يقول أنه "لا يمكن استثناء إمكانية أن يقوم اليهود برفع دعاوى بشكل مستقل". إن تزامن هذه الحملة للمطالبة بالتعويض مع احتلال العراق يدل على أن هناك خلفية سياسية لا علاقة لها بالحصول على تعويضات مادية، بقدر ما هي محاولة جادة، من وجهة النظر الإسرائيلية والأمريكية، للتخلص من الأعباء المادية التي على طرف ما أن يتحملها عندما يتم التوصل إلى "حل عادل وشامل" بالاستناد إلى اتفاقيات الحل النهائي، كاتفاقية جنيف، التي تصفي عملياً القضية الفلسطينية بالكامل. ويشير بيكر إلى مفاوضات كامب دافيد لعام 2000 ويقول "أن كلينتون قد ربط بشكل مباشر بين حقوق اللاجئين العرب واللاجئين اليهود الذين أرغموا على مغادرة الدول العربية، بما في ذلك العراق. وقد حدد كلينتون بأن إطار أي اتفاقية سلام ينبغي أن يتضمن تأسيس صندوق دولي تعالج فيه مطالب اللاجئين من الجانبين وتدفع منه التعويضات لكل من اللاجئين العرب واليهود".
ما هو المطلوب؟(1/214)
حملة "المؤتمر اليهودي العالمي" (1) تتمحور حول إثارة قضية "اللاجئين اليهود من البلدان العربية"، كمقابل للاجئين الفلسطينيين، وليس بالضرورة للمطالبة بأي تعويضات. فالمؤتمر، الذي عقد بتاريخ السادس عشر من تشرين الثاني عام 2003 في مونريال (كندا) ونظمه "المؤتمر اليهودي الكندي" تحت عنوان: "اليهود من البلدان العربية: النزوح المنسي" (2) يهدف إلى "تثقيف الناس وجعلهم يدركون أن إسرائيل هي وطن 620 ألف يهودي هربوا من البلدان العربية، وأن اليهود اهتموا بأبناء جلدتهم ولم يتركوهم يعانون في مخيمات للاجئين"، على حد تعبير كيث لاندي (3) ، رئيس المؤتمر. وشارك في المؤتمر اروين كوتلر، الذي قال: "من المهم الإدراك من أجل العدالة والسلام والمصالحة أن هناك لاجئين يهود كما أن هناك لاجئين عرب، وأن ظاهرة اللاجئين اليهود جاءت في الحقيقة نتيجة التفرقة ضد اليهود بدعم حكومي في البلدان العربية" (4) .
__________
(1) عقد "المؤتمر اليهودي العالمي" عدة مؤتمرات حول موضوع "اللاجئين اليهود من البلدان العربية"، بلغت سبعة حتى شهر حزيران 2003. أنظر (World Jewish Congress, News)، 30/6/2003 حول المؤتمر الذي عقد في لندن بتاريخ 29/6. يذكر أن (Dia Kashi)، العراقي "المسلم"، كما يعرفه "المؤتمر اليهودي العالمي"، ألقى محاضرة يعرض فيها "ذكرياته السعيدة" حول أصدقائه اليهود في العراق. الشخص نفسه ساهم في تأسيس منظمة "حقوق الانسان" العراقية (Charter 91). وحسب مصدر آخر سافر ضياء، الذي يمتلك مقهى في لندن، إلى إسرائيل للمشاركة في تأسيس "لجنة الصداقة العراقية الإسرائيلية" (Iraqi-Israeli Friendship Committee)، أنظر (The New York Times Magazine)، 2/3/2003.
(2) (Jews from Arab Lands: A Forgotten Exodus).
(3) (Keith Landy).
(4) (Arutz Sheva)، 20/11/2003.(1/215)
إن الكندي العادي، الذي ربما لم يسمع من قبل بالقصة الحقيقية للقضية الفلسطينية، سوف يتخذ، وبشكل تلقائي، موقفاً مناوئاً للعرب الذين "طردوا اليهود" ولم يحتضنوا اللاجئين الفلسطينيين، وتركوهم يعيشون في مخيمات بائسة، كما سيتعاطف مع دولة إسرائيل التي احتضنت أبناءها وتواصل رعاية حقوقهم.
اتفاقية جنيف(1/216)
شكل الوضع القائم بعد احتلال العراق الأرضية المناسبة للكشف عن، والبدء بتنفيذ، خطط قديمة تلغي حق العودة، وبالتالي تصفي أحد الحقوق الأساسية للاجئين الفلسطينيين. هذا هو جوهر ما يسمى بـ "اتفاقية جنيف"، التي يمكن وصفها بأنها تخلت عن الوطن وقبلت بحق "اليهود" المزعوم بأرض فلسطين. فهذه الاتفاقية، التي تسقط "حق عودة" الفلسطينيين إلى فلسطين التاريخية، تخصص جزءاً كبيراً نسبياً من نصوصها لموضوع اللاجئين وتصفية وضعهم، بما يتناسب مع خطط الحل النهائي للقضية الفلسطينية، الذي يعني حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة. فالبند السابع حول موضوع اللاجئين يحتل ست صفحات من مجموع 27 صفحة حسب النص المنشور في "لوموند ديبلوماتيك". ولكن ما يلفت النظر في هذا البند أنه لا يحدد هوية اللاجئين، الذين يتكلم عنهم، إلا في الحالات الواضحة بأن المقصود هم اللاجئون الفلسطينيون، كالتوطين في البلاد العربية. فعنوان المادة هو "اللاجئون" فقط، وكذلك البند الأول، الذي يحدد أهمية "مشكلة اللاجئين"، لا يشير إلى اللاجئين الفلسطينيين على الإطلاق. وهذا يذكر بما كانت تركز عليه منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" من أن كلمة "اللاجئين" في قرار مجلس الأمن رقم 242 يمكن أن تفسر بأنها تعني أيضاً "اللاجئين اليهود" إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين. والبند العاشر من المادة يخص "تعويض اللجوء"، ويشير إلى تأسيس "صندوق تعويض"، تشرف عليه لجنة دولية، بدون تحديد هوية اللاجئين. هذه اللجنة، حسب المادة 11، مسؤولة عن تنفيذ "جميع جوانب الاتفاقية الخاصة باللاجئين"، وستقوم بتأسيس "لجان فنية" من بين مهامها وضع آليات لحل أي خلافات قد تنشأ عند تفسير مواد الاتفاقية في ما يخص اللاجئين.(1/217)
مباشرة بعد الاحتفال الصاخب والغنائي الذي أجري في المدينة، التي حملت الاتفاقية اسمها، كان فريق الاتفاقية يعرضها في الولايات المتحدة في الثالث من كانون الأول عام 2003 في "مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط" (1) ، الذي أسسه الملياردير الأمريكي حاييم سابان في واشنطن في الثالث عشر من أيار عام 2002 ويحمل اسمه (2) ، ويتبع "مؤسسة بروكنغس" (3) . يقوم "مركز سابان" بإعداد "أبحاث أصيلة"، من بينها "بناء الدولة الفلسطينية المستقبلية" و"دروس للدبلوماسية الأمريكية من كامب دافيد ". وسيتولى المركز الإشراف على المشروع الدائم لـ "مؤسسة بروكينغس"، وهو "السياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي"، الذي تدعمه كل من بروكينغس، "مؤسسة فورد" والحكومة القطرية. كما يعمل المركز على مشروع خاص حول "الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية". ويتضح الهدف من "مركز سابان" عندما نعرف أن مديره هو كينيث بولاك (4) ، الذي كان يعمل في "وكالة الاستخبارات المركزية" و"مجلس الأمن القومي" الأمريكي. وما كتبه كينيث مؤخراً (5) يشير إلى الاهتمام البالغ للإدارة الأمريكية بوجود خطط لدى العراق لتطوير أسلحة دمار شامل، وخاصة السلاح النووي، ومجرد وجود الخطط، مهما كانت بسيطة، شكلت تبريراً كافياً لشن العدوان على العراق حتى بالنسبة لبولاك.
__________
(1) أنظر (http://www.brookings.org/comm/events/20031203.htm).
(2) (Saban Center for Middle East Policy)؛ أنظر الموقع الإعلامي لوزارة الخارجية الأمريكية (http://usinfo.state.gov/usa/islam/pr051302.htm).
(3) (Brookings Institution).
(4) (Kenneth Pollack).
(5) أنظر مقاله "جواسيس، أكاذيب وأسلحة: أين الخطأ؟" في (The Atlantic)، كانون الثاني/شباط 2004 والمقابلة التي أجريت معه والمنشورة في العدد نفسه.(1/218)
ومن الواضح أن تعيين هذا الشخص في إدارة مركز اليهودي الإسرائيلي سابان هو بسبب التهديد المحتمل الذي كان يشكله العراق لإسرائيل.
وربما تمثلت "الدروس من كامب دافيد" بكيفية جعل الفلسطينيين يقبلون بالمشروع المطروح آنذاك. لهذا جاءت مباحثات طابا نهاية العام 2000 لإعادة صياغة مشروع كامب دافيد، وهذا ما كان يعرضه الثنائي ياسر عبد ربه ويوسي بيلين في "مؤسسة بروكينغس" في الثالث عشر من تشرين الثاني عام 2001 (1) . لم يكن حينها "مركز سابان" قد أسس بعد، ولكن سابان، اليهودي المصري الأصل الذي ترعرع في إسرائيل، هو أحد أعضاء مجلس الإدارة لبروكينغس. وبعد تأسيس المركز مباشرة نظمت أيباك فيه نشاطاً دعت إليه طلاباً من جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية لمجابهة النشاطات الموالية للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية، والتصدي لحملات تطالب بعدم التعامل مع شركات إسرائيلية، كالحملة التي نظمتها حركة "الطلاب من أجل العدالة في فلسطين" (2) . وحملة أيباك، التي ساهم سابان بتمويلها، تمثلت بانتقاء أربعة طلاب من كل جامعة ودربتهم، ثم جندتهم ليقوموا بمناهضة النشاط الداعم لفلسطين، وشمل هذا النشاط ستين جامعة موزعة على خمس وثلاثين ولاية أمريكية. وفي نشاط موازٍ قامت هيليل (3) ، وهي أكبر منظمة يهودية جامعية في العالم، بإحضار أربعمائة طالب إلى إسرائيل، بقي منهم ثمانون في جامعة تل أبيب ليتلقوا "تدريباً مكثفاً في الولاء لإسرائيل" (4) .
__________
(1) انظر حول هذا المؤتمر الصحفي (Foundation for Middle East Peace) في (http://www.fmep.org/analysis/policy_forum_israeli-palestinian_settlement11-13-01.html).
(2) أنظر "جيفري بلانكفورت"، (San Francisco Bay Area Indymedia)، 12/1/2003.
(3) (Hillel).
(4) أنظر موقع "مركز القدس للشؤون العامة" (Jerusalem Ceter for Public Affairs)، (http://www.jcpa.org/campus/archive/2003-04/2003-04-07.html).(1/219)
توطين، لا تعويض
الهدف من حملة "العدالة لليهود من البلدان العربية" يتلخص في مواجهة أيُّ مطلب فلسطيني بحق العودة على المستوى السياسي في مرحلة مفاوضات "الحل النهائي" لمعادلته، أو حتى إلغائه. وفي مرحلة لاحقة، وعلى المستوى القضائي، إجمال قيمة "حقوق" اليهود العرب ومقابلة ذلك بالحقوق الفلسطينية. ولا تخفي المنظمة هذا الهدف بقولها: "هناك واجب أخلاقي بأن يدرج موضوع العدالة لليهود العرب من البلدان العربية في موضعه الحقيقي على الأجندة السياسية والقانونية الدولية وأن يتم ضمان حقوقهم من وجهة نظر القانون والإنصاف". لهذا توضح المنظمة أهدافها بأنها "تسجيل تجربة اليهود المشردين من البلدان العربية وتوثيق مطالبهم الشرعية". والغرض ليس "جمع النقود، فالجهد الرئيسي يتركز على تسجيل الشهادات وجمع المعلومات" (1) . حملة منظمة "العدالة لليهود من البلدان العربية" لا تطالب بـ "التعويض"، وإنما تقتصر في دعوتها على "حق التعويض" (2) . وتتضمن الوسائل التي ستلجأ إليها المنظمة "مكتب المندوب السامي للاجئين" و"ميثاق الأمم المتحدة لوضع اللاجئين"، و"صندوق تعويضات أنشأ في إطار تسوية عربية إسرائيلية شاملة" (3) . الموضوع، إذن، ليس الحصول على تعويض، وإنما توطين اللاجئين الفلسطينيين. الإعلامي جوزف فرح (4)
__________
(1) "روزنبلات"، (The Jewish Week)، 23/5/2003.
(2) (right to redress). ويلاحظ استخدام الكلمة المطاطة (redress)، بدلاً من(restitute).
(3) حسب التقرير المختصر للمنظمة.
(4) (Joseph Farah). جوزيف فرح، أمريكي من أصل عربي، هو مؤسس موقع "ورلد نيت دايلي" (WorldNetDaily) ومديره التنفيذي..يكتب أسبوعياً في صحيفة "الجيروسالم بوست" الإسرائيلية الصادرة في القدس ويساهم أيضا بمقالات لـ "الوول ستريت جورنال، ناشينال ريفيو، تي في غايد، ريزون، لوس أنجلوس تايمز، ذي بوسطن غلوب، ذي سان فرانسيسكو كرونيكلز، الشيكاغو صن تايمز [أنظر ص 67]، والعديد من المؤسسات الصحفية القومية، العالمية، والمحلية". تصريحات فرح العنصرية والمعادية للفلسطينيين أكثر من أن تحصى، مثلاً نشر موقع لـ "الشباب الصهيونيين" (Betar) في إنجلترا بتاريخ 24/10/2003 مقالاً لفرح تحت عنوان "ادينوا عداء السامية" يقول فيه: "العالم الإسلامي المتطرف يفهم فقط لغة القوة والعظمة ولا يحترم الضعف"؛ أنظر (http://www.betar.co.uk/articles/betar1067016796.php). بعض المعلومات حول فرح من موقع (Creators Syndicate).(1/220)
يجعل العراق مديناً ليهوده واليهود العرب: "كيف يمكن لهذا الدين أن يدفع؟ ليس بالأموال، وإنما باعتذار يقدم لليهود من قبل الحكومة الجديدة [للعراق]، وتعهد بأن تقوم بالمساهمة في حل أزمة اللاجئين العرب بالطريقة نفسها التي حلت بها أزمة اللاجئين اليهود" (1) . فرح، صاحب الشبكة الإعلامية "ورلد نيت دايلي" ذات العلاقات المشبوهة (2) يروج لفكرة قديمة، ربما ما زالت مطروحة، وهي توطين الفلسطينيين في العراق.
في النهاية، الهدف من الزوبعة الوهمية التي أثارتها المنظمات والجماعات اليهودية حول ما يسمى باللاجئين اليهود من البلدان العربية، ليس إعادة الحقوق لليهود العرب بالمعنى الشامل للكلمة، أي تصحيح الخطأ وإعادتهم إلى موطنهم في البلدان العربية، فهذا يتطلب تصحيحاً مقابلاً يتمثل بإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى موطنهم، وهو فلسطين. على العكس من ذلك، من الواضح أن الهدف هو ترسيخ الخطأ الأصلي، أي إبقاء اليهود العرب في وطنهم الجديد الزائف وتوطين الفلسطينيين مكان اليهود في البلدان العربية أو أماكن أخرى. كل هذا كان مخططا له أن يحصل مع توقع القضاء على العراق كعنصر قومي عربي فاعل في الحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
(((
اختراق السوق العراقي
"الأشخاص الذين نحن على اتصال معهم يتحركون من وإلى العراق بحرية. لهم أقارب في العراق، ولديهم صحافيون يعملون هناك. ومن خلالهم لدينا اتصالات بشكل غير مباشر مع مثقفين، صحافيين، ورجال أعمال. وعملياً، نحن نقوم الآن ببناء الأسس لعلاقات ثقافية، وغيرها، بين إسرائيل والعراق".
الروائي الإسرائيلي سامي ميخائيل
__________
(1) (WorldNetDaily)، 13/1/2003.
(2) المدعو "أنتوني لوبايدو" (Anthony LoBaido)، مراسل الشبكة، تمكن عام 2000 من الاتصال مع عملاء من الموساد في المنطقة، يذكر اسم أحدهم في قبرص، حسب ما جاء صراحة في أحد التقارير التي نشرتها الشبكة الاعلامية بتاريخ 8/2/2001.(1/221)
الإشارات إلى دور إسرائيلي في اختراق العراق، المسلوب الإرادة تحت الاحتلال، بدأت تظهرها مصادر إسرائيلية وأمريكية مباشرة بعد الاحتلال، كاستغلال خط الأنابيب، الذي يربط كركوك بميناء حيفا. وفي شهر حزيران ترددت أنباء عن زيارة رجال أعمال إسرائيليين لبغداد، وفي الوقت نفسه تأسست شركة "قانونية" في بغداد لتسهيل الاستثمارات "الأجنبية" في العراق أظهرت التحقيقات أن لها علاقة بمارك زيل، أحد غلاة المستوطنين في فلسطين وشريكه دوغلاس فايث، مساعد وزير الدفاع الأمريكي للسياسة، وهو أحد الذين ساهموا عام 1996 في صياغة خطة لتغيير النظام في العراق قدمت لبينيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك. تمثل التحرك الإسرائيلي للتوغل في السوق العراقي بالإعلان رسمياً في تموز بأنه يسمح للشركات الإسرائيلية بتصدير بضائعها إلى العراق. وقد أوكلت مهمة تطوير نظام يمكن الشركات الإسرائيلية من تسويق منتجاتها إلى رجال أعمال وسياسيين سابقين. وشكلت جمعية بعض أعضاءها من رجال الأعمال الإسرائيليين من أصل عراقي، تهدف عملياً إلى اختراق العراق اقتصادياً. وفي شهر آب نظمت "مؤسسة التصدير الإسرائيلية" الحكومية مؤتمراً في تل أبيب لاستكشاف إمكانيات السوق العراقي. وتنوعت الصادرات الإسرائيلية إلى العراق المحتل لتشمل الأطعمة السريعة، المنتجات الزراعية، التجهيزات الأمنية، أجهزة الاتصالات، والكثير غيرها. وكذلك كانت هناك مؤشرات على توغل إسرائيليين أو يهود في سوق العقارات في العراق.
البترول العراقي يصل إلى حيفا(1/222)
بعد سقوط بغداد مباشرة، ذكرت "وزارة البنى التحتية" الإسرائيلية إمكانية إعادة فتح خط أنابيب البترول الذي كان يربط حقول النفط في كركوك بميناء حيفا، وذكرت صحيفة الغارديان أن دوغلاس فايث كان أحد الداعمين لهذه الفكرة (1) . وأخبر بينيامين نتنياهو، وزير المالية الإسرائيلي، مجموعة من الصحافيين البريطانيين أن البترول العراقي من الآبار الشمالية سيصب، عبر الأردن، في ميناء حيفا (2) . وجرت الإشارة أيضاً إلى مشروع خط حديدي يربط بغداد بحيفا ويمر عبر أربد، شمال الأردن (3) . بعض المصادر أشارت إلى أن إسرائيليين كانوا يقومون فعلاً بترميم أنبوب النفط "أثناء التحرير"، وقد لوحظ في هذا السياق تصاعد هجمات المقاومة العراقية ضد أنابيب البترول. واستشهدت بعض وكالات الأنباء بعراقيين يقولون: "أننا نفضل الموت على أن ينقل بترولنا بمساعدة الأمريكيين إلى إسرائيل" (4) . وبعد إعلان بوش عن انتهاء "العمليات العسكرية" أخذ جون تايلور، نائب وزير المالية الأمريكية، يحث من القاهرة الشركات الإسرائيلية على القيام "بالعمل، الاستثمار، والمساهمة في مجالات مختلفة" في العراق (5) ، وصرح في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية "أن السوق العراقي سيكون دائماً مفتوحاً للمنتجات الإسرائيلية" (6) .
"أعز الأصدقاء"
__________
(1) "بريان ويتاكر"، (The Guardian)، 7/10/2003.
(2) "ليندا هيرد"، (Gulf News)، 12/8/2003.
(3) (The Daily Star)، 20/10/2003.
(4) (Arab Times)، الكويت، 29/6/2003، حسب عبد الهادي الصالح من صحيفة "الأنباء" الكويتية، 28/6/2003.
(5) (The Daily Star)، 20/10/2003؛ المعلومة من القاهرة من (Arab Times)، الكويت، 29/6/2003.
(6) (Yediot Ahronot)، 21/6/2003؛ عن (Islam Online)، 24/6/2003.(1/223)
في بداية أيار 2003 تسربت من لندن، مقر "المؤتمر الوطني العراقي"، أنباء عن الجهود التي كان يبذلها رجل الأعمال الإسرائيلي دافيد ساسون (1) ، العراقي الأصل، لاختراق السوق العراقي بالتعاون مع "المعارضة العراقية". ساسون يصف نفسه بـ"الإسرائيلي الوحيد" في "صندوق تطوير إعادة إعمار العراق" (2) (لندن)، وهو من أسس عام 1998 (3) "لجنة الصداقة العراقية الإسرائيلية" بالتعاون مع إسرائيليين من أصل عراقي، كالكاتب سامي ميخائيل (4) . ترك ساسون العراق عبر إيران عام 1950، وفي إسرائيل اشتغل في مجال "السفريات"، ولكنه رغب بعد حرب عام 1973 بترك إسرائيل، "فالإسرائيليون يعرفون كيف يصنعون الحرب، ولكن ليس السلام"، فذهب إلى إيران، غير أنه اضطر إلى الهرب عام 1979، هذه المرة "من الخميني". وسافر إلى القاهرة ليقضى ثلاثة أعوام في مجال الأعمال، حيث "كان يشحن بضائع متنوعة بين إسرائيل وميناء الإسكندرية". ولكن بعد الحرب في لبنان عام 1982 توقف كل شيء. يقول ساسون: "انزعجت جداً كيهودي إسرائيلي يعيش في القاهرة في حين كانت إسرائيل تقصف بيروت". فذهب إلى لندن وأسس شركة استثمارية مع مصري من "ثورة ناصر". وحالياً يمضي فترة تقاعده بين لندن و"شقة في تل أبيب". أحد "أعز أصدقائه" زميل دراسة قديم من بغداد كانت عائلته تملك "جميع الأراضي التي تقع عليها قصور صدام" في بغداد. فيما بعد، أصبح هذا الصديق العزيز نائب رئيس الأوبيك، وهو الآن أحد كبار الأثرياء العراقيين في المنفى.
بين "المؤتمر" و"سومر"
__________
(1) (David Sasson).
(2) (Development Fund for the Rebuilding of Iraq).
(3) (Agence France-Press English Wire)، 28/3/1998. حسب (The Jerusalem Report): 1997.
(4) (Sami Michael).(1/224)
اليوم، وبعد احتلال العراق، يخطط ساسون لإحضار كل هؤلاء الأصدقاء إلى لقاء في إسرائيل ليخاطبوا اليهود العراقيين الذين يعيشون في "الدولة اليهودية". وبدون أن يذكر أي أسماء يشير إلى أن أحد العراقيين في المنفى تحمس للغاية بعدما سمع عن تأسيس "لجنة الصداقة العراقية الإسرائيلية"، وقال أن "لليهود العراقيين في العراق حقوق أكثر من أي مجموعة أخرى في العالم. سبعون بالمائة من بغداد هارون الرشيد كانت يهودية". هذا الصديق هو محرر صحيفة "المؤتمر" (1) وقد ذهب إلى الكويت ليؤسس صحيفة جديدة في بغداد باسم "سومر"، وطلب من ساسون أن يبحث له عن كتاب يهود عراقيين من إسرائيل ليساهموا بالصحيفة الجديدة. وحول دوره في "صندوق تطوير إعادة إعمار العراق" يقول ساسون: "الغرض ليس جمع الأموال، وإنما تحقيق اتصالات بين الشركات الكبيرة من مختلف أنحاء العالم. في شهر حزيران سيكون هناك لقاء سأدعو إليه إسرائيليين، وسأعمل على إحضار رجال أعمال عراقيين كبار إلى إسرائيل". وعما إذا تجاوب هؤلاء مع هذه الفكرة، يقول: "نعم، قالوا أنهم مستعدون لزيارة إسرائيل. هذه حياتي. أريد لشعبي أن يعيش بسلام. في صحيفة ‘المؤتمر’ لن تجدوا أي شيء عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إنهم لا يحبون الفلسطينيين، لأنهم وقفوا مع صدام عام 1991" (2) . وفي المؤتمر، الذي عقدته "المعارضة العراقية" في لندن في كانون الأول 2002 دعي العديد من اليهود كمندوبين من إسرائيل (3) .
"يحملون رشاشات عوزي"
__________
(1) هي الناطق الرسمي باسم "المؤتمر الوطني العراقي"، وتصدر من لندن.
(2) (The Jerusalem Report)، 4/5/2003.
(3) (The New York Times Magazine)، 2/3/2003.(1/225)
على هامش اجتماع "المنتدى الاقتصادي العالمي" الذي عقد في البحر الميت في أواخر حزيران 2003 صرح إيهود أولمرت، وزير التجارة الإسرائيلي، بأن "إسرائيل تريد ابرام اتفاق سلام مع العراق". وأضاف الوزير: "لا أعتقد أننا سنقوم بتجارة مع العراق الآن لكننا نأمل في أن نشارك في قطاع الأعمال عندما تتحرك الأمور في هذا البلد. نحن نعرف شخصيات بارزة في العراق" (1) . وخلافاً لما قاله وزير التجارة كانت الأمور تتحرك فعلاً في ذلك الشهر. فحسب مراسل "إسلام أون لاين" في بغداد فأن "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية وبعض شركات الإعمار قامت باستئجار "فندق بغداد" وأسكنت فيه ممثلين عن شركات إسرائيلية وبعض عناصر المخابرات. ولوحظ أن من بين الأجانب الذين كانوا يتجولون في الفندق مدنيين مسلحين، و"همسات متزايدة أن هؤلاء جاءوا لحماية الشركات الإسرائيلية العاملة [في العراق]". أحد موظفي الفندق أخبر مراسل "إسلام أون لاين" أن الأسلحة الخفيفة التي كان يحملها بعض هؤلاء "ليست أمريكية وإنما رشاشات عوزي الإسرائيلية المعروفة". وكان قد جرى توزيع منشور في بغداد يطالب المواطنين العراقيين بمقاطعة الفندق، "لأنه يستخدم من قبل عملاء مخابرات يهود وإسرائيليين" (2) . كما بدأت بالصدور في بغداد صحيفة "المؤتمر الوطني العراقي"، التي لم تسمع شيئاً عن "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، وأخذت تجري استطلاعات للرأي هناك (3) .
"المدخل المهني إلى العراق"
__________
(1) مؤتمر صحفي عقد بتاريخ 23/6/2003 ("الرأي" الأردنية، 24/6/2003).
(2) (Islam Online)، 24/6/2003. ذكرت "الدايلي ستار" عن "الحياة" الصادرة في لندن بدون الاشارة إلى التاريخ أن مجموعة من الصناعيين الإسرائيليين زارت بغداد لتحري فرص الاستثمار في العراق.
(3) (The Weekly Standard)، 6/3/2003.(1/226)
وفي حزيران أيضاً افتتحت في حي الحارثية في بغداد، مؤسسة "قانونية" تطلق على نفسها اسم: "المكتب الدولي العراقي للمحاماة والاستشارات القانونية" (1) ، وتعلن عن نفسها بأنها "المدخل المهني إلى العراق الجديد". وتضم المؤسسة "خبراء أمريكيين ذوي مستوى عالٍ وخبراء أجانب بتدريب بريطاني في مجال الأعمال، بالإضافة إلى فريق من محامين ومهنيين عراقيين". وتهدف المؤسسة إلى "تقديم المعلومات والوسائل، التي تتطلبها الاستثمارات الأجنبية، لدخول العراق الجديد بنجاح". وتعمل المؤسسة كـ "مستشارين دوليين" لـ "الغرفة التجارية العراقية" و"اتحاد الصناعيين العراقيين"، وتركز على أنها "عراقية" وفي "العراق"، وأنه لا يوجد بين العاملين فيها "أي عضو كان منتمياً إلى حزب البعث التابع لصدام". ولكن للمؤسسة نشاط أيضاً في عدد من "المشاريع السياسية والمدنية". هذه "المشاريع"، هي: "إصلاح القانون التجاري، الإجراءات الدستورية، تعويض الضحايا وإزالة حزب البعث". وقد أنشأت المؤسسة "أحدث تكنولوجيا للأقمار الصناعية" لتسهيل الاتصال بها.
__________
(1) (Iraq International Law Group)؛ المعلومات حول المؤسسة من موقعها على الإنترنت: (http://www.iraqlawfirm.com/).(1/227)
المسؤول عن هذا "الإنجاز الكبير" هو سالم الجلبي، الذي يشار إليه باقتضاب على أنه "عضو في نقابة المحامين لولاية نيويورك". ولكن بريان ويتاكر (1) كشف أن سالم هذا ليس إلا ابن شقيق أحمد الجلبي، رئيس "المؤتمر الوطني العراقي"، وعضو "مجلس الحكم الانتقالي" الذي تولى رئاسته الدورية في أيلول. لا يُعرف الكثير عن سالم الجلبي، سوى أنه شارك قبل بداية العدوان في مؤتمر عقد في لندن يهدف "إلى نشر الديموقراطية في العراق" ودعم "لجنة مصالحة عراق ما بعد الحرب حسب نموذج طبق في جنوب أفريقيا". وقبل الغزو، كان في شمال العراق في مهمة تجارية، وأثناء الغزو حاول البنتاغون تعيينه كمستشار لوزارة العدل التي أنشأت ضمن الإدارة المدنية وكان جاي غارنر مسؤولاً عنها حينذاك. وبعد الاحتلال ذكر أنه عضو في لجنتين لتقديم النصح لـ "الحكومة الجديدة" في شؤون "المال، التجارة، والاستثمار".
"زيل، غولدبرغ وشركاه"
__________
(1) (The Guardian)، 24/9/2003.(1/228)
لا يقدم "المكتب الدولي العراقي للمحاماة والاستشارات القانونية" في موقعه أي معلومات حول "الخبراء الأمريكيين"، الذين يتعاونون مع المؤسسة "القانونية"، والمسؤول عن الموقع ليس سالم الجلبي، وإنما مارك زيل، وعنوانه في واشنطن هو شركة "زيل، غولدبيرغ وشركاه". ولهذه الشركة مكاتب في تل أبيب، القدس، واشنطن، وموسكو. وتمثل الشركة "شريحة عريضة من الزبائن، متعددي الجنسيات ومحليين، في إسرائيل والعالم"، وتقدم لزبائنها المشورة القانونية في مجالات متعددة، من بينها "تمويل الشركات والسندات، رساميل المشاريع، مشاريع الهاي – تك والاستثمارات، الصفقات التجارية الدولية، قانون الاستثمار الدولي". ومنذ الحادي عشر من أيلول 2001، وسعت الشركة نشاطاتها لتصبح "رائدة في المجال الجديد لقوانين الأمن الدولي ومحاربة الإرهاب، وذلك بالتعاون مع مكتبها في واشنطن". وفي هذا الإطار تعمل "زيل، غولدبيرغ" بالتعاون مع شريكتها "تكنولوجيا الأمن الإسرائيلي الاتحادية" (1) في دعم الشركات الإسرائيلية بـ "ابتكاراتها في مجال الأمن" لتلبية متطلبات سوق الحكومة الأمريكية الاتحادية.
أمن إسرائيل
__________
(1) (Federal Israel Security Technologies).(1/229)
شركة "زيل، غولدبيرغ وشركاه" مرتبطة بـ "مجموعة ‘فاندز’ للقانون الدولي" (1) ، التي يملكها، إلى جانب مارك زيل، دوغلاس فايث (2) ، مساعد وزير الدفاع للسياسة في الإدارة الأمريكية الحالية. وبالرغم من الغموض النسبي المحيط بشخصية فايث بالمقارنة مع غيره من "صقور" الإدارة الأمريكية، فإن أفكاره حول الشرق الأوسط تعتبر "الأكثر تطرفاً"، حسبما ما جاء في مقال لجيم لوب في "آسيا تايمز". فقد كان مكتبه المعروف باسم "مكتب الخطط الخاصة"، "مسؤولاً، في كثير من الأحيان عن التعاون مع أحمد الجلبي، كجمع و‘طبخ’ المعلومات الاستخباراتية ضد صدام حسين". وبالتعاون مع "سلطة الائتلاف المؤقتة" أوصى مكتبه بشركات حصلت على عقود ضخمة، وأحياناً بدون مناقصات، وهو ما أدى بنظر بعض المشرعين الأمريكيين إلى أرباح مفضوحة. وتعيين سالم الجلبي كرئيس لـ "المكتب الدولي العراقي للمحاماة والاستشارات القانونية" بتخطيط من مارك زيل، شريك فايث، يثير مجموعة من القضايا التي تنم عن "تضارب في الصلاحيات". ومثل ريتشارد بيرل، يبدي فايث اهتماماً قوياً بإسرائيل وأمنها. والده دالك فايث كان عضواً في "بيتار"، وهي حركة عسكرية صهيونية كانت في بولندة قبل الحرب العالمية الثانية وتحولت فيما بعد إلى حزب الليكود. وقد كرم كل من الأب والابن من قبل "المنظمة الصهيونية لأمريكا"، وهي "خلافاً للمجموعات اليهودية الرئيسية تدعم مواقف حزب الليكود والاستيطان في الضفة الغربية".
__________
(1) المعلومات حول "زيل، غولدبيرغ" (Zell, Goldberg & Co.) و"مجموعة ‘فاندز’ القانونية الدولية" (FANDZ International Law Group) من موقع "أيروليغال"، وهي "شبكة" أوروبية للشركات القانونية، أحد أعضائها "زيل، غولدبيرغ" أنظر (http://www.eurolegal.net/html/israel.html).
(2) الاختصار FANDZ يعني (Feith and Zell).(1/230)
ومثل بيرل، كان فايث أحد أعضاء مجلس إدارة "المؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي" (جينسا). وفي عام 1999 أرسل هو وبيرل خطاباً مفتوحاً إلى الرئيس الأمريكي بيل كلينتون "يطالبانه فيه بالتعاون مع ‘المؤتمر الوطني العراقي’ لخلع صدام حسين" (1) . و"مكتب الخطط الخاصة" أخذ يعمل بعد الاحتلال على "تحويل العراق إلى حليف لإسرائيل" (2) .
"القرى الفلسطينية هي مستوطنات"
__________
(1) المعلومات حول "دوغلاس فايث" حسب مقال لـ "جيم لوب" في (Asia Times Online)، 7/11/2003.
(2) (Knight Ridder)، 11/7/2003؛ عن (Center for Cooperative Research) حول "مكتب الخطط الخاصة".(1/231)
في الخامس والعشرين من أيلول 2003، أي بعد يوم واحد من كشف بريان ويتاكر عن "ملكية" موقع "المكتب الدولي العراقي للمحاماة والاستشارات القانونية" لمارك زيل، حولت "ملكية" الموقع إلى سالم الجلبي (1) . ويرى ويتاكر أن هذه المؤسسة تمثل "أول مشروع إسرائيلي عراقي على المستوى العلني منذ سقوط صدام حسين"، ويعتقد أيضاً أن النصوص في موقع هذا المشروع على الإنترنت كتبها أحد العاملين في مكتب شركة "زيل، القدس". الأمريكي مارك زيل، البالغ من العمر خمسين عاماً، قام بعدة رحلات إلى إسرائيل في الثمانينات، إحداها كانت بتمويل من الحركة الاستيطانية "غوش إيمونيم". وفي عام 1988 انتقل مع عائلته إلى مستوطنة ألون شيفوت (2) ، الواقعة في "التجمع الاستيطاني" غوش عتسيون، جنوب غرب القدس. وبهذا يكون قد اكتسب بشكل تلقائي الجنسية الإسرائيلية. وفي انتخابات عام 1996 قاد الحملة الانتخابية لبينيامين نتنياهو، ولفترة من الزمن كان عضواً في اللجنة المركزية والمكتب السياسي لحزب الليكود. ومنذ ذلك الحين أصبح أحد الناطقين الرئيسيين باسم المستوطنين. ويقول حول حق العودة للفلسطينيين: "ليس أن هذا الحق لا أساس له من الناحية القانونية فحسب، بل هو أيضاً غير مبرر تاريخياً". ومارك زيل يعارض في كتاباته استخدام مصطلح "مستوطنة" للمكان الذي يسكنه، فهو "في الحقيقة مدينة"، والقرى الفلسطينية "مستوطنات" (3) .
تنسيق الجهود
__________
(1) حسب مقال يتناول فيه "بريان ويتاكر" الموضوع من جديد؛ أنظر (The Guardian)، 7/10/2003
(2) (Alon Shevut).
(3) أنظر مقاله بعنوان "تاريخ ‘مستوطن’ في ‘المستوطنات’" المنشور في موقع للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية (Media Line)، 22/5/2002؛ أنظر (http://www.internationalwallof prayer.org/A-143-A-Settlers-History-of-Settlements.html).(1/232)
في حزيران عام 2003 أبدت عدة شركات إسرائيلية رغبتها في تطوير التجارة مع "عراق ما بعد صدام". ومثل هذه الشركات المحامي جيلعاد شير (1) ، المستشار السياسي وأحد "الرموز الأساسية في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية" في حكومة إيهود باراك السابقة. وصرح شير أن بعض الطلبات لدخول السوق العراقي جاءت من شركات أمريكية أرادت الاستفادة من خبرة الشركات الإسرائيلية ولإمكانية اختصار الوقت والجهد لدى استيراد البضائع. وقال: "لدى إسرائيل الكثير مما يمكن أن تقدمه، ما عدا العمالة البشرية". وأشارت المصادر إلى أن الطلبات جاءت أيضاً من "أردنيين، فلسطينيين، وعراقيين في المنفى". بينحاس ميدان-شاني (2) يمثل مجموعة من الشركات ترغب بدخول السوق العراقي، وكان مستشاراً للعلاقات الخارجية في حكومة باراك السابقة. وصرح بهذا الشأن أن الإسرائيليين يأملون "أن يزودوا السوق العراقي في البداية بالمعدات الهندسية، التجهيزات الطبية، المعلبات، وما لا ينتج في الأردن ودول الخليج، أو بالمواد التي تعتبر عملية نقلها من أوروبا والولايات المتحدة مكلفة وبطيئة".
"الأشرار" و"الأخيار"
__________
(1) (Gilad Sher).
(2) (Pinhas Meidan-Shani).(1/233)
يقول شير أن التحركات نحو دخول السوق العراقي كانت تجرى على مستوى منخفض "وبالتنسيق الكامل مع مسؤولين حكوميين أمريكيين"، وبرأيه فإن هذه الجهود ستنجح بالرغم من كل المعوقات. سيلفان شالوم، وزير الخارجية الإسرائيلي، أجرى اتصالات مع مسؤولين أمريكيين "للمساعدة بالحصول على عقود في العراق". وميدان-شاني ينظر إلى الموضوع كرجل أعمال، فيقول "إن فكرة دخول إسرائيل في السوق العراقي، هو أمر مثير للسخرية، ولكنها مسألة عملية". ويضيف: "نحن لا نعادي الشعب العراقي، وأقنعة الغاز لم تكن بسبب الشعب العراقي، وإنما بسبب النظام هناك ... الشرير لا يتحول إلى خيِّر مباشرة بعد الحرب، ولكن العراقيين لم يكونوا أبداً أشراراً". والخيِّر ميدان-شاني يمثل شركته الخاصة به، وهي "تلوث المياه والجو" (1) لإنتاج أجهزة أمنية على درجة عالية من الحساسية، كأجهزة تصوير حقائب المسافرين في المطارات. وذكرت في هذا الصدد مجموعة أمانيت (2) المتخصصة في تنظيم وإدارة الأنظمة التكنولوجية. وفي الأسبوع الثالث من شهر تموز أصدرت وزارة المالية الإسرائيلية قراراً يسمح للشركات الإسرائيلية بالقيام بأعمال في العراق، رغم أن هذا البلد ما زال رسمياً في حالة عداء مع إسرائيل. وقد جرى التنسيق لاتخاذ القرار مع وزير الخارجية، ويشمل الصلات التجارية والمالية، وخاصة تزويد السوق العراقي بالبضائع، وصرف الأموال وتحويلها. وبعد صدور القرار باشر شير ورجل الأعمال أمنون ليبكين-شاحاك (3) ، رئيس هيئة الأركان ووزير النقل في حكومة باراك السابقة، بالعمل على تأسيس نظام يربط، أو يتوسط، بين شركات إسرائيلية وأخرى أردنية وأمريكية، من تلك التي تنشط أو ستنشط في العراق.
__________
(1) (Water and Air Pollution)، وأحياناً تختصر على نحو (Watairpoll) وقد ذكر هذا الاختصار خطأ على نحو (Waterpool).
(2) (Amanet)، ذكرت هذه الشركة خطأ على نحو (Omnat).
(3) (Amnon Lipkin-Shahak).(1/234)
وتجرى هذه الجهود في إطار شركة شير القانونية (1) .
مثقفون تجار
__________
(1) المعلومات حول تحركات الشركات الإسرائيلية من المصادر التالية: (Dow Jones Newswires)، 17/6/2003؛ (Agence France-Presse)، 28/7/2003 (حسب مقال نشر في "يديعوت أحرونوت" بالتاريخ نفسه)؛ 20/8/2003؛ (Israel21c)، 3/8/2003؛ (The Diplomatic Club Magazine)، التي يصدرها "النادي الدبلوماسي في إسرائيل" (أنظر هامش 644).(1/235)
بعد أربعة أشهر من سقوط بغداد أعلنت مصادر صهيونية أن "إسرائيل تشارك بشكل كامل في إعادة صياغة المشهد العراقي بعد الحرب في المجالات الإنسانية وحقل الأعمال" (1) . الكاتب والروائي سامي ميخائيل، أحد مؤسسي "لجنة الصداقة العراقية الإسرائيلية" مع دافيد ساسون، يشير إلى أن مؤسسي هذه اللجنة (2) هم "مثقفون إسرائيليون بارزون" (3) . ويقول: "لا أعتقد أن أحداً في الحكومة يدرك إلى أي مدى اهتز الشرق الأوسط بعد سقوط صدام حسين. العراقيون أكثر جرأة بكثير من الأردنيين والمصريين. إذا قرروا المضي نحو السلام مع إسرائيل، فإنه سيكون سلاماً مكثفاً، عملياً ومثمراً. ولن يكون لدى العراق أي مشكلة اقتصادية، إنه بلد ثري جداً". هذا الاهتمام الشديد بالجانب الاقتصادي يوضحه بقوله: "إن بعض الأعضاء هم رجال أعمال. وأنا أتخيلهم ينشؤون روابط اقتصادية مع العراق. لا تنسوا أن الجماعة اليهودية في العراق كانت نشيطة جداً في مجال الاستيراد والتصدير، والكثير من النشاطات الحديثة لهذا القطاع في العراق هي نتيجة لمبادرات اليهود هناك. إذن، نحن نملك الخبرة المطلوبة. وهناك أيضاً شراكات عمل بين الإسرائيليين المولودين في العراق والمهاجرين العراقيين في مختلف أنحاء العالم. البنية التحتية متوفرة، علينا فقط أن ننتظر حتى تهدأ الأمور قليلاً في العراق" (4) .
"اتصالات بشكل غير مباشر"
__________
(1) (Israel21c)، 3/8/2003.
(2) يبدو أن اسم المؤسسة قد تحول في عام "تحرير العراق" إلى "جمعية إسرائيل للتكاتف مع الشعب العراقي" (Israel’s Society for Solidarity with Iraqi People).
(3) بالإضافة إلى "ساسون سومخ" يشار أيضاً إلى "زهير ساسون" (Zohier Sasson)، حفيد آخر حاخام للجماعة اليهودية في بغداد.
(4) (Israel21c)، 3/8/2003.(1/236)
الأمور ليست بهذه السهولة، يقول ميخائيل: "العراق مازال بعيداً عن الأمن. كنا نريد إرسال وفد من الأطباء الإسرائيليين إلى هناك لمعالجة أطفال عراقيين أصيبوا خلال الحرب. ولكن الوقت ليس مناسباً لهذا الأمر أيضاً". ولكن المنظمة الجديدة يمكن أن تساهم بطرق أخرى "مثلاً، هناك مجموعة من المهاجرين العراقيين مقرهم واشنطن يعملون حالياً على صياغة دستور لعراق ديموقراطي. وكثيراً ما يتصل بنا، نحن الإسرائيليين عراقيي الولادة، أعضاء من هذه المجموعة من أجل المشورة". ويشير إلى أن العلاقات مع العراق يمكن أن تتم عبر وسطاء: "الأشخاص، الذين نحن على اتصال معهم يتحركون من وإلى العراق بحرية. لهم أقارب في العراق، ولديهم صحافيون يعملون هناك. ومن خلالهم لدينا اتصالات بشكل غير مباشر مع مثقفين، صحافيين، ورجال أعمال". ونستطيع أن نتصور من هم هؤلاء الوسطاء، إذا تذكرنا علاقة دافيد ساسون، الإسرائيلي المقيم في لندن، مع "المعارضة العراقية". يقول ميخائيل: "عملياً، نحن نقوم الآن ببناء الأسس لعلاقات ثقافية، وغيرها بين إسرائيل والعراق ... سيمر بعض الوقت حتى يستقر الوضع في العراق، ولكننا انتظرنا خمسين سنة، فلماذا لا ننتظر أربع أو خمس سنوات أخرى؟" (1) ... أو ربما أكثر، فحسب ميخائيل، "لم يمر على العراق إطلاقاً سنة واحدة سادت فيها الديموقراطية. لا أمل في أن يصبح العراق دولة ديموقراطية في المستقبل القريب". أما بالنسبة لدولة إسرائيل، فيقول أنها "ينبغي أن تبقى يهودية. إذا كنا سنفقد الدولة اليهودية، فلماذا قدمنا كل هذه التضحيات؟ سيكون علينا أن ننهي كل شيء ونعود إلى ما كنا عليه، موزعين في كل أرجاء العالم ... الشرق الأوسط ليس مكاناً صحياً للأقليات" (2) .
__________
(1) (Israel21c)، 3/8/2003.
(2) (The Jewish News Weekly of Northern California)، سابقاً (Jewish Bulletin of Northern California)، 6/11/2003.(1/237)
باستثناء إسرائيل، بالطبع، المكان الأفضل صحياً للأقليات ... ربما في العالم!
"إمكانيات" السوق العراقي
قدرت "مؤسسة التصدير الإسرائيلية" حجم الصادرات الإسرائيلية المرتقبة، وغير المباشرة، بحوالي مائة مليون دولار سنوياً للسنوات الخمس القادمة، ولهذا عقدت هذه المؤسسة مؤتمراً في تل أبيب في العشرين من آب تحت عنوان "كيف تحصل على الأعمال في العراق"، حضره العشرات من رجال الأعمال وممثلين من وزارتي الخارجية والتجارة (1) . وصرح يتسحاق روزن (2) للصحيفة السويسرية "نوي تسورخر تسايتونغ"، أن الاهتمام بهذا المؤتمر كان كبيراً جداً (3) . أحد المسؤولين في المؤسسة، الذي فضل أن يبقى اسمه مجهولاً، قال: "نحن ندرس الدخول في مجالات الزراعة، المواد الخام، والبنية التحتية"، أي عملياً كل ما يشكل الاقتصاد العراقي، ويوضح أن "هذا السوق ليس كأوروبا والولايات المتحدة، إنه مليء بالفرص، إنه عصر جديد". وما يقصده المسؤول أن هذا السوق سيخضع لاقتصاد السوق الحر مع التغييرات المرتقبة التي ستتعرض لها قوانينه. وكانت يديعوت أحرونوت قد أشارت إلى أن النشاط التجاري الإسرائيلي سيتم عبر دول وسيطة كتركيا والأردن وبولندة. ويوضح المسؤول من "مؤسسة التصدير الإسرائيلية" هذا الأمر بقوله: "في البداية سترتبط الشركات الإسرائيلية بمقابلها من الشركات في تركيا، التي تمتلك خبرة تجارية أكبر مع العراق". ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، كما لاحظت عفرا بينغيو (4) ، مشيرة إلى أن "حكومة أرييل شارون ليس لديها حالياً أي استراتيجية للتعامل مع العراق.
__________
(1) (Agence France-Presse)، 20/8/2003.
(2) (Izhaq Rozen)، المسؤول عن "ملف العراق" في "مؤسسة التصدير الإسرائيلية".
(3) (Neue Zürcher Zeitung)، 6/11/2003.
(4) (Ofra Bengio). أنظر هامش 638؛ بينغيو "خبيرة في العلاقات الإسرائيلية العراقية" في جامعة تل أبيب.(1/238)
وربما ينبغي أن تكون هناك استراتيجية، ولكنهم لا يعرفون ماذا سيحصل في العراق". وتضيف "إن على أي رجل أعمال يفكر بأن يجرب حظه في العراق أن ينسى ذلك" (1) . وربما كانت بينغيو تتابع تصاعد المقاومة العراقية، غير أن الشركات الكبرى لا تكترث عندما تكون هناك إمكانية إتمام صفقة تجارية مغرية، كشركة (تامي) 4 (2) لتحلية المياه، التي بدأت فعلاً بإرسال بعض أجهزتها إلى العراق في شهر تموز.
"المشاركة في إعادة إعمار العراق"
__________
(1) في سياق آخر تقول بينغيو: "حتى لو كان هناك أشخاص عراقيون يصرحون من أماكن وجودهم في الغرب بأمور إيجابية حول إسرائيل، فإنه من الصعب جداً أن يقوموا بذلك الآن، والأمر ينطبق على الطرفين". أنظر (European Rim Policy and Investment Council)، مقابلات، 24/9/2003.
(2) (Tami 4).(1/239)
بالإضافة إلى ذلك فإن لـ "مؤسسة التصدير الإسرائيلية" حسابات خاصة قد لا تكون بينغيو مدركة لها (1) . فبناءً على السيد كيرياتي (2) فإنه من المألوف أن تحصل الشركات الإسرائيلية على عقود مع الدول العربية، ولكن، ولأسباب واضحة، نادراً ما يعلن عن هذه العقود. فمعظم الوقت تصل "خدمات" هذه الشركات إلى الشرق الأوسط "تحت مظلة الشركات الأوروبية والأمريكية، التي تتعاقد مع الشركات الإسرائيلية من الباطن"، غير أن كرياتي امتنع عن تسمية أي من الشركات الإسرائيلية العاملة حالياً في الشرق الأوسط. وأكد هذا الكلام أفيغدور يتسحاقي (3) ، الذي شارك في "المنتدى الاقتصادي العالمي" الذي عقد في الأردن في حزيران 2003، قائلاً أنه يعتقد "أن بإمكان إسرائيل المشاركة في إعادة إعمار العراق، فإسرائيل تتحلى بالموقع المناسب، وتمتلك الإمكانيات والوسائل، وبشكل خاص في مجال التكنولوجيا المتقدمة"، ولكنه يرى أن هذه المشاركة يمكن أن تتم "فقط عبر الولايات المتحدة، دول الخليج، الأردن، والفلسطينيين". وبالإضافة إلى المجالات الطبية والصيدلانية، بإمكان إسرائيل "المشاركة في إعادة اعمار المشاريع الزراعية والتكنولوجية المتقدمة".
"تردد العرب"
__________
(1) (The Diplomatic Club)، أنظر (http://www.diplomacy-club.com/israel/news.asp?NewsFile=economicagent).
(2) (Kiriati)، الدائرة الدولية لـ "مؤسسة التصدير الإسرائيلية".
(3) (Avigdor Yitzhaki)، المدير العام لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.(1/240)
السيد كرياتي يقدم تفسيراً لتردد العرب في الاستفادة من "الخدمات والبضائع الإسرائيلية"، عندما يشير من وجهة نظر اقتصادية تاريخية إلى "أن [هذا التردد] ليس سببه فقط الوضع السياسي الراهن. إنه الخوف من الإمبريالية الاقتصادية الإسرائيلية، بالإضافة إلى تاريخ الاستعمار وعدد المحميات التي كانت سائدة في المنطقة. وهذا التاريخ ترك ندوباً ويغذي الخوف من أن يُحكم [العرب] من قبل الآخرين، حتى لو كان ذلك على المستوى الاقتصادي فقط. إن الهوة الضخمة بين ناتج الدخل القومي في إسرائيل ومثيله في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الفروق في مستوى العصرنة والموقع الجغرافي لإسرائيل، يجعل منها في نظرهم غازياً اقتصادياً محتملاً". غير أنه يرى أن مخاوف العرب هذه غير واقعية، فاقتصاديات الدول العربية، مقارنة بإسرائيل التي تقف على مستوى الدول الثماني بتطورها التكنولوجي، ما زالت تفضل "نظام عمالة مكثف"، بدلاً من "الحلول المتقدمة تكنولوجياً" خصوصا تلك الدول التي تعاني من أزمة اقتصادية ونسبة عالية من العاطلين عن العمل، وهذا يعني أن ما يمكن ما تقدمه إسرائيل من "خدمات" لا يتطابق مع حاجات تلك الدول. وهذا التركيز على التكنولوجيا يعني أن مساهمة إسرائيل في مشاريع الأمم المتحدة للتنمية في دول العالم الثالث منخفضة. وبشأن المشاريع التي تشرف عليها المنظمة الدولية في المنطقة، يكشف كرياتي أن مساهمة إسرائيل تنحصر "بشكل رئيسي في تزويد الأونروا بالبضائع"! وفي حين أن اللاجئين الفلسطينيين لا يعرفون، على الأغلب، أن ما يوزع عليهم من بضائع يأتي من إسرائيل، فإنه تم استغلالهم كفلسطينيين مرتين، الأولى لدى استخدامهم كـ"نظام عمالة مكثف" في اعمار البنية التحتية للكيان الذي كان سبباً في تشريدهم، والثانية عند حصولهم على "مساعدات" تشكل صفقة مربحة للدولة التي أدت إلى الوضع الذي هم فيه.
الاستعمار فقط؟(1/241)
ويخفف كرياتي من أي دور "استعماري" لإسرائيل في المنطقة، عندما يخلص إلى القول بأنه "من غير المتوقع أن تتضخم الصادرات الإسرائيلية إلى الدول المجاورة بشكل مفاجئ". غير أنه يرى أن إسرائيل ستستفيد من شركات ستقوم على الأغلب بإدارة نشاطها انطلاقاً من إسرائيل لتقديم "خدمات مناسبة لدول نامية". وستختار هذه الدول إسرائيل لتستفيد من "خدماتها التكنولوجية" و"بيئتها الأمريكية الأوروبية". لا شك أن كرياتي، الذي يبدو وكأنه يفكر بعقلية اقتصادية صرفة، يدرك انطلاقاً من تاريخ "إسرائيل" أن هذه الدولة نفسها نشأت وترعرعت في حضن إحدى تلك "المحميات"، أي الانتداب البريطاني. وهي اليوم بـ "بيئتها الأمريكية الأوروبية" لا تختلف عن أي من الدول المتقدمة في أنها "تستفيد" أيضاً من "أنظمة عمالة مكثفة" من العالم الثالث، أي استغلال العمالة الرخيصة في المنطقة، وخاصة عمالة الفلسطينيين. وأهم من هذا الجانب الاقتصادي أو ذاك، فإن مخاوف الشعوب العربية في النهاية ليس مردها "الاستعمار الاقتصادي" فحسب، وإنما المشاعر القومية التي يحملها العرب تجاه ما جرى في فلسطين من استلاب وطن وزرع جسم غريب يشق الوطن العربي، وهو العائق الرئيسي أمام تطلعات الأمة العربية نحو الوحدة والتقدم. ومقابل ذلك هناك موقف مكتب المقاطعة في الجامعة العربية، الذي أقدم في تشرين الأول عام 2003 على شطب شركة هاليبورتن من القائمة السوداء للشركات التي تتعامل مع إسرائيل (1) .
الصادرات الإسرائيلية
__________
(1) (Associated Press)، 20/10/2003.(1/242)
يبدو أن الشركة الإسرائيلية انفو-برود (1) (تل أبيب) كانت مطلعة على تحركات الشركات الإسرائيلية، إذ صرح مديرها التنفيذي دورون بيسكين (2) : "قد يكون مؤذياً في هذه المرحلة الكشف عن حجم الصفقات التجارية الإسرائيلية في العراق. هناك الكثير من الأرقام، والبعض منها تروجها أطراف لها مصلحة في الموضوع" (3) . ومن الأرقام التي ذكرت بهذا الصدد، أن حجم "الصادرات" الإسرائيلية إلى العراق بلغ في شهر أيار ستة ملايين دولار وارتفع في شهر حزيران إلى حوالي 42 مليون دولار، أي سبعة أضعاف حجمه في الشهر السابق (4) . فقد استجابت الشركات الإسرائيلية بسرعة خاطفة لتغطية أي نقص في التجهيزات العسكرية الأمريكية، بدءاً من الأجهزة المطبخية المحمولة وانتهاء بالمحولات. ووجدت "فرق المهندسين" (5) في الجيش الأمريكي، وهي الجهة المسؤولة عن صيانة المنشآت النفطية العراقية والمطارات، أنه من الأرخص والأسرع أن تستورد من إسرائيل المواد اللازمة كالأنابيب، المضخات، والإسمنت المسلح (6) . وفي مجالات أخرى بدأت شركة شير بتلقي طلبات سريعة لبضائع أساسية كالتجهيزات الطبية، أغذية الأطفال، الحليب المجفف، وطلبات على المدى البعيد لمشاريع في مجالات البنية التحتية، الطاقة، والمياه. وتمثل شير شركتي "وتربول" و"أمانيت"، اللتين كانتا تعملان على اختراق السوق العراقي في حزيران.
__________
(1) "انفو-برود ريسيرتش (الشرق الأوسط) المحدودة" (Info-Prod Research (Middle East) Ltd.). شركة "إنفو-برود" "تجمع المعلومات" وتقدم لزبائنها النصح حول فرص الاستثمار وعنصر المخاطرة السياسية.
(2) (Doron Peskin).
(3) (The Daily Star)، 20/10/2003.
(4) (DEBKAfile)، 5/8/2003.
(5) أحد العاملين في "فرق المهندسين" هو الرقيب اليهودي بينجامين روثمان؛ أنظر أعلاه ص 12.
(6) (DEBKAfile)، 5/8/2003.(1/243)
وذكر أيضاً أن الشركة الأمريكية "ميدسيت – تطوير الشرق الأوسط" (1) ستفتح فرعين في بغداد وعمان و"امتداداً لها في إسرائيل". وتفكر الشركة بالاستفادة من المعلومات الإسرائيلية وضم شركات إسرائيلية. وثمة بنك أمريكي للتجارة الخارجية، لم يكشف عن هويته، يجري مفاوضات أصبحت في مرحلة متقدمة مع شركة إسرائيلية لإرسال خبراء زراعيين من إسرائيل إلى العراق وتمويل مشاريع إعادة تأهيل في القطاع الزراعي. ويقود هذه المفاوضات أهارون إفروني (2) رئيس شركة "غرين إيست" (3) ومدير "المعهد اليهودي العربي" في كلية "بيت بيرل" (4) .
"تمويل الإرهاب الفلسطيني"
__________
(1) (Medset – Middle East Development).
(2) (Aharon Efroni).
(3) (Green East).
(4) (Beit Berl College).(1/244)
"إنفو-برود" ليست مجرد "شركة" فأعضاؤها كانوا يحتلون مناصب رئيسية ليس في القطاع الصناعي الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً في قطاعات حكومية حيوية. موزي فيرتهايم (1) ، مدير الشركة، كان رئيس "الغرفة التجارية الإسرائيلية الأمريكية" و"اللجنة التجارية الدولية"، وهو مؤسس فرع كوكا كولا في إسرائيل ورئيسه. غيل فايلر (2) هو المدير الإداري في الشركة ولكنه يعمل أيضاً كمدير لـ "معهد أبحاث التجارة والاقتصاد في الشرق الأوسط"، التابع لـ "مركز الاختصاصات المتداخلة" الجامعي في هرتسليا. المركز الأخير يولي "الأفق الإقليمي" أهمية خاصة، لأن "شرق أوسط مسالم يتطلب أكثر من توقيع اتفاقيات. فهو بحاجة إلى التجارة، القضايا الاقتصادية المشتركة، القيم المشتركة، الاحترام المتبادل، والتفاعل الإنساني". ولغيل فايلر العديد من الدراسات حول الأوضاع الاقتصادية والتجارية في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً "دراسات" على شاكلة "القاعدة: الحلقات المفقودة" وهي محاضرة ألقيت في الاجتماع السنوي لـ "المنتدى الاقتصادي العالمي"، الذي عقد في دافوس (سويسرا) نهاية كانون الثاني عام 2003؛ أو "تمويل الإرهاب الإسلامي" وهي محاضرة ألقيت في شهر آب من العام نفسه في مؤتمر عقد في تايوان تحت عنوان "الولايات المتحدة، شرق آسيا والشرق الأوسط بعد الحرب على العراق". ومن مساهاماته محاضرة ألقاها بداية العام في جامعة بار إيلان (رامات غان) حول "تمويل الإرهاب الفلسطيني". وإلى جانب إسرائيل وألمانيا "عاش وعمل" في مصر، حسب سيرة حياته، التي نشرتها شركة إنفو-برود على الإنترنت دون تحديد طبيعة "العمل" في مصر (3) .
"شركات عربية فاسدة"
__________
(1) (Muzi Wertheim).
(2) (Gil Feiler).
(3) المعلومات حول الشركة من موقعها على الإنترنت (http://www.infoprof.o.il/).(1/245)
في حزيران عام 2003 قال غيل فايلر: "إذا ظن أحد أن إسرائيل ستحصل على عقود في العراق فهو حالم كبير". ولكن فايلر يدرك أن العراقيين لا يفرقون بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية: "الكراهية تجاه الأمريكيين في الشرق الأوسط شديدة جداً، والولايات المتحدة لن تزيد من حدة هذه المشاعر بتشجيع المصالح التجارية الإسرائيلية في العراق" (1) . وفي التقييمات للأوضاع في العراق بعد الاحتلال تطالب الشركة "سلطة الائتلاف المؤقتة والأمريكيين أن ينظروا في شكاوى العديد من البلدان والشركات العالمية التي تدعي أن الشركات الأمريكية والبريطانية انفردت بالحصول على العقود التجارية". وتضيف: "هناك أيضاً اتهامات بالفساد ضد شركات عربية في منح العقود". من يرشي من؟ الشركات العربية ترشي "سلطة الائتلاف المؤقتة"؟ في الحقيقة، ما يزعج إنفو-برود أن شركات عربية حصلت على عقود في عملية إعادة العراق. وفي النهاية، استفراد الشركات الأمريكية والبريطانية بالعقود لا يعني أن شركات من دول أخرى، كإسرائيل مثلاً، أصبحت خارج اللعبة، فبإمكانها إبرام صفقات عن طريق عقود فرعية مع شركات عالمية.
إريديوم ساتيلايت
__________
(1) (Dow Jones)، 17/6/2003.(1/246)
ترددت أنباء في شهر آب 2003 عن حصول شركة "إريديوم ساتيلايت إسرائيل"، التي تمثلها شركة "غايا كوم" (1) ، على عقد من "سلطة الائتلاف المؤقتة" لتزويد العراق بـ "هواتف عمومية" قيمته أربعة إلى خمسة ملايين دولار. وبناء على آمي شنايدر (2) ، المدير التنفيذي لشركة إريديوم، فإن شركة أردنية قامت بتقديم الطلب. وتخطط الشركة الإسرائيلية أيضاً لتزويد السوق العراقي بالآلاف من الأجهزة الخلوية. "إريديوم ساتيلايت إسرائيل" هي إحدى فروع الشركة الأمريكية الأم "إريديوم ساتيلايت"، وتقوم بتقديم خدمات اتصالات عن طريق أقمار اصطناعية تديرها شركة بوينغ، وترتبط وزارة الدفاع الأمريكية مع إريديوم بعقد طويل الأمد. ما يلفت النظر في هذا الخبر، الذي نشره موقع "غلوبس أونلاين" الإسرائيلي، أن المدعو وارن براون (3) ، مدير قسم "التسويق والاتصالات" في الشركة الأمريكية نفى في السابع والعشرين من آب وجود مثل هذا العقد، مرسلاً هذا النفي إلى المواقع التي أعادت نشر الخبر (4) . ولكن يلاحظ أن "اتصالات بارتنر" (5) الإسرائيلية أبرمت عقداً مع "إريديوم ساتيلايت" الأمريكية من خلال "غايا كوم"، للاستفادة من أجهزة تنتجها إريديوم ويمكن لمستخدمها الاتصال بأي مكان في العالم (6) . وتنشط الشركات الخلوية الإسرائيلية في أسواق أوروبا الشرقية، وقد أبدت اهتمامها بالسوق العراقي "البكر" ولهذا عبرت في مؤتمر الأجهزة الخلوية، الذي عقد في عمان في بداية شهر آب، عن رغبتها بالمشاركة عبر "وكلاء أجانب".
استخبارات
__________
(1) (Gaya Com)؛ حول الخبر أنظر (Globes Online)، 3/8/2003.
(2) (Ami Schneider)؛ Ami = عامي؟
(3) (Warren Brown).
(4) أنظر مثلاً موقع (Rense.com): (http://www.rense.com/general40/corr.htm).
(5) (Partner Communications).
(6) حسب (wireless.co.il)، 3/12/2003.(1/247)
إن الجزء الأهم في موضوع حصول "إريديوم ساتيلايت" على صفقة في العراق يتخطى الأهداف التجارية، ذلك أن حجم الصفقة المعلن عنه متواضع للغاية وخصوصا في مجال الاتصالات الواسع والحيوي. المسألة أعمق وأهم بكثير، فالشركة الأمريكية تستخدم نظام اتصالات بالأقمار الصناعية قامت بتأسيسه في التسعينات شركة الإلكترونيات العملاقة موتورولا تحت اسم "إريديوم"، ولكن المشروع توقف بعد الإعلان عن إفلاسه عام 1998. وجمع الاستخبارات هو أحد الخصائص التي يتمتع بها هذا النظام الذي دعمت وزارة الدفاع الأمريكية جزءاً كبيراً من أبحاثه. وهكذا يأخذ إحياء المشروع في ظل الظروف الراهنة وبرعاية إسرائيلية بعداً آخر لا علاقة له بالتجارة (1) .
ومهما كان الأمر، فقد فرضت سلطات الاحتلال قيوداً على الاستثمار في قطاع الاتصالات، وهو ما أدى إلى إفشال جهود شركات عربية لكسب مناقصات في مجال شبكات الأجهزة الخلوية. داريل ترينت (2) ، المستشار الأمريكي في "وزارة النقل والاتصالات العراقية" نفى لرويترز أن يكون الهدف من تلك القيود منح الشركات الأمريكية فرصة أفضل ضد الشركات العربية، مضيفاً: "اعتقد أن العالم كله سيراقب كيف نقوم بفتح هذا السوق الجديد". وقد علقت ليندا هيرد على ذلك بقولها: "حقاً! سيرفع الجميع حواجبهم دهشة عندما يرون أن شركة إسرائيلية يرحب بها في العراق، في حين يمنع الجيران العرب عملياً من المشاركة في سباق الاتصالات" (3) .
من "بامبا" إلى الأبواب الفولاذية
__________
(1) حول الموضوع أنظر مقال "غاري زاتسمان" (Gary Zatzman) بعنوان: "هل تريد الإمبراطورية الأمريكية إشعال إريديوم في الظلام؟"، أنظر (http://noidrocca.tripod.om/whatsup/id6.html).
(2) (Darrell Trent).
(3) (Gulf News)، 12/8/2003.(1/248)
تعددت أشكال النشاط التجاري الإسرائيلي، فقد تلقت شركة أوسم (1) للمنتجات الغذائية طلباً لشراء أحد منتجات الشركة، وهو الطعام السريع "بامبا"، ولم يعرف ما إذا لبت الشركة الإسرائيلية هذا الطلب بتصدير "المنتج الإسرائيلي المميز"، ولكنها أخذت تستكشف إمكانيات الأسواق العراقية. ويشار إلى أن شركة نيستله العالمية تملك 50.1 من أسهم "أوسم"، التي تصنع منتوجاتها في مستوطنة "سديروت" في النقب (2) . وفي مجال الأغذية قامت شركة أغريكسكو (3) ، وهي أكبر الشركات الإسرائيلية لتصدير المنتجات الزراعية، بتزويد القوات الأمريكية في العراق في بداية تشرين الثاني بتسعين طناً من البطاطا التي تزرع في منطقة راموت هاشافيم (4) . وقد تمت الصفقة عبر شركة ألمانية حازت على مناقصة كبيرة لتزويد القوات الأمريكية بالأغذية الطازجة (5) . وأشارت صحيفة الرصد الصادرة في بغداد إلى عقد بقيمة 83 مليون دولار منح لإسرائيل "لتزويد قوات التحالف الموجودة في العراق بالأغذية". وفي هذا الشأن صرح وزير الزراعة "‘الصهيوني’ بأن العقد ‘أنقذ الزراعة الإسرائيلية من مشاكلها’" (6) ، هذه المشاكل التي كانت الانتفاضة الفلسطينية السبب الرئيسي في حصولها ولم يشر إليها الإسرائيلي نمرود رافائيلي، الذي استشهد بمقال صحيفة الرصد. وفي تموز كانت شركة "تامي 4" لإنتاج أجهزة تنقية المياه تقوم بمفاوضات حول صفقات قيمتها مئات الآلاف من الشواكل، حسب درور مراد (7) ، رئيس الشركة. وبالفعل صدّرت إلى العراق الشركة في نهاية الشهر عشرين جهازاً بقيمة 50 الف شيكل. وقامت شركة شيريونيت هوسيم (8)
__________
(1) (Osem).
(2) أنظر موقع (Boycott Israel).
(3) (Agrexco).
(4) (Ramot Hashavim).
(5) (Israel21c)، 6/11/2003، حسب "معاريف".
(6) "الرصد" 17/7/2003، حسب "ميمري"، (Inquiry and Analysis)، 27/8/2003.
(7) (Dror Murad).
(8) (Shiryonit Hosem)..(1/249)
لإنتاج الأبواب الفولاذية الأمنية بإجراء مفاوضات لتصدير منتجاتها إلى العراق بما قيمته مليوني شيكل. وذكرت في هذا الصدد شركات "تنور غاز" (1) (طبريا)؛ "سوليل بونيه للبناء والبنية التحتية" (2) ؛ "أ أرينسون" (3) للبنية التحتية (4) .
شراء عقارات
__________
(1) (Tannurgas).
(2) (Solel Boneh Building and Infrastructure Company).
(3) (A Arenson).
(4) (The Daily Star)، 20/10/2003.(1/250)
في حزيران، ترددت في العاصمة العراقية شائعات عن يهود يقومون بشراء عقارات بأسعار خيالية في بغداد (1) . وكذلك نشرت صحيفة العدالة (2) ، الناطقة باسم "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"، تقريراً في بداية تموز جاء فيه أن يهوداً كانوا يحاولون شراء مصانع مهجورة في بغداد. وفي الموصل أصدر مجمع العلماء المسلمين فتوى تحرم بيع العقارات لغير العراقيين، وبهذا الصدد صرح الشيخ إبراهيم نعمة أن المساكن أو الأراضي التي تباع قد تنتهي في أيدي اليهود (3) . في مسجد عبد القادر الكيلاني كشف الشيخ محمود خلف أن "اليهود، عسكريين ومدنيين، دخلوا الآن العراق ... وأخذوا يشترون العقارات، المصانع والشركات، في حين يعمل عراقيون معهم كسماسرة وأدلاء. إنه إثم أن يقوم العراقيون ببيع أراضيهم لليهود وأن يتعاملوا معهم". وحسب رويترز، فقد أصدر آية الله كاظم الحسيني الحائري فتوى من إيران جاء فيها: "أي يهودي يحاول أن يشتري قطعة أرض أو بيت في العراق، سيقتل. ويحرم أي بيع لأراضٍ أو بيوت لليهود". وقد علق مصطفى يعقوبي، وهو رجل دين من النجف، أن عدة محاولات لشراء أراضي من العراقيين جرت في المنطقة مؤخراً من قبل يهود أجانب (4) . وقد ذكرت النهار اللبنانية أن وسطاء أكراد كانوا يقومون بهذه المهمة، وأن الدورة، إلى الجنوب الغربي من بغداد، هي المنطقة المفضلة لشراء عقارات فيها (5) .
__________
(1) ذكر هذا الأمر في أكثر من مصدر، وقد أوردنا بعضاً منها.
(2) 10/7/2003؛ حسب نيمرود رافائيلي في "ميمري"، (Inquiry and Analysis)، 27/8/2003.
(3) "دار السلام"، الناطقة باسم "الحزب الإسلامي العراقي"، حسب نيمرود رافائيلي في "ميمري"، (Inquiry and Analysis)، 27/8/2003.
(4) (Reuters)، 27/6/2003؛ أنظر أيضاً (USA Today)، 27/7/2003.
(5) 19/6/2003؛ انظر (Naharnet)، 20/6/2003.(1/251)
لهذه الإشاعات أساس من الصحة، وخاصة أن الإسرائيلي نمرود رافائيلي يستشهد ببيان لـ "اتحاد المحامين العراقيين" يهدف عملياً إلى إضفاء صبغة الشرعية على "إعادة الحقوق لليهود العراقيين". فقد جاء في هذا البيان أن "استرجاع ممتلكات اليهود العراقيين يقع قانونياً تحت تشريعات سلطات الاحتلال"، غير أن البيان يضيف: "إن إحصاء السكان لعام 1957 يشمل اليهود. ويستدل من ذلك أن هؤلاء اليهود هم عراقيون، حتى لو أسقطت عنهم الجنسية العراقية من قبل الحكومة العراقية لعدم عودتهم إلى العراق بعد انقضاء ثلاثة أشهر من مغادرتهم البلاد"، وهو "شرط تصريح الخروج لليهود الذين سمح لهم بمغادرة البلاد في السبعينات" (1) . ويؤكد هذا الاتجاه ما صرح به مسؤول كبير من "مجلس الحكم الانتقالي" لصحيفة الجيروسالم بوست الإسرائيلية بأن كل الأملاك التي أخذت من "اليهود وآخرين" ستعاد إلى أصحابها وأن قانون عام 1951 سيخضع للتعديل (2) .
"لن نسمح أن يتكرر فصل النكبة"
__________
(1) "الشريعة"، 12/7/2003، حسب نيمرود رافائيلي في "ميمري"، (Inquiry and Analysis)، 27/8/2003.
(2) (The Jerusalem Post)، 25/12/2003.(1/252)
بالرغم من هذه المؤشرات والتقارير فقد جرى تفسير ما يقوله العراقيون على أنه مجرد إشاعات تروج في الشارع العراقي تقول أن "الاحتلال الأمريكي هو مؤامرة صهيونية للاستيلاء على البلاد وانتزاعها من العرب" (1) . وما ذكر عن "المكتب الدولي العراقي للمحاماة والاستشارات القانونية" وعلاقته بمارك زيل، الإسرائيلي الداعم للاستيطان في الضفة الغربية، هو مجرد "قصص"، و"حلم بنشر دعاية معادية لأمريكا". جايمس بنكيرتون (2) ، الذي كان في العراق في تلك الفترة، يقول في إشارة إلى ما كان يتردد في الشارع العراقي: "لاحظت أمراً مهماً: عداء سامية بدون ساميين، أي ساميين يهود". ويضيف: "حتى الناس الذين عندهم الحرية لأن يقولوا ما يشاؤون، يستطيعون استحضار المؤامرات". إذن، حسب بنكيرتون، حتى "الحرية" لا تجعل من العراقيين أشخاصاً عقلانيين.
مهند عبد الله، إمام مسجد عمر بن الخطاب، قال في هذا الشأن: "سيحاول اليهود إغراء العراقيين ببيع بيوتهم بأي سعر، وسيحاولون السيطرة على وسائل الإعلام لنشر الفساد والفجور. لكننا سنعثر عليهم، ولن نسمح أن يتكرر فصل النكبة" (3) . الشيخ، الذي يسترجع التاريخ، يدرك بوضوح طبيعة الظروف التي أدت إلى النكبة الفلسطينية. وتحذيره في محله تماماً ولا علاقة لذلك بأي عداء مفترض لـ "السامية". فالنكبة وقعت عندما أعلن عن تأسيس دولة تقسم الوطن العربي، اعترفت بها الولايات المتحدة الأمريكية بعد إحدى عشرة دقيقة من إعلانها.
(((
العدوان ويهود العراق
"أنا عراقي، ولدت في العراق، ثقافتي ما زالت عربية، ديانتي يهودية، مواطنتي أمريكية".
نعيم غيلادي، ترك إسرائيل بعد اجتياح لبنان عام 1982
__________
(1) (Newsweek)، 20/10/2003.
(2) (James Pinkerton)، (Newsday.com)، 22/6/2003.
(3) كلمة الشيخ محمود خلف (أنظر أيضاً [Agence France-Presse]، 22/6/2003) والشيخ مهند عبد الله من (Islam Online)، 24/6/2003.(1/253)
أثير موضوع "يهود العراق" قبل الغزو بشهور ضمن الحملة الواسعة لتبرير العدوان على العراق، رغم عددهم الضئيل وعدم تعرضهم لأي اضطهاد في ظل النظام الذي أطاحت به الولايات المتحدة. وأثناء الحرب أثير موضوع اليهود، ليس في العراق فحسب، بل في البلدان العربية ككل. وبقي الموضوع مادة مناسبة لشن حملة شرسة ضد الشعب العراقي، حتى بعد "تحرير" العراق، ولم ينج منها "مجلس الحكم الانتقالي" نفسه. الهجوم الذي يتعرض له العراقيون، والعرب عموماً، لا يمكن تفسيره إلا ضمن الإطار الواسع لأيديولوجية استعمارية قديمة جديدة تبرر نهب الأرض والثروة. التشويه الذي يتعرض له مفهوم القومية العربية، يهدف إلى عزل العرب عن جذورهم الحضارية المشتركة. والغائب الأكبر في هذه الحملة هي إسرائيل، التي لا يمكن تبرير وجودها في محيط عربي. وإحضار من تبقى من يهود العراق إلى إسرائيل هو تطبيق المبدأ الصهيوني القديم للإبقاء على روابط مصطنعة بين اليهود وفلسطين، ومن جديد حماية هذا المبدأ من الانهيار في ظل الهجرة المعاكسة. والعوامل التي أدت إلى خروج اليهود من البلدان العربية، تتجاوز الادعاءات التي تطرح رسمياً من قبل إسرائيل ويهود من أصل عربي، وتفضحها أصوات تظهر الحقيقة، أحدها ليهودي عراقي، هو نعيم غيلادي، وشارك بنفسه في الخطط الصهيونية لإخراج اليهود من العراق، وآخر للكاتب الإسرائيلي توم سيغيف.
"أكثر الجماعات اليهودية ثراءً واحتراماً"(1/254)
لدى وصول اليهود العراقيين الستة إلى إسرائيل في شهر تموز 2003 قال غيورا روم (1) ، المدير العام للوكالة اليهودية: "نحن نحمل احتراماً كبيراً لهؤلاء الذين حملوا العبء اليهودي وحافظوا على يهوديتهم كل هذه السنين. نريد لهم أن يقضوا بقية أيامهم بكرامة" (2) . استغلال اليهود العراقيين كان قد بدأ مع تصاعد التحضيرات للعدوان على العراق. ففي منتصف تشرين الأول عام 2002 نشرت التايمز (3) مقالاً ذكرت فيه أن عدد اليهود في العراق يبلغ 38 يهودياً يقيمون في بغداد بالإضافة لامرأة واحدة في البصرة. وتبدو صورة هؤلاء حسب المقال بائسة للغاية، فهم غير قادرين على ممارسة شعائرهم الدينية، ومعظمهم مسنون، وآخر زواج عقد عام 1980 وحالياً لا يوجد أطفال يمارسون البار ميتسفاه (4) ، وهي عبارة لا يفهم سبب إقحامها هنا، غير استدرار الشفقة من جهة، وترسيخ هوية دينية لليهود أو افتعال تميز ليس موجوداً في الواقع بالضرورة. ويذكر المقال أن "لا أحد قادر على إدارة الطقوس الدينية، واثنان فقط يعرفان العبرية، والباقون بالكاد يفهمون الصلوات". ولا ندري ما هي أهمية معرفة هؤلاء اليهود العراقيين للعبرية، التي تبدو كأهمية معرفة الباكستانيين أو الإندونيسيين للعربية. ويستمر تضليل مقال صحيفة التايمز عندما يذكر أن يهود العراق كانوا في "وادي الرافدين أكثر الجماعات اليهودية ثراءً واحتراماً"، وأقدمها، فـ "أفرادها انحدروا من اليهود الذين نفاهم نبوخذ نصر ... ومن بينهم النبي حزقيال، الذي جلس على ضفاف أنهار بابل يذرف الدموع". وتحت هيمنة "الأتراك العثمانيين" عمل اليهود "في التجارة والمهن، وتبوؤا مناصب عالية في الإدارة العامة".
__________
(1) (Giora Rom).
(2) (USA Today)، 27/7/2003.
(3) (The Times)، 18/210/2003.
(4) (Bar Mitzvah)، حرفياً "ابن الوصية"، وهي طقوس البلوغ للصبي في سن الثالثة عشرة وتعلن بدء تقيده بالتعاليم الدينية.(1/255)
ومع حلول عام 1941 "وبعد انقلاب موالٍ للنازية قامت بتخطيطه السفارة الألمانية في بغداد، قتل المئات من اليهود بينما وقف رجال الشرطة يراقبون ما يحصل". وبعد "تأسيس دولة إسرائيل هرب مئات الآلاف من اليهود"، ولا ندري كيف هم بـ "مئات الألوف" بالرغم من أن "المؤتمر اليهودي العالمي" (1) قدر عدد اليهود العراقيين بحوالي 150 ألف لا أكثر عام 1947. ويوضح الكاتب كيف تمت عملية "الهروب" بقوله "في البداية، تسلل البعض بأعداد قليلة، وفيما بعد شملتهم عمليات نقل بالطائرات نظمتها الحكومة الإسرائيلية". ولكن المقال يقر، بالاعتماد على تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، أن اليهود لا يتعرضون حالياً "للاضطهاد العلني"، وأنهم يمارسون شعائرهم الدينية بحرية. حتى أن "صدام أمر قبل ثلاثة عشر سنة بتجديد الكنيس في حارة البطاوين وضريحي حزقيال وعزرا الكاتب، اللذين يقدسهما المسلمون أيضاً". وهذه المواقع يقوم عراقيون بحراستها. ولكن، بالرغم من هذه الشهادة، تدعي صحيفة "يو إس إي توداي" أن فلسطينياً اقتحم عام 2000 مبنى المركز الاجتماعي اليهودي في بغداد وقتل يهوديين وحارساً مسلماً. ولكن الصحيفة لا تشير إلى أن السلطات العراقية لاحقت المعتدي ونفذت حكم الإعدام فيه (2) . وبعد الاحتلال كان يقوم بحماية المركز عمران رستم موسى وهو "مسلم كردي من عائلة كانت تتعامل مع اليهود منذ أجيال"، مستخدماً سكين جزار لصد المهاجمين، وقد قال: "أنها مخاطرة كبيرة أن يحضر اليهود إلى المركز" (3) .
"تهديد أقلية صغيرة جداً"
__________
(1) أنظر موقع المؤتمر (World Jewish Congress).
(2) حسب (World War 3 Report)، 12/5/2003. يشير هذا المصدر إلى أن هذا الاعتداء وقع عام 1997 وأنه أسفر عن مقتل حارسين ويهوديين. والحارس الحالي حسب هذا المصدر هو مهدي صالح.
(3) (USA Today)، 27/7/2003.(1/256)
اليهود في البلاد العربية "أقلية صغيرة جداً"، على حد تعبير راتشيل بوميرانتس، مراسلة "الوكالة التلغرافية اليهودية"، ولكنهم في رأيها: "يشكلون، من خلال إسرائيل وأمريكا، تهديداً مشتركاً في نظر الكثير من جيرانهم" (1) . ويعترف ستيفين شفاغر (2) ، نائب رئيس "لجنة التوزيع المشتركة اليهودية"، أن "هناك مؤشرات أن الجموع الغاضبة ستطلق مشاعرها العدوانية على اليهود، أفراداً أو منشآت يهودية". ولكن هناك اتصالات على مستويات مختلفة، إذ تقول بوميرانتس أن اللجنة أجرت قبل الحرب، "بالاشتراك مع الجماعات اليهودية في الدول الإسلامية، مشاورات مع الحكومات المعنية ومنظمات مختلفة". وكذلك قام "المؤتمر اليهودي العالمي" بما عليه، عندما "كثف من اتصالاته مع اليهود في العالم الإسلامي من خلال خط ساخن، موقع على الشبكة، واجتماعات أسبوعية". ويعتبر أي حدث "سبباً للفزع" لدى الجماعات اليهودية، كما حصل في تونس عندما تعرض صراف يهودي للطعن بتاريخ السادس عشر من آذار 2003، رغم أن خلفية ما حصل كانت جنائية، بإقرار الكاتبة نفسها. أما في ما يتعلق بيهود العراق فـ "لجنة التوزيع المشتركة اليهودية" تنتظر أن "تصبح بغداد آمنة بالنسبة للمنظمات الإنسانية" لترسل المساعدات اللازمة لهم. يضيف المقال صورة تحمل التعليق التالي: "يهود في إيران: المغادرة إلى إسرائيل غير ممكنة"، وهو ما يوضح أن الهدف ليس عرض أوضاع اليهود في البلدان الإسلامية، وإنما جلبهم إلى إسرائيل.
"إسرائيل أفضل من العراق"
__________
(1) (Die jüdische)، 27/3/2003، عن (Jewish Telegraphic Agency).
(2) (Steven Schwager).(1/257)
استمرت الحملة أثناء الحرب، ففي نهاية آذار نشرت يديعوت أحرونوت (1) مقالاً تحت عنوان "إسرائيل أفضل من العراق (بابل)!" يعرض فيه كاتبه قلق "إسرائيليين" تركا العراق قبل ثمانية عشرة شهراً، يشير إليهما بالأحرف ("د" و"ب")، حول ما يمكن أن يسببه القصف لأقاربهم في بغداد. يقول "د" أنه عندما قرر "الهجرة" إلى إسرائيل، اتصل بأخته التي تقيم في إسرائيل مستفسراً: "قولي لي الحقيقة، سمعت أن الوضع الأمني ليس جيداً"، ويضيف: "أخبرتني عن المشاكل مع الفلسطينيين، غير أن هذا لم يخفني. لقد قررت أن إسرائيل أفضل من العراق". وحول الوضع السيئ في العراق لم يذكر "د" إلا "حب قصي وعدي للنساء"، مثلاً، عدي: "كان دائماً محاطاً بحراس شخصيين والكثير من النساء. كنا نهرب عندما نراه، فزوجتي جميلة وكنت أخاف أن يأخذها مني". ويذكر "د" قصة مشابهة حول قصي. هذه القصص تعطي فكرة ليس عن قصي وعدي، اللذين دخلا في نظر الكثيرين سجل الشهداء العرب، وإنما عن راويها بهواجسه الجنسية، وكذلك توضح مستوى يديعوت أحرونوت، التي قبلت نشر "مقال" من هذا النوع لأغراض سياسية. ولكن ما يلفت النظر أن "ب" كان يتصل بأفراد العائلة في بغداد يوماً بعد الآخر موضحاًً: "كنا نتكلم بالشيفرة بدون ذكر كلمة "إسرائيل"، أمس أخبروني أن الصواريخ سقطت بالقرب من بيتهم. ولحسن الحظ لم يصبهم أي سوء".
"لم يكن للصهيونية دور"
__________
(1) (Yediot Ahronot)، 29/3/2003. أعادت نشره "كيرين هايسود" (Keren Hayesod - Solidarity Update)، رقم 223، 3/4/2003.(1/258)
نشر في صحيفة "دي يوديشه" (1) ، أي اليهودية، مقال للصهيوني توماس شميدينغر تحت عنوان "إنقاذ خلال ‘عملية علي بابا’". والكاتب الذي يريد أن يوحي للقارئ بأنه متخصص في موضوع "القومية العربية"، يقدم عرضاً لتاريخ اليهود العراقيين بسبب "بقاء الكنيس في بغداد مغلقاً أثناء عيد الفصح بعد تحرير المدينة من حكم صدام حسين". وهو يعيد تاريخ اليهود العراقيين إلى ما قبل 2500 سنة كـ "أحد أقدم مجموعات الفسيفساء الاثني والديني بين الفرات ودجلة". ويقول "شكل وادي الرافدين مركزاً ثقافياً وفكرياً هاماً لليهودية" بعد أن دمر الرومان "الدولة اليهودية"، علماً بأنه لم تكن هناك "دولة يهودية" أثناء حكم الرومان لفلسطين. وأن الوضع ساء بالنسبة لليهود في العراق بسبب "عداء السامية المسيحي القديم"، الذي اتصفت به "الإمبراطورية الرومانية الشرقية". ويسعد المرء عندما يقرأ أن المجموعات اليهودية ازدهرت من جديد في "العصور الوسطى الإسلامية، في بغداد، البصرة، الموصل والعديد من مدن عراق اليوم". أما أثناء الحكم العثماني، فإن "يهوديات ويهود العراق"، على حد تعبير المؤلف الواعي للمساواة بين المرأة والرجل، تمكنوا من الاستفادة من "إصلاحات أواخر القرن التاسع عشر"، دون تحديد طبيعة هذه الإصلاحات، ليصبحوا "عنصراً حضارياً، سياسياً، واقتصادياً هاماً في الحياة المدينية". واستمر هذا "الصعود" في فترة الحماية البريطانية. ولكن وضع يهود العراق ساء فجأة مع ازدياد قوة "القومية العربية"، التي رأت في "اليهوديات واليهود العراقيين حلفاء محتملين للصهيونية، هذا بالرغم من أنه لم يكن للصهيونية أي دور يذكر في التأثير على سكان العراق من اليهود". وبهذا يتجاهل الكاتب الموقف الإسرائيلي الرسمي، الذي لم ينكر النشاط الواسع لأجهزة المخابرات الصهيونية منذ بداية الأربعينات لدفع يهود العراق إلى مغادرة البلاد.
"عميل النازية"
__________
(1) (Die Jüdische)، 14/5/2003.(1/259)
بالرغم من أن "النازية" أو "الفاشية" هي نتاج محدد لرأسماليات أوروبية، فإن هذا لم يمنع الصهيونية من إسقاطها على حركات تحرر قومية عربية كحركة رشيد عالي الكيلاني في العراق، فالبوق الدعائي الإسرائيلي "أروتس شيفا" يصف ما تعرض له اليهود في بغداد عام 1941 قائلاً: "إن أوضاع الجماعة اليهودية بدأت تتدهور بشدة عندما قامت غوغاء عربية/نازية مجرمة بقتل 179 يهودياً وبتدمير الكثير من الممتلكات اليهودية" (1) . أما الصهيوني شميدينغر فيريد أن يحشر الحاج أمين الحسيني في الموضوع بأي شكل، فيكتب أن الضغط ازداد على يهود العراق في الثلاثينات والأربعينات عندما "تحالفت القومية العربية مع النازية المعادية للسامية، وعندما ذهب مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، أحد أبرز عملاء النازية بين القوميين العرب، إلى المنفى في بغداد لحقت به مجموعة من المدرسين والمثقفين من فلسطين وسوريا". وأصبح الوضع "لا يحتمل" بالنسبة لليهود في العراق، عندما قام "رشيد عالي"، هكذا يسميه المؤلف، بانقلاب "موالٍ لألمانيا". وفي هذه الأجواء قام "صلاح بيطار" وميشيل عفلق بتأسيس "منظمة داعمة للعراق وحشدا المتطوعين من أجل دعم الحكم العراقي". يتبنى شميدينغر الرواية البريطانية لتفسير موجة "عداء السامية" التي انفجرت عام 1941، وسببها "الدعاية النازية للسفارة الألمانية في بغداد وتحريض الحاج أمين الحسيني وأتباعه". واليوم، تتوقف عودة "اليهوديات واليهود المنفيين" إلى العراق على "التطورات السياسية في الشهور القادمة". ولكن "آمال المجموعة اليهودية في بغداد ستتجدد إذا سيطرت في العراق قوى، كالأحزاب الكردية أو المؤتمر الوطني العراقي بقيادة أحمد الجلبي، تعمل على المصالحة السريعة مع إسرائيل ونشر الديموقراطية في البلاد".
من حمى الكنيس؟
__________
(1) (Arutz Sheva)، 27/7/2003.(1/260)
ما يلفت النظر أيضاً في مقال شميدينغر هو إشارته إلى أن الكنيس اليهودي في بغداد لم يتعرض للنهب. ويعزي الكاتب هذا الأمر إلى "الجيران المسلمين الذين حموا الكنيس من المحاولات المتكررة لنهبه". وهو لا يشير إلى مصدر معلوماته حول الكنيس البغدادي، غير أن ما يذكره لا يتفق مع صورة الوضع في الأيام الأولى للغزو، عندما تعرضت جميع المؤسسات بما في ذلك المستشفيات للنهب، باستثناء وزارتي النفط والداخلية. ولا ندري لماذا يقوم "الجيران المسلمون" بحماية الكنيس اليهودي بالذات، أو مركز "عزرا مناحيم دانييل" في شارع الرشيد (1) ، ولا يفعلون شيئا لحماية المتحف العراقي أو مبنى المكتبة الوطنية؟ هل كان الكنيس اليهودي بهذه الأهمية بالنسبة لـ "الجيران المسلمين" حتى يقوموا بحمايته دون غيره من المراكز؟ لكن شميدينغر ليس الوحيد الذي يرى بأن الكنيس اليهودي قد قام بحمايته "الجيران المسلمون". فخالد القشطيني لا يذكر الكنيس، إلا أنه يشير إلى "تلك المجموعة من الشباب الذين لاحظوا الخطر الجاثم أمام بيوت هذه العوائل اليهودية القليلة في تلك الزوبعة من النهب وانهيار الأمن والنظام، بعد تحرير بغداد، فخفوا وأسرعوا بكل ما تيسر لهم من سلاح أو هراوات أو عصي، وأحاطوا ببيوت هذه العوائل اليهودية ليذودوا عنها ويبعدوا الشر منها، ويضعوا الأمن والطمأنينة في قلوب نسائها وأطفالها وشيوخها. هؤلاء نفر من المسلمين شعروا بما يمليه عليهم دينهم وإنسانيتهم فغامروا بسلامتهم وأرواحهم ليدافعوا عن إخوانهم اليهود في أيام حرج وخطر" (2) .
القومية العربية
__________
(1) (Sydney Morning Herald)، 14/4/2003.
(2) عن "الشرق الأوسط"، الصادرة في لندن، أعادت نشره مجلة البريطاني اليهودي نعيم دنغور (The Scribe)، عدد 76، ربيع 2003.(1/261)
أبرز ما في مقال شميدينغر هو موقفه من "القومية العربية"، الذي شرحه بمقال آخر حول الموضوع وبعنوان فرعي: "جذور الكراهية: أيديولوجية من أوروبا". يبدأ المقال بحكمة توجز كل شيء: "برزت القومية العربية كحركة تحرير مناهضة للاستعمار اقتبست المفهوم القومي من أسيادها وطبقته ضدهم". ولا يذكر فيه مؤلفه الصهيونية بكلمة واحدة، ويظهر العرب وكأنهم يفتقرون تماما إلى أفكار وجذور حضارية يعودون إليها، فيقتبسون من هنا وهناك، ولكنهم أيضاً يأخذون الأسوأ، كالاشتراكية القومية، أو النازية التي صبغت القومية العربية في مراحلها المبكرة، كمصر الفتاة في مصر والفتوة في العراق وحزب البعث السوري. ولو اقتصر التأثير على هذه الحركات لهان الأمر، فتبعا لمقاله امتدت هذه القومية الفاشية إلى فئات كالإخوان المسلمين في مصر والحاج أمين الحسيني. وليس هذا فحسب، فقد تعاون الأخير مع رشيد عالي الكيلاني الذي مثل "أكثر الحركات الموالية للفاشية نجاحاً". وتمكن حزب البعث من البقاء في السلطة "في سوريا، وحتى قبل بضعة أسابيع في العراق وكلاهما باتجاه قومي يصبغه عداء قوي للسامية". فحزب البعث العراقي "قبل سيطرته على الحكم عام 1968، وقبل فترة طويلة من الحملات الإجرامية ضد الشيعة والأكراد، كان يقف ضد الأقليات الدينية في البلاد"، وبالطبع، يقصد هنا بشكل رئيسي اليهود. لقد نشر مقال شميدينغر في المجلة (1) الناطقة باسم "جمعية الشعوب المهددة" (2) ، التي تشير إلى "محرقة اليهود"، في حين لا يجد الفلسطينيون، كشعب مهدد منذ أكثر من نصف قرن حتى اليوم، مكاناً لهم في إعلان الجمعية عن أهدافها.
"عداء السامية العربي"
__________
(1) (Bedrohte V?lker - Pogrom)، 219، 3/2003.
(2) (Gesellschaft für bedrohte V?lker)؛ حول رسالة الجمعية، أنظر (http://www.gfbv.de/hilfe/aktion/mandat.htm).(1/262)
جاء في البيان الصحفي لـ "بيت حضارات العالم" (1) (برلين)، الذي أعلن فيه عن عرض فيلم "انسى بغداد" لليهودي العراقي سمير نقاش: "كان العراق مسرحاً لحضارة يهودية مزدهرة، فقط بعد الحرب العالمية الأولى أضطهد السكان اليهود، بعد أن اشتد الصراع بين الأيديولوجية الصهيونية والقومية العربية في الشرق الأوسط". إن مجرد الإشارة إلى "الصراع بين القومية العربية والصهيونية" كان كافياً لإثارة غضب الكاتب الألماني توماس فون أوستن ساكن (2) ، فقام بشن حملة على المركز الثقافي العالمي، متهماً إياه بتفادي ذكر "عداء السامية"، ففي "قلب أيديولوجية القومية العربية يكمن عداء مبيد للسامية، موجه أيضاً ضد الآشوريين، الأكراد، والفرس". والصهيونية جاءت "كرد فعل على الحركات الفاشية المعادية للسامية، التي من أبرزها بامتياز القومية العربية منذ منتصف عشرينات [القرن العشرين] على أقل تقدير". ونسي كاتب المقال أن هذا التاريخ مرتبط بوعد بلفور والانتداب البريطاني، الذي سلب الفلسطينيين وطنهم ومنحه لغرباء من خارج البلاد. ونستطيع أن نفهم لما استمر الحقد على العراق حتى الغزو الأمريكي البريطاني المدمر للعراق فهو: "إلى جانب فلسطين يمثل مركز الحركة القومية العربية". وعندما يقول فون أوستن ساكن بأن اليهود الذين "طردوا" من البلدان العربية هم بالملايين، فإنه يتجاوز حدود المبالغة، التي لا تسمح حتى المنظمات اليهودية العالمية لنفسها بتخطيها. ويتابع بأن عداء السامية ما زال متأصلاً في العالم العربي "ليطال في السنوات الأخيرة أولئك اليهود، الذين تمكنوا من الهرب من العراق إلى إسرائيل"، في إشارة إلى الانتفاضة الفلسطينية.
__________
(1) (Haus der Kulturen der Welt).
(2) (Thomas von Osten Sacken)؛ نشر المقال في (Die jüdische)، 25/6/2003.(1/263)
والهجوم موجه ضد الحركة الشعبية المناهضة للعولمة والحروب الرأسمالية والاحتلال الإسرائيلي، ويسخر منها باعتبارها: "صديق الشعب العراقي، المحب للسلام، الذي بقي حتى النهاية ضد إسقاط نظام صدام حسين، أو ناقد العولمة، الذي يرى في عداء السامية العربي تعبيراً عن نضال التحرر للشعب الفلسطيني". فون أوستن ساكن، حامل الاسم الأرستقراطي، عليه أن يتفضل ويفيد الفلسطينيين والعراقيين بوسائل النضال التي عليهم اتباعها حتى يتمكنوا من تحرير وطنهم.
"طريق السلام يمر عبر بغداد"(1/264)
مع تصاعد المقاومة العراقية، وجدت حملة استغلال اليهود العراقيين نفسها في مأزق، وإن بقيت "إسرائيل" الثابت الوحيد وراء هذا التضليل الإعلامي، وربما أفضل ما يعبر عن هذه الأيديولوجية ما كتبه كريستوفر ديكاي وساره سينوت في النيوزويك (1) في نهاية تشرين الأول عام 2003، أي بتزامن مع إسقاط المروحيات الأمريكية وسقوط أكبر عدد من الجنود الأمريكيين، حسب الإحصاءات الرسمية. يعبر المقال بوضوح عن الهدف الرئيسي من العدوان على العراق، وهو حماية الكيان الإسرائيلي. فبعد إسقاط "الدكتاتورية العراقية"، تصور الكثيرون من أنصار الحرب أن ما حصل "سيخلق شرق أوسط جديد تستطيع إسرائيل أن تعيش فيه بأمان، وتفتح الحدود، وتزدهر التجارة. وكما قال البعض، فإن الطريق إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين سيمر عبر بغداد، التي ستصبح نموذجاً للرخاء، القبول بالآخر، والتعايش". الرابط هنا هو "يهود العراق"، الذين شكلوا "قبل قرن من الزمان ربع سكان مدينة [بغداد]"، ليس هذا فحسب بل أن الكثير من أولئك اليهود "تجرأ على التخيل بأنهم سيقدرون على زيارة منازلهم القديمة، ربما استعادة حقوقهم بالولادة، وحتى أن يقوموا بممارسة أعمال جديدة". ولكن عماد ليفي، القائم بأعمال الحاخام ليهود بغداد، "لا يحمل حنين المغتربين ولا أي آمال كبرى لما سيأتي" في العراق عندما يقول "صدقوني، ليس لنا أي مستقبل هنا".
العراقيون يقولون: "هؤلاء صهاينة"
__________
(1) (Christopher Dickey) و(Sarah Sennott)، (Newsweek)، 20/10/2003. وشارك في كتابة المقال (Rod Nordland) من بغداد و(Dan Ephron) و(Joanna Chen) من القدس.(1/265)
يعود مقال النيوزويك ليصف "الواقع القاسي لعراق اليوم"، وخاصة بالنسبة لمن بقي في البلد من اليهود. ويُستغل عماد ليفي لدعم وجهة نظر النيوزويك، التي لم تجد في "العراق المحرر" ما يحقق أحلام "مناصري" الحرب. الكنيس اليهودي في بغداد أغلق مع بداية الاحتلال، ولكن من الواضح أن الإغلاق كان بسبب الأوضاع الأمنية السيئة، وهذا ما قصده المسن يعقوب يوسف عندما قال: "نؤدي صلواتنا اليوم في البيت. هذه أوقات عصيبة، ولكن ماذا بوسعنا أن نفعل؟" (1) . يقول ليفي بأنه لا يستطيع أن يدع أحدا يدخل الكنيس في حارة البطاوين: "لا نستطيع أن نسمح لأحد بالاقتراب من الكنيس، لأن الجيران سيشاهدون أشخاصاً، فيقولون: هؤلاء صهاينة’، ويصبح من السهل إلقاء قنبلة من فوق الجدار". وشهادة ليفي هذه تتعارض نوعاً ما مع وصف شميدينغر والقشطيني لـ "الجيران المسلمين"، الذين قاموا حسب ادعاء الاثنين بحماية المواقع اليهودية في بغداد. وليفي مدرك للحقيقة بشكل مخالف لمجلة النيوزويك عندما يضيف: "الناس هنا يلومون اليهود على كل شيء". ولكن المقال لا يوضح ما يقصده ليفي فعلاً، لينتقل مباشرة إلى "عرض مختصر" للتاريخ الحديث ليهود العراق، أحد معالمه هي: "بعد الانتصار الباهر لإسرائيل في حرب 1967، ثم صعود الحكم المميت لصدام والاعدامات العلنية لصهاينة مفترضين، تقلص عدد الجالية اليهودية إلى المئات، ثم العشرات، واليوم بضعة أفراد معظمهم في السبعينات والثمانينات من عمرهم. ولا توجد امرأة واحدة ليتزوجها ليفي". عماد هو ابن عزرا ليفي، أحد اليهود الستة الذين قامت الوكالة اليهودية بنقلهم إلى إسرائيل. ويتبنى ليفي عملياً موقفاً وطنياً من العراق عندما يقول: "الناس هنا غاضبون جداً"، في إشارة إلى وعي العراقيين لدى المقارنة بين الاحتلال الأمريكي واحتلال إسرائيل لـ "أراضٍ فلسطينية"، وأن هذا الموضوع مؤلم بشكل خاص.
__________
(1) (World War 3 Report)، 12/5/2003.(1/266)
ويضيف: "لا يريد العراقيون أن يتحولوا إلى فلسطينيين". وبالرغم من مواقف ليفي الإيجابية، فإنه على ما يبدو لم يستطع تفادي التأثير الذي قد تكون مارسته الوكالة اليهودية عليه وربما قام بمغادرة العراق في وقت لاحق، بعدما باع بيته وممتلكاته الأخرى.
مراد أبو القنابل
أطلق على عملية إخراج العراقيين اليهود في بداية الخمسينات اسم "عملية عزرا ونحميا"، وقد نظمها الموساد، وعين مورديخاي بن-بورات، العراقي الأصل، ليقوم بتنفيذها. وقد وصف نوآم بن-يهودا (1) ، أحد عملاء الموساد في قبرص، هذه العملية بأنها ربما مثلت "دون غيرها أعظم الإنجازات لاستخبارات دولتنا" (2) . ويعرف مورديخاي بن-بورات باسم "مراد أبو القنابل" من قبل العراقيين اليهود في إسرائيل، الذين يتهمونه بأنه كان وراء التفجيرات التي وقعت في بغداد أثناء تنفيذه لمهمته. وبمناسبة حصوله، في نيسان عام 2001، على "جائزة إسرائيل" لدوره "المفصلي" في "هجرة اليهود العراقيين إلى إسرائيل" (3) قام بسرد قصة حياته. ولد بن-بورات في بغداد عام 1923 وترعرع في الأعظمية، وكان أبوه نيسيم مراد يدير متجراً للخردوات وأجزاء حديدية لعربات كان يستوردها من إنجلترا. وبعد أحداث عام 1941، التي قتل فيها 130 يهودياً، قررت عائلته مغادرة العراق. وبعد أن حصلت على جوازات سفر مزورة استقلت، في شباط عام 1944، طائرة جومائية حطت على سطح البحر الميت. وبقي هو في العراق لينهي امتحانات المترك، وفي أيلول عام 1945 خرج مع ستة آخرين عبر "طريق أوصله إلى بيروت، ووصل إلى فلسطين سيراً على الأقدام".
__________
(1) (Noam Ben Yehuda).
(2) (WorldNetDaily)، 8/2/2001.
(3) المعلومات حول مورديخاي بن بورات من (The Jerusalem Post)، 7/6/2003. أنظر أيضاً سيرة حياته في موقع الكنيست (http://www.knesset.gov.il/mk/eng/exmk_eng.asp?ID=303).(1/267)
وبعد "حرب الاستقلال" وقع عليه الاختيار للعودة إلى العراق ومساعدة "اليهود، الذين كانوا يعانون من الاضطهاد والتعذيب من قبل الشرطة". وانتظر شهراً في إيران وهو يحاول الحصول على جواز سفر مزور، وفشلت المحاولة، فدخل العراق متنكراً كبدوي. وعلى الفور بدأ العمل مع الحركة السرية المعروفة باسم "حلوتس"، التي كان عضواً فيها قبل مغادرته العراق.
كانت مهمة بن-بورات عام 1950 تتلخص بـ "مساعدة الصبيان والبنات، الذين يريدون عبور الحدود"، وفي السنة التالية أعتقل بن-بورات وعذب عدة مرات، حسبما يقول، ولكن تم تهريبه من البلاد من جديد، هذا المرة في طائرة نقلت اليهود إلى إسرائيل. وبعد عودته طلب منه إنشاء مخيم مؤقت للمهاجرين، وسرعان ما تحول المخيم إلى مدينة، هي أور يهودا، وأقيمت على أنقاض القرية الفلسطينية كفر عانة، شرقي يافا. وفي عام 1979 أرسله مناحيم بيغن، رئيس الوزراء آنذاك، إلى إيران لـ "إنقاذ" اليهود هناك، وبقي في إيران ثلاثة أسابيع، بصفته مبعوثاً لـ "مجلس الوكالة اليهودية"، و"نجح" بإخراج 2000 يهودي، لكن الثورة وقعت، و"لم نتمكن، نحن الإسرائيليين، من الخروج"، فجاءت طائرة أمريكية وأخرجت هؤلاء مع أجانب آخرين من هولندة والولايات المتحدة.
العصا والجزرة(1/268)
وفي عام 1982 عين بن-بورات وزيراً بلا حقيبة ليكون مسؤولاً عن إحضار اليهود من البلدان العربية، وهي مهمة كانت تنجز "بمشاركة الموساد". كما عين رئيساً لـ "اللجنة الوزارية للاجئين العرب في المخيمات في إسرائيل"، وحينها ذهب إلى بيغن وقال له: "أنظر، دعني أسألك شيئاً، مشاكل اللاجئين كبيرة، وسيشكل ذلك عائقاً في المستقبل. ما رأيك في أن نقوم بتطوير خطة تقضي بأن يبقى اللاجئون في بلدنا، إسرائيل والمناطق، ولكن ليس عبر الحدود". فأجابه بيغن: "أنا موافق". وزار بن-بورات أربعة عشر مخيماً، دون أن يوضح فيما إذا كانت هذه المخيمات في "إسرائيل" أو في "المناطق"، وكان بحوزته برنامج لتحسين أوضاع اللاجئين بتزويدهم بالسكن والمراكز الطبية، ولكن "العرب رفضوا ذلك"، وقالوا: "مورديخاي بن-بورات يريد بمبادرته إلغاء ترابط الشعب الفلسطيني". ويقول بن-بورات لو تحققت فكرته آنذاك، لـ "تحولت سياسات إسرائيل في اتجاه آخر"، ويقصد، ضم الأراضي المحتلة إلى إسرائيل. واليوم، هل نعطي الفلسطينيين دولة؟ بن-بورات ليس ضد الفكرة، ولكن بشروط. ويتذمر قائلاً: "لا أدري كم ستدوم الاتفاقيات التي أبرمناها مع البلدان العربية. ينبغي أن نثق بأنفسنا باستمرار، وأن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا، لا نستطيع أن نعتمد على اتفاقية، خاصة مع العرب الذين لا يحترمون الاتفاقيات بين بعضهم". وهو، الذي يتكلم لغة الضاد، يفهم العقلية العربية: "كان بإمكاننا القيام باتصال مع العرب بشكل أفضل، نضرب عندما نحتاج لأن نضرب، أن نعطي الجزرة، ثم العصا. هذه هي العقلية العربية. ويؤسفني أنهم لم يفهموها هنا ... هم يعطون مرة العصا بدلاً من الجزرة، ومرة الجزرة بدلاً من العصا". وموشي دايان، الذي يشير إليه بن-بورات على أنه صديقه: "كان يعرف متى يعطي الجزرة ومتى يعطي العصا".
"أقنية مختلفة"(1/269)
أثناء العدوان على العراق أخذ بن-بورات يتذكر حياة اليهود في العراق ويصفها على النحو التالي: "ما أتذكره أنا وجميع اليهود من بغداد هو نهر هاديغل [يقصد "نهر دجلة"]، وخاصة في الصيف عندما تنحسر مياه النهر لتظهر فجأة جزر في وسط النهر، كنا نسبح، وكانت هناك الموسيقى والسمك المشوي، إنها ذكريات سارة للغاية". لكن صفو هذه الحياة السعيدة تعكر فجأة عام 1941 "عندما قتل 141 يهودياً عراقياً، كان هذا كالزلزال لليهود العراقيين ...". ويضيف أنه كانت هناك موجتان من "شنق اليهود بتهم ملفقة كالصهيونية والشيوعية، وذلك عام 1969 عندما كان السفاح صدام حسين نائبا للرئيس". وعندما سئل إذا كان يتعاطف مع الأمريكيين في عملية "تحرير العراق"، قال: "نعم، بكل تأكيد. انظروا، هناك حوالي 250 ألف يهودي عراقي في إسرائيل (و50 ألف في العالم)، إن حوالي 30% منهم ولدوا في العراق، لهذا فهم يشفقون على الناس هناك ويفهمون الاضطهاد الذي يتعرضون له". ويقول أنه يأمل أن "يرحب عرب العراق بالزوار اليهود" (1) . ظل بن-بورات منخرطاً في إخراج ما تبقى من يهودٍ في العراق حتى عام 2001، فقد ذكرت وكالة "ورلد نيت دايلي" للأنباء أنه "برع منذ عام 1995 في إخراج اليهود المتبقين في العراق وإعادتهم [كذا!] إلى إسرائيل، وهم حوالي 160. ومعظم هؤلاء ذهبوا إلى بريطانيا وهولندة. وقد تمت رشوة مسؤولي الحدود العراقيين حتى يسمحوا لليهود بالعبور إلى الأردن" (2) . ولم تنعدم صلاته الوثيقة مع جهات معينة حتى عام 2003، فقد قال في شهر آذار متحدثاً عن اليهود الذين بقوا في العراق: "لا ينقصهم الطعام، إنهم يزاولون أعمالهم ويحصلون رزقهم ...
__________
(1) (Arutz Sheva)، حسب موقع (Vineyard of the L-rd Congregation). أنظر (Associated Press)، 4/4/2003 بمناسبة إجراء مهرجان للموسيقى العراقية في طبريا.
(2) (WorldNetDaily)، 8/2/2001.(1/270)
وعلى مدى السنين كنا نتلقى معلومات متفرقة حول أوضاعهم من خلال أقنية مختلفة، لا يمكن لنا الكشف عنها لأسباب واضحة" (1) .
المجدل
الصورة، التي يعكسها مورديخاي بن-بورات والأدبيات الصهيونية حول خروج يهود العراق من بلدهم لا تنسجم مع الدور الذي لعبته المخابرات الصهيونية، التي لجأت إلى وسائل إرهابية لدفع اليهود إلى ترك البلدان العربية. وقد كشف كتاب عديدون عن هذا الدور (2) ، من بينهم نعيم غيلادي، وهو يهودي عراقي لم يعاصر أحداث خروج اليهود من العراق فحسب، بل ساهم هو نفسه في البداية في مخططات الصهيونية وممارساتها لتحقيق هذا الهدف (3) . ولد نعيم غيلادي في الحلة عام 1929، وكان اسم عائلته خلاصي في إشارة إلى مهنة العائلة في صياغة الذهب. انخرط غيلادي في حركة صهيونية سرية وهو في الثامنة عشرة من عمره، أي عام 1947، وسرعان ما ألقي القبض عليه وسجن في معتقل أبو غريب، ولكنه تمكن من الهرب عام 1949 إلى إيران ووصل إلى إسرائيل في أيار 1950. وبعد تجربة سلبية في أحد الكيبوتسات في الشمال عمل غيلادي في مكتب "الحاكم العسكري" في المجدل، وأثناء ذلك اكتشف كيف طرد الفلسطينيون من وطنهم. فقد كان عليه أن يوزع على سكان القرية الفلسطينية استمارات، مكتوبة بالعبرية والعربية، موجهة إلى مفتشي الأمم المتحدة يطلب فيها موقعها أن ينقل "بكامل إرادته" إلى قطاع غزة.
__________
(1) (Yediot Ahronot)، 29/3/2003. أعادت نشره "كيرين هايسود" (Keren Hayesod - Solidarity Update)، رقم 223، 3/4/2003.
(2) القائمة طويلة، نذكر منها: دافيد هيرست (David Hirst)؛ ماريون وولفسون (Marion Wolfson)، أوري أفنيري (Uri Avnery).
(3) المعلومات حول نعيم غلادي من مقال له نشر في (The Link)، مجلد 31/2، نيسان – أيار 1998.(1/271)
ومع الضغط الإسرائيلي يجد الفلسطيني نفسه مضطراً إلى التوقيع، ومن لم يوقع "اخذ بالقوة ووضع في شاحنات ألقت به في غزة"، وعلى هذا النحو طرد حوالي أربعة آلاف فلسطيني من المجدل. ويقول غيلادي حول طرد الفلسطينيين: "في حرب عام 1948 كانت القوات اليهودية تفرغ القرى العربية، بالتهديد في كثير من الأحيان، وأحياناً، ببساطة، بقتل نصف دزينة من السكان ليكونوا عبرة للبقية. وللتأكد من أن السكان لن يعودوا إلى قراهم كان الإسرائيليون يسممون الآبار ببكتيريا التيفوئيد والديزنطاريا". ويدعم قوله هذا بما ذكره أوري مايلشتين (1) ، المؤرخ الرسمي للجيش الإسرائيلي.
"أنا عراقي"
لم يتمكن غيلادي من التأقلم مع الحياة في فلسطين بسبب التمييز العنصري الذي كان يتعرض له كيهودي شرقي، وبدأ يدرك أن "أن السبب الرئيسي لاهتمام الصهاينة باليهود من الدول الإسلامية كان للحصول على عمالة رخيصة، وبشكل خاص في الأراضي التي طرد منها الفلسطينيون بالآلاف". وأخذ يشارك في نشاطات سياسية مناهضة للسياسات العنصرية في إسرائيل، فشارك في حركة "الفهود السود"، المناهضة للصهيونية والعنصرية. وفي عام 1982، بعد اجتياح لبنان، هاجر إلى الولايات المتحدة وتخلى عن الجنسية الإسرائيلية. وفي أمريكا أكمل العمل على كتابه "فضائح بن-غوريون: كيف قضت الهاغاناه والموساد على اليهود" (2) . وكشف غيلادي في الكتاب عن الدور البريطاني والصهيوني في العراق، ابتداء من الأربعينات، لدفع اليهود إلى مغادرة البلاد، وعرض فيه تجربته الشخصية في إسرائيل وآراؤه بالصهيونية وأهدافها في استعمار فلسطين. غيلادي يعيش في مدينة نيويورك، وعن نفسه يقول: "أنا عراقي، ولدت في العراق، ثقافتي ما زالت عربية، ديانتي يهودية، مواطنتي أمريكية".
__________
(1) (Uri Mileshtin).
(2) Naeim Giladi, Ben Gurion's Scandals: How the Haganah & Mossad eliminated Jews. Flushing, N. Y.: Glilit Publishing Co., 1992.(1/272)
المخابرات الصهيونية
يشير غيلادي في كتابه إلى أن اضطرابات عام 1941، التي أدت إلى مقتل اليهود، افتعلها البريطانيون بالتعاون مع القيادة العراقية الموالية لهم. ويلاحظ أن هذه الأحداث قد حصلت في الأول من حزيران واستمرت في اليوم التالي، أي بعد يومين من سقوط بغداد وهروب رشيد عالي الكيلاني إلى إيران. ويرى أن دور البريطانيين لم يقتصر على اختلاق مبرر لدخولهم بغداد و"إعادة الهدوء والنظام"، بل قدم أيضاً مبرراً لتنظيم حركات صهيونية سرية في العراق، بداية في بغداد، على أن تمتد فيما بعد وتشمل المدن الأخرى. ويروي أن تفجيرات عامي 1950 و1951 في بغداد قام بها عملاء المخابرات الصهيونية لدفع اليهود إلى مغادرة العراق، ويشير بشكل خاص إلى دور بن-بورات في هذه التفجيرات. ويذكر أنه كان قد قابل في نيويورك عام 1988 فيلبور كراين إيفيلاند (1) ، الذي كان يشغل منصباً كبيراً في "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية، وأنه أوضح له أن الشرطة العراقية زودت السفارة الأمريكية آنذاك بدلائل تؤكد أن التفجيرات في الكنس ومكتبة "مركز الخدمات الإعلامية الأمريكية" في بغداد، بالإضافة إلى المظاهرات والمنشورات المعادية لليهود والأمريكيين، قامت بها منظمة صهيونية سرية. ويعرض غيلادي في كتابه معلومات حول علاقة الصهيونيين بالتفجيرات لا يقدمها إيفيلاند. كما يشير إلى دور العملاء الصهيونيين، ومن بينهم بن-بورات، في دفع الحكومة العراقية نحو صياغة قانون جديد يسمح برفع الجنسية عن العراقيين اليهود إذا غادروا العراق لأكثر من ثلاثة أشهر، وقد شرع هذا القانون آذار عام 1950، ليبدأ بعدها مسلسل التفجيرات.
ما قالته ملفات الموساد
__________
(1) (Wilbur Crane Eveland). أنظر كتابه (Ropes of Sand: America’s Failure in the Middle East. London/New York: W. W. Norton, 1980 ).(1/273)
ما يلفت النظر في اتهام الموساد بتدبير تفجيرات بغداد هو أن اليهود العراقيين كانوا يعتقدون به ويكررونه باستمرار. وهو ما دفع الكاتب الإسرائيلي توم سيغيف إلى التساؤل كيف ظهرت أصلاً "إشاعة" من هذا النوع، و"إنه من الواضح أنه يمكن التفكير بهذه الإمكانية". ويذكر سيغيف، الذي اطلع على ملفات الموساد، أنه في الرابع عشر من كانون الثاني 1951 حوالي الساعة السابعة مساء ألقيت قنبلة في باحة كنيس "مسعودة شيمتوف" (1) في بغداد، التي تجمع فيها مئات اليهود قبل الذهاب إلى المطار، وقتل أربعة يهود وجرح عشرون. ولم يكن هذا الاعتداء الأول من نوعه، ولكنه الأسوأ، حسب سيغيف، لأنه "جاء ليدعم جزئياً الإشاعة التي كانت تتردد بين أوساط اليهود من أن التفجيرات قام بها عملاء إسرائيليون". وفي عام 1981 رفع بن-بورات دعوى ضد الصحفي باراه نادل (2) ، الذي أشار إلى الإشاعة وإلى تورط بن-بورات في الموضوع. وبعد مداولات طويلة سويت القضية بدون إدانة بعد أن أعتذر الصحفي المذكور معلناً أنه "تأثر بالتقارير الخبيثة للحكومة العراقية". وكان قرار المحكمة متوافقاً مع الموقف الرسمي للحكومة: "العملاء الإسرائيليون كانوا يعملون هناك، سواء تم ارسالهم من إسرائيل أو كانوا ناشطين محليين في العراق". وكذلك يذكر القرار أن الهجرة اليهودية من العراق جاءت نتيجة "تطلعات يهود العراق نحو الأرض المقدسة، وبسبب الاضطهاد غير المحتمل من قبل السلطات العراقية التي قامت بمطاردة اليهود وسجنهم وشنقهم". ويذكر سيغيف أن موضوع التفجيرات بقى "لغزاً" لم يعرف من قام به ولماذا. وعندما فتحت وثائق الموساد أمام الباحثين، كان من ضمنها مراسلات بين العملاء في بغداد ورؤسائهم في تل أبيب تتعلق بالتفجير المذكور، ولكن البرقيات المتبادلة بين الطرفين "يبدو أنها تؤكد أن أحداً منهما لم يكن يعرف من يقف وراء الهجوم".
__________
(1) (Mas’oudah Shemtov).
(2) (Barah Nadel).(1/274)
"عملية عزرا ونحميا"
الأهم من موضوع التفجيرات، التي من الواضح أنه لا يمكن تقديم دليل مادي عليها، هو خلفية "عملية عزرا ونحميا" التي نظمها الموساد لإخراج اليهود من العراق. فالكاتب سيغيف يدرجها كمثال نموذجي على الكثير من حالات خروج اليهود من بلدان عربية أخرى. ويشير إلى أن خروج اليهود من العراق حصل في بداية الخمسينات وبشكل محدود عندما قرر البرلمان العراقي بالسماح لليهود بالمغادرة. وعنى هذا الأمر عملياً طرد اليهود وإجبارهم على الرحيل ومصادرة ممتلكاتهم. غير أنه وبالاعتماد على مصادر مختلفة، بما في ذلك تقارير لدائرة الهجرة التابعة للموساد، يرى أن خطوة البرلمان العراقي جاءت جزئياً كرد فعل على نشاطات الحركة الصهيونية في العراق، مدعومة بعملاء الموساد، الذين هرّبوا اليهود عبر الحدود مع إيران. ويشير أيضاً إلى أن برقيات الموساد المرسلة من العراق تعج بتقارير حول اضطهاد اليهود في العراق، ولكن "كلها تقريباً تشير إلى يهودٍ انخرطوا في النشاط الصهيوني السري".
وبرأي الكاتب الإسرائيلي تعود خلفية خطوة البرلمان العراقي إلى آذار عام 1949 عندما ترددت أنباء عن شنق سبع يهود عراقيين، لتجتاح موجة من الاحتجاجات الرأي العام الإسرائيلي وصلت إلى منابر الكنيست. غير أن عملاء الموساد في العراق أبرقوا بأن "لا شيء صحيح في التقرير الذي يقول أن يهودا أعدموا بتهمة الصهيونية. البعض حكم عليهم بالموت، ولكن هؤلاء أصبحوا خارج البلاد. وحوكم الكثيرون، ولكن معظمهم بسبب رسائل كانوا يرسلونها إلى إسرائيل". وبالرغم من ذلك أطلق رؤساء مكتب الهجرة في الموساد حملة عالمية ضد العراق من أجل تسريع سن التشريع الذي يسمح بهجرة اليهود من العراق، وشملت الحملة تحركات عديدة كان من بينها:
? بيان لوزير الخارجية الإسرائيلي في لقاء خاص مع المراسلين الأجانب.
? التحريض في الصحافة الدولية.(1/275)
? محاولات لتعطيل قرض كان العراق يحاول الحصول عليه من البنك الدولي.
? الضغط والتشويش على مندوب العراق في الأمم المتحدة، بما في ذلك تنظيم مظاهرات واحتجاجات ضده كلما دخل وخرج من مبنى الأمم المتحدة.
? "تلميح رسمي" بأن إسرائيل قد تنشئ حركة سرية ضد نوري السعيد.
? رسائل رسمية إلى سفراء الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا في إسرائيل تشير إلى أن اليهود العراقيين الموجودين في إسرائيل قد يفجرون غضبهم ضد "العرب في إسرائيل".
وقبل موافقة البرلمان العراقي بفترة قصيرة استلم مكتب الموساد في تل أبيب برقية من بغداد يقول مرسلوها: "نحن نقوم بنشاطنا العادي لتمرير القانون بسرعة، ولمعرفة اقتراح الحكومة العراقية لعملية التنفيذ" (1) ، وهو ما يتفق مع ما كتبه غيلادي، ويشير إلى الوضع الصعب للحكومة العراقية والضغوط الشديدة التي كانت تتعرض إليها.
(((
التراث اليهودي العراقي
"اليهود من جميع أنحاء البلاد سيؤمون ضريح حزقيال (في العراق) ليصلوا ويحصلوا على البركات وقد يمكثون مؤقتاً في المنطقة".
أفنر أرازي، مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية
__________
(1) (Tom Segev, 1949: The First Israelis. London/New York: The Free Press/Collier Macmillan Publishers, 1986)، ص ص 165-167.(1/276)
كان نهب التراث الحضاري العراقي أحد نتائج العدوان الأمريكي على العراق، ولم ينج التراث اليهودي العراقي، الذي كان محط اهتمام أطراف يهودية وإسرائيلية. "المؤتمر الوطني العراقي"، الذي أقام علاقات مع المنظمات اليهودية الأمريكية، وخاصة جينسا، ساهم في عملية العثور على محفوظات يهودية عراقية كانت موجودة في مقر المخابرات العراقية. وقد نفذ العملية "فريق ميت-ألفا" الأمريكي وهي مجموعة خاصة شكلت للبحث عن "أسلحة الدمار الشامل" العراقية. ومنذ البداية تسربت أنباء عن نقل هذه المحفوظات إلى إسرائيل، وفيما بعد ذكر أنها ستنقل إلى الولايات المتحدة ووضعت خطط لعرضها هناك. وقد أرسل خبراء ترميم إلى بغداد لحفظ المواد اليهودية والتحضير لعملية النقل، التي نفذت بعناية زائدة. وقد أخرجت المحفوظات من العراق بناء على "رخصة استيراد" أمريكية، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية الخاصة بالممتلكات الثقافية، ويشكل تجاوزا واضحا للقوانين العراقية. إن المواد التراثية اليهودية تخرج اليوم من العراق "بشكل رسمي"، بعد أن كان يتم تهريبها في الماضي بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية. إلى جانب ذلك، أخرجت من مرقد ذي الكفل ألواح حجرية عليها نقش عبري، يفترض أنها كانت قائمة حول الضريح، ولا يحدد تاريخ هذه الألواح ولا كيف دخلت المرقد أصلاً، وليس هناك توضيح لعلاقة المرقد بحزقيال، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس ق. م. لكن "فريق ميت-ألفا" يعيد "افتتاح" المرقد بضجة إعلامية شارك فيها مراسل صحيفة معاريف الإسرائيلية. إن التركيز على هذا الضريح ومقامات أخرى في العراق، والادعاء بأنها يهودية، يكشف عن جانب من النشاط الاستعماري لا يختلف عما جرى في فلسطين على مستوى واسع منذ منتصف القرن التاسع عشر، لتغيير المشهد الحضاري الفلسطيني وما زال مستمراً حتى أيامنا هذه.
"لا يمكن ترك التلمود"(1/277)
من المؤكد أن السلطات الإسرائيلية علمت بوجود "محفوظات الجماعة اليهودية" مباشرة بعد العثور عليها في شهر أيار، إن لم تكن هذه السلطات نفسها وراء "البحث عن أقدم تلمود في العالم" ... في مقر المخابرات العراقية. وتعود قصة (1) البحث عن التلمود إلى بداية أيار 2003 عندما قامت مجموعة من الجنود الأمريكيين من "فريق ميت –ألفا" (2) ، الذي كان يبحث عن "أسلحة الدمار الشامل"، برفقة أعضاء من "المؤتمر الوطني العراقي"، بالدخول إلى مقر المخابرات العراقية الذي تعرض للقصف في آذار. وكان مسؤول سابق في المخابرات العراقية يعمل مع "المؤتمر الوطني العراقي" (3) قد أبلغهم بوجود نسخة التلمود في مقر المخابرات، وقام المؤتمر بنقل هذه المعلومات إلى الفريق الأمريكي. وأبدى هذا المسؤول استعداده للمساعدة بالكشف عن مكان النسخة التلمودية. "فريق ميت-ألفا" كان متردداً بادئ الأمر في المشاركة في البحث، لأن مهمته تنحصر في "إثبات وجود أسلحة غير تقليدية، وليس إنقاذ الكنوز الحضارية والدينية". غير أن الكولونيل ريتشارد ماكفي (4) ، قائد الفريق، قرر "أن التلمود التاريخي قيم جداً ولا يمكن تركه".
__________
(1) المعلومات حسب "جوديث ميلر"، (New York Times)، 8/5/2003؛ 9/5/2003 و"ديبي بيرمان" في (Israelinsider)، 8/5/2003، التي تذكر معلومات اضافية لمقال ميلر الأول استمدتها من صحيفة معاريف الإسرائيلية.
(2) Mobile Exploitation Team Alpha (MET Alpha).
(3) أشرنا أكثر من مرة إلى علاقة "المؤتمر الوطني العراقي" بالمنظمات اليهودية الأمريكية.
(4) (Richard McPhee).(1/278)
فشكل فريقا يتألف من 16 عنصراً من فريق ميت –ألفا، أعضاء من "المؤتمر الوطني العراقي"، مسؤولين من "مكتب إعادة الاعمار والشؤون الإنسانية" التابع لـ "سلطة الائتلاف المؤقتة"، وقسيس "ميت-ألفا"، "الذي أبدى اهتماماً بالغاً بالكتب الدينية"، بالإضافة إلى جوديث ميلر من النيويورك تايمز وصحافي من "معاريف" (1) .
جندي أمريكي غيور
__________
(1) ديبي بيرمان في (Israelinsider)، 8/5/2003.(1/279)
في السابع من أيار، انطلقت القافلة من "نادي الصيد العراقي"، الذي يبدو أن فريق ميت-ألفا قد اتخذه مقراً له، وكانت تتألف من سبع عربات. وعندما وصلت إلى مقر المخابرات فوجئت بأن "الجزء الذي كان من المفترض أن يحتوي على النسخة المقدسة، كان غارقاً في مياه نتنة تطفو فوق سطحها جثث حيوانات". وبالرغم من الرائحة النفاذة غطس في المياه الآسنة كل من "قائد فريق ميت–ألفا، الضابط المفوض ريتشارد ل. غونزاليس، وعنصرين من فريق ميت–ألفا، في حين كان القسيس المرافق يهز رأسه بدهشةً". وفي القبو، عثرت المجموعة على "مئات الكتب الغارقة في مياه آسنة". وتمكنت من إنقاذ ثلاث رزم من الكتب تضم كتبا دينية يهودية، من بينها نسخة عادية للتلمود مطبوعة في فيلنا، ليتوانيا، تعود إلى القرن التاسع عشر، ودفاتر حسابات للمجموعة اليهودية في بغداد بين الأعوام 1949-1953 وعشرات من الكتب الحديثة بالعربية والعبرية، من بينها "جنرالات إسرائيل" لموشي بن-شاؤول، "مذكرات بن-غوريون"، "الساميون وعداء السامية" لبرنارد لويس. أحد الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في عملية البحث عن التلمود، ملأته مشاعر الحزن عندما رأى في إحدى غرف القبو "الكتب المقدسة لليهودية وأدواتها الطقوسية عائمة في المياه". ويوضح هذا الجندي الغيور على المصالح اليهودية: "تألمت جداً عندما رأيت بعض الكتب ممزقة وتالفة. أنا لست يهودياً، ولكن هذا المنظر أحزنني للغاية. يبدو أن العراقيين كانوا يعملون جاهدين على دراسة اليهودية، ليوظفوا هذه الأبحاث في المعركة ضد إسرائيل".
"الدائرة الفلسطينية – الإسرائيلية"(1/280)
لم يعثر على"أقدم نسخة للتلمود من القرن السابع"، ولكن بقي هناك بصيص من الأمل بالعثور عليها، حسب غونزاليس، الذي أشار إلى أن هذه النسخة قد تكون في أسفل قبو المخابرات الغارق بالمياه. وما يدعم ذلك هو العثور على صندوق خشبي عليه كتابة عبرية، قال المسؤول السابق في المخابرات العراقية أنه ربما كان يحتوي على التلمود المنشود. ولكن الحملة لم تكن مضيعة للوقت، وبالأخص لـ "فريق ميت-ألفا"، الذي كانت تهمه "أسلحة الدمار الشامل". إذ "عثر" في المقر على "وثائق مخابراتية" في "الدائرة الفلسطينية – الإسرائيلية"، وملأت هذه الوثائق شاحنة بأكملها ونقلت إلى "وكالة المخابرات العسكرية" (1) لتحليل محتواها. ومن بين الوثائق، التي عثر عليها: "خرائط توضح ضربات إرهابية ضد إسرائيل من عام 1991"، وخارطة أخرى "حددت فيها، بواسطة زهور مصنوعة من الورق الأصفر والأحمر، المواقع التي ظن العراقيون إن صواريخ السكود قد أصابتها". ووجد فريق ميت – ألفا مجسمات "مفصلة بدقة" للكنيست، المركز التجاري في القدس، ومجسمات لمبانٍ رسمية إسرائيلية، بالإضافة إلى "صورة بالأقمار الصناعية لمفاعل ديمونا"، و"مانيكان لامرأة ترتدي بزة سلاح الجو الإسرائيلي تقف أمام قائمة بالشعارات والرتب لضباط الجيش الإسرائيلي".
"سري للغاية"
__________
(1) (Defense Intelligence Agency).(1/281)
ولكن "الأهم من ذلك" هو وثيقة عثر عليها في طابق آخر كتب عليها "سري للغاية" تحمل تاريخ العشرين من أيار 2001. المذكرة مكتوبة بالعربية، وقد أرسلها مسؤول عن "محطة" للمخابرات العراقية في دولة أفريقية وتصف عرضاً من قبل "محارب مقدس" لبيع اليورانيوم ومواد نووية أخرى، وتشير إلى أن العرض قد رفض بالنظر إلى "العقوبات الراهنة" المفروضة من قبل الأمم المتحدة. غير أن المسؤول يذكر رغبة البائع بالمساعدة في الوقت المناسب. وأشار ضباط أمريكيون إلى أن المادة التي عثر عليها "فريق ميت-ألفا" "هامة" ولكنها "لا تقدم دليلاً حول علاقة مباشرة بين العراق وهجمات إرهابية على إسرائيل"، حسب النيويورك تايمز. وبناء على مصدر آخر عثر على مجسم لمستشفى إخيلوف في تل أبيب (1) . والسؤال هو كيف أمكن تحديد هوية هذا المجسم وغيره من المجسمات إن لم يضم الفريق إسرائيليين! ومهما كان الأمر فإن مصادر من الجيش الإسرائيلي "عبرت عن أملها بأن تسمح القوات الأمريكية بمعاينة المادة بشكل أدق. وتقدر هذه المصادر أن صورة المفاعل لم تلتقط من قبل العراقيين بشكل مباشر، وتقول أن نشاط المخابرات العراقية في إسرائيل كان متدنيا في الآونة الأخيرة".
ترميم مواد يهودية
__________
(1) ديبي بيرمان"، (Israelinsider)، 8/5/2003.(1/282)
في بغداد، أصبحت موظفة أمريكية لم يذكر أسمها "مسؤولة" عن "المحفوظات"، وهي من أقترح على جيف كاي من الوكالة اليهودية لدى وجوده في بغداد في حزيران نقل هذه المواد إلى إسرائيل. وقد تمكن كاي وراتشيل زيلون من "جمعية معونة المهاجرين العبريين" من معاينة المحفوظات (1) . في البداية كان الانطباع أن المادة الخاصة باليهود العراقيين لم تكن ذات أهمية كبيرة، فالغرض الأصلي من الحملة على مقر المخابرات كان العثور على أقدم نسخة من التلمود في العالم، ولكن بعد فحص أولي للمادة، يفترض أن أمريكيين قاموا بها، تبين أنها تغطي فترة تمتد من القرن السادس عشر حتى اليوم: "لفافات توراة، التشريع اليهودي، وكتب أطفال، كلها مطبوعة بالعبرية". ومن القطع النادرة، مجلد من "الكتاب المقدس الرابيني الثالث" نشر في البندقية عام 1568 ونسخة من "بركة إبراهيم"، وهو تعليق على التوراة، يحمل تاريخ 1696 وطبع أيضاً في البندقية. وهناك أيضاً وثائق بالعربية تتعلق باليهود العراقيين، وتقارير حول الجماعة اليهودية في العراق. وينعكس الاهتمام الشديد للمسؤولين الأمريكيين بهذه المسألة في حضور مرممين إلى بغداد في شهر حزيران لمعاينة المواد التي تضررت بفعل المياه الآسنة في قبو مقر المخابرات، أي عملياً بسبب القصف الذي تعرض له هذا المقر أثناء الحرب في آذار. وفي حين لم يُسمع عن أي جهود بذلتها أطراف رسمية أمريكية لترميم المحفوظات الوطنية العراقية، فقد عين جون كونستانس (2) ، وهو مسؤول من "المحفوظات الوطنية" الأمريكية، لمتابعة ترميم المواد اليهودية. وضعت هذه المواد في 27 صندوقاً معدنياً، وجرى خفض حرارتها إلى درجة التجمد لمنع انتشار الفطريات التي قد تؤدي إلى تعفنها.
__________
(1) (Jewish Telegraphic Agency)، 24/6/2003. أنظر أعلاه ص ص ..
(2) (John Constance).(1/283)
ولهذا لم يكن هناك جرد للمواد بشكل دقيق أثناء وجودها في بغداد، على أن يتم ذلك بعد الانتهاء من عملية الترميم، التي ذكر أنها ستجرى في الولايات المتحدة. واقتراح "المسؤولة" الأمريكية نقل مواد تخص الجماعة اليهودية العراقية إلى إسرائيل ليس إلا عرضاً لسرقة وثائق تخص الشعب العراقي، يضاف إلى عمليات النهب الواسعة التي طالت التراث العراقي بعد الغزو الأمريكي البريطاني. ويبدو أن خطط نقل هذه المادة إلى إسرائيل تغيرت نوعاً ما مع نهاية آب، في حين ظل موضوع إخراجها من العراق ثابتاً (1) . إذ أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تصريحاً بـ "استيراد" المواد إلى الولايات المتحدة، نشر في السجل الفدرالي. وصرحت نينا بيشوب (2) أن "هذه أول مواد ثقافية تصل إلى الولايات المتحدة في فترة ما بعد النزاع".
رخصة استيراد
__________
(1) حول موضوع ترميم المادة الخاصة بالجماعة اليهودية في العراق ونقلها إلى الولايات المتحدة أنظر (Agence France-Presse)، 21/8/2003.
(2) (Nina Bishop)، الناطقة باسم "مكتب الشؤون الثقافية والحضارية" (Bureau of Educational and Cultural Affairs) التابع لوزارة الخارجية.(1/284)
"المحفوظات" اليهودية هي ممتلكات ثقافية عراقية وينطبق عليها "مرسوم تنفيذ ميثاق الممتلكات الثقافية" (1) لعام 1987، وهو ما سمح للولايات المتحدة بالمشاركة في ميثاق اليونيسكو الخاص بـ "وسائل تحريم ومنع أعمال الاستيراد والتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية" (2) لعام 1970. ولم يعرف ما إذا كانت "رخصة الاستيراد" تتضمن أي إشارة إلى "إعادة تصدير" هذه الممتلكات الثقافية إلى العراق، علماً بأن خطة وضعت لعرض هذه الممتلكات في الولايات المتحدة بعد ترميمها. وأصبح من الواضح بعد هذه السابقة أن النقاش حول تصدير أو استيراد الممتلكات الثقافية العراقية، الذي أثير بعد عمليات النهب الواسعة للتراث العراقي وتورط فيها جماعات تمثل مصالح تجار التحف القديمة، كان مبرراً بالكامل. وهو ما دفع النائبان فيل إنغلش وجيمس ليتش حينها إلى تقديم مشروع "مرسوم حماية التراث الحضاري للعراق" (3) إلى مجلس النواب، وفيه بعض التعديلات لـ "مرسوم تنفيذ ميثاق الممتلكات الثقافية".
__________
(1) (Convention on Cultural Property Implementation Act).
(2) (Convention on the Means of Prohibiting and Preventing the Illicit Import, Export, and Transfer of Ownership of Cultural Property).
(3) أنظر (Archaeology Online)، 27/6/2003. حول نص مشروع (Iraq Cultural Heritage Protection Act) (H. R. 2009)، 14/5/2003، أنظر (http://frwebgate.access.gpo.gov/cgi-bin/getdoc.cgi?dbname=108_cong_bills&docid=f:h2009ih.txt.pdf). يختلف هذا المشروع عن مشروع قانون (S. 1291) الذي قدمه عضوا مجلس الشيوخ، غراسلي (Grassley)، رئيس اللجنة المالية للمجلس، والديموقراطي باوكوس (Baucus)، تحت عنوان "مرسوم الحماية الطارئة للآثار الحضارية العراقية لعام 2003" (Emergency Protection for Iraqi Cultural Antiquities Act of 2003).(1/285)
وقد جاء إصدار "رخصة الاستيراد" نتيجة "حساسية واشنطن بعدما ساد الاعتقاد بأنها لم تقم بحماية التحف العراقية من اللصوص بالشكل المناسب بعد سقوط حكومة صدام"، حسبما ما جاء في تقرير وكالة الأنباء الفرنسية. وقد بررت باتريشيا هاريسون (1) ، مساعدة وزير الخارجية للشؤون التربوية والثقافية، إصدار "شهادة الاستيراد" بقولها بأن للمادة "أهمية ثقافية". وفي هذا تفادٍ للتصريح بشكل واضح أن المواد المعنية هي "ممتلكات ثقافية عراقية" ينطبق عليها "مرسوم تنفيذ ميثاق الممتلكات الثقافية" لعام 1987. وما حصل يتعارض مع القوانين العراقية التي تمنع إخراج أي قطع تراثية، وهو أيضاً لا يمكن تبريره في ظل غياب السيادة العراقية.
"مصلحة قومية"
__________
(1) (Patricia Harrison).(1/286)
هناك جانب آخر لهذه القضية لا يقل أهمية عن الحيثيات القانونية، وهو أن تفادي اعتبار المحفوظات اليهودية ممتلكات ثقافية عراقية قد يعني أنها ملك اليهود، بما في ذلك القبول الشاذ بما رسخته الصهيونية منذ بداياتها من أن اليهود يمثلون شعباً، وما يتبع ذلك من قبول "إسرائيل" كـ "دولة يهودية"، وهو ما وجد له مؤخراً تأكيداً خارج إسرائيل على أعلى المستويات، كما ورد في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في مدينة العقبة في الرابع من حزيران 2003. ولا مفر من الشك بأن الاقتراح الأصلي بنقل المواد الخاصة بالجماعة اليهودية إلى إسرائيل ما زال قائماً، وخاصة في ضوء الاهتمام الشديد الذي أبدته السلطات الأمريكية بهذه المواد، بالإضافة إلى أن الموضوع طرح من الجانب الإسرائيلي أمام رئيس الوزراء، أرييل شارون، كما هو واضح من تصريحات جيف كاي، المسؤول الكبير في الوكالة اليهودية. هذه العلاقة الحميمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي لا تفرق بين الاثنتين، تجد ما يؤكدها فيما قالته هاريسون في "السجل الفدرالي" بالحرف الواحد: "أقرر أيضاً أن العرض المؤقت [للمواد اليهودية العراقية] من قبل إدارة المحفوظات والسجلات الأمريكية، أو أي مؤسسة ثقافية أو تربوية أخرى، هو مصلحة قومية".
"العميل الجيد"(1/287)
محاولات إخراج التراث اليهودي العراقي من العراق ونقله إلى إسرائيل ليست جديدة. ففي عام 2001 ترددت أنباء عن قيام الموساد بتهريب حوالي ثلاثين لفافة توراة من العراق. وقد أعلن عن وجود هذه اللفافات في إسرائيل يسرائيل ماير لاو (1) ، الحاخام الأعظم في إسرائيل، الذي كان يستخدم أحدها في قداس أقيم في مدينة العفولة (2) . وقد صرح لاو لوسائل الإعلام أن "أحد أجهزة المخابرات" كان مسؤولاً عن عملية التهريب. وقد جلب اليهود العراقيون حوالي 390-405 لفافات توراة معهم عندما حضروا إلى إسرائيل في بداية الخمسينات، في حين أبقوا حوالي 40-50 لفافة في مكان سري في بغداد. وحسب الصنداي تايمز أكتشف صدام حسين هذا المخبأ بينما كان "يبحث هو نفسه عن مخبأ لأسلحة الدمار الشامل، ما دفع عملاء الموساد إلى الشروع بالعمل لإنقاذ ما تبقى من المخطوطات". وهكذا بدأت العملية بعد أن علم الموساد أن الرئيس العراقي في اجتماع له مع "ضباطه" أعلموه بالعثور على اللفافات، فقال لهم: "احرقوها". وقام "عملاء الموساد في كردستان، استنبول، وأنقرة برشوة ضباط عراقيين لإخراج اللفافات إلى الأردن، وفي عمان قام رجال المخابرات الإسرائيلية بتسديد ثمن اللفافات إلى رجال أعمال عراقيين وفلسطينيين". وفي إسرائيل وزعت اللفافات على كنس مختلفة لمراجعتها، حسب "وزارة الشؤون الدينية" الإسرائيلية. ويقول نوآم بن-يهودا، هو عميل مخابرات إسرائيلي في قبرص: "عملية التهريب كانت مهمة بالنسبة للمخابرات. أن تكون يهودياً جيداً أمر مهم بالنسبة لنا بقدر أن تكون عميلاً جيداً" (3) .
__________
(1) (Yisrael Meir Lau).
(2) "الصنداي تايمز" تذكر معرضين عرضت في كل منهما لفافة توراة، أحدهما في العفولة والآخر في نيويورك.
(3) (The Sunday Times)، 7/5/2000؛ (WorldNetDaily)، 8/2/2001.(1/288)
الأنباء حول لفافات التوراة خدمت آلة الدعاية الإسرائيلية، التي أحد عناصرها إبراز الحرص الفريد على المصلحة اليهودية والإسرائيلية. وأهمية هذه الأنباء تتمثل بإخراج مادة تراثية عراقية، يهودية، من العراق، بصرف النظر عن أي دور للمخابرات الإسرائيلية في هذا الشأن. وما يلفت النظر في المقال السابق هو تعليق نعيم دنغور عليه في مجلة "ذي سكرايب" (1) التي يصدرها، عندما يقول أن أباه الراحل "تمكن عام 1957، وعلى كلفته الخاصة، من تصدير ليس أقل من 500 لفافة من مجموع أكثر من 3000 لفافة كانت تخص جماعتنا في بغداد واستلمها بحرص الاتحاد السفاردي في لندن. وأرسل الكثير من هذه اللفافات إلى كنس في جميع أنحاء العالم، ولكن غيرها انتهى، مع الأسف، في أيدي تجار وجامعي التحف. كانت بغداد مشهورة بالنوعية الجيدة للفافات التوراة، والطلبات من أرض إسرائيل كان عليها أن تنتظر وقتا يمتد أحياناً ثلاثة أعوام لتسليمها". بالرغم من المبالغة في أعداد اللفافات التي كانت موجودة في العراق، فإن "حرص" "الاتحاد السفاردي" لم يمنعه من بيع بعض هذه اللفافات، ووصل بعضها الآخر بشكل غامض إلى "أرض إسرائيل". وفي تعليق لها على مجموعة من اللفافات من المتحف العراقي أمكن استعادتها في بغداد بعد عمليات التخريب والنهب التي تعرض لها المتحف، تقول المجلة نفسها أن اليهود تركوا في العراق ثلاثة آلاف لفافة. وتضيف أن "المئات من هذه اللفافات أرسلت إلى الجماعات اليهودية حول العالم"، وأن الحكومة العراقية قررت أن تحتفظ بجزء منها. وبالرغم من التعارض مع ما ذكرته المجلة في عددها السابق، فإن المجلة تبقى في إطار الأسواق التجارية، فهي تكتب أن ثمن كتابة لفافة من هذا النوع من قبل كاتب متخصص يصل إلى ثلاثين ألف دولار (2) .
المعلومات من إسرائيل
__________
(1) (The Scribe)، عدد 73، تموز 2000، ص 14.
(2) (The Scribe)، عدد 76، ربيع 2003.(1/289)
تجاوزت مهام "فريق ميت-ألفا" البحث عن أسلحة الدمار الشامل لترضي إسرائيل بتفقد ما تعتبره تراثاً يهودياً عراقياً، ففي بداية شهر حزيران عام 2003 قام الفريق نفسه بـ "إعادة افتتاح" مرقد ذي الكفل، جنوب غرب الحلة، الذي يشار إليه باسم "ضريح حزقيال". أسّاف حاييم، مراسل صحيفة معاريف (1) ، حضر بنفسه "إعادة الافتتاح" ووصف هذا الحدث الجلل، وكتب عن المقام أنه "مقدس عند اليهود العراقيين، وكذلك المسلمين والأكراد"، وكأن الأكراد ليسوا مسلمين. ويبدو غريباً أن يكون لدى "فريق ميت-ألفا" اهتماماً بهذا الموقع، وخاصة أن مسؤولي الفريق صرحوا في مكان آخر أن مهمتهم تنحصر في البحث عن "الأسلحة غير التقليدية". ولكن يبدو أن الفريق أصبح عاطلاً عن العمل بعدما فشلت محاولاته في العثور على أسلحة الدمار الشامل. وقد حصلت القوات الأمريكية على المعلومات بوجود هذا الضريح من إسرائيل، كما صرحت هذه القوات نفسها. أثارت "إعادة افتتاح" المقام موجة عارمة من الفرح بين المسنين من اليهود العراقيين في إسرائيل، كما صرح بذلك أفنر أرازي (2) ، العراقي الأصل والعامل في وزارة الخارجية منذ 35 عاماً، الذي قال: "اليهود من جميع أنحاء البلاد سيؤمون الموقع المقدس ليصلوا ويحصلوا على البركات وقد يمكثون مؤقتاً في المنطقة"، دون أن يوضح أي "بلاد" يقصدها في كلامه. أما الأستاذ دافيد كاسوتو (3) ، وهو معماري و"خبير في تاريخ الكنس"، فهو يتحدى فهم القارئ عندما يقول أن "اليهود والمسلمين تبادلوا إدارة الضريح. وكان هناك كنيس عندما كان في المنطقة عدد كاف منهم. ولكن عندما اضمحلت الجماعة اليهودية أخذ المسلمون الموقع وحولوا المبنى المجاور إلى مسجد".
__________
(1) (Maariv)، 9/6/2003.
(2) (Avner Arazi).
(3) (David Cassuto).(1/290)
ويفيد الأستاذ كاسوتو أن الضريح كان محاطاً بألواح حجرية عليها النص الكامل لسفر حزقيال، غير أن هذه الألواح "جرى تهريبها إلى إسرائيل خوفاً من تعرضها للتخريب". ويبدو أن "الخبير في الكنس اليهودية" لا يعرف بأن "ذي الكفل" قد ذكر في القرآن الكريم، وهو ما يعني أن هناك ارتباطاً عضوياً بين قرية "الكفل" والمرقد. وقد تكون كلمة "كفل" تعود إلى أصول قديمة وقرنت في فترة ما بذي الكفل. وإن صح هذا الافتراض، فإن خلفية هذا الربط لا يمكن أن تكون إلا إسلامية، وليست "يهودية". ولا يمكن ربط ذي الكفل بأي شخصية توراتية، سواء من خلال الاسم أو السياق القرآني، كما أشار جوزف هوروفيتس، المتخصص في الدراسات اليهودية (1) . أخيراً فإن أي نقاش حول وجود مقامات يهودية مرتبط بتفسيرات ذات طابع أيديولوجي سياسي لمصادر قديمة، كالتوراة وغيرها. وهذا الأمر لا ينطبق على العراق فحسب بل على المنطقة كلها. فالدلالات التي تحملها هذه الشواهد ينبغي أن ينظر إليها ضمن فترة نشوئها وفي إطار استمراريتها عبر العصور. إذ أن النسق المعماري (2) لهذه المواقع، الاسلامي أساساً، يؤكد عدم ارتباطها بأي تراث يهودي مزعوم.
المئذنة الوحيدة في القرية
__________
(1) (Joseph Horowitz)، (Hebrew Union College Annual)، 9 (1925)، ص ص 177-178.
(2) بداية القرن الرابع عشر. أنظر عطا الحديثي وهناء عبد الخالق، القباب المخروطية في العراق. بغداد: مديرية الآثار العامة، 1974، ص ص 81-83.(1/291)
ولكن، بالرغم من ذلك، نجد "مرقد ذي الكفل" يدخل المراجع على أنه كنيس وضريح حزقيال. أحد الذين رسخوا هذا الادعاء هو جون غوردون لوريمر (1870-1914) (1) ، وهو من وضع في بداية القرن العشرين العمل الموسوعي "دليل الخليج"، وجمع فيه معلومات مفصلة حول الأوضاع الجغرافية للعراق والخليج تمهيداً لاستعمار المنطقة من قبل البريطانيين. لوريمر يشير إلى قرية الكفل بأنها "هامة"، وتكمن "أهمية" القرية في أن "ضريح حزقيال يقع في وسطها". والغريب أنه يكتب أن "ما يلفت النظر في هذه القرية هو مئذنتها الوحيدة التي يعتقد أنها كانت تؤلف جزءاً من مسجد لا وجود له الآن. وهي تعتبر أحد المعالم الممتازة لجميع الأراضي المحيطة بها، ويمكن رؤيتها في الطريق إلى كفل وكذلك بعد مغادرة مدينة النجف بأميال قليلة"، ويضلل لوريمر القارئ لأنه لا يوضح أن هذه المئذنة قائمة في المكان الذي هو "ضريح حزقيال"، ولا يذكر بتاتاً "مرقد ذي الكفل"، وهو اسم الموقع الفعلي. كما ويذكر أن جدران الحجرة "مزينة بقطع الزجاج العادي وقطع لامعة ملونة. وقد زينها تاجر يهودي من بومباي عندما قام بتجديد معالم الضريح منذ 65 عاماً" (2) . وما يلفت النظر تقسيم لوريمر للسكان في قرية الكفل، فعددهم 2000 نسمة "منهم 200 من اليهود والباقي من العرب".
__________
(1) (John Gordon Lorimer, Gazetteer of the Persian Gulf, `oman, and Central Arabia. Calcutta: Supt. Govt.Print, 1908-1915). يتألف عمل لوريمر من قسمين، قسم جغرافي وتاريخي. وقد ترجم هذا العمل في قطر: "دليل الخليج. طبعة جديدة معدلة ومنقحة أعدها قسم الترجمة بمكتب صاحب السمو أمير دولة قطر؛ دون تاريخ". وتقع الترجمة العربية في ثلاثة عشر مجلداً.
(2) حسب الترجمة العربية، القسم الجغرافي، الجزء الثالث، ص ص 1284-1285.(1/292)
ويظهر التركيز غير المبرر على اليهود عندما يعرض في موضع آخر من كتابه الوضع السكاني في بغداد، فعدد سكان المدينة آنذاك هو 140 ألف، "ويبلغ عدد اليهود حوالي 55 ألف نسمة وهو ما يكاد يفوق أي جنس آخر ويليهم العرب الذين يبلغ عددهم 38500 نسمة"، هذه المبالغة دفعت مترجم "الدليل" (1) إلى التعليق بقوله أن أحداً من المؤرخين الثقات لم يقل بأن عدد اليهود في بغداد قد زاد يوماً على عدد العرب مطلقاً، وأنه يمكن الرجوع إلى أي إحصاء رسمي لسكان بغداد في أي تاريخ والتأكد من ذلك.
من بومباي إلى البصرة
عملية الاستيلاء على "مرقد ذي الكفل" الإسلامي، وعملياً تخريبه بنقل الألواح الحجرية منه، لا تختلف البتة عما حصل للكثير من المقامات الفلسطينية المرتبطة بشخصيات توراتية. فبالإضافة إلى السطو المادي على هذه المواقع الدينية الفلسطينية، حولت إلى مراكز دينية يهودية يمنع الفلسطينيون من زيارتها، ناهيك عن الاستخدام الشاذ المتمثل بممارسة طقوس يهودية في مبانٍ صممت أصلاً كمساجد. والأمثلة كثيرة، أهمها الاستيلاء على نصف الحرم الإبراهيمي في الخليل، والسطو على كامل مقام النبي داود في القدس أو مقام النبي صاموئيل في القرية التي تحمل اسمه شمال غرب القدس. وقصة تشويه تراث ذي الكفل تعود إلى
القرن التاسع عشر، وكان لوريمر نفسه قد أشار إلى عمليات ترميم مولها ثري يهودي بريطاني من بومباي (2) .
__________
(1) القسم الجغرافي، الجزء الأول، ص 250.
(2) على الأغلب ألبرت عبد الله ساسون؛ أنظر هامش 763.(1/293)
في أيلول 1910 قامت اليهودية فرحة (فلورا) ساسون (1) وأبناؤها برحلة من بومباي إلى بغداد عبر البصرة سجلت وقائعها بالإنجليزية ابنتها موزيل (2) ، في حين توجد يوميات بالعبرية للابن دافيد سلمون ساسون (3) . وتعود أصول عائلة فرحة إلى العراق، قبل أن يهاجر أبوها عام 1842 إلى بومباي. وتعكس هذه اليوميات بشكل لافت للنظر اهتماماً خاصاً بالتراث اليهودي العراقي، وتتطرق إلى مرقد ذي الكفل، رغم أنها لا تفسر ماهية ربط هذا الموقع بحزقيال. وفي البداية لا بد من الإشارة إلى أن اليوميات المنشورة تضمنت صوراً من العراق، من بينها صورة للمرقد بلا تاريخ يملكها شاؤول ساسون، أحد أفراد العائلة التي قامت بالرحلة إلى العراق. والتعليق تحت الصورة: "المكان المقدس لحزقيال، المُرَمَّم، الآن بأيدي المسلمين المحليين". وقد ظهرت داخل الصورة عبارة "مرقد ذي الكفل" وتبدو في الصورة المئذنة التي ترتفع إلى جانب قبة الضريح. الابن دافيد يعود إلى الوراء ليعرض ما حصل عام 1860 أثناء فترة حكم مصطفى باشا في بغداد، ويذكر أن متنفذين مسلمين "ادعيا" أن الضريح للمسلمين بحجة أن المساجد فقط تعلوها مآذن. وبناء عليه، تم إبلاغ وزارة الأوقاف بأن تدرج الموقع كوقف إسلامي، "ما سبب عذاباً كبيراً لليهود". ويشير ساسون إلى اعتراض رفعته بعض الشخصيات اليهودية إلى الباب العالي، الذي أرسل مبعوثاً خاصاً من استنبول لبحث الموضوع و"أصدر حكمه لصالح اليهود".
"مساكن الهدوء"
__________
(1) (Farha Sassoon).
(2) (Mozelle).
(3) أنظر (The Scribe)، عدد 74 (خريف 2001)؛ عدد 75 (خريف 2002).(1/294)
ويبدو أن لا شيء يخرج عن المألوف في هذا السرد، لولا عبارة مقتضبة يضيفها ساسون: "في هذا الشأن جاء ذكر اسم السير موشي مونتيفيوري، الذي قدم دعمه لهذا الموضوع". وهذا الاسم يرتبط بمشاريع مبكرة للاستعمار اليهودي في فلسطين، ويتكرر في حالات مشابهة، كما في "قبة راحيل" شمال بيت لحم، المقام الإسلامي الذي لم يكن له علاقة باليهود إلا بعد أن "تدخل" مونتيفيوري عام 1841 لترميمه وإضافة غرفة في الجهة الشرقية. والمقام، كالكثير من المقامات في فلسطين، يعود بقبته المألوفة إلى الفترة العثمانية، وفي جداره الجنوبي محراب. لكن هذا كله لم يمنع السلطات الإسرائيلية من وضع يدها على الموقع بعد عام 1967 وتحويله إلى كنيس ليصبح فيما بعد، وحتى اليوم، شوكة في وسط الامتداد الطبيعي بين منطقتي القدس وبيت لحم. ومونتيفيوري يقف أيضاً وراء تأسيس واحدة من أوائل المستوطنات اليهودية خارج أسوار القدس، وشكلت عملياً نواة التوسع الاستعماري في القدس الغربية. وقد تمكن مونتيفيوري عام 1855 من شراء قطعة الأرض الواقعة إلى الجهة الغربية من بركة السلطان بعد أن حصل من الحكومة العثمانية على "إعفاء خاص" لشراء الأرض كأجنبي، وهو ما يشير إلى مدى التأثير الذي كان يملكه مونتيفيوري على الحكومة العثمانية. المؤرخ الإسرائيلي بن-أرييه (1) ، يعرض تاريخ القدس الحديثة ليبرز الوجود اليهودي في المدينة، غير أن ما يكتبه هذا "المؤرخ" يكشف بحد ذاته اصطناع هذا التاريخ على حساب السكان المحليين، ويدل بما لا يقبل الشك أن جذور الاستعمار الصهيوني لفلسطين تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر على الأقل.
__________
(1) (Yehoshua Ben-Arieh, Jerusalem in the 19th Century: Emergence of the New City. Jerusalem/New York: Yad Izhak Ben-Zvi/St. Martin’s Press, 1986)، ص 74.(1/295)
يقول بن-أرييه عن الجهود الاستعمارية لمونتيفيوري، الذي مول تأسيس مطحنة دقيق في المستوطنة: "كان يأمل أن تؤمن المطحنة الدقيق بسعر أقل من ذاك الذي حدده الطحانون العرب وهكذا تخفف من معاناة فقراء القدس"، ولم يحدد الكاتب من يقصد بـ "فقراء القدس"، وبما أن العرب كانوا "يحتكرون" طحن الحبوب في ذلك الوقت فإن المطحنة تضرب، عملياً، مصالح المطاحن العربية في القدس. وحتى لا يعكر أي عربي صفو هذه المستوطنة، التي سميت "مساكن الهدوء" (ميشكينوت شاعانانيم)، كان "يشغل الطاحونة بأكملها طحانون من كانتيربري، إنجلترا". وقد وزع نصف "مساكن الهدوء" على يهود "سفارديين، والنصف الآخر على أشكينازيين".
قناصل وولاة(1/296)
لم تكن فرحة ساسون امرأة عادية، فيوميات ابنتها تكشف أنها كانت تتحرك في أوساط دبلوماسية، بريطانية وأمريكية، ومن المعروف أن هذه الأطراف كانت في تلك المرحلة الاستعمارية المبكرة مسؤولة بشكل مباشر عن تنفيذ المخططات الاستعمارية في المنطقة، بالإضافة إلى اهتمام خاص بالسيدة ساسون كان يبديه الوالي التركي للمدينة. ففي الحادي عشر من تشرين الأول 1910 دعيت العائلة إلى بيت القنصل البريطاني لوريمر لشرب شاي بعد الظهر حسب العادة الإنجليزية، وبقيت العائلة حتى المساء لتجري طقوساً يهودية. وأبدت الابنة اهتمامها بخبر حول السيد شتراوس، القنصل الأمريكي في استنبول، فقد كان ينوي زيارة روسيا، ولكن السلطات الروسية لم تمنحه تأشيرة دبلوماسية، لأنه يهودي، واكتفت بإصدار تأشيرة كالتي تمنح للتجار اليهود. وكانت الأم قد قابلت السيد شتراوس أثناء عشاء دعاها إليه عام 1906 في استنبول السير صاموئيل مونتاغو (1) . كما وزار العائلة في بيتها في بغداد "القنصل الألماني السابق"، وأبدى إعجابه بالبيت قائلاً أنه لم يكن يعرف بوجود بيت كهذا في المدينة. وقد رافق العائلة في رحلتها انطلاقاً من كراتشي السير وليام ويلكوكس (2) ، الذي كان مسؤولاً عن أعمال الري في الحكومة التركية. ودعيت العائلة إلى الاحتفال الرسمي لعيد الفطر، الذي جرى أمام الباب الوسطاني، وفي الخيمة التي نصبت لهذا الغرض، صافح الوالي ناظم باشا فرحة ساسون وابنتها. وأقيم عرض عسكري شارك فيه 4000 جندي، من بينهم "450 جندياً إلزاميا يهودياً". وهناك "الجد السير ألبرت"، الذي تبرع بمبنى "كنيس المدرسة" (3) في بغداد، والجد "ألبرت" أو عبد الله (4)
__________
(1) (Samuel Montagu).
(2) (William Willcocks)؛ أنظر (Encyclopaedia Britannica, 15th Edition).
(3) المدرسة هي (Israélite Alliance Universelle).
(4) (Sir Albert Abdallah David Sassoon). موزيل، ابنة فرحة، تقصد الجد الأكبر..فرحة هي حفيدة ألبرت ساسون، حسب موقع (Family Names & Web Cards)، أنظر (http://www.farhi.org./wc51/wc51_424.htm). حول ألبرت ساسون (1817-1896) وأبيه دافيد (1792-1864)، أنظر (Jewish Encyclopedia.com).(1/297)
هو الابن الأكبر لدافيد ساسون، أحد أكبر أثرياء بومباي اليهود وينحدر من أصل عراقي، وكان يعمل في مجال البنوك ويتاجر بالأفيون. السير صاموئيل مونتاغو، المصرفي وعضو البرلمان في نهاية القرن التاسع عشر، هو والد ادوين صاموئيل مونتاغو (1) ، الذي كان له دور هام في صياغة وعد بلفور وإدوين هو عم هربرت صاموئيل (2) ، المندوب السامي في فلسطين للأعوام 1920-1925.
__________
(1) (Edwin Samuel Montagu).
(2) أنظر موقع (Find a Grave) تحت اسم (Herbert Louis Samuel).(1/298)
شخصيات يهودية، تقف وراءها مصالح استعمارية، كانت أسماؤها تتردد في تلك الفترة المبكرة من تاريخ العراق وفلسطين، وفي البلدين تتكشف محاولات مشبوهة لإبراز تراث يهودي وتغيير المشهد الحضاري. وبصرف النظر عن خطط صهيونية ربما كانت مطروحة لاستعمار العراق إلى جانب فلسطين، فإن ما يحصل اليوم لا يختلف من حيث المبدأ عما كان يخطط له منذ قرن ونصف من الزمان، من سياسات خارجية تتحكم بمقادير المنطقة وترسم حدودها ومستقبلها. الفرق أنه لم تعد هناك حاجة اليوم إلى قناصل ووسطاء يهود يحضرون من أقاصي العالم، كالهند وغيرها، فهناك رؤساء حكومات، وزراء، جنرالات، وحكام مدنيون يعملون في المنطقة بشكل مباشر ويستكملون محاولات قديمة يزخر بها تاريخ المنطقة. كوندوليسا رايس، مستشارة الأمن القومي في الإدارة الأمريكية، كتبت بعد احتلال العراق أن "العراقيين قد استردوا بلادهم"، مضيفة أن أمريكا تعمل على تزويدهم بـ "أمن أكثر وفرص أكبر"، لكن ليندا هيرد (1) اقترحت، في معرض تعليقها على ما كتبته رايس، استبدال كلمة العراقيين بالإسرائيليين وكلمة بلادهم بالعراق، أي "الإسرائيليون استردوا العراق" وهكذا تصبح عبارة رايس حقيقية وفي محلها تماماً. ففي المنطقة، وضمن ظروف الانتفاضة الفلسطينية، إسرائيل هي من يبحث عن الأمن والفرص، وكلا الهدفين تحققا لها مع الغزو الأمريكي للعراق. لكن تطور الأحداث في العراق وفلسطين يحدده الشعبان في كلا البلدين، ويؤكد أن إرادة الشعوب تدفع بالأمور إلى مسارات أخرى لا تدخل في حسابات المحتلين.
(((
المحتوى
تمهيد ... 2
جنود أمريكيون يهود في العراق ... 2
"أيام عصيبة" ... 2
كما في إسرائيل ... 2
وجبات عيد الفصح ... 2
"وثنية" ... 2
"الرب معي، فلا يروعني شيء" ... 2
"تحرر وتحرير" ... 2
حيرة بين بزتين ... 2
"اليهود ... نور الشعوب" ... 2
السبت (الشابات) في بابل ... 2
"تفاح وعسل" ... 2
التوراة في مسرح المعارك ... 2
"انتصار على الفوضى" ... 2
__________
(1) (Gulf News)، 12/8/2003.(1/299)
مهرجان الكوشر ... 2
"غذاء الجسد والروح" ... 2
"أمريكا وإسرائيل والرب" ... 2
"الصعود" في القصر الرئاسي ... 2
"التخلص من الذنوب" ... 2
"عيد المظلة" ... 2
"الإيمان على خط النار" ... 2
عيد الأنوار ("الحنوكة") ... 2
"استخدام القوة" ... 2
"ذرة رمل على شاطئ البطولات" ... 2
هويرتا يتفقد الموصل ... 2
"مقبرة يهودية دنست وأزيلت" ... 2
في الميتم ... 2
"ليبارك الرب أمريكا والجميع" ... 2
"يهودي في بغداد" ... 2
"مرض عقلي خطير" ... 2
"القيم الأمريكية واليهودية" ... 2
"شيء مضحك" ... 2
في الحلة ... 2
أثناء الإجازة ... 2
الدور الإسرائيلي وتنسيق الجهود ... 2
"شـ .. شـ .. شش" ... 2
"مشروع إسرائيل" ... 2
"إسرائيل صديق حقيقي لأمريكا" ... 2
"خارطة طريق" إسرائيلية ... 2
"الربط بين العراق والفلسطينيين" ... 2
أسئلة بلاغية وجواب وحيد عليها ... 2
"الشعور بالمسؤولية" ... 2
"كانوا يتحركون بسرعة" ... 2
"حرب لليهود" ... 2
"الرب يقف معكم" ... 2
"الحرب مبررة" ... 2
"اتصالات وتنسيق" من إسرائيل ... 2
تدريبات مشتركة ... 2
أسلحة ومعدات إسرائيلية ... 2
أجهزة تصوير بالأشعة ... 2
الصاروخ الذي قتل أبو علي مصطفى ... 2
احتلالان! ... 2
"خبرة" جنين ... 2
"برنامج تعليمي" ... 2
"ضغطة زر" ... 2
يفهمون القوة فقط ... 2
"أولئك الملطخة أيديهم بالدماء" ... 2
"دروس" ... 2
إسرائيليون في العراق وعراقيون في إسرائيل ... 2
"بنى تحتية مدمرة" ... 2
"العام القادم في القدس" ... 2
جيف كاي يصل إلى بغداد ... 2
"صندوق ضحايا الإرهاب" ... 2
يهود في كل مكان ... 2
"جمعية معونة المهاجرين العبريين" ... 2
"جماعة مهددة" ... 2
لا يريدون الذهاب إلى إسرائيل ... 2
"أتمنى لو يعود صدام" ... 2
"الديموقراطية في سومر" ... 2
"النجدة من صهيون" ... 2
مجموعة من سبعة عشر فرداً ... 2
"مركز أبحاث" في بغداد ... 2
رسائل عبر الإنترنت ... 2
ييغال كارمون ... 2
"التحديات السياسية" ... 2
"الدفاع عن النفس والحرية" ... 2
الافتراء على العراق ... 2
أمام "لجنة العلاقات الدولية" ... 2
أهداف خفية ... 2
"مشروع إصلاحي" ... 2
"خيال عراقي" ... 2
"مقيم في بغداد" ... 2
"الوطن المحطم" ... 2
صحافيون ... 2
العلاقات مع إسرائيل ... 2
"يهود كردستان" ... 2(1/300)
الهدف تفكيك العراق ... 2
أكراد في تل أبيب ... 2
"جسر بين الشعبين" ... 2
"عالم صغير" ... 2
"اخوة معاً" ... 2
"إخواننا وأخواتنا الإسرائيليون" ... 2
"الإيمان والشجاعة" ... 2
"وادي" الألمانية ... 2
الموساد ... 2
"إشاعة مصدرها رجال الدين" ... 2
في مقهى الإنترنت ... 2
"حرية مثالية" ... 2
يهودي في "المؤتمر الوطني العراقي" ... 2
"مصالحة" ... 2
"مدارس، مستشفيات، عقارات" ... 2
يهودي يصوغ الدستور العراقي ... 2
وآخر يهرب تراثاً عراقياً مسروقاً ... 2
اليهودية العالمية ... 2
ردود فعل متناقضة ... 2
مواقف داعمة "مترددة" ... 2
"الشابات" لدعم العدوان ... 2
"المعارضة العراقية" والمنظمات اليهودية ... 2
كيف تسير الأمور ... 2
"الشر" ... 2
"بلايين الدولارات" ... 2
المجموعات اليهودية تتحرك ... 2
"اليهود ... هم من بنى العراق" ... 2
زيلخا من مونتي كارلو ... 2
"فلسطين بيعت مرتين" ... 2
"رئيس المنفى" ... 2
"إحدى حقائق الحياة" ... 2
"العدالة لليهود من البلدان العربية" ... 2
"معاناة اللاجئين اليهود" ... 2
"خلف الكواليس" ... 2
الدعم جاء من أبراهام ... 2
"اعتبارات سياسية وقانونية" ... 2
"في الوقت المناسب" ... 2
"التخفيف من الضغط الفلسطيني" ... 2
"مصالحة" ... 2
إسرائيل القرن الحادي والعشرون ... 2
"مبادئ" ... 2
"غولدبيرغ" و"غولدستين" ... 2
نشاط مكثف ... 2
المنظمات اليهودية تحت سيطرة الأشكيناز ... 2
موقف يرحب بكل الآراء ... 2
"مشكلتا لاجئين" ... 2
ما هو المطلوب؟ ... 2
اتفاقية جنيف ... 2
توطين، لا تعويض ... 2
اختراق السوق العراقي ... 2
البترول العراقي يصل إلى حيفا ... 2
"أعز الأصدقاء" ... 2
بين "المؤتمر" و"سومر" ... 2
"يحملون رشاشات عوزي" ... 2
"المدخل المهني إلى العراق" ... 2
"زيل، غولدبرغ وشركاه" ... 2
أمن إسرائيل ... 2
"القرى الفلسطينية هي مستوطنات" ... 2
تنسيق الجهود ... 2
"الأشرار" و"الأخيار" ... 2
مثقفون تجار ... 2
"اتصالات بشكل غير مباشر" ... 2
"إمكانيات" السوق العراقي ... 2
"المشاركة في إعادة إعمار العراق" ... 2
"تردد العرب" ... 2
الاستعمار فقط؟ ... 2
الصادرات الإسرائيلية ... 2
"تمويل الإرهاب الفلسطيني" ... 2
"شركات عربية فاسدة" ... 2
إريديوم ساتيلايت ... 2
استخبارات ... 2(1/301)
من "بامبا" إلى الأبواب الفولاذية ... 2
شراء عقارات ... 2
"لن نسمح أن يتكرر فصل النكبة" ... 2
العدوان ويهود العراق ... 2
"أكثر الجماعات اليهودية ثراءً واحتراماً" ... 2
"تهديد أقلية صغيرة جداً" ... 2
"إسرائيل أفضل من العراق" ... 2
"لم يكن للصهيونية دور" ... 2
"عميل النازية" ... 2
من حمى الكنيس؟ ... 2
القومية العربية ... 2
"عداء السامية العربي" ... 2
"طريق السلام يمر عبر بغداد" ... 2
العراقيون يقولون: "هؤلاء صهاينة" ... 2
مراد أبو القنابل ... 2
العصا والجزرة ... 2
"أقنية مختلفة" ... 2
المجدل ... 2
"أنا عراقي" ... 2
المخابرات الصهيونية ... 2
ما قالته ملفات الموساد ... 2
"عملية عزرا ونحميا" ... 2
التراث اليهودي العراقي ... 2
"لا يمكن ترك التلمود" ... 2
جندي أمريكي غيور ... 2
"الدائرة الفلسطينية – الإسرائيلية" ... 2
"سري للغاية" ... 2
ترميم مواد يهودية ... 2
رخصة استيراد ... 2
"مصلحة قومية" ... 2
"العميل الجيد" ... 2
المعلومات من إسرائيل ... 2
المئذنة الوحيدة في القرية ... 2
من بومباي إلى البصرة ... 2
"مساكن الهدوء" ... 2
قناصل وولاة ... 2
***(1/302)