بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب / إقامة الحجة على العالمين بنبوة خاتم النبيين
---
السيرة النبوية
--------------------------------------------------------------------------------
الفهرس
تعريف السيرة وأهميتها
حياته صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته
المرحلة المكية
المرحلة المدنية
غزوة بدر الكبرى
غزوة أحد
غزوة حمراء الأسد
غزوة بدر الموعد
غزوة بني المصطلق (المريسيع)
غزوة الخندق ( الأحزاب)
غزوة بني قريظة
فترة الهدنة مع المشركين (6هـ - 8هـ)
فتح مكة
فترة دخول الناس في دين الله أفواجا (8هـ - 11هـ)
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
شمائله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
تعريف السيرة وأهميتها
تعريف السيرة النبوية
- السيرة لغة :
تعني السّنة والطريقة، والحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره. يُقال فلان له سيرة حسنة، وقال تعالى: (سنعيدها سيرتها الأولى) (طه:21).
- السيرة اصطلاحًا:
السيرة اصطلاحًا تعني قصة الحياة وتاريخها، وكتبها تسمّى: كتب السير، يُقال قرأت سيرة فلان: أي تاريخ حياته. والسيرة النبوية تعني مجموع ما ورد لنا من وقائع حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته الخُلقية والخَلقية، مضافا إليها غزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم.
أهمية السيرة ومكانتها:
1- السيرة النبوية هي السبيل إلى فهم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها، للتأكد من أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد عبقري سمت به عبقريته، ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحي من عنده.(1/1)
2- تجعل السيرة النبوية بين يدي الإنسان صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، يتمسك به ويحذو حذوه، فقد جعل الله تعالى الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم قدوة للإنسانية كلها، حيث قال سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) (الأحزاب:21).
---
3- السيرة النبوية تعين على فهم كتاب الله وتذوق روحه ومقاصده، فكثير من آيات القرآن الكريم إنما تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- السيرة النبوية صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه، فهي تكوّن لدى دارسها أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية، سواء ما كان منها متعلقًا بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق.
5- السيرة النبوية نموذج حي عن طرائق التربية والتعليم، يستفيد منه المعلم والداعية المسلم. فقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم معلمًا ناجحًا ومربيًا فاضلاً، لم يأل جهدًا في تلمس أجدى الطرق الصالحة في التربية والتعليم، خلال مختلف مراحل دعوته.
6- من خلال السيرة نتعرّف على جيل الصحابة الفريد، الذي كان صدى للقرآن، وكان التطبيق العملي لحكم الله أمرًا ونهيًا.
7- تمتاز سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها نُقلت إلينا كاملة في كلياتها وفي جزئياتها، ولا تملك الإنسانية اليوم سيرة شاملة لنبي غير السيرة النبوية على صاحبها صلوات الله وتسليمه.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
حياته صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته
نَسَبُه صلى الله عليه وسلم:(1/2)
الرسول صلى الله عليه وسلم هو: (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لُؤَيّ بن غالب بن فِهر بن مالك ابن النَّضر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان) (رواه البخاري) ، وعدنان من ولد إسماعيل الذبيح بن إبراهيم عليهما السلام.
وأبوه: عبد الله بن عبد المطلب، كان أجمل قريش (قبيلة قريش) وأحب شبابها إليها، عاش طاهرًا كريمًا حتى تزوج بآمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم.
---
وأمّه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وزهرة هو أخو قصي بن كلاب جد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أبوها سيد بني زهرة.
وجدّه: عبد المطلب بن هاشم، هو سيد قبيلة قريش، أعطته رياستها لخصاله الوافرة، وقوة إرادته، وعزيمته على فعل الخير لكل الناس، وقد اشتهر بحفر بئر (زمزم) التي تسقي الناس بمكة المكرمة إلى يومنا هذا.
مولده صلى الله عليه وسلم:
ولد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، من عام الفيل، وقصة أصحاب الفيل معروفة ذكرها القرآن الكريم في سورة الفيل(1ـ5)، وذلك أن أبرهة ملك اليمن أراد أن يهدم الكعبة (بيت الله الحرام في مكة) فساق إليها جيشًا عظيمًا ومعهم فيل، فردّ الله كيدهم وحفظ الكعبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال جنينًا في بطن أمه التي رأت حين وضعته نورًا خرج منها أضاءت منه قصور بُصرى من أرض الشام.
ومات أبوه عبد الله، وهو لا يزال جنينًا في بطن أمه، فلما ولد كان في حجر جده عبد المطلب يرعاه وينظر حاجته هو وأمه.
مرضعاته صلى الله عليه وسلم:
جاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن أطفالاً يرضعنهم، فكان الرضيع المبارك من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، واسم زوجها أبو كبشة، ودرّت البركات على أهل ذاك البيت الذين أرضعوه مدة وجوده بينهم، وقد مكث فيهم ما يربو على أربع سنوات.(1/3)
وقد صحّ أن ثويبة -مولاة أبي لهب- أرضعته قبل أن تذهب به حليمة السعدية.
معجزة شق صدره صلى الله عليه وسلم:
وقعت هذه المعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين، الأولى في بادية بني سعد وهو عند مرضعته حليمة، وكان في الرابعة من عمره.
---
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمه -أي جمعه وضم بعضه إلى بعض- ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه -يعني ظِئْره أي مرضعته- فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنتُ أرى أثر المخيط في صدره) .
وأما المرة الثانية التي وقعت فيها تلك المعجزة فقد كانت في ليلة الإسراء كما روى ذلك البخاري ومسلم .
وفاة آمنة أُمّه صلى الله عليه وسلم:
خافت حليمة وزوجها على محمد صلى الله عليه وسلم بعد حادثة شق الصدر، فعادا به إلى أُمِّه آمنة، فمكث عندها إلى أن بلغ ست سنين، ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني عدي بن النجار، تزورهم به، ومعها أم أيمن تحضنه، فأقامت عندهم شهرًا ثم رجعت به إلى مكة فتوفيت بالأبواء (قرية على يمين الطريق المتجه إلى مكة المكرمة من المدينة المنورة).
رعاية جّده عبد المطلب له صلى الله عليه وسلم:
---(1/4)
ترك يُتم النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه أبلغ الأثر، إذ وُلد يتيم الأب وماتت أمُّه وهو ابن ست سنين، فلما توفيت ضمّه جدُّه عبد المطلب إليه ورقّ عليه رِقةً لم يرقها على ولده، وقرّبه وأدناه، وإن قومًا من بني مدلج قالوا لعبد المطلب: احتفظ به، فإنّا لم نر قدمًا أشبه بالقدم التي في المقام منه (هي أثر إبراهيم عليه السلام في المقام الإبراهيمي بجوار الكعبة)، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به. فلما حضرت عبدَ المطلب الوفاةُ أوصى أبا طالب بحفظه. ومات عبد المطلب فدفن بالحَجون (جبل بأعلى مكة)، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، ولمحمد يومئذ ثماني سنين، ولا شك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أحسَّ بفقدان جده عبد المطلب لما كان يَحْبُوه به من العطف والرعاية.
كفالة عمه أبي طالب له صلى الله عليه وسلم:
أوصى عبد المطلب ابنه أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورعايته، فلما توفي عبد المطلب ضم أبو طالب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فكان معه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان يحبّ محمدًا صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعًا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك.
ومما يدل على شدة محبة أبي طالب إياه، صحبته له في رحلته إلى الشام، ويبدو أنه في فترة حضانة أبي طالب له ساعده محمد صلى الله عليه وسلم في رعي غنمه، وقد ثبت في البخاري ومسلم أنه عمل على رعيها لأهل مكة، مقابل قراريط.
---(1/5)
ولعل ضيق حال أبي طالب هو الذي دفع محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العمل لمساعدته. ورعي الغنم فيه دربة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رعاية البشر فيما بعد، فقد أَلِفَ العمل والكفاح منذ طفولته، واعتاد أن يهتم بما حوله، ويبذل العون للآخرين، وربما يذكرنا رعيه للغنم بأحاديثه التي تحث على الإحسان للحيوان.
زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا وعشرين سنة، تزوج خديجة بنت خويلد، وهي من سيدات قريش، ومن فضليات النساء، وكانت أرملة توفي زوجها أبو هالة، وكانت إذ ذاك في الأربعين من عمرها، وقيل في الثامنة والعشرين، وكانت امرأة تاجرة، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم بشيء تجعله لهم.
وخديجة رضي الله عنها أول امرأة يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها في حياتها، وولدت له كل ولده إلا إبراهيم، فولدت القاسم وعبد الله (الملقب بالطيب والطاهر)، وثلاث بنات هن: أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية. أما إبراهيم فقد ولدته مارية القبطية التي أهداها له مقوقس مصر.
وقد مات القاسم وعبد الله قبل الإسلام، أما البنات فأدركن الإسلام وأسلمن رضي الله عنهن، وتوفيت خديجة رضي الله عنها قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها، ويظهر محبتها وتأثره لدى ذكرها بعد وفاتها، فقد كانت لها مواقف عظيمة في الإسلام، وفي نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به.
مظاهر من حفظ الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته:
1 - حفظه صغيرًا بداية من إرضاعه واصطفائه من أوسط النسب وأشرفه، وولادته من نكاح صحيح وليس من سفاح باطل.
---(1/6)
2 - كفالة جده عبد المطلب -وهو سيد قريش- له طفلاً إلى أن بلغ الثامنة من عمره وتوفي جدّه، فانتقل إلى كفالة عمه أبي طالب -وهو سيد قريش أيضًا- وفي ذلك ما فيه من المنعة. والتاريخ يحدّث بحب عبد المطلب وأبي طالب الشديد للرسول صلى الله عليه وسلم.
3 - حفظه شابًا من أن يقع فيما يقع فيه الشباب من الفحش والخنا، والأدلة على ذلك كثيرة منثورة في كتب السيرة، وقد اشتهر صلى الله عليه وسلم بين قومه وهو شاب بالصدق والأمانة.
4 - حفظ قلبه طاهرًا فلم يعبد إلهًا غير الله عز وجل، ولم يسجد لصنم، ولم يتمسح بوثن، ولم يحلف بغير الله، هذا مع بغضه الشديد لآلهة قومه (اللات والعُزّى وغيرهما).
5 - إعداده إعدادًا معصومًا من نزغ الشيطان ونفثه، وحفظ باطنه صحيحًا، وقد تجلى هذا في حادثة شق الصدر الأولى والثانية.
وجملة القول: إن الله تعالى هيأ لرسوله صلى الله عليه وسلم من الحفظ والرعاية ما جعله جديرًا بتلقي الرسالة الخاتمة لهداية البشر.
البشارات برسالته صلى الله عليه وسلم:
جاءت في القرآن الكريم بشارة عيسى عليه السلام لقومه ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يديَّ من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) (الصف:6).
وجاءت في إنجيل برنابا عبارات مصرحة باسم النبي صلى الله عليه وسلم، مثل العبارة: (163/7: أجاب التلاميذ: يا معلم! مَن عسى أن يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه، الذي سيأتي إلى العالم، أجاب يسوع بابتهاجِ قلبٍ: إنه محمد رسول الله).
وتكررت مثل هذه العبارات في إنجيل برنابا (حرمت الكنسية تداوله في آخر القرن الخامس الميلادي وهو الآن مطبوع) ، وكذلك في إنجيل لوقا (2/14) بلفظ: (أحمد)، وفي إنجيل يوحنا جاءت البشارة بلفظ: (الفار قليط)، ومعناها الحامد أو الحمّاد أو أحمد.
---(1/7)
وفي التوراة كان الإخبار والتبشير بنبوته صلى الله عليه وسلم، ولكن يد التحريف طالتها، قال الله عز وجل: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل والقرآن، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) (الأعراف:157).
قال ابن تيمية (في الجواب الصحيح) : (والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم). هذا عدا ما كانت تحدث به يهود، ورهبان النصارى، والعرب وكثير من الأمم بأن نبيًا قد اقترب زمانه وآن أوانه.
والبشارات برسالته صلى الله عليه وسلم كثيرة، يضيق المقام عن حصرها، وتلتمس في مظانها.
أسماؤه صلى الله عليه وسلم:
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم : محمد , أحمد , الماحي . الذي يمحو الله به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس على عقبيه ، والعاقب الذي ليس بعده نبي ، ونبي التوبة ، وسماه الله تعالى رؤوفا رحيماً.
صفته صلى الله عليه وسلم:
---(1/8)
كان صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير ، ولا بالأبيض الأمهق (أي ليس شديد البياض) ، ولا الآدم (الأسمر) ، ولا بالجعد القطط (لم يكن ذا شعر ملتو قصير) ، ولا السبط (المسترسل)، رَجَل الشعر (بين البسط والجعد) ، أزهر اللون (أبيض مشرق) ، مشرباً بحمرة في بياض ساطع ، كأن وجهه القمر حسناً ، ضخم الكراديس (المفاصل) ، أوطف الأشفار (طول شعر الجفنين) ، أدعج العينين (شديد سوادها وبياضها مع اتساعها) ، في بياضهما عروق حمر رقاق ، حسن الثغر ، واسع الفم ، حسن الأنف ، إذا مشى كأنه يتكفأ (يندفع إلى الأمام) ، إذا التفت التفت بجميعه، كثير النظر إلى الأرض ، ضخم اليدين لينهما، قليل لحم العقبين، كث اللحية واسعها، أسود الشعر، ليس لرجليه أخمص (باطن القدم)، إذا طوّل شعره فإلى شحمة أذنيه (أسفلها)، وإذا قصّره فإلى أنصاف أذنيه، لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبه وكان على نُغض (العظم الرقيق) كتفه الأيسر خاتم النبوة كأنه بيضة حمام، لونه لون جسده، عليه خيلان (جمع خال وهي الشامة)، ومن فوقه شعرات .
شهوده صلى الله عليه وسلم بنيان الكعبة:
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمه فيها ، وكانوا قد اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه فاتفقوا على أن يحكم بينهم أول داخل يدخل المسجد، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين ، فقال: هلموا ثوباً ، فوضع الحجر فيه وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من نواحيه وارفعوه جميعاً ، ثم أخذ الحجر بيده فوضعه في مكانه.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
المرحلة المكية
من بعثته صلى الله عليه وسلم إلى هجرته إلى المدينة
بدأ الوحي:
---(1/9)
عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: أول ما بُدِئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه - أي يتعبّد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني - أي ضمّني ضماً شديداً - حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطّني الثالثة، ثم أرسلني فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم.) (العلق/ 1-3)، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمّلوني زمّلوني - أي ضعوا عليّ غطاءً - ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع - يعني الخوف -، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ -أي المريض المتعب -، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق - يعني الموت -.
---(1/10)
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، ابن عم خديجة، وكان امرءاً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ماشاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن العم اسمع من ابن أخيك . فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة: هذا النّاموس الذي نزّل الله على موسى - يعني جبريل عليه السلام-، يا ليتني فيها جذعٌ - أي شاب -، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب - يلبث - ورقة أن توفي، وفتر الوحي - أي انقطع فترة -.(رواه البخاري ومسلم).
تتابع نزول الوحي وكيفيته :
استمر الرسول صلى الله عليه وسلم في تعبده في غار حراء، فعاد الوحي وكان أول ما نزل بعد فترة انقطاعه الأولى قوله تعالى: (يا أيها المدثر). ثم أبطأ الوحي عدة ليال فقال المشركون: قد ودّع محمداً ربُّه، فأنزل الله عز وجل (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) (الضحى/ 1-3).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً على حفظ القرآن فيحرك لسانه به، فنزلت الآية: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) (القيامة/9).
وقد كان يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس - وهو أشد الوحي عليه - فيفصم عنه وقد وعى عنه ما قال، وأحياناً كان يأتيه الملك على هيئة رجل فيكلمه فيعي ما يقول. والمشهور أن نزول الوحي استغرق ثلاثاً وعشرين سنة منها ثلاثة عشر عاماً بمكة، وعشر سنين بالمدينة.
أوائل المسلمين إسلاماً:
---(1/11)
كانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن، ثم آمن من الصبيان عليّ رضي الله عنه، ثم آمن من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وزيد بن حارثة، وبلال بن رباح، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرت، وعمار بن ياسر، وعمرو بن عبسة السلمي، وأبو ذر الغفاري، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن مظعون، وسعيد بن زيد، وأسماء بنت أبي بكر، وفاطمة بنت الخطاب، وخلق آخرون، ثم عمر بن الخطاب الذي قيل إن الله أتم به أربعين من الصحابة، وقبله أسلم حمزة بن عبد المطلب عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة ، وأسلم أيضاً المقداد بن الأسود ولكنه كان يكتم إيمانه، رضي الله عنهم أجمعين.
وأسلم الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه، ودعا قومه إلى الإسلام ولقي منهم صدوداً ، فطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم، ولكن الرسول دعا لهم بالهداية، فهداهم الله وجاءت دوس مسلمة لله ورسوله بعد عدة سنوات .
استماع الجن للقرآن وإسلامهم
انطلق قوم من الجن - بعد أن حيل بين الجن وبين خبر السماء - نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة - مكان على مسيرة ليلة من مكة - وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمّعوا له، فقالوا هذا الذي حال بينكم وبين خب السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: (إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً..])(الجنّ/ 1-2 )، وأوحى الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم قولهم هذا، وقد دعا الجنُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة، وذهب وقرأ عليهم القرآن ، ثم عاد وأرى أصحابه آثارهم ونيرانهم.
الدعوة السرّيّة إلى الإسلام
---(1/12)
بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام، من أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفياً، ثم أُمر بإظهار الدعوة بنزول قول الله عز وجل: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء/ 214).
صبره صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه على إيذاء المشركين
جاهرت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة والأذى، وكان عمه أبو طالب يمنعهم مع بقائه على دين قومه، في حين أن عمه أبا لهب كان أشد قومه وأولهم إيذاءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشتركت بطون قريش ورجال منها في إيذائه كذلك، واشتدوا في هذا الإيذاء، يعذبون من لا منعة - حماية - عنده ويؤذون من لا يقدرون على عذابه، والإسلام على هذا ينتشر في الرجال والنساء، ولقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب أمراً عظيماً، ورزقهم الله تعالى على ذلك من الصبر أمراً عظيماً .
بعض مظاهر أذى قريش للمسلمين:
1- الضرر المادي والسب العلني:
ومن ذلك وضعهم بقايا الحيوانات ودماءها ومشيمتها - غشاء رقيق يحيط بالجنين- بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. وقد خنق عقبة بن أبي معيط رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في فناء مكة، وكانت قريش تسبّ الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول له مذمم - من الذم وهو عكس الحمد -، وتسبّ القرآن ومن أنزله ومن جاء به، وقد اجتمعت قريش لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم مما كان سبباً مباشراً للهجرة إلى المدينة .
ومن أذى المشركين للمسلمين طعن أبي جهل للسيدة سمية أم عمار بن ياسر بحربة في فرجها فقتلها، وطرحهم لبلال بن رباح على الرمضاء في حر مكة، وإلقاؤهم صخرة عظيمة على بطنه بعد أن ألبسوه درعاً من الحديد في الحرّ الشديد.
2- السخرية والاستهزاء والضرر النفسي:
---(1/13)
وهذا من الأساليب التي اتبعتها قريش في الإيذاء، حيث اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بالكذب وبالسحر وبالكهانة، ووضعوا في عنق بلال بن رباح حبلاً وأسلموه للصبيان ليطوفوا به شعاب مكة وهو يقول : أحد أحد، وغير ذلك من الأمثلة التي تبين مدى استهزائهم بالمسلمين .
3- الحصار الاقتصادي والاجتماعي:
لم يمنع الإيذاء البدني والنفسي الناس عن الدخول في الإسلام فتعاقد كفّار قريش على بني هاشم وبني المطلب - وهم بطن النبي صلى الله عليه وسلم من قريش - ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم، وكتبوا في ذلك صحيفة، وحصروهم في شعب أبي طالب مدة طويلة (قيل ثلاث سنوات أو أقل) وقد كان الحصار كاملاً بمعنى الكلمة، وذلك حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، ولكن الله عصمه رغم البلاء والشدة.
هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة
حينما اشتد البلاء والفتنة والإيذاء على المسلمين في مكة، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه" (رواه البخاري).
فخرج المسلمون حتى نزلوا بالحبشة فأكرمهم النجاشي وأمّنهم، وكان أول من هاجر من المسلمين عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعه جمع من كبار الصحابة، وكانت الهجرة الأولى سنة خمس من مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدد الذين هاجروا فيها أحد عشر رجلاً وأربع نسوة.
وأما الثانية فكان عدد الذين هاجروا فيها اثنين وثمانين رجلاً وثماني عشرة امرأة، وأبناؤهم ، وسببها أن المهاجرين الأوائل سمعوا بإسلام قريش فعاد بعضهم ومنهم عثمان بن عفان وزوجته فلم يجدوا قريشاً أسلمت، ووجدوا المسلمين في بلاء عظيم وشدة، فهاجروا مرة أخرى ومعهم هذا العدد الكبير.
---(1/14)
وقد أرسلت قريش في أثرهم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة بهدايا إلى النجاشي ليردّ المسلمين، ولكن هيهات فقد أسلم النجاشي وأبى أن يردّهم، بل أعطاهم الأمان في أرضه وأقرّهم على دينهم، وردّ رسل قريش لم ينالوا شيئاً.
وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها
ما إن أعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب، وحمزة بن عبد المطلب، وخروج بني هاشم من شعب أبي طالب، حتى توفي أبو طالب في أواخر العام العاشر من البعثة. وبموته فقد الرسول صلى الله عليه وسلم سنداً كبيراً، لم يجد من يقوم مقامه من بني هاشم، ولذلك بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ليطلب نصرتها، ورحل إلى الطائف لأجل تلك النصرة ولكنها لم تحدث . فقد خذله أهل الطائف وسلطوا عليه صبيانهم فقذفوه بالحصى حتى أدموا قدميه واستهزءوا به كثيراً ولكن هذا لم يجعله ييأس صلى الله عليه وسلم .
وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها في نفس العام، ففقد الرسول صلى الله عليه وسلم سنداً ثانياً من داخل كيانه الأسري.
الإسراء والمعراج
---(1/15)
في تلك الظروف الصعبة كانت المواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحادثة الإسراء والمعراج، يقول الله عز وجل: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (الإسراء/ 1). وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: "كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا.."، وفي رواية لمسلم: "أتيت بالبراق - وهو دابة - أبيض طويل ، فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل -عليه السلام- بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة، قال ثم عرج بنا إلى السماء..".
وقصة الإسراء والمعراج مبسوطة في الصحاح ، وقد لقي صلى الله عليه وسلم في معراجه الأنبياء آدم، ويوسف، وإدريس، وعيسى، ويحيي، وهارون، وموسى، وإبراهيم، عليهم السلام، وسمع صريف الأقلام، وفرضت عليه الصلاة، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور في السماء السابعة، ورأى نهر الكوثر وأنهار الجنة ورأى جبريل عليه السلام على هيئته، ورأى أقواماً يعذبون على جرائمهم .
ورغم أن حادثة الإسراء والمعراج كانت مواساة وتطميناً للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنها كانت فتنة لبعض المسلمين وللكافرين ممن لم يصدقوا بها، وجمهور العلماء على أن الإسراء كان يقظة بالروح وبالجسد.
بيعة العقبة الأولى
---(1/16)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في موسم الحج على القبائل، فتعرض لستة نفر من الخزرج سنة 11 من النبوة، منهم أسعد بن زرارة، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، ودعاهم إلى الإسلام وإلى معاونته في تبليغ رسالة ربه، فآمنوا به وصدقوه ووعدوه المقابلة في الموسم القابل ، وهذه بداية إسلام الأنصار.
فلما كان الموسم التالي سنة 12 من النبوة أتوا، ويقول عبادة بن الصامت: "كنا اثني عشر رجلاً في العقبة الأولى، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بيعة النساء أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فمن وفّى فله الجنة، ومن غش من ذلك شيئاً فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" (رواه البخاري ومسلم).
وعاد الأنصار إلى المدينة ومعهم مصعب بن عمير، يعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين ويقرئهم القرآن.
بيعة العقبة الثانية
قدم وفد الأنصار في موسم الحج في السنة الثالثة عشر من النبوة، واجتمع منهم في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وجاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس - وكان لا يزال على دين قومه - وكان العباس هو أول المتكلمين في هذا الاجتماع قال: يا معشر الخزرج إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا من هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه ومنعة بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده.
---(1/17)
قال كعب بن مالك الأنصاري: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت..، وهذا الجواب من الأنصار يدل على تصميمهم وشجاعتهم وإيمانهم وإخلاصهم في تحمل هذه المسؤولية العظيمة.
وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله ورغبهم في الإسلام، وقال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه وتمت البيعة، وعاد الأنصار إلى المدينة يترقبون هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن جعل عليهم اثني عشر نقيباً.
هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
قوي جانب المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يحث المؤمنين على الهجرة إلى يثرب، ويثرب هي دار الهجرة التي أريها الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه، وكثر دخول الأوس والخزرج - قبيلتان من يثرب المدينة - في الإسلام، وبعد إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالهجرة خرج المسلمون أرسالاً - جماعات وفرادى - رغم كل العقبات والصعاب التي وضعتها قريش واعترضت بها المهاجرين.
وكان أول من هاجر من مكة إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد، ومن أوائل من هاجروا مصعب بن عمير، وعبد الله بن أم مكتوم، وبلال بن رباح، وسعد بن أبي وقاص، وعمار بن ياسر، وعمر بن الخطاب في عشرين من الصحابة، وتبعهم كبار الصحابة وصغارهم بعد ذلك، ولم يبق بمكة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، وأبي بكر الصديق، ومن حبس كرهاً.
معالم من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
---(1/18)
اعتزمت قريش قتل النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين) (الأنفال/30)، ولكن قريشاً فشلت في عزمها، ففي هذه الساعة الحرجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعي بن أبي طالب: نم على فراشي، وتسجّ - أي تغطّ - ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم، ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بينهم - أي من بين الكفار الذين اجتمعوا ببابه وعلى رأسهم أبو جهل - سالماً بإذن الله .
رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر للهجرة، وأعدّا لها عدتها ووضعا لها خطتها، وانطلقا إلى غار ثور.
علف أبو بكر راحلتين كانتا عنده أربعة أشهر، ودفع بهما إلى الدليل - عبد الله بن أريقط- وكان على دين الكفار، وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال بالراحلتين، وأما أسماء بنت أبي بكر - ذات النطاقين - فكانت تأتيهما بالطعام، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ويعو قبيل الصبح، فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيها، فيتسمع لهما الأخبار، وأما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر فكان يرعى غنماً يريحها عليهما ساعة من العشاء، فيأخذان منها حاجتهما من اللبن، (البخاري، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم )
انطلق الركب المبارك، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والدليل وعامر بن فهيرة، فأخذوا طريق السواحل ، وكانت قريش قد رصدت جائزة لمن يدل على محمد أو يأتي به، فلحقهم سراقة بن مالك بن جُعشم، طمعاً في الجائزة فلما قرب منهم عثرت فرسه، ثم ساخت يداها في الرض حتى بلغتا الركبتين، ورأى غباراً ساطعاً إلى السماء مثل الدخان، فنادى بالأمان، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أخف عنّا، وكتب له كتاباً بالأمان. ولقيا الزبير بن العوام قافلاً من تجارة بالشام فكساهما الزبير ثياب بياض.
---(1/19)
كان المسلمون بالمدينة يغدون كل غداة إلى الحرّة، ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يردّهم حرّ الظهيرة، فرآه يهودي فقال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدّكم الذي تنتظرون، فصار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل إن عدد الذين استقبلوه خمسمائة من الأنصار، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر، وأهل المدينة يتنادون: جاء نبي الله، جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان في الطرق ينادون، يا محمد يا رسول الله، يا محمد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابي البراء بن عازب: ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، ولبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أُسس على التقوى - مسجد قباء - وصلّى فيه، ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقل: هذا إن شاء الله المنزل، ثم بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجداً.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
المرحلة المدنية
يمكن تقسيم المرحلة المدنية إلى ثلاث فترات:
1- فترة أثيرت فيها القلاقل والفتن من الداخل، وزحف الأعداء من الخارج لاستئصال المسلمين، وتنتهي هذه الفترة عند صلح الحديبية في سنة ست من الهجرة.
2- فترة الهدنة مع المشركين وتنتهي بفتح مكة سنة ثمان للهجرة، وفيها كانت دعوة الملوك إلى الإسلام.
3- فترة دخول الناس في دين الله أفواجاً، وتمتد هذه الفترة إلى انتهاء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، سنة إحدى عشرة للهجرة.
أولاً: فترة القلاقل والفتن (1هـ -6هـ)
الوضع في المدينة عند الهجرة:
---(1/20)
تمثل الهجرة تحولاً ضخماً لإقامة مجتمع جديد في بلد آمن، ولذلك كانت الهجرة قبل الفتح - فتح مكة- فرضاً على كل مسلم قادر، ليسهم في بناء هذا الوطن الجديد، ومن هنا نرى أهمية التأريخ للإسلام بالهجرة ذلك الحدث العظيم.
أما مجتمع المدينة الجديد فقد كان يتألف من ثلاث فئات:
1- من المسلمين المهاجرين الذين هاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والأنصار الذين آووا ونصروا.
2- ومن المشركين الذين لم يؤمنوا بعد من قبائل المدينة.
3- ومن اليهود، وكان في يثرب منهم ثلاث قبائل، بنو قينقاع، وبنو النّضير، وبنو قريظة.
وكانت تواجه الرسول صلى الله عليه وسلم عدة قضايا في بداية الهجرة وفي تلك الفترة بالذات منها:
1- تكوين مجتمع إسلامي بالمدينة يمثل الدعوة الإٍسلامية ويتكامل فيه التشريع والتقنين والتربية، وتنهض فيه الحضارة والعمران والاقتصاد والسياسة ومسائل السلم والحرب.
2- دعوة مشركي المدينة إلى الإسلام، وإيجاد صيغة للتعايش معهم حتى يدخلوا في الإسلام ويكفّوا أيديهم عن الكيد للمسلمين.
3- مواجهة دسائس ومؤامرات اليهود وعتّوهم وفسادهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين.
4- الإعداد والتجهيز للقوى المناوئة للإسلام خارج المدينة وعلى رأسها قريش، فحالة الحرب واقعة يقيناً بين هؤلاء الطغاة من أهل مكة وبين المسلمين في وطنهم الجديد.
بناء مجتمع جديد:
1- بناء المسجد النبوي:
كانت أول خطوة في هذا السبيل هي بناء المسجد النبوي كما تقدم، وبنى الرسول صلى الله عليه وسلم بيوتاً إلى جانبه، هي حجرات أزواجه التي انتقل إليها فيما بعد، وقد كان المسجد جامعة للإسلام، ومنتدى للتشاور وحلّ النزاعات، وقاعدة لإدارة المجتمع وشؤونه المتعددة، كنى لفقراء المهاجرين.
2- المؤاخاة بين المسلمين:
---(1/21)
ومن أهم الأعمال في سبيل بناء المجتمع الجديد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، يقول ابن القيم: ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المساواة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام، إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عزّ وجلّ (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) (الأنفال/ 75) رد التوارث، وبقي عقد الأخوة.
ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقداً نافذاً، لا لفظاً فارغاً، وعملاً يرتبط بالدماء والأموال، لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر.
وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال.
3- ميثاق التحالف الإسلامي:
أضاف الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الميثاق لبنة مهمة إلى بناء المجتمع الجديد، فقد أزالت هذه الخطوة ما كان من ضغائن الجاهلية، والنزاعات القبلية، وفيما يلي نصوص الميثاق:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد النبي( صلى الله عليه وسلم) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم:
1- أنهم أمة واحدة من دون الناس.
2- المهاجرون من قريش على ربعتهم (الحال التي هم عليها) يتعاقلون بينهم (يدفعون ديّاتهم بعضهم مع بعض) وهم يفدون عانيهم ( أسيرهم) بالمعروف، والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم (ديّاتهم) الأولى، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالعروف والقسط بين المؤمنين.
3- وأن المؤمنين لا يتركون مُفَرّجاً (مُثقلاً بالدين) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
---(1/22)
4- وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ( عطية) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين.
5- وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
6- ولا يُقتل مؤمن في كافر، ولا يُنصر كافر على مسلم.
7- وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم.
8- وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
9- وإن سِلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
10- وأن المؤمنين يبيء - يرجع ويحتمل - بعضهم على بعض بما ينالهم في سبيل الله.
11- وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن.
12- وأنه من اعتبط مؤمناً (قتله بدون سبب) قتلاً عن بينة فإنه قود ( يقتل به) إلا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
13- وأنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثاً - من أحدث منكراً غير معتاد - ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل (أي لا يشارك في تصريف الأمور ولا في الشهادة عليها).
14- وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مردّه إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وهكذا أرسى الرسول صلى الله عليه وسلم قواعد المجتمع الجديد في المدينة على أسس راسخة ومبادئ شامخة، من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
4- المعاهدة مع اليهود:
كان لابد - لتأمين سلامة المجتمع الجديد - من تنظيم العلاقة بغير المسلمين في هذا المجتمع، فكانت هذه المعاهدة مع اليهود، وأهم بنودها:
1- إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بني عوف من اليهود.
2- وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم.
3- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
4- وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم.
---(1/23)
5- وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه (أي أن يكون التعاون بينهم على البر دون الإثم).
6- وإن النصر للمظلوم.
7- وإن اليهود يتفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين.
8- وإن يثرب حرام جوفها (داخلها) لأهل هذه الصحيفة.
9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مردّه إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10- وإنه لا تُجَار -من الجوار- قريش ولا من نصرها.
11- وإن بينهم النصر على من دهم يثرب .. على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
12- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم.
وبهذه المعاهدة قامت دولة المدينة الإسلامية الراشدة تحت قيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
بداية الجهاد المسلح:
لم تنقطع قريش عن تهديد المسلمين بعد الهجرة، بل استمرت في هذا التهديد والاستفزاز للمسلمين عموماً، وللأنصار على وجه الخصوص ولمشركي المدينة، وكانت رسالة قريش للمدنيين من المشركين حاسمة في هذا، قالوا: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم.
أما رسالتهم للمهاجرين فتقول: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم.
وفي هذه الظروف الخطيرة نزل الإذن بالقتال، قال تعالى:(أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) الحج/39، وقال تعالى: (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) الحج/41، والإذن بالقتال كان لإزاحة الباطل وإقامة الشعائر.
الغزوات والسرايا قبل بدر:
كان لهذه الغزوات والسرايا أهداف منها:
1- الاستكشاف والتعرف على الطرق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة.
2- عقد المعاهدات مع القبائل التي تسكن حول هذه الطرق.
3- إشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية بقوة المسلمين.
---(1/24)
4- إشعار قريش بالخطر على تجارتها ومصالحها.
وهذه السرايا والغزوات هي :
1- سرية سيف البحر في السنة الأولى للهجرة، وكان على رأسها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
2- سرية رابغ في السنة الأولى للهجرة، وكان على رأسها عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه.
3- سرية الخرّار في السنة الأولى للهجرة، وكان على رأسها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
4- غزوة الأبواء أو ودّان في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وهي أول غزوة غزاها صلى الله عليه وسلم، وكان حامل اللواء فيها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
5- غزوة بواط في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه.
6- غزوة سفوان في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وتسمى هذه الغزوة بدر الأولى.
7- غزوة ذي العشيرة في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه.
8- سرية نخلة في السنة الثانية للهجرة، وكان على رأسها عبد الله بن جحش في اثني عشر من المهاجرين، وقد قتلوا عمرو بن الحضرمي وهو أول قتيل في الإسلام، وأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة، وهما أول أسيرين في الإسلام، وعادوا باعير بعد أن عزلوا الخمس وهو أول خمس في الإسلام، وكان ذلك في رجب الشهر الحرام، وأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، حتى نزل الوحي (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير، وصدٌّ عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) ( البقرة/217)، فأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأسيرين، وأدّى دية المقتول إلى أوليائه.
نزول فرضية القتال:
---(1/25)
في تلك الفترة بعد سرية عبد الله بن جحش، فرض الله تعالى القتال، ونزلت في ذلك آيات، قال تعالى: ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (البقرة/190).
وإيجاب القتال والحث عليه، والأمر بالاستعداد له، هو عين ما كانت تقتضيه تلك الفترة، وفي تلك الأيام في السنة الثانية للهجرة أمر الله عزّ وجل بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام في إشارة إلى بداية دور جديد.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بدر الكبرى
سبب الغزوة:
رجوع عير قريش من الشام محملة بثروات طائلة، وإرادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوجه ضربة عسكرية وسياسية واقتصادية قاصمة لقريش إذا فقدت هذه الثروة.
الجيش الإسلامي في بدر:
استعد رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج ومعه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، وكان معهم فَرَسان وسبعون بعيراً يتعاقبون عليها، ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري.
وقسم الجيش إلى كتيبتين:
1- كتيبة المهاجرين وأعطى لواءها علي بن أبي طالب.
2- كتيبة الأنصار وأعطى لواءها سعد بن معاذ.
وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، أما القيادة العليا فكانت له صلى الله عليه وسلم، وانطلق الجيش يطلب عير قريش.
جيش المشركين في بدر:
علم أبو سفيان - وكان على عير قريش - بخروج المسلمين إليه فأرسل إلى قريش يستنفرها، فتحفز الناس سراعاً ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب، وكان قوام هذا الجيش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل، وكان معهم مائة فرس وستمائة درع، وجمال كثيرة، وقائدهم العام أبو جهل بن هشام.
---(1/26)
وخرج هذا الجيش بعدّته وعتاده، واتجه إلى الشمال، وعندما علم المشركون بنجاة قوافلهم بعد أن توجه بها أبو سفيان ناحية الساحل، همّ الجيش بالرجوع، ولكن أبا جهل أبى إلا أن يَرِد بدراً، فعاد ثلاثمائة من بني زهرة وانطلق الباقون.
الجيشان في المواجهة:
تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، وأخذ برأي الحباب بن المنذر في النزول على أدنى ماء من جيش مكة حيث يشرب المسلمون ولا يشرب المشركون، وبنى المسلمون عريشاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كمقر للقيادة، بناء على مشورة سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي قاد فرقة من شباب الأنصار يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم في عريشه.
وكان قد أنزل الله مطراً فكان على المشركين وابلاً شديداً منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طهوراً أذهب عنهم رجس الشيطان، ووطّأ به الأرض، وصلّب به الرمل وثبّت به الأقدام ومهّد به المنزل وربط به على قلوبهم.
وغشّاهم النعاس فأخذوا قسطهم من الراحة، قال الله عز وجل: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) الأنفال/11، وكان هذا في رمضان من السنة الثانية للهجرة.
أما جيش المشركين فكان بالعدوة القصوى وكانوا ينزلون إلى وادي بدر دون أن يصيبوا الماء، وقامت معارضة من داخلهم تنادي بالعودة وترك المسلمين والقتال ولكنها ذهبت دون جدوى.
---(1/27)
واصطف الجيشان وعدّل الرسول صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه، وأصدر أوامره إلى أصحابه أن لا يبدءوا القتال حتى يتلقون الأمر، ودخل إلى العريش فاستقبل القبلة ودعا: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبدي الأرض". وأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الأنفال/ 9)، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش وهو يردد الآية الكريمة: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) (القمر/45).
وعلى صعيد المشركين وقف أبو جهل يستفتح: "اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم"، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم، وإن تعودوا نعد، ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) ( الأنفال/ 19).
بداية القتال في بدر وانتصار المسلمين:
بدأ القتال بمبارزات فردية حيث تقدم عتبة بن ربيعة وابنه الوليد وأخوه شيبة طالبين المبارزة، فانتدب لهم شباب من الأنصار فرفضوا مبارزتهم وطلبوا مبارزة بني قومهم، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم حمزة وعلياً وعبيدة بن الحارث بمبارزتهم، وتمكن حمزة من قتل عتبة ثم قتل عليّ شيبة، وأما عبيدة فقد تصدى للوليد وجرح كل منهما الآخر، فعاونه حمزة وعلي فقتلوا الوليد واحتملا عبيدة إلى معسكر المسلمين.
أثرت نتيجة المبارزة في المشركين وبدءوا الهجوم، فرماهم المسلمون بالنبل، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصى في وجوه المشركين، والتقى الجيشان في ملحمة قتل فيها سبعون من المشركين، على رأسهم أبو جهل فرعون هذه الأمة، وأمية بن خلف رأس الكفر، وأُسر سبعون وانتصر المسلمون بفضل الله عز وجل، قال تعالى: ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) (آل عمران/ 123).
---(1/28)
ومما روي في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خفق خفقة في العريش ثم انتبه، فقال: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل معتجر بعمامة (أي لفّها على رأسه) آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النّقع (الماء المتجمع في الغدير) أتاك نصر الله وعِدَتُه (وعده). وقد ثبت في القرآن والسنة مشاركة الملائكة في القتال يوم بدر.
وفرّ المشركون لا يلوون على شيء تاركين غنائم كثيرة في ميدان المعركة، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بسحب قتلى المشركين إلى آبار ببدر فأُلقوا فيها، وأقام ببدر ثلاثة أيام ودفن شهداء المسلمين فيها وهم أربعة عشر شهيداً.
الأسرى والغنائم
استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر فيما يصنع بالأسرى، فأشار أبو بكر بأخذ الفدية منهم، وعلل ذلك بقوله: " فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام"، وأشار عمر بن الخطاب بقتلهم "فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها".
ومال النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر بقبول الفدية، وقبلها فعلاً، فنزلت الآية موافقة لرأي عمر، قال تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) (الأنفال/ 67).
أما الغنائم فلم يكن فيها حكم للشرع فنزل قول الله عز وجل: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) (الأنفال/ 1)، وقوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (الأنفال/ 41)، فأخرج الرسول صلى لله عليه وسلم الخمس من الغنيمة ثم قسمها بين المقاتلين.
غزوة بدر في التاريخ:
---(1/29)
لقد كانت موقعة بدر- رغم صغر حجمها - فاصلة في تاريخ الإسلام، لذلك سماها الله عز وجل في كتابه "يوم الفرقان"، لأنه فرق بها بين الحق والباطل، وقد استحق المقاتلون ببدر أن ينالوا التقدير الكبير الذي صار يلازم كلمة "البدري"، وفي البخاري: "جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال: أفضل المسلمين، قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة"، وخلاصة القول أن بدراً كانت بداية لمرحلة جديدة من السيادة والاستعلاء والعزة للإسلام والمسلمين.
في أعقاب بدر:
حدثت في أعقاب بدر عدة غزوات صغيرة، ولكن لم يحدث فيها قتال، إما لفرار المشركين أو عدم تلاقي الفريقين أو غير ذلك، ومنها:
1- غزوة قرقرة الكُذر .
2- غزوة السويق.
3- غزوة ذي أمر.
4- غزوة بحران.
5- غزوة القرَدَة.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة أحد
أين ومتى كانت ولماذا؟
وقعت غزوة أحد عند جبل أحد في شمال المدينة، وكانت في شوال في السنة الثالثة للهجرة، ومن أسبابها أن قريشاً أرادت الثأر لقتلاها في بدر، كما أرادت إنقاذ طرق التجارة إلى الشام من سيطرة المسلمين، واستعادة مكانتها عند العرب بعد أن زعزعتها موقعة بدر
جيش المشركين:
بلغ عدد جيش المشركين ثلاثة آلاف رجل، ومعهم مائتا فرس جعلوا على ميمنتها خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وكان منهم سبعمائة دارع، وشاركت في هذا الجيش قريش ومن أطاعها من كنانة وتهامة.
الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه:
شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة جيش قريش، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى عدم الخروج، ولكن أصحابه رأوا الخروج فأمضى لهم رأيهم تأصيلاً لمبدأ الشورى، وعملاً بقول الله عز وجل: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) آل عمران/ 159.
---(1/30)
ولما عدلوا عن رأيهم إلى رأيه في البقاء في المدينة، رفض صلى الله عليه وسلم وعزم على الخروج، ليعلمهم عدم التردد بعد العزيمة والشروع في التنفيذ.
جيش المسلمين :
ارتفعت الراية تتقدم ثلاثة ألوية، لواء المهاجرين يحمله مصعب بن عمير، فلما قتل حمله علي بن أبي طالب، ولواء الأوس يحمله أسيد بن حضير، ولواء الخزرج يحمله الحباب بن المنذر، واجتمع تحت الألوية ألف من المسلمين والمتظاهرين بالإسلام، ومعهم فرسان فقط ومائة دارع ولبس الرسول صلى الله عليه وسلم درعين ليعلمنا الأخذ بالأسباب .
انسحاب المنافقين من جيش المسلمين:
خرج الجيش الإسلامي إلى أحد مخترقاً الجانب الغربي من الحرة الشرقية، حيث انسحب المنافق عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة من المنافقين، وبذلك تميز المؤمنون من المنافقين، قال الله تعالى: (وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطي آل عمران/179.
المواجهة بين الجيشين:
نظم الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش ورد صغار السن، وهم أربعة عشر صبياً منهم عبد الله بن عمر، وجعل صفوف الجيش تواجه المدينة وظهورها إلى أحد، وجعل خمسين من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير فوق جبل "عينين" المقابل لأحد، لحماية المسلمين من الخلف، وقال لهم: و رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا مكانكم) رواه البخاري.
وتقدم جيش قريش وهو يواجه أحد وظهره إلى المدينة، واشتد القتال بين الجيشين وتراجع المشركون أمام بطولة المسلمين الذين شقوا هام المشركين، واستشهد الأبطال: أبو دجانة، وحمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير رضي الله عنهم، ورأى الرماة انتصار المسلمين فتركوا مواقعهم يطلبون الغنيمة ظناً منهم أن المعركة حسمت لصالح المسلمين .
---(1/31)
وهنا بدأ التحول من النصر إلى الهزيمة، فقد التف خالد بن الوليد على رأس خيالة المشركين بجيش المسلمين من الخلف وطوق المشركون المسلمين، وأخذ المسلمون يتساقطون شهداء، وشاع بينهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل فتفرق المسلمون، وبقى حوله سبعة من الأنصار رشيان، فاستشهد السبعة وبقي طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص يدافعان عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أصيب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة فكسرت رباعيته، وشج في وجهه حتى سال الدم منه .
نتائج المعركة:
أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما تقدم - واستشهد من المسلمين سبعون ولم يؤسر أحد، وقتل من قريش اثنان وعشرون رجلاً، وأسر منهم أبو عزة الشاعر، فقتل صبراً لاشتراكه قبل ذلك في قتال المسلمين ببدر
وصبر المسلمون على هذه المصيبة، وأنزل الله عزل وجل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) آل عمران/169.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة حمراء الأسد
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش الذي شهد أحداً أن يخرج لمطاردة جيش قريش إلى حمراء الأسد رغم إصابة الكثيرين منهم بجراح، وسارع سبعون من الصحابة بالانضمام إليهم، فصار العدد ستمائة وثلاثين، وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مدحهم القرآن فقال: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) آل عمران/ 172.
وكان أبو سفيان ينوي التوجه بالمشركين إلى المدينة لاستئصال المسلمين فلما علم بخروجهم إلى حمراء الأسد انصرفوا عائدين إلى مكة، وعلموا بقدرة المسلمين على الدفاع ورد العدوان رغم ما أصابهم.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بدر الموعد
---(1/32)
كانت سنة أربع للهجرة، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بألف وخمسمائة من أصحابه ومعه عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بدر حسب الموعد المحدد بعد أحد، وانتظر المسلمون ثمانية أيام ببدر، ولكن أحداً من المشركين لم يأت
وكان أبو سفيان قد خرج بألفين من المشركين ومعهم خمسون فرساً فلما وصلوا مر الظهران عادوا بحجة إن العام جدب، وبذلك تحققت للمسلمين هيبتهم بين قبائل الجزيرة، وواصل المسلمون إرسال سراياهم إلى مختلف الأنحاء حتى كانت غزوة بني المصطلق.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بني المصطلق (المريسيع)
بنو المصطلق بطن من قبيلة خزاعة، يسكنون بين المدينة ومكة، والمُريسيع بضم الميم: ماء لبني خزاعة، وقد خرج إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم سنة خمس للهجرة بعدما زادت عداوتهم للمسلمين، في نحو سبعمائة مقاتل فأغار عليهم وهم غارّون (أي غافلون) فقتل من قتل منهم وسبى النساء والذرية، وكانت جويرية بنت الحارث من هذا السبي فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأطلق المسلمون السبي إكراماً لها.
وفي رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الغزوة، قال عبد الله بن أبي بن سلول: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، وتبرأ عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أنت والله الأعز وهو الأذل"، نع أباه من دخول المدينة حتى يأذن له النبي الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله مرني أن أقتله، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لن يسيء إلى أبيه.
وفي رجوعه أيضاً كان حديث الإفك، الذي أطلقه المنافقون على السيدة عائشة زوج النبي الرسول صلى الله عليه وسلم لما تخلفت عن الجيش، ولكن الله تعالى أنزل براءتها في نحو عشرين آية من آيات سورة النور.
الفهرس
---(1/33)
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة الخندق ( الأحزاب)
كانت في السنة الخامسة للهجرة بعد أن أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني قينقاع وبني النضير عن المدينة، فتحالف هؤلاء مع قرش وباقي الأحزاب ضد المسلمين، وبقيت قريظة في المدينة تظهر الولاء للمسلمين وتبطن العداوة والبغضاء لهم
واجتمعت القبائل في مر الظهران وانطلقوا إلى المدينة، وما أن علم المسلمون حتى اجتمعوا للشورى، فأشار سلمان الفارسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق في شمال المدينة، ليشكل حاجزاً يمنع الالتحام بين الغزاة وبين المسلمين، ويمنع اقتحام المدينة، وير للمسلمين موقعاً دفاعياً جيداً يمكنهم من رشق الغزاة بالسهام من وراء الخندق، الذي يبلغ طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة إلى تسعة أذرع، وتم حفره في ستة أيام رغم الجوع والبرد.
وفي حفر الخندق حدثت آيات ودروس كثيرة تحكي عن منظومة الإيمان التي كان يعيشها المسلمون مع رسولهم صلى الله عليه وسلم، لذا لم يعبئوا وهم ثلاثة آلاف مقاتل في هذه الغزوة أن يكون عدد المشركين عشرة آلاف مقاتل، وأن تكون قريظة قد نكثت عهدها معهم
وقد صور القرآن حال المسلمين فقال: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا - هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً ) الأحزاب/ 10-11
الحصار والرحيل:
فوجئت قريش بالخندق، وكلما هموا باقتحامه أمطرهم المسلمون بالسهام، واشتد الحصار وطال أربعاً وعشرين ليلة لم يكن فيها حرب إلا الرمي بالنبال، ولكن هجمات المشركين لم تنقطع، واستشهد من المسلمين ثمانية منهم سعد بن معاذ رضي الله عنه
---(1/34)
وكان طول الحصار سبباً في إضعاف معنويات المشركين، وأرسل الله ريح الصبا فاقتلعت خيامهم وكفأت قدورهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم، فنادى فيهم أبو سفيان بالرحيل، وهكذا انفض الأحزاب عن المدينة فتنفس المسلمون الصعداء، (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً) الأحزاب/ 25.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بني قريظة
وهنا انطلق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، ورضوا بأن يحكم فيهم سعد بن معاذ (وهو على فراش الموت قبل أن يستشهد)، فحكم بأن تُقتل الرجال وتُقسّم الأموال وتُسبى الذراري والنساء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله).
وإلى هذا الحد تنتهي فترة الفتن والقلاقل، ليدخل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون فترة جديدة تبدأ بصلح الحديبية.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
فترة الهدنة مع المشركين (6هـ - 8هـ)
غزوة الحديبية
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية، في يوم الاثنين مستهل ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة قاصداً العمرة، ونظراً لتوقع الشر من قريش فقد أخذ المسلمون سلاحهم معهم، وبلغ عدد المسلمين في الحديبية ألفاً وأربعمائة رجل. وقد صلى المسلمون بذي الحليفة ورموا بالعمرة وساقوا الهدي (سبعين بدنة).
---(1/35)
وعندما سمعت قريش بمسيرتهم جمعت الجموع لصدهم عن دخول مكة، وخرج خالد بن الوليد على رأس خيالة قريش لملاقاة المسلمين، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم غير طريق جيشه تجنباً للقتال، ثم عدل عن دخول مكة فنزل على بئر قليلة الماء، فاشتكى المسلمون العطش، فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيها، فما زال يجيش بالماء حتى صدروا عنه، وهذه معجزة تكثير الماء في تلك الغزوة.
بيعة الرضوان:
أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رسولاً إلى قريش - بعد عدة مراسلات - فأبلغهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يريدون العمرة، وأخرت قريش عثمان فحسب المسلمون أنها قتلته، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للبيعة تحت الشجرة، فبايعوه جميعاً - إلا أحد المنافقين - وكانت البيعة على الموت.
وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المبايعين فقال: (أنتم خير أهل الأرض) رواه البخاري، ونزل القرآن برضوان الله على أهل البيعة، قال تعالى: ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكنية عليهم وأثابهم فتحاً قريباً الفتح/ 18.
صلح الحديبية:
أرسلت قريش عدة رسل كان آخرهم سهيل بن عمرو، ليفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان صلح الحديبية نتيجة هذه المفاوضات، وهذه بعض بنوده
1- أن يعود محمد صلى الله عليه وسلم للطواف بالبيت في العام المقبل، وتخرج قريش من مكة فيدخلها بأصحابه، ويقيموا فيها ثلاثة أيام بسلاح الراكب فقط.
2- وأن لا يأتي رجل من قريش مسلماً - بغير إذن وليه - إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ردّه إلى مكة.
3- وأن من أتى قريشاً ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردّوه.
4- أن يكون بين الطرفين صدر نقي من الغل والخداع، ينطوي على الوفاء بالصلح.
---(1/36)
5- أنه من أحب أن يدخل عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل فيه -وقد دخلت فيه خزاعة- ومن أحب أن يدخل عهد قريش دخل فيه -وقد دخلت فيه بنو بكر- .
6- وضع الحرب (هدنة) لمدة عشر سنين.
وهكذا تم الصلح وتمت الهدنة، وقد رفض بعض المسلمون هذا الصلح وأظهروا غضبهم، ومنهم عمر بن الخطاب، ولكن لما علموا أنه أمر الله لم يكن منهم إلا التسليم، وعاد المسلمون إلى المدينة بعد أن نحروا الهدي وتحللوا من العمرة وأقاموا في الحديبية عشرين يوماً.
رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء:
لا شك أن مكاتبة الملوك خارج جزيرة العرب تعبير عن عالمية الرسالة، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء/ 107. ومن هذا المنطلق أرسل النبي صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي، إلى قيصر وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى، وعمرو بن أمية الضمري إلى نجاشي الحبشة، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس حاكم مصر، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي في اليمامة، وذلك بين عامي ستة وسبعة للهجرة.
نص كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية (دعوة) الإسلام، فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (أي الفلاحين) و(يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضناً بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران/64، رواه البخاري.
ويلاحظ أن الكتاب صريح في الدعوة إلى الإيمان بالإسلام وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت باقي الكتب الموجهة إلى الملوك والأمراء.
تأديب الأعراب:
---(1/37)
لم تخل فترة صلح الحديبية من أحداث شغب قام بها الأعراب، لكنها لم تؤثر على تفرغ المسلمين للدعوة ونشر الإسلام، ومن هذه الأحداث
1. غزوة ذات القرد.
2. قصة عُكل وعُرينة.
3. غزوة ذات الرِّقاع. وقد سميت كذلك لأنهم لفوا في أرجلهم الخرق بعد أن تنقبت خفافهم، وكان لكل ستة منهم بعير يتعاقبونه، وقد اقترب فيها المسلمون من جموع غطفان دون أن يقع قتال بينهم.
عمرة القضاء:
كانت في ذي العقدة من السنة السابعة للهجرة، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة -حسب الاتفاق مع قريش في الحديبية-، وقد بلغ عدد من شهدها ألفين سوى النساء والصبيان، فيهم الذين شهدوا الحديبية، وطاف المسلمون بالكعبة، وأظهروا من القوة والجلد ما جعل قراً تتعجب من قوتهم، ولما انتهت الأيام الثلاثة -حسب الاتفاق- خرج الرسول صلى الله عليه وسلم عائداً إلى المدينة، وأنزل الله في هذه العمرة قوله تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً) الفتح/27.
غزوة مؤتة
كانت في السنة الثامنة للهجرة في جمادى الأولى، حيث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل إلى الشام، وعين زيد بن حارثة أميراً عليه فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة، وأما الأعداء فكانوا مائة ألف من الروم، ومائة ألف أخرى من نصارى العرب.
والتحم الجيشان في مؤتة، وكانت ملحمة استشهد فيها القادة الثلاثة، واختار المسلمون خالد بن الوليد قائداً فأعاد تنظيم الجيش وبدل الميسرة بالميمنة وجعل قسماً من الجيش يتقدمون من الخلف وكأنهم أمداد جديدة، وتم الانسحاب المنظم وظهرت عبقرية خالد العسكرية، وكانت الخسائر في الانسحاب ثلاثة عشر شهيداً، مع إيلام الأعداء قتلاً وتجريحاً حتى انكسرت تسعة أسياف في يد خالد بن الوليد رضي الله عنه.
---(1/38)
ومن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أصحابه باستشهاد القادة الثلاثة وعيناه تذرفان، وأخبر باستلام خالد الراية، ولا شك أن المسلمين أفادوا دروساً وخبرات عظيمة من هذا اللقاء الأول مع الروم.
غزوة ذات السلاسل
بعد عودة المسلمين من مؤتة، جهّز النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل، قريباً من ديار قضاعة، فتقدم عمرو على رأس ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، واستعان ببعض فروع قضاعة، وأمده الرسول صلى الله عليه وسلم بمائتين من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وعليهم أبو عبيدة بن الجراح، وتوغل الجيش في ديار قضاعة التي هربت وتفرقت. وقد أعادت هذه الغزوة للمسلمين هيبتهم بعد مؤتة.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
فتح مكة
السبب المباشر وراء الفتح:
استمرت هدنة الحديبية نحو السبعة عشر أو الثمانية عشر شهراً، ثم نقضت قريش الهدنة حيث أعانت حلفاءها بني بكر ضد خزاعة حلفاء المسلمين على ماء الوتير قريباً من مكة، فاستنصرت خزاعة بالمسلمين، وبذلك بطلت المعاهدة، وكان ذلك سبباً مباشراً لفتح مكة
التجهيز للفتح في الطريق إلى فتح مكة:
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتجهّز للغزو، ولم يعلمهم بوجهته تكتماً لأمر الفتح، واستنفر القبائل التي حول المدينة، وقد بلغ عدد جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار أحد
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في رمضان سنة ثمان للهجرة، واستخلف عليها أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، وفي الطريق أسلم عدد من زعماء قريش منهم أبو سفيان بن الحارث - ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن أبي أمية- أخو أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها - وكان العباس بن عبد المطلب قد أسلم قبل فتح خيبر ولكنه لم يهاجر إلى المدينة.
---(1/39)
وفي مر الظهران عسكر المسلمون، وخفيت أخبارهم عن قريش حتى ظنت قريش أن هذا الجيش جيش خزاعة، وفي هذه الأثناء صحب العباس - عم الرسول صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان ليقابل الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فتردد أبو سفيان وعاد في اليوم الثاني فأسلم، واستعرض أبو سفيان جيش المسلمين وقوتهم ثم قال للعباس: لقد أصبح ملك بن أخيك اليوم عظيماً. فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: فنِعمَ ذا. ومضى أبو سفيان إلى مكة فأخبر قريشاً بقوة المسلمين ونهاهم عن المقاومة.
إتمام الفتح:
في مر الظهران قرر النبي صلى الله عليه وسلم الزحف على مكة، فعين القادة وقسم الجيش إلى ميمنة وميسرة وقلب، فكان خالد بن الوليد على الميمنة، وكان الزبير بن العوام على الميسرة، وأبو عبيدة على الرجالة (المشاة)
وأما قريش فقد جمعت جموعاً من قبائل شتى ومن أتباعها لحرب المسلمين، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وأمر قادة جيشه ألا يقاتلوا إلا من يقاتلهم وأعلن الأمان للناس سوى أربعة من الرجال وامرأتين أباح دماءهم
ودخلت جيوش المسلمين حتى انتهت إلى الصفا في التاسع عشر من رمضان سنة ثمان للهجرة، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها من جهة كداء، ودخل خالد بن الوليد من أسفلها، وكانت المقاومة يسيرة، وبلغ عدد الشهداء ثلاثة، وعدد قتلى المشركين قريباً من أربعة ورين، ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) .
---(1/40)
وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف القتال عصر أول يوم من الفتح، وأصدر عفواً عاماً عن أهل مكة: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: لا تثريب عليكم، اليوم يغفر الله لكم) رواه أبو عبيد. وفي رواية أحمد قال: (نصبر ولا نعاقب). هذا العفو حفظ الأنفس من القتل أو السبي وأبقى الأموال والأراضي بيد أصحابها، وهذا خاص بمكة لقدسيتها وحرمتها.
تطهير مكة من الشرك والأوثان :
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خاشعاً يقرأ سورة الفتح وهو على راحلته، وطاف بالكعبة، وبيّن حرمة مكة وأنها لا تغزى بعد الفتح، وأمر بتحطيم الأصنام وتطهير البيت الحرام منها، وكان عددها ستين وثلاثمائة من الأنصاب، وشارك في ذلك بيده الشريفة، وهو يقرأ: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) الإسراء/ 81. ومحا الصور التي كانت بالكعبة، ثم دخل صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين، وأعطى عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة، وبعد تطهير الكعبة من مظاهر الوثنية، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فذهب إلى نخلة وهدم العزى (من آلهة المشركين)، وأرسل عمرو بن العاص فهدم سواعاً صنم هذيل، وأرسل سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة (أحد الآلهة) فهدمها، وبذلك أزيلت مراكز الوثنية.
ونتيجة لفتح مكة، تحول ثقل معسكر الشرك من قريش إلى قبيلتي هوازن وثقيف، اللتين سارعتا لملء الفراغ وقيادة المشركين لحرب الإسلام، فكانت غزوة حنين وحصار الطائف.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
فترة دخول الناس في دين الله أفواجا (8هـ - 11هـ)
تم فتح مكة ودانت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف العرب أن لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عداوته، فدخلوا في دين الله أفواجاً، خاصة بعد غزوة حنين التي كانت عقب فتح مكة مباشرة
غزوة حنين
---(1/41)
كانت غزوة حنين بين قبيلة هوازن -وثقيف فرع منها- التي حشدت عشرين ألفاً معهم الأموال والنساء والأبناء تحت قيادة مالك بن عوف النصري، وبين المسلمين الذين لم يمض على فتحهم لمكة سوى نصف شهر، فكانوا مستعدين تماماً وبدءوا التحرك باتجاه حنين في الخامس من شوال،صلوا إليها في مساء العاشر من شوال، وكان عدد جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل، انضم إليهم ألفان من أهل مكة من مسلمة الفتح الذين سموا بالطلقاء (أي الذين أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعفا عنهم يوم الفتح)، وقد كان لهؤلاء الطلقاء تأثير سلبي على سير المعركة.
سير المعركة في غزوة حنين:
سبقت هوازن المسلمين إلى وادي حنين، ورتبوا صفوفهم ووضعوا خطتهم، وتقدم خيالة المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، وبقية صفوف الجيش، وتراجعت هوازن في بداية القتال لكنها عادت فرشقت المسلمين بالسهام الكثيفة بصورة دقيقة، ففر الطلقاء والأعراب وبقية الجيش، ولم يبقى حول الرسول صلى الله عليه وسلم إلا فئة قليلة صمدت بصموده حتى نادى عليه الصلاة والسلام: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)، وأمر العباس فنادى في الناس، فتجمع لديه مائة أو أقل، ثم أخذ المهاجرون والأنصار بالعودة وهم يرددون لبيك لبيك، واشتد القتال من جديد، قال الله تعالى: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا) التوبة/ 26.
ولم تصمد هوازن طويلاً فقد فرت من الميدان، وبلغ قتلى هوازن اثنين وسبعين قتيلاً في الميدان، وثلاثمائة قتيل خلال الفرار والهزيمة، وعدد آخر من القتلى، وأما السبي فقد بلغ ستة آلاف، وبلغت الغنائم مبلغاً عظيماً. أما المسلون فقد بلغ عدد الشهداء أربعة، وأصيب عدد من الصحابة بجروح.
حصار الطائف:
---(1/42)
انطلق المسلمون إلى الطائف -التي تحصن فيها مالك بن عوف ومن بقي من هوازن- فحاصروها بضع عشرة ليلة، واشتد الحصار واستشهد اثنا عشر رجلاً من المسلمين مقابل ثلاثة قتلى فقط من المشركين، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم لثقيف بقوله: (اللهم اهد ثقيفاً) رواه الترمذي .
وفك الرسول صلى الله عليه وسلم الحصار وعاد إلى الجعرانة حيث ترك غنائم حنين، فقسمها مراعياً تأليف قلوب الطلقاء والأعراب، وجاء وفد هوازن يعلن إسلامها فأعاد إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم السبي ورضيت نفوسهم بذلك، وجاء وفد ثقيف بعد ذلك يعلن إسلام ثقيف، فأل الرسول صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة الثقفي معهم إلى الطائف ليهدما (اللات) -وهي الصنم الذي كانوا يعبدونه- فهدماها، وبذلك انتهت أسطورة اللات التي عبدت طويلاً من دون الله تعالى.
غزوة تبوك
وقعت هذه الغزوة في رجب من عام تسع للهجرة، وفيها تحول المسلمون إلى الجهاد خارج الجزيرة بعد أن دانت الجزيرة للإسلام، وقد سارع الصحابة بتجهيز الجيش الذي سمى جيش العسرة -نظراً للضائقة الاقتصادية التي مر بها المسلمون- ، في حين تخلف المنافقون عنها وكانوا يقون: لا تنفروا في الحر.
وقد بلغ عدد جيش تبوك أكثر من ثلاثين ألفاً، وهذا أكبر جيش قاده الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، وقد تخلف ثلاثة من الصحابة -وهم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال ابن أمية- عن الجيش بدون عذر، وقصة تخلفهم وتوبتهم مشهورة في القرآن الكريم وكتب السيرة لسنة.
العودة من تبوك:
---(1/43)
لم يقع قتال مع الروم في هذه الغزوة، وآثر حكام المدن الصلح على الجزية، وقد مكث الجيش عشرين ليلة ثم عاد إلى المدينة، وجاء المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل منهم واستغفر لهم وبايعهم إلا ثلاثة سبق الإشارة إليهم، وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وامتنع عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقاطعهم المسلمون إلى أن نزلت توبتهم في القرآن.
ومن نتائج هذه الغزوة أنها وطدت سلطان الإسلام في شمال الجزيرة العربية ومهدت لفتوح الشام فيما بعد .
عام الوفود
سمى العام التاسع للهجرة بعام الوفود، حيث بدأت وفود القبائل العربية في التوافد على المدينة لإعلان إسلامهم ومبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر كتاب السيرة أن عدد الوفود بلغ ستين وفداً، ذكر منها البخاري وفد تميم، ووفد عبد القيس، ووفد بني حنيفة، ووفد نجران الذي لم يسلم ورضي بالجزية، ووفد الأشعريين وأهل اليمن، ووفد دوس، ووفد طيء، وعدي بن حاتم الطائي، وغير ذلك.
حج أبي بكر بالناس عام 9 هـ
لم يحج الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح ولكنه اعتمر فقط ، وأمّر أبا بكر على الحج، فخرج في ذي الحجة إلى مكة على رأس ثلاثمائة من الصحابة ومعهم عشرون بدنة، ونزلت سورة براءة (التوبة) يوم النحر، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً برسالة إلى الناس يوم حج مفادها: (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته) رواه أحمد، وهذه مفاصلة مع المشركين آن أوانها بعد اثنين وعشرين عاماً من الدعوة والنبوة والوحي.
حجة الوداع
---(1/44)
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عزمه على الحج في العام العاشر، فتقاطر الناس من أرجاء الجزيرة العربية للحج معه، وخرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة. ولما وقف في عرفة نزل قول الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) المائدة/3.
وقد تعلّم المسلمون مناسك الحج من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة المباركة، التي بلغ عدد المسلمين فيها أربعين ألفاً، حيث استمعوا إلى خطبة الوداع التي ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في عرفات في وسط أيام التشريق، وجاء فيها:
(إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا ،ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ هاتين موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع ربانا: ربا عباس بن عد المطلب فإنه موضوع كله. واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك وأديت ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك، فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكثها إلى الناس: اللهم اشهد اللهم اشهد) رواه مسلم.
وفي بعض خطبه في منى قال صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا من بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه البخاري، وقد حفلت هذه الخطب بالأحكام والتوجيهات، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يودع الناس.
تجهيز جيش أسامة
---(1/45)
بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجهيز جيش إلى الشام، بعد عودته من حجة الوداع بشهرين أو أكثر، وجعل عليه أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يتوجه إلى البلقاء وفلسطين، فتجهز الناس وفيهم المهاجرون والأنصار وكان معهم أبو بكر وعمر، وبلغ عددهم ثلاثة آلاف، ون هذه الحملة تأخرت بسبب مرض الرسول صلى الله عليه وسلم.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
ألمّ المرض بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع بحوالي ثلاثة أشهر، وكان بدء شكواه في بيت ميمونة أم المؤمنين، وصح في البخاري أيضاً أن شكواه ابتدأت منذ العام السابع عقب فتح خيبر بعد أن تناول قطعة من شاة مسمومة قدمتها له زوجة سلام بن مشكم اليهودية، رغم أنه لفظها ولم يبتلعها لكن السم أثر عليه. وقد طلب صلى الله عليه وسلم من زوجاته أن يمرّض في بيت عائشة أم المؤمنين، فكانت تقرأ المعوذتين وتمسح عليه بيده هو صلى الله عليه وسلم لبركتها.
ولما أثقله المرض ومنعه من الخروج للصلاة بالناس قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، وراجعته السيدة عائشة رضي الله عنها، لئلا يتشاءم الناس بأبيها، فقالت: إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن. فأصرّ على ذلك، فمضى أبو بكر يصلي بهم) رواه ن كثير في البداية والنهاية.
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتوكأ على العباس وعليّ، فصلّى بالناس وخطبهم، وأثنى في خطابه على أبي بكر رضي الله عنه وبين فضله، وأشار إلى تخيير الله له بين الدنيا والآخرة واختياره الآخرة، قال: (إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة، ففطن أبو ب إلى أنه يقصد نفسه فبكى، وتعجب الناس منه إذ لم يدركوا ما فطن له) رواه أحمد.
---(1/46)
وعندما حضره الموت كان مستنداً إلى صدر عائشة وكان يدخل يده في إناء الماء فيمسح وجهه -من شدة الحمى- ويقول: ( لا إله إلا الله، إن للموت سكرات) رواه البخاري. وأخذته صلى الله عليه وسلم بحة وهو يقول: (مع الذين أنعم الله عليهم)، ويقول: (اللهم في الرفيق الأعلى فعرفت عائشة أنه يُخير وأنه يختار الرفيق الأعلى) رواه البخاري.
ودخلت عليه فاطمة فقالت: واكرب أباه، فقال لها: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم)، ودعاها (فأسرّ إليها بشيء فبكت، ثم دعاها فأسرّ إليها بشيء فضحكت). رواه البخاري. وأخبرت رضي الله عنها -بعد وفاته- أنه صلى الله عليه وسلم أخبرها أنه يموت فبكت، وأخبرها بأنها أول أهله لحوقاً به فضحكت.
وقبض صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى -ورأسه في حجر عائشة- في يوم الاثنين، في الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة، ودخل أبو بكر رضي الله عنه، وكان غائباً في السنح، فكشف عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ يقبله، وخرج إلى الناس، وهم ن منكر ومصدق من هول الموقف، فقال: أما بعد من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين)، فسكن الناس وجلس عمر رضي الله عنه على الأرض لا تحمله قدماه، وكأنهم لم يسمعوا الآية إلا تلك الساعة (رواه البخاري).
وبكت فاطمة رضي الله عنها أباها صلى الله عليه وسلم، وهي تقول:
يا أبتاه أجاب ربا دعاه
يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه
يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
وانتهت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تنته رسالته، فهي خالدة إلى يوم الدين، ولم تنقطع أمته فالخير فيها إلى يوم يبعثون، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الصادق الوعد الأمين، والحمد الله رب العالمين.
الفهرس
---(1/47)
--------------------------------------------------------------------------------
شمائله صلى الله عليه وسلم
الشمائل: الخصال الحميدة والطبائع الحسنة، وأضاف إليها بعض العلماء الصفات الخِلقية الظاهرة، وجعلها تابعة لأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وبناء على ذلك فكتب الشمائل تضم أمرين:
الأول: الصفات الخِلقية:
فقد وهب الله سبحانه وتعالى لرسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من كمال الخِلقة، وجمال الصورة، وقوة العقل وصحة الفهم، وفصاحة اللسان وقوة الحواس والأعضاء، واعتدال الحركات، وشرف النسب ما بلغ به حدّ العظمة، وقد تقدم الحديث عن بعض تلك الصفات.
الثاني: الصفات الخُلقية:
الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل، والقدوة المطلقة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتحلى بالأخلاق الحميدة والآداب الشريفة، وقد بلغ حد الكمال والاعتدال فيها، حتى أثنى عليه الله سبحانه بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم/4، وقالت عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم: (كان خلقه القرآن)، وهذا تصديق قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق، وأكمل محاسن الأفعال).
وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم المكارم كلها، ولا غرابة في هذا، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) النساء/ 113، فإذا كان الله عز وجل هو الذي علمه وأدبه، فلا بد أن يكون المتعلم على أكمل وأتم وأحسن ما يكون التع.
ولذلك لم تعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم زلة، ولا حُفظت عنه هفوة، وكان لا يزيد مع الإيذاء إلا صبراً، ولا مع إسراف الجاهل إلا حلماً، وكان كما تقول عائشة رضي الله عنها، لا ينتقم لنفسه أبداً، بل كان يدعو: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وموقفه يوم فتح مكة مع المشركين يدل على هذا، فقد عفا عنهم، وقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
وهذه بعض صفاته التي كان يتحلى بها صلى الله عليه وسلم:
1- حلمه وعفوه.
---(1/48)
2- جوده وسماحته.
3- شجاعته
4- حياؤه.
5- حسن عشرته وأدبه.
6- شفقته ورأفته.
7- وفاؤه وحسن عهده.
8- تواضعه مع علو منصبه.
9- عدله وأمانته
10- وقاره.
11- زهده.
12- خوفه من ربه وطاعته له.
وسيرته عليه الصلاة والسلام حافلة بالأمثلة والشواهد على ذلك، وقد حرص العلماء على إفراد شمائله وأخلاقه صلى الله عليه وسلم بالدراسة والتأليف، وذلك لما لها من أهمية خاصة بالنسبة للمسلم. فمعرفة شمائله عليه الصلاة والسلام وسيلة إلى امتلاء القلب بمحبته وتعظي، وذلك وسيلة إلى تعظيم شريعته واتباع هديه وسنته. ومن أقدم ما ألف في الشمائل كتاب الشمائل للإمام الترمذي رحمه الله تعالى.
فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صّلوا عليه وسلموا تسليماً) الأحزاب/ 56، والصلاة من الله تعالى معناها الرحمة وزيادة الإحسان، وهي من الملائكة استغفار، ومن البشر دعاء، لذا فإنه يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة من الرحمة وزيادة الإحسان والاستغفار والدعاء ما هو أهل له صلى الله عليه وسلم.
وقد بيّنت السنة الفائدة العظيمة والفضل الكبير الذي ينتظر من يصلي على الرسول الله صلى الله عليه وسلم، من رفع الدرجات والترقي في مراتب الكمال. روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشراً)، ومن السنّة أن يجمع المسلم بين الصلاة والسلام.
ولذلك كان الحث على الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن في ذلك علو منزلة لمن يأتي بها يوم القيامة، ورضاً من الله تبارك وتعالى عن قائلها. وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم من لا يصلى عليه بالبخل، فإن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عنوان للشح، ودليل خبث النفس وسوء الطوية.
---(1/49)
والصيغة المختارة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في حديث مسلم عن أبي هريرة: (قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، وتستحب الصلاة والتبريك على أزواجه وذريته صلى الله عليه وسلم.
انتهى الكتاب والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
رجوع
---
السيرة النبوية
--------------------------------------------------------------------------------
الفهرس
تعريف السيرة وأهميتها
حياته صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته
المرحلة المكية
المرحلة المدنية
غزوة بدر الكبرى
غزوة أحد
غزوة حمراء الأسد
غزوة بدر الموعد
غزوة بني المصطلق (المريسيع)
غزوة الخندق ( الأحزاب)
غزوة بني قريظة
فترة الهدنة مع المشركين (6هـ - 8هـ)
فتح مكة
فترة دخول الناس في دين الله أفواجا (8هـ - 11هـ)
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
شمائله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
تعريف السيرة وأهميتها
تعريف السيرة النبوية
- السيرة لغة :
تعني السّنة والطريقة، والحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره. يُقال فلان له سيرة حسنة، وقال تعالى: (سنعيدها سيرتها الأولى) (طه:21).
- السيرة اصطلاحًا:
السيرة اصطلاحًا تعني قصة الحياة وتاريخها، وكتبها تسمّى: كتب السير، يُقال قرأت سيرة فلان: أي تاريخ حياته. والسيرة النبوية تعني مجموع ما ورد لنا من وقائع حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته الخُلقية والخَلقية، مضافا إليها غزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم.
أهمية السيرة ومكانتها:(1/50)
1- السيرة النبوية هي السبيل إلى فهم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها، للتأكد من أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد عبقري سمت به عبقريته، ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحي من عنده.
2- تجعل السيرة النبوية بين يدي الإنسان صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، يتمسك به ويحذو حذوه، فقد جعل الله تعالى الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم قدوة للإنسانية كلها، حيث قال سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) (الأحزاب:21).
---
3- السيرة النبوية تعين على فهم كتاب الله وتذوق روحه ومقاصده، فكثير من آيات القرآن الكريم إنما تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- السيرة النبوية صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه، فهي تكوّن لدى دارسها أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية، سواء ما كان منها متعلقًا بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق.
5- السيرة النبوية نموذج حي عن طرائق التربية والتعليم، يستفيد منه المعلم والداعية المسلم. فقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم معلمًا ناجحًا ومربيًا فاضلاً، لم يأل جهدًا في تلمس أجدى الطرق الصالحة في التربية والتعليم، خلال مختلف مراحل دعوته.
6- من خلال السيرة نتعرّف على جيل الصحابة الفريد، الذي كان صدى للقرآن، وكان التطبيق العملي لحكم الله أمرًا ونهيًا.
7- تمتاز سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها نُقلت إلينا كاملة في كلياتها وفي جزئياتها، ولا تملك الإنسانية اليوم سيرة شاملة لنبي غير السيرة النبوية على صاحبها صلوات الله وتسليمه.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
حياته صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته
نَسَبُه صلى الله عليه وسلم:(1/51)
الرسول صلى الله عليه وسلم هو: (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لُؤَيّ بن غالب بن فِهر بن مالك ابن النَّضر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان) (رواه البخاري) ، وعدنان من ولد إسماعيل الذبيح بن إبراهيم عليهما السلام.
وأبوه: عبد الله بن عبد المطلب، كان أجمل قريش (قبيلة قريش) وأحب شبابها إليها، عاش طاهرًا كريمًا حتى تزوج بآمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم.
---
وأمّه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وزهرة هو أخو قصي بن كلاب جد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أبوها سيد بني زهرة.
وجدّه: عبد المطلب بن هاشم، هو سيد قبيلة قريش، أعطته رياستها لخصاله الوافرة، وقوة إرادته، وعزيمته على فعل الخير لكل الناس، وقد اشتهر بحفر بئر (زمزم) التي تسقي الناس بمكة المكرمة إلى يومنا هذا.
مولده صلى الله عليه وسلم:
ولد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، من عام الفيل، وقصة أصحاب الفيل معروفة ذكرها القرآن الكريم في سورة الفيل(1ـ5)، وذلك أن أبرهة ملك اليمن أراد أن يهدم الكعبة (بيت الله الحرام في مكة) فساق إليها جيشًا عظيمًا ومعهم فيل، فردّ الله كيدهم وحفظ الكعبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال جنينًا في بطن أمه التي رأت حين وضعته نورًا خرج منها أضاءت منه قصور بُصرى من أرض الشام.
ومات أبوه عبد الله، وهو لا يزال جنينًا في بطن أمه، فلما ولد كان في حجر جده عبد المطلب يرعاه وينظر حاجته هو وأمه.
مرضعاته صلى الله عليه وسلم:
جاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن أطفالاً يرضعنهم، فكان الرضيع المبارك من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، واسم زوجها أبو كبشة، ودرّت البركات على أهل ذاك البيت الذين أرضعوه مدة وجوده بينهم، وقد مكث فيهم ما يربو على أربع سنوات.(1/52)
وقد صحّ أن ثويبة -مولاة أبي لهب- أرضعته قبل أن تذهب به حليمة السعدية.
معجزة شق صدره صلى الله عليه وسلم:
وقعت هذه المعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين، الأولى في بادية بني سعد وهو عند مرضعته حليمة، وكان في الرابعة من عمره.
---
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمه -أي جمعه وضم بعضه إلى بعض- ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه -يعني ظِئْره أي مرضعته- فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنتُ أرى أثر المخيط في صدره) .
وأما المرة الثانية التي وقعت فيها تلك المعجزة فقد كانت في ليلة الإسراء كما روى ذلك البخاري ومسلم .
وفاة آمنة أُمّه صلى الله عليه وسلم:
خافت حليمة وزوجها على محمد صلى الله عليه وسلم بعد حادثة شق الصدر، فعادا به إلى أُمِّه آمنة، فمكث عندها إلى أن بلغ ست سنين، ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني عدي بن النجار، تزورهم به، ومعها أم أيمن تحضنه، فأقامت عندهم شهرًا ثم رجعت به إلى مكة فتوفيت بالأبواء (قرية على يمين الطريق المتجه إلى مكة المكرمة من المدينة المنورة).
رعاية جّده عبد المطلب له صلى الله عليه وسلم:
---(1/53)
ترك يُتم النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه أبلغ الأثر، إذ وُلد يتيم الأب وماتت أمُّه وهو ابن ست سنين، فلما توفيت ضمّه جدُّه عبد المطلب إليه ورقّ عليه رِقةً لم يرقها على ولده، وقرّبه وأدناه، وإن قومًا من بني مدلج قالوا لعبد المطلب: احتفظ به، فإنّا لم نر قدمًا أشبه بالقدم التي في المقام منه (هي أثر إبراهيم عليه السلام في المقام الإبراهيمي بجوار الكعبة)، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به. فلما حضرت عبدَ المطلب الوفاةُ أوصى أبا طالب بحفظه. ومات عبد المطلب فدفن بالحَجون (جبل بأعلى مكة)، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، ولمحمد يومئذ ثماني سنين، ولا شك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أحسَّ بفقدان جده عبد المطلب لما كان يَحْبُوه به من العطف والرعاية.
كفالة عمه أبي طالب له صلى الله عليه وسلم:
أوصى عبد المطلب ابنه أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورعايته، فلما توفي عبد المطلب ضم أبو طالب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فكان معه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان يحبّ محمدًا صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعًا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك.
ومما يدل على شدة محبة أبي طالب إياه، صحبته له في رحلته إلى الشام، ويبدو أنه في فترة حضانة أبي طالب له ساعده محمد صلى الله عليه وسلم في رعي غنمه، وقد ثبت في البخاري ومسلم أنه عمل على رعيها لأهل مكة، مقابل قراريط.
---(1/54)
ولعل ضيق حال أبي طالب هو الذي دفع محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العمل لمساعدته. ورعي الغنم فيه دربة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رعاية البشر فيما بعد، فقد أَلِفَ العمل والكفاح منذ طفولته، واعتاد أن يهتم بما حوله، ويبذل العون للآخرين، وربما يذكرنا رعيه للغنم بأحاديثه التي تحث على الإحسان للحيوان.
زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا وعشرين سنة، تزوج خديجة بنت خويلد، وهي من سيدات قريش، ومن فضليات النساء، وكانت أرملة توفي زوجها أبو هالة، وكانت إذ ذاك في الأربعين من عمرها، وقيل في الثامنة والعشرين، وكانت امرأة تاجرة، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم بشيء تجعله لهم.
وخديجة رضي الله عنها أول امرأة يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها في حياتها، وولدت له كل ولده إلا إبراهيم، فولدت القاسم وعبد الله (الملقب بالطيب والطاهر)، وثلاث بنات هن: أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية. أما إبراهيم فقد ولدته مارية القبطية التي أهداها له مقوقس مصر.
وقد مات القاسم وعبد الله قبل الإسلام، أما البنات فأدركن الإسلام وأسلمن رضي الله عنهن، وتوفيت خديجة رضي الله عنها قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها، ويظهر محبتها وتأثره لدى ذكرها بعد وفاتها، فقد كانت لها مواقف عظيمة في الإسلام، وفي نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به.
مظاهر من حفظ الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته:
1 - حفظه صغيرًا بداية من إرضاعه واصطفائه من أوسط النسب وأشرفه، وولادته من نكاح صحيح وليس من سفاح باطل.
---(1/55)
2 - كفالة جده عبد المطلب -وهو سيد قريش- له طفلاً إلى أن بلغ الثامنة من عمره وتوفي جدّه، فانتقل إلى كفالة عمه أبي طالب -وهو سيد قريش أيضًا- وفي ذلك ما فيه من المنعة. والتاريخ يحدّث بحب عبد المطلب وأبي طالب الشديد للرسول صلى الله عليه وسلم.
3 - حفظه شابًا من أن يقع فيما يقع فيه الشباب من الفحش والخنا، والأدلة على ذلك كثيرة منثورة في كتب السيرة، وقد اشتهر صلى الله عليه وسلم بين قومه وهو شاب بالصدق والأمانة.
4 - حفظ قلبه طاهرًا فلم يعبد إلهًا غير الله عز وجل، ولم يسجد لصنم، ولم يتمسح بوثن، ولم يحلف بغير الله، هذا مع بغضه الشديد لآلهة قومه (اللات والعُزّى وغيرهما).
5 - إعداده إعدادًا معصومًا من نزغ الشيطان ونفثه، وحفظ باطنه صحيحًا، وقد تجلى هذا في حادثة شق الصدر الأولى والثانية.
وجملة القول: إن الله تعالى هيأ لرسوله صلى الله عليه وسلم من الحفظ والرعاية ما جعله جديرًا بتلقي الرسالة الخاتمة لهداية البشر.
البشارات برسالته صلى الله عليه وسلم:
جاءت في القرآن الكريم بشارة عيسى عليه السلام لقومه ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يديَّ من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) (الصف:6).
وجاءت في إنجيل برنابا عبارات مصرحة باسم النبي صلى الله عليه وسلم، مثل العبارة: (163/7: أجاب التلاميذ: يا معلم! مَن عسى أن يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه، الذي سيأتي إلى العالم، أجاب يسوع بابتهاجِ قلبٍ: إنه محمد رسول الله).
وتكررت مثل هذه العبارات في إنجيل برنابا (حرمت الكنسية تداوله في آخر القرن الخامس الميلادي وهو الآن مطبوع) ، وكذلك في إنجيل لوقا (2/14) بلفظ: (أحمد)، وفي إنجيل يوحنا جاءت البشارة بلفظ: (الفار قليط)، ومعناها الحامد أو الحمّاد أو أحمد.
---(1/56)
وفي التوراة كان الإخبار والتبشير بنبوته صلى الله عليه وسلم، ولكن يد التحريف طالتها، قال الله عز وجل: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل والقرآن، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) (الأعراف:157).
قال ابن تيمية (في الجواب الصحيح) : (والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم). هذا عدا ما كانت تحدث به يهود، ورهبان النصارى، والعرب وكثير من الأمم بأن نبيًا قد اقترب زمانه وآن أوانه.
والبشارات برسالته صلى الله عليه وسلم كثيرة، يضيق المقام عن حصرها، وتلتمس في مظانها.
أسماؤه صلى الله عليه وسلم:
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم : محمد , أحمد , الماحي . الذي يمحو الله به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس على عقبيه ، والعاقب الذي ليس بعده نبي ، ونبي التوبة ، وسماه الله تعالى رؤوفا رحيماً.
صفته صلى الله عليه وسلم:
---(1/57)
كان صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير ، ولا بالأبيض الأمهق (أي ليس شديد البياض) ، ولا الآدم (الأسمر) ، ولا بالجعد القطط (لم يكن ذا شعر ملتو قصير) ، ولا السبط (المسترسل)، رَجَل الشعر (بين البسط والجعد) ، أزهر اللون (أبيض مشرق) ، مشرباً بحمرة في بياض ساطع ، كأن وجهه القمر حسناً ، ضخم الكراديس (المفاصل) ، أوطف الأشفار (طول شعر الجفنين) ، أدعج العينين (شديد سوادها وبياضها مع اتساعها) ، في بياضهما عروق حمر رقاق ، حسن الثغر ، واسع الفم ، حسن الأنف ، إذا مشى كأنه يتكفأ (يندفع إلى الأمام) ، إذا التفت التفت بجميعه، كثير النظر إلى الأرض ، ضخم اليدين لينهما، قليل لحم العقبين، كث اللحية واسعها، أسود الشعر، ليس لرجليه أخمص (باطن القدم)، إذا طوّل شعره فإلى شحمة أذنيه (أسفلها)، وإذا قصّره فإلى أنصاف أذنيه، لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبه وكان على نُغض (العظم الرقيق) كتفه الأيسر خاتم النبوة كأنه بيضة حمام، لونه لون جسده، عليه خيلان (جمع خال وهي الشامة)، ومن فوقه شعرات .
شهوده صلى الله عليه وسلم بنيان الكعبة:
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمه فيها ، وكانوا قد اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه فاتفقوا على أن يحكم بينهم أول داخل يدخل المسجد، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين ، فقال: هلموا ثوباً ، فوضع الحجر فيه وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من نواحيه وارفعوه جميعاً ، ثم أخذ الحجر بيده فوضعه في مكانه.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
المرحلة المكية
من بعثته صلى الله عليه وسلم إلى هجرته إلى المدينة
بدأ الوحي:
---(1/58)
عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: أول ما بُدِئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه - أي يتعبّد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني - أي ضمّني ضماً شديداً - حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطّني الثالثة، ثم أرسلني فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم.) (العلق/ 1-3)، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمّلوني زمّلوني - أي ضعوا عليّ غطاءً - ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع - يعني الخوف -، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ -أي المريض المتعب -، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق - يعني الموت -.
---(1/59)
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، ابن عم خديجة، وكان امرءاً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ماشاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن العم اسمع من ابن أخيك . فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة: هذا النّاموس الذي نزّل الله على موسى - يعني جبريل عليه السلام-، يا ليتني فيها جذعٌ - أي شاب -، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب - يلبث - ورقة أن توفي، وفتر الوحي - أي انقطع فترة -.(رواه البخاري ومسلم).
تتابع نزول الوحي وكيفيته :
استمر الرسول صلى الله عليه وسلم في تعبده في غار حراء، فعاد الوحي وكان أول ما نزل بعد فترة انقطاعه الأولى قوله تعالى: (يا أيها المدثر). ثم أبطأ الوحي عدة ليال فقال المشركون: قد ودّع محمداً ربُّه، فأنزل الله عز وجل (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) (الضحى/ 1-3).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً على حفظ القرآن فيحرك لسانه به، فنزلت الآية: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) (القيامة/9).
وقد كان يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس - وهو أشد الوحي عليه - فيفصم عنه وقد وعى عنه ما قال، وأحياناً كان يأتيه الملك على هيئة رجل فيكلمه فيعي ما يقول. والمشهور أن نزول الوحي استغرق ثلاثاً وعشرين سنة منها ثلاثة عشر عاماً بمكة، وعشر سنين بالمدينة.
أوائل المسلمين إسلاماً:
---(1/60)
كانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن، ثم آمن من الصبيان عليّ رضي الله عنه، ثم آمن من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وزيد بن حارثة، وبلال بن رباح، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرت، وعمار بن ياسر، وعمرو بن عبسة السلمي، وأبو ذر الغفاري، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن مظعون، وسعيد بن زيد، وأسماء بنت أبي بكر، وفاطمة بنت الخطاب، وخلق آخرون، ثم عمر بن الخطاب الذي قيل إن الله أتم به أربعين من الصحابة، وقبله أسلم حمزة بن عبد المطلب عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة ، وأسلم أيضاً المقداد بن الأسود ولكنه كان يكتم إيمانه، رضي الله عنهم أجمعين.
وأسلم الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه، ودعا قومه إلى الإسلام ولقي منهم صدوداً ، فطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم، ولكن الرسول دعا لهم بالهداية، فهداهم الله وجاءت دوس مسلمة لله ورسوله بعد عدة سنوات .
استماع الجن للقرآن وإسلامهم
انطلق قوم من الجن - بعد أن حيل بين الجن وبين خبر السماء - نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة - مكان على مسيرة ليلة من مكة - وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمّعوا له، فقالوا هذا الذي حال بينكم وبين خب السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: (إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً..])(الجنّ/ 1-2 )، وأوحى الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم قولهم هذا، وقد دعا الجنُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة، وذهب وقرأ عليهم القرآن ، ثم عاد وأرى أصحابه آثارهم ونيرانهم.
الدعوة السرّيّة إلى الإسلام
---(1/61)
بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام، من أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفياً، ثم أُمر بإظهار الدعوة بنزول قول الله عز وجل: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء/ 214).
صبره صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه على إيذاء المشركين
جاهرت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة والأذى، وكان عمه أبو طالب يمنعهم مع بقائه على دين قومه، في حين أن عمه أبا لهب كان أشد قومه وأولهم إيذاءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشتركت بطون قريش ورجال منها في إيذائه كذلك، واشتدوا في هذا الإيذاء، يعذبون من لا منعة - حماية - عنده ويؤذون من لا يقدرون على عذابه، والإسلام على هذا ينتشر في الرجال والنساء، ولقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب أمراً عظيماً، ورزقهم الله تعالى على ذلك من الصبر أمراً عظيماً .
بعض مظاهر أذى قريش للمسلمين:
1- الضرر المادي والسب العلني:
ومن ذلك وضعهم بقايا الحيوانات ودماءها ومشيمتها - غشاء رقيق يحيط بالجنين- بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. وقد خنق عقبة بن أبي معيط رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في فناء مكة، وكانت قريش تسبّ الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول له مذمم - من الذم وهو عكس الحمد -، وتسبّ القرآن ومن أنزله ومن جاء به، وقد اجتمعت قريش لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم مما كان سبباً مباشراً للهجرة إلى المدينة .
ومن أذى المشركين للمسلمين طعن أبي جهل للسيدة سمية أم عمار بن ياسر بحربة في فرجها فقتلها، وطرحهم لبلال بن رباح على الرمضاء في حر مكة، وإلقاؤهم صخرة عظيمة على بطنه بعد أن ألبسوه درعاً من الحديد في الحرّ الشديد.
2- السخرية والاستهزاء والضرر النفسي:
---(1/62)
وهذا من الأساليب التي اتبعتها قريش في الإيذاء، حيث اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بالكذب وبالسحر وبالكهانة، ووضعوا في عنق بلال بن رباح حبلاً وأسلموه للصبيان ليطوفوا به شعاب مكة وهو يقول : أحد أحد، وغير ذلك من الأمثلة التي تبين مدى استهزائهم بالمسلمين .
3- الحصار الاقتصادي والاجتماعي:
لم يمنع الإيذاء البدني والنفسي الناس عن الدخول في الإسلام فتعاقد كفّار قريش على بني هاشم وبني المطلب - وهم بطن النبي صلى الله عليه وسلم من قريش - ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم، وكتبوا في ذلك صحيفة، وحصروهم في شعب أبي طالب مدة طويلة (قيل ثلاث سنوات أو أقل) وقد كان الحصار كاملاً بمعنى الكلمة، وذلك حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، ولكن الله عصمه رغم البلاء والشدة.
هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة
حينما اشتد البلاء والفتنة والإيذاء على المسلمين في مكة، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه" (رواه البخاري).
فخرج المسلمون حتى نزلوا بالحبشة فأكرمهم النجاشي وأمّنهم، وكان أول من هاجر من المسلمين عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعه جمع من كبار الصحابة، وكانت الهجرة الأولى سنة خمس من مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدد الذين هاجروا فيها أحد عشر رجلاً وأربع نسوة.
وأما الثانية فكان عدد الذين هاجروا فيها اثنين وثمانين رجلاً وثماني عشرة امرأة، وأبناؤهم ، وسببها أن المهاجرين الأوائل سمعوا بإسلام قريش فعاد بعضهم ومنهم عثمان بن عفان وزوجته فلم يجدوا قريشاً أسلمت، ووجدوا المسلمين في بلاء عظيم وشدة، فهاجروا مرة أخرى ومعهم هذا العدد الكبير.
---(1/63)
وقد أرسلت قريش في أثرهم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة بهدايا إلى النجاشي ليردّ المسلمين، ولكن هيهات فقد أسلم النجاشي وأبى أن يردّهم، بل أعطاهم الأمان في أرضه وأقرّهم على دينهم، وردّ رسل قريش لم ينالوا شيئاً.
وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها
ما إن أعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب، وحمزة بن عبد المطلب، وخروج بني هاشم من شعب أبي طالب، حتى توفي أبو طالب في أواخر العام العاشر من البعثة. وبموته فقد الرسول صلى الله عليه وسلم سنداً كبيراً، لم يجد من يقوم مقامه من بني هاشم، ولذلك بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ليطلب نصرتها، ورحل إلى الطائف لأجل تلك النصرة ولكنها لم تحدث . فقد خذله أهل الطائف وسلطوا عليه صبيانهم فقذفوه بالحصى حتى أدموا قدميه واستهزءوا به كثيراً ولكن هذا لم يجعله ييأس صلى الله عليه وسلم .
وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها في نفس العام، ففقد الرسول صلى الله عليه وسلم سنداً ثانياً من داخل كيانه الأسري.
الإسراء والمعراج
---(1/64)
في تلك الظروف الصعبة كانت المواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحادثة الإسراء والمعراج، يقول الله عز وجل: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (الإسراء/ 1). وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: "كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا.."، وفي رواية لمسلم: "أتيت بالبراق - وهو دابة - أبيض طويل ، فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل -عليه السلام- بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة، قال ثم عرج بنا إلى السماء..".
وقصة الإسراء والمعراج مبسوطة في الصحاح ، وقد لقي صلى الله عليه وسلم في معراجه الأنبياء آدم، ويوسف، وإدريس، وعيسى، ويحيي، وهارون، وموسى، وإبراهيم، عليهم السلام، وسمع صريف الأقلام، وفرضت عليه الصلاة، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور في السماء السابعة، ورأى نهر الكوثر وأنهار الجنة ورأى جبريل عليه السلام على هيئته، ورأى أقواماً يعذبون على جرائمهم .
ورغم أن حادثة الإسراء والمعراج كانت مواساة وتطميناً للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنها كانت فتنة لبعض المسلمين وللكافرين ممن لم يصدقوا بها، وجمهور العلماء على أن الإسراء كان يقظة بالروح وبالجسد.
بيعة العقبة الأولى
---(1/65)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في موسم الحج على القبائل، فتعرض لستة نفر من الخزرج سنة 11 من النبوة، منهم أسعد بن زرارة، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، ودعاهم إلى الإسلام وإلى معاونته في تبليغ رسالة ربه، فآمنوا به وصدقوه ووعدوه المقابلة في الموسم القابل ، وهذه بداية إسلام الأنصار.
فلما كان الموسم التالي سنة 12 من النبوة أتوا، ويقول عبادة بن الصامت: "كنا اثني عشر رجلاً في العقبة الأولى، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بيعة النساء أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فمن وفّى فله الجنة، ومن غش من ذلك شيئاً فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" (رواه البخاري ومسلم).
وعاد الأنصار إلى المدينة ومعهم مصعب بن عمير، يعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين ويقرئهم القرآن.
بيعة العقبة الثانية
قدم وفد الأنصار في موسم الحج في السنة الثالثة عشر من النبوة، واجتمع منهم في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وجاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس - وكان لا يزال على دين قومه - وكان العباس هو أول المتكلمين في هذا الاجتماع قال: يا معشر الخزرج إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا من هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه ومنعة بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده.
---(1/66)
قال كعب بن مالك الأنصاري: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت..، وهذا الجواب من الأنصار يدل على تصميمهم وشجاعتهم وإيمانهم وإخلاصهم في تحمل هذه المسؤولية العظيمة.
وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله ورغبهم في الإسلام، وقال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه وتمت البيعة، وعاد الأنصار إلى المدينة يترقبون هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن جعل عليهم اثني عشر نقيباً.
هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
قوي جانب المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يحث المؤمنين على الهجرة إلى يثرب، ويثرب هي دار الهجرة التي أريها الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه، وكثر دخول الأوس والخزرج - قبيلتان من يثرب المدينة - في الإسلام، وبعد إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالهجرة خرج المسلمون أرسالاً - جماعات وفرادى - رغم كل العقبات والصعاب التي وضعتها قريش واعترضت بها المهاجرين.
وكان أول من هاجر من مكة إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد، ومن أوائل من هاجروا مصعب بن عمير، وعبد الله بن أم مكتوم، وبلال بن رباح، وسعد بن أبي وقاص، وعمار بن ياسر، وعمر بن الخطاب في عشرين من الصحابة، وتبعهم كبار الصحابة وصغارهم بعد ذلك، ولم يبق بمكة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، وأبي بكر الصديق، ومن حبس كرهاً.
معالم من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
---(1/67)
اعتزمت قريش قتل النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين) (الأنفال/30)، ولكن قريشاً فشلت في عزمها، ففي هذه الساعة الحرجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعي بن أبي طالب: نم على فراشي، وتسجّ - أي تغطّ - ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم، ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بينهم - أي من بين الكفار الذين اجتمعوا ببابه وعلى رأسهم أبو جهل - سالماً بإذن الله .
رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر للهجرة، وأعدّا لها عدتها ووضعا لها خطتها، وانطلقا إلى غار ثور.
علف أبو بكر راحلتين كانتا عنده أربعة أشهر، ودفع بهما إلى الدليل - عبد الله بن أريقط- وكان على دين الكفار، وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال بالراحلتين، وأما أسماء بنت أبي بكر - ذات النطاقين - فكانت تأتيهما بالطعام، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ويعو قبيل الصبح، فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيها، فيتسمع لهما الأخبار، وأما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر فكان يرعى غنماً يريحها عليهما ساعة من العشاء، فيأخذان منها حاجتهما من اللبن، (البخاري، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم )
انطلق الركب المبارك، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والدليل وعامر بن فهيرة، فأخذوا طريق السواحل ، وكانت قريش قد رصدت جائزة لمن يدل على محمد أو يأتي به، فلحقهم سراقة بن مالك بن جُعشم، طمعاً في الجائزة فلما قرب منهم عثرت فرسه، ثم ساخت يداها في الرض حتى بلغتا الركبتين، ورأى غباراً ساطعاً إلى السماء مثل الدخان، فنادى بالأمان، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أخف عنّا، وكتب له كتاباً بالأمان. ولقيا الزبير بن العوام قافلاً من تجارة بالشام فكساهما الزبير ثياب بياض.
---(1/68)
كان المسلمون بالمدينة يغدون كل غداة إلى الحرّة، ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يردّهم حرّ الظهيرة، فرآه يهودي فقال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدّكم الذي تنتظرون، فصار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل إن عدد الذين استقبلوه خمسمائة من الأنصار، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر، وأهل المدينة يتنادون: جاء نبي الله، جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان في الطرق ينادون، يا محمد يا رسول الله، يا محمد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابي البراء بن عازب: ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، ولبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أُسس على التقوى - مسجد قباء - وصلّى فيه، ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقل: هذا إن شاء الله المنزل، ثم بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجداً.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
المرحلة المدنية
يمكن تقسيم المرحلة المدنية إلى ثلاث فترات:
1- فترة أثيرت فيها القلاقل والفتن من الداخل، وزحف الأعداء من الخارج لاستئصال المسلمين، وتنتهي هذه الفترة عند صلح الحديبية في سنة ست من الهجرة.
2- فترة الهدنة مع المشركين وتنتهي بفتح مكة سنة ثمان للهجرة، وفيها كانت دعوة الملوك إلى الإسلام.
3- فترة دخول الناس في دين الله أفواجاً، وتمتد هذه الفترة إلى انتهاء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، سنة إحدى عشرة للهجرة.
أولاً: فترة القلاقل والفتن (1هـ -6هـ)
الوضع في المدينة عند الهجرة:
---(1/69)
تمثل الهجرة تحولاً ضخماً لإقامة مجتمع جديد في بلد آمن، ولذلك كانت الهجرة قبل الفتح - فتح مكة- فرضاً على كل مسلم قادر، ليسهم في بناء هذا الوطن الجديد، ومن هنا نرى أهمية التأريخ للإسلام بالهجرة ذلك الحدث العظيم.
أما مجتمع المدينة الجديد فقد كان يتألف من ثلاث فئات:
1- من المسلمين المهاجرين الذين هاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والأنصار الذين آووا ونصروا.
2- ومن المشركين الذين لم يؤمنوا بعد من قبائل المدينة.
3- ومن اليهود، وكان في يثرب منهم ثلاث قبائل، بنو قينقاع، وبنو النّضير، وبنو قريظة.
وكانت تواجه الرسول صلى الله عليه وسلم عدة قضايا في بداية الهجرة وفي تلك الفترة بالذات منها:
1- تكوين مجتمع إسلامي بالمدينة يمثل الدعوة الإٍسلامية ويتكامل فيه التشريع والتقنين والتربية، وتنهض فيه الحضارة والعمران والاقتصاد والسياسة ومسائل السلم والحرب.
2- دعوة مشركي المدينة إلى الإسلام، وإيجاد صيغة للتعايش معهم حتى يدخلوا في الإسلام ويكفّوا أيديهم عن الكيد للمسلمين.
3- مواجهة دسائس ومؤامرات اليهود وعتّوهم وفسادهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين.
4- الإعداد والتجهيز للقوى المناوئة للإسلام خارج المدينة وعلى رأسها قريش، فحالة الحرب واقعة يقيناً بين هؤلاء الطغاة من أهل مكة وبين المسلمين في وطنهم الجديد.
بناء مجتمع جديد:
1- بناء المسجد النبوي:
كانت أول خطوة في هذا السبيل هي بناء المسجد النبوي كما تقدم، وبنى الرسول صلى الله عليه وسلم بيوتاً إلى جانبه، هي حجرات أزواجه التي انتقل إليها فيما بعد، وقد كان المسجد جامعة للإسلام، ومنتدى للتشاور وحلّ النزاعات، وقاعدة لإدارة المجتمع وشؤونه المتعددة، كنى لفقراء المهاجرين.
2- المؤاخاة بين المسلمين:
---(1/70)
ومن أهم الأعمال في سبيل بناء المجتمع الجديد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، يقول ابن القيم: ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المساواة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام، إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عزّ وجلّ (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) (الأنفال/ 75) رد التوارث، وبقي عقد الأخوة.
ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقداً نافذاً، لا لفظاً فارغاً، وعملاً يرتبط بالدماء والأموال، لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر.
وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال.
3- ميثاق التحالف الإسلامي:
أضاف الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الميثاق لبنة مهمة إلى بناء المجتمع الجديد، فقد أزالت هذه الخطوة ما كان من ضغائن الجاهلية، والنزاعات القبلية، وفيما يلي نصوص الميثاق:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد النبي( صلى الله عليه وسلم) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم:
1- أنهم أمة واحدة من دون الناس.
2- المهاجرون من قريش على ربعتهم (الحال التي هم عليها) يتعاقلون بينهم (يدفعون ديّاتهم بعضهم مع بعض) وهم يفدون عانيهم ( أسيرهم) بالمعروف، والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم (ديّاتهم) الأولى، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالعروف والقسط بين المؤمنين.
3- وأن المؤمنين لا يتركون مُفَرّجاً (مُثقلاً بالدين) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
---(1/71)
4- وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ( عطية) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين.
5- وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
6- ولا يُقتل مؤمن في كافر، ولا يُنصر كافر على مسلم.
7- وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم.
8- وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
9- وإن سِلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
10- وأن المؤمنين يبيء - يرجع ويحتمل - بعضهم على بعض بما ينالهم في سبيل الله.
11- وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن.
12- وأنه من اعتبط مؤمناً (قتله بدون سبب) قتلاً عن بينة فإنه قود ( يقتل به) إلا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
13- وأنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثاً - من أحدث منكراً غير معتاد - ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل (أي لا يشارك في تصريف الأمور ولا في الشهادة عليها).
14- وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مردّه إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وهكذا أرسى الرسول صلى الله عليه وسلم قواعد المجتمع الجديد في المدينة على أسس راسخة ومبادئ شامخة، من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
4- المعاهدة مع اليهود:
كان لابد - لتأمين سلامة المجتمع الجديد - من تنظيم العلاقة بغير المسلمين في هذا المجتمع، فكانت هذه المعاهدة مع اليهود، وأهم بنودها:
1- إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بني عوف من اليهود.
2- وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم.
3- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
4- وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم.
---(1/72)
5- وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه (أي أن يكون التعاون بينهم على البر دون الإثم).
6- وإن النصر للمظلوم.
7- وإن اليهود يتفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين.
8- وإن يثرب حرام جوفها (داخلها) لأهل هذه الصحيفة.
9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مردّه إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10- وإنه لا تُجَار -من الجوار- قريش ولا من نصرها.
11- وإن بينهم النصر على من دهم يثرب .. على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
12- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم.
وبهذه المعاهدة قامت دولة المدينة الإسلامية الراشدة تحت قيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
بداية الجهاد المسلح:
لم تنقطع قريش عن تهديد المسلمين بعد الهجرة، بل استمرت في هذا التهديد والاستفزاز للمسلمين عموماً، وللأنصار على وجه الخصوص ولمشركي المدينة، وكانت رسالة قريش للمدنيين من المشركين حاسمة في هذا، قالوا: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم.
أما رسالتهم للمهاجرين فتقول: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم.
وفي هذه الظروف الخطيرة نزل الإذن بالقتال، قال تعالى:(أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) الحج/39، وقال تعالى: (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) الحج/41، والإذن بالقتال كان لإزاحة الباطل وإقامة الشعائر.
الغزوات والسرايا قبل بدر:
كان لهذه الغزوات والسرايا أهداف منها:
1- الاستكشاف والتعرف على الطرق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة.
2- عقد المعاهدات مع القبائل التي تسكن حول هذه الطرق.
3- إشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية بقوة المسلمين.
---(1/73)
4- إشعار قريش بالخطر على تجارتها ومصالحها.
وهذه السرايا والغزوات هي :
1- سرية سيف البحر في السنة الأولى للهجرة، وكان على رأسها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
2- سرية رابغ في السنة الأولى للهجرة، وكان على رأسها عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه.
3- سرية الخرّار في السنة الأولى للهجرة، وكان على رأسها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
4- غزوة الأبواء أو ودّان في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وهي أول غزوة غزاها صلى الله عليه وسلم، وكان حامل اللواء فيها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
5- غزوة بواط في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه.
6- غزوة سفوان في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وتسمى هذه الغزوة بدر الأولى.
7- غزوة ذي العشيرة في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه.
8- سرية نخلة في السنة الثانية للهجرة، وكان على رأسها عبد الله بن جحش في اثني عشر من المهاجرين، وقد قتلوا عمرو بن الحضرمي وهو أول قتيل في الإسلام، وأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة، وهما أول أسيرين في الإسلام، وعادوا باعير بعد أن عزلوا الخمس وهو أول خمس في الإسلام، وكان ذلك في رجب الشهر الحرام، وأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، حتى نزل الوحي (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير، وصدٌّ عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) ( البقرة/217)، فأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأسيرين، وأدّى دية المقتول إلى أوليائه.
نزول فرضية القتال:
---(1/74)
في تلك الفترة بعد سرية عبد الله بن جحش، فرض الله تعالى القتال، ونزلت في ذلك آيات، قال تعالى: ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (البقرة/190).
وإيجاب القتال والحث عليه، والأمر بالاستعداد له، هو عين ما كانت تقتضيه تلك الفترة، وفي تلك الأيام في السنة الثانية للهجرة أمر الله عزّ وجل بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام في إشارة إلى بداية دور جديد.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بدر الكبرى
سبب الغزوة:
رجوع عير قريش من الشام محملة بثروات طائلة، وإرادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوجه ضربة عسكرية وسياسية واقتصادية قاصمة لقريش إذا فقدت هذه الثروة.
الجيش الإسلامي في بدر:
استعد رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج ومعه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، وكان معهم فَرَسان وسبعون بعيراً يتعاقبون عليها، ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري.
وقسم الجيش إلى كتيبتين:
1- كتيبة المهاجرين وأعطى لواءها علي بن أبي طالب.
2- كتيبة الأنصار وأعطى لواءها سعد بن معاذ.
وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، أما القيادة العليا فكانت له صلى الله عليه وسلم، وانطلق الجيش يطلب عير قريش.
جيش المشركين في بدر:
علم أبو سفيان - وكان على عير قريش - بخروج المسلمين إليه فأرسل إلى قريش يستنفرها، فتحفز الناس سراعاً ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب، وكان قوام هذا الجيش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل، وكان معهم مائة فرس وستمائة درع، وجمال كثيرة، وقائدهم العام أبو جهل بن هشام.
---(1/75)
وخرج هذا الجيش بعدّته وعتاده، واتجه إلى الشمال، وعندما علم المشركون بنجاة قوافلهم بعد أن توجه بها أبو سفيان ناحية الساحل، همّ الجيش بالرجوع، ولكن أبا جهل أبى إلا أن يَرِد بدراً، فعاد ثلاثمائة من بني زهرة وانطلق الباقون.
الجيشان في المواجهة:
تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، وأخذ برأي الحباب بن المنذر في النزول على أدنى ماء من جيش مكة حيث يشرب المسلمون ولا يشرب المشركون، وبنى المسلمون عريشاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كمقر للقيادة، بناء على مشورة سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي قاد فرقة من شباب الأنصار يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم في عريشه.
وكان قد أنزل الله مطراً فكان على المشركين وابلاً شديداً منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طهوراً أذهب عنهم رجس الشيطان، ووطّأ به الأرض، وصلّب به الرمل وثبّت به الأقدام ومهّد به المنزل وربط به على قلوبهم.
وغشّاهم النعاس فأخذوا قسطهم من الراحة، قال الله عز وجل: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) الأنفال/11، وكان هذا في رمضان من السنة الثانية للهجرة.
أما جيش المشركين فكان بالعدوة القصوى وكانوا ينزلون إلى وادي بدر دون أن يصيبوا الماء، وقامت معارضة من داخلهم تنادي بالعودة وترك المسلمين والقتال ولكنها ذهبت دون جدوى.
---(1/76)
واصطف الجيشان وعدّل الرسول صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه، وأصدر أوامره إلى أصحابه أن لا يبدءوا القتال حتى يتلقون الأمر، ودخل إلى العريش فاستقبل القبلة ودعا: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبدي الأرض". وأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الأنفال/ 9)، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش وهو يردد الآية الكريمة: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) (القمر/45).
وعلى صعيد المشركين وقف أبو جهل يستفتح: "اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم"، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم، وإن تعودوا نعد، ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) ( الأنفال/ 19).
بداية القتال في بدر وانتصار المسلمين:
بدأ القتال بمبارزات فردية حيث تقدم عتبة بن ربيعة وابنه الوليد وأخوه شيبة طالبين المبارزة، فانتدب لهم شباب من الأنصار فرفضوا مبارزتهم وطلبوا مبارزة بني قومهم، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم حمزة وعلياً وعبيدة بن الحارث بمبارزتهم، وتمكن حمزة من قتل عتبة ثم قتل عليّ شيبة، وأما عبيدة فقد تصدى للوليد وجرح كل منهما الآخر، فعاونه حمزة وعلي فقتلوا الوليد واحتملا عبيدة إلى معسكر المسلمين.
أثرت نتيجة المبارزة في المشركين وبدءوا الهجوم، فرماهم المسلمون بالنبل، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصى في وجوه المشركين، والتقى الجيشان في ملحمة قتل فيها سبعون من المشركين، على رأسهم أبو جهل فرعون هذه الأمة، وأمية بن خلف رأس الكفر، وأُسر سبعون وانتصر المسلمون بفضل الله عز وجل، قال تعالى: ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) (آل عمران/ 123).
---(1/77)
ومما روي في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خفق خفقة في العريش ثم انتبه، فقال: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل معتجر بعمامة (أي لفّها على رأسه) آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النّقع (الماء المتجمع في الغدير) أتاك نصر الله وعِدَتُه (وعده). وقد ثبت في القرآن والسنة مشاركة الملائكة في القتال يوم بدر.
وفرّ المشركون لا يلوون على شيء تاركين غنائم كثيرة في ميدان المعركة، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بسحب قتلى المشركين إلى آبار ببدر فأُلقوا فيها، وأقام ببدر ثلاثة أيام ودفن شهداء المسلمين فيها وهم أربعة عشر شهيداً.
الأسرى والغنائم
استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر فيما يصنع بالأسرى، فأشار أبو بكر بأخذ الفدية منهم، وعلل ذلك بقوله: " فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام"، وأشار عمر بن الخطاب بقتلهم "فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها".
ومال النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر بقبول الفدية، وقبلها فعلاً، فنزلت الآية موافقة لرأي عمر، قال تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) (الأنفال/ 67).
أما الغنائم فلم يكن فيها حكم للشرع فنزل قول الله عز وجل: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) (الأنفال/ 1)، وقوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (الأنفال/ 41)، فأخرج الرسول صلى لله عليه وسلم الخمس من الغنيمة ثم قسمها بين المقاتلين.
غزوة بدر في التاريخ:
---(1/78)
لقد كانت موقعة بدر- رغم صغر حجمها - فاصلة في تاريخ الإسلام، لذلك سماها الله عز وجل في كتابه "يوم الفرقان"، لأنه فرق بها بين الحق والباطل، وقد استحق المقاتلون ببدر أن ينالوا التقدير الكبير الذي صار يلازم كلمة "البدري"، وفي البخاري: "جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال: أفضل المسلمين، قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة"، وخلاصة القول أن بدراً كانت بداية لمرحلة جديدة من السيادة والاستعلاء والعزة للإسلام والمسلمين.
في أعقاب بدر:
حدثت في أعقاب بدر عدة غزوات صغيرة، ولكن لم يحدث فيها قتال، إما لفرار المشركين أو عدم تلاقي الفريقين أو غير ذلك، ومنها:
1- غزوة قرقرة الكُذر .
2- غزوة السويق.
3- غزوة ذي أمر.
4- غزوة بحران.
5- غزوة القرَدَة.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة أحد
أين ومتى كانت ولماذا؟
وقعت غزوة أحد عند جبل أحد في شمال المدينة، وكانت في شوال في السنة الثالثة للهجرة، ومن أسبابها أن قريشاً أرادت الثأر لقتلاها في بدر، كما أرادت إنقاذ طرق التجارة إلى الشام من سيطرة المسلمين، واستعادة مكانتها عند العرب بعد أن زعزعتها موقعة بدر
جيش المشركين:
بلغ عدد جيش المشركين ثلاثة آلاف رجل، ومعهم مائتا فرس جعلوا على ميمنتها خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وكان منهم سبعمائة دارع، وشاركت في هذا الجيش قريش ومن أطاعها من كنانة وتهامة.
الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه:
شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة جيش قريش، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى عدم الخروج، ولكن أصحابه رأوا الخروج فأمضى لهم رأيهم تأصيلاً لمبدأ الشورى، وعملاً بقول الله عز وجل: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) آل عمران/ 159.
---(1/79)
ولما عدلوا عن رأيهم إلى رأيه في البقاء في المدينة، رفض صلى الله عليه وسلم وعزم على الخروج، ليعلمهم عدم التردد بعد العزيمة والشروع في التنفيذ.
جيش المسلمين :
ارتفعت الراية تتقدم ثلاثة ألوية، لواء المهاجرين يحمله مصعب بن عمير، فلما قتل حمله علي بن أبي طالب، ولواء الأوس يحمله أسيد بن حضير، ولواء الخزرج يحمله الحباب بن المنذر، واجتمع تحت الألوية ألف من المسلمين والمتظاهرين بالإسلام، ومعهم فرسان فقط ومائة دارع ولبس الرسول صلى الله عليه وسلم درعين ليعلمنا الأخذ بالأسباب .
انسحاب المنافقين من جيش المسلمين:
خرج الجيش الإسلامي إلى أحد مخترقاً الجانب الغربي من الحرة الشرقية، حيث انسحب المنافق عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة من المنافقين، وبذلك تميز المؤمنون من المنافقين، قال الله تعالى: (وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطي آل عمران/179.
المواجهة بين الجيشين:
نظم الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش ورد صغار السن، وهم أربعة عشر صبياً منهم عبد الله بن عمر، وجعل صفوف الجيش تواجه المدينة وظهورها إلى أحد، وجعل خمسين من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير فوق جبل "عينين" المقابل لأحد، لحماية المسلمين من الخلف، وقال لهم: و رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا مكانكم) رواه البخاري.
وتقدم جيش قريش وهو يواجه أحد وظهره إلى المدينة، واشتد القتال بين الجيشين وتراجع المشركون أمام بطولة المسلمين الذين شقوا هام المشركين، واستشهد الأبطال: أبو دجانة، وحمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير رضي الله عنهم، ورأى الرماة انتصار المسلمين فتركوا مواقعهم يطلبون الغنيمة ظناً منهم أن المعركة حسمت لصالح المسلمين .
---(1/80)
وهنا بدأ التحول من النصر إلى الهزيمة، فقد التف خالد بن الوليد على رأس خيالة المشركين بجيش المسلمين من الخلف وطوق المشركون المسلمين، وأخذ المسلمون يتساقطون شهداء، وشاع بينهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل فتفرق المسلمون، وبقى حوله سبعة من الأنصار رشيان، فاستشهد السبعة وبقي طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص يدافعان عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أصيب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة فكسرت رباعيته، وشج في وجهه حتى سال الدم منه .
نتائج المعركة:
أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما تقدم - واستشهد من المسلمين سبعون ولم يؤسر أحد، وقتل من قريش اثنان وعشرون رجلاً، وأسر منهم أبو عزة الشاعر، فقتل صبراً لاشتراكه قبل ذلك في قتال المسلمين ببدر
وصبر المسلمون على هذه المصيبة، وأنزل الله عزل وجل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) آل عمران/169.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة حمراء الأسد
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش الذي شهد أحداً أن يخرج لمطاردة جيش قريش إلى حمراء الأسد رغم إصابة الكثيرين منهم بجراح، وسارع سبعون من الصحابة بالانضمام إليهم، فصار العدد ستمائة وثلاثين، وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مدحهم القرآن فقال: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) آل عمران/ 172.
وكان أبو سفيان ينوي التوجه بالمشركين إلى المدينة لاستئصال المسلمين فلما علم بخروجهم إلى حمراء الأسد انصرفوا عائدين إلى مكة، وعلموا بقدرة المسلمين على الدفاع ورد العدوان رغم ما أصابهم.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بدر الموعد
---(1/81)
كانت سنة أربع للهجرة، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بألف وخمسمائة من أصحابه ومعه عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بدر حسب الموعد المحدد بعد أحد، وانتظر المسلمون ثمانية أيام ببدر، ولكن أحداً من المشركين لم يأت
وكان أبو سفيان قد خرج بألفين من المشركين ومعهم خمسون فرساً فلما وصلوا مر الظهران عادوا بحجة إن العام جدب، وبذلك تحققت للمسلمين هيبتهم بين قبائل الجزيرة، وواصل المسلمون إرسال سراياهم إلى مختلف الأنحاء حتى كانت غزوة بني المصطلق.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بني المصطلق (المريسيع)
بنو المصطلق بطن من قبيلة خزاعة، يسكنون بين المدينة ومكة، والمُريسيع بضم الميم: ماء لبني خزاعة، وقد خرج إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم سنة خمس للهجرة بعدما زادت عداوتهم للمسلمين، في نحو سبعمائة مقاتل فأغار عليهم وهم غارّون (أي غافلون) فقتل من قتل منهم وسبى النساء والذرية، وكانت جويرية بنت الحارث من هذا السبي فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأطلق المسلمون السبي إكراماً لها.
وفي رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الغزوة، قال عبد الله بن أبي بن سلول: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، وتبرأ عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أنت والله الأعز وهو الأذل"، نع أباه من دخول المدينة حتى يأذن له النبي الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله مرني أن أقتله، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لن يسيء إلى أبيه.
وفي رجوعه أيضاً كان حديث الإفك، الذي أطلقه المنافقون على السيدة عائشة زوج النبي الرسول صلى الله عليه وسلم لما تخلفت عن الجيش، ولكن الله تعالى أنزل براءتها في نحو عشرين آية من آيات سورة النور.
الفهرس
---(1/82)
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة الخندق ( الأحزاب)
كانت في السنة الخامسة للهجرة بعد أن أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني قينقاع وبني النضير عن المدينة، فتحالف هؤلاء مع قرش وباقي الأحزاب ضد المسلمين، وبقيت قريظة في المدينة تظهر الولاء للمسلمين وتبطن العداوة والبغضاء لهم
واجتمعت القبائل في مر الظهران وانطلقوا إلى المدينة، وما أن علم المسلمون حتى اجتمعوا للشورى، فأشار سلمان الفارسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق في شمال المدينة، ليشكل حاجزاً يمنع الالتحام بين الغزاة وبين المسلمين، ويمنع اقتحام المدينة، وير للمسلمين موقعاً دفاعياً جيداً يمكنهم من رشق الغزاة بالسهام من وراء الخندق، الذي يبلغ طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة إلى تسعة أذرع، وتم حفره في ستة أيام رغم الجوع والبرد.
وفي حفر الخندق حدثت آيات ودروس كثيرة تحكي عن منظومة الإيمان التي كان يعيشها المسلمون مع رسولهم صلى الله عليه وسلم، لذا لم يعبئوا وهم ثلاثة آلاف مقاتل في هذه الغزوة أن يكون عدد المشركين عشرة آلاف مقاتل، وأن تكون قريظة قد نكثت عهدها معهم
وقد صور القرآن حال المسلمين فقال: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا - هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً ) الأحزاب/ 10-11
الحصار والرحيل:
فوجئت قريش بالخندق، وكلما هموا باقتحامه أمطرهم المسلمون بالسهام، واشتد الحصار وطال أربعاً وعشرين ليلة لم يكن فيها حرب إلا الرمي بالنبال، ولكن هجمات المشركين لم تنقطع، واستشهد من المسلمين ثمانية منهم سعد بن معاذ رضي الله عنه
---(1/83)
وكان طول الحصار سبباً في إضعاف معنويات المشركين، وأرسل الله ريح الصبا فاقتلعت خيامهم وكفأت قدورهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم، فنادى فيهم أبو سفيان بالرحيل، وهكذا انفض الأحزاب عن المدينة فتنفس المسلمون الصعداء، (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً) الأحزاب/ 25.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بني قريظة
وهنا انطلق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، ورضوا بأن يحكم فيهم سعد بن معاذ (وهو على فراش الموت قبل أن يستشهد)، فحكم بأن تُقتل الرجال وتُقسّم الأموال وتُسبى الذراري والنساء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله).
وإلى هذا الحد تنتهي فترة الفتن والقلاقل، ليدخل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون فترة جديدة تبدأ بصلح الحديبية.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
فترة الهدنة مع المشركين (6هـ - 8هـ)
غزوة الحديبية
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية، في يوم الاثنين مستهل ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة قاصداً العمرة، ونظراً لتوقع الشر من قريش فقد أخذ المسلمون سلاحهم معهم، وبلغ عدد المسلمين في الحديبية ألفاً وأربعمائة رجل. وقد صلى المسلمون بذي الحليفة ورموا بالعمرة وساقوا الهدي (سبعين بدنة).
---(1/84)
وعندما سمعت قريش بمسيرتهم جمعت الجموع لصدهم عن دخول مكة، وخرج خالد بن الوليد على رأس خيالة قريش لملاقاة المسلمين، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم غير طريق جيشه تجنباً للقتال، ثم عدل عن دخول مكة فنزل على بئر قليلة الماء، فاشتكى المسلمون العطش، فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيها، فما زال يجيش بالماء حتى صدروا عنه، وهذه معجزة تكثير الماء في تلك الغزوة.
بيعة الرضوان:
أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رسولاً إلى قريش - بعد عدة مراسلات - فأبلغهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يريدون العمرة، وأخرت قريش عثمان فحسب المسلمون أنها قتلته، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للبيعة تحت الشجرة، فبايعوه جميعاً - إلا أحد المنافقين - وكانت البيعة على الموت.
وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المبايعين فقال: (أنتم خير أهل الأرض) رواه البخاري، ونزل القرآن برضوان الله على أهل البيعة، قال تعالى: ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكنية عليهم وأثابهم فتحاً قريباً الفتح/ 18.
صلح الحديبية:
أرسلت قريش عدة رسل كان آخرهم سهيل بن عمرو، ليفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان صلح الحديبية نتيجة هذه المفاوضات، وهذه بعض بنوده
1- أن يعود محمد صلى الله عليه وسلم للطواف بالبيت في العام المقبل، وتخرج قريش من مكة فيدخلها بأصحابه، ويقيموا فيها ثلاثة أيام بسلاح الراكب فقط.
2- وأن لا يأتي رجل من قريش مسلماً - بغير إذن وليه - إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ردّه إلى مكة.
3- وأن من أتى قريشاً ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردّوه.
4- أن يكون بين الطرفين صدر نقي من الغل والخداع، ينطوي على الوفاء بالصلح.
---(1/85)
5- أنه من أحب أن يدخل عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل فيه -وقد دخلت فيه خزاعة- ومن أحب أن يدخل عهد قريش دخل فيه -وقد دخلت فيه بنو بكر- .
6- وضع الحرب (هدنة) لمدة عشر سنين.
وهكذا تم الصلح وتمت الهدنة، وقد رفض بعض المسلمون هذا الصلح وأظهروا غضبهم، ومنهم عمر بن الخطاب، ولكن لما علموا أنه أمر الله لم يكن منهم إلا التسليم، وعاد المسلمون إلى المدينة بعد أن نحروا الهدي وتحللوا من العمرة وأقاموا في الحديبية عشرين يوماً.
رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء:
لا شك أن مكاتبة الملوك خارج جزيرة العرب تعبير عن عالمية الرسالة، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء/ 107. ومن هذا المنطلق أرسل النبي صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي، إلى قيصر وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى، وعمرو بن أمية الضمري إلى نجاشي الحبشة، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس حاكم مصر، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي في اليمامة، وذلك بين عامي ستة وسبعة للهجرة.
نص كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية (دعوة) الإسلام، فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (أي الفلاحين) و(يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضناً بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران/64، رواه البخاري.
ويلاحظ أن الكتاب صريح في الدعوة إلى الإيمان بالإسلام وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت باقي الكتب الموجهة إلى الملوك والأمراء.
تأديب الأعراب:
---(1/86)
لم تخل فترة صلح الحديبية من أحداث شغب قام بها الأعراب، لكنها لم تؤثر على تفرغ المسلمين للدعوة ونشر الإسلام، ومن هذه الأحداث
1. غزوة ذات القرد.
2. قصة عُكل وعُرينة.
3. غزوة ذات الرِّقاع. وقد سميت كذلك لأنهم لفوا في أرجلهم الخرق بعد أن تنقبت خفافهم، وكان لكل ستة منهم بعير يتعاقبونه، وقد اقترب فيها المسلمون من جموع غطفان دون أن يقع قتال بينهم.
عمرة القضاء:
كانت في ذي العقدة من السنة السابعة للهجرة، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة -حسب الاتفاق مع قريش في الحديبية-، وقد بلغ عدد من شهدها ألفين سوى النساء والصبيان، فيهم الذين شهدوا الحديبية، وطاف المسلمون بالكعبة، وأظهروا من القوة والجلد ما جعل قراً تتعجب من قوتهم، ولما انتهت الأيام الثلاثة -حسب الاتفاق- خرج الرسول صلى الله عليه وسلم عائداً إلى المدينة، وأنزل الله في هذه العمرة قوله تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً) الفتح/27.
غزوة مؤتة
كانت في السنة الثامنة للهجرة في جمادى الأولى، حيث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل إلى الشام، وعين زيد بن حارثة أميراً عليه فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة، وأما الأعداء فكانوا مائة ألف من الروم، ومائة ألف أخرى من نصارى العرب.
والتحم الجيشان في مؤتة، وكانت ملحمة استشهد فيها القادة الثلاثة، واختار المسلمون خالد بن الوليد قائداً فأعاد تنظيم الجيش وبدل الميسرة بالميمنة وجعل قسماً من الجيش يتقدمون من الخلف وكأنهم أمداد جديدة، وتم الانسحاب المنظم وظهرت عبقرية خالد العسكرية، وكانت الخسائر في الانسحاب ثلاثة عشر شهيداً، مع إيلام الأعداء قتلاً وتجريحاً حتى انكسرت تسعة أسياف في يد خالد بن الوليد رضي الله عنه.
---(1/87)
ومن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أصحابه باستشهاد القادة الثلاثة وعيناه تذرفان، وأخبر باستلام خالد الراية، ولا شك أن المسلمين أفادوا دروساً وخبرات عظيمة من هذا اللقاء الأول مع الروم.
غزوة ذات السلاسل
بعد عودة المسلمين من مؤتة، جهّز النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل، قريباً من ديار قضاعة، فتقدم عمرو على رأس ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، واستعان ببعض فروع قضاعة، وأمده الرسول صلى الله عليه وسلم بمائتين من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وعليهم أبو عبيدة بن الجراح، وتوغل الجيش في ديار قضاعة التي هربت وتفرقت. وقد أعادت هذه الغزوة للمسلمين هيبتهم بعد مؤتة.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
فتح مكة
السبب المباشر وراء الفتح:
استمرت هدنة الحديبية نحو السبعة عشر أو الثمانية عشر شهراً، ثم نقضت قريش الهدنة حيث أعانت حلفاءها بني بكر ضد خزاعة حلفاء المسلمين على ماء الوتير قريباً من مكة، فاستنصرت خزاعة بالمسلمين، وبذلك بطلت المعاهدة، وكان ذلك سبباً مباشراً لفتح مكة
التجهيز للفتح في الطريق إلى فتح مكة:
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتجهّز للغزو، ولم يعلمهم بوجهته تكتماً لأمر الفتح، واستنفر القبائل التي حول المدينة، وقد بلغ عدد جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار أحد
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في رمضان سنة ثمان للهجرة، واستخلف عليها أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، وفي الطريق أسلم عدد من زعماء قريش منهم أبو سفيان بن الحارث - ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن أبي أمية- أخو أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها - وكان العباس بن عبد المطلب قد أسلم قبل فتح خيبر ولكنه لم يهاجر إلى المدينة.
---(1/88)
وفي مر الظهران عسكر المسلمون، وخفيت أخبارهم عن قريش حتى ظنت قريش أن هذا الجيش جيش خزاعة، وفي هذه الأثناء صحب العباس - عم الرسول صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان ليقابل الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فتردد أبو سفيان وعاد في اليوم الثاني فأسلم، واستعرض أبو سفيان جيش المسلمين وقوتهم ثم قال للعباس: لقد أصبح ملك بن أخيك اليوم عظيماً. فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: فنِعمَ ذا. ومضى أبو سفيان إلى مكة فأخبر قريشاً بقوة المسلمين ونهاهم عن المقاومة.
إتمام الفتح:
في مر الظهران قرر النبي صلى الله عليه وسلم الزحف على مكة، فعين القادة وقسم الجيش إلى ميمنة وميسرة وقلب، فكان خالد بن الوليد على الميمنة، وكان الزبير بن العوام على الميسرة، وأبو عبيدة على الرجالة (المشاة)
وأما قريش فقد جمعت جموعاً من قبائل شتى ومن أتباعها لحرب المسلمين، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وأمر قادة جيشه ألا يقاتلوا إلا من يقاتلهم وأعلن الأمان للناس سوى أربعة من الرجال وامرأتين أباح دماءهم
ودخلت جيوش المسلمين حتى انتهت إلى الصفا في التاسع عشر من رمضان سنة ثمان للهجرة، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها من جهة كداء، ودخل خالد بن الوليد من أسفلها، وكانت المقاومة يسيرة، وبلغ عدد الشهداء ثلاثة، وعدد قتلى المشركين قريباً من أربعة ورين، ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) .
---(1/89)
وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف القتال عصر أول يوم من الفتح، وأصدر عفواً عاماً عن أهل مكة: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: لا تثريب عليكم، اليوم يغفر الله لكم) رواه أبو عبيد. وفي رواية أحمد قال: (نصبر ولا نعاقب). هذا العفو حفظ الأنفس من القتل أو السبي وأبقى الأموال والأراضي بيد أصحابها، وهذا خاص بمكة لقدسيتها وحرمتها.
تطهير مكة من الشرك والأوثان :
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خاشعاً يقرأ سورة الفتح وهو على راحلته، وطاف بالكعبة، وبيّن حرمة مكة وأنها لا تغزى بعد الفتح، وأمر بتحطيم الأصنام وتطهير البيت الحرام منها، وكان عددها ستين وثلاثمائة من الأنصاب، وشارك في ذلك بيده الشريفة، وهو يقرأ: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) الإسراء/ 81. ومحا الصور التي كانت بالكعبة، ثم دخل صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين، وأعطى عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة، وبعد تطهير الكعبة من مظاهر الوثنية، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فذهب إلى نخلة وهدم العزى (من آلهة المشركين)، وأرسل عمرو بن العاص فهدم سواعاً صنم هذيل، وأرسل سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة (أحد الآلهة) فهدمها، وبذلك أزيلت مراكز الوثنية.
ونتيجة لفتح مكة، تحول ثقل معسكر الشرك من قريش إلى قبيلتي هوازن وثقيف، اللتين سارعتا لملء الفراغ وقيادة المشركين لحرب الإسلام، فكانت غزوة حنين وحصار الطائف.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
فترة دخول الناس في دين الله أفواجا (8هـ - 11هـ)
تم فتح مكة ودانت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف العرب أن لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عداوته، فدخلوا في دين الله أفواجاً، خاصة بعد غزوة حنين التي كانت عقب فتح مكة مباشرة
غزوة حنين
---(1/90)
كانت غزوة حنين بين قبيلة هوازن -وثقيف فرع منها- التي حشدت عشرين ألفاً معهم الأموال والنساء والأبناء تحت قيادة مالك بن عوف النصري، وبين المسلمين الذين لم يمض على فتحهم لمكة سوى نصف شهر، فكانوا مستعدين تماماً وبدءوا التحرك باتجاه حنين في الخامس من شوال،صلوا إليها في مساء العاشر من شوال، وكان عدد جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل، انضم إليهم ألفان من أهل مكة من مسلمة الفتح الذين سموا بالطلقاء (أي الذين أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعفا عنهم يوم الفتح)، وقد كان لهؤلاء الطلقاء تأثير سلبي على سير المعركة.
سير المعركة في غزوة حنين:
سبقت هوازن المسلمين إلى وادي حنين، ورتبوا صفوفهم ووضعوا خطتهم، وتقدم خيالة المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، وبقية صفوف الجيش، وتراجعت هوازن في بداية القتال لكنها عادت فرشقت المسلمين بالسهام الكثيفة بصورة دقيقة، ففر الطلقاء والأعراب وبقية الجيش، ولم يبقى حول الرسول صلى الله عليه وسلم إلا فئة قليلة صمدت بصموده حتى نادى عليه الصلاة والسلام: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)، وأمر العباس فنادى في الناس، فتجمع لديه مائة أو أقل، ثم أخذ المهاجرون والأنصار بالعودة وهم يرددون لبيك لبيك، واشتد القتال من جديد، قال الله تعالى: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا) التوبة/ 26.
ولم تصمد هوازن طويلاً فقد فرت من الميدان، وبلغ قتلى هوازن اثنين وسبعين قتيلاً في الميدان، وثلاثمائة قتيل خلال الفرار والهزيمة، وعدد آخر من القتلى، وأما السبي فقد بلغ ستة آلاف، وبلغت الغنائم مبلغاً عظيماً. أما المسلون فقد بلغ عدد الشهداء أربعة، وأصيب عدد من الصحابة بجروح.
حصار الطائف:
---(1/91)
انطلق المسلمون إلى الطائف -التي تحصن فيها مالك بن عوف ومن بقي من هوازن- فحاصروها بضع عشرة ليلة، واشتد الحصار واستشهد اثنا عشر رجلاً من المسلمين مقابل ثلاثة قتلى فقط من المشركين، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم لثقيف بقوله: (اللهم اهد ثقيفاً) رواه الترمذي .
وفك الرسول صلى الله عليه وسلم الحصار وعاد إلى الجعرانة حيث ترك غنائم حنين، فقسمها مراعياً تأليف قلوب الطلقاء والأعراب، وجاء وفد هوازن يعلن إسلامها فأعاد إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم السبي ورضيت نفوسهم بذلك، وجاء وفد ثقيف بعد ذلك يعلن إسلام ثقيف، فأل الرسول صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة الثقفي معهم إلى الطائف ليهدما (اللات) -وهي الصنم الذي كانوا يعبدونه- فهدماها، وبذلك انتهت أسطورة اللات التي عبدت طويلاً من دون الله تعالى.
غزوة تبوك
وقعت هذه الغزوة في رجب من عام تسع للهجرة، وفيها تحول المسلمون إلى الجهاد خارج الجزيرة بعد أن دانت الجزيرة للإسلام، وقد سارع الصحابة بتجهيز الجيش الذي سمى جيش العسرة -نظراً للضائقة الاقتصادية التي مر بها المسلمون- ، في حين تخلف المنافقون عنها وكانوا يقون: لا تنفروا في الحر.
وقد بلغ عدد جيش تبوك أكثر من ثلاثين ألفاً، وهذا أكبر جيش قاده الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، وقد تخلف ثلاثة من الصحابة -وهم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال ابن أمية- عن الجيش بدون عذر، وقصة تخلفهم وتوبتهم مشهورة في القرآن الكريم وكتب السيرة لسنة.
العودة من تبوك:
---(1/92)
لم يقع قتال مع الروم في هذه الغزوة، وآثر حكام المدن الصلح على الجزية، وقد مكث الجيش عشرين ليلة ثم عاد إلى المدينة، وجاء المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل منهم واستغفر لهم وبايعهم إلا ثلاثة سبق الإشارة إليهم، وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وامتنع عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقاطعهم المسلمون إلى أن نزلت توبتهم في القرآن.
ومن نتائج هذه الغزوة أنها وطدت سلطان الإسلام في شمال الجزيرة العربية ومهدت لفتوح الشام فيما بعد .
عام الوفود
سمى العام التاسع للهجرة بعام الوفود، حيث بدأت وفود القبائل العربية في التوافد على المدينة لإعلان إسلامهم ومبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر كتاب السيرة أن عدد الوفود بلغ ستين وفداً، ذكر منها البخاري وفد تميم، ووفد عبد القيس، ووفد بني حنيفة، ووفد نجران الذي لم يسلم ورضي بالجزية، ووفد الأشعريين وأهل اليمن، ووفد دوس، ووفد طيء، وعدي بن حاتم الطائي، وغير ذلك.
حج أبي بكر بالناس عام 9 هـ
لم يحج الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح ولكنه اعتمر فقط ، وأمّر أبا بكر على الحج، فخرج في ذي الحجة إلى مكة على رأس ثلاثمائة من الصحابة ومعهم عشرون بدنة، ونزلت سورة براءة (التوبة) يوم النحر، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً برسالة إلى الناس يوم حج مفادها: (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته) رواه أحمد، وهذه مفاصلة مع المشركين آن أوانها بعد اثنين وعشرين عاماً من الدعوة والنبوة والوحي.
حجة الوداع
---(1/93)
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عزمه على الحج في العام العاشر، فتقاطر الناس من أرجاء الجزيرة العربية للحج معه، وخرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة. ولما وقف في عرفة نزل قول الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) المائدة/3.
وقد تعلّم المسلمون مناسك الحج من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة المباركة، التي بلغ عدد المسلمين فيها أربعين ألفاً، حيث استمعوا إلى خطبة الوداع التي ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في عرفات في وسط أيام التشريق، وجاء فيها:
(إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا ،ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ هاتين موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع ربانا: ربا عباس بن عد المطلب فإنه موضوع كله. واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك وأديت ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك، فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكثها إلى الناس: اللهم اشهد اللهم اشهد) رواه مسلم.
وفي بعض خطبه في منى قال صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا من بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه البخاري، وقد حفلت هذه الخطب بالأحكام والتوجيهات، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يودع الناس.
تجهيز جيش أسامة
---(1/94)
بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجهيز جيش إلى الشام، بعد عودته من حجة الوداع بشهرين أو أكثر، وجعل عليه أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يتوجه إلى البلقاء وفلسطين، فتجهز الناس وفيهم المهاجرون والأنصار وكان معهم أبو بكر وعمر، وبلغ عددهم ثلاثة آلاف، ون هذه الحملة تأخرت بسبب مرض الرسول صلى الله عليه وسلم.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
ألمّ المرض بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع بحوالي ثلاثة أشهر، وكان بدء شكواه في بيت ميمونة أم المؤمنين، وصح في البخاري أيضاً أن شكواه ابتدأت منذ العام السابع عقب فتح خيبر بعد أن تناول قطعة من شاة مسمومة قدمتها له زوجة سلام بن مشكم اليهودية، رغم أنه لفظها ولم يبتلعها لكن السم أثر عليه. وقد طلب صلى الله عليه وسلم من زوجاته أن يمرّض في بيت عائشة أم المؤمنين، فكانت تقرأ المعوذتين وتمسح عليه بيده هو صلى الله عليه وسلم لبركتها.
ولما أثقله المرض ومنعه من الخروج للصلاة بالناس قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، وراجعته السيدة عائشة رضي الله عنها، لئلا يتشاءم الناس بأبيها، فقالت: إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن. فأصرّ على ذلك، فمضى أبو بكر يصلي بهم) رواه ن كثير في البداية والنهاية.
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتوكأ على العباس وعليّ، فصلّى بالناس وخطبهم، وأثنى في خطابه على أبي بكر رضي الله عنه وبين فضله، وأشار إلى تخيير الله له بين الدنيا والآخرة واختياره الآخرة، قال: (إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة، ففطن أبو ب إلى أنه يقصد نفسه فبكى، وتعجب الناس منه إذ لم يدركوا ما فطن له) رواه أحمد.
---(1/95)
وعندما حضره الموت كان مستنداً إلى صدر عائشة وكان يدخل يده في إناء الماء فيمسح وجهه -من شدة الحمى- ويقول: ( لا إله إلا الله، إن للموت سكرات) رواه البخاري. وأخذته صلى الله عليه وسلم بحة وهو يقول: (مع الذين أنعم الله عليهم)، ويقول: (اللهم في الرفيق الأعلى فعرفت عائشة أنه يُخير وأنه يختار الرفيق الأعلى) رواه البخاري.
ودخلت عليه فاطمة فقالت: واكرب أباه، فقال لها: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم)، ودعاها (فأسرّ إليها بشيء فبكت، ثم دعاها فأسرّ إليها بشيء فضحكت). رواه البخاري. وأخبرت رضي الله عنها -بعد وفاته- أنه صلى الله عليه وسلم أخبرها أنه يموت فبكت، وأخبرها بأنها أول أهله لحوقاً به فضحكت.
وقبض صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى -ورأسه في حجر عائشة- في يوم الاثنين، في الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة، ودخل أبو بكر رضي الله عنه، وكان غائباً في السنح، فكشف عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ يقبله، وخرج إلى الناس، وهم ن منكر ومصدق من هول الموقف، فقال: أما بعد من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين)، فسكن الناس وجلس عمر رضي الله عنه على الأرض لا تحمله قدماه، وكأنهم لم يسمعوا الآية إلا تلك الساعة (رواه البخاري).
وبكت فاطمة رضي الله عنها أباها صلى الله عليه وسلم، وهي تقول:
يا أبتاه أجاب ربا دعاه
يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه
يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
وانتهت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تنته رسالته، فهي خالدة إلى يوم الدين، ولم تنقطع أمته فالخير فيها إلى يوم يبعثون، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الصادق الوعد الأمين، والحمد الله رب العالمين.
الفهرس
---(1/96)
--------------------------------------------------------------------------------
شمائله صلى الله عليه وسلم
الشمائل: الخصال الحميدة والطبائع الحسنة، وأضاف إليها بعض العلماء الصفات الخِلقية الظاهرة، وجعلها تابعة لأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وبناء على ذلك فكتب الشمائل تضم أمرين:
الأول: الصفات الخِلقية:
فقد وهب الله سبحانه وتعالى لرسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من كمال الخِلقة، وجمال الصورة، وقوة العقل وصحة الفهم، وفصاحة اللسان وقوة الحواس والأعضاء، واعتدال الحركات، وشرف النسب ما بلغ به حدّ العظمة، وقد تقدم الحديث عن بعض تلك الصفات.
الثاني: الصفات الخُلقية:
الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل، والقدوة المطلقة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتحلى بالأخلاق الحميدة والآداب الشريفة، وقد بلغ حد الكمال والاعتدال فيها، حتى أثنى عليه الله سبحانه بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم/4، وقالت عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم: (كان خلقه القرآن)، وهذا تصديق قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق، وأكمل محاسن الأفعال).
وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم المكارم كلها، ولا غرابة في هذا، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) النساء/ 113، فإذا كان الله عز وجل هو الذي علمه وأدبه، فلا بد أن يكون المتعلم على أكمل وأتم وأحسن ما يكون التع.
ولذلك لم تعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم زلة، ولا حُفظت عنه هفوة، وكان لا يزيد مع الإيذاء إلا صبراً، ولا مع إسراف الجاهل إلا حلماً، وكان كما تقول عائشة رضي الله عنها، لا ينتقم لنفسه أبداً، بل كان يدعو: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وموقفه يوم فتح مكة مع المشركين يدل على هذا، فقد عفا عنهم، وقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
وهذه بعض صفاته التي كان يتحلى بها صلى الله عليه وسلم:
1- حلمه وعفوه.
---(1/97)
2- جوده وسماحته.
3- شجاعته
4- حياؤه.
5- حسن عشرته وأدبه.
6- شفقته ورأفته.
7- وفاؤه وحسن عهده.
8- تواضعه مع علو منصبه.
9- عدله وأمانته
10- وقاره.
11- زهده.
12- خوفه من ربه وطاعته له.
وسيرته عليه الصلاة والسلام حافلة بالأمثلة والشواهد على ذلك، وقد حرص العلماء على إفراد شمائله وأخلاقه صلى الله عليه وسلم بالدراسة والتأليف، وذلك لما لها من أهمية خاصة بالنسبة للمسلم. فمعرفة شمائله عليه الصلاة والسلام وسيلة إلى امتلاء القلب بمحبته وتعظي، وذلك وسيلة إلى تعظيم شريعته واتباع هديه وسنته. ومن أقدم ما ألف في الشمائل كتاب الشمائل للإمام الترمذي رحمه الله تعالى.
فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صّلوا عليه وسلموا تسليماً) الأحزاب/ 56، والصلاة من الله تعالى معناها الرحمة وزيادة الإحسان، وهي من الملائكة استغفار، ومن البشر دعاء، لذا فإنه يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة من الرحمة وزيادة الإحسان والاستغفار والدعاء ما هو أهل له صلى الله عليه وسلم.
وقد بيّنت السنة الفائدة العظيمة والفضل الكبير الذي ينتظر من يصلي على الرسول الله صلى الله عليه وسلم، من رفع الدرجات والترقي في مراتب الكمال. روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشراً)، ومن السنّة أن يجمع المسلم بين الصلاة والسلام.
ولذلك كان الحث على الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن في ذلك علو منزلة لمن يأتي بها يوم القيامة، ورضاً من الله تبارك وتعالى عن قائلها. وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم من لا يصلى عليه بالبخل، فإن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عنوان للشح، ودليل خبث النفس وسوء الطوية.
---(1/98)
والصيغة المختارة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في حديث مسلم عن أبي هريرة: (قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، وتستحب الصلاة والتبريك على أزواجه وذريته صلى الله عليه وسلم.
انتهى الكتاب والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
رجوع
---
السيرة النبوية
--------------------------------------------------------------------------------
الفهرس
تعريف السيرة وأهميتها
حياته صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته
المرحلة المكية
المرحلة المدنية
غزوة بدر الكبرى
غزوة أحد
غزوة حمراء الأسد
غزوة بدر الموعد
غزوة بني المصطلق (المريسيع)
غزوة الخندق ( الأحزاب)
غزوة بني قريظة
فترة الهدنة مع المشركين (6هـ - 8هـ)
فتح مكة
فترة دخول الناس في دين الله أفواجا (8هـ - 11هـ)
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
شمائله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
تعريف السيرة وأهميتها
تعريف السيرة النبوية
- السيرة لغة :
تعني السّنة والطريقة، والحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره. يُقال فلان له سيرة حسنة، وقال تعالى: (سنعيدها سيرتها الأولى) (طه:21).
- السيرة اصطلاحًا:
السيرة اصطلاحًا تعني قصة الحياة وتاريخها، وكتبها تسمّى: كتب السير، يُقال قرأت سيرة فلان: أي تاريخ حياته. والسيرة النبوية تعني مجموع ما ورد لنا من وقائع حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته الخُلقية والخَلقية، مضافا إليها غزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم.
أهمية السيرة ومكانتها:(1/99)
1- السيرة النبوية هي السبيل إلى فهم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها، للتأكد من أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد عبقري سمت به عبقريته، ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحي من عنده.
2- تجعل السيرة النبوية بين يدي الإنسان صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، يتمسك به ويحذو حذوه، فقد جعل الله تعالى الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم قدوة للإنسانية كلها، حيث قال سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) (الأحزاب:21).
---
3- السيرة النبوية تعين على فهم كتاب الله وتذوق روحه ومقاصده، فكثير من آيات القرآن الكريم إنما تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- السيرة النبوية صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه، فهي تكوّن لدى دارسها أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية، سواء ما كان منها متعلقًا بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق.
5- السيرة النبوية نموذج حي عن طرائق التربية والتعليم، يستفيد منه المعلم والداعية المسلم. فقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم معلمًا ناجحًا ومربيًا فاضلاً، لم يأل جهدًا في تلمس أجدى الطرق الصالحة في التربية والتعليم، خلال مختلف مراحل دعوته.
6- من خلال السيرة نتعرّف على جيل الصحابة الفريد، الذي كان صدى للقرآن، وكان التطبيق العملي لحكم الله أمرًا ونهيًا.
7- تمتاز سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها نُقلت إلينا كاملة في كلياتها وفي جزئياتها، ولا تملك الإنسانية اليوم سيرة شاملة لنبي غير السيرة النبوية على صاحبها صلوات الله وتسليمه.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
حياته صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته
نَسَبُه صلى الله عليه وسلم:(1/100)
الرسول صلى الله عليه وسلم هو: (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لُؤَيّ بن غالب بن فِهر بن مالك ابن النَّضر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان) (رواه البخاري) ، وعدنان من ولد إسماعيل الذبيح بن إبراهيم عليهما السلام.
وأبوه: عبد الله بن عبد المطلب، كان أجمل قريش (قبيلة قريش) وأحب شبابها إليها، عاش طاهرًا كريمًا حتى تزوج بآمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم.
---
وأمّه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وزهرة هو أخو قصي بن كلاب جد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أبوها سيد بني زهرة.
وجدّه: عبد المطلب بن هاشم، هو سيد قبيلة قريش، أعطته رياستها لخصاله الوافرة، وقوة إرادته، وعزيمته على فعل الخير لكل الناس، وقد اشتهر بحفر بئر (زمزم) التي تسقي الناس بمكة المكرمة إلى يومنا هذا.
مولده صلى الله عليه وسلم:
ولد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، من عام الفيل، وقصة أصحاب الفيل معروفة ذكرها القرآن الكريم في سورة الفيل(1ـ5)، وذلك أن أبرهة ملك اليمن أراد أن يهدم الكعبة (بيت الله الحرام في مكة) فساق إليها جيشًا عظيمًا ومعهم فيل، فردّ الله كيدهم وحفظ الكعبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال جنينًا في بطن أمه التي رأت حين وضعته نورًا خرج منها أضاءت منه قصور بُصرى من أرض الشام.
ومات أبوه عبد الله، وهو لا يزال جنينًا في بطن أمه، فلما ولد كان في حجر جده عبد المطلب يرعاه وينظر حاجته هو وأمه.
مرضعاته صلى الله عليه وسلم:
جاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن أطفالاً يرضعنهم، فكان الرضيع المبارك من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، واسم زوجها أبو كبشة، ودرّت البركات على أهل ذاك البيت الذين أرضعوه مدة وجوده بينهم، وقد مكث فيهم ما يربو على أربع سنوات.(1/101)
وقد صحّ أن ثويبة -مولاة أبي لهب- أرضعته قبل أن تذهب به حليمة السعدية.
معجزة شق صدره صلى الله عليه وسلم:
وقعت هذه المعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين، الأولى في بادية بني سعد وهو عند مرضعته حليمة، وكان في الرابعة من عمره.
---
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمه -أي جمعه وضم بعضه إلى بعض- ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه -يعني ظِئْره أي مرضعته- فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنتُ أرى أثر المخيط في صدره) .
وأما المرة الثانية التي وقعت فيها تلك المعجزة فقد كانت في ليلة الإسراء كما روى ذلك البخاري ومسلم .
وفاة آمنة أُمّه صلى الله عليه وسلم:
خافت حليمة وزوجها على محمد صلى الله عليه وسلم بعد حادثة شق الصدر، فعادا به إلى أُمِّه آمنة، فمكث عندها إلى أن بلغ ست سنين، ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني عدي بن النجار، تزورهم به، ومعها أم أيمن تحضنه، فأقامت عندهم شهرًا ثم رجعت به إلى مكة فتوفيت بالأبواء (قرية على يمين الطريق المتجه إلى مكة المكرمة من المدينة المنورة).
رعاية جّده عبد المطلب له صلى الله عليه وسلم:
---(1/102)
ترك يُتم النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه أبلغ الأثر، إذ وُلد يتيم الأب وماتت أمُّه وهو ابن ست سنين، فلما توفيت ضمّه جدُّه عبد المطلب إليه ورقّ عليه رِقةً لم يرقها على ولده، وقرّبه وأدناه، وإن قومًا من بني مدلج قالوا لعبد المطلب: احتفظ به، فإنّا لم نر قدمًا أشبه بالقدم التي في المقام منه (هي أثر إبراهيم عليه السلام في المقام الإبراهيمي بجوار الكعبة)، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به. فلما حضرت عبدَ المطلب الوفاةُ أوصى أبا طالب بحفظه. ومات عبد المطلب فدفن بالحَجون (جبل بأعلى مكة)، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، ولمحمد يومئذ ثماني سنين، ولا شك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أحسَّ بفقدان جده عبد المطلب لما كان يَحْبُوه به من العطف والرعاية.
كفالة عمه أبي طالب له صلى الله عليه وسلم:
أوصى عبد المطلب ابنه أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورعايته، فلما توفي عبد المطلب ضم أبو طالب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فكان معه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان يحبّ محمدًا صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعًا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك.
ومما يدل على شدة محبة أبي طالب إياه، صحبته له في رحلته إلى الشام، ويبدو أنه في فترة حضانة أبي طالب له ساعده محمد صلى الله عليه وسلم في رعي غنمه، وقد ثبت في البخاري ومسلم أنه عمل على رعيها لأهل مكة، مقابل قراريط.
---(1/103)
ولعل ضيق حال أبي طالب هو الذي دفع محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العمل لمساعدته. ورعي الغنم فيه دربة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رعاية البشر فيما بعد، فقد أَلِفَ العمل والكفاح منذ طفولته، واعتاد أن يهتم بما حوله، ويبذل العون للآخرين، وربما يذكرنا رعيه للغنم بأحاديثه التي تحث على الإحسان للحيوان.
زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا وعشرين سنة، تزوج خديجة بنت خويلد، وهي من سيدات قريش، ومن فضليات النساء، وكانت أرملة توفي زوجها أبو هالة، وكانت إذ ذاك في الأربعين من عمرها، وقيل في الثامنة والعشرين، وكانت امرأة تاجرة، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم بشيء تجعله لهم.
وخديجة رضي الله عنها أول امرأة يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها في حياتها، وولدت له كل ولده إلا إبراهيم، فولدت القاسم وعبد الله (الملقب بالطيب والطاهر)، وثلاث بنات هن: أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية. أما إبراهيم فقد ولدته مارية القبطية التي أهداها له مقوقس مصر.
وقد مات القاسم وعبد الله قبل الإسلام، أما البنات فأدركن الإسلام وأسلمن رضي الله عنهن، وتوفيت خديجة رضي الله عنها قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها، ويظهر محبتها وتأثره لدى ذكرها بعد وفاتها، فقد كانت لها مواقف عظيمة في الإسلام، وفي نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به.
مظاهر من حفظ الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته:
1 - حفظه صغيرًا بداية من إرضاعه واصطفائه من أوسط النسب وأشرفه، وولادته من نكاح صحيح وليس من سفاح باطل.
---(1/104)
2 - كفالة جده عبد المطلب -وهو سيد قريش- له طفلاً إلى أن بلغ الثامنة من عمره وتوفي جدّه، فانتقل إلى كفالة عمه أبي طالب -وهو سيد قريش أيضًا- وفي ذلك ما فيه من المنعة. والتاريخ يحدّث بحب عبد المطلب وأبي طالب الشديد للرسول صلى الله عليه وسلم.
3 - حفظه شابًا من أن يقع فيما يقع فيه الشباب من الفحش والخنا، والأدلة على ذلك كثيرة منثورة في كتب السيرة، وقد اشتهر صلى الله عليه وسلم بين قومه وهو شاب بالصدق والأمانة.
4 - حفظ قلبه طاهرًا فلم يعبد إلهًا غير الله عز وجل، ولم يسجد لصنم، ولم يتمسح بوثن، ولم يحلف بغير الله، هذا مع بغضه الشديد لآلهة قومه (اللات والعُزّى وغيرهما).
5 - إعداده إعدادًا معصومًا من نزغ الشيطان ونفثه، وحفظ باطنه صحيحًا، وقد تجلى هذا في حادثة شق الصدر الأولى والثانية.
وجملة القول: إن الله تعالى هيأ لرسوله صلى الله عليه وسلم من الحفظ والرعاية ما جعله جديرًا بتلقي الرسالة الخاتمة لهداية البشر.
البشارات برسالته صلى الله عليه وسلم:
جاءت في القرآن الكريم بشارة عيسى عليه السلام لقومه ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يديَّ من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) (الصف:6).
وجاءت في إنجيل برنابا عبارات مصرحة باسم النبي صلى الله عليه وسلم، مثل العبارة: (163/7: أجاب التلاميذ: يا معلم! مَن عسى أن يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه، الذي سيأتي إلى العالم، أجاب يسوع بابتهاجِ قلبٍ: إنه محمد رسول الله).
وتكررت مثل هذه العبارات في إنجيل برنابا (حرمت الكنسية تداوله في آخر القرن الخامس الميلادي وهو الآن مطبوع) ، وكذلك في إنجيل لوقا (2/14) بلفظ: (أحمد)، وفي إنجيل يوحنا جاءت البشارة بلفظ: (الفار قليط)، ومعناها الحامد أو الحمّاد أو أحمد.
---(1/105)
وفي التوراة كان الإخبار والتبشير بنبوته صلى الله عليه وسلم، ولكن يد التحريف طالتها، قال الله عز وجل: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل والقرآن، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) (الأعراف:157).
قال ابن تيمية (في الجواب الصحيح) : (والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم). هذا عدا ما كانت تحدث به يهود، ورهبان النصارى، والعرب وكثير من الأمم بأن نبيًا قد اقترب زمانه وآن أوانه.
والبشارات برسالته صلى الله عليه وسلم كثيرة، يضيق المقام عن حصرها، وتلتمس في مظانها.
أسماؤه صلى الله عليه وسلم:
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم : محمد , أحمد , الماحي . الذي يمحو الله به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس على عقبيه ، والعاقب الذي ليس بعده نبي ، ونبي التوبة ، وسماه الله تعالى رؤوفا رحيماً.
صفته صلى الله عليه وسلم:
---(1/106)
كان صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير ، ولا بالأبيض الأمهق (أي ليس شديد البياض) ، ولا الآدم (الأسمر) ، ولا بالجعد القطط (لم يكن ذا شعر ملتو قصير) ، ولا السبط (المسترسل)، رَجَل الشعر (بين البسط والجعد) ، أزهر اللون (أبيض مشرق) ، مشرباً بحمرة في بياض ساطع ، كأن وجهه القمر حسناً ، ضخم الكراديس (المفاصل) ، أوطف الأشفار (طول شعر الجفنين) ، أدعج العينين (شديد سوادها وبياضها مع اتساعها) ، في بياضهما عروق حمر رقاق ، حسن الثغر ، واسع الفم ، حسن الأنف ، إذا مشى كأنه يتكفأ (يندفع إلى الأمام) ، إذا التفت التفت بجميعه، كثير النظر إلى الأرض ، ضخم اليدين لينهما، قليل لحم العقبين، كث اللحية واسعها، أسود الشعر، ليس لرجليه أخمص (باطن القدم)، إذا طوّل شعره فإلى شحمة أذنيه (أسفلها)، وإذا قصّره فإلى أنصاف أذنيه، لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبه وكان على نُغض (العظم الرقيق) كتفه الأيسر خاتم النبوة كأنه بيضة حمام، لونه لون جسده، عليه خيلان (جمع خال وهي الشامة)، ومن فوقه شعرات .
شهوده صلى الله عليه وسلم بنيان الكعبة:
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمه فيها ، وكانوا قد اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه فاتفقوا على أن يحكم بينهم أول داخل يدخل المسجد، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين ، فقال: هلموا ثوباً ، فوضع الحجر فيه وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من نواحيه وارفعوه جميعاً ، ثم أخذ الحجر بيده فوضعه في مكانه.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
المرحلة المكية
من بعثته صلى الله عليه وسلم إلى هجرته إلى المدينة
بدأ الوحي:
---(1/107)
عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: أول ما بُدِئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه - أي يتعبّد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني - أي ضمّني ضماً شديداً - حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطّني الثالثة، ثم أرسلني فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم.) (العلق/ 1-3)، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمّلوني زمّلوني - أي ضعوا عليّ غطاءً - ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع - يعني الخوف -، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ -أي المريض المتعب -، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق - يعني الموت -.
---(1/108)
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، ابن عم خديجة، وكان امرءاً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ماشاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن العم اسمع من ابن أخيك . فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة: هذا النّاموس الذي نزّل الله على موسى - يعني جبريل عليه السلام-، يا ليتني فيها جذعٌ - أي شاب -، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب - يلبث - ورقة أن توفي، وفتر الوحي - أي انقطع فترة -.(رواه البخاري ومسلم).
تتابع نزول الوحي وكيفيته :
استمر الرسول صلى الله عليه وسلم في تعبده في غار حراء، فعاد الوحي وكان أول ما نزل بعد فترة انقطاعه الأولى قوله تعالى: (يا أيها المدثر). ثم أبطأ الوحي عدة ليال فقال المشركون: قد ودّع محمداً ربُّه، فأنزل الله عز وجل (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) (الضحى/ 1-3).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً على حفظ القرآن فيحرك لسانه به، فنزلت الآية: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) (القيامة/9).
وقد كان يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس - وهو أشد الوحي عليه - فيفصم عنه وقد وعى عنه ما قال، وأحياناً كان يأتيه الملك على هيئة رجل فيكلمه فيعي ما يقول. والمشهور أن نزول الوحي استغرق ثلاثاً وعشرين سنة منها ثلاثة عشر عاماً بمكة، وعشر سنين بالمدينة.
أوائل المسلمين إسلاماً:
---(1/109)
كانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن، ثم آمن من الصبيان عليّ رضي الله عنه، ثم آمن من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وزيد بن حارثة، وبلال بن رباح، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرت، وعمار بن ياسر، وعمرو بن عبسة السلمي، وأبو ذر الغفاري، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن مظعون، وسعيد بن زيد، وأسماء بنت أبي بكر، وفاطمة بنت الخطاب، وخلق آخرون، ثم عمر بن الخطاب الذي قيل إن الله أتم به أربعين من الصحابة، وقبله أسلم حمزة بن عبد المطلب عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة ، وأسلم أيضاً المقداد بن الأسود ولكنه كان يكتم إيمانه، رضي الله عنهم أجمعين.
وأسلم الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه، ودعا قومه إلى الإسلام ولقي منهم صدوداً ، فطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم، ولكن الرسول دعا لهم بالهداية، فهداهم الله وجاءت دوس مسلمة لله ورسوله بعد عدة سنوات .
استماع الجن للقرآن وإسلامهم
انطلق قوم من الجن - بعد أن حيل بين الجن وبين خبر السماء - نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة - مكان على مسيرة ليلة من مكة - وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمّعوا له، فقالوا هذا الذي حال بينكم وبين خب السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: (إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً..])(الجنّ/ 1-2 )، وأوحى الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم قولهم هذا، وقد دعا الجنُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة، وذهب وقرأ عليهم القرآن ، ثم عاد وأرى أصحابه آثارهم ونيرانهم.
الدعوة السرّيّة إلى الإسلام
---(1/110)
بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام، من أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفياً، ثم أُمر بإظهار الدعوة بنزول قول الله عز وجل: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء/ 214).
صبره صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه على إيذاء المشركين
جاهرت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة والأذى، وكان عمه أبو طالب يمنعهم مع بقائه على دين قومه، في حين أن عمه أبا لهب كان أشد قومه وأولهم إيذاءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشتركت بطون قريش ورجال منها في إيذائه كذلك، واشتدوا في هذا الإيذاء، يعذبون من لا منعة - حماية - عنده ويؤذون من لا يقدرون على عذابه، والإسلام على هذا ينتشر في الرجال والنساء، ولقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب أمراً عظيماً، ورزقهم الله تعالى على ذلك من الصبر أمراً عظيماً .
بعض مظاهر أذى قريش للمسلمين:
1- الضرر المادي والسب العلني:
ومن ذلك وضعهم بقايا الحيوانات ودماءها ومشيمتها - غشاء رقيق يحيط بالجنين- بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. وقد خنق عقبة بن أبي معيط رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في فناء مكة، وكانت قريش تسبّ الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول له مذمم - من الذم وهو عكس الحمد -، وتسبّ القرآن ومن أنزله ومن جاء به، وقد اجتمعت قريش لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم مما كان سبباً مباشراً للهجرة إلى المدينة .
ومن أذى المشركين للمسلمين طعن أبي جهل للسيدة سمية أم عمار بن ياسر بحربة في فرجها فقتلها، وطرحهم لبلال بن رباح على الرمضاء في حر مكة، وإلقاؤهم صخرة عظيمة على بطنه بعد أن ألبسوه درعاً من الحديد في الحرّ الشديد.
2- السخرية والاستهزاء والضرر النفسي:
---(1/111)
وهذا من الأساليب التي اتبعتها قريش في الإيذاء، حيث اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بالكذب وبالسحر وبالكهانة، ووضعوا في عنق بلال بن رباح حبلاً وأسلموه للصبيان ليطوفوا به شعاب مكة وهو يقول : أحد أحد، وغير ذلك من الأمثلة التي تبين مدى استهزائهم بالمسلمين .
3- الحصار الاقتصادي والاجتماعي:
لم يمنع الإيذاء البدني والنفسي الناس عن الدخول في الإسلام فتعاقد كفّار قريش على بني هاشم وبني المطلب - وهم بطن النبي صلى الله عليه وسلم من قريش - ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم، وكتبوا في ذلك صحيفة، وحصروهم في شعب أبي طالب مدة طويلة (قيل ثلاث سنوات أو أقل) وقد كان الحصار كاملاً بمعنى الكلمة، وذلك حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، ولكن الله عصمه رغم البلاء والشدة.
هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة
حينما اشتد البلاء والفتنة والإيذاء على المسلمين في مكة، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه" (رواه البخاري).
فخرج المسلمون حتى نزلوا بالحبشة فأكرمهم النجاشي وأمّنهم، وكان أول من هاجر من المسلمين عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعه جمع من كبار الصحابة، وكانت الهجرة الأولى سنة خمس من مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدد الذين هاجروا فيها أحد عشر رجلاً وأربع نسوة.
وأما الثانية فكان عدد الذين هاجروا فيها اثنين وثمانين رجلاً وثماني عشرة امرأة، وأبناؤهم ، وسببها أن المهاجرين الأوائل سمعوا بإسلام قريش فعاد بعضهم ومنهم عثمان بن عفان وزوجته فلم يجدوا قريشاً أسلمت، ووجدوا المسلمين في بلاء عظيم وشدة، فهاجروا مرة أخرى ومعهم هذا العدد الكبير.
---(1/112)
وقد أرسلت قريش في أثرهم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة بهدايا إلى النجاشي ليردّ المسلمين، ولكن هيهات فقد أسلم النجاشي وأبى أن يردّهم، بل أعطاهم الأمان في أرضه وأقرّهم على دينهم، وردّ رسل قريش لم ينالوا شيئاً.
وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها
ما إن أعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب، وحمزة بن عبد المطلب، وخروج بني هاشم من شعب أبي طالب، حتى توفي أبو طالب في أواخر العام العاشر من البعثة. وبموته فقد الرسول صلى الله عليه وسلم سنداً كبيراً، لم يجد من يقوم مقامه من بني هاشم، ولذلك بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ليطلب نصرتها، ورحل إلى الطائف لأجل تلك النصرة ولكنها لم تحدث . فقد خذله أهل الطائف وسلطوا عليه صبيانهم فقذفوه بالحصى حتى أدموا قدميه واستهزءوا به كثيراً ولكن هذا لم يجعله ييأس صلى الله عليه وسلم .
وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها في نفس العام، ففقد الرسول صلى الله عليه وسلم سنداً ثانياً من داخل كيانه الأسري.
الإسراء والمعراج
---(1/113)
في تلك الظروف الصعبة كانت المواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحادثة الإسراء والمعراج، يقول الله عز وجل: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (الإسراء/ 1). وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: "كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا.."، وفي رواية لمسلم: "أتيت بالبراق - وهو دابة - أبيض طويل ، فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل -عليه السلام- بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة، قال ثم عرج بنا إلى السماء..".
وقصة الإسراء والمعراج مبسوطة في الصحاح ، وقد لقي صلى الله عليه وسلم في معراجه الأنبياء آدم، ويوسف، وإدريس، وعيسى، ويحيي، وهارون، وموسى، وإبراهيم، عليهم السلام، وسمع صريف الأقلام، وفرضت عليه الصلاة، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور في السماء السابعة، ورأى نهر الكوثر وأنهار الجنة ورأى جبريل عليه السلام على هيئته، ورأى أقواماً يعذبون على جرائمهم .
ورغم أن حادثة الإسراء والمعراج كانت مواساة وتطميناً للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنها كانت فتنة لبعض المسلمين وللكافرين ممن لم يصدقوا بها، وجمهور العلماء على أن الإسراء كان يقظة بالروح وبالجسد.
بيعة العقبة الأولى
---(1/114)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في موسم الحج على القبائل، فتعرض لستة نفر من الخزرج سنة 11 من النبوة، منهم أسعد بن زرارة، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، ودعاهم إلى الإسلام وإلى معاونته في تبليغ رسالة ربه، فآمنوا به وصدقوه ووعدوه المقابلة في الموسم القابل ، وهذه بداية إسلام الأنصار.
فلما كان الموسم التالي سنة 12 من النبوة أتوا، ويقول عبادة بن الصامت: "كنا اثني عشر رجلاً في العقبة الأولى، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بيعة النساء أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فمن وفّى فله الجنة، ومن غش من ذلك شيئاً فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" (رواه البخاري ومسلم).
وعاد الأنصار إلى المدينة ومعهم مصعب بن عمير، يعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين ويقرئهم القرآن.
بيعة العقبة الثانية
قدم وفد الأنصار في موسم الحج في السنة الثالثة عشر من النبوة، واجتمع منهم في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وجاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس - وكان لا يزال على دين قومه - وكان العباس هو أول المتكلمين في هذا الاجتماع قال: يا معشر الخزرج إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا من هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه ومنعة بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده.
---(1/115)
قال كعب بن مالك الأنصاري: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت..، وهذا الجواب من الأنصار يدل على تصميمهم وشجاعتهم وإيمانهم وإخلاصهم في تحمل هذه المسؤولية العظيمة.
وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله ورغبهم في الإسلام، وقال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه وتمت البيعة، وعاد الأنصار إلى المدينة يترقبون هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن جعل عليهم اثني عشر نقيباً.
هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
قوي جانب المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يحث المؤمنين على الهجرة إلى يثرب، ويثرب هي دار الهجرة التي أريها الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه، وكثر دخول الأوس والخزرج - قبيلتان من يثرب المدينة - في الإسلام، وبعد إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالهجرة خرج المسلمون أرسالاً - جماعات وفرادى - رغم كل العقبات والصعاب التي وضعتها قريش واعترضت بها المهاجرين.
وكان أول من هاجر من مكة إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد، ومن أوائل من هاجروا مصعب بن عمير، وعبد الله بن أم مكتوم، وبلال بن رباح، وسعد بن أبي وقاص، وعمار بن ياسر، وعمر بن الخطاب في عشرين من الصحابة، وتبعهم كبار الصحابة وصغارهم بعد ذلك، ولم يبق بمكة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، وأبي بكر الصديق، ومن حبس كرهاً.
معالم من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
---(1/116)
اعتزمت قريش قتل النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين) (الأنفال/30)، ولكن قريشاً فشلت في عزمها، ففي هذه الساعة الحرجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعي بن أبي طالب: نم على فراشي، وتسجّ - أي تغطّ - ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم، ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بينهم - أي من بين الكفار الذين اجتمعوا ببابه وعلى رأسهم أبو جهل - سالماً بإذن الله .
رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر للهجرة، وأعدّا لها عدتها ووضعا لها خطتها، وانطلقا إلى غار ثور.
علف أبو بكر راحلتين كانتا عنده أربعة أشهر، ودفع بهما إلى الدليل - عبد الله بن أريقط- وكان على دين الكفار، وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال بالراحلتين، وأما أسماء بنت أبي بكر - ذات النطاقين - فكانت تأتيهما بالطعام، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ويعو قبيل الصبح، فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيها، فيتسمع لهما الأخبار، وأما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر فكان يرعى غنماً يريحها عليهما ساعة من العشاء، فيأخذان منها حاجتهما من اللبن، (البخاري، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم )
انطلق الركب المبارك، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والدليل وعامر بن فهيرة، فأخذوا طريق السواحل ، وكانت قريش قد رصدت جائزة لمن يدل على محمد أو يأتي به، فلحقهم سراقة بن مالك بن جُعشم، طمعاً في الجائزة فلما قرب منهم عثرت فرسه، ثم ساخت يداها في الرض حتى بلغتا الركبتين، ورأى غباراً ساطعاً إلى السماء مثل الدخان، فنادى بالأمان، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أخف عنّا، وكتب له كتاباً بالأمان. ولقيا الزبير بن العوام قافلاً من تجارة بالشام فكساهما الزبير ثياب بياض.
---(1/117)
كان المسلمون بالمدينة يغدون كل غداة إلى الحرّة، ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يردّهم حرّ الظهيرة، فرآه يهودي فقال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدّكم الذي تنتظرون، فصار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل إن عدد الذين استقبلوه خمسمائة من الأنصار، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر، وأهل المدينة يتنادون: جاء نبي الله، جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان في الطرق ينادون، يا محمد يا رسول الله، يا محمد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابي البراء بن عازب: ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، ولبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أُسس على التقوى - مسجد قباء - وصلّى فيه، ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقل: هذا إن شاء الله المنزل، ثم بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجداً.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
المرحلة المدنية
يمكن تقسيم المرحلة المدنية إلى ثلاث فترات:
1- فترة أثيرت فيها القلاقل والفتن من الداخل، وزحف الأعداء من الخارج لاستئصال المسلمين، وتنتهي هذه الفترة عند صلح الحديبية في سنة ست من الهجرة.
2- فترة الهدنة مع المشركين وتنتهي بفتح مكة سنة ثمان للهجرة، وفيها كانت دعوة الملوك إلى الإسلام.
3- فترة دخول الناس في دين الله أفواجاً، وتمتد هذه الفترة إلى انتهاء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، سنة إحدى عشرة للهجرة.
أولاً: فترة القلاقل والفتن (1هـ -6هـ)
الوضع في المدينة عند الهجرة:
---(1/118)
تمثل الهجرة تحولاً ضخماً لإقامة مجتمع جديد في بلد آمن، ولذلك كانت الهجرة قبل الفتح - فتح مكة- فرضاً على كل مسلم قادر، ليسهم في بناء هذا الوطن الجديد، ومن هنا نرى أهمية التأريخ للإسلام بالهجرة ذلك الحدث العظيم.
أما مجتمع المدينة الجديد فقد كان يتألف من ثلاث فئات:
1- من المسلمين المهاجرين الذين هاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والأنصار الذين آووا ونصروا.
2- ومن المشركين الذين لم يؤمنوا بعد من قبائل المدينة.
3- ومن اليهود، وكان في يثرب منهم ثلاث قبائل، بنو قينقاع، وبنو النّضير، وبنو قريظة.
وكانت تواجه الرسول صلى الله عليه وسلم عدة قضايا في بداية الهجرة وفي تلك الفترة بالذات منها:
1- تكوين مجتمع إسلامي بالمدينة يمثل الدعوة الإٍسلامية ويتكامل فيه التشريع والتقنين والتربية، وتنهض فيه الحضارة والعمران والاقتصاد والسياسة ومسائل السلم والحرب.
2- دعوة مشركي المدينة إلى الإسلام، وإيجاد صيغة للتعايش معهم حتى يدخلوا في الإسلام ويكفّوا أيديهم عن الكيد للمسلمين.
3- مواجهة دسائس ومؤامرات اليهود وعتّوهم وفسادهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين.
4- الإعداد والتجهيز للقوى المناوئة للإسلام خارج المدينة وعلى رأسها قريش، فحالة الحرب واقعة يقيناً بين هؤلاء الطغاة من أهل مكة وبين المسلمين في وطنهم الجديد.
بناء مجتمع جديد:
1- بناء المسجد النبوي:
كانت أول خطوة في هذا السبيل هي بناء المسجد النبوي كما تقدم، وبنى الرسول صلى الله عليه وسلم بيوتاً إلى جانبه، هي حجرات أزواجه التي انتقل إليها فيما بعد، وقد كان المسجد جامعة للإسلام، ومنتدى للتشاور وحلّ النزاعات، وقاعدة لإدارة المجتمع وشؤونه المتعددة، كنى لفقراء المهاجرين.
2- المؤاخاة بين المسلمين:
---(1/119)
ومن أهم الأعمال في سبيل بناء المجتمع الجديد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، يقول ابن القيم: ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المساواة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام، إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عزّ وجلّ (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) (الأنفال/ 75) رد التوارث، وبقي عقد الأخوة.
ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقداً نافذاً، لا لفظاً فارغاً، وعملاً يرتبط بالدماء والأموال، لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر.
وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال.
3- ميثاق التحالف الإسلامي:
أضاف الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الميثاق لبنة مهمة إلى بناء المجتمع الجديد، فقد أزالت هذه الخطوة ما كان من ضغائن الجاهلية، والنزاعات القبلية، وفيما يلي نصوص الميثاق:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد النبي( صلى الله عليه وسلم) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم:
1- أنهم أمة واحدة من دون الناس.
2- المهاجرون من قريش على ربعتهم (الحال التي هم عليها) يتعاقلون بينهم (يدفعون ديّاتهم بعضهم مع بعض) وهم يفدون عانيهم ( أسيرهم) بالمعروف، والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم (ديّاتهم) الأولى، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالعروف والقسط بين المؤمنين.
3- وأن المؤمنين لا يتركون مُفَرّجاً (مُثقلاً بالدين) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
---(1/120)
4- وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ( عطية) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين.
5- وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
6- ولا يُقتل مؤمن في كافر، ولا يُنصر كافر على مسلم.
7- وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم.
8- وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
9- وإن سِلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
10- وأن المؤمنين يبيء - يرجع ويحتمل - بعضهم على بعض بما ينالهم في سبيل الله.
11- وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن.
12- وأنه من اعتبط مؤمناً (قتله بدون سبب) قتلاً عن بينة فإنه قود ( يقتل به) إلا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
13- وأنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثاً - من أحدث منكراً غير معتاد - ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل (أي لا يشارك في تصريف الأمور ولا في الشهادة عليها).
14- وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مردّه إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وهكذا أرسى الرسول صلى الله عليه وسلم قواعد المجتمع الجديد في المدينة على أسس راسخة ومبادئ شامخة، من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
4- المعاهدة مع اليهود:
كان لابد - لتأمين سلامة المجتمع الجديد - من تنظيم العلاقة بغير المسلمين في هذا المجتمع، فكانت هذه المعاهدة مع اليهود، وأهم بنودها:
1- إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بني عوف من اليهود.
2- وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم.
3- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
4- وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم.
---(1/121)
5- وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه (أي أن يكون التعاون بينهم على البر دون الإثم).
6- وإن النصر للمظلوم.
7- وإن اليهود يتفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين.
8- وإن يثرب حرام جوفها (داخلها) لأهل هذه الصحيفة.
9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مردّه إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10- وإنه لا تُجَار -من الجوار- قريش ولا من نصرها.
11- وإن بينهم النصر على من دهم يثرب .. على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
12- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم.
وبهذه المعاهدة قامت دولة المدينة الإسلامية الراشدة تحت قيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
بداية الجهاد المسلح:
لم تنقطع قريش عن تهديد المسلمين بعد الهجرة، بل استمرت في هذا التهديد والاستفزاز للمسلمين عموماً، وللأنصار على وجه الخصوص ولمشركي المدينة، وكانت رسالة قريش للمدنيين من المشركين حاسمة في هذا، قالوا: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم.
أما رسالتهم للمهاجرين فتقول: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم.
وفي هذه الظروف الخطيرة نزل الإذن بالقتال، قال تعالى:(أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) الحج/39، وقال تعالى: (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) الحج/41، والإذن بالقتال كان لإزاحة الباطل وإقامة الشعائر.
الغزوات والسرايا قبل بدر:
كان لهذه الغزوات والسرايا أهداف منها:
1- الاستكشاف والتعرف على الطرق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة.
2- عقد المعاهدات مع القبائل التي تسكن حول هذه الطرق.
3- إشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية بقوة المسلمين.
---(1/122)
4- إشعار قريش بالخطر على تجارتها ومصالحها.
وهذه السرايا والغزوات هي :
1- سرية سيف البحر في السنة الأولى للهجرة، وكان على رأسها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
2- سرية رابغ في السنة الأولى للهجرة، وكان على رأسها عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه.
3- سرية الخرّار في السنة الأولى للهجرة، وكان على رأسها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
4- غزوة الأبواء أو ودّان في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وهي أول غزوة غزاها صلى الله عليه وسلم، وكان حامل اللواء فيها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
5- غزوة بواط في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه.
6- غزوة سفوان في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وتسمى هذه الغزوة بدر الأولى.
7- غزوة ذي العشيرة في السنة الثانية للهجرة، وقادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه.
8- سرية نخلة في السنة الثانية للهجرة، وكان على رأسها عبد الله بن جحش في اثني عشر من المهاجرين، وقد قتلوا عمرو بن الحضرمي وهو أول قتيل في الإسلام، وأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة، وهما أول أسيرين في الإسلام، وعادوا باعير بعد أن عزلوا الخمس وهو أول خمس في الإسلام، وكان ذلك في رجب الشهر الحرام، وأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، حتى نزل الوحي (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير، وصدٌّ عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) ( البقرة/217)، فأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأسيرين، وأدّى دية المقتول إلى أوليائه.
نزول فرضية القتال:
---(1/123)
في تلك الفترة بعد سرية عبد الله بن جحش، فرض الله تعالى القتال، ونزلت في ذلك آيات، قال تعالى: ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (البقرة/190).
وإيجاب القتال والحث عليه، والأمر بالاستعداد له، هو عين ما كانت تقتضيه تلك الفترة، وفي تلك الأيام في السنة الثانية للهجرة أمر الله عزّ وجل بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام في إشارة إلى بداية دور جديد.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بدر الكبرى
سبب الغزوة:
رجوع عير قريش من الشام محملة بثروات طائلة، وإرادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوجه ضربة عسكرية وسياسية واقتصادية قاصمة لقريش إذا فقدت هذه الثروة.
الجيش الإسلامي في بدر:
استعد رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج ومعه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، وكان معهم فَرَسان وسبعون بعيراً يتعاقبون عليها، ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري.
وقسم الجيش إلى كتيبتين:
1- كتيبة المهاجرين وأعطى لواءها علي بن أبي طالب.
2- كتيبة الأنصار وأعطى لواءها سعد بن معاذ.
وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، أما القيادة العليا فكانت له صلى الله عليه وسلم، وانطلق الجيش يطلب عير قريش.
جيش المشركين في بدر:
علم أبو سفيان - وكان على عير قريش - بخروج المسلمين إليه فأرسل إلى قريش يستنفرها، فتحفز الناس سراعاً ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب، وكان قوام هذا الجيش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل، وكان معهم مائة فرس وستمائة درع، وجمال كثيرة، وقائدهم العام أبو جهل بن هشام.
---(1/124)
وخرج هذا الجيش بعدّته وعتاده، واتجه إلى الشمال، وعندما علم المشركون بنجاة قوافلهم بعد أن توجه بها أبو سفيان ناحية الساحل، همّ الجيش بالرجوع، ولكن أبا جهل أبى إلا أن يَرِد بدراً، فعاد ثلاثمائة من بني زهرة وانطلق الباقون.
الجيشان في المواجهة:
تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، وأخذ برأي الحباب بن المنذر في النزول على أدنى ماء من جيش مكة حيث يشرب المسلمون ولا يشرب المشركون، وبنى المسلمون عريشاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كمقر للقيادة، بناء على مشورة سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي قاد فرقة من شباب الأنصار يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم في عريشه.
وكان قد أنزل الله مطراً فكان على المشركين وابلاً شديداً منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طهوراً أذهب عنهم رجس الشيطان، ووطّأ به الأرض، وصلّب به الرمل وثبّت به الأقدام ومهّد به المنزل وربط به على قلوبهم.
وغشّاهم النعاس فأخذوا قسطهم من الراحة، قال الله عز وجل: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) الأنفال/11، وكان هذا في رمضان من السنة الثانية للهجرة.
أما جيش المشركين فكان بالعدوة القصوى وكانوا ينزلون إلى وادي بدر دون أن يصيبوا الماء، وقامت معارضة من داخلهم تنادي بالعودة وترك المسلمين والقتال ولكنها ذهبت دون جدوى.
---(1/125)
واصطف الجيشان وعدّل الرسول صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه، وأصدر أوامره إلى أصحابه أن لا يبدءوا القتال حتى يتلقون الأمر، ودخل إلى العريش فاستقبل القبلة ودعا: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبدي الأرض". وأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الأنفال/ 9)، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش وهو يردد الآية الكريمة: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) (القمر/45).
وعلى صعيد المشركين وقف أبو جهل يستفتح: "اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم"، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم، وإن تعودوا نعد، ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) ( الأنفال/ 19).
بداية القتال في بدر وانتصار المسلمين:
بدأ القتال بمبارزات فردية حيث تقدم عتبة بن ربيعة وابنه الوليد وأخوه شيبة طالبين المبارزة، فانتدب لهم شباب من الأنصار فرفضوا مبارزتهم وطلبوا مبارزة بني قومهم، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم حمزة وعلياً وعبيدة بن الحارث بمبارزتهم، وتمكن حمزة من قتل عتبة ثم قتل عليّ شيبة، وأما عبيدة فقد تصدى للوليد وجرح كل منهما الآخر، فعاونه حمزة وعلي فقتلوا الوليد واحتملا عبيدة إلى معسكر المسلمين.
أثرت نتيجة المبارزة في المشركين وبدءوا الهجوم، فرماهم المسلمون بالنبل، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصى في وجوه المشركين، والتقى الجيشان في ملحمة قتل فيها سبعون من المشركين، على رأسهم أبو جهل فرعون هذه الأمة، وأمية بن خلف رأس الكفر، وأُسر سبعون وانتصر المسلمون بفضل الله عز وجل، قال تعالى: ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) (آل عمران/ 123).
---(1/126)
ومما روي في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خفق خفقة في العريش ثم انتبه، فقال: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل معتجر بعمامة (أي لفّها على رأسه) آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النّقع (الماء المتجمع في الغدير) أتاك نصر الله وعِدَتُه (وعده). وقد ثبت في القرآن والسنة مشاركة الملائكة في القتال يوم بدر.
وفرّ المشركون لا يلوون على شيء تاركين غنائم كثيرة في ميدان المعركة، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بسحب قتلى المشركين إلى آبار ببدر فأُلقوا فيها، وأقام ببدر ثلاثة أيام ودفن شهداء المسلمين فيها وهم أربعة عشر شهيداً.
الأسرى والغنائم
استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر فيما يصنع بالأسرى، فأشار أبو بكر بأخذ الفدية منهم، وعلل ذلك بقوله: " فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام"، وأشار عمر بن الخطاب بقتلهم "فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها".
ومال النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر بقبول الفدية، وقبلها فعلاً، فنزلت الآية موافقة لرأي عمر، قال تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) (الأنفال/ 67).
أما الغنائم فلم يكن فيها حكم للشرع فنزل قول الله عز وجل: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) (الأنفال/ 1)، وقوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (الأنفال/ 41)، فأخرج الرسول صلى لله عليه وسلم الخمس من الغنيمة ثم قسمها بين المقاتلين.
غزوة بدر في التاريخ:
---(1/127)
لقد كانت موقعة بدر- رغم صغر حجمها - فاصلة في تاريخ الإسلام، لذلك سماها الله عز وجل في كتابه "يوم الفرقان"، لأنه فرق بها بين الحق والباطل، وقد استحق المقاتلون ببدر أن ينالوا التقدير الكبير الذي صار يلازم كلمة "البدري"، وفي البخاري: "جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال: أفضل المسلمين، قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة"، وخلاصة القول أن بدراً كانت بداية لمرحلة جديدة من السيادة والاستعلاء والعزة للإسلام والمسلمين.
في أعقاب بدر:
حدثت في أعقاب بدر عدة غزوات صغيرة، ولكن لم يحدث فيها قتال، إما لفرار المشركين أو عدم تلاقي الفريقين أو غير ذلك، ومنها:
1- غزوة قرقرة الكُذر .
2- غزوة السويق.
3- غزوة ذي أمر.
4- غزوة بحران.
5- غزوة القرَدَة.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة أحد
أين ومتى كانت ولماذا؟
وقعت غزوة أحد عند جبل أحد في شمال المدينة، وكانت في شوال في السنة الثالثة للهجرة، ومن أسبابها أن قريشاً أرادت الثأر لقتلاها في بدر، كما أرادت إنقاذ طرق التجارة إلى الشام من سيطرة المسلمين، واستعادة مكانتها عند العرب بعد أن زعزعتها موقعة بدر
جيش المشركين:
بلغ عدد جيش المشركين ثلاثة آلاف رجل، ومعهم مائتا فرس جعلوا على ميمنتها خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وكان منهم سبعمائة دارع، وشاركت في هذا الجيش قريش ومن أطاعها من كنانة وتهامة.
الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه:
شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة جيش قريش، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى عدم الخروج، ولكن أصحابه رأوا الخروج فأمضى لهم رأيهم تأصيلاً لمبدأ الشورى، وعملاً بقول الله عز وجل: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) آل عمران/ 159.
---(1/128)
ولما عدلوا عن رأيهم إلى رأيه في البقاء في المدينة، رفض صلى الله عليه وسلم وعزم على الخروج، ليعلمهم عدم التردد بعد العزيمة والشروع في التنفيذ.
جيش المسلمين :
ارتفعت الراية تتقدم ثلاثة ألوية، لواء المهاجرين يحمله مصعب بن عمير، فلما قتل حمله علي بن أبي طالب، ولواء الأوس يحمله أسيد بن حضير، ولواء الخزرج يحمله الحباب بن المنذر، واجتمع تحت الألوية ألف من المسلمين والمتظاهرين بالإسلام، ومعهم فرسان فقط ومائة دارع ولبس الرسول صلى الله عليه وسلم درعين ليعلمنا الأخذ بالأسباب .
انسحاب المنافقين من جيش المسلمين:
خرج الجيش الإسلامي إلى أحد مخترقاً الجانب الغربي من الحرة الشرقية، حيث انسحب المنافق عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة من المنافقين، وبذلك تميز المؤمنون من المنافقين، قال الله تعالى: (وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطي آل عمران/179.
المواجهة بين الجيشين:
نظم الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش ورد صغار السن، وهم أربعة عشر صبياً منهم عبد الله بن عمر، وجعل صفوف الجيش تواجه المدينة وظهورها إلى أحد، وجعل خمسين من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير فوق جبل "عينين" المقابل لأحد، لحماية المسلمين من الخلف، وقال لهم: و رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا مكانكم) رواه البخاري.
وتقدم جيش قريش وهو يواجه أحد وظهره إلى المدينة، واشتد القتال بين الجيشين وتراجع المشركون أمام بطولة المسلمين الذين شقوا هام المشركين، واستشهد الأبطال: أبو دجانة، وحمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير رضي الله عنهم، ورأى الرماة انتصار المسلمين فتركوا مواقعهم يطلبون الغنيمة ظناً منهم أن المعركة حسمت لصالح المسلمين .
---(1/129)
وهنا بدأ التحول من النصر إلى الهزيمة، فقد التف خالد بن الوليد على رأس خيالة المشركين بجيش المسلمين من الخلف وطوق المشركون المسلمين، وأخذ المسلمون يتساقطون شهداء، وشاع بينهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل فتفرق المسلمون، وبقى حوله سبعة من الأنصار رشيان، فاستشهد السبعة وبقي طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص يدافعان عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أصيب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة فكسرت رباعيته، وشج في وجهه حتى سال الدم منه .
نتائج المعركة:
أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما تقدم - واستشهد من المسلمين سبعون ولم يؤسر أحد، وقتل من قريش اثنان وعشرون رجلاً، وأسر منهم أبو عزة الشاعر، فقتل صبراً لاشتراكه قبل ذلك في قتال المسلمين ببدر
وصبر المسلمون على هذه المصيبة، وأنزل الله عزل وجل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) آل عمران/169.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة حمراء الأسد
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش الذي شهد أحداً أن يخرج لمطاردة جيش قريش إلى حمراء الأسد رغم إصابة الكثيرين منهم بجراح، وسارع سبعون من الصحابة بالانضمام إليهم، فصار العدد ستمائة وثلاثين، وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مدحهم القرآن فقال: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) آل عمران/ 172.
وكان أبو سفيان ينوي التوجه بالمشركين إلى المدينة لاستئصال المسلمين فلما علم بخروجهم إلى حمراء الأسد انصرفوا عائدين إلى مكة، وعلموا بقدرة المسلمين على الدفاع ورد العدوان رغم ما أصابهم.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بدر الموعد
---(1/130)
كانت سنة أربع للهجرة، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بألف وخمسمائة من أصحابه ومعه عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بدر حسب الموعد المحدد بعد أحد، وانتظر المسلمون ثمانية أيام ببدر، ولكن أحداً من المشركين لم يأت
وكان أبو سفيان قد خرج بألفين من المشركين ومعهم خمسون فرساً فلما وصلوا مر الظهران عادوا بحجة إن العام جدب، وبذلك تحققت للمسلمين هيبتهم بين قبائل الجزيرة، وواصل المسلمون إرسال سراياهم إلى مختلف الأنحاء حتى كانت غزوة بني المصطلق.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بني المصطلق (المريسيع)
بنو المصطلق بطن من قبيلة خزاعة، يسكنون بين المدينة ومكة، والمُريسيع بضم الميم: ماء لبني خزاعة، وقد خرج إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم سنة خمس للهجرة بعدما زادت عداوتهم للمسلمين، في نحو سبعمائة مقاتل فأغار عليهم وهم غارّون (أي غافلون) فقتل من قتل منهم وسبى النساء والذرية، وكانت جويرية بنت الحارث من هذا السبي فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأطلق المسلمون السبي إكراماً لها.
وفي رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الغزوة، قال عبد الله بن أبي بن سلول: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، وتبرأ عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أنت والله الأعز وهو الأذل"، نع أباه من دخول المدينة حتى يأذن له النبي الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله مرني أن أقتله، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لن يسيء إلى أبيه.
وفي رجوعه أيضاً كان حديث الإفك، الذي أطلقه المنافقون على السيدة عائشة زوج النبي الرسول صلى الله عليه وسلم لما تخلفت عن الجيش، ولكن الله تعالى أنزل براءتها في نحو عشرين آية من آيات سورة النور.
الفهرس
---(1/131)
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة الخندق ( الأحزاب)
كانت في السنة الخامسة للهجرة بعد أن أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني قينقاع وبني النضير عن المدينة، فتحالف هؤلاء مع قرش وباقي الأحزاب ضد المسلمين، وبقيت قريظة في المدينة تظهر الولاء للمسلمين وتبطن العداوة والبغضاء لهم
واجتمعت القبائل في مر الظهران وانطلقوا إلى المدينة، وما أن علم المسلمون حتى اجتمعوا للشورى، فأشار سلمان الفارسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق في شمال المدينة، ليشكل حاجزاً يمنع الالتحام بين الغزاة وبين المسلمين، ويمنع اقتحام المدينة، وير للمسلمين موقعاً دفاعياً جيداً يمكنهم من رشق الغزاة بالسهام من وراء الخندق، الذي يبلغ طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة إلى تسعة أذرع، وتم حفره في ستة أيام رغم الجوع والبرد.
وفي حفر الخندق حدثت آيات ودروس كثيرة تحكي عن منظومة الإيمان التي كان يعيشها المسلمون مع رسولهم صلى الله عليه وسلم، لذا لم يعبئوا وهم ثلاثة آلاف مقاتل في هذه الغزوة أن يكون عدد المشركين عشرة آلاف مقاتل، وأن تكون قريظة قد نكثت عهدها معهم
وقد صور القرآن حال المسلمين فقال: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا - هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً ) الأحزاب/ 10-11
الحصار والرحيل:
فوجئت قريش بالخندق، وكلما هموا باقتحامه أمطرهم المسلمون بالسهام، واشتد الحصار وطال أربعاً وعشرين ليلة لم يكن فيها حرب إلا الرمي بالنبال، ولكن هجمات المشركين لم تنقطع، واستشهد من المسلمين ثمانية منهم سعد بن معاذ رضي الله عنه
---(1/132)
وكان طول الحصار سبباً في إضعاف معنويات المشركين، وأرسل الله ريح الصبا فاقتلعت خيامهم وكفأت قدورهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم، فنادى فيهم أبو سفيان بالرحيل، وهكذا انفض الأحزاب عن المدينة فتنفس المسلمون الصعداء، (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً) الأحزاب/ 25.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بني قريظة
وهنا انطلق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، ورضوا بأن يحكم فيهم سعد بن معاذ (وهو على فراش الموت قبل أن يستشهد)، فحكم بأن تُقتل الرجال وتُقسّم الأموال وتُسبى الذراري والنساء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله).
وإلى هذا الحد تنتهي فترة الفتن والقلاقل، ليدخل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون فترة جديدة تبدأ بصلح الحديبية.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
فترة الهدنة مع المشركين (6هـ - 8هـ)
غزوة الحديبية
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية، في يوم الاثنين مستهل ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة قاصداً العمرة، ونظراً لتوقع الشر من قريش فقد أخذ المسلمون سلاحهم معهم، وبلغ عدد المسلمين في الحديبية ألفاً وأربعمائة رجل. وقد صلى المسلمون بذي الحليفة ورموا بالعمرة وساقوا الهدي (سبعين بدنة).
---(1/133)
وعندما سمعت قريش بمسيرتهم جمعت الجموع لصدهم عن دخول مكة، وخرج خالد بن الوليد على رأس خيالة قريش لملاقاة المسلمين، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم غير طريق جيشه تجنباً للقتال، ثم عدل عن دخول مكة فنزل على بئر قليلة الماء، فاشتكى المسلمون العطش، فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيها، فما زال يجيش بالماء حتى صدروا عنه، وهذه معجزة تكثير الماء في تلك الغزوة.
بيعة الرضوان:
أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رسولاً إلى قريش - بعد عدة مراسلات - فأبلغهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يريدون العمرة، وأخرت قريش عثمان فحسب المسلمون أنها قتلته، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للبيعة تحت الشجرة، فبايعوه جميعاً - إلا أحد المنافقين - وكانت البيعة على الموت.
وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المبايعين فقال: (أنتم خير أهل الأرض) رواه البخاري، ونزل القرآن برضوان الله على أهل البيعة، قال تعالى: ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكنية عليهم وأثابهم فتحاً قريباً الفتح/ 18.
صلح الحديبية:
أرسلت قريش عدة رسل كان آخرهم سهيل بن عمرو، ليفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان صلح الحديبية نتيجة هذه المفاوضات، وهذه بعض بنوده
1- أن يعود محمد صلى الله عليه وسلم للطواف بالبيت في العام المقبل، وتخرج قريش من مكة فيدخلها بأصحابه، ويقيموا فيها ثلاثة أيام بسلاح الراكب فقط.
2- وأن لا يأتي رجل من قريش مسلماً - بغير إذن وليه - إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ردّه إلى مكة.
3- وأن من أتى قريشاً ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردّوه.
4- أن يكون بين الطرفين صدر نقي من الغل والخداع، ينطوي على الوفاء بالصلح.
---(1/134)
5- أنه من أحب أن يدخل عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل فيه -وقد دخلت فيه خزاعة- ومن أحب أن يدخل عهد قريش دخل فيه -وقد دخلت فيه بنو بكر- .
6- وضع الحرب (هدنة) لمدة عشر سنين.
وهكذا تم الصلح وتمت الهدنة، وقد رفض بعض المسلمون هذا الصلح وأظهروا غضبهم، ومنهم عمر بن الخطاب، ولكن لما علموا أنه أمر الله لم يكن منهم إلا التسليم، وعاد المسلمون إلى المدينة بعد أن نحروا الهدي وتحللوا من العمرة وأقاموا في الحديبية عشرين يوماً.
رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء:
لا شك أن مكاتبة الملوك خارج جزيرة العرب تعبير عن عالمية الرسالة، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء/ 107. ومن هذا المنطلق أرسل النبي صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي، إلى قيصر وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى، وعمرو بن أمية الضمري إلى نجاشي الحبشة، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس حاكم مصر، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي في اليمامة، وذلك بين عامي ستة وسبعة للهجرة.
نص كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية (دعوة) الإسلام، فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (أي الفلاحين) و(يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضناً بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران/64، رواه البخاري.
ويلاحظ أن الكتاب صريح في الدعوة إلى الإيمان بالإسلام وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت باقي الكتب الموجهة إلى الملوك والأمراء.
تأديب الأعراب:
---(1/135)
لم تخل فترة صلح الحديبية من أحداث شغب قام بها الأعراب، لكنها لم تؤثر على تفرغ المسلمين للدعوة ونشر الإسلام، ومن هذه الأحداث
1. غزوة ذات القرد.
2. قصة عُكل وعُرينة.
3. غزوة ذات الرِّقاع. وقد سميت كذلك لأنهم لفوا في أرجلهم الخرق بعد أن تنقبت خفافهم، وكان لكل ستة منهم بعير يتعاقبونه، وقد اقترب فيها المسلمون من جموع غطفان دون أن يقع قتال بينهم.
عمرة القضاء:
كانت في ذي العقدة من السنة السابعة للهجرة، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة -حسب الاتفاق مع قريش في الحديبية-، وقد بلغ عدد من شهدها ألفين سوى النساء والصبيان، فيهم الذين شهدوا الحديبية، وطاف المسلمون بالكعبة، وأظهروا من القوة والجلد ما جعل قراً تتعجب من قوتهم، ولما انتهت الأيام الثلاثة -حسب الاتفاق- خرج الرسول صلى الله عليه وسلم عائداً إلى المدينة، وأنزل الله في هذه العمرة قوله تعالى: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً) الفتح/27.
غزوة مؤتة
كانت في السنة الثامنة للهجرة في جمادى الأولى، حيث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل إلى الشام، وعين زيد بن حارثة أميراً عليه فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة، وأما الأعداء فكانوا مائة ألف من الروم، ومائة ألف أخرى من نصارى العرب.
والتحم الجيشان في مؤتة، وكانت ملحمة استشهد فيها القادة الثلاثة، واختار المسلمون خالد بن الوليد قائداً فأعاد تنظيم الجيش وبدل الميسرة بالميمنة وجعل قسماً من الجيش يتقدمون من الخلف وكأنهم أمداد جديدة، وتم الانسحاب المنظم وظهرت عبقرية خالد العسكرية، وكانت الخسائر في الانسحاب ثلاثة عشر شهيداً، مع إيلام الأعداء قتلاً وتجريحاً حتى انكسرت تسعة أسياف في يد خالد بن الوليد رضي الله عنه.
---(1/136)
ومن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أصحابه باستشهاد القادة الثلاثة وعيناه تذرفان، وأخبر باستلام خالد الراية، ولا شك أن المسلمين أفادوا دروساً وخبرات عظيمة من هذا اللقاء الأول مع الروم.
غزوة ذات السلاسل
بعد عودة المسلمين من مؤتة، جهّز النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل، قريباً من ديار قضاعة، فتقدم عمرو على رأس ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، واستعان ببعض فروع قضاعة، وأمده الرسول صلى الله عليه وسلم بمائتين من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وعليهم أبو عبيدة بن الجراح، وتوغل الجيش في ديار قضاعة التي هربت وتفرقت. وقد أعادت هذه الغزوة للمسلمين هيبتهم بعد مؤتة.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
فتح مكة
السبب المباشر وراء الفتح:
استمرت هدنة الحديبية نحو السبعة عشر أو الثمانية عشر شهراً، ثم نقضت قريش الهدنة حيث أعانت حلفاءها بني بكر ضد خزاعة حلفاء المسلمين على ماء الوتير قريباً من مكة، فاستنصرت خزاعة بالمسلمين، وبذلك بطلت المعاهدة، وكان ذلك سبباً مباشراً لفتح مكة
التجهيز للفتح في الطريق إلى فتح مكة:
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتجهّز للغزو، ولم يعلمهم بوجهته تكتماً لأمر الفتح، واستنفر القبائل التي حول المدينة، وقد بلغ عدد جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار أحد
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في رمضان سنة ثمان للهجرة، واستخلف عليها أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، وفي الطريق أسلم عدد من زعماء قريش منهم أبو سفيان بن الحارث - ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن أبي أمية- أخو أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها - وكان العباس بن عبد المطلب قد أسلم قبل فتح خيبر ولكنه لم يهاجر إلى المدينة.
---(1/137)
وفي مر الظهران عسكر المسلمون، وخفيت أخبارهم عن قريش حتى ظنت قريش أن هذا الجيش جيش خزاعة، وفي هذه الأثناء صحب العباس - عم الرسول صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان ليقابل الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فتردد أبو سفيان وعاد في اليوم الثاني فأسلم، واستعرض أبو سفيان جيش المسلمين وقوتهم ثم قال للعباس: لقد أصبح ملك بن أخيك اليوم عظيماً. فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: فنِعمَ ذا. ومضى أبو سفيان إلى مكة فأخبر قريشاً بقوة المسلمين ونهاهم عن المقاومة.
إتمام الفتح:
في مر الظهران قرر النبي صلى الله عليه وسلم الزحف على مكة، فعين القادة وقسم الجيش إلى ميمنة وميسرة وقلب، فكان خالد بن الوليد على الميمنة، وكان الزبير بن العوام على الميسرة، وأبو عبيدة على الرجالة (المشاة)
وأما قريش فقد جمعت جموعاً من قبائل شتى ومن أتباعها لحرب المسلمين، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم، وأمر قادة جيشه ألا يقاتلوا إلا من يقاتلهم وأعلن الأمان للناس سوى أربعة من الرجال وامرأتين أباح دماءهم
ودخلت جيوش المسلمين حتى انتهت إلى الصفا في التاسع عشر من رمضان سنة ثمان للهجرة، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها من جهة كداء، ودخل خالد بن الوليد من أسفلها، وكانت المقاومة يسيرة، وبلغ عدد الشهداء ثلاثة، وعدد قتلى المشركين قريباً من أربعة ورين، ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) .
---(1/138)
وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف القتال عصر أول يوم من الفتح، وأصدر عفواً عاماً عن أهل مكة: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: لا تثريب عليكم، اليوم يغفر الله لكم) رواه أبو عبيد. وفي رواية أحمد قال: (نصبر ولا نعاقب). هذا العفو حفظ الأنفس من القتل أو السبي وأبقى الأموال والأراضي بيد أصحابها، وهذا خاص بمكة لقدسيتها وحرمتها.
تطهير مكة من الشرك والأوثان :
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خاشعاً يقرأ سورة الفتح وهو على راحلته، وطاف بالكعبة، وبيّن حرمة مكة وأنها لا تغزى بعد الفتح، وأمر بتحطيم الأصنام وتطهير البيت الحرام منها، وكان عددها ستين وثلاثمائة من الأنصاب، وشارك في ذلك بيده الشريفة، وهو يقرأ: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) الإسراء/ 81. ومحا الصور التي كانت بالكعبة، ثم دخل صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين، وأعطى عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة، وبعد تطهير الكعبة من مظاهر الوثنية، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فذهب إلى نخلة وهدم العزى (من آلهة المشركين)، وأرسل عمرو بن العاص فهدم سواعاً صنم هذيل، وأرسل سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة (أحد الآلهة) فهدمها، وبذلك أزيلت مراكز الوثنية.
ونتيجة لفتح مكة، تحول ثقل معسكر الشرك من قريش إلى قبيلتي هوازن وثقيف، اللتين سارعتا لملء الفراغ وقيادة المشركين لحرب الإسلام، فكانت غزوة حنين وحصار الطائف.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
فترة دخول الناس في دين الله أفواجا (8هـ - 11هـ)
تم فتح مكة ودانت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف العرب أن لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عداوته، فدخلوا في دين الله أفواجاً، خاصة بعد غزوة حنين التي كانت عقب فتح مكة مباشرة
غزوة حنين
---(1/139)
كانت غزوة حنين بين قبيلة هوازن -وثقيف فرع منها- التي حشدت عشرين ألفاً معهم الأموال والنساء والأبناء تحت قيادة مالك بن عوف النصري، وبين المسلمين الذين لم يمض على فتحهم لمكة سوى نصف شهر، فكانوا مستعدين تماماً وبدءوا التحرك باتجاه حنين في الخامس من شوال،صلوا إليها في مساء العاشر من شوال، وكان عدد جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل، انضم إليهم ألفان من أهل مكة من مسلمة الفتح الذين سموا بالطلقاء (أي الذين أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعفا عنهم يوم الفتح)، وقد كان لهؤلاء الطلقاء تأثير سلبي على سير المعركة.
سير المعركة في غزوة حنين:
سبقت هوازن المسلمين إلى وادي حنين، ورتبوا صفوفهم ووضعوا خطتهم، وتقدم خيالة المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، وبقية صفوف الجيش، وتراجعت هوازن في بداية القتال لكنها عادت فرشقت المسلمين بالسهام الكثيفة بصورة دقيقة، ففر الطلقاء والأعراب وبقية الجيش، ولم يبقى حول الرسول صلى الله عليه وسلم إلا فئة قليلة صمدت بصموده حتى نادى عليه الصلاة والسلام: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)، وأمر العباس فنادى في الناس، فتجمع لديه مائة أو أقل، ثم أخذ المهاجرون والأنصار بالعودة وهم يرددون لبيك لبيك، واشتد القتال من جديد، قال الله تعالى: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا) التوبة/ 26.
ولم تصمد هوازن طويلاً فقد فرت من الميدان، وبلغ قتلى هوازن اثنين وسبعين قتيلاً في الميدان، وثلاثمائة قتيل خلال الفرار والهزيمة، وعدد آخر من القتلى، وأما السبي فقد بلغ ستة آلاف، وبلغت الغنائم مبلغاً عظيماً. أما المسلون فقد بلغ عدد الشهداء أربعة، وأصيب عدد من الصحابة بجروح.
حصار الطائف:
---(1/140)
انطلق المسلمون إلى الطائف -التي تحصن فيها مالك بن عوف ومن بقي من هوازن- فحاصروها بضع عشرة ليلة، واشتد الحصار واستشهد اثنا عشر رجلاً من المسلمين مقابل ثلاثة قتلى فقط من المشركين، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم لثقيف بقوله: (اللهم اهد ثقيفاً) رواه الترمذي .
وفك الرسول صلى الله عليه وسلم الحصار وعاد إلى الجعرانة حيث ترك غنائم حنين، فقسمها مراعياً تأليف قلوب الطلقاء والأعراب، وجاء وفد هوازن يعلن إسلامها فأعاد إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم السبي ورضيت نفوسهم بذلك، وجاء وفد ثقيف بعد ذلك يعلن إسلام ثقيف، فأل الرسول صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة الثقفي معهم إلى الطائف ليهدما (اللات) -وهي الصنم الذي كانوا يعبدونه- فهدماها، وبذلك انتهت أسطورة اللات التي عبدت طويلاً من دون الله تعالى.
غزوة تبوك
وقعت هذه الغزوة في رجب من عام تسع للهجرة، وفيها تحول المسلمون إلى الجهاد خارج الجزيرة بعد أن دانت الجزيرة للإسلام، وقد سارع الصحابة بتجهيز الجيش الذي سمى جيش العسرة -نظراً للضائقة الاقتصادية التي مر بها المسلمون- ، في حين تخلف المنافقون عنها وكانوا يقون: لا تنفروا في الحر.
وقد بلغ عدد جيش تبوك أكثر من ثلاثين ألفاً، وهذا أكبر جيش قاده الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، وقد تخلف ثلاثة من الصحابة -وهم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال ابن أمية- عن الجيش بدون عذر، وقصة تخلفهم وتوبتهم مشهورة في القرآن الكريم وكتب السيرة لسنة.
العودة من تبوك:
---(1/141)
لم يقع قتال مع الروم في هذه الغزوة، وآثر حكام المدن الصلح على الجزية، وقد مكث الجيش عشرين ليلة ثم عاد إلى المدينة، وجاء المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل منهم واستغفر لهم وبايعهم إلا ثلاثة سبق الإشارة إليهم، وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وامتنع عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقاطعهم المسلمون إلى أن نزلت توبتهم في القرآن.
ومن نتائج هذه الغزوة أنها وطدت سلطان الإسلام في شمال الجزيرة العربية ومهدت لفتوح الشام فيما بعد .
عام الوفود
سمى العام التاسع للهجرة بعام الوفود، حيث بدأت وفود القبائل العربية في التوافد على المدينة لإعلان إسلامهم ومبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر كتاب السيرة أن عدد الوفود بلغ ستين وفداً، ذكر منها البخاري وفد تميم، ووفد عبد القيس، ووفد بني حنيفة، ووفد نجران الذي لم يسلم ورضي بالجزية، ووفد الأشعريين وأهل اليمن، ووفد دوس، ووفد طيء، وعدي بن حاتم الطائي، وغير ذلك.
حج أبي بكر بالناس عام 9 هـ
لم يحج الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح ولكنه اعتمر فقط ، وأمّر أبا بكر على الحج، فخرج في ذي الحجة إلى مكة على رأس ثلاثمائة من الصحابة ومعهم عشرون بدنة، ونزلت سورة براءة (التوبة) يوم النحر، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً برسالة إلى الناس يوم حج مفادها: (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته) رواه أحمد، وهذه مفاصلة مع المشركين آن أوانها بعد اثنين وعشرين عاماً من الدعوة والنبوة والوحي.
حجة الوداع
---(1/142)
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عزمه على الحج في العام العاشر، فتقاطر الناس من أرجاء الجزيرة العربية للحج معه، وخرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة. ولما وقف في عرفة نزل قول الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) المائدة/3.
وقد تعلّم المسلمون مناسك الحج من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة المباركة، التي بلغ عدد المسلمين فيها أربعين ألفاً، حيث استمعوا إلى خطبة الوداع التي ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في عرفات في وسط أيام التشريق، وجاء فيها:
(إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا ،ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ هاتين موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع ربانا: ربا عباس بن عد المطلب فإنه موضوع كله. واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك وأديت ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك، فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكثها إلى الناس: اللهم اشهد اللهم اشهد) رواه مسلم.
وفي بعض خطبه في منى قال صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا من بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه البخاري، وقد حفلت هذه الخطب بالأحكام والتوجيهات، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يودع الناس.
تجهيز جيش أسامة
---(1/143)
بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجهيز جيش إلى الشام، بعد عودته من حجة الوداع بشهرين أو أكثر، وجعل عليه أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يتوجه إلى البلقاء وفلسطين، فتجهز الناس وفيهم المهاجرون والأنصار وكان معهم أبو بكر وعمر، وبلغ عددهم ثلاثة آلاف، ون هذه الحملة تأخرت بسبب مرض الرسول صلى الله عليه وسلم.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
ألمّ المرض بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع بحوالي ثلاثة أشهر، وكان بدء شكواه في بيت ميمونة أم المؤمنين، وصح في البخاري أيضاً أن شكواه ابتدأت منذ العام السابع عقب فتح خيبر بعد أن تناول قطعة من شاة مسمومة قدمتها له زوجة سلام بن مشكم اليهودية، رغم أنه لفظها ولم يبتلعها لكن السم أثر عليه. وقد طلب صلى الله عليه وسلم من زوجاته أن يمرّض في بيت عائشة أم المؤمنين، فكانت تقرأ المعوذتين وتمسح عليه بيده هو صلى الله عليه وسلم لبركتها.
ولما أثقله المرض ومنعه من الخروج للصلاة بالناس قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، وراجعته السيدة عائشة رضي الله عنها، لئلا يتشاءم الناس بأبيها، فقالت: إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن. فأصرّ على ذلك، فمضى أبو بكر يصلي بهم) رواه ن كثير في البداية والنهاية.
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتوكأ على العباس وعليّ، فصلّى بالناس وخطبهم، وأثنى في خطابه على أبي بكر رضي الله عنه وبين فضله، وأشار إلى تخيير الله له بين الدنيا والآخرة واختياره الآخرة، قال: (إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة، ففطن أبو ب إلى أنه يقصد نفسه فبكى، وتعجب الناس منه إذ لم يدركوا ما فطن له) رواه أحمد.
---(1/144)
وعندما حضره الموت كان مستنداً إلى صدر عائشة وكان يدخل يده في إناء الماء فيمسح وجهه -من شدة الحمى- ويقول: ( لا إله إلا الله، إن للموت سكرات) رواه البخاري. وأخذته صلى الله عليه وسلم بحة وهو يقول: (مع الذين أنعم الله عليهم)، ويقول: (اللهم في الرفيق الأعلى فعرفت عائشة أنه يُخير وأنه يختار الرفيق الأعلى) رواه البخاري.
ودخلت عليه فاطمة فقالت: واكرب أباه، فقال لها: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم)، ودعاها (فأسرّ إليها بشيء فبكت، ثم دعاها فأسرّ إليها بشيء فضحكت). رواه البخاري. وأخبرت رضي الله عنها -بعد وفاته- أنه صلى الله عليه وسلم أخبرها أنه يموت فبكت، وأخبرها بأنها أول أهله لحوقاً به فضحكت.
وقبض صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى -ورأسه في حجر عائشة- في يوم الاثنين، في الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة، ودخل أبو بكر رضي الله عنه، وكان غائباً في السنح، فكشف عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ يقبله، وخرج إلى الناس، وهم ن منكر ومصدق من هول الموقف، فقال: أما بعد من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين)، فسكن الناس وجلس عمر رضي الله عنه على الأرض لا تحمله قدماه، وكأنهم لم يسمعوا الآية إلا تلك الساعة (رواه البخاري).
وبكت فاطمة رضي الله عنها أباها صلى الله عليه وسلم، وهي تقول:
يا أبتاه أجاب ربا دعاه
يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه
يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
وانتهت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تنته رسالته، فهي خالدة إلى يوم الدين، ولم تنقطع أمته فالخير فيها إلى يوم يبعثون، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الصادق الوعد الأمين، والحمد الله رب العالمين.
الفهرس
---(1/145)
--------------------------------------------------------------------------------
شمائله صلى الله عليه وسلم
الشمائل: الخصال الحميدة والطبائع الحسنة، وأضاف إليها بعض العلماء الصفات الخِلقية الظاهرة، وجعلها تابعة لأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وبناء على ذلك فكتب الشمائل تضم أمرين:
الأول: الصفات الخِلقية:
فقد وهب الله سبحانه وتعالى لرسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من كمال الخِلقة، وجمال الصورة، وقوة العقل وصحة الفهم، وفصاحة اللسان وقوة الحواس والأعضاء، واعتدال الحركات، وشرف النسب ما بلغ به حدّ العظمة، وقد تقدم الحديث عن بعض تلك الصفات.
الثاني: الصفات الخُلقية:
الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل، والقدوة المطلقة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتحلى بالأخلاق الحميدة والآداب الشريفة، وقد بلغ حد الكمال والاعتدال فيها، حتى أثنى عليه الله سبحانه بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم/4، وقالت عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم: (كان خلقه القرآن)، وهذا تصديق قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق، وأكمل محاسن الأفعال).
وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم المكارم كلها، ولا غرابة في هذا، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) النساء/ 113، فإذا كان الله عز وجل هو الذي علمه وأدبه، فلا بد أن يكون المتعلم على أكمل وأتم وأحسن ما يكون التع.
ولذلك لم تعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم زلة، ولا حُفظت عنه هفوة، وكان لا يزيد مع الإيذاء إلا صبراً، ولا مع إسراف الجاهل إلا حلماً، وكان كما تقول عائشة رضي الله عنها، لا ينتقم لنفسه أبداً، بل كان يدعو: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وموقفه يوم فتح مكة مع المشركين يدل على هذا، فقد عفا عنهم، وقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
وهذه بعض صفاته التي كان يتحلى بها صلى الله عليه وسلم:
1- حلمه وعفوه.
---(1/146)
2- جوده وسماحته.
3- شجاعته
4- حياؤه.
5- حسن عشرته وأدبه.
6- شفقته ورأفته.
7- وفاؤه وحسن عهده.
8- تواضعه مع علو منصبه.
9- عدله وأمانته
10- وقاره.
11- زهده.
12- خوفه من ربه وطاعته له.
وسيرته عليه الصلاة والسلام حافلة بالأمثلة والشواهد على ذلك، وقد حرص العلماء على إفراد شمائله وأخلاقه صلى الله عليه وسلم بالدراسة والتأليف، وذلك لما لها من أهمية خاصة بالنسبة للمسلم. فمعرفة شمائله عليه الصلاة والسلام وسيلة إلى امتلاء القلب بمحبته وتعظي، وذلك وسيلة إلى تعظيم شريعته واتباع هديه وسنته. ومن أقدم ما ألف في الشمائل كتاب الشمائل للإمام الترمذي رحمه الله تعالى.
فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صّلوا عليه وسلموا تسليماً) الأحزاب/ 56، والصلاة من الله تعالى معناها الرحمة وزيادة الإحسان، وهي من الملائكة استغفار، ومن البشر دعاء، لذا فإنه يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة من الرحمة وزيادة الإحسان والاستغفار والدعاء ما هو أهل له صلى الله عليه وسلم.
وقد بيّنت السنة الفائدة العظيمة والفضل الكبير الذي ينتظر من يصلي على الرسول الله صلى الله عليه وسلم، من رفع الدرجات والترقي في مراتب الكمال. روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشراً)، ومن السنّة أن يجمع المسلم بين الصلاة والسلام.
ولذلك كان الحث على الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن في ذلك علو منزلة لمن يأتي بها يوم القيامة، ورضاً من الله تبارك وتعالى عن قائلها. وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم من لا يصلى عليه بالبخل، فإن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عنوان للشح، ودليل خبث النفس وسوء الطوية.
---(1/147)
والصيغة المختارة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في حديث مسلم عن أبي هريرة: (قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، وتستحب الصلاة والتبريك على أزواجه وذريته صلى الله عليه وسلم.
انتهى الكتاب والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
رجوع
---
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن السعادة هدف منشود ، ومطلب مُلِح ، وغاية مبتغاة.
وكل إنسان يعيش على وجه الأرض يسعى لإسعاد نفسه ، وطرد الهم عنها.
ولقد حرص الكتاب ، والمفكرون ، والفلاسفة ، والأدباء ، والأطباء على البحث في أسباب جلب السعادة ، وطرد الهم ؛ ولكل وجهة هو موليها ، وقد علم كل أناس مشربهم.
ومع ذلك فإن السعادة التي يصل إليها أكثرهم سعادة مبتورة ، أو ناقصة ، أو وهمية أشبه ما تكون بالمخدر يتناوله متعاطيه ، فيشعر بنشوة أول وهلة ، حتى إذا ذهب أثره رجعت إليه الأحزان أضعافاً مضاعفة.
والسبب أن أولئك يغفلون أصل الأصول في جلب السعادة الحقة ، ألا وهو الإيمان بالله - عز وجل - فذلك سر السعادة وطريقها الأقوم ؛ فلا يجد السعادة الحقة الدائمة إلا من آمن بالله ، واهتدى بهداه ؛ فهناك يسعد في دنياه وأخراه.
وهذا الكتاب[1] الذي بين يديك يدعوك إلى السعادة العظمى ؛ لأنه يهديك إلى الإيمان بربك الذي خلقك ، ويدلك على الاعتقاد الحق الذي يؤيده عقلك السليم ، وفطرتك السوية ، والذي تعرف من خلاله بداية خلق الإنسان ونهايته ، والحكمة من إيجاده ، وغير ذلك مما ستجده في الصفحات التالية.(1/148)
فهذا الكتاب يعرفك بدين الإسلام الذي ختم الله به الأديان ، وارتضاه لجميع عباده ، وأمرهم بالدخول فيه.
و سيتضح لك من خلاله عظمة هذا الدين ، وصحة ما جاء به ، وصلاحه لكل زمان ، ومكان ، وأمة.
وإذا أردت التفصيل بعد ذلك فما عليك إلا أن تبحث بنفسك ، وأن تسأل عما يشكل عليك ؛ فالإسلام دين مفتوح لا يغلق في وجه أحد ، ولا يضيق بالأسئلة مهما كثرت وتنوعت ؛ فلكل سؤال في دين الإسلام جواب، ولكل قضية حكم.
فإلى موضوعات الكتاب ، والله المستعان ، وعليه التكلان ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
محمد بن إبراهيم الحمد
---
الزلفي 11932 - ص.ب: 460
5/4/14120 هـ.
قصة البشرية
تبدأ قصة البشرية منذ أن خلق الله أبا البشر آدم - عليه السلام - حيث خلقه الله بيده الكريمة من طين ، ونفخ فيه من روحه ، وعَلَّمَهُ أسماء الأشياء كلها من الطيور ، والدواب ، وغير ذلك ، وأمر الملائكة أن يسجدوا لآدم ؛ زيادة في التكريم والتشريف ؛ فسجدوا كلهم إلا إبليس أبى واستكبر ، فأهبطه الله من ملكوت السماوات ، وأخرجه ذليلاً مدحوراً ، وقضى عليه باللعنة ، والشقاء ، والنار.
وبعد ذلك سأل إبليس ربَّه أن يُنظِرَه إلى يوم القيامة ، فقال الله : { إنك من المنظرين } فقال إبليس : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } ، وقال : { فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين }
فقال الله - عز وجل - { اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين }
فأخرجه الله من الجنة ، وأعطاه القدرة على الوسوسة والإغواء ، وأمهله إلى يوم القيامة ؛ ليزداد إثما ، فتعظم عقوبته ، ويتضاعف عذابه ، وليجعله الله محكا يتميز به الخبيث من الطيب.(1/149)
ثم بعد ذلك خلق الله من آدم زوجه حواء ؛ ليسكن إليها ، ويأنس بها ، وأمرهما أن يسكنا دار النعيم الجنة التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وأخبرهما - عز وجل - بعداوة إبليس لهما ، ونهاهما عن الأكل من شجرة من أشجار الجنة ؛ ابتلاءاً وامتحاناً ؛ فوسوس لهما الشيطان ، وزين لهما الأكل من تلك الشجرة ، وأقسم لهما أنه لهما من الناصحين ، وقال : (( إن أكلتما من هذا الشجرة كنتما من الخالدين ))
---
فلم يزل بهما حتى أغواهما ، فأكلا من الشجرة ، وعصيا ربهما ؛ فندما على ما فعلا أشد الندم ، وتابا إلى ربهما ، فتاب عليهما ، واجتباهما ، لكنه أهبطهما من الجنة دار النعيم إلى الدنيا دار النصب والتعب ، وسكن آدم الأرض ، ورزقه الله الذرية التي تكاثرت ، وتشعبت إلى يومنا الحاضر ، ثم توفاه الله ، وأدخله الجنة.
ومنذ أن أهبط الله آدم وزوجته إلى الأرض والعداوة قائمة مستمرة بين بني آدم من جهة ، وبين إبليس وذريته من جهة.
و منذ ذلك الحين وإبليس وذريته في صراع دائم مع بني آدم ؛ لصدهم عن الهدى ، وحرمانهم من الخير ، وتزيين الشر لهم ، وإبعادهم عما يرضي الله ؛ حرصاً على شقائهم في الدنيا ، ودخولهم النار في الآخرة.
ولكن الله - عز وجل - لم يخلق خلقه سدى ، ولم يتركهم هملاً ، بل أرسل إليهم الرسل الذين يبينون لهم عبادة ربهم ، وينيروا لهم دروب الحياة ، ويوصلوهم إلى سعادة الدنيا والآخرة ، فأخبر - سبحانه - الجن والإنس أنه إذا أتاكم مني كتاب ، أو رسول يهديكم لما يقربكم مني ، ويدنيكم من مرضاتي فاتبعوه ؛ لأن من اتبع هدى الله ، وآمن بكتبه ورسله ، وما جاء في الكتب ، وما أمرت به الرسل فإنه لا يخاف ، ولا يضل ، ولا يشقى ، بل تحصل له السعادة في الدنيا والآخرة.(1/150)
وهكذا بدأت قصة البشرية ، فعاش آدم ومن بعده ذريته عشرة قرون وهم على طاعة الله، وتوحيده ، ثم حصل الشرك ، وعُبِد غير الله مع الله ؛ فبعث الله أول رسله وهو نوح - عليه السلام - يدعو الناس إلى عبادة الله ، ونبذ الشرك.
ثم تتابع الأنبياء والرسل من بعده على اختلاف بينهم في الأزمنة ، والأمكنة ، وبعض الشرائع ، وتفاصيلها مع الاتفاق في الأصل وهو الدعوة إلى الإسلام ، وعبادة الله وحده ، ونبذ ما يعبد من دونه.
---
إلى أن جاء إبراهيم - عليه السلام - فدعا قومه إلى ترك عبادة الأصنام وإفراد الله بالعبادة ، ثم كانت النبوة في ذريته من بعده في إسماعيل و إسحاق ثم كانت في ذرية إسحاق.
ومن أعظم الأنبياء من ذرية إسحاق ، يعقوب ، ويوسف ، وموسى ، وداود ، و سليمان ، و عيسى - عليهم السلام -.
ولم يكن بعد عيسى نبي من بني إسرائيل.
وبعد ذلك انتقلت النبوة إلى فرع إسماعيل ؛ فكان أن اصطفى الله - عز وجل - محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليكون خاتماً للأنبياء ، والمرسلين ، ولتكون رسالته هي الخاتمة ، وكتابه الذي أنزل إليه وهو القرآن هو رسالة الله الأخيرة للبشرية.
ولهذا جاءت رسالته شاملة ، كاملة ، عامة للإنس والجن ، العرب وغير العرب ، صالحة لكل زمان ، ومكان ، وأمة وحال ؛ فلا خير إلا دلت عليه ، ولا شر إلا حذرت منه ، ولا يقبل الله من أحد دينا سوى ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -.
بعثة النبي محمد وخلاصة سيرته - صلى الله عليه وسلم -
الحديث عن بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وسيرته يطول ، ولقد أفرد العلماء في هذا الشأن كتباً كثيرة.
والمجال هنا لا يتسع للإطالة والإسهاب ، وقد مر بنا في الفقرة الماضية أن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي الرسالة الخاتمة ، وأن الكتاب الذي أنزل إليه وهو القرآن هو آخر الكتب السماوية.
ولعل الحديث في الأسطر التالية يتناول الموضوعات التالية من السيرة المباركة:(1/151)
أولا: مهيئات النبوة: لقد هيئا الله - عز وجل - للنبي - صلى الله عليه وسلم - مهيئات كثيرة كانت إرهاصات لبعثته ونبوته ، فمن ذلك ما يلي:
1- دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى - عليهما السلام - ورؤيا أمه آمنة : يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه : (( أنا دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له بصرى من أرض الشام))
---
ومعنى الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : أنا مصداق دعوة إبراهيم الخليل - عليه السلام - لأن إبراهيم لما كان يرفع القواعد من الكعبة في مكة ومعه ابنه إسماعيل كان يقول - كما أخبرنا الله عنه في القرآن - : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} .
فاستجاب الله دعوة إبراهيم وإسماعيل فكان النبي الخاتم محمداً - عليه الصلاة و السلام - من ذريتهما.
أما قوله : (( وبشرى عيسى )) فإن نبي الله عيسى - عليه السلام - قد بشر بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر الله عنه في القرآن فقال: { وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد }
فعيسى - عليه السلام - هو آخر نبي من أنبياء بني إسرائيل ، وليس بينه وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي .
فعيسى بَشَّر بنبي يأتي من بعده اسمه أحمد ، وأحمد من أسماء النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - .
أما رؤيا أمه فقد رأت رؤيا صادقة ؛ ذلك أن أمه لما أخذها المخاض ، فوضعته تَمَثَّل لعينيها ذلك النور الذي أضاءت له بصرى من أرض الشام.(1/152)
2- كون النبي - صلى الله عليه و سلم - خرج في أمة العرب : تلك الأمة التي فُضِّلَتْ على غيرها من الأمم أنذاك ، حتى استعدت لهذا الإصلاح الروحي المدني العام ، الذي اشتمل عليه دين الإسلام ، بالرغم مما طرأ عليها من الأمية ، وعبادة الأصنام ، وما أحدثت فيها غلبة البداوة من التفرق والانقسام.
---
ومع ذلك فقد كانت أمة العرب متميزة باستقلال الفكر ، وسعة الحرية الشخصية ، في الوقت الذي كانت الأمم الأخرى ترسف في عبودية الرياستين الدينية والدنيوية ، محظوراً عليها أن تفهم غير ما يلقنها الكهنة ، ورجال الدين من الأحكام الدينية ، أو أن تخالفهم في مسألة عقلية ، أو كونية ، كما حظرت عليها التصرفات المدنية والمالية.
وكانت أمة العرب - أيضاً - متميزة باستقلال الإرادة في جميع الأعمال أيام كانت الأمم مُذَلَّلَةً مُسَخَّرة للملوك والنبلاء ، المالكين للرقاب والأموال بحيث يستخدمونهم كما يستخدمون البهائم ؛ فلا رأي لهم في سلم ، ولا حرب ، ولا إرادة لها دونهم في عمل ولا كسب.
وكانت أمة العرب ممتازة بعزة النفس ، وشدة البأس ، وقوة الأبدان والقلوب ، أيام كانت الأمم مؤلفة من رؤساء أفسدهم الإسراف والترف ، ومرؤوسين أضعفهم البؤس والشظف ، وسادة أبطرهم بغي الاستبداد ، و مُسَوَّدين أذلَّهم قَهْرُ الاستعباد.
وكانت أمة العرب أقرب إلى العدل بين الأفراد ، وكانت ممتازة بالذكاء ، وكثير من الفضائل الموروثة والمكتسبة كإكرام الضيف ، وإغاثة الملهوف ، والنجدة ، والإباء ، وعلو الهمة ، والسخاء ، والرحمة ، وحماية اللاجىء ، وحرمة الجار - أيام كانت الأمم مرهقة بالأثرة ، والأنانية ، والأنين من ثقل الضرائب والأتاوى الأميرية.(1/153)
وكانت أمة العرب قد بلغت أوج الكمال في فصاحة اللسان ، وبلاغة المقال مما جعلها مستعدة للتأثر ، والتأثير بالبراهين العقلية ، والمعاني الخطابية ، والشعرية ، وللتعبير عن جميع العلوم الإلهية والشرعية ، والفنون العقلية ، والكونية - أيام كانت الأمم الأخرى تنفصم عرى وحدتها بالتعصبات الدينية والمذهبية ، والعداوات العرقية.
وأعظم مزية امتاز بها العرب أنهم كانوا أسلم الناس فطرة بالرغم من أن أمم الحضارة كانت أرقى منهم في كل فن وصناعة.
---
والإصلاح الإسلامي مبني على تقديم إصلاح النفس باستقلال العقل ، والإرادة ، وتهذيب الأخلاق على إصلاح ما في الأرض من معدن ، ونبات ، وحيوان.
وبهذا كان الله - عز وجل - يعد هذه الأمة للإصلاح العظيم الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -.
3- شرف النسب : فقد كان نسبه - عليه الصلاة والسلام - أشرف الأنساب ، وأصرحها.
قال تعالى : { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين }
فالله - عز وجل - اصطفى هؤلاء إذ جعل فيهم النبوة والهداية للمتقدمين ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفى من بني هاشم سيد ولد آدم محمدا - صلى الله عليه وسلم - فكان آل إسماعيل أفضل الأولين والآخرين ، كما كان بنو إسحاق أفضل المتوسطين.
أما اصطفاء الله لقبيلة قريش فقد كان بما آتاهم الله من المناقب العظام ، ولا سيما بعد سُكنى مكة ، وخدمة المسجد الحرام ؛ إذ كانوا أصرح ولد إسماعيل أنساباً ، وأشرفهم أحساباً ، وأعلاهم آداباً ، وأفصحهم ألسنة ، وهم الممهدون لجمع الكلمة.
أما اصطفاء الله لبني هاشم فقد كان لما امتازوا به من الفضائل والمكارم ؛ فكانوا أصلح الناس عند الفتن ، وخيرهم لمسكين ويتيم.(1/154)
وإنما أطلق لقب هاشم على عَمْرو بن عبد مناف ؛ لأنه أول من هشم الثريد - وهو طعام لذيذ - للذين أصابهم القحط ، وكان يشبع منه كلَّ عامٍ أهلُ الموسم كافة ، ومائدته منصوبة لا ترفع في السراء ولا في الضراء.
وزاد على هاشمٍ ولَدُه عبدُالمطلب جدُّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان يطعم الوحش ، وطير السماء ، وكان أول من تعبد بغار حراء ، وروي أنه حرم الخمر على نفسه.
وبالجملة فقد امتاز آل النبي - صلى الله عليه وسلم - على سائر قومه بالأخلاق العلية ، والفواضل العملية ، والفضائل النفسية.
ثم اصطفى الله - عز وجل - محمداً - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم ؛ فكان خير ولد آدم ، وسيدهم.
---
4- بلوغه - صلى الله عليه وسلم - الذروة في مكارم الأخلاق : فقد جبله الله - عز وجل - على كريم الخلال ، وحميد الخصال ، فكان قبل النبوة أرقى قومه ، بل أرقى البشرية في زكاء نفسه ، وسلامة فطرته ، وحسن خلقه.
نشأ يتيماً شريفاً ، وشب فقيراً عفيفاً ، ثم تزوج محباً لزوجته مخلصاً لها.
لم يتولَّ هو ولا والده شيئاً من أعمال قريش في دينها ولا دنياها ، ولا كان يعبد عبادتهم ، ولا يحضر سامرهم ، ولا ندواتهم ، ولم يؤثر عنه قول ولا عمل يدل على حب الرياسة ، أو التطلع إليها.
كان يُعرفُ بالتزام الصدق ، والأمانة ، وعلو الآداب ؛ فبذلك كان له المقام الأرفع قبل النبوة ؛ حتى لقبوه بالأمين.
وعلى هذه الحال كان - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ أشده ، واستوى ، وكملت في جسده الطاهر ، ونفسه الزكية جميع القوى ، لا طمع في مال ، ولا سمعة ، ولا تطلع إلى جاه ولا شهرة ، حتى أتاه الوحي من رب العالمين - كما سيأتي بيانه بعد قليل - .(1/155)
5- كونه - صلى الله عليه وسلم - أميا لا يقرأ ولا يكتب : فهذا من أعظم المهيئات والدلائل على صدق نبوته ؛ فهذا الرجل الأمي الذي لم يقرأ كتابا ، ولم يكتب سطراً ، ولم يقل شعراً ، ولم يرتجل نثراً ، الناشىء في تلك الأمة الأمية - يأتي بدعوة عظيمة ، وبشريعة سماوية عادلة تستأصل الفوضى الاجتماعية ، وتكفل لمعتنقيها السعادة الإنسانية الأبدية ، وتعتقهم من رق العبودية لغير ربهم - جل وعلا - .
كل ذلك من مهيئات النبوة ، ومن دلائل صدقها.
ثانيا : نبذة عن نسبه ، وحياته:
هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم ، بن عبدمناف ، بن قصي ، بن حكيم ، بن مرة ، بن كعب ، بن لؤي ، بن غالب ، بن فهر ، بن مالك ، بن النضر ، بن كنانة ، بن خزيمة ، بن مدركة ، بن إلياس ، بن مضر ، بن نزار ، بن معد ، بن عدنان ، وعدنان من العرب ، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم - عليه السلام - .
---
وأم النبي - صلى الله عليه وسلم - هي آمنة بنت وهب بن عبدمناف بن زهرة ، وزهرة أخو جد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد تزوج بها عبدالله والد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقام معها في بيت أهلها ثلاثة أيام ، فلم تلبث أن حملت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تجد في حمله ثقلاً ، ولا وحماً كما هو شأن المحصنات الصحيحات الأجسام.
وقد رأت أمه رؤيا لما حملت به ، وقد مر ذكر الرؤيا في كلام سابق.
وقد ولدته أمه سوي الخلق ، جميل الصورة ، صحيح الجسم ، وكانت ولادته عام الفيل الموافق للحادي والسبعين بعد الخمسمائة للميلاد.
وقد توفي والده وهو حمل في بطن أمه ، فكفله جده عبدالمطلب ، وأرضعته أمه ثلاثة أيام ثم عهد جده بإرضاعه إلى امرأة يقال لها حليمة السعدية.
وكان من عادة العرب أن يسترضعوا لأولادهم في البوادي ؛ حيث تتوافر أسباب النشأة البدنية السليمة.(1/156)
ولقد رأت حليمة السعدية من أمر هذا الرضيع عجباً ، ومن ذلك أنها أتت مع زوجها إلى مكة على أتان هزيلة بطيئة السير ، وفي طريق العودة من مكة ، وهي تضع الرضيع في حجرها كانت الأتان تعدو عَدْوَاً سريعا ، وتُخَلف وراءها كل الدواب ؛ مما جعل رفاق الطريق كلهم يتعجبون.
وتحدث حليمة بأن ثديها لم يكن يدر شيئاً من الحليب ، وأن طفلها الرضيع كان دائم البكاء من شدة الجوع ، فلما ألقمت الثدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - در غزيراً ، فأصبحت ترضعه وترضع طفلها حتى يشبعا.
وتحدث حليمة عن جدب أرض قومها ديار بني سعد ، فلما حظيت بشرف رضاعة هذا الطفل أنتجت أرضها ، وماشيتها ، وتَبَدَّلت حالها من بؤس وفقر ، إلى هناء ويسر.
وبعد سنتين عادت به حليمة إلى أمه وجده في مكة ، لكن حليمة ألحت على أمه أن توافق على بقائه عندها مرة ثانية ؛ لما رأت من بركته عليها ؛ فوافقت أمه آمنة ، فعادت حليمة بالطفل مرة أخرى إلى ديارها والفرحة تملأ قلبها.
---
وبعد سنتين عادت به حليمة إلى أمه ، وعمره آنذاك أربع سنوات ، فحضنته أمه إلى أن توفيت ، وكان له من العمر ست سنين ، فكفله جده عبدالمطلب سنتين ثم توفي ، فأوصى به إلى ابنه أبا طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - فحاطه بعنايته كما يحوط أهله وولده.
إلا أنه كان لفقره يعيش عيش الشظف ؛ فلم يتعود - صلى الله عليه وسلم - نعيم التنرف.
ولعل ذلك من عناية الله بهذا النبي الكريم.
وكان - صلى الله عليه وسلم - قد ألف رعي الغنم مع إخوانه من الرضاع لما كان في بادية بني سعد ، فصار يرعى الغنم لأهل مكة ؛ فيوفر على عمه أبي طالب بما يأخذه على ذلك من الأجر.
ثم سافر مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام ، وله من العمر اثنتا عشرة سنة ، وشهران ، وعشرة أيام ، وهناك رآه بحيرا الراهب ، وبشر به عمه أبا طالب ، وحذره من اليهود عليه بعد أن رأى خاتم النبوة بين كتفيه.(1/157)
ثم إنه سافر مرة أخرى مُتَّجراَ بمالٍ لخديجة بنت خويلد ، فأعطته أفضل مما كانت تعطي غيره ؛ إذ جاءت تلك التجارة بأرباح مضاعفة ، بل جاءت بسعادة الدنيا والآخرة.
وكانت خديجة هذه أعقل وأكمل امرأة في قريش ، حتى كانت تدعى في الجاهلية : الطاهرة ؛ لما لها من الصيانة ، والعفة ، والفضائل الظاهرة.
ولما حدثها غلامها ميسرة بما رأى من النبي - صلى الله عليه وسلم - في رحلته معه إلى الشام ، من الأخلاق العالية ، والفضائل السامية ، وما قاله بحيرا الراهب لعمه أبي طالب في رحلته الأولى إلى الشام - تعلقت رغبتها به ، وبأن تتخذه زوجا لها، وكانت قد تزوجت من قبل ، وتوفي عنها زوجها ؛ فتم ذلك الزواج الميمون ، وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين سنة ، وعمرها قريباً من أربعين سنة.
---
ولم يتزوج عليها طيلة حياتها ، ولا أحب مثلها ، وتوفيت بعد البعثة النبوية بعشر سنين ، فكان كثيرًا ما يذكرها ، ويتصدق عنها ، ويهدي لصاحباتها ، وهي الزوجة التي رزق منها جميع أبنائه عدا إبراهيم فإنه من زوجته ماريا القبطية.
هذه بعض أخباره وسيرته قبل النبوة ، وبدء الوحي على سبيل الإجمال.
ثالثا : بدء الوحي :
بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم - أشده وقَرُب من الأربعين ، واكتملت قواه العقلية والبدنية ، وكان أول ما بدأ به من الوحي الرؤيا الصالحة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح واضحة كما رآها في منامه.(1/158)
ثم بعد ذلك حُبِبَ إليه الخلاء ، فكان يخلو بنفسه في غار حراء في مكة ، فيتعبد الله الليالي ذوات العدد ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بالطعام والشراب ، حتى جاءه الحق ، وهو على هذا الشأن بنزول القرآن عليه في شهر رمضان ، وذلك بأن تمثل له المَلَكُ جبريل ، ولقنه عن ربه أول ما نزل من القرآن ، فقال: {اقرأ} فقال ((ما أنا بقارىء)) فقال له : {اقرأ} فقال : ((ما أنا بقارىء)) فقال : {اقرأ} فقال : ((ما أنا بقارىء)) وكان جبريل بعد كل جواب من الأجوبة الثلاثة يضمه على صدره ، ويعصره حتى يبلغ منه الجهد.
ولما تركه جبريل في المرة الثالثة ألقى عليه أول آيات أنزلت من القرآن ، وهي: { اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم }
بهذه الآيات العظيمة التي تأمر بالعلم ، وتبين بداية خلق الإنسان - بدأ نزول الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجع النبي إلى خديجة - يرجف فؤاده ، ولكنه حفظ رشاده ، فقال : (( زملوني ، زملوني )) يعني لففوني بالثياب ، ففعلوا ، حتى إذا ذهب عنه الروع أخبر خديجة الخبر وقال : (( لقد خشيت على نفسي ))
---
فقالت خديجة - رضي الله عنها - : ((كلا والله لا يخزيك الله أبدا ؛ إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقوي الضعيف ، وتعين على نوائب الحق))
وهكذا استدلت هذه المرأة العاقلة على أن من كان هذا شأنه في محبة الخير للناس فلن يخذله الله ؛ فسنة الله تقتضي بأن الجزاء من جنس العمل.(1/159)
ثم انطلقت بعد ذلك خديجة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتت ابن عمها ورقة بن نوفل ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، ويكتب الإنجيل بالعبرانية ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، فقالت خديجة له: اسمع من محمد ما يقول ، فقال ورقة يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، ياليتني فيها جذعاً ، أي شاباً ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.
فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( أو مخرجي هم ؟)) قال : نعم ؛ لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم توفي ورقة ، وفتر الوحي.
واستمرت فترة الوحي ثلاث سنين ، قوي فيها استعداد النبي ، واشتد شوقه وحنينه.
قال - صلى الله عليه وسلم - : (( بينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء ، فرفعت بصري ، فإذا الملك الذي جاءني في حراء)).
وذكر أنه رعب منه ، ولكن ذلك دون الرعبة الأولى ، فرجع إلى أهله فتزمل ، وتدثر ( أي تغطى بالثياب).
ثم أنزل الله عليه قوله - تعالى - : { يا أيها المدثر ، قم فأنذر ، وربك فكبر ، وثيابك فطهر ، والرجز فاهجر }
أي قم يا أيها الذي تدثر بثيابه ، فأنذر الناس بالقرآن ، وبلغهم دعوة الله ، وطهر ثيابك من أدران الشرك ، واهجر الأصنام.
---
ثم حمي الوحي بعد ذلك ، وتتابع ، وبلَّغ - صلى الله عليه وسلم - دعوة ربه ، حيث أمره وأوحى إليه بأن يدعو الناس إلى عباده وحده ، وإلى دين الإسلام الذي ارتضاه الله ، وختم به الأديان ؛ فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن.(1/160)
فاستجاب له أو من استجاب له خديجة من النساء ، وأبو بكر الصديق من الرجال ، وعلى بن أبي طالب من الصبيان ، ثم توالى دخول الناس في دين الله ، فاشتد عليه أذى المشركين ، وأخرجوه من مكة ، وآذوا أصحابه أشد الأذى ، فهاجر إلى المدينة ، وتتابع عليه نزول الوحي ، واستمر في دعوته ، وجهاده ، وفتوحاته ، حتى عاد إلى مكة ظافراً فاتحاً .
وبعد ذلك أكمل الله له الدين وأقر عينه بعز الإسلام وظهور المسلمين ، ثم توفاه الله وعمره ثلاث وستون سنة ، أربعون منها قبل النبوة ، وثلاث وعشرون نبياً رسولاً.
وبه ختم الله الرسالات السماوية ، وأوجب طاعته على الجن والإنس ؛ فمن أطاعه سعد في الدنيا ، ودخل الجنة في الآخرة ، ومن عصاه شقي في الدنيا ، ودخل النار في الآخرة.
وبعدما توفاه الله - عز وجل - تابع أصحابه مسيرته ، وبلغوا دعوته ، وفتحوا البلدان بالإسلام ، ونشروا الدين الحق حتى بلغ ما بلغ الليل والنهار.
---
ودينه - عليه الصلاة والسلام - باق إلى يوم القيامة ؛ فما القول في أمي نشأ بين أميين ، قام بذلك الإصلاح الذي تغير به تاريخ البشر أجمعين ، في الشرائع ، والسياسات ، وسائر أمور الدنيا والدين؟ وامتد مع لغته في قرن واحد من الحجاز إلى آخر حدود أوربا وأفريقيا من الغرب ، و إلى حدود الصين من جهة الشرق حتى خضعت له الأمم ، ودالت له الدول ، وأقبلت إليه الأرواح قبل الأشباح ، وكانت تتبعه في كل فتوحه الحضارة والمدنية ، والعدل والرحمة ، والعلوم العقلية والكونية على أيدي تلك الأمة الحديثة العهد بالأمية ، التي زكاها القرآن ، وعلمها أن إصلاح الإنسان يتبعه إصلاح الأكوان ؛ فهل يمكن أن يكون هذا إلا بوحي من لدن حكيم عليم ، وتأييد سماوي من الإله العزيز القدير الرحيم؟
رابعا: من أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - :(1/161)
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكرم الخلق أخلاقا ، وأعلاهم فضائلَ وآداباَ ، امتاز بذلك في الجاهلية قبل عهد النبوة ؛ فكيف بأخلاقه بعد النبوة وقد خاطبه ربه - تبارك وتعالى - بقوله : له { وإنك لعلى خلق عظيم } .
لقد أدبه ربه ، فأحسن تأديبه ، ورباه فأحسن تربيته ، فكان خلقه القرآن الكريم ، يتأدب به ، ويؤدب الناس به ، فمن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أحلم الناس ، وأعدلهم ، وأعفهم ، وأسخاهم.
وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويعين أهله في المنزل ، ويقطع اللحم معهن .
وكان أشد الناس حياءً ، لا يثبت بصره في وجه أحد.
وكان يجيب الدعوة من أي أحد ، ويقبل الهدية ولو قَلَّت ، ويكافىء عليها.
وكان يغضب لربه ، ولا يغضب لنفسه ، وكان يجوع أحياناً فيعصب الحج على بطنه من الجوع ، ومرة يأكل ما حضر ، ولا يرد ما وجد ، ولا يعيب طعاماً قط ، إن وجد تمراً أكله ، وإن وجد شواء أكله ، وإن وجد خبز بر أو شعير أكله ، وإن وجد حلوا أو عسلا أكله ، وإن وجد لبنا دون خبز اكتفى به ، وإن وجد بطيخاً أو رطباً أكله.
---
وكان يعود المرضى ، ويشهد الجنائز ، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس.
وكان أشد الناس تواضعا ، وأسكنهم من غير كبر ، وأبلغهم من غير تطويل ، وأحسنهم بشراً ، لا يهوله شيء من أمور الدنيا.
وكان يلبس ما وجد ، فمرة شملة ، ومرة جبة صوف ، فما وجد من المباح لبس.
يركب ما أمكنه ، مرة فرساً ، ومرة بعيراً ، ومرة بغلة شهباء، و مرة حماراً ، أو يمشي راجلاً حافياً.
يجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ، و يكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألف أهل الشرف في البر لهم ، ويصل ذوي الرحم من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم.
لا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه ، يمزح ولا يقول إلا حقاً ، يضحك من غير قهقهة ، يسابق أهله ، ترفع الأصوات عليه فيصبر.
وكان لا يمضي عليه وقت في غير عمل لله - تعالى - أو فيما لابد له منه من صلاح نفسه.(1/162)
لا يحتقر مسكيناً لفقره وزمانته ، ولا يهاب ملكاً لملكه ، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستوياً ، قد جمع الله له السيرة الفاضلة ، والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
نشأ في بلاد الفقر والصحارى في فقره ، وفي رعاية الغنم يتيما لا أب له ، فعلمه الله - تعالى - جميع محاسن الأخلاق والطرق الحميدة ، وأخبار الأولين والآخرين ، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة ، والغبطة والخلاص في الدنيا.
ما كان يأتيه أحد إلا قام معه في حاجته ، ولم يكن فظَّاً ، ولا غليظاً ، ولا صخاباً في الأسواق ، وما كان يجزي السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح.
وكان من خلقه أن يبدأ من لقيه بالسلام ، ومن قادمه لحاجة صابره حتى يكون القادم هو المنصرف.
وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر.
وكان إذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة ، ثم أخذ بيده فشابكه ، ثم شد قبضته عليه.
وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا ، ويمسك بيديه عليهما ، ولم يكن يعرف مجلسه من مجلس أصحابه ؛ لأنه كان يجلس حيث انتهى به المجلس.
---
وما رؤي قط ماداً رجليه بين أصحابه ؛ حتى لا يضيق بهما على أحد إلا أن يكون المجلس واسعاً لا ضيق فيه.
وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه لمن ليس بينه وبينه قرابة يجلسه عليه.
وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته ، فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل.
وما استصفاه أحد إلا ظن أنه أكرم الناس عليه ، وكان يعطي من جلس إليه نصيبه من وجهه ، وسمعه ، وحديثه ، ولطيف محاسنه ، وتوجيهه.
ومجلسه مع ذلك مجلس حياء ، وتواضع ، وأمانة.
وكان يدعو أصحابه بكناهم ، إكراماً لهم ، واستمالة لقلوبهم ، وكان يكني من لم تكن له كنيه ، وكان يكني النساء اللاتي لهن أولاد ، واللاتي لم يلدن يبتدىء لهن الكنى ، وكان يكني الصبيان فيستلين قلوبهم.
وكان أبعد الناس غضباً ، وأسرعهم رضاً ، وكان أرأف الناس بالناس ، وخير الناس للناس ، وأنفع الناس للناس.(1/163)
وكان يحب اليسر ، ويكره العسر ، و لا يشافه أحداً بما يكره.
ومن رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه.
هذه بعض أخلاقه وشمائله - صلى الله عليه وسلم - .
وبعد أن تبين لك أيها القارىء الكريم شيء من سيرة النبي ، ودعوته ، وأخلاقه ، إليك هذه الصفحات التي تعرفك بالإسلام الذي جاء به - صلى الله عليه وسلم-.
شهادة فيلسوف نصراني على صدق رسالة النبي e
كل عاقل منصف لا يسعه إلا التصديق برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أن الأمارات الكثيرة شاهدة ناطقة.
ولا ريب أن شهادة المخالف لها مكانتها؛ فالفضل-كما قيل-ما شهدت به الأعداء.
وفيما يلي شهادة للفيلسوف الإنجليزي الشهير "توماس كارليل" حيث قال في كتابه (الأبطال) كلاما طويلا عن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب به قومه النصارى، ومن ذلك قوله:(( لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خدّاع مزوِّر.
---
وإن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول مازالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء أكذوبةٌ وخدعة؟!
أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً، ولو أن الكذب، والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان منهم مثل هذه القبول، فما الناس إلا بُلْهٌ مجانين، فوا أسفا! ما أسوأ هذا الزعم، وما أضعف أهله، وأحقهم بالرثاء والرحمة.
وبعد، فعلى من أراد أم يبلغ منزلة ما في علوم الكائنات أن لا يصدّق شيئا البتة من أقوال أولئك السفهاء؛ فإنها نتائج جيل كفر، وعصر جحود وإلحاد، وهي دليل على خبث القلوب، وفساد الضمائر، وموت الأرواح في حياة الأبدان.(1/164)
ولعل العالم لم ير قط رأياً أكفر من هذا وألأم، وهل رأيتم قط معشر الإخوان، أن رجلاً كاذباً يستطيع أن يوجد ديناً؟ وينشرها علناً؟
والله إن الرجل الكاذب لا يقدر أن يبني بيتاً من الطوب، فهو إذا لم يكن عليماً بخصائص الجير، والجص، والتراب، وما شاكل ذلك- فما ذلك الذي يبنيه ببيت، وإنما هو تل من الأنفاق، وكثيب من أخلاط المواد، نعم، وليس جديرا أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرناً يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه، فينهدم؛ فكأنه لم يكن))
إلى أن قال:(( وعلى ذلك فلسنا نعد محمداً هذا قط رجلاً كاذباً متصنعاً، يتذرع بالحيل، والوسائل إلى بغيته، ويطمح إلى درجة ملك أو سلطان، أو إلى ذلك من الحقائر.
وما الرسالة التي أداها إلا حق صراح، وما كلمته إلا قول صادق، صادر من العالم المجهول.
كلا، ما محمد بالكاذب، ولا المُلفِّق، وإنما هو قطعة من الحياة قد تفطر عنها قلب الطبيعة؛ فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع، ذلك أمر الله، و((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)).
---
وهذه حقيقة تدفع كل باطل، وتدحض حجة القوم الكافرين.
ثم لا ننسى شيئا آخر، وهو أنه لم يتلق دروساً على أستاذ أبداً، وكانت صناعة الخط حديثة العهد إذ ذاك في بلاد العرب-وعجيب وأيم الله أمية العرب- ولم يقتبس محمد من نور أي إنسان آخر، ولم يغترف من مناهل غيره، ولم يكن إلا كجميع أشباهه من الأنبياء والعظماء، أولئك الذين أشبِّههم بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور.
وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدإ، صادق العزم بعيداً، كريماً، برا، رؤوفاً، تقيا، فاضلاً، حراً، رجلاً، شديد الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضيء وجهه ابتسامةٌ مشرقة من فؤاد صادق؛ لأن من الناس من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله))(1/165)
إلى أن قال:(( كان عادلاً، صادق النية، كان ذكي اللب، شهم الفؤاد، لوذعيا كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليلٍ بهيم، ممتلئا نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك.
ويزعم المتعصبون من النصارى، والملحدين أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية، ومفاخر الجاه والسلطان.
كلا -وأيم الله- لقد كان في فؤاد ذلك الرجل ابن القفار والفلوات، المتوقد المقلتين، العظيم النفس، المملوء رحمة وخيراً وحكمة، وحِجَى-أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، وكيف لا، وتلك نفس صامتهٌ كبيرة، ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكون مخلصين جادين؛ فبينما ترى آخرين يرضون الاصطلاحات الكاذبة، ويسيرون طبق الاعتبارات الباطلة إذ ترى محمداً لم يرض أن يتلفع بمألوف الأكاذيب، ويتوشح بمبتدع الأباطيل.
---
لقد كان منفرداً بنفسه العظيمة، وبحقائق الأمور والكائنات، لقد كان سر الوجود يسطع لعينيه-كما قلت- بأهواله، ومخاوفه، وروانقه، ومباهره، ولم يكن هناك من الأباطيل ما يحجب ذلك عنه، فكان لسان حال ذلك السر الهائل يناجيه: ها أنا ذا، فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهي مقدس، وما كلمة مثل هذا الرجل إلا صوت خارج من صميم قلب الطبيعة، فإذا تكلم فكل الآذان برغمها صاغية، وكل القلوب واعية، وكل كلام ماعدا ذلك هباء، وكل قول جفاء))
إلى أن قال:((إذا فلنضرب صفحاً عن مذهب الجائرين أن محمداً كاذب، ونعد موافقتهم عاراً، وسبة، وسخافة، وحمقاً؛ فلنربأ بأنفسنا عنه))
إلى أن قال:(( وإن ديناً آمن به أولئك العرب الوثنيون، وأمسكوه بقلوبهم النارية لجدير أن يكون حقا، وجدير أن يصدق به.
وإنما أودع هذا الدين من القواعد هو الشيء الوحيد الذي للإنسان أن يؤمن به.(1/166)
وهذا الشيء هو روح جميع الأديان، وروح تلبس أثواباً مختلفة، وأثواباً متعددة، وهي في الحقيقة شيء واحد، وباتباع هذه الروح يصبح الإنسان إماماً كبيراً لهذا المعبد الأكبر-الكون- جارياً على قواعد الخالق، تابعا لقوانينه، لا مجادلاً عبثاً أن يقاومها ويدافعها.
لقد جاء الإسلام على تلك الملل الكاذبة، والنحل الباطلة، فابتلعها، وحق له أن يبتلعها ؛ لأنه حقيقة خارجة من قلب الطبيعة، وما كان يظهر الإسلام حتى احترقت فيه وثنيات العرب، وجدليات النصرانية، وكل ما لم يكن بحق؛ فإنها حطب ميت، أكلته نار الإسلام، والنار لم تذهب))
إلى أن قال:(( أيزعم الأفاكون الجهلة أنه مشعوذ ومحتال؟
كلا، ثم كلا، ما كان قط ذلك القلب المحتدم الجائش كأنه تنور فكر يضور ويتأجج-ليكون قلب محتال ومشعوذ، لقد كانت حياته في نظره حقاً، وهذا الكون حقيقة رائعة كبيرة)).
إلى أن قال:(( مثل هذه الأقوال، وهذه الأفعال ترينا في محمد أخ الإنسانية الرحيم، أخانا جميعاً الرؤوف الشفيق، وابن أمنا الأولى، وأبينا الأول.
---
وإنني لأحب محمدا لبرائة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار رجلاً مستقل الرأي، لا يقول إلا عن نفسه، ولا يدّعي ما ليس فيه، ولم يك متكبراً، ولكنه لم يكن ذليلاً ضرعاً، يخاطب بقوله الحرِّ المبينِ قياصرةَ الرومِ وأكاسرةَ العجمِ، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة، وللحياة الآخرة، وكان يعرف لنفسه قدرها، ولم تخل الحروب الشديدة التي وقعت له مع الأعراب من مشاهد قوة ولكنها كذلك لم تخل من دلائل رحمة وكرم وغفران، وكان محمد لا يعتذر من الأول، ولا يفتخر بالثانية))
إلى أن قال: (( وما كان محمد بعابث قط، ولا شَابَ شيئاً من قوله شائبةُ لعب ولهو ، بل كان الأمر عنده أمر خسران وفلاح، ومسألة فناء وبقاء، ولم يك منه بإزائها إلا الإخلاص الشديد، والجد المرير.(1/167)
فأما التلاعب بالأقوال، والقضايا المنطقية، والعبث بالحقائق، -فما كان من شأنه قط، وذلك عندي أفظع الجرائم؛ إذ ليس هو إلا رقدة القلب، ووسن العين عن الحق، وعيشة المرء في مظاهر كاذبة.
وفي الإسلام خلة أراها من أشرف الخلال وأجلها، وهي التسوية بين الناس ، وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأي؛ فنفس المؤمن رابطة بجميع دول الأرض، والناس في الإسلام سواء))
إلى أن قال:(( وسع نوره الأنحاء، وعم ضوؤه الأرجاء، وعقد شعاعه الشمال بالجنوب، والمشرق بالمغرب، وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى أصبح لدولة العرب رجل في الهند، ورجل في الأندلس، وأشرقت دولة الإسلام حقباً عديدة، ودهوراً مديدة بنور الفضل والنبل، والمروءة، والباس، والنجدة ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة))
من خصائص دين الإسلام
الإسلام دين الفطرة ، ودين السلام والأمان ، والبشرية لن تجد الراحة ، ولن تحقق السعادة إلا بالأخذ بالإسلام ، وتطبيقه في شتى الشؤون.
ومما يؤكد عظمة دين الإسلام ، ما يتميز به من خصائص لا توجد في غيره من المذاهب والأديان.
---
ومن تلك الخصائص التي تثبت تميز الإسلام ، ومدى حاجة الناس إليه ما يلي:
1- أنه جاء من عند الله : والله - عز وجل - أعلم بما يصلح عباده، قال - تعالى - : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }
2- أنه يبين بداية الإنسان ، ونهايته ، والغاية التي خلق من أجلها.
قال - تعالى - : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا ونساءً}
وقال : { منها خلقناكم ومنها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى }
وقال : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }
3- أنه دين الفطرة : فلا يتنافى معها قال - تعالى -: { فطرة الله التي فطر الناس عليها }.(1/168)
4- أنه يعتني بالعقل ويأمر بالتفكر: ويذم الجهل ، والتقليد الأعمى ، والغفلة عن التفكير السليم ، قال - تعالى - : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } .
وقال: { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض } .
5- الإسلام عقيدة وشريعة : فهو كامل في عقيدته وشرائعه ؛ فليس ديناً فكرياً فحسب ، أو خاطرة تمر بالذهن ، بل هو كامل في كل شيء ، مشتمل على العقائد الصحيحة ، والمعاملات الحكيمة ، والأخلاق الجميلة ، والسلوك المنضبط ؛ فهو دين فرد وجماعة ، ودين آخرة وأولى.
6- أنه يعتني بالعواطف الإنسانية : ويوجهها الوجهة الصحيحة التي تجعلها أداة خير وتعمير.
7- أنه دين العدل : سواء مع العدو ، أو الصديق ، أو القريب ، أو البعيد.
قال تعالى: { إن الله يأمر بالعدل } ، وقال: { وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} ، وقال : { ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى }
---
8- الإسلام دين الأخوة الصادقة : فالمسلمون إخوة في الدين ، لا تفرقهم البلاد ، ولا الجنس ، ولا اللون ، فلا طبقية في الإسلام ، ولا عنصرية ، ولا عصبية لجنس أو لون أو عرق ، ومعيار التفاضل في الإسلام إنما يكون بالتقوى.
9- الإسلام دين العلم : فالعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، والعلم يرفع صاحبه إلى أعلى الدرجات ، قال - تعالى - : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } .
10- أن الله تكفل لمن أخذ بالإسلام وطبقه بالسعادة ، والعزة ، والنصرة فرداً كان أم جماعة : قال - تعالى - : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، ولبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً }(1/169)
وقال: { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }.
11- في الإسلام حل لجميع المشكلات : لاشتمال شريعته و أصولها على أحكام ما لا يتناهى من الوقائع.
12- أن شريعته أحكم ما تساس به الأمم : وأصلح ما يقضى به عند التباس المصالح ، أو التنازع في الحقوق.
13- الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان ، وأمة وحال ، بل لا تصلح الدنيا بغيره : ولهذا كلما تقدمت العصور ، وترقت الأمم ظهر برهان جديد على صحة الإسلام ، ورفعة شأنه.
14- الإسلام دين المحبة ، والاجتماع ، والألفة ، والرحمة : قال النبي e : ((مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ))
وقال : ((الراحمون يرحمهم الرحمن ؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )) .
---
15- الإسلام دين الحزم والجد والعمل : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، واحرص على ما ينفعك ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا ، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)).
16- الإسلام أبعد ما يكون عن التناقض : قال - تعالى - : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } .
17- أنه يحمي معتنقيه من الفوضى والضياع والتخبط ، ويكفل لهم الراحة النفسية والفكرية.
18- الإسلام واضح ميسور ، وسهل الفهم لكل أحد.
19- الإسلام دين مفتوح لا يغلق في وجه من يريد الدخول فيه.
20- الإسلام يرتقي بالعقول ، والعلوم ، والنفوس ، والأخلاق : فأهله المتمسكون به حق التمسك هم خير الناس ، وأعقل الناس ، وأزكى الناس.
21- الإسلام يدعو إلى حسن الأخلاق والأعمال : قال - تعال - : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }
وقال: { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } .(1/170)
22- الإسلام يحفظ العقول : ولهذا حرم الخمر ، والمخدرات ، وكل ما يؤدي إلى فساد العقل.
23- الإسلام يحفظ الأموال : ولهذا حث على الأمانة ، وأثنى على أهلها ، ووعدهم بطيب العيش ، ودخول الجنة ، وحرم السرقة ، وتوعد فاعلها بالعقوبة ، وشرع حد السرقة وهو قطع يد السارق ؛ حتى لا يتجرأ أحد على سرقة الأموال ؛ فإذا لم يرتدع خوفاً من عقاب الآخرة ارتدع خوفاً من قطع اليد.
ولهذا يعيش أهل البلاد التي تطبق حدود الشرع آمنون على أموالهم ، بل إن قطع اليد قليل جداً ؛ لقلة من يسرق.
ثم إن قطع يد السارق فيه حكمة الزجر للسارق من معاودة السرقة ، وردع أمثاله عن الإقدام عليها ، وهكذا تحفظ الأموال في الإسلام.
24- الإسلام يحفظ الأنفس : ولهذا حرم قتل النفس بغير الحق ، وعاقب قاتل النفس بغير الحق بأن يقتل.
---
ولأجل ذلك يقل القتل في بلاد المسلمين التي تطبق شرع الله ؛ فإذا علم الإنسان أنه إذا قتل شخصاً سيقتل به كف عن القتل ، وارتاح الناس من شر المقاتلات.
25-الإسلام يحفظ الصحة: فالإشارات إلى هذا المعنى كثيرة جدا سواء في القرآن أو السنة النبوية.
قال تعالى:((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلآ تُسْرِفُوا))
قال العلماء: إن هذه الآية جمعت الطب كله؛ ذلك أن الاعتدال في الأكل والشرب من أعظم أسباب حفظ الصحة.
ومن الإشارات لحفظ الصحة أن الإسلام حرم الخمر، ولا يخفى ما في الخمر من أضرار صحية كثيرة، فهي تضعف القلب، وتغري الكلى، وتمزق الكبد إلى غير ذلك من أضرارها المتنوعة.
ومن ذلك أن الإسلام حرّم الفواحش من زنًا ولواط، ولا يخفى ما فيهما من الأضرار الكثيرة ومنها الأضرار الصحية التي عرفت أكثر ما عُرِفَت في هذا العصر من زهري، وسيلان، وهربس، وإيدز ونحوها.(1/171)
ومن حفظ الإسلام للصحة أنه حرّم لحم الخنزير، الذي عرف الآن أنه يولّد في الجسم أدواءً كثيرة ، ومن أخصِّها الدورة الوحيدة، والشعرة الحلزونية، وعملهما في الإنسان شديد، وكثيراً ما يكونان السبب في موته.
ومن الإشارات في هذا الصدد ما عرف من أسرار الوضوء، وأنه يمنع من أمراض الأسنان، والأنف، بل هو من أهم الموانع للسل الرئوي ؛ إذ قال بعض الأطباء: إن أهم طريق لهذا المرض الفتاك هو الأنف، وإن أنوفاً تغسل خمس عشرة مرة لجديرة بأن لآ تبقى فيها جراثيم هذا الداء الوبيل، ولذا كان هذا المرض في المسلمين قليلاً وفي الإفرنج كثيراً.
والسبب أن المسلمين يتوضؤون للصلاة خمس مرات في اليوم، وفي كل وضوء يغسل المسلم أنفه مرة أو مرتين أو ثلاثاً.
26-يتفق مع الحقائق العلمية: ولهذا لا يمكن أن تتعارض الحقائق العلمية الصحيحة مع النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة.
---
وإذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لآ حقيقة لها، وإما أن يكون النص غير صريح في معارضته ؛ لأن النص وحقائق العلم كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيَّين.
ولقد قرر هذه القاعدة كثير من علماء المسلمين، بل لقد قررها كثير من الكتاب الغربيين المنصفين، ومنهم الكاتب الفرنسي المشهور (موريس بوكاي) في كتابه: (التوراة والإنجيل والقرآن) حيث بين في هذا الكتاب أن التوراة المحرفة، والإنجيل المحرف الموجودين اليوم يتعارضان مع الحقائق العلكية، في الوقت الذي سجل فيه هذا الكتاب شهادات تفوق للقرآن الكريم سبق بها القرآنً العلمَ الحديثَ.
وأثبت الكاتب من خلال ذلك أن القرآن لايتعارض أبدا مع الحقائق العلمية، بل إنه يتفق معها تمام الاتفاق.
ولقد تظافرت البراهين الحسية، والعلمية، والتجريبية على صدق ما جاء به الإسلام حتى في أشد المسائل بعدا عن المحسوس، وأعظمها إنكاراً في العصور السابقة.(1/172)
خذ على سبيل قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أُولاهنَّ بالتراب)).
ولقد جاء الطب باكتشافاته ومكبراته فأثبت أن في لعاب الكلب مكروباتٍ وأمراضاً فتاكة لا يزيلها الماء وحده، وأظهرت البحوث العلمية الحديثة أنه يحصل من إنقاء التراب لهذه النجاسة ما لا يحصل بغيره.
وجاء-أيضاً- أن شرب الكلب في الإناء يسبب أمراضاً خطيرة، فالكلب كثيراً ما تكون فيه ديدان مختلفة الأنواع، ومنها دودة شريطية صغيرة جدّا، فإذا شرب في إناء، أو لمس إنسانٌ جسد الكلب بيده أو بلباسه انتقلت بويضات هذه الديدان إليه، ووصلت إلى معدته في أكله، أو شربه، فتثقب جدرانها، وتصل إلى أوعية الدم، وتصل إلى الأعضاء الرئيسة، فتصيب الكبد، وتصيب المخ، فينشأ عنه صداع شديد، وقيءٌ متوالِ، وفقد للشعور، وتشنجات، وشلل في بعض الأعضاء، وتصيب القلب، فربما مزقته، فيموت الشخص في الحال.
---
ثم إن العلوم الطبيعية تؤيد الإسلام، وتؤكد صحته على غير علم من ذويها.
مثال ذلك تلقيح الأشجار الذي لم يكتشف إلا منذ عهد قريب، وقد نص عليه القرآن الذي أنزل على النبي الأمي منذ أربعة عشر قرناً في قوله-تعالى- :((وَأَرْسَلْنَا الرِّياَحَ لَوَاقِحَ)) وكذلك قوله تعالى- :((وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ))، وقوله:((وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ)) وقوله:((سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا)).
فهذا كلام رب العالمين في القرآن قبل أن تبين لنا العلوم الطبيعية أن في كل نبات ذكراً وأنثى.(1/173)
ولقد اعتنق بعض الأوربيين الإسلام لما وجد وصف القرآن للبحر وصفاً شافياً مع كون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يركب البحر طول عمره، وذلك مثل قوله ـ تعالى ـ :((أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَاهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا)).
27- الإسلام يكفل الحريات ويضبطها : فحرية التفكير في الإسلام مكفولة ، وقد منح الله الإنسان الحواس من السمع ، والبصر ، والفؤاد ، ليفكر ، ويعقل ، ويصل إلى الحق ، وهو مأمور بالتفكير الجاد السليم ، ومسؤول عن إهمال حواسه وتعطيلها ، كما أنه مسؤول عن استخدامها فيما يضر.
والإنسان في الإسلام حر في بيعه ، وشرائه ، وتجارته ، وتنقلاته ، ونحو ذلك ما لم يتعد حدود الله في غش ، أو خداع ، أو إفساد.
والإنسان في الإسلام حر في الاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا من مأكول ، أو مشروب ، أو مشموم ، أو ملبوس ما لم يرتكب محرماً يعود عليه ، أو على غيره بالضرر.
---
ثم إن الإسلام يضبط الحريات ؛ فلا يجعلها مطلقة سائمة في مراتع البغي والتعدي على حريات الآخرين ؛ فالشهوة على سبيل المثال لو أطلقت لاندفع الإنسان وراء شهواته ، التي تكون سبباً في هلاكه ؛ لأن طاقته محدودة ، فإذا استنفذت في اللهو والعبث والمجون - لم يبق فيها ما يدفعها إلى الطريق الجاد ، ويدلها على مسالك الخير ؛ فليس من الحرية - إذاً - أن يسترسل في شهواته وملذاته غير مبال بحلال أو حرام ، وغير ناظر في العواقب.
إن نهايته ستكون وخيمة في العاجل قبل الآجل ؛ إن ثرواته ستتبدد ، وإن قواه ستنهار ، و إن صحته ستزول ، وبالتالي سيكون تعيساً محسوراً.
ثم هب أن الإنسان أطلق لشهواته العنان هل سيجد الراحة والطمأنينة؟(1/174)
الجواب : لا ؛ وإذا أردت الدليل على ذلك فانظر إلى عالمنا المعاصر بحضارته المادية ، لما أطلق حرية العبث والمجون ، ولم يحسن استخدامها - حدثت القلاقل ، والمصائب ، والأمراض الجسدية والنفسية ، وشاع القتل ، والنهب ، والسلب ، والانتحار ، والقلق ، وأمراض الشذوذ.
وليست الحرية - أيضاً - بالسير وراء الأطماع التي لا تقف عند حد ، دونما مبالاة في آثارها على الآخرين ؛ فهل يعد من الحرية ما يقوم به الأقوياء من سطو على الضعفاء ، واستخفاف بحقوقهم ، ومصادرة لآرائهم كما هي حال الدول الكبرى في عالمنا المعاصر؟
الجواب : لا ؛ فالحرية الحقة - هي ما جاء به الإسلام ، وهي الحرية المنضبطة التي تحكم تصرفات الإنسان ، والتي يكون فيها الإنسان عبداً لربه وخالقه ؛ فذلك سر الحرية الأعظم ؛ فالإنسان إذا تعلق بربه خوفاً ، وطمعاً ، وحباً ، ورجاءً ، وذلاً ، وخضوعاً - تحرر من جميع المخلوقين ؛ ولم يعد يخاف أحداً غير ربه ، ولا يرجو سواه ، وذلك عين فلاحه وعزته.
وبالجملة فالإسلام دين الكمال والرفعة ، ودين الهداية والسمو.
---
وإذا رأينا من بعض المنتمين إليه وهناً في العزم ، أو بعداً عن الهدى - فالتبعة تعود على أولئك ، لا على الدين ؛ فالدين براء ، والتبعة تقع على من جهل الإسلام ، أو نبذ هدايته وراء ظهره.
من محاسن الدين الإسلامي
مر بك في الفقرة السابقة ذكر لبعض خصائص الدين الإسلامي ، والحديث في هذه الفقرة قريب من الحديث السابق أو إكمالٌ له.
وسيتضح لك فيما يلي شيء من محاسن الدين الإسلامي ، وأنه دين السعادة والفلاح ، وأنه لم يَدَع الإنسانَ في خاصة نفسه أو مع أهله ، أو مع جيرانه ، أو أهل ملته ، أو الناس أجمعين ـ إلا علمه من دقائق الآداب ، ومحاسن المعاملات ما يصفو به عيشه ، ويتم سروره.
ولا يريبنك ما عليه كثير من المسلمين من سوء الحال ؛ فإن ذلك بمقتضى أهوائهم لا من طبيعة دينهم.(1/175)
ومحاسن الدين الإسلامي تتجلى بوضوح من خلال النظر في أوامر الإسلام ونواهيه.
فإليك نبذة عن ذلك فيما يلي من أسطر.
أولا: من أوامر الإسلام:
الإسلام يأمر بأوامر عظيمة تنتظم بها الأمور المدنية ، وتصلح بها حالة المعاش ؛ فالإسلام في ذلك الشأن هو البحر الذي لا يدرك غوره ، و الغاية التى ليس بعدها أمل لآمل ، ولا زيادة لمستزيد.
وهذه الآوامر حث عليها الإسلام بأبلغ العبارات ، وأقربها إلى الأفهام ، وتوعد على الخروج عن هذه الجادة بالعقاب ، ووعد من أخذ بها بجزيل الثواب.
فمن تلك الآوامر العظيمة التي جاء بها الإسلام ما يلي:
1- الإسلام يأمر بما تكون به كبير النفس عن التشبه بما دونك من أنواع الحيوانات ، رفيعَ القدر عن أن تكون عبدا لشهواتك وحظوظك ، عالي المنزلة عن أن تعظم غير ربك ، أو تخضع لغير حكمه.
2- يأمرك بما يشعرك أنك عضو نافع عامل تأنف أن تقلد غيرك ، أو تكون عالة على سواك.
3- الإسلام أمرك باستعمال عقلك ، وجوارحك فيما خلقت له ، من العمل النافع في أمر دينك ودنياك.
---
4- الإسلام يأمرك بالتوحيد الخالص ، والعقيدة الصحيحة التي لا يقبل العقل غيرها ، ولا تطمئن القلوب إلا بها ؛ فالعقيدة التي أمرك الإسلام بها تجعلك عظيماً كبيراً ، وتشعر قلبك العزة ، وتذيقك حلاوة الإيمان ،.
5- الإسلام يأمرك بستر عورات المسلمين ، واتقاء مواضع التهم .
6- الإسلام يأمر بالسعي لقضاء حاجات المسلمين ، وتنفيس كرباتهم.
7-الإسلام يأمرك بالبداء بالسلام على كل مسلم، وأن تنصر أخاك المسلم في غيبته.
8-الإسلام أمرك بعيادة المرضى وتشييع الجنائز وزيارة القبور والدعاء لإخوانك المسلمين.
9-الإسلام يأمرك بإنصاف الناس من نفسك وأن تحبّ لهم ما تحبه لنفسك.
10-الإسلام أمرك بالسعي في طلب الرزق، وأن تعز نفسك ، وأن ترفعها عن مواطن الذل والهوان.(1/176)
11-الإسلام أمرك بالرحمة بالخلق، والعطف عليهم، وحسن رعايتهم ومداراتهم، والسعي في نفعهم، وجلب الخيرات لهم، ودفع المضرات عنهم.
12-الإسلام أمرك ببرّ الوالدين، وصلة الأرحام، وإكرام الجار، والرفق بالحيوان.
13-الإسلام أمرك بالوفاء للأصحاب، وحسن المعاملة للزوج والأبناء.
14-الإسلام أمرك بالحياء ، والحلم ، والسخاء ، والكرم ، والشجاعة ، والغيرة على الحق.
15-وأمرك بالمروءة ، وحسن السمت ، والحزم ، و الحكمة في الأمور.
16-وأمرك بالأمانة ، وإنجاز الوعد، وحسن الظن، والأناة في الأمور ، والمبادرة في فعل الخير.
17-وأمرك بالعفة ، والاستقامة ، والشهامة ، والنزاهة.
18-الإسلام يأمرك بشكر الله ، ومحبته ، وخوفه ، ورجائه ، والأنس به ، والتوكل عليه.
إلى غير ذلك من المعاني الجميلة العظيمة.
ثانيا: من نواهي الإسلام: فمن أعظم محاسن الإسلام ما جاء به من النواهي التي تحذر المسلم من الوقوع في الشر، وتنذره سوء العاقبة التي تترتب على الأفعال القبيحة ؛ فمما نهى الإسلام عنه ما يلي:
1-نهى عن الكفر ، والفسوق ، والعصيان ، واتباع الهوى.
---
2-ونهى عن الكبر ، والحقد ، والعجب ، والحسد ، والشماتة بالمبتلين.
3-ونهى عن سوء الظن ، والتشاؤم ، واليأس ، والبخل ، والتقتير ، والإسراف ، والتبذير.
4-ونهى عن الكسل ، والخور ، والجبن ، والضعف ، والبطالة ، والعجلة ، والفظاظة ، وقلة الحياء ، والجزع ، والعجز ، والغضب ، والطيش ، والتسخط على ما فات.
5-ونهى عن العناد، وعن قسوة القلب التي تمنع صاحبها من إغاثة الملهوف والمضطر.
6-ونهى عن الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره ، وعن النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد.
7-ونهى عن كثرة الكلام بلا فائدة ، وعن إفشاء السر ، والسخرية بالناس ، والاستهزاء بالآخرين.
8-ونهى عن السب ، واللعن ، والشتم ، والتعبير بالعبارات المستقبحة ، والتخاطب بالألقاب السيئة.(1/177)
9-ونهى عن كثرة الجدال ، والخصومة ، وعن المزاح البذيْ الذي يجر إلى الشر والتطاول.
10-ونهى عن الكلام والتدخل فيما لا يعني.
11-ونهى عن كتمان الشهادة ، وعن شهادة الزور ، وعن قذف المحصنات ، وسب الأموات ، وكتم العلم.
12-ونهى عن السفاهة ، والفحش ، وعن المن بالصدقة ، وعن ترك الشكر لمن أسدى إليك معروفاً.
13-ونهى عن الاستطالة في الأعراض ، وانتساب المرء إلى غير أبيه ، وعن ترك النصيحة ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
14-ونهى عن الخيانة ، والمكر ، وإخلاف الوعد ، والفتنة التي توقع الناس في اضطراب.
15-ونهى عن عقوق الوالدين ، وقطيعة الرحم، وإهمال الأولاد.
16-ونهى عن التجسس ، والتحسس ، وتتبع عورات الناس.
17-ونهى عن تشبه الرجال بالنساء ، وعن تشبه النساء بالرجال ، وعن إفشاء سر الزوج.
18-ونهى عن شرب الخمر ، وتعاطي المخدرات ، وعن المقامرة التي تعرض المال للمخاطرة.
19-ونهى عن ترويج السلعة بالحلف الكاذب ، وعن بخس الكيل والوزن ، وعن إنفاق المال بالمحرمات ، وعن إيذاء الجار.
---
20-ونهى عن السرقة ، والغصب ، وخطبة الإنسان على خطبة أخيه ، وشرائه على شراء أخيه.
21-ونهى عن خيانة أحد الشريكين لشريكه ، وعن استعمال العارية بغير ما أذن بها صاحبها، وعن تأخير أجرة الأجير او منعه منها بعد فراغه من عمله.
22-ونهى عن الإكثار من الطعام بحيث يضر صاحبه.
23-ونهى عن التهاجر ، والتشاحن ، والتدابر ، وحذّر أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام.
24-ونهى عن الضرب لأحد بغير مسوغ شرعي ، وعن ترويع الناس بالسلاح.
25-ونهى عن الزنا ، واللواط ، وقتل النفوس التي حرم الله قتلها.
26-ونهى عن قبول القاضي هديةً من أحد لم يكن له عادة بإهداءها له قبل توليه ، وعن قبول الضيافة الخاصة.
27-ونهى عن أخذ الرشوة من محق أو مبطل ، وعن دفع الرشوة من محق أو مبطل، إلا من محق مضطر إلى دفعها.
28-ونهى عن خذلان المظلوم مع القدرة على نصره.(1/178)
29-ونهى عن اطلاع المرء على دار غيره بغير إذنه ولو من ثقب ، و عن التسمع لحديث قوم يكرهون سماعه.
30-ونهى عن كل ما يضر بالهيئة الاجتماعية ، أو النفس ، أو العقل ، او الشرف ، أو العرض.
هذه نبذة موجزة عن أوامر الإسلام ونواهيه، وبسط ذلك، وذكر أدلته يحتاج إلى مجلدات ضخام.
أركان الإسلام
أركان الإسلام هي أسسه التي يبنى عليها ، وهي خمسة أركان:
1- شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله 2- إقامة الصلاة
3- إيتاء الزكاة 4- صيام رمضان 5- حج بيت الله الحرام
معاني أركان الإسلام
1- شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله : معنى هذه الشهادة الاعتقاد الجازم المعبر عنه باللسان بأن الله هو المعبود الحق وحده لا شريك له ، وأن محمداً هو الرسول المبلغ عن الله.
وجعلت هاتان الشهادتان ركناً واحداً مع تعدد المشهود به لأن هاتين الشهادتين أساس صحة الأعمال ؛ فلا يقبل إسلام ، ولا عمل إلا بالإخلاص لله ، والمتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم- .
---
ومعنى ذلك ألا يعبد إلا الله وحده ، ولا يعبد إلا بما شرعه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فبالإخلاص تتحقق شهادة أن لا إله إلا الله ، و بالمتابعة تتحقق شهادة أن محمدا رسول الله.
وما يمكن أن يتضح به معنى الشهادتين أن يقال : إن معنى لا إله إلا الله : هو أن ينطق بها الإنسان معتقدا أن الله هو المعبود الحق وحده ؛ فلا يكفي مجرد النطق بها ، بل لا بد من العمل بمقتضاها من القبول ، والانقياد ، والصدق ، والإخلاص ، والمحبة.
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله : طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
هذا وللشهادتين ثمرات عظيمة منها : تحرير القلب والنفس من الرق للمخلوقين ، والاتباع لغير المرسلين.
2- إقامة الصلاة : وهو التعبد لله بفعل الصلاة على وجه الاستقامة والتمام في أوقاتها وهيئاتها.(1/179)
والصلوات المفروضة في الإسلام خمس في اليوم والليلة ، وهي صلاة الفجر ، وصلاة الظهر ، وصلاة العصر ’ وصلاة المغرب ، وصلاة العشاء.
ومن ثمرات الصلاة أنها سبب لانشراح الصدر ، وقرة العين ، وقوة العقل ، وحصول النشاط ، وطرد الكسل ، والانزجار عن الفحشاء والمنكر ، وحصول الترابط بين المسلمين.
3- إيتاء الزكاة : وهو التعبد لله ببذل القدر الواجب من الأموال الزكوية لمستحقيها.
بحيث يخرج المسلم قدراً يسيراً محدوداً من ماله ، ويدفعه إلى مستحقيه من الفقراء ، والمساكين ، ونحوهم.
ومن ثمرات الزكاة : تطهير النفس من البخل ، وزيادة المال ، ونماؤه ، وسد حاجة المسلمين ، وشيوع المحبة بينهم ، والتخلص من الأثرة والاستبداد ، والسلامة من الحسد ، وحصول التواضع والرحمة ، والشعور بالآخرين.
4- صوم رمضان : وهو التعبد لله بالإمساك عن المفطرات نهار رمضان.
---
وذلك بأن يدع المسلم الطعام ، والشراب ، والجماع ، ونحوها من المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طيلة شهر رمضان ؛ تعبداً لله - عز وجل - .
ومن ثمرات الصيام : تزكية الروح ، وتهذيب النفس ، وترفعها عن الدنايا ، وترويضها على ترك المحبوبات طلبا لمرضاة الله ، وتعويدها على الصبر وتحمل المصاعب.
ومن ثمراته - أيضاً - تنمية الإخلاص ومراقبة الله ، ورعاية الأمانة ، والشعور بالآخرين ، وطرد الفردية ، وحصول الصحة العامة للبدن.
5- حج البيت : وهو التعبد لله بقصد البيت الحرام للقيام بشعائر الحج ولو مرة واحدة في العمر لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.
ومن ثمرات الحج تذكر الآخرة ، وترويض النفس على بذل الجهد المالي والبدني ؛ تقرباً لله .
ومن ثمراته حصول التعارف ، والتواد بين المسلمين .
هذه هي أركان الإسلام ، وهذه ثمراتها على سبيل الإجمال ، وإلا فتفاصيل ثمراتها لا تعد ولا تحصى.(1/180)
فهذه الأركان تجعل من الأمة أمة إسلامية طاهرة ، نقية ، تدين بدين الحق ، وتعامل الخلق بالعدل والصدق ، لأن ما سواها من شرائع الإسلام يصلح بصلاح هذه الأسس ، و الأمة تصلح بصلاح أمر دينها ، ويفوتها من صلاح أحوالها بقدر ما فاتها من صلاح أمور دينها.
أسس العقيدة الإسلامية
الدين الإسلامي عقيدة وشريعة ، وقد مر فيما سبق الإشارة إلى شيء من شرائعه ، ومر الحديث عن أركانه التي هي أساس لشرائعه.
أما العقيدة الإسلامية فهي تشمل الإيمان بكل ما جاء عن الله ، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأخبار ، والأحكام القطعية ، والغيبيات ، ونحو ذلك .
وأسس العقيدة هي أركان الإيمان الستة ، وهي :
1- الإيمان بالله 2- الإيمان بالملائكة
3- الإيمان بالكتب 4- الإيمان بالرسل
5- الإيمان باليوم الآخر 6- الإيمان بالقدر خيره وشره
وإليك فيما يلي بعض التفصيل حول هذه الأركان :
---
أولاً : الإيمان بالله : الإيمان بالله - عز وجل - أصل الأصول ، وأهم المهمات ، وأشرف العلوم.
والإيمان بالله هو التصديق الجازم بوجود الله ، وبأنه رب كل شيئ ومليكه ، وأنه الخالق وحده ، المدبر للكون كله ، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له ، وأنه متصف بصفات الكمال والجلال ، وأنه منزه عن كل عيب ، ونقص ، ومماثلة للمخلوقين.
وهذا الإيمان مستقر في فطرة كل إنسان ؛ فكل واحد من البشر مفطور على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم ، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عن ذلك .
قال - تعالى - : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } .
ومعنى فطرة الله : الإسلام .
ولهذا فإن كل إنسان مفطور على اللجوء إلى ربه - تعالى - عند الشدائد ؛ فإذا وقع الإنسان - أي إنسان حتى الكافر والملحد - في شدة أو أحدق به خطر - فإن الخيالات والأوهام تتطاير من ذهنه ، ويبقى ما فطره الله عليه ؛ فيلجأ إلى ربه ؛ ليفرج كربته .(1/181)
والمراد بكون الإنسان يولد على الفطرة أنه يولد مجبولاً على حب خالقه ، وإقراره بوجوده وعبوديته ؛ فلو خلي و فطرته لم يعدُ عن ذلك إلى غيره ؛ فكما أنه يولد مفطوراً على ما يلائم بدنه من الأغذية والأشربة فكذا يولد مفطوراً على ما يلائم قلبه ، وروحه من التوجه إلى الله ، والإقرار به .
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( كل مولود يولد على الفطرة ؛ فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه))
أي أن المولود يولد على الفطرة وهي الإسلام ، ولهذا لم يقل أو يسلمانه ؛ فاعتناق غير الإسلام يعد خروجاً عن الأصلِ ، والقاعدة بأسباب خارجة .
فالأبوان قد يصرفان المولود عن أصل فطرته إلى اليهودية ، أو النصرانية ، أو المجوسية ، أو غير ذلك مما يخالف الفطرة .
---
ثم إن العقل السليم يؤيد الفطرة السليمة ، فالعقل يدل أعظم الدلالة على الإيمان بالله ؛ فمن نظر إلى هذا العالم ، وما أودع الله فيه من المخلوقات المتنوعة من أرض ، وسماء ، وجبال ، وبحار ، وإنسان ، وحيوان ، وجماد ، وزروع ، ونحو ذلك - أدرك أن لهذا الكون خالقاً وهو الله - عز وجل - فالقسمة العقلية في هذا الصدد لا تخرج عن ثلاثة أمور :
1- إما أن تكون هذه المخلوقات وجدت صدفة من غير مُحْدِث ولا خالق : وهذا محال ممتنع يجزم العقل ببطلانه ؛ لأن كل من له عقل يعلم أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير مُحْدِث ولا موجد ، ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام البديع المتَّسِق المتآلف ، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات ، وبين الكائنات بعضها مع بعض ـ يمنع منعاً باتاً أن يكون وجودها صدفة .
2- وإما أن تكون هذه المخلوقات هي الخالقة لنفسها : وهذا محال ممتنع ؛ فكل عاقل يجزم أن الشيء لا يخلق نفسه ؛ لأنه قبل وجوده معدوم ؛ فكيف يكون خالقاً؟
وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث وهو :(1/182)
3- أن هذه المخلوقات لها خالق خلقها ، ومحدث أوجدها : وهو الله الخالق لكل شيء ، الذي لم يسبق بعدم ، ولا ينتهي بفناء .
وقد ذكر الله - عز وجل - هذا الدليل العقلي القاطع في القرآن الكريم فقال : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } .
يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق ، ولا هم خلقوا أنفسهم ؛ فتعين أن يكون خالقهم هو الله ؛ فالمخلوق لا بد له من خالق ، والأثر لا بد له من مُؤَثِّر ، والمُحْدَث لا بد له من مُحْدِث ، والمصنوع لا بد له من صانع ، والمفعول لا بد له من فاعل .
هذه قضايا واضحة ، تعرف في بداهة العقول ، ويشترك في إدراكها والعلم بها جميع العقلاء ، وهي أعظم القضايا العقلية ؛ فمن ارتاب فيها فقد دل على اختلال عقله ، وبرهن على سفهه ، وفساد تصوره .
---
وهذه الحقائق معروفة لدى العقلاء من غير المسلمين، ومن نظر في كتاب (الله يتجلى في عصر العلم ) وقد كتبه ثلاثون من علماء الفلك و الطبيعة ممن انتهت إليهم الرياسة في هذه ـ العلوم ـ أدرك أن العالم الحقيقي لا يكون إلا مؤمناً، والعامي لا يكون إلاّ مؤمناً، وأن الإلحاد والكفر إنما يبدوان من أنصاف العلماء، وأرباع العلماء ممن تعلم قليلا، وخسر بذلك الفطرة المؤمنة، ولم يصل إلى الحق الذي يدعو إليه الإيمان.
وقريب من الكتاب السابق كتاب آخر اسمه (الإنسان لا يقوم وحده) وترجم للعربية بعنوان:(العلم يدعو للإيمان).
ومؤلف هذا الكتاب هو (كريسي موريسون) الرئيس السابق لأكاديمية العلوم في نيويورك، ورئيس المعهد الأمريكي لمدينة نيويورك، وعضو المجلس التنفيذي لمجلس البحوث القومي في الولايات المتحدة، والزميل في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، وعضو مدى الحياة للمعهد الملكي البريطاني.
ومما قاله (موريسون) في كتابه الآنف الذكر:((إن تقدم الإنسان من الوجهة الخلقية، وشعوره بالواجب إنما هو أثر من آثار الإيمان بالله)).(1/183)
وقال:((إن غزارة التدين لتكشف عن روح الإنسان، وترفعه خطوة خطوة، حتى يشعر بالاتصال بالله، وإن دعاء الإنسان الغريزي لله بأن يكون في عونه - هو أمر طبيعي، وإن أبسط صلاة تسمو به إلى مقربة من خالقه)).
وقال:((إن الوقار، والكرم، والنبل، والفضيلة، والإلهام ـ لا تنبعث عن الإلحاد)).
وقال:((بدون الإيمان كانت المدنية تفلس، وكان النظام ينقلب فوضى، وكان كل ضابط، وكل كبح يضيع، وكان الشر يسود العالم ؛ فعلينا أن نثبت على اعتقادنا بوجود الله وعلى محبته)).
وقال:((وما دامت عقولنا محدودة فإننا لا نقدر أن ندرك ما هو غير محدود، وعلى ذلك لا نقدر إلاّ أن نؤمن بوجود الخالق المدبر الذي خلق الأشياء بما فيها تكوين الذرات، والكواكب، والشمس.))
---
وقال:(( إن كون الإنسان في كل مكان، ومنذ بدء الخليقة حتى الآن قد شعر بحافز يحفزه إلى أن يستنجد بمن هو أسمى منه، وأقوى ، وأعظم ـ يدل على أن الدين فطري، ويجب أن يقر العلم بذلك)).
ومن الأدلة على وحدانية الله ، والإيمان به - دلالة الحس ؛ والأدلة الحسية على ذلك لا تكاد تحصى ، ومن الأمثلة الحسية الدالة على الإيمان بالله إجابة الدعوات ؛ فكم من الداعين الملهوفين الذين يتوجهون إلى الله بالدعاء فيستجيب دعاءهم ، ويفرج كرباتهم ، ويدفع عنهم السوء .
والأمثلة على إجابة الدعوات كثيرة جداً ، بل كل مسلم يعرف ذلك من نفسه .
قال - تعالى - : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } وقال : { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } .
ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في القرآن الكريم من ذكر لإجابة دعوات الأنبياء قال - تعالى - : { ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له } وقال : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم } .(1/184)
وجاء في السنة النبوية أدلة كثيرة على إجابة دعوات الداعين ، ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (( أن أعرابيا دخل يوم الجمعة ، والنبي _ صلى الله عليه وسلم - يخطب ، فقال : يا رسول الله ، هلك المال ، وجاع العيال ؛ فادع الله لنا ، فرفع النبي يديه ، ودعا ، فثار السحاب أمثال الجبال ؛ فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته .
وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره ، فقال : يا رسول الله تهدم البناء ، وغرق المال ، فادع الله لنا ، فرفع يديه ، وقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، فما يشير بيده إلى ناحية إلا انفرجت )).
ومن الأدلة الحسية - أيضاً - آيات الأنبياء التي تسمى المعجزات ، وهي أمور خارقة للعادة ، خارجة عن نطاق البشر ، يجريها الله على أيدي أنبيائه تأييداً لهم ، وتصديقاً لما جاءوا به من الحق.
فالمعجزات برهان قاطع على وجود من أرسلهم.
---
مثال ذلك آيات موسى - عليه السلام - ومنها أنه - عليه الصلاة والسلام - لما ذهب بأتباعه المؤمنين لحق به فرعون وجنوده ، فلما وصل موسى وأتباعه البحر قال أصحابه : (( إنا لمدركون )) أي سوف يدركنا فرعون وجنوده ، فقال موسى - عليه السلام - : (( كلا إن معي ربي سيهدين )) فأوحى الله إلى موسى (( أن اضرب بعصاك البحر )) فلما ضرب موسى البحر بعصاه ، صار في البحر اثنا عشر طريقا يابساً فعبره موسى وأتباعه ، ولما لحق به فرعون وتمكن في البحر هو وجنوده أطبق عليهم البحر ، فنجا موسى وأتباعه ، وأدرك فرعون وجنوده الغرق.
ومن ذلك آية عيسى - عليه السلام - حيث كان يحي الموتى ، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله.
وكذلك نبع الماء بين أصابع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -(1/185)
وكذلك لما طلب كفار مكة منه - صلى الله عليه وسلم - آية فأشار إلى القمر ، فانفلق فرقتين ، فرآه الناس ؛ فهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تأييدا لرسله تدل دلالة قاطعة على وجود من أرسلهم.
ومن الأدلة على وحدانية الله - عز وجل - ووجوب الإيمان به صدق الرسل ؛ فالرسل جاءوا بدعوى النبوة ، وتلك الدعوى لا يدعيها إلا أصدق الناس أو أكذبهم ؛ فالأنبياء أصدق الناس ، و مدعو النبوة أكذب الناس ؛ فالأنبياء والرسل جاءوا بالوحي من عند الله ، فأيدهم الله ، ونصرهم ، وأعلى شأنهم ، وأجاب دعاءهم ، وأهلك عدوهم ؛ فلو كانوا كاذبين لأهلكهم ، ولخذلهم ، ولجعل الدائرة عليهم كما هي الحال مع مدعي النبوة.
فتأييد الله للرسل دليل صدقهم ، وصدقهم دليل على أنهم مبعوثون من عند الله الحق ، وأن مرسلهم حق ، وعبادته حق.
ومن الأدلة على وحدانية الله - هداية المخلوقات ، فهذا دليل حسي عظيم يقود إلى الإيمان بالله - عز وجل - فلقد هدى الله الحيوان ناطقه ، وبهيمه ، وطيره ، ودوابه ، وفصيحه ، وأعجمه إلى ما فيه صلاح معاشه وحاله.
---
فمن الذي هدى الطفل ساعة ولادته إلى أن يلتقم ثدي أمه ؟ ومن الذي أودع فيه معرفة عملية الرضاع ، تلك العملية الشاقة التي تتطلب انقباضات متوالية في عضلات الوجه ، واللسان ، والعنق ، وحركات متواصلة للفك الأسفل ، والتنفس من طريق الأنف ، كل ذلك يتم بهداية تامة ، وبدون سابق علم أو تجربة ؟
فمن الذي ألهمه ذلك؟
إنه الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
ومن الذي أعطى الإنسان القوة ، والعقل ، وعلمه ما لم يكن يعلم ؟
إنه الله الخالق المستحق للعبادة.
أما هداية الطير ، والوحش ، والدواب فحدث ولا حرج ؛ فلقد هداها الله إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان.
وإذا أردت الدليل فانظر إلى حياة النحل ، أو النمل ، أو الحمام أو غيرها فسترى العجب العجاب الذي يدعوك إلى الإيمان برب الأرباب.
والمجال لا يتسع للتفصيل في هذا الأمر.(1/186)
ثانيا: الإيمان بالملائكة
وهذا هو الركن الثاني من أركان الإيمان.
والملائكة : عالم غيبي ، مخلوقون ، عابدون لله - تعالى - وليس من لهم خصائص الربوبية ، ولا الألوهية شيء ، أي أنهم لا يخلُقون ، ولا يَرزُقُون ، ولا يجوز يعبدوا مع الله.
وقد منحهم الله - عز وجل - الانقياد التام لأمره ، والقوة على تنفيذه.
والملائكة عددهم كثير ولا يحصيهم إلا الله.
والإيمان بهم يتضمن ما يلي:
1- الإيمان بوجودهم .
2- الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه كجبريل ، ومن لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالا ، أي نؤمن بأن لله ملائكة كثيرين ، ولا يلزم معرفة أسمائهم.
3- الإيمان بما علمنا من صفاتهم ، كصفة جبريل ؛ فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رآه على صفته التي خلقه الله عليها ، وله ستمائة جناح قد سد الأفق.
---
وقد يتحول الملك بأمر الله إلى هيئة رجل ، كما حصل لجبريل حين أرسله الله إلى مريم أم المسيح، فتمثل لها بشراً سوياً ، وحين جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس بين أصحابه ، حيث جاء جبريل بصورة رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه أحد من أصحاب رسول الله ، فجلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسند ركبتيه إلى ركبته ، ووضع كفيه على فخذيه ، وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام ، و الإيمان ، والإحسان ، والساعة ، وأماراتها ، فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال بعد أن ولى : (( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ))
وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله إلى إبراهيم ولوط على هيئة رجال.
4- الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها ، كتسبيح الله ، وعبادته ليلاً ونهاراً بدون ملل ولا فتور.(1/187)
وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة ، كجبريل الأمين على وحي الله يرسله الله بالوحي إلى الأنبياء والرسل ، ومثل ميكائيل الموكل بالقطر أي النبات ، ومثل مالك الموكل بالنار ، ومثل الملائكة الموكلين بحفظ بني آدم.
والإيمان بالملائكة يثمر ثمرات جليلة منها:
1- العلم بعظمة الله - تعالى - وقوته ، وسلطانه ؛ فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق
2- شكر الله على عنايته ببني آدم حيث وكل بهم من هؤلاء الملائكة من يقومون بحفظهم ، وكتابة أعمالهم وغير ذلك من مصالحهم
3- التقرب إلى الله بحب الملائكة على ما قاموا به من مراضي الله.
ثالثا: الإيمان بالكتب
فهذا هو الركن الثالث من أركان الإيمان ، والمراد بالكتب : هي الكتب التي أنزلها الله على رسله ؛ رحمة بالخلق ، وهداية لهم ؛ ليصلوا إلى سعادة الدنيا والآخرة.
والغاية التي أنزلت من أجلها الكتب هي أن يُعْبَدَ اللهُ وحده لا شريك له ، ولتكون منهج حياة للبشر تقودهم بما فيها من هداية إلى كل خير ، وتحيي نفوسهم ، وتنير لهم دروب الحياة.
---
والإيمان بالكتب يتضمن ما يلي:
1- الإيمان بأنها منزلة من عند الله حقاً.
2- الإيمان بما علمنا اسمه كالقرآن الذي نزل على محمد ، والإنجيل الذي نزل على عيسى ، والتوراة التي أنزلت على موسى ، والزبور الذي أوتيه داود.
وما لم نعلمه نؤمن به إجمالا.
3- تصديق ما صح من أخبارها ، والعمل بآخرها وهو القرآن ؛ لأنه آخرها ، ولأنه ناسخ لها.
والكتب السماوية تتفق في أمور ، فتتفق في وحدة المصدر ؛ فكلها من عند الله ، وتتفق في وحدة الغاية ، وفي مسائل الاعتقاد ، وأنها تدعوا إلى العدل ، والقسط ، ومكارم الأخلاق ، ومحاربة الظلم ، والفساد ، والانحراف ، وتتفق في كثير من التشريعات.
وتختلف في بعض التشريعات وتفاصيلها ؛ فلكل أمة شريعة تلائمها وتناسبها.
منزلة القرآن الكريم من الكتب المتقدمة(1/188)
القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية ، وخاتمها ، وأطولها ، وأشملها ، وهو الحاكم عليها ؛ فهو مشتمل على ما اشتملت عليه الكتب السماوية السابقة ، ويزيد عليها من المطالب الإلهية ، والأخلاق النفسية.
والقرآن فيه نبأ السابقين ، واللاحقين ، وفيه الحكم ، والحكمة ، والأحكام.
والقرآن هو الحاكم المهيمن على الكتب السابقة ؛ فما شهد له بالصدق فهو المقبول ، وما حكم عليه بالرد فهو مردود قد دخله التحريف والتبديل.
والقرآن جاء في الذروة من الفصاحة والبلاغة والإعجاز ؛ فهو معجز في لفظه ، ومعناه ، و في فصاحته ، وإخباره عن الغيوب السابقة واللاحقة ، وهو معجز في حكمه وأحكامه وفي كل ما جاء به.
ولهذا يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة ؛ لأنها دلت عليه ، وبشرت به.
فالعمل - إذاً - يكون بالقرآن ، ولا يُقبل من أحد دينٌ إلا ما جاء في هذا القرآن ؛ فهو رسالة الله الأخيرة للبشرية ، بل هو عام للجن والإنس ؛ بخلاف الكتب السماوية الأخرى التي كانت خاصة بأقوام معنيين ، وفترات معينة.
---
ثم إن القرآن محفوظ من الزيادة ، والنقص ، والتحريف ؛ فلقد تكفل الله - سبحانه - بحفظه.
قال تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } والذكر هو القرآن ، والسنة النبوية.
والقرآن له أثر عظيم في القلوب ؛ فما يسمعه أحد وهو ملقٍ سمعه إلا يجد أن له تأثيرا عظيما في نفسه ولو لم يفهم معانيه أو دلالاته ، حتى و لو لم يكن يعرف اللغة العربية.
وهذا سر من أسرار القرآن التي تبين عظمته.
ثم إن القرآن له أبلغ الأثر في رقي الأمم وفلاحها ؛ فهو الذي أخرج الله به من أمة العرب أعلام الحكمة والهدى ، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس ، بعد أن كانوا يتخبطون في دياجير الجهالة.
ومن خصائص القرآن أنه لا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق من كثرة الرد ؛ فكلما أكثر الإنسان من قراءته زادت حلاوته مرة بعد مرة.(1/189)
ومن خصائصه أن الله يسر تعلمه وحفظه ؛ ولهذا فإن كثيراً من أطفال المسلمين يحفظونه كاملاً عن ظهر قلب.
ومن خصائصه أنه مشتمل على أعدل الأحكام ، وأعظمها ، وأشرفها ، وأشملها ؛ فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وأحاط بها إجمالاً وتفصيلاً.
ويشهد بذلك كل منصف عاقل ، حتى ولو لم يكن مسلما.
يقول السير وليم مور في كتابه المسمى (حياة محمد) :((إن القرآن ممتلئ بأدلة من الكائنات المحسوسة والدلائل العقلية على وجود الله تعالى، وأنه الملك القدوس، وأنه سيجزي المرء بعمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وإن اتباع الفضائل، واجتناب الرذائل فرض على العالمين، وإن الواجب على كل مكلف أن يعبد الله -تعالى- وهي علة سعادته)).
ويقول جيون:((إن أوامر القرآن ليست محصورة في الفروض الدينية والأدبية فقط، إن القرآن عليه مدار الأمور الأخروية والدنيوية من الفقه، والتوحيد، والأحكام الحقوقية، والجزائية، وما به انتظام الكون، وقمع الظالم، وصيانة الحقوق، وذلك أمر إلهي لا مرية فيه.
---
وبعبارة أخرى: إن القرآن المجيد هو الدستور العمومي لكل العالم الإسلامي، وهو دستور الدين الإسلامي، فهو نظام الكون في المعاش والمعاد، وبه النجاة الأبدية، وحفظ الصحة البدنية، والمصالح العمومية والشخصية، وما يترتب على ذلك من الفضائل الأدبية، والإجراءات الجزائية الدنيوية والأخروية، وكل ذلك منظم في القرآن المجيد)).
وبالجملة فالشهادات في هذا السياق كثيرة جداً ، ولو استمر الكاتب في سردها لطال به المقام.
السنة النبوية
السنة النبوية : هي كل ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول ، أو فعل ، أو وصف ، أو تقرير.
والسنة شقيقة القرآن تفسره ، وتبينه ، وتعبر عنه ، وتدل عليه ، وتفصل مجمله ، وتدل على أحكام سكت عنها القرآن ، فهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي ، وهي من الذكر الذي تكفل الله بحفظه .(1/190)
والأحاديث التي جاءت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كثيرة جدا ، ولقد اعتنى بها العلماء غاية العناية ؛ حيث ميزوا صحيحها من ضعيفها ، و نقلوها إلينا بالأسانيد من طريق الرواة الثقاة العدول.
ثمرات الإيمان بالكتب:
1- العلم بعناية الله ، حيث أنزل على كل قوم كتابا يهديهم
2- العلم بحكمة الله ؛ حيث شرع لكل قوم ما يلائمهم
3- التحرر من زبالات أفكار البشر التي يدخلها الهوى ويعتريها النقص
رابعا : الإيمان بالرسل
هذا هو الركن الرابع من أركان الإيمان ، والرسل : هم كل من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه .
وأول الرسل نوح ، وآخرهم محمد - عليهم الصلاة والسلام - .
ولم تَخْلُ أمةٌ من الأمم من رسول ، يبعثه الله بشريعة مستقلة إلى قومه ، أو نبي يوحي إليه بشريعة مَنْ قبله ليجددها.
والرسل بشر مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية ، والألوهية شيء ، ولهذا تلحقهم خصائص البشرية من المرض والموت ، والحاجة إلى الطعام والشراب.
والرسالة اصطفاء من الله ، واختيار ، ولا تأتي بالاكتساب ، والمجاهدة.
---
والرسل خير البشر ، وصفوتهم ، وخلاصتهم.
والإيمان بالرسل يتضمن:
1- الإيمان بأن رسالتهم حق ؛ فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالرسل جميعاً ، فالذي يكذب بعيسى أو موسى أو محمد أو غيرهم من الرسل فهو مكذب بجميع الرسل.
وعلى هذا فالذين يؤمنون بعيسى ، ويكذبون بمحمد - عليهما السلام - هم مكذبون بعيسى غير متبعين له ؛ لأنه بَشَّرَ بمحمد - صلى الله عليه وسلم - و لا معنى لبشارته لهم إلا أنه رسول إليهم ينقذهم الله به من الضلالة ، ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
2- الإيمان بما علمنا اسمه منهم باسمه كإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وما لم نعلمه نؤمن به إجمالاً ؛ أي نؤمن بأن لله رسلاً قد بعثهم إلى أممهم ، ولا يلزم أن نعرفهم بأسمائهم.
3- تصديق ما صح من أخبارهم.(1/191)
4- العمل بشريعة خاتمهم الذي أرسل إلى الناس جميعا وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - .
من ثمرات الإيمان بالرسل:
1- العلم برحمة الله ، وعنايته بعباده ؛ حيث أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله ، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله ، ويسيرون على طريق مستقيمة في هذه الحياة ؛ لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك.
2- شكر الله على هذه النعمة.
3- محبة الرسل ، وتعظيمهم والثناء عليهم بما يليق بهم ؛ لأنهم رسل الله ، ولأنهم قاموا بعبادة الله ، وتبليغ دعوته ، والنصح لعباده ، ولأنهم خير البشر ، وصفوتهم ، وأحسنهم أخلاقاً ، وأعظمهم عبادة.
الإيمان باليوم الآخر
اليوم الآخر: هو يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء ؛ وسمي بذلك لأنه لا يوم بعده ؛ حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم ، وأهل النار في منازلهم.
ومعنى الإيمان باليوم الآخر: التصديق الجازم بإتيانه ، والعمل بموجب ذلك.
والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:
---
1- الإيمان بالبعث : وهو إحياء الموتى ؛ حيث ينفخ في الصور ، وهو قرن ينفخ فيه الملك الموكل بذلك ، ويقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غُرْلاً أي غير مختونين.
وهذا البعث مقتضى الحكمة ؛ حيث تقتضي أن يجعل الله لهذه الخليقة معاداً يجازيهم به على ما كلفهم به على ألسنة رسله.
2- الإيمان بالجزاء والحساب : فيحاسب العبد على عمله ، ويجازى عليه ؛ فمن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون .
والجزاء والحساب مقتضى الحكمة ؛ فإن الله أنزل الكتب ، وأرسل الرسل ، وفرض على العباد قبول ما جاء به الرسل ، والعمل بما يجب العمل به .
فلو لم يكن هناك حساب ولا جزاء لكان هذا من العبث الذي ينزه الله عنه.
ثم إن العباد منهم البر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، فهل يليق بحكمة الله أن يكون هؤلاء سواء؟
الجواب ، لا ، قال - تعالى - : { أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون } .(1/192)
3- الإيمان بالجنة والنار: وأنها المآل الأبدي للخلق ؛ فالجنة هي دار النعيم التي أعدها الله للمؤمنين المتقين الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم الإيمان به ، وقاموا بطاعة الله ورسله ، مخلصين لله ، متبعين لرسوله .
وفي الجنة من أنواع النعيم ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
والناس في الجنة تتفاوت درجاتهم بحسب أعمالهم الصالحة .
وأما النار فهي دار العذاب التي أعدها الله للكافرين الظالمين الذين كفروا به ، وعصوا رسله .
وفيها من أنواع النكال والعذاب ما لا يخطر على البال .
والنار دركات ، وأهلها يتفاوتون في العذاب بحسب أعمالهم السيئة .
ومما يلتحق بالإيمان باليوم الآخر الإيمان بأشراط الساعة ، وما في القيامة من الأهوال.
ويلتحق فيه - أيضا - الإيمان بكل ما يكون بعد الموت من :
---
أ- فتنة القبر : وهي سؤال الميت بعد دفنه ؛ حيث تعاد له الروح ؛ فيسأل عن ربه ، ودينه ، ونبيه ؛ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ، فيقول المؤمن : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد .
ويضل الله الظالمين ، فيقول الكافر : هاه ، هاه ، لا أدري ، ويقول المنافق أو المرتاب : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
ب- عذاب القبر ونعيمه : فأما عذاب القبر فيكون للظالمين من المنافقين ، و الكافرين حيث يأتيهم من حر جهنم وعذابها ما يسوؤهم ، ويضيق عليهم قبورهم.
وأما نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين ، حيث يفتح لهم باب من أبواب الجنة ، وتوسع عليهم قبورهم ، ويأتيهم من نعيم الجنة ما تقر به عيونهم.
ثمرات الإيمان باليوم الآخر
1- الرغبة في فعل الطاعات ، والحرص عليها ؛ رجاء لثواب ذلك اليوم.
2- الرهبة من فعل المعاصي ، والحذر من الرضى بها ؛ خوفا من عقاب ذلك اليوم.
3- تسلية المؤمن عما يفوته في الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها .
4- الصبر على الأذى ، والمصائبِ ، واحتسابُ الأجر.
إنكار البعث بعد الموت والرد على هذا الزعم(1/193)
أنكر الكافرون البعث بعد الموت زاعمين أن ذلك غير ممكن.
وهذا الزعم باطل من وجوه عديدة منها :
أ- الشرع : قال الله -تعالى - : { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم وذلك على الله يسير }
ب- أن الله هو الذي بدأ الخلق ، والذي بدأه لا يعجزه إعادته .
جـ- الحس : فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا ، ومن ذلك أن قوم موسى - عليه السلام - حين قالوا : {لن نؤمن حتى نرى الله جهرة } أماتهم الله ، ثم أحياهم.
---
وفي قصة القتيل الذي اختصم فيه بنوا إسرائيل زمن موسى - عليه السلام - فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ، ويضربوه ببعضها ؛ ليخبرهم بمن قتله ، ففعلوا ذلك فأحياه الله ، وأخبر بمن قتله ، ثم مات ، وكذلك قصة الذين خرجوا من ديارهم وهو ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم.
وكذلك ما أعطاه الله عيسى - عليه السلام - من القدرة على إحياء الموتى بإذن الله.
والأدلة على ذلك كثيرة جدا.
إنكار عذاب القبر ونعيمه والرد على هذا الزعم
ينكر بعض الناس عذاب القبر ونعيمه ؛ بحجة أنه لو كشف عن الميت في قبره لوجد كما كان ، والقبر لم يتغير بسعة ، ولا ضيق.
وهذا الزعم باطل من وجوه عديدة منها :
أ- الشرع ؛ فأدلة الكتاب والسنة بينت وقوع عذاب القبر ونعيمه ، ولا تجوز معارضة هذه الأدلة بالرد والتكذيب .
ب- الحس : ومن الأدلة الحسية التي تقرب المعنى ، وتدل على عذاب القبر أن النوم أخو الموت ، والنائم يرى في منامه أنه بمكان فسيح ينعم به ، أو يرى أنه في مكان موحش يتألم منه .
وربما يستيقظ أحيانا مما رأى ، وهو مع ذلك على فراشه وفي حجرته على ما هو عليه .
ثم إن أحوال البرزخ في القبر لا يدركها الحس ، ولو كانت تدرك بالحس لفاتت فائدة الإيمان بالغيب ، ولتساوى المؤمن بالغيب ، والجاحد في التصديق به .(1/194)
ثم إن نعيم القبر وعذابه إنما يدركه الميت دون غيره ، كما يرى النائم أنه في مكان موحش أو في مكان فسيح ، وهو بالنسبة لغيره لم تتغير حاله ، فهو يراه في منامه وبين فراشه وغطائه.
ثم إن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله من إدراكه ، ولا يمكن أن يدركوا كل شيء ؛ فكما أن أبصارهم وأسماعهم لها حد تقف عنده فكذلك عقولهم ومداركهم لها حد تقف عنده.
---
ومما ينبغي أن يعلم في هذه المسألة أن عذاب القبر ونعيمه لا يختص بمن مات ووضع في القبر ، بل يشمل كل من مات ، سواء وضع في قبره ، أو كان في ثلاجة الموتى ، أو كان في بطن سبع ، أو كان في صحراء لم يدفن فيها.
وإنما قيل عذاب القبر ؛ لأن العادة جرت بدفن الموتى.
سادسا : الإيمان بالقدر
القدر: هو تقدير الله للكائنات حسب ما سبق به علمه ، واقتضته حكمته.
وهو علم الله بالأشياء ، وكتابته ومشيئته وخلقه لها.
و معنى الإيمان بالقدر أن يؤمن الإنسان بأن الله يعلم ما يكون وما كان ، وما سيكون ، وأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأه لا يكون ، وأن الله كتب مقادير الخلائق فلا يقع شيء إلا بعلمه ، وكتابته ، ومشيئته وخلقه.
ويؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
ويؤمن - مع ذلك - بأن الله قد أمر بطاعته ، ونهى عن معصيته ، فيفعل الطاعة ؛ رجاء ثواب الله ، ويترك المعصية ؛ خوفا من عقلبه ؛ فإذا أحسن حمد الله ، وإذا أساء استغفر الله.
ومن تمام الإيمان بالقدر أن يأخذ الإنسان بالأسباب ، ويسعى في مصالحه الدنيوية ، ويسلك الطرق الصحيحة الموصلة إليها ، فيضرب في الأرض ، ويسعى لطلب الرزق ؛ فإن أتت الأمور على ما يريد حمد الله ، وإن أتت على خلاف ما يريد تعزى بقدر الله.
والإيمان بالقدر على هذا النحو ، يثمر سكون القلب ، وطمأنينة النفس ، وراحة البال ، وترك التحسر على ما فات ، ويورث في الإنسان الشجاعة ، والإقدام ، وطرد اليأس ، وقوة الاحتمال.(1/195)
ولهذا يجد المؤمنون بالقضاء والقدر راحة ، وطمأنينة لا يجدها غيرهم ممن لا يؤمنون بقضاء الله وقدره.
ولهذا يشيع الانتحار في البلاد الكافرة التي لا يؤمن أهلها بالله وقدره ؛ فتراهم لا يحتملون أدنى مصيبة تنزل بهم.
---
أما المؤمنون بالقدر فلا تكاد توجد عندهم أدنى نسبة للانتحار ؛ بسبب أنهم يؤمنون بأن ما أصابهم إنما هو بقضاء الله وقدره ، ويؤمنون بأن الله لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير ، حتى وإن كان القضاء مراً فإن عاقبته حميدة للمؤمن إن رضي بقدر الله.
العبادة في الإسلام
تعريفها:
العبادة في الإسلام هي التقرب إلى الله - عز وجل - بفعل ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه.
وهي شاملة لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
وروح العبادة ، ولبها ، وحقيقتها تحقيق الحب والخضوع لله - تعالى- .
شرطا العبادة:
لا تقبل العبادة إلا إذا اجتمع فيها شرطان:
1- الإخلاص لله.
2- المتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -
ومعنى ذلك أنه لا بد من العبادة خالصة لله ، وأن تكون موافقة لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم -.
فلا يعبد إلا الله ، ولا يعبد إلا بما شرع.
فالصلاة على سبيل المثال عبادة لا تصرف إلا لله ، أي لا يصلى إلا لله ، وبهذا يتحقق الإخلاص.
ولا يصلى إلا كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كيفية الصلاة ، وبهذا تتحقق الموافقة والمتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم.
ولسائل أن يسأل : ما الحكمة من اشتراط هذين الشرطين لصحة العبادة؟
والجواب عن ذلك من عدة وجوه:
1- أن الله أمر بإخلاص العبادة له وحده ؛ فعبادة غيره معه شرك به - تعالى - .
قال تعالى : { وادعوه مخلصين له الدين }
2- أن الله - تعالى - اختص نفسه بالتشريع ؛ فهو حقه وحده ، ومن تعبد بغير ما شرع الله فقد شارك الله في تشريعه.
3- أن الله أكمل لنا الدين ، فالذي يخترع عبادة من عنده يكون مستدركاً على الدين ، متهماً له بالنقص.
---(1/196)
4- أنه لو جاز للناس أن يتعبدوا بما شاءوا كيفما شاءوا - لأصبح لكل إنسان طريقته الخاصة بالعبادة ، ولأصبحت حياة الناس جحيماً لا يطاق ؛ إذ يسود التناحر والتنافر ؛ لاختلاف الأذواق ، والدين إنما يأمر بالاتفاق والائتلاف.
أنواع العبادة
أنواع العبادة كثيرة كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهود ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإماطة الأذى عن الطريق ، والإحسان إلى الأيتام ، والمساكين وابن السبيل والحيوان ، وغير ذلك.
ومن أنواع العبادة : الذكر ، والدعاء ، والاستعاذة بالله ، والاستعانة به ، والتوكل عليه ، والتوبة ، والاستغفار .
ومنها : الصبر ، والشكر ، والرضا ، والخوف ، والمحبة ، والرجاء ، والحياء.
فضائل العبادة
العبادة في الإسلام هي الغاية المحبوبة لله ، والمرضية له ، التي خلق لأجلها الخلق ، وأرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، وهي التي مدح القائمين بها ، وذم المستكبرين عنها.
والعبادة في الإسلام لم تشرع للتضييق على الناس ، ولا لإيقاعهم في الحرج.
وإنما شرعت لحكم عظيمة ، ومصالح كثيرة ، لا يحاط بعدها و حصرها.
فمن فضائل العبادة أنها تزكي النفوس ، وتطهرها ، وتسمو بها إلى أعلى درجات الكمال الإنساني.
ومن فضائلها أن الإنسان محتاج إليها أعظم الحاجة ، بل هو مضطر لها أشد الضرورة ؛ فالإنسان بطبعه ضعيف ، فقير إلى الله ، وكما أن جسده بحاجة إلى الطعام والشراب - فكذا قلبه وروحه بحاجة إلى العبادة والتوجه إلى الله ، بل إن حاجة قلبه وروحه إلى العبادة أعظم بكثير من حاجة جسده إلى الطعام والشراب ؛ فإن حقيقة العبد قلبه وروحه ، ولا صلاح لهما إلا بالتوجه إلى الله بالعبادة ؛ فلا تطمئن النفوس في الدنيا إلا بذكر الله وعبادته ، ولو حصل للعبد لذات أو سرور بغير الله فلا يدوم ، وقد يكون ذلك الذي يتلذذ به لا لذة فيه ولا سرور أصلاً.
---(1/197)
أما السرور بالله والأنس به - عز وجل - فهو سرور لا ينقطع ولا يزول ؛ فهو الكمال ، والجمال ، والسرور الحقيقي ؛ فمن أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية لله وحده.
ولهذا فإن أهل العبادة الحقة هم أسعد الناس ، وأشرحهم صدراً.
ولا يوجد ما يسكن إليه العبد ويطمئن به ، ويتنعم بالتوجه إليه حقاً إلا الله.
ومن فضائل العبادة : أنها تسهل على العبد فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وتسليه عند المصائب ، وتخفف عليه المكاره ، وتهون الآلام ، فيتلقاها بصدر منشرح ، ونفس مطمئنة.
ومن فضائلها أن العبد يتحرر بعبوديته لربه من رق المخلوقين ، والتعلق بهم ، وخوفهم ، ورجائهم ؛ وبهذا يكون عزيز الجانب ، مرفوع الرأس ، عالي القدر.
مكانة المرأة في الإسلام
لقد رفع الإسلام مكانة المرأة ، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه ؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال ، وخير الناس خيرهم لأهله ؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع ، والرعاية ، وإحسان التربية ، وهي في ذلك الوقت قرة العين ، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.
وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة ، التي يغار عليه وليها ، ويحوطها برعايته ، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء ، ولا ألسنة بأذى ، ولا أعين بخيانة.
وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله ، وميثاقه الغليظ ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار ، وأمنع ذمار ، وواجب على زوجها إكرامها ، والإحسان إليها ، وكف الأذى عنها.
وإذا كانت أماً كان برها مقروناً بحق الله - تعالى - وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله ، والفساد في الأرض.
وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها ، وإكرامها ، والغيرة عليها.
وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.
وإذا كانت جدة ، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها ، وأحفادها ، وجميع أقاربها ؛ فلا يكاد يرد لها طلب ، ولا يسفه لها رأي.
---(1/198)
وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان لها حق الإسلام العام من كف الأذى ، وغض البصر ونحو ذلك.
وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية ، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.
ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك ، والإجارة ، والبيع ، والشراء ، وسائر العقود.
ولها حق التعلم ، والتعليم ، بما لا يخالف دينها ، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكراً كان أم أنثى.
بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال ، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كلا منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه.
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها ، ويحفظ كرامتها ، ويحميها من الألسنة البذيئة ، والأعين الغادرة ، والأيدي الباطشة ؛ فأمرها بالحجاب والستر ، والبعد عن التبرج ، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب ، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.
ومن إكرام الإسلام لها أن أمر الزوج بالإنفاق عليها ، وإحسان معاشرتها ، والحذر من ظلمها ، والإساءة إليها.
بل ومن المحاسن - أيضا - أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق ، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة ؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولا ت الإصلاح ، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا يطاق.
وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالما لها ، سيئا في معاشرتها ، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه ، فتدفع له شيئاً من المال ، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه.
ومن إكرام الإسلام للزوجة أن أباح للرجل أن يعدد ، فيتزوج بأكثر من واحدة ، فأباح له أن يتزوج اثنتين ، أو ثلاثاً ، أو أربعاً ، ولا يزيد عن أربع.
بشرط أن يعدل بينهن في النفقة ، والكسوة ، والمبيت.
وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك.
---(1/199)
هذا وإن في التعدد حكما عظيمة ، ومصالح كثيرة لا يدركها الذين يطعنون في الإسلام ، ويجهلون الحكمة من تشريعاته ، ومما يبرهن على الحكمة من مشروعية التعدد ما يلي:
1- أن الإسلام حرم الزنا : وشدد في تحريمه ؛ لما فيه من المفاسد العظيمة التي تفوق الحصر والعد ، والتي منها اختلاط الأنساب ، وقتل الحياء ، والذهاب بالشرف وكرامة الفتاة ؛ إذ الزنا يكسوها عاراً لا يقف حده عندها ، بل يتعداه إلى أهلها وأقاربها .
ومن أضرار الزنا أن فيه جناية على الجنين الذي يأتي من الزنا ؛ حيث يعيش مقطوع النسب ، محتقراً ذليلاً.
ومن أضراره ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية يصعب علاجها ، بل ربما أودت بحياة الزاني كالسيلان ، والزهري ، والهربس ، والإيدز ، و غيرها.
والإسلام حين حرم الزنا وشدد في تحريمه فتح باباً مشروعاً يجد فيه الإنسان الراحة ، والسكن ، والرحمة ، والطمأنينة ألا وهو الزواج ، حيث شرع الزواج ، وأباح التعدد فيه - كما مضى - .
ولا ريب أن منع التعدد ظلم للرجل وللمرأة ؛ فمنعه قد يدفع إلى الزنا ؛ لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال في كل زمان ومكان ، ويتجلى ذلك في أيام الحروب ؛ فقصر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج ، وذلك يسبب لهن الحرج ، والضيق ، والتشتت ، و ربما أدى بهن إلى بيع العرض ، وانتشار الزنا ، وضياع النسل .
2- أن الزواج ليس متعة جسدية فحسب : بل فيه الراحة ، والسكن ، وفيه - أيضاً - نعمة الولد ، والولد في الإسلام ليس كغيره في النظم الأرضية ؛ إذ لوالديه أعظم الحق عليه ؛ فإذا رزقت المرأة أولاداً ، وقامت على تربيتهم كانوا قرة عين لها ؛ فأيهما أحسن للمرأة : أن تنعم في ظل رجل يحميها ، ويحوطها ، ويرعاها ؟ أو أن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك ؟
---(1/200)
3- أن نظرة الإسلام عادلة متوازنة : فالإسلام ينظر إلى النساء جميعهن بعدل ، والنظرة العادلة تقول : بأنه لا بد من النظر إلى جميع النساء بعين العدل.
إذا كان الأمر كذلك ؛ فما ذنب العوانس اللآتي لا أزواج لهن؟ ولماذا لا ينظر بعين العطف والشفقة إلى من مات زوجها وهي في مقتبل عمرها ؟ ولماذا لا ينظر إلى النساء الكثيرات اللواتي قعدن بدون زواج ؟
أيهما أفضل للمرأة : أن تنعم في ظل زوج معه زوجة أخرى ، فتطمئن نفسها ، ويهدأ بالها ، وتجد من يرعاها ، وترزق بسببه الأولاد ، أو أن تقعد بلا زواج البتة ؟
وأيهما أفضل للمجتمعات أن يعدد بعض الرجال فيسلم المجتمع من تبعات العنوسة ؟ أو أن لا يعدد أحد ، فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد ؟
وأيهما أفضل أن يكون للرجل زوجتان أو ثلاث أو أربع أو أن يكون له زوجة واحدة وعشر عشيقات ، أو أكثر ، أو أقل ؟
4- أن التعدد ليس واجبا : فكثير من الأزواج المسلمين لا يعددون ؛ فطالما أن المرأة تكفيه - وأنه غير قادر على العدل فلا حاجة له في التعدد.
5- أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل : وذلك من حيث استعدادها للمعاشرة ؛ فهي غير مستعدة للمعاشرة في كل وقت ، ففي الدورة الشهرية مانع قد يصل إلى عشرة أيام ، أو أسبوعين كل شهر .
وفي النفاس مانع - أيضاً - والغالب فيه أنه أربعون يوماً. والمعاشرة في هاتين الفترتين محظورة شرعاً ؛ لما فيهما من الأضرار التي لا تخفى.
وفي حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في معاشرة الزوج ، وهكذا.
أما الرجل فاستعداده واحد طيلة الشهر ، والعام ؛ فبعض الرجال إذا منع من التعدد قد يؤول به الأمر إلى الزنا.
6- قد تكون الزوجة عقيما لا تلد : فيحرم الزوج من نعمة الولد ، فبدلاً من تطليقها يبقي عليها ، ويتزوج بأخرى ولود.
وقد يقال : وإذا كان الزوج عقيماً والزوجة ولوداً ؛ فهل للمرأة الحق في الفراق؟
والجواب : نعم فلها ذلك إن أرادت.
---(1/201)
7- قد تمرض الزوجة مرضا مزمناً : كالشلل وغيره ، فلا تستطيع القيام على خدمة الزوج ؛ فبدلا من تطليقها يبقي عليها ، ويتزوج بأخرى.
8- قد يكون سلوك الزوجة سيئاً : فقد تكون شرسة ، سيئة الخلق لا ترعى حق زوجها ؛ فبدلا من تطليقها يبقي الزوج عليها ، ويتزوج بأخرى ؛ وفاء للزوجة ، وحفظاً لحق أهلها ، وحرصاً على مصلحة الأولاد من الضياع إن كان له أولاد منها.
9- أن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة : فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين ، بل ربما تعدى المائة وهو في نشاطه وقدرته على الإنجاب.
أما المرأة فالغالب أنها تقف عن الإنجاب في حدود الأربعين ، أو تزيد عليها قليلا.
فمنع التعدد حرمان للأمة من النسل.
10- أن في الزواج من ثانية راحة للأولى : فالزوجة الأولى ترتاح قليلا من أعباء الزوج ؛ إذ يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيباً من أعباء الزوج.
ولهذا فإن بعض العاقلات إذا كبرت في السن وعجزت عن القيام بحق الزوج أشارت عليه بالتعدد.
11- التماس الأجر : فقد يتزوج الإنسان بامرأة مسكينة لا عائل لها ، ولا راعٍ ، فيتزوجها بِنِيَّة إعفافها ، ورعايتها ، فينال الأجر من الله بذلك.
12- أن الذي أباح التعدد هو الله - عز وجل - : فهو أعلم بمصالح عباده ، وأرحم بهم من أنفسهم.
وهكذا يتبين لنا حكمة الإسلام ، وشمول نظرته في إباحة التعدد ، ويتبين لنا جهل من يطعنون في تشريعاته.
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن جعل لها نصيباً من الميراث ؛ فللأم نصيب معين ، و للزوجة نصيب معين ، وللبنت وللأخت ونحوها ما هو مفصل في موضعه.
ومن تمام العدل أن جعل الإسلام للمرأة من الميراث نصف ما للرجل ، وقد يظن بعض الجهلة أن هذا من الظلم ؛ فيقولون : كيف يكون للرجل مثل حظ الأنثيين من الميراث ؟ ولماذا يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ؟
والجواب أن يقال : إن الذي شرع هذا هو الله الحكيم العليم بمصالح عباده.
---(1/202)
ثم أي ظلم في هذا ؟ إن نظام الإسلام نظام متكامل مترابط ؛ فليس من العدل أن يؤخذ نظام ، أو تشريع ، ثم ينظر إليه من زاوية واحدة دون ربطه بغيره.
بل ينظر إليه من جميع جوانبه ؛ فتتضح الصورة ، ويستقيم الحكم.
ومما يتبين به عدل الإسلام في هذه المسألة - أن الإسلام جعل نفقة الزوجة واجبة على الزوج ، وجعل مهر الزوجة واجب على الزوج - أيضاً - .
ولنفرض أن رجلاً مات ، وخلف ابناً ، و بنتاً ، وكان للابن ضعف نصيب أخته ، ثم أخذ كل منهما نصيبه ، ثم تزوج كل منهما ؛ فالإبن إذا تزوج فإنه مطالب بالمهر ، والسكن ، والنفقة على زوجته وأولاده طيلة حياته.
أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها ، وليست مطالبة بشيء من نصيبها لتصرفه على زوجها ، أو نفقة بيتها أو على أولادها ؛ فيجتمع لها ما ورثته من أبيها ، مع مهرها من زوجها ، مع أنها لا تطالب بالنفقة على نفسها وأولادها.
أليس إعطاء الرجل ضعف ما للمرأة هو العدل بعينه إذاً ؟
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام ؛ فأين الأنظمة العادلة في الإسلام من نظم كثير من بقاع الأرض؟ حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل ؛ لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها ، ولقمة تسد جوعتها ، وربما كان ذلك على حساب الشرف ، ونبيل الأخلاق.
وأين إكرام الإسلام للمرأة ، وجعلها إنساناً مكرماً من الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة ، وتسلبها حقها في الملكية و المسؤولية ، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار ، وتعدها مخلوقاً نجساً ؟ وأين إكرام الإسلام للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون بجسدها في الدعايات والإعلانات؟
وأين إكرام الإسلام لها من الأنظمة التي تعد الزواج صفقة مبايعةٍ تنتقل فيه الزوجة ؛ لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض مجامعهم انعقدت ؛ لتنظر في حقيقة المرأة ، وروحها هل هي من البشر أو لا ؟!
---(1/203)
وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع أسرتها وفي كنف والديها ، ورعاية زوجها ، وبر أبنائها سواء في حال طفولتها ، أو شبابها ، أو هرمها ، وفي حال فقرها أو غناها ، أو صحتها أو مرضها.
وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلاد المسلمين أو من بعض المنتسبين إلى الإسلام - فإنما هو بسبب القصور والجهل ، والبعد عن تطبيق شرائع الدين ، والوزر في ذلك على من أخطأ - والدين براء من تبعة تلك النقائص.
وعلاج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية الإسلام وتعاليمه ؛ لعلاج الخطأ.
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام على سبيل الإجمال : عفة ، وصيانة ، ومودة ورحمة ، ورعاية ، وتذمم إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية.
أما الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئاً من تلك المعاني ، وإنما تنظر للمرأة نظرة مادية بحتة ، فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية ، وأنها لا بد أن تكون دمية يعبث بها كل ساقط ؛ فذلك سر السعادة عندهم.
وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها.
وإلا فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج وإظهار المفاتن ، وإبداء الزينة ، وكشف الصدور ، والأفخاذ وهو أشد ؟!
وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة ؟!
ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في الإعلانات والدعايات ؟
ولماذا لا تروج عندهم إلا الحسناء الجميلة ، فإذا استنفذت السنوات جمالها وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت صلاحيتها ؟
وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة ؟ وما نصيب الأم المسنة ، والجدة ، والعجوز ؟
إن نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجىء ، ودور العجزة والمسنين ؛ حيث لا تزار ولا يسأل عنها.
وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد ، أو نحوه ، فتأكل منه حتى تموت ؛ فلا رحم هناك ، ولا صلة ، ولا ولي حميم.
---(1/204)
أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها ، وعظم حقها ، وتنافس أولادها وأقاربها على برها - كما سبق - لأنها أدت ما عليها ، وبقي الذي لها عند أبنائها ، وأحفادها، وأهلها ، ومجتمعها.
أما الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية - فزعم باطل ، بل إن التبرج والسفور هو الشقاء والعذاب ، والتخلف بعينه ، وإذا أردت الدليل على أن التبرج هو التخلف فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين يعيشون في المتاهات والأدغال على حال تقرب من البهيمية ؛ فإنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا.
ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زاد نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم ، كما يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري الكامل في مدن العراة التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى ، ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة.
وهكذا تبين لنا عظم منزلة المرأة في الإسلام ، ومدى ضياعها وتشردها إذا هي ابتعدت عن الإسلام.
تساؤل
وبعد أن تبين لك أيها القارىء الكريم من خلال الصفحات الماضية عظمة دين الإسلام ، وشموله ، وعدله ، ومدى حاجة البشرية إليه - قد يخطر ببالك تساؤل فتقول:
إذا كان الإسلام بهذه العظمة والشمول ، والعدل - فلماذا لا نرى أهله في مقدمة الأمم في هذا العصر ؟ ولماذا نرى كثيراً منهم بعيدا عن الاتصاف بما يأمر به الدين ؟ وما مدى صحة ما يقال بأن الإسلام دين تطرف ، وإرهاب؟
والجواب عن ذلك يسير بحمد الله ، وذلك من عدة وجوه:
1- أن حال المسلمين في عصورهم المتأخرة لا تمثل حقيقة الإسلام : فمن الظلم وقصور النظر أن تُجْعَلَ حال المسلمين في هذه العصور المتأخرة - هي الصورة التي تمثل الإسلام ، فيُظن أن الإسلام لم يرفع عنهم الذلة ، ولا التفرق ، ولا الفقر.
---(1/205)
فعلى من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف أن ينظر إلى دين الإسلام من خلال مصادره الصحيحة من كتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه سلف الأمة الصالح ، وأن ينظر إلى الإسلام من خلال الكتب التي تتحدث عنه بعدل وعلم ، فسيتبين له أن الإسلام يدعو إلى كل صلاح ديني ودنيوي ، وأنه يحث على الاستعداد لتعلم العلوم النافعة ، وأنه يدعو إلى تقوية العزائم ، وجمع الكلمة.
ثم إن انحرافات بعض المنتسبين إلى الإسلام - قلت أو كثرت - لا يجوز بحال من الأحوال أن تحسب على الدين أو أن يعاب بها ، بل هو براء منها ، وتبعة الانحراف تعود على المنحرفين أنفسهم ؛ لأن الإسلام لم يأمرهم بذلك ؛ بل نهاهم وزجرهم عن الانحراف عما جاء به.
ثم إن العدل يقتضي بأن يُنظر في حال القائمين بالدين حق القيام ، والمنفذين لأوامره وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم؛ فإن ذلك يملأ القلوب إجلالا ووقارا لهذا الدين وأهله ؛ فالإسلام لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من الإرشاد والتهذيب إلا حث عليها ، ولا رذيلة أو مفسدة إلا صد عن سبيلها ، وبذلك كان المعظمون لشأنه ، المقيمون لشعائره في أعلى طبقة من أدب النفس ، وتربيتها على محاسن الشيم ، ومكارم الأخلاق ، يشهد لهم بذلك القريب والبعيد ، والموافق ، والمخالف.
أما مجرد النظر إلى حال المسلمين المفرطين في دينهم ، الناكبين عن صراطه المستقيم - فليس من العدل في شيء ، بل هو الظلم بعينه.
2- أن تأخر المسلمين سببه البعد عن الدين : فلم يتأخر المسلمون عن ركب الحضارة ، ولم يتفرقوا ويستذلوا إلا عندما فرطوا في دينهم ، ونسوا حظا مما ذكروا به.
فالإسلام دين الرقي ، والتقدم ، والزكاء ، وعندما كان المسلمون متمسكين بدينهم حق التمسك دانت لهم أمم الأرض قروناً متطاولة ، فنشروا فيها لواء الحكمة ، والعدل ، والعلم.
---(1/206)
وهل ترقت أمم الأرض ، وبزَّت غيرها في الصناعات والاختراعات المذهلة إلا بعد أن استنارت عقول أهليها بعلوم المسلمين بعد الحروب الصليبية ؟
ألم تكن تلك الأمم في القرون التي يسمونها القرون المظلمة في غاية الجهل ، والهمجية ؟
ألم يكن المسلمون هم سادة الخلق آنذاك؟
ألم تكن مدينة الإسلام هي المدنية الزاهرة الحقيقية ؛ حيث كان روحها الدين والعدل ، والرحمة ، حتى لقد شملت بظلها الظليل ، وإحسانها المتدفق جميع الناس حتى المخالفين والأعداء؟
فهل أخر المسلمين دينهم الحق ؟ وهل منعهم من الرقي الحقيقي ؟ وهل نفع الآخرين كفرهم بالله في تلك القرون الطويلة إذ كانوا هم الأذلين المخذولين؟
ثم لما قصر المسلمون في التمسك بدينهم ، وقصروا في ترك الأخذ بالأسباب الموصلة إلى خيري الدنيا والآخرة - حل بهم التفكك والدمار.
ثم إن التقدم المادي لا يكفي وحده ، بل لا بد معه من الدين الحق الذي يزكي النفوس ، ويرتقي بالأخلاق ، فها هي أمم الكفر لما ارتقت في علوم المادة وأغفلت جانب الروح - ها هي تتخبط في تيهها وضلالها ؛ فهل أغنت عنها تلك المدنية المادية فتيلا؟
ألم تكن حضارتها قائمة على الظلم ، والجشع ، والاستبداد ، والاستعباد ، والتسلط على الأمم الضعيفة ؟
ألم ينتشر فيهم الخيانة ، والسرقة ، والانتحار ، والقتل ، والأمراض النفسية ، والجنسية وغيرها؟
فهذا أكبر برهان على أن الرقي المادي ينقلب ضرراً على أهله إذا خلا من الدين الحق الذي تستنير به العقول ، وتزكو به النفوس
---(1/207)
3- أن القول بأن الإسلام دين تطرف وإرهاب مردود على من قاله : فهو محض افتراء ، ومحاولة للصد عنه ؛ فالإسلام دين الرحمة ، والرفق ، والتسامح ، و ما السيف الذي يأمر الإسلام بانتضائه للجهاد في سبيل الله إلا كمبضع طبيب ناصح يشرط به جسم العليل ؛ لينزف دمه الفاسد ، حرصاً على سلامته ؛ فليس الغرض من الجهاد في الإسلام سفك الدماء ، وإزهاق الأرواح ، وإنما الغرض منه إعلاء كلمة الله ، وتخليص البشر من عبادة البشر ، ودلالتهم على عبادة رب البشر ، كي يعيشوا حياة كريمة.
وأمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس ، وخير أمة جاهدت في سبيل الله فانتصرت ، وغلبت فرحمت ، وحكمت فعدلت ، وساست فأطلقت الحرية من عقالها ، وفجرت ينابيع الحكمة بعد نضوبها.
واسأل التاريخ ؛ فإنها قد استودعته من مآثرها الغُرِّ ما بَصُرَ بضوئه الأعمى ، وازدهر في الأرض ازدهار الكواكب في كبد السماء.
فماذا فعل المسلمون حين انتصروا على خصومهم ؟ هل تكبروا ، وتسلطوا ، واستبدوا؟ وهل انتهكوا الأعراض ، وقتلوا الشيوخ ، والنساء ، والأطفال ؟
ماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما انتصر على خصومه الذين كانوا يؤذونه أشد الأذى ؟ ألم يكن يصفح عنهم ؟ ويمن عليهم بالسبي والأموال؟
وماذ فعل المسلمون عندما انتصروا على كسرى وقيصر؟ هل خانوا وغدروا ؟ هل تعرضوا للنساء ؟ وهل أساءوا للرهبان في الأديرة ؟ وهل عاثوا في الأرض فسادا ؟ وهل هدموا المنازل ، وقطعوا الأشجار ؟
وماذا فعل صلاح الدين لما انتصر على الصليبيين الذين فعلوا بالمسلمين الأفاعيل ، ونكلوا بهم أيما تنكيل ؟ فماذا فعل بهم صلاح الدين لما انتصر عليهم ؟ ألم يصفح عن قائدهم ؟ ويعالجه ؟ ويطلق سراحه؟
فهذه المواقف النبيلة وأمثالها كثير في تاريخ المسلمين ، مما كان له أبلغ الأثر في محبة الناس للإسلام ، والدخول فيه عن قناعة ويقين.
أفغير المسلمن يقوم بهذا ؟ آلغرب يقدم مثل هذه النماذج ؟
---(1/208)
الجواب ما تراه ، وتسمعه ؛ فمن أين خرج هتلر ، وموسيليني ، ولينين ، وستالين ، ومجرمو الصرب ؟ أليست أوربا هي التي أخرجت هؤلاء وأمثالهم من الشياطين الذين قتلوا الملايين من البشر ، ولاقت منهم البشرية الويلات إثر الويلات ؟
ألا يعد أولئك هم طلائع حضارة أوربا ؟ فمن الهمج القساة العتاة إذا ؟ ومن المتطرفون الإرهابيون حقيقة ؟
ثم من الذين صنعوا القنابل النووية ، والعنقودية ، والذرية ، والجرثومية ، وأسلحة الدمار الشامل ؟
ومن الذين لوثوا الهواء بالعوادم ، والأنهار بالمبيدات ؟
ومن الذين يسلكون الطرق القذرة التي لا تمت إلى العدل ، ولا إلى شرف الخصومة بشيء ؟
من الذين يعقمون النساء ؟ ويسرقون أموال الشعوب وحرياتهم ، ومن الذين ينشرون الإيدز ؟
أليس الغرب ، ومن يسير في ركابهم ؟
ومن الذي يدعم اليهود وهم في قمة التسلط والإرهاب ؟
هذه هي الحقيقة الواضحة ، وهذا هو الإرهاب والتسلط .
أما جهاد المسلمين لإحقاق الحق ، وقمع الباطل ، و دفاعهم عن أنفسهم وبلادهم فليس إرهاباً ، وإنما هو العدل بعينه .
وما يحصل من بعض المسلمين من الخطأ في سلوك سبيل الحكمة فقليل لا يكاد يذكر بجانب وحشية الغرب ، وتبعته تعود على من أخطأ السبيل ولا تعود على الدين ، ولا على المسلمين.
وقد يكون لهذا مسوغاته في بعض الأحيان ؛ فظلم الكفار عليهم قد يوجد مثل هذه التصرفات.
وهكذا ينبغي للعاقل المنصف ؛ أن ينظر إلى الأمور كما هي بعيداً عن الظلم والتزوير والنظرة القاصرة.
وبعد هذا فإن كان للإنسان عجب من شيء فإن عجبه من الأوربيين ، والأمريكان ؛ حيث لم يكتشفوا حقيقة الدين الإسلامي فيما اكتشفوه ، وهي أجلُّ من كل ما اكتشفوه ، وأضمن للسعادة الحقيقية من كل ما وصلوا إليه ؛ فهل هم جاهلون بحقيقة الإسلام حقاً ؟!
أم أنهم يتعامون ويصدون عنه؟!
الدخول في دين الإسلام
---(1/209)
وبعد أن تبين لك عظمة دين الإسلام ، وأنه الطريق الوحيد للنجاة عند الله ـ عز وجل ـ وأن الدخول فيه واجب على كل إأحد ، لك أن تسأل عن كيفية الدخول فيه ، والجواب عن ذلك أن الإنسان يدخل في الإسلام بفطرته ، وأصل خلقته ؛ فكل مولود على وجه الأرض يولد على الفطرة ، وهي دين الإسلام ؛ فالمولود يولد مقراً بخالقه ، محباً له ، متوجها إليه.
فإذا بقي على هذه الفطرة فهو مسلم على الأصل ، ولا يحتاج إلى تجديد الدخول في الإسلام إذا بلغ وعقل.
أما إذا نشأ بين أبوين غير مسلمين ، واعتنق دينهما الباطل ، أو كان معتنقاً أي دين غير الإسلام كان واجبا عليه أن يتخلى عن دينه السابق ، ويدخل في دين الإسلام ؛ فيشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ثم يبدأ بتعلم ما يقيم به شعائر دينه من إقامة الصلاة ونحو ذلك ما سيأتي بيانه في الصفحات التالية - إن شاء الله- .
تم بحمد الله - تعالى-.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هذا الكتاب كتب لتعريف غير المسلمين بالإسلام ، ولهذا سوف يلاحظ القارىء قلة الحواشي والتفصيلات.
---
محمد صلى الله عليه وسلم
المثال الأسمى
أحمد ديدات
ترجمة وتعليق: محمد مختار
مقدمة المترجم
الحمد لله رب العالمين الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين . والصلاة والسلام على هذا النبي محمد وعلى آله وأزواجه وأتباعه ومن والاه إلى يوم الدين .
أما بعد .
فإن هذا الكتاب " محمد ( صلى الله عليه وسلم ) المثال الأسمى " يعرض كما هو ظاهر من عنوانه لجوانب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته وآثاره على العالمين . وقد قسمته إلى قسمين :
الأول : بقلم الداعية الإسلامي المجاهد أحمد ديدات . وسميته " محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما يسطرون " .(1/210)
والثاني : كتاب من تأليف ك. س. رامكرشنة راو أستاذ الفلسفة بجامعة ميسور في الهند . وقد ترجمته عن الطبعة الإنجليزية الصادرة عن المركز العالمي للدعوة الإسلامية بدربان في جمهورية جنوب إفريقية الذي يرأسه الداعية الإسلامي المجاهد أحمد ديدات .
وعنوان الكتاب بالإنجليزية كما يلي :
( Mohammed the Prophet of Islam ) .
وترجمته : " محمد نبي الإسلام " .
وحين أقدم هذا الكتاب لقراء العربية لا أهدف أساسا إلى تقديم وجهة نظر الشرق في محمد صلى الله عليه وسلم ، في مقابل مؤلفات أخرى كثيرة تناولت وجهة نظر الغرب فيه ، باعتباره رجلا أثر في العالم تأثيرا بارزا وباقيا ، فمحمد صلى الله عليه وسلم بحياته وآثاره فوق شهادة جميع المفكرين والفلاسفة والمؤرخين الذين عرضوا له بالترجمة ، وإنما قصدت أن أقدم مُؤَلَّفَاً يظهر عالمية محمد صلى الله عليه وسلم ، ويبرهن على أن بعثته ورسالته كانت وما تزال رحمة تشمل العالم شرقه وغربه – بكل تناقضاته وصراعاته وتطلعاته وآماله ..
---
كما أنه يقدم وجهة نظر الأستاذ ك. س. رامكرشنة راو وهو رجل هندوسي شرقي مثقف معاصر ذو مكانة علمية وأدبية معتبرة ، يمثل مجتمعا شرقيا يحمل تقاليدا وقيما وتراثا فكريا وثقافيا وحضاريا مختلفا عن تلك التي يحملها المجتمع الغربي .
إن قيمة هذا الكتاب ترجع لعرض مؤلفه للرسول والرسالة والمسلمين عرضا علميا وتاريخيا حاول فيه أن يكون محايدا .. فيبين فضائل نبي الإسلام وفضل الإسلام على العالم . ويرد على بعض الشبهات والافتراءات التي أثارها حوله أعداؤه من المستشرقين وغيرهم من الحاقدين ..(1/211)
وأقرر ابتداءً عدم اتفاقي مع الأستاذ رامكرشنة راو في بعض آرائه الشخصية وغيرها من الأفكار التي أوردها في كتابه نقلا عن غيره مما استلزم تعقب هذه الأفكار وتصحيحها بقدر علمي واستطاعتي وذلك بواسطة التعليق بالهامش . ولكن هذا لا يقلل من أهمية الكتاب وقيمته فهو بصفة عامة محاولة جادة نحو فهم علمي وتاريخي محايد للرسول والرسالة والمسلمين .
والكتاب على صغره يعرض لكثير من الجوانب الهامة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والرسالة بأسلوب سهل يجمع بين وضوح الفكرة ودقة العبارة ..
إنه بمثابة رحلة في أعماق التاريخ ومحاولة للكشف عن جوانب شخصية الرسول العظيمة واستخلاص العبرة من حياة محمد النبي صلى الله عليه وسلم والمثال الأسمى للعالمين .
وقد اختار الداعية المجاهد الأستاذ أحمد ديدات هذا البحث الجيد وقام بطبعه ونشره باللغة الإنجليزية ليصدر عن المركز العالمي لنشر الإسلام بجنوب إفريقية والذي يشرف عليه ديدات .
وفي نهاية الكتاب قدمنا آخر محاضرة ألقاها الأستاذ أحمد ديدات في مكة المكرمة تحت عنوان " الكتاب المقدس يؤكد نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم " .
والله من وراء القصد ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .
محمد مختار
5 رجب سنة 1412 هجرية
الموافق 10 يناير سنة 1992 ب. م.
محمد صلى الله عليه وسلم
وما يسطرون
المحمديون ؟
---(1/212)
إن الغربي خبير في اختراع الأسماء . وعندما اخترع المصابيح الكهربائية المتوهجة الضياء أطلق عليها " مصابيح مازدا " . و " مازدا " هو " إله النور " عند " الزرادشتيين " ([1]) . وفي جنوب إفريقية يحقق السكان ذوو الأصل الأوربي نجاحا فائقا من بيع سمن صناعي نباتي إسمه " راما " ([2]) . و " راما " هو " الإله البشري " عند عدد كبير من السكان هنا ([3]) . إن الرجل الأبيض يصف نفسه بأنه مسيحي لأنه يعبد المسيح . وهو يسمي من يعبد " بوذا " " بالبوذي " . وبنفس المنطق فإنه يسمي المسلم " محمدي " لافتراضه أنه " أي المسلم " يعبد محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) . ولكن حقيقة الأمر أنه لا يوجد أي امرؤ من بين الألف مليون مسلم في العالم يفعل ذلك . ودعنا نفترض أنه ثمة مجنون يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم والذي يمكن أن يسمى محمديا بسبب تعصبه الأعمى . والآن إذا ذهب هذا " المحمدي " المفترض بكل تحمس دفعه للارتحال لكي يبشر بمحمديته " عبادة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) " بين السكان البدائيين في جنوب أستراليا ويجادل هذا الشعب المتخلف المسكين ويطالبه بقبول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كإله لهم ، فحينئذ يمكنك أن تتخيل جيدا هذا الإنسان الفطري وهو يسأل صاحبنا المضلل : " هل كان محمد " أتناتو " ([4]) ؟
سيجيب كل أحد حتى صاحبنا المجنون : " لا ! " .
وماذا عن أبطال وبطلات العالم الذين يعبدهم اليوم ملايين من الرجال والنساء المتحضرين في زمننا هذا ؟ فلتقدم إلى هذا الرجل البدائي جميع من رشحتهم للألوهية واحدا تلو الآخر – ولماذا لا تحاول تقديم " آلهتك البشريين " سواء الأصلي منهم أو المتوهم ، سواء الذكور منهم أو الإناث – وسوف يرشقك في كل مرة بواسطة قذيفته القاتلة ، بواسطة " الأتناتو " ! ( أي مفهومه السامي عن الإله ) . أليس ذلك الإنسان البدائي أسمى في مفهومه عن الإله ، عن الملايين من البشر في أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقية ؟ ([5]) .
---(1/213)
الكراهية المتعهَّدَة :
لا يمكن أن نلوم المسيحيين على نزعتهم التشككية . فقد بُرمجوا كذلك منذ قرون . لقد وُجّهوا لأن يظنوا بهذا الرجل : محمد صلى الله عليه وسلم ودينه : الإسلام ظن السوء .
وما أنسب ما قاله " توماس كارلايل " عن إخوته المسيحيين منذ أكثر من مائة وخمسين سنة مضت :
" إن الأكاذيب التي أثارتها الحماسة الصادرة عن حسن نية حول هذا الرجل ( أي محمد صلى الله عليه وسلم ) لا تشين إلا أنفسنا " .
ونحن المسلمين مسئولون إلى حد ما عن هذا الجهل المذهل للمليار ومائتي مليون مسيحي في العالم . إننا لم نفعل أي شيء هام لكي نزيل نسيج العنكبوت ( المضروب علينا ) ([6]) .
مصدر رسالته ( صلى الله عليه وسلم ) :
كانت هذه هي القصة ([7]) . ولكن كيف علم بها محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ؟
لقد كان أميا فلم يعرف القراءة ولا الكتابة . إن الله القدير جعله يجيب عن هذا السؤال في الآية المذكورة آنفا بأن يقول إن ذلك كله كان " بواسطة الوحي الإلهي " ([8]) .
سيعترض الذي يكثر المجادلة قائلا : " لا ! هذا إختلاق محمد نفسه . لقد نقل وحيه عن اليهود والنصارى ، لقد انتحله . لقد زوَّره " .
وعلى الرغم من تمام علمنا وإيماننا الكامل بأن القرآن الكريم هو كلام الله الحقيقي ، فإننا مع ذلك سنفترض جدلا للحظة صدق أعداء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فيما زعموا من أنه ألف القرآن الكريم بنفسه والآن يمكننا أن نتوقع بعض الاستجابة من غير المؤمن .
الآن إسأل المجادل : " هل تشك في أن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) كان عربيا ؟ " لن يتردد في التسليم بهذا الأمر إلا المعاند الأحمق . وفي هذه الحالة لا جدوى من مواصلة المناقشة . عندئذ إقطع الحديث وأغلق الكتاب !
---(1/214)
إنما نواصل المناقشة مع رجل ذو عقل رشيد . إسأله : هل تشك في أن هذا النبي العربي إنما كان يخاطب في أول الأمر عربا أيضا ؟ إنه لم يكن يخاطب مسلمي الهند ولا مسلمي الصين ولا مسلمي نيجيريا بل كان يخاطب قومه من العرب .
وسواء وافقوه أو لم يوافقوه ، فقد أخبرهم في أسمى الأساليب وبكلمات كادت تحترق في قلوب وأفئدة مستمعيه : أن مريم أم عيسى ( عليهما السلام ) اليهودية ([9]) أصطفيت على نساء العالمين .
فلم تكن التي اصطفيت أمه ( أي أم محمد صلى الله عليه وسلم ) أو زوجته ولا ابنته ولا أي امرأة عربية أخرى ، بل كانت امرأة يهودية !
فهل يمكن لأحد أن يعلل ويفسر هذا الأمر ؟ فبالنسبة لكل أحد تأتي أمه وزوجته وابنته قبل نساء العالمين في المنزلة .
فما الذي يدعو نبي الإسلام أن يكرم امرأة من المعارضين أو المخالفين ؟! وبخاصة من اليهود ؟! وهي تنتمي إلى جنس طالما ازدرى قومه ( العرب ) لثلاثة آلاف سنة ، تماما كما يزدرون اليوم إخوتهم العرب .
سارة وهاجر :
يستمد اليهود عنصريتهم الحاقدة من " كتابهم المقدس " ([10]) ، حيث يقال لهم أن أباهم إبراهيم كان له زوجتان هما : سارة وهاجر . ([11]) وهم يقولون أنهم أبناء إبراهيم من زوجته " الشرعية " سارة . أما إخوتهم العرب فهم من سلالة " الجارية " هاجر ، ولذلك فالعرب هم نسل أدنى منزلة وأقل شأنا في نظرهم .
فهل يتفضل أي أحد ويشرح لنا لماذا يختار محمد ( صلى الله عليه وسلم ) – " إذا كان هو مؤلف القرآن " – هذه المرأة اليهودية لمثل هذا المقام الرفيع مخالفا بذلك كل قياس ؟
الإجابة بسيطة وهي : أنه لم يكن لديه خيار : لم يكن لديه الحق في التعبير عن هواه الخاص . " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " . ( النجم : 4 )
سورة مريم :
---(1/215)
هناك سورة في القرآن الكريم تسمى سورة مريم وقد سميت بهذا الإسم تكريما لمريم أم عيسى ( عليهما السلام ) . ولم تحفل مريم ( عليها السلام ) بمثل هذا التكريم ( حتى ) في الكتاب المقدس . ومن بين ( 66 ) ستة وستين كتابا للبروتستانت و ( 73 ) ثلاثة وسبعين كتابا للرومان الكاثوليك لا يوجد كتاب واحد يسمى باسم مريم أو ابنها ( عليهما السلام ) . وإنك لتجد كتبا تسمى باسم متى ومرقس ولوقا ويوحنا وبولس بالإضافة لضعف هذا العدد من الكتب ذات الأسماء الغامضة ، ولكن ليس هناك كتابا واحدا من بينها ينسب إلى عيسى أو مريم ( عليهما السلام ) !
ولو كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) هو مؤلف القرآن الكريم ، ما كان ليعجز عن أن يضمن فيه بجانب اسم مريم أم عيسى ( عليهما السلام ) ، اسم أمه " آمنة " أو زوجته العزيزة " خديجة " أو ابنته الحبيبة " فاطمة " " رضي الله عنهن أجمعين " .
ولكن كلا ! وحاشاه أن يفعل ! إن هذا لا يمكن أبدا أن يكون . فالقرآن الكريم ليس من صنع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ([12]) .
دفاع عن عيسى ( عليه السلام ) :
إن القرآن الكريم الذي أنزله الله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ليجعل هذا الرسول يبرئ عيسى ( عليه السلام ) من تهم وافتراءات أعداءه الكاذبة . ([13]) .
" وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً " . ( مريم : 32 )
محمد بشارة المسيح :
" وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ "
( الصف : 6 )
إنه مما يحسب لعيسى عليه السلام ممارسته لما كان يعظ به ويدعو إليه . فهو لم يدع أبدا أمميا ([14]) واحدا طوال حياته إلى دين الله . واحتاط لأن تكون حفنة مختاريه ( حوارييه الإثني عشر ) منتمية إلى بني جلدته .
---(1/216)
كما أنه لم يأت بدين مبتدع وما جاء إلا مؤكدا للتعاليم التي بين يديه . وقد قال :
" لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل . فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السموات . وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات " . ( متى 5 : 17 – 19 ) .
وقارن قوله تبارك وتعالى : " مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ " بما جاء في هذه الفقرات الثلاثة من الإصحاح الخامس من إنجيل متى المذكورة أعلاه ، وسوف تلاحظ أن الأسلوب القرآني لا يسرف في استخدام الكلمات . إنه يبلغ بإيجاز رسالة الله بوضوح ودقة .
البشارة أو النبأ السار :
إنني لا أستحي ولا داعي للحياء لنقلي تعليق عبد الله يوسف علي ، على كلمة " أحمد " في ترجمته الإنجليزية ، نقلا حرفيا . ولكن قبل أن أفعل ذلك دعني أعبر على نحو ملائم عن احترامي وإعجابي " بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف " بالمدينة المنورة الذي يقوم بطباعة الملايين من النسخ المترجمة لمعاني القرآن الكريم في عديد من اللغات المختلفة .
إن السبب الذي دعاهم إلى استخدام ترجمة عبد الله يوسف علي كأساس لطبعتهم تلخصه هذه الكلمات :
" جازف عدد من الأفراد في الماضي بترجمة القرآن ولكن أعمالهم كانت بصفة عامة محاولات شخصية متأثرة لدرجة كبيرة بالأهواء والأغراض والأحكام المسبقة .
ولقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز المرسوم الملكي ( رقم 19888 بتاريخ 16 / 8 / 1400 هـ ) حينما كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ، من أجل إصدار ترجمة معتمدة خالية من الأهواء والاتجاهات الشخصية ..
---(1/217)
وبناء عليه فقد اختيرت ترجمة المرحوم الأستاذ عبد الله يوسف علي لخصائصها الممتازة المتمثلة في أسلوبها الرفيع واختيار الكلمات القريبة لمعاني النص الأصلي والتعليقات العلمية والتفسيرات المصاحبة " .
( رئاسة البحوث الإسلامية والإفتاء والدعوة والإرشاد ) .
إن التعليق المعطى أدناه هو أحد تعليقات ثلاثة في شرح النبوءة التي وردت على لسان عيسى ( عليه السلام ) فيما يتعلق بمجيء محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك من بين أكثر من ستة آلاف تعليق توضيحي متسم بعمق الفكر في ترجمة عبد الله يوسف علي .
من هو " المعزى " ؟
---(1/218)
" أحمد " أو " محمد " المثنى عليه أو الممدوح أو المحمود ( the Praised One ) هو تقريبا ترجمة للكلمة اليونانية " بيريكليتوس " ( Periclytos ) ؛ وفي إنجيل يوحنا الموجود حاليا ( يوحنا 14 : 16 : 15 : 26 و 16 : 7 ) تأتي كلمة " كومفورتر " ( Comforter ) في النسخة الإنجليزية ( والتي تترجم في التراجم العربية بـ " المعزى " ) عوضا عن الكلمة اليونانية " باراكليتوس " ( Paracletos ) التي تعني " المحامي " أو " المؤيد " أو " الشفيع " ( Advocate ) " الذي يُدعى لمساعدة أو معاونة ( إنسان ) آخر ، الصديق أو الولي الودود الحنون " . وهذه الترجمة مفضلة عن ترجمتها بـ " المعزى " . ويؤكد علماؤنا ( الحاصلين على درجة الدكتوراة في الأدب والفلسفة ) ([15]) أن كلمة " باراكليتوس " ( Paracletos ) تفسير خاص محرف أو قراءة محرفة لكلمة " بيريكليتوس " ( Periclytos ) . ومعناها المستوجب للحمد وأنه كان هناك في القول الأصلي لعيسى نبؤة خاصة بنبينا الكريم " أحمد " بالإسم . وحتى لو قرأناها " باراكليت " ( بارقليط أو فارقليط " ( Paraclete ) ، فإنها تشير إلى النبي الكريم ( المبعوث ) " رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ( الأنبياء : 107 ) وهو " بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ " ( التوبة : 128 ) . وانظر أيضا تعليقنا رقم 416 على الآية 81 من سورة آل عمران ([16])
محمد ( صلى الله عليه وسلم )
هو " الباراكليت " :
إنه من الواضح لكل الباحثين عن الحق بإخلاص أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو " الباركليت " ([17]) الموعود ( The Promised Paraclete ) أو المعزى ( Comforter ) ، المسمى أيضا على سبيل التخيير بالمساعد أو المعين ( Helper ) والمحامي أو المؤيد أو الشفيع ( Advocate ) والناصح ( الأمين ) أو المشير ( Counsellor ) .. إلخ المذكور في نبؤات عيسى ( عليه السلام ) في إنجيل يوحنا .
---(1/219)
وهناك الملايين من الرجال والنساء النصارى الذين يتشوقون ويتوقون إلى هذه الرسالة البسيطة المباشرة الصريحة المستقيمة ([18]) .
" فلما جاءهم بالبينات ([19]) قالوا هذا سحر مبين " :
هكذا تنتهي الآية السادسة من سورة الصف .
" إن نبي الإسلام سبق وتنبأ به الأنبياء من قبل بأساليب كثيرة . وعندما جاء أراهم العديد من الآيات البينات ، وما كانت حياته كلها من أولها إلى آخرها إلا معجزة كبرى .
فلقد قاتل وانتصر عكس كل التوقعات . وعلم الناس أسمى درجات الحكمة بدون أن ينال من البشر أدنى قسط من التعليم .
ولقد ألان القلوب القاسية وقوى القلوب الرقيقة المحتاجة إلى المساعدة والتأييد ([20]) .
إن الرجال ذوو البصيرة والفطنة أدركوا في أقواله وأفعاله قدرة الله وتوفيقه " .
ومع هذا فقد وصفها الشكاكون بالشعوذة والتحايل والسحر !
يقول توماس كارلايل في ( ص 88 ) من كتابه " الأبطال وعبادة الأبطال " :
" محمد مزورا ومحتالا أو مشعوذا ؟؟ كلا ! ثم كلا ! إن هذا القلب الكبير المفعم بالعاطفة الجياشة الذي يغلي كمرجل أو مَوقِد هائل من الأفكار ، لم يكن قلب محتال أو مشعوذ " .
وهم يصفون تحقيق ( هذا النبي ) وتصديقه لنبؤة من قبله من المرسلين بالسحر والشعوذة والفتنة ، هذا الذي صار أكثر الحقائق ثباتا في تاريخ البشرية : أعني الإسلام ! ([21]) .
محمد المثال الأسمى
رؤية فيلسوف هندوسي معاصر لنبي الإسلام
ك. س. رامكرشنة راو
أستاذ الفلسفة بجامعة ميسور في الهند
الفصل الأول
محمد نبي الإسلام
البدايات ([22]) :
ولد محمد وفقا لما قرره المؤرخون المسلمون في صحراء الجزيرة العربية يوم العشرين من شهر إبريل في عام خمسمائة وواحد وسبعين بعد المسيح . واسمه يعني " المثنى عليه أو الممدوح أو المحمود حمدا كثيرا " . ([23]) وهو بالنسبة لي أعظم عقل مفكر أنجبته الجزيرة العربية على الإطلاق .
---(1/220)
إنه أعظم بكثير من جميع الشعراء والملوك الذين عاشوا قبله أو جاءوا بعده في هذه الصحراء المعزولة ذات الرمال الحمراء .
وحينما ظهر محمد لم تكن الجزيرة العربية شيئا مذكورا . ومن هذه الصحراء التي لم تكن شيئا مذكورا إستطاع محمد بروحه العظيمة أن ينشئ منها عالما جديدا وحياة جديدة وثقافة جديدة وحضارة جديدة ومملكة جديدة إمتدت من مراكش إلى شبه القارة الهندية ، وأن يؤثر في فكر وحياة ثلاث قارات هي آسيا وإفريقية وأوروبا .
الحاجة إلى التفاهم :
عندما فكرت في الكتابة عن النبي محمد كنت مترددا بعض الشيء لأنني سأكتب عن دين لا أعتنقه . ([24]) وإنه لأمر بالغ الحساسية أن يفعل المرء ذلك لأنه يوجد الكثير من الناس الذين يعتنقون ديانات متنوعة وينتمون إلى مذاهب فكرية وطوائف مختلفة حتى داخل الدين الواحد . وعلى الرغم من أن البعض يزعم أحيانا أن الديانة مسألة شخصية تماما فإنه لا يمكن إغفال أن الدين يميل إلى الإحاطة بالكون بأسره ما نرى منه وما لا نرى أيضا . وهو بطريقة ما يتخلل من حين إلى آخر قلوبنا وأنفسنا وعقولنا في مناطق الوعي وما دون الوعي ( subconscious ) واللاوعي ( unconscious ) منها ، أو أي من تلك المناطق الي تشتمل عليها أو يفترض أنها تشتمل عليها . وتأخذ المسألة أهمية بالغة عندما نقتنع اقتناعا راسخا أن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا رهن هذا الخيط الحريري اللين الدقيق المسمى بالدين . أما إذا كنا شديدي الحساسية فإن مركز الثقل يكون في الغالب دائما في حالة توتر قصوى . وبالنظر إلى المسألة من هذه الزاوية يتضح لنا أنه كلما قل الكلام عن ديانة الآخرين كلما كان ذلك أفضل . ولندع أدياننا واعتقاداتنا مخفية ومغمورة في أعماق ثنايا قلوبنا الداخلية محصنة بأختام من شفاهنا لا تنكسر .
جماعية الإنسان :
---(1/221)
ولكن يوجد جانب آخر لهذه المسألة . فالإنسان يعيش في المجتمع وترتبط حياتنا شئنا أم أبينا وبطريقة مباشرة وغير مباشرة – بحياة الكثيرين . فنحن جميعا نأكل من ثمرات تزرع في نفس الأرض ونشرب الماء من نفس النبع ونسنتنشق هواء نفس الجو . ومع تمسكنا الشديد بآرائنا الشخصية فإنه سيكون من المفيد – لا لغرض آخر سوى تشجيع الانضباط المناسب في البيئة المحيطة بنا – لو أننا عرفنا أيضا بدرجة أو بأخرى كيف يفكر جارنا وما هي المنابع الأصلية لتصرفاته .
ومن زاوية الرؤية هذه تصبح محاولة المرء للتعرف على جميع أديان العالم شيئا مرغوبا فيه ، وذلك بالروح الصحيحة ، من أجل تشجيع التفاهم المتبادل والتقبل الأفضل لجيراننا على المدى القريب والبعيد .
كما أن أفكارنا ليست متناثرة ومبعثرة كما تبدو كذلك في الظاهر . فلقد تبلورت تلك الأفكار حول بضع أنوية في شكل أديان العالم الكبرى والعقائد الحية التي ترشد وتدفع حياة الملايين من سكان أرضنا هذه . وإذا كنا نفكر في أن نصبح في يوم من الأيام مواطنين للعالم الذي بين أيدينا ، فمن واجبنا أن نحاول ولو محاولة صغيرة التعرف على أديان العالم الكبرى ونظم الفلسفة التي تحكم البشرية .
النبي شخصية تاريخية ([25]) :
---(1/222)
وعلى الرغم من هذه الملاحظات التمهيدية فإن الأرض التي يجري عليها الصراع بين العقل والعاطفة في مجال الدين زلقة جدا لدرجة أن المرء ليُذكَّر باستمرار بالحمقى الذين يندفعون حيث تهاب الملائكة الاقتراب . والأمر أيضا معقد جدا لسبب آخر . فموضوع كتابي هو شرائع ديانة تاريخية ونبيها ، وهو أيضا شخصية تاريخية لدرجة أن ناقدا عدوانيا مثل السير " وليم موير " يقول متحدثا عن القرآن الكريم : " لا يوجد في العالم على الأرجح كتابا آخر بقي إثني عشر قرنا ([26]) بنص بمثل هذا النقاء " . ويمكنني أن أضيف أن النبي محمد شخصية تاريخية ([27]) أيضا . فكل حادثة في حياته دونت بدقة بالغة وحتى أدق التفاصيل حفظت سليمة للمتأخرين . إن حياته وأعماله لم يكتنفهما الغموض ولم تكن محاطة بالأسرار . ولا يحتاج المرء إلى البحث المجهد عن المعلومات الدقيقة ولا الإنطلاق في رحلات مرهقة لكي يفصل القشرة عن حبة الحق ([28]) .
إساءة عرض وتقديم الإسلام في الماضي :
إن عملي هذا مستنير لأن الأيام التي كان يساء فيها إلى حد بعيد عرض الإسلام وتقديمه بواسطة نقاده ([29]) لأسباب سياسية وغير سياسية هي في إدبار وإلى زوال .
يقول الأستاذ بيفان ( Prof. Bevan ) في كتاب " كمبردج لتاريخ العصور الوسطى " : " إن التقارير التي وصف فيها محمداً والإسلام المنشورة في أوروبا قبل بداية القرن التاسع عشر يجب اعتبارها الآن مجرد فضول أدبي أو استثناءات أدبية ( Literary curiosities ) " .
إن المشكلة التي أواجهها من أجل كتابة هذه الفقرة أصبحت أكثر سهولة من ذي قبل لأننا كنقاد وبوجه عام لم نعد نقتات الآن على مثل هذا النوع من التاريخ . ولسنا في حاجة إلى كثير من الوقت نمضيه في الإشارة إلى إساءاتنا في عرض الإسلام وتقديمه .
---(1/223)
فمثلا النظرية التي تقول بانتشار الإسلام بالسيف لم تعد تردد الآن بكثرة في أي دائرة تستحق الذكر . فمبدأ " لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " ([30]) هو مبدأ معروف ومشهور جدا في الإسلام .
يقول المؤرخ العالمي الشهير " جيبون " : ([31])
" إن شريعة خبيثة قد ألصقت بالمحمديين ([32]) وهي واجب استئصال جميع الأديان بالسيف " ([33]) .
ويقول المؤرخ البارز أن هذه التهمة الجاهلة والمتطرفة يدحضها القرآن كما يدحضها تاريخ الفتوحات الإسلامية . وما اشتهر الفاتحون به من تسامح تجاه العبادة المسيحية معروف ومشروع .
إن أعظم نجاح في حياة محمد جاء نتيجة للقوة الأخلاقية فقط وبلا ضربة سيف واحدة .
الفصل الثاني
المصطفى
" والكاظمين الغيظ " ([34]) :
كان العرب يتقاتلون لأربعين سنة بسبب حادث بسيط كاقتحام جمل يملكه ضيف إحدى القبائل داخل مراعي القبيلة الأخرى ، وتقاتل كلا الجانبين حتى أن سبعين ألف نفس قد حصدت مما هدد بفناء القبيلتين . لمثل هؤلاء العرب الشرسين جاء نبي الإسلام ليعلمهم ضبط النفس والانضباط إلى حد إقامة الصلاة في ساحة القتال .
الحرب دفاعا عن النفس ([35]) :
بعد أن أخفقت تماما الجهود المتكررة الرامية إلى المصالحة وطرأت ظروف اضطرته إلى ساحة القتال اضطرارا دفاعا عن النفس ، بدل نبي الإسلام فن ( استراتيجية ) القتال بالكامل . إن إجمالي الخسائر في الأنفس في جميع الحروب التي وقعت خلال حياته حين دانت له الجزيرة العربية كلها لا يتعدى بضع مئات . لقد علَّم أهماج ([36]) العرب الصلاة وأن يصلوا لله القدير جماعة لا فرادى ، حتى وسط غبار العواصف والقتال . وكلما حان وقت الصلاة وهو يحين خمس مرات في كل يوم يجب ألا تترك أو تؤجل صلاة الجماعة . فينبغي أن تصلي طائفة فتركع وتسجد بين يدي ربها بينما تشتبك الطائفة الأخرى مع العدو . فإذا قضيت الصلاة فينبغي أن تغير كلتا الطائفتين موقعهما ([37]) .
---
التمدن والإنسانية في ساحة القتال :(1/224)
إن ساحة القتال نفسها صارت مجالا للتحضر الإنساني . وصدرت توجيهات صارمة بعدم الفساد أو الإتلاف وعدم الغش وعدم نقض المواثيق وعدم انتهاك الحرمات وعدم التمثيل بالقتلى وعدم قتل الولدان ولا النساء ولا الشيوخ وعدم قطع النخل أو حرقه وعدم قطع شجرة مثمرة وعدم التعرض للرهبان والأشخاص المشغولين بالعبادة .
إن معاملة محمد الشخصية لألد أعدائه هي المثال الأسمى لأتباعه . فقد كان في أوج قوته عند فتح مكة . إن القرية التي عذبته هو وأتباعه وأخرجته هو وقومه إلى المغترب واضطهدته وقاطعته بقسوة حتى حينما لجأ إلى مكان يبعد عنها أكثر من مائتي ميل ، هذه القرية كانت خاضعة له تماما في ذلك الحين . وقد كان يحق له حسب قوانين الحرب أن يثأر منها للأعمال الوحشية التي أنزلتها به وبقومه . ولكن أي معاملة تلك التي قابلهم بها ؟ لقد فاض قلب محمد بفطرة الحب والرحمة حين صرح قائلا :
" لا تثريب عليكم اليوم . إذهبوا فأنتم الطلقاء " . ([38])
العفو عن ألد الأعداء :
لقد كان أحد الأهداف الرئيسية التي أجاز بسببها الحرب دفاعا عن النفس هو توحيد البشر . وحينما تحقق هذا الهدف عفى عن ألد أعدائه حتى أولئك الذين قتلوا عمه الحبيب حمزة وانتهكوا حرمة جسده ومثلوا به فشقوه ولاكوا جزء من كبده .
النظرية تمتزج بالتطبيق :
إن مبدأ الأخوة العالمية ([39]) وعقيدة وتعاليم المساواة بين البشر التي أعلنها ونادى بها تمثل مساهمة عظيمة جدا من محمد للارتقاء الاجتماعي للإنسانية . إن جميع الأديان الكبرى دعت أيضا إلى نفس العقيدة والتعاليم ولكن نبي الإسلام وضع هذه النظرية في التطبيق الواقعي . وسوف يُعترف بقيمة هذه العقيدة والتعاليم ([40]) بعد فترة ، ربما حين يستيقظ الضمير العالمي فتختفي التحيزات والتحاملات والأحكام العنصرية المسبقة ويخرج مفهوم أقوى لأخوة البشر إلى الوجود .
الفلاح والملك متساويان أمام الله :
---(1/225)
تقول الشاعرة الهندية " ساروجيني نايدو " عن هذا المظهر من مظاهر الإسلام :
" لقد كان الإسلام أول دين يبشر بالديمقراطية ويمارسها . فيجتمع المصلون سويا في المساجد حين يرفع الآذان لتتجسد ديمقراطية الإسلام خمس مرات في اليوم عندما يركع ويسجد الفلاح والملك جنبا إلى جنب معلنين أن " الله أكبر " . وتمضي شاعرة الهند العظيمة قائلة : " وقد أدهشتني مرة أخرى هذه الوحدة الإسلامية التي لا انفصام لها ، التي تجعل المرء أخا بالفطرة . فأنت حين تقابل مصريا وجزائريا وهنديا وتركيا في لندن فلا فرق إلا أن مصر هي بلدة أحدهم والهند بلدة الآخر " .
الإسلام حضَّر أسبانيا وهو اليوم الحل للمشاكل الاجتماعية :
يقول " المهاتما غاندي " ([41]) بأسلوبه الذي لا يحاكى :
" لقد قال أحد الأوربيين في جنوب إفريقية أنهم يخشون مجيء الإسلام . الإسلام الذي حضَّر ومدَّن أسبانيا . الإسلام الذي حمل مشعل النور إلى مراكش وبشر العالم ببشارة ([42]) الأخوة ( Gospel of Brother hood ) . إن الأوروبيين في جنوب إفريقية يخشون مجيء الإسلام لأنه يقرر ويؤكد مساواة الملونين بالأجناس البيضاء . فليخشونه بجد . وإذا كانت الأخوة خطيئة وإذا كانت المساواة بالأجناس الملونة هو ما يخشونه ، فخشيتهم إذن في محلها " .
الحج شهادة حية :
يرى العالم كل عام في موسم الحج المشهد الرائع لهذا الاستعراض العالمي للإسلام وهو يسوي جميع الفروقات في الجنس واللون والمكانة . ولا يجتمع الأوربيون والأفارقة والفرس والهنود والصينيون سويا في مكة كأفراد أسرة ربانية واحدة فحسب ، ولكنهم يرتدون زيا موحدا أيضا ( إزار ) فيرتدي كل رجل منهم قطعتين ساذجتين ([43]) من القماش الأبيض غير المخيط إحداهما حول سوءته والأخرى فوق كتفيه ( رداء ) وهو حاسر الرأس في غير خيلاء ولا تكلف مرددا : " لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك " . ([44])
---(1/226)
وبذلك لا يبقى ما يفرق بين الرفيع والوضيع . ويحمل كل حاج معه إلى بلده انطباعا بالمدلول العالمي للإسلام .
إن كلمات الأستاذ هوجرونجي توضح هذه المسألة حيث يقول : " إن عصبة الأمم التي أسسها نبي الإسلام تضع مبدأ الوحدة الإسلامية والأخوة الإنسانية على أسس عالمية بحيث تعطي للأمم الأخرى مثالا يحتذى " . ويمضي قائلا : " الحقيقة هي أنه لا توجد أمة في العالم يمكن أن تضاهي ما فعله الإسلام حيال تحقيق فكرة عصبة الأمم " .
الإسلام منارة لعالم ضل السبيل :
إن نبي الإسلام قد جاء بحكم الديمقراطية في أحسن أشكالها . ([45])
إن الخليفة عمر والخليفة علي زوج ابنة النبي والخلفاء المنصور والعباس بن الخليفة المأمون وخلفاء وملوك آخرين كثيرين كان عليهم أن يمثلوا أمام القضاة كرجال عاديين في المحاكم الإسلامية . ونحن نعلم كيف يُعامَل السود بواسطة الأجناس البيضاء المتحضرة حتى يومنا هذا .
ولنأخذ كمثال منزلة بلال العبد الحبشي في أيام نبي الإسلام زهاء أربعة عشر قرنا خلت . إن العمل كمؤذن لصلاة المسلمين كان يعتبر عملا يدعو للاحترام في أيام الإسلام المبكرة . وقد أعطي هذا العمل لهذا العبد الحبشي . وأمره النبي بعد فتح مكة أن ينادي للصلاة فوقف هذا العبد الحبشي ذو البشرة السوداء والشفتين الغليظتين على سطح الكعبة المشرفة أكثر الأماكن عراقة وقداسة في العالم الإسلامي . وهنالك صرخ أحد العرب المستكبرين بصوت عال متألما : " الويل لهذا العبد الحبشي الأسود . إنه يقف فوق سطح الكعبة المشرفة لينادي للصلاة " .
وقد ألقى نبي الإسلام خطبة كانت كأنها الرد على هذه الثورة التي تفوح منها رائحة الكبرياء والهوى اللذين عزم نبي الإسلام على استئصالهما ، قال فيها ما معناه :
---(1/227)
" الحمد لله الذي أذهب عنا نخوة ([46]) الجاهلية وتفاخرها بالأنساب . أيها الناس اعلموا أن الناس فريقين : الأبرار المتقين الفائزين عند الله . والفجار القاسية قلوبهم السفلة الذين تزدريهم عين الله . وإلا فإن الناس كلهم لآدم وخلق الله آدم من تراب " .
وقد صدق القرآن هذا فيما بعد وأكده بهذه الكلمات :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " ( الحجرات : 13 )
التحول فوق العادي :
إن نبي الإسلام أحدث تحولا هو من العظم بحيث أن أكرم العرب وأخلصهم نسبا عرضوا بناتهم للزواج من هذا العبد الحبشي . وكلما رأى خليفة الإسلام الثاني المعروف في التاريخ بأمير المؤمنين عمر العظيم ، هذا العبد الحبشي وقف له احتراما ورحب به معلنا : " ها هو قد جاء سيدنا ها هو قد جاء مولانا " .
فيا له من تحول هائل هذا الذي أحدثه القرآن والنبي محمد في العرب أكثر الناس تفاخرا بالأنساب على الأرض في ذلك الحين . وهذا هو السبب الذي دعا جوته ([47]) ( Goethe ) أعظم الشعراء الألمان يعلن وهو يتكلم عن القرآن الكريم أن : " هذا الكتاب سيستمر في ممارسة تأثير قوي جدا عبر جميع العصور " .
وهو السبب أيضا الذي دعا جورج برنارد شو ([48]) ( George Bernard Show ) يقول :
" لو قدر لأي دين أن يسود إنجلترا ، لا بل أوروبا في غضون المائة عام المقلبة ، فالإسلام هو هذا الدين " .
الإسلام حرر المرأة :
لقد كانت نفس روح الإسلام الديمقراطية هذه هي التي حررت المرأة من قهر الرجال . يقول السير " تشارلز إدوارد أرشيبالد هاملتون " .
---(1/228)
" إن الإسلام يُعَلّمُ البراءة الأصلية ([49]) للإنسان . ويعلم أن الرجل والمرأة جاءا من نفس واحدة ([50]) وأنهما يملكان نفس الروح وأنهما مُنحَا قدرات متساوية من المواهب العقلية أو الفكرية والروحية أو الدينية والأخلاقية " ([51])
إقرار حق الملكية للنساء :
كان للعرب عادة شديدة التأصل هي أن من يرث هو فقط من يطعن بالرمح ويصنع السيف . ولكن جاء الإسلام ليدافع عن الجنس الضعيف وأعطى المرأة حق المشاركة في وراثة الوالدين . ([52]) وأعطى الإسلام المرأة من قرون مضت حق ملكية المال . بينما طبقت إنجلترا ، التي يفترض أنها مهد الديمقراطية هذا المبدأ الإسلامي بعد إثني عشر قرنا وفي عام 1881 بعد المسيح فقط . وصدر مرسوم سمي " مرسوم النساء المتزوجات " ( The Married Women's Act ) .
ولكن قبل ذلك بقرون كان نبي الإسلام قد أعلن أن " النساء شقائق الرجال وحقوق النساء مقدسة " " لا تبخسوا النساء حقا مما فرض لهن " " إستوصوا بالنساء خيرا " ( الأحاديث بالمعنى ) .
الفصل الثالث
الأمين
الوسطية القيّمة :
لا يعنى الإسلام مباشرة بالأنظمة السياسية والاقتصادية ولكنه يعنى بها بطريقة غير مباشرة .
وبقدر ما تؤثر الشئون السياسية والاقتصادية على سلوك الإنسان يرسي الإسلام بعض المبادئ الهامة جدا للحياة الاقتصادية .
---(1/229)
ووفقا للأستاذ ماسينيون ( Prof. Massignon ) فالإسلام يحافظ على التوازن بين الأضداد المبالغ فيها ويضع دائما نصب عينيه بناء الشخصية التي هي أساس الحضارة . وقد ضمن ذلك بشرائعه في الميراث وبنظام الصدقة المنظمة غير الإختيارية المعروفة بالزكاة وبتحريم جميع الممارسات المضادة للاجتماع ( antisocial ) في مجال الاقتصاد مثل الاحتكار والربا والحصول على فوائد وأرباح محددة أو معينة سلفا والتحكم في الأسواق ( بالامتناع عن البيع لرفع الأسعار ) والاختزان وخلق ندرة مصطنعة لأي سلعة من أجل دفع السعر إلى الارتفاع . والميسر ( المقامرة ) حرام أيضا . وأسمى أعمال البر في الإسلام هي التبرع للمدارس ودور العبادة والمستشفيات وحفر آبار المياه وبناء ملاجئ للأيتام . ويقال أن ملاجئ الأيتام نشأت لأول مرة وفقا لتعاليم نبي الإسلام . ([53]) والعالم مدين بملاجئ أيتامه لهذا النبي الذي كان نفسه يتيما .
يقول توماس كرلايل عن محمد : " إن الصوت الفطري للإنسانية والتقوى والإنصاف الساكن في قلب هذا الابن البري للطبيعة ، يتكلم " .
الاختبار :
قال أحد المؤرخين ذات مرة : يجب أن يحكم بعظمة الرجل من خلال ثلاثة اختبارات :
(1) هل كان عند معاصريه ذو عزم صادق ؟
(2) هل كان من العظمة بحيث يرتفع فوق مستوى من هم في سنه ؟
(3) هل ترك شيئا كتراث دائم للعالم كافة ؟ ([54])
يمكن لهذه القائمة أن تمتد إلى مدى أبعد ولكن كل هذه الاختبارات الثلاثة للعظمة تتحقق بوضوح ولأعلى درجة في حالة النبي محمد .
وقد ذكرنا من قبل بعض الأمثلة فيما يتعلق بالاختبارين الأخيرين .
دعنا نتناول أول هذه الاختبارات وهو :
هل كان نبي الإسلام عند معاصريه ذو عزم صادق ؟
الشخصية المعصومة :
---(1/230)
تظهر السجلات التاريخية أن جميع معاصري محمد الأصدقاء والأعداء اعترفوا بالشمائل النقية والاستقامة الخالصة والفضائل الكريمة والإخلاص المطلق والأمانة المطلقة لرسول الإسلام في جميع نواحي الحياة وفي كل مجال للنشاط الإنساني . حتى أن اليهود وأولئك الذين لم يؤمنوا برسالته قبلوه حكما في نزاعاتهم الشخصية ([55]) بسبب ما عرفوه عنه من تحريه عدم التحيز .
وحتى أولئك الذين لم يؤمنوا برسالته اضطروا لأن يقولوا : " يا محمد إننا لا نكذبك ولكننا نكفر بالذي أعطاك كتابا وأوحى إليك بالرسالة " . ([56])
وقد ظنوا أن به جنة . وحاولوا علاجه بالعنف . ولكن أحسنهم طريقة رأوا نورا جديدا أشرق عليه وأسرعوا في طلب هذا التنوير .
إن الميزة البارزة في سيرة نبي الإسلام أن عشيرته الأقربين كابن عمه الحبيب وأصحابه الحميمين الذين عرفوه معرفة وثيقة جدا تشربوا بالكامل بصدق رسالته واقتنعوا بأصالة الوحي الإلهي الذي جاء به .
يقول سيد أمير علي في كتابه " روح الإسلام " :
" لو أن هؤلاء الرجال والنساء والشرفاء والعقلاء ، ومن المؤكد أنهم لم يكونوا أقل تعليما وثقافة من صيادي السمك بالجليل ([57]) ، شعروا بأدنى إشارة إلى رغبة المعلم ([58]) الدنيوية وخداعه أو نقص إيمانه ، لكان رجاء محمد في التجديد الأخلاقي والإصلاح الاجتماعي قد انهار إلى أنقاض في لحظة " .
إننا نجد على العكس إخلاص أتباعه له يتمثل في اعترافهم به بإرادتهم كقائد لحياتهم . وقد تحملوا من أجله الاضطهاد والخطر بشجاعة وآمنوا به ووثقوا فيه وأطاعوه ووقروه حتى في خلال تعرضهم لأشد العذاب والكرب العقلي بسبب فرض العزلة عليهم حتى الموت .
هل يكون هذا هو حالهم لو أنهم لاحظوا على قائدهم أدنى اعوجاج ؟
الحب السرمدي للنبي الكريم :
---(1/231)
لتقرأ سيرة المهتدين الأوائل إلى الإسلام وسينفطر كل قلب لمنظر المعاملة الوحشية للرجال والنساء الأبرياء . فقد مزقوا بقسوة سمية تلك المرأة البريئة كل ممزق بالطعن النافذ بالحراب . أما ياسر ( زوجها ) فقد جعلوه عبرة وشدوا ساقيه إلى ناقتين وسيقت الدابتين في اتجاهين معاكسين .
أما خباب بن الأرت فجعلوه يرقد على سرير من الجمرات المحترقة وجثم الطغاة عديمو الرحمة بأرجلهم بوحشية فوق صدره حتى لا يتحرك مما جعل الشحم تحت جلده ينصهر .
وخباب بن عَديّ الذي قتلوه بطريقة وحشية ومثلوا بجسده وانتهكوا حرمته ومزقوه إربا إربا .
وحينما كان يُسأل في وسط هذا التعذيب إن كان يرجو لو أن محمدا كان مكانه وهو آمن في بيته بين أهله كان يصرخ معلنا أنه مستعد عن طيب خاطر أن يفتدي محمدا بنفسه وأهله وأبنائه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه من وخزة الشوكة حتى لا يشاكها .
ويمكننا أن نروي روايات لا حصر لها عن أحداث من هذا القبيل تنفطر لها القلوب .
ولكن ما الذي تظهره كل هذه الأحداث ؟
ما السبب في أن أبناء وبنات الإسلام هؤلاء لم يُسَلّموا لنبيهم طاعة وتسليما فحسب ، وإنما جعلوا أجسامهم وقلوبهم وأنفسهم فداه ؟
ألم يكن إيمان أتباع محمد المباشرين واقتناعهم الشديد أرفع شهادة على صدقه واستغراقه التام في المهمة التي كلف بها ؟
أتابعه من أحسن الناس عقلا ومنزلة :
ولم يكن أصحابه من السفلة أو من ذوي العقليات المتدنية . بل الذين التفوا حوله في وقت مبكر نسبيا هم أفضل وأشرف من في مكة . كانوا وجوه القوم وصفوتهم . رجال لهم مراكزهم ومكانتهم وثراءهم وثقافتهم من الأصحاب والأقارب الذي عرفوا أدق التفاصيل في حياته .
إن جميع الخلفاء الأربعة الأوائل بشخصياتهم الشامخة كانوا ممن اهتدى في هذه الفترة المبكرة .
تقول دائرة المعارف البريطانية : " إن محمدا هو الأكثر نجاحا وتوفيقا من كل الأنبياء والشخصيات الدينية " .
---(1/232)
ولكن هذا النجاح لم يكن نتيجة مصادفة مجردة . لم يكن ثمرة أسقطتها الرياح . لقد كان اعترافا بحقيقة أن معاصريه وجدوه ذو عزم صادق . وكان نتيجة لشخصيته التي تدعو إلى الإعجاب وتدفع بشدة إلى الانتباه .
الفصل الرابع
الصادق
المثال الكامل لحياة البشر :
إنه من الصعب جدا أن نصل إلى الحقيقة الكاملة لشخصية محمد . إنني لم أستطع الحصول إلا على لمحة سريعة منها . يا لها من تعاقب مثير لمشاهد رائعة !
فهناك محمد النبي ومحمد القائد ومحمد الملك ومحمد المقاتل ومحمد التاجر ومحمد الواعظ أو البشير ومحمد الحكيم ومحمد رجل الدولة ومحمد الخطيب ومحمد المصلح والمجدد ومحمد ملاذ اليتامى ومحمد حامي العبيد ( الرقيق ) والمدافع عنهم ([59]) ومحمد محرر النساء ([60]) ومحمد القاضي والحكم ومحمد القديس .
ولقد كان محمد بطلا في كل هذه المهام الجليلة وفي جميع مجالات النشاط الإنساني على حد سواء .
إن حال اليتيم هو منتهى الضعف وانعدام الحيلة .
وقد بدأ محمد حياته يتيما . والملك هو ذروة السلطة المادية . وقد انتهت إليه حياته . ([61])
وقد تقلب حاله من صبي يتيم إلى لاجئ مضطهد ثم إلى سيد ([62]) – بالمفهوم الديني والدنيوي أيضا – لأمة بأكملها ، مقررا لمصيرها بكل ما فيه من تجارب وإغراءات ومخاطر وبكل ما فيه من تقلبات وتغيرات ومن ضياء وظلام ومن ارتقاء وإنحدار ومن فظاعة وعظمة .
لقد قاوم محن الدنيا وخرج منها سالما ليكون مثالا يحتذى في كل مرحلة من مراحل الحياة . ولم تقتصر إنجازاته على جانب واحد من جوانب الحياة ولكنها شملت أيضا جميع أوضاع البشرية الاجتماعية .
محمد الأعظم :
---(1/233)
لو أن العظمة تكمن في تنقية وتطهير أمة مشربة بالهمجية والتخلف ومنغمسة في ظلام أخلاقي مطلق ، فإن الشخص المتميز بالفاعلية والمليء بالقوة والنشاط الذي استطاع أن يحول ويهذب وينهض بأمة بأكملها غارقة في الحضيض – كما كان حال العرب – ويجعلهم حملة مشاعل الحضارة والمدنية والتعليم ، له كل الحق في هذه العظمة .
ولو أن العظمة تكمن في توحيد العناصر المتنافرة والمتضاربة والمتشاكسة والمختلفة في المجتمع برابطة الأخوة والإحسان ، فإن لنبي الصحراء كل الحق لهذا الإمتياز .
ولو أن العظمة تكمن في إصلاح هؤلاء الغارقين في أوهام ومعتقدات خرافية منحطة ومخزية وممارسات خبيثة مهلكة متعددة الأنواع ، فإن نبي الإسلام قد بدد الأوهام والمعتقدات الخرافية والمخاوف المنافية للعقل والمنطق من قلوب الملايين .
ولو أن العظمة تكمن في نشر الأخلاق السامية ، فإن الأعداء والأصحاب شهدوا لمحمد بأنه الصادق الأمين .
ولو أن الفاتح المنتصر رجل عظيم ، فها هو إنسان قد بلغ مرتبة مساوية للأكاسرة والقياصرة بعد أن كان مخلوقا بسيطا يتيما لا حول له ولا قوة . وأسس إمبراطورية عظيمة ظلت كذلك على مدى هذه القرون الأربعة عشرة .
ولو أن الحب الشديد الذي يناله القائد هو المقياس للعظمة ، فإن مجرد ذكر اسم هذا النبي له تأثير الرقية الفاتنة – حتى في يومنا هذا – على ملايين الأنفس المنتشرة في جميع أنحاء العالم .
النبي الأمي :
لم يدرس محمد الفلسفة أو الحكمة في مدارس أثينا أو روما أو فارس أو الهند أو الصين . ومع ذلك فقد استطاع أن يكشف للبشرية أسمى وأعلى الحقائق الخالدة القيمة . وبالرغم من كونه أميا فقد كان يستطيع الكلام بفصاحة وحماسة تدفع الرجال إلى دموع الفرحة . ومع أنه ولد يتيما وبلا أموال دنيوية فقد كان محبوبا من الجميع .
---(1/234)
كما أنه لم يدرس في أية أكاديمية عسكرية ومع ذلك فقد كان يستطيع تنظيم قواته في مواجهة ظروف مروعة وانتصر بواسطة القوات العسكرية ذات الخلق والدين التي كان ينظم ويرتب صفوفها بنفسه .
إنه نادرا ما نجد الرجال الموهوبين بالقدرة الفائقة على الوعظ والحديث الجاد . وقد اعتبر " ديكارت " ([63]) ( Descartes ) الواعظ الماهر ضمن أندر أصناف الرجال في العالم .
وقد عبر " هتلر " ([64]) عن رأي مشابه في كتابه " كفاحي " . حيث يقول : " من النادر أن يكون واضع النظريات ( theorist ) قائدا عظيما . أما المحرك الاجتماعي أو السياسي فامتلاكه لتلك الصفات التي ترشحه للقيادة أرجح إلى حد بعيد . فهو دائما قائدا أفضل . فالقيادة تعني القدرة على تحريك جموع البشر . والقدرة على تقديم الأفكار لا علاقة لها بالقدرة على القيادة " .
ولكنه يضيف : " إن اتحاد صفات وضع النظريات والتنظيم والقيادة في شخص واحد هي ظاهرة من النادر جدا حدوثها في هذا العالم . وهنالك تكمن العظمة " .
وقد شاهد العالم هذه الظاهرة النادرة تتجسد في شخص عاش على الأرض هو نبي الإسلام .
يقول " كارلايل " ([65]) في كتابه " الأبطال وعبادة الأبطال " :
" لقد كان ( محمدا ) رجلا فقيرا ، شديد الكدح ، غير قادر على الإعالة ، لا يهتم بما يجتهد في طلبه الرعاع أو السوقة . وفيما أرى فإنه لم يكن امرؤ سوء ، ولم يكن طالب شهوة من أي نوع ، وإلا ما وقره هؤلاء الرجال الوحشيين ([66]) . الذين قاتلوا وخاضوا الملاحم طوع أمره خلال ثلاث وعشرين سنة ، وهم في ذلك وثيقوا الصلة به دائما ، كل هذا التوقير !
" لقد كانوا رجالا وحشيين يندفعون بين الفينة والفينة بقوة إلى التشاجر وكل ألوان التشاحن العنيف . وما كان يستطيع أي رجل أن يقودهم بدون أن يمتلك القيمة الأخلاقية والشجاعة .
أو إنكم لتعجبون كيف دعوه واعتبروه نبيا ؟
---(1/235)
أو لم يقف وسطهم ظاهرا لهم يواجهونه ويخاطبونه بلا حاجب بينه وبينهم ، غير محاط بأي سر من الأسرار الدينية أو غموض . فكان يرى وهو يرقع ثوبه ويصلح نعله ، ويقاتل ويستشير ويصدر الأوامر وهو بينهم . فلا بد أنهم أدركوا أي نوع من الرجال كان .
ولتسمه ولتدعه ما تشاء ! إنه لم يطع إمبرطورا جليلا متوجها مثلما أطيع هذا الرجل في ثوب رقعه بنفسه .
وإنني لأجد أن خوضه ثلاثة وعشرين عاما من التجارب الحرجة الصعبة يستلزم بالضرورة نوعا من البطولة الحقيقية " .
والأعجب من ذلك ما يقوله القس " بوزوورث سميث " ( Bosworth Smith ) :
" لقد كان رئيسا للدولة ولجماعة تدين بنفس العقيدة ، لقد كان يجمع سلطة ومقام قيصر والبابا معا ، ولكنه بابا بدون خيلاء البابا وغروره ، وقيصر بلا فيلق ([67]) أو حشوده وبلا جيش عامل ولا حارس شخصي ولا قوة من الشرطة ولا دخل ثابت . لو أن ثمة رجل كان له الحق في أن يدعي أنه يحكم بالحق الإلهي فقد كان هذا الرجل هو محمد . فقد كانت معه جميع السلطات من غير أن يكون معه ما يدعمها أو يحافظ عليها . وقد كانت بساطة حياته الخاصة متطابقة ومنسجمة مع حياته العامة " .
محمد الطاهر النقي :
لقد صارت مساحة تقدر بمليون ميل مربع تحت تصرفه بعد فتح مكة . إن سيد جزيرة العرب كان يصلح نعله ويرتق أو يرفو ملابسه الصوفية الخشنة ويحلب الشياه ويكنس البيت ويوقد النار ويقوم بالأعمال المنزلية الأخرى التي يعهد بها إلى الخدم عادة . وفي الأيام الأخيرة من حياته كانت المدينة حيث كان يقيم قد صارت أكثر أغنى . وكان الذهب والفضة متوفرين في كل مكان . وعلى الرغم من الرخاء الاقتصادي الذي كانت تشهده المدينة في تلك الأيام فإن أسابيعا كثيرة كانت تمضي من غير أن توقد النار في بيت ملك جزيرة العرب ([68]) .
---(1/236)
وكان طعامه يقتصر على ( الأسودان ) التمر والماء . وكان أهل بيته يبيتون جوعى ليال عديدة متعاقبة لأنه ليس ثمة طعام يأكلونه في تلك الليالي . ولم يكن محمد ينام على فراش وثير وإنما كان فراشه حصيرا مصنوعا من ألياف النخل بعد يوم شاق طويل . وقضى معظم ليله في الصلاة ([69]) .
وكثيرا ما كان يندفع إلى البكاء بين يدي خالقه طالبا أن يمنحه القوة للقيام بواجباته .
وكما تذكر لنا الروايات فقد كان صوته يكاد يحبس بسبب بكائه فيبدو كأنه أزير ([70]) مرجل ([71]) بدأ يغلي على النار .
وكان كل ما يملكه يوم وفاته هو بضع دراهم ، قسم منها قضى به دين له وأعطى الباقي لبعض الفقراء الذين جاءوا إلى بيته يطلبون إحسانا .
والثوب الذي كان يلبسه حينما فاضت روحه إلى بارئها كان به رقعا عديدة .
أما البيت الذي طالما انتشر منه النور إلى العالم فكان معتما لأنه لم يكن في المصباح زيتا .
الثبات على المبدأ حتى الموت :
لقد تغيرت الظروف المحيطة به ولكن نبي الله لم يتغير . وكانت لمحمد نفس الشخصية سواء في حال النصر أو الهزيمة وسواء في حالة القوة أو المحنة وسواء في ساعة اليسر أو العسرة . فرسل الله وأنبياؤه لا يتبدلون كما لا تتبدل طرق الله وسننه ونواميسه .
محمد الأعظم : ([72])
يقول المؤرخ الفرنسي لامارتين ([73]) في كتابه :
" تاريخ تركيا " . طبعة باريس 1854 . المجلد الثاني ص 276 و277 :
لو أن عظم الغاية
وصغر الوسائل وقلة الموارد
والنتائج المدهشة
هي ثلاثة معايير لعبقرية الإنسان ، فمن يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ الحديث بمحمد ؟
إن أشهر الرجال صنعوا الأسلحة وشرعوا القوانين ووضعوا النظريات وأسسوا الإمبراطوريات فقط . فهم لم يؤسسوا – لو اعتبرنا أنهم أسسوا شيئا يذكر – أكثر من قوى مادية أو سلطات مادية كثيرا ما انهارت وزالت أمام أعينهم .
---(1/237)
أما هذا الرجل ، محمد ، فإنه لم يحرك ويؤثر في الجيوش والتشريعات والإمبراطوريات والشعوب والأسر الحاكمة فقط ولكنه حرك وأثر في ملايين الرجال ، بل الأكثر من ذلك إنه أزاح الأنصاب ([74]) والمذابح والآلهة الزائفة وأثر في الأديان وغير الأفكار والاعتقادات والأنفس .
واستنادا إلى كتاب كل حرف منه صار يمثل شريعة ، أسس محمد قومية روحية ( أو دينية ) ( spiritual nationality ) امتزجت فيها بتآلف سويا شعوب من كل لسان ومن كل جنس .
إن فكرة وحدانية الله التي أعلنها ونادى بها ودعا وسط السأم الشديد من النظريات اللاهوتية ([75]) الخرافية غير القابلة للتصديق ( fabulous theologies ) ، كانت في نفسها معجزة بحيث أنه بمجرد أن صرح بها دمرت جميع الاعتقادات الخرافية القديمة ..
إن صلواته ودعواته المتصلة ، وأحاديثه الغيبية أو مناجاته مع الله ، ووفاته ونجاحه وانتصاره بعد وفاته ، كلها أمور لا تشهد على أنه كان دجالا أو مدعيا للنبوة ولكنها تشهد على إيمان راسخ منحه القوة لكي يحيى ويجدد العقيدة . وهذه العقيدة كانت ذات شقين هما : وحدانية الله وأن الله ليس كمثله شيء . فالشق الأول يثبت لنا ما لله ( من أسماء وصفات ) ( what God is ) والشق الآخر ينفي عنه ما ليس له ( what God is not ) ... ([76])
" .. حكيم وخطيب ورسول ومشرع ومقاتل وسيد على الأفكار ومحيي ومجدد للاعتقادات المعقولة والمنطقية ولدين بلا تماثيل ولا صور ، ومؤسس لعشرين امبراطورية أرضية أو دنيوية ( terrestrial ) وامبراطورية واحدة روحية أو دينية ( spiritual ) ، هذا هو محمد .
ووفقا لكل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل : هل هناك أي إنسان أعظم منه ؟ "
الفصل الخامس
تراث خالد للعالم
أكثر من أمين :
---(1/238)
هناك قول مأثور بأن الرجل الأمين هو أفضل خلق الله . وقد كان محمد أكثر من أمين . ([77]) لقد كان إنسانا بكل ما في الكلمة من معان . وكانت سعادة نفسه ورضاها في التعاطف والتواد والمحبة الإنسانية .
لقد كان الهدف من بعثته ورسالته وكل الغاية من حياته ومنتهاها هو أن يخدم الإنسان وأن يهذب الإنسان وأن يزكي الإنسان وأن يعلم الإنسان وباختصار أن يجعل من الإنسان إنسانا متمدنا متحضرا .
لقد كان مصدر إلهامه الوحيد والقاعدة الهادية الوحيدة له في أفكاره وأقواله وأفعاله هو المصلحة البشرية . ([78])
لقد كان محمد غير متباه وغير متفاخر إلى أبعد الحدود وكان منكرا لذاته إلى أقصى درجة . وما هي الألقاب التي اتخذها لنفسه ؟ إنهما لقبان فقط : عبد الله ورسوله . عبده أولا ثم رسوله . رسول نبي مثل كثير من الأنبياء في كل مكان من هذا العالم بعضهم معروف لنا وكثيرا منهم لا نعرفهم . ([79])
وإذا لم يعتقد إنسان ما بأي من هذه الحقائق فإنه لم يعد مسلما . إنها من شروط إيمان جميع المسلمين .
يقول أحد الكتاب الغربيين :
" إذا نظرنا إلى الظروف المحيطة في زمنه والاحترام غير المحدود من أتباعه له ، فإن أكثر الأمور إعجازا في شأن محمد هو أنه لم يدع أبدا القوة أو القدرة على عمل المعجزات " .
لقد جرت المعجزات على يديه ولكن ليس لكي ينشر دينه . وكان يعزوها بالكلية إلى الله وطرقه التي هي فوق البحث والتفسير . وكان يقول بصراحة ووضوح إنه بشر مثلهم . ([80]) فلم يكن له كنوز في الأرض ولا في السماء . ولم يزعم أنه يعلم أسرار المستقبل . كل ذلك جرى في زمن كانت تعتبر فيه المعجزات حوادث عادية ، تجري بإرادة أقل القديسين قدرا ، وعندما كان الجو كله مشحونا بالإيمان بالقوة الخارقة الطبيعية سواء في جزيرة العرب أو خارجها .
التوجه العلمي تركة محمد :
لقد وجه محمد انتباه أتباعه للنظر في الكون وسننه حتى يفهمونها ويقدرون مجد الله حق قدره .
---
يقول القرآن :(1/239)
" وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ([81]) ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ " ( الدخان : 38 – 39 )
إن العالم ليس وهما أو خدعة ولا هو مخلوق بلا هدف . إنه خلق بالحق . إن عدد آيات القرآن الداعية إلى تدبر الكون هي عدة أضعاف تلك الآيات المتعلقة بالصلاة والصوم والحج .. إلخ ، مجتمعة وبدأ المسلمون بتأثيرها يلاحظون الكون ملاحظة دقيقة وتولد عن هذا روح الملاحظة والتجربة العلمية التي لم تكن معروفة لقدماء اليونانيين .
إن ابن البيطار ([82]) عالم النبات المسلم كتب مؤلفاته في علم النبات بعد أن جمع النباتات من جميع أنحاء العالم وقد وصفه " ماير " ( Mayer ) في كتابه ( Gesch der Botanika ) بأنه أحد أبرز علماء الصناعة .
وارتحل البيروني ([83]) مدة أربعين سنة لجمع العينات الخاصة بعلم المعادن . وقد رصد علماء الفلك المسلمون بعض المشاهدات الدقيقة على امتداد أكثر من اثنتي عشرة سنة ، بينما كتب أرسطو ([84]) مؤلفاته في علم الطبيعة بدون إجراء تجربة واحدة . وكتب بإهمال في التاريخ الطبيعي مقررا أن للإنسان أسنانا أكثر من الحيوان بدون أن يكلف نفسه عناء التحقق بالتجربة من هذه الحقيقة التي يمكن إثباتها ببساطة شديدة .
الغرب مدين للعرب في العلوم :
أخبر " جالين " ([85]) أعظم خبير في علم التشريح التقليدي بأن الفك السفلي يتكون من عظمتين . وقد ظل هذا التقرير مقبولا بلا اعتراض لقرون حتى تجشم عبد اللطيف مشقة فحص الهيكل العظمي للإنسان .
ويعطي " روبر بريفو " ( Robert Briffault ) في كتابه المعروف " صناعة البشرية " ( The Making of Humanity ) عدة أمثلة أخرى مشابهة ثم يقرر :
---(1/240)
" إن دين علمنا للعرب لا يكمن في الاكتشافات المثيرة أو النظريات الثورية . إن العلم مدين لثقافة العرب ([86]) بشيء أعظم من ذلك بكثير . إنه مدين لها بوجوده " . ويقول نفس المؤلف : " إن قدماء اليونانيين نظموا وصنفوا ورتبوا منهجيا وعمموا ووضعوا النظريات ولكن الأساليب والطرق المتأنية في البحث وتجميع العلم الإيجابي أو الحقيقي وطرق العلم الدقيقة والملاحظة الدقيقة والممتدة والبحث التجريبي ، كلها أمور بعيدة عن المزاج اليوناني ومخالفة له . إن ما نسميه علما نشأ في أوروبا نتيجة لطرق جديدة للبحث ونتيجة لطريقة التجربة والملاحظة والقياس ونتيجة لتطور الرياضيات بشكل لم يكن معروفا لليونانيين ... إن هذه الروح وتلك الطرق أدخلت إلى العالم الأوروبي للمرة الأولى بواسطة العرب " .
الفصل السادس
محمد رسول الله
الإسلام طريقة كاملة للحياة :
إن نفس الصفة العملية لتعاليم النبي محمد هي التي ولَّدت الروح العملية وجعلت أيضا الأعمال اليومية وما يسمى بالأمور الدنيوية مقدسة .
إن القرآن يقول إن الله خلق الإنسان ليعبده . ([87]) ولكن كلمة " العبادة " هنا لها دلالة خاصة . فعبادة الله لا تقتصر على الصلاة وحدها ولكن كل عمل يرضي الله يُعمَل بهدف الفوز وهو في مصلحة البشر يدخل في نطاق هذه الكلمة .
إن الإسلام يقدس الحياة وكل سعي وكفاح في الحياة ، طالما أن هذا الكفاح وذلك السعي عُمِلَ بأمانة وصدق وعدل ونوايا مخلصة .
---(1/241)
والإسلام يلغي الفصل أو التمييز القديم بين ما هو ديني وما هو دنيوي . فالقرآن يقول إنك إذا أكلت الأشياء الطيبة وشكرت الله عليها ، فإن هذا يعد عملا من أعمال العبادة . وهناك مقولة لنبي الإسلام بأن اللقمة التي يضعها المرء في فم زوجته هي من أعمال البر التي يثيبه الله عليها . وهناك حديثا نبويا آخر معناه : " إن الذي يقضي شهوته يؤجره الله عليها طالما أتاها من طريق حلال " . فتعجب أحد المستمعين إليه قائلا : " يا نبي الله إنما هو يستجيب لشهواته " . فأجابه النبي بما معناه " أرأيت إن أتاها عن طريق حرام أما كان عليه وزر ؟ فكذلك إن أتاها من طريق حلال كان له فيها أجر " .
التعاليم السامقة :
إن هذا الفهم الجديد للدين على أنه يجب أن يهتم بتحسين هذه الحياة أكثر من انحصار اهتمامه بالأمور فوق الدنيوية أو العلوية ( supermundane ) ، أدى إلى توجه جديد للقيم الأخلاقية . إن التأثير الثابت على العلاقات المشتركة للبشر في أمور الحياة اليومية وسلطته الشديدة على الجماهير وتنظيمه لفهمهم للحقوق والواجبات وصلاحيته وموافقته للإنسان البدائي الجاهل وللفيلسوف الحكيم على حد سواء ، هي معالم مميزة لتعاليم نبي الإسلام .
الإسلام الصحيح والعمل الصالح هما الأساس :
يجب الأخذ في الاعتبار بعناية بالغة أن هذا التأكيد والتركيز على الأعمال الصالحة في الإسلام ليس على حساب صحة الإيمان .
وبينما تعظم إحدى المذاهب الفكرية الكثيرة الإيمان على حساب العمل ([88]) وتحض الأخرى على الأعمال المختلفة بما يضر بالإيمان الصحيح ([89]) ، نجد الإسلام مبني على صحة الإيمان والأعمال . فالوسيلة في الإسلام تستوي مع الغاية في أهميتها والغاية تماثل الوسيلة في خطورتها . إنهما يعتبران وحدة عضوية . وهما يعيشان ويزدهران معا .
---(1/242)
وكلاهما يضمحلان وينتهيان حين نفصلهما عن بعضهما البعض . إننا في الإسلام لا يمكننا أن نفصل الإيمان عن العمل . فالعلم الصحيح يجب أن يترجم إلى عمل صحيح حتى تأتي النتائج الصحيحة المرجوة .
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً " ([90])
وكم وردت مثل هذه الكلمات في القرآن ؟ ليس أقل من خمسين مرة . ترددت مثل هذه الكلمات في القرآن مرارا وتكرارا .
إن التفكر أو التدبر أمر مطلوب في الإسلام ولكن مجرد التفكر أو التدبر ليس هو الهدف .
إن الذين آمنوا ولم يعملوا شيئا لا يمكن أن يكون لهم وجود في الإسلام .
أما الذين آمنوا ثم عملوا السيئات فقد وقعوا في تناقض شديد .
إن الشرع الإلهي هو شرع يستلزم المجاهدة وليس شرعا ذهنيا أو نظريا .
( Divine law is the law of effort and not of ideals )
إنه يهدي الناس إلى طريق الارتقاء السرمدي من العلم إلى العمل ومن العمل إلى الرضى .
الله لم يكن كفوا أحد ([91]) :
ولكن ما هو الإيمان الصحيح الذي ينشأ عنه العمل الصالح تلقائيا ويسفر عنهما الرضى الكامل ؟
إن العقيدة الرئيسية والتعليم الرئيسي في الإسلام هي وحدانية الله . إن شهادة أن : لا إله إلا الله ([92]) ، هي الأساس الذي يتوقف عليها جميع تعاليم الإسلام وممارساته .
إن الله فرد ([93]) ليس كمثله شيء ، ليس فقط فيما يختص بذاته الإلهية ولكن أيضا فيما يختص بصفاته الإلهية .
وفيما يتعلق بصفات الله فإن الإسلام يتخذ مسلكا وسطا قيما ([94]) كما هو شأنه في الأمور الأخرى أيضا .
فالإسلام يبطل من جهة الفكرة التي تسلب أو تجرد الذات الإلهية من كل صفة ويرفض من جهة أخرى الفكرة التي تشبهه بالأشياء المادية .
---(1/243)
والقرآن يصرح من جهة أنه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " ([95]) ومن جهة أخرى يؤكد أنه سميع بصير عليم . إنه الملك المنزه عن العيب والخطأ والنقص . وملكوته الذي هو مظهر من مظاهر قوته ، يقوم على القسطاس والعدل . وهو الرحمن الرحيم . وهو على كل شيء حفيظ .
والإسلام لا يقف عند هذا الحد بهذا التقرير الإثباتي ، بل إنه يمضي – وهذه هي أكثر مميزاته الخاصة – فيضيف جانب النفي للمسألة . فلا يوجد أحد غير الله حفيظ على كل شيء . وهو الجبار . وهو يجبر ([96]) كل كسر ولا يوجد أحد غير الله يجبر كل كسر . وهو الذي يخلف على خلقه مهما كان مقدار الخسارة .
فلا إله إلا الله المنزه عن الحاجة ، خالق الأجساد وبارئ النَّسَم ([97]) ، مالك يوم الدين .
والقرآن يوجز هذا المعنى بقوله :
" قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " ( الإسراء : 110 ) .
مكانة البشر بين الخلق :
يقول القرآن عن مكانة الإنسان بالنسبة للكون :
" اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " ( الجاثية : 12 ، 13 )
أما عن مكانة الإنسان بالنسبة لله فيقول القرآن :
" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ ([98]) وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " ([99]) ( الملك : 1 ، 2 )
---(1/244)
فعلى الرغم مما يتمتع به الإنسان إلى حد ما من حرية الإرادة فإن كل امرئ يولد في ظروف خاصة ويظل يعيش في ظل ظروف خاصة خارجة عن سيطرته ، ووفقا للإسلام فإن الله يقول في هذا الصدد ، إنها إرادتي أن أخلق كل إنسان في ظل الظروف التي أرى أنها الأفضل له . والبشر القاصرون المحدودي العقل والعمر لا يستطيعون فهم السنن الكونية أو التدبير الإلهي فهما كاملا . ولكني بكل تأكيد سأبلوكم بالغنى والفقر وبالصحة والمرض وبالرفع والخفض .
وطريقتي في الابتلاء تختلف من إنسان لإنسان ومن ساعة لأخرى . ولكن لا تيأسوا عند الفقر .
ولا تلجأوا إلى الوسائل المحرمة . ([100]) فما هذه الحياة إلا مرحلة زائلة لا محالة .
ولا تنسوا الله في الغنى ، فما أعطاك الله إنما هو على سبيل الأمانة أو الوديعة ([101]) . وأنت دائما أبدا في اختبار وفي كل لحظة في امتحان .
وفي هذه الحياة الدنيا " ليس لهم أن يعقلوا العلل والأسباب وإنما عليهم أن يعملوا ثم يموتوا " .
فإذا عشت فعش في توافق مع الله وإذا مت فمت على منهج الله أو في سبيل الله .
ولتسمي هذا التصور بالجبرية ([102]) ( Fatalism ) . ولكن هذا النوع من الجبرية هو حالة من الجهد الشديد المتزايد الذي يجعلك دائما يقظا حذرا .
ولا تعتبر هذه الحياة الدنيا الزائلة منتهى الوجود البشري . فهناك حياة بعد الموت وهي حياة خالدة . إن الحياة بعد الموت هي مجرد وصلة ربط أو باب يفتح على الحقيقة الغائبة للحياة . ([103])
وكل عمل في الحياة الدنيا مهما كان ضئيلا يحدث أثرا باقيا ([104]) ، ويتم تسجيله بدقة بطريقة ما . ([105])
الدنيا إعداد للآخرة :
إن بعض طرق الله معروفة لك ولكن كثيرا منها يخفى عليك . وسوف ينكشف ويتضح أمامك في الآخرة ما كان مستورا منك ومخفيا داخلك في هذه الحياة الدنيا . وسوف يسعد المحسنون بأنعم الله مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
---(1/245)
وسوف يتقدمون وسوف يرتقون فيبلغون الدرجات العلا من الجنة .
وأولئك الذين أضاعوا الفرصة في هذه الحياة الدنيا سوف يخضعون للسنة الحتمية بأن يذوقوا وبال ما كسبوا ويخضعون لفترة تطهير من الذنوب التي عملتها أيديهم .
والحذر كل الحذر فإن الحساب عسير . إنه يمكنك أن تتحمل الألم الجسدي إلى حد ما . ولكن العذاب الروحي هو جهنم ([106]) ولن تستطيع تحمله .
ولتجاهدن في هذه الحياة الدنيا نزعات النفس الأمارة بالسوء ([107]) التي تغويك وتغريك على ارتكاب الظلم . ولتصلن إلى المرحلة التالية حينما تستيقظ في ضميرك النفس اللوامة ([108]) وترغب النفس في بلوغ الامتياز الأخلاقي وتثور ضد التمرد والعصيان . وهذا سيصل بك إلى المرحلة الأخيرة مرحلة النفس المطمئنة ([109]) الراضية بالله والتي تجد السعادة والفرح بالله وحده . فلا تزل النفس بعد هذا . فتولى مرحلة الكدح . وينتصر الحق ويزهق الباطل . وتنحل حينئذ جميع العقد . ولن يكون بيتك منقسما على نفسه . وستتوحد وتتحد شخصيتك حول جوهر التسليم الرئيسي لإرادة الله وتسلم تسليما كاملا لغاية الله البصيرة ( divine purpose ) . وستنطلق حينئذ في سلام ، وسيخاطبك الله ([110]) عندئذ قائلا :
" يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ، وَادْخُلِي جَنَّتِي ) ( الفجر : 27 – 30 )
مصير الإنسان :
هذه هي الغاية النهائية للإنسان . أن يصبح من ناحية سيدا للكون ، وأن يدرك من ناحية أخرى أن نفسه ستطمئن بالإيمان بربها ليس فقط برضى ربه عنه ولكن برضاه عن ربه أيضا ، وسينتج عن ذلك ؛ الإطمئنان كل الإطمئنان والرضا كل الرضا والسلام كل السلام .
ويصير حب الله في هذه المرحلة بمثابة زاده فينهل من أعماق ينبوع الحياة . فلا الحزن ولا العجز يغلبه ولا النجاح يجعله فرحا فخورا .
---(1/246)
وقد كتب توماس كارلايل منبهرا بهذه النظرة الحكيمة عن الحياة في كتابه " الأبطال وعبادة الأبطال " يقول :
" ثم إن الإسلام أيضا يعني أنه ينبغي أن نسلم ونخضع لله ، وأن قوتنا الكاملة وعافيتنا إنما تكمن في الطاعة المذعنة لله . ومهما فعل بنا ، ومهما أنزله بنا أو بعثه علينا من شيء ، وإن كان الموت أو ما هو أسوأ من الموت ، فهو الشيء الطيب والأفضل لنا ، ونحن نسلم أمرنا لله " .
ويمضي توماس كارلايل يقول " إن جوته ([111]) يقول :
" إذا كان هذا هو الإسلام ، ألسنا جميعا نحيا بالإسلام ؟ " .
إن توماس كارلايل يجيب بنفسه عن هذا السؤال الذي طرحه جوته بقوله :
" بلى ، نحن جميعا نحيا كذلك ، كل من يحيا منا حياة أخلاقية . وهذه أيضا أسمى حكمة أنزلها الله إلى أرضنا " .
ويمضي توماس كارلايل قائلا :
" إن رسالة هذا الرجل ( محمد صلى الله عليه وسلم ) إنما هي صوت نابع من الفطرة . إن الناس يصغون وينبغي أن يصغوا إلى هذه الفطرة كما لم يصغوا إلى شيء آخر . فكل شيء آخر بالمقارنة لها إنما هو لغو .. " .
شهادة غير المسلمين في محمد
( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن ([112])
1- يقول " إدوارد جيبون " ([113]) وسيمون أوكلي " في كتاب " تاريخ الإمبراطورية العربية الإسلامية " طبعة لندن ( 1870 ) ص 54 :
" لا إله إلا الله محمد رسول الله هي عقيدة الإسلام البسيطة والثابتة . إن التصور الفكري للإله ( في الإسلام ) لم ينحدر أبدا إلى وثن مرئي أو منظور . ولم يتجاوز توقير المسلمين للرسول أبدا حد اعتباره بشرا ، وقيدت أفكاره النابضة بالحياة شعور الصحابة بالامتنان والعرفان تجاهه ، داخل حدود العقل والدين " .
2- يقول " ديوان شند شرمة " في كتابه : " أنبياء الشرق " . طبعة كلكتا ( 1935 ) ص 122 :
" لقد كان محمد روح الرأفة والرحمة وكان الذين حوله يلمسون تأثيره ولم يغب عنهم أبدا " .
---(1/247)
3- يقول " جون وليام دريبر " الحاصل على دكتوراة في الطب والحقوق في كتابه " تاريخ التطور الفكري الأوروبي " . طبعة لندن ( 1875 ) المجلد الأول ، ص 229 و 230 :
" ولد في مكة بجزيرة العرب عام 569 بعد المسيح ، بعد أربع سنوات من موت جوستنيان الأول ، ([114]) الرجل الذي كان له من دون جميع الرجال ، أعظم تأثير على الجنس البشري .. وهو محمد " .
4- يقول ر. ف. س. بودلي في : " الرسول " لندن ( 1946 ) ص 9 :
" إنني أشك أن أي إنسان لا يتغير لكي يلائم ويوافق التغيرات الكثيرة جدا في ظروفه الخارجية ، كما لم يتغير محمد " .
5- يقول هـ. أ. ر. جب ([115]) في كتاب " المحمدية " ([116]) طبعة لندن ( 1953 ) ص 33 :
" إنه من المسلم به عالميا بصفة عامة أن إصلاحاته ( أي محمد ) رفعت من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الإجتماعي والشرعي " . ([117])
6- ويقول " جون أوستن " في مقال له بعنوان " محمد نبي الله " في مجلة ت. ب. وكاسل الأسبوعية في 12 سبتمبر سنة 1927 بعد المسيح :
" لقد أصبح محمد بالفعل في خلال ما يربو قليلا عن العام ما يمكن أن نسميه بالحاكم الروحي والدنيوي للمدينة ، ويده على الرافعة التي كان مقدر لها أن تهز العالم " .
7- ويقول " ج. كريستي ولسن " في كتاب " التعريف بالإسلام " طبعة نيويورك ( 1950 ) ص 30 :
" يعد القرآن أكثر الكتب الدينية في العالم إجلالا وأكثرها قوة بعد الكتاب المقدس " . ([118])
8- ويقول " تشارلز فرانسيس بوتر " في كتاب " الأديان التي يحيا بها البشر " . نشر كينجزوود ، سرى ( 1955 ) ص 81 :
" إن القرآن هو الأكثر قراءة من أي كتاب آخر في العالم .
قد يكون الكتاب المقدس المسيحي أكثر الكتب مبيعا في العالم ، ولكن هناك حوالي 250 مليون مسلم ([119]) من أتباع النبي محمد يقرأون أو يتلون أجزاء طويلة من القرآن خمس مرات يوميا في كل يوم من أيام حياتهم من يوم استطاعتهم الكلام " .
---(1/248)
9- يقول " ج. شِلِيدي " أستاذ اللاهوت في كتاب " السيد المسيح في القرآن " طبعة سورات ( 1913 ) ص 111 :
" إن القرآن هو كتاب المحمديين ([120]) المقدس . وهو ينال توقيرا أكثر من أي كتاب مقدس آخر ، أكثر من العهد القديم اليهودي والعهد الجديد المسيحي " .
10- ويقول " هـ. أ. ر. جب " في كتاب " المحمدية " طبعة لندن ( 1953 ) ص 33 :
" إذن لو كان القرآن من تأليف محمد لكان من الممكن أن ينافسه ويضارعه رجال آخرون . وليأتوا بعشر آيات من مثله مفتريات . وإذا لم يستطيعوا ( ومن الواضح أنهم لم يستطيعوا ) فليقبلوا القرآن كمعجزة وبرهان ظاهر " .
11- ويقول " باسنتا كومار بوز " في كتاب " المحمدية " طبعة كلكتا ( 1931 ) ص 4 :
" فلم يكن هناك مجال لأي تزييف أو حيلة كاذبة في القرآن وهذا ما يميزه عن جميع الأعمال الدينية ([121]) الهامة تقريبا التي ترجع إلى الأزمنة القديمة ..
إنه لأمر بعيد جدا أن يكون هذا الإنسان الأمي قد ألف أفضل كتاب في اللغة العربية " .
12- ويقول " أ. س. تريتون " في كتاب " الإسلام " طبعة لندن ( 1951 ) ص 21 :
" إن صورة الجندي المسلم المتقدم وبإحدى يديه سيفا وبالأخرى مصحفا هي صورة زائفة تماما " .
13- ويقول " دو لاسي أوليرى " في كتاب " الإسلام في مفترق الطريق " طبعة لندن ( 1923 ) ص 8 :
" وبالرغم من ذلك فقد أوضح التاريخ أن الأسطورة القائلة باجتياح المسلمين المتعصبين للعالم وفرضهم الإسلام على الأجناس المقهورة تحت تهديد السلاح ، هي إحدى كبرى الأساطير أو الخرافات الخيالية ، التي رددها في أي وقت المؤرخون ، سخافة ومنافاة للعقل " .
أولا : مصادر تعليقات المترجم
1- القرآن الكريم .
2- صفوة البيان لمعاني القرآن . الشيخ حسنين محمد مخلوف .
3- مصحف القادسية المفسر " مختصر تفسير الطبري " .
4- الكتاب المقدس – دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ( 1987 م )
---
5- زاد المعاد في هدي خير العباد . ابن قيم الجوزية .(1/249)
6- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى . ابن قيم الجوزية . تقديم وتحقيق وتعليق د. أحمد حجازي السقا . المكتبة القديمة . الطبعة الرابعة ( 1407 هـ ) .
7- حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر – الأستاذ اللواء أحمد عبد الوهاب . مكتبة وهبة . الطبعة الأولى ( 1981 م ) .
8- هل الكتاب المقدس كلام الله ؟ أحمد ديدات ترجمة نورة أحمد النومان .
9- محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بشارة المسيح . أحمد ديدات ترجمة وتعليق محمد مختار .
10- الله في اليهودية والمسيحية والإسلام . أحمد ديدات ترجمة وتعليق محمد مختار . المختار الإسلامي الطبعة الأولى ( 1411 هـ - 1991 م ) .
11- العرب وإسرائيل صراع أم مصالحة ؟ أحمد ديدات .. تقديم د. مصطفى الشكعة . ترجمة وتعليق محمد مختار . مكتبة النور . الطبعة الأولى ( 1411 هـ - 1991 م ) .
12- المسيح في الإسلام . أحمد ديدات . ترجمة وتعليق محمد مختار . المختار الإسلامي – الطبعة الأولى ( 1411 هـ - 1990 م ) .
13- من المعمدانية إلى الإسلام . أحمد ديدات . جهادة جلكريز ، ترجمة وتعليق محمد مختار . المختار الإسلامي . الطبعة الأولى ( 1412 هـ - 1992 م ) .
14- الخمر بين المسيحية والإسلام . أحمد ديدات . المركز العالمي للدعوة الإسلامية بدربان في جمهورية جنوب إفريقية . ترجمة وتعليق محمد مختار . المختار الإسلامي . الطبعة الأولى ( 1412 هـ - 1992 م ) .
15- المعجم الوسيط .
16- المورد ( 1990 م ) .
ثانيا : المراجع الأجنبية
1. 50,000 Errors in the Bible ?
Islamic Propagation Centre International .
Durban, Republic of South Africa, reprint of pages 25 and 26 of Awake . ( a Christian magazine ) Volume XXXVIII
Number 17, Brooklyn, New York, U.S.A. September 8, 1957 .
2. Webster New Collegiate Dictionary
---
( 1977 ) G. & C. Merriam Company, Spring Field, Massachusetts, U.S.A.(1/250)
3. Chambers Twentieth Century Dictionary
( New Ed. 1972, Reprint 1973 ) Allied Publishers Private Ltd; New Delhi, India .
ديدات يحاضر في أبناء مكة المكرمة :
الكتاب المقدس يؤكد نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
" كيف كانت بداية الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وما هي الأشياء التي وردت في الكتاب المقدس ( الانجيل ) والتي تؤكد صدق رواية الوحي ؟ " كان هذا عنوان المحاضرة القيمة التي ألقاها الداعية الكبير الشيخ أحمد ديدات في نادي مكة الثقافي وحضرها عدد غفير من أبناء مكة المكرمة وتحدث فيها عن تجربته الثرية في مجال الدعوة والمناظرة مع أتباع الديانات الأخرى ، كما تحدث عن الأصولية وما يريده الغرب من إلصاق تهمة التطرف والإرهاب بالمسلمين في يومنا هذا .
بدأ فضيلة الشيخ أحمد ديدات محاضرته بالقول أن موضوعها كان وليد الساعة ولم يكن سابق التحديد ، وذكر أن ما أوحى إليه بالموضوع هو زيارته إلى غار حراء بجبل النور صباح يوم المحاضرة وهو المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمضي فيه كثيرا من الوقت مرارا وتكرارا في تأمل هادئ آمن ، ليس انتظارا لأن يبعث نبيا فلم يكن يدور بخلده أدنى تصور كهذا بل مفكرا فيما آل إليه حال قومه أهل مكة أيام الجاهلية من انغماس في الرذائل كشرب الخمر والزنى والقمار والتقاتل لأتفه الأسباب ووأد البنات والزواج من زوجات الآباء لدرجة صاروا فيها وحسب وصف المؤرخ الكبير جيبون – لا يتميزون عن الحيوانات سوى بهيئاتهم كبشر . وقال إنه في هذا المكان بدأ الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم حيث نزلت أول خمس آيات من القرآن وهي التي في أول سورة العلق وذلك عندما ألقاها إليه جبريل عليه السلام بلسان عربي مبين قائلا : " إقرأ " .
تأكيد الكتاب المقدس للوحي :
---(1/251)
وذكر ديدات أن الرواية السابقة عن بداية نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء ما يؤكدها في الكتاب المقدس لليهود والنصارى ، كما يفضل فضيلته تسميته – وليس الإنجيل . وأوضح أن هذا الكتاب ينقسم إلى قسمين هما : العهد القديم الذي يؤمن به كل اليهود والنصارى على أنه كلام الله ، والعهد الجديد الذي يؤمن به النصارى وحدهم أنه كلام الله وأن هذا الكتاب المقدس عبارة عن موسوعة تضم أسفاراً أصغر تبلغ ستا وستين منها : سفر التكوين ، وسفر الخروج ، وسفر العدد ، وسفر التثنية وغيرها من الأسفار . وقال ديدات أن الجزء الذي جاء فيه تأكيد لتلك الرواية هو في سفر " إشعياء " أحد كتب العهد القديم الذي يؤمن به كل من اليهود والنصارى على أنه كلام الله ، حيث ورد في الفصل التاسع والعشرين منه النص رقم 12 الذي يقول : " في الكتاب المنزل إليه ، وهو الأمي ، قل : إقرأ فيقول : ما أنا بقارئ " ([122]) . وأشار إلى أنه وردت نبوءات كثيرة في الكتاب المقدس عن مجيء نبينا صلى الله عليه وسلم مؤكدة الآيات القرآنية في هذا الخصوص . مثال ذلك آية " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ " . ورد تأكيدها في كتاب التثنية في النص رقم 18 : 18 الذي يقول : " أقيم لهم نبيا من وسط أخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيهم به " .
نقطة التحول
---(1/252)
وقال ديدات عن نفسه أنه إنسان عادي مثل بقية الناس رغم ما يتردد عنه في أوساطهم من أنه عالم كبير ، فهو لم يدرس في أية جامعة وإنما بدأ حياته بائعا في بقالة ومعرض أثاث وسائقا لشاحنة وإنه كان شغوفا بالقراءة فكان يقرأ كل ما تقع عليه عينه ويتحدث بلا ملل عن كل ما يقرأ حتى بلغ بحمد الله تعالى ما هو عليه الآن من احتراف للدعوة إلى الله والدفاع عن الإسلام . وذكر أن اهتمامه بمناظرة غير المسلمين يعود إلى ما قبل خمسين عاما حين ترك المدرسة والتحق بالعمل بائعا في بقالة ريفية ، وأمام البقالة كان يقع مقر بعثة تنصيرية أمريكية . وكان منصرو هذه البعثة يأتون للتسوق . وكانوا كثيرا ما يستفزونه هو وزملاءه الآخرين الذين يعملون في البقالة بعد أن علموا أنهم مسلمين وذلك بطرح أسئلة عليهم تشوه صورة الإسلام . وقال ديدات إن الفرج جاءه بعد عثوره على كتاب " إظهار الحق " باللغة الإنجليزية وهو كتاب أعد لمساعدة مسلمي الهند في الرد على النصارى وساعده الكتاب في معرفة الكتاب المقدس وما فيه من تناقضات .
حفظ الأدلة سلاح للدفاع عن الدين
---(1/253)
وفي المحاضرة نبه ديدات إلى تقصير المسلمين في أداء واجب الدفاع عن دينهم ضد اليهود والنصارى فالمسلم عندما يواجه بادعاء من قبل يهودي أو نصراني لا يطالبه بالبرهان ، مخالفا بذلك التوجيه الرباني : " قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " . وإنما يصمت أو قد يرد بما كتبه المسلمون أنفسهم ، ولكنه لا يعمد للاستدلال بما ورد في كتب المدعي نفسه . وقد بين فضيلته أن معرفة الأدلة ونشرها يعتبر ذو أهمية بالغة امتثالا للتوجيه النبوي : " بلغوا عني ولو آية " ، لأن الآية هي السلاح المعين في الدفاع عن الدين ، فبدون معرفة الأدلة وحفظها عن ظهر قلب يتعذر الدفاع مهما علت درجة المدافع العلمية أو كبرت عمامته ، لذلك كان فضيلته مهتما وبشكل تلقائي بهذا الأمر وحتى قبل أن يعرف مضمون التوجيه النبوي ، فكان مغرما بحفظ الأدلة عن ظهر قلب وبالذات من الكتاب المقدس للستلح بها في الدفاع بها عن الدين حتى أن أصدقاءه لقبوه يوما بلقب " ألف وثمانمائة وثمانية عشر " من كثرة ما كان يردد ويتحدث عن نص ( سفر التثنية 18 : 18 ) في الكتاب المقدس يشير إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويحمل نفس الرقم . وذكر فضيلته أنه يحفظ كثيرا من الأدلة عن ظهر قلب بلغات مختلفة مثل السواحلية والاندونيسية والنيجيرية والاسبانية والعبرية والزولوية بالإضافة إلى العربية للاستعانة بها عند اللزوم للدخول إلى قلب المتكلمين بهذه اللغات وإقناعهم .
مدرسة للدعاة تخلف ديدات
---(1/254)
وجوابا عن سؤال آخر يدعو إلى قيام فضيلته بإنشاء مدرسة لإعداد تخلفه في الرد على اليهود والنصارى الذين عكروا في هذه الأيام حياة المسلمين ، طلب ديدات أن يكلف الآخرون عن ممارسة أقدم لعبة عرفها الإنسان وهي تحميل المسئولية للغير بدلا من أن يتحملوها بأنفسهم إذ يروي الكتاب المقدس أن آدم عليه السلام برر أكله من الشجرة التي نهي عن الأكل منها بأنه ما كان ليفعل ذلك لو أن الله لم يرسل إليه حواء التي زينت له ذلك ، ودعا إلى أن يتحمل كل فرد مسئوليته وأن يبدأ بالعمل حسب قدراته ، واعتذر عن عدم قدرته على الاستجابة لتلك الدعوة وأنه يكفيه أن قام بكتابة تسعة عشر كتابا يمكن لكل واحد منها أن يكون مادة دراسية في مجال الدعوة . واستعرض عناوين تلك الكتب التي منها : " ما اسمه ؟ " . " خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدس " ، " المسيح في الإسلام " ، هل الكتاب المقدس كلام الله ؟ " ، من حرك الحجر ؟ " ، " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد ؟ " ، " محمد الخليفة الطبيعي للمسيح " ، " محمد الأعظم " ، " والعرب واسرائيل " ، " القرآن معجزة المعجزات " ، " المسلم في الصلاة " ، " محمد نبي الإسلام " ، " الطريق إلى القرآن " ، " الصلاة " ، " النبي هو الأول " .
تشويه مفهوم الأصولية
---(1/255)
وتعليقا على سؤال ثالث يتذمر فيه سائله من كثرة استخدام وسائل الإعلام الغربية لكلمة ( الأصولية ) للإشارة إلى المسلمين وكيفية العمل لجعلها تكف عن ذلك ، قال ديدات أن كلمة أصولية تعني التمسك القوي بالتعاليم الأصولية للدين والعقيدة وهي بذلك تعتبر كلمة جميلة ، فنحن نؤمن بإله واحد ولا نساوم على ذلك ، ونعتقد أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ولا نتزحزح عن ذلك ، ونصلي خمس مرات في اليوم ولا نساوم على ذلك . هذه هي الأصولية . فالجزائري والإيراني والسعودي وأي شخص آخر يتمسك بتعاليم الإسلام بثبات فهو أصولي ، وإننا كلنا أصوليين لأننا نتمسك بمبادئنا ولا نساوم عليها ولا نناقش فيها ، ولكن الغربيين شوهوا الكلمة بإعطائها معنى مغايرا ، يتضمن أن الأصولي إنسان متخلف ومتعصب وغير منطقي وإرهابي ، مثلما فعلوا بكلمات أخرى فأطلقوا اسم " ابن الحب " على ابن الزنى واسم " المرح " على " اللوطي ! " وقال ديدات أن تشويه وسائل الإعلام الغربية لمفهوم الأصولية ينبغي أن ينظر إليه على أنه فرصة وهبها الله لنا لنستفيد منها في الصحافة ، إلا أننا لا نستفيد منها ، إننا لكي نستفيد منها يجب أن نكتب للصحافة المرة تلو الأخرى وبلا ملل ودون انتظار المختصين مثل أحمد ديدات أو ابن باز أو عبد الله نصيف للقيام بالرد لأن الرد مهمة كل مسلم .
ويقول ديدات أن تجربته تشير إلى أن اليهود والنصارى عموما مهتمين بالإسلام ولكنهم مغسلوا الأدمغة ومبرمجون نحو اتجاهات معينة وأن واجب المسلمين هو العمل على إعادة برمجة هؤلاء وذلك بمجادلتهم وإقناعهم بالحجة والبرهان .
الفهرس
مقدمة المترجم
محمد صلى الله عليه وسلم وما يسطرون
محمد صلى الله عليه وسلم المثال الأسمى بقلم ك. س رامكرشنة راو
الفصل الأول : محمد نبي الإسلام
الفصل الثاني : المصطفى
الفصل الثالث : الأمين
الفصل الرابع : الصادق
الفصل الخامس : تراث خالد للعالم
---(1/256)
الفصل السادس : محمد رسول الله
شهادة غير المسلمين في محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن
ديدات يحاضر في أبناء مكة
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ( الزرادشتيون ) : جمع الزرادشتي : وهو أحد أتباع " زرادشت " . و " الزرادشتية " : ديانة فارسية قديمة أسسها " زرداشت " في القرن السادس قبل الميلاد وهي منشورة في " الـ " زند – أفستا " ( Zend – Avesta ) ( أي شرح التعاليم ) وهو كتاب الزرادشتين المقدس . وهي ديانة تقول بوجود إلهين : واحد يمثل الخير والنور وهو الإله أو الموجود الأعلى " أورمزد " ( Ormuzdor Or. Ormazd ) . وأصل التسمية في اللغة الفارسية " أهورا – مازدة " ( أي الإله أو الرب الحي الخالق العظيم أو الإله الحكيم ) . والآخر يمثل الشر والظلمة وهو " أهريمان " ( أي الروح العدائية ) وهو عدو " أهورا – مازدة " . وأن الصراع بينهما لا ينقطع . مجموع بتصرف من قاموس المورد ( 1990 ) وقاموس وبستر الجديد للطلبة ( 1977 ) وقاموس تشيمبرز للقرن العشرين ( 1973 ) . المترجم .
([2]) ( راما ) : هو إله أو بطل مؤله عند الهندوس المتأخرين الذين يعبدونه باعتباره تجسيد للإله " فيشنو " : الإله الثاني في الثالوث الهندوسي . قاموس وبستر الجديد للطلبة ( 1977 ) طبعة الولايات المتحدة الأمريكية . وقاموس تشيمبرز للقرن العشرين ( 1973 ) طبعة الهند . ( المترجم )
([3]) يعني الهندوس في جمهورية جنوب إفريقية . ( المترجم ) .
---(1/257)
([4]) " أتناتو " هو الإسم الذي يطلقه سكان جنوب أستراليا الأصليين القدماء على إلههم ومعبودهم . ومفهومهم عن الإله أنه منزه تماما عن الحاجة ، فهو قائم بذاته ولا يعتمد على أحد غيره . ولا يحتاج إلى الطعام والشراب . ومعنى السؤال هنا : " هل كان محمد كذلك ؟ " راجع ( ص 37 – 41 ) من كتاب : " الله في اليهودية والمسيحية والإسلام " للأستاذ أحمد ديدات وقد قمت بترجمته والتعليق عليه وصدر عن دار المختار الإسلامي ضمن سلسلة " مكتبة ديدات " . ( المترجم ) .
([5]) راجع ( ص 49 – 51 ) من كتاب : " الله في اليهودية والمسيحية والإسلام " تأليف أحمد ديدات . وقد قمنا بترجمته والتعليق عليه وصدر عن دار المختار الإسلامي بالقاهرة ضمن سلسلة " مكتبة ديدات " ( المترجم )
([6]) راجع ص 10 من كتاب " المسيح في الإسلام " تأليف أحمد ديدات . وقد قمنا بترجمته والتعليق عليه وصدر عن دار المختار الإسلامي بالقاهرة ضمن سلسلة " مكتبة ديدات " . ( المترجم )
([7]) يقصد قصة ولادة مريم ( عليها السلام ) وكفالتها المذكورة في ( آل عمران : 42 – 44 ) .
([8]) وذلك في قوله تبارك وتعالى : " ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ " ( آل عمران : 44 ) .
---(1/258)
([9]) إن مريم ( عليها السلام ) لم يكن يهودية الديانة بل كانت تعبد إله آبائها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وزكريا إلها واحدا مخلصة له الدين . فهي حنيفية مسلمة وما كانت من المشركين . أما من ناحية الجنسية فهي إسرائيلية نسبة إلى إسرائيل وهو نبي الله يعقوب عليه السلام . أما القول بأنها كانت يهودية( Jew ) نسبة إلى عقيدة وديانة يهود زمانها أو القول بأنها نصرانية فهو قول مجانب للصواب ومناف للحقيقة . أما إذا كان الأستاذ أحمد ديدات يقصد هنا أنها يهودية ( Judean ) نسبة إلى موطنها المسمى بـ " اليهودية " أو يهوذا أو جويا ( Judea ) وأغلب الظن أنه قصد ذلك – فلا بأس وكان من الأفضل لو قال إنها امرأة " إسرائيلية " بدلا من القول بأنها " يهودية " دفعا للشبهة وتحريا للدقة . والله أعلم . ( المترجم )
([10]) جاء في الكتاب المقدس ما يلي :
" فقال أبرام ( وهو الإسم القديم لإبراهيم ) لساراى ( وهو الإسم القديم لسارة ) هو ذا جاريتك في يدك . إفعلي بها ما يحسن في عينيك . فأذلتها ساراى ، فهربت من وجهها " . ( التكوين 16 : 6 )
" وقال ( ملاك الرب ) يا هاجر جارية ساراى من أين أتيت وإلى أين تذهبين . فقالت أنا هاربة من وجه مولاتي ساراى " ( التكوين 16 : 8 ) .
وإنه ( أي إسماعيل ) يكون إنسانا وحشيا . يده على كل واحد ويد كل واحد عليه وأمام جميع إخوته يسكن " . ( التكوين : 16 : 12 ) .
" وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك . فقال الله بل سارة إمرأتك تلد إبنا وتدعو اسمه إسحاق . وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده . وأما إسماعيل فقد سمحت لك فيه . ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا . إثني عشر رئيسا يلد وأجعله أمة كبيرة . ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت من السنة الآتية " . ( التكوين 17 : 18 – 21 ) .
---(1/259)
" ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم ( أي إسماعيل ) يمزح . فقالت لإبراهيم أطرد هذه الجارية وإبنها . لأن إبن هذه الجارية لا يرث مع إبني إسحاق . فقبح الكلام جدا في عيني إبراهيم لسبب إبنه ( إسماعيل ) " . ( التكوين 21 : 9 – 11 ) .
" وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم فقال له يا إبراهيم . فقال هأنذا . فقال خذ إبنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك " . ( التكوين 22 : 1 ، 2 ) .
" فرأى الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته . وقال أحجب وجهي عنهم وأنظر ماذا تكون آخرتهم . إنهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم . هم أغاروني بما ليس إلها . أغاظوني بأباطيلهم . فأنا أغيرهم بما ليس شعبا ( يعني العرب ) . بأمة غبية أغيظهم " . ( التثنية 32 : 19 – 21 ) . ( المترجم )
([11]) كانت هاجر أميرة مصرية ولم تكن " جارية " أو أمة . إن المؤلف سيثبت بطريقة مقنعة وحاسمة من خلال كل وسيلة منطقية أنه وفقا لعلم تحسين النسل ووفقا للديانة اليهودية ووفقا للفطرة السليمة ، فإن ذرية هاجر أرفع مقاما ومنزلة من ذرية سارة وذلك في كتاب يصدر في المستقبل بعنوان " " ما لإسرائيل وما عليها " . ( المؤلف )
ملحوظة : صدر هذا الكتاب بعنوان : " العرب وإسرائيل صراع أم مصالحة ؟ " . وقد قمنا بترجمته والتعليق عليه وصدر بالعنوان الأخير وهو من نشر مكتبة النور بالقاهرة ، لمزيد من التفصيل راجع ( ص 50 – 53 ) . والتعليق رقم 16 و 21 ، ص 102 و 103 على الترتيب بالكتاب المذكور . ( المترجم )
([12]) راجع ( ص 39 – 45 ) من كتاب " المسيح في الإسلام " تأليف أحمد ديدات وقد قمنا بترجمته والتعليق عليه وصدر عن دار المختار الإسلامي بالقاهرة ضمن سلسلة " مكتبة ديدات " . ( المترجم ) .
---(1/260)
([13]) من هم أعداء المسيح عليه السلام الحقيقيين ؟ إنهم اليهود الذين عرَّضوا له في شرعية ولادته ورسالته ورموه بالكفر والسحر والشعوذة وقالوا فيه وفي أمه ما قالوا وتآمروا عليه وحاولوا قتله عدة مرات . وكذلك أتباعه المزعومين الذين غلَوا فيه ورفعوه فوق منزلته الحقيقية وقالوا إنه " إبن الله " المولود وليس مخلوقا لله وعبدوه وأمه وأعطوه مجدا لم يطلبه لنفسه . فكان صادقا معهم وقال لهم إنه لا يطلب مجدا لنفسه ولكن مجد ربه وبين لهم إنه بذلك يكون قد برأ ذمته منهم وأظهر لهم أنه " صادق وليس فيه ظلم " . إن مجد المسيح الحقيقي هو في تمام عبوديته لله وهو ما أظهره بوضوح أمام تلاميذه بسجوده وتضرعه لله في الصلاة وأقرب ما يكون " العبد " من الله وهو ساجد . وبما فعل من أفعال التواضع بغسله أرجل التلاميذ كما جاء في بعض الأناجيل حتى لا يدخل قلبه ذرة كبر . فالكبرياء والعظمة لله وحده . لأنه كان يعلم أنه لن يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة كبر . ولأنه كان يقول : " ليس التلميذ أفضل من المعلم ولا العبد أفضل من سيده " ( متى 10 : 24 ) .
وقد تنبأ المسيح وبشر الحواريين برسول يأتي من بعده إسمه " أحمد " . وقد ذكر لهم بعض صفاته وأفعاله كما هو مبين في الإصحاح الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من إنجيل يوحنا .
---(1/261)
فوصفه بأنه " المعزى " وقد عزى محمد صلى الله عليه وسلم النصارى بأن أخبرهم بحقيقة المسيح وأن اليهود ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وأن الله رفعه إليه وطهره من الذين كفروا . كما وصف المسيح محمدا صلى الله عليه وسلم قائلا : " ذاك يمجدني " . وقد مجد محمد صلى الله عليه وسلم المسيح ( عليه السلام ) بأن أظهر للجميع عبوديته وبين منزلته الحقيقية وأعلن أن المسيح سيقف بين يدي الله ليسأله عن عبادة أتباعه المزعومين واتخاذهم إياه وأمه إلهين من دون الله . فأقام الله الحجة على النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن الذي أخبر بوقوع هذا المشهد من مشاهد القيامة وبما يكون من جواب عيسى عليه السلام : " قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ، إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " . ( المائدة : 116 – 118 ) ( المترجم )
راجع ص 69 من كتاب : " المسيح في الإسلام " تأليف أحمد ديدات . وقد قمنا بترجمته والتعليق عليه وصدر عن دار المختار الإسلامي بالقاهرة ضمن سلسلة " مكتبة ديدات " . ( المترجم )
([14]) ( الأممي ) : ( غير اليهودي )
---(1/262)
([15]) يقول الدكتور أحمد حجازي السقا الحائز على درجة الدكتوراة من كلية أصول الدين جامعة الأزهر في موضوع " البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل " : " المعزى : النائب عن المسيح أو الوكيل . وهي ترجمة كلمة ( فارقليط ) أو ( بارقليط ) . وأصل الكلمة " فيرقليط " أو " بيرقليط " . ومعناها " أحمد " صلى الله عليه وسلم . والكلمة العبرانية التي نطقها المسيح هي " بيرقليط " وتترجم في اللغة اليونانية " بيرقليطوس " ولكن النصارى .. للأسف – حرفوا نطقها إلى " بارقليط " التي تترجم في اللغة اليونانية " بارقليطوس " ثم حذفوها من التراجم الحديثة ووضعوا بدلها " المعزى " ... ولو علمت أن حروف المد من ألف أو ياء أو واو لا وجود لها في اللغة العبرانية قبل القرن الخامس الميلادي لعلمت أن شكل كلمة بيرقليط هو نفس شكل بارقليط " ا.هـ. مختصر من تعليق د. أحمد حجازي السقا على كتاب " هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى " لابن قيم الجوزية . ص 98 بالهامش ، نشر المكتبة القيمة . الطبعة الرابعة ( 1407 هـ ) ( المترجم ) .
([16]) راجع الفصل الثاني من كتاب : " محمد بشارة المسيح " . تأليف أحمد ديدات . وقد قمنا بترجمته والتعليق عليه . ( المترجم )
([17]) اختلفت التراجم الإنجليزية للكتاب المقدس في ترجمة كلمة " الباراكليت " . وقد ذكر الأستاذ أحمد ديدات هنا أربعة منها . وقد قمنا بتحقيق هذه المعلومات في تعليقنا بهامش مقدمة كتاب : " من المعمدانية إلى الإسلام " قصة إسلام المهتدية جهادة جلكريز ومعه " الدعوة الإسلامية في مواجهة التنصير " بقلم أحمد ديدات . ( ص 25 – 27 ) وقد قمت بترجمته والتعليق عليه وصدر عن دار المختار الإسلامي بالقاهرة ضمن سلسلة " مكتبة ديدات " . ( المترجم )
([18]) راجع الفصل الثالث من كتاب : " محمد بشارة المسيح " تأليف أحمد ديدات . وقد قمت بترجمته والتعليق عليه . ( المترجم )
---(1/263)
([19]) قال خالد الزعفراني في مصحف القادسية المفسر مختصر تفسير الطبري : ( فلما جاءهم بالبينات ) محمد صلى الله عليه وسلم " . ( المترجم )
([20]) و " المساعد " ( Helper ) و " المؤيد " ( Advocate ) هي بعض المترادفات العديدة لكلمة " باراكليتوس " اليونانية التي جاءت في الترجمة اليونانية لإنجيل يوحنا ( يوحنا 14 : 16 ، 26 ؛ 15 : 26 ؛ 16 : 7 ) . في معرض نبؤة المسيح عليه السلام عن النبي الذي سيأتي من بعده . ( راجع التعليق رقم 2 ص 30 بالهامش ) . ( المترجم )
([21]) أنظر نهاية الفصل الثاني من كتاب " محمد بشارة المسيح " تأليف أحمد ديدات وقد قمت بترجمته والتعليق عليه . ( المترجم )
([22]) أنظر كتاب " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) " ، تأليف أحمد ديدات .
([23]) راجع فصل " من هو " المعزى " ؟ .
([24]) المؤلف يعتنق الهندوسية .
([25]) تاريخية يعني حقيقة من واقع التاريخ . ( المترجم )
([26]) لقد بقي القرآن حتى الآن أربعة عشر قرنا نقيا ومحفوظا ( المؤلف ) وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تصديقا لقول الله تبارك وتعالى " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " ( الحجر : 9 ) . المترجم
([27]) تقول دائرة المعارف البريطانية عن محمد إنه " الأكثر تاريخية من بين جميع الشخصيات الدينية " . ( المؤلف ) .
([28]) يقصد المؤلف إنه من اليسير التمييز بين الغث والثمين مما روي عن محمد صلى الله عليه وسلم أو نسب إليه من أحاديث وأخبار وقد وضعت في ذلك العلوم وصنفت فيه التصانيف . ( المترجم )
---(1/264)
([29]) يقول توماس كارلايل ( الكاتب والمؤرخ والفيلسوف الإنجليزي المشهور ) : " إن الأكاذيب التي أثارتها الحماسة الصادرة عن حسن نية حول هذا الرجل ( أي محمد صلى الله عليه وسلم ) لا تشين إلا أنفسنا " . أنظر كتاب " المسيح في الإسلام " تأليف أحمد ديدات . وهو من ترجمتنا ونشر عن دار المختار الإسلامي بالقاهرة .
([30]) من الآية 256 من سورة البقرة .
([31]) هو إدوارد جيبون ( 1737 – 1794 بعد المسيح ) مؤرخ إنجليزي ، يعتبر أعظم المؤرخين الإنجليز في عصره . ( المورد ) ( 1990 ) .
([32]) المؤلف يقصد المسلمين ، فكلمة " المحمديون " قد توحي بعبادتهم للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم . ولا يوجد بين المسلمين من يتخذ هذا النبي الكريم إلها أو يعبده ( المركز العالمي للدعوة الإسلامية ) راجع ص 10 – 12 من هذا الكتاب .
([33]) هذه ليست شريعة الإسلام ولا القرآن ولا محمد صلى الله عليه وسلم . يقول الله تبارك وتعالى في القرآن : " لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " ( الممتحنة : 8 ) قال خالد الزعفراني في مصحف القادسية المفسر مختصر تفسير الطبري : " ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم ) من جميع الملل " . قلت : إذن فلم يأمر الله في القرآن ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة باستئصال من لا يؤمن بالإسلام من الملل الأخرى .
قارن ذلك بما جاء في الكتاب المقدس عن ما فعله يهود بني إسرائيل بسكان الأرض المقدسة " فلسطين " حين دخلوها مع يوشع بن نون فتى موسى عليه السلام الذي يسمونه عندهم يشوع بن نون خادم موسى ( يشوع 1 : 1 ) .
" وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف " ( يشوع 6 : 21 ) .
---(1/265)
حرموا كل ما في المدينة : أي حرموا سبي أهلها واستحيائهم والغنيمة أي جعلوا أهلها حرام عليهم سبيهم واستحياءهم وأخذ أنعامهم وقتلوهم جميعا بحد السيف ولم يبقوا منهم أحدا . راجع ( ص 46 - 48 ) من كتاب " العرب وإسرائيل صراع أم مصالحة ؟ " تأليف أحمد ديدات وهو من ترجمتنا ونشر مكتبة النور – القاهرة . والتعليقات رقم 18 و19 و20 بالهامش ص 102 و103 من نفس الكتاب . ( المترجم ) .
([34]) من الآية 134 من سورة آل عمران .
([35]) إن الحرب دفاعا عن النفس أمر طبيعي ومشروع في كل عرف ودين . ويحلو لبعض المستشرقين وغيرهم عند الكلام عن دواعي الحرب في الإسلام الزعم بأن الإسلام جاء ليفرض على الجميع بحد السيف وذلك لإظهار الإسلام بصورة زائفة مشوهة والصد عنه بإخفاء تعاليمه السمحة أو القول بأن الإسلام انتشر بالسيف كمحاولة للنيل من عظمة الإسلام والتقليل من شأنه . وفريق آخر من المسلمين ومعهم بعض المستشرقين وربما بإيعاز ووحي منهم أو تأثرا بهم في محاولة منهم لإظهار ما يسمونه " الوجه الحضاري للإسلام " ( كأن للإسلام وجه آخر ليس كذلك ) أو إرضاءا لدعاوى تفريغ الإسلام من مضمونه وتزييف حقائقه وتمسكا منهم بأحاديث ضعيفة وربما موضوعة من ما ينسبونه للرسول صلى الله عليه وسلم من قول : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " . ويفسرون الجهاد الأصغر بأنه القتال في سبيل الله .. والجهاد الأكبر بأنه جميع أركان وفرائض وفضائل الإسلام ما عدا القتال في سبيل الله !
إن القول بأن الإسلام انتشر بالسيف بمعنى أن الناس أكرهوا على اعتناقه هو غلط شنيع . كما أن القول بأن الإسلام لم يرفع سيفا في نشره هو أيضا خطأ جسيم . فإن الإسلام يشرع استخدام السيف في مرحلة متأخرة عند منع تبليغ الإسلام سلما . إذن فالإسلام شرع القتال عند الامتناع عن دفع الجزية أو الوقوف حائلا دون نشر الدين فضلا عن شرعه للدفاع عن النفس . ( المترجم )
---(1/266)
([36]) ( أهماج ) : جمع همج : ( وهم ) الرعاع من الناس لا نظام لهم . ( المعجم الوسيط ) .
([37]) يشير المؤلف هناك إلى صلاة الخوف التي صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين في ساحة التقال استجابة لأمر ربه وبالكيفية التي علمها له ربه حيث يقول في كتابه العزيز : " وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً ، وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً " ( النساء : 101 ، 102 ) ( المترجم )
([38]) أنظر كتاب : " زاد المعاد في هدي خير العباد " لابن قيم الجوزية . طبعة 1400 هـ - 1980 بعد المسيح . نشر المكتبة التوفيقية بالحسين م1 حـ2 ص 165 . ( المترجم )
---(1/267)
([39]) يقول الله تبارك وتعالى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " ( الحجرات : 10 ) ويقول تعالى : " وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً " ( آل عمران : 103 ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " المسلم أخ المسلم " ويقول أيضا " وكونوا عباد الله إخوانا " ( الأحاديث بمعانيها ) .
([40]) يقول الله سبحانه وتعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " ( الحجرات : 13) ويقول تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً " ( النساء : 1 ) ويقول صلى الله عليه وسلم : " الناس سواسية كأسنان المشط . ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا : " كلكم لآدم وآدم من تراب " وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم " ( الأحاديث بمعانيها ) ( المترجم ) .
([41]) هو " موهانداس كرمشند غاندي " ( 1869 – 1948 بعد المسيح ) : زعيم سياسي وروحي هندي . نادى باللاعنف . وبالمقاومة السلبية ، وعمل لاستقلال الهند . " المورد " ( 1990 ) .
---(1/268)
([42]) تترجم كلمة " جوسبل " ( Gospel ) بالبشارة . كما تترجم أيضا بالإنجيل . وأصلها في الإنجليزية القديمة " جودسبل " ( Godspel ( 1 ) ) وهي ترجمة للكلمة اللاتينية " إفانجليوم " ( evangelium ) التي تعني حرفيا القصة الطيبة . ( قاموس تشيمبرز للقرن العشرين ) . والبعض يترجمها بالبشارة أو النبأ السار أو السعيد أو الخبر المفرح . وقد بشر الإسلام بالأخوة الدينية في أسمى معانيها ودرجاتها على أساس من تقوى الله وتكافل البشرية . وما أكثر السرور والسعادة والفرح الذي تدخله هذه البشارة على قلوب المؤمنين . ( المترجم )
([43]) ( الساذج ) : الخالص غير المشوب ، وغير المنقوش . وهي ساذجة . ( معرب ، فارسيته : سادة ) ( المعجم الوسيط ) .
([44]) يسمى هذا المنسك من مناسك الحج " بالتلبية " ولفظها : " لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك " وهي شعار الحج ودليل الإحرام . " ويقال : لبيك : لزوما لطاعتك . أو إلبابا بعد إلباب ، وإقامة بعد إقامة ، وإجابة بعد إجابة . أو معناه : إتجاهي إليك وقصدي وإقبالي على أمرك . مأخوذ من قولهم : داري تلب داره : تواجهها وتحاذيها ، وهو مصدر منصوب ثنى على معنى التأكيد . و ( لبى ) بالحج : قال : لبيك اللهم لبيك " . ( المعجم الوسيط ) ( المترجم )
([45]) لو لا يسمون الأشياء بأسمائها وينسبونها لأصحابها . فالذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن وهو كلام الله وشرعه وحكمه . والله هو الذي قرر مبدأ الشورى فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه إذ يقول :
---(1/269)
" فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " . ( آل عمران : 159 ) ومدح المسلمين فقال عنهم : " وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " ( الشورى : 38 ) . إن الديمقراطية في أفضل تصوراتها هي حرية الشعب في إبداء رأيه والمشاركة في الحكم في وطنه . وهي كما ترى لا تخلو من النقائص البشرية . أما الحكم في الإسلام فهو قائم على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والإجماع والشورى . هذا حكم الله " وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ " ( المائدة : 50 ) لا أحد ! فهلا فهم الناس الفرق ؟! ( المترجم ) .
([46]) ( النخوة ) : العظمة والتكبر . ( المعجم الوسيط )
([47]) هو " برهان فولفجانج فون جوته " ( 1749 – 1832 بعد المسيح ) : شاعر ألماني ، يعتبر أعظم الشعراء الألمان في جميع العصور . " المورد " ( 1990 ) .
([48]) جورج برنارد شو ( 1856 – 1950 بعد المسيح ) كاتب مسرحي إنجليزي إيرلندي المولد . تزخر آثاره بالظرف والسخرية . ( المورد ) ( 1990 ) .
---(1/270)
([49]) أي أن الإنسان يولد بريئا بلا ذنوب ، بخلاف ما تعلمه المسيحية من القول بالخطيئة الأصلية للإنسان ( Original sin ) . وبأن البشرية ورثت خطيئة آدم وأن الأبناء يرثون خطايا الآباء . فالإسلام يعلم أن المرء يولد على الفطرة وأن " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ " ( المدثر : 38 ) وأن الله لا يكلف " نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ " ( البقرة : 286 ) " " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى " ( النجم : 39 ) . " وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " ( الأنعام : 164 ) " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ " ( الزلزلة : 7 ، 8 ) ( المترجم ) .
([50]) يقول الله تبارك وتعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً " ( من الآية الأولى من سورة النساء ) .
([51]) يقول الله سبحانه وتعالى : " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" ( النحل : 97 ) ويقول تبارك وتعالى : " وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ " ( النساء : 124 ) .
---(1/271)
([52]) قال تبارك وتعالى : " لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً " ( النساء : 7 ) وقال سبحانه وتعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً " ( النساء : 19 ) . قال فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف في صفوة البيان لمعاني القرآن : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها أي تأخذوهن على سبيل الإرث ، كما يؤخذ المال الموروث بعد موت أزواجهن مكرهين لهن على ذلك ، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية . قلت : فقد كان الرجل منهم يرث زوجة أبيه ويتزوجها من بعده فنهى الله تبارك وتعالى عن ذلك في قوله : " وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً " ( النساء : 22 ) ( المترجم )
([53]) خصص رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء من مسجده بالمدينة المنورة لإقامة الفقراء والمساكين الذين لا مأوى لهم . ( المترجم )
([54]) يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي " ( معنى الحديث ) ( المترجم )
([55]) لقد فضح الله تعالى موقفهم المتناقض برفضهم للرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم معتذرين بأنهم أهل كتاب ولهم كتاب وشرع كامل لا يزيد ولا ينقص ولا ينسخ ، صالح لكل الأزمنة والمجتمعات ، وذلك بما حفظه لنا من تحاكمهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم إذ يقول الله تبارك وتعالى مخاطبا محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن : " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ " ( المائدة : 43 ) .
---(1/272)
([56]) يصدق ذلك ما جاء في القرآن من قوله تبارك وتعالى : " قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ " ( الأنعام : 33 )
([57]) يشير المؤلف هنا إلى تلاميذ المسيح حسب ما جاء في أناجيل النصارى المعتمدة . وما يثير الدهشة هو أن النصارى يؤمنون بأن مؤلفي الأناجيل هم من هؤلاء الصيادين البسطاء . وهو الأمر الذي ينفيه العلم كما ينفيه ما تضمنته بعض تلك الأناجيل من أساليب وثقافة بعيدة كل البعد عن صيادي الجليل . ولم يكن باستطاعة أحد تلاميذ المسيح ( وكلهم يهود ) بل ولم يكن مسموحا لهم الاطلاع على هذه الثقافات والمقالات الوثنية التي وردت في الأناجيل وخاصة في إنجيل يوحنا . ونحن نستبعد نسبة أي من هذه الأناجيل لمؤلفيها المفترضين الذين تقترن أسماؤهم بها . هذا بصرف النظر عن كون المؤلف المفترض أحد تلاميذ المسيح حقا كما يزعم في متى وإلى درجة أقل في يوحنا ، أم لا ، كما نميل إلى القول بأن أحدا منهم لم يعلم الكتابة سوى متى العشار ( جاب الضرائب) استنادا لما روي عن ذلك في الأناجيل مع الافتقار إلى الدليل وفقدان العصمة ووقوع الخطأ في جميع أسفار الكتاب المقدس . راجع كتاب هل الكتاب المقدس كلام الله ؟ لأحمد ديدات . ومقال بعنوان " خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدس ؟ " نشر في مجلة آويك المسيحية في 8 / 9 / 1957 من منشورات دار المختار الإسلامي .
أما الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فقد مدحهم المولى سبحانه وتعالى في عدة مواضع من كتابه العزيز وشهد لهم بالإيمان وبرضى الله عنهم . وكذلك شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بالفضل والخيرية في أحاديثه .
---(1/273)
وهذا كله خلاف وصف الكتاب المقدس لأتباع أنبياء بني إسرائيل بالكفر وقلة الإيمان وعدم الفطنة وسوء الخلق والجهل . هذا وقد سطر التاريخ بأحرف من نور سير هؤلاء الصحابة كتراث خالد للعالم كله ومعالم للهداية الإنسانية . ( المترجم )
([58]) يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد أثبت الله في كتابه المبين صفة التعليم لسيد المرسلين وأقرها له وجعلها مهمة مشروعة من مهام رسالته هذا بعكس ما يردده بعض الجهلاء من أقاويل تزعم أن دوره كان مقتصرا على تبليغ الرسالة في محاولة منهم لنفي أي دور أو مهمة تعليمية لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم الأول للبشرية وهاديها ومرشدها وخير مبعوث وأنفعهم لها وأرحمهم بها ويقول الله تبارك وتعالى في ذلك :
" هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ " ( الجمعة : 2 ) ( المترجم )
([59]) جاء في الأصل الإنجليزي جملة ( Protector pf Slaves ) بمعنى حامي العبيد والمدافع عنهم . وكلمة ( Protector ) الإنجليزية المستخدمة هنا قريبة في معناها من كلمة ( Advocate ) التي تعني " المحامي " و " المؤيد " ( لقضية أو إقتراح ) والفعل ( Advocate ) معناه : يدافع عن أو يؤيد كما جاء في " المورد " ( 1990 . بعد المسيح ) .
---(1/274)
وكلمة ( Advocate ) هي إحدى الترجمات الإنجليزية لكلمة " البارقليط " ( Paraclete ) التي وردت في إنجيل يوحنا على لسان السيد المسيح ( عليه السلام ) باعتباره " إسم " النبي الموعود . ويقول علماء اللغة إن كلمة " بارقليط " تحريف لكلمة بيرقليط ( Periclyte ) وهي الكلمة التي يعتقد أن السيد المسيح ( عليه السلام ) تلفظ بها . وقد قال بعض علماء أهل الكتاب ( من أسلم منهم ومن لم يسلم ) أنها كلمة سريانية أو أرامية بمعنى " أحمد " أو الإنسان الذي يحمد حمدا كثيرا . لمزيد من التفصيل . راجع كتاب : " من المعمدانية إلى الإسلام " قصة إسلام الأمريكية المهتدية جهادة جلكريز . التعليق رقم ( 1 ) ( ص 24 ، 25 ) ورقم ( 2 ) ( ص 26 ، 27 ) وقد قمت بترجمته والتعليق عليه وصدر ضمن سلسلة " مكتبة ديدات " . نشر المختار الإسلامي بالقاهرة . راجع أيضا ( ص 28 - 31 ) من هذا الكتاب .
([60]) نعم إن محمدا صلى الله عليه وسلم حرر المرأة كما حرر الرجل ولكن مفهوم الحرية الذي نقصده ليس حرية أن تفعل كل ما تشاء كيف تشاء متى تشاء وإنما هي حرية قيمة تؤدي بالمرأة إلى الإيمان بالله والخضوع والاستسلام له ومعرفة الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين والانصياع لأوامره ونواهيه . فمنتهى الحرية أن تتحرر من جهل وأوهام وخرافات التعددية والشرك والتثليث والمفاهيم الباطلة والعقائد المتهافتة والشرائع الناقصة والجائرة والعادات الجاهلية وتكون عبدا مُخلِصاً مُخلَصَاً لله الواحد القهار . ( المترجم )
---(1/275)
([61]) إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدع أنه ملكا ولم يدع لنفسه أي لقب من الألقاب التي يلقب بها الناس أنفسهم مثل لقب الإمبراطور أو قيصر أو كسرى أو عظيم القبط أو خاقان البحرين أو شاهنشاه ( أي ملك الملوك ) أو الفيورير ( أي الزعيم المطلق ) أو الميكادو ( أي الباب العالي ) أو الزعيم الخالد أو القائد الملهم أو زعيم " النظام العالمي الجديد " أو غيرها من الألقاب .. وإنما ادعى لنفسه لقبين لا ينفكان عن بعضهما البعض : عبد الله ورسوله . عبد الله أولا ، يقر فيها ويشهد برسالته ومهمته التي اختصه الله وشرفه وكلفه بها للعالمين . ( المترجم )
([62]) حقا إن محمدا صلى الله عليه وسلم هو سيد البشر . وليس بدعا أن يقال له " سيد " في النطاق البشري فقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم عن نبيه يحيى عليه السلام : " فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ " ( آل عمران : 39 ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " وبين سبب اكتسابه هذه المنزلة والسيادة بين بني آدم كلهم هو أن جميع البشر بما فيهم الرسل والأنبياء يأتي كل منهم يوم القيامة يقول : " نفسي ، نفسي " ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول " أمتي ، أمتي " . فصلوات ربي وسلامه وبركاته عليك وعلى آلك يا نبي الرأفة والرحمة يا سيدي يا رسول الله . ( المترجم ) .
([63]) هو " رينيه ديكارت " ( 1596 – 1650 بعد المسيح ) : فيلسوف وفيزيائي ورياضي فرنسي . يعتبر مؤسس الفلسفة الحديثة " المورد " ( 1990 ) .
([64]) هو " أدولف هتلر " ( Adolf Hitler ) ( 1889 – 1945 بعد المسيح ) زعيم ألمانيا النازية . أدت سياسته التوسعية إلى نشوب الحرب العالمية الثانية . إنتحر " المورد " ( 1990 ) .
---(1/276)
([65]) هو توماس كارلايل ( 1795 – 1881 ) : كاتب ومؤرخ وفيلسوف انجليزي ( المورد ) ( 1990 ) .
([66]) عذر كارلايل أن ثقافته مستمدة من الكتاب المقدس حيث يقال له أن إسماعيل ( عليه السلام ) كان إنسانا وحشيا . واستنادا إلى ذلك سواء بوعي أو من غير وعي منه أطلق صفة " الوحشية " على العرب بني إسماعيل عليه السلام . فقد جاء في الكتاب المقدس " وإنه ( أي اسماعيل ) يكون إنسانا وحشيا " . ( التكوين 16 : 12 ) .
([67]) ( الفيلق ) وحدة من ثلثمائة إلى ستمائة جندي في زمن قدماء الرومان " قاموس تشيمبرز للقرن العشرين " طبعة الهند ( 1972 ) .
([68]) يقصد محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . ( المترجم ) .
([69]) استجابة وطاعة لأمر ربه في القرآن الكريم : " يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً " ( المزمل : 1 - 4 ) ( المترجم )
([70]) ( الأزير ) : يقال لجوفه أزير : صوت . و ( أز ) – أزا ، وأزيرا ، وأزازا : تحرك واضطرب . و ( أزَّ ) : صوَّت من شدة الحركة أو الغليان ويقال : ( أز ) الرعد والقدر والطائرة . و ( أز ) القدر وبها : جعلها تئز من الغليان . ( المعجم الوسيط ) .
([71]) ( المرجل ) : القدر من الطين المطبوخ ، أو النحاس . ( المعجم الوسيط ) .
([72]) هذا العنوان وما بعده من كلام المؤرخ الفرنسي لامارتين ملحق بنهاية الفصل الرابع من هذا الكتاب كهامش ، مما يرجح أنه إضافة من قبل المركز العالمي للدعوة الإسلامية في دربان بجمهورية جنوب إفريقية . وقد رأينا لاعتبارات فنية جعله في المتن الأصلي للكتاب مع وجوب التنويه على ذلك . ( المترجم )
---(1/277)
([73]) هو " ألفونس دو لامارتين " ( Alphonse de Lamartine ) ( 1790 – 1869 بعد المسيح ) شاعر وسياسي فرنسي . يعتبر أحد أكبر شعراء المدرسة الرومانتيكية الفرنسية . " المورد " ( 1990 ) .
([74]) ( الأنصاب ) : جمع مفرده نصب . ( والنصب ) : ما يذبح عليه لغير الله . يقول الله تبارك وتعالى : " وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ " ( المائدة : 3 ) ويقول خالد الزعفراني في مصحف القادسية المفسر مختصر تفسير الطبري : ( وما ذبح على النصب ) يعني حرم عليكم – أيضا – ما ذبح على النصب وهي الأوثان ، وكانت حجارة تجمع ، ويذبح عليها " ويقول أيضا " ( الأنصاب ) التي كانوا يذبحون عندها " ويقول سبحانه وتعالى : " إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ " ( المائدة : 90 ) و ( النصب ) أيضا : ما نصب وعبد من دون الله . ( المعجم الوسيط ) . ( المترجم )
([75]) ( اللاهوت ) : الألوهية ، كما يقال الناسوت : لطبيعة الإنسان . و ( علم اللاهوت ) : علم يبحث في وجود الله وذاته وصفاته . ويقوم عند المسيحيين مقام علم الكلام عند المسلمين وسمى أيضا علم الربوبية والإلهيات ، ( المعجم الوسيط ) . قلت : ومقارنته بعلم الكلام عند المسلمين فيه نظر لما ورد في الحديث النبوي من النهي عن التفكر في ذات الله لأنه يؤدي إلى الهلاك . ( المترجم )
([76]) يعني أن العقيدة الإسلامية كانت أشمل وأدق فيما يتعلق بأسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته وأفعاله وذلك حين أثبتت ما أثبته الله تبارك وتعالى لنفسه من أسماء وصفات وأفعال في القرآن الكريم وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك في أحاديثه . ونفت ما نفاه الله تعالى عن نفسه من أسماء وصفات وأفعال في القرآن الكريم وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك في أحاديثه . ( المترجم )
---(1/278)
([77]) ( الأمين ) : صفة من صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم اشتهر بها بين الناس حتى قبل بغثته . فقد عرف بالصادق الأمين . والكلمة التي استخدمها المؤلف في الأصل الإنجليزي هي " أونست " ( honest ) وهي تعني الأمين وتعني أيضا الصادق والمحترم والفاضل والمستقيم والصريح والمخلص . وكما هو معروف فإنها جميعها صفات تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم . وقد اخترنا ترجمتها بلفظ الأمين لأنها الصفة التي اتصف بها وشاركه الأنبياء من قبله في الاتصاف بها كما جاء في القرآن الكريم عن موسى عليه السلام في قوله تبارك وتعالى : " يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " ( القصص : 26 ) ( المترجم )
([78]) نحن نؤمن بأن القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة القولية والفعلية والتقريرية وحي من عند الله كما قال الله تبارك وتعالى : واصفا عبده ورسوله في كتابه : " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى " ( النجم : 3 – 5 ) . وقال سبحانه وتعالى : " وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ " ( التحريم : 3 ) وهو يدل على أن ثمة وحي آخر غير القرآن الكريم يظهر الله نبيه عليه . وكما قال صلى الله عليه وسلم : " ألا إنني أوتيت القرآن ومثله معه " ( معنى الحديث ) . ( المترجم )
---(1/279)
([79]) يقول الله تبارك وتعالى : " وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً " ( النساء : 164 ) وقال سبحانه وتعالى : " وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ " ( فاطر : 24 ) ( المترجم ) .
([80]) يقول الله تبارك وتعالى لنبيه في القرآن الكريم : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " ( الكهف : 110 ) ( المترجم )
([81]) الخلق كله هو من أجل هدف حكيم عادل . ولكن الناس عادة لا يدركون ولا يفهمون ذلك ، لأنهم منغمسون في جهلهم وحماقتهم وأهوائهم ( المؤلف أو المركز العالمي للدعوة الإسلامية في دربان بجمهورية جنوب إفريقية ) .
ملحوظة : هذا كلام المؤلف الهندوسي .
([82]) هو " عبد الله بن أحمد " ( المعروف بابن البيطار ) ( توفى عام 1248 بعد المسيح ) : عالم نبات عربي أشهر مصنفاته : " الأدوية المفردة " . " المورد " ( 1990 )
([83]) البيروني ( 973 – 1048 بعد المسيح ) : مؤرخ ورياضي وعالم فلكي عربي . قال بأن الأرض تدور حول محورها . " المورد " ( 1990 ) .
([84]) أرسطو ( 384 – 322 قبل ميلاد المسيح ) : فيلسوف يوناني . يعد واحدا من أعظم الفلاسفة في جميع العصور . " المورد " ( 1990 ) .
([85]) جالينوس ( 129 – 199 ؟م ) : طبيب يوناني . يعد أحد أكبر الأطباء في العصور القديمة " المورد " ( 1990م ) .
([86]) ما هو مصدر ثقافة العرب وحضارتهم غير القرآن والإسلام . أنظر كتاب " التراث العربي للحضارة الغربية " تأليف " روم لاندو " وسوف نقوم بترجمته والتعليق عليه بعون الله قريبا إن شاء الله . ( المترجم )
([87]) يقول الله تبارك وتعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " ( الذاريات : 56 ) ( المترجم )
---(1/280)
([88]) هذه هي مسيحية بولس كما شرحها في رسائله التي بلغت أربع عشرة رسالة أو سفرا من بين سبع وعشرين سفرا هي مجموع أسفار كتاب المسيحيين المقدس المعروف بالعهد الجديد . واشتهر بولس بلقب الرسول وهو اللقب الذي يطلقه المسيحيون أيضا على تلاميذ المسيح الإثني عشر الذين ينسب إليه اختيارهم . وبولس هذا ليس من تلاميذ المسيح بل ولم يشاهده ولم يتلق منه حرفا واحدا من الإنجيل بل كان مضطهدا لأتباعه . وهو الذي تزخر رسائله بما يخلف تعاليم المسيح عليه السلام والنبيين من قبله وهو الذي نقض الوصايا والناموس أو الشريعة وأحل أتباع المسيح من التكاليف والأعمال وقال أن الإنسان لا يتبرر بالأعمال أو بحفظ الناموس ولكن بالإيمان : بيسوع ابن الله الوحيد المصلوب . وقال إنه لم يزمع أن يعرف شيئا إلا المسيح وإياه مطلوبا . وهو الذي ادعى افتراء وكذبا رؤية المسيح بعد رفعه وأنه اختاره وأرسله إلى الأمميين . وأن الله أفرزه ( أي اختاره ) وهو لم يزل جنينا في بطن أمه ؟! كما تزخر رسائل بولس بالعقائد والتعاليم الوثنية وبالنفاق والاضطراب والتذبذب . وقد وصفه أحد تلاميذ المسيح عليه السلام في إحدى أسفار العهد الجديد بالهذيان وبأن قراءاته الكثيرة في كتب الفلاسفة وأساطير الأولين قد أفسدت عقله . إن ملايين المسيحيين يقدسون بولس ويقدمونه حتى على المسيح نفسه ، سيد بولس ومولاه وربه في زعمه . وقد حذر المسيح من أنبياء كذبة ورسل كذبة وقال : " فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى " أصغر " في ملكوت السموات " ( متى 5 : 18 ) . وهذا هو عين ما فعله بولس فهو الأولى بذلك اللقب كما قال سيده . فلا شك أن بولس هو " الأصغر " في ملكوت الله وهو " الرسول الكذاب " وهو " ضد المسيح " . ولا شك أن بولس هو مبدل دين المسيح وليس أعظم من بشر به كما يعتقد أكثر المسيحيون المضللون . راجع تعليقنا على كتاب " الخمر بين المسيحية والإسلام " تأليف أحمد(1/281)
---
ديدات والمركز العالمي للدعوة الإسلامية بجمهورية جنوب إفريقية ( ص 12 – 14 ) بالهامش وقد قمت بترجمته والتعليق عليه وصدر عن دار المختار الإسلامي ضمن سلسلة " مكتبة ديدات " . وانظر كتاب " حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر " للأستاذ اللواء المهندس أحمد عبد الوهاب . نشر مكتبة وهبة بالقاهرة . ( المترجم )
([89]) كما هو حال اليهود الذين يبالغون في التقيد الشديد بالأشكال الخارجية في الدين وبالطقوس الدينية وميلهم إلى الإتباع الحرفي للشريعة مع تجاهلهم لقصدها ومعناها الحقيقي وتنافيها مع الإيمان الصحيح . راجع ص 188 من كتاب " المسيح في الإسلام " تأليف أحمد ديدات . وقد قمت بترجمته والتعليق عليه وصدر عن دار المختار الإسلامي ضمن سلسلة ( مكتبة ديدات ) ( المترجم )
([90]) الكهف : 107
([91]) " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ " ( الاخلاص : 1 – 4 )
([92]) إن الأساس الأول الذي بني عليه الإسلام هو " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " . كما جاء في الحديث المشهور " بني الإسلام على خمس ... إلخ " . ( المترجم )
([93]) ( الفرد ) : المتفرد المتوحد . ( المعجم الوسيط )
([94]) ( القيّم ) : أمر قيّم : مستقيم . والأمة القيّمة : المستقيمة المعتدلة . وفي التنزيل العزيز : " وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ " ( البينة : 5 ) ( المعجم الوسيط ) .
([95]) " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " ( من الآية 11 من سورة الشورى )
([96]) ( جبر ) : العظم الكسير جبرا وجبورا وجبارة : أصلحه . ( المعجم الوسيط ) .
([97]) ( النسم ) : ( جمع واحدة ( النسمة ) : ( وهي ) كل كائن حي فيه روح . ( المعجم الوسيط )
---(1/282)
([98]) " خلق الموت والحياة " : إن الموت في هذا الموضع مقدم على الحياة . كما أنه مخلوق . ولذلك فهو ليس مجرد حالة سلبية . ( المؤلف )
([99]) أورد المؤلف هنا الآية الثانية فقط من سورة الملك ولزيادة الإيضاح وفهم السياق رأينا إيراد الآية الأولى أيضا . لذا لزم التنويه . ( المترجم )
([100]) يقول الله تبارك وتعالى : " وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " . ( النساء : 6 )
ويقول الله سبحانه وتعالى : " وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى " ( من الآية 8 من سورة المائدة ) .
([101]) يقول الله تبارك وتعالى : " وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ " ( من الآية 7 من سورة الحديد ) .
([102]) لا جبرية في الإسلام وإنما هو القدر . فأحد أركان الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره . فالإنسان ليس مسيرا على الإطلاق ولا مخيرا على الإطلاق وإنما هو " ميسر لما خلق له " . ولمن أراد الاستزادة في هذه المسألة الخطيرة فليرجع إلى كتاب " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل " لابن قيم الجوزية . ( المترجم )
([103]) ربما يقصد هنا الحياة البرزخية التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تبارك وتعالى : " وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " ( من الآية 100 من سورة المؤمنين ) . قال خالد الزعفراني في مصحف القادسية المفسر مختصر تفسير الطبري : " ( برزخ ) حاجز : وهي الفترة بين البعث والموت " .
---(1/283)
وقال تبارك وتعالى عن فرعون وأهل طاعته : " النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ " ( غافر : 46 ) . وجاء في الحديث أن " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " . مما يدل على أن الموتى ينعمون أو يعذبون في قبورهم في هذه الحياة البرزخية إلى يوم البعث وهو يوم القيامة حيث يبعثهم الله تبارك وتعالى . ويخلد المبعثون إذ لا موت " إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى " فريق في الجنة وفريق في السعير . ( المترجم )
([104]) يقول تبارك وتعالى : " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ " ( الزلزلة : 7 ، 8 )
([105]) وذلك بواسطة الملائكة الحفظة الكرام الذين أشار إليهم القرآن الكريم بقوله تبارك وتعالى : " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ، كِرَاماً كَاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ " ( الانفطار : 10 – 12 ) وقوله سبحانه وتعالى " بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ " ( الزخرف : 80 ) وقوله تبارك وتعالى " قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ " ( يونس : 21 )
وقوله تعالى : " وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " ( الإسراء : 13 ، 14 )
---(1/284)
([106]) إن عذاب جهنم مادي ومعنوي أيضا . فالبعث والحشر بالجسد والروح . ومما يدل على أن عذاب جهنم مادي قول الله تبارك وتعالى : " إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً ، وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً " ( المزمل : 12 ، 13 ) وقوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً " ( النساء : 56 ) وقال تعالى : " كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ " ( العلق : 15 ، 16 ) وقال تبارك وتعالى : " وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ " ( من الخامسة عشرة من سورة محمد ) وقال سبحانه وتعالى " فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ، فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ، هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ " ( الواقعة : 54 – 56 ) وقال تعالى : " إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ، طَعَامُ الْأَثِيمِ ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ، خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ " ( الدخان : 43 – 49 ) وقال تعالى : " وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ " ( الحج : 21 ) . كما أن عذاب جهنم قد يكون معنويا أيضا وهو ما يشير إليه قوله تعالى : " كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ " ( الحج : 22 ) ( المترجم ) .
---(1/285)
([107]) وهي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم على لسان امرأة العزيز في قوله تعالى : " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ " ( يوسف : 53 )
([108]) وهي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم حيث أقسم الله سبحانه وتعالى بها في قوله تعالى : " لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ " ( القيامة : 1 ، 2 )
([109]) وهي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى : " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " ( الفجر : 27 )
([110]) يقول خالد الزعفراني في مصحف القادسية المفسر مختصر تفسير الطبري " ( ارجعي إلى ربك ) : تأمرها الملائكة عند البعث أن ترجع إلى جسد صاحبها ( راضية مرضية ) وعنى بـ " الرب " صاحبها " . ( المترجم )
([111]) هو " برهان فولفجانج فون جوته ( 1749 – 1832 بعد المسيح ) شاعر ألماني : يعتبر أعظم الشعراء الألمان في جميع العصور . " المورد " ( 1990 ) ومن أشهر أعماله : مسرحية " فاوست " و " الديوان الشرقي والغربي " . وقد أفرد مجموعة من قصائده في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها " أنشودة محمد " . ويغلب على شعره الطابع الصوفي . ( المترجم )
([112]) هذا الملحق موجود بنهاية الطبعة الإنجليزية الرابعة للكتاب الصادرة عن المركز العالمي للدعوة الإسلامية في دربان بجمهورية جنوب إفريقية في يونيو سنة 1988 بعد المسيح . ( المترجم ) .
([113]) إدوارد جيبون ( 1737 – 1794 بعد المسيح ) . مؤرخ إنجليزي ، يعتبر أعظم المؤرخين الإنجليز في عصره . " المورد " ( 1990 ) .
([114]) جوستنيان أويوستنيانوس الأول ( 483 – 565 بعد المسيح ) : امبراطور بيزنطي ( 527 – 565 بعد المسيح ) جمع الشرائع الرومانية ودونها . " المورد " ( 1990 ) .
---(1/286)
([115]) هو " هاملتون الكسندر جب " ( 1895 ) : مستشرق إنجليزي . عني بتعريف الغربيين بالتراث الإسلامي . " المورد " ( 1990 )
([116]) يقصد الإسلام . ولكن كبر على المشركين ما يدعوهم محمد صلى الله عليه وسلم إليه ، فنسبوا الدعوة والرسالة إليه لكي ينفوا نبوته ورسالته ظلما وعلوا واستكبارا ومكرا ولكن هيهات " وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " ( التوبة : 32 ) راجع ص 10 - 12 من هذا الكتاب ( المترجم )
([117]) لقد أعطى الإسلام المرأة الحق في الحياة والحرية وقد كانت توئد من قبل وتُوَرَّث . وأعطاها الحق في أن ترث وتشهد وتبيع وتشتري وتمتلك وسمح لها بالمشاركة في البناء الروحي والفكري والمادي وبجملة الحضارى للأمة . وهي جميعها حقوق ومجالات كانت محرومة منها ومحظورة عليها من قبل أن يقررها الإسلام . ( المترجم )
([118]) إننا لن نعترض على هذه المرتبة الثانية للقرآن باعتبارها صادرة عن ناقد مسيحي للإسلام . ( المؤلف أو المركز العالمي للدعوة الإسلامية ) لمزيد من التعرف بالقرآن وأوجه عظمته إقرأ كتاب : " الطريق إلى القرآن " وسوف أقوم بترجمته والتعليق عليه ليصدر إن شاء الله ضمن سلسلة " مكتبة ديدات " نشر المختار الإسلامي بالقاهرة . ( المترجم )
([119]) آخر الإحصاءات تقدر عدد المسلمين في العالم اليوم بمليار نسمة . ( المؤلف أو المركز الإسلامي ) .
([120]) راجع فصل " المحمديون " . ( المترجم )
([121]) إن القرآن ليس " عملا " دينيا بمفهوم اللغة أو النقد الأدبي للكلمة ولكنه كتاب هداية وشريعة وتنزيل من رب العالمين . ( المترجم )
([122]) " أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له إقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة " ( إشقياء 29 : 12 ) . ترجمة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ( 1987 م ) .
---
الرسول الأعظم
محمد صلى الله عليه وسلم
أحمد ديدات
ترجمة: علي عثمان، مراجعة: محمد مختار(1/287)
بسم الله الرحمن الرحيم
محمد صلى الله عليه وسلم هو الأعظم
إنه بحق الأعظم كيف لا وقد اصطفاه الله على بني آدم وهو خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله ربه رحمة للعالمين ليخرج الناس من الظلمات إلى النور .
إنه الأعظم فإذا كان في البشرية من يستحق العظمة فهو محمد ، هذا كلام علماء الغرب المنصفين . والمسلمين يؤمنون به ويحترمونه ويوقرونه ويبجلونه . فهو قدوتنا العليا وهو شفيعنا يوم القيامة وقائدنا إلى الجنة .
إن محمداً صلى الله عليه وسلم يستحق العظمة . كيف لا وقد أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط مستقيم .
هذا الكتاب واحد من أروع كتب ديدات بل أروعها على الإطلاق لما فيه من كلمة صادقة ومجهود جاد لإثبات عظمة رسولنا الكريم فهو بحق يستحق أن تفخر به المكتبة العربية والإسلامية .
إن هذا الكتاب ينم عن شخصية ديدات وعمقه العلمي والثقافي وتفانيه في خدمة الإسلام .
وديدات رجل من رجال الدعوة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقد تحمل العبء الأكبر في مواجهة تيارات الباطل الجارفة وفي مناقشة النصارى ودحض حججهم ورد الحق إلى نصابه .
فإذا قلنا إن من بين من ناقش النصارى يوجد منهم علماء يستحقون التوقير فهو ديدات لما له من مكانة مرموقة في قلب كل مسلم في شتى أنحاء العالم .
وديدات غنى عن التعريف بل إن كتبه خير دليل على شخصيته وهو غني عن التعريف فلا يكاد يوجد مسلم إلا وهو يعرف من هو ديدات لما له من باع كبير في سير الدعوة الإسلامية .
وهذا الكتاب يقع في ثلاثة فصول هامة .. ويناقش ديدات في هذا الكتاب موضوع محمد صلى الله عليه وسلم الأعظم ويعطيه حقه ويدفع عنه الشبهات التي تتردد في الغرب الكافر وتهدف إلى النيل من الإسلام ومن نبي الإسلام .
إن هذا الكتاب بحق شهادة تستحق أن يحوزها كل مسلم .
---(1/288)
فهو يضم بين طياته جوانب عظمة الرسول عليه الصلاة والسلام . من كلامهم هم أنفسهم من كلمات علماء الغرب وشهادتهم لخاتم الأنبياء والمرسلين فهو ينقل آراء مايكل هارت ولامارتين الفرنسي وكارلايل في الدفاع عن رسول الإسلام وإثبات جوانب عظمته .
الفصل الأول : ويتكون من نبذة عن سبب تأليف الكتاب ثم الإشارة إلى جوانب عظمة الرسول والإشارة إلى تأليف مايكل هارت لكتابه العظماء مائة وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم وصدى اختيار هارت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أول العظماء حتى قبل موسى وعيسى عليهما السلام مما أثار غضب الغرب الكافر فهي بحق شهادة نبعت من نقاء نفسي بعيداً عن روح التعصب حتى لدينه .
ولا أحاول في هذه النبذة التعرض لآراء المفكرين الغربيين حتى يتسنى لك عزيزي القارئ مطالعتها بتأني في ثنايا هذا الكتاب فهو زاخر بأقوال علماء الغرب غير المسلمين في حق محمد ، وكيف قاموا بترشيحه لينال فقط العظمة على سائر أبطال العالم .
ولقد وضع بعض المفكرين والسياسيين مقاييس للعظمة والبطولة .. هذه المقاييس لم تتوفر في أحد من البشر إلا في نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم فهو بحق حاز كل صفات العظمة فلا يوجد على سطح الأرض من هو أعظم منه على الإطلاق .
والفصل الثاني : يغلب فيه التحدث عن كتاب كارلايل هذا الرجل المنصف الذي اتخذ من محمد صلى الله عليه وسلم نبياً له يدافع عنه ويذب عنه كل الافتراءات التي حاول أن يلصقها به أعداءه .
لقد ناقش كارلايل مواضيع من أخطر المشكلات التي يثيرها الغرب وقام بالذّب عن الإسلام حتى كأننا إذ قرأنا الكلام بدون اسمه فكأننا بداعية إسلامي كبير يدافع عن الإسلام ويذب عنه كيد الأعداء ، ومن أبرز التهم التي يذب عنها كارلايل تهمة حد السيف وتهمة الخداع .
ولقد أجاد كارلايل وديدات في إقناع هؤلاء المتعصبين بأن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يظنون بل انتشر بسيف العقل .
---(1/289)
الفصل الثالث : يحمل عنوان أسرع الأديان نمواً اليوم ويتناول هذا الفصل الأسباب الدافعة للنمو المطرد في الإسلام والمسلمين فهو بحق الدين المثالي الذي يكثر معتنقيه في شتى بقاع العالم .
لقد أصبح اليوم أكثر من ألف مليون مسلم في العالم يؤمنون بهذا الدين .
إن الأسلوب المتبع في الدعوة والسمات الرفيعة والأخلاق الحميدة التي يتحلى بها الدعاة إلى الله كان لها أكبر الأثر في نجاح هذا الدين وانتشاره .
إن الدين الإسلامي أكثر الأديان انتشاراً بالرغم من أن الإسلام جاء بعد المسيحية بنحو 600 سنة إلا أنه أكثر اضطراداً في النمو من المسيحية .
إن الأرقام فقط تدل على أن تعداد مسيحي العالم أكثر من المسلمين ولكن بحق إذا تناولناها من الناحية العملية فإن المسلمين أكثر تعداداً من المسيحيين . إن المسلمين العاملين بدينهم يزدادون يوماً بعد يوم .
أما المسيحيين فمعظمهم ينتمون إلى المسيحية اسماً ولا يحبونها ولا يعملون بها ، وإذا ما قارنا بين المسلمين الملتزمين بدينهم والمسيحيين الملتزمين بدينهم فإن الكفة في صالح المسلمين حيث أن أعداد المسلمين الملتزمين بدينهم أكبر بكثير من أعداد المسيحيين المطبقين لدينهم .
إن الأخلاق الحميدة والصفات السامية النبيلة والسمات الرفيعة التي كان يتصف بها نبي الإسلام جعلته أجدر بكل تعظيم وتبجيل فإن هذه الصفات لم تخلع على أحد قبله أو بعده وكان لها دور كبير في نشر الدين الإسلامي .
إن صفة الرحمة في تعامله مع المسلمين وحتى مع زوجاته في المنزل لها الأثر الأكبر في نشر الإسلام . إن أبرز موقف يصف رحمته صلى الله عليه وسلم هو عند فتح مكة حيث قال لقومه الذين عذبوه وأخرجوه من بلده وناصبوه العداء وكان الزمام في يده ويستطيع أن يقتل كل من تسبب في إيذائه ووقف في طريق الدين الناشئ ، فقال قولته المشهورة التي يتداولها التاريخ بكل تقدير وإعزاز : " ماذا تظنون أني فاعل بكم " .
---(1/290)
قالوا " أخ كريم وابن أخ كريم " . يقصدون استعطافه لما يعرفون عنه من الرحمة والأخلاق الرفيعة إنهم يعرفونه منذ نشأته فلم يعهدوا منه غدراً ولا خيانة .. إن هذا الموقف هو الذي يوضح الأبطال على حقيقتهم وهو الذي يبرز صفات القائد المحنك .
لم ينتصر لنفسه لما وجد من تعذيب في بداية الدعوة .
ولم ينتصر لأصحابه الذين بُطِشَ ونُكِّلَ بهم لكي يفارقوا دينهم . وإنما قال قولته العظيمة الخالدة التي وجلت القلوب إجلالاً لها :
" إذهبوا فأنتم الطلقاء " .
وكانت لهذه الكلمات النبيلة والموقف الإنساني الرائع أكبر الأثر في دخول الناس في دين الله أفواجاً بدون حرب وبدون إراقة ولو قطرة دم واحدة فقال تعالى :
" إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً " ( النصر : 1- 3 ) .
فدخل الناس في دين الله بدون حرب فكيف يزعم أحد إذن أنه نشر الدين بالسيف .
إنه ثمة سبب آخر سأتعرض له في هذه المقدمة الموجزة لانتشار الإسلام وهو عدم التفريق بين أتباعه فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب .
قال صلى الله عليه وسلم : " لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا فرق بين أبيض وأسود إلا بالتقوى " .
فلم يفرق رسول الإسلام بين الناس لمجرد لونهم ولمجرد مكانتهم في المجتمع . فالوزير والخفير سواء أمام الله والفارق الجوهري الوحيد هو التقوى .
إن التقوى هي اللباس الذي يميز بين عباد الله ومقياس أفضليتهم عند الله .. أما خلاف ذلك فلا . قال تعالى " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " .
---(1/291)
إن الإسلام جاء بأسمى الشرائع وبأسمى التشريعات الاجتماعية فلقد فعلت المسيحية بأهلها الويلات وقد شردتهم ومزقت بينهم حسب بيئتهم حتى أنه يوجد في أمريكا أبشع أنواع التفرقة العنصرية بين البيض والسود حتى وإن كانوا أبناء دين واحد هو المسيحية فالفرق بينهم في اللون أدى إلى فرق في المكانة الاجتماعية .
كما أن الإسلام نزع الفوارق الطبقية وقضى عليها في المجتمع فأصبح الناس كلهم سواسية كأسنان المشط .
وأصبح الإسلام وأخوة الإسلام أقوى رباط يربط بين المجتمع .
إن الرجل الذي قال عنه كارلايل : " رجل واحد في مقابل جميع الرجال " ، الذي استطاع بنصر الله له وبصدق عزيمته وبإخلاصه في دعوته أن يقف أمام الجميع ليدحض الباطل ويُظهر الحق حتى يحق الله الحق بكلماته ولو كره الكافرون .
إن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يقف أمام العالم أجمع وأمام جهالات قريش وكفرها العنيد وأمام الأصنام وعبادة الكواكب وكل ما يعبد من دون الله وقف يدعو الله وحده لا شريك له ونبذ كل ما سواه ، إنه بحق لجدير بكل تبجيل واحترام ليس فقط من أتباعه بل من كل من يفهموا سمات العبقرية وخصائصها .
إن الصفات التي تفردت في هذا الرسول العظيم لجديرة بأن يحصل على نوط الامتياز ويحظى بكل تقدير واحترام . إنه بحق الأعظم .
وإنني لأسأل كما فعل لامارتين : فهل بعد ذلك يوجد أي رجل أعظم منه ؟ " .
كلا ، لا يوجد رجل أعظم منه فقد عاش حياته كلها في خدمة البشرية جمعاء وجاء بالدين الخاتم لجميع البشر .
فهو بشير ونذير لكل البشر إنسهم وجنهم .. وقد أخرج بإذن الله الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن الظلمات إلى النور ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .
وإن وصف النصارى المسيح بأنه مخلصهم فإن محمداً بحق هو مخلص البشرية من الظلم والاضطهاد والكفر والضلال والعذاب في الدنيا والآخرة .
إنه بحق كما قال لامارتين :
---(1/292)
" رجل أسس 20 إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية " .
إنه رجل جمع كل سمات العظمة في شخص واحد يستحق أن يجعله هارت أول العظماء قبل موسى وعيسى عليهما السلام .
إن هذا الرجل العظيم محمد صلى الله عليه وسلم بحق رجل لم تنجب البشرية مثله كيف لا وقد قال عنه الجبار " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " .. وقال تعالى " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " .
إن هذا الرجل نجح في حياته واستمر نجاحه بعد موته على يد أتباعه .
فقد صنع الأبطال إنها مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم التي خرجت الأبطال والدعاة الذين جابوا الأرض شرقاً وغرباً لنشر دين الله ونوره وتبليغه إلى الناس .
إن أعظم موقف يدل على عظمة الرجال الذين صنعهم في حياته هو موقفهم عند موته .
لم يصدق أحد من الصحابة أن رسول الله قد مات . كيف ذلك ؟ وهل ينقطع النور الواصل من السماء والأرض عن طريقه ؟
وماذا سيفعل المسلمون من بعده ؟
وثار عمر البطل القائد المغوار . قام ونفى الخبر وأثرت عليه ثورته فقال " من قال إن محمداً قد مات فسأقطع رأسه " .
ولكن أبو بكر الرجل الهادئ الوديع المتريث المرهف الحس ناقش الأمر بجدية أكثر ولم يتأثر بهذا الخبر فدخل على رسول الله بعد ما سمع بوفاته وخرج على المسلمين وقال " أيها الناس ، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " .
وقرأ قوله تعالى " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " .
فرجع عمر إلى الحق وأدرك أن الحق جانبه لثورته وقال كأني أسمع هذه الآية لأول مرة .
إن موقف أبو بكر هذا موقف الرجل القائد يستحق بكل تقدير وإجلال أن ينال شرف ترشيحه من رسول الله للصلاة بالمسلمين ثم بخلافة المسلمين من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
---(1/293)
إنهم بحق رجال مدرسة النبوة الذين قال الله عنهم : " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً " .
ولا أستطيع عزيزي القارئ أن أحصي جوانب العظمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أعظم من أن يصفه إنسان أو يعبر عن عظمته قلم .
فهو بحق أجدر إنسان يستحق لقب الأعظم .
فقد وصفه كارلايل في كتاب الأبطال بأنه " كان واحداً من هؤلاء الذين لا يستطيعون إلا أن يكونوا في جد دائماً .. هؤلاء الذين جبلت طبيعتهم على الإخلاص ..
فلم يقم هذا الرجل بإحاطة نفسه داخل إطار من الأقوال والصفات الطيبة ولكنه تفرد مع روحه ومع حقيقة الأشياء يستمد منها ما نطلق عليه الإخلاص .
شيء يملكه أسمى من طبيعة البشر فقد كانت رسالة هذا الرجل ينبعث من فطرة قلبه وروحه ولهذا يجب أن يستمع ويعمل الرجال وليس لأي شيء آخر فكل شيء غير ذلك إنما هو هباءً تذروه الرياح .. أ . هـ
وأختتم هذا الكلام عن عظمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بكلام مايكل هارت في كتابه العظماء مائة وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم عن سبب اختياره لمحمد وكونه الأعظم فقال :
( إن اختياري لمحمد ليقود قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيراً في البشرية قد يدهش بعض القراء وقد يعترض عليه البعض .. ولكنه كان ( أي محمد) الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق نجاحاً بارزاً في كل من المستوى الديني والدنيوي ) أ . هـ
وقال عنه أحد المفكرين الغربيين أنه لو أعطى لمحمد زمام الأمور في هذا العالم المليء بالملابسات والمشكلات لقاد البشرية إلى بر الأمان .
إذا وجد في مجرى التاريخ أبطالاً فإن الأعظم هو محمد إنه بحق لا يوجد أعظم منه على الإطلاق ؟!!
صلى الله عليك يا علم الهدى ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " .
---(1/294)
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب " آمين . والحمد لله رب العالمين .
علي عثمان
الفصل الأول
قال تعالى " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " ( القلم : 4 )
كيف نشأ الموضوع
How The Topic Arose
أعطاني السيد محمد مهتار ( فاروقي ) ([1]) منذ عشر سنوات تقريباً ( وتربطني به صلة قرابة ) مقالة ([2]) للمؤرخ الفرنسي لامارتين ( Lamartine ) يبرهن فيها أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الإسلام كان أعظم رجل عاش على الإطلاق .
وكان من عادة السيد مهتار أن ينقل المعلومات دائماً معتقداً أنني قد أحتفظ بها للاستعمال النافع في الوقت والمكان المناسب .
وكان السيد مهتار قبل ذلك قد أهداني كتاب غالي الثمن بعنوان " نداء المأذنة " تأليف الأسقف " كينث كراج " وقد قمت بتحليل هذا الكتاب واكتشفت براعة المسيحيين المتفوقين في الخداع والتضليل . ولقد أثارني إجلال لامارتين لرسولنا وبعث في رغبة كبيرة بمشاركة أنصاره عن نبينا مع إخواني المسلمين ولم تكن الفرصة لفعل ذلك ببعيدة .
لقد تلقيت مكالمة تليفونية من المجتمع المسلم في دانهاوزر ( بلدة صغيرة في شمال ناتال ) وكانوا ينظمون احتفالاً بالمولد النبوي الشريف وقد دعوني لإلقاء محاضرة في هذه المناسبة السعيدة فوافقت في الحال باعتبار أن هذا شرف وامتياز لي وعندما تساءلوا عن موضوع محاضرتي حتى يعلنوا عنها اقترحت أن يكون ( محمداً صلى الله عليه وسلم الأعظم ) وذلك من وحي ما كتبه لامارتين .
---(1/295)
خيبة الأمل المتكرر Repeated Let –Downs لقد لاحظت عند وصولي مدينة دانهاوزر (Dannhauser) بعدد كبير من الملصقات تعلن عن هذا اللقاء وتقول في جوهرها أن ديدات سيحاضر عن موضوع " محمد العظيم " صلى الله عليه وسلم مما جعلني مفتور الهمة ([3]) بعض الشيء وعند استعلامي عن سبب هذا قيل لي أن التغيير في العنوان كان بسبب خطأ مطبعي .
ولقد جاءتني دعوة مماثلة بعد حوالي شهرين من ذلك التاريخ . وكانت هذه المرة من المجتمع المسلم في " بريتوريا " العاصمة الإدارية لجنوب إفريقيا وكان موضوع المحاضرة هو نفسه ( محمد صلى الله عليه وسلم الأعظم ) وانتابني الفزع عندما تغير العنوان مرة أخرى " محمد العظيم " .. وأعطيت لي ( في هذه المرة ) أسباباً وأعذاراً مماثلة لسابقتها ، وقد جرت هاتين الحادثتين في بلدي جنوب إفريقيا . ومع ذلك دعني أعطي لك مثالاً آخر لعقدة النقص عندنا وهي تمثل جزء كبير من مرض الأمة .
الولايات المتحدة الأمريكية
لم تختلف U.S.A. No Different
أثناء جولتي لإلقاء المحاضرات في الولايات المتحدة الأمريكية الدولة القوية في عام 1977 اكتشفت أن جنودنا في العالم الجديد مازالوا أضعف مما كنت أعتقد . ومن بين جميع التجارب المحزنة التي مررت بها فإني أعتقد أن هذا الحدث يكفي لإثبات النقطة التي أتكلم عنها .
لقد نصح مسلموا انديانابوليس ( Indienapolis ) بأن ينظموا محاضرة لي حول موضوع " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) " وقد اتفقوا على أن يقوموا بالإعلان عن ذلك تماماً . ولكن لم يسمح لهم خوفهم وجبنهم من فعل ذلك فقد اعتقدوا أن هذا العنوان استفزازي جداً . وألهمتهم حكمتهم ( ؟ ) بتلطيف العبارة لتصبح أخف وطأة وتكون " نبي في الكتاب المقدس " ومن غير شك فإنكم توافقوني على أنه عنون غير مشوق وبلا حياة .
---(1/296)
فليس هناك ما يثير اهتمام المسلم أو المسيحي أو اليهودي أو الهندوسي للحضور ؟ ماذا تعني كلمة " نبي " ؟ إن كلمة " نبي " بالنسبة لأغلب الناس تعني " أيُّ نبي " .
ومن الذي سيهتم بحضور اجتماع يناقش مجرد " نبي " غير محدد من الأنبياء الذين ذكروا في الكتاب المقدس ؟ أيوب – يوئيل – يونس – عزروا أو عزير – اليوشع – حزقيل .. هم بعض من أنبياء كثيرين ذكروا في الكتاب المقدس . وكما هو متوقع فقد أوضحت نسبة الحضور بشكل كبير عدم جاذبية العنوان .
مركب النقص nferiority Complexi
ما سبب هذا المرض ؟ مركب النقص ؟ نعم . نحن قوم عاجزين انتزعت منها الفاعلية والنشاط ليس فقط عن طريق أعداؤنا ولكن أيضاً عن طريق أصدقاؤنا الخاملين . نحن لا نجرؤ حتى على ترديد شهادة الله نفسه بخصوص حبيبه :
" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " ( ن : 4)
الأكثر تأثيراً : the Most influential
عادة فإنه من الطبيعي لأي شخص أن يحب – يمدح يبجل – أو يمجد قائده سواء كان بطلاً أو قديساً أو نبياً وكثيراً ما نفعل ذلك .
ومع ذلك فلو كنت قد أعدت ذكر ما قاله المسلمون العظماء أو ما كتبوه عن نبينا الشهير لكان من الممكن أن يبخسه أعداء الإسلام والنازعين للشكوكية باعتباره مبالغة أو ولع أو عبادة لهذا فلتسمحوا لي أن استشهد بمؤرخين غير متحيزين ونقاد أصدقاء وبعض الذين جهروا بعداوتهم لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم . ولو أنك وجدت أن تقدير غير المسلمين لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) لم يمس شغاف قلبك فلتعلم أن إيمانك خاطئ ولتبحث لك عن دينا غير الإسلام ، فإن هناك الكثير بالفعل من الأخشاب العطبة في سفينة الإسلام .
نشر في أمريكا في الزمن الحاضر كتاب بعنوان " المائة " أو ( الخالدون مائة ) أو ( القمم المائة ) أو أعظم مائة في التاريخ .
---(1/297)
وقد ألف هذا الكتاب الجديد من نوعه عالم الفلك والرياضيات والمؤرخ مايكل هارت لقد قام بالبحث في التاريخ عن الرجال الذين كان لهم أعظم تأثير على البشر وقد ذكر لنا في هذا الكتاب أكثر مائة رجل تأثيراً على البشرية منهم آزوس – أرسطو – بوذا – كونفوشيوس – هتلر- أفلاطون – ذرادشت – وهو لا يعطينا علامات محددة عن المائة من ناحية تأثيرهم على الناس ولكنه يقوم بتقييم درجة هذا التأثير ويصفهم بترتيب تفوقهم في هذا التأثير من رقم واحد وحتى رقم مائة وهو يوضح لنا أسبابه في ترتيب مرشحيه .
ونحن غير مطالبين بالموافقة على كلامه ولكننا لا يسعنا إلا أن نعجب بأمانة هذا الرجل ودقته في البحث .
وأكثر شيء يدعو للدهشة في تصنيفته المنتقاة أنه وضع نبينا الكريم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كرقم واحد أول المائة العظماء وهو بذلك يؤكد بدون علم أو قصد شهادة الله تعالى في آخر تنزيل له للعالم : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " ( الأحزاب : 21 )
عيسى ( عليه السلام ) رقم 3
Jesus (P .B .U .H .) NO 3 ~
وقد أسعد المسلمين بالطبع تصنيف مايكل هارت لرسول الإسلام في المرتبة الأولى . ولكن هذا الاختيار صدم غير المسلمين وبخاصة اليهود والمسيحيين الذين اعتبروا ذلك إهانة . ماذا ؟ المسيح ( عليه السلام ) في المرتبة الثالثة وموسى ( عليه السلام ) في المرتبة الأربعين ؟!!
وبالطبع فإن هذا بالنسبة إليهم شيء لا يمكن هضمه ولكن ماذا يقول مايكل هارت ؟
دعونا نستمع لمناقشته : " حيث أنه يوجد تقريباً مسيحيين ضعف عدد المسلمين في العالم ([4]) فإنه قد يبدو غريباً أن يكون تصنيف محمد صلى الله عليه وسلم أعلى من المسيح عليه السلام .
وهناك سببين رئيسيين لهذا القرار :
أولاً لعب محمد صلى الله عليه وسلم دوراً في ازدهار الإسلام يفوق في أهميته كثيراً ما قام به المسيح عليه السلام في ازدهار المسيحية .
---(1/298)
وعلى الرغم من أن عيسى عليه السلام كان مسؤولاً عن الخُلُق الأساسي والمبادئ والسلوكيات الأخلاقية للمسيحية " طالما اختلفت هذه المبادئ عن اليهودية ([5]) " فقد كان القديس بولس هو المطور الأصلي للاهوت المسيحي والناشر الرئيسي للمسيحية ومؤلف قسم كبير من العهد الجديد .
ومن ناحية أخرى نجد أن محمد صلى الله عليه وسلم هو المسئول عن العقيدة الإسلامية بجانب خلقه الأساسي ومبادئه الأخلاقية .
بالإضافة إلى ذلك فإنه لعب الدور الرئيسي في الدعوة إلى الدين الجديد وفي تأسيس التطبيق الديني للإسلام .
بولس مؤسس المسيحية
Paul the Founder of Christianity
طبقاً لرأي هارت فإن شرف تأسيس المسيحية يجب تقسيمه بين المسيح عليه السلام والقديس بولس .
والأخير كما يعتقد هارت هو المؤسس الحقيقي للمسيحية .. ولا أستطيع إخفاء موافقتي لهارت فمن مجموع الأسفار السبعة والعشرين للعهد الجديد نجد أن القديس بولس قد كتب أكثر من نصفها . وخلافاً لبولس فإن السيد المسيح لم يكتب كلمة واحدة في السبع والعشرين سفراً .
ولو أنك وجدت ما يسمى ( بإنجيل الأحرف الحمراء ) فستجد أن كل كلمة زُعِمَ أن المسيح تفوه بها مكتوبة بالحبر الأحمر والباقي بالحبر الأسود العادي ([6]) .
ولا تندهش حينما تجد في هذا الذي يسمى الإنجيل ( بشارة المسيح ) أكثر من 90 في المائة في السبع والعشرين سفراً للعهد الجديد مطبوعة بالمداد ( الحبر ) الأسود .
هذا هو الاعتراف المسيحي النزيه على ما يسمونه الإنجيل وفي أي مواجهة مع المبشرين المسيحيين ستجدهم يستشهدون مائة في المائة من بولس ([7]) .
لا أحد يتبع المسيح عليه السلام
No . One follows Jesus (PBUH)
قال يسوع ( عليه السلام ) ( إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ) ( يوحنا 14 : 15 ) .
وقال أيضاً ( فمن نقض هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يُدعى أصغر في ملكوت السموات ) ( متى 5 : 19 )
---(1/299)
وإذا سالت أي مسيحي كثير المجادلة هل تحفظ هذه الشريعة والوصايا ؟ يجيب ( لا ) فإن سألته بعدها لماذا لا تفعل ؟ سيجيبك بلا اختلاف إذا كان من مروجي الكتاب المقدس والناعقين به ( الشريعة سُمِّرت على الصليب ) وهو يعني بذلك أن الشريعة قد انتهت أو ألغيت ويضيف : ( ونحن الآن نعيش تحت الرحمة والنعمة الإلهية ) .
وفي كل مرة تستحث المسيحي بما قاله سيده ومعلمه ( المسيح عليه السلام ) فإنه يواجهك بشيء من الرسالتين الأولى والثانية إلى أهل كورينثوس والرسالة إلى أهل غلاطية والرسالة إلى أهل أفسس والرسالة إلى أهل فيلبي .. إلخ .
فإذا سألته من مؤلفها ؟ فسيجيبك : بولس – بولس – بولس .
من هو سيدك ؟ سيجيبك المسيح عليه السلام ولكنه دائماً سيناقض سيده المسيح ( عليه السلام ) بالقديس بولس . لن تجد مسيحياً متعلماً يناقش حقيقة أن المؤسس الحقيقي للمسيحية هو القديس بولس ولذلك كان على مايكل هارت ليكون منصفاً أن يصنف المسيح ( عليه السلام ) في المرتبة الثالثة في كتابه .
لماذا تُغضب زبونك ( عميلك )
Why Provoke Your Customer ?
ما فعله مايكل هارت بوضع المسيح في المرتبة الثالثة يطرح علينا سؤالاً خطيراً وهو لماذا يقدم أمريكي على نشر كتاب من 572 صفحة في أمريكا ويقوم ببيعه بسعر ( 15 ) دولار للنسخة وهو بذلك يتجشم عناء إثارة غضب قراءه المحتملين ؟ من سيشتري كتابه ؟ بالطبع لن يكونوا الباكستانيين أو شعب بنجلاديش أو العرب أو الأتراك اللهم إلا نسخ قليلة هنا وهناك . ولكن الغالبية العظمى من زبائنه سيكونوا من الـ ( 250 ) مليون مسيحي والـ ( 6 ) مليون يهودي الذين يعيشون في أمريكا .
فلماذا إذن يغضب عملائه ؟
ألم يسمع القول الشائع أن الزبون دائماً على حق ؟ بالطبع قد سمع ذلك فلماذا إذن هذا الاختيار المتحدي ؟
ولكنني قبل أن أغلق هذا الملف الخاص بهارت سأسمح له أن يقدم اعتذاره الأخير عن تهوره :
---(1/300)
" إن اختياري لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ليأتي في المرتبة الأولى من قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيراً في البشرية قد يدهش بعض القراء وقد يعترض عليه البعض ولكنه كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق نجاحاً بارزاً على كل من المستوى الديني والدنيوي " .
مايكل هارت
( الخالدون مائة ) ص 33
تصنيف لأكثر الأشخاص تأثيراً في التاريخ
نيويورك شركة هارت للنشر سنة 1978
من هم قادة التاريخ العظماء :
Who Were History’s Great Leaders
عدد " تايم " الصادر في 15 يوليو سنة 1974
1974 – 15 Time, July
نشرت مجلة " تايم " الشهيرة العنوان السابق على غلافها الخارجي وداخل العدد . كانت هناك مقالات كثيرة مثل : ما الذي يصنع القائد العظيم ؟
من المؤهل على مدار التاريخ ؟
وفي هذه المقالات قامت مجلة " تايم " بسؤال مجموعة من المؤرخين والكتاب والعسكريين ورجال الأعمال وآخرين من اختيارها . وقد أعطى كل منها مرشحيه طبقاً لوجهة نظره بموضوعية على قدر الاستطاعة البشرية لكل منهم ومعتمداً في ذلك على إدراكه وتميزه وهواه وحكمه المسبق الشخصي .
من يعرف الدكتور سالازار ؟
Who knows Dr . Salazar
من عاداتي وواجباتي الممتعة أن أصحب غير المسلمين كمرشد لهم في جولات داخل أكبر مسجد في نصف الكرة الجنوبي بديربان .
وفي إحدى المناسبات كنت أستضيف اثنين من البرتغاليين ( زوج وزوجته ) وخلال مناقشاتنا قال السيد البرتغ " أن د . سالازار شخصياً كان أعظم رجل في العالم " لم أناقش معه هذه النقطة لأنني شخصياً لا أعرف عن د . سالازار سوى أنه ديكتاتور البرتغالي في عصره . ولو أنه كان يعتبر بالنسبة لكثيرين ذو منفعة عظيمة لأمته ولكن ضيفي المحترم كان يتحدث على حسب معرفته الشخصية وحسب وجهة نظره وأهواءه الشخصية .
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لا يمكن تجاهله
Mohammed (PBUH) Cannot Be Ignored
---(1/301)
ويبدو أنه لم يستطع أحد من بين المساهمين في المقالات المنشورة في مجلة " تايم " أن يتجاهل محمداً صلى الله عليه وسلم .
يقول وليام مكنيل William Mcneill مؤرخ أمريكي بجامعة شيكاغو في المقال الذي نشرته مجلة " تايم " : ولو أنك قست الزعامة بمدى تأثيرها فإنك يجب أن تذكر المسيح وبوذا ومحمد وكونفشيوس على أنهم أنبياء العالم العظماء .
ولم يدخل مكنيل في تفاصيل ولم يعطنا أي تفسير لسبب وضعه للمسيح أولاً ومحمد صلى الله عليه وسلم في المرتبة الثالثة ربما كان هذا بحكم العادة .. فإن مكنيل مسيحياً في الغالب ولكننا لن نتناقش معه .
ويقول جيمس جافين James Gavin الذي يوصف بأنه رجل في الجيش الأمريكي أحيل إلى التقاعد برتبة فريق :
" إنني أعتبر محمد والمسيح عيسى وربما لينين ومن المحتمل ماو تسي تونج من بين القادة الذين كان لهم أعظم تأثير على مر العصور .. أما بالنسبة للقائد صاحب المؤهلات التي من الممكن الاستفادة منها إلى درجة بعيدة في الزمن الحاضر فإنني أختار جون ف . كنيدي " .. ولم يقل الجنرال أكثر من ذلك ولكن من الواجب علينا أن نجيبه فإن الأمر يحتاج شجاعة هائلة لكتابة اسم محمد قبل المسيح عليهما السلام . ومن المؤكد أن ذلك لم يكن زلة قلم .
جولز ماسيرمان Jules Masserman محلل نفسي أمريكي وأستاذ في جامعة شيكاغو يعطينا على عكس المشاركين الآخرين الأسس التي بنى عليها اختياره والأسباب التي جعلته يختار القائد الأعظم لجميع الأزمنة أنه يريدنا أن نكتشف ما نبحث عنه حقاً في الرجل المطلوب ، المؤهلات التي تجعله فريداً . وقد نبحث عن أي مجموعة من المؤهلات كما في حالة مايكل هارت الذي كان يبحث عن الشخص الذي حقق أقوى تأثير .
---(1/302)
ومع ذلك فإن ماسيرمان لا يريد منا أن نعتمد على خيالنا وعلى ميولنا الشخصية إنه يريد منا أن نقم معايير ( قيادة ) موضوعية للحكم قبل أن نمنح صفة العظمة لأي شخص . إنه يقول : " يجب أن يحقق القادة ثلاثة أعمال :
1- يجب أن يتوفر في القائد التكوين السليم للقيادة .
فالقائد مهما كان يجب أن يكون مهتماً بصالحك ويجب ألا يتطلع إلى استغلال المغفلين لأطماعه الشخصية مثل القس جيم جونز من جونزتاون في جويانا زعيم الطائفة الشهيرة المعروفة باسم " الطائفة المنتحرة " وسوف نتذكره على أنه الرجل الذي انتحر مع 910 من أتباعه كلهم في نفس الوقت !
فقد كانت حكومة الولايات المتحدة في أعقابه وكان على وشك أن يقبض عليه لإجرامه ولكنه قبل أن يتمكنوا من اعتقاله فكر في أنه من الحكمة أن يتخلص من حياته ومعه جميع أتباعه حتى لا يبقى منهم أحد يشهد ضده فخلط عصير الليمون بالسم ودفع أتباعه لأن يشربوا منه ففعلوا وماتوا جميعاً في نفس الوقت هذه الميتة المخزية .
وقد اكتشف فيما بعد أن الثوري جيم جونز قد ادخر 50 مليون دولار وأودعها في حسابه الخاص ببنوك في مختلف أنحاء العالم وقد كان كل ضحاياه بمثابة البقر الذي يُدر له اللبن وكان يستغلهم ليشبع شهوته وطمعه .
إن بطل ماسيرمان يجب أن يعود بالنفع على خرافه وعلى قطيعه وليس على نفسه .
2- يجب أن يوفر القائد أو من يكون قائدا نظام اجتماعي يشعر فيه الناس نسبياً بالأمن والطمأنينة .
وعلى عكس الماركسيين والفاشيين والنازيين الجدد والاشكنازيين ([8]) والصهاينة والذين اتبعوهم فإن الأستاذ ماسيرمان في مقالته المختصرة في مجلة " تايم " لم يصرح بذلك . ولكن معتقداته ومشاعره كانت واضحة تماماً . فهو يبحث عن القائد الذي سيوفر نظام اجتماعي خالي من الأنانية والطمع والعنصرية فكل هذه المذاهب تحمل في طياتها بذور التدمير الذاتي لنفسها .
يقول عبد الله يوسف علي :
---(1/303)
" لا يزال يصاحبنا الكثير من الندم والخطيئة والظلم والاضطهاد والخطأ والكراهية . لا تزال العجرفة تميت الضمائر وتسلب الأرواح المكافحة حتى من كسرات الشفقة وتصنع من الكائنات الكريهة والغبار المتفتت معبود جميل الهيئة للعبادة .
ما يزال الجهل يوصف بالقمم القوية ويحاول أن يُخزي الحكمة .. لا يزال الإنسان يقود الصيد ويعترض بنعومة على نهاية الرق .. لا يزال الطمع يلتهم جوهر الضعفاء الذين داخل سلطانه .. بل أكثر من ذلك أن صوت الإنسان المهذب يخنق في وسط الضجيج الأجش للمجموعات والحشود التي تصرح بجنون بما يسمونه شعارات عصرية ، .. إلافك القديم الذي رفض تصديقه من زمن بعيد . إ . هـ
3- يجب على القائد أن يوفر لشعبه مجموعة واحدة من المعتقدات .
من السهل التحدث عن الزمالة الدينية والأخوة في الإنسانية ، لكن هناك في جنوب إفريقيا اليوم ألف من الطوائف والملل المختلفة بين البيض ( أهالي السلالة الأوروبية ) وثلاثة آلاف من السود ( أهالي السلالة الإفريقية ) . وتفرخ كنائس البيض في بلدتي أساقفة سود بمعدل سريع .
ولكن في أول 300 سنة من الاحتلال الأوروبي لم يتخرج من كنائس البيض أسقف أسود واحد .
وحتى الآن لا يستطيع السود والبيض والملونين والهنود أن يصلوا معاً في أغلب الكنائس الهولندية البروتستانتيتية وقد عبر الإمبراطور المسيحي جوليانوس عن الكراهية بين الطوائف المسيحية بدقة حيث قال :
" لا توجد وحوش مفترسة تتسم بالعداوة للإنسان كما تعادي الطوائف المسيحية بصفة عامة بعضها البعض " إ . هـ ( سيد أمير علي في ص18 من كتابه روح الإسلام ) .
وعلى ضوء هذه المتطلبات الثلاثة السابقة يبحث ماسيرمان في التاريخ ويقوم بالتحليل والتمحيص لويس باستير – غاندي – كونفوشيوس – الاسكندر الأكبر – قيصر – هتلر – بوذا – المسيح – إلى آخر الباقين حتى وصل أخيراً إلى النتيجة التالية :
---(1/304)
" لعل أعظم قائد كان على مر العصور هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الذي جمع الأعمال الثلاثة وقد فعل موسى نفس الشيء بدرجة أقل " .
وليس لنا إلا أن نندهش من ماسيرمان لأنه كيهودي قد تنازل ليتفحص حتى أدولف هتلر العدو الرئيسي لشعبه فهو يعتبره قائداً عظيماً . فقد كان قوم هتلر وهم الأمة الألمانية القوية المكونة من 90 مليون نسمة كانوا مستعدين أن يسيروا إلى قدرهم أو دمارهم بأمره . واحسرتاه لقد قادهم إلى الهلاك .
ولكن هتلر ليس هو مجال السؤال . إنما السؤال هو لماذا يعلن ماسيرمان وهو يهودي أمريكي وخادم مدفوع الأجر للحكومة بالتصريح لأبناء بلدته الذين يزيدون عن 200 مليون منهم اليهودي والمسيحي إنه لا المسيح ولا موسى ولكن محمد ( عليهم السلام جميعاً ) هو القائد الأعظم The Greatest Leader في جميع الأزمنة ! "
عللوا لذلك .
ماذا يقول المتشككون
What Say The Sceptics ?
وضع مايكل هارت محمداً على أول قائمته ووضع مولاه ومخلصه ومنقذه يسوع المسيح عليه السلام في المرتبة الثالثة . لماذا ؟ هل أخذ رشوة ؟!!
وليم مكنيل يعتبر محمد صلى الله عليه وسلم مستحقاً لشرف وضعه في قائمته وفي أول ثلاث أسماء في القائمة . لماذا " هل أخذ رشوة " ؟!!
جيمس جافين وضع محمد صلى الله عليه وسلم قبل المسيح عليه السلام . لماذا ؟ هل أخذ رشوة ؟!!
جيمس ماسيرمان ( اليهودي ) اعتبر محمداً صلى الله عليه وسلم بطله الأول وموسى عليه السلام بطله الثاني لماذا ؟ هل أخذ رشوة ؟!!
---(1/305)
" هل لنا أن نفترض أن كل هذا المديح المتوهج لمحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا قطعة بائسة من الخداع الفكري – هراء – أنا عن نفسي لا يمكنني أن أتخيل مثل هذا الافتراض . إن الفرد سيصاب بالضياع الفكري عندما يفكر في الجنس البشري لو أن الدجل والشعوذة زادت هكذا وانتشرت في العالم ؟ ([9]) لكن المستهزئين يشفقون ويأسون على أي شخص لديه أي شيء جيد ليقوله عن محمد صلى الله عليه وسلم أو عن الإسلام باعتبار أنه أخذ رشوة من العرب ([10]) .
وهم بذلك يضعون ثقة كبيرة في أشقائي . أنا أكرر : " هذا ممكن ولكنه غير محتمل ! " .
وفي أثناء الحرب العالمية قامت النرويج باعتقال خائن واحد وقد تمت محاكمته بتهمة الخيانة وأعدم .
إنه لأمر غير محتمل أن تنتج أمريكا والعالم الغربي بعد أن وصلوا إلى سن البلوغ سلالة من الخائنين تتغذى على دولارات بترول الشرق الأوسط .
أرجوكم ألا تبخسوا قدر رجالكم الشرفاء الشجعان الذين بدون خوف أو مصلحة مستعدون أن يعانوا من القذف والطعن من أجل اقتناعهم في سبيل ما يؤمنون به . عيلنا جميعاً أن نشيد بهم .
ويمكننا الآن وبعدالة أن نستنتج أن إله الرحمة الذي يعرف دائماً الجهود المخلصة لعباده إنما فقط يوفي بوعده لمحمد صلى الله عليه وسلم رسوله المختار حين قال " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " " الشرح : 44 " .
كأنما هي قوة خفية جعلت الأصدقاء والأعداء على السواء يقدموا إجلالهم غير المستجدي للرسول القوي المبعوث من عند الله وكذلك فعل جنود ( الخالق ) القدير حتى الشيطان نفسه دخل في خدمة الرسول كما فعل في عهد المسيح .
( إنجيل متى 4 : 1 - 11 ) حتى الشيطان ينطق أحياناً بالحقائق ([11]) .
ويستشهد البروفيسور ك .س راماكرشنا راو الفيلسوف الهندوسي في كتابه ( محمد رسول الإسلام ) ([12]) برئيس الشيطان نفسه – نعم – أدولف هتلر ليثبت العظمة المنفردة لمحمد صلى الله عليه وسلم .
---(1/306)
ومثل ماسيرمان الذي قيم رسول الإسلام على ثلاث أسس انظر ص 42 - 47 فقد رأى البروفيسور راماكرشنا راو أيضاً في كتاب هتلر المسمى " كفاحي " جوهرة ذات ثلاثة وجوه ، وامتيازاً نادراً ذلك الذي وجد في بطلنا موضوع المناقشة . فيستشهد بهتلر فيقول ( نادراً ما يكون رجل النظريات العظيمة قائداً عظيماً ولكن الداعية المؤثر هو أكثر احتمالاً لأن يملك هذه المتطلبات والمؤهلات ولذلك فهو دائماً ما يكون قائداً عظيماً لأن القيادة أو الزعامة تعني القدرة على تحريك الجماهير البشرية . الموهبة في تصدير الأفكار لا تشترك في شيء مع القدرة على الزعامة ويستمر هتلر في كلامه .. إن اتحاد القدرة على وضع النظريات والتنظيم والقيادة في رجل واحد ، هو أندر ظاهرة على وجه الأرض ففي تلك الحالة تكون العظمة " .
ويستنتج البروفيسور " راو " من ذلك فيقول في كلماته هو " في شخص رسول الإسلام رأى العالم أندر ظاهرة على وجه الأرض متمثلة في إنسان من لحم ودم " .
شارك في الغضب Share The Anger
قبل أن يهاجم أي شخص البروفيسور ([13]) ويتهمه بالتحيز الغير ضروري وبالرشوة دعوني أضيف أسماء الآخرين من المعجبين بمحمد صلى الله عليه وسلم .
1- " كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الرأفة والطيبة بعينيها والذين من حوله كانوا يشعرون بتأثيره ولم ينسوه أبداً " . ديوان شاندشارمة . باحث هندوسي ، وذلك في كتابه رسل الشرق سنة 1935 ص 122 .
2- " ولد في مكة في جزيرة العرب سنة 569 بعد الميلاد – وبعد أربع سنوات من وفاة يوستنيانوس الأول – الرجل الذي كان له أعظم تأثير على الجنس البشري من بين جميع الرجال ، محمد صلى الله عليه وسلم " .
جون وليم درايو طبيب ودكتور في الحقوق في كتابه " تاريخ التطور الفكري الأوربي " . لندن 1875 .
3- " إنني أشك أن أي إنسان لا يتغير رغم التغيرات الكبيرة في ظروفه الخارجية ، كما لم يتغير محمد ، لكي يلائم ويوافق هذه التغيرات " .
---(1/307)
ر . ف . ك بودلي في " جريدة الرسول " لندن سنة 1946 ص 6 .
4- " لقد درست الرجل الرائع وفي رأيي أنه يجب أن يدعى منقذ البشرية فهو بعيد كل البعد من أن يدعى ضد المسيح " .
جورج برنارد شو في ( الإسلام الصادق ) ج1 سنة 1936 .
5- " من حسن الحظ إنه لأمر فريد على الإطلاق في التاريخ إن محمد مؤسس لثلاثة أشياء : الأمة والإمبراطورية والدين " .
ر . بوزوورث – سميث في كتاب محمد والمحمدية سنة 1946 .
6- " لقد كان محمد الأكثر توفيقاً من بين جميع الشخصيات الدينية " .
دائرة المعارف البريطانية الطبعة 11 .
الفصل الثاني
من التاريخ الماضي
Form The Historical Past
ليس من الصعب تقديم الكثير مما كتبه المعجبين والنقاد في مدح محمد صلى الله عليه وسلم . فالبرغم من موضوعيتهم فإن العقول المريضة تستطيع دائماً أن تجد طريقها إلى الطعن .
فليسمح لي القراء أن آخذهم معي لكي نغوص في تاريخ الماضي السحيق .
منذ مائة وخمسون سنة وفي يوم الجمعة الموافق الثامن من مايو سنة 1840م وفي الوقت الذي كان يعتبر فيه أي قول حسن عن محمد صلى الله عليه وسلم جريمة وحيث كان الغرب المسيحي ينشأ على كراهية محمد صلى الله عليه وسلم ودينه بنفس الطريقة التي كان الكلاب يدربون بها في بلدتي على كراهية السود .
في هذا الوقت من الزمان ألقى توماس كارلايل وهو من أعظم مفكري القرن الماضي سلسلة من المحاضرات تحت عنوان الأبطال وعبادة الأبطال " .
المرض المتوارث
Developed Sickness
---(1/308)
استعرض كارلايل في بداية حديثه هذا التعصب الأعمى ورجع في ذلك إلى أحد عمالقة الأدب وهو رجل الدولة والعالم الهولندي هوجو جروتيوس ( Hugo Grotius ) ([14]) والذي كان قد كتب مقالة حاقدة وبذيئة عن نبي الإسلام . وقد اتهم النبي الكريم كذباً بأنه كان يقوم بتدريب الحمام على التقاط الحبوب من أذنيه حتى يستطيع بهذه الحيلة أن يوهم الناس أن روح القدس ( جبريل عليه السلام ) قد جاءه على شكل حمامة ليوحي إليه برسالة الله والتي دونها بعد ذلك في كتابه المقدس المسمى بالقرآن . وبالطبع فإن جروتيوس كتب هذه الرواية الزائفة بوحي من قراءاته التي تأثر بها في الإنجيل .
( فلما اعتمد يسوع صعد للوقت في الماء . وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه ) ( إنجيل متى 3 : 16 )
أين الدليل Where’s The Authority
وقد أراد بوكوك Pococke وهو أحد المفكرين المحترمين في هذا الوقت مثل " توما الشكاك " في إنجيل يوحنا ( 20 : 25 ) ([15]) برهانا لرواية محمد صلى الله عليه وسلم والحمام والحبوب . وكانت إجابة جروتيوس له : " لا يوجد برهاناً ! " .
لقد أراد فقط اختراع هذه الحكاية لكي يقدمها لجمهوره . فقد كانت نظرية " الحمام والحبوب " بالنسبة إليه وإلى جمهوره أكثر قبولاً من قصة ملك الوحي " جبريل عليه السلام " الذي كان يبلغ محمد صلى الله عليه وسلم وحي الرسالة . وقد عصرت هذه الأباطيل قلب كارلايل .
النبي البطل The Hero Prophet
---(1/309)
ولقد كان كارلايل رجلاً عبقرياً أنعم الله عليه بموهبة الربط بين الأشياء فأراد بطريقته الخاصة أن يضع الحقائق في نصابها . فخطط لأن يلقي محاضرة اختار لها عنوان استفزازي هو " عندما يكون البطل نبياً " واختار نبيه البطل ليكون أكثر الرجال المفترى عليهم في عصره ( أي عصر كارلايل ) محمد صلى الله عليه وسلم . وإنه لم يختر موسى أو سليمان داود أو عيسى ( عليهم جميعاً الصلاة والسلام ) وإنما محمد صلى الله عليه وسلم . ولكي يهدئ ويسترضي رفقاءه من أبناء بلده وأغلبهم من الانجليكانيين Anglican المنتمين إلى كنيسة انجلترا فقد أبدى اعتذاره قائلاً : " وحيث أنه ليس هناك خوف من أن يصبح أي واحد منا محمدياً ([16]) ، فيمكنني إذن أن أذكر كل محاسنه بكل عدالة ممكنة " .
وبتعبير آخر فإنه لا خوف عليه ولا على جمهور مستمعيه في أن يتحولوا إلى الدين الإسلامي وهو بذلك ينتهز الفرصة ليعطي لمحمد صلى الله عليه وسلم بعض المديح الذي يستحقه . هذه الفرصة التي لم يكن لينتهزها لو كانت لديه أية مخاوف حول شدة إخلاص مستمعيه لعقيدتهم .
وفي هذا العصر المليء بالكراهية والحقد تجاه كل ما هو إسلامي قام كارلايل بكشف وإظهار الكثير من الحقائق الوهاجة حول بطله محمد صلى الله عليه وسلم لجمهور مستمعيه المليء بالشك والميل للسخرية " فللمستحق للمديح " هناك بلا شك مديح . فذلك هو ما يعنيه الاسم المجرد ( محمد ) وهو الشخص الممدوح أو المثنى عليه أو المحمود المستحق المديح والثناء والحمد .
وقد استخدم كارلايل في بعض الأحيان كلمات وتعبيرات لم تكن لترضي وتسعد المسلمين المؤمنين ولكننا نلتمس له العذر في ذلك فقد كان يسير على حبل ثقافي مشدود وقد نجح في ذلك بتفوق .
---(1/310)
وقد أثنى كارلايل على بطلنا ( محمد صلى الله عليه وسلم ) كثيراً بحرارة وحماس وقام بالدفاع عنه ضد الاتهامات الكاذبة التي اتهمه بها أعداؤه وهذا بالضبط ما قام به النبي ( محمد ) مع عيسى عليه السلام وأمه ([17]) .
إخلاصه وصدقه His Sincerity
(أ ) إن إخلاص الرجل العظيم هو أمر لا يمكنه التحدث عنه ومع ذلك فإنني أعتقد أنه كان مدراكا لمعنى عدم الإخلاص والصدق . فهل هناك أي رجل يمكن أن يلزم نفسه بالصدق والإخلاص ليوم واحد ؟ أبدا فالرجل العظيم لا يتباهى بالصدق والإخلاص ولا يدعيهما لنفسه على العكس من ذلك فهو لا يسأل نفسه حتى ما إذا كان مخلصاً وصادقاً أم لا . بل إنني أميل إلى القول بأن صدقه وإخلاصه لا يعتمدان على ذاته ونفسه وأنه ما كان يستطيع أن يكون إلا صادقاً ومخلصاً " أ . هـ ( الأبطال وعبادة الأبطال ص 59 ) .
(ب) الروح العظيمة الصافية : فقد كان واحداً من هؤلاء الذين لا يستطيعون إلا أن يكونوا في جد دائماً هؤلاء الذين جبلت طبيعتهم على الإخلاص بينما يتخذ الآخرون من الأقوال المأثورة والصيغ الدينية مرشداً لهم في طريقهم .
فلم يقم هذا الرجل بإحاطة نفسه داخل إطار من الأقوال والصيغ الدينية ولكنه تفرد مع روحه ومع حقيقة الأشياء يستمد منها ما نطلق عليه الإخلاص شيء يملكه أسمى من طبيعة البشر فقد كانت كلمة هذا الرجل صوت ينبعث مباشرة من قلب الفطرة نفسها . فإن الناس يصغون إليها كما لا يصغون إلى شيء آخر وحري بهم أن يفعلوا فكل ما عدا هذا إنما هو بالمقارنة إليه هباء ومنثوراً " .
( الأبطال وعبادة الأبطال ص 71 )
---(1/311)
ولم يكن بوسع كارلايل أن يجد الفرصة في خلال حديثه الطويل إلى مستمعيه لكي يخبرهم عن المصادر التي استقى منها استدلالته واستنتاجاته . وسوف أسرد عليكم مجرد حادثة واحدة من حياة النبي وهي حادثة تعكس الدرجة العالية التي وصل إليها إخلاصه ( صلى الله عليه وسلم ) في تسجيل الوحي القرآني إليه حتى ولو بدا أن القرآن يؤنبه بسبب بعض حماسته الطبيعية والبشرية .
الذكر كما أنزل
كان ذلك في مكة في الأيام الأولى للدعوة وكان محمد صلى الله عليه وسلم في محاولته لكسب رؤساء قبيلة ( قريش ) تعاليم الإسلام وفي أثناء حديثه مع أحد هؤلاء الرؤساء والذي كان يتظاهر بالإصغاء إليه حاول رجل أعمى يُدعى عبد الله بن أم مكتوم أن يتدخل في المناقشة محاولاً بذلك جذب الانتباه إليه ([18]) .
صمت الرسول المبارك صلى الله عليه وسلم بينما الأفكار تدور في عقله بلوم الأعمى عن عدم صبره الذي قد يتسبب في عدم إقناع هذا الرئيس وقد تؤدي إلى عدم دخوله الإسلام أعتقد أن هؤلاء الرجال قليلي الأهمية مثل هذا الأعمى لا يحق لهم السؤال في مثل هذه الأحوال .
ألم يختاره الله سبحانه وتعالى وشرفه بهذه الآيات المسجلة في القرآن الكريم .
" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " ( القلم : 4 ) .
عبس وتولى He Frowned
وفي عرض هذه المناقشة مع رجال القبائل أرسل الله سبحانه وتعالى إليه جبريل الملاك المنوط بالوحي بهذه الآيات الكريمة " عَبَسَ وَتَوَلَّى ، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى " ( عبس 1 - 4 ) ([19]) .
وبالطبع فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يحب مقاطعة الأعمى للمحادثة .
---
ومن الطبيعي أيضا أن تكون مشاعر هذا الرجل الفقير قد جرحت . ولكن صاحب القلب الكريم المتعاطف مع الفقراء أوحي إليه من ربه في هذا الأمر . وبدون أدنى تردد قام على الفور بنشر هذه الآيات على الجميع لتحفظ إلى الأبد !(1/312)
وفي كل مرة كان يقابل هذا الأعمى كان يتلقاه باللطف والرأفة وبالشكر لأن ربه قد عاتبه فيه . وقد قام الرسول الكريم بتولية عبد الله بن أم مكتوم على المدينة مرتين أثناء غيابه عنها ( في الغزوات والحروب ليقيم الصلاة بها ) . هكذا كان الإخلاص والعرفان بالجميل لنبي كارلايل البطل محمد صلى الله عليه وسلم .
أمانته His Fidelity
( إنها لمودة غير محدودة ... فلم ينس أبداً زوجته السيدة خديجة فقد حدث بعد ذلك أن السيدة عائشة زوجته الصغيرة المفضلة وهي المرأة المميزة بين المسلمين في جميع صفاتها وأساليب حياتها الطويلة مع الرسول صلى الله عليه وسلم حدث أن سألته هذه السيدة الشابة الذكية ألست أفضل من خديجة الأرملة العجوز ؟ هل تحبني أكثر مما كنت تحبها ؟ ويجيبها الرسول الكريم لا والله ! لا والله فقد آمنت بي حين كذبني الناس وإذا كان لي صديق واحد في هذه الدنيا كلها فقد كانت هي هذا الصديق ) .
( كتاب الأبطال وعبادة الأبطال ص 76 )
كان الأسهل عليه أن يصد غواية الشيطان من أن يستسلم لغيرة زوجة شابة محبة وذكية وجميلة مثل عائشة الصديقة رضي الله عنها .
لماذا لم يُسمعها معسول الكلام فلم يكن ذلك ليضر أحداً حتى روح السيدة خديجة رضي الله عنها لم تكن لتُضر بذلك ؟
ولكن ليس هناك كذب بريء أو أبيض عند محمد صلى الله عليه وسلم . إن مثل هذه الحوادث الصغيرة من هذا النوع تظهر لنا الرجل العبقري الكريم أخو البشرية الذي أنار الطريق خلال أربعة عشرة قرناً من الزمان .. الأمين لأمنا المشتركة .
الصادق الأمين Al (Ameen) The Faithful
---(1/313)
أ- " رجل الصدق والأمانة – صادق فيما فعله- صادق في كلامه – وفي أفكاره – وقد لاحظوا أنه دائماً يعني ويقصد شيئاً معيناً بما يقوله . رجل الكلمة – لا ترد كلمته – يلزم الصمت عند الضرورة ولكنه عندما يتحدث فحديثه الحكمة والإخلاص والصدق . ودائماً يلقي الضوء على المسألة التي يتحدث فيها . فهذا هو النوع الوحيد للحديث الذي يستحق التحدث به " .
( كتاب الأبطال وعبادة الأبطال ص 66 )
ب- " من الطبيعي أن محمداً قد أغضب قريشاً سدنة الكعبة المشرفين على الأصنام . رجل أو اثنين من ذوي التأثير انضموا إليه . انتشر الدين ببطء ، لكنه كان ينتشر . فمن الطبيعي أن يثير غضب الجميع " ([20]) .
( الأبطال وعبادة الأبطال ص 77 ) .
ج- ليس رجلاً معسول اللسان ، بل شديد القول إذا لزم الأمر ([21]) إنه لا يتظاهر بالأمور .
كانت غزوة تبوك شيئاً كثيراً ما يتحدث عنه . فقد رفض بعض رجاله أن يخرجوا في هذه الغزوة بعذر حرارة الجو وموسم الحصاد .. إلخ إنه لم يستطع أبداً نسيان ذلك . إن الحصاد يستغرق يوماً واحداً . ماذا سيحدث لمحصولكم في النهاية ؟ وماذا عن حرارة الجو ؟ نعم – لقد كان الجو حاراً لكن " نار جهنم أشد حراً ! "
( كتاب الأبطال وعبادة الأبطال ص 95 ، 96 ) .
" أحياناً ينفع التهكم أو السخرية الخشنة : فهو يقول للكفار سوف تكون موازينكم خفيفة ! " .
يجب أن تتذكر أن توماس كارلايل قال تلك الكلمات والمزيد لمستمعين مسيحيين في إنجلترا أذهلتهم وصدمتهم تلك الكلمات منذ ( 150 ) سنة .
التاريخ لم يسجل لنا المناقشات الحية التي من الطبيعي أن تكون أثارتها محاضرته . لقد ظل عند وعده . أنا أريد أن أتكلم عن كل الخير فيه ( رسوله البطل ) بقدر ما أستطيع . واستمر في حديثه يدافع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد التهم المزيفة والافتراء والتشويه الذي رماه بها أعداءه .
تهمة الخداع Charge of Falsity
---(1/314)
4- أ- " رجل مخادع يؤسس ديانة ؟ لماذا ؟ لا يستطيع الرجل المخادع أن يبني بيتاً من الآجر ( الطوب ) ! إذا لم يكن يعلم كيفية البناء . حتى ولو تتبع خصائص الملاط والطين المحروق وكل شيء آخر وتوفرت له هذه الأشياء سوف تكون نتيجة عمله كومة من النفاية ( الرابش ) وليس منزلاً . ولا يمكن لهذه الكومة أن تصمد لمدة اثني عشرة قرناً من الزمان ([22]) وأن يهدي إليها مائة وثمانين مليوناً ([23]) ولكنه سينهار على الفور . المخادعون ([24]) يفتضحون . وهذا يشبه النقود المزيفة تمر من أيدي المزيفين والآخرون هم الذين يتعين عليهم اكتشافها . تحترق وتنفجر الطبيعة بشعلات مضيئة .. فالثورة الفرنسية وما شابهها انطلقت تصرخ بالحقيقة المرعبة .. إن النداء الزائف ليس إلا زيفاً " .
( الأبطال وعبادة الأبطال ص 58 )
4- ب- إن النظرية أو الرأي الذي يقول أن محمداً كان مدعياً للنبوة تعارضها بشدة حقيقة أنه عاش حياته بهذا الأسلوب الرائع والهادئ تماماً في هذا المكان العادي وفوق كل النقد أو الاعتراض حتى ذهبت زهرة شبابه . فقد كان في الأربعين قبل أن يتحدث عن أي مهمة من السماء . وقد كان كل طموحه على ما يبدو حتى هذه اللحظة هو أن يحيا حياة شريفة وكل ما كان يرجوه من " شهرة " هو مجرد السمعة الطيبة التي يعرفه بها جيرانه " .
( الأبطال وعبادة الأبطال ص 70 )
4- ج- " الطموح ؟ ماذا كان في استطاعة العرب بأسرهم أن يعطوا هذا الرجل ؟
تاج هرقل الروماني وكسرى الفارسي بل كل تيجان الأرض ؟
---(1/315)
ماذا كان من الممكن أن تساوي بالنسبة له ؟ لم تكن من الجنة العالية أو جهنم السفلى . كل التيجان والملوك والممالك ما هو مصيرهما بعد سنوات قليلة ؟ هل كان يطمح في أن يكون شيخ مكة وجزيرة العرب وفي يده قطعة خشب مذهبة ؟ . هل في هذا خلاص البشر وإنقاذهم ؟ لا أعتقد ذلك .. إننا يجب علينا أن نتخلى كلية عن هذه النظرية أو الرأي القائل بأن محمداً كان مدعي النبوة باعتبارها غير جديرة بالتصديق وغير محتملة أيضاً وتستحق في المقام الأول أن ننبذها " ([25])
( الأبطال وعبادة الأبطال ص 72 )
تهمة الخطيئة Charge of Sinning
5- الخطايا ؟ في رأيي أن أعظم الخطايا هو ألا تكون على دراية بأي منها ولا تشعر بها في ضميرك . حسب اعتقادي كان يجب على قارئي الكتاب المقدس أن يعلموا أفضل من غيرهم من الذي سُمي هناك باسم " الرجل طبقاً لرغبة الله " إنه داوود الملك العبري الذي سقط في زعمهم في الخطايا وأسود الجرائم ([26]) .
لم تكن هناك حاجة إلى الخطايا .. ومن ذلك يسخر المشركون ويسألون هل هذا رجلكم الذي يسير وفق رغبة الله ؟ .
ويجب أن أقول أن السخرية تبدو لي مجرد سخرية سطحية .
ما هي الخطايا ؟ ما هي التفاصيل الخارجية للحياة لو أن سرها الداخلي والندم والإغراءات والحق والمعوقات الدائمة – صراعات الحياة اللانهائية لو أن كل ذلك ينسى . أنه ليس للإنسان أن يوجه خطواته من تلقاء نفسه .
ومن بين كل الأعمال أليست التوبة هي الأحسن بالنسبة للإنسان .. إن الخطيئة المميتة في رأيي هي الإحساس المتكبر بأنه ليس لك خطايا . هذا هو الموت بعينه . القلب المتجرد – وهو في كامل إدراكه – من الإخلاص والتواضع والحق هو قلب ميت .. إنه " مجرد " مثل الرمل الجاف الميت هو مجرد " .
( الأبطال وتمجيد الأبطال ص 61 )
تهمة حد السيف Charge Of The Sword
---(1/316)
تعتبر أكبر جريمة وأكبر إثم لمحمد صلى الله عليه وسلم في نظر الغرب المسيحي أنه لم يسمح لنفسه أن يقتل أو " يصلب " بيد أعداءه .
فقد تمكن من الدفاع عن نفسه وعن أسرته وعن رفاقه وأتباعه وأخيراً تغلب على أعداءه .
إن نجاح محمد قد أصاب المسيحيين بخيبة أمل .. إنه لم يؤمن بالتضحية العوضية من أجل خطايا الآخرين . وكانت معتقداته وتصرفاته موافقة للفطرة .
" وفي حالة الفطرة فلكل فرد الحق في الدفاع عن نفسه وعن ممتلكاته وأن يمد عداءه بالقدر المعقول من الرضا والارتياح " .
وهذه المقالة السابقة لأستاذ المؤرخين جيبون في كتابه ( صعود وسقوط الإمبراطورية الرومانية ) .
إن كفاحه وانتصاره على قوى الشر والكفر جعل ناشري دائرة المعارف البريطانية يعلنون أن محمد صلى الله عليه وسلم يعتبر " الأكثر نجاحاً من بين جميع الشخصيات الدينية " . فكيف إذن يمكن لأعداء الإسلام أن يعللوا إنجازات محمد التي كانت تمثل ظاهرة في حد ذاتها إلا بزعمهم أنه نشر عقيدته بحد السيف ؟ وأنه فرض الإسلام على الناس فرضاً وأكرههم عليه إكراها ؟
6- " مع ذلك فقد كشف التاريخ أن الأسطورة التي تزعم أن المسلمين المتعصبين زحفوا على العالم يفرضون الإسلام بالقوة على أجناس الدولة المفتوحة هي واحدة من أكثر الخرافات والأساطير التي رددها المؤرخون سخافة " " الإسلام في مفترق الطرق " دي لاسي أوليرى . لندن سنة 1923 ص 8 .
وليس عليك أن تكون مؤرخاً مثل أوليرى لكي تعلم أن المسلمين حكموا أسبانيا 736 سنة . وهي مدة أطول من حكم المسيحيين على الرعايا المسلمين في موزمبيق التي كانت 500 سنة . وقد استولى عليها المحتلون البرتغاليون من حاكم عربي اسمه موسى بن بَيق وكان من الصعب عليهم نطق الاسم فحرفوه إلى موزمبيق .
---(1/317)
وحتى اليوم وبعد خمسة قرون من الحكم المسيحي فلا يزال المسلمين يشكلون نسبة 60% من هذا البلد . وبعد حكم الإسلام لأسبانيا والذي دام ثمانية قرون فقد تم استئصال وتصفية المسلمون تماماً من أسبانيا حتى أنه لم يترك رجل واحد ليقوم بالأذان ( نداء المسلمون للصلاة ) .
فلو كان المسلمون قد استعملوا القوة سواء كانت العسكرية أو الاقتصادية عند حكمهم أسبانيا لم يكن ليبقى مسيحي واحد في أسبانيا ليقوم بطرد وتصفية المسلمين بعد ذلك .
ومن الممكن أن تلوم المسلمين على الاستغلال إذا أحببت ذلك ولكن أحداً لا يستطيع أن يتهمهم باستعمال السيف ليحولوا الأسبان عن عقيدتهم إلى الدين الإسلامي .
ولا يزال الإسلام اليوم ينتشر في جميع أنحاء العالم مع أن المسلمين لا يملكون سيفاً .
المسلمين كانوا أيضاً أسياد الهند ([27]) لألف سنة لكن مؤخراً عندما حصلت شبه القارة الهندية على استقلالها مؤخراً في عام 1947 فإن الهندوس حصلوا على ثلاثة أرباع الدولة بينما حصل المسلمون على الربع الباقي ([28]) لماذا ؟ لأن المسلمون لم يجبروا الهندوس على الإسلام في إسبانيا والهند . المسلمين لم يكونوا دائماً مثالاً للفضيلة لكنهم أطاعوا الوصية القرآنية بالحرف .
( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ( البقرة : 256 ) .
ولقد فهم المسلمون الفاتحون من هذا الأمر أن " الإكراه " لا يتوافق مع الدين الحق لأن :
أ- الدين يعتمد على الإيمان والإرادة وهذه ستكون بلا معنى لو حدثت بالقوة . القوة قد تهزم ولكنها لا تحول .
ب- لقد بين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) رحمة الله للعالمين ، الحق والباطل حتى أنه لا يحب أن يكون هناك أي شك في عقل أي شخص ذو نية حسنة فيما يتعلق بأصول الإيمان .
ج- حماية الله مستمرة وخطته هي دائماً أن يقودنا من أعماق الظلام إلى أوضح الأنوار ([29]) .
---(1/318)
باستثناء بعض الشواذ هنا وهناك . فإن المسلمون عامة ظلوا على وصية الله في الأرض وساروا على نهجها .
لكن ماذا يستطيع أن يقول الأعداء عن البلاد التي لم يضع جندي مسلم واحد عليها قدمه ؟
1- إندونيسيا : يوجد بها أكثر من 100 مليون إندونيسي مسلمين لكن لا يوجد جيش إسلامي فاتح أبداً ذهب إلى أي من جزرها الألفين ([30])
2- ماليزيا : الأغلبية العظمى من شعبها مسلمين بالرغم من أنه لا يوجد جندي مسلم واحد قد دخلها أيضاً .
3- إفريقيا : أغلبية الشعوب على الساحل الشرقي لإفريقيا حتى موزمبيق جنوباً وأيضاً معظم السكان على الساحل الغربي للقارة مسلمين لكن التاريخ لم يسجل أي جيوش مسلمة مهاجمة في أي مكان .
أين كان هذا السيف ؟
التاجر المسلم قام بالمهمة ( بالقدوة الحسنة ) – أخلاقه الحسنة – سلوكه الأخلاقي المستقيم حقق معجزة الهداية إلى الإسلام .
يقول المجادل المسيحي : كل ما تقوله يبدو أنه لا جدال فيه يا سيد ديدات ولكننا نتكلم عن الإسلام في بداية الطريق التي حول بها رسولكم الوثنيين لدينه ، كيف فعلها لو لم يكن بالسيف ؟ "
واحد في مقابل الجميع One Against All
ليس بوسعنا أفضل من أن نسمح لتوماس كارلايل نفسه بالدفاع عن نبيه البطل ضد هذه التهمة الكاذبة .
7- " السيف بالفعل : لكن من أين ستأتي بسيفك !! كل فكرة جديدة في بدايتها تكون تماماً " قاصرة على واحد " في عقل رجل واحد وحده .. وهناك تكمن لأنه حتى تلك اللحظة يكون هناك رجل واحد في العالم كله يصدقها . إنه رجل واحد في مقابل الجميع . أن يأخذ سيفاً ويحاول أن ينشر به هذه الفكرة ، لن يجدي إلا قليلاً . يجب أولاً أن تدافع عن نفسك بسيفك وعامة سينتشر الشيء بنفسه بعد ذلك إذا كان يستطيع . ونحن لا نجد أن الدين المسيحي أيضاً دائماً يترفع عن استعمال السيف عندما حظى به يوماً . وعندما حوَّل " شارلمان " الساكسونيين إلى المسيحية فإن ذلك لم يكن بالوعظ " .
---(1/319)
( الأبطال وعبادة الأبطال ص 80 )
في سن الأربعين عندما أعلن محمد رسالته السماوية لم يكن هناك فريق سياسي أو ملكية وبالتأكيد لا عائلة أو قبيلة تسانده .
إن قومه العرب الذين كانوا منغمسين في عبادة الأصنام واللجوء إلى السحر لم يكونوا بأية حال قوم طيعين وسهلي المراس ولم يكونوا لقمة سائغة لقد كانوا قوماً متقلبين معتادين على الحروب المميتة الأهلية وعرضة " لجميع أنواع الإخلاص الوحشي على حد تعبير دي كارلايل " .
إن رجلاً واحداً لا يحتاج لأقل من معجزة لكي يصلح وحده مثل هؤلاء القوم . وقد وقعت المعجزة . الله وحده هو الذي نصر الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم بالمساندة الرقيقة الوديعة .
وصدق الله وعده إذ يقول في كتابه " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " ( الشرح : 4)
الفصل الثالث
أسرع الأديان نمواً اليوم
Fastest Growing Religion Today
سيف العقل The Sword of The Intellect
لن يتوقف أعداء الإسلام الشكوكيين والمبشرين بالمسيحية ( المنصرين ) وأتباع حملتهم السلبيين عن القول الأحمق بأن " الإسلام انتشر بحد السيف " . لكنهم لن يجرؤا أن يجيبوا على سؤالنا من قام برشوة كارلايل سنة 1840م . عندما دافع كارلايل عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ضد هذا الادعاء عن السيف لم يكن هناك أحداً حوله ليرشيه .
العالم الإسلامي بأسره كان في الدرك الأسفل من الحضارة .
كانت بلاد الإسلام كلها خاضعة تحت الاحتلال من قبل المسيحيين ماعدا القليل منها مثل إيران وأفغانستان وتركيا الذين كانوا مستقلين اسماً فقط ولم يكن هناك ثروة للتباهي بها ولا دولارات البترول ليرشوا بها .
لقد كان ذلك بالأمس وفي الماضي القريب . لكن ماذا عن اليوم في الأزمنة الحديثة ؟
لقد ثبت أن الإسلام أسرع الأديان نمواً في العالم كما هو مبين في الجدول الذي يظهر في الصفحة التالية .
إن إجمالي الزيادة لكل الطوائف والملل المسيحية كانت مذهلة 138 % .
---(1/320)
مع الزيادة التي لا تصدق للإسلام . وهي 235 % في نفس المدة من الوقت وهي نصف قرن . ولقد تأكد أن الإسلام هو أسرع الأديان نمواً في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية .
نصف قرن حاسم فيما يتعلق بالديانات
( تأليف كيث و . ستامب )
نحن نلقي الضوء على أهم تطورات الأديان الكبرى في العالم سنة 1934م – 1984م .
العدد عام 1984 (2) العدد عام 1934 (1)
البوذية
المسيحية
الكاثوليكية
البروتستانتية
الأرثوذكسية
الشرقية
الديانة
63%
زيادة
47%
زيادة
70%
زيادة
57%
زيادة
36%
نقص
النسبة المئوية
للعدد في 1984
بالنسبة للعدد
في 1934
الكونفوشيوسية
الهندوسية
الإسلام
اليهودية
لشبنتوية
الديانة
13%
نقص
117%
زيادة
235%
زيادة
4%
نقص
152%
زيادة
النسبة المئوية
للعدد في 1984
للعدد في 1934
(1) المصدر : التقويم العالمي وكتاب الحقائق 1935 مجلة الحق الواضح .
(2) المصدر : التقويم والكتاب السنوي لمجلة " ريدرز دايجست " 1983 .
لقد قيل أن " المسلمين في بريطانيا " أكثر من طائفة المثوديين أو " المنهجيين " ( Methodists ) في هذا البلد .
ولك الحق في أن تسأل " أي سيف ؟ " الجواب هو أنه " السيف بالفعل ! " ([31]) ( كما قال كارلايل ) إلا أنه سيف العقل !
إنه تحقيق لنبؤة أخرى أيضاً :
قال تعالى :
" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً " ( الفتح : 28 )
وقد وصف هنا قدر الإسلام في أوضح تعبير . سيسود الإسلام في العالم ويتغلب ويخلف وراءه كل دين آخر .
( ليظهره ) ( أي ليظهر الله القدير الإسلام ) على الدين كله . وكلمة دين باللغة العربية ( ومعناها الحرفي طريقة الحياة ) .
وأنه سيخلف وراءه جميع الأديان سواء كانت الهندوسية أو البوذية أو المسيحية أو اليهودية أو الشيوعية أو أي مذهب آخر هذا هو ما قدره الله لدينه .
---(1/321)
وقد أعيد نفس النص القرآني في سورة الصف الآية 9 التي تنتهي بنهاية مغايرة طفيفة :
" .. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " ( الصف : 9 )
إنتصار الإسلام Triumph Of Islam
الإسلام سيسود . إنه وعد الله ووعده حق ([32]) . لكن كيف ؟
بالسيف ؟ لا حتى ولو كان عندنا سلاح ذري . هو يمكننا استعماله ؟
القرآن الكريم يحرم علينا استخدام القوة كوسيلة للهداية !
لكن الآية تتنبأ بأن الإسلام سيكون الأكثر سيادة على جميع الأديان .
إن انتصارات تعاليمه وعقائده بدأت بالفعل . وهو الآن بدأ يتحكم في الفكر والتعاليم والعقائد الدينية لمدارس الفكر المختلفة في العالم .
ليس باسم الإسلام ولكن باسم التحسين والإصلاح الديني فإن الطوائف الدينية المختلفة بدأت تتطعم بسرعة بتعاليم وعقائد الإسلام وهناك أشياء كثيرة تناولها مقصور على الإسلام ولم تكن معروفة من قبل أو كانت من قبل تعارض بضراوة ( بشدة ) من العقائد الأخرى أصبحت الآن جزء من معتقداتهم .
- إخاء الإنسان .
- إلغاء نظام الطبقات المتعلقة والمنبوذة .
- حق النساء أن ترث .
- فتح أماكن العبادة للجميع .
- تحريم كل المسكرات ([33]) .
- المفهوم الحقيقي لوحدانية الله .. الخ ([34])
تبقى كلمة واحدة أخيرة في الموضوع الأخير قبل أن ننتقل إلى الأمام :
إسأل أي موحد أو المشرك ( المؤمن بعدة آلهة ) أو المؤمن بوحدة الوجود أو الثالوثي ([35]) . كم إله يؤمن به ؟ سيخاف أن يقول أي شيء غير واحد !!!
هذا هو تأثير التوحيد الصارم في الإسلام .
" إن عقيدة محمد خالية من شبهة الغموض ، والقرآن دليل رائع على وحدانية الله "
( جيبون في كتابه صعود وسقوط الامبراطورية الرومانية )
رأي الشرقيين غير المسلمين
Verdict Of Non – Muslim
تقريباً كل المدافعين عن محمد صلى الله عليه وسلم الذين عارضوا النظرية الخاطئة بأنه نشر دينه بحد السيف كانوا غربيين .
---(1/322)
دعونا الآن نسمع ما قاله بعض الشرقيين من غير المسلمين في هذا الموضوع .
أ- " كلما أدرس أكثر أكتشف أن قوة الإسلام لا تكمن في السيف " ماهاتما غاندي – أبو الهند الحديثة في " الهند الفتاة " .
ب- إنهم ( نقاد محمد صلى الله عليه وسلم ) يرون النار بدلاً من الضوء والقبح بدلاً من الحسن – إنهم يشوهون ويصورون كل صفة جيدة كأنها رذيلة عظيمة . إن هذا يعكس فسادهم الشخصي .
إن النقاد الذين تكسوهم الغشاوة لا يستطيعون أن يروا أن السيف الوحيد الذي استخدمه محمد كان سيف الرحمة والشفقة ، الصداقة والمغفرة . إنه السيف الذي يقهر الأعداء ويطهر قلوبهم . إن سيفه كان أكثر حدة من السيف المصنوع من الصلب .
بانديت جياناندرا ديف شارمة شاسترى في اجتماع بجوراكبور الهند سنة 1928هـ .
ج) لقد فضل الهجرة على محاربة قومه . ولكن عندما وصل الظلم والاضطهاد أبعد من نطاق الاحتمال حمل سيفه دفاعاً عن النفس . هؤلاء الذين يؤمنون أن الدين ممكن أن ينتشر بالقوة أغبياء لا يعلمون طرق الدين ولا طرق الحياة .
إنهم فخورين بهذا الاعتقاد لأنهم بعيدون كل البعد عن الحقيقة .
صحفي سيخى ([36]) في " نوان هندوستان " دلهي 17 نوفمبر سنة 1947 .
" الشرق شرق والغرب غرب لن يلتقي الاثنين أبداً . إن كل الذين لم يعمهم التحيز سوف يلتقون في الدفاع عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) "
روديارد كيبلينج
ثلاث مقاييس أخرى
Three Other Standards
---(1/323)
بعد 14 سنة من إلقاء توماس كارلايل لمحاضرته عن نبيه البطل ( محمد صلى الله عليه وسلم ) Hero Prophet كتب رجل فرنسي اسمه لامارتين Lamartine تاريخ الأتراك . وبما أن الأتراك مسلمون فقد تناول لامارتين بعض جوانب الإسلام ومؤسسه . وكما رأى جول ماسيرمان ( أنظر الفصل الأول من هذا الكتاب ) . في الوقت الحاضر ثلاث مقاييس موضوعية لاكتشاف عظمة القيادة ، فقد فكر لامارتين منذ قرن مضى في ثلاث مقاييس موضوعية أخرى لمنح العظمة . لا بد أن نعطي الفضل للغربيين لهذا النوع من نفاذ البصيرة .
ويعقتد لامارتين أن :
(1) إذا كانت عظمة الغاية ، وقلة الوسائل والنتائج المذهلة هي المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان فمن يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟
وينهي لامارتين قطعته المطولة الأدبية الرائعة بالكلمات الآتية :
" ... حكيم – خطيب – رسول – مشرع – محارب – هازم الأفكار الباطلة – ومُحيي المعتقدات العقلانية وعبادة بلا أصنام ولا صور – مؤسس 20 إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية ذلك هو محمد . وبالنظر إلى كل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟
لامارتين ( تاريخ الأتراك ) باريس سنة 1854
الإجابة عن هذا السؤال : " هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟ " واضحة في السؤال نفسه ، ( إنه استفهام غرضه النفي ) فكأنه يقول ضمنا " لا يوجد إنسان أعظم من محمد .. ومحمد أعظم من عاش أبدا "
قال تعالى ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ( الشرح : 4 )
لقد فعلت يا ربي بكل التأكيد .
قبل أن نبرئ لامارتين من أي تحيز أو محاباة أو من تهمة تقاضي الرشوة نتفحص بدقة مقاييسه الثلاثة ونرى إذا كانت قد تحققت في محمد صلى الله عليه وسلم .
1- عظمة الغاية
Greatness Of Purpose
---(1/324)
التاريخ سيقول لك إنها كانت أكثر فترة مظلمة في التاريخ البشري عندما أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يشهر بدعوته ([37])
كانت هناك حاجة لبعث الرسل في كل ركن من أركان العالم أو إرسال رسول واحد سيد للجنس البشري كله ليخرجهم من الزيف وخرافة المعتقدات والأنانية والوثنية والخطأ والظلم .
ليكون إصلاحاً للبشرية كلها . والله القوي بحكمته اختار نبيه من مكان منعزل في جزيرة العرب ليكون رسولاً للعالمين ، لهذا يسجل في كتابه الشريف :
" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ( الأنبياء : 107 ) .
الآن لم يعد هناك سؤال عن السلالة ولا الأمة ، ولا " الشعب المختار " أو عن " ذرية إبراهيم " ، أو " ذرية داود " أو عن طبقة النبلاء عند الهندوس أو اليهود أو الأميين أو العرب أو العجم أو الفرس أو عن الترك أو الطاجيك أو الأوربيين أو الآسيويين أو البيض أو الملونيين أو آرى أو سامي أو مغولي أو أفريقي أو أمريكي أو استرالي أو بولونيزي ( من سكان جزر بولونيزيا ) وتنطبق المبادئ على كل الرجال والمخلوقات المسؤولة دينياً بلا استثناء " ( عبد الله يوسف علي في ترجمته الانجليزية لمعاني القرآن الكريم ) .
يسوع ( عليه السلام )
Jesus ( PBUH ) Discriminates
إن سلف محمد صلى الله عليه وسلم المباشر ( أي عيسى عليه السلام ) نصح تابعيه قائلاً " لا تعطوا القدس للكلاب " ( يعني غير اليهود ) .
" ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم " ( متى 7 : 6 ) .
إن كتاب الإنجيل أجمعوا على أن المسيح عاش على المبادئ التي وعظ بها ودعا إليها . ولم يعظ أو يدع شخصاً واحداً غير يهودي في حياته . في الواقع لقد رفض بازدراء امرأة غير يهودية جاءت تلتمس شفاء ابنتها على يديه .
( وكانت المرأة أممية ( غير يهودية ) وفي جنسها فينيقية سورية ) ([38]) ( مرقص 7 – 6 ) .
---(1/325)
وأثناء موسم " عيد الفصح " عندما قام السيد المسيح وأتباعه بالاجتماع لهذه المناسبة في القدس جاءه بعض اليونانيين بعد أن سمعوا عن شهرته وسمعته يلتمسون مقابلته للتنور الروحي . ولكن المسيح عليه السلام عاملهم " بجفاء " كما روى القديس يوحنا . " وكان أناس يونانيون من الذين صعدوا ليسجدوا في العيد . فتقدم هؤلاء إلى فيلبس الذي من بيت صيدا الجليل وسألوه قائلين يا سيد نريد أن نرى يسوع . فأتى فيليبس وقال لأندراوس ثم قال اندراوس وفيلبس ليسوع " ( يوحنا 12 : 2 – 22 ) .
تمجيد الذات Self Glorification
الآيات التالية لا تسجل الاذن بـ ( نعم – نعم ) أو ( لا – لا ) كما أوصى المسيح بالاكتفاء بهما ( بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد علي ذلك فهو من الشرير ) ( متى 5 : 37 ) .
بل تمضي الفقرات في مدحه :
" وأما يسوع فأجابهما ( أي أندراوس وفيلبس ) قائلاً قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان " ( وهو يشير بذلك إلى نفسه ) ( يوحنا 12 : 23 ) .
أعلى المقاييس Highest Standards
تذكر كيف أن الله ذكر محمد صلى الله عليه وسلم بأفضل آداب العشرة المطلوبة منه . حتى فكرة تكديره من التطفل غير الملائم لرجل أعمى لم تقبل منه " أنظر فصل ؛ عبس وتولى " كرسول للعالمين جعل الله له أرفع وأنبل المقاييس .
" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " ( ن : 4 )
وما هو نطاق دعوته ومجال بعثته ، إنها البشرية كلها !
" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ( الأنبياء : 107 ) .
رسول لكل العالم Universal Messenger
---(1/326)
هذه الأشياء ليست مجرد أمور تافهة وعواطف أو مشاعر جميلة مجردة من الأفعال . فقد طبق محمد صلى الله عليه وسلم ما وعظ به ودعا إليه . ومن بين الصحابة والمهتدين الأولين بخلاف العرب ، كان بلال الحبشي وسلمان الفارسي وعبد الله بن سلام اليهودي من الممكن أن يقول الشكوكيين أن امتداده كان ببساطة مصادفة لكن ماذا يستطيعون أن يقولوا عن الحقيقة التاريخية أنه قبل موته أرسل خمس رسائل واحدة إلى كل من البلاد الخمسة المحيطة ، يدعوهم إلى دين الإسلام .
1- إمبراطور فارس .
2- ملك مصر .
3- نجاشي الحشة .
4- إمبراطور الروم هرقل بالقسطنطينية .
5- ملك اليمن .
وهو بهذا يضرب لنا مثلاً في تنفيذ رسالته السماوية و " عظمة الغاية " وإصلاح البشرية كلها بهدايتها للإيمان بالله . فهل يمكن أن يضارع أي دين آخر عالمية الإسلام . ولم يبعث محمد صلى الله عليه وسلم لكي يسجل أو يحطم أي أرقام قياسية وإنما بعث لكي يقوم بالمسئولية التي أسندها إليه رب العالمين !
2- قلة الوسائل Smallness of Means
لم يولد محمد صلى الله عليه وسلم وفي فمه معلقة من فضة .
إن حياته تبدأ برعاية محدودة . مات أبوه قبل أن يولد ، أما أمه فماتت ببلوغه السادسة من عمره . لقد كان يتيم الأبوين في هذه السن الحرجة . ثم يقوم جده عبد المطلب برعاية هذا الطفل لكنه يموت أيضاً بعد ثلاث سنوات . وما أن اشتد عوده حتى بدأ يرعى أغنام عمه أبي طالب من أجل طعامه .
قارن هذا الطفل الفقير اليتيم الأبوين – العربي ببعض الشخصيات الدينية العظيمة التي سبقته ولا بد أن تعجب على ما كان يخبئ له القدر .
إن إبراهيم عليه السلام الأب الروحي لموسى وعيسى ومحمد ( عليهم السلام ) كان ابن واحد من أنجح التجار في ذلك الوقت .
وموسى عليه السلام رُبي في بيت فرعون . أما عيسى عليه السلام فبالرغم من وصفه في بعض الأناجيل بأنه " النجار ابن النجار " إلا أنه كان لديه إمكانيات مادية وتعليمية جيدة .
---(1/327)
إن بطرس وفيلبس وأندراوس إلخ تركوا جميعاً أعمالهم وتبعوه ليكونوا رهن إشارته وطوع أمره ليس لأنه كانت هناك أي هالة ([39]) فوق رأسه . لم يكن هناك شيء كهذا . لكن بسبب ملابسه الثمينة وعطاياه الكثيرة .
لقد كان بإمكانه أن يطلب لنفسه ولأتباعه قصوراً في القدس في ذروة العيد وأن يطلب تجهيز الولائم السخية . وكان بإمكانك أن تسمعه يوبخ اليهود الماديين .
" ولما وجدوه في عبر البحر قالوا له يا معلم متى صرت هنا أجابهم يسوع وقال الحق أقول لكم أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات ([40]) بل لأنكم أكلتم الخبز فشبعتم " ( يوحنا 6 : 25 – 26 )
لا شيء ليقدمه Nothing To Offer
أما محمد عليه السلام فلم يكن يملك أي خبز أو لحم ليقدمه ولا مُسكرات من أي نوع لا في هذا العالم ولا في العالم الآخر !
والأشياء الوحيدة التي كان بوسعه أن يقدمها لقومه الرعاة الفقراء هي المحن والابتلاءات والقيود في حياتهم على الأرض والوعد بالملذات المرضية من الله في الآخرة .
إن حياة النبي كانت كتاباً مفتوحاً أمامهم . لقد عرف من لقوا محمد صلى الله عليه وسلم نُبل أخلاقه وكمال غايته وجديته وحماسته المشتعلة من أجل الحق الذي جاء يدعو إليه وأظهر بطولته فاتبعوه . إن تقييم السيد ستانلي لان بوول لبطلنا هو من الجمال والصدق بحيث أنني لا أستطيع مقاومة إغراء الاستشهاد به هنا : ( لقد كان مفعما بالحماسة لهذا المفهوم النبيل وعندما تصبح الحماسة ملح الأرض " يقصد خيار الإنسان " تكون الشيء الوحيد الذي يحفظ الناس من الفساد ما داموا أحياء " .
الحماسة غالباً ما تستخدم بخبث عندما ترتبط بهدف حقير أو تسقط على أرض جرداء فلا تحمل أي ثمار . لم يكن الأمر كذلك مع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . لقد كان مفعماً بالحماسة عندما كانت الحماسة الدينية الشيء الوحيد المطلوب ليحول الدنيا إلى شعلة متوهجة وحماسته هذه كانت نبية ولهدف نبيل .
---(1/328)
لقد كان واحداً من هؤلاء القليلين السعداء الذين بلغوا قمة السعادة عندما جعلوا للحياة حقيقة واحدة عظيمة هي ينبوع حياتهم . لقد كان رسول الله الواحد ، ولم ينس أبداً حتى نهاية حياته من هو ولا رسالته التي كانت سبب وجوده . لقد وعى قومه إلى رسالته ، بشرف وكرامة نابعة من وعيه بمهمته الرفيعة وقام على أمرها بتواضع شديد الرحمة وتنبع أصوله من معرفته بضعفه الشخصي " .
من السهل أن يسلم بأن محمداً عليه الصلاة والسلام أنعم عليه بأرق الموارد البشرية . وفي الواقع النزعات كلها تجمعت ضده . لكن ماذا عن حظه في نهاية إقامته المؤقتة على الأرض ؟
لقد كان السيد المطلق على العرب أجمعين . وماذا عن الإمكانيات اللانهائية التي كانت تحت تصرفه وقتها ؟ سندع مبشر مسيحي يجيب عن ذلك .
" لقد كان القيصر والبابا في شخص واحد لكنه كان بابا بدون خيلاء البابوات والقيصر بدون حشود القياصرة بدون جيش متأهب – بدون حاشية بدون قلعة بدون دخل ثابت . لو أن أي إنسان كان له الحق أن يدعى أنه حكم بالحق الإلهي فهو محمد . فقد كان يملك كل السلطات بدون أدواتها وبدون ما يدعمها "
( ر. بوسوورث سميث – محمد والإسلام ) لندن 1874 صفحة 92 ) .
العقبات التي قابلته His Handicaps
إن ( ضعفه ) كان قوته .
إن حقيقة أنه لم يكن يملك أي إمكانيات مادية لمساندته جعلته يضع ثقته التامة في الله . والله الرحيم لم يتخلى عنه ونجاحه كان مذهلاً .
أليس من حق المسلمين أن يقولوا بالعدل والإنصاف أن الإنجاز كله من صنع الله ؟ وكان محمد صلى الله عليه وسلم أداته ؟
3- نتائج رائعة Outstanding Results
من " رجل واحد في مقابل جميع الرجال " ([41]) على حد قول توماس كارلايل إلى 24 ألف ( تابع ) في حجة الوداع وحدها .
فكم عدد الذين خلفهم من الرجال والنساء والأطفال كلهم مؤمنون ؟
---(1/329)
وفي 12 ربيع الأول في العام الحادي عشر بعد الهجرة الموافق 8 يونيو سنة 632 من العهد المسيحي بينما هو يصلي أو يدعو بإخلاص في همس فاضت روح الرسول العظيم إلى " الرفيق الأعلى " ، حسب ما رواه ( ابن هشام ) في سيرته المشهورة .
وعند سماع سيدنا عمر رضي الله عنه النبأ الحزين عن وفاة الرسول الكريم فقد صوابه . لقد صدم بشدة حتى أنه قال بدون تفكير " سأضرب عنق من يقول أن محمداً قد مات ! " وفي التو أكد سيدنا أبو بكر رضي الله عنه للمسلمين أن سيدنا ( النبي محمد صلى الله عليه وسلم ) قد غادر الحياة بالفعل وهو خارجاً من حجرة النبي صلى الله عليه وسلم . وأعلن ذلك للناس المحتشدين بالخارج .
فقال خاطباً في الناس " أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " ([42]) .
هذا الكلام أعاد عمر الفاروق رضي الله عنه إلى صوابه .
هل كان يستطيع ذلك الرجل الذي أصبح فيما بعد الخليفة الثاني للإسلام أن يتخيل أنه بعد 1400 سنة سيصل عدد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم إلى مليار ( 1000 مليون ) مسلم في عصر واحد ؟
هل كان يمكنه تخيل أن دين هذا النبي سيكون أسرع الأديان نمواً في العالم ؟
تقدمت المسيحية الإسلام بـ 600 سنة . ويدعي المسيحيين أنهم يفوقون أي دين آخر من حيث العدد . هذا صحيح . ولكن دعونا ننظر للصورة من منظور صادق .
" هناك مسيحيين معلنين إيمانهم في العالم أكثر من المسلمين الذين يعلنون إيمانهم ، ولكن هناك مسلمين يطبقون الإسلام في العالم أكثر من المسيحيين المطبقين للمسيحية " .
( ر.ف.س. بودلي ( الأمريكي ) في " الرسول : حياة محمد " . أمريكيا سنة 1969 ..
---(1/330)
إنني أفهم مما سبق أن السيد بودلي يحاول أن يقول لنا إنه يوجد بعض الناس في العالم عندما يملأون استمارات الإحصاء سيذكرون لفظ مسيحي في خانة الدين . وليس من الضرورة أنهم يؤمنون بمبادئ وعقائد المسيحية . فمن الممكن أن يكونوا بالفعل ملحدين أو من طائفة النصارى المعمدانيين البوش ([43]) ( bush – Baptists ) حتى يميزوا أنفسهم عن اليهود والهندوس والمسلمين . وباعتبارهم منحدرين من أصل مسيحي ومن أجل راحة بالهم يسمون أنفسهم " مسيحيين " .
ويأخذ ما تقدم في الاعتبار بالإضافة لوجهة النظر القائلة بأن المؤمن هو من يطبق ما يؤمن به ، سيكون هناك مسلمين في العالم أكثر من المسيحيين .
لقد تأخر ظهور الإسلام عن المسيحية بـ 600 سنة من الناحية الزمنية . لكن من المدهش أنه قريب منها جداً من حيث العدد ويلحقها بسرعة فهو أسرع الأديان نمواً . فهناك اليوم " مليار " مسلم في العالم ( راجع الجدول رقم 1 ) . إن الصورة مذهلة وإخلاص وتطبيق المؤمنين للإسلام مدهش .
بالأخذ في الحسبان مقاييسه الثلاثة الموضوعية .
أ- عظمة الغاية .
ب- قلة الوسائل .
ج- النتائج المذهلة .
هل يجرؤ لامارتين على وضع مرشح آخر أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم ؟ إنه يملأ قراءه تعجباً مشوباً بالاحترام بسرده للأدوار المتنوعة التي قام بها محمد صلى الله عليه وسلم بتفوق وامتياز : " فيلسوف – خطيب – رسول – مشرع – محارب – هادم الأفكار الباطلة – مُحيي المعتقدات العقلانية وعبادة بلا أصنام ولا صور – مؤسس 20 إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية ذلك هو محمد . والنظر إلى كل ( وأنا أكرر هنا " لكل " ) المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟ "
لا يوجد !
لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم أعظم رجل عاش أبداً بالنسبة للامارتين المؤرخ الفرنسي .
ويسأل الله القوي القدير أيضاً :
---(1/331)
" أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " ( الشرح 1 – 4 )
وبالتأكيد فعلت يا إلهي .
صفة الرحمة The Quality of Mercy
يتفاخر الدعاة المسيحيين بأنه لا شيء في تاريخ البشرية يقارن بدعاء عيسى المليء بالرحمة والمغفرة وهو على الصليب كما يزعمون :
( فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ) ( لوقا 23 : 34 )
وإنه لأمر مثير للدهشة أن القديس لوقا هو وحده من بين مؤلفي الأناجيل الأربعة القانونية ( المعتمدة ) الذي ألهمه الروح القدس ( ؟ ) أن يكتب تلك الكلمات .
أما الثلاثة الآخرون متى ويوحنا ومرقس فلم يسمعوا تلك الكلمات أبداً أو شعروا بأنها تافهة أو ليست مهمة بما فيه الكفاية للتدوين . والقديس لوقا لم يكن حتى واحد من ( التلاميذ ) الإثني عشر حواري الذين اختارهم عيسى عليه السلام .
ووفقاً لمراجعي ومنقحي النسخة القياسية المنقحة للكتاب المقدس ( R.S.V. ) ، فإن تلك الكلمات ليست موجودة في أقدم المخطوطات . وذلك يعني ضمنياً أنها مدسوسة أو مقحمة . ويقال لنا في ترجمة الملك جيمس الجديدة ( حقوق الطبع محفوظة لتوماس نيلون في عام 1984 ) . إن تلك الكلمات " ليست موجودة في النص الأصلي " للمخطوطات اليونانية لإنجيل القديس لوقا . وبمعنى آخر لقد اختلقها رجل مخادع .
وبالرغم من أن الفقرة غير أصلية سنظل نأخذها في الاعتبار لأنها تظهر التقوى الشديدة بحب الفرد لأعدائه والمغفرة التي لا يفوقها مغفرة كما وعظ ودعا إليه السيد المسيح نفسه .
---(1/332)
ولكي تكون المغفرة ذات قيمة – يجب أن يكون الغافر في وضع يسمح له أن يغفر . ولو أن ضحية الظلم في قبضة أعدائه في هذا الوضع الضعيف ثم يصرح قائلاً " أنا أغفر لك " سيكون ذلك بلا معنى . لكن لو أن المظلوم تبادل الوضع مع أعدائه وكان في موقع يمكنه من الأخذ بثأره . أو تنفيذ عقابه وبالرغم من ذلك يقول ( أنا أغفر لك ) هنالك فقط سيكون الأمر ذو معنى !
رحمة محمد صلى الله عليه وسلم
Mohammed (PBUH) Clemency
قارن مغفرة المسيح المزعومة من على " الصليب " بالفتح التاريخي لمكة الذي لم تراق فيه قطرة دم واحدة بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم على رأس 10 آلاف من أصحابه " القديسين " ([44])
المدينة التي عاملته بمنتهى القسوة وأجبرته هو وأتباعه المخلصين أن يجدوا مأوى وسط الغرباء ، وهو الذي وضع حياته وحياة أتباعه المخلصين على كفه ومضطهديه القدامى القساة المتعجرفة قلوبهم الذين ألحقوا الإنسانية بالعار والقسوة .
الرجال والنساء وحتى الأموات الذين بلا حياة كانوا الآن تحت رحمته تماماً . لكن في ساعة نصره نسي كل ما عاناه من شرور وعفا عن كل جرح أنزلوه به وامتد عفوه العام ليشمل كل سكان مكة .. "
سيد أمير علي في " روح الإسلام " .
إن جماهير المدينة المهزومة مثلوا أمامه فخاطبهم قائلاً : " ماذا تظنون إني فاعل بكم اليوم ؟ " إن قومه كانوا يعرفونه جيداً منذ أيام طفولته فأجابوا : " خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ! " وأدمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم . إذهبوا فأنتم الطلقاء " .
والآن وقد حدث هذا الذي ليس له ما يوازيه في تاريخ العالم تقدمت جموع فوق جموع واتخذت الإسلام دينا .
إن الله القوي يشهد على السلوك النبيل والرفيع لرسوله :
" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " ( الأحزاب : 21 )
ولقد كرر لامارتين بدون علم هذه الحقائق ببراعة فقال :
---(1/333)
" وبالنظر إلى كل المقاييس التي تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟!!! "
ونحن أيضاً نستطيع أن نجيب ثانية بقولنا :
" لا ! لا يوجد إنسان أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم " .
إن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أعظم إنسان عاش أبداً حتى الآن ! لقد كسب بطلنا الإجلال غير المستجدي والذي لم ينكره عليه أحد من كثير من غير المسلمين من مذاهب دينية شتى ومن اتجاهات فكرية مختلفة .
لكن كل ذلك ما زال غير كامل بدون رأي السيد الذي سلف محمد صلى الله عليه وسلم يسوع المسيح عليه السلام . سنطبق الآن مقاييسه لتقدير العظمة :
يوحنا المعمدان Yohn The Baptist :
إن يوحنا المعمدان ([45]) المعروف باسم يحيى ( عليه السلام ) في العالم الإسلامي ، كان نبياً معاصراً للمسيح ( عليه السلام ) . وهذا ما يقوله السيد المسيح عن يوحنا المعمدان ابن خالته .
" الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان " ( متى 11 : 11 )
كل ابن من أبناء آدم ( Son of man ) هو " مولود من النساء " .
ووفقاً لهذه الحقيقة يكون يوحنا المعمدان أعظم من موسى وداوود وسليمان وإبراهيم وإشعياء ولا يستثنى من ذلك أي من أنبياء بني إسرائيل . وما الذي يرفع مكانة يوحنا فوق جميع الأنبياء الآخرين ؟ لا يمكن أن يعزى ذلك لأي معجزة أجراها يوحنا ، لأن الكتاب المقدس لم يسجل لنا أنه أجرى أية معجزات . ولا يمكن أن يعزى ذلك لتعاليمه ، لأنه لم يأت بأية شرائع أو قوانين جديدة . إذن ما الذي يجعله الأعظم ؟ ببساطة لأنه كان البشير النذير المبشر بالبشارة السارة عن قدوم المسيح . هذا هو ما جعل يوحنا الأعظم . لكن عيسى عليه السلام يدعى أنه هو نفسه أعظم من الأعظم يوحنا ( المعمدان ) لماذا ؟
---(1/334)
" وأما أنا فلي شهادة أعظم من يوحنا .. لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأكملها هذه الأعمال بعينها التي أنا أعملها هي تشهد لي أن الآب أرسلني " ( يوحنا 5 : 36 )
إن " الشهادة " هي التكليف أو المهمة التي عهد به إليه الله القوي وهي التي تجعل عيسى عليه السلام أعظم من يوحنا المعمدان .
بتطبيق هذه المقاييس التي أعلنها السيد المسيح نجد :
1- أن يوحنا المعمدان كان الأعظم من بين جميع رسل بني إسرائيل لأنه بشر بالمسيح عليه السلام
وبالمثل فإن المسيح عليه السلام أعظم من يوحنا لأنه بشر " بروح الحق المعزى " الذي سيرشد البشرية إلى جميع الحق ( يقصد محمد خاتم الأنبياء والمرسلين المترجم ) .
( انجيل يوحنا – الفصل السادس عشر ) ([46])
2- إن رسالة ومهمة المسيح عليه السلام أو " الأعمال التي أعطاها الله إياها ليكملها " كانت قاصرة على خراف بيت إسرائيل الضالة ( فأجاب وقال لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ) ( متى 15 : 24 ) .
أما رسالة محمد عليه الصلاة والسلام فقد كانت للعالم أجمع لقد قيل له :
" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ( الأنبياء : 107 )
والتزاماً بمهمته الكبرى فقد ثبت محمد صلى الله عليه وسلم على مبدأه وبلغ رسالته إلى كل من يسمع بغض النظر عن السلالة أو الطبقة أو العقيدة . لقد رحب بهم جميعاً في دين الله بدون أي تمييز .
لم يكن يفكر في تقسيم مخلوقات الله إلى ( الكلاب والخنازير ) متى ( 7 : 16 ) إلى ( خراف وجداء ) ( متى 15 : 32 )
لقد كان رسول الله الواحد الحق الذي أرسله رحمة للبشر أجمعين بل للعالمين .
( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ( الأنبياء : 107 )
---(1/335)
لم ينس أبداً تلك الرسالة حتى يوم وفاته ([47]) في نهاية إقامته المؤقتة في الأرض عندما كان يمكنه أن ينظر وراءه لماضي محموم وخطير وهو متوج بالنجاح في ذلك الوقت ، كان يمكنه أن يجلس ويستمتع بثمرة كفاحه وأن يحلم بحياة خالية من الاضطراب ومليئة بالرضا والراحة . لكن بالنسبة له لم يكن هناك وقت للرقاد والراحة فما زال هناك عمل يجب أن يتم .
الله القوي يذكره :
( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( سبأ : 28 ) .
كيف سيجيب هو على هذا التحدي الجديد بتبليغ الدعوة للبشرية كلها . لم يكن هناك أدوات وطرق اتصال إلكترونية حديثة تحت تصرفه .
لم يكن هناك أجهزة تلكس أو فاكس يستطيع أن يستغلها .
ماذا كان بوسعه أن يفعل ؟ ولأنه كان أمياً ( لا يعرف الكتابة والقراءة ) فقد طلب الكتاب وأملاهم خمس رسائل واحدة لكل من قيصر القسطنطينية وملك مصر ونجاشي الحبشة وملك اليمن وكسرى فارس .
واستدعى أيضاً خمسة من الصحابة بخمس جياد عربية وأرسلهم في خمس اتجاهات مختلفة يدعون شعوب العالم لدين الله الذي أرسله للعالمين .
لقد كان من حسن حظي أن أرى واحدة من هذه الرسائل المقدسة بمتحف توبكابي في استنبول ( القسطنطينية سابقاً ) بتركيا .
ولأن هذه الرسالة مضى عليها ردحا من الزمن فقد علتها الأتربة والأتراك قد حفظوا المخطوطة بكل ما بوسعهم من إمكانيات مادية .
ولك الرسالة بدأت تجمع الأتربة كما ذكرت .
الرسالة تبدأ هكذا : " من محمد رسول الله إلى هرقل الملك بالقسطنطينية : أسلم تسلم ! " ثم تبعها بتلك النصيحة من كتاب الله :
---(1/336)
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " ( آل عمران : 64 ) .
بعد هذا الإدراج القرآني في الرسالة ثم بكلمات الرسول الخاصة الواضحة والسهلة أنهى الرسالة بختم كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله .
الرسالة في تركيا تثير فضولنا واهتمامنا بالنظر لطريقة حفظها . لكن المتفرجون أهملوا ما هو مصون ذاته . والقرآن أيضاً رسالة موجودة تقريباً في بيت كل مسلم حيث تقرأ ويعاد قراءتها ألف مرة من أولها إلى آخرها بدون أن يتحرك القارئ ليبلغ تلك الرسالة لمن وجهت إليهم !
راجع مرة أخرى الآية السابقة .
إنها موجهة إلى أهل الكتاب : اليهود والنصارى .
لكن على مدار ألف سنة أهملنا تماماً تلك التوجيهات العظيمة بإرادتنا . فنحن نجلس على تلك الرسالة مثل الكوبرا الجالسة على كومة من جواهر مانعة للورثة الحقيقيين من التقدم .
هذا الإهمال التام سيستمر في إصابة الأمة بالمعاناة ولأجيال قادمة .
بعد حوالي 1400 سنة من قراءتنا وترتيلنا وتغنينا بالقرآن بكل الأساليب المتناغمة ما زلنا نسمع تلك الآية اللاذعة والصائبة في آن واحد " وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " ( سبأ : 28 )
تلك هي الجملة الخاتمة من آية نزلت من 1400 سنة مضت .
لقد كانت تعبر عن الموقف الواقعي للعالم الديني آنذاك .
السؤال الذي يجب أن يطرح هو هل هناك أي اختلاف اليوم ؟
ليس هناك أي اختلاف على الإطلاق !
فاليوم عدد المشركين في العالم أكثر من عدد المؤمنين بالله الواحد الحق .
هل هناك أي رجاء في تغيير هذا الوضع ؟
لقد أمر الله نبيه آنذاك كما يأمرنا الآن عبر السبع الآيات الأولى من سورة المدثر .
قال تعالى :
---(1/337)
" يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ " ( المدثر : 1 – 7 )
1- إن هذه الآيات الروحية المبكرة الرائعة كالمعتاد ، ( وهي تشمل الآيات التالية أيضاً ) تدعونا إلى التفكير في ثلاثة نواحي :
(أ) تشير إلى مناسبة معينة أو شخصية خاصة .
(ب) تعطي لنا درس روحاني عام .
(ج) تقترح علينا إغراق أكثر عمقاً في الروحانية .
بالنسبة لـ (أ) إن الرسول الآن قد تخطى مرحلة التأمل الشخصي كان يجب أن يخرج مرتدياً عباءته ويبلغ رسالته بشجاعة ويجهر بأن الله هو الإله الواحد الحق . لقد كان دائماً نقي السريرة ولكن الآن كل أفعاله الخارجية لا بد أن تكون خالصة لله ، والاحترام التقليدي لعادات وعبادة الأجداد يجب أن يطرح جانباً .
إن أعمال رسالته هي أكرم شيء نابع من شخصيته لكن يجب ألا يتوقع أي مكافأة أو تقدير من قومه بل على العكس تماماً فقد كان الأمر يتطلب منه الصبر الكثير ولكن رضاه كان سينشأ بإرضاء الله عنه .
(ب) لأن مراحلاً مماثلة تنشأ لكن بدرجة أقل في حياة كل رجل صالح تمثل له حياة النبي مثالاً عالمياً يحتذى .
(ج) يفهم الصوفيون العباءة والأغطية الخارجية على أنها الظروف المحيطة بوجودنا الظاهري ، والتي تكون ضرورية لراحتنا الجسدية حتى مرحلة معينة . ولكن سرعان ما نكبر فنستغني عنها . وحينئذ يجب على فطرتنا الداخلية أن تعلن عن نفسها بشجاعة ليس لأنها تحصر أي منفعة أو مكافأة مع الرجال . إن نفس الأمل في توقع شيء من ذلك ، سيكون متناقض مع فطرتنا العليا التي يجب أن تتحمل السراء والضراء في سبيل الله .
3- وربك فكبر .
4- وثيابك فطهر .
5- والرجز فاهجر .
أ- الرجز يعني الشيء البغيض وهي عادة ما تفهم على أنها الوثنية . ومن المحتمل أن صنماً كان يدعى رجزاً .
---(1/338)
ولكن مدلولها في هذه الأيام يتسع ليشمل الحالة العقلية المعارضة للعبادة الحقة ويمكن وصفها بأنها حالة من الشك والتردد .
6- ولا تمنن تستكثر .
ب- المعادلة التجارية القانونية هي أنك تعطي لكي تأخذ ما يساوي عندك أكثر قليلاً مما أعطيته . ولكن يجب ألا تتوقع أي شيء من الآخذ . فإنك تعبد الله وتخدم مخلوقات الله .
7- ولربك فاصبر .
ج- إن حماستنا من أجل دعوة الله نفسها تتطلب أن نكون صبورين ويجب أن نبذل جهداً متواصلاً من أجل دعوة الله . فنحن نؤمن ونعلم أن الله طيب وحكيم وقوي وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح " .
عبد الله يوسف علي في ترجمة معاني القرآن الكريم .
إن ( العباءة ) تمثل للعرب عامة ولرسولنا خاصة كساء أو غطاء يقيهم من حر الشمس والرياح والرمال ، كان عليه أن يستعد للعمل ويشمر عن ساعديه ليقوم بمهمته .
وبالرغم من أن معظم المسلمين في العالم لا يتدثرون بالعباءات ولا بالشالات في معيشتهم اليومية فإنهم يحملون مجموعة من العباءات في صورة عقد النقص .
" ماذا يمكننا أن نفعل لنجعل نور الله يشرق عبر الظلمة التي تحيط بنا ؟
لا بد أولاً أن نجعله يشرق بداخل نفوسنا الصادقة . بهذا النور في أعماق قلوبنا نستطيع أن نمشي بخطوات واثقة وصارمة . نستطيع بتواضع أن نزور التعساء ونرشد خطاهم . لسنا نحن ولكن النور هو الذي سيرشدهم ! إن السعادة النابعة من كوننا جديرين بحمل الشعلة وأن نقول لأخواننا نحن أيضاً كنا في ظلام وتعب . ولكن انظروا الآن إننا وجدنا العزاء وفرحنا برحمة الله لهذا يجب أن تدفع ديون الأخوَّة . بأن نسير بتواضع جنباً إلى جنب في طريق رضى ربنا بتعاون وتشجيع متبادلين ودعاء من القلب مؤيد بالعمل بأن تتحقق فينا جميعاً غاية الله الطيبة !
عبد الله يوسف علي في ترجمة معاني القرآن !
الختام
ولكن أكثر الناس لا يعلمون
كذلك أوحي إلى نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فَبلَّغنا .. اللهم بارك عليه إلى الأبد .
---
آمين .(1/339)
أحمد ديدات
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) السيد مهتار كان لفترة طويلة محرراً لصحيفة إسلامية ( آراء الهنود ) في جنوب أفريقيا .
([2]) يوجد عرض مفصل لهذه المقالة .
([3]) مفتور يعني تثبيط في الهمة ونقص في النشاط . ( المترجم ) .
([4]) تُظهر آخر الاحصائيات أن عدد المسلمين في العالم ألف مليون مسلم وعدد المسيحيين في العالم ألف ومائتي مليون مسيحي ( ديدات ) .
([5]) لا يعتبر ترتيب محمد الأول قدحاً في مكانة عيسى وموسى ، لكن الله رفع بعض الناس فوق بعض درجات وبعض النبيين فوق بعض ومحمد خاتم النبيين والمرسلين هو أفضل الأنبياء على الإطلاق بدون الانقاص من قدر الآخرين . ( المترجم ) .
([6]) وقد رأيت بنفسي هذه الطبعة من الإنجيل التي يظنون أن لعيسى كلام بها ووضعت بالحبر الأحمر وتجد كلمات قليلة به يظنون ( وليس على سبيل اليقين ) أنه قالها عيسى . إذا يعتبر هذا اعتراف ضمني بتحريف الإنجيل . ( المترجم )
---(1/340)
([7]) بولس يجب ألا ينخدع فيه الناس فهو يهودي اندس بين النصارى ليلبس عليهم دينهم وليفسده عليهم وكان صاحب نصيب الأسد في تأليف الكتاب المقدس وفي خرافاته وهذه الحركة التي فعلها بولس ليست الأولى من نوعها في جانب اليهود فهم يكيدون لجميع الأديان بخاصة الإسلام وقد دخل في الإسلام رجل يهودي حاول أن يفعل مثل بولس يدعى عبد الله من سبأ يهودي ماكر كان يضع أحاديث رسول الله وكان آخر ما فعله هو وأتباعه السبئيين أنهم قالوا بألوهية علي ولقد قام الإمام علي بحرق أحد أتباعه عندما قال له أنت الله فلما حرقه أخذ يصيح ويقول أيضاً إذن أنت الله فإنه لا يعذب بالنار إلا الله .. ولقد فعل الإمام على ذلك حتى يقطع جذور الفتنة الناشئة التي كان اليهودي عبد الله بن سبأ سبباً فيها .. ولقد تدخل اليهود في تسيير حركة العالم بطريقة بولس هذا فنجد أن ماركس ولينين اللذين لا يعترفان بالدين وأسسا الشيوعية يهود .. فرويد صاحب الإباحية الجنسية يهودي .. دوركايم يهودي .. كل من كان له دور في هدم القيم والأخلاق وتدمير الدين وراءه اليهود .. ( المترجم )
([8]) الاشكنازي : يهود ألمانيا ووسط وشرق أوروبا وأغلبهم من روسيا وهم يحتلون فلسطين احتلالاً غير شرعي وغير قانوني واسم الاشكنازي نفسه كأنه يتنبأ بما يفعله اليهود بالشعب صاحب الأراضي المحتلة تماماً كما فعل النازيون بهم . فيا له من عذاب . ( ديدات ) .
([9]) مع الاعتذار لتوماس كارلايل وكتاب البطل وعبادة الأبطال . ( المؤلف )
([10]) هؤلاء ليسوا بمسلمين وأشادوا بعظمة محمد نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم فلاقوا نقداً لاذعاً من الغرب ولكن عندما وقع الملحد سلمان رشدي ونخر في بدن الأمة الإسلامية وقذف نبيها وزوجاته فإن الغرب وقفوا يصفقوا لهذا الماجن ووضعوا عليه حراسة عسكرية لمجرد أنه تجرأ وهاجم الدين الإسلامي . ( المترجم )
---(1/341)
([11]) سأورد هنا الفقرات الإنجيلية التي أشار إليها ديدات تحقيقاً للفائدة وليتسنى للقارئ الكريم مراجعتها عند الضرورة . ( ثم صعد يسوع إلى البرة في الروح ليجرب من إبليس فبعد ما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً فتقدم إليه المجرب وقال له إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا ابن الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل وقال له إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصطدم بحجر رجلك قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عالٍ جداً وأراه جميع ممالك العالم ومجدها وقال له أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " حتى الاصحاح الرابع . ( 1 - 11 ) المترجم .
([12]) " محمد رسول الإسلام " للمؤلف راماكرشنا راو – أحصل عليه من المركز الإسلامي للدعوة . ( المؤلف )
وأضيف أنني قمت بفضل الله ومنته علي بعمل ترجمة لهذا الكتاب وسوف تقوم إن شاء الله تعالى دار المختار الإسلامي بطبعه في القريب العاجل بإذن الله . ( المترجم ) .
([13]) حسب آخر المعلومات التي وصلتني أن البروفيسور الهندي رماكرشنا راو مؤلف كتاب محمد رسول الإسلام هو مسيحي هندي يقدم شهادة حق لنبي الإسلام فهو واحد من المنصفين الذين أنصفوا الرسول محمد ورسالته .
([14]) ص 57 من كتاب ( الأبطال وعبادة البطل والبطولات في التاريخ ) لندن 1959 لتوماس كارلايل .
([15]) هذه الفقرة الإنجيلية التي أشار إليها ديدات سأوردها فيما يلي لأوضح للقارئ غرض ديدات وليزداد إدراكاً بالواقع ولنشاركه في إصدار الحكم على هذه الأفكار والمعتقدات الباطلة .
---(1/342)
" فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب فقال لهم إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع أصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنيه لا أومن " ( يوحنا 20 : 25 ) . المترجم
([16]) المحمدي : يقصد المسلم . ( المؤلف )
تعليق المترجم : مصطلح المحمديين Mahometans شاع في الغرب وانتشر نسبه إلى المسلمين الذين هم أتباع محمد وليس عبَّاد محمد كما يظن الغرب الملحد ويستخدم هذا المصطلح في غير محله ليسيئوا إلى الإسلام بهذا المصطلح الجائر في إلصاقه بالمسلمين وفي هدفه حتى يوهموا الغربيين وأغلبهم نصارى أن المسلمين هم عباد محمد وليسوا عبَّاد الله وليوهموهم بأن دين الإسلام ليس ديناً منزل من عند الله وإنما من عند محمد وإلى ذلك السبب يرجعون تسمية المسلمين بالمحمديين أي أتباع محمد .
ونحن نفتخر باتباعنا لمحمد وعبادتنا لرب محمد واتباعنا لنهجه وشرعه فقد ربط الله تعالى محبته بطاعة محمد صلى الله عليه وسلم .
" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ " ويقول أيضاً في حق محمد ورداً على هذا الافتراء " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " فالقرآن وحي من عند الله وليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم كما أن محمد صلى الله عليه وسلم ما هو إلا بشر كسائر البشر إلا أنه أرسل إليه فقال تعالى مثبتاً بشرية محمد صلى الله عليه وسلم " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " . ( فصلت )
([17]) راجع كتاب محمد الخليفة الطبيعي للمسيح للمؤلف .
ولقد ورد في القرآن مواقف كثيرة تدافع عن افتراءات النصارى على عيسى وأمه عليهما السلام .
---(1/343)
قال تعالى : " مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ " ( آل عمران : 59 - 60 ) .
" وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " (المائدة : 116- 117)
وبذلك كان القرآن الكريم منصفاً لعيسى بن مريم وأمه ومطهراً لهما من براثن الكفر التي وقع فيها أتباعه ومنجياً لهم من تحريفات النصارى حيث تبرأ من فعلتهم بعد موته وسيكون هذا المشهد من مشاهد يوم القيامة وهو يعلن ذلك على جميع الخلائق أنه ما أتى إلا بالتوحيد وما دعا إلا إلى التوحيد وكل تحريف وضلال سينال وباله من قام بتحريفه ومن اعتقدوا في هذا الضلال .
ولقد قال تعالى :
" إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ " وبذلك تنتهي الحجة وتظهر الأدلة واضحة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . ( المترجم )
---(1/344)
([18]) لم يكن غرض بن أم مكتوم الذي نزلت فيه هذه الآيات هو لفت الأنظار ولكنه كان يريد أن يسأل عن شيء مهم من أمور الدعوة .. ولقد عاتب القرآن النبي محمد في سورة ( عبس ) لانصرافه عنه وصرف وجهه إلى صنديد الكفر رغبة منه في دخوله في الإسلام .. فاعتبر القرآن ذلك أنه لا حاجة له في تمني دخولهم الإسلام ولكن المسلمين الذين جاءوا إليك أولى بهذا الاهتمام
وما يدريك يا محمد أن هذا الكافر سوف يزكي ويدخل في الإسلام إنه في علم الغيب والأمر موكل إلى الله .
ولقد حدثت واقعة أخرى قريبة من تلك عندما اتفق مبدئياً كفار قريش وصناديدها مع الرسول على أن يجعل لهم يوماً يجلسون معه فيه ويجعل للفقراء والعبيد يوم خاص بهم وكان هذا شرط لإيمانهم وقد كاد يميل قلب الرسول لهذا الاقتراح فعاتبه ربه على ذلك وطلب منه أن يترك هذا الاقتراح فالمسلمون سواسية كأسنان المشط وقال تعالى في هذا العتاب ( لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ، إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) .
([19]) سوف أكمل تلك الآيات التي نزلت بخصوص هذا الشأن حتى تتوضح المعاتبة للنبي وطلب ألا يصرف وجهه عن المسلم الذي سأله لمجرد رغبته في إيمان كافر لا يدري هل سيؤمن بعد هذه الدعوة أم لا فأمره موكل إلى الله قال تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى ، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ، وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ، وَهُوَ يَخْشَى ، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ، كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ) .
([20]) كرهه اليهود والمسيحيين والمشركين والمنافقين إنها طبيعة الزيف أن يكره الحق . ( المؤلف )
---(1/345)
([21]) ورد في شدة الرسول وغلظته ولينه آيات تبين كيفية التدرج بين الغلظة واللين .
قال تعالى لرسوله ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ويقصد المسلمين كما وصف نفسه بأنه ليس بالصخاب ولكن طلب منه ربه الرفق في دعوته واللين في توجيه وإرشاد المسلمين حتى لا ينفضوا من حوله .
أما الآية الثانية فهي قوله تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) فهذه هي طبيعة محمد وصحبه وأتباعه أن يكونوا أشداء على الكفار لا يوالونهم ولا يسالمونهم بل يشدون ويغلظون في القول والفعل لهم والعكس صحيح مع المسلمين يعاملوهم بالرفق واللين . ( المترجم )
([22]) الآن مر 14 قرنا على الرسالة المحمدية . ( المؤلف )
([23]) الآن عدد المسلمين ألف مليون . ( المؤلف )
([24]) المخادع يملك حلقة الحقيقة والصدق ولكنه صدق زائف في حقيقة الأمر .
([25]) لقد خير رسول الله في أن يكون نبينا ملكاً أو عبداً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياً لما في مقام العبودية من الشرف والتكريم فقال تعالى وهو ينسبه إلى نفسه : " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " يدل ذلك على رفضه اختيار الملك من قبل الله تعالى .
ولقد عرض عليه كفار قريش الملك والجاه والسلطان والمال والثروة والرياسة عليهم بل على العرب جميعاً في مقابل ترك الدعوة الإسلامية والرجوع إلى آلهتهم الضالة فقالوا قولتهم المشهورة : إن كنت تريد مالاً جمعنا لك المال وجعلناك أغنى رجلا فينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وجعلنا لك الأمر وإن كان بك مس ( لمسة ) من الجن أو مرض لا يشفى عالجناك حتى تشفى من هذا المرض .
---(1/346)
فرفض كل ذلك ورفض كل تلك الإغراءات الكذابة التي لا تغري إلا ضعاف القلوب وأصحاب العقول الفاسدة الذين يركنون إلى الدنيا وملذاتها وينسون الآخرة وما فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته الشهيرة التي يذكرها التاريخ له بكل ما فيها من نور وضياء وهدى ورحمة قال لعمه أبو طالب يا عم والله لو جعلوا القمر عن يميني والشمس عن يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه . إنها قولة تقشعر لها الجلود وتخشع لها القلوب قولة رجل واثق من نصر ربه واثق ومؤمن بما يبلغ عن ربه من أن الله سينصر هذا الدين ويعلي رايته ولو كره الكافرون .
فكان هذا النبي العظيم جديراً لأن يحظى بكل حب وبكل تقدير وبكل احترام وبكل تبجيل من جميع من اتبعوه وآمنوا به واتبعوا النور الذي جاء به وممن لم يؤمنوا به كما رأينا على صفحات هذا الكتاب أن الكفار شهدوا له بالعظمة مثل مايكل هارت وتوماس كارلايل وغيرهما الكثير . ( المترجم )
([26]) معاذ الله أن يكون أحد من أنبياء الله وقع في الخطايا والإثم والفاحشة والقتل التي وصف الكتاب المقدس الكثير من أنبياء الله مثل داود عليه السلام ومثل لوط الذي وصفه بأنه زنى بابنتيه ومثل إبراهيم وإسحاق والكثير من أنبياء الله الذي وصفهم بصفات مشينة يترفع الإنسان العادي عن فعلها علاوة عن أن يفعلها نبي عصمه الله فالأنبياء جميعهم معصومين من الخطأ . المترجم
([27]) يرجع سبب الاحتفاظ بالحضارة الهندية إلى المسلمين الذين قاموا بالمحافظة عليها ونقلها وإليهم ترجع شهرة الهند وحضارتها .. انظر كتاب المسلمون في الهند لأبي الحسن النووي ) . المترجم
([28]) عدد مسمي الهند 140 مليون مسلم ويقاسون الآن أشد أنواع العذاب والتنكيل من الهندوس فيقتلون وتهدم مساجدهم وبالرغم من ذلك لم يفكروا في استخدام القوة المسلحة مع الهندوس .
---(1/347)
([29]) قال تعالى ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) ( البقرة ) .
([30]) مسلمي أندونيسيا 150 مليون ولكن للأسف تناقص عددهم بسبب نشاط التبشير هناك فقد بلغني أنه تنصر 23 مليون أندونيسي فأين المسلمين في ذلك فهل يستيقظن لهذا الخطر المحدق بنا الذي يغزونا من الخارج في عقر دارنا ؟ سأترك الرد لأولي الألباب وأريد أن أوضح أن الإسلام انتشر في جنوب شرق آسيا بسلوك وأخلاق ودين التجار المسلمين ولم تدخل إلى تلك البلاد أي جيوش ولم تتم أي فتوحات إسلامية في هذه المناطق ) . المترجم
([31]) راجع الفقرة 7 من الفصل الثاني ص 89 .
([32]) قال تعالى " فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ "
وقال تعالى " الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ "
وقال تعالى " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ "
تلك الآيات الشريفة تدل على وقوع التمكين للمسلمين والمؤمنين والاستخلاف في الأرض كما تحقق وعد الله للمؤمنين السابقين فسوف يتحقق للمؤمنين في كل وقت وحين بشرط أن يكونوا صادقي الإيمان يسعون أن يمكنهم الله في الأرض وإذا حقق لهم التمكين فسوف يحكمون شرعه ويتبعون كتابهم إذا وصل المسلمون في هذا العصر إلى تلك الدرجة من الإيمان فالنصر وارد لا محالة . ( المترجم )
---(1/348)
([33]) كان في أثناء التدريج في تحريم الخمر منع المسلمين من أن يأتو الصلاة وهم سكارى قال تعالى ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) وفي المرحلة الثالثة من تحريم الخمر قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) فتم تحريمها للأبد وانتهى المسلمون الصادقون عن تناول شرب الخمر إلى يوم القيامة وانتهت هذه المرحلة التي كان يمنع فيها الصلاة للسكارى انتهت بتحريم الخمر التحريم الأبدي . ( المترجم )
([34]) المفهوم الحقيقي لوحدانية الله هو توحيده توحيداً كاملاً كما أمر به عز وجل شأنه ولا تشرك به أحد من الشركاء والآلهة الزائفة وأنواع التوحيد ثلاثة :
أ) توحيد الربوبية وهي الاعتراف بربوبية وملكية الله للمخلوقات جميعاً وهذا التوحيد مشترك بين المسلمين وكفار قريش .
ب) توحيد الألوهية وهي التي تفرق بين المسلم والكافر حيث أنه يقصد منها إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة دون غيره من الآلهة الزائفة أما إذا صرف العبد ولو جزء قليل منها لغير الله فهو مشرك .
ج) توحيد الأسماء والصفات ويقصد به الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته التي وصف بها نفسه في القرآن الكريم أو وصفه بها نبيه عليه الصلاة والسلام بدون تحريف أو تعطيل أو تشبيه أو تمثيل ، للمزيد يراجع فتح المجيد شرح كتاب .
([35]) وحدة الوجود : كالذي يؤمن بأن الله هو كل شيء . والثالوثي هو الذي يؤمن بالثالوث المقدس الآب – الابن – الروح القدس – المؤلف .
وهؤلاء كفار بلا أدنى شك . المترجم
وأضيف أن أصحاب وحدة الوجود أمثال الوثنيين من غلاة الصوفية كالحلاج وابن عربي وغيرهم من القائلين بأن عين الله هو عين المخلوق وأن الله حال في كل شيء .
---(1/349)
وقالوا إنه من أعلى درجات التوحيد أن تعتقد أن الله حال فيك وقالوا كل شيء في الكون هو الله ومن شعرهم في ذلك قول بن عربي
العبد رب والرب عبد ليت شعري من المكلف
ان كان رب فذاك عبد وان كان رب فأن يكلف
حتى أن هذا الضال قال أنه هو الله بلا حياء وقول ابن بشيس في الصلاة البشبيشية .
اللهم انشلني من أوحال بحر التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة !!
يقصد بها وحدة الوجود وهو أن كل شيء في الكون هو الله والعياذ بالله ونبرأ .
([36]) سيخي : ديانة هندية ترفض الوثنية والعزل الطبقي . ( المؤلف )
([37]) كان إشهاره دعوته صلى الله عليه وسلم للأمر الإلهي في قوله تعالى " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ " . المترجم
([38]) جاء في الأًصل " كانت المرأة يونانية " ( the woman was a Greek ) وهو الثابت في نص ترجمة الملك جيمس ، وهي الترجمة التي يقتبس منها ديدات . وما أثبتناه وهو " وكانت المرأة أممية " إنما هو نص الترجمة العربية لذا وجب التنويه .
([39]) هالة حلقة خيرة خيالية تحيط برؤوس القديسيين والقديسات في الرسومات الدينية . ( المؤلف ) .
([40]) دلائل صدق رسالة المسيح ومهمته . ( المؤلف )
([41]) راجع فصل " واحد في مقابل الجميع " لقراءة كلام توماس كارلايل . ( المؤلف )
([42]) وقرأ قول الله تعالى " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " .
([43]) هناك أربعين كنيسة معمدانية في أمريكا لكن هؤلاء هم قوم ذو مشاعر دينية قوية ولكن لا يذهبون لأي كنيسة ولن ينضموا أو ينتسبوا إلى أي فرقة أو طائفة . ( المؤلف )
---(1/350)
([44]) إن فتح مكة نبؤة أخرى من نبؤات الكتاب المقدس تحققت في شخص محمد صلى الله عليه وسلم . جاء في ترجمة الملك جيمس " تلألأ من جبل فاران ( في جزيرة العرب ) وجاء ( أي محمد ) مع عشرة آلاف من القديسين " ( التثنية 33 : 2 ) .
([45]) يجب ألا يخلط القارئ بين يوحنا المعمدان ويوحنا تلميذ المسيح ( عليه السلام ) إن اسم يوحنا اسم شائع جداً بين اليهود والعرب حتى هذا اليوم . فمثلاً طارق عزيز وزير خارجية العراق اسمه الكامل طارق حنا عزيز . وحنا هو اختصار لاسم يوحنا وهو بالإنجليزية جون . ولا يعرف أحد المسلمين من غير العرب أن صاحبنا " طارق حنا عزيز " ماركسي مسيحي . ( المؤلف )
([46]) لتوضيح هذه الفكرة اقرأ كتاب محمد الخليفة الطبيعي للمسيح ( المؤلف )
([47]) قبل وفاته صلى الله عليه وسلم نزلت آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )
وقال صلى الله عليه وسلم " لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك " .
وقال صلى الله عليه وسلم " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي " .
وكانت آخر وصية له قبل موته " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " . ( المترجم ) .
---
الخلاص
من المسيحية إلى الإسلام
بقلم
فادي كباتيلو
مباحث الكتاب : -
- الخطيئة والكفارة .
- اعتراضات من الكتاب المقدس.
- اعتراضات عقلية .
- الخلاص الذي جاء به المسيح.
- بين المسيح ومحمد – عليهما الصلاة والسلام-.
- براهين تتطلب قرارا.
المقدمة :-(1/351)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسل الله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ، فإن هذه المقدمة لم تكتب لتقرأها قراءة عابرة أو سطحية ، بل لتمعن النظر فيها وتكرره ؛ إذ إنها تعالج سببا مهما من الأسباب التي تحول بين المرء وقبوله للحق مما يستلزم أن تكون واضحة راسخة في النفس ، وإلا فإن بإمكانك أن تتجاوزها إلى الكتاب مكتفيا بالنظر في عنوانه ، وقائمة مباحثه مع مراعات التجرد لمعرفة الحق عند قراءته .
إن المشكلة الكبرى هي في أناس اتهموا عقولهم الموافقة لظواهر النصوص المقدسة بالقصور ، وأخرجوا تلك النصوص عن ظاهرها ، وفهموها فهما محرفا حتى تتفق مع ما تعلموه في بيوتهم أو في مدارس الأحد !! مع أن المفترض في الكتاب الذي يكتب بوحي من الله أن يكون فيه البيان الواضح والشافي لمسائل الإيمان ، وأن يستقل بذلك حتى تتم الهداية التامة للناس التي هي المقصود الأساسي من كتابته بمجرد قراءته ، والتأمل في ظواهر معانيه ، وربما كانت هذه المشكلة مشكلة كثير من المسيحيين في العالم ، وليعذروني على هذه الصراحة التي ربما تسبب الأذى لبعضهم ، إلا أنني سأضرب مثالا يوضح ما أقول ويدلل عليه حتى يحكم القارئ بنفسه .
لنأخذ مسألة التثليث وألوهية المسيح على اعتبار أن المسيح جزء من الثالوث المقدس عند المسيحيين ، هذه المسألة التي تربى عليها الكثير من المسيحيين حتى أصبحت مسلمة تفسر من خلالها نصوص الكتاب المقدس تفسيرات محرفة على حساب ظواهر النصوص ، ويتهم العقل بالعجز والقصور لأجلها ، بل يطرد من الإيمان المسيحي كل من لا يؤمن بها .
---(1/352)
وحتى يتبين ما أقول ليتأمل معي القارئ في قول المسيح وهو يخاطب الآب في إنجيل يوحنا (3:17) [ وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته ] فالحياة الأبدية أن تعرف أن الآب هو الإله الحقيقي وحده أي أن الابن والروح القدس ليسوا آلهة حقيقية ، وإن أطلق على أحدهما ، إله فإن المقصود أنه صارت إليه كلمة الله ، وهذا المعنى يشترك فيه المسيح واليهود ، فعندما اتهم اليهود المسيح بالتجديف لأنه جعل نفسه إلها وهو إنسان كما جاء في إنجيل يوحنا (33:10-35) ، أجابهم المسيح: [ أليس مكتوبا في ناموسكم أنا قلت : إنكم آلهة ، إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم الكلمة ] فهو لم يقصد أنه إله على الحقيقة ، لأن الإله الحقيقي وحده هو الآب والمسيح مرسل من عنده ، إلا أن المسيحي الذي تربى على خلاف هذه المعلومة الواضحة التي علمها المسيح سيسارع إلى القول بأن مقصود المسيح هو أن الحياة الأبدية هي أن يعرفوا أن الإله الحقيقي هو الآب ، و يسوع المسيح الذي أرسله الآب أيضا إله حقيقي ، أو أن المسيح له طبيعتان ؛ طبيعة بشرية وطبيعة إلهية وعندما قال هذا الكلام فإنما كان يتكلم عن طبيعته البشرية أما طبيعته الإلهية فهي أنه إله حقيقي مع الآب .
وهذان التفسيران كما ترى ما هما إلا تحريف لمراد المسيح ولي للنصوص حتى تتفق مع ما تعلمه المرء ونشأ عليه ، وبهذا التحريف لا تعود كلمة الله مستقلة في بناء العقائد الإيمانية ، بل ستصبح تابعة لأفهام البشر يذهبون بها حيث شاؤوا دون مراعاة لحرمتها وما تدل عليه من معان قصد إيصالها لقارئها ، إذ إن المسيح قال :[ أنت الإله الحقيقي وحدك ] أي أنت فقط من غير أن يكون أحد معك ، لا أن المسيح أيضا إله معك ، أو أنه إله معك بطبيعته الإلهية ، وإلا لما صار الآب هو الإله وحده .
---(1/353)
أما أن قضية التثليث تتناقض مع ضرورة العقل ، فلأن المسيحيين يعتقدون أن الآب إله كامل ، والابن إله كامل ، وكذلك الروح القدس ، والآب ليس هو الابن ، وهذان ليس واحد منهما هو الروح القدس ، إلا أن هؤلاء الثلاثة ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد ، وهذه النتيجة مناقضة للمقدمتين السابقتين أشد المناقضة ، ولا يمكن أن تكون صحيحة إلا في حالتين : الأولى : أن يكون الآب جزءا من الله ، وليس إلها كاملا وكذلك الابن و الروح القدس ، ومجموع هؤلاء يساوي الله ،كالشمس تتكون من حرارة وقرص وضوء وهذه الأجزاء الثلاثة تكون ، الشمس وليست واحدة منها شمسا كاملة ، والحالة الثانية : أن يكون الآب هو نفسه الابن والروح القدس فهي ثلاثة مسميات لشيء واحد ، وليس كل واحد منهم شيئا غير الآخر ،كإنسان يكون عاملا وزوجا ووالدا ، فالعامل ليس شيئا آخر غير الزوج وإنما هي مجرد أوصاف لشيء واحد ، إلا أن المسيحيين على العموم لا يقولون بأي من هاتين الحالتي ،ن ويصرون على القول بأن التثليث لا يعني وجود ثلاثة آلهة ، بل إله واحد ، فإذا ما ووجهوا بهذا التناقض العقلي البدهي في قولهم ، اتهموا العقل بالقصور عن فهم هذه القضية ليسلم لهم إيمانهم الذي تربوا عليه من الطعن .
---(1/354)
نعم ربما حاول بعض الأفراد أن يقنع نفسه بأن ما هو عليه هو الصواب ، باستناده إلى فقرات من الكتاب المقدس يحتمل ظاهرها عدة تفسيرات ، من بينها التفسير الذي يريده ، فيتمسك بهذا التفسير - ولا أقول بهذا النص لأن النص يحتمل عدة تفسيرات وليس حمله على تفسيره هو بأولى من حمله على تفسير آخر مناقض لتفسيره – ويترك سائر التفاسير المحتملة ، ويحرف ما تبقى من نصوص الكتاب المقدس التي لا تحتمل إلا معنى واحدا مناقضا لتفسيره وإيمانه ، بدلا من أن يجعل النص الذي لا يحتمل إلا تفسيرا واحدا هو الأساس الذي تفهم من خلاله النصوص التي تحتمل أكثر من معنى ، وإنما يلجأ إلى هذا التحريف حتى يبقى منسجما مع ما تربى عليه موهما نفسه بأنه يستند في إيمانه إلى نصوص الكتاب المقدس .
---(1/355)
ومثال هذا أنك تجده يستدل على ألوهية الابن بقول المسيح :[ أنا والآب واحد ] إنجيل يوحنا (30:10) وهذا النص يحتمل إن أخذ وحده أن يفسر عدة تفاسير ، منها أن المسيح هو نفسه الآب ، أو أن المسيح والآب واحد في كونه إلها مثله ، أو أن المسيح والآب واحد في كونه يتكلم بنفس التعاليم التي أرسله بها ، هذه التفسيرات الثلاثة محتملة في كلام المسيح ، وليس أحدها بأولى من الآخر إن أخذ قول المسيح هذا وحده مجردا عن باقي أقواله التي تبين قصده ، إلا لمن أراد أن يفسرها على وفق ما تربى ونشأ عليه من معتقدات من غير مراعاة لقصد المسيح الحقيقي ثم يحاول أن يثبت بهذا النص أن إيمانه مستمد من كلام المسيح ، أما إذا أردنا أن نعرف مراد المسيح من خلال كلامه هو فإننا سنلغي التفسير الأول لوجود النصوص الكثيرة التي تبين أن المسيح كان يدعو الآب ويتضرع إليه أو التي تبين أنه مرسل من عنده كما في النص الأول الذي ذكرناه ، مما يدل على أن المسيح شخص آخر غير الآب ،كذلك سنرد التفسير الثاني لأنه يدل على أن هناك إلها حقيقيا آخر مع الآب وهو ما يخالف قول المسيح :[ أنت الإله الحقيقي وحدك ] ، وعليه فلن يبقى أمامنا إلا التفسير الثالث ، وهكذا نكون قد فسرنا النصوص المقدسة من خلال النصوص المقدسة ذاتها ، لا من خلال المعتقدات المسبقة ، أو من خلال التفسيرات الفلسفية والنظريات المعقدة التي يتيه فيها العلماء فضلا عن العامة.
---(1/356)
على أن هذه العملية التي يقوم بها المرء من تفسير النصوص المقدسة بناء على خلفيته الإيمانية ، والتي تحاول أن تجد لنفسها مستندا من خلال النصوص المحتملة لأكثر من معنى ، هذه العملية تتم في كثير من الأحيان بشكل تلقائي من غير أن يشعر المرء بها سواء أقام هو بهذه العملية أم سمعها من غيره ممن يشاركه في خلفيته الإيمانية ، مما يستلزم ممن أراد الحق أن يتجرد تجردا كبيرا ، وأن ينظر من خارج الإطار الذي وضع فيه حتى يستطيع أن يفهم الأمور على حقيقتها ، وهذا ما نتأمله من القارئ لهذا الكتاب ممن نشأ على خلفية مناقضة لما جاء فيه ، وذلك أننا قمنا بطرح قضايا أساسية ومهمة في الإيمان المسيحي لإعادة النظر فيها من منظور آخر تتعلق بالخطيئة الموروثة ، وعالمية رسالة المسيح ، وصلبه تكفيرا عن خطايا البشر ، وألوهيته ، ومسائل أخرى متعلقة بما ذكرنا . وقد ذكرت من الأدلة والبراهين والمناقشات ما يكفي المنصف الذي رضي لنفسه أن ينظر إلى إيمانه من المنظور الذي أوضحناه له ، ثم بينت حاجة العالم إلى رسول بعد المسيح يبين للناس طريق الله الذي التبس عليهم ، والذي تمثل في محمد صلى الله عليه وسلم ، وبينت بعض البراهين الضرورية التي تدل على صدقه ، وأجبت المسيحين عما يثار حول شخصه الكريم من افتراءات جوابا عاما يكفي ويشفي لمن أراد الحق ، والله أسأل أن يوفقنا لما هو صواب ، وأن يدلنا على الخير حيث كان ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو المجيب لمن دعاه مخلصا .
الخطيئة والكفارة: -
يعد صلب المسيح وقيامته من أجل تكفير خطايا البشر من أهم الركائز التي تقوم عليها الديانة المسيحية ، ومن المفيد أن نعطي فكرة موجزة عن هذه العقيدة حتى يسهل على القارئ فهم المباحث التي تأتي بعدها، و يمكن أن نعرض هذه العقيدة في النقاط التالية مستشهدين بفقرات من الكتاب المقدس :-
---(1/357)
1- دخلت الخطيئة إلى آدم عندما عصى أمر الله فحكم عليه بالموت أي بالانفصال عن الله، [ وأوصى الرب الإله آدم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلا وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت] ( سفر التكوين 2: 16-17).
2- دخلت الخطيئة إلى جميع أبناء آدم بسبب سقوط أبيهم باعتباره نائبا عنهم ؛ ولهذا حكم عليهم بالموت: [ من أجل ذلك كما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا اجتاز الموت إلى الجميع إذ أخطأ الجميع ] رومية (12:5).
3- وبما أن الله قدوس فقد فصلت خطايا الإنسان بينه و بين الله ، فلم يعد يسمع صلاتهم ، [ آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع ] سفر إشعياء (2:59).
4- ولأن الله عادل فإنه لن يغفر للإنسان الخاطئ من غير أن ينال عقابه،والعقاب هو الموت أي الانفصال عن الله ، ولهذا لن يقدر الإنسان على العودة إلى الله : [ حاشا لك أن تفعل مثل هذا أن تميت البار مع الأثيم فيكون البار كالأثيم حاشا لك أدَيّان كل الأرض لا يصنع عدلا ] سفر التكوين (25:18) لأن [ أجرة الخطيئة هي الموت ] رومية (23:6).
5- أراد الله أن يعيد الإنسان الخاطئ إليه ويحرره من آثامه ؛ لأن الله محبة ، لكن الله قدوس ؛ فلن تنفع الصلاة من الخاطئ ، لأنه انفصل عن الله ، والله عادل فلن يرجع عن حكمه على الإنسان بالموت ، فأنزل ابنه المسيح على هيئة البشر ليحمل عن الناس آثامهم بموته على الصليب [ بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي تحيا به هذه هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل إنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا ] رسالة يوحنا الأولى (4: 9-10).
6- وكان لا بد أن تتوفر في الذي يريد أن يحمل الخطيئة الصفات التالية:-
---(1/358)
أ - أن يكون خاليا من الخطيئة وإلا لاحتاج إلى من يحمل عنه خطيئته [ لأن لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفائنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية ] عبرانيين (15:4).
ب - أن يكون موته كافيا لتكفير خطايا الكثيرين ؛ ليكون ذبيحة مقبولة عند الله [ واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضا وأسلم نفسه من أجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة ] أفسس (2:5).
ت - أن يكون من جنس البشر ؛ لأن الإنسان هو الذي يمثل الإنسان أمام الله [ من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيما ورئيس كهنة أمينا فيما لله حتى يكفر خطايا الشعب] عبرانيين (17:2).
ولا يوجد أحد تتوفر فيه هذه الشروط غير المسيح ؛ فكل البشر ورثوا الخطيئة من أبيهم آدم ، وغير البشر لا يصلحون ليمثلوا البشر أمام الله، ثم إن أي شيء محدود،بينما خطايا البشر غير محدودة فهي بحاجة إلى شيء غير محدود وهو ابن الله فلهذا تجسد ومات على الصليب [ ولكن لما جاء مِلْءُ الزمان أرسل الله أبنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذي تحت الناموس لننال التبني ] غلاطية (4:4-5).
7- وكان لا بد بعد موت المسيح على الصليب أن يقوم من الموت ؛ ليبرهن للناس أنه هو الكفارة الحقيقية ، وإلا كان إيمان الناس به باطلا [ إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا…وإن لم يكن المسيح قد قام فبالباطل إيمانكم أنتم بعد خطاياكم ] (1) كورنثوس (14:15-17 ).
8- كل من يؤمن بالمسيح أنه مات وقام من أجل تكفير خطاياه سيقوم من موته ويعود إلى الله [ لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضا معه ] (1) تسالونيكي (4: 14).
9- أما الذي يرفض المسيح على أنه مخلص له فسيكون في يدي الشرير [ نعلم أننا نحن من الله والعالم كله قد وضع في الشرير ] (1) يوحنا (19:5).
---(1/359)
وبهذا اجتمعت محبة الله وعدله في المسيح، ظهرت محبته عندما أوجد للناس من يحمل عنهم خطاياهم ، وظهر عدله عندما تحمل المسيح هذه الخطايا عن الناس حتى لا يعاقبوا عليها.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن النصرانية مر على وجودها ما يقرب من ألفي عام ، فلا شك أن هناك الكثير من الأسئلة والمناقشات التي دارت حول الإيمان المسيحي بين مؤيد له ومعارض ، وبالأخص مسألة الخطيئة والكفارة ، بل إن هذه المسألة قد نوقشت قبل مجيء المسيح فإن الكثير من الديانات الوثنية القديمة كالهندوكية والبوذية تبنت فكرة الخطيئة والكفارة وجعلتها ركنا من أركانها ، فالبوذيون مثلا يؤمنون ببوذا ابن الله المتجسد في العذراء مايا ، ولد في 25/12 و مات ليحمل خطايا البشر ، ثم قام من الموت وصعد إلى السماء (1) ، وهذه هي الأفكار الرئيسية لمبدأ الخطيئة والكفارة ، يقول السير آرثر فندلاي في كتابه " الكون المنشور" ص(78) :" إن قصة الصليب قيلت قبل عيسى على ستة عشر إلها مخلصا ، وقصص حياتهم على الأرض من المهد إلى اللحد ثم البعث كلها متشابهة ، وكأن كل ديانة ترث من سابقتها " (2) .
ومن المؤكد أننا لن نستطيع أن نحيط بكل تلك المناقشات أو الاعتراضات ، ولكن التاريخ حفظ لنا الكثير منها ، وما سنقوم به هو عرض لبعض هذه الاعتراضات عليك ، وسنترك القرار لك بعد ذلك ، سائلين الله أن يدلك على ما فيه خيرك وينير حياتك بنور هدايته ، نعم يمكنك أن تغلق أذنيك وتغمض عينيك وترفض قراءة ما كتبناه ، بل قد يصل الأمر بالبعض إلى تمزيقه أو إحراقه كما فعلت الكنيسة بإنجيل برنابا مثلا ، ولكن هذا الفعل لن يغير من التاريخ شيئا ، وستجد هذه الإشكالات الكثيرين ممن لا يخافون من مواجهة الحقيقة يتوقون لقراءتها والاستفادة منها.
اعتراضات من الكتاب المقدس:-
---(1/360)
لم تكن مسألة صلب المسيح وموته مسألة متفقاً عليها بين طوائف النصارى كما يتوهم البعض ؛ فقد كان هناك العديد من الطوائف التي تنكر فكرة الصلب ، وتعتبر أن مثل هذا الشيء لا يليق بشرف المسيح ومنزلته عند الله ، ومن هذه الطوائف طائفة (الباسيليديون) وطائفة (السرئتيون) إلا أن آراء هذه الطوائف أبيدت بسبب الاضطهاد والقتل ، بل إن مئات الأناجيل المقدسة القانونية قد ضاعت بسبب إهمال آباء الإيمان الأوائل لها ، فما ظنك بما سيحدث للأناجيل التي لم يعترف بها رجال الكنيسة واعتبروها شهادة زور ، يقول اللاهوتي عبد الفادي في تفسيره للإصحاح الأول من إنجيل مرقس المسمى " من هو المسيح " : " لقد كتب الكثيرون من شهود العيان عن التقاءاتهم مع المسيح . ويعتبر كل من هذه الأخبار التي سجلوها بشرى سارة أو إنجيلا مقدسا . فلا توجد أربعة أناجيل فقط ، بل مئات لأن كل شهادة صالحة عن سيرة المسيح وأقواله معناها " إنجيل ". وأما آباء الإيمان فاختاروا من إثباتات شهود العيان عن حياة يسوع ، أربعة أناجيل بارزة ".
ويقول السير آرثر فندلاي في كتابه " صخرة الحق " ص(59) :" إن الأناجيل الحالية لم تستقر إلا في القرن الرابع الميلادي عقب مجمع قرطاجنة عندما تقرر أي الكتابات يحتفظ بها ، وأيها يرفض ويستبعد ، وقبل ذلك التاريخ سنة 379م لم يكن هناك شيىء اسمه العهد الجديد الذي نعرفه اليوم . ويعلل أحد رجال الكنيسة القديس آيرونيوس اختيار أربعة أناجيل في القرن الثاني بأن الأرض لها أربعة أركان " (1). وبالرغم من إبادة وتضييع وإهمال هذا الكم الهائل من المراجع القانونية أو غير القانونية في نظر الكنيسة المسيطرة في ذلك الوقت ، إلا أننا سنحاول في هذا الباب أن نبين بعض ما يمكن أن تكون تلك الطوائف المخالفة لفكرة الصلب قد استدلت به من نصوص الكتاب المقدس لإبراز صحة كلامها معتمدين على ما هو متوفر بين أيدينا من مراجع .
---(1/361)
1- جاء في سفر أخبار الأيام الثاني (4:25) [لا تموت الآباء لأجل البنين ولا البنين لأجل الآباء بل كل واحد يموت لأجل خطيئته] فإن كان المرء يموت لأجل خطيئته لا لأجل خطيئة غيره ، فلا شك أن المسيح لم يمت على الصليب لأجل خطايانا ، ثم من ناحية أخرى فإن النص المذكور يدل على أن البشر لا يمكن أن يرثوا خطيئة أبيهم آدم.
2- إن وجود أبرار على سطح الأرض قبل موت المسيح يدل دلالة واضحة على أن البشر لم يرثوا خطيئة أبيهم آدم ، أو أنهم ورثوها لكنهم استطاعوا تطهير أنفسهم بأعمالهم الصالحة ، وهذا حال نبي الله داود ، حيث يزعم الكتاب المقدس أنه قتل قائد جنده وزنى بزوجته أنظر صموئيل الثاني (11) ، لكنه عاد إلى طريق الرب واستطاع تطهير نفسه بمجرد أن اعترف بذنبه كما جاء في صموئيل الثاني (13:12) [ فقال داود لناثان : قد أخطأت إلى الرب فقال ناثان لداود: الرب أيضا قد نقل عنك خطيئتك لا تموت ] ، يقول اللاهوتي المسيحي أ.م.رينيك عن نبي الله داود :" لقد اعترف صراحة بخطيئته التي ارتكبها ضد الله ، وبرغم حكمه على نفسه بالموت دون أن يدري فإن الله في رحمته قد غفر له خطيئته ، وأبقى حياته" (1) بكل هذه البساطة يرفع الله حكمه بالموت – أي العذاب الأبدي ، والانفصال عن الله – عن داود ، يقول اللاهوتي المسيحي وليم مارش مؤكدًا هذا المعنى :" لا يموت داود الموت الثاني - أي العذاب الأبدي - لأن خطيئته غُفرت له " (2)، يبدوا أنه لم يكن هناك حاجة لسفك دم أحد حتى تكفر عنه خطيئته ، وجاء في سفر الملوك الأول (6:3) [ فقال سليمان، إنك قد فعلت مع عبدك داود أبي رحمة عظيمة حسبما سار أمامك بأمانة وبر واستقامة قلب معك ]. وقد استطاع نبي الله نوح أن يطهر نفسه أيضا دون حاجة لأحد ، حيث جاء في سفر التكوين (1:7) [ لأني إياك رأيت بارا ] .
---(1/362)
ويوضح لنا المسيح نوع الناس الذين جاء من أجلهم فيقول في إنجيل متى (13:9) [لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى فاذهبوا وتعلموا ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة ]، إذن فهناك أبرار ، وهناك خطاة ، فإن كان المرء باستطاعته أن يطهر نفسه ، فلماذا يصلب المسيح ويموت ؟!.
3- " إن التعليم الذي يتضمنه هذا الإصحاح وخلاصته في العدد (20) يجب أن يوضع في سياق السفر بمجمله كي يتسنى الحكم عليه بإنصاف فغرضه الرئيسي تبرير عدالة الله ، وفي الذهن أزمة معينة . إذ عزا معاصروا النبي العقاب النازل بهم إلى مجازاة خطايا الجيل السابق لهم فأعلن حزقيال أن الله لا يتصرف على هذا النحو بل يعتبر كل إنسان مسؤولا عن أعماله وسيجازيه الجزاء الذي يستحق عليها "، هذا ما يقوله ج.ر. بيسلي مورّاي أحد كبار اللاهوتيين المسيحيين عن الإصحاح (18) من سفر حزقيال (3)، ودعونا نذكر العدد (20) الذي أشار إليه ج.ر. بيسلي وثلاثة أعداد بعده حتى تتضح لنا الصورة بشكل أفضل حيث جاء فيها: [ النفس التي تخطي هي تموت الابن لا يحمل إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن بر البار يكون عليه وشر الشرير يكون عليه فإذا رجع الشرير عن جميع الخطايا وحفظ جميع فرائضي وفعل حقا وعدلا فحياة يحيا لا يموت كل معاصيه لا تذكر ،في بره الذي عمل يحيا ، هل مسرة أُسرُّ بموت الشرير إلا برجوعه عن طريقه فيحيا ] سفر حزقيال (20:18-24) ، ويدل هذا النص على عدم موت المسيح على الصليب من أربعة وجوه:-
أ - أن النفس التي تخطي هي تموت ، والمسيح لم يرتكب خطأ فلن يموت بسبب ذنوبنا.
ب - أن الابن لا يحمل إثم الأب ، إذن فليس هناك خطيئة موروثة ليموت المسيح من أجلها.
ت - أن بر البار يكون عليه ، وهذا يدل على أن الأبرار موجودون على الأرض ، وبالطبع فهم لا يحتاجون لموت المسيح.
---(1/363)
ث - أن الشرير إذا رجع عن خطاياه التي فعلها ، وحفظ جميع فرائض الله ، وفعل حقا وعدلا ، سينال المغفرة من الله و سيحيا حياة أبدية من غير أن يكون بحاجة إلى من يموت عنه ليكفر عنه خطاياه ، يقول ج.ر. بيسلي :" فالإنسان ليس بريئا فقط من خطيئة أبيه ، بل يمكنه أيضا أن يتحرر من ماضيه الشخصي إذا رغب ، إنه يستطيع أن يتوب حالاً " (2).
---
4- في سفر إشعياء (15:1-18) [ فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع أيديكم ملآنة دما اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني كفوا عن فعل الشر تعلموا فعل الخير … هلمَّ نتحاج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج ] إن الذي يقع في المعاصي يبتعد وينفصل عن الله ، ولا يسمع الله صلاته إلا إذا رجع إلى فعل الخير ، وندم عما صنع ، هذا ما يقوله إشعياء النبي ، لكن أهل سدوم وعمورية رفضوا الرجوع إلى طريق الرب ، واستمروا في طغيانهم ، فأهلكهم الله ، وعلى عكسهم أهل نينوى ؛ لما رجعوا عن آثامهم وتابوا إلى الله ، رجع الله عن حكمه عليهم بالموت ، وترك المدينة من غير أن يقتل أحدا ليكفر عن خطاياهم ، جاء في سفر يونان (10:3) [ فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الردية ندم الله على الشر الذي تكلم به أن يصنعه بهم فلم يصنعه ] ، يقول د.و.ب. روبنسن :" فإنما كان يونان هرب إلى ترشيش لأنه يعلم العلم اليقين أن الله سيشفق على نينوى إن هي تابت ، أما وقد تابت نينوى الآن ، يعلم يونان أن الدينونة لن تحل بها " (2)، والسؤال هو : كيف رجع الله عن حكمه عليهم بالموت ؟ أين ذهب عدل الله ؟! والأمر أبسط مما يتصوره الكثيرون ؛ فإن الله أصدر حكمه بالموت على من لم يتب من خطيئته ، أما من تاب فإن ما جاء في سفر إشعياء وما حدث لأهل نينوى يدل على أن الله لم يصدر عليه الحكم بالموت ، إن د.و.ب. روبنسن يصف كون الله رحيما بعباده إذا تابوا بأنه :"من طبيعة الله اللامتغيرة " (1)،(1/364)
إذا فلا حاجة لموت شخص لا ذنب له إن كانت التوبة تنفع المذنبين ، يقول اللاهوتي و.فتش في تفسيره لسفر إشعياء :" ليس لعصيان الإنسان إلا جواب واحد حاسم ألا وهو غفران الله المجاني " (3).
---
5- يعطينا إنجيل متى (17:19) إجابة مهمة عن سؤال مهم جداً ، قام بطرحه شاب غني جاء إلى المسيح حيث سأل ذلك الشاب :[ أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية ؟ ] فماذا كان جواب المسيح ؟ لقد قال له :[ إن أردت أن تدخل الحياة الأبدية فاحفظ الوصايا ] ، وعندها يطلب الشاب مزيدا من التوضيح فيسأل[ أية وصايا ؟ ] فيجيبه المسيح:[ لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد بالزور أكرم أباك وأمك أحب قريبك كنفسك ] ، إن المسيح لم يذكر للشاب الغني شيئا عن موته وصلبه ، الذي سيتم من أجل تكفير خطاياه ؛ لماذا ؟ هل كانت الأعمال الصالحة كافية لنيل الحياة الأبدية من غير حاجة إلى موت أحد ؟ ! يبدوا أنها كافية في رأي المسيح ، ويبقى أن تجيب عن رأيك !
6- ويعطينا إنجيل متى (34:25) فكرة مماثلة عن أولئك الذين سيرثون ملكوت السماوات فيقول: [ ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لأني جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فآويتموني عريانا فكسوتموني مريضا فزرتموني محبوسا فأتيتم إلي ] وعند ذلك يسأل الأبرار متعجبين متى فعلنا هذه الأمور معك! فيقول :[ الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم ] ، ومرة أخرى يوضح المسيح أن ملكوت السماوات ينال بالبر والأعمال الصالحة ، لا بموت شخص لا ذنب له .(1/365)
7- قال المسيح لتلاميذه في إنجيل متى (5:10) [ إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامرين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ] ، وهذا يدل دلالة واضحة على أن المسيح لم يأت للموت على الصليب تكفيرا عن خطايا البشر ؛ إذ إنه لم يرسل إلا إلى بني إسرائيل ، تقول دائرة المعارف البريطانية :" إن أسبق حواريي المسيح ظلوا يوجهون اهتمامهم إلى جعل المسيحية دينا لليهود ، وجعل المسيح أحد أنبياء بني إسرائيل إلى بني إسرائيل " (1).
---
وقد يقول بعض الناس إن المسيح أرسل لجميع الناس ، ويستدل لذلك بما جاء في إنجيل يوحنا (16:10) [ ولي خراف أخرى ليست من هذه الحظيرة ، وينبغي أن آتي بتلك ] وما جاء في نفس الإنجيل (32:12) [ وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع ] ، ونسأل من يقول هذا هل سيجذب المسيح إليه جميع الناس من آمن به ومن لم يؤمن ؟ الجواب :لا ، إذن من قصد المسيح بالجميع ؟ ومن قصد بالخراف الذين من الحظائر الأخرى ؟ قد يقول قائل: قصد بهم كل من يؤمن به من جميع الأمم ، نقول هذا رأيك ، أما بالنسبة لنا ، فقصد المسيح نعرفه من قوله في إنجيل متى (24:15) [ لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ] فلا بد أنه قصد من آمن به من اليهود من حظيرته ، أي سبطه ، ومن سائر الحظائر ، أي الأسباط الإحدى عشر الأخرى .(1/366)
8- من أهم الأشياء التي تنفي صلب المسيح تلك النصوص التي تدل على أن المسيح لم يكن يريد أن يموت ، فقد طلب من الله أن ينجيه من تلك الساعة -ساعة الصلب - حيث جاء في إنجيل يوحنا (27:12) [ الآن نفسي قد اضطربت وماذا أقول أيها الآب نجني من هذه الساعة ] ، ولا بد أن الله قد سمع لصلاة المسيح ، ويظهر هذا بوضوح في رسالة العبرانيين (7:5) حيث يقول كاتبها :[ الذي في أيام جسده ( يعني المسيح ) إذ تقدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه ] ، إن هذه التضرعات هي التي ذكرها إنجيل متى (36:26-44) .
---
وقد يقول قائل: إن الله استجاب لدعاء المسيح لا بإنقاذه من الصلب ، بل بأن أقامه من الموت في اليوم الثالث، ويؤسفني أن أقول: إن من يقول هذا الكلام لم يقرأ الإنجيل ؛ لأن المسيح كان عالما بأنه سيقوم من الموت بعد ثلاثة أيام لو مات فقد جاء في إنجيل متى (23:17) [ ابن الإنسان سوف يسلم إلى أيدي الناس فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم ] وعليه فلن يحتاج المسيح لتلك التضرعات والدموع ، أما لو كان يريد أن لا يحدث الأمر الذي كان من المفتروض أن يحدث والذي أخبر به عدة مرات ، فإنه بحاجة لتلك التضرعات والصرخات حتى يخلصه الله من الموت .(1/367)
9- لقد قال المسيح عبارة مهمة جداً عند وداعه لأورشليم تدل بكل وضوح على أن المصلوب لم يكن المسيح ؛ حيث جاء في إنجيل لوقا (13 :33) قول المسيح :[ بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج عن أورشليم ] وهو بهذا يخبر عن نفسه كما هو واضح من الكلام ، ولا شك أنه لم يقصد الإخبار عن جميع الأنبياء أنهم لا يهلكون إلا في مدينة أورشليم ، هذا أمر لا شك فيه ، وقد تتساءل : ما دخل هذه العبارة بكون المصلوب شخصا آخر غير المسيح ؟ فأقول : إن الأمر سهل وواضح لمن يقرأ الإنجيل ، فقد جاء في إنجيل يوحنا (20:19) :[ فقرأ هذا العنوان كثيرون لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريبا من المدينة ] ، وأظن المسألة قد انتهت ، وصارت واضحة ، فإن الموضع الذي تم فيه الصلب كان خارج مدينة أورشليم على مقربة منها ، ولم يكن في المدينة ، بينما أخبر المسيح أن المكان الذي سيهلك فيه سيكون في المدينة ، لا بالقرب منها ، وبالتالي فلا شك أن الذي مات على الصليب كان شخصا آخر غير المسيح .
10- ويعطينا إنجيل متى عبارة واضحة تدل على أن المصلوب كان شخصا آخر غير المسيح حيث قال المصلوب: [ إلهي إلهي لماذا تركتني ؟ ] متى (46:27) فهذه العبارة تدل على ثلاثة أمور:
أ - أن الله ترك الشخص المصلوب .
---
ب - أن المصلوب لم يكن راضيا عن ترك الله له.
ت - أن المصلوب لم يكن راضيا عما يحدث له.
وهنا نسأل:هل يمكن أن يكون المصلوب هو المسيح ، لقد قال المسيح في إنجيل يوحنا (29:8):[ والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه ] ولكننا نجد أن الله ترك المصلوب.
لقد أخبر المسيح أنه سيكون راضيا عن إرادة الله وإن خالفت إرادته ، حيث قال في بإنجيل لوقا (41:22) [ إن شئت فلتعر عني هذه الكأس لكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك ] ولكننا نجد أن المصلوب لم يكن راضيا عن ترك الله له.(1/368)
ثم إن قلنا : إن المصلوب هو المسيح فإن العبارة تدل على أنه لم يكن راضيا عما يحدث له ، فكيف نقول : إنه نزل وتحضر لأجل هذه الساعة ساعة الصلب ؟!
إن هذه العبارة تدل بكل وضوح على أن المصلوب كان شخصا آخر غير المسيح ، إلا أن أحدا من التلاميذ لم يستطع أن يدرك ذلك ، لقد تركوا المسيح في تلك الليلة ، فلا أحد منهم يستطيع أن يعرف ماذا حصل له ، هذا ما تنبأ به المسيح في إنجيل يوحنا (32:16) [ هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوني وحدي ولست وحدي لأن الآب معي ] وهذا ما حدث بالفعل ، فعندما جاء الجند للقبض على المسيح تركه الجميع وهربوا ، أنظر إنجيل مرقس (50:14) ولهذا فقد ظن التلاميذ أن الجند قبضوا على المسيح وصلبوه ، ولو أنهم تأملوا قول المصلوب [ إلهي إلهي لماذا تركتني ] لعرفوا أنه شخص آخر.
إن هذه النصوص - وغيرها الكثير - تدل بشكل واضح على أن فكرة الخطيئة والصلب بعيدة عن تعاليم المسيح ، وقبل أن ننهي الكلام في هذا الفصل دعونا نجيب عن ثلاثة أسئلة مهمة:-
الأول: إن كان المصلوب شخصا آخر فأين ذهب المسيح ؟
الثاني: ألم يقم المسيح من الموت في اليوم الثالث ؟
الثالث: أين ذهبت جثة المصلوب ؟
---
وحتى نجيب عن السؤال الأول دعونا نرجع إلى ما قاله المسيح للخدم الذين أرسلهم الكهنة والفريسيون ليمسكوه [ وقال لهم يسوع: أنا معكم زمانا يسيرا بعد ثم أمضي إلى الذي أرسلني ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون لا تقدرون أنتم أن تأتوا ] وهذا يدل بوضوح على أن المسيح سيذهب إلى الذي أرسله ، أي سيصعد إلى السماء .(1/369)
وعاد المسيح وأكد هذا الكلام في الليلة التي جاء الجند فيها للقبض عليه ، حيث قال في إنجيل يوحنا ( 4:17-6) [ أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته والآن مجدني أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم أنا أظهرت اسمك الناس الذين أعطيتني من العالم ] ثم قال في العدد (11) [ ولست أنا بعد في العالم وأما هؤلاء فهم في العالم وأنا آتي إليك ] ثم قال في العدد (13) [ أما الآن فأنا آتي إليك ] وتشير هذه النصوص إلى عدة أمور:
1- أن المسيح أكمل عمله الذي جاء من أجله ، إذن فهو لم يأت ليصلب.
2- أنه طلب من الآب أن يمجده.
3- أن هذا المجد كان يستحقه منذ القدم.
4- أنه سيذهب الآن إلى الآب ، أي سيصعد إلى السماء.
5- أنه عرف اسم الله وأظهره للناس.
---
لقد صعد المسيح إلى السماء ، لقد كان هذا واضحا في كلامه ، تأمل العدد (11) والعدد (13) لم يبق المسيح في العالم ، وهذا الذي ذكره المسيح هو ما تنبأ به المزمور (9:91-15) ، حيث جاء فيه: [ لأنك قلت أنت يا رب ملجئ جعلت العلي مسكنك لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك لأنه يوصي ملائكته لكي يحفظوك في كل طرقك على الأيدي يحملونك لئلا تصطدم بحجر رجلك … لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمي يدعوني فأستجيب له معه أنا في الضيق أنقذه وأمجده ] ، فقد جاء في هذا المزمور أن الله مجد هذا الذي دعاه ، وهو ما طلبه المسيح ليلة القبض عليه، وجاء أنه عرف اسم الله وهو ما أخبر به المسيح ، وجاء فيه أن الله سيرفعه ، وهو ما أخبر به المسيح من ذهابه إلى الآب ، وقد ذكرنا فيما سبق أن المسيح دعا الله لكي ينجيه من الموت، إن الله قد سمع دعاءه واستجاب له ، وهذا ما جاء في النبوءة .(1/370)
وجاء في المزمور (1:20-6) [ يستجيب لك الرب في يوم الضيق ليرفع اسمك إله يعقوب ليرسل لك عونا من قدسه ومن صهيون ليعضدك … نترنم بخلاصك باسم إلهنا نرفع رايتنا ليكمل الرب كل سؤلك الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه يستجيبه من سماء قدسه بجبروت خلاص يمينه ]نعم ، لقد خلص الله المسيح كما جاء في هذا المزمور.
أما ما يستدل به بعضهم من نبوءات عن صلب المسيح ، فإما أنها تتحدث عن شخص آخر أو أن الله ألغاها للصرخات التي قدمها المسيح للعلي القدير ليخلصه.
---
فإن كنت غير مصدق بعد بنجاة المسيح وصعوده إلى السماء ، فتأمل قول المقبوض عليه في إنجيل لوقا (67:22) عندما سأله رؤساء الكهنة والكتبة [ إن كنت أنت المسيح فقل لنا، فقال لهم، إن قلت لكم لا تصدقون وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني، منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسا عن يمين قوة الله ] (1)وبالفعل فإنهم لم يصدقوه ولم يطلقوه عندما أخبرهم أنه ليس المسيح ؛ لأن المسيح حسب كلامه سيكون جالسا الآن عن يمين قوة الله ، فهل ستصدقه أنت أم ستفعل كما فعل رؤساء الكهنة والكتبة ؟
ومن المؤسف أن الذين طبعوا الإنجيل طبعة الترجمة العربية المشتركة من اللغة الأصلية عندما أدركوا هذه الحقيقة ، حرفوا النص وجعلوه [ لكن أبن الإنسان سيجلس بعد اليوم عن يمين الله القدير ] وأظنك تدرك الفرق بين " منذ الآن " و " بعد اليوم "، وكان الأجدر بهم أن يعترفوا بنجاة المسيح وصعوده إلى السماء ، ولكن ليصدق عليهم قول إرميا (8:8): [ كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا حقا إنه إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب ].(1/371)
أما إجابة السؤال الثاني فيمكنك أن تعرفها إذا رجعت إلى موقف التلاميذ من الشخص الذي ظهر لهم بعد ثلاثة أيام ، هذا الموقف الذي تمثل في شك التلاميذ بذلك الشخص ، وتوقفهم في التصديق بأنه المسيح في أول الأمر ، فقد شكت مريم المجدلية وظنته البستاني ، كما يروي إنجيل يوحنا (14:20 - 15) ، وشك التلاميذ عندما ظهر لهم كما يروي إنجيل لوقا (36:24 - 37) ، وظنوا أنهم رأوا روحا ، وشك توما عندما أخبره التلاميذ بأنهم شاهدوا المسيح ، وبقي غير مصدق حتى بعد أن رآه إلى أن نظر أثر المسامير في يديه يوحنا (25:20 - 29) ، وشك بعض التلاميذ عندما صعد ذلك الشخص إلى السماء في آخر لقاء به كما يروي إنجيل متى (17:28) ، ولهذا فمن حقنا أن نشك في ذلك الشخص أيضا ، لقد شك فيه أقرب الناس إليه بعد أن رأوه فكيف بالذي لم يره أصلا!
---(1/372)
ولهذا علينا أن نتساءل عن هوية هذا الشخص ؟ يمكنك أن تعرف الجواب إذا ما رجعت إلى ما قاله ذلك الشخص الذي ادعى أنه المسيح وأنه قد قام من الموت وإلى ما قاله المسيح الحقيقي ، حيث جاء في إنجيل لوقا (39:24) أن ذلك الشخص قال للتلاميذ عندما لم يصدقوا أنه المسيح [ انظروا يدي ورجلي إني أنا هو ] إن التلاميذ لم يكونوا بحاجة إلى أن يقول لهم ذلك الشخص " إني أنا هو " حتى يعرفوا أنه المسيح لأنهم كانوا أقرب الناس إلى المسيح . ولكن لابد أن يتم ما تنبأ به المسيح في نفس الإنجيل إنجيل لوقا (8:21) عند حديثه عن المسحاء الدجالين ، فقد حذر تلاميذه من هذا الشخص قائلا: [ سيأتون باسمي قائلين إني أنا هو والزمان قد اقترب فلا تذهبوا وراءهم ] ، إن عبارة ذلك الشخص " إني أنا هو" هي نفس العبارة التي أخبر المسيح أن المسحاء الدجالين سيقولونها للتلاميذ (1)، ولهذا فنحن لا نشك أن ذلك الشخص الذي ظهر للتلاميذ هو أحد المسحاء الدجالين الذين حذر منهم المسيح تلاميذه ، وأخبرهم بأنه سيأتي إليهم قريبا لا لأحد غيرهم وأن عليهم أن لا يتبعوه ، وبهذا نستطيع أن نفسر لماذا كان التلاميذ في أول الأمر يشكون في ذلك الشخص ولا يصدقون بأنه المسيح كلما ظهر .
لكن التلاميذ نسوا كلام معلمهم ، لقد دخلوا جميعهم في التجربة التي حذرهم منها المسيح عندما كان يصلي في بستان جثسيماني حيث جاء في إنجيل متى (41:26) [ اسهروا وصلوا لئلا تقعوا في التجربة ] إلا أنه كان يجدهم في كل مرة نياما ، لقد علمهم المسيح كيف يصلون ، كما جاء في إنجيل متى (9:6-13) وكان من ضمن هذه الصلاة أن يقول المرء : [ ولا تدخلنا في تجربة ولكن نجنا من الشرير ] وعندما احتاج التلاميذ لهذه الصلاة ذهبوا وناموا ، ونتج عن ذلك عدم نجاتهم من الشرير ، ودخولهم في التجربة التي كان المسيح يخشى عليهم من الدخول فيها كما هو واضح من كلامه لهم في البستان .
---(1/373)
ولن نتعجب إن سمعنا هذا الشرير يقول للتلاميذ [فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ] كما جاء في إنجيل متى (19:28) ليهدم بذلك قول المسيح في نفس الإنجيل (5:10) [ إلى طريق أمم لا تمضوا والى مدينة للسامرين لا تدخلوا بل أذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ] ، فقد أراد هذا الشخص أن يضل مع التلاميذ العالم بأسره.
أما إجابة السؤال الثالث فإن الإنجيل يعطينا احتمالين بإمكانك أن تختار أيهما تريد ، الأول :أن يكون أشخاص مجهولين قد أخذوا الجثة ، وهذا ما قالته مريم المجدلية في أول الأمر عندما لم تجد الجثة كما جاء في إنجيل يوحنا (2:20) [ وقالت لهم: أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه ] ، الثاني: أن يكون بعض أتباع المسيح قد أتوا ليلا وسرقوا الجثة كما طلب اليهود من الحراس أن يقولوا ، أنظر إنجيل متى (13:28) .
أما مسألة حراسة القبر فإن الحراس الذين قبلوا الرشوة من اليهود يمكن أن يقبلوها من أي شخص آخر ، وبالأخص إن طمأنهم بأنه سيستعطف الوالي حتى لا يعاقبهم كما فعل اليهود عندما طلبوا من الحراس أن يقولوا إن التلاميذ جاؤوا ليلا وسرقوا الجثة ، متى (14:28). ثم لا ننسى أن حراسة القبر كانت في اليوم التالي لدفن الجثة ،كما جاء في إنجيل متى (62:27-63) وهذا يتيح الفرصة لمن يريد أن يأخذ الجثة أن يأخذها دون عناء .
وبهذا ننهي ما يمكن أن تكون قد استدلت به الطوائف المسيحية المعارضة لفكرة الخطيئة والكفارة ، لننتقل إلى الفصل الثالث الذي يتضمن بعض الاعتراضات العقلية حول مبدأ الخطيئة والكفارة.
اعتراضات عقلية:-
---(1/374)
لقد حاول القائلون بمبدأ الخطيئة والكفارة أن يجدوا حلا منطقيا للجمع بين عدل الله ومحبته ، فخرجوا بفكرة الإنسان السماوي الذي يموت ليحمل عن الناس آثامهم ، وأنا لا أتهم المسيحيين بهذا فقد ذكرت أن هذه الفكرة كانت موجودة عند الكثير من الديانات الوثنية ، إلا أن هذا الحل الذي أوجدوه أوقعهم في إشكالات كثيرة لا يمكن للعقل أن يقبلها، ولا شك أنك عندما تقرأ ما كتبناه من اعتراضات ، ستدرك أنها أكبر بكثير من الإشكال الذي حاولوا حله ، وإليك بعض هذه الاعتراضات:-
1- ( محبة الله ) : إن الذي دفع الله إلى قتل المسيح على الصليب هو محبته للعالم ، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل من المعقول أن يحب الله البشر الخطاة أكثر من حبه للمسيح البار فيضحي به من أجلهم ؟! ويسمح بضربه وشتمه وإهانته ؟!.
2- ( عدل الله ) : إن كان الله قدم المسيح كفارة عن خطايا البشر من أجل عدله ، فلنا أن نسأل: هل من العدل أن يعذب الله المسيح ويقتله على الصليب من أجل ذنب لم يقترفه ولم تكن له أي علاقة به ؟! وكأن هم الله أن يجمع بين عدله ومحبته بأي طريقة ، ولو كان فيها ظلم لمن ليس له ذنب أبدا ، يقول روي ديسكون سميث في كتابه " ضوء على البعث " ص(321) :" لا يوجد متدين مهما كان مذهبه أو فرقته يعتقد أن الله العظيم قد أرسل ابنه الوحيد إلى هذه البشرية التي لا توازي – في مجموعها منذ بدء الخلق إلى نهايته – كوكبا من الكواكب المتناهية في الصغر لكي يعاني موتا وحشيا فوق الصليب ، لترضية النقمة الإلهية على البشرية ، ولكي يساعد جلالته في أن يغفر للبشرية ، على شرط أن تعلن البشرية اعترافها بهذا العمل الهمجي الذي لا يستسيغه عقل ألا وهو الفداء " (1).
---(1/375)
وقد يقول قائل: إن المسيح رضي بذلك ، ولا أدري ما هو نوع العقول التي تفكر بهذه الطريقة ، وكأنهم يقولون أن الله يريد أن يتلذذ برؤية الدم ترضية لنفسه فقط ، من غير مراعاة لكون المقتول هو الشخص المذنب أم لا ، فإن سفك دم أي منهما يصلح لإطفاء هذا الغضب الإلهي ، يقول آرثر ويجال في كتابه " الوثنية في ديانتنا المسيحية " عن هذا النوع من التفكير :" وهذه بالطبع وجهة نظر يتقزز منها العقل العصري ، والتي قد تكون شرطا لعقيدة بشعة ليست منفصلة عن ميول التلذذ بالقسوة للطبيعة البشرية البدائية . وفي الواقع إن هذه العقيدة دخيلة من مصدر وثني في الإيمان " (2).
على أننا قدمنا في الفصل السابق فقرات من الكتاب المقدس تدل على أن المسيح والشخص المصلوب لم يكونا راضيين عن هذا الفعل (1).
3- ( صفات الله ) : كل من يؤمن بالله يقر بأن الله متصف بكل صفات الكمال منزه عن كل صفات النقص، فذات الله كاملة لا تشوبها شائبة نقص ، والسؤال هو: هل من كمال ذات الله أن تتجسد في المسيح ؟ لا تتسرع بالإجابة ، فإن كان من كمال ذات الله أن تتجسد في المسيح ، فهذا يعني أن ذات الله كانت ناقصة قبل التجسد ، وإن كان من كمال ذات الله أن لا تتجسد في المسيح فهذا يعني أن ذات الله صارت ناقصة بعد التجسد ، ولهذا فنحن نقول: إن الله منزه عن التجسد ؛ لأنه إما أن يكون ناقصا قبل التجسد ، أو ناقصا بعد التجسد ، وكلا الأمرين لا يرضاهما أحد من المؤمنين.
4- ( عقاب الله ) : لاشك أن الله يعاقب من يستحق العقاب بقدر ذنوبه ، هذا هو العدل فهل يكون عقاب من نهي عن الأكل من شجرة وأكل بأن يلقى في جهنم وأبناؤه إلى أبد الآبدين؟! إن إلها يفعل هذا لن يكون أكثر رحمة من هتلر .
---(1/376)
5- ( طرق الله ) : إن الله قادر على أن يعطينا عددا لا يحصى من الوسائل حتى يكفر عنا خطايانا ، وإلا استطاع البشر بخطاياهم أن يحدوا الله بطريقة واحدة أو بعدد معين من الطرق حتى يكفر عن خطايا الناس ، فلماذا اختار الله طريقة يعذب ويهان ويصلب فيها ؟
لقد أنصف اليهودي سعد كمونة في كتابه " تنقيح الأبحاث في الملل الثلاث " ص(57) حين قال :"إن الله أكرم من أن يقال … إنه لم يستطع أن يقضي أمره وهو في ملكه ، حتى نزل على الأرض ليهديهم وينجيهم من الشيطان ، وإنه جاء ليهدي الناس من الضلالة ، ويطهرهم من الخطايا ، فعبث به اليهود وعذبوه وصلبوه وأهانوه ". وقد يجيب أحدهم : بأن الله أراد أن يظهر محبته لنا بموته على الصليب من أجلنا، ونحن بدورنا نقول: ألم يكن بمقدور الله أن يظهر محبته لنا بطريقة أخرى ؟.
6- ( قداسة الله ) : إن كانت الخطيئة الساكنة في الإنسان تحول بينه وبين الله ؛ لأن الله قدوس فأين كانت قداسته عندما أرسل الأنبياء وكلم موسى وأعان داود وسليمان على أعدائهما؟! لماذا لم تحل طبيعة الخطيئة فيهم بينهم وبين الله ؟!!
7- ( ذبيح الله ) : إن كان الله قدم المسيح على الصليب ذبيحا ، ووضع عليه آثام الخطاة فسيطرد المسيح من رحمة الله لأجل ذلك ، حتى قال كاتب رسالة غلاطية : [ المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا ] (13:3) يقول أتكنسون في تفسيره لإنجيل متى (46:27) :" إن المسيح وقعت عليه لعنة الله لكونه حاملا الخطايا "، فلماذا لم يفد الله المسيح من هذه الآثام ويحرره منها ؟ .
---(1/377)
8- ( حكم الله ) : إن كان الله قد حكم على الناس بالموت لأجل الخطيئة التي ورثوها عندما أكل آدم من الشجرة ، فهل من المعقول أن يحكم عليهم بالحياة والعودة إليه عن طريق خطيئة أعظم من الخطيئة الأولى وهي صلب المسيح وقتله ! يقول كمونة في كتابه المذكور آنفا :" أي خطيئة كانت قبل المسيح أو بعده أعظم من الخطيئة التي كانت في زمانه عندكم ؟ "
9- ( فرح الله ) : هل فرح الله لظلم اليهود للمسيح وقتلهم إياه فيكون قد فرح بارتكاب الناس للخطيئة ؟! أم كان ساخطا عن هذا الفعل مع أنه اختاره ليجمع فيه بين عدله ورحمته وضحى بالمسيح من أجله ؟! يقول روي يسكون سميث في كتابه " ضوء على البعث " :" إذا كان الله أذن بالصلب لأجل ترضيته فإنه يكون مشتركا في الذنب مع السفاكين الذين يكونون قد قاموا بمهمة إلهية " (1).
10- ( تجسد الله ) : إن كان الله قد تجسد وولد من مريم ومات بجسده على الصليب من أجل تكفير الخطايا ، فهل يكفي هذا الجسد المحدود لتكفير خطايا الكثيرين ؟ ثم لماذا لا يكون جسد المسيح قد ورث الخطيئة من أمه مريم كما ورثها سائر البشر ؟ هل طهر الله مريم من الخطيئة حتى لا يرثها المسيح ؟ إذن فلماذا لا يطهر جميع البشر كما طهر مريم ؟
وقبل الانتهاء من هذه الاعتراضات أقول : قد يقف البعض واضعا كل ما ذكرناه جانبا ليقول: إن المسيح غير حياتي ، ونحن نقول لمثل هؤلاء: إنك إن كنت لا تريد الاقتناع بما قلناه فلن نستطيع أن نقنعك ولا أن نجبرك، لكن تذكر أنه كما غير المسيح حياتك عندما آمنت به مخلصا لك، فكذلك غير بوذا حياة كثير من البوذيين الذين آمنوا به مخلصا لهم ، وغير كرشنا حياة كثير من الهنادكة الذين آمنوا به مخلصا لهم ، فمن هو المخلص الحقيقي ؟ لا تقل إنه المسيح، فإنك لم تجرب غيره ممن غيروا حياة الكثيرين !
الخلاص الذي جاء به المسيح:-
---(1/378)
والآن وبعد الانتهاء من ذكر بعض الاعتراضات ، اعتقد أنه صار من الواضح لكل منصف أن فكرة الخطيئة والكفارة فكرة دخيلة على المسيحية التي جاء بها المسيح، وأن نفي صلب المسيح وقيامته حقيقة غابت عن الكثيرين ، وقد أرسل الله محمدا – صلى الله عليه وآله وسلم – ليكشف هذه الحقيقة وغيرها، لقد جاء رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – بالخلاص الذي جاء به المسيح – عليه السلام – والذي يتمثل في ثلاثة أمور:-
1- الإيمان بإله واحد يخص بجميع أنواع العبادة ، وأن المسيح مجرد بشر أرسله الله لهداية الناس : وهذا هو ما قاله المسيح في إنجيل يوحنا (3:17) [ وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته ] لقد كان المسيح يوجه كلامه إلى الآب ، فالحياة الأبدية أن تعرف أن الآب هو الإله الحقيقي وحده أي أن الابن والروح القدس ليسوا آلهة حقيقية ، وإن أطلق على أحدهما إله فإن المقصود أنه صارت إليه كلمة الله ، وهذا المعنى يشترك فيه المسيح واليهود ، لهذا عندما اتهم اليهود المسيح بالتجديف لأنه جعل نفسه إلها وهو إنسان كما جاء في إنجيل يوحنا (33:10-35) ، أجابهم المسيح: [ أليس مكتوبا في ناموسكم أنا قلت : إنكم آلهة ، إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم الكلمة ] فهو لم يقصد أنه إله على الحقيقة ، لأن الإله الحقيقي وحده هو الآب والمسيح مرسل من عنده .
يقول أميل لودفيغ في كتابه " ابن الإنسان " ص(96) :" ويُعِدُّ الجميع المعلم الجديد نبياً ، ويبدو المعلم الجديد نبيا ، ولم يفكر يسوع في أنه أكثر من نبي " (1).
---(1/379)
ونحن إن كنا لا نرضى عن تسمية الله بالآب ، فذلك لأن الكثيرين فهموا هذه الكلمة على غير المعنى الذي تستعمل له في الكتاب المقدس -وهو المربي- ، فذهب فريق إلى أن المقصود منها الأبوة الحقيقية ، وأن المسيح ابن الله بطريق الاتصال الجنسي ، وذهب آخرون إلى أن الله هو الآب لأن المسيح انبثق وانفصل عنه ، ولهذا فهو إله يحمل نفس صفات الآب وكلا المعنيين خطأ.
أما الأول فلأن الله ليس مثل البشر حتى يكون أبا بالمعنى البشري ، جاء في سفر إشعياء (5:46) [ بمن تشبهونني وتسوونني وتمثلونني لنتشابه].
وأما المعنى الثاني فلأن المسيح لا يملك صفات الله فهو لا يعلم وقت الساعة كما أخبر هو عن نفسه في إنجيل مرقس (32:13) [ أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب]. إذا فتلك الساعة لا يعلمها إلا الآب ، لا يعلمها الابن ولا الملائكة ولو كان الابن إلها حقيقيا لعلمها.
وقد يقول قائل: إن الابن له طبيعتان: طبيعة إلهية تعرف كل شيء ، وطبيعة بشرية لا تعرف وقت الساعة ، والمسيح عندما أخبر أن الابن لا يعرف موعد الساعة كان يتكلم عن الطبيعة البشرية لا الإلهية.
ونجيب فنقول: إن المسيح لم ينف فقط عن الابن عدم معرفة وقت الساعة حتى نقول إنه نفى عن الابن بطبيعته البشرية لا الإلهية معرفة وقت الساعة ، وإنما حصر معرفة وقت الساعة بعد نفيها عن الابن بالآب فقط ، فقد قال: [ إلا الآب ] أي إن الآب وحده هو الذي يعرف ذلك الوقت وعليه فلا يمكن أن يكون الابن إلها حقيقيا منبثقا عن الآب .
---(1/380)
وإنما سمي المسيح ابن الله ؛ لأنه إنسان بار كما هو حال كل من يسير في طريق الله ، جاء في إنجيل متى (9:5) [طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون ] وجاء في رسالة رومية (14:8) [لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ] فليس الآب للمسيح وحده ، بل لجميع المؤمنين ولهذا علمهم المسيح أن يقولوا: [أبانا الذي في السماوات ] متى (9:6).
أما معجزات المسيح وغفرانه للخطايا ، فكل ذلك بقدرة الله وسلطانه الذي أعطاه له ، كما حدث بذلك إنجيل متى (2:9) عندما قال المسيح للمفلوج: [ مغفورة لك خطاياك ] فاعترض عليه الكتبة فقال المسيح لهم: [أيما أيسر أن يقول مغفورة لك خطاياك أم أن يقال قم وامش ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا حينئذ قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك فقام ومضى إلى بيته فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا ] فالمسيح لا يملك هذا السلطان لولا أن الله أعطاه إياه .
ولهذا قال بطرس [ أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون ] أعمال الرسل (22:2) فمن عرف هذه الحقيقة وهي أن الرب – الآب في الكتاب المقدس – هو الإله الحقيقي وحده ، وأن المسيح عبده ورسوله فسينال الحياة الأبدية؟
وهذا الذي أخبر به المسيح قريب جدا مما أخبر به رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - حين قال: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه (1)، وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمله ".
---(1/381)
2- التوبة إلى الله والرجوع عن الذنب : فقد جاء المسيح رحمة للناس يدعوهم إلى التوبة ، ولم يأت ذبيحة لهم ، كما قال في إنجيل متى (13:9) [ فاذهبوا وتعلموا ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة] ولهذا فقد علم المسيح الناس أن يقولوا [ واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا ] متى (12:6). وكذلك حث القرآن الناس على أن يقولوا [ ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ] سورة آل عمران (193).
وقد ضرب المسيح أمثلة كثيرة ليحث الناس على التوبة مبينا لهم فرح الله بتوبة عبده ، فضرب لهم مثل الخروف ، وقال: [ افرحوا معي لأني وجدت خروفي الضال أقول لكم إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب ] إنجيل لوقا (4:15-7) وكذلك ضرب رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – مثل الذي فقد ناقته ، فقال: " فلله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ". وهكذا فإن الله يقبل توبة عبده من غير ذبيح وواسطة ، كما قبل الرجل خروفه وقبل الآخر بعيره من غير أن يذبح خروفا أو بعيرا آخر.
وإن كان الله سيغلق بابه دوننا ، فمن الذي سيفتحه ويقبل توبتنا ؟! لهذا قال الله في القرآن [والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ] سورة آل عمران (135). ومثل هذا ما جاء في المزمور (130 :3-4) [ إن كنت تراقب الآثام يا رب يا سيد فمن يقف بريئا لأن عندك المغفرة لكي يخاف منك].
وإنما تكون التوبة بالرجوع عن المعاصي وترك الآثام حتى ينال المرء الملكوت ، كما جاء في حزقيال (30:18) [ توبوا وارجعوا عن كل معاصيكم ولا يكون لكم الإثم مهلكة ] وجاء في القرآن قوله تعالى: [ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ] سورة آل عمران (135-136).
---(1/382)
والذي يرفض هذه التوبة التي أمر بها الله فسيكون مصيره الهلاك ، كما قال المسيح في إنجيل لوقا(3:13) [ أقول لكم إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون ] وقال تعالى: [ ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ] سورة الحجرات (11). وقبل أن ننتقل إلى الأمر الثالث الذي يؤدي إلى الخلاص نطلب منك أن تقرأ بتمعن ، وتتفكر في هاتين الفقرتين من الكتاب المقدس والقرآن:-
[ ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلىّ بكل قلوبكم وبالصوم وبالبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطئ الغضب وكثير الرأفة ] سفر يوئيل (12:2 - 13).
[ قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ] سورة الزمر (53-54).
3- العمل الصالح : وذلك بعمل وصايا الله واتباع تعاليم أنبيائه ، فعندما جاء الشاب الغني إلى المسيح وقال له: [ أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية فقال له لماذا تدعوني صالحا ليس أحد صالح إلا واحد وهو الله ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا … قال له الشاب: هذه كلها حفظتها أثناء حداثتي فماذا يعوزني بعد ؟ قال له يسوع : إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك و أعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال واتبعني ] متى (16:19-21).
لقد نبه المسيح الشاب أولا إلى عبادة الله وحده وأنه ليس بإله ، ثم أمره بعمل الوصايا وباتباعه ؛ وذلك لأنه رسول من عند الله ، والله لم يرسل الرسل إلا لتحكم بين الناس بحكم الله ، فمن فعل هذا نال الحياة الأبدية ، وبهذا أمر الله رسوله محمدا – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يأمر الناس حيث قال في سورة آل عمران (32): [ قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ].
---(1/383)
يقول السير آرثر في كتابه " الكون المنشور" ص(184) :" لا يعتبر عيسى إلها أو مخلصا ، وإنما هو رسول من الله ، خدم في حياته القصيرة في علاج المرضى ، وبشر بالحياة الأخرى ، وعلم بأن الحياة الدنيا ما هي إلا إعداد لحياة أخرى ، للملكوت الإلهي ، لحياة أفضل لكل من يعمل صالحا " (1).
وعندما وعظ المسيح الناس على الجبل قال لهم :[ إن لم يزد بركم عن الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات] متى (20:5) وقال لهم :[ فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل ] متى (48:5) وقال مؤكدا على ضرورة العمل بتعاليم الله :[ ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات] متى (21:7) وهذا ما قاله الله - تعالى – في القرآن في سورة طه (75) [ ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى].
بين المسيح و محمد – عليهما الصلاة والسلام - :-
هذا هو طريق الخلاص الذي جاء به المسيح - عليه السلام – والذي جاء رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ليوضحه ويبينه للناس، لقد جاء رسول الله بمسيحية المسيح ، ولا عجب أن نرى هذا التوافق والانسجام بين تعاليم المسيح وتعاليم محمد –عليهما الصلاة والسلام – ، فكلاهما كان رسولا من عند الله ، ودين الله واحد على مر العصور ،كما قال تعالى في القرآن الكريم: [شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ] ولهذا قال المسيح في إنجيل متى (17:5) :[ لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل ].
---(1/384)
وعندما سمع النجاشي ملك الحبشة - وكان نصرانيا- شيئا من القرآن قال : "إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة " ثم سأل صحابة رسول الله : "ما تقولون في عيسى ؟ فقال له جعفر :" نقول فيه ما جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول"، فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ عودا ثم قال: "ما عدا عيسى ما قلت هذا العود ." ثم دخل في الإسلام ، وهكذا فقد جاء محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – مصدقا لما جاء به المسيح ، قال تعالى :[ يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم ].
لقد جاء محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – ليصحح المسار ويبطل التحريف الذي تعرض له دين الله ، يقول كيرت في كتابه " The Old Testament : Its Original Composition " :" إن الكتاب المقدس المتداول حاليا لا يحتوي على التوراة والإنجيل المنزلين من الله ، ولقد اعترف علماء باحثين أنفسهم باللمسات البشرية في إعداد هذا الكتاب المقدس " (1).
---(1/385)
ولنفس هذا السبب الذي جاء من أجله محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – جاء الأنبياء من قبله فها هو إرميا يقول :[ أما وحي الرب فلا تعودوا تذكروه بعد لأن كلمة كل إنسان تكون وحيه إذ قد حرفتم كلام الإله الحي رب الجنود إلهنا ] سفر إرميا (36:23) وقال إشعياء :[ ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب فتصير أعمالهم في الظلمة ويقولون: من يبصرنا ومن يعرفنا. يا لتحريفكم ! ] سفر إشعياء (15:29-16)ولهذا الأمر جاء المسيح فقد قال في إنجيل متى (6:15-9) :[ قد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم. يا مراؤون حسنا تنبأ عنكم إشعياء قائلا: يقترب إلى هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس ] وقال الله – عز وجل – عن محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – مخاطبا أهل الكتاب من اليهود والنصارى: [ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ] سورة المائدة (15).
---(1/386)
لقد جاء المسيح بالتعاليم التي تناسب الإغراق المادي الذي كان يعيش فيه اليهود ، فقال: [ قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزن وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك ] متى (28:5-29) وقال: [ وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني ] متى (31:5-32) وقال: [ سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا ] متى (38:5-40) وقال :[ لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون ] متى (25:6) إلا أن المسيح اعترف بأن الذي جاء به ليس كاملا ، بمعنى أنه لا يصلح لكل زمان ومكان ، وأن هناك أمورا أخرى يجب أن يخبرهم عنها ، فقد قال في إنجيل يوحنا (12:16) [ إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن ] (1).
وأنت إذا نظرت إلى تعاليم المسيح السابقة أدركت أنه لا يمكن تطبيقها في هذا الزمان ، فكان لا بد من إرسال رسول يكمل ما لم يخبر به المسيح ليصبح دين الله صالحا لجميع الأزمنة والأمكنة ، فأرسل الله محمدا – صلى الله عليه وآله وسلم – بشريعة تكمل شريعة الأنبياء ، جمع فيها بين احتياجات الإنسان الروحية والمادية ، فكان مما جاء به قول الله تعالى في القرآن الكريم [ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين].
---(1/387)
لم يأمر الله الناس في شريعة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – بترك الطعام كما فعل المسيح في الإنجيل ، بل أمرهم أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم ، لكنه ربط ذلك بشكر الله على هذه النعمة فقال :[ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ]
ولم يأمر محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – الناس بترك اللباس ، بل أخبر بأنه نعمة من نعم الله يستر بها المرء عورته ، لكنه نبه إلى أن التقوى أهم عند الله من اللباس الظاهر ، فلا يجوز أن نهتم به ونتركها ، فجاء في القرآن [ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ].
ولم يمنع محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – المرء من أن يقتص ممن ظلمه ، لكنه أخبر أن عدم الانتقام للنفس والصفح عند المقدرة خير عند الله ،كما قال تعالى :[ وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ].
بهذه الشريعة ختم الله الدين وأتم نعمته على عباده ، قال تعالى :[ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ] فمن رضي لنفسه ما رضي الله له واتبع ما جاء به محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – فسينال السعادة في الدنيا لاتباعه الشريعة الإلهية التي تلبي جميع احتياجات البشر ، وسيسكن الفردوس في الآخرة لأنه رضي بما رضي الله له وآمن برسوله.
إن ما ذكرناه من ضرورة إرسال محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – والتي تتمثل في تصحيح التحريف الذي أصاب الرسالات السابقة ، ومن ثم إتمامه لها لتصبح شريعة كاملة صالحة للجميع على مر العصور - إن ما ذكرناه من هذه الضرورة قد يكون سببا كافيا عند بعض الناس ليؤمنوا بمحمد – صلى الله عليه وآله وسلم – على أنه رسول من عند الله ويتبعوه ، إلا أن بعضهم الآخر يريد براهين من نوع آخر لإثبات هذه الحقيقة ، وسنقوم في الفصل القادم بتقديم هذه البراهين ولكنها تتطلب منك قراراً.
---(1/388)
براهين تتطلب قرارا:-
سنتكلم في هذا الفصل عن أربعة براهين يدل كل منها على نبوة محمد –صلى الله عليه وآله وسلم –.
البرهان الأول: البرهان التقليدي:-
ونعني به المعجزات وهي: أمر خارق للعادة يجريه الله على يد نبيه دليلا على صدقه ، ومنها شفاء المرضى على يد نبي الله موسى ، انظر سفر العدد (46:16-49) ومنها إحياء الموتى على يد نبي الله عيسى حيث جاء في إنجيل لوقا (14:7-16) [ ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون فقال: أيها الشاب لك أقول: قم فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه ]. فقد كان هذا العمل دليلا عند الناس على نبوة عيسى – عليه السلام – .
وقد جاء نبي الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – بالمعجزات الكثيرة ، ومن ذلك نبع الماء من أصابعه فقد جاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – "كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في سفر فقل الماء ، فقال : " اطلبوا فضلة من ماء " فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ، وقال: "حي على الطهر المبارك والبركة من الله " فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ، ومن معجزاته تكثير الطعام ورد البصر إلى الأعمى وغيرها، وإنما تكفي الآية الواحدة لمن أنصف !.
وثبوت هذه المعجزات تاريخيا أقوى من ثبوت المعجزات لأي نبي آخر ، فإن أردت إنكارها فلماذا لا تنكر معجزات موسى والمسيح - عليهما السلام- ؟!
---(1/389)
وقد يقول أحدهم :إن محمدا كان يصنع المعجزات بقوة الشيطان وهذا ليس شيئاً جديداً يتهم به الأنبياء ، فقد قال الفريسيون هذا عن المسيح -عليه السلام- كما جاء في إنجيل متى (24:12) [ أما الفريسيون فلما سمعوا قالوا هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين ]إلا أن المسيح أجابهم وقال [ كل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته ].
ونحن نقول: إن كان الشيطان أمر محمدا – صلى الله عليه وآله وسلم – في القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته ؟! وإن كان الشيطان أمر محمدا – صلى الله عليه وآله وسلم – بأن يمجد الله حتى ينبع الماء من أصابعه عندما قال :" البركة من الله "، فقد انقسم على ذاته ؛ لأنه مجد الله فكيف تثبت مملكته ؟!.
ثم تابع المسيح جوابه لهؤلاء قائلا:[ وإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشياطين فأبناؤكم بمن يخرجون ] متى (25:12-27) وكأنه يقول لهم : لماذا تقولون هذا عني ولا تقولونه عن الآخرين ؟ ونحن نقول : إن كان محمد –صلى الله عليه وآله وسلم –يصنع المعجزات بقوة الشيطان فالأنبياء الذين تؤمنون بهم بماذا صنعوها ؟
وقد أجاب الشاب الأعمى الذي شفاه المسيح الفريسيين عن هذا فقال: [ نعلم أن الله لا يسمع للخطاة ولكن إن كان أحد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع منذ دهور لم نسمع أحدا فتح عيني أعمى لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئا ] يوحنا (31:9-33).
البرهان الثاني: هل طلب مجده ؟
---(1/390)
لقد كان محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – طوال بعثته يدعو الناس إلى عبادة الله دون أن يلتفت إلى ما يعانيه من تعب بسبب ذلك ؛ فإن همه إرضاء الله لا شيء آخر ، وهذا أكبر دليل على أنه صادق لأنه إن لم يكن يطلب مجد نفسه فلا حاجة له إلى الكذب ولهذا قال المسيح لليهود في إنجيل يوحنا (17:7-18) [ إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا في نفسي من يتكلم في نفسه يطلب مجد نفسه وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق ولا ظلم فيه ].
لقد جاء كفار قريش إلى محمد -صلى الله عليه وآله وسلم - ، وعرضوا عليه أن يعطوه من مالهم حتى يصبح أكثرهم مالا ، ويزوجوه بأجمل نسائهم ، ويجعلوه ملكا عليهم ، بشرط أن يترك الدعوة إلى الله ، لكنه رفض كل هذا ، وتمسك بالدعوة إلى توحيد الله ، وقد قالت عائشة –رضي الله عنها – تصف حال نبي الله محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – :" وما انتقم رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم " فهل يمكن أن يكون كاذبا في ادعائه النبوة من هذا حاله ؟ إن المسيح يقول: لا
البرهان الثالث: ثمرة تعاليم محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - :
لقد قال المسيح في إنجيل متى (15:7-17) [ احترزوا من الأنبياء الكذبة يأتونكم بثياب الحملان الوديعة ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة من ثمارهم تعرفونهم هل تجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارا جيدة وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارا ردية ] فمن أراد أن يعرف النبي الصادق من الكاذب فلينظر إلى تعاليمه . فما هي ثمار محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ؟.
---(1/391)
لقد أجاب عن هذا السؤال جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – عندما سأله النجاشي ملك الحبشة "ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ فقال جعفر : أيها الملك ، إنا كنا قوما أهل جاهلية ؛ نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ، ونعبده ، ونخلغ ، ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمر بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم ، والدماء ، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة ، – فعدد عليه أمور الإسلام – فصدقناه وآمنا به واتبعناه " فهذه هي ثمار محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ولو كان كاذبا لما خرجت منه مثل هذه الثمار إذ كيف يأمر الناس بصدق الحديث ثم يكذب هو على الله ؟! ولهذا قال المسيح [ لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارا ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارا جيدة كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار فإذن من ثمارهم تعرفونهم ] متى (18:7-20) لقد كان من ثمار المسيح أن قال: [ فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم لأن هذا هو الناموس والأنبياء ] متى (12:7).
أي إن هذه الثمرة يأمر بها الناموس والأنبياء ، ولهذا فلا عجب أن يقول محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – :" من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه المنية وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه "؛ لأنه كان نبيا.
---(1/392)
لقد كان السؤال عن الثمرة أحد الأسئلة التي وجهها هرقل – عظيم الروم – إلى أبي سفيان وكان مشركا ليتأكد من صدق نبوة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – فقال: ماذا يأمركم ؟ فقال أبو سفيان: " يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة".
وكان هذا الجواب من الأسباب التي أدت إلى إيمان هرقل بنبوة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – إلا أنه خاف من ضياع ملكه وقيام الناس عليه إن ترك دينه ، فلم يتبع ما جاء به محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وهذا بعينه ما حصل مع المسيح ، فقد آمن به الكثير من الرؤساء لكنهم خافوا من الفريسيين أن ينزعوا منهم مجدهم ،كما جاء في إنجيل يوحنا (32:12-43) [ ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضا غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترضوا به لئلا يصيروا خارج المجمع لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله ]
البرهان الرابع: إنه نبي صادق
إن الذين لا يؤمنون بنبوة محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – يواجههم سؤال مهم وهو: إن لم يكن محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – نبيا فماذا يكون ؟ لقد أوضح الله تعالى في القرآن الكريم أن محمدا – صلى الله عليه وآله وسلم - رسول من الله إلى الناس جميعا ، حيث قال: [ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ] سورة الأعراف (158) وقال :[تبارك الذين نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ] سورة الفرقان (1) وقال محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - :"وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة "، فالذين لا يؤمنون بأنه نبي ليس أمامهم إلا أن يقولوا: إنه كذاب تعمد الكذب ، بل كان منافقا دجالا مخادعا ، ونحن نقول لهؤلاء :
---(1/393)
لقد أهين محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وعذب من قبل قومه عندما دعاهم إلى الإسلام ، لكنه بقي مصرا على كذبه – في نظركم – ، ثم إنه رأى أتباعه يعذبون ويموتون تحت التعذيب ، لكنه بقي مصرا على كذبه – في نظركم – ، ورمي بالحجارة حتى سال الدم من قدميه ، لكنه بقي مصرا على كذبه – في نظركم – ، وجاء كفار قريش إليه وهو يعاني ما يعانيه من الاضطهاد فعرضوا عليه المال والملك والنساء ، لكنه رفض هذا وبقي مصرا على كذبه – ، في نظركم – وحاصره المشركون هو وقومه فمنعوا عنهم الماء والطعام ، فأصابتهم مجاعة مات بسببها بعض أصحابه ، لكنه بقي مصرا على كذبه – في نظركم – ، وماتت زوجته أمامه وهو محاصر لكنه بقى مصرا على كذبه – في نظركم – ، وعندما اشتد الظلم والاضطهاد والتعذيب لم يرجع عن كذبه ، بل وعد الذين آمنوا به بالنصر وأخبرهم عن انتشار الإسلام (1) وهو يعلم أنه كاذب ، ولم تكن مدة هذه المحن يوماً أو يومين أو أسبوعاً أو أسبوعين أو شهرا أو شهرين أو سنة أو سنتين بل استمرت ثلاثة عشر سنة ، وهو مصر على كذبه طوال هذه المدة كما تقولون دون أن يضعف أو يتراجع ، فأي كذب هذا الذي تتحدثون عنه ؟!
إن المحنة الواحدة من هذه المحن تكفي لكي يرجع المرء عن كذبه ، فكيف إذا اجتمعت، بل قد يرجع كثير من الناس عن قول الحق خوفا من الاضطهاد ، فحري بالكاذب أن يرجع عن كذبه ، وبالأخص إن لم يكن له مصلحة في الكذب ، فمن لا يرجع عن كلامه – وحاله كهذه الحال إما أن يكون صادقا أو أن يكون مجنونا، أما أن يكون كاذبا فلا ، ولا أظن أحدا من العقلاء يمكن أن يتهم مؤسس أكبر حضارة في التاريخ بالجنون -وهو يعني ما يقوله- ، فلم يبق إلا أن نقول إن محمدا – صلى الله عليه وآله وسلم – نبي صادق.
---(1/394)
قد يحاول بعض الناس أن يقول إن محمدا مصلح اجتماعي ، لكن محمدا – صلى الله عليه وآله وسلم – لم يقل هذا ، لقد قال: إنه رسول الله للناس كافة فإما أن نقول إنه صادق أولا أما إن قلت إنه مصلح اجتماعي من غير أن يكون نبيا ، فهذا يعني أنك تتهمه بالكذب ، فلا داعي لأن تقول إنه مصلح اجتماعي.
والآن، وبعد هذه البراهين فإن بإمكانك أن تقبل نبوة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وبإمكانك أن ترفضها ، وقد يحول دون قبولها تلك الصورة البشعة التي أعطاها الإعلام الغربي أو غيره عن محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ، فقد أثيرت حوله العديد من الافتراءات والشبهات للانتقاص من شأنه وإظهاره بصورة مشوهة ، ولن يتسع المجال هنا لرد هذه الافتراءات ، ولا لذكرها فليس هذا هو موضوع الكتاب لكننا نذكر ردا مجملا على ذلك فنقول:
لو سلمنا بصحة كل تلك الافتراءات ، فإنها لن تكون مانعا دون قبول نبوته ، فإن حاله لن تصل ولا بأي صورة من الصور إلى حال الأنبياء كما يصورها الكتاب المقدس فسليمان – عليه السلام – على سبيل المثال يتزوج سبعمائة من النساء ويملك ثلاثمائة من السراري ، ويُلنَّ قلبه نحو آلهة أخرى فيعبدها ، ويبني لها المعابد ، انظر سفر الملوك الأول (1:11-12) ، وداود – عليه السلام – يزني بزوجة جاره ، ويقتل زوجها بحيلة بشعة ، انظر سفر صموئيل الثاني (11) ، وموسى يأمر بقتل النساء والأطفال بعد سبيهم من المعركة ، كما جاء سفر العدد (17:31) ولوط يشرب الخمر حتى يسكر ويزني بابنتيه ، كما جاء في سفر التكوين (32:19-36) ومع كل هذه الفضائح فإنها لم تكن مانعا للمسيحيين من قبول نبوتهم جميعا.
---(1/395)
ونحن – المسلمين – نرفض وبشدة كل تلك الافتراءات التي قيلت عن نبينا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ونبرئه منها كما نبرئ غيره من الأنبياء عن كل الفظائع التي نسبت إليهم ، ونعتقد أنها من التحريف الذي حاول أعداء الأنبياء إدخاله على ديانة الله ليشوهوا صورة أنبيائه ، وبالتالي يطعنوا في صدق نبوتهم ، فإن الله لا يختار حثالة البشر ليمثلوه أمام الناس ، تعالى الله عن ذلك.
قد لا تكون الأدلة التي ذكرناها خفية أو صعبة ولكن الله يعمي عنها قلوب الذين لا يريدون إلا التمسك بما عرفوه وتربوا عليه ،كما جاء في إنجيل يوحنا (39:12-40): [ لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا لأن إشعياء قال أيضا : قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم ] وقال تعالى في سورة الكهف (57) :[ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنه أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً ].
وقبل أن أنهي حديثي ، فإني أقدم اعتذاري إن كنت قد أخطأت في حق أحد فيما كتبت ، فليس من مقصودي الإساءة ، وإنما رجائي وأملي أن يعبد الله على الوجه الذي يريد ، وبقى لك أن تسأل نفسك ما الذي تعنيه كل هذه الأدلة والبراهين لي؟ وهل ستغير حياتي؟ أرجو ذلك.
[ فلنستمع ختام الأمر كله ، اتق الله واحفظ وصاياه ، لأن هذا هو كل واجب الإنسان ، لأن الله سيدين كل عمل مهما كان خفياً ، سواء كان خيراً أم شراً ] نهاية سفر الجامعة .
[ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ] سورة البقرة (281) (1).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وكتبه العبد الفقير إلى الله
أبو عبد الله فادي مأمون كباتيلو
غفر الله له ولوالديه
--------------------------------------------------------------------------------
---(1/396)
(1) انظر في هذا كتاب " الملاك المسيح" لبنصون ، نقل عنه الأستاذ محمد طاهر التنير في كتابه " العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ".
(2) نقلا عن كتاب " محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن " للقس المهتدي للإسلام إبراهيم خليل أحمد .
(1) نقل عن السير آرثر هذا الكلام الأستاذ إبراهيم خليل أحمد في كتابه المذكور آنفا.
(1) تفسير سفر (صموائيل الثاني) أ. م. رينيك ضمن كتاب " تفسير الكتاب المقدس ".
(2) تفسير " السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم "، لوليم مارش .
(3) تفسير سفر (حزقيال) ج.ر. بيسلي ضمن كتاب " تفسير الكتاب المقدس ".
(2) المرجع السابق .
(2) تفسير سفر (يونان) د.و.ب. روبنسن ضمن كتاب " تفسير المتاب المقدس ".
(1) المرجع السابق .
(3) تفسير سفر (إشعياء) و. فتش ضمن " تفسير الكتاب المقدس "
(1) نقلا عن كتاب " الميزان في مقارنة الأديان " للمستشار محمد عزت الطهطاوي .
(1) يبدو أن هناك خلافا ظاهرا بين الأناجيل حول إخبار المقبوض عليه عن هويته عندما سأله رؤساء الكهنة عما إن كان هو المسيح ، فبينما رد عليهم المتهم بقوله [ أنت قلت ] كما في إنجيل متى (64:26) وهو ما يعني أن هذا هو قولك أنت لا قولي ، وهذا ما يشبه في المعنى ما جاء في إنجيل لوقا ، نجد أن المتهم يجيب بقوله في إنجيل مرقس (62:14) [ أنا هو ] وهو ما يمكن أن يفهم منه أن المتهم صرح بأنه المسيح.
---(1/397)
والظاهر أن سبب هذا الخلاف يرجع إلى عدم وجود علامات الترقيم في النسخ المخطوطة من الإنجيل ، وهو ما أدى إلى هذا التعارض فنحن إن حملنا قول المقبوض عليه " أنا هو " على أنه سؤال استنكاري ، زال هذا التعارض واتفقت الأناجيل ، وهذا لا يمكن معرفته إلا إذا وضعت علامة السؤال الاستنكاري بعد العبارة هكذا " أنا هو ؟ " وهو ما نرجحه حتى لا نقع في تناقض مع محتوى الأناجيل الأخرى بخلاف ما إذا كانت علامة الترقيم هي النقطة هكذا " أنا هو ." بحيث تصبح الجملة تقريرية وهذا ما لا دليل عليه أعني أن تكون علامة الترقيم هي النقطة .
(1) لاحظ أن المسيح تنبأ بأن المسحاء الكذبة سيقولون هذه العبارة لتلاميذه المؤمنين به ، أما اليهود والرومان فإن المسيح لم يتنبأ بأن المسحاء الكذبة سيقولون لهم :" إني أنا هو " ، لهذا نجد المسيح قد قال هذه العبارة لليهود والرومان كما جاء في إنجيل يوحنا (8:18).
(1) نقلا عن كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن " لإبراهيم خليل .
(2) نقلا عن كتاب " الغفران بين المسيحية والإسلام " لإبراهيم خليل .
(1) أنظر النقطة الثامنة ، والعاشرة من الفصل السابق .
(1) نقلا عن كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن " لإبراهيم خليل .
(1) نقلا عن كتاب " النصرانية من التوحيد إلى التثليث "، للدكتور محمد أحمد الحاج .
---(1/398)
(1) المقصود من أن المسيح كلمة الله هو أنه كان بالكلمة أي إن الله قال له: كن فكان عيسى في رحم مريم كما خلق آدم ، قال تعالى: [ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون] ومعنى أنه روح منه أي روح من عند الله ، وقد ذكر الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – ذلك للرد على اليهود الذين اتهموا مريم بالزنا فرد الله عليهم بأنه قادر على أن يخلق المسيح من غير اتصال جنسي كما خلق آدم بقوله: كن ، ونفخ في مريم بروح من عنده ، فوهب الحياة للمسيح كما نفخ في آدم ، فليس هناك ما يبرر اتهامها بالزنا ، وبالأخص بعد الذي عرف عنها من طهارة وعفة وانقطاع للعبادة وحسن خلق وزهد ، ثم لا يكتفي اليهود بهذه التهمة بل يضيفون إليها تهمة أخرى وهي أنها كذبت على الله عندما قالت بأن الله هو الذي خلق المسيح فيها من غير أن تتصل برجل ، فهل يمكن لمن كانت حالها كحالها – رضي الله عنها – أن تكذب على الله ثم تصر على كذبها هذا، حاشاها ولكن الذين لا يريدون الهداية لا يبصرون هذا البرهان .
(1) نقلا عن كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن " لإبراهيم خليل أحمد .
(1) نقلا عن كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن " لإبراهيم خليل أحمد .
---(1/399)
(1) لقد قال المسيح هذا الكلام في معرض حديثه عن روح الحق الذي سيأتي ليوبخ الناس على البر وعلى الدينونة ، وسيخبر الناس عن الأمور التي لم يخبرهم بها المسيح وبينما يقول المسيحيون إن روح الحق هذا هو الروح القدس يعتقد المسلمون أن محمد صلى الله عليه وسلم هو روح الحق الذي حدث عنه المسيح لأن الروح القدس لم يوبخ الناس على شيء ، ولم يحدثهم بالأمور الكثيرة التي أخبر المسيح أنه سيحدثهم عنها ، وإنما حدثهم عن أشياء قليلة جداً ، وعلى أي حال فليس هدفنا هنا بيان أدلة الفريقين ، وعلنا نرجئ هذا إلى كتاب آخر ، والمقصود هنا بيان أن المسيح عليه السلام ترك الحديث عن الكثير من الأشياء ، وبالتالي لم تكتمل رسالة الله إلى البشر على يده.
(1) تكرر إخباره - صلى الله عليه وآله وسلم -عن انتشار الإسلام في أكثر من موضع ، منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يحفر الخندق عندما هاجم الأحزاب المدينة :" الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام "، ثم قال: " الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس "، ثم قال: " الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن"، وقد دخل الإسلام هذه البلاد كلها كما أخبر عليه الصلاة والسلام - . وفي هذا دليل على صدق نبوته كما جاء في سفر التثنية (21:18-22) [ فإن قلت في قلبك كيف تعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف ] والكلام الذي تكلم به محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - كان مبدوءاً باسم الله ، وقد حدث إذن فلا بد أن يكون هذا الكلام مما تكلم به الرب.
(1) جمهور علماء المسلمين على أن هذه الآية هي آخر آية أنزلها الله في القرآن .
---
الإسلام يتحدى...إثبات النبوة من السيرة النبوية المطهرة
السلام على من إتبع الهدى(1/400)
الأخوة الكرام...الزملاء الباحثين عن الحق...اضع بين يديكم فصلين من كتاب صنف من أجمل كتب القرن المنصرم..انه (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان
هذين الفصلين الأول يثبت النبوة من سيرة خير الخلق والثاني يثبت نبوة الرسول من المعجزة الخالدة القرآن كلام الله..
والكتاب هنا كامل لمن أراد الإستزاده
نقلا عن أستاذ أبو مريم فى منتدى التوحيد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2056
نرجو قبل أن يقرأ الزميل النصراني أن يخلص نيته بالبحث بصدق عن الحق
ويستعيذ بالخالق من الشيطان ويبدأ القرآءة
بسم الله نبدأ
الباب السادس
إثبات الرسالة
من العقائد الهامة في الدين ، بعد الإيمان بالله ، عقيدة الإيمان بالرسالة ، أو الوحي والإلهام. ومعناها: أن تعالي ينزل كلامه علي إنسان يختاره من بين الناس ، ليخبر الناس بما يرضي الله تعالي. .
وحين عجزنا عن رؤية أي خط اتصال ساخن ، بين الله سبحانه وبين الرسول ، أنكرناه. ولكنا اليوم نستطيع أن نفهم هذه المسألة بسهولة تامة بفضل الحقائق المعلومة.
إن هناك وقائع كثيرة جدا تجري من حولنا في كل لحظة ، ونحن نعجز عن إدراكها ، أو سماعها ، أو الإحساس بها بوساطة أجهزتنا العصبية ، وقد استطاع العلم الحديث أن ييسر لنا إدراكها بفضل الأجهزة العلمية التي اخترعناها. وهذه الأجهزة تستطيع أن تدل علي صوت ذباب طائر علي بعد بضعة أميال ، وكأنه يطير عند أذنك!
ومن الأجهزة العلمية ما وصل التقدم فيه إلي حد أنها تسجل صدام الأشعة الكونية في الفضاء! !
لقد اخترعناه آلات كثيرة أثبتت أنها تسطيع إدراك كثير جدا من الأحداث التي لا يمكننا سماعها بالطرق السمعية التقليدية.
---(1/401)
وهذه الطاقة غير العادية للسماع لا تخص الآلات العلمية الحديثة ، وإنما وهبها الله لبعض الحيوانات أيضا. ومما لا شك فيه أن جهاز سماع الإنسان محدود جدا ، ولكن أجهزة بعض الحيوانات تختلف كل الاختلاف ؛ فالكلب ، مثلا ، يستطيع أن يشم ريح الحيوان الذي مر من الطريق ، ومن ثم استغلت الكلاب في البحث عن الجرائم والمجرمين. . فالقفل المكسور ، وفجأة نراه يمسك باللص من بين الألوف.
وهناك حيوانات كثيرة تسمع أصواتا تخرج عن نطاق أسماعنا ، ولقد أثبتت البحوث في هذا الميدان أن بعض الحيوانات يتمتع بقوة (الإشراق) Telepathy. فلو أنك وضعت حشرة مما يطلق عليه (Moth) ، أو (العثة) ، وهي حشرة مجنحة-علي نافذة مفتوحة ، فستحدث صوتا يسمعه زوجها علي مسافة بعيدة جدا ، ولسوف يجيبها هذا الزوج أيضا بطريقته.
وهناك نوع خاص من هذه الحشرات يدعي (الجندب) ، يحك رجليه وجناحيه ويصوت بطريق غير عادية ، ويسمع علي مبعدة نصف ميل وهو يحرك في هذه العملية ستمائة طن من الهواء ، ليدعو زوجه وهذه الزوج ترسل أيضا وهي ساكنة بلا حراك جوابا لا نعرفه ، إنما يعرفه الجندب الذكر ثم يلحق بها أينما كانت.
وقد أثبتت البحوث أيضا أن (أبو النطيط) العادي Grasshoper لديه قدرة خارقة علي السماع حتى إنه يستطيع أن يسمع ويحس الحركة التي تحدث في نصف قطر من ذرة الهيدروجين!
وهناك أمثلة أخري كثيرة ، تؤكد إمكان وجود وسائل غير مرئية لدي ذوي الحواس الخاصة.
وإذا كان الأمر كذلك فما وجه الغرابة في ادعاء إنسان أنه يسمع صوتا من لدن ربه ، لا يدركه عامة الناس(؟) ما دام من الممكن أن توجد في هذا العالم حركات وأصوات لا تسمعها آذان الإنسان ، ولكن تسجلها الآلات؟ وما دامت هناك رسائل تدركها حيوانات دون أخري؟
ما هو التعجب والاستبعاد؟
---(1/402)
إن الله تعالي- لحكمة يعلمها- يرسل رسائله بوسائل خافتة خفية إلي الإنسان المختار للرسالة بعد أن يودع فيه صلاحية التقاطها وفهمها. فليس هناك من تصادم في الحقيقة ، بين مشاهداتنا وتجاربنا العلمية ، فهو واقع من الوقائع الكثيرة التي نشاهدها ونجربها في أمكنة وطرق مختلفة فالوحي إمكان وجدناه في شكل الواقع بعد التجربة.
* * *
وقد تبين أن تجارب الإشراق أو الانكشاف ومعرفة الغيب لا تخص الحيوانات ، وإنما توجد في الإنسان (بالقوة) ، يقول الدكتور إليكسيس كيريل (108) : (إن حدود الفرد في إطار الزمان والمكان هي مجرد افتراض(109). فيستطيع عامل الإشراق أن يجعلك تنام ، وتضحك أو تبكي ، كما يستطيع أن ينقل إليك كلمات أو خواطر ، ليست علي علم بها. إنها عملية لا تستعمل فيها أية وسائل ولا يشعر بها غير عامل الإشراق وصاحبه.
كيف يستحيل وقوع هذه العملية نفسها بين العبد وربه؟ إننا بعد الإيمان بالله ، والإطلاع علي هذه التجارب الكثيرة بما ذلك الإشراق ، لا نجد أساسا لإنكار الوحي والإلهام.
* * *
وقد حدث سنة 1950 أن المسئولين في (بافاريا) رفعوا قضية ضد أحد النمسويين ، واسمه (فرنتر ستروبيل) ، بتهمة التدخل في برامج الإذاعة عن طريق الإشراق.
وكان فرنتر ستروبيل يستعرض أعماله في فندق ريجينا ، بميونيخ ، عندما ناول أوراق لعب الكوتشينة إلي أحد المتفرجين ، وطلب إليه اختيار ورقة ما ، وادعي أنه سوف ينقل اسم تلك الورقة واسم الفندق مع ترتيبهما ، كما هما في ذهن المتفرج ، إلي المذيع الذي كان يقرأ الأخبار من إذاعة ميونيخ المحلية ، ذلك دون أن يعرف المذيع نفسه شيئا من هذا ! !
بعد ثوان سمع الناس صوت مذيع مرتعش ، هو يقول : (فندق ريجينا- بنت البستوني) وكان الترتيب واسم الورقة صحيحين ، كما أراد المتفرج.
---(1/403)
وكان الارتعاش والرهبة واضحين في صوت المذيع ولكنه واصل قراءة الأخبار. استغرب الكثيرون من المستمعين من سكان ميونيخ ، واتصل مئات منهم تليفونيا بالإذاعة يستفسرون عن السر الغامض. . فكان من الصعب عليهم إدراك علاقة الأخبار (بفندق ريجينا- بنت البستوني) : وحضر طبيب الإذاعة للكشف علي المذيع فوجده في حالة اضطراب خطيرة ، وأدلي المذيع ببيانه قائلا: (إنني شعرت بصداع شديد في رأسي ، ولا أعرف ماذا حدث بعد ذلك!)
* * *
وقد عرض العلماء نظريات عديدة لشرح هذه الصور من عملية الإشراق ، ومنها أن أمواجا تصدر من المخ وتنتشر في العالم أجمع بسرعة فائقة ، ولذلك سموها بنظرية الموجة المخيةBrain Wave Theory(110).
ونحن نقول: إنه لما كان الإنسان يستطيع تحويل الأفكار بأكملها إلي إنسان آخر، علي بعد غير عادي ، وبدون استعمال أي واسطة مادية ظاهرية ، فلماذا تستحيل نفس العملية بين الإله وعباده؟ إن هذا المظهر من كفاءة قوي الإنسان-وأمثلته كثيرة لا تحصي- ليس إلا قرينة تجريبية تجعلنا نفهم علاقة الألفاظ والمعاني التي تربط العبد بالإله عندما يرسل رسالاته.
إن الإشراق أمر معروف لدي الناس وهو يدلنا علي فهم ذلك النظام الإشراق العظيم بين الإله والعباد ، والذي يكون في أكمل صوره حين يبلغ درجة (الوحي) وهذا الوحي لا يعدو أن يكون (إشراقا كونيا) ، من نوع الإشراقات التي عهدناها في حياتنا علي مستويات محدودة.
* * *
أولا – ضرورة الرسالة:
وينبغي-بعد وضوح إمكان الوحي والإلهام- أن نبحث عما إذا كان (ضروريا) أن يخاطب الله إنسانا ليبلغ كلامه إلي الناس؟
---(1/404)
إن أكبر دليل علي هذه الضرورة هو أن الأمر الذي يخبر عنه الرسول من أهم الأمور التي تتعلق بحياة الإنسان ومصيره ، والإنسان لا يستطيع أن يصل إلي تلك الحقائق بجهوده الشخصية ، إنه يبحث منذ آلاف السنين عن حقيقة الكون كي يفهم أسرار بدء الحياة ونهايتها ، وحقائق الشر والخير وكيفية صوغ الإنسان من أجل الإنسانية ، وتنظيم أجهزة الحياة حتى تستطيع الإنسانية أن تسير قدما في طريق الخير والرفاهية. . ولم تكلل هذه الجهود بالنجاح إلي يوم الناس هذا. فقد كشفنا عن أسرار الحديد والبترول ، وتعرفنا علي حقائق الطبيعة بعد جهد قصير ، ولكننا عاجزون عن كشف (علم الإنسان) رغم أن جهود أعظم عقولنا العبقرية تواصل البحث عن هذا العلم ولم تستطع حتى الآن تحديد مبادئه وأسسه. إن هذا هو أكبر دليل علي أن الإنسان يحتاج إلي هدي الله من أجل أن يعرف نفسه!
* * *
ومن المسلم عند الإنسان الجديد أنه لم يفلح بعد في كشف لغز الحياة ، ولكنه علي كل حال يأمل في أن يساعده القدر يوما لرفع القناع عن هذا السر المعقد ، ولا ريب أن عجز مجتمع العلم الصناعة عن إشباع الحاجات النفسية للإنسان يؤكد الفكرة التي تقول: (إننا أعطينا أهمية غير عادية للعلوم المادية ، علي حين تركنا العلوم الإنسانية في مراحلها البدائية) ، أما الذين دفع بهم طموحهم الجارف إلي العمل في هذا المجال ، مجال (العلوم الإنسانية) فهم كذلك لم يستطيعوا كشف شيء ما ، بل لجوا في ضلال يعمهون ، يقول الدكتور إلكسيس كيريل (الحائز علي جائزة نوبل للعلوم):
(إن مبادئ الثورة الفرنسية ، وأفكار ماركس ، ولينين ، لا تنطبق إلا علي الإنسان العقلي المثالي. ومن الواجب أن نشعر بصراحة تامة بأن قوانين العلاقات الإنسانية لم تكشف بعد.
أما الاجتماع والاقتصاد وما أشبههما ، فهي علوم افتراضية محضة ، بدون أدلة يمكن إثباتها بها(111)).
---(1/405)
ولا شك أن علومنا الجديدة قد فتحت مجالات أمام الإنسان ، ولكنها في نفس الوقت جعلت المسألة أكثر تعقيدا ، ولم تساعد في حل الأزمة في أية مرحلة.
ويقول الأستاذ ج. و. ن. سوليفان:
(إن الكون الذي كشفه العلم الحديث هو أكثر غموضا وإبهاما من التاريخ الفكري بأكمله ، ولا شك في أن علمنا عن الطبيعة أكثر غزارة من أي عصر مضي ، ولكن هذه المعلومات كلها غير مقنعة ، فنحن نواجه اليوم الإبهام والمتناقضات في كل ناحية(112)).
هذه الكارثة المؤسفة التي نقف أمامها ، بعد بحث طويل في العلوم المادية عن سر الحياة ، تدلنا علي أن إدراك سر الحياة لن يتاح للإنسان(113).
إن أحوالنا تحتم علينا معرفة سر الحياة ، إذ أننا لا نستطيع مواصلة الحياة في أكمل صورها دون معرفته ؛ ولذلك كان خير ما نتمنى بقلوبنا أن ندركه ، ولا يرضي أسمي جزء من شخصيتنا ، وهو العقل ، أن يطمئن بدونه. فحياتنا مبعثرة لفقداننا هذه الحقيقة.
سر الحياة هو ضرورتنا الكبرى ، هذا من ناحية ، ولكننا ، من ناحية أخري ، لا نستطيع أن نظفر به جهودنا وحدها. .
هذه الحالة وحدها تكفي لنتبين حاجتنا الشديدة إلي (الوحي) ، فأهمية سر الحياة ، ثم خروج هذا السر عن دائرة قوي الإنسان ، يدل علي أنه لابد أن تأتي المعرفة من الخارج أيضا ، كالضوء والحرارة اللذين توقف عليهما حياة الإنسان ، ولكنهما هيئا من الخارج(114).
* * *
إن مهمتنا بعد التسليم بإمكان الوحي وضرورته ، هي أن نبحث عن الإنسان الذي يدعي أنه نبي. . هل هو صاحب الوحي في الحقيقة؟. . لقد نصت العقيدة الدينية علي مجيء عدد كبير من الأنبياء ، ولكننا سوف نبحث في هذا الباب عن نبوة رسول الإسلام: سيدنا محمد بن عبد الله (صلي الله عليه وسلم) ؛ فإن سائر الأنبياء من قبله تثبت تلقائيا لو ثبتت نبوته ، لكونه آخر الأنبياء ، ولأنه يصدقهم ولا ينكرهم ، ولأن نجاة البشرية أو هلاكها في معركة الحياة رهن بإيمانها بهذا النبي ، أو تكذيبها إياه.
---(1/406)
* * *
لقد ولد الطفل بمكة صبيحة يوم29 أغسطس من عام 570م وعندما بلغ الأربعين من عمره ، أعلن أن الله تعالي أرسله خاتما للنبيين وكلفه بإبلاغ رسالته إلي جميع فئات الجنس البشري ، وأن من اتبعه نجا في الحياة الآخرة ، ومن كذبه فهو في خسران مبين.
إن أصداء هذا الصوت تمر فوق رؤوسنا اليوم بأشد قوتها ، وهو ليس بصوت عادي تتجاهله الآذان. . فهو أكبر نداء في تاريخنا يدعونا إلي تفكير دقيق ، وعلينا أن ندرسه بدقة فإما قبلناه وهو صادق وإما رفضناه لو وجدناه كاذبا. . . وهيهات.
* * *
ثانيا- مقياس الرسالة:
كل فكر يمر بثلاث مرحل ، حتى يصبح حقيقة علمية:
المرحلة الأولي : الفرض Hypothesis
المرحلة الثانية :الملاحظة Observation
المرحلة الثالثة : التحقق Verification
والمرحلة الأولي من الحقائق هي أن نفترضها ، ثم نشاهدها وندرسها ، لنتبين صدقها أو كذبها ، فإن وجدناها صحيحة في ضوء الدراسة ، قبلناها ؛ لتصبح حقيقة علمية ، وقد ينقلب هذا الوضع فإننا في بعض الأحيان نشاهد أشياء نتوصل بها إلي نظرية ثم نبدأ البحث في ضوئها.
وبناء علي هذا الأساس فإن دعوى النبوة (فرض). وعلينا أن نفتش عما إذا كانت (الملاحظات) تؤيد هذا الفرض؟ فإذا أيدته المشاهدات أصبح (حقيقة) مصدقة ،يلزمنا قبولها. .
ولكن ما الملاحظات التي نحتاج إليها لاختبار هذا الفرض؟
وما المظاهر الخارجية التي تؤيد كون محمد (صلي الله عليه وسلم) نبيا حقا؟
وما الخصائص والميزات التي اجتمعت في الرسول ، ولا نجد لها تفسير إلا إذا قلنا: إنه كان نبيا!
في رأيي أنه لابد من مقياسين لاختيار الأنبياء:
---(1/407)
أولا: أن يكون رجلا مثاليا بصورة غير عادية ، فإن الذي يصطفي ليكون كليم الله ، وليكشف للإنسان برنامج الحياة وسرها ، لابد أن يكون أسمي شخصية في النوع الإنساني ، كما لابد أن يكون حاملا مثل الحياة العليا. فإذا كانت حياته الذاتية متصفة بهذه الصفات فهي أكبر دليل علي ما يقول ؛ إذ لو كانت دعواه باطلة لما كان ممكنا أن تتجلي هذه الحقيقة الكبرى في حياته الذاتية ، حتى تسمو به فوق سائر الإنسانية ، خلقا وشمائل.
ثانيا: أن يكون كلامه ورسالته مملوئين بجوانب يستحيل حصولها لإنسان العادي ، ولا تؤمل إلا ممن ظفر بمعرفة رب الكون ، بحيث لا يمكن للعامة محاكاة ما جاء به النبي من وحي الله.
إننا سوف نبحث عن الرسول في ضوء هذين المقياسين.
* * *
لقد شهد التاريخ بكل قطعية أن محمدا صلي الله عليه وسلم كان يتمتع بسيرة غير عادية ، ومن الممكن للمتعصبين إنكار أية حقيقة مهما كانت واضحة ، كما أن من الممكن للمنكرين ادعاء أي شيء في سبيل الاستغلال ، إذا كانوا غير راضين بالنتيجة مهما كانت صادقة وبدهية! وحسبنا أن نذكر علي ذلك موقفا من حياتنا الحديثة! فقد شاهدنا منذ سنين قليلة مثالا ساخرا لهذا المبدأ ، عندما هاجمت الصين الشعبية حدود الهند الدولية ، وأخذت الصين إزاء احتجاج الهند تتهم الهند نفسها بالعدوان! !
وفي الخطاب الذي أرسله رئيس وزراء الصين إلي الهند والذي أذيع نصه بدلهي في يناير عام 1960 ، ادعت الصين أن لها حقا في أراض هندية تبلغ مساحتها 220.000 كم مربعا! ! ويقول رئيس وزراء الصين: إن القوات الصينية لم تتقدم إلا لتدفع بالقوات الهندية المحتلة إلي الوراء! !
أليس هذا منطق التعصب والاستغلال! !
أما الذي لا يشكو من داء التعصب ، ويهيئ عقله لمطالعة الحقائق بقلب مفتوح واع ، فإنه سيسلم بعد دراسته بأن حياة محمد صلي الله عليه وسلم كانت أرقي وأحلي حياة شهدها البشر.
* * *
---(1/408)
لقد أخبر محمد بن عبد الله بالنبوة وهو في الأربعين من عمره ، وكان قد اشتهر قبل هذا بدور أخلاقي ممتاز حتى لقبه الناس(بالصادق الأمين) ، وكانت قريش قد أجمعت علي أنه يستحيل أن يكذب أو يخون الأمانة.
ومن الأحداث التي جرت قبل إعلانه النبوة بخمس سنين أن أهل مكة أرادوا بناء الكعبة من جديد وكانت قريش هي صاحبة الأمر فاختلفت فيمن سيضع الحجر الأسود في مكانه ، واستمر الخلاف أربعة أيام أو خمسة ، وأوشكت السيوف أن تبرز وكاد القوم أن يتناحروا ، ثم اتفقوا علي أن يكون الفيصل في هذه القضية أول من يدخل البيت الحرام صباح غد ، وفي اليوم التالي شاهدوا أن الإنسان الأول الذي دخل البيت كان محمدا فنادوه قائلين : (هذا الأمين ، رضينا(115) ).
إنا لا نعرف شخصية في التاريخ الإنساني تمتعت بهذا الإجلال والتكريم والتقدير وبهذه السيرة غير العادية ، ثم أصبحت موضع نزاع بعد مضي أربعين سنة من عمرها.
* * *
وعندما نزل عليه الوحي لأول مرة وهو في غار حراء ، اعتبره حادثا غريبا لم يعهده من قبل ، فرجع إلي بيته يرجف فؤادة ، وقص كل ما حدث علي زوجه : خديجة التي كانت أكبر منه سنا ، فقالت: (يا أبا القاسم والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين علي نوائب الدهر).
وكان أبو طالب عم النبي ، قد أبي حين علم أن ابنه (عليا) أسلم قال له: أي بني: ما هذا الذي أنت عليه؟ فقال : يا أبت آمنت بالله ، وبرسول الله ، صليت معه واتبعته ، فقال أبو طالب : أما إنه لم يدعك إلا إلي خير فالزمه(116)).
وعندما جمع الناس لأول مرة بعد النبوة في رحاب (جبل الصفا) سألهم : (يا بطون قريش! أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقي؟) فعلت الأصوات من كل الحناجر ، وهي تقول : (نعم ، ما جربنا عليك كذبا!)
---(1/409)
إن هذا السجل التاريخي الممتاز لحياة الرسول قبل إعلان النبوة ليس له مثيل في العالم ، ولم يسبق أن أحرز مثله أي شاعر ، أو فيلسوف ، أو مفكر ، أو كاتب! ! !
* * *
وعندما أعلن محمد (صلي الله عليه وسلم) النبوة لم يكن يصدقه موضع شك ، أو بحث مطلقا لدي أهل مكة ؛ فإنهم كانوا علي علم تام بحياته الكاملة ولذلك لم يرمه أحد بتهمة الكذب أو الاحتيال ، بل ذهبوا يدعون أنه فقد وعيه أو أنه شاعر أو ساحر أو أن الجن استولت علي أعصابه ، وما إلي ذلك من الدعاوى التي تحفل بذكرها الكتب التاريخية ؛ ولكن هذه الكتب لا تشير إلي أية محاولة جرؤ صاحبها علي النيل من أمانته وصدقه. بل يسجل التاريخ أنه : (ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده ، لما يعلم من صدقه وأمانته(117)).
وفي السنة الثالثة عشرة من النبوة ، صمم بعض شبان قريش علي قتله ، وحاصروا بيته لاغتياله ؛ وفي تلك الساعة الخطرة الحرجة قرر الهجرة إلي يثرب ، ولكنه أوصي ابن عمه (عليا) أن يرد جميع الأمانات إلي أصحابها في الصباح!
وهذا النضر بن الحارث ، وقد كان من أكبر المعارضين للنبي ، وكان يعد من الخبراء المحنكين بمكة- وقف يوما ، فألقي خطبة في جمع من قريش ، وقال:
---(1/410)
(يا معشر قريش ، إنه ، والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد ، قد كان محمدا فيكم غلاما حدثا ، أرضا كم فيكم ، وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر ، لا والله ، ما هو بساحر ؛ لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم. وقلتم : كاهن ، لا والله ، ما هو بكاهن؛ قد رأينا الكهنة تخالجهم ، وسمعنا سجعهم. وقلتم: شاعر ، لا والله ، ما هو بشاعر ؛ قد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها ، هزجه ورجزه. وقلتم : مجنون ، لا والله ، ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون ، فما هو يخنقه ، ولا وسوسته ، ولا تخليطه. يا معشر قريش ؛ فانظروا في شأنكم ، فإنه والله ، لقد نزل بكم أمر عظيم).
(وكان هذا النضر من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وينصب له العداوة(118)).
وكان أبو لهب عم النبي من ألد أعدائه ، وقال له ذات مرة : (يا محمد ، إنني لا أقول : إنك كاذب ، ولكن الأمر الذي تقوم بتبليغه باطل(119)).
* * *
إن نبوة محمد صلي الله عليه وسلم كانت عامة لسائر أهل الأرض ، غير مقصورة علي الجزيرة العربية ، ولذلك أرسل كتابات إلي ملوك البلاد القريبة ، وقد تلقي إمبراطور الروم (هرقل) كتابا من الرسول ، يدعوه إلي اعتناق الدين الجديد ، فأمر رجاله بإحضار رجل من قوم الرسول في ديوانه (120). وكان بعض التجار من قريش يقومون برحلة تجارية في بلاد الشام ، فجئ بهم إلي ديوان القيصر ، وسألهم هرقل عمن كان أقربهم نسبا بالرسول ، فأجاب أبو سفيان: (أنا أقربهم نسبا) . ثم جري حديث تاريخي هام بين هرقل وأبي سفيان ، نقتبس هنا منه شيئا:
(هرقل: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
أبو سفيان: لا
هرقل: هل يغدر؟
أبو سفيان: لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها.
فقال هرقل: قد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب علي الناس ويكذب علي الله.
---(1/411)
وعندما دار هذا الحديث لم يكن أبو سفيان قد آمن بالرسول بعد ، بل كان من خصومه ، الذين ألبوا عليه العرب ، وشنوا ضده الحروب وقال ، وهو يروي هذا الحادث: (والله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه(121).
إن التاريخ علي طوله لم يشهد رجلا أدلي خصومه بآراء مثالية عن سيرته وحياته مثلما أدلي به خصوم رسول الإسلام.
إن هذا الواقع هو الآخر دليل في حد ذاته علي حقيقة دعوة النبي العربي. وسوف أنقل هنا ما قاله الدكتور ليتز عن الرسول:
(إنني لأجرؤ بكل أدب أن أٌقول: إن الله الذي هو مصدر ينابيع الخير والبركات كلها ، لو كان يوحي إلي عباده فدين محمد هو دين الوحي ، ولو كانت آيات الإيثار ، والأمانة ، والاعتقاد الراسخ القوي ، ووسائل التمييز بين الخير والشر ، ودفع الباطل هي الشاهدة علي الإلهام ، فرسالة محمد هي هذا الإلهام(122)).
* * *
لقد عاني محمد (صلي الله عليه وسلم) من صنوف الأذى وضروب العنت والاضطهاد عندما بدأ دعوته ؛ وحاربه قومه أشد الحرب وأقساها ، فوضعوا في طريق مروره الأشواك ، وصبوا علي جسمه الطاهر أكواما من النجاسة. . بل ووجدناه ذات مرة بينما كان يؤدي صلاته ، وإذا (عقبة بن أبي معيط) يلببه بردائه بشدة حتى وقع النبي علي الأرض. . .
ولكن هذه الاستفزازات لم تؤثر في مهمة النبي فاتبعوا معه أسلوبا آخر ، وذلك حين قاطعوه هو وعشيرته من بني هاشم ، وأجبروهم علي أن يعتزلوا الناس ، فلجأوا إلي شعب بني هاشم ، ومنعوا عنهم الطعام وحرموا التعامل معهم ، ومضي علي هذه المقاطعة والحصار التاريخي ثلاث سنين ، وهم يأكلون أوراق شجر (الطلح) الجبلية المرة ، لسد حاجة البطن إلي الطعام. ويروي أحد الصحابة في هذا الحصار أنه حصل مرة علي قطعة جافة من الجلد ، فغسله بالماء ووضعه علي النار ، ثم بلله بالماء ثانية وأكمله.
---(1/412)
وبعد الخروج من هذا الحصار ذهب النبي صلي الله عليه وسلم إلي أهل الطائف ، وكانت تبعد أربعين ميلا عن مكة ، وكان يقطنها الأعيان والأثرياء من ثقيف ، واستخدام هؤلاء لغة بالغة السوء مع الرسول. وذهب أحدهم متحديا: (هو يمرط (يمزق) ثياب الكعبة ، إن كان الله أرسلك) ، وقال الآخر: (أما وجد الله يرسله غيرك). وقال الثالث: (واله لا أكلمك أبدا ، لئن كنت رسولا من الله ، كما تقول ، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، لئن كنت تكذب علي الله ما ينبغي لي أن أكلمك).
ولم يكتف هؤلاء بهذا الاستهزاء ، بل أغروا به سفهائهم وعبيدهم ، يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس يرمونه بالأحجار ، إلي أن سقط علي صخرة مثخنا بالجراح ، وحين جلس ليستريح من الجراح والعنت ، رموه حتى نهض مبتعدا عنهم ، وهم يتابعونه بالسب والإيذاء والتصفيق. . ولم يزل هذا المشهد حتى أقبل المساء ، وأوي الرسول إلي حائط لعتبة بن ربيعة ، فجلس في ظل كرمة ، وهو جريح ملطخ بالدماء. وهذا الواقع الذي كان الرسول يذكره للسيدة عائشة في قوله:
(لقد لقيت من قومك ما لقيت ؛ وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة(123)).
* * *
وعلي الرغم من هذا الأذى الشديد ، فقد ظل الرسول يدعو إلي الحق. حتى اجتمعت قريش علي أنه لا سبيل إلي التخلص منه إلا بالقتل. وبناء علي مؤامرة دبروها ، أحاط عد من رؤسائهم وشبيبتهم ببيت الرسول ، وفي أيديهم سيوفهم المسلولة ، استعدادا لاغتيال الرسول صلي الله عليه وسلم. عندما يخرج من بيته لتأدية صلاة الصبح ، ولكنه بإذن من الله ، خرج من البيت دون أن يصاب بأذى ، وهاجر إلي المدينة المنورة.
ثم أعلنت قريش قتالا ضد النبي وأعوانه ، وجروه إلي الحرب ، وورطوه في هذه الحرب زهاء عشر سنين ، وقد سقطت في معاركها أسنانه الكريمة ، وكسرت رباعيته ، كما استشهد عدد كبير من صحابته ، وعاني مع أصحابه كل ما تعانيه الشعوب الضعيفة بعد إعلان الحرب عليها.
---(1/413)
وهكذا دارت رحى التاريخ خلال ثلاثة وعشرين عاما من الكفاح ، وقبيل نهاية رسالته بعامين فتحت مكة ، ويومها وقف أمامه ألد خصومه ، لا يجدون نصيرا ولا معينا. . فهم يعرفون كيف يعامل المنتصر المغلوبين ، ولكن الذي لقبه ربه بأنه (رحمة للعالمين) سألهم:
_ (يا معشر قريش ، ما تظنون أني فاعل بكم؟)
_ فقالوا: (خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم).
- فأعلنها الرسول صلي اله عليه وسلم.
(اذهبوا فأنتم الطلقاء!)
ذلكم ، ولا شك ، أعظم مثل للرحمة والعفو ، وهو معجزة من معجزات التاريخ الإنساني. ولو كان هذا الحدث من أحداث ما قبل التاريخ ، أو لم يكن مسلما به تاريخيا ، لكذبه المكذبون الذين في قلوبهم زيغ ، وقالوا: إنها أسطورة من أساطير التاريخ ، فلم يخلق إنسان بهذه الشيم!
وما أصدق ما قاله البروفيسور بورسورث سميث:
(وعندما ألقي نظرة إجمالية أستعرض فيها صفاته و بطولاته ما كان منها في بدء نبوته ، وما حدث منها فيما بعد ، وعندما أري أصحابه الذين نفخ فيهم روح الحياة ، وكم من البطولات المعجزة أحدثوا- أجده أقدس الناس ، وأعلاهم مرتبة ، حتى إن الإنسانية لم تعرف له مثيلا(124).
إن المثل الأعلى الذي ضربه النبي في حياته الكاملة ، من الأخلاق العالية ، والزهد في الأموال والملذات ، شئ لا مثيل له في التاريخ.
لقد كان تاجرا ناجحا في مكة ، وكانت زوجه السيدة خديجة من أثري نساء العرب ، ولكن كل تجارته ، وثراء زوجته ، ذهبا في سبيل الدعوة ، ثم ابتلي ببلاء شديد ، حتى إنه قال مرة:
(لقد أخفت في الله ، وما يخاف أحد (أي مثل ما أخفت) ، ولقد أوذيت في الله ، وما يؤذي أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم ، وما لي و لبلال طعام يأكله ذو كبد ، إلا شيء يواريه إبط بلال)(125).
---(1/414)
وما عاني النبي كل هذا إلا لأجل دعوته ، لقد كان من الممكن أن يعيش حياة أخري ، تختلف كل الاختلاف عن الحياة البائسة التي عاشها في سبيل رسالته ، ولقد عرضت عليه حين كان بمكة ، عروض مغرية تكفل له العيش الرخي ، والمجد السني ، فأوفد إليه رؤساء قريش (عتبة بن ربيعة) ، الذي جاء ليقول له:
(يا ابن أخي ، إنك منا ، حيث قد علمت من السطة في العشيرة ، المكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ؛ فاسمع مني أعرض عليك أمورا ، تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها. فقال له: قل يا أبا الوليد أسمع ، قال: يا ابن أخي: إن كنت إنما تريد ، بما جئت به من هذا الأمر ، مالا ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ؛ وإن كنت تريد به شرفا ، سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ، ملكناك علينا: وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع علي الرجل حتى يداوي منه). حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله صلي الله عليه وسلم يستمع منه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم قال:
فاستمع مني ، فقال: أفعل. . عليه الآيات الأولي من سورة (فصلت) ، فلما وصل إلي قوله تعالي: (مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عتبة علي فمه وناشده الرحم أن يكف(126)).
* * *
وفي المدينة المنورة ، كان النبي صلي الله عليه وسلم رئيسا لدولة المسلمين ، وكان يتمتع بمساعدين مثاليين ، يبذلون حياتهم لأجله ، ولم يعرف لهم نظراء علي مدي التاريخ ، ولكن الوقائع التاريخية أثبتت أنه- حتى في آخر أيام حياته ، حين أظلت رايته الجزيرة العربية كلها- بقي رجلا عاديا ، غير ملتفت إلي شهوات الدنيا ومغرياتها ، حتى لحق بالرفيق الأعلى.
---(1/415)
وقد روي سيدنا عمر بن الخطاب أنه دخل حجرة النبي صلي اله عليه وسلم: (فإذا هو مضطجع علي رمال حصير ليس بينه وبينه فراش ، قد أثر الرمل بجنبه ، متكئا علي وسادة حشوها ليف. . قلت : يا رسول الله أدع الله ، فليوسع علي أمتك ، فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله. فقال: أو في هذا أنت ، يا بن الخطاب؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ، وفي رواية ؛ أما ترضي عن أن تكون لهم الدنيا ، ولنا الآخرة(127)).
ومما تحكي السيدة عائشة أنه (كان يمر الهلال ، ثم الهلال ، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ، وما توقد في أبيات الرسول صلى الله عليه وسلم نار ؛ فسألها عروة بن الزبير : فما كانت معيشتكم ، يا خالة ؟ قالت : الأسودان : التمر والماء . وقالت : وكان لنا جيران من الأنصار ، لهم ربائب يسقوننا من لبنها ، جزاهم الله خيرا .) . وقد جاء في حديث آخر : أنها ذكرت ( أن آل محمد لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية من طعام بر ، حتى مضى النبي صلى الله عليه وسلم ، لسبيله (128) ).
* * *
لقد عاش النبي هذه الحياة القاسية ، رغم كونه قادرا ، على أن يعيش حياة النعيم والترف . وعندما انتقل إلى رحمة الله لم يورث أهله شيئا ، لا دراهم و لا دنانير ، ولا غنما ولا إبلا ، حتى إنه لم يكتب أية وصية . بل إن النبي العظيم ، الذي كان على معرفة تامة بأن حدود دولته الإسلامية سوف تمتد عابرة إفريقية وآسيا ، حتى تصل إلى قلب أوروبا - قال : ( نحن معشر الأنبياء ، لا نورث ؛ ما تركنا صدقة ) .
* * *
---(1/416)
إن هذه الوقائع التي أوردناها ، من الإيثار ، والإخلاص ، وسمو الأخلاق ، ليست حوادث استثنائية في حياة الرسول ، وإنما هي حياتنا بأكملها ، بل هي بالحرى ، صورة مصغرة وموجزة عن الوقائع التي كانت تحدث في حياته المثالية ، لقد ارتفع بالإنسانية إلى أسمى قمة تحلم بها ، حتى إنه لو لم يوجد ، لاضطر المؤرخون إلى القول : بأنه لم يوجد إنسان من هذا الطراز ، ولن يوجد في التاريخ .
* * *
فليس غريبا ، مطلقا ، أن يقال : إنه كان نبي الله ، ولكن الغريب أن ينكره أحد منا عنادا وغرورا .
ونحن عندما نسلم بدعواه يمكننا أن نفسر سر حياته المعجزة .
أما إذا أنكرنا نبته ، فسنفقد أي أساس لتفسير منبع أوصافه العجيبة ، التي لم نجد لها مثيلا في التاريخ .. وقد اعترف البروفيسور ( بوسورث سميث) بهذه الحقائق ، حتى إنه ليدعو البشرية كلها إلى الإيمان برسالة النبي :
(لقد ادعى محمد لنفسه في آخر حياته نفس ما ادعاه في بداية رسالته .) وإني لأجدني مدفوعا إلى الاعتقاد بأن كلا من الفلسفة العليا والمسيحية الصادقة سوف تضطران ، يوما ما ، إلى التسليم بأنه كان نبيا .. نبيا صادقا من عند الله.(129)
* * *
أما الناحية الأخرى في قضية إثبات الرسالة المحمدية ، فهي ذلك الكتاب الذي جاء به صاحب الرسالة ، مدعيا أنه منزل من عند الله تعالى.
وهذا الكتاب يفيض بخصائص ومزايا تدل على أنه كلام غير إنساني ، وأنه من عند الله . ولما كان البحث في هذه الناحية ذا طبيعة خطيرة – نظرا لأهميته – فقد قدرنا أن ندرسه في باب مستقل ..
الباب السابع
القرآن صوت الله
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطى من الآيات ما مثله أمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة(130) ) . .
---(1/417)
إن هذا الحديث النبوي يعين جوانب بحثنا الصحيحة ، فهو يقول : إن أهم وسائلنا لمعرفة النبي هو الكتاب الذي جاء به ، مدعيا أنه من عند الله ، والقرآن هو ، رسالة الرسول بين ظهرانينا ، كما أنه يبرهن على صدقه .
فما الخصائص التي تبرهن على أن القرآن من عند الله ؟
إنها متعددة الجوانب كثيرة ، نستطيع أن نلخصها في الفصول التالية :
أولا-إعجاز القرآن :
أول خاصة يتنبه إليها الباحث في العلوم القرآنية هي ذلك التحدي الصريح الذي القرآن إلى الناس كافة ، منذ أربعة عشر قرنا ، وبخاصة أولئك الذين ينكرون رسالة القرآن ، ولم يستطع أحد من عباقرة البشر أن يرد التحدي الآن . لقد أعلن القرآن بصوت عال ، لا إبهام فيه ولا غموض :
(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)(131).
إنه أغرب تحد في التاريخ ، وأكثره إثارة للدهشة ، فلم يجرؤ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني – وهو بكامل عقله – أن يقدم تحديا مماثلا ، فإن مؤلفا ما لا يمكن أن يضع كتابا ، يستحيل علي الآخرين أن يكتبوا مثله ، أو خيرا منه. . فمن الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال ، ولكن حين يدعي أن هناك كلاما ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله ثم تخفق البشرية علي مدي التاريخ في مواجهة هذا التحدي ، حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير إنساني وأنها كلمات صدرت عن صميم المنبع الإلهي Divineorigin ، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته.
* * *
وفي صفحات التاريخ بعض الوقائع ، غر أصحابها الغرور فانطلقوا يواجهون هذا التحدي.
---(1/418)
وأولي هذه الوقائع ما حدث من الشاعر العربي لبيد بن ربيعة الشهير ببلاغة منطقه ، وفصاحة لسانه ، ورصانة شعره. فعندما سمع أن محمدا يتحدي الناس بكلامه قال بعض الأبيات ردا علي ما سمع ، وعلقها علي باب الكعبة ، وكان التعليق علي باب الكعبة امتيازا لم تدركه إلا فئة قليلة من كبار شعراء العرب ، وحين رأي أحد المسلمين هذا أخذته العزة فكتب بعض آيات الكتاب الكريم وعلقها إلي جوار أبيات لبيد ومر لبيد بباب الكعبة في اليوم التالي ولم يكن قد أسلم بعد فأذهلته الآيات القرآنية حتي أنه صرخ من فوره قائلا: (والله ما هذا بقول بشر ، وأنا من المسلمين)(132).
وكان من نتيجة تأثر هذا الشاعر العربي العملاق ببلاغة القرآن أنه هجر الشعر وقد قال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه يوما: يا أبا عقيل: أنشدني شيئا من شعرك فقرأ سورة البقرة وقال: ما كنت لأقول شعرا بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران(133).
وأما الحادث الثاني فهو أغرب من الأول وهو عن ابن المقفع أورده المستشرق (ولاستن) في كتابه وعلق عليه قائلا:
(. . . إن اعتداد محمد بالإعجاز الأدبي للقرآن لم يكن علي غير أساس ، بل يؤيده حادث وقع بعد قرن من قيام دعوة الإسلام(134)).
والحادث كما جاء عن لسان المستشرق هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس فقرروا مواجهة تحدي القرآن ، واتصلوا لإتمام خطتهم بعبد الله بن المقفع(727م) ، وكان أديبا كبيرا وكاتبا ذكيا. يعتد بكفائته فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة. . وأخبرهم أن هذا العمل سوف يستغرق سنة كاملة واشترط عليهم أن يتكفلوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة. .
---(1/419)
ولما مضي علي الاتفاق نصف عام عادوا إليه ، وبهم تطلع إلي معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الإسلام ؛ وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل ، وجدوه جالسا والقلم في يده وهو مستغرق في تفكير عميق ، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه علي الأرض ، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة كتبها ثم مزقها.
لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود عساه أن يبلغ هدفه ، وهو الرد علي تحدي القرآن المجيد. . ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه ، حتي اعترف أمام أصحابه ، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه أنه ، علي الرغم من مضي ستة أشهر حاول خلالها أن يجيب علي التحدي ، فإنه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن ! وعندئذ تخلي ابن المقفع عن مهمته مغلوبا مستخذيا. .(135)
* * *
وهكذا لا يزال تحدي القرآن الكريم قائما ومستمرا علي مر القرون والأجيال ، وهي خاصة عظيمة ورائعة في صالح القرآن ، تثبت دون مرية ، أنه كلام من فوق الطبيعة. وأي إنسان يتمتع بكفائة التفكير والإمعان في حقيقة الأمر ، يكفيه ذلك ليؤمن بهذا الكتاب.
ومما لا شك فيه أن العرب-وهم الذين لم يعرف لهم مثيل في التاريخ ، في البلاغة والبيان حتي أطلقوا علي غيرهم اسم (العجم) لشدة اعتزازهم ببيانهم- قد اضطروا أن يركعوا أمام القرآن معترفين بعجزهم عن الإتيان بمثله ، فلزمتهم بذلك الحجة. .
---(1/420)
ومما جاء في كتب الحديث عن ابن عباس أن (ضمادا) قدم مكة. وكان من ازد شنوءة. وكان يرقي(136) من هذه الريح (الجنون ومس الجن). فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه علي يدي.قال فلقيه ؛ فقال: يا محمد ! إني أرقي من هذه الريح ،وإن الله يشفي علي يدي من شاء فهل لك ؟ فقال رسول الله: (إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله.أما بعد.) قال: فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء ، فأعادهن عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاث مرات ، قال: فقال: (لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، ولقد بلغن ناعوس البحر (قعره الأقصي(137)).
إن هناك عددا لا يحصي من الاعترافات التي أدلي بها أرباب الشعر والأدب والفكر ، في شأن القرآن الكريم ، سطرت في صفحات التاريخ القديم ، كما أنها توجد بكثرة في تاريخ العصر الحاضر.
ثانيا- نبوءات القرآن:
الجانب الثاني من عظمة القرآن الكريم يتجلي في تنبؤاته المختلفة التي ثبتت صحتها فيما بعد بطرق عجيبة.
---(1/421)
إن عددا كبيرا من أذكياء الناس ومن العباقرة ، قد جرؤوا علي أن يتنبأوا عن أنفسهم أو عن غيرهم. ولكننا نعرف أن الزمان لم يصدق هذه النبوءات مطلقا ، بل جاء يكذبها بكل قسوة ، ولقد تحفز الفرص المواتية والأحوال المساعدة والكفاءات العالية وكثرة الأعوان والأنصار ، والنجاح الخارق في البداية الكثيرين- وهم يرون أنهم يسيرون تجاه نتائج مرضية- أن يتنبأوا بنتيجة معينة بكل يقين ، ولكن الزمن يبطل هذه الدعاوي ويكذبها دائما. . والزمن نفسه هو الذي أثبت صحة ما جاء في القرآن من التنبؤات في حين أنها جميعا جاءت في أحوال غير مواتية ، إن هذه التنبؤات- وقد وقعت فعلا علي ما يحدثنا التاريخ- تجعل علومنا المادية حائرة عند تفسيرها. وما دمنا ندرسها في ضوء علومنا المادية. فلن نستطيع إدراك حقائقها ، إلا أن ننسبها إلي مصدر غير بشري.
* * *
كان نابليون بونابرت من أعظم قواد الجيوش في عصره ، وقد دلت فتوحاته الأولي علي أنه سوف يكون ندا لقيصر ، والإسكندر المقدوني. وترتب علي ذلك أن وجد الغرور منفذه إلي رأس نابليون ، فأصبح يتوهم أنه هو مالك القدر. وازداد هذا الشعور لديه. حتي إنه ترك مستشاريه ، وادعي أنه لم يكتب في قدره غير الغلبة الكاملة علي من في الأرض. ولكنا جميعا نعرف النهاية التي كتبت له في لوح القدر.
---(1/422)
سار نابليون من باريس يوم 12 من يونية سنة1815 ، مع جحفله العظيم ليقضي علي أعدائه وهم في الطريق. ولم تمض غير ستة أيام حتي ألحق (دوق ولنجتون) شر هزيمة بجيش نابليون الجبار ، في (ووترلو) بأراضي بلجيكا. وكان (الدوق) يقود جنود انجلترا وألمانيا وهولندا. ولما يئس نابليون وأيقن من مصيره المحتوم فر هاربا من القيادة الفرنسية متوجها إلي أمريكا ولم يكد يصل إلي الشاطىء ، حتي ألقت شرطة السواحل القبض عليه وأرغمته علي ركوب سفينة تابعة للبحرية البريطانية ، وانتهي به القدر إلي أن أرسل إلي جزيرة غير معمورة بجنوب الأطلنطي ، هي جزيرة (سانت هيلينا) ، ومات القائد العسكري في هذه الجزيرة بعد سنوات طويلة من البؤس والشقاء والوحدة ، في 5 مايو سنة1821.
* * *
والبيان الشيوعي المعروف الذي صدر سنة1848 ، تنبأ بأن أول البلاد التي ستقود الثورة الشيوعية هي (ألمانيا) ، ولكن ألمانيا علي الرغم من مضي مائة وعشرين عاما من هذه النبوءة ، لا تزال صفحات تاريخها خالية من مثل هذه الثورة. .
ولقد كتب كارل ماركس في مايو سنة1849 قائلا: (إن الجمهورية الحمراء تبزغ في سماء باريس!) ورغم أنه قد مر علي هذه النبوءة أكثر من قرن ، فإن شمس الجمهورية الحمراء البازغة لم تشرق علي أهالي باريس!
* * *
وقد قال أدولف هتلر في خطابه الشهير الذي ألقاه بميونيخ في14 من مارس سنة1931:
(إنني سائر في طريقي ، واثقا تمام الثقة بأن الغلبة والنصر قد كتبا لي (138)). والعالم بأجمعه يعرف اليوم الذي كتب في قدر الجنرال الألماني العظيم كان هو الهزيمة والانتحار. .
* * *
---(1/423)
وقد شاهدنا وقائع عديدة من هذه النبوءات المضحكة في (الهند). . فقد أعلن زعيم الشيوعيين: س .ب. جوشي ، في المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الهندي ، الذي انعقد في (مدوراي) بجنوب الهند ، في يناير سنة1954 ، بأن الحزب الشيوعي سوف يحكم ، مستقلا بنفسه ، في الانتخابات العامة القادمة ، في ولايات: تراونكو-كوتشين (كيرالا) ، ومدارس ، وآندهرا ، والبنغال الغربية ، وآسام. وقد أجريت ثلاثة انتخابات عامة (وانتخابات تكميلية أخري) في هذه المدة الطويلة ، ولم يستطع الحزب الشيوعي تأليف وزارة مستقلة في أية ولاية من ولايات الهند (139).
* * *
وسط هذه الجحافل من المتنبئين والنوءات ، لا نجد غير (القرآن) الذي تحققت نبوءاته حرفا حرفا. وهذا الواقع يكفي في ذاته لإثبات أن هذا الكلام صادر من عقل وراء الطبيعة يمسك بزمام الأحوال والحوادث ، وهو علي معرفة بكل ما سيحدث منذ الأزل إلي الأبد ،
وسوف نورد هنا خبرين من التنبوءات الكثيرة التي أدلي بها رسول الإسلام ، وتحققت بكاملها. والشهادتان اللتان سنذكرهما ، تتعلق إحداهما بغلبة الإسلام نفسه ، علي حين تتعلق بغلبة الروم مرة أخري. .
* * *
(أ) عندما بدأ النبي صلي الله عليه وسلم دعوته وقفت الجزيرة العربية كلها ضده ، وكان علي النبي مواجهة ثلاث جبهات في وقت واحد:
أولاها: القبائل المشركة ، بعد أن أصبحوا أعداء حياته.
وثانيتها: الرأسمالية اليهودية.
وثالثتها: أولئك المنافقون الذين تسربوا داخل المسلمين للقضاء علي حركتهم ، من داخل معاقلهم.
---(1/424)
وكان الرسول يجاهد في سبيل رسالته السامية علي كل هذه الجبهات: قوة المشركين ، والرأسمالية اليهودية ، والطابور الخامس. وقد وقف أمام هذا الطوفان الطاغي وقفات رائعة لا مثيل لها ، ولم يسانده في مواقفه غير حفنة من المهاجرين والأنصار ، وجماعة من العبيد. ومما لا شك فيه أنه قد انضم إليه بعض كبار قريش ، ولكن سرعان ما انقطعوا عن أهلهم وذويهم ، وعادتهم قريش كمعاداتها للنبي.
وقد سارت هذه الحركة بمكة قدما ، تكافح وتناضل ، حتي اجتمع شملهم في المدينة المنورة ، وهم في أشد حالات العوز والفقر ، بعد ما تركوا ثرواتهم في مكة- موطنهم الأصلي. ويمكن قياس بؤس هؤلاء المهاجرين بتلك الجماعة التي عاشت في المسجد النبوي ، حيث لم تكن لديهم بيوت ، وكانوا ينامون علي (صفة) في فناء المسجد النبوي ، فأطلق عليهم (أهل الصفة). ومما روي في كتب التاريخ أن تعداد هؤلاء الصحابة الكرام ، الذين عاشوا علي (الصفة) ، بلغ في بعض الأحيان أربعمائة صحابي.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب ، فمنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من هو أسفل من ذلك ؛ فإذا ركع أحدهم قبض عليه مخافة أن تبدو عورته. .
وعنه (أبي هريرة) رضي الله عنه أنه قال: (لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وبين حجرة عائشة رضي الله عنها ، فيقول الناس: إنه مجنون ، وما بي جنون ، ما بي إلا الجوع!).
* * *
وفي هذه الحالة البائسة ، حيث كان المسلمون في أسوأ أحوالهم ؛ مكشوفين في عراء المدينة المنورة ، خائفين يترقبون الأعداء من كل جانب ، مخافة أن يختطفون في أي وقت ؛ في هذه الحالة نجد القرآن يبشرهم مرة بعد أخري:
(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي(140))
وقال أيضا:
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ، ولو كره المشركون(141)).
---(1/425)
ولم تمض علي هذه البشري أيام طويلة ، حني وجد المسلمون الجزيرة العربية كلها تحت أقدامهم ؛ فقد انتصرت أقلية ضئيلة لا تملك الخيول ولا الأسلحة ، علي أعداء يملكون الجيوش الكبيرة ، والعدة ، والعتاد.
وليس بوسعنا تفسير هذه التنبؤات في ضوء المصطلحات المادية ، إلا أن نسلم بأن صاحب هذا الإخبار بالغيب لم يأت به من عند نفسه ، وإنما كان خليفة عن الله ؛ فلو أنه كان إنسانا عاديا لاستحال كل الاستحالة أن تصنع كلماته أقدار التاريخ. وكما قال البروفيسور (ستوبارت)
(إنه لا يوجد مثال واحد في التاريخ الإنساني بأكمله يقارب شخصية محمد.)
وهو يضيف قائلا:
( ألا. . ما أقل ما امتلكه من الوسائل المادية ، وما أعظم ما جاء به من البطولات النادرة ، ولو أننا درسنا التاريخ من هذه الناحية ، فلن نجد فيه اسما منيرا هذا النور ، وواضحا هذا الوضوح ، غير اسم النبي العربي (142)).
إن هذا الأمر هو أعظم دليل علي كونه صلي الله عليه وسلم مرسلا من لدن الحق تبارك وتعالي. وقد اعترف السير وليام ميور ، ذلك العدو اللدود للإسلام ، بهذا الأمر بطريقة غير مباشرة ، حين قال:
(لقد دفن محمد مؤامرات أعدائه في التراب ، وكان يثق بانتصاره ليل نهار ، مع حفنة من الأنصار والأعوان ، رغم أنه كان مكشوفا عسكريا من كل ناحية ن وبعبارة أخري: كان يعيش في عرين الأسد ، ولكنه أظهر عزيمة جبارة ، لا نجد لها نظيرا غير ما ذكر في الإنجيل ، من أن نبيا قال لله تعالي: (لم يبق من قومي إلا أنا(143)!) .
* * *
(ب) أما النبوءة الثانية التي وردت في القرآن ، فهي الإخبار بغلبة الروم علي الفرس. وقد جاء في أول سورة الروم قوله تعالي:
(بسم الله الرحمن الرحيم. ألم. غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)
---(1/426)
كانت الامبراطورية الفارسية تقع شرقي الجزيرة العربية ، علي الساحل الآخر للخليج العربي ، علي حين كانت الامبراطورية الرومانية تمتد من غربي الجزيرة علي ساحل البحر الأحمر إلي ما فوق البحر الأسود. وقد سميت الأولي-أيضا- بالإمبراطورية الساسانية ، والأخرى بالبيزنطية. وكانت الإمبراطوريتين تصل إلي الفرات ودجلة ، في شمال الجزيرة العربية. وكانتا أقوي حكومتين شهدهما ذلك العصر.
ويبدأ تاريخ الامبراطورية الرومانية-كما يري المؤرخ (جبن)- في القرن الثاني بعد الميلاد ، وكانت تتمتع حينئذ بمكانتها كأرقي دولة حضارية في العالم.
وقد شغل المؤرخين تاريخ زوال الروم ، كما لم يشغلهم زوال أية حضارة أخري(144). وليس يغني كتاب من الكتب التي ألفت حول هذا الموضوع عن الكتب الأخرى ، ولكن يمكن اعتبار كتاب المؤرخ (إدوارد جبن): (تاريخ سقوط واندحار الامبراطورية الرومانية)(145) أكثرها تفصيلا وثقة ، وقد ذكر المؤرخ في الجزء الخامس من كتابه الوقائع المتعلقة ببحثنا هنا.
* * *
اعتنق الملك (قسطنطين) الدين المسيحي عام325م ، وجعله ديانة البلاد الرسمية ، فآمنت بها أكثرية رعايا الروم. وعلي الجانب الآخر ، رفض الفرس-عباد الشمس- هذه الدعوة.
وكان الملك الذي تولي الامبراطورية الرومانية في أواخر القرن السابع الميلادي هو (موريس) ، وكان ملكا غافلا عن شئون البلاد والسياسة ، ولذلك قاد جيشه ثورة ضده ، بقيادة (فوكاسPhocas.) وأصبح فوكاس ملك الروم ، بعد نجاح الثورة والقضاء علي العائلة الملكية بطريقة وحشية؛ وأرسل سفيرا له إلي إمبراطور إيران (كسري أبرويز الثاني) ، وهو ابن (أنو شيروان) العادل.
وكان (كسري) هذا مخلصا للملك (موريس) إذ كان قد لجأ إليه عام590-591م ، بسبب مؤامرة داخلية في الامبراطورية الفارسية ، وقد عاونه (موريس) بجنوده لاستعادة العرش. ومما يروي أيضا أن (كسري) تزوج بنت (موريس) ، أثناء إقامته بلاد الروم ، ولذلك كان يدعوه (بالأب).(1/427)
---
ولما عرف بأخبار انقلاب الروم ، غضب غضبا شديدا وأمر بسجن السفير الرومي وأعلن عدم اعترافه بشرعية حكومة الروم الجديدة.
وأغار (كسري أبرويز) علي بلاد الروم وزحفت جحافله عابرة نهر الفرات إلي الشام. ولم يتمكن (فوكاس) من مقاومة جيوش الفرس التي استولت علي مدينتي (أنطا كية والقدس) فاتسعت حدود الامبراطورية الفارسية فجأة إلي وادي النيل. وكانت بعض الفرق المسيحية-كالنسطورية واليعقوبية- حاقدة علي النظام الجديد في روما فناصرت الفاتحين الجد وتبعها اليهود مما سهل غلبة الفرس.
* * *
وأرسل بعض أعيان الروم رسالة سرية إلي الحاكم الرومي في المستعمرات الإفريقية ، يناشدونه إنقاذ الامبراطورية فأرسل الحاكم جيشا كبيرا بقيادة ابنه الشاب (هرقل) ، فسار بجيشه في الطريق البحرية ، بسرية تامة. . حني إن (فوكاس) لم يدر بمجيئهم إلا عندما شاهد الأساطيل ، وهي تقترب من السواحل الرومانية ، واستطاع هرقل-دون مقاومة تذكر- أن يستولي علي الامبراطورية ، وقتل (فوكاس) الخائن.
بيد أن هرقل لم يتمكن-برغم استيلائه علي الامبراطورية وقتله (فوكاس)- من إيقاف طوفان الفرس. . فضاع من الروم كل ما ملكوا من البلاد في شرقي العاصمة وجنوبيها. لم يعد العلم الصليبي يرفرف علي العراق والشام وفلسطين ومصر وآسيا الصغرى ، بل علتها راية الفرس: (درفش كاوياني)! ! وتقلصت الامبراطورية الرومانية في عاصمتها ، وسدت جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس ؛ وعم القحط ؛ وفشت الأمراض الوبائية ؛ ولم يبق من الإمبراطورية غير جذور شجرها العملاق. وكان الشعب في العاصمة خائفا يترقب ضرب الفرس للعاصمة ، ودخولهم فيها ؛ وترتب علي ذلك أن أغلقت جميع الأسواق ، وكسدت التجارة ، وتحولت معاهد العلم والثقافة إلي مقابر موحشة مهجورة.
---(1/428)
وبدأ عباد النار يستبدون بالرعايا الروم للقضاء علي المسيحية. . فبدءوا يسخرون علانية من الشعائر الدينية المقدسة ، ودمروا الكنائس ، وأراقوا دماء ما يقرب من100,000من المسبحين المسالمين وأقاموا بيوت عبادة النار في كل مكان وأرغموا الناس علي عبادة الشمس والنار واغتصبوا الصليب المقدس وأرسلوه إلي (المدائن).
ويقول المؤرخ (جبن) في المجلد الخامس من كتابه:
(ولو كانت نوايا (كسري) طيبة في حقيقة الأمر لكان اصطلح مع الروم بعد قتلهم (فوكاس) ولاستقبل (هرقل) كخير صديق أخذ بثأر حليفه وصاحب نعمته (موريس) ، بأحسن طريقة ؛ ولكنه أبان عن نواياه الحقيقية عندما قرر مواصلة الحرب.)(146)
ويمكن قياس الهوة الكبرى التي حدثت بين الروم والفرس من خطاب وجهه (كسري) إلي (هرقل) من بيت المقدس قائلا:
(من لدن الإله كسري الذي هو أكبر الآلهة وملك الأرض كلها ، إلي عبده اللئيم الغافل: هرقل: إنك تقول: إنك تثق في إلهك! فلماذا لا ينقذ إلهك القدس من يدي؟ !).
واستبد اليأس والقنوط بهرقل من هذه الأحوال السيئة وقرر العودة إلي قصره الواقع في (قرطاجنة) علي الساحل الإفريقي. . فلم يعد يهمه أن يدافع عن الامبراطورية ، بل كان شغله الشاغل إنقاذ نفسه. وأرسلت السفن الملكية إلي البحر ، وخرج (هرقل) في طريقه ليستقل إحدي هذه السفن إلي منفاه الاختياري.
وفي هذه الساعة الحرجة تحايل كبير أساقفة الروم باسم الدين والمسيح ، ونجح في إقناع (هرقل) بالبقاء وذهب (هرقل) مع الأسقف إلي قربان (سانت صوفيا) يعاهد الله تعالي علي أنه لن يعيش أو يموت إلا مع الشعب الذي اختاره الله له.
---(1/429)
وبإشارة من الجنرال الإيراني سين(Sain) أرسل (هرقل) سفيرا إلي 0كسري) طالبا منه الصلح ؛ ولكن لم يكد القاصد الرومي يصل إلي القصر ، حني صاح (كسري) في غضب شديد: (لا أريد هذا القاصد! وإنما أريد (هرقل) مكبلا بالأغلال تحت عرشي ؛ ولن أصالح (الرومي) حني يهجر إلهه الصليبي ويعبد الشمس إلهتنا1)(147).
* * *
وبعد مضي ستة أعوام علي الحرب ، رضي الإمبراطور الإيراني أن يصالح (هرقل)علي شروط معينة هي أن يدفع ملك الروم:
(ألف تالنت(148) من الذهب ، وألف تالنت من الفضة ، وألف ثوب (149) من الحرير ، وألف جواد ، وألف فتاة عذراء).
ويصف (جبن) هذه الشروط بأنها (مخزية) دون شك ، وكان من الممكن أن يقبلها (هرقل) ، لولا المدة القصيرة التي أتيحت له لدفعها من المملكة المنهوبة ، والمحدودة الأرجاء ، ولذلك آثر أن يستعمل هذه الثروة كمحاولة أخيرة ضد أعدائه.
* * *
---(1/430)
وبينما سيطرت علي العاصمتين الفارسية والرومية هذه الأحداث ، فقد سيطرت علي شعب العاصمة المركزية في شبه الجزيرة العربية- وهي (مكة) المكرمة- مشكلة مماثلة: كان الفرس مجوسا من عباد الشمس والنار ، وكان الروم من المؤمنين بالمسيح ، وبالوحي ، وبالرسالة ، وبالله تعالي. وكان المسلمون مع الروم- نفسيا- يرجون غلبهم علي الكفار والمشركين كما كان كفار مكة مع الفرس ، لكونهم من عباد المظاهر المادية. وأصبح الصراع بين الفرس والروم رمزا خارجيا للصراع الذي كان يدور بين أهل الإسلام وأهل الشرك في (مكة). وبطريقة نفسية كانت كل من الجماعتين تشعر بأن نتيجة هذا الصراع الخارجي هي نفس مآل صراعهما الداخلي. فلما انتصر الفرس علي الروم عام616م. واستولوا علي جميع المناطق الشرقية من دولة الروم انتهزها المشركون فرصة للسخرية من المسلمين ، قائلين: لقد غلب إخواننا علي إخوانكم ، وكذلك سوف نقضي عليكم ، إذا لم تصطلحوا معنا تاركين دينكم الجديد! ! وكان المسلمون بمكة في أضعف وأسوأ أحوالهم المادية ، وفى تلك الحالة البائسة ، صدرت كلمات من لسان الرسول صلي الله عليه وسلم:
(بسم الله الرحمن الرحيم. ألم. غلبت الروم في أدني الأرض. وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين. لله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله ، ينصر من يشاء ، وهو العزيز الرحيم. وعد الله ، لا يخلف الله وعده ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).-الروم:1-6.
وتعليقا علي هذه النبوءة يكتب(جبن):
(في ذلك الوقت حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة ، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا ، لأن السنين الاثنتي عشرة الأولي من حكومة (هرقل) كانت تؤذن بانتهاء الإمبراطورية الرومانية(150)).
---(1/431)
ولكن من المعلوم أن هذه النبوءة جاءت من لدن من هو مهيمن علي كل الوسائل والأحوال ، من بيده قلوب الناس وأقدارهم ، ولم يكد جبريل يبشر النبي بهذه البشري ن حتى أخذ انقلاب يظهر علي شاشة الإمبراطورية الرومانية! !
ويرويه (جبن) علي النحو التالي:
(إنها من أبرز البطولات التاريخية ، تلك التي نراها في (هرقل). فقد ظهر هذا الإمبراطور غاية في الكسل والتمتع بالملذات وعبادة الأوهام في السنين الأولي والأخيرة من حكومته ، كان يبدو كما لو كان متفرجا أبله ، استسلم لمصائب شعبه ، ولكن الضباب الذي يسود السماء ساعتي الصباح والمساء ، يغيب حينا من الوقت لشدة شمس الظهيرة ، هذا هو ما حدث بالنسبة إلي هرقل ، فقد تحول (أرقاديوس(151)القصور) إلي (قيصر ميدان الحرب(152)) فجأة ، واستطاع أن يستعيد مجد الروم خلال ست حروب شجاعة شنها ضد الفرس. وكان من واجب المؤرخين الروم أن يزيحوا الستار عن الحقيقة ، تبيانا لأسرار هذه اليقظة والنوم ، وبعد هذه القرون التي مضت يمكننا الحكم بأنه لم تكن هناك دوافع سياسية وراء هذه البطولة ، بل كانت نتيجة غريزة هرقل الذاتية ، فقد انقطع عن كافة الملذات ، حني إنه هجر ابنة أخته (مارتينا)-التي تزوجها لشدة هيامه بها ، رغم أنها كانت محرمة عليه(153) ).
* * *
هرقل-ذلك الملك الغافل الفاقد العزيمة- وضع خطة عظيمة لقهر الفرس ، وبدأ في تجهيز العدة والعتاد ، ولكن رغم ذلك كله ، عندما خرج هرقل مع جنوده بدا لكثيرين من سكان (القسطنطينية) أنهم يرون آخر جيش في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية.
وكان هرقل يعرف أن قوة الفرس البحرية ضعيفة ، ولذلك أعد بحريته للإغارة علي الفرس من الخلف. وسار بجيوشه عن طريق البحر الأسود إلي (أرمينيا) ، وشن علي الفرس هجوما مفاجئا في نفس الميدان الذي هزم فيه الأسكندر جيوش الفرس ، لما زحف علي أراضي مصر والشام. ولم يستطع الفرس مقاومة هذه الغارة المفاجئة فلاذوا بالفرار.
---(1/432)
وكان الفرس يملكون جيشا كبيرا في (آسيا الصغرى) ، ولكن (هرقل) فاجأهم بأساطيله مرة أخري ، وأنزل بهم هزيمة فادحة ، وبعد إحراز هذا النصر الكبير عاد (هرقل) إلي عاصمته (القسطنطينية) عن طريق البحر ، وعقد معاهدة مع الأفاريين (Avars) ، واستطاع بنصرتهم أن يسد سيل الفرس عند عاصمتهم.
وبعد الحربين اللتين مر ذكرهما ثلاثة حروب أخري ضد الفرس في سنوات 623 ،624 ، 625 م. واستطاع أن ينفذ إلي أراضي العراق القديم (ميسو بوتانيا) عن طريق البحر الأسود ، واضطر الفرس إلي الانسحاب من جميع الأراضي الرومية ، نتيجة هذه الحروب ، وأصبح (هرقل) في مركز يسمح له بالتوغل في قلب الإمبراطورية الفارسية ، وكانت آخر هذه الحروب المصيرية- تلك الحرب التي خاضها الفريقان في (نينوا9 علي ضفاف (دجلة) في ديسمبر عام627م.
* * *
ولما لم يستطع (كسري أبرويز) مقاومة سيل الروم ، حاول الفرار من قصره الحبيب (دستكرد) ، ولكن ثورة داخلية نشبت في الإمبراطورية ، واعتقله ابنه (شيرويه) ، وزج به في سجن داخل القصر الملكي حيث لقي حتفه لسوء الأحوال في اليوم الخامس من اعتقاله ، وقد قتل ابنه (شيرويه) ثماني عشرة من أبناء أبيه (كسري) أمام عينيه.
ولكن (شيرويه) هو الآخر لم يستطع ان يجلس علي العرش أكثر من ثمانية أشهر ، حيث قتله أحد أشقائه ، وهكذا بدأ القتال داخل البيت الملكي ، وتولي تسعة ملوك زمام الحكم في غضون أربعة أعوام. ولم يكن من الممكن أو المعقول في هذه الأحوال السيئة ، أن يواصل الفرس حربهم ضد الروم. . . فأرسل (قباد الثاني) ابن كسري أبرويز الثاني يرجو الصلح ، وأعلن تنازله عن الأراضي الرومية ، كما أعاد الصليب المقدس ، ورجع (هرقل) إلي عاصمته (القسطنطينية) في مارس عام 628م في احتفال رائع ، حيث كان يجر مركبته أربعة أفيال ، واستقبله آلاف مؤلفة من الجماهير خارج العاصمة وفي أيديهم المشاعل وأغصان الزيتون(154) ! !
* * *
---(1/433)
وهكذا صدق القرآن الكريم عن غلبة الروم في مدته المقررة أي في أقل من عشر سنين ، كما هو المراد في لغة العرب من كلمة: (بضع)!
وقد أبدي (جبن) حيرته وإعجابه بهذه النبوءة ولكنه كي يقلل من أهميتها ربطها برسالة النبي صلي الله عليه وسلم إلي (كسري).
يقول جبن:
(وعندما أتم الإمبراطور الفارسي نصره علي الروم وصلته رسالة من مواطن خامل الذكر ، من (مكة) دعاه إلي الإيمان بمحمد ، رسول الله ، ولكنه رفض هذه الدعوة ومزق الرسالة وعندما بلغ هذا الخبر رسول العرب ، قال: سوف يمزق الله دولته تمزيقا وسوف يقضي علي قوته.
(ومحمد الذي جلس في الشرق علي حاشية الإمبراطورتين العظيمتين طار فرحا مما سمع عن تصارع الإمبراطوريتين وقتالهما ، وجرؤ في إبان الفتوحات الفارسية وبلوغها القمة أن يتنبأ بأن الغلبة تكون لراية الروم بعد بضع سنين. وفي ذلك الوقت ، حين ساق الرجل هذه النبوءة ، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا لأن الأعوام الاثني عشر الأولي من حكومة هرقل كانت تشي بنهاية الإمبراطورية الرومانية(155).)
بيد أن جميع مؤرخي الإسلام يعرفون معرفة تامة أن هذه النبوءة لا علاقة لها بالرسالة التي وجهها النبي إلي (كسري أبرويز) ، لأن تلك الرسالة إنما أرسلت في العام السابع من الهجرة ، بعد صلح الحديبية ، أي عام628م ، في حين أن آية النبوءة المذكورة نزلت بمكة عام616م ، أي قبل الهجرة بوقت طويل فبين الحدثين فاصل يبلغ اثني عشر عاما (156).
* * *
ثالثا: القرآن والكشوف الحديثة:
والميزة الثالثة التي سوف أدرسها في هذا الباب للإبانة عن صدق القرآن وحقيته ، هي أنه رغم نزول القرآن قبل قرون كثيرة من عصر العلوم الحديثة ، لم يتمكن أحد من إثبات أية أخطاء علمية فيه ، ولو أنه كان كلاما بشريا لكان هذا ضربا ن المستحيل.
* * *
---(1/434)
كانت بعثة لطلبة الصين تدرس بجامعة كاليفورنيا منذ بضع سنين ، وقد ذهب اثنا عشر من هؤلاء الطلبة إلي كاهن (كنيسة بركلي) طالبين منه أن ينظم لهم دراسة حول الدين المسيحي في أحد أيام الأحد ، وقالوا له بكل صراحة: إننا غير راغبين في اعتناق المسيحية ، ولكننا نريد أن نعرف مدي تأثير هذا الدين علي الحضارة الأمريكية ، اختار القسيس عالما في الرياضة والفلك هو البروفيسور (بيتر و.ستونر) للتدريس لهؤلاء الشبان وبعد أربعة أشهر من هذا الواقع اعتنقوا الدين المسيحي! !
أما الدوافع وراء هذا العمل المدهش فلنسمعها من الأستاذ نفسه:
(لقد كان السؤال الأول أمامي: ماذا أقول لهم عن الدين؟ إنهم لا يؤمنون بالإنجيل إطلاقا وتدريس الإنجيل علي الطريقة التقليدية لن يأتي بفائدة ما ، وفي ذلك الوقت تذكرت أني إثناء دراستي كنت ألاحظ علاقة كبيرة بين العلوم الحديثة وسفر التكوين في الإنجيل ، ولذلك رأيت أن أعرض هذا الكلام أمام هذه الجماعة من الشباب.
(وكنا-أنا والطلبة- نعرف بطبيعة الحال أن ما جاء في هذا الكتاب عن بدء الكون قد كتب قبل آلاف السنين من كشوف العلوم الحديثة عن الأرض والسماء ، وكنا نشعر كذلك أن أفكار الناس في زمن موسي ستبدو لغوا باطلا ، لو درسناها في ضوء معلومات العصر الحاضر.
(وقد أمضينا فترة الشتاء كلها ندرس في سفر التكوين ، وكان الطلبة يكتبون الأسئلة حول ما جاء في هذا السفر ، ثم يبحثون عن أجوبتها بكل جهد في مكتبة الجامعة. وعند انتهاء الشتاء أخبرني القسيس أن الطلبة حضروا إليه ليخبروه أنهم يريدون اعتناق المسيحية ، وقد أقروا أنه ثبت لهم أن الإنجيل كتاب موحي من عند الله(157).)
* * *
وعلي سبيل المثال يقول سفر التكوين عن حالة الأرض في بداية الأمر:
(لقد غشي علي الأغوار ظلام)(158)
---(1/435)
وهذا هو أحسن تصوير للحالة التي وجدت في الأرض في ذلك الوقت ن كما عرفناها من العلوم الحديثة ، فكان سطح الأرض حارا جدا ، وتبخرت المياه بسبب هذه الحرارة ، ولم يصل النور إلي سطح الأرض ، لأن مياه بحارنا كانت في صورة سحب كثيفة في الفضاء ، وكان ظلام يسود الأرض.
* * *
إننا نؤمن بأن الإنجيل والتوراة من الكتب الإلهية ، مثل القرآن الكريم ، ولذلك توجد فيهما قبسات من العلم الإلهي ، ولكن النصوص الأصلية قد ضاعت وطرأ فارق كبير بين الإنجيل الحقيقي وإنجيل هذا العصر ، بعد مضي ألفي عام حافلة بعمليات الترجمة من لغة إلي أخري ، ثم بأعمال التحريف البشريHuman Interpolation الذي أصاب النسخة الإلهية أكثر ما أصاب ، علي حد تعبير العالم الأمريكي (كريسي موريسون)(159).
ولما كانت هذه الصحائف قد فقدت قيمتها نتيجة لما حدث فقد أرسل اله تعالي (طبعة جديدة) من كتابه إلي البشر وهذا الكتاب هو (القرآن الكريم) وهو يحمل من أجل صحته وكماله ، كل المميزات والخصائص التي لا توجد منها سوي لمحات في الكتب القديمة.
وسوف أستعرض هنا هذه الخاصة دليلا ثالثا من أدلتي علي صدق القرآن الكريم ، ولقد أنزل القرآن قبل عصر النهضة ، ولكن أحدا من الناس لم يستطع إبطال شيء مما جاء به ولو كان هذا القرآن من كلام البشر ، لعد ذلك ضربا من ضروب الإحالة.
* * *
---(1/436)
نزل القرآن في عصر لم يكن الإنسان يعرف فيه عن الطبيعة إلا القليل النادر ، وكانوا يرون أن الأمطار تنزل من السماء ، وأن الأرض مستوية كالفراش وأن السماء سقف الأرض ، وكانوا يرون أن النجوم مسامير لامعة من الفضة مركبة في قبة السماء ، أو أنها قناديل معلقة في الفضاء! وكان أهل الهند الأقدمون يؤمنون بأن الأرض محمولة علي أحد قرني (البقرة الأم) ، وهي حين تقوم بنقل الأرض من قرن إلي آخر يحدث زلزال علي البسيطة(160). وكان العلماء يرون أن الشمس ساكنة بلا حراك وأن الأرض تدور حولها ، إلي أن جاء (كوبرنيك)(1473/1543م) وعرض فكرته الشهيرة عن حركة الشمس.
* * *
وهكذا تقدم العلم رويدا رويدا ، إلي أن زادت قوة المشاهدة والدراسة لدي الإنسان ، فكشف عن أسرار كثيرة. والآن لا نجد جزءا ما من معلوماتنا عن أجزاء الجسم وشعب العلم المختلفة ، إلا وقد تغيرت نظرتنا إليه كلية وثبت بطلان عقائد العصر القديم.
ويدل هذا بكل صراحة علي أنه لا وجود لكلام إنساني تدوم صحته كليا. . . لأن الإنسان يتكلم عما هو معروف من المعتقدات والعلوم في عصره ، إنه سوف يسرد ما وجده في زمنه سواء وقع كلامه في دائرة الشعور أو اللاشعور. ولذلك لا نجد كتابا مضي عليه حين من الدهر إلا وهو مملوء بالأغلاط والأخطاء من سائر نواحيه ، نظرا إلي الكشوف الجديدة في كل الميادين.
ولكن مسألة القرآن الكريم تختلف تمام الاختلاف عن هذه الكلية! فهو حق وصادق في كل ما قال كما كان في القرون الغابرة. ولم يطرأ علي مقاله أي تغير رغم مضي قرون وعصور طويلة. وهذا في نفسه دليل علي أن منبعه عقل جبار يحيط بالأزل وبالأبد علما ، وهو يعلم سائر الحقائق في صورها النهائية والحقيقية ، ولا يخضع علمه ومعرفته لحواجز الزمان والمكان والأحوال. ولو كان هذا الكلام صادرا عن بشر محدودي النظر والعلم لكان الزمان قد أبطله منذ عصور عديدة ، كما يحدث لكل كلام إنساني في مستقبله.
---(1/437)
إن المحور الحقيقي لرسالة القرآن هو السعادة الأخروية ، فهو بذلك لا يدخل في دائرة أي من علومنا وفنوننا الحديثة. ولكن حيث إنه يخاطب (الإنسان) في حقيقة الأمر ، فهو يمس كل ما هو متعلق بالإنسان وهي مسألة دقيقة وموقف جد خطير. . لان المرء حين يكون جاهلا ، أو ناقص المعلومات حول مشكلة ما ، ثم يتجرأ ليتكلم عن تلك المشكلة-ولو إجمالا-فلابد أن يكبو في حديثه وذلك حين يستخدم كلمات أو عبارات لا علاقة لها بالواقع والحقائق!
وعلي سبيل المثال: قال أرسطو استدلالا علي أسبقية الرجل علي المرآة: إن فم المرأة يحوي أسنانا أقل عددا من أسنان الرجل! ! ومن المعروف أن هذا الكلام لا علاقة له بعلم الأجسام ، بل هو يدل علي أن صاحبه جاهل بهذا العلم ، فإن عدد الأسنان سواء لدي الرجل والمرآة. ولكن من المدهش حقا أن القرآن- حني فيما يمس أكثر العلوم الحديثة من ناحية أو أخري- لا يحتوي كلمة ما أثبت العلم فيما بعد أنها من صنع رجل جاهل بذلك الموضوع ، وهذا يوضح صراحة أنه كلام موجود فوق الطبيعة ؛ وهو علي معرفة تامة بكل شيء علي حين لم يكن أحد يعلم شيئا وهو يعلم أيضا كل ما يجهله البشر في هذا العصر مع تقدم العلوم. .
وسوف أورد هنا بعض الأمثلة التي تدل صراحة علي أن القرآن الكريم يحيط بالحقائق التي لم تعرف إلا في عصرنا هذا ، وإن كانت إحاطته هذه ضمن إشارات غير مقصودة لذاتها.
---(1/438)
ويجب أن أقول ، تمهيدا لهذا البحث: إن مطابقة لكلمات (القرآن) وألفاظه للكشوف الحديثة مبنية علي أن العلم الحديث قد استطاع الكشف عن أسرار الواقعة موضوع البحث ، فتوفرت لدينا مواد نافعة لتفسير الإشارات القرآنية في ذلك الموضوع. ولو أن دراسة المستقبل في موضوع ما تبطل واقعة من وقائع العلم الحديث كليا أو جزئيا فليس هذا بضائر مطلقا صدق القرآن ، بل معناه أن المفسر لأخطأ في محاولته لتفسير إشارة مجملة في القرآن ، وإنني لعلي يقين راسخ بأن الكشوف المقبلة سوف تكون أكثر إيضاحا لإشارات القرآن وأكثر بيانا لمعانيه الكامنة.
* * *
تقسيم لآيات القرآن:
ونستطيع أننقسم الآيات القرآنية المتعلقة بهذا الجانب إلي نوعين:
الأول: ما عرف عنه الإنسان-حني ذلك العصر- أمورا جانبية وسطحية.
والثاني: ما لم يعرف عنه ذلك الإنسان شيئا مطلقا.
عن هنالك أشياء كثيرة كان الأقدمون يعرفون عنها بعض المعارف الجزئية وكانت معرفتهم هذه ناقصة جدا بالنسبة إلي المعرفة التي أتيحت للإنسان اليوم ، بفضل الاختراعات الحديثة. وقد واجه القرآن في هذا الصدد مشكلة كبري ، فهو لم يكن كتابا في العلوم والهندسة ، ولذلك لو أنه كان بدأ يكشف عن أسرار الطبيعة لاختلف الناس فيما بينهم حول ما جاء في القرآن ، ولاستحال عندئذ بلوغ الهدف الحقيقي من نزول القرآن ، وهو إصلاح العقل الإنساني وتزكيته. فمن إعجاز القرآن أنه تكلم في لغة العلم قبل كشفه كما أنها ستعمل كلمات وتعبيرات لم يستوحشها أذواق الأقدمين ولا معارفهم علي حين أحاطت بكشوف العصر الحديث!
* * *
النوع الأول:
(أ ) ذكر القرآن الكريم قانونا خاصا بالماء في سورتين: هما الفرقان والرحمن.
وجاء في السورة الأولي:
(وهو الذي مرج البحرين. هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج. وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا(161)).
وأما الآية التي وردت في السورة الأخرى فهي تقول:
(مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان(162)).
---(1/439)
إن الظاهرة الطبيعية التي يذكرها القرآن في هذه الآيات معروفة عند الإنسان منذ أقدم العصور ؛ وهي أنه إذا ما التقي نهران في ممر مائي واحد فماء أحدهما لا يدخل (أي لا يذوب) في الآخر. وهناك علي سبيل المثال نهران يسيران في (تشاتغام) بباكستان الشرقية إلي مدينة (أركان) في (بورما) ويمكن مشاهدة النهرين مستقلا أحدهما عن الآخر ويبدو أن خيطا يمر بينهما حدا فاصلا ؛ والماء عذب في جانب وملح في جانب آخر. وهذا هو شأن الأنهار القريبة من السواحل فماء البحر يدخل ماء النهر عند حدوث (المد البحري) ولكنهما لا يختلطان ويبقي الماء عذبا تحت الماء الأجاج. وهكذا شاهدت عند لتقي نهري الكنج والجامونا في مدينة (الله آباد) فهما رغم التقائهما لم تختلط مياههما ويبدو أن خيطا فاصلا يميز أحدهما من الآخر (163).
إن هذه الظاهرة كما قلت كانت معروفة لدي الإنسان القديم. . ولكنا لم نكشف قانونها إلا منذ بضع عشرات من السنين. فقد أكدت المشاهدات والتجارب أن هناك قانونا ضابطا للأشياء السائلة ، يسمي (قانون المط السطحي)Surface Tension وهو يفصل بين السائلين ، لأن (تجاذب) الجزئيات يختلف من سائل لآخر ، ولذا يحتفظ كل سائل باستقلاله في مجاله. وقدا ستفاد العلم الحديث كثيرا من هذا القانون الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله سبحانه: (بينهما برزخ لا يبغيان). وملاحظة هذا البرزخ لم تخف عن أعين القدماء كما لم تتعارض مع المشاهدة الحديثة ، ونستطيع بكل ثقة أن نقول: إن المراد من (البرزخ) إنما هو (المط أو التمدد السطحي) الذي يوجد في المائين والذي يفصل أحدهما عن الآخر.
---(1/440)
ويمكن فهم هذا المط السطحي بمثال بسيط وهو: أنك لو ملأت كوبا بالماء فإنه لن يفيض إلا إذا ارتفع عن سطح الكوب قدرا معينا. . والسبب في ذلك أن (جزئيات) السوائل عندما لا تجد شيئا تتصل به فوق سطح الكوب تتحول إلي ما هو تحتها ، وعندئذ توجد (غشاوة مرنة)Elastic Film علي سطح الماء ؛ وهذه الغشاوة هي التي تمنع الماء من الخروج عن الكوب لمسافة معينة وهي غشاوة قوية لدرجة أنك لو وضعت عليها إبرة من حديد فإنها لن تغوص! وهذه الظاهرة هي ما يسمي بالمط السطحي ، الذي يحول دون اختلاط الماء والزيت والذي يفصل بين الماء العذب والملح.
* * *
(ب) وجاءت في القرآن بيانات مماثلة وعلي سبيل المثال:
(الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها(164))
وهذه الآية مطابقة لما كان يراه الرجل القديم ؛ فإنه كان يشاهد عالما كبيرا قائما بذاته في الفضاء مكونا من الشمس والقمر والنجوم ، ولكنه لم ير لها أية ساريات أو أعمدة ، والرجل الجديد يجد في هذه الآية تفسيرا لمشاهدته ، التي تثبت أن الأجرام السماوية قائمة دون عمد في الفضاء اللانهائي ، بيد أن هنالك (عمدا غير مرئية) ؛ تتمثل في قانون (الجاذبية) Gravitation Pull وهي التي تساعد كل هذه الأجرام علي البقاء في أمكنتها المحددة.
(ج)وقد قال القرآن عن الشمس والنجوم:
(وكل في فلك يسبحون(165))
وكان الإنسان في العصر الغابر يشاهد أن النجوم تتحرك وتبتعد عن أمكنتها بعد وقت معين. ولذلك لم يكن هذا التعبير القرآني موضع دهشتهم واستغرابهم ، ولكن البحوث الحديثة قد خلعت علي هذه التعبيرات ثوبا جديدا ؛ فليس هنالك تعبير أروع ولا أدق من (السباحة) لدوران الأجرام السماوية في الفضاء البسيط اللطيف!
* * *
(د) وقال القرآن الكريم عن الليل والنهار:
(يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا(166).
---(1/441)
إن هذه الآية الكريمة تشرح للإنسان القديم سر مجئ الليل بعد النهار. . ولكنها تحوي إشارة رائعة إلي دوران الأرض محوريا ، وهو الدوران الذي يعتبر سبب مجئ الليل والنهار طبقا لمعلوماتنا الحديثة.
وسوف أذكر القراء-هنا-بأن من بين المشاهدات التي أدلي بها رجل الفضاء الروسي (جاجارين) بعد دورانه في الفضاء حول الأرض: أنه شاهد (تعاقبا سريعا) Rapid Succession للظلام والنور علي سطح الأرض بسب دورانها المحوري حول الشمس.
وهناك بيانات كثيرة جدا من هذا القبيل في القرآن الكريم. .
* * *
النوع الثاني من الآيات:
وأما النوع الثاني من الآيات القرآنية المتعلقة بالموضوع ، فلم يعرف عنها الرجل القديم شيئا ما علي الإطلاق. وقد تناول القرآن تلك الموضوعات كاشفا الغطاء عن أسرار بالغة الأهمية ، ثبت صدقها بعد الدراسات الحديثة وسوف أعرض في الصفحات التالية بعض الأمثلة من مختلف فروع العلوم الحديثة.
* * *
أولا : علم الفلك :
يطرح القرآن الكريم فكرة معينة ومحدودة المعالم حول بداية الكون المادي ونهايته ، وكانت هذه الفكرة غير معروفة لدي الإنسان الجديد قبل قرن من الزمان. . أما الإنسان القديم فلا مجال للقول بأنه كان من الممكن أن يتطرق عقله الصغير إلي هذه الفكرة أو أجزائها ، وجاء العلم الجديد ليشهد علي ما جاء في القرآن الكريم.
يعبر القرآن عن بداية الكون علي النحو التالي:
(أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما(167)).
أما عن نهاية الكون فهو يقول:
(يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب)(168).
فالكون بناء علي تفسير هذه الآيات كان منضما ومتماسكا (الرتق: منضم الأجزاء) ثم بدأ يتمدد في الفضاء ، ويمكن رغم هذا التمدد تجميعه مرة أخري في حيز صغير.
---(1/442)
وهذه هي الفكرة العلمية الجديدة عن الكون ؛ فقد توصل العلماء ، خلال أبحاثهم ومشاهدتهم لمظاهر الكون ، إلي أن (المادة) كانت جامدة وساكنة في أول الأمر ؛ وكانت في صورة غاز ساخن ، كثيف متماسك. وقد حدث انفجار شديد في هذه المادة قبل5,000,000,000,000 سنة علي الأقل ، فبدأت المادة تتمدد وتتباعد أطرافها.
ونتيجة لهذا أصبح تحرك المادة أمرا حتميا لابد من استمراره طبقا لقوانين الطبيعة التي تقول: إن قوة (الجاذبية) في هذه الأجزاء من المادة تقل تدريجيا بسبب تباعدها (ومن ثم تتسع بينها بصورة ملحوظة).
ويعتقد العلماء أن دائرة المادة كانت 1,000 مليون سنة ضوئية في أول الأمر. وقد أصبحت هذه الدائرة الآن كما يقول البروفيسور (إيدنجتون): عشرة أمثال بالنسبة إلي الدائرة الحقيقية. وهذه العملية من التوسع والامتداد مستمرة دون ما توقف. وكما يقول البروفيسور (إيدنجتون):
(إن مثال النجوم والمجرات: كنقوش مطبوعة علي سطح بالون من المطاط ، وهو ينتفخ باستمرار ؛ وهكذا تتباعد جميع الكرات الفضائية عن أخواتها بحركاتها الذاتية في عملية التوسع الكوني(169)).
وأما الأمر الآخر فقد ثبت لنا صدقه كما ورد في القرآن. فكان الإنسان القديم يري أن النجوم يبتعد بعضها عن بعض رأي العين ؛ ولكننا نراها متقاربة لبعدها الهائل عن الأرض وهي في حقيقة الأمر متباعدة بمسافات قياسية.
ولم يقف الأمر بنا عند هذا الحد ، بل عرفنا أيضا أن تلك الأجسام والأجرام التي كنا نشاهدها في قديم الزمن ، وكنا نحسبها كاملة وسالمة ، أكثرها يحتوي علي فضاء خال.
---(1/443)
وقد عرفنا أن كل جسم مادي يدور حول نظام له ، مثل النظام الشمسي الذي تدور حوله نجوم وسيارات كثيرة. ومن أمثلته نظام (الذرة). فنحن نشاهد الفضاء الخالي في (النظام الشمسي) ولكننا نعجز عن مشاهدة فضاء (النظام النووي) لصغر حجمه المتناهي. . حني إنه يستحيل مجرد مشاهدة هذا النظام(170). ومعني ذلك أن كل شيء حني لو بدا متماسكا-يحوي حيزا من الفضاء في داخله. ومثاله: أننا لو جردنا الفضاء أو المكانSpace من الذرات المادية في الجسم الإنساني ذات الستة الأمتار ، فلن نجد إلا كمية قليلة جدا من المادة تكاد تكون متناهية الوجود.
وهكذا يري علماء الطبيعة الفلكية (Astro- Physicists) أننا لو طوينا كل شيء في الكون بدون أن نترك للفضاء مكانا ، فسيكون حجم الكون كله ثلاثين ضعفا من حجم الشمس! ! ويمكن قياس سعة الكون من أن أبعد مجرة استطاع الإنسان الكشف عنها تبعد بضعة ملايين من السنين الضوئية عن النظام الشمسي.
* * *
3- لقد توصل العلماء خلال أبحاثهم إلي أنه لابد في المستقبل القريب- وطبقا لقانون دوران الأجرام السماوية- ا، يقترب القمر من الأرض ، حني ينشق من شدة الجاذبية وتتناثر أجزاؤه(171). وسوف تحدث عملية انشقاق القمر هذه بناء علي نفس القانون الذي يحكم المد والجزر في البحار. فالقمر هو أقرب جيراننا في الفضاء ، ولا يبعد عن الأرض غير240.000 ميلا ، وهذا القرب يؤثر علي البحار مرتين يوميا ، حيث ترتفع فيها أحيانا أمواج يبلغ طولها ستين مترا ، وأما تأثير هذه الجاذبية علي سطح الأرض فيبلغ عدة بوصات! !
إن المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر تماما لصالح أهل الأرض. ولو نقص هذا الفاصل إلي خمسين ألفا من الأميال-علي سبيل المثال- فسوف يحدث طوفان شديد في البحار ، وسوف تغطي أمواجها أكثر مناطق الأرض المأهولة ، وسوف يغرق كل شيء ، حني لتتحطم الجبال من شدة تموج البحار ، وسوف تحدث شقوق مروعة علي سطح الأرض من وطأة الجاذبية! !
---(1/444)
ويري علماء الفلك أيضا أن الأرض قد مرت بكل هذه الأدوار أثناء عملية التكوين حني وصلت إلي بعدها الحالي من القمر بناء علي قانون الفلك ، وهذا القانون هو نفسه سوف يأتي بالقمر قريبا من الأرض مرة أخري. . ويرون أن من المتوقع حدوث هذا قبل بليون سنة(172). وعندئذ سوف يتناثر حول فضاء الأرض في صورة حلقة.
أليست هذه النظرية من أعظم موافقات العلم لتلك النبوءة الواردة في القرآن الكريم ، حول انشقاق القمر حين تقترب القيامة(173)؟
اقرأوا قوله تعالي:
(اقتربت الساعة وانشق القمر ، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر(174)).
* * *
ثانيا علم طبقات الأرض:
1- جاء في القرآن الكريم غير مرة أن الجبال أرسيت في الأرض حفاظا علي توازنها ومن ذلك قوله تعالي:
(وألقي في الأرض رواسي أن تميد بكم(175)).
ولقد ظل العلم جاهلا بهذه الحقيقة طوال القرون الثلاثة عشر الماضية ولكن دارسي الجغرافيا الحديثة يعرفونها جيدا تحت اسم (قانون التوازن)Isostasy. ولا يزال العلم الحديث في مراحله البدائية بالنسبة إلي أسرار هذا القانون ، ويقول الأستاذ إنجلن:
(من المفهوم الآن أن المادة- الأقل وزنا- ارتفعت علي سطح الأرض ، علي حين أصبحت أمكنة المادة الثقيلة خنادق هاوية ، وهي التي نراها في شكل البحار. وهكذا استطاع الارتفاع والانخفاض أن يحافظا علي توازن الأرض(176)).
ويري عالم آخر من باحثي الجغرافيا:
(وفي البحار أيضا توجد وديان البر. ولكن وديان البحر أكثر غورا وأبعد عمقا من تلك التي توجد في البر ؛ كما أنها بعيدة عن المجال التجريبي للإنسان. ويبدو أنه قد حدثت مغارات عميقة في البحار. (ويبلغ عمق بعض هذه الوديان35ألأف قدم عن سطح البحر ؛ وهذا العمق أعلي من أعظم جبال العالم ارتفاعا. ويبلغ من عمق هذه الوديان البحرية أحيانا أنه لو وضعت فيها قمة (إيفرست) من سلسلة جبال (الهملايا) والتي يبلغ طولها29,002 فسيكون سطح البحر فوقها بمسافة ميل كامل)!
---(1/445)
(ومن الظواهر المحيرة أن هذه الخنادق البحرية توجد قرب السواحل البرية بدل أن توجد في أعالي البحار. ولكن قرب هذه الوديان من الجزر والبراكين يدل علي أن هناك علاقة بين طول الجبال والخنادق البحرية. . وهو أن الأرض يقوم توازنها علي أساس الارتفاع والعمق (في أجزائها المختلفة). ويري بعض كبار علماء الجغرافيا ألأنه من الممكن أن تكون الأغوار البحرية علامات علي جزر قد تظهر في المستقبل. وسببه أن الرواسب والمخلفات لكل من البر والبحر تترسب في هذه الوديان وقد سويت مناطق كبيرة من هذه الوديان بعد أم ملأتها هذه الرواسب. ولهذا من الممكن-بناء علي عدم التوازن الذي يحدث عن هذه العملية- أن تبرز جبال جديد في أي وقت ، أو تظهر سلسلة جديدة من الجزر ومما يؤكد ذلك أنه قد وجدت آثار الرواسب البحرية في بعض الجبال الساحلية.
وعلي كل حال ، لا توجد نظرية- في ضوء المعلومات الحالية للإنسان- لتقوم بتفسير الوديان البحرية ، وهذه المغارات الدائمة البرودة والتي توجد في ظلام حالك ، وتحت ضغط قدره سبعة أطنان علي كل بوصة- لا زال ذلك كله لغزا أمام الإنسان كألغاز البحر الأخرى(177)! ! )
2- وقد جاء في القرآن الكريم أنه قد مضي علي الأرض زمن طويل سواها الله خلاله ؛
قال تعالي:
(والأرض بعد ذلك دحاها.أخرج منها ماءها ومرعاها(178)).
وهذه الآية الكريمة تطابق مطابقة عجيبة أحدث الكشوف العلمية ؛ وهو: (نظرية تباعد القارات) أو انتشارها(Theory of Drifting Continents). ومغزى هذه النظرية: أن جميع القارات كانت في وقت من الأوقات أجزاء متصلة ، ثم انشقت وبدأت (تنقذف) أو تنتشر من تلقاء نفسها ، وهكذا وجدت قارات تحول دونها بحار واسعة.
---(1/446)
وقد طرحت هذه النظرية في العالم عام1915 ، لأول مرة حين أعلن خبير طبقات طبقات الأرض الألماني الأستاذ (الفريد واجنر) أنه لو قربت القارات جميعا ، فسوف تتماسك ببعضها كما يحدث في ألعالب الألغاز التي تسمي Jigsaw Puzzle. ويمكن مشاهدتها في الأشكال الثلاثة التي تبين هذه النظرية (انظر ص150).
* * *
وهناك شبه كبير يوجد علي سواحل البحار المختلفة ، كأن نجد جبالا متماثلة عمرها الأرضي (واحد) ؛ وكأن نجد فيها دواب وأسماكا ونباتات متماثلة أيضا! وهذا هو ما دفع عالم النباتات البروفيسور رونالد جود(Rand Good) في كتابه: جغرافية نباتات الزهور(Geography of Flowering Plants)- إلي أن نقول:
(لقد اتفق علماء النباتات علي النظرية القائلة بأنه لا يمكن تفسير ظاهرة وجود نباتات متماثلة في مختلف قارات العالم إلا إذا سلمنا بأن أجزاء الأرض هذه كانت متصلا بعضها ببعض في وقت من الأوقات).
وقد أصبحت هذه النظرية علمية تماما بعد تصديق (الجاذبية الحجرية) لها (Fossil Magnetism) ، فإن العلماء اليوم-بعد دراسة اتجاهات ذرات الحجارة- يستطيعون تحديد موقع أي بلد وجدت به هضبة تلك الحجارة في الزمن القديم. وقد أكدت هذه الدراسة في (الجاذبية الأرضية) أن أجزاء الأرض لم تكن موجودة في القديم بالأمكنة التي توجد بها اليوم ، وإنما كانت في ذلك المكان الذي تحدده (نظرية تباعد القارات )، وفي هذا الأمر يقول البروفيسور بلاكيت(179):
(إن دراسة أحجار الهند تبين أنها كانت توجد في جنوب خط الاستواء قبل سبعين مليون سنة ؛ وهكذا تثبت دراسة جبال جنوب إفريقيا أن القارة الإفريقية انشقت عن القطب الجنوبي قبل ثلاثمائة مليون سنة(180)).
* * *
لقد ورد في الآية المذكورة آنفا لفظة (الدحو) ومعناه تسوية الشئ ونثره كما يقال: (دحا المطر الحصى عن وجه الأرض) وهذا هو نفس مفهوم الكلمة الإنجليزية:(Drift) التي استخدمت في التعبير عن النظرية الجغرافية الحديثة.
---(1/447)
لسنا نملك أمام هذا التوافق المدهش بين ما ورد في الماضي البعيد وما اكتشف بالأمس القريب- إلا أن نؤمن بأن هذا الكلام صادر عن موجود يحيط علمه بالماضي ، والحال ، والمستقبل علي السواء.
* * *
ثالثا- علم الأغذية:
إن قائمة الأغذية التي يقررها القرآن الكريم تحرم (الدم) ، وكان الإنسان غافلا عن أهمية هذا التحريم ، ولكن التحليلات التي أجريت للدم قد أكدت أن هذا القانون كان مبنيا علي أهمية خاصة بالنسبة إلي الصحة. فالتحليل يثبت أن (الدم) يحتوي كمية كبيرة من (حمض البوليك) Uric Acid، وهو مادة سامة تضر بالصحة لو استعملت غذاء. وهذا هو السر في الطريقة الخاصة التي أمر بها القرآن في ذبح الحيوانات. والمراد من (الذبح) في المصطلح الإسلامي هو الذبح بطريقة معينة حني يخرج سائر الدم من جسم الحيوان ، وهي أن نقطع الوريد الرئيسي. الذي يوجد في العنق فقط. وأن نمتنع عن قطع الأوردة الأخرى ، حني يمكن استمرار علاقة المخ بالقلب إلي أن يموت الحيوان ، لكيلا يكون سبب الموت الصدمة العنيفة التي وجهت إلي أحد أعضاء الحيوان الرئيسية ، كالدماغ أو القلب أو الكبد ، والمقصود من هذا هو أن الدماء تتجمد في العروق وتسري إلي أجزاء الجسم لو مات الحيوان في الحال-علي إثر صدمة عنيفة- وهكذا يتسمم اللحم كله ، نتيجة سريان (حمض البوليك) في أنحائه.
---(1/448)
ولقد حرم القرآن لحم (الخنزير) ولم يعرف الإنسان في الماضي شيئا عن أسرار هذا التحريم ، ولكنه يعرف اليوم أن لحم الخنزير يسبب أمراضا كثيرة ، لأنه يحتوي أكبر كمية من (حمض البوليك) بين سائر الحيوانات علي ظهر الأرض أما الحيوانات الأخرى غير الخنزير فهي تفرز هذه المادة بصفة مستمرة عن طريق البول. وجسم الإنسان يفرز90% من هذه المادة بمساعدة (الكليتين). ولكن الخنزير لا يتمكن من إخراج (حمض البوليك) إلا بنسبة اثنين في المائة(2%) ، والكمية الباقية تصبح جزءا من لحمه ولذلك يشكو الخنزير من آلام المفاصل ، والذين يأكلون لحمه هم الآخرون يشكون من آلام المفاصل والروماتيزم(181) ، وما إلي ذلك من الأمراض المماثلة(182).
* * *
إن الباحث في القرآن الكريم يجد أمثلة لا حصر لها من هذا القبيل الذي أشرنا إلي بعضه في الصفحات الماضية ، وهي دليل قطعي علي أ، القرآن صادر عن عقل غير إنساني. وتؤكد البحوث التي اضطلع بها العلماء في العصر الحاضر بطريقة مدهشة صدق تكلم النبوءة التي وردت في القرآن الكريم:
(سنريهم آياتنا في الآفاق ، وفي أنفسهم حني يتبين لهم أنه الحق(183)).
* * *
وسوف أختم هذا الباب بواقعة رواها العالم الهندي المغفور له الدكتور عناية الله المشرقي وهو يقول:
---(1/449)
(كان ذلك يوم أحد من أيام سنة1909 ، وكانت السماء تمطر بغزارة وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما ، فإذا بي أري الفلكي المشهور السير جيمس جينز-الأستاذ بجامعة كمبردج-ذاهبا إلي الكنيسة ، والإنجيل والشمسية تحت إبطه فدنوت منه وسلمت عليه فلم يرد علي فسلمت عليه مرة أخري فسألني (ماذا تريد مني؟) فقلت له: (أمرين يا سيدي! الأول هو: أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر!) فابتسم السير جيمس وفتح شمسيته علي الف5ور. فقلت له: ( وأما الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلا ذائع الصيت في العالم-مثلك- أن يتوجه إلي الكنيسة؟) وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظة ثم قال: (عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي). وعندما وصلت إلي داره في المساء خرجت (ليدي جيمس) في تمام الساعة الرابعة بالضبط وأخبرتني أن السير جيمس ينتظرني. وعندما دخلت عليه في غرفته ، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي. وكان البروفيسور منهمكا في أفكاره. وعندما شعر بوجودي سألني: (ماذا كان سؤالك؟)، ودون أ، ينتظر ردي بدأ يلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية ونظامها المدهش وأبعادها وفواصلها اللامتناهية وطرقها ومداراتها وجاذبيتها وطوفان أنوارها المذهلة حني إنني شعرت بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله. وأما (السير جيمس) فوجدت شعر رأسه قائما والدموع تنهمر من عينيه ويداه ترتعدان من خشية الله ، وتوقف فجأة ثم بدأ يقول: (يا عناية الله ! عندما ألقي نظرة علي روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي ، وعندما أركع أمام الله وأقول له: (إنك لعظيم!) أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء وأشعر بسكون وسعادة عظيمين. وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألأف مرة أفهمت يا عناية الله خان ، لماذا أذهب إلي الكنيسة؟).
---(1/450)
ويضيف العلامة عناية الله قائلا: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانا في عقلي وقلت له: (يا سيدي لقد أثرت جدا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي وتذكرت بهذه المناسبة آية من آي كتابي المقدس فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم) فهز رأسه قائلا : (بكل سرور) فقرأت عليه الآية التالية:
(ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك. إنما يخشى الله من عباده العلماء). .(184)
فصرخ السير جيمس قائلا:
ماذا قلت؟-إنما يخشى الله من عباده العلماء؟ !مدهش! وغريب وعجيب جدا! ! إن الأمر الذي كشف عنه دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة من أنبأ محمد به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك فاكتب شهادة مني أن القرآن، كتاب موحي من عند الله.
ويستطرد السير جيمس جينز قائلا:
لقد كان محمد أميا ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السر بنفسه ولكن الله هو الذي أخبره بهذا السر. .مدهش. .! وغريب وعجيب جدا(185)! !)
* * *
أنتهى
---
الإسلام يتحدى...إثبات النبوة من السيرة النبوية المطهرة
السلام على من إتبع الهدى
الأخوة الكرام...الزملاء الباحثين عن الحق...اضع بين يديكم فصلين من كتاب صنف من أجمل كتب القرن المنصرم..انه (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان
هذين الفصلين الأول يثبت النبوة من سيرة خير الخلق والثاني يثبت نبوة الرسول من المعجزة الخالدة القرآن كلام الله..
والكتاب هنا كامل لمن أراد الإستزاده
نقلا عن أستاذ أبو مريم فى منتدى التوحيد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2056
نرجو قبل أن يقرأ الزميل النصراني أن يخلص نيته بالبحث بصدق عن الحق
ويستعيذ بالخالق من الشيطان ويبدأ القرآءة
بسم الله نبدأ
الباب السادس
إثبات الرسالة(1/451)
من العقائد الهامة في الدين ، بعد الإيمان بالله ، عقيدة الإيمان بالرسالة ، أو الوحي والإلهام. ومعناها: أن تعالي ينزل كلامه علي إنسان يختاره من بين الناس ، ليخبر الناس بما يرضي الله تعالي. .
وحين عجزنا عن رؤية أي خط اتصال ساخن ، بين الله سبحانه وبين الرسول ، أنكرناه. ولكنا اليوم نستطيع أن نفهم هذه المسألة بسهولة تامة بفضل الحقائق المعلومة.
إن هناك وقائع كثيرة جدا تجري من حولنا في كل لحظة ، ونحن نعجز عن إدراكها ، أو سماعها ، أو الإحساس بها بوساطة أجهزتنا العصبية ، وقد استطاع العلم الحديث أن ييسر لنا إدراكها بفضل الأجهزة العلمية التي اخترعناها. وهذه الأجهزة تستطيع أن تدل علي صوت ذباب طائر علي بعد بضعة أميال ، وكأنه يطير عند أذنك!
ومن الأجهزة العلمية ما وصل التقدم فيه إلي حد أنها تسجل صدام الأشعة الكونية في الفضاء! !
لقد اخترعناه آلات كثيرة أثبتت أنها تسطيع إدراك كثير جدا من الأحداث التي لا يمكننا سماعها بالطرق السمعية التقليدية.
---
وهذه الطاقة غير العادية للسماع لا تخص الآلات العلمية الحديثة ، وإنما وهبها الله لبعض الحيوانات أيضا. ومما لا شك فيه أن جهاز سماع الإنسان محدود جدا ، ولكن أجهزة بعض الحيوانات تختلف كل الاختلاف ؛ فالكلب ، مثلا ، يستطيع أن يشم ريح الحيوان الذي مر من الطريق ، ومن ثم استغلت الكلاب في البحث عن الجرائم والمجرمين. . فالقفل المكسور ، وفجأة نراه يمسك باللص من بين الألوف.
وهناك حيوانات كثيرة تسمع أصواتا تخرج عن نطاق أسماعنا ، ولقد أثبتت البحوث في هذا الميدان أن بعض الحيوانات يتمتع بقوة (الإشراق) Telepathy. فلو أنك وضعت حشرة مما يطلق عليه (Moth) ، أو (العثة) ، وهي حشرة مجنحة-علي نافذة مفتوحة ، فستحدث صوتا يسمعه زوجها علي مسافة بعيدة جدا ، ولسوف يجيبها هذا الزوج أيضا بطريقته.(1/452)
وهناك نوع خاص من هذه الحشرات يدعي (الجندب) ، يحك رجليه وجناحيه ويصوت بطريق غير عادية ، ويسمع علي مبعدة نصف ميل وهو يحرك في هذه العملية ستمائة طن من الهواء ، ليدعو زوجه وهذه الزوج ترسل أيضا وهي ساكنة بلا حراك جوابا لا نعرفه ، إنما يعرفه الجندب الذكر ثم يلحق بها أينما كانت.
وقد أثبتت البحوث أيضا أن (أبو النطيط) العادي Grasshoper لديه قدرة خارقة علي السماع حتى إنه يستطيع أن يسمع ويحس الحركة التي تحدث في نصف قطر من ذرة الهيدروجين!
وهناك أمثلة أخري كثيرة ، تؤكد إمكان وجود وسائل غير مرئية لدي ذوي الحواس الخاصة.
وإذا كان الأمر كذلك فما وجه الغرابة في ادعاء إنسان أنه يسمع صوتا من لدن ربه ، لا يدركه عامة الناس(؟) ما دام من الممكن أن توجد في هذا العالم حركات وأصوات لا تسمعها آذان الإنسان ، ولكن تسجلها الآلات؟ وما دامت هناك رسائل تدركها حيوانات دون أخري؟
ما هو التعجب والاستبعاد؟
---
إن الله تعالي- لحكمة يعلمها- يرسل رسائله بوسائل خافتة خفية إلي الإنسان المختار للرسالة بعد أن يودع فيه صلاحية التقاطها وفهمها. فليس هناك من تصادم في الحقيقة ، بين مشاهداتنا وتجاربنا العلمية ، فهو واقع من الوقائع الكثيرة التي نشاهدها ونجربها في أمكنة وطرق مختلفة فالوحي إمكان وجدناه في شكل الواقع بعد التجربة.
* * *
وقد تبين أن تجارب الإشراق أو الانكشاف ومعرفة الغيب لا تخص الحيوانات ، وإنما توجد في الإنسان (بالقوة) ، يقول الدكتور إليكسيس كيريل (108) : (إن حدود الفرد في إطار الزمان والمكان هي مجرد افتراض(109). فيستطيع عامل الإشراق أن يجعلك تنام ، وتضحك أو تبكي ، كما يستطيع أن ينقل إليك كلمات أو خواطر ، ليست علي علم بها. إنها عملية لا تستعمل فيها أية وسائل ولا يشعر بها غير عامل الإشراق وصاحبه.(1/453)
كيف يستحيل وقوع هذه العملية نفسها بين العبد وربه؟ إننا بعد الإيمان بالله ، والإطلاع علي هذه التجارب الكثيرة بما ذلك الإشراق ، لا نجد أساسا لإنكار الوحي والإلهام.
* * *
وقد حدث سنة 1950 أن المسئولين في (بافاريا) رفعوا قضية ضد أحد النمسويين ، واسمه (فرنتر ستروبيل) ، بتهمة التدخل في برامج الإذاعة عن طريق الإشراق.
وكان فرنتر ستروبيل يستعرض أعماله في فندق ريجينا ، بميونيخ ، عندما ناول أوراق لعب الكوتشينة إلي أحد المتفرجين ، وطلب إليه اختيار ورقة ما ، وادعي أنه سوف ينقل اسم تلك الورقة واسم الفندق مع ترتيبهما ، كما هما في ذهن المتفرج ، إلي المذيع الذي كان يقرأ الأخبار من إذاعة ميونيخ المحلية ، ذلك دون أن يعرف المذيع نفسه شيئا من هذا ! !
بعد ثوان سمع الناس صوت مذيع مرتعش ، هو يقول : (فندق ريجينا- بنت البستوني) وكان الترتيب واسم الورقة صحيحين ، كما أراد المتفرج.
---
وكان الارتعاش والرهبة واضحين في صوت المذيع ولكنه واصل قراءة الأخبار. استغرب الكثيرون من المستمعين من سكان ميونيخ ، واتصل مئات منهم تليفونيا بالإذاعة يستفسرون عن السر الغامض. . فكان من الصعب عليهم إدراك علاقة الأخبار (بفندق ريجينا- بنت البستوني) : وحضر طبيب الإذاعة للكشف علي المذيع فوجده في حالة اضطراب خطيرة ، وأدلي المذيع ببيانه قائلا: (إنني شعرت بصداع شديد في رأسي ، ولا أعرف ماذا حدث بعد ذلك!)
* * *
وقد عرض العلماء نظريات عديدة لشرح هذه الصور من عملية الإشراق ، ومنها أن أمواجا تصدر من المخ وتنتشر في العالم أجمع بسرعة فائقة ، ولذلك سموها بنظرية الموجة المخيةBrain Wave Theory(110).(1/454)
ونحن نقول: إنه لما كان الإنسان يستطيع تحويل الأفكار بأكملها إلي إنسان آخر، علي بعد غير عادي ، وبدون استعمال أي واسطة مادية ظاهرية ، فلماذا تستحيل نفس العملية بين الإله وعباده؟ إن هذا المظهر من كفاءة قوي الإنسان-وأمثلته كثيرة لا تحصي- ليس إلا قرينة تجريبية تجعلنا نفهم علاقة الألفاظ والمعاني التي تربط العبد بالإله عندما يرسل رسالاته.
إن الإشراق أمر معروف لدي الناس وهو يدلنا علي فهم ذلك النظام الإشراق العظيم بين الإله والعباد ، والذي يكون في أكمل صوره حين يبلغ درجة (الوحي) وهذا الوحي لا يعدو أن يكون (إشراقا كونيا) ، من نوع الإشراقات التي عهدناها في حياتنا علي مستويات محدودة.
* * *
أولا – ضرورة الرسالة:
وينبغي-بعد وضوح إمكان الوحي والإلهام- أن نبحث عما إذا كان (ضروريا) أن يخاطب الله إنسانا ليبلغ كلامه إلي الناس؟
---
إن أكبر دليل علي هذه الضرورة هو أن الأمر الذي يخبر عنه الرسول من أهم الأمور التي تتعلق بحياة الإنسان ومصيره ، والإنسان لا يستطيع أن يصل إلي تلك الحقائق بجهوده الشخصية ، إنه يبحث منذ آلاف السنين عن حقيقة الكون كي يفهم أسرار بدء الحياة ونهايتها ، وحقائق الشر والخير وكيفية صوغ الإنسان من أجل الإنسانية ، وتنظيم أجهزة الحياة حتى تستطيع الإنسانية أن تسير قدما في طريق الخير والرفاهية. . ولم تكلل هذه الجهود بالنجاح إلي يوم الناس هذا. فقد كشفنا عن أسرار الحديد والبترول ، وتعرفنا علي حقائق الطبيعة بعد جهد قصير ، ولكننا عاجزون عن كشف (علم الإنسان) رغم أن جهود أعظم عقولنا العبقرية تواصل البحث عن هذا العلم ولم تستطع حتى الآن تحديد مبادئه وأسسه. إن هذا هو أكبر دليل علي أن الإنسان يحتاج إلي هدي الله من أجل أن يعرف نفسه!
* * *(1/455)
ومن المسلم عند الإنسان الجديد أنه لم يفلح بعد في كشف لغز الحياة ، ولكنه علي كل حال يأمل في أن يساعده القدر يوما لرفع القناع عن هذا السر المعقد ، ولا ريب أن عجز مجتمع العلم الصناعة عن إشباع الحاجات النفسية للإنسان يؤكد الفكرة التي تقول: (إننا أعطينا أهمية غير عادية للعلوم المادية ، علي حين تركنا العلوم الإنسانية في مراحلها البدائية) ، أما الذين دفع بهم طموحهم الجارف إلي العمل في هذا المجال ، مجال (العلوم الإنسانية) فهم كذلك لم يستطيعوا كشف شيء ما ، بل لجوا في ضلال يعمهون ، يقول الدكتور إلكسيس كيريل (الحائز علي جائزة نوبل للعلوم):
(إن مبادئ الثورة الفرنسية ، وأفكار ماركس ، ولينين ، لا تنطبق إلا علي الإنسان العقلي المثالي. ومن الواجب أن نشعر بصراحة تامة بأن قوانين العلاقات الإنسانية لم تكشف بعد.
أما الاجتماع والاقتصاد وما أشبههما ، فهي علوم افتراضية محضة ، بدون أدلة يمكن إثباتها بها(111)).
---
ولا شك أن علومنا الجديدة قد فتحت مجالات أمام الإنسان ، ولكنها في نفس الوقت جعلت المسألة أكثر تعقيدا ، ولم تساعد في حل الأزمة في أية مرحلة.
ويقول الأستاذ ج. و. ن. سوليفان:
(إن الكون الذي كشفه العلم الحديث هو أكثر غموضا وإبهاما من التاريخ الفكري بأكمله ، ولا شك في أن علمنا عن الطبيعة أكثر غزارة من أي عصر مضي ، ولكن هذه المعلومات كلها غير مقنعة ، فنحن نواجه اليوم الإبهام والمتناقضات في كل ناحية(112)).
هذه الكارثة المؤسفة التي نقف أمامها ، بعد بحث طويل في العلوم المادية عن سر الحياة ، تدلنا علي أن إدراك سر الحياة لن يتاح للإنسان(113).
إن أحوالنا تحتم علينا معرفة سر الحياة ، إذ أننا لا نستطيع مواصلة الحياة في أكمل صورها دون معرفته ؛ ولذلك كان خير ما نتمنى بقلوبنا أن ندركه ، ولا يرضي أسمي جزء من شخصيتنا ، وهو العقل ، أن يطمئن بدونه. فحياتنا مبعثرة لفقداننا هذه الحقيقة.(1/456)
سر الحياة هو ضرورتنا الكبرى ، هذا من ناحية ، ولكننا ، من ناحية أخري ، لا نستطيع أن نظفر به جهودنا وحدها. .
هذه الحالة وحدها تكفي لنتبين حاجتنا الشديدة إلي (الوحي) ، فأهمية سر الحياة ، ثم خروج هذا السر عن دائرة قوي الإنسان ، يدل علي أنه لابد أن تأتي المعرفة من الخارج أيضا ، كالضوء والحرارة اللذين توقف عليهما حياة الإنسان ، ولكنهما هيئا من الخارج(114).
* * *
إن مهمتنا بعد التسليم بإمكان الوحي وضرورته ، هي أن نبحث عن الإنسان الذي يدعي أنه نبي. . هل هو صاحب الوحي في الحقيقة؟. . لقد نصت العقيدة الدينية علي مجيء عدد كبير من الأنبياء ، ولكننا سوف نبحث في هذا الباب عن نبوة رسول الإسلام: سيدنا محمد بن عبد الله (صلي الله عليه وسلم) ؛ فإن سائر الأنبياء من قبله تثبت تلقائيا لو ثبتت نبوته ، لكونه آخر الأنبياء ، ولأنه يصدقهم ولا ينكرهم ، ولأن نجاة البشرية أو هلاكها في معركة الحياة رهن بإيمانها بهذا النبي ، أو تكذيبها إياه.
---
* * *
لقد ولد الطفل بمكة صبيحة يوم29 أغسطس من عام 570م وعندما بلغ الأربعين من عمره ، أعلن أن الله تعالي أرسله خاتما للنبيين وكلفه بإبلاغ رسالته إلي جميع فئات الجنس البشري ، وأن من اتبعه نجا في الحياة الآخرة ، ومن كذبه فهو في خسران مبين.
إن أصداء هذا الصوت تمر فوق رؤوسنا اليوم بأشد قوتها ، وهو ليس بصوت عادي تتجاهله الآذان. . فهو أكبر نداء في تاريخنا يدعونا إلي تفكير دقيق ، وعلينا أن ندرسه بدقة فإما قبلناه وهو صادق وإما رفضناه لو وجدناه كاذبا. . . وهيهات.
* * *
ثانيا- مقياس الرسالة:
كل فكر يمر بثلاث مرحل ، حتى يصبح حقيقة علمية:
المرحلة الأولي : الفرض Hypothesis
المرحلة الثانية :الملاحظة Observation
المرحلة الثالثة : التحقق Verification(1/457)
والمرحلة الأولي من الحقائق هي أن نفترضها ، ثم نشاهدها وندرسها ، لنتبين صدقها أو كذبها ، فإن وجدناها صحيحة في ضوء الدراسة ، قبلناها ؛ لتصبح حقيقة علمية ، وقد ينقلب هذا الوضع فإننا في بعض الأحيان نشاهد أشياء نتوصل بها إلي نظرية ثم نبدأ البحث في ضوئها.
وبناء علي هذا الأساس فإن دعوى النبوة (فرض). وعلينا أن نفتش عما إذا كانت (الملاحظات) تؤيد هذا الفرض؟ فإذا أيدته المشاهدات أصبح (حقيقة) مصدقة ،يلزمنا قبولها. .
ولكن ما الملاحظات التي نحتاج إليها لاختبار هذا الفرض؟
وما المظاهر الخارجية التي تؤيد كون محمد (صلي الله عليه وسلم) نبيا حقا؟
وما الخصائص والميزات التي اجتمعت في الرسول ، ولا نجد لها تفسير إلا إذا قلنا: إنه كان نبيا!
في رأيي أنه لابد من مقياسين لاختيار الأنبياء:
---
أولا: أن يكون رجلا مثاليا بصورة غير عادية ، فإن الذي يصطفي ليكون كليم الله ، وليكشف للإنسان برنامج الحياة وسرها ، لابد أن يكون أسمي شخصية في النوع الإنساني ، كما لابد أن يكون حاملا مثل الحياة العليا. فإذا كانت حياته الذاتية متصفة بهذه الصفات فهي أكبر دليل علي ما يقول ؛ إذ لو كانت دعواه باطلة لما كان ممكنا أن تتجلي هذه الحقيقة الكبرى في حياته الذاتية ، حتى تسمو به فوق سائر الإنسانية ، خلقا وشمائل.
ثانيا: أن يكون كلامه ورسالته مملوئين بجوانب يستحيل حصولها لإنسان العادي ، ولا تؤمل إلا ممن ظفر بمعرفة رب الكون ، بحيث لا يمكن للعامة محاكاة ما جاء به النبي من وحي الله.
إننا سوف نبحث عن الرسول في ضوء هذين المقياسين.
* * *(1/458)
لقد شهد التاريخ بكل قطعية أن محمدا صلي الله عليه وسلم كان يتمتع بسيرة غير عادية ، ومن الممكن للمتعصبين إنكار أية حقيقة مهما كانت واضحة ، كما أن من الممكن للمنكرين ادعاء أي شيء في سبيل الاستغلال ، إذا كانوا غير راضين بالنتيجة مهما كانت صادقة وبدهية! وحسبنا أن نذكر علي ذلك موقفا من حياتنا الحديثة! فقد شاهدنا منذ سنين قليلة مثالا ساخرا لهذا المبدأ ، عندما هاجمت الصين الشعبية حدود الهند الدولية ، وأخذت الصين إزاء احتجاج الهند تتهم الهند نفسها بالعدوان! !
وفي الخطاب الذي أرسله رئيس وزراء الصين إلي الهند والذي أذيع نصه بدلهي في يناير عام 1960 ، ادعت الصين أن لها حقا في أراض هندية تبلغ مساحتها 220.000 كم مربعا! ! ويقول رئيس وزراء الصين: إن القوات الصينية لم تتقدم إلا لتدفع بالقوات الهندية المحتلة إلي الوراء! !
أليس هذا منطق التعصب والاستغلال! !
أما الذي لا يشكو من داء التعصب ، ويهيئ عقله لمطالعة الحقائق بقلب مفتوح واع ، فإنه سيسلم بعد دراسته بأن حياة محمد صلي الله عليه وسلم كانت أرقي وأحلي حياة شهدها البشر.
* * *
---
لقد أخبر محمد بن عبد الله بالنبوة وهو في الأربعين من عمره ، وكان قد اشتهر قبل هذا بدور أخلاقي ممتاز حتى لقبه الناس(بالصادق الأمين) ، وكانت قريش قد أجمعت علي أنه يستحيل أن يكذب أو يخون الأمانة.
ومن الأحداث التي جرت قبل إعلانه النبوة بخمس سنين أن أهل مكة أرادوا بناء الكعبة من جديد وكانت قريش هي صاحبة الأمر فاختلفت فيمن سيضع الحجر الأسود في مكانه ، واستمر الخلاف أربعة أيام أو خمسة ، وأوشكت السيوف أن تبرز وكاد القوم أن يتناحروا ، ثم اتفقوا علي أن يكون الفيصل في هذه القضية أول من يدخل البيت الحرام صباح غد ، وفي اليوم التالي شاهدوا أن الإنسان الأول الذي دخل البيت كان محمدا فنادوه قائلين : (هذا الأمين ، رضينا(115) ).(1/459)
إنا لا نعرف شخصية في التاريخ الإنساني تمتعت بهذا الإجلال والتكريم والتقدير وبهذه السيرة غير العادية ، ثم أصبحت موضع نزاع بعد مضي أربعين سنة من عمرها.
* * *
وعندما نزل عليه الوحي لأول مرة وهو في غار حراء ، اعتبره حادثا غريبا لم يعهده من قبل ، فرجع إلي بيته يرجف فؤادة ، وقص كل ما حدث علي زوجه : خديجة التي كانت أكبر منه سنا ، فقالت: (يا أبا القاسم والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين علي نوائب الدهر).
وكان أبو طالب عم النبي ، قد أبي حين علم أن ابنه (عليا) أسلم قال له: أي بني: ما هذا الذي أنت عليه؟ فقال : يا أبت آمنت بالله ، وبرسول الله ، صليت معه واتبعته ، فقال أبو طالب : أما إنه لم يدعك إلا إلي خير فالزمه(116)).
وعندما جمع الناس لأول مرة بعد النبوة في رحاب (جبل الصفا) سألهم : (يا بطون قريش! أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقي؟) فعلت الأصوات من كل الحناجر ، وهي تقول : (نعم ، ما جربنا عليك كذبا!)
---
إن هذا السجل التاريخي الممتاز لحياة الرسول قبل إعلان النبوة ليس له مثيل في العالم ، ولم يسبق أن أحرز مثله أي شاعر ، أو فيلسوف ، أو مفكر ، أو كاتب! ! !
* * *
وعندما أعلن محمد (صلي الله عليه وسلم) النبوة لم يكن يصدقه موضع شك ، أو بحث مطلقا لدي أهل مكة ؛ فإنهم كانوا علي علم تام بحياته الكاملة ولذلك لم يرمه أحد بتهمة الكذب أو الاحتيال ، بل ذهبوا يدعون أنه فقد وعيه أو أنه شاعر أو ساحر أو أن الجن استولت علي أعصابه ، وما إلي ذلك من الدعاوى التي تحفل بذكرها الكتب التاريخية ؛ ولكن هذه الكتب لا تشير إلي أية محاولة جرؤ صاحبها علي النيل من أمانته وصدقه. بل يسجل التاريخ أنه : (ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده ، لما يعلم من صدقه وأمانته(117)).(1/460)
وفي السنة الثالثة عشرة من النبوة ، صمم بعض شبان قريش علي قتله ، وحاصروا بيته لاغتياله ؛ وفي تلك الساعة الخطرة الحرجة قرر الهجرة إلي يثرب ، ولكنه أوصي ابن عمه (عليا) أن يرد جميع الأمانات إلي أصحابها في الصباح!
وهذا النضر بن الحارث ، وقد كان من أكبر المعارضين للنبي ، وكان يعد من الخبراء المحنكين بمكة- وقف يوما ، فألقي خطبة في جمع من قريش ، وقال:
---
(يا معشر قريش ، إنه ، والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد ، قد كان محمدا فيكم غلاما حدثا ، أرضا كم فيكم ، وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر ، لا والله ، ما هو بساحر ؛ لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم. وقلتم : كاهن ، لا والله ، ما هو بكاهن؛ قد رأينا الكهنة تخالجهم ، وسمعنا سجعهم. وقلتم: شاعر ، لا والله ، ما هو بشاعر ؛ قد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها ، هزجه ورجزه. وقلتم : مجنون ، لا والله ، ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون ، فما هو يخنقه ، ولا وسوسته ، ولا تخليطه. يا معشر قريش ؛ فانظروا في شأنكم ، فإنه والله ، لقد نزل بكم أمر عظيم).
(وكان هذا النضر من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وينصب له العداوة(118)).
وكان أبو لهب عم النبي من ألد أعدائه ، وقال له ذات مرة : (يا محمد ، إنني لا أقول : إنك كاذب ، ولكن الأمر الذي تقوم بتبليغه باطل(119)).
* * *(1/461)
إن نبوة محمد صلي الله عليه وسلم كانت عامة لسائر أهل الأرض ، غير مقصورة علي الجزيرة العربية ، ولذلك أرسل كتابات إلي ملوك البلاد القريبة ، وقد تلقي إمبراطور الروم (هرقل) كتابا من الرسول ، يدعوه إلي اعتناق الدين الجديد ، فأمر رجاله بإحضار رجل من قوم الرسول في ديوانه (120). وكان بعض التجار من قريش يقومون برحلة تجارية في بلاد الشام ، فجئ بهم إلي ديوان القيصر ، وسألهم هرقل عمن كان أقربهم نسبا بالرسول ، فأجاب أبو سفيان: (أنا أقربهم نسبا) . ثم جري حديث تاريخي هام بين هرقل وأبي سفيان ، نقتبس هنا منه شيئا:
(هرقل: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
أبو سفيان: لا
هرقل: هل يغدر؟
أبو سفيان: لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها.
فقال هرقل: قد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب علي الناس ويكذب علي الله.
---
وعندما دار هذا الحديث لم يكن أبو سفيان قد آمن بالرسول بعد ، بل كان من خصومه ، الذين ألبوا عليه العرب ، وشنوا ضده الحروب وقال ، وهو يروي هذا الحادث: (والله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه(121).
إن التاريخ علي طوله لم يشهد رجلا أدلي خصومه بآراء مثالية عن سيرته وحياته مثلما أدلي به خصوم رسول الإسلام.
إن هذا الواقع هو الآخر دليل في حد ذاته علي حقيقة دعوة النبي العربي. وسوف أنقل هنا ما قاله الدكتور ليتز عن الرسول:
(إنني لأجرؤ بكل أدب أن أٌقول: إن الله الذي هو مصدر ينابيع الخير والبركات كلها ، لو كان يوحي إلي عباده فدين محمد هو دين الوحي ، ولو كانت آيات الإيثار ، والأمانة ، والاعتقاد الراسخ القوي ، ووسائل التمييز بين الخير والشر ، ودفع الباطل هي الشاهدة علي الإلهام ، فرسالة محمد هي هذا الإلهام(122)).
* * *(1/462)
لقد عاني محمد (صلي الله عليه وسلم) من صنوف الأذى وضروب العنت والاضطهاد عندما بدأ دعوته ؛ وحاربه قومه أشد الحرب وأقساها ، فوضعوا في طريق مروره الأشواك ، وصبوا علي جسمه الطاهر أكواما من النجاسة. . بل ووجدناه ذات مرة بينما كان يؤدي صلاته ، وإذا (عقبة بن أبي معيط) يلببه بردائه بشدة حتى وقع النبي علي الأرض. . .
ولكن هذه الاستفزازات لم تؤثر في مهمة النبي فاتبعوا معه أسلوبا آخر ، وذلك حين قاطعوه هو وعشيرته من بني هاشم ، وأجبروهم علي أن يعتزلوا الناس ، فلجأوا إلي شعب بني هاشم ، ومنعوا عنهم الطعام وحرموا التعامل معهم ، ومضي علي هذه المقاطعة والحصار التاريخي ثلاث سنين ، وهم يأكلون أوراق شجر (الطلح) الجبلية المرة ، لسد حاجة البطن إلي الطعام. ويروي أحد الصحابة في هذا الحصار أنه حصل مرة علي قطعة جافة من الجلد ، فغسله بالماء ووضعه علي النار ، ثم بلله بالماء ثانية وأكمله.
---
وبعد الخروج من هذا الحصار ذهب النبي صلي الله عليه وسلم إلي أهل الطائف ، وكانت تبعد أربعين ميلا عن مكة ، وكان يقطنها الأعيان والأثرياء من ثقيف ، واستخدام هؤلاء لغة بالغة السوء مع الرسول. وذهب أحدهم متحديا: (هو يمرط (يمزق) ثياب الكعبة ، إن كان الله أرسلك) ، وقال الآخر: (أما وجد الله يرسله غيرك). وقال الثالث: (واله لا أكلمك أبدا ، لئن كنت رسولا من الله ، كما تقول ، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، لئن كنت تكذب علي الله ما ينبغي لي أن أكلمك).(1/463)
ولم يكتف هؤلاء بهذا الاستهزاء ، بل أغروا به سفهائهم وعبيدهم ، يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس يرمونه بالأحجار ، إلي أن سقط علي صخرة مثخنا بالجراح ، وحين جلس ليستريح من الجراح والعنت ، رموه حتى نهض مبتعدا عنهم ، وهم يتابعونه بالسب والإيذاء والتصفيق. . ولم يزل هذا المشهد حتى أقبل المساء ، وأوي الرسول إلي حائط لعتبة بن ربيعة ، فجلس في ظل كرمة ، وهو جريح ملطخ بالدماء. وهذا الواقع الذي كان الرسول يذكره للسيدة عائشة في قوله:
(لقد لقيت من قومك ما لقيت ؛ وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة(123)).
* * *
وعلي الرغم من هذا الأذى الشديد ، فقد ظل الرسول يدعو إلي الحق. حتى اجتمعت قريش علي أنه لا سبيل إلي التخلص منه إلا بالقتل. وبناء علي مؤامرة دبروها ، أحاط عد من رؤسائهم وشبيبتهم ببيت الرسول ، وفي أيديهم سيوفهم المسلولة ، استعدادا لاغتيال الرسول صلي الله عليه وسلم. عندما يخرج من بيته لتأدية صلاة الصبح ، ولكنه بإذن من الله ، خرج من البيت دون أن يصاب بأذى ، وهاجر إلي المدينة المنورة.
ثم أعلنت قريش قتالا ضد النبي وأعوانه ، وجروه إلي الحرب ، وورطوه في هذه الحرب زهاء عشر سنين ، وقد سقطت في معاركها أسنانه الكريمة ، وكسرت رباعيته ، كما استشهد عدد كبير من صحابته ، وعاني مع أصحابه كل ما تعانيه الشعوب الضعيفة بعد إعلان الحرب عليها.
---
وهكذا دارت رحى التاريخ خلال ثلاثة وعشرين عاما من الكفاح ، وقبيل نهاية رسالته بعامين فتحت مكة ، ويومها وقف أمامه ألد خصومه ، لا يجدون نصيرا ولا معينا. . فهم يعرفون كيف يعامل المنتصر المغلوبين ، ولكن الذي لقبه ربه بأنه (رحمة للعالمين) سألهم:
_ (يا معشر قريش ، ما تظنون أني فاعل بكم؟)
_ فقالوا: (خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم).
- فأعلنها الرسول صلي اله عليه وسلم.
(اذهبوا فأنتم الطلقاء!)(1/464)
ذلكم ، ولا شك ، أعظم مثل للرحمة والعفو ، وهو معجزة من معجزات التاريخ الإنساني. ولو كان هذا الحدث من أحداث ما قبل التاريخ ، أو لم يكن مسلما به تاريخيا ، لكذبه المكذبون الذين في قلوبهم زيغ ، وقالوا: إنها أسطورة من أساطير التاريخ ، فلم يخلق إنسان بهذه الشيم!
وما أصدق ما قاله البروفيسور بورسورث سميث:
(وعندما ألقي نظرة إجمالية أستعرض فيها صفاته و بطولاته ما كان منها في بدء نبوته ، وما حدث منها فيما بعد ، وعندما أري أصحابه الذين نفخ فيهم روح الحياة ، وكم من البطولات المعجزة أحدثوا- أجده أقدس الناس ، وأعلاهم مرتبة ، حتى إن الإنسانية لم تعرف له مثيلا(124).
إن المثل الأعلى الذي ضربه النبي في حياته الكاملة ، من الأخلاق العالية ، والزهد في الأموال والملذات ، شئ لا مثيل له في التاريخ.
لقد كان تاجرا ناجحا في مكة ، وكانت زوجه السيدة خديجة من أثري نساء العرب ، ولكن كل تجارته ، وثراء زوجته ، ذهبا في سبيل الدعوة ، ثم ابتلي ببلاء شديد ، حتى إنه قال مرة:
(لقد أخفت في الله ، وما يخاف أحد (أي مثل ما أخفت) ، ولقد أوذيت في الله ، وما يؤذي أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم ، وما لي و لبلال طعام يأكله ذو كبد ، إلا شيء يواريه إبط بلال)(125).
---
وما عاني النبي كل هذا إلا لأجل دعوته ، لقد كان من الممكن أن يعيش حياة أخري ، تختلف كل الاختلاف عن الحياة البائسة التي عاشها في سبيل رسالته ، ولقد عرضت عليه حين كان بمكة ، عروض مغرية تكفل له العيش الرخي ، والمجد السني ، فأوفد إليه رؤساء قريش (عتبة بن ربيعة) ، الذي جاء ليقول له:(1/465)
(يا ابن أخي ، إنك منا ، حيث قد علمت من السطة في العشيرة ، المكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ؛ فاسمع مني أعرض عليك أمورا ، تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها. فقال له: قل يا أبا الوليد أسمع ، قال: يا ابن أخي: إن كنت إنما تريد ، بما جئت به من هذا الأمر ، مالا ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ؛ وإن كنت تريد به شرفا ، سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ، ملكناك علينا: وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع علي الرجل حتى يداوي منه). حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله صلي الله عليه وسلم يستمع منه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم قال:
فاستمع مني ، فقال: أفعل. . عليه الآيات الأولي من سورة (فصلت) ، فلما وصل إلي قوله تعالي: (مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عتبة علي فمه وناشده الرحم أن يكف(126)).
* * *
وفي المدينة المنورة ، كان النبي صلي الله عليه وسلم رئيسا لدولة المسلمين ، وكان يتمتع بمساعدين مثاليين ، يبذلون حياتهم لأجله ، ولم يعرف لهم نظراء علي مدي التاريخ ، ولكن الوقائع التاريخية أثبتت أنه- حتى في آخر أيام حياته ، حين أظلت رايته الجزيرة العربية كلها- بقي رجلا عاديا ، غير ملتفت إلي شهوات الدنيا ومغرياتها ، حتى لحق بالرفيق الأعلى.
---
وقد روي سيدنا عمر بن الخطاب أنه دخل حجرة النبي صلي اله عليه وسلم: (فإذا هو مضطجع علي رمال حصير ليس بينه وبينه فراش ، قد أثر الرمل بجنبه ، متكئا علي وسادة حشوها ليف. . قلت : يا رسول الله أدع الله ، فليوسع علي أمتك ، فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله. فقال: أو في هذا أنت ، يا بن الخطاب؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ، وفي رواية ؛ أما ترضي عن أن تكون لهم الدنيا ، ولنا الآخرة(127)).(1/466)
ومما تحكي السيدة عائشة أنه (كان يمر الهلال ، ثم الهلال ، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ، وما توقد في أبيات الرسول صلى الله عليه وسلم نار ؛ فسألها عروة بن الزبير : فما كانت معيشتكم ، يا خالة ؟ قالت : الأسودان : التمر والماء . وقالت : وكان لنا جيران من الأنصار ، لهم ربائب يسقوننا من لبنها ، جزاهم الله خيرا .) . وقد جاء في حديث آخر : أنها ذكرت ( أن آل محمد لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية من طعام بر ، حتى مضى النبي صلى الله عليه وسلم ، لسبيله (128) ).
* * *
لقد عاش النبي هذه الحياة القاسية ، رغم كونه قادرا ، على أن يعيش حياة النعيم والترف . وعندما انتقل إلى رحمة الله لم يورث أهله شيئا ، لا دراهم و لا دنانير ، ولا غنما ولا إبلا ، حتى إنه لم يكتب أية وصية . بل إن النبي العظيم ، الذي كان على معرفة تامة بأن حدود دولته الإسلامية سوف تمتد عابرة إفريقية وآسيا ، حتى تصل إلى قلب أوروبا - قال : ( نحن معشر الأنبياء ، لا نورث ؛ ما تركنا صدقة ) .
* * *
---
إن هذه الوقائع التي أوردناها ، من الإيثار ، والإخلاص ، وسمو الأخلاق ، ليست حوادث استثنائية في حياة الرسول ، وإنما هي حياتنا بأكملها ، بل هي بالحرى ، صورة مصغرة وموجزة عن الوقائع التي كانت تحدث في حياته المثالية ، لقد ارتفع بالإنسانية إلى أسمى قمة تحلم بها ، حتى إنه لو لم يوجد ، لاضطر المؤرخون إلى القول : بأنه لم يوجد إنسان من هذا الطراز ، ولن يوجد في التاريخ .
* * *
فليس غريبا ، مطلقا ، أن يقال : إنه كان نبي الله ، ولكن الغريب أن ينكره أحد منا عنادا وغرورا .
ونحن عندما نسلم بدعواه يمكننا أن نفسر سر حياته المعجزة .
أما إذا أنكرنا نبته ، فسنفقد أي أساس لتفسير منبع أوصافه العجيبة ، التي لم نجد لها مثيلا في التاريخ .. وقد اعترف البروفيسور ( بوسورث سميث) بهذه الحقائق ، حتى إنه ليدعو البشرية كلها إلى الإيمان برسالة النبي :(1/467)
(لقد ادعى محمد لنفسه في آخر حياته نفس ما ادعاه في بداية رسالته .) وإني لأجدني مدفوعا إلى الاعتقاد بأن كلا من الفلسفة العليا والمسيحية الصادقة سوف تضطران ، يوما ما ، إلى التسليم بأنه كان نبيا .. نبيا صادقا من عند الله.(129)
* * *
أما الناحية الأخرى في قضية إثبات الرسالة المحمدية ، فهي ذلك الكتاب الذي جاء به صاحب الرسالة ، مدعيا أنه منزل من عند الله تعالى.
وهذا الكتاب يفيض بخصائص ومزايا تدل على أنه كلام غير إنساني ، وأنه من عند الله . ولما كان البحث في هذه الناحية ذا طبيعة خطيرة – نظرا لأهميته – فقد قدرنا أن ندرسه في باب مستقل ..
الباب السابع
القرآن صوت الله
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطى من الآيات ما مثله أمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة(130) ) . .
---
إن هذا الحديث النبوي يعين جوانب بحثنا الصحيحة ، فهو يقول : إن أهم وسائلنا لمعرفة النبي هو الكتاب الذي جاء به ، مدعيا أنه من عند الله ، والقرآن هو ، رسالة الرسول بين ظهرانينا ، كما أنه يبرهن على صدقه .
فما الخصائص التي تبرهن على أن القرآن من عند الله ؟
إنها متعددة الجوانب كثيرة ، نستطيع أن نلخصها في الفصول التالية :
أولا-إعجاز القرآن :
أول خاصة يتنبه إليها الباحث في العلوم القرآنية هي ذلك التحدي الصريح الذي القرآن إلى الناس كافة ، منذ أربعة عشر قرنا ، وبخاصة أولئك الذين ينكرون رسالة القرآن ، ولم يستطع أحد من عباقرة البشر أن يرد التحدي الآن . لقد أعلن القرآن بصوت عال ، لا إبهام فيه ولا غموض :
(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)(131).(1/468)
إنه أغرب تحد في التاريخ ، وأكثره إثارة للدهشة ، فلم يجرؤ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني – وهو بكامل عقله – أن يقدم تحديا مماثلا ، فإن مؤلفا ما لا يمكن أن يضع كتابا ، يستحيل علي الآخرين أن يكتبوا مثله ، أو خيرا منه. . فمن الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال ، ولكن حين يدعي أن هناك كلاما ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله ثم تخفق البشرية علي مدي التاريخ في مواجهة هذا التحدي ، حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير إنساني وأنها كلمات صدرت عن صميم المنبع الإلهي Divineorigin ، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته.
* * *
وفي صفحات التاريخ بعض الوقائع ، غر أصحابها الغرور فانطلقوا يواجهون هذا التحدي.
---
وأولي هذه الوقائع ما حدث من الشاعر العربي لبيد بن ربيعة الشهير ببلاغة منطقه ، وفصاحة لسانه ، ورصانة شعره. فعندما سمع أن محمدا يتحدي الناس بكلامه قال بعض الأبيات ردا علي ما سمع ، وعلقها علي باب الكعبة ، وكان التعليق علي باب الكعبة امتيازا لم تدركه إلا فئة قليلة من كبار شعراء العرب ، وحين رأي أحد المسلمين هذا أخذته العزة فكتب بعض آيات الكتاب الكريم وعلقها إلي جوار أبيات لبيد ومر لبيد بباب الكعبة في اليوم التالي ولم يكن قد أسلم بعد فأذهلته الآيات القرآنية حتي أنه صرخ من فوره قائلا: (والله ما هذا بقول بشر ، وأنا من المسلمين)(132).
وكان من نتيجة تأثر هذا الشاعر العربي العملاق ببلاغة القرآن أنه هجر الشعر وقد قال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه يوما: يا أبا عقيل: أنشدني شيئا من شعرك فقرأ سورة البقرة وقال: ما كنت لأقول شعرا بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران(133).
وأما الحادث الثاني فهو أغرب من الأول وهو عن ابن المقفع أورده المستشرق (ولاستن) في كتابه وعلق عليه قائلا:(1/469)
(. . . إن اعتداد محمد بالإعجاز الأدبي للقرآن لم يكن علي غير أساس ، بل يؤيده حادث وقع بعد قرن من قيام دعوة الإسلام(134)).
والحادث كما جاء عن لسان المستشرق هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس فقرروا مواجهة تحدي القرآن ، واتصلوا لإتمام خطتهم بعبد الله بن المقفع(727م) ، وكان أديبا كبيرا وكاتبا ذكيا. يعتد بكفائته فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة. . وأخبرهم أن هذا العمل سوف يستغرق سنة كاملة واشترط عليهم أن يتكفلوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة. .
---
ولما مضي علي الاتفاق نصف عام عادوا إليه ، وبهم تطلع إلي معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الإسلام ؛ وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل ، وجدوه جالسا والقلم في يده وهو مستغرق في تفكير عميق ، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه علي الأرض ، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة كتبها ثم مزقها.
لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود عساه أن يبلغ هدفه ، وهو الرد علي تحدي القرآن المجيد. . ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه ، حتي اعترف أمام أصحابه ، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه أنه ، علي الرغم من مضي ستة أشهر حاول خلالها أن يجيب علي التحدي ، فإنه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن ! وعندئذ تخلي ابن المقفع عن مهمته مغلوبا مستخذيا. .(135)
* * *
وهكذا لا يزال تحدي القرآن الكريم قائما ومستمرا علي مر القرون والأجيال ، وهي خاصة عظيمة ورائعة في صالح القرآن ، تثبت دون مرية ، أنه كلام من فوق الطبيعة. وأي إنسان يتمتع بكفائة التفكير والإمعان في حقيقة الأمر ، يكفيه ذلك ليؤمن بهذا الكتاب.(1/470)
ومما لا شك فيه أن العرب-وهم الذين لم يعرف لهم مثيل في التاريخ ، في البلاغة والبيان حتي أطلقوا علي غيرهم اسم (العجم) لشدة اعتزازهم ببيانهم- قد اضطروا أن يركعوا أمام القرآن معترفين بعجزهم عن الإتيان بمثله ، فلزمتهم بذلك الحجة. .
---
ومما جاء في كتب الحديث عن ابن عباس أن (ضمادا) قدم مكة. وكان من ازد شنوءة. وكان يرقي(136) من هذه الريح (الجنون ومس الجن). فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه علي يدي.قال فلقيه ؛ فقال: يا محمد ! إني أرقي من هذه الريح ،وإن الله يشفي علي يدي من شاء فهل لك ؟ فقال رسول الله: (إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله.أما بعد.) قال: فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء ، فأعادهن عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاث مرات ، قال: فقال: (لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، ولقد بلغن ناعوس البحر (قعره الأقصي(137)).
إن هناك عددا لا يحصي من الاعترافات التي أدلي بها أرباب الشعر والأدب والفكر ، في شأن القرآن الكريم ، سطرت في صفحات التاريخ القديم ، كما أنها توجد بكثرة في تاريخ العصر الحاضر.
ثانيا- نبوءات القرآن:
الجانب الثاني من عظمة القرآن الكريم يتجلي في تنبؤاته المختلفة التي ثبتت صحتها فيما بعد بطرق عجيبة.
---(1/471)
إن عددا كبيرا من أذكياء الناس ومن العباقرة ، قد جرؤوا علي أن يتنبأوا عن أنفسهم أو عن غيرهم. ولكننا نعرف أن الزمان لم يصدق هذه النبوءات مطلقا ، بل جاء يكذبها بكل قسوة ، ولقد تحفز الفرص المواتية والأحوال المساعدة والكفاءات العالية وكثرة الأعوان والأنصار ، والنجاح الخارق في البداية الكثيرين- وهم يرون أنهم يسيرون تجاه نتائج مرضية- أن يتنبأوا بنتيجة معينة بكل يقين ، ولكن الزمن يبطل هذه الدعاوي ويكذبها دائما. . والزمن نفسه هو الذي أثبت صحة ما جاء في القرآن من التنبؤات في حين أنها جميعا جاءت في أحوال غير مواتية ، إن هذه التنبؤات- وقد وقعت فعلا علي ما يحدثنا التاريخ- تجعل علومنا المادية حائرة عند تفسيرها. وما دمنا ندرسها في ضوء علومنا المادية. فلن نستطيع إدراك حقائقها ، إلا أن ننسبها إلي مصدر غير بشري.
* * *
كان نابليون بونابرت من أعظم قواد الجيوش في عصره ، وقد دلت فتوحاته الأولي علي أنه سوف يكون ندا لقيصر ، والإسكندر المقدوني. وترتب علي ذلك أن وجد الغرور منفذه إلي رأس نابليون ، فأصبح يتوهم أنه هو مالك القدر. وازداد هذا الشعور لديه. حتي إنه ترك مستشاريه ، وادعي أنه لم يكتب في قدره غير الغلبة الكاملة علي من في الأرض. ولكنا جميعا نعرف النهاية التي كتبت له في لوح القدر.
---(1/472)
سار نابليون من باريس يوم 12 من يونية سنة1815 ، مع جحفله العظيم ليقضي علي أعدائه وهم في الطريق. ولم تمض غير ستة أيام حتي ألحق (دوق ولنجتون) شر هزيمة بجيش نابليون الجبار ، في (ووترلو) بأراضي بلجيكا. وكان (الدوق) يقود جنود انجلترا وألمانيا وهولندا. ولما يئس نابليون وأيقن من مصيره المحتوم فر هاربا من القيادة الفرنسية متوجها إلي أمريكا ولم يكد يصل إلي الشاطىء ، حتي ألقت شرطة السواحل القبض عليه وأرغمته علي ركوب سفينة تابعة للبحرية البريطانية ، وانتهي به القدر إلي أن أرسل إلي جزيرة غير معمورة بجنوب الأطلنطي ، هي جزيرة (سانت هيلينا) ، ومات القائد العسكري في هذه الجزيرة بعد سنوات طويلة من البؤس والشقاء والوحدة ، في 5 مايو سنة1821.
* * *
والبيان الشيوعي المعروف الذي صدر سنة1848 ، تنبأ بأن أول البلاد التي ستقود الثورة الشيوعية هي (ألمانيا) ، ولكن ألمانيا علي الرغم من مضي مائة وعشرين عاما من هذه النبوءة ، لا تزال صفحات تاريخها خالية من مثل هذه الثورة. .
ولقد كتب كارل ماركس في مايو سنة1849 قائلا: (إن الجمهورية الحمراء تبزغ في سماء باريس!) ورغم أنه قد مر علي هذه النبوءة أكثر من قرن ، فإن شمس الجمهورية الحمراء البازغة لم تشرق علي أهالي باريس!
* * *
وقد قال أدولف هتلر في خطابه الشهير الذي ألقاه بميونيخ في14 من مارس سنة1931:
(إنني سائر في طريقي ، واثقا تمام الثقة بأن الغلبة والنصر قد كتبا لي (138)). والعالم بأجمعه يعرف اليوم الذي كتب في قدر الجنرال الألماني العظيم كان هو الهزيمة والانتحار. .
* * *
---(1/473)
وقد شاهدنا وقائع عديدة من هذه النبوءات المضحكة في (الهند). . فقد أعلن زعيم الشيوعيين: س .ب. جوشي ، في المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الهندي ، الذي انعقد في (مدوراي) بجنوب الهند ، في يناير سنة1954 ، بأن الحزب الشيوعي سوف يحكم ، مستقلا بنفسه ، في الانتخابات العامة القادمة ، في ولايات: تراونكو-كوتشين (كيرالا) ، ومدارس ، وآندهرا ، والبنغال الغربية ، وآسام. وقد أجريت ثلاثة انتخابات عامة (وانتخابات تكميلية أخري) في هذه المدة الطويلة ، ولم يستطع الحزب الشيوعي تأليف وزارة مستقلة في أية ولاية من ولايات الهند (139).
* * *
وسط هذه الجحافل من المتنبئين والنوءات ، لا نجد غير (القرآن) الذي تحققت نبوءاته حرفا حرفا. وهذا الواقع يكفي في ذاته لإثبات أن هذا الكلام صادر من عقل وراء الطبيعة يمسك بزمام الأحوال والحوادث ، وهو علي معرفة بكل ما سيحدث منذ الأزل إلي الأبد ،
وسوف نورد هنا خبرين من التنبوءات الكثيرة التي أدلي بها رسول الإسلام ، وتحققت بكاملها. والشهادتان اللتان سنذكرهما ، تتعلق إحداهما بغلبة الإسلام نفسه ، علي حين تتعلق بغلبة الروم مرة أخري. .
* * *
(أ) عندما بدأ النبي صلي الله عليه وسلم دعوته وقفت الجزيرة العربية كلها ضده ، وكان علي النبي مواجهة ثلاث جبهات في وقت واحد:
أولاها: القبائل المشركة ، بعد أن أصبحوا أعداء حياته.
وثانيتها: الرأسمالية اليهودية.
وثالثتها: أولئك المنافقون الذين تسربوا داخل المسلمين للقضاء علي حركتهم ، من داخل معاقلهم.
---(1/474)
وكان الرسول يجاهد في سبيل رسالته السامية علي كل هذه الجبهات: قوة المشركين ، والرأسمالية اليهودية ، والطابور الخامس. وقد وقف أمام هذا الطوفان الطاغي وقفات رائعة لا مثيل لها ، ولم يسانده في مواقفه غير حفنة من المهاجرين والأنصار ، وجماعة من العبيد. ومما لا شك فيه أنه قد انضم إليه بعض كبار قريش ، ولكن سرعان ما انقطعوا عن أهلهم وذويهم ، وعادتهم قريش كمعاداتها للنبي.
وقد سارت هذه الحركة بمكة قدما ، تكافح وتناضل ، حتي اجتمع شملهم في المدينة المنورة ، وهم في أشد حالات العوز والفقر ، بعد ما تركوا ثرواتهم في مكة- موطنهم الأصلي. ويمكن قياس بؤس هؤلاء المهاجرين بتلك الجماعة التي عاشت في المسجد النبوي ، حيث لم تكن لديهم بيوت ، وكانوا ينامون علي (صفة) في فناء المسجد النبوي ، فأطلق عليهم (أهل الصفة). ومما روي في كتب التاريخ أن تعداد هؤلاء الصحابة الكرام ، الذين عاشوا علي (الصفة) ، بلغ في بعض الأحيان أربعمائة صحابي.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب ، فمنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من هو أسفل من ذلك ؛ فإذا ركع أحدهم قبض عليه مخافة أن تبدو عورته. .
وعنه (أبي هريرة) رضي الله عنه أنه قال: (لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وبين حجرة عائشة رضي الله عنها ، فيقول الناس: إنه مجنون ، وما بي جنون ، ما بي إلا الجوع!).
* * *
وفي هذه الحالة البائسة ، حيث كان المسلمون في أسوأ أحوالهم ؛ مكشوفين في عراء المدينة المنورة ، خائفين يترقبون الأعداء من كل جانب ، مخافة أن يختطفون في أي وقت ؛ في هذه الحالة نجد القرآن يبشرهم مرة بعد أخري:
(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي(140))
وقال أيضا:
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ، ولو كره المشركون(141)).
---(1/475)
ولم تمض علي هذه البشري أيام طويلة ، حني وجد المسلمون الجزيرة العربية كلها تحت أقدامهم ؛ فقد انتصرت أقلية ضئيلة لا تملك الخيول ولا الأسلحة ، علي أعداء يملكون الجيوش الكبيرة ، والعدة ، والعتاد.
وليس بوسعنا تفسير هذه التنبؤات في ضوء المصطلحات المادية ، إلا أن نسلم بأن صاحب هذا الإخبار بالغيب لم يأت به من عند نفسه ، وإنما كان خليفة عن الله ؛ فلو أنه كان إنسانا عاديا لاستحال كل الاستحالة أن تصنع كلماته أقدار التاريخ. وكما قال البروفيسور (ستوبارت)
(إنه لا يوجد مثال واحد في التاريخ الإنساني بأكمله يقارب شخصية محمد.)
وهو يضيف قائلا:
( ألا. . ما أقل ما امتلكه من الوسائل المادية ، وما أعظم ما جاء به من البطولات النادرة ، ولو أننا درسنا التاريخ من هذه الناحية ، فلن نجد فيه اسما منيرا هذا النور ، وواضحا هذا الوضوح ، غير اسم النبي العربي (142)).
إن هذا الأمر هو أعظم دليل علي كونه صلي الله عليه وسلم مرسلا من لدن الحق تبارك وتعالي. وقد اعترف السير وليام ميور ، ذلك العدو اللدود للإسلام ، بهذا الأمر بطريقة غير مباشرة ، حين قال:
(لقد دفن محمد مؤامرات أعدائه في التراب ، وكان يثق بانتصاره ليل نهار ، مع حفنة من الأنصار والأعوان ، رغم أنه كان مكشوفا عسكريا من كل ناحية ن وبعبارة أخري: كان يعيش في عرين الأسد ، ولكنه أظهر عزيمة جبارة ، لا نجد لها نظيرا غير ما ذكر في الإنجيل ، من أن نبيا قال لله تعالي: (لم يبق من قومي إلا أنا(143)!) .
* * *
(ب) أما النبوءة الثانية التي وردت في القرآن ، فهي الإخبار بغلبة الروم علي الفرس. وقد جاء في أول سورة الروم قوله تعالي:
(بسم الله الرحمن الرحيم. ألم. غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)
---(1/476)
كانت الامبراطورية الفارسية تقع شرقي الجزيرة العربية ، علي الساحل الآخر للخليج العربي ، علي حين كانت الامبراطورية الرومانية تمتد من غربي الجزيرة علي ساحل البحر الأحمر إلي ما فوق البحر الأسود. وقد سميت الأولي-أيضا- بالإمبراطورية الساسانية ، والأخرى بالبيزنطية. وكانت الإمبراطوريتين تصل إلي الفرات ودجلة ، في شمال الجزيرة العربية. وكانتا أقوي حكومتين شهدهما ذلك العصر.
ويبدأ تاريخ الامبراطورية الرومانية-كما يري المؤرخ (جبن)- في القرن الثاني بعد الميلاد ، وكانت تتمتع حينئذ بمكانتها كأرقي دولة حضارية في العالم.
وقد شغل المؤرخين تاريخ زوال الروم ، كما لم يشغلهم زوال أية حضارة أخري(144). وليس يغني كتاب من الكتب التي ألفت حول هذا الموضوع عن الكتب الأخرى ، ولكن يمكن اعتبار كتاب المؤرخ (إدوارد جبن): (تاريخ سقوط واندحار الامبراطورية الرومانية)(145) أكثرها تفصيلا وثقة ، وقد ذكر المؤرخ في الجزء الخامس من كتابه الوقائع المتعلقة ببحثنا هنا.
* * *
اعتنق الملك (قسطنطين) الدين المسيحي عام325م ، وجعله ديانة البلاد الرسمية ، فآمنت بها أكثرية رعايا الروم. وعلي الجانب الآخر ، رفض الفرس-عباد الشمس- هذه الدعوة.
وكان الملك الذي تولي الامبراطورية الرومانية في أواخر القرن السابع الميلادي هو (موريس) ، وكان ملكا غافلا عن شئون البلاد والسياسة ، ولذلك قاد جيشه ثورة ضده ، بقيادة (فوكاسPhocas.) وأصبح فوكاس ملك الروم ، بعد نجاح الثورة والقضاء علي العائلة الملكية بطريقة وحشية؛ وأرسل سفيرا له إلي إمبراطور إيران (كسري أبرويز الثاني) ، وهو ابن (أنو شيروان) العادل.
وكان (كسري) هذا مخلصا للملك (موريس) إذ كان قد لجأ إليه عام590-591م ، بسبب مؤامرة داخلية في الامبراطورية الفارسية ، وقد عاونه (موريس) بجنوده لاستعادة العرش. ومما يروي أيضا أن (كسري) تزوج بنت (موريس) ، أثناء إقامته بلاد الروم ، ولذلك كان يدعوه (بالأب).(1/477)
---
ولما عرف بأخبار انقلاب الروم ، غضب غضبا شديدا وأمر بسجن السفير الرومي وأعلن عدم اعترافه بشرعية حكومة الروم الجديدة.
وأغار (كسري أبرويز) علي بلاد الروم وزحفت جحافله عابرة نهر الفرات إلي الشام. ولم يتمكن (فوكاس) من مقاومة جيوش الفرس التي استولت علي مدينتي (أنطا كية والقدس) فاتسعت حدود الامبراطورية الفارسية فجأة إلي وادي النيل. وكانت بعض الفرق المسيحية-كالنسطورية واليعقوبية- حاقدة علي النظام الجديد في روما فناصرت الفاتحين الجد وتبعها اليهود مما سهل غلبة الفرس.
* * *
وأرسل بعض أعيان الروم رسالة سرية إلي الحاكم الرومي في المستعمرات الإفريقية ، يناشدونه إنقاذ الامبراطورية فأرسل الحاكم جيشا كبيرا بقيادة ابنه الشاب (هرقل) ، فسار بجيشه في الطريق البحرية ، بسرية تامة. . حني إن (فوكاس) لم يدر بمجيئهم إلا عندما شاهد الأساطيل ، وهي تقترب من السواحل الرومانية ، واستطاع هرقل-دون مقاومة تذكر- أن يستولي علي الامبراطورية ، وقتل (فوكاس) الخائن.
بيد أن هرقل لم يتمكن-برغم استيلائه علي الامبراطورية وقتله (فوكاس)- من إيقاف طوفان الفرس. . فضاع من الروم كل ما ملكوا من البلاد في شرقي العاصمة وجنوبيها. لم يعد العلم الصليبي يرفرف علي العراق والشام وفلسطين ومصر وآسيا الصغرى ، بل علتها راية الفرس: (درفش كاوياني)! ! وتقلصت الامبراطورية الرومانية في عاصمتها ، وسدت جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس ؛ وعم القحط ؛ وفشت الأمراض الوبائية ؛ ولم يبق من الإمبراطورية غير جذور شجرها العملاق. وكان الشعب في العاصمة خائفا يترقب ضرب الفرس للعاصمة ، ودخولهم فيها ؛ وترتب علي ذلك أن أغلقت جميع الأسواق ، وكسدت التجارة ، وتحولت معاهد العلم والثقافة إلي مقابر موحشة مهجورة.
---(1/478)
وبدأ عباد النار يستبدون بالرعايا الروم للقضاء علي المسيحية. . فبدءوا يسخرون علانية من الشعائر الدينية المقدسة ، ودمروا الكنائس ، وأراقوا دماء ما يقرب من100,000من المسبحين المسالمين وأقاموا بيوت عبادة النار في كل مكان وأرغموا الناس علي عبادة الشمس والنار واغتصبوا الصليب المقدس وأرسلوه إلي (المدائن).
ويقول المؤرخ (جبن) في المجلد الخامس من كتابه:
(ولو كانت نوايا (كسري) طيبة في حقيقة الأمر لكان اصطلح مع الروم بعد قتلهم (فوكاس) ولاستقبل (هرقل) كخير صديق أخذ بثأر حليفه وصاحب نعمته (موريس) ، بأحسن طريقة ؛ ولكنه أبان عن نواياه الحقيقية عندما قرر مواصلة الحرب.)(146)
ويمكن قياس الهوة الكبرى التي حدثت بين الروم والفرس من خطاب وجهه (كسري) إلي (هرقل) من بيت المقدس قائلا:
(من لدن الإله كسري الذي هو أكبر الآلهة وملك الأرض كلها ، إلي عبده اللئيم الغافل: هرقل: إنك تقول: إنك تثق في إلهك! فلماذا لا ينقذ إلهك القدس من يدي؟ !).
واستبد اليأس والقنوط بهرقل من هذه الأحوال السيئة وقرر العودة إلي قصره الواقع في (قرطاجنة) علي الساحل الإفريقي. . فلم يعد يهمه أن يدافع عن الامبراطورية ، بل كان شغله الشاغل إنقاذ نفسه. وأرسلت السفن الملكية إلي البحر ، وخرج (هرقل) في طريقه ليستقل إحدي هذه السفن إلي منفاه الاختياري.
وفي هذه الساعة الحرجة تحايل كبير أساقفة الروم باسم الدين والمسيح ، ونجح في إقناع (هرقل) بالبقاء وذهب (هرقل) مع الأسقف إلي قربان (سانت صوفيا) يعاهد الله تعالي علي أنه لن يعيش أو يموت إلا مع الشعب الذي اختاره الله له.
---(1/479)
وبإشارة من الجنرال الإيراني سين(Sain) أرسل (هرقل) سفيرا إلي 0كسري) طالبا منه الصلح ؛ ولكن لم يكد القاصد الرومي يصل إلي القصر ، حني صاح (كسري) في غضب شديد: (لا أريد هذا القاصد! وإنما أريد (هرقل) مكبلا بالأغلال تحت عرشي ؛ ولن أصالح (الرومي) حني يهجر إلهه الصليبي ويعبد الشمس إلهتنا1)(147).
* * *
وبعد مضي ستة أعوام علي الحرب ، رضي الإمبراطور الإيراني أن يصالح (هرقل)علي شروط معينة هي أن يدفع ملك الروم:
(ألف تالنت(148) من الذهب ، وألف تالنت من الفضة ، وألف ثوب (149) من الحرير ، وألف جواد ، وألف فتاة عذراء).
ويصف (جبن) هذه الشروط بأنها (مخزية) دون شك ، وكان من الممكن أن يقبلها (هرقل) ، لولا المدة القصيرة التي أتيحت له لدفعها من المملكة المنهوبة ، والمحدودة الأرجاء ، ولذلك آثر أن يستعمل هذه الثروة كمحاولة أخيرة ضد أعدائه.
* * *
---(1/480)
وبينما سيطرت علي العاصمتين الفارسية والرومية هذه الأحداث ، فقد سيطرت علي شعب العاصمة المركزية في شبه الجزيرة العربية- وهي (مكة) المكرمة- مشكلة مماثلة: كان الفرس مجوسا من عباد الشمس والنار ، وكان الروم من المؤمنين بالمسيح ، وبالوحي ، وبالرسالة ، وبالله تعالي. وكان المسلمون مع الروم- نفسيا- يرجون غلبهم علي الكفار والمشركين كما كان كفار مكة مع الفرس ، لكونهم من عباد المظاهر المادية. وأصبح الصراع بين الفرس والروم رمزا خارجيا للصراع الذي كان يدور بين أهل الإسلام وأهل الشرك في (مكة). وبطريقة نفسية كانت كل من الجماعتين تشعر بأن نتيجة هذا الصراع الخارجي هي نفس مآل صراعهما الداخلي. فلما انتصر الفرس علي الروم عام616م. واستولوا علي جميع المناطق الشرقية من دولة الروم انتهزها المشركون فرصة للسخرية من المسلمين ، قائلين: لقد غلب إخواننا علي إخوانكم ، وكذلك سوف نقضي عليكم ، إذا لم تصطلحوا معنا تاركين دينكم الجديد! ! وكان المسلمون بمكة في أضعف وأسوأ أحوالهم المادية ، وفى تلك الحالة البائسة ، صدرت كلمات من لسان الرسول صلي الله عليه وسلم:
(بسم الله الرحمن الرحيم. ألم. غلبت الروم في أدني الأرض. وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين. لله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله ، ينصر من يشاء ، وهو العزيز الرحيم. وعد الله ، لا يخلف الله وعده ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).-الروم:1-6.
وتعليقا علي هذه النبوءة يكتب(جبن):
(في ذلك الوقت حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة ، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا ، لأن السنين الاثنتي عشرة الأولي من حكومة (هرقل) كانت تؤذن بانتهاء الإمبراطورية الرومانية(150)).
---(1/481)
ولكن من المعلوم أن هذه النبوءة جاءت من لدن من هو مهيمن علي كل الوسائل والأحوال ، من بيده قلوب الناس وأقدارهم ، ولم يكد جبريل يبشر النبي بهذه البشري ن حتى أخذ انقلاب يظهر علي شاشة الإمبراطورية الرومانية! !
ويرويه (جبن) علي النحو التالي:
(إنها من أبرز البطولات التاريخية ، تلك التي نراها في (هرقل). فقد ظهر هذا الإمبراطور غاية في الكسل والتمتع بالملذات وعبادة الأوهام في السنين الأولي والأخيرة من حكومته ، كان يبدو كما لو كان متفرجا أبله ، استسلم لمصائب شعبه ، ولكن الضباب الذي يسود السماء ساعتي الصباح والمساء ، يغيب حينا من الوقت لشدة شمس الظهيرة ، هذا هو ما حدث بالنسبة إلي هرقل ، فقد تحول (أرقاديوس(151)القصور) إلي (قيصر ميدان الحرب(152)) فجأة ، واستطاع أن يستعيد مجد الروم خلال ست حروب شجاعة شنها ضد الفرس. وكان من واجب المؤرخين الروم أن يزيحوا الستار عن الحقيقة ، تبيانا لأسرار هذه اليقظة والنوم ، وبعد هذه القرون التي مضت يمكننا الحكم بأنه لم تكن هناك دوافع سياسية وراء هذه البطولة ، بل كانت نتيجة غريزة هرقل الذاتية ، فقد انقطع عن كافة الملذات ، حني إنه هجر ابنة أخته (مارتينا)-التي تزوجها لشدة هيامه بها ، رغم أنها كانت محرمة عليه(153) ).
* * *
هرقل-ذلك الملك الغافل الفاقد العزيمة- وضع خطة عظيمة لقهر الفرس ، وبدأ في تجهيز العدة والعتاد ، ولكن رغم ذلك كله ، عندما خرج هرقل مع جنوده بدا لكثيرين من سكان (القسطنطينية) أنهم يرون آخر جيش في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية.
وكان هرقل يعرف أن قوة الفرس البحرية ضعيفة ، ولذلك أعد بحريته للإغارة علي الفرس من الخلف. وسار بجيوشه عن طريق البحر الأسود إلي (أرمينيا) ، وشن علي الفرس هجوما مفاجئا في نفس الميدان الذي هزم فيه الأسكندر جيوش الفرس ، لما زحف علي أراضي مصر والشام. ولم يستطع الفرس مقاومة هذه الغارة المفاجئة فلاذوا بالفرار.
---(1/482)
وكان الفرس يملكون جيشا كبيرا في (آسيا الصغرى) ، ولكن (هرقل) فاجأهم بأساطيله مرة أخري ، وأنزل بهم هزيمة فادحة ، وبعد إحراز هذا النصر الكبير عاد (هرقل) إلي عاصمته (القسطنطينية) عن طريق البحر ، وعقد معاهدة مع الأفاريين (Avars) ، واستطاع بنصرتهم أن يسد سيل الفرس عند عاصمتهم.
وبعد الحربين اللتين مر ذكرهما ثلاثة حروب أخري ضد الفرس في سنوات 623 ،624 ، 625 م. واستطاع أن ينفذ إلي أراضي العراق القديم (ميسو بوتانيا) عن طريق البحر الأسود ، واضطر الفرس إلي الانسحاب من جميع الأراضي الرومية ، نتيجة هذه الحروب ، وأصبح (هرقل) في مركز يسمح له بالتوغل في قلب الإمبراطورية الفارسية ، وكانت آخر هذه الحروب المصيرية- تلك الحرب التي خاضها الفريقان في (نينوا9 علي ضفاف (دجلة) في ديسمبر عام627م.
* * *
ولما لم يستطع (كسري أبرويز) مقاومة سيل الروم ، حاول الفرار من قصره الحبيب (دستكرد) ، ولكن ثورة داخلية نشبت في الإمبراطورية ، واعتقله ابنه (شيرويه) ، وزج به في سجن داخل القصر الملكي حيث لقي حتفه لسوء الأحوال في اليوم الخامس من اعتقاله ، وقد قتل ابنه (شيرويه) ثماني عشرة من أبناء أبيه (كسري) أمام عينيه.
ولكن (شيرويه) هو الآخر لم يستطع ان يجلس علي العرش أكثر من ثمانية أشهر ، حيث قتله أحد أشقائه ، وهكذا بدأ القتال داخل البيت الملكي ، وتولي تسعة ملوك زمام الحكم في غضون أربعة أعوام. ولم يكن من الممكن أو المعقول في هذه الأحوال السيئة ، أن يواصل الفرس حربهم ضد الروم. . . فأرسل (قباد الثاني) ابن كسري أبرويز الثاني يرجو الصلح ، وأعلن تنازله عن الأراضي الرومية ، كما أعاد الصليب المقدس ، ورجع (هرقل) إلي عاصمته (القسطنطينية) في مارس عام 628م في احتفال رائع ، حيث كان يجر مركبته أربعة أفيال ، واستقبله آلاف مؤلفة من الجماهير خارج العاصمة وفي أيديهم المشاعل وأغصان الزيتون(154) ! !
* * *
---(1/483)
وهكذا صدق القرآن الكريم عن غلبة الروم في مدته المقررة أي في أقل من عشر سنين ، كما هو المراد في لغة العرب من كلمة: (بضع)!
وقد أبدي (جبن) حيرته وإعجابه بهذه النبوءة ولكنه كي يقلل من أهميتها ربطها برسالة النبي صلي الله عليه وسلم إلي (كسري).
يقول جبن:
(وعندما أتم الإمبراطور الفارسي نصره علي الروم وصلته رسالة من مواطن خامل الذكر ، من (مكة) دعاه إلي الإيمان بمحمد ، رسول الله ، ولكنه رفض هذه الدعوة ومزق الرسالة وعندما بلغ هذا الخبر رسول العرب ، قال: سوف يمزق الله دولته تمزيقا وسوف يقضي علي قوته.
(ومحمد الذي جلس في الشرق علي حاشية الإمبراطورتين العظيمتين طار فرحا مما سمع عن تصارع الإمبراطوريتين وقتالهما ، وجرؤ في إبان الفتوحات الفارسية وبلوغها القمة أن يتنبأ بأن الغلبة تكون لراية الروم بعد بضع سنين. وفي ذلك الوقت ، حين ساق الرجل هذه النبوءة ، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا لأن الأعوام الاثني عشر الأولي من حكومة هرقل كانت تشي بنهاية الإمبراطورية الرومانية(155).)
بيد أن جميع مؤرخي الإسلام يعرفون معرفة تامة أن هذه النبوءة لا علاقة لها بالرسالة التي وجهها النبي إلي (كسري أبرويز) ، لأن تلك الرسالة إنما أرسلت في العام السابع من الهجرة ، بعد صلح الحديبية ، أي عام628م ، في حين أن آية النبوءة المذكورة نزلت بمكة عام616م ، أي قبل الهجرة بوقت طويل فبين الحدثين فاصل يبلغ اثني عشر عاما (156).
* * *
ثالثا: القرآن والكشوف الحديثة:
والميزة الثالثة التي سوف أدرسها في هذا الباب للإبانة عن صدق القرآن وحقيته ، هي أنه رغم نزول القرآن قبل قرون كثيرة من عصر العلوم الحديثة ، لم يتمكن أحد من إثبات أية أخطاء علمية فيه ، ولو أنه كان كلاما بشريا لكان هذا ضربا ن المستحيل.
* * *
---(1/484)
كانت بعثة لطلبة الصين تدرس بجامعة كاليفورنيا منذ بضع سنين ، وقد ذهب اثنا عشر من هؤلاء الطلبة إلي كاهن (كنيسة بركلي) طالبين منه أن ينظم لهم دراسة حول الدين المسيحي في أحد أيام الأحد ، وقالوا له بكل صراحة: إننا غير راغبين في اعتناق المسيحية ، ولكننا نريد أن نعرف مدي تأثير هذا الدين علي الحضارة الأمريكية ، اختار القسيس عالما في الرياضة والفلك هو البروفيسور (بيتر و.ستونر) للتدريس لهؤلاء الشبان وبعد أربعة أشهر من هذا الواقع اعتنقوا الدين المسيحي! !
أما الدوافع وراء هذا العمل المدهش فلنسمعها من الأستاذ نفسه:
(لقد كان السؤال الأول أمامي: ماذا أقول لهم عن الدين؟ إنهم لا يؤمنون بالإنجيل إطلاقا وتدريس الإنجيل علي الطريقة التقليدية لن يأتي بفائدة ما ، وفي ذلك الوقت تذكرت أني إثناء دراستي كنت ألاحظ علاقة كبيرة بين العلوم الحديثة وسفر التكوين في الإنجيل ، ولذلك رأيت أن أعرض هذا الكلام أمام هذه الجماعة من الشباب.
(وكنا-أنا والطلبة- نعرف بطبيعة الحال أن ما جاء في هذا الكتاب عن بدء الكون قد كتب قبل آلاف السنين من كشوف العلوم الحديثة عن الأرض والسماء ، وكنا نشعر كذلك أن أفكار الناس في زمن موسي ستبدو لغوا باطلا ، لو درسناها في ضوء معلومات العصر الحاضر.
(وقد أمضينا فترة الشتاء كلها ندرس في سفر التكوين ، وكان الطلبة يكتبون الأسئلة حول ما جاء في هذا السفر ، ثم يبحثون عن أجوبتها بكل جهد في مكتبة الجامعة. وعند انتهاء الشتاء أخبرني القسيس أن الطلبة حضروا إليه ليخبروه أنهم يريدون اعتناق المسيحية ، وقد أقروا أنه ثبت لهم أن الإنجيل كتاب موحي من عند الله(157).)
* * *
وعلي سبيل المثال يقول سفر التكوين عن حالة الأرض في بداية الأمر:
(لقد غشي علي الأغوار ظلام)(158)
---(1/485)
وهذا هو أحسن تصوير للحالة التي وجدت في الأرض في ذلك الوقت ن كما عرفناها من العلوم الحديثة ، فكان سطح الأرض حارا جدا ، وتبخرت المياه بسبب هذه الحرارة ، ولم يصل النور إلي سطح الأرض ، لأن مياه بحارنا كانت في صورة سحب كثيفة في الفضاء ، وكان ظلام يسود الأرض.
* * *
إننا نؤمن بأن الإنجيل والتوراة من الكتب الإلهية ، مثل القرآن الكريم ، ولذلك توجد فيهما قبسات من العلم الإلهي ، ولكن النصوص الأصلية قد ضاعت وطرأ فارق كبير بين الإنجيل الحقيقي وإنجيل هذا العصر ، بعد مضي ألفي عام حافلة بعمليات الترجمة من لغة إلي أخري ، ثم بأعمال التحريف البشريHuman Interpolation الذي أصاب النسخة الإلهية أكثر ما أصاب ، علي حد تعبير العالم الأمريكي (كريسي موريسون)(159).
ولما كانت هذه الصحائف قد فقدت قيمتها نتيجة لما حدث فقد أرسل اله تعالي (طبعة جديدة) من كتابه إلي البشر وهذا الكتاب هو (القرآن الكريم) وهو يحمل من أجل صحته وكماله ، كل المميزات والخصائص التي لا توجد منها سوي لمحات في الكتب القديمة.
وسوف أستعرض هنا هذه الخاصة دليلا ثالثا من أدلتي علي صدق القرآن الكريم ، ولقد أنزل القرآن قبل عصر النهضة ، ولكن أحدا من الناس لم يستطع إبطال شيء مما جاء به ولو كان هذا القرآن من كلام البشر ، لعد ذلك ضربا من ضروب الإحالة.
* * *
---(1/486)
نزل القرآن في عصر لم يكن الإنسان يعرف فيه عن الطبيعة إلا القليل النادر ، وكانوا يرون أن الأمطار تنزل من السماء ، وأن الأرض مستوية كالفراش وأن السماء سقف الأرض ، وكانوا يرون أن النجوم مسامير لامعة من الفضة مركبة في قبة السماء ، أو أنها قناديل معلقة في الفضاء! وكان أهل الهند الأقدمون يؤمنون بأن الأرض محمولة علي أحد قرني (البقرة الأم) ، وهي حين تقوم بنقل الأرض من قرن إلي آخر يحدث زلزال علي البسيطة(160). وكان العلماء يرون أن الشمس ساكنة بلا حراك وأن الأرض تدور حولها ، إلي أن جاء (كوبرنيك)(1473/1543م) وعرض فكرته الشهيرة عن حركة الشمس.
* * *
وهكذا تقدم العلم رويدا رويدا ، إلي أن زادت قوة المشاهدة والدراسة لدي الإنسان ، فكشف عن أسرار كثيرة. والآن لا نجد جزءا ما من معلوماتنا عن أجزاء الجسم وشعب العلم المختلفة ، إلا وقد تغيرت نظرتنا إليه كلية وثبت بطلان عقائد العصر القديم.
ويدل هذا بكل صراحة علي أنه لا وجود لكلام إنساني تدوم صحته كليا. . . لأن الإنسان يتكلم عما هو معروف من المعتقدات والعلوم في عصره ، إنه سوف يسرد ما وجده في زمنه سواء وقع كلامه في دائرة الشعور أو اللاشعور. ولذلك لا نجد كتابا مضي عليه حين من الدهر إلا وهو مملوء بالأغلاط والأخطاء من سائر نواحيه ، نظرا إلي الكشوف الجديدة في كل الميادين.
ولكن مسألة القرآن الكريم تختلف تمام الاختلاف عن هذه الكلية! فهو حق وصادق في كل ما قال كما كان في القرون الغابرة. ولم يطرأ علي مقاله أي تغير رغم مضي قرون وعصور طويلة. وهذا في نفسه دليل علي أن منبعه عقل جبار يحيط بالأزل وبالأبد علما ، وهو يعلم سائر الحقائق في صورها النهائية والحقيقية ، ولا يخضع علمه ومعرفته لحواجز الزمان والمكان والأحوال. ولو كان هذا الكلام صادرا عن بشر محدودي النظر والعلم لكان الزمان قد أبطله منذ عصور عديدة ، كما يحدث لكل كلام إنساني في مستقبله.
---(1/487)
إن المحور الحقيقي لرسالة القرآن هو السعادة الأخروية ، فهو بذلك لا يدخل في دائرة أي من علومنا وفنوننا الحديثة. ولكن حيث إنه يخاطب (الإنسان) في حقيقة الأمر ، فهو يمس كل ما هو متعلق بالإنسان وهي مسألة دقيقة وموقف جد خطير. . لان المرء حين يكون جاهلا ، أو ناقص المعلومات حول مشكلة ما ، ثم يتجرأ ليتكلم عن تلك المشكلة-ولو إجمالا-فلابد أن يكبو في حديثه وذلك حين يستخدم كلمات أو عبارات لا علاقة لها بالواقع والحقائق!
وعلي سبيل المثال: قال أرسطو استدلالا علي أسبقية الرجل علي المرآة: إن فم المرأة يحوي أسنانا أقل عددا من أسنان الرجل! ! ومن المعروف أن هذا الكلام لا علاقة له بعلم الأجسام ، بل هو يدل علي أن صاحبه جاهل بهذا العلم ، فإن عدد الأسنان سواء لدي الرجل والمرآة. ولكن من المدهش حقا أن القرآن- حني فيما يمس أكثر العلوم الحديثة من ناحية أو أخري- لا يحتوي كلمة ما أثبت العلم فيما بعد أنها من صنع رجل جاهل بذلك الموضوع ، وهذا يوضح صراحة أنه كلام موجود فوق الطبيعة ؛ وهو علي معرفة تامة بكل شيء علي حين لم يكن أحد يعلم شيئا وهو يعلم أيضا كل ما يجهله البشر في هذا العصر مع تقدم العلوم. .
وسوف أورد هنا بعض الأمثلة التي تدل صراحة علي أن القرآن الكريم يحيط بالحقائق التي لم تعرف إلا في عصرنا هذا ، وإن كانت إحاطته هذه ضمن إشارات غير مقصودة لذاتها.
---(1/488)
ويجب أن أقول ، تمهيدا لهذا البحث: إن مطابقة لكلمات (القرآن) وألفاظه للكشوف الحديثة مبنية علي أن العلم الحديث قد استطاع الكشف عن أسرار الواقعة موضوع البحث ، فتوفرت لدينا مواد نافعة لتفسير الإشارات القرآنية في ذلك الموضوع. ولو أن دراسة المستقبل في موضوع ما تبطل واقعة من وقائع العلم الحديث كليا أو جزئيا فليس هذا بضائر مطلقا صدق القرآن ، بل معناه أن المفسر لأخطأ في محاولته لتفسير إشارة مجملة في القرآن ، وإنني لعلي يقين راسخ بأن الكشوف المقبلة سوف تكون أكثر إيضاحا لإشارات القرآن وأكثر بيانا لمعانيه الكامنة.
* * *
تقسيم لآيات القرآن:
ونستطيع أننقسم الآيات القرآنية المتعلقة بهذا الجانب إلي نوعين:
الأول: ما عرف عنه الإنسان-حني ذلك العصر- أمورا جانبية وسطحية.
والثاني: ما لم يعرف عنه ذلك الإنسان شيئا مطلقا.
عن هنالك أشياء كثيرة كان الأقدمون يعرفون عنها بعض المعارف الجزئية وكانت معرفتهم هذه ناقصة جدا بالنسبة إلي المعرفة التي أتيحت للإنسان اليوم ، بفضل الاختراعات الحديثة. وقد واجه القرآن في هذا الصدد مشكلة كبري ، فهو لم يكن كتابا في العلوم والهندسة ، ولذلك لو أنه كان بدأ يكشف عن أسرار الطبيعة لاختلف الناس فيما بينهم حول ما جاء في القرآن ، ولاستحال عندئذ بلوغ الهدف الحقيقي من نزول القرآن ، وهو إصلاح العقل الإنساني وتزكيته. فمن إعجاز القرآن أنه تكلم في لغة العلم قبل كشفه كما أنها ستعمل كلمات وتعبيرات لم يستوحشها أذواق الأقدمين ولا معارفهم علي حين أحاطت بكشوف العصر الحديث!
* * *
النوع الأول:
(أ ) ذكر القرآن الكريم قانونا خاصا بالماء في سورتين: هما الفرقان والرحمن.
وجاء في السورة الأولي:
(وهو الذي مرج البحرين. هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج. وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا(161)).
وأما الآية التي وردت في السورة الأخرى فهي تقول:
(مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان(162)).
---(1/489)
إن الظاهرة الطبيعية التي يذكرها القرآن في هذه الآيات معروفة عند الإنسان منذ أقدم العصور ؛ وهي أنه إذا ما التقي نهران في ممر مائي واحد فماء أحدهما لا يدخل (أي لا يذوب) في الآخر. وهناك علي سبيل المثال نهران يسيران في (تشاتغام) بباكستان الشرقية إلي مدينة (أركان) في (بورما) ويمكن مشاهدة النهرين مستقلا أحدهما عن الآخر ويبدو أن خيطا يمر بينهما حدا فاصلا ؛ والماء عذب في جانب وملح في جانب آخر. وهذا هو شأن الأنهار القريبة من السواحل فماء البحر يدخل ماء النهر عند حدوث (المد البحري) ولكنهما لا يختلطان ويبقي الماء عذبا تحت الماء الأجاج. وهكذا شاهدت عند لتقي نهري الكنج والجامونا في مدينة (الله آباد) فهما رغم التقائهما لم تختلط مياههما ويبدو أن خيطا فاصلا يميز أحدهما من الآخر (163).
إن هذه الظاهرة كما قلت كانت معروفة لدي الإنسان القديم. . ولكنا لم نكشف قانونها إلا منذ بضع عشرات من السنين. فقد أكدت المشاهدات والتجارب أن هناك قانونا ضابطا للأشياء السائلة ، يسمي (قانون المط السطحي)Surface Tension وهو يفصل بين السائلين ، لأن (تجاذب) الجزئيات يختلف من سائل لآخر ، ولذا يحتفظ كل سائل باستقلاله في مجاله. وقدا ستفاد العلم الحديث كثيرا من هذا القانون الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله سبحانه: (بينهما برزخ لا يبغيان). وملاحظة هذا البرزخ لم تخف عن أعين القدماء كما لم تتعارض مع المشاهدة الحديثة ، ونستطيع بكل ثقة أن نقول: إن المراد من (البرزخ) إنما هو (المط أو التمدد السطحي) الذي يوجد في المائين والذي يفصل أحدهما عن الآخر.
---(1/490)
ويمكن فهم هذا المط السطحي بمثال بسيط وهو: أنك لو ملأت كوبا بالماء فإنه لن يفيض إلا إذا ارتفع عن سطح الكوب قدرا معينا. . والسبب في ذلك أن (جزئيات) السوائل عندما لا تجد شيئا تتصل به فوق سطح الكوب تتحول إلي ما هو تحتها ، وعندئذ توجد (غشاوة مرنة)Elastic Film علي سطح الماء ؛ وهذه الغشاوة هي التي تمنع الماء من الخروج عن الكوب لمسافة معينة وهي غشاوة قوية لدرجة أنك لو وضعت عليها إبرة من حديد فإنها لن تغوص! وهذه الظاهرة هي ما يسمي بالمط السطحي ، الذي يحول دون اختلاط الماء والزيت والذي يفصل بين الماء العذب والملح.
* * *
(ب) وجاءت في القرآن بيانات مماثلة وعلي سبيل المثال:
(الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها(164))
وهذه الآية مطابقة لما كان يراه الرجل القديم ؛ فإنه كان يشاهد عالما كبيرا قائما بذاته في الفضاء مكونا من الشمس والقمر والنجوم ، ولكنه لم ير لها أية ساريات أو أعمدة ، والرجل الجديد يجد في هذه الآية تفسيرا لمشاهدته ، التي تثبت أن الأجرام السماوية قائمة دون عمد في الفضاء اللانهائي ، بيد أن هنالك (عمدا غير مرئية) ؛ تتمثل في قانون (الجاذبية) Gravitation Pull وهي التي تساعد كل هذه الأجرام علي البقاء في أمكنتها المحددة.
(ج)وقد قال القرآن عن الشمس والنجوم:
(وكل في فلك يسبحون(165))
وكان الإنسان في العصر الغابر يشاهد أن النجوم تتحرك وتبتعد عن أمكنتها بعد وقت معين. ولذلك لم يكن هذا التعبير القرآني موضع دهشتهم واستغرابهم ، ولكن البحوث الحديثة قد خلعت علي هذه التعبيرات ثوبا جديدا ؛ فليس هنالك تعبير أروع ولا أدق من (السباحة) لدوران الأجرام السماوية في الفضاء البسيط اللطيف!
* * *
(د) وقال القرآن الكريم عن الليل والنهار:
(يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا(166).
---(1/491)
إن هذه الآية الكريمة تشرح للإنسان القديم سر مجئ الليل بعد النهار. . ولكنها تحوي إشارة رائعة إلي دوران الأرض محوريا ، وهو الدوران الذي يعتبر سبب مجئ الليل والنهار طبقا لمعلوماتنا الحديثة.
وسوف أذكر القراء-هنا-بأن من بين المشاهدات التي أدلي بها رجل الفضاء الروسي (جاجارين) بعد دورانه في الفضاء حول الأرض: أنه شاهد (تعاقبا سريعا) Rapid Succession للظلام والنور علي سطح الأرض بسب دورانها المحوري حول الشمس.
وهناك بيانات كثيرة جدا من هذا القبيل في القرآن الكريم. .
* * *
النوع الثاني من الآيات:
وأما النوع الثاني من الآيات القرآنية المتعلقة بالموضوع ، فلم يعرف عنها الرجل القديم شيئا ما علي الإطلاق. وقد تناول القرآن تلك الموضوعات كاشفا الغطاء عن أسرار بالغة الأهمية ، ثبت صدقها بعد الدراسات الحديثة وسوف أعرض في الصفحات التالية بعض الأمثلة من مختلف فروع العلوم الحديثة.
* * *
أولا : علم الفلك :
يطرح القرآن الكريم فكرة معينة ومحدودة المعالم حول بداية الكون المادي ونهايته ، وكانت هذه الفكرة غير معروفة لدي الإنسان الجديد قبل قرن من الزمان. . أما الإنسان القديم فلا مجال للقول بأنه كان من الممكن أن يتطرق عقله الصغير إلي هذه الفكرة أو أجزائها ، وجاء العلم الجديد ليشهد علي ما جاء في القرآن الكريم.
يعبر القرآن عن بداية الكون علي النحو التالي:
(أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما(167)).
أما عن نهاية الكون فهو يقول:
(يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب)(168).
فالكون بناء علي تفسير هذه الآيات كان منضما ومتماسكا (الرتق: منضم الأجزاء) ثم بدأ يتمدد في الفضاء ، ويمكن رغم هذا التمدد تجميعه مرة أخري في حيز صغير.
---(1/492)
وهذه هي الفكرة العلمية الجديدة عن الكون ؛ فقد توصل العلماء ، خلال أبحاثهم ومشاهدتهم لمظاهر الكون ، إلي أن (المادة) كانت جامدة وساكنة في أول الأمر ؛ وكانت في صورة غاز ساخن ، كثيف متماسك. وقد حدث انفجار شديد في هذه المادة قبل5,000,000,000,000 سنة علي الأقل ، فبدأت المادة تتمدد وتتباعد أطرافها.
ونتيجة لهذا أصبح تحرك المادة أمرا حتميا لابد من استمراره طبقا لقوانين الطبيعة التي تقول: إن قوة (الجاذبية) في هذه الأجزاء من المادة تقل تدريجيا بسبب تباعدها (ومن ثم تتسع بينها بصورة ملحوظة).
ويعتقد العلماء أن دائرة المادة كانت 1,000 مليون سنة ضوئية في أول الأمر. وقد أصبحت هذه الدائرة الآن كما يقول البروفيسور (إيدنجتون): عشرة أمثال بالنسبة إلي الدائرة الحقيقية. وهذه العملية من التوسع والامتداد مستمرة دون ما توقف. وكما يقول البروفيسور (إيدنجتون):
(إن مثال النجوم والمجرات: كنقوش مطبوعة علي سطح بالون من المطاط ، وهو ينتفخ باستمرار ؛ وهكذا تتباعد جميع الكرات الفضائية عن أخواتها بحركاتها الذاتية في عملية التوسع الكوني(169)).
وأما الأمر الآخر فقد ثبت لنا صدقه كما ورد في القرآن. فكان الإنسان القديم يري أن النجوم يبتعد بعضها عن بعض رأي العين ؛ ولكننا نراها متقاربة لبعدها الهائل عن الأرض وهي في حقيقة الأمر متباعدة بمسافات قياسية.
ولم يقف الأمر بنا عند هذا الحد ، بل عرفنا أيضا أن تلك الأجسام والأجرام التي كنا نشاهدها في قديم الزمن ، وكنا نحسبها كاملة وسالمة ، أكثرها يحتوي علي فضاء خال.
---(1/493)
وقد عرفنا أن كل جسم مادي يدور حول نظام له ، مثل النظام الشمسي الذي تدور حوله نجوم وسيارات كثيرة. ومن أمثلته نظام (الذرة). فنحن نشاهد الفضاء الخالي في (النظام الشمسي) ولكننا نعجز عن مشاهدة فضاء (النظام النووي) لصغر حجمه المتناهي. . حني إنه يستحيل مجرد مشاهدة هذا النظام(170). ومعني ذلك أن كل شيء حني لو بدا متماسكا-يحوي حيزا من الفضاء في داخله. ومثاله: أننا لو جردنا الفضاء أو المكانSpace من الذرات المادية في الجسم الإنساني ذات الستة الأمتار ، فلن نجد إلا كمية قليلة جدا من المادة تكاد تكون متناهية الوجود.
وهكذا يري علماء الطبيعة الفلكية (Astro- Physicists) أننا لو طوينا كل شيء في الكون بدون أن نترك للفضاء مكانا ، فسيكون حجم الكون كله ثلاثين ضعفا من حجم الشمس! ! ويمكن قياس سعة الكون من أن أبعد مجرة استطاع الإنسان الكشف عنها تبعد بضعة ملايين من السنين الضوئية عن النظام الشمسي.
* * *
3- لقد توصل العلماء خلال أبحاثهم إلي أنه لابد في المستقبل القريب- وطبقا لقانون دوران الأجرام السماوية- ا، يقترب القمر من الأرض ، حني ينشق من شدة الجاذبية وتتناثر أجزاؤه(171). وسوف تحدث عملية انشقاق القمر هذه بناء علي نفس القانون الذي يحكم المد والجزر في البحار. فالقمر هو أقرب جيراننا في الفضاء ، ولا يبعد عن الأرض غير240.000 ميلا ، وهذا القرب يؤثر علي البحار مرتين يوميا ، حيث ترتفع فيها أحيانا أمواج يبلغ طولها ستين مترا ، وأما تأثير هذه الجاذبية علي سطح الأرض فيبلغ عدة بوصات! !
إن المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر تماما لصالح أهل الأرض. ولو نقص هذا الفاصل إلي خمسين ألفا من الأميال-علي سبيل المثال- فسوف يحدث طوفان شديد في البحار ، وسوف تغطي أمواجها أكثر مناطق الأرض المأهولة ، وسوف يغرق كل شيء ، حني لتتحطم الجبال من شدة تموج البحار ، وسوف تحدث شقوق مروعة علي سطح الأرض من وطأة الجاذبية! !
---(1/494)
ويري علماء الفلك أيضا أن الأرض قد مرت بكل هذه الأدوار أثناء عملية التكوين حني وصلت إلي بعدها الحالي من القمر بناء علي قانون الفلك ، وهذا القانون هو نفسه سوف يأتي بالقمر قريبا من الأرض مرة أخري. . ويرون أن من المتوقع حدوث هذا قبل بليون سنة(172). وعندئذ سوف يتناثر حول فضاء الأرض في صورة حلقة.
أليست هذه النظرية من أعظم موافقات العلم لتلك النبوءة الواردة في القرآن الكريم ، حول انشقاق القمر حين تقترب القيامة(173)؟
اقرأوا قوله تعالي:
(اقتربت الساعة وانشق القمر ، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر(174)).
* * *
ثانيا علم طبقات الأرض:
1- جاء في القرآن الكريم غير مرة أن الجبال أرسيت في الأرض حفاظا علي توازنها ومن ذلك قوله تعالي:
(وألقي في الأرض رواسي أن تميد بكم(175)).
ولقد ظل العلم جاهلا بهذه الحقيقة طوال القرون الثلاثة عشر الماضية ولكن دارسي الجغرافيا الحديثة يعرفونها جيدا تحت اسم (قانون التوازن)Isostasy. ولا يزال العلم الحديث في مراحله البدائية بالنسبة إلي أسرار هذا القانون ، ويقول الأستاذ إنجلن:
(من المفهوم الآن أن المادة- الأقل وزنا- ارتفعت علي سطح الأرض ، علي حين أصبحت أمكنة المادة الثقيلة خنادق هاوية ، وهي التي نراها في شكل البحار. وهكذا استطاع الارتفاع والانخفاض أن يحافظا علي توازن الأرض(176)).
ويري عالم آخر من باحثي الجغرافيا:
(وفي البحار أيضا توجد وديان البر. ولكن وديان البحر أكثر غورا وأبعد عمقا من تلك التي توجد في البر ؛ كما أنها بعيدة عن المجال التجريبي للإنسان. ويبدو أنه قد حدثت مغارات عميقة في البحار. (ويبلغ عمق بعض هذه الوديان35ألأف قدم عن سطح البحر ؛ وهذا العمق أعلي من أعظم جبال العالم ارتفاعا. ويبلغ من عمق هذه الوديان البحرية أحيانا أنه لو وضعت فيها قمة (إيفرست) من سلسلة جبال (الهملايا) والتي يبلغ طولها29,002 فسيكون سطح البحر فوقها بمسافة ميل كامل)!
---(1/495)
(ومن الظواهر المحيرة أن هذه الخنادق البحرية توجد قرب السواحل البرية بدل أن توجد في أعالي البحار. ولكن قرب هذه الوديان من الجزر والبراكين يدل علي أن هناك علاقة بين طول الجبال والخنادق البحرية. . وهو أن الأرض يقوم توازنها علي أساس الارتفاع والعمق (في أجزائها المختلفة). ويري بعض كبار علماء الجغرافيا ألأنه من الممكن أن تكون الأغوار البحرية علامات علي جزر قد تظهر في المستقبل. وسببه أن الرواسب والمخلفات لكل من البر والبحر تترسب في هذه الوديان وقد سويت مناطق كبيرة من هذه الوديان بعد أم ملأتها هذه الرواسب. ولهذا من الممكن-بناء علي عدم التوازن الذي يحدث عن هذه العملية- أن تبرز جبال جديد في أي وقت ، أو تظهر سلسلة جديدة من الجزر ومما يؤكد ذلك أنه قد وجدت آثار الرواسب البحرية في بعض الجبال الساحلية.
وعلي كل حال ، لا توجد نظرية- في ضوء المعلومات الحالية للإنسان- لتقوم بتفسير الوديان البحرية ، وهذه المغارات الدائمة البرودة والتي توجد في ظلام حالك ، وتحت ضغط قدره سبعة أطنان علي كل بوصة- لا زال ذلك كله لغزا أمام الإنسان كألغاز البحر الأخرى(177)! ! )
2- وقد جاء في القرآن الكريم أنه قد مضي علي الأرض زمن طويل سواها الله خلاله ؛
قال تعالي:
(والأرض بعد ذلك دحاها.أخرج منها ماءها ومرعاها(178)).
وهذه الآية الكريمة تطابق مطابقة عجيبة أحدث الكشوف العلمية ؛ وهو: (نظرية تباعد القارات) أو انتشارها(Theory of Drifting Continents). ومغزى هذه النظرية: أن جميع القارات كانت في وقت من الأوقات أجزاء متصلة ، ثم انشقت وبدأت (تنقذف) أو تنتشر من تلقاء نفسها ، وهكذا وجدت قارات تحول دونها بحار واسعة.
---(1/496)
وقد طرحت هذه النظرية في العالم عام1915 ، لأول مرة حين أعلن خبير طبقات طبقات الأرض الألماني الأستاذ (الفريد واجنر) أنه لو قربت القارات جميعا ، فسوف تتماسك ببعضها كما يحدث في ألعالب الألغاز التي تسمي Jigsaw Puzzle. ويمكن مشاهدتها في الأشكال الثلاثة التي تبين هذه النظرية (انظر ص150).
* * *
وهناك شبه كبير يوجد علي سواحل البحار المختلفة ، كأن نجد جبالا متماثلة عمرها الأرضي (واحد) ؛ وكأن نجد فيها دواب وأسماكا ونباتات متماثلة أيضا! وهذا هو ما دفع عالم النباتات البروفيسور رونالد جود(Rand Good) في كتابه: جغرافية نباتات الزهور(Geography of Flowering Plants)- إلي أن نقول:
(لقد اتفق علماء النباتات علي النظرية القائلة بأنه لا يمكن تفسير ظاهرة وجود نباتات متماثلة في مختلف قارات العالم إلا إذا سلمنا بأن أجزاء الأرض هذه كانت متصلا بعضها ببعض في وقت من الأوقات).
وقد أصبحت هذه النظرية علمية تماما بعد تصديق (الجاذبية الحجرية) لها (Fossil Magnetism) ، فإن العلماء اليوم-بعد دراسة اتجاهات ذرات الحجارة- يستطيعون تحديد موقع أي بلد وجدت به هضبة تلك الحجارة في الزمن القديم. وقد أكدت هذه الدراسة في (الجاذبية الأرضية) أن أجزاء الأرض لم تكن موجودة في القديم بالأمكنة التي توجد بها اليوم ، وإنما كانت في ذلك المكان الذي تحدده (نظرية تباعد القارات )، وفي هذا الأمر يقول البروفيسور بلاكيت(179):
(إن دراسة أحجار الهند تبين أنها كانت توجد في جنوب خط الاستواء قبل سبعين مليون سنة ؛ وهكذا تثبت دراسة جبال جنوب إفريقيا أن القارة الإفريقية انشقت عن القطب الجنوبي قبل ثلاثمائة مليون سنة(180)).
* * *
لقد ورد في الآية المذكورة آنفا لفظة (الدحو) ومعناه تسوية الشئ ونثره كما يقال: (دحا المطر الحصى عن وجه الأرض) وهذا هو نفس مفهوم الكلمة الإنجليزية:(Drift) التي استخدمت في التعبير عن النظرية الجغرافية الحديثة.
---(1/497)
لسنا نملك أمام هذا التوافق المدهش بين ما ورد في الماضي البعيد وما اكتشف بالأمس القريب- إلا أن نؤمن بأن هذا الكلام صادر عن موجود يحيط علمه بالماضي ، والحال ، والمستقبل علي السواء.
* * *
ثالثا- علم الأغذية:
إن قائمة الأغذية التي يقررها القرآن الكريم تحرم (الدم) ، وكان الإنسان غافلا عن أهمية هذا التحريم ، ولكن التحليلات التي أجريت للدم قد أكدت أن هذا القانون كان مبنيا علي أهمية خاصة بالنسبة إلي الصحة. فالتحليل يثبت أن (الدم) يحتوي كمية كبيرة من (حمض البوليك) Uric Acid، وهو مادة سامة تضر بالصحة لو استعملت غذاء. وهذا هو السر في الطريقة الخاصة التي أمر بها القرآن في ذبح الحيوانات. والمراد من (الذبح) في المصطلح الإسلامي هو الذبح بطريقة معينة حني يخرج سائر الدم من جسم الحيوان ، وهي أن نقطع الوريد الرئيسي. الذي يوجد في العنق فقط. وأن نمتنع عن قطع الأوردة الأخرى ، حني يمكن استمرار علاقة المخ بالقلب إلي أن يموت الحيوان ، لكيلا يكون سبب الموت الصدمة العنيفة التي وجهت إلي أحد أعضاء الحيوان الرئيسية ، كالدماغ أو القلب أو الكبد ، والمقصود من هذا هو أن الدماء تتجمد في العروق وتسري إلي أجزاء الجسم لو مات الحيوان في الحال-علي إثر صدمة عنيفة- وهكذا يتسمم اللحم كله ، نتيجة سريان (حمض البوليك) في أنحائه.
---(1/498)
ولقد حرم القرآن لحم (الخنزير) ولم يعرف الإنسان في الماضي شيئا عن أسرار هذا التحريم ، ولكنه يعرف اليوم أن لحم الخنزير يسبب أمراضا كثيرة ، لأنه يحتوي أكبر كمية من (حمض البوليك) بين سائر الحيوانات علي ظهر الأرض أما الحيوانات الأخرى غير الخنزير فهي تفرز هذه المادة بصفة مستمرة عن طريق البول. وجسم الإنسان يفرز90% من هذه المادة بمساعدة (الكليتين). ولكن الخنزير لا يتمكن من إخراج (حمض البوليك) إلا بنسبة اثنين في المائة(2%) ، والكمية الباقية تصبح جزءا من لحمه ولذلك يشكو الخنزير من آلام المفاصل ، والذين يأكلون لحمه هم الآخرون يشكون من آلام المفاصل والروماتيزم(181) ، وما إلي ذلك من الأمراض المماثلة(182).
* * *
إن الباحث في القرآن الكريم يجد أمثلة لا حصر لها من هذا القبيل الذي أشرنا إلي بعضه في الصفحات الماضية ، وهي دليل قطعي علي أ، القرآن صادر عن عقل غير إنساني. وتؤكد البحوث التي اضطلع بها العلماء في العصر الحاضر بطريقة مدهشة صدق تكلم النبوءة التي وردت في القرآن الكريم:
(سنريهم آياتنا في الآفاق ، وفي أنفسهم حني يتبين لهم أنه الحق(183)).
* * *
وسوف أختم هذا الباب بواقعة رواها العالم الهندي المغفور له الدكتور عناية الله المشرقي وهو يقول:
---(1/499)
(كان ذلك يوم أحد من أيام سنة1909 ، وكانت السماء تمطر بغزارة وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما ، فإذا بي أري الفلكي المشهور السير جيمس جينز-الأستاذ بجامعة كمبردج-ذاهبا إلي الكنيسة ، والإنجيل والشمسية تحت إبطه فدنوت منه وسلمت عليه فلم يرد علي فسلمت عليه مرة أخري فسألني (ماذا تريد مني؟) فقلت له: (أمرين يا سيدي! الأول هو: أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر!) فابتسم السير جيمس وفتح شمسيته علي الف5ور. فقلت له: ( وأما الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلا ذائع الصيت في العالم-مثلك- أن يتوجه إلي الكنيسة؟) وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظة ثم قال: (عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي). وعندما وصلت إلي داره في المساء خرجت (ليدي جيمس) في تمام الساعة الرابعة بالضبط وأخبرتني أن السير جيمس ينتظرني. وعندما دخلت عليه في غرفته ، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي. وكان البروفيسور منهمكا في أفكاره. وعندما شعر بوجودي سألني: (ماذا كان سؤالك؟)، ودون أ، ينتظر ردي بدأ يلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية ونظامها المدهش وأبعادها وفواصلها اللامتناهية وطرقها ومداراتها وجاذبيتها وطوفان أنوارها المذهلة حني إنني شعرت بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله. وأما (السير جيمس) فوجدت شعر رأسه قائما والدموع تنهمر من عينيه ويداه ترتعدان من خشية الله ، وتوقف فجأة ثم بدأ يقول: (يا عناية الله ! عندما ألقي نظرة علي روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي ، وعندما أركع أمام الله وأقول له: (إنك لعظيم!) أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء وأشعر بسكون وسعادة عظيمين. وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألأف مرة أفهمت يا عناية الله خان ، لماذا أذهب إلي الكنيسة؟).
---(1/500)
ويضيف العلامة عناية الله قائلا: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانا في عقلي وقلت له: (يا سيدي لقد أثرت جدا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي وتذكرت بهذه المناسبة آية من آي كتابي المقدس فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم) فهز رأسه قائلا : (بكل سرور) فقرأت عليه الآية التالية:
(ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك. إنما يخشى الله من عباده العلماء). .(184)
فصرخ السير جيمس قائلا:
ماذا قلت؟-إنما يخشى الله من عباده العلماء؟ !مدهش! وغريب وعجيب جدا! ! إن الأمر الذي كشف عنه دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة من أنبأ محمد به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك فاكتب شهادة مني أن القرآن، كتاب موحي من عند الله.
ويستطرد السير جيمس جينز قائلا:
لقد كان محمد أميا ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السر بنفسه ولكن الله هو الذي أخبره بهذا السر. .مدهش. .! وغريب وعجيب جدا(185)! !)
* * *
أنتهى
---
الإسلام يتحدى...إثبات النبوة من السيرة النبوية المطهرة
السلام على من اتبع الهدى
الأخوة الكرام...الزملاء الباحثين عن الحق...اضع بين يديكم فصلين من كتاب صنف من أجمل كتب القرن المنصرم..انه (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان
هذين الفصلين الأول يثبت النبوة من سيرة خير الخلق والثاني يثبت نبوة الرسول من المعجزة الخالدة القرآن كلام الله..
والكتاب هنا كامل لمن أراد الإستزاده
نقلا عن أستاذ أبو مريم فى منتدى التوحيد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2056
نرجو قبل أن يقرأ الزميل النصراني أن يخلص نيته بالبحث بصدق عن الحق
ويستعيذ بالخالق من الشيطان ويبدأ القرآءة
بسم الله نبدأ
الباب السادس
إثبات الرسالة(2/1)
من العقائد الهامة في الدين ، بعد الإيمان بالله ، عقيدة الإيمان بالرسالة ، أو الوحي والإلهام. ومعناها: أن تعالي ينزل كلامه علي إنسان يختاره من بين الناس ، ليخبر الناس بما يرضي الله تعالي. .
وحين عجزنا عن رؤية أي خط اتصال ساخن ، بين الله سبحانه وبين الرسول ، أنكرناه. ولكنا اليوم نستطيع أن نفهم هذه المسألة بسهولة تامة بفضل الحقائق المعلومة.
إن هناك وقائع كثيرة جدا تجري من حولنا في كل لحظة ، ونحن نعجز عن إدراكها ، أو سماعها ، أو الإحساس بها بوساطة أجهزتنا العصبية ، وقد استطاع العلم الحديث أن ييسر لنا إدراكها بفضل الأجهزة العلمية التي اخترعناها. وهذه الأجهزة تستطيع أن تدل علي صوت ذباب طائر علي بعد بضعة أميال ، وكأنه يطير عند أذنك!
ومن الأجهزة العلمية ما وصل التقدم فيه إلي حد أنها تسجل صدام الأشعة الكونية في الفضاء! !
لقد اخترعناه آلات كثيرة أثبتت أنها تسطيع إدراك كثير جدا من الأحداث التي لا يمكننا سماعها بالطرق السمعية التقليدية.
وهذه الطاقة غير العادية للسماع لا تخص الآلات العلمية الحديثة ، وإنما وهبها الله لبعض الحيوانات أيضا. ومما لا شك فيه أن جهاز سماع الإنسان محدود جدا ، ولكن أجهزة بعض الحيوانات تختلف كل الاختلاف ؛ فالكلب ، مثلا ، يستطيع أن يشم ريح الحيوان الذي مر من الطريق ، ومن ثم استغلت الكلاب في البحث عن الجرائم والمجرمين. . فالقفل المكسور ، وفجأة نراه يمسك باللص من بين الألوف.
وهناك حيوانات كثيرة تسمع أصواتا تخرج عن نطاق أسماعنا ، ولقد أثبتت البحوث في هذا الميدان أن بعض الحيوانات يتمتع بقوة (الإشراق) Telepathy. فلو أنك وضعت حشرة مما يطلق عليه (Moth) ، أو (العثة) ، وهي حشرة مجنحة-علي نافذة مفتوحة ، فستحدث صوتا يسمعه زوجها علي مسافة بعيدة جدا ، ولسوف يجيبها هذا الزوج أيضا بطريقته.(2/2)
وهناك نوع خاص من هذه الحشرات يدعي (الجندب) ، يحك رجليه وجناحيه ويصوت بطريق غير عادية ، ويسمع علي مبعدة نصف ميل وهو يحرك في هذه العملية ستمائة طن من الهواء ، ليدعو زوجه وهذه الزوج ترسل أيضا وهي ساكنة بلا حراك جوابا لا نعرفه ، إنما يعرفه الجندب الذكر ثم يلحق بها أينما كانت.
وقد أثبتت البحوث أيضا أن (أبو النطيط) العادي Grasshoper لديه قدرة خارقة علي السماع حتى إنه يستطيع أن يسمع ويحس الحركة التي تحدث في نصف قطر من ذرة الهيدروجين!
وهناك أمثلة أخري كثيرة ، تؤكد إمكان وجود وسائل غير مرئية لدي ذوي الحواس الخاصة.
وإذا كان الأمر كذلك فما وجه الغرابة في ادعاء إنسان أنه يسمع صوتا من لدن ربه ، لا يدركه عامة الناس(؟) ما دام من الممكن أن توجد في هذا العالم حركات وأصوات لا تسمعها آذان الإنسان ، ولكن تسجلها الآلات؟ وما دامت هناك رسائل تدركها حيوانات دون أخري؟
ما هو التعجب والاستبعاد؟
إن الله تعالي- لحكمة يعلمها- يرسل رسائله بوسائل خافتة خفية إلي الإنسان المختار للرسالة بعد أن يودع فيه صلاحية التقاطها وفهمها. فليس هناك من تصادم في الحقيقة ، بين مشاهداتنا وتجاربنا العلمية ، فهو واقع من الوقائع الكثيرة التي نشاهدها ونجربها في أمكنة وطرق مختلفة فالوحي إمكان وجدناه في شكل الواقع بعد التجربة.
* * *
وقد تبين أن تجارب الإشراق أو الانكشاف ومعرفة الغيب لا تخص الحيوانات ، وإنما توجد في الإنسان (بالقوة) ، يقول الدكتور إليكسيس كيريل (108) : (إن حدود الفرد في إطار الزمان والمكان هي مجرد افتراض(109). فيستطيع عامل الإشراق أن يجعلك تنام ، وتضحك أو تبكي ، كما يستطيع أن ينقل إليك كلمات أو خواطر ، ليست علي علم بها. إنها عملية لا تستعمل فيها أية وسائل ولا يشعر بها غير عامل الإشراق وصاحبه.(2/3)
كيف يستحيل وقوع هذه العملية نفسها بين العبد وربه؟ إننا بعد الإيمان بالله ، والإطلاع علي هذه التجارب الكثيرة بما ذلك الإشراق ، لا نجد أساسا لإنكار الوحي والإلهام.
* * *
وقد حدث سنة 1950 أن المسئولين في (بافاريا) رفعوا قضية ضد أحد النمسويين ، واسمه (فرنتر ستروبيل) ، بتهمة التدخل في برامج الإذاعة عن طريق الإشراق.
وكان فرنتر ستروبيل يستعرض أعماله في فندق ريجينا ، بميونيخ ، عندما ناول أوراق لعب الكوتشينة إلي أحد المتفرجين ، وطلب إليه اختيار ورقة ما ، وادعي أنه سوف ينقل اسم تلك الورقة واسم الفندق مع ترتيبهما ، كما هما في ذهن المتفرج ، إلي المذيع الذي كان يقرأ الأخبار من إذاعة ميونيخ المحلية ، ذلك دون أن يعرف المذيع نفسه شيئا من هذا ! !
بعد ثوان سمع الناس صوت مذيع مرتعش ، هو يقول : (فندق ريجينا- بنت البستوني) وكان الترتيب واسم الورقة صحيحين ، كما أراد المتفرج.
وكان الارتعاش والرهبة واضحين في صوت المذيع ولكنه واصل قراءة الأخبار. استغرب الكثيرون من المستمعين من سكان ميونيخ ، واتصل مئات منهم تليفونيا بالإذاعة يستفسرون عن السر الغامض. . فكان من الصعب عليهم إدراك علاقة الأخبار (بفندق ريجينا- بنت البستوني) : وحضر طبيب الإذاعة للكشف علي المذيع فوجده في حالة اضطراب خطيرة ، وأدلي المذيع ببيانه قائلا: (إنني شعرت بصداع شديد في رأسي ، ولا أعرف ماذا حدث بعد ذلك!)
* * *
وقد عرض العلماء نظريات عديدة لشرح هذه الصور من عملية الإشراق ، ومنها أن أمواجا تصدر من المخ وتنتشر في العالم أجمع بسرعة فائقة ، ولذلك سموها بنظرية الموجة المخيةBrain Wave Theory(110).(2/4)
ونحن نقول: إنه لما كان الإنسان يستطيع تحويل الأفكار بأكملها إلي إنسان آخر، علي بعد غير عادي ، وبدون استعمال أي واسطة مادية ظاهرية ، فلماذا تستحيل نفس العملية بين الإله وعباده؟ إن هذا المظهر من كفاءة قوي الإنسان-وأمثلته كثيرة لا تحصي- ليس إلا قرينة تجريبية تجعلنا نفهم علاقة الألفاظ والمعاني التي تربط العبد بالإله عندما يرسل رسالاته.
إن الإشراق أمر معروف لدي الناس وهو يدلنا علي فهم ذلك النظام الإشراق العظيم بين الإله والعباد ، والذي يكون في أكمل صوره حين يبلغ درجة (الوحي) وهذا الوحي لا يعدو أن يكون (إشراقا كونيا) ، من نوع الإشراقات التي عهدناها في حياتنا علي مستويات محدودة.
* * *
أولا - ضرورة الرسالة:
وينبغي-بعد وضوح إمكان الوحي والإلهام- أن نبحث عما إذا كان (ضروريا) أن يخاطب الله إنسانا ليبلغ كلامه إلي الناس؟
إن أكبر دليل علي هذه الضرورة هو أن الأمر الذي يخبر عنه الرسول من أهم الأمور التي تتعلق بحياة الإنسان ومصيره ، والإنسان لا يستطيع أن يصل إلي تلك الحقائق بجهوده الشخصية ، إنه يبحث منذ آلاف السنين عن حقيقة الكون كي يفهم أسرار بدء الحياة ونهايتها ، وحقائق الشر والخير وكيفية صوغ الإنسان من أجل الإنسانية ، وتنظيم أجهزة الحياة حتى تستطيع الإنسانية أن تسير قدما في طريق الخير والرفاهية. . ولم تكلل هذه الجهود بالنجاح إلي يوم الناس هذا. فقد كشفنا عن أسرار الحديد والبترول ، وتعرفنا علي حقائق الطبيعة بعد جهد قصير ، ولكننا عاجزون عن كشف (علم الإنسان) رغم أن جهود أعظم عقولنا العبقرية تواصل البحث عن هذا العلم ولم تستطع حتى الآن تحديد مبادئه وأسسه. إن هذا هو أكبر دليل علي أن الإنسان يحتاج إلي هدي الله من أجل أن يعرف نفسه!
* * *(2/5)
ومن المسلم عند الإنسان الجديد أنه لم يفلح بعد في كشف لغز الحياة ، ولكنه علي كل حال يأمل في أن يساعده القدر يوما لرفع القناع عن هذا السر المعقد ، ولا ريب أن عجز مجتمع العلم الصناعة عن إشباع الحاجات النفسية للإنسان يؤكد الفكرة التي تقول: (إننا أعطينا أهمية غير عادية للعلوم المادية ، علي حين تركنا العلوم الإنسانية في مراحلها البدائية) ، أما الذين دفع بهم طموحهم الجارف إلي العمل في هذا المجال ، مجال (العلوم الإنسانية) فهم كذلك لم يستطيعوا كشف شيء ما ، بل لجوا في ضلال يعمهون ، يقول الدكتور إلكسيس كيريل (الحائز علي جائزة نوبل للعلوم):
(إن مبادئ الثورة الفرنسية ، وأفكار ماركس ، ولينين ، لا تنطبق إلا علي الإنسان العقلي المثالي. ومن الواجب أن نشعر بصراحة تامة بأن قوانين العلاقات الإنسانية لم تكشف بعد.
أما الاجتماع والاقتصاد وما أشبههما ، فهي علوم افتراضية محضة ، بدون أدلة يمكن إثباتها بها(111)).
ولا شك أن علومنا الجديدة قد فتحت مجالات أمام الإنسان ، ولكنها في نفس الوقت جعلت المسألة أكثر تعقيدا ، ولم تساعد في حل الأزمة في أية مرحلة.
ويقول الأستاذ ج. و. ن. سوليفان:
(إن الكون الذي كشفه العلم الحديث هو أكثر غموضا وإبهاما من التاريخ الفكري بأكمله ، ولا شك في أن علمنا عن الطبيعة أكثر غزارة من أي عصر مضي ، ولكن هذه المعلومات كلها غير مقنعة ، فنحن نواجه اليوم الإبهام والمتناقضات في كل ناحية(112)).
هذه الكارثة المؤسفة التي نقف أمامها ، بعد بحث طويل في العلوم المادية عن سر الحياة ، تدلنا علي أن إدراك سر الحياة لن يتاح للإنسان(113).
إن أحوالنا تحتم علينا معرفة سر الحياة ، إذ أننا لا نستطيع مواصلة الحياة في أكمل صورها دون معرفته ؛ ولذلك كان خير ما نتمنى بقلوبنا أن ندركه ، ولا يرضي أسمي جزء من شخصيتنا ، وهو العقل ، أن يطمئن بدونه. فحياتنا مبعثرة لفقداننا هذه الحقيقة.(2/6)
سر الحياة هو ضرورتنا الكبرى ، هذا من ناحية ، ولكننا ، من ناحية أخري ، لا نستطيع أن نظفر به جهودنا وحدها. .
هذه الحالة وحدها تكفي لنتبين حاجتنا الشديدة إلي (الوحي) ، فأهمية سر الحياة ، ثم خروج هذا السر عن دائرة قوي الإنسان ، يدل علي أنه لابد أن تأتي المعرفة من الخارج أيضا ، كالضوء والحرارة اللذين توقف عليهما حياة الإنسان ، ولكنهما هيئا من الخارج(114).
* * *
إن مهمتنا بعد التسليم بإمكان الوحي وضرورته ، هي أن نبحث عن الإنسان الذي يدعي أنه نبي. . هل هو صاحب الوحي في الحقيقة؟. . لقد نصت العقيدة الدينية علي مجيء عدد كبير من الأنبياء ، ولكننا سوف نبحث في هذا الباب عن نبوة رسول الإسلام: سيدنا محمد بن عبد الله (صلي الله عليه وسلم) ؛ فإن سائر الأنبياء من قبله تثبت تلقائيا لو ثبتت نبوته ، لكونه آخر الأنبياء ، ولأنه يصدقهم ولا ينكرهم ، ولأن نجاة البشرية أو هلاكها في معركة الحياة رهن بإيمانها بهذا النبي ، أو تكذيبها إياه.
* * *
لقد ولد الطفل بمكة صبيحة يوم29 أغسطس من عام 570م وعندما بلغ الأربعين من عمره ، أعلن أن الله تعالي أرسله خاتما للنبيين وكلفه بإبلاغ رسالته إلي جميع فئات الجنس البشري ، وأن من اتبعه نجا في الحياة الآخرة ، ومن كذبه فهو في خسران مبين.
إن أصداء هذا الصوت تمر فوق رؤوسنا اليوم بأشد قوتها ، وهو ليس بصوت عادي تتجاهله الآذان. . فهو أكبر نداء في تاريخنا يدعونا إلي تفكير دقيق ، وعلينا أن ندرسه بدقة فإما قبلناه وهو صادق وإما رفضناه لو وجدناه كاذبا. . . وهيهات.
* * *
ثانيا- مقياس الرسالة:
كل فكر يمر بثلاث مرحل ، حتى يصبح حقيقة علمية:
المرحلة الأولي : الفرض Hypothesis
المرحلة الثانية :الملاحظة Observation
المرحلة الثالثة : التحقق Verification(2/7)
والمرحلة الأولي من الحقائق هي أن نفترضها ، ثم نشاهدها وندرسها ، لنتبين صدقها أو كذبها ، فإن وجدناها صحيحة في ضوء الدراسة ، قبلناها ؛ لتصبح حقيقة علمية ، وقد ينقلب هذا الوضع فإننا في بعض الأحيان نشاهد أشياء نتوصل بها إلي نظرية ثم نبدأ البحث في ضوئها.
وبناء علي هذا الأساس فإن دعوى النبوة (فرض). وعلينا أن نفتش عما إذا كانت (الملاحظات) تؤيد هذا الفرض؟ فإذا أيدته المشاهدات أصبح (حقيقة) مصدقة ،يلزمنا قبولها. .
ولكن ما الملاحظات التي نحتاج إليها لاختبار هذا الفرض؟
وما المظاهر الخارجية التي تؤيد كون محمد (صلي الله عليه وسلم) نبيا حقا؟
وما الخصائص والميزات التي اجتمعت في الرسول ، ولا نجد لها تفسير إلا إذا قلنا: إنه كان نبيا!
في رأيي أنه لابد من مقياسين لاختيار الأنبياء:
أولا: أن يكون رجلا مثاليا بصورة غير عادية ، فإن الذي يصطفي ليكون كليم الله ، وليكشف للإنسان برنامج الحياة وسرها ، لابد أن يكون أسمي شخصية في النوع الإنساني ، كما لابد أن يكون حاملا مثل الحياة العليا. فإذا كانت حياته الذاتية متصفة بهذه الصفات فهي أكبر دليل علي ما يقول ؛ إذ لو كانت دعواه باطلة لما كان ممكنا أن تتجلي هذه الحقيقة الكبرى في حياته الذاتية ، حتى تسمو به فوق سائر الإنسانية ، خلقا وشمائل.
ثانيا: أن يكون كلامه ورسالته مملوئين بجوانب يستحيل حصولها لإنسان العادي ، ولا تؤمل إلا ممن ظفر بمعرفة رب الكون ، بحيث لا يمكن للعامة محاكاة ما جاء به النبي من وحي الله.
إننا سوف نبحث عن الرسول في ضوء هذين المقياسين.
* * *(2/8)
لقد شهد التاريخ بكل قطعية أن محمدا صلي الله عليه وسلم كان يتمتع بسيرة غير عادية ، ومن الممكن للمتعصبين إنكار أية حقيقة مهما كانت واضحة ، كما أن من الممكن للمنكرين ادعاء أي شيء في سبيل الاستغلال ، إذا كانوا غير راضين بالنتيجة مهما كانت صادقة وبدهية! وحسبنا أن نذكر علي ذلك موقفا من حياتنا الحديثة! فقد شاهدنا منذ سنين قليلة مثالا ساخرا لهذا المبدأ ، عندما هاجمت الصين الشعبية حدود الهند الدولية ، وأخذت الصين إزاء احتجاج الهند تتهم الهند نفسها بالعدوان! !
وفي الخطاب الذي أرسله رئيس وزراء الصين إلي الهند والذي أذيع نصه بدلهي في يناير عام 1960 ، ادعت الصين أن لها حقا في أراض هندية تبلغ مساحتها 220.000 كم مربعا! ! ويقول رئيس وزراء الصين: إن القوات الصينية لم تتقدم إلا لتدفع بالقوات الهندية المحتلة إلي الوراء! !
أليس هذا منطق التعصب والاستغلال! !
أما الذي لا يشكو من داء التعصب ، ويهيئ عقله لمطالعة الحقائق بقلب مفتوح واع ، فإنه سيسلم بعد دراسته بأن حياة محمد صلي الله عليه وسلم كانت أرقي وأحلي حياة شهدها البشر.
* * *
لقد أخبر محمد بن عبد الله بالنبوة وهو في الأربعين من عمره ، وكان قد اشتهر قبل هذا بدور أخلاقي ممتاز حتى لقبه الناس(بالصادق الأمين) ، وكانت قريش قد أجمعت علي أنه يستحيل أن يكذب أو يخون الأمانة.
ومن الأحداث التي جرت قبل إعلانه النبوة بخمس سنين أن أهل مكة أرادوا بناء الكعبة من جديد وكانت قريش هي صاحبة الأمر فاختلفت فيمن سيضع الحجر الأسود في مكانه ، واستمر الخلاف أربعة أيام أو خمسة ، وأوشكت السيوف أن تبرز وكاد القوم أن يتناحروا ، ثم اتفقوا علي أن يكون الفيصل في هذه القضية أول من يدخل البيت الحرام صباح غد ، وفي اليوم التالي شاهدوا أن الإنسان الأول الذي دخل البيت كان محمدا فنادوه قائلين : (هذا الأمين ، رضينا(115) ).(2/9)
إنا لا نعرف شخصية في التاريخ الإنساني تمتعت بهذا الإجلال والتكريم والتقدير وبهذه السيرة غير العادية ، ثم أصبحت موضع نزاع بعد مضي أربعين سنة من عمرها.
* * *
وعندما نزل عليه الوحي لأول مرة وهو في غار حراء ، اعتبره حادثا غريبا لم يعهده من قبل ، فرجع إلي بيته يرجف فؤادة ، وقص كل ما حدث علي زوجه : خديجة التي كانت أكبر منه سنا ، فقالت: (يا أبا القاسم والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين علي نوائب الدهر).
وكان أبو طالب عم النبي ، قد أبي حين علم أن ابنه (عليا) أسلم قال له: أي بني: ما هذا الذي أنت عليه؟ فقال : يا أبت آمنت بالله ، وبرسول الله ، صليت معه واتبعته ، فقال أبو طالب : أما إنه لم يدعك إلا إلي خير فالزمه(116)).
وعندما جمع الناس لأول مرة بعد النبوة في رحاب (جبل الصفا) سألهم : (يا بطون قريش! أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقي؟) فعلت الأصوات من كل الحناجر ، وهي تقول : (نعم ، ما جربنا عليك كذبا!)
إن هذا السجل التاريخي الممتاز لحياة الرسول قبل إعلان النبوة ليس له مثيل في العالم ، ولم يسبق أن أحرز مثله أي شاعر ، أو فيلسوف ، أو مفكر ، أو كاتب! ! !
* * *
وعندما أعلن محمد (صلي الله عليه وسلم) النبوة لم يكن يصدقه موضع شك ، أو بحث مطلقا لدي أهل مكة ؛ فإنهم كانوا علي علم تام بحياته الكاملة ولذلك لم يرمه أحد بتهمة الكذب أو الاحتيال ، بل ذهبوا يدعون أنه فقد وعيه أو أنه شاعر أو ساحر أو أن الجن استولت علي أعصابه ، وما إلي ذلك من الدعاوى التي تحفل بذكرها الكتب التاريخية ؛ ولكن هذه الكتب لا تشير إلي أية محاولة جرؤ صاحبها علي النيل من أمانته وصدقه. بل يسجل التاريخ أنه : (ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده ، لما يعلم من صدقه وأمانته(117)).(2/10)
وفي السنة الثالثة عشرة من النبوة ، صمم بعض شبان قريش علي قتله ، وحاصروا بيته لاغتياله ؛ وفي تلك الساعة الخطرة الحرجة قرر الهجرة إلي يثرب ، ولكنه أوصي ابن عمه (عليا) أن يرد جميع الأمانات إلي أصحابها في الصباح!
وهذا النضر بن الحارث ، وقد كان من أكبر المعارضين للنبي ، وكان يعد من الخبراء المحنكين بمكة- وقف يوما ، فألقي خطبة في جمع من قريش ، وقال:
(يا معشر قريش ، إنه ، والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد ، قد كان محمدا فيكم غلاما حدثا ، أرضا كم فيكم ، وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر ، لا والله ، ما هو بساحر ؛ لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم. وقلتم : كاهن ، لا والله ، ما هو بكاهن؛ قد رأينا الكهنة تخالجهم ، وسمعنا سجعهم. وقلتم: شاعر ، لا والله ، ما هو بشاعر ؛ قد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها ، هزجه ورجزه. وقلتم : مجنون ، لا والله ، ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون ، فما هو يخنقه ، ولا وسوسته ، ولا تخليطه. يا معشر قريش ؛ فانظروا في شأنكم ، فإنه والله ، لقد نزل بكم أمر عظيم).
(وكان هذا النضر من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وينصب له العداوة(118)).
وكان أبو لهب عم النبي من ألد أعدائه ، وقال له ذات مرة : (يا محمد ، إنني لا أقول : إنك كاذب ، ولكن الأمر الذي تقوم بتبليغه باطل(119)).
* * *(2/11)
إن نبوة محمد صلي الله عليه وسلم كانت عامة لسائر أهل الأرض ، غير مقصورة علي الجزيرة العربية ، ولذلك أرسل كتابات إلي ملوك البلاد القريبة ، وقد تلقي إمبراطور الروم (هرقل) كتابا من الرسول ، يدعوه إلي اعتناق الدين الجديد ، فأمر رجاله بإحضار رجل من قوم الرسول في ديوانه (120). وكان بعض التجار من قريش يقومون برحلة تجارية في بلاد الشام ، فجئ بهم إلي ديوان القيصر ، وسألهم هرقل عمن كان أقربهم نسبا بالرسول ، فأجاب أبو سفيان: (أنا أقربهم نسبا) . ثم جري حديث تاريخي هام بين هرقل وأبي سفيان ، نقتبس هنا منه شيئا:
(هرقل: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
أبو سفيان: لا
هرقل: هل يغدر؟
أبو سفيان: لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها.
فقال هرقل: قد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب علي الناس ويكذب علي الله.
وعندما دار هذا الحديث لم يكن أبو سفيان قد آمن بالرسول بعد ، بل كان من خصومه ، الذين ألبوا عليه العرب ، وشنوا ضده الحروب وقال ، وهو يروي هذا الحادث: (والله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه(121).
إن التاريخ علي طوله لم يشهد رجلا أدلي خصومه بآراء مثالية عن سيرته وحياته مثلما أدلي به خصوم رسول الإسلام.
إن هذا الواقع هو الآخر دليل في حد ذاته علي حقيقة دعوة النبي العربي. وسوف أنقل هنا ما قاله الدكتور ليتز عن الرسول:
(إنني لأجرؤ بكل أدب أن أٌقول: إن الله الذي هو مصدر ينابيع الخير والبركات كلها ، لو كان يوحي إلي عباده فدين محمد هو دين الوحي ، ولو كانت آيات الإيثار ، والأمانة ، والاعتقاد الراسخ القوي ، ووسائل التمييز بين الخير والشر ، ودفع الباطل هي الشاهدة علي الإلهام ، فرسالة محمد هي هذا الإلهام(122)).
* * *(2/12)
لقد عاني محمد (صلي الله عليه وسلم) من صنوف الأذى وضروب العنت والاضطهاد عندما بدأ دعوته ؛ وحاربه قومه أشد الحرب وأقساها ، فوضعوا في طريق مروره الأشواك ، وصبوا علي جسمه الطاهر أكواما من النجاسة. . بل ووجدناه ذات مرة بينما كان يؤدي صلاته ، وإذا (عقبة بن أبي معيط) يلببه بردائه بشدة حتى وقع النبي علي الأرض. . .
ولكن هذه الاستفزازات لم تؤثر في مهمة النبي فاتبعوا معه أسلوبا آخر ، وذلك حين قاطعوه هو وعشيرته من بني هاشم ، وأجبروهم علي أن يعتزلوا الناس ، فلجأوا إلي شعب بني هاشم ، ومنعوا عنهم الطعام وحرموا التعامل معهم ، ومضي علي هذه المقاطعة والحصار التاريخي ثلاث سنين ، وهم يأكلون أوراق شجر (الطلح) الجبلية المرة ، لسد حاجة البطن إلي الطعام. ويروي أحد الصحابة في هذا الحصار أنه حصل مرة علي قطعة جافة من الجلد ، فغسله بالماء ووضعه علي النار ، ثم بلله بالماء ثانية وأكمله.
وبعد الخروج من هذا الحصار ذهب النبي صلي الله عليه وسلم إلي أهل الطائف ، وكانت تبعد أربعين ميلا عن مكة ، وكان يقطنها الأعيان والأثرياء من ثقيف ، واستخدام هؤلاء لغة بالغة السوء مع الرسول. وذهب أحدهم متحديا: (هو يمرط (يمزق) ثياب الكعبة ، إن كان الله أرسلك) ، وقال الآخر: (أما وجد الله يرسله غيرك). وقال الثالث: (واله لا أكلمك أبدا ، لئن كنت رسولا من الله ، كما تقول ، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، لئن كنت تكذب علي الله ما ينبغي لي أن أكلمك).(2/13)
ولم يكتف هؤلاء بهذا الاستهزاء ، بل أغروا به سفهائهم وعبيدهم ، يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس يرمونه بالأحجار ، إلي أن سقط علي صخرة مثخنا بالجراح ، وحين جلس ليستريح من الجراح والعنت ، رموه حتى نهض مبتعدا عنهم ، وهم يتابعونه بالسب والإيذاء والتصفيق. . ولم يزل هذا المشهد حتى أقبل المساء ، وأوي الرسول إلي حائط لعتبة بن ربيعة ، فجلس في ظل كرمة ، وهو جريح ملطخ بالدماء. وهذا الواقع الذي كان الرسول يذكره للسيدة عائشة في قوله:
(لقد لقيت من قومك ما لقيت ؛ وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة(123)).
* * *
وعلي الرغم من هذا الأذى الشديد ، فقد ظل الرسول يدعو إلي الحق. حتى اجتمعت قريش علي أنه لا سبيل إلي التخلص منه إلا بالقتل. وبناء علي مؤامرة دبروها ، أحاط عد من رؤسائهم وشبيبتهم ببيت الرسول ، وفي أيديهم سيوفهم المسلولة ، استعدادا لاغتيال الرسول صلي الله عليه وسلم. عندما يخرج من بيته لتأدية صلاة الصبح ، ولكنه بإذن من الله ، خرج من البيت دون أن يصاب بأذى ، وهاجر إلي المدينة المنورة.
ثم أعلنت قريش قتالا ضد النبي وأعوانه ، وجروه إلي الحرب ، وورطوه في هذه الحرب زهاء عشر سنين ، وقد سقطت في معاركها أسنانه الكريمة ، وكسرت رباعيته ، كما استشهد عدد كبير من صحابته ، وعاني مع أصحابه كل ما تعانيه الشعوب الضعيفة بعد إعلان الحرب عليها.
وهكذا دارت رحى التاريخ خلال ثلاثة وعشرين عاما من الكفاح ، وقبيل نهاية رسالته بعامين فتحت مكة ، ويومها وقف أمامه ألد خصومه ، لا يجدون نصيرا ولا معينا. . فهم يعرفون كيف يعامل المنتصر المغلوبين ، ولكن الذي لقبه ربه بأنه (رحمة للعالمين) سألهم:
_ (يا معشر قريش ، ما تظنون أني فاعل بكم؟)
_ فقالوا: (خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم).
- فأعلنها الرسول صلي اله عليه وسلم.
(اذهبوا فأنتم الطلقاء!)(2/14)
ذلكم ، ولا شك ، أعظم مثل للرحمة والعفو ، وهو معجزة من معجزات التاريخ الإنساني. ولو كان هذا الحدث من أحداث ما قبل التاريخ ، أو لم يكن مسلما به تاريخيا ، لكذبه المكذبون الذين في قلوبهم زيغ ، وقالوا: إنها أسطورة من أساطير التاريخ ، فلم يخلق إنسان بهذه الشيم!
وما أصدق ما قاله البروفيسور بورسورث سميث:
(وعندما ألقي نظرة إجمالية أستعرض فيها صفاته و بطولاته ما كان منها في بدء نبوته ، وما حدث منها فيما بعد ، وعندما أري أصحابه الذين نفخ فيهم روح الحياة ، وكم من البطولات المعجزة أحدثوا- أجده أقدس الناس ، وأعلاهم مرتبة ، حتى إن الإنسانية لم تعرف له مثيلا(124).
إن المثل الأعلى الذي ضربه النبي في حياته الكاملة ، من الأخلاق العالية ، والزهد في الأموال والملذات ، شئ لا مثيل له في التاريخ.
لقد كان تاجرا ناجحا في مكة ، وكانت زوجه السيدة خديجة من أثري نساء العرب ، ولكن كل تجارته ، وثراء زوجته ، ذهبا في سبيل الدعوة ، ثم ابتلي ببلاء شديد ، حتى إنه قال مرة:
(لقد أخفت في الله ، وما يخاف أحد (أي مثل ما أخفت) ، ولقد أوذيت في الله ، وما يؤذي أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم ، وما لي و لبلال طعام يأكله ذو كبد ، إلا شيء يواريه إبط بلال)(125).
وما عاني النبي كل هذا إلا لأجل دعوته ، لقد كان من الممكن أن يعيش حياة أخري ، تختلف كل الاختلاف عن الحياة البائسة التي عاشها في سبيل رسالته ، ولقد عرضت عليه حين كان بمكة ، عروض مغرية تكفل له العيش الرخي ، والمجد السني ، فأوفد إليه رؤساء قريش (عتبة بن ربيعة) ، الذي جاء ليقول له:(2/15)
(يا ابن أخي ، إنك منا ، حيث قد علمت من السطة في العشيرة ، المكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ؛ فاسمع مني أعرض عليك أمورا ، تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها. فقال له: قل يا أبا الوليد أسمع ، قال: يا ابن أخي: إن كنت إنما تريد ، بما جئت به من هذا الأمر ، مالا ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ؛ وإن كنت تريد به شرفا ، سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ، ملكناك علينا: وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع علي الرجل حتى يداوي منه). حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله صلي الله عليه وسلم يستمع منه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم قال:
فاستمع مني ، فقال: أفعل. . عليه الآيات الأولي من سورة (فصلت) ، فلما وصل إلي قوله تعالي: (مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عتبة علي فمه وناشده الرحم أن يكف(126)).
* * *
وفي المدينة المنورة ، كان النبي صلي الله عليه وسلم رئيسا لدولة المسلمين ، وكان يتمتع بمساعدين مثاليين ، يبذلون حياتهم لأجله ، ولم يعرف لهم نظراء علي مدي التاريخ ، ولكن الوقائع التاريخية أثبتت أنه- حتى في آخر أيام حياته ، حين أظلت رايته الجزيرة العربية كلها- بقي رجلا عاديا ، غير ملتفت إلي شهوات الدنيا ومغرياتها ، حتى لحق بالرفيق الأعلى.
وقد روي سيدنا عمر بن الخطاب أنه دخل حجرة النبي صلي اله عليه وسلم: (فإذا هو مضطجع علي رمال حصير ليس بينه وبينه فراش ، قد أثر الرمل بجنبه ، متكئا علي وسادة حشوها ليف. . قلت : يا رسول الله أدع الله ، فليوسع علي أمتك ، فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله. فقال: أو في هذا أنت ، يا بن الخطاب؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ، وفي رواية ؛ أما ترضي عن أن تكون لهم الدنيا ، ولنا الآخرة(127)).(2/16)
ومما تحكي السيدة عائشة أنه (كان يمر الهلال ، ثم الهلال ، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ، وما توقد في أبيات الرسول صلى الله عليه وسلم نار ؛ فسألها عروة بن الزبير : فما كانت معيشتكم ، يا خالة ؟ قالت : الأسودان : التمر والماء . وقالت : وكان لنا جيران من الأنصار ، لهم ربائب يسقوننا من لبنها ، جزاهم الله خيرا .) . وقد جاء في حديث آخر : أنها ذكرت ( أن آل محمد لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية من طعام بر ، حتى مضى النبي صلى الله عليه وسلم ، لسبيله (128) ).
* * *
لقد عاش النبي هذه الحياة القاسية ، رغم كونه قادرا ، على أن يعيش حياة النعيم والترف . وعندما انتقل إلى رحمة الله لم يورث أهله شيئا ، لا دراهم و لا دنانير ، ولا غنما ولا إبلا ، حتى إنه لم يكتب أية وصية . بل إن النبي العظيم ، الذي كان على معرفة تامة بأن حدود دولته الإسلامية سوف تمتد عابرة إفريقية وآسيا ، حتى تصل إلى قلب أوروبا - قال : ( نحن معشر الأنبياء ، لا نورث ؛ ما تركنا صدقة ) .
* * *
إن هذه الوقائع التي أوردناها ، من الإيثار ، والإخلاص ، وسمو الأخلاق ، ليست حوادث استثنائية في حياة الرسول ، وإنما هي حياتنا بأكملها ، بل هي بالحرى ، صورة مصغرة وموجزة عن الوقائع التي كانت تحدث في حياته المثالية ، لقد ارتفع بالإنسانية إلى أسمى قمة تحلم بها ، حتى إنه لو لم يوجد ، لاضطر المؤرخون إلى القول : بأنه لم يوجد إنسان من هذا الطراز ، ولن يوجد في التاريخ .
* * *
فليس غريبا ، مطلقا ، أن يقال : إنه كان نبي الله ، ولكن الغريب أن ينكره أحد منا عنادا وغرورا .
ونحن عندما نسلم بدعواه يمكننا أن نفسر سر حياته المعجزة .
أما إذا أنكرنا نبته ، فسنفقد أي أساس لتفسير منبع أوصافه العجيبة ، التي لم نجد لها مثيلا في التاريخ .. وقد اعترف البروفيسور ( بوسورث سميث) بهذه الحقائق ، حتى إنه ليدعو البشرية كلها إلى الإيمان برسالة النبي :(2/17)
(لقد ادعى محمد لنفسه في آخر حياته نفس ما ادعاه في بداية رسالته .) وإني لأجدني مدفوعا إلى الاعتقاد بأن كلا من الفلسفة العليا والمسيحية الصادقة سوف تضطران ، يوما ما ، إلى التسليم بأنه كان نبيا .. نبيا صادقا من عند الله.(129)
* * *
أما الناحية الأخرى في قضية إثبات الرسالة المحمدية ، فهي ذلك الكتاب الذي جاء به صاحب الرسالة ، مدعيا أنه منزل من عند الله تعالى.
وهذا الكتاب يفيض بخصائص ومزايا تدل على أنه كلام غير إنساني ، وأنه من عند الله . ولما كان البحث في هذه الناحية ذا طبيعة خطيرة - نظرا لأهميته - فقد قدرنا أن ندرسه في باب مستقل ..
الباب السابع
القرآن صوت الله
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطى من الآيات ما مثله أمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة(130) ) . .
إن هذا الحديث النبوي يعين جوانب بحثنا الصحيحة ، فهو يقول : إن أهم وسائلنا لمعرفة النبي هو الكتاب الذي جاء به ، مدعيا أنه من عند الله ، والقرآن هو ، رسالة الرسول بين ظهرانينا ، كما أنه يبرهن على صدقه .
فما الخصائص التي تبرهن على أن القرآن من عند الله ؟
إنها متعددة الجوانب كثيرة ، نستطيع أن نلخصها في الفصول التالية :
أولا-إعجاز القرآن :
أول خاصة يتنبه إليها الباحث في العلوم القرآنية هي ذلك التحدي الصريح الذي القرآن إلى الناس كافة ، منذ أربعة عشر قرنا ، وبخاصة أولئك الذين ينكرون رسالة القرآن ، ولم يستطع أحد من عباقرة البشر أن يرد التحدي الآن . لقد أعلن القرآن بصوت عال ، لا إبهام فيه ولا غموض :
(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)(131).(2/18)
إنه أغرب تحد في التاريخ ، وأكثره إثارة للدهشة ، فلم يجرؤ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني - وهو بكامل عقله - أن يقدم تحديا مماثلا ، فإن مؤلفا ما لا يمكن أن يضع كتابا ، يستحيل علي الآخرين أن يكتبوا مثله ، أو خيرا منه. . فمن الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال ، ولكن حين يدعي أن هناك كلاما ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله ثم تخفق البشرية علي مدي التاريخ في مواجهة هذا التحدي ، حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير إنساني وأنها كلمات صدرت عن صميم المنبع الإلهي Divineorigin ، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته.
* * *
وفي صفحات التاريخ بعض الوقائع ، غر أصحابها الغرور فانطلقوا يواجهون هذا التحدي.
وأولي هذه الوقائع ما حدث من الشاعر العربي لبيد بن ربيعة الشهير ببلاغة منطقه ، وفصاحة لسانه ، ورصانة شعره. فعندما سمع أن محمدا يتحدي الناس بكلامه قال بعض الأبيات ردا علي ما سمع ، وعلقها علي باب الكعبة ، وكان التعليق علي باب الكعبة امتيازا لم تدركه إلا فئة قليلة من كبار شعراء العرب ، وحين رأي أحد المسلمين هذا أخذته العزة فكتب بعض آيات الكتاب الكريم وعلقها إلي جوار أبيات لبيد ومر لبيد بباب الكعبة في اليوم التالي ولم يكن قد أسلم بعد فأذهلته الآيات القرآنية حتي أنه صرخ من فوره قائلا: (والله ما هذا بقول بشر ، وأنا من المسلمين)(132).
وكان من نتيجة تأثر هذا الشاعر العربي العملاق ببلاغة القرآن أنه هجر الشعر وقد قال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه يوما: يا أبا عقيل: أنشدني شيئا من شعرك فقرأ سورة البقرة وقال: ما كنت لأقول شعرا بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران(133).
وأما الحادث الثاني فهو أغرب من الأول وهو عن ابن المقفع أورده المستشرق (ولاستن) في كتابه وعلق عليه قائلا:(2/19)
(. . . إن اعتداد محمد بالإعجاز الأدبي للقرآن لم يكن علي غير أساس ، بل يؤيده حادث وقع بعد قرن من قيام دعوة الإسلام(134)).
والحادث كما جاء عن لسان المستشرق هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس فقرروا مواجهة تحدي القرآن ، واتصلوا لإتمام خطتهم بعبد الله بن المقفع(727م) ، وكان أديبا كبيرا وكاتبا ذكيا. يعتد بكفائته فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة. . وأخبرهم أن هذا العمل سوف يستغرق سنة كاملة واشترط عليهم أن يتكفلوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة. .
ولما مضي علي الاتفاق نصف عام عادوا إليه ، وبهم تطلع إلي معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الإسلام ؛ وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل ، وجدوه جالسا والقلم في يده وهو مستغرق في تفكير عميق ، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه علي الأرض ، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة كتبها ثم مزقها.
لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود عساه أن يبلغ هدفه ، وهو الرد علي تحدي القرآن المجيد. . ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه ، حتي اعترف أمام أصحابه ، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه أنه ، علي الرغم من مضي ستة أشهر حاول خلالها أن يجيب علي التحدي ، فإنه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن ! وعندئذ تخلي ابن المقفع عن مهمته مغلوبا مستخذيا. .(135)
* * *
وهكذا لا يزال تحدي القرآن الكريم قائما ومستمرا علي مر القرون والأجيال ، وهي خاصة عظيمة ورائعة في صالح القرآن ، تثبت دون مرية ، أنه كلام من فوق الطبيعة. وأي إنسان يتمتع بكفائة التفكير والإمعان في حقيقة الأمر ، يكفيه ذلك ليؤمن بهذا الكتاب.(2/20)
ومما لا شك فيه أن العرب-وهم الذين لم يعرف لهم مثيل في التاريخ ، في البلاغة والبيان حتي أطلقوا علي غيرهم اسم (العجم) لشدة اعتزازهم ببيانهم- قد اضطروا أن يركعوا أمام القرآن معترفين بعجزهم عن الإتيان بمثله ، فلزمتهم بذلك الحجة. .
ومما جاء في كتب الحديث عن ابن عباس أن (ضمادا) قدم مكة. وكان من ازد شنوءة. وكان يرقي(136) من هذه الريح (الجنون ومس الجن). فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه علي يدي.قال فلقيه ؛ فقال: يا محمد ! إني أرقي من هذه الريح ،وإن الله يشفي علي يدي من شاء فهل لك ؟ فقال رسول الله: (إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله.أما بعد.) قال: فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء ، فأعادهن عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاث مرات ، قال: فقال: (لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، ولقد بلغن ناعوس البحر (قعره الأقصي(137)).
إن هناك عددا لا يحصي من الاعترافات التي أدلي بها أرباب الشعر والأدب والفكر ، في شأن القرآن الكريم ، سطرت في صفحات التاريخ القديم ، كما أنها توجد بكثرة في تاريخ العصر الحاضر.
ثانيا- نبوءات القرآن:
الجانب الثاني من عظمة القرآن الكريم يتجلي في تنبؤاته المختلفة التي ثبتت صحتها فيما بعد بطرق عجيبة.(2/21)
إن عددا كبيرا من أذكياء الناس ومن العباقرة ، قد جرؤوا علي أن يتنبأوا عن أنفسهم أو عن غيرهم. ولكننا نعرف أن الزمان لم يصدق هذه النبوءات مطلقا ، بل جاء يكذبها بكل قسوة ، ولقد تحفز الفرص المواتية والأحوال المساعدة والكفاءات العالية وكثرة الأعوان والأنصار ، والنجاح الخارق في البداية الكثيرين- وهم يرون أنهم يسيرون تجاه نتائج مرضية- أن يتنبأوا بنتيجة معينة بكل يقين ، ولكن الزمن يبطل هذه الدعاوي ويكذبها دائما. . والزمن نفسه هو الذي أثبت صحة ما جاء في القرآن من التنبؤات في حين أنها جميعا جاءت في أحوال غير مواتية ، إن هذه التنبؤات- وقد وقعت فعلا علي ما يحدثنا التاريخ- تجعل علومنا المادية حائرة عند تفسيرها. وما دمنا ندرسها في ضوء علومنا المادية. فلن نستطيع إدراك حقائقها ، إلا أن ننسبها إلي مصدر غير بشري.
* * *
كان نابليون بونابرت من أعظم قواد الجيوش في عصره ، وقد دلت فتوحاته الأولي علي أنه سوف يكون ندا لقيصر ، والإسكندر المقدوني. وترتب علي ذلك أن وجد الغرور منفذه إلي رأس نابليون ، فأصبح يتوهم أنه هو مالك القدر. وازداد هذا الشعور لديه. حتي إنه ترك مستشاريه ، وادعي أنه لم يكتب في قدره غير الغلبة الكاملة علي من في الأرض. ولكنا جميعا نعرف النهاية التي كتبت له في لوح القدر.(2/22)
سار نابليون من باريس يوم 12 من يونية سنة1815 ، مع جحفله العظيم ليقضي علي أعدائه وهم في الطريق. ولم تمض غير ستة أيام حتي ألحق (دوق ولنجتون) شر هزيمة بجيش نابليون الجبار ، في (ووترلو) بأراضي بلجيكا. وكان (الدوق) يقود جنود انجلترا وألمانيا وهولندا. ولما يئس نابليون وأيقن من مصيره المحتوم فر هاربا من القيادة الفرنسية متوجها إلي أمريكا ولم يكد يصل إلي الشاطىء ، حتي ألقت شرطة السواحل القبض عليه وأرغمته علي ركوب سفينة تابعة للبحرية البريطانية ، وانتهي به القدر إلي أن أرسل إلي جزيرة غير معمورة بجنوب الأطلنطي ، هي جزيرة (سانت هيلينا) ، ومات القائد العسكري في هذه الجزيرة بعد سنوات طويلة من البؤس والشقاء والوحدة ، في 5 مايو سنة1821.
* * *
والبيان الشيوعي المعروف الذي صدر سنة1848 ، تنبأ بأن أول البلاد التي ستقود الثورة الشيوعية هي (ألمانيا) ، ولكن ألمانيا علي الرغم من مضي مائة وعشرين عاما من هذه النبوءة ، لا تزال صفحات تاريخها خالية من مثل هذه الثورة. .
ولقد كتب كارل ماركس في مايو سنة1849 قائلا: (إن الجمهورية الحمراء تبزغ في سماء باريس!) ورغم أنه قد مر علي هذه النبوءة أكثر من قرن ، فإن شمس الجمهورية الحمراء البازغة لم تشرق علي أهالي باريس!
* * *
وقد قال أدولف هتلر في خطابه الشهير الذي ألقاه بميونيخ في14 من مارس سنة1931:
(إنني سائر في طريقي ، واثقا تمام الثقة بأن الغلبة والنصر قد كتبا لي (138)). والعالم بأجمعه يعرف اليوم الذي كتب في قدر الجنرال الألماني العظيم كان هو الهزيمة والانتحار. .
* * *(2/23)
وقد شاهدنا وقائع عديدة من هذه النبوءات المضحكة في (الهند). . فقد أعلن زعيم الشيوعيين: س .ب. جوشي ، في المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الهندي ، الذي انعقد في (مدوراي) بجنوب الهند ، في يناير سنة1954 ، بأن الحزب الشيوعي سوف يحكم ، مستقلا بنفسه ، في الانتخابات العامة القادمة ، في ولايات: تراونكو-كوتشين (كيرالا) ، ومدارس ، وآندهرا ، والبنغال الغربية ، وآسام. وقد أجريت ثلاثة انتخابات عامة (وانتخابات تكميلية أخري) في هذه المدة الطويلة ، ولم يستطع الحزب الشيوعي تأليف وزارة مستقلة في أية ولاية من ولايات الهند (139).
* * *
وسط هذه الجحافل من المتنبئين والنوءات ، لا نجد غير (القرآن) الذي تحققت نبوءاته حرفا حرفا. وهذا الواقع يكفي في ذاته لإثبات أن هذا الكلام صادر من عقل وراء الطبيعة يمسك بزمام الأحوال والحوادث ، وهو علي معرفة بكل ما سيحدث منذ الأزل إلي الأبد ،
وسوف نورد هنا خبرين من التنبوءات الكثيرة التي أدلي بها رسول الإسلام ، وتحققت بكاملها. والشهادتان اللتان سنذكرهما ، تتعلق إحداهما بغلبة الإسلام نفسه ، علي حين تتعلق بغلبة الروم مرة أخري. .
* * *
(أ) عندما بدأ النبي صلي الله عليه وسلم دعوته وقفت الجزيرة العربية كلها ضده ، وكان علي النبي مواجهة ثلاث جبهات في وقت واحد:
أولاها: القبائل المشركة ، بعد أن أصبحوا أعداء حياته.
وثانيتها: الرأسمالية اليهودية.
وثالثتها: أولئك المنافقون الذين تسربوا داخل المسلمين للقضاء علي حركتهم ، من داخل معاقلهم.(2/24)
وكان الرسول يجاهد في سبيل رسالته السامية علي كل هذه الجبهات: قوة المشركين ، والرأسمالية اليهودية ، والطابور الخامس. وقد وقف أمام هذا الطوفان الطاغي وقفات رائعة لا مثيل لها ، ولم يسانده في مواقفه غير حفنة من المهاجرين والأنصار ، وجماعة من العبيد. ومما لا شك فيه أنه قد انضم إليه بعض كبار قريش ، ولكن سرعان ما انقطعوا عن أهلهم وذويهم ، وعادتهم قريش كمعاداتها للنبي.
وقد سارت هذه الحركة بمكة قدما ، تكافح وتناضل ، حتي اجتمع شملهم في المدينة المنورة ، وهم في أشد حالات العوز والفقر ، بعد ما تركوا ثرواتهم في مكة- موطنهم الأصلي. ويمكن قياس بؤس هؤلاء المهاجرين بتلك الجماعة التي عاشت في المسجد النبوي ، حيث لم تكن لديهم بيوت ، وكانوا ينامون علي (صفة) في فناء المسجد النبوي ، فأطلق عليهم (أهل الصفة). ومما روي في كتب التاريخ أن تعداد هؤلاء الصحابة الكرام ، الذين عاشوا علي (الصفة) ، بلغ في بعض الأحيان أربعمائة صحابي.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب ، فمنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من هو أسفل من ذلك ؛ فإذا ركع أحدهم قبض عليه مخافة أن تبدو عورته. .
وعنه (أبي هريرة) رضي الله عنه أنه قال: (لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وبين حجرة عائشة رضي الله عنها ، فيقول الناس: إنه مجنون ، وما بي جنون ، ما بي إلا الجوع!).
* * *
وفي هذه الحالة البائسة ، حيث كان المسلمون في أسوأ أحوالهم ؛ مكشوفين في عراء المدينة المنورة ، خائفين يترقبون الأعداء من كل جانب ، مخافة أن يختطفون في أي وقت ؛ في هذه الحالة نجد القرآن يبشرهم مرة بعد أخري:
(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي(140))
وقال أيضا:
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ، ولو كره المشركون(141)).(2/25)
ولم تمض علي هذه البشري أيام طويلة ، حني وجد المسلمون الجزيرة العربية كلها تحت أقدامهم ؛ فقد انتصرت أقلية ضئيلة لا تملك الخيول ولا الأسلحة ، علي أعداء يملكون الجيوش الكبيرة ، والعدة ، والعتاد.
وليس بوسعنا تفسير هذه التنبؤات في ضوء المصطلحات المادية ، إلا أن نسلم بأن صاحب هذا الإخبار بالغيب لم يأت به من عند نفسه ، وإنما كان خليفة عن الله ؛ فلو أنه كان إنسانا عاديا لاستحال كل الاستحالة أن تصنع كلماته أقدار التاريخ. وكما قال البروفيسور (ستوبارت)
(إنه لا يوجد مثال واحد في التاريخ الإنساني بأكمله يقارب شخصية محمد.)
وهو يضيف قائلا:
( ألا. . ما أقل ما امتلكه من الوسائل المادية ، وما أعظم ما جاء به من البطولات النادرة ، ولو أننا درسنا التاريخ من هذه الناحية ، فلن نجد فيه اسما منيرا هذا النور ، وواضحا هذا الوضوح ، غير اسم النبي العربي (142)).
إن هذا الأمر هو أعظم دليل علي كونه صلي الله عليه وسلم مرسلا من لدن الحق تبارك وتعالي. وقد اعترف السير وليام ميور ، ذلك العدو اللدود للإسلام ، بهذا الأمر بطريقة غير مباشرة ، حين قال:
(لقد دفن محمد مؤامرات أعدائه في التراب ، وكان يثق بانتصاره ليل نهار ، مع حفنة من الأنصار والأعوان ، رغم أنه كان مكشوفا عسكريا من كل ناحية ن وبعبارة أخري: كان يعيش في عرين الأسد ، ولكنه أظهر عزيمة جبارة ، لا نجد لها نظيرا غير ما ذكر في الإنجيل ، من أن نبيا قال لله تعالي: (لم يبق من قومي إلا أنا(143)!) .
* * *
(ب) أما النبوءة الثانية التي وردت في القرآن ، فهي الإخبار بغلبة الروم علي الفرس. وقد جاء في أول سورة الروم قوله تعالي:
(بسم الله الرحمن الرحيم. ألم. غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)(2/26)
كانت الامبراطورية الفارسية تقع شرقي الجزيرة العربية ، علي الساحل الآخر للخليج العربي ، علي حين كانت الامبراطورية الرومانية تمتد من غربي الجزيرة علي ساحل البحر الأحمر إلي ما فوق البحر الأسود. وقد سميت الأولي-أيضا- بالإمبراطورية الساسانية ، والأخرى بالبيزنطية. وكانت الإمبراطوريتين تصل إلي الفرات ودجلة ، في شمال الجزيرة العربية. وكانتا أقوي حكومتين شهدهما ذلك العصر.
ويبدأ تاريخ الامبراطورية الرومانية-كما يري المؤرخ (جبن)- في القرن الثاني بعد الميلاد ، وكانت تتمتع حينئذ بمكانتها كأرقي دولة حضارية في العالم.
وقد شغل المؤرخين تاريخ زوال الروم ، كما لم يشغلهم زوال أية حضارة أخري(144). وليس يغني كتاب من الكتب التي ألفت حول هذا الموضوع عن الكتب الأخرى ، ولكن يمكن اعتبار كتاب المؤرخ (إدوارد جبن): (تاريخ سقوط واندحار الامبراطورية الرومانية)(145) أكثرها تفصيلا وثقة ، وقد ذكر المؤرخ في الجزء الخامس من كتابه الوقائع المتعلقة ببحثنا هنا.
* * *
اعتنق الملك (قسطنطين) الدين المسيحي عام325م ، وجعله ديانة البلاد الرسمية ، فآمنت بها أكثرية رعايا الروم. وعلي الجانب الآخر ، رفض الفرس-عباد الشمس- هذه الدعوة.
وكان الملك الذي تولي الامبراطورية الرومانية في أواخر القرن السابع الميلادي هو (موريس) ، وكان ملكا غافلا عن شئون البلاد والسياسة ، ولذلك قاد جيشه ثورة ضده ، بقيادة (فوكاسPhocas.) وأصبح فوكاس ملك الروم ، بعد نجاح الثورة والقضاء علي العائلة الملكية بطريقة وحشية؛ وأرسل سفيرا له إلي إمبراطور إيران (كسري أبرويز الثاني) ، وهو ابن (أنو شيروان) العادل.
وكان (كسري) هذا مخلصا للملك (موريس) إذ كان قد لجأ إليه عام590-591م ، بسبب مؤامرة داخلية في الامبراطورية الفارسية ، وقد عاونه (موريس) بجنوده لاستعادة العرش. ومما يروي أيضا أن (كسري) تزوج بنت (موريس) ، أثناء إقامته بلاد الروم ، ولذلك كان يدعوه (بالأب).(2/27)
ولما عرف بأخبار انقلاب الروم ، غضب غضبا شديدا وأمر بسجن السفير الرومي وأعلن عدم اعترافه بشرعية حكومة الروم الجديدة.
وأغار (كسري أبرويز) علي بلاد الروم وزحفت جحافله عابرة نهر الفرات إلي الشام. ولم يتمكن (فوكاس) من مقاومة جيوش الفرس التي استولت علي مدينتي (أنطا كية والقدس) فاتسعت حدود الامبراطورية الفارسية فجأة إلي وادي النيل. وكانت بعض الفرق المسيحية-كالنسطورية واليعقوبية- حاقدة علي النظام الجديد في روما فناصرت الفاتحين الجد وتبعها اليهود مما سهل غلبة الفرس.
* * *
وأرسل بعض أعيان الروم رسالة سرية إلي الحاكم الرومي في المستعمرات الإفريقية ، يناشدونه إنقاذ الامبراطورية فأرسل الحاكم جيشا كبيرا بقيادة ابنه الشاب (هرقل) ، فسار بجيشه في الطريق البحرية ، بسرية تامة. . حني إن (فوكاس) لم يدر بمجيئهم إلا عندما شاهد الأساطيل ، وهي تقترب من السواحل الرومانية ، واستطاع هرقل-دون مقاومة تذكر- أن يستولي علي الامبراطورية ، وقتل (فوكاس) الخائن.
بيد أن هرقل لم يتمكن-برغم استيلائه علي الامبراطورية وقتله (فوكاس)- من إيقاف طوفان الفرس. . فضاع من الروم كل ما ملكوا من البلاد في شرقي العاصمة وجنوبيها. لم يعد العلم الصليبي يرفرف علي العراق والشام وفلسطين ومصر وآسيا الصغرى ، بل علتها راية الفرس: (درفش كاوياني)! ! وتقلصت الامبراطورية الرومانية في عاصمتها ، وسدت جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس ؛ وعم القحط ؛ وفشت الأمراض الوبائية ؛ ولم يبق من الإمبراطورية غير جذور شجرها العملاق. وكان الشعب في العاصمة خائفا يترقب ضرب الفرس للعاصمة ، ودخولهم فيها ؛ وترتب علي ذلك أن أغلقت جميع الأسواق ، وكسدت التجارة ، وتحولت معاهد العلم والثقافة إلي مقابر موحشة مهجورة.(2/28)
وبدأ عباد النار يستبدون بالرعايا الروم للقضاء علي المسيحية. . فبدءوا يسخرون علانية من الشعائر الدينية المقدسة ، ودمروا الكنائس ، وأراقوا دماء ما يقرب من100,000من المسبحين المسالمين وأقاموا بيوت عبادة النار في كل مكان وأرغموا الناس علي عبادة الشمس والنار واغتصبوا الصليب المقدس وأرسلوه إلي (المدائن).
ويقول المؤرخ (جبن) في المجلد الخامس من كتابه:
(ولو كانت نوايا (كسري) طيبة في حقيقة الأمر لكان اصطلح مع الروم بعد قتلهم (فوكاس) ولاستقبل (هرقل) كخير صديق أخذ بثأر حليفه وصاحب نعمته (موريس) ، بأحسن طريقة ؛ ولكنه أبان عن نواياه الحقيقية عندما قرر مواصلة الحرب.)(146)
ويمكن قياس الهوة الكبرى التي حدثت بين الروم والفرس من خطاب وجهه (كسري) إلي (هرقل) من بيت المقدس قائلا:
(من لدن الإله كسري الذي هو أكبر الآلهة وملك الأرض كلها ، إلي عبده اللئيم الغافل: هرقل: إنك تقول: إنك تثق في إلهك! فلماذا لا ينقذ إلهك القدس من يدي؟ !).
واستبد اليأس والقنوط بهرقل من هذه الأحوال السيئة وقرر العودة إلي قصره الواقع في (قرطاجنة) علي الساحل الإفريقي. . فلم يعد يهمه أن يدافع عن الامبراطورية ، بل كان شغله الشاغل إنقاذ نفسه. وأرسلت السفن الملكية إلي البحر ، وخرج (هرقل) في طريقه ليستقل إحدي هذه السفن إلي منفاه الاختياري.
وفي هذه الساعة الحرجة تحايل كبير أساقفة الروم باسم الدين والمسيح ، ونجح في إقناع (هرقل) بالبقاء وذهب (هرقل) مع الأسقف إلي قربان (سانت صوفيا) يعاهد الله تعالي علي أنه لن يعيش أو يموت إلا مع الشعب الذي اختاره الله له.(2/29)
وبإشارة من الجنرال الإيراني سين(Sain) أرسل (هرقل) سفيرا إلي 0كسري) طالبا منه الصلح ؛ ولكن لم يكد القاصد الرومي يصل إلي القصر ، حني صاح (كسري) في غضب شديد: (لا أريد هذا القاصد! وإنما أريد (هرقل) مكبلا بالأغلال تحت عرشي ؛ ولن أصالح (الرومي) حني يهجر إلهه الصليبي ويعبد الشمس إلهتنا1)(147).
* * *
وبعد مضي ستة أعوام علي الحرب ، رضي الإمبراطور الإيراني أن يصالح (هرقل)علي شروط معينة هي أن يدفع ملك الروم:
(ألف تالنت(148) من الذهب ، وألف تالنت من الفضة ، وألف ثوب (149) من الحرير ، وألف جواد ، وألف فتاة عذراء).
ويصف (جبن) هذه الشروط بأنها (مخزية) دون شك ، وكان من الممكن أن يقبلها (هرقل) ، لولا المدة القصيرة التي أتيحت له لدفعها من المملكة المنهوبة ، والمحدودة الأرجاء ، ولذلك آثر أن يستعمل هذه الثروة كمحاولة أخيرة ضد أعدائه.
* * *(2/30)
وبينما سيطرت علي العاصمتين الفارسية والرومية هذه الأحداث ، فقد سيطرت علي شعب العاصمة المركزية في شبه الجزيرة العربية- وهي (مكة) المكرمة- مشكلة مماثلة: كان الفرس مجوسا من عباد الشمس والنار ، وكان الروم من المؤمنين بالمسيح ، وبالوحي ، وبالرسالة ، وبالله تعالي. وكان المسلمون مع الروم- نفسيا- يرجون غلبهم علي الكفار والمشركين كما كان كفار مكة مع الفرس ، لكونهم من عباد المظاهر المادية. وأصبح الصراع بين الفرس والروم رمزا خارجيا للصراع الذي كان يدور بين أهل الإسلام وأهل الشرك في (مكة). وبطريقة نفسية كانت كل من الجماعتين تشعر بأن نتيجة هذا الصراع الخارجي هي نفس مآل صراعهما الداخلي. فلما انتصر الفرس علي الروم عام616م. واستولوا علي جميع المناطق الشرقية من دولة الروم انتهزها المشركون فرصة للسخرية من المسلمين ، قائلين: لقد غلب إخواننا علي إخوانكم ، وكذلك سوف نقضي عليكم ، إذا لم تصطلحوا معنا تاركين دينكم الجديد! ! وكان المسلمون بمكة في أضعف وأسوأ أحوالهم المادية ، وفى تلك الحالة البائسة ، صدرت كلمات من لسان الرسول صلي الله عليه وسلم:
(بسم الله الرحمن الرحيم. ألم. غلبت الروم في أدني الأرض. وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين. لله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله ، ينصر من يشاء ، وهو العزيز الرحيم. وعد الله ، لا يخلف الله وعده ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).-الروم:1-6.
وتعليقا علي هذه النبوءة يكتب(جبن):
(في ذلك الوقت حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة ، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا ، لأن السنين الاثنتي عشرة الأولي من حكومة (هرقل) كانت تؤذن بانتهاء الإمبراطورية الرومانية(150)).(2/31)
ولكن من المعلوم أن هذه النبوءة جاءت من لدن من هو مهيمن علي كل الوسائل والأحوال ، من بيده قلوب الناس وأقدارهم ، ولم يكد جبريل يبشر النبي بهذه البشري ن حتى أخذ انقلاب يظهر علي شاشة الإمبراطورية الرومانية! !
ويرويه (جبن) علي النحو التالي:
(إنها من أبرز البطولات التاريخية ، تلك التي نراها في (هرقل). فقد ظهر هذا الإمبراطور غاية في الكسل والتمتع بالملذات وعبادة الأوهام في السنين الأولي والأخيرة من حكومته ، كان يبدو كما لو كان متفرجا أبله ، استسلم لمصائب شعبه ، ولكن الضباب الذي يسود السماء ساعتي الصباح والمساء ، يغيب حينا من الوقت لشدة شمس الظهيرة ، هذا هو ما حدث بالنسبة إلي هرقل ، فقد تحول (أرقاديوس(151)القصور) إلي (قيصر ميدان الحرب(152)) فجأة ، واستطاع أن يستعيد مجد الروم خلال ست حروب شجاعة شنها ضد الفرس. وكان من واجب المؤرخين الروم أن يزيحوا الستار عن الحقيقة ، تبيانا لأسرار هذه اليقظة والنوم ، وبعد هذه القرون التي مضت يمكننا الحكم بأنه لم تكن هناك دوافع سياسية وراء هذه البطولة ، بل كانت نتيجة غريزة هرقل الذاتية ، فقد انقطع عن كافة الملذات ، حني إنه هجر ابنة أخته (مارتينا)-التي تزوجها لشدة هيامه بها ، رغم أنها كانت محرمة عليه(153) ).
* * *
هرقل-ذلك الملك الغافل الفاقد العزيمة- وضع خطة عظيمة لقهر الفرس ، وبدأ في تجهيز العدة والعتاد ، ولكن رغم ذلك كله ، عندما خرج هرقل مع جنوده بدا لكثيرين من سكان (القسطنطينية) أنهم يرون آخر جيش في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية.
وكان هرقل يعرف أن قوة الفرس البحرية ضعيفة ، ولذلك أعد بحريته للإغارة علي الفرس من الخلف. وسار بجيوشه عن طريق البحر الأسود إلي (أرمينيا) ، وشن علي الفرس هجوما مفاجئا في نفس الميدان الذي هزم فيه الأسكندر جيوش الفرس ، لما زحف علي أراضي مصر والشام. ولم يستطع الفرس مقاومة هذه الغارة المفاجئة فلاذوا بالفرار.(2/32)
وكان الفرس يملكون جيشا كبيرا في (آسيا الصغرى) ، ولكن (هرقل) فاجأهم بأساطيله مرة أخري ، وأنزل بهم هزيمة فادحة ، وبعد إحراز هذا النصر الكبير عاد (هرقل) إلي عاصمته (القسطنطينية) عن طريق البحر ، وعقد معاهدة مع الأفاريين (Avars) ، واستطاع بنصرتهم أن يسد سيل الفرس عند عاصمتهم.
وبعد الحربين اللتين مر ذكرهما ثلاثة حروب أخري ضد الفرس في سنوات 623 ،624 ، 625 م. واستطاع أن ينفذ إلي أراضي العراق القديم (ميسو بوتانيا) عن طريق البحر الأسود ، واضطر الفرس إلي الانسحاب من جميع الأراضي الرومية ، نتيجة هذه الحروب ، وأصبح (هرقل) في مركز يسمح له بالتوغل في قلب الإمبراطورية الفارسية ، وكانت آخر هذه الحروب المصيرية- تلك الحرب التي خاضها الفريقان في (نينوا9 علي ضفاف (دجلة) في ديسمبر عام627م.
* * *
ولما لم يستطع (كسري أبرويز) مقاومة سيل الروم ، حاول الفرار من قصره الحبيب (دستكرد) ، ولكن ثورة داخلية نشبت في الإمبراطورية ، واعتقله ابنه (شيرويه) ، وزج به في سجن داخل القصر الملكي حيث لقي حتفه لسوء الأحوال في اليوم الخامس من اعتقاله ، وقد قتل ابنه (شيرويه) ثماني عشرة من أبناء أبيه (كسري) أمام عينيه.
ولكن (شيرويه) هو الآخر لم يستطع ان يجلس علي العرش أكثر من ثمانية أشهر ، حيث قتله أحد أشقائه ، وهكذا بدأ القتال داخل البيت الملكي ، وتولي تسعة ملوك زمام الحكم في غضون أربعة أعوام. ولم يكن من الممكن أو المعقول في هذه الأحوال السيئة ، أن يواصل الفرس حربهم ضد الروم. . . فأرسل (قباد الثاني) ابن كسري أبرويز الثاني يرجو الصلح ، وأعلن تنازله عن الأراضي الرومية ، كما أعاد الصليب المقدس ، ورجع (هرقل) إلي عاصمته (القسطنطينية) في مارس عام 628م في احتفال رائع ، حيث كان يجر مركبته أربعة أفيال ، واستقبله آلاف مؤلفة من الجماهير خارج العاصمة وفي أيديهم المشاعل وأغصان الزيتون(154) ! !
* * *(2/33)
وهكذا صدق القرآن الكريم عن غلبة الروم في مدته المقررة أي في أقل من عشر سنين ، كما هو المراد في لغة العرب من كلمة: (بضع)!
وقد أبدي (جبن) حيرته وإعجابه بهذه النبوءة ولكنه كي يقلل من أهميتها ربطها برسالة النبي صلي الله عليه وسلم إلي (كسري).
يقول جبن:
(وعندما أتم الإمبراطور الفارسي نصره علي الروم وصلته رسالة من مواطن خامل الذكر ، من (مكة) دعاه إلي الإيمان بمحمد ، رسول الله ، ولكنه رفض هذه الدعوة ومزق الرسالة وعندما بلغ هذا الخبر رسول العرب ، قال: سوف يمزق الله دولته تمزيقا وسوف يقضي علي قوته.
(ومحمد الذي جلس في الشرق علي حاشية الإمبراطورتين العظيمتين طار فرحا مما سمع عن تصارع الإمبراطوريتين وقتالهما ، وجرؤ في إبان الفتوحات الفارسية وبلوغها القمة أن يتنبأ بأن الغلبة تكون لراية الروم بعد بضع سنين. وفي ذلك الوقت ، حين ساق الرجل هذه النبوءة ، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا لأن الأعوام الاثني عشر الأولي من حكومة هرقل كانت تشي بنهاية الإمبراطورية الرومانية(155).)
بيد أن جميع مؤرخي الإسلام يعرفون معرفة تامة أن هذه النبوءة لا علاقة لها بالرسالة التي وجهها النبي إلي (كسري أبرويز) ، لأن تلك الرسالة إنما أرسلت في العام السابع من الهجرة ، بعد صلح الحديبية ، أي عام628م ، في حين أن آية النبوءة المذكورة نزلت بمكة عام616م ، أي قبل الهجرة بوقت طويل فبين الحدثين فاصل يبلغ اثني عشر عاما (156).
* * *
ثالثا: القرآن والكشوف الحديثة:
والميزة الثالثة التي سوف أدرسها في هذا الباب للإبانة عن صدق القرآن وحقيته ، هي أنه رغم نزول القرآن قبل قرون كثيرة من عصر العلوم الحديثة ، لم يتمكن أحد من إثبات أية أخطاء علمية فيه ، ولو أنه كان كلاما بشريا لكان هذا ضربا ن المستحيل.
* * *(2/34)
كانت بعثة لطلبة الصين تدرس بجامعة كاليفورنيا منذ بضع سنين ، وقد ذهب اثنا عشر من هؤلاء الطلبة إلي كاهن (كنيسة بركلي) طالبين منه أن ينظم لهم دراسة حول الدين المسيحي في أحد أيام الأحد ، وقالوا له بكل صراحة: إننا غير راغبين في اعتناق المسيحية ، ولكننا نريد أن نعرف مدي تأثير هذا الدين علي الحضارة الأمريكية ، اختار القسيس عالما في الرياضة والفلك هو البروفيسور (بيتر و.ستونر) للتدريس لهؤلاء الشبان وبعد أربعة أشهر من هذا الواقع اعتنقوا الدين المسيحي! !
أما الدوافع وراء هذا العمل المدهش فلنسمعها من الأستاذ نفسه:
(لقد كان السؤال الأول أمامي: ماذا أقول لهم عن الدين؟ إنهم لا يؤمنون بالإنجيل إطلاقا وتدريس الإنجيل علي الطريقة التقليدية لن يأتي بفائدة ما ، وفي ذلك الوقت تذكرت أني إثناء دراستي كنت ألاحظ علاقة كبيرة بين العلوم الحديثة وسفر التكوين في الإنجيل ، ولذلك رأيت أن أعرض هذا الكلام أمام هذه الجماعة من الشباب.
(وكنا-أنا والطلبة- نعرف بطبيعة الحال أن ما جاء في هذا الكتاب عن بدء الكون قد كتب قبل آلاف السنين من كشوف العلوم الحديثة عن الأرض والسماء ، وكنا نشعر كذلك أن أفكار الناس في زمن موسي ستبدو لغوا باطلا ، لو درسناها في ضوء معلومات العصر الحاضر.
(وقد أمضينا فترة الشتاء كلها ندرس في سفر التكوين ، وكان الطلبة يكتبون الأسئلة حول ما جاء في هذا السفر ، ثم يبحثون عن أجوبتها بكل جهد في مكتبة الجامعة. وعند انتهاء الشتاء أخبرني القسيس أن الطلبة حضروا إليه ليخبروه أنهم يريدون اعتناق المسيحية ، وقد أقروا أنه ثبت لهم أن الإنجيل كتاب موحي من عند الله(157).)
* * *
وعلي سبيل المثال يقول سفر التكوين عن حالة الأرض في بداية الأمر:
(لقد غشي علي الأغوار ظلام)(158)(2/35)
وهذا هو أحسن تصوير للحالة التي وجدت في الأرض في ذلك الوقت ن كما عرفناها من العلوم الحديثة ، فكان سطح الأرض حارا جدا ، وتبخرت المياه بسبب هذه الحرارة ، ولم يصل النور إلي سطح الأرض ، لأن مياه بحارنا كانت في صورة سحب كثيفة في الفضاء ، وكان ظلام يسود الأرض.
* * *
إننا نؤمن بأن الإنجيل والتوراة من الكتب الإلهية ، مثل القرآن الكريم ، ولذلك توجد فيهما قبسات من العلم الإلهي ، ولكن النصوص الأصلية قد ضاعت وطرأ فارق كبير بين الإنجيل الحقيقي وإنجيل هذا العصر ، بعد مضي ألفي عام حافلة بعمليات الترجمة من لغة إلي أخري ، ثم بأعمال التحريف البشريHuman Interpolation الذي أصاب النسخة الإلهية أكثر ما أصاب ، علي حد تعبير العالم الأمريكي (كريسي موريسون)(159).
ولما كانت هذه الصحائف قد فقدت قيمتها نتيجة لما حدث فقد أرسل اله تعالي (طبعة جديدة) من كتابه إلي البشر وهذا الكتاب هو (القرآن الكريم) وهو يحمل من أجل صحته وكماله ، كل المميزات والخصائص التي لا توجد منها سوي لمحات في الكتب القديمة.
وسوف أستعرض هنا هذه الخاصة دليلا ثالثا من أدلتي علي صدق القرآن الكريم ، ولقد أنزل القرآن قبل عصر النهضة ، ولكن أحدا من الناس لم يستطع إبطال شيء مما جاء به ولو كان هذا القرآن من كلام البشر ، لعد ذلك ضربا من ضروب الإحالة.
* * *(2/36)
نزل القرآن في عصر لم يكن الإنسان يعرف فيه عن الطبيعة إلا القليل النادر ، وكانوا يرون أن الأمطار تنزل من السماء ، وأن الأرض مستوية كالفراش وأن السماء سقف الأرض ، وكانوا يرون أن النجوم مسامير لامعة من الفضة مركبة في قبة السماء ، أو أنها قناديل معلقة في الفضاء! وكان أهل الهند الأقدمون يؤمنون بأن الأرض محمولة علي أحد قرني (البقرة الأم) ، وهي حين تقوم بنقل الأرض من قرن إلي آخر يحدث زلزال علي البسيطة(160). وكان العلماء يرون أن الشمس ساكنة بلا حراك وأن الأرض تدور حولها ، إلي أن جاء (كوبرنيك)(1473/1543م) وعرض فكرته الشهيرة عن حركة الشمس.
* * *
وهكذا تقدم العلم رويدا رويدا ، إلي أن زادت قوة المشاهدة والدراسة لدي الإنسان ، فكشف عن أسرار كثيرة. والآن لا نجد جزءا ما من معلوماتنا عن أجزاء الجسم وشعب العلم المختلفة ، إلا وقد تغيرت نظرتنا إليه كلية وثبت بطلان عقائد العصر القديم.
ويدل هذا بكل صراحة علي أنه لا وجود لكلام إنساني تدوم صحته كليا. . . لأن الإنسان يتكلم عما هو معروف من المعتقدات والعلوم في عصره ، إنه سوف يسرد ما وجده في زمنه سواء وقع كلامه في دائرة الشعور أو اللاشعور. ولذلك لا نجد كتابا مضي عليه حين من الدهر إلا وهو مملوء بالأغلاط والأخطاء من سائر نواحيه ، نظرا إلي الكشوف الجديدة في كل الميادين.
ولكن مسألة القرآن الكريم تختلف تمام الاختلاف عن هذه الكلية! فهو حق وصادق في كل ما قال كما كان في القرون الغابرة. ولم يطرأ علي مقاله أي تغير رغم مضي قرون وعصور طويلة. وهذا في نفسه دليل علي أن منبعه عقل جبار يحيط بالأزل وبالأبد علما ، وهو يعلم سائر الحقائق في صورها النهائية والحقيقية ، ولا يخضع علمه ومعرفته لحواجز الزمان والمكان والأحوال. ولو كان هذا الكلام صادرا عن بشر محدودي النظر والعلم لكان الزمان قد أبطله منذ عصور عديدة ، كما يحدث لكل كلام إنساني في مستقبله.(2/37)
إن المحور الحقيقي لرسالة القرآن هو السعادة الأخروية ، فهو بذلك لا يدخل في دائرة أي من علومنا وفنوننا الحديثة. ولكن حيث إنه يخاطب (الإنسان) في حقيقة الأمر ، فهو يمس كل ما هو متعلق بالإنسان وهي مسألة دقيقة وموقف جد خطير. . لان المرء حين يكون جاهلا ، أو ناقص المعلومات حول مشكلة ما ، ثم يتجرأ ليتكلم عن تلك المشكلة-ولو إجمالا-فلابد أن يكبو في حديثه وذلك حين يستخدم كلمات أو عبارات لا علاقة لها بالواقع والحقائق!
وعلي سبيل المثال: قال أرسطو استدلالا علي أسبقية الرجل علي المرآة: إن فم المرأة يحوي أسنانا أقل عددا من أسنان الرجل! ! ومن المعروف أن هذا الكلام لا علاقة له بعلم الأجسام ، بل هو يدل علي أن صاحبه جاهل بهذا العلم ، فإن عدد الأسنان سواء لدي الرجل والمرآة. ولكن من المدهش حقا أن القرآن- حني فيما يمس أكثر العلوم الحديثة من ناحية أو أخري- لا يحتوي كلمة ما أثبت العلم فيما بعد أنها من صنع رجل جاهل بذلك الموضوع ، وهذا يوضح صراحة أنه كلام موجود فوق الطبيعة ؛ وهو علي معرفة تامة بكل شيء علي حين لم يكن أحد يعلم شيئا وهو يعلم أيضا كل ما يجهله البشر في هذا العصر مع تقدم العلوم. .
وسوف أورد هنا بعض الأمثلة التي تدل صراحة علي أن القرآن الكريم يحيط بالحقائق التي لم تعرف إلا في عصرنا هذا ، وإن كانت إحاطته هذه ضمن إشارات غير مقصودة لذاتها.(2/38)
ويجب أن أقول ، تمهيدا لهذا البحث: إن مطابقة لكلمات (القرآن) وألفاظه للكشوف الحديثة مبنية علي أن العلم الحديث قد استطاع الكشف عن أسرار الواقعة موضوع البحث ، فتوفرت لدينا مواد نافعة لتفسير الإشارات القرآنية في ذلك الموضوع. ولو أن دراسة المستقبل في موضوع ما تبطل واقعة من وقائع العلم الحديث كليا أو جزئيا فليس هذا بضائر مطلقا صدق القرآن ، بل معناه أن المفسر لأخطأ في محاولته لتفسير إشارة مجملة في القرآن ، وإنني لعلي يقين راسخ بأن الكشوف المقبلة سوف تكون أكثر إيضاحا لإشارات القرآن وأكثر بيانا لمعانيه الكامنة.
* * *
تقسيم لآيات القرآن:
ونستطيع أننقسم الآيات القرآنية المتعلقة بهذا الجانب إلي نوعين:
الأول: ما عرف عنه الإنسان-حني ذلك العصر- أمورا جانبية وسطحية.
والثاني: ما لم يعرف عنه ذلك الإنسان شيئا مطلقا.
عن هنالك أشياء كثيرة كان الأقدمون يعرفون عنها بعض المعارف الجزئية وكانت معرفتهم هذه ناقصة جدا بالنسبة إلي المعرفة التي أتيحت للإنسان اليوم ، بفضل الاختراعات الحديثة. وقد واجه القرآن في هذا الصدد مشكلة كبري ، فهو لم يكن كتابا في العلوم والهندسة ، ولذلك لو أنه كان بدأ يكشف عن أسرار الطبيعة لاختلف الناس فيما بينهم حول ما جاء في القرآن ، ولاستحال عندئذ بلوغ الهدف الحقيقي من نزول القرآن ، وهو إصلاح العقل الإنساني وتزكيته. فمن إعجاز القرآن أنه تكلم في لغة العلم قبل كشفه كما أنها ستعمل كلمات وتعبيرات لم يستوحشها أذواق الأقدمين ولا معارفهم علي حين أحاطت بكشوف العصر الحديث!
* * *
النوع الأول:
(أ ) ذكر القرآن الكريم قانونا خاصا بالماء في سورتين: هما الفرقان والرحمن.
وجاء في السورة الأولي:
(وهو الذي مرج البحرين. هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج. وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا(161)).
وأما الآية التي وردت في السورة الأخرى فهي تقول:
(مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان(162)).(2/39)
إن الظاهرة الطبيعية التي يذكرها القرآن في هذه الآيات معروفة عند الإنسان منذ أقدم العصور ؛ وهي أنه إذا ما التقي نهران في ممر مائي واحد فماء أحدهما لا يدخل (أي لا يذوب) في الآخر. وهناك علي سبيل المثال نهران يسيران في (تشاتغام) بباكستان الشرقية إلي مدينة (أركان) في (بورما) ويمكن مشاهدة النهرين مستقلا أحدهما عن الآخر ويبدو أن خيطا يمر بينهما حدا فاصلا ؛ والماء عذب في جانب وملح في جانب آخر. وهذا هو شأن الأنهار القريبة من السواحل فماء البحر يدخل ماء النهر عند حدوث (المد البحري) ولكنهما لا يختلطان ويبقي الماء عذبا تحت الماء الأجاج. وهكذا شاهدت عند لتقي نهري الكنج والجامونا في مدينة (الله آباد) فهما رغم التقائهما لم تختلط مياههما ويبدو أن خيطا فاصلا يميز أحدهما من الآخر (163).
إن هذه الظاهرة كما قلت كانت معروفة لدي الإنسان القديم. . ولكنا لم نكشف قانونها إلا منذ بضع عشرات من السنين. فقد أكدت المشاهدات والتجارب أن هناك قانونا ضابطا للأشياء السائلة ، يسمي (قانون المط السطحي)Surface Tension وهو يفصل بين السائلين ، لأن (تجاذب) الجزئيات يختلف من سائل لآخر ، ولذا يحتفظ كل سائل باستقلاله في مجاله. وقدا ستفاد العلم الحديث كثيرا من هذا القانون الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله سبحانه: (بينهما برزخ لا يبغيان). وملاحظة هذا البرزخ لم تخف عن أعين القدماء كما لم تتعارض مع المشاهدة الحديثة ، ونستطيع بكل ثقة أن نقول: إن المراد من (البرزخ) إنما هو (المط أو التمدد السطحي) الذي يوجد في المائين والذي يفصل أحدهما عن الآخر.(2/40)
ويمكن فهم هذا المط السطحي بمثال بسيط وهو: أنك لو ملأت كوبا بالماء فإنه لن يفيض إلا إذا ارتفع عن سطح الكوب قدرا معينا. . والسبب في ذلك أن (جزئيات) السوائل عندما لا تجد شيئا تتصل به فوق سطح الكوب تتحول إلي ما هو تحتها ، وعندئذ توجد (غشاوة مرنة)Elastic Film علي سطح الماء ؛ وهذه الغشاوة هي التي تمنع الماء من الخروج عن الكوب لمسافة معينة وهي غشاوة قوية لدرجة أنك لو وضعت عليها إبرة من حديد فإنها لن تغوص! وهذه الظاهرة هي ما يسمي بالمط السطحي ، الذي يحول دون اختلاط الماء والزيت والذي يفصل بين الماء العذب والملح.
* * *
(ب) وجاءت في القرآن بيانات مماثلة وعلي سبيل المثال:
(الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها(164))
وهذه الآية مطابقة لما كان يراه الرجل القديم ؛ فإنه كان يشاهد عالما كبيرا قائما بذاته في الفضاء مكونا من الشمس والقمر والنجوم ، ولكنه لم ير لها أية ساريات أو أعمدة ، والرجل الجديد يجد في هذه الآية تفسيرا لمشاهدته ، التي تثبت أن الأجرام السماوية قائمة دون عمد في الفضاء اللانهائي ، بيد أن هنالك (عمدا غير مرئية) ؛ تتمثل في قانون (الجاذبية) Gravitation Pull وهي التي تساعد كل هذه الأجرام علي البقاء في أمكنتها المحددة.
(ج)وقد قال القرآن عن الشمس والنجوم:
(وكل في فلك يسبحون(165))
وكان الإنسان في العصر الغابر يشاهد أن النجوم تتحرك وتبتعد عن أمكنتها بعد وقت معين. ولذلك لم يكن هذا التعبير القرآني موضع دهشتهم واستغرابهم ، ولكن البحوث الحديثة قد خلعت علي هذه التعبيرات ثوبا جديدا ؛ فليس هنالك تعبير أروع ولا أدق من (السباحة) لدوران الأجرام السماوية في الفضاء البسيط اللطيف!
* * *
(د) وقال القرآن الكريم عن الليل والنهار:
(يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا(166).(2/41)
إن هذه الآية الكريمة تشرح للإنسان القديم سر مجئ الليل بعد النهار. . ولكنها تحوي إشارة رائعة إلي دوران الأرض محوريا ، وهو الدوران الذي يعتبر سبب مجئ الليل والنهار طبقا لمعلوماتنا الحديثة.
وسوف أذكر القراء-هنا-بأن من بين المشاهدات التي أدلي بها رجل الفضاء الروسي (جاجارين) بعد دورانه في الفضاء حول الأرض: أنه شاهد (تعاقبا سريعا) Rapid Succession للظلام والنور علي سطح الأرض بسب دورانها المحوري حول الشمس.
وهناك بيانات كثيرة جدا من هذا القبيل في القرآن الكريم. .
* * *
النوع الثاني من الآيات:
وأما النوع الثاني من الآيات القرآنية المتعلقة بالموضوع ، فلم يعرف عنها الرجل القديم شيئا ما علي الإطلاق. وقد تناول القرآن تلك الموضوعات كاشفا الغطاء عن أسرار بالغة الأهمية ، ثبت صدقها بعد الدراسات الحديثة وسوف أعرض في الصفحات التالية بعض الأمثلة من مختلف فروع العلوم الحديثة.
* * *
أولا : علم الفلك :
يطرح القرآن الكريم فكرة معينة ومحدودة المعالم حول بداية الكون المادي ونهايته ، وكانت هذه الفكرة غير معروفة لدي الإنسان الجديد قبل قرن من الزمان. . أما الإنسان القديم فلا مجال للقول بأنه كان من الممكن أن يتطرق عقله الصغير إلي هذه الفكرة أو أجزائها ، وجاء العلم الجديد ليشهد علي ما جاء في القرآن الكريم.
يعبر القرآن عن بداية الكون علي النحو التالي:
(أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما(167)).
أما عن نهاية الكون فهو يقول:
(يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب)(168).
فالكون بناء علي تفسير هذه الآيات كان منضما ومتماسكا (الرتق: منضم الأجزاء) ثم بدأ يتمدد في الفضاء ، ويمكن رغم هذا التمدد تجميعه مرة أخري في حيز صغير.(2/42)
وهذه هي الفكرة العلمية الجديدة عن الكون ؛ فقد توصل العلماء ، خلال أبحاثهم ومشاهدتهم لمظاهر الكون ، إلي أن (المادة) كانت جامدة وساكنة في أول الأمر ؛ وكانت في صورة غاز ساخن ، كثيف متماسك. وقد حدث انفجار شديد في هذه المادة قبل5,000,000,000,000 سنة علي الأقل ، فبدأت المادة تتمدد وتتباعد أطرافها.
ونتيجة لهذا أصبح تحرك المادة أمرا حتميا لابد من استمراره طبقا لقوانين الطبيعة التي تقول: إن قوة (الجاذبية) في هذه الأجزاء من المادة تقل تدريجيا بسبب تباعدها (ومن ثم تتسع بينها بصورة ملحوظة).
ويعتقد العلماء أن دائرة المادة كانت 1,000 مليون سنة ضوئية في أول الأمر. وقد أصبحت هذه الدائرة الآن كما يقول البروفيسور (إيدنجتون): عشرة أمثال بالنسبة إلي الدائرة الحقيقية. وهذه العملية من التوسع والامتداد مستمرة دون ما توقف. وكما يقول البروفيسور (إيدنجتون):
(إن مثال النجوم والمجرات: كنقوش مطبوعة علي سطح بالون من المطاط ، وهو ينتفخ باستمرار ؛ وهكذا تتباعد جميع الكرات الفضائية عن أخواتها بحركاتها الذاتية في عملية التوسع الكوني(169)).
وأما الأمر الآخر فقد ثبت لنا صدقه كما ورد في القرآن. فكان الإنسان القديم يري أن النجوم يبتعد بعضها عن بعض رأي العين ؛ ولكننا نراها متقاربة لبعدها الهائل عن الأرض وهي في حقيقة الأمر متباعدة بمسافات قياسية.
ولم يقف الأمر بنا عند هذا الحد ، بل عرفنا أيضا أن تلك الأجسام والأجرام التي كنا نشاهدها في قديم الزمن ، وكنا نحسبها كاملة وسالمة ، أكثرها يحتوي علي فضاء خال.(2/43)
وقد عرفنا أن كل جسم مادي يدور حول نظام له ، مثل النظام الشمسي الذي تدور حوله نجوم وسيارات كثيرة. ومن أمثلته نظام (الذرة). فنحن نشاهد الفضاء الخالي في (النظام الشمسي) ولكننا نعجز عن مشاهدة فضاء (النظام النووي) لصغر حجمه المتناهي. . حني إنه يستحيل مجرد مشاهدة هذا النظام(170). ومعني ذلك أن كل شيء حني لو بدا متماسكا-يحوي حيزا من الفضاء في داخله. ومثاله: أننا لو جردنا الفضاء أو المكانSpace من الذرات المادية في الجسم الإنساني ذات الستة الأمتار ، فلن نجد إلا كمية قليلة جدا من المادة تكاد تكون متناهية الوجود.
وهكذا يري علماء الطبيعة الفلكية (Astro- Physicists) أننا لو طوينا كل شيء في الكون بدون أن نترك للفضاء مكانا ، فسيكون حجم الكون كله ثلاثين ضعفا من حجم الشمس! ! ويمكن قياس سعة الكون من أن أبعد مجرة استطاع الإنسان الكشف عنها تبعد بضعة ملايين من السنين الضوئية عن النظام الشمسي.
* * *
3- لقد توصل العلماء خلال أبحاثهم إلي أنه لابد في المستقبل القريب- وطبقا لقانون دوران الأجرام السماوية- ا، يقترب القمر من الأرض ، حني ينشق من شدة الجاذبية وتتناثر أجزاؤه(171). وسوف تحدث عملية انشقاق القمر هذه بناء علي نفس القانون الذي يحكم المد والجزر في البحار. فالقمر هو أقرب جيراننا في الفضاء ، ولا يبعد عن الأرض غير240.000 ميلا ، وهذا القرب يؤثر علي البحار مرتين يوميا ، حيث ترتفع فيها أحيانا أمواج يبلغ طولها ستين مترا ، وأما تأثير هذه الجاذبية علي سطح الأرض فيبلغ عدة بوصات! !
إن المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر تماما لصالح أهل الأرض. ولو نقص هذا الفاصل إلي خمسين ألفا من الأميال-علي سبيل المثال- فسوف يحدث طوفان شديد في البحار ، وسوف تغطي أمواجها أكثر مناطق الأرض المأهولة ، وسوف يغرق كل شيء ، حني لتتحطم الجبال من شدة تموج البحار ، وسوف تحدث شقوق مروعة علي سطح الأرض من وطأة الجاذبية! !(2/44)
ويري علماء الفلك أيضا أن الأرض قد مرت بكل هذه الأدوار أثناء عملية التكوين حني وصلت إلي بعدها الحالي من القمر بناء علي قانون الفلك ، وهذا القانون هو نفسه سوف يأتي بالقمر قريبا من الأرض مرة أخري. . ويرون أن من المتوقع حدوث هذا قبل بليون سنة(172). وعندئذ سوف يتناثر حول فضاء الأرض في صورة حلقة.
أليست هذه النظرية من أعظم موافقات العلم لتلك النبوءة الواردة في القرآن الكريم ، حول انشقاق القمر حين تقترب القيامة(173)؟
اقرأوا قوله تعالي:
(اقتربت الساعة وانشق القمر ، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر(174)).
* * *
ثانيا علم طبقات الأرض:
1- جاء في القرآن الكريم غير مرة أن الجبال أرسيت في الأرض حفاظا علي توازنها ومن ذلك قوله تعالي:
(وألقي في الأرض رواسي أن تميد بكم(175)).
ولقد ظل العلم جاهلا بهذه الحقيقة طوال القرون الثلاثة عشر الماضية ولكن دارسي الجغرافيا الحديثة يعرفونها جيدا تحت اسم (قانون التوازن)Isostasy. ولا يزال العلم الحديث في مراحله البدائية بالنسبة إلي أسرار هذا القانون ، ويقول الأستاذ إنجلن:
(من المفهوم الآن أن المادة- الأقل وزنا- ارتفعت علي سطح الأرض ، علي حين أصبحت أمكنة المادة الثقيلة خنادق هاوية ، وهي التي نراها في شكل البحار. وهكذا استطاع الارتفاع والانخفاض أن يحافظا علي توازن الأرض(176)).
ويري عالم آخر من باحثي الجغرافيا:
(وفي البحار أيضا توجد وديان البر. ولكن وديان البحر أكثر غورا وأبعد عمقا من تلك التي توجد في البر ؛ كما أنها بعيدة عن المجال التجريبي للإنسان. ويبدو أنه قد حدثت مغارات عميقة في البحار. (ويبلغ عمق بعض هذه الوديان35ألأف قدم عن سطح البحر ؛ وهذا العمق أعلي من أعظم جبال العالم ارتفاعا. ويبلغ من عمق هذه الوديان البحرية أحيانا أنه لو وضعت فيها قمة (إيفرست) من سلسلة جبال (الهملايا) والتي يبلغ طولها29,002 فسيكون سطح البحر فوقها بمسافة ميل كامل)!(2/45)
(ومن الظواهر المحيرة أن هذه الخنادق البحرية توجد قرب السواحل البرية بدل أن توجد في أعالي البحار. ولكن قرب هذه الوديان من الجزر والبراكين يدل علي أن هناك علاقة بين طول الجبال والخنادق البحرية. . وهو أن الأرض يقوم توازنها علي أساس الارتفاع والعمق (في أجزائها المختلفة). ويري بعض كبار علماء الجغرافيا ألأنه من الممكن أن تكون الأغوار البحرية علامات علي جزر قد تظهر في المستقبل. وسببه أن الرواسب والمخلفات لكل من البر والبحر تترسب في هذه الوديان وقد سويت مناطق كبيرة من هذه الوديان بعد أم ملأتها هذه الرواسب. ولهذا من الممكن-بناء علي عدم التوازن الذي يحدث عن هذه العملية- أن تبرز جبال جديد في أي وقت ، أو تظهر سلسلة جديدة من الجزر ومما يؤكد ذلك أنه قد وجدت آثار الرواسب البحرية في بعض الجبال الساحلية.
وعلي كل حال ، لا توجد نظرية- في ضوء المعلومات الحالية للإنسان- لتقوم بتفسير الوديان البحرية ، وهذه المغارات الدائمة البرودة والتي توجد في ظلام حالك ، وتحت ضغط قدره سبعة أطنان علي كل بوصة- لا زال ذلك كله لغزا أمام الإنسان كألغاز البحر الأخرى(177)! ! )
2- وقد جاء في القرآن الكريم أنه قد مضي علي الأرض زمن طويل سواها الله خلاله ؛
قال تعالي:
(والأرض بعد ذلك دحاها.أخرج منها ماءها ومرعاها(178)).
وهذه الآية الكريمة تطابق مطابقة عجيبة أحدث الكشوف العلمية ؛ وهو: (نظرية تباعد القارات) أو انتشارها(Theory of Drifting Continents). ومغزى هذه النظرية: أن جميع القارات كانت في وقت من الأوقات أجزاء متصلة ، ثم انشقت وبدأت (تنقذف) أو تنتشر من تلقاء نفسها ، وهكذا وجدت قارات تحول دونها بحار واسعة.(2/46)
وقد طرحت هذه النظرية في العالم عام1915 ، لأول مرة حين أعلن خبير طبقات طبقات الأرض الألماني الأستاذ (الفريد واجنر) أنه لو قربت القارات جميعا ، فسوف تتماسك ببعضها كما يحدث في ألعالب الألغاز التي تسمي Jigsaw Puzzle. ويمكن مشاهدتها في الأشكال الثلاثة التي تبين هذه النظرية (انظر ص150).
* * *
وهناك شبه كبير يوجد علي سواحل البحار المختلفة ، كأن نجد جبالا متماثلة عمرها الأرضي (واحد) ؛ وكأن نجد فيها دواب وأسماكا ونباتات متماثلة أيضا! وهذا هو ما دفع عالم النباتات البروفيسور رونالد جود(Rand Good) في كتابه: جغرافية نباتات الزهور(Geography of Flowering Plants)- إلي أن نقول:
(لقد اتفق علماء النباتات علي النظرية القائلة بأنه لا يمكن تفسير ظاهرة وجود نباتات متماثلة في مختلف قارات العالم إلا إذا سلمنا بأن أجزاء الأرض هذه كانت متصلا بعضها ببعض في وقت من الأوقات).
وقد أصبحت هذه النظرية علمية تماما بعد تصديق (الجاذبية الحجرية) لها (Fossil Magnetism) ، فإن العلماء اليوم-بعد دراسة اتجاهات ذرات الحجارة- يستطيعون تحديد موقع أي بلد وجدت به هضبة تلك الحجارة في الزمن القديم. وقد أكدت هذه الدراسة في (الجاذبية الأرضية) أن أجزاء الأرض لم تكن موجودة في القديم بالأمكنة التي توجد بها اليوم ، وإنما كانت في ذلك المكان الذي تحدده (نظرية تباعد القارات )، وفي هذا الأمر يقول البروفيسور بلاكيت(179):
(إن دراسة أحجار الهند تبين أنها كانت توجد في جنوب خط الاستواء قبل سبعين مليون سنة ؛ وهكذا تثبت دراسة جبال جنوب إفريقيا أن القارة الإفريقية انشقت عن القطب الجنوبي قبل ثلاثمائة مليون سنة(180)).
* * *
لقد ورد في الآية المذكورة آنفا لفظة (الدحو) ومعناه تسوية الشئ ونثره كما يقال: (دحا المطر الحصى عن وجه الأرض) وهذا هو نفس مفهوم الكلمة الإنجليزية:(Drift) التي استخدمت في التعبير عن النظرية الجغرافية الحديثة.(2/47)
لسنا نملك أمام هذا التوافق المدهش بين ما ورد في الماضي البعيد وما اكتشف بالأمس القريب- إلا أن نؤمن بأن هذا الكلام صادر عن موجود يحيط علمه بالماضي ، والحال ، والمستقبل علي السواء.
* * *
ثالثا- علم الأغذية:
إن قائمة الأغذية التي يقررها القرآن الكريم تحرم (الدم) ، وكان الإنسان غافلا عن أهمية هذا التحريم ، ولكن التحليلات التي أجريت للدم قد أكدت أن هذا القانون كان مبنيا علي أهمية خاصة بالنسبة إلي الصحة. فالتحليل يثبت أن (الدم) يحتوي كمية كبيرة من (حمض البوليك) Uric Acid، وهو مادة سامة تضر بالصحة لو استعملت غذاء. وهذا هو السر في الطريقة الخاصة التي أمر بها القرآن في ذبح الحيوانات. والمراد من (الذبح) في المصطلح الإسلامي هو الذبح بطريقة معينة حني يخرج سائر الدم من جسم الحيوان ، وهي أن نقطع الوريد الرئيسي. الذي يوجد في العنق فقط. وأن نمتنع عن قطع الأوردة الأخرى ، حني يمكن استمرار علاقة المخ بالقلب إلي أن يموت الحيوان ، لكيلا يكون سبب الموت الصدمة العنيفة التي وجهت إلي أحد أعضاء الحيوان الرئيسية ، كالدماغ أو القلب أو الكبد ، والمقصود من هذا هو أن الدماء تتجمد في العروق وتسري إلي أجزاء الجسم لو مات الحيوان في الحال-علي إثر صدمة عنيفة- وهكذا يتسمم اللحم كله ، نتيجة سريان (حمض البوليك) في أنحائه.(2/48)
ولقد حرم القرآن لحم (الخنزير) ولم يعرف الإنسان في الماضي شيئا عن أسرار هذا التحريم ، ولكنه يعرف اليوم أن لحم الخنزير يسبب أمراضا كثيرة ، لأنه يحتوي أكبر كمية من (حمض البوليك) بين سائر الحيوانات علي ظهر الأرض أما الحيوانات الأخرى غير الخنزير فهي تفرز هذه المادة بصفة مستمرة عن طريق البول. وجسم الإنسان يفرز90% من هذه المادة بمساعدة (الكليتين). ولكن الخنزير لا يتمكن من إخراج (حمض البوليك) إلا بنسبة اثنين في المائة(2%) ، والكمية الباقية تصبح جزءا من لحمه ولذلك يشكو الخنزير من آلام المفاصل ، والذين يأكلون لحمه هم الآخرون يشكون من آلام المفاصل والروماتيزم(181) ، وما إلي ذلك من الأمراض المماثلة(182).
* * *
إن الباحث في القرآن الكريم يجد أمثلة لا حصر لها من هذا القبيل الذي أشرنا إلي بعضه في الصفحات الماضية ، وهي دليل قطعي علي أ، القرآن صادر عن عقل غير إنساني. وتؤكد البحوث التي اضطلع بها العلماء في العصر الحاضر بطريقة مدهشة صدق تكلم النبوءة التي وردت في القرآن الكريم:
(سنريهم آياتنا في الآفاق ، وفي أنفسهم حني يتبين لهم أنه الحق(183)).
* * *
وسوف أختم هذا الباب بواقعة رواها العالم الهندي المغفور له الدكتور عناية الله المشرقي وهو يقول:(2/49)
(كان ذلك يوم أحد من أيام سنة1909 ، وكانت السماء تمطر بغزارة وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما ، فإذا بي أري الفلكي المشهور السير جيمس جينز-الأستاذ بجامعة كمبردج-ذاهبا إلي الكنيسة ، والإنجيل والشمسية تحت إبطه فدنوت منه وسلمت عليه فلم يرد علي فسلمت عليه مرة أخري فسألني (ماذا تريد مني؟) فقلت له: (أمرين يا سيدي! الأول هو: أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر!) فابتسم السير جيمس وفتح شمسيته علي الف5ور. فقلت له: ( وأما الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلا ذائع الصيت في العالم-مثلك- أن يتوجه إلي الكنيسة؟) وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظة ثم قال: (عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي). وعندما وصلت إلي داره في المساء خرجت (ليدي جيمس) في تمام الساعة الرابعة بالضبط وأخبرتني أن السير جيمس ينتظرني. وعندما دخلت عليه في غرفته ، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي. وكان البروفيسور منهمكا في أفكاره. وعندما شعر بوجودي سألني: (ماذا كان سؤالك؟)، ودون أ، ينتظر ردي بدأ يلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية ونظامها المدهش وأبعادها وفواصلها اللامتناهية وطرقها ومداراتها وجاذبيتها وطوفان أنوارها المذهلة حني إنني شعرت بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله. وأما (السير جيمس) فوجدت شعر رأسه قائما والدموع تنهمر من عينيه ويداه ترتعدان من خشية الله ، وتوقف فجأة ثم بدأ يقول: (يا عناية الله ! عندما ألقي نظرة علي روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي ، وعندما أركع أمام الله وأقول له: (إنك لعظيم!) أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء وأشعر بسكون وسعادة عظيمين. وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألأف مرة أفهمت يا عناية الله خان ، لماذا أذهب إلي الكنيسة؟).(2/50)
ويضيف العلامة عناية الله قائلا: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانا في عقلي وقلت له: (يا سيدي لقد أثرت جدا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي وتذكرت بهذه المناسبة آية من آي كتابي المقدس فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم) فهز رأسه قائلا : (بكل سرور) فقرأت عليه الآية التالية:
(ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك. إنما يخشى الله من عباده العلماء). .(184)
فصرخ السير جيمس قائلا:
ماذا قلت؟-إنما يخشى الله من عباده العلماء؟ !مدهش! وغريب وعجيب جدا! ! إن الأمر الذي كشف عنه دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة من أنبأ محمد به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك فاكتب شهادة مني أن القرآن، كتاب موحي من عند الله.
ويستطرد السير جيمس جينز قائلا:
لقد كان محمد أميا ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السر بنفسه ولكن الله هو الذي أخبره بهذا السر. .مدهش. .! وغريب وعجيب جدا(185)! !)
* * *
أنتهى
---(2/51)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع
إضغط هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية
منتديات محمد (صلى الله عليه و سلم) و أخيه عيسى (عليه السلام) > الرد على الإفتراءات > حجة الله على العالمين في نبوة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:03 PM
بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام على أشرف رسل الله…
أما بعد:
فدلائل وأدلة ثبوت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتعددة منها:
- معجزة القرآن: انظر صفحة "فليأتوا بسورة من مثله"
http://www.aljame3.com/forums/index.php?showtopic=492
- شهادة رب العالمين: "محمد رسول الله"سورة الفتح..وانظر صفحة: هذا كلام الرب عندنا فأين كلام الرب عندهم
http://www.aljame3.com/forums/index.php?showtopic=493 تحت عنوان: جهة الخطاب
- شهادة العرب من أصحابه وغيرهم الذين أسلموا…
- شهادة كفار قريش بأنه الصادق الأمين، وأنه لا يكذب…
- شهادة أهل الكتاب في عصره: ورقة بن نوفل وعبد الله بن سلام وغيره من اليهود الذين أسلموا.."الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"
- شهادة عيسى عليه السلام وتبشيره به صلى الله عليه وسلم، وشهادة أهل الكتاب قبل عصره: كتاب الحواري برنابا المسمى بإنجيل برنابا…المكتبة التوفيقية بمصر..
- معجزاته صلى الله عليه وسلم:
- إخباره بالغيب صلى الله عليه وسلم: في أحداث حصلت في حياته، وأحداث بعد وفاته…
- إخباره بالغيب صلى الله عليه وسلم: في مشاهد يوم القيامة، وعلامات الساعة وفتن آخر الزمان، والملائكة، والجنة والنار..
- الإشارات العلمية والطبية الحديثة من كلامه صلى الله عليه وسلم..
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:05 PM
(2/52)
في كتب دلائل النبوة، أكثر من ألف دليل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم…. ومن البديهية العقلية المعروفة لدى جميع البشر عالمهم وجاهلهم، أن المروي بالتواتر لا يستطيع أحد إنكاره، وأن من أنكره لا يسمع لقوله، ويعد من السفهاء، وأن من المحال لدى أي عقل اتفاق رواة التواتر على كذب …أي إن كان هناك ملك مشهور، مثلا، يوليوس قيصر منذ حوالي ألفي عام، فلا يستطيع أحد أن ينكر وجود هذه الشخصية، ولا أنها كانت تحكم روما، ولا أنها قد اغتيلت…فمن أنكر أي شئ من ذلك جاء المؤرخون والمفكرون والكتاب بكل سهولة بأكثر من مائة نقل ورواية بأن هذه الشخصية كانت موجودة بالفعل وأن الأحداث التي حصلت لها مروية بأكثر من مائة رواية…
وكذلك نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة ومروية بالتواتر من آلاف الصحابة والتابعين وحتى عصرنا هذا.. لأن معجزاته الدالة على نبوته قد رآها وعاينها المئات والآلاف من أصحابه وإلى عصرنا هذا[في تحقق ما خبر به من الغيبيات، أو الإشارات العلمية في الحديث النبوي الشريف] ورواها كذلك الآلاف…وإن كانت كل معجزة على حدة لم تنقل بالتواتر، إلا إن إيمان الآلاف في عصره به وبمعجزاته، يجعل التواتر تواترا معنويا كما ذكر الشيخ النبهاني في كتابه حجة الله على العالمين…أي أن التواتر هنا ليس لفظيا أو حسيا وإنما في شئ معنوي وهو نبوة النبي صلى الله عليه وسلم…فإن كان البعض قد رآى معجزة معينة، وآخرون رأوا معجزة أخرى، وآخرون سمعوا أحبار اليهود يبشرون به، وآخرون وجدوا في الكتاب المنزل عليه معجزات تدل على نبوته…فبالجملة روي ونقل وشوهد الدليل على نبوته رواية ونقل تواتر، لا يستطيع أحد إنكاره، مهما تنوع هذا الدليل وتفرع إلى فروع …
(2/53)
فلا ينكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا ويكون مثل من أنكر وجود شخصية اسمها يوليوس قيصر، أو نابليون بونابرت أو غيرهما.. فمن المحال عقلا تكذيب نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها مروية بالتواتر المعنوي، ومن المحال عقلا اتفاق جميع هؤلاء الآلاف على الكذب في إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:06 PM
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي حصلت في حياته ورواها أصحبه الكرام رضوان الله عليهم: من موقع:
http://www.islampedia.com/MIE2/awsaf/awsaf1.html#shaar
ما جاء في تكثير النبي صلى الله عليه و سلم للماء
ما جاء في سلام حَجَر عليه صلى الله عليه و سلم
ما ظهر في كفه الشريف صلى الله عليه و سلم من الآيات
ما جاء في صوته صلى الله عليه و سلم من الآيات
تلبية عِرق شجرة لنداء النبي صلى الله عليه و سلم و إقباله عليه
ما جاء في انشقاق القمر له صلى الله عليه و سلم
ما جاء في حماية الملائكة الكرام له و الذَّب عنه
إضاءة المدينة المنورة لقدومه عليه الصلاة و السلام و ظلامها لموته
اهتزاز جبل أحد طرباً و وجداً للنبي صلى الله عليه و سلم
حنين جذع النخلة إليه صلى الله عليه و سلم
مخاطبته صلى الله عليه و سلم لقتلى بدر
سماعه صلى الله عليه و سلم لأهل القبور يتعذبون
رميه صلى الله عليه و سلم الحصى في وجوه المشركين
طيب ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيه من الآيات
ما ظهر من الآيات في شعره صلى الله عليه وسلم
عرقه صلى الله عليه وسلم وطيب رائحته وما فيهما من الآيات
(2/54)
المعجزة هي أمر خارق للعادة يظهر على يد مدَّعي النبوة موافقاً لدعواه، على وجه يعجِز المنكِرين الإتيان بمِثلِه. والحكمة في إظهار المعجزة على أيدي الأنبياء الدلالة على صدقهم فيما ادَّعوه، إذ كل دعوى لم تقترن بدليل فهي غير مسموعة، والتمييز بينهم (أي بين الأنبياء) وبين من يدَّعي النبوّة كاذباً ؛ وهي قائمة مقام قول الله تعالى: "صدَق عبدي فيما يدَّعي ".
وفي ما يلي أبرز المعجزات التي أيَّد الله سبحانه وتعالى رسوله المصطفى المختار صلوات الله وسلامه عليه:
ما جاء في تكثير النبي صلى الله عليه و سلم للماء:
عن عبد الله بن مسعود قال: " كنا نَعُد الآيات بَركة، و أنتم تَعُدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقَلَّ الماء، قال عليه الصلاة والسلام: اطلبوا لي فضلة من ماء. فأدخَل يده في الإناء وقال: حَيّ على الطَّهور المبارك، والبركة من الله. ويقول ابن مسعود: لقد رأيتُ الماء ينبع من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم، و لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل "، رواه البخاري.
ما جاء في سلام حَجَر عليه صلى الله عليه و سلم:
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " إنّي لأعرف حجراً بمكة كان يُسَلِّم عليّ قبل أن أبعث، إنّي لأعرفه الآن "، قيل الحجر الأسود وقيل غيره، رواه مسلم و الترمذي.
وقال عبد الله بن مسعود: " كنت أمشي في مكة فأرى حجراً أعرفه ما مرَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلا وسمعته بأذني يقول السلام عليك يا رسول الله ".
ما ظهر في كفه الشريف صلى الله عليه و سلم من الآيات :
عن أبي زيد بن أخطب رضي الله عنه قال : "مسح رسول الله صلى الله عليه و سلم على وجهي و دعا لي ".
قال عزرة أنَّه عاش مئة و عشرين سنة وليس في رأسه إلا شعيرات بيض، رواه الترمذي وحسنه الحاكم و وافقه الذهبي.
(2/55)
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: " كان الصبيان يمرون بالنبي صلى الله عليه وسلم فمنهم من يمسح خده ومنهم من يمسح خديه فمررت به فمسح خدي فكان الخد الذي مسحه النبي صلى الله عليه وسلم أحسن من الخد الآخر"، أخرجه الطبراني وأصله في صحيح مسلم.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال :" إني لشاهد عند رسول الله في حلقة وفي يده حصى فسبحن في يده وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فسمع تسبيحهن من في الحلقة ". أخرجه الطبراني في الأوسط مجمع البحرين، والبزار واسناد الطبراني صحيح رجاله ثقات .
ولله در الشيخ جمال الدين أبو زكريا يحى بن يوسف الصرصري حيث قال في قصيدة له
لئن سبحت صم لجبال مجيبه لداود أو لان الحديد المصفح
فإن الصخور الصُمَّ لانت بكفه و إن الحصا في كفه ليسبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء من العصا فمن كفه قد أصبح الماء يطفح
· ما جاء في صوته صلى الله عليه وسلم من الآيات :
عن عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه قال :"خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن بمنى، فَفُتِحَت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول و نحن في منازلنا و كنا جموع قريب من مئة ألف "، أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد ..
· تلبية عِرق شجرة لنداء النبي صلى الله عليه و سلم و إقباله عليه :
عن ابن عباس رضي الله عنه قال :"جاء رجل من بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كان يداوي و يعالج، فقال له : يا محمد إنك تقول أشياء، فهل لك أن أداويك ؟ قال فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال له : هل لك أن أداويك ؟ قال : إيه . و عنده نخل و شجر، قال فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عِرقاً منها، فأقبل إليه و هو يسجد و يرفع و يسجد حتى انتهى (أي وصل إليه)، فأمره النبي عليه الصلاة و السلام قائلاً : ارجع إلى مكانك فرجع إلى مكانه، فقال الرجل : و الله لا أكذِّبك بشيء تقوله بعدها أبدا !" .
· ما جاء في انشقاق القمر له صلى الله عليه و سلم :
(2/56)
عن أنس رضي الله عنه أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يُريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين . قال الخطابي : انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء و ذلك أنه ظهر في ملكوت السماوات خارجاً عن جل طباع ما في هذا العالم المُرَكَّب من الطبائع .. قال تعالى :{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] .
و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " انفلق القمر و نحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فصار فلقتين : فلقة من وراء الجبل و فلقة دونه . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اشهدوا " .
· ما جاء في حماية الملائكة الكرام له و الذَّب عنه :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ ( أي هل يصلي جهارة أمامكم )، فقيل : نعم . فقال : و اللات و العزى لئِن رأيته يفعل ذلك لأطَأنَّ على رقبته أو لأعَفِرَنَّ وجهه في التراب . فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلي لِيَطأ على رقبته، فما فاجأهم منه إلا و هو ينكص على عقبيه، و أخذ يقي وجهه بيديه، فقيل له : ما لك ؟ قال : إن بيني و بينه خندقاً من نار و هَولاً و أجنحة !!!. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضوا . و أنزل الله تعالى : {كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} [العلق: 6] إلى آخر السورة .
· إضاءة المدينة المنورة لقدومه عليه الصلاة و السلام و ظلامها لموته :
عن أنس رضي الله عنه قال : " لمَّا كان اليوم الذي قَدِم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة، أضاء منها كل شيء، فلمَّا كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء . و قال : ما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الأيدي حتى أنكرْنا قلوبنا "، (أي فقدنا أنوار قلوبنا التي كنا نشعر بها، ورسول الله صلى الله عليه و سلم فينا) .
(2/57)
· اهتزاز جبل أحد طرباً و وجداً للنبي صلى الله عليه و سلم :
هل سمع أحدنا أنَّ الجماد أحبّ ؟ أن يحب أحد الجدار لجماله أمر معقول و لكن أن ينطق الجدار بحبِّه لفلان فهذا أمر غريب !!. يقول سيدنا علي رضي الله عنه : بعد غزوة أُحُد ابتعد كثير من المسلمين عن جبل أُحُد لأنه استشهد في سفحه و سهله سبعون من خيار الصحابة، و ذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم فوقف يوماً على أُحُد و صلى على شهداء أُحُد و معه أبو بكر و عمر و عثمان و في رواية عمر و علي . و بينما نحن على أُحُد إذ بأُحُد يهتز و إذا بالرسول يبتسم و يرفع قدمه الطاهرة و يضربها على الجبل و يقول : اثبت. لِما اهتز الجبل يا ترى و لِما ثبت بعد الضربة ؟ . فالجبل حينما شعر أن قَدَم الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم مسَّته راح يرتجف من الطرب ولله درّ القائل .
لا تلوموا اُحداً لاضطراب إذ علاه فالوجد داءُ
أُحد لا يلام فهو محبٌ ولكم أطرب المحب لقاءُ
· حنين جذع النخلة إليه صلى الله عليه و سلم :
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب على جذع، فلمَّا صُنِع له منبراً ترك الجذع و صعد المنبر و راح يخطب، فإذا بالجذع يئن أنيناً يسمعه أهل المسجد جميعاً، فنزل من على خطبته و قطعها و ضمّ الجذع إلى صدره و قال : هدأ جذع، هدأ جذع، إن أردتَ أن أغرسك فتعود أخضراً يؤكل منك إلى يوم القيامة أو أدفنك فتكون رفيقي في الآخرة . فقال الجذع : بل ادفني و أكون معك في الآخرة " .
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : "حينما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم كنا نقول : يا رسول الله إنَّ جذعاً كنتً تخطب عليه فترَكتَه فَحَنَّ إليك، كيف حين تركتنا لا تحنّ القلوب إليك ؟ .
· مخاطبته صلى الله عليه و سلم لقتلى بدر :
(2/58)
عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ليلة بدر : " هذا مصرع فلان إن شاء الله تعالى غداً و وضع يده على الأرض، هذا مصرع فلان إن شاء الله تعالى غداً و وضع يده على الأرض، فوالذي بعثه بالحق ما أخطأوا تلك الحدود، جعلوا يُصرعون عليها، ثم أُلقوا في القليب و جاء النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا فلان بن فلان و يا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعد الله حقاً ؟ قالوا :يا رسول الله تكلم أجساداً لا أرواح فيها ؟! فقال : ما أنتم بأسمع منهم و لكنهم لا يستطيعون أن يردوا عليّ " .
فائدة : سُئل السبكي عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه و سلم مع أنّ جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه (لقد أُهلِكت مدائن لوط بريشة من جناح جبريل)، فأجاب بأنّ ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه و تكون الملائكة مدداً على عادة مدد الجيوش و دعاية لصورة الأسباب و سُنّتها التي أجراها الله في عباده .
· سماعه صلى الله عليه و سلم لأهل القبور يتعذبون :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :" بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يمشيان بالبقيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بلال تسمع ما أسمع ؟ قال : لا والله يا رسول الله ما أسمعه قال : ألا تسمع أهل القبور يعذبون "، أخرجه الحاكم وقال ( صحيح على شرط الشيخين ) ووافقه الذهبي .
· رميه صلى الله عليه و سلم الحصى في وجوه المشركين :
عن إياس بن سلمة حدثني أبي قال : " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنَيناً ( إلى أن قال ) ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته الشهباء .. فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن بغلته ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال : شاهدت الوجوه فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة فولوا مدبرين "، أخرجه مسلم .
(2/59)
عن حكيم بن حزام قال : لما كان يوم بدر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ كفاً من الحصباء فاستقبلنا به فرمانا بها وقال : " شاهت الوجوه " فانهزمنا، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع اسناد حسن .
· طيب ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيه من الآيات :
قال الزيال : لقد رأيت حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها فيقول : بسم الله موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه فيذهب الورم .
عن أم موسى قالت: سمعت علياً يقول : " ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية "، أخرجه أحمد وأبو يعلى وقال الهيثمي : رجالهما رجال الصحيح غير أم موسى وحديثهما مستقيم .
عن يزيد بن أبي عبيد قال : " رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت : يا أبا مسلم ما هذه الضربة ؟ : هذه ضربة أصابتها يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة ... فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيت حتى الساعة "، أخرجه البخاري .
وروى عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبيد عن جده قال : " أصيبت عين أبي ذر يوم أحد فبزق فيها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أصح عينيه "، أخرجه البخاري .
· ما ظهر من الآيات في شعره صلى الله عليه وسلم :
عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال : قال خالد بن الوليد : " اعتمرنا مع النبي صلى عليه وسلم في عمرة اعتمرها فحلق شعره فاستبق الناس إلى شعره فسبقت إلى الناصية فجعلتها في مقدم هذه القلنسوة فلم أشهد قتالاً وهي معي إلا رزقت النصر"، أخرجه أبو يعلى والحاكم وقال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح .
(2/60)
عن عبد الله بن وهب قال : " أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قُصة فيها شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أصاب الإنسان عن أو شيء بعث إليها مخضبة، فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حُمر "، أخرجه البخاري في صحيحه قال الحافظ في الفتح : المراد أنه كان من أشتكى أرسل أناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات تغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها .
ويوجد بعض شعرات النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الكبير في طرابلس في لبنان عُهد بها لرجل فاضل من آل الميقاتي يخرجها في آخر يوم جمعة من رمضان في كل سنة بعد صلاة الفجر وبعد صلاة الجمعة .
· عرقه صلى الله عليه وسلم وطيب رائحته وما فيهما من الآيات :
قالت عائشة رضي الله عنها : " كان عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه مثل اللؤلؤ أطيب من المسك الأذفر، وكان كفه كف عطار طيباً مسها بطيب أو لم يمسها يصافحه المصافح فيظل يومه يجد ريحها ويضعها على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان من ريحها على رأسه "، أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة والبيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق وابن أبي خيثمة في تاريخه و أخرجه أبو يعلى والبزار وذكره الحافظ في الفتح وقال اسناده صحيح .
عن ليلى مولاة عائشة رضي الله عنها قالت : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته، فدخلت ولم أر شيئاً ووجدت ريح المسك، فقلت يا رسول الله لم أر شيئاً !فقال : إن الأرض أمرت أن تكفيه منا معاشر الأنبياء "، أخرجه الحاكم في المستدرك بلفظه والطبراني في الأوسط وفي مجمع البحرين بنحوه وابن سعد في الطبقات وذكره السيوطي في الخصائص الكبرى ونسبه إلى البيهقي وأبو نعيم والحاكم والدارقنطي في الأفراد وقال هذا الطريق أقوى طرق الحديث قال ابن دحية في الخصائص بعد ايراده : هذا سند ثابت .
(2/61)
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " مات النبي صلى الله عليه وسلم فلما خرجت نفسه ما شممت رائحة قط أطيب منها "، أخرجه البزار وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح .
و عن علي رضي الله عنه قال : " غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً وكان طيباً حياً وميتاً صلى الله عليه وسلم "، أخرجه الحاكم وقال ( صحيح على شرط الشيخين ) ووافقه الذهبي .
من خصائص رسول الله صلى الله عليه و سلم
طاعة النبي صلى الله عليه و سلم ومبايعته هي عين طاعة الله تعالى ومبايعته
قسم الله تعالى بعظيم قدره
اختصاصه صلى الله عليه وسلم بجواز أن يقسم على الله به
الرسول صلى الله عليه و سلم أولى بالمسلمين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم يحرم نكاحهن من بعده
نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الخلق
رؤيته ما لا يرى غيره
بياض إبطيه
نُصِرَ بالرعب مسيرة شهر كامل
كان قرنه خير قرون بني آدم
حوضه
إن للنبي صلى الله عليه و سلم منزلة عند المولى عز وجل و رتبة أكرمه بها و لقد أنعم عليه بما لا تطيق العقول معرفة كنهه و غايته و لا تفي الأعمار بتحصيله .
و إليكم بعض ما خص الله سبحانه و تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه و سلم :
* طاعة النبي صلى الله عليه و سلم و مبايعته هي عين طاعة الله تعالى و مبايعته :
قال تعالى: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
وقال عز و جل: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: 10] .
و قال أيضا: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] .
* قسم الله تعالى بعظيم قدره :
قال الله تعالى : {لَعَمْرُكَ إنَّهُم لَفِي سَكْرَتِهِم يَعْمَهونَ} [الحجر: 72] .
(2/62)
اتفق أهل التفسير في هذا أنَّهُ قَسَمٌ من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعناه : وبقائكَ يا محمدُ، وقيل وعيشك وقيل وحياتك وهذه نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف.
قال ابن عباس رضي الله عنه : " ما خلق الله تعالى، وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره ".
وقال تعالى: {لا أقْسِمُ بِهَذا البَلَدِ * وأنتَ حِلٌّ بِهَذَا البَلَدِ} [البلد : 1-2].
قيل: لا أُقْسِمُ به إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه، وقيل لا زائدة أي : أقسم به وأنت به يا محمدُ حَلاَلٌ أو حِلٌّ لك ما فعَلْتَ فيه على التفسيرين، والمراد بالبلد عند هؤلاء : مكة .
* اختصاصه صلى الله عليه وسلم بجواز أن يقسم على الله به :
أخرج البخاري في تاريخه، والبيهقي في الدلائل والدعوات وصححه، وأبو نعيم في المعرفة عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : ادع الله تعالى لي أن يعافيني . قال : " إن شئت أخرت ذلك وهو خير لك، وإن شئت دعوت الله . قال : فادعه، فأمره أن يتوضأ، فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه، فيقضيها لي . اللهم شفعه فيّ "، ففعل الرجل، فقام، وقد أبصر.
* الرسول صلى الله عليه و سلم أولى بالمسلمين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم يحرم نكاحهن من بعده :
قال الله تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6].
(2/63)
معنى " أولى بالمؤمنين من أنفسهم " أي لو كنتَ في مكان تُضرَب فيه عنقك و كان معك النبي صلى الله عليه و سلم موجوداً و خُيِّرتَ بين أن تُضرب عنقك أو تُضرب عنقه، فالواجب أن تقدِّم عنقك و تحمي عنقه، فهو أولى بنفسكَ منك . وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ما من مؤمن إلا و أنا أولى به في الدنيا و الآخرة " .
و من ولايته صلى الله عليه و سلم حِرصه على المؤمنين و تأثُّره عليهم و رأفته و رحمته بهم.
* نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الخلق :
قال الإمام تاج الدين السبكي في رسالته التي سماها " التعظيم والمِنَّةِ في لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه " : قال الله تعالى : {وإِذ أخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّنَ لَمَآ ءَاتَيتُكُم مِن كِتَابٍ وحِكمةٍ ثُمَّ جَآءكُمْ رَسُولُُ مُصَدِّقُُ لِمَا مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِه وَلَتَنصُرُنَّهُ} [أل عمران : 81] .
(2/64)
قال المفسرون: الرسول -في هذه الآية- هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ما من نبي إلا أخذ الله تعالى عليه الميثاق ( أي ما من نبي إلا ورضي وقبِلَ ) أنه إن بُعِثَ محمد صلى الله عليه وسلم في زمانه لتؤمنن به ولتنصرنه، ويوصي ( أي كل نبي ) أمَّته بذلك ( أي بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنصرته )، وفي ذلك من التنويه بفضل النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره العليّ ما لا يخفى، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسَلاً إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم : " بُعِثتُ إلى الناس كافَّة "، لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضاً، ويتبين بذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " كنتُ نبياً وآدم بين الروح والجسد " .
* النَّهي عن مناداته باسمه :
ما ناداه الله تعالى باسمه قط إلا مُكَنّى بالتكريم . و لا يُرفع صوت فوق صوته .
* استمرار الصلاة و السلام عليه صلى الله عليه و سلم في كل نفس من الأنفاس :
فلا يخلو زمان أو لحظة عن الصلاة و السلام عليه .
* مَن دخل في جوفه شيء من أثر النبي صلى الله عليه و سلم لا يدخل النار :
شريطة أن يكون قد مات على الإسلام .
* كان عليه الصلاة و السلام يقبل الهدية و لا يقبل الصدقة :
عن أبي هريرة و عائشة و عبد الله بن بسر رضي الله عنهم أن النبي عليه الصلاة قال :"إن الله حرَّم عليّ الصدقة و أهل بيتي " .
* لا يأكل متكئاً :
عن أبي جُحَيفة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمَّا أنا فلا آكل مُتَّكئاً " .
* الخط و الشِّعر لا يُحسِنُهما :
قال تعالى : {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت : الآية 48]. و قال عز و جل: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69].
* أُبيح له الوِصال في الصوم دون غيره:
(2/65)
قال صلى الله عليه و سلم : " إنّي لست مثلكم، إنّي أُطعَم و اُسقى "، متفق على صحته .
* الزكاة حرام عليه هو و ذوي القربى :
فإنها أوساخ أموال الناس كما أخرجه مسلم عن أبي هريرة، و أُبدِلَ عنها بالغنيمة المأخوذة بطريق العز و الشرف .
* لا يأكل البصل و الثوم و الكراث و ما له رائحة كريهة من البقول :
و هذا لا يعني تحريم أكلها و لكن النبي عليه الصلاة و السلام كان يكره رائحتها .
* ماله لا يُوَرث عنه ( و كذلك سائر الأنبياء ) :
قال صلى الله عليه و سلم : " لا نورِّث، ما تركناه صدقة"، متفق على صحته . و عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا نُوَرث ما تركناه صدقة " .
* سراج منير لا وهّاج :
إذا كانت الشمس سراجاً وهاجاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السراج المنير فكله منافع . قال ابن الجوزي : " إن النبي صلى الله عليه وسلم سراجٌ، والسراج لا يوقَد إلا ليلاً وهو صلى الله عليه وسلم بدر والبدر لا يظهر نوره إلا بالليل ".
* رؤيته ما لا يرى غيره :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ترون قِبلتي ههنا، فوالله ما يخفى عليّ ركوعكم و لا سجودكم، إني لأراكم من وراء ظهري ". و في رواية : " فوالله ما يخفى عليَّ خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري"، أخرجه البخاري ومسلم . قال الشراح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرى من خلفه كما يرى بعيني بصره و اختلف هل كانت له جارحة يرى بها من ظهره أم لا ؟ و الأسلم أن نؤمن بما قال و نمسك عن البحث فيه .
(2/66)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ثم انصرف فقال : يا فلان ! ألا تحسن صلاتك ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي ؟ فإنما يصلي لنفسه، وإني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي"، أخرجه مسلم. هذه الرؤية معجزة خارقة وهي من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولم تنقل إلينا في حق أي من النبيين والمرسلين . وقد اختلف في كيفية هذه الرؤية ونقل الإمام النووي عن الإمام أحمد بن حنبل وجمهور العلماء أن هذه الرؤية بالعين حقيقة انظر شرح صحيح مسلم للنووي و فتح الباري .
* بياض إبطيه :
قال الحافظ محب الدين الطبراني : " من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن الابط من جميع الناس متغير اللون غيره صلى الله عليه وسلم " و ذكر القرطبي مثله وزاد أنه لا شعر عليه وجرى على ذلك الإمام الأسنوي رحمهم الله .
* نُصِرَ بالرعب مسيرة شهر كامل :
هناك خوف يأتي من الطاعة إجلالاً و محبة و هناك خوف يأتي من الذنب قهراً و جبرا . فكان مَن أمامه صلى الله عليه و سلم إمّا أنّه يهابه خشية و إجلالاً، ليس من سطوته و إنّما من عظمة النور الذي وضعه الله فيه، فهذا لا يسمى رعب إنما خوف . قال تعالى :{وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] .
وكان كل من رآه بديهة هابه أي كل من رآه قبل النظر في أخلاقه العليّة و أحواله السَنِيّة، خافه لِما فيه من صفة الجلال الربانية و لِما عليه من الهيبة الإلهية . يقول ابن القيّم أن الفرق بين المهابة و الكبر أنّ المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الرب و محبته و إجلاله، فإذا امتلأ القلب بذلك حل فيه النور و نزلت عليه السكينة .
(2/67)
و أُلبِسَ رداء الهيبة، فكلامه نور و علمه نور، إن سكت علاه الوقار و إن نطق أخذ بالقلوب و الأبصار .و أمّا الكبر فإنّه أثر من آثار امتلاء القلب بالجهل و الظلم و العُجب، فإذا امتلأ القلب بذلك ترحلت عنه العبودية، و تنزلت عليه الظلمات الغضبية، فمشيته بينهم تبختر و معاملته لهم تَكَبُّر، لا يبدأ من لَقِيَه بالسلام و إن رد عليه يريه أنّه بالغ في الإنعام، لا ينطق لهم وجهه و لا يسعهم خُلُقه . أمّا من خالط النبي عليه الصلاة و السلام معرفةً أحَبَّه أي من عاشره معاشرة معرفة أو لأجل المعرفة أحبَّه حتى يصير أحَب إليه من والديه و ولده و الناس أجمعين لظهور ما يوجب الحب من كمال حسن خُلُقه و مزيد شفقته، هذا كله فيمن خالطه معرفة، أمّا من خالطه تكبّراً كالمنافقين فلا يحبه.
و من المعلوم أنّ الذي يذنب ويسيء حينما يجد أحداً أمامه يعرف ذنبه يخاف منه وهذا كان حال اليهود الذين كانوا يخافون النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يعرفون أنه رسول الله .
* كان قرنه خير قرون بني آدم:
فالقرن الذي كان فيه صلى الله عليه و سلم خير قرن مرَّ على الدنيا كلها . عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة و السلام قال : "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، رواه مسلم .
* حوضه :
قال صلى الله عليه و سلم : " حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيَب من المسك، و كيزانه (أي كؤوسه) كنجوم السماء، من شرب منه لا يظمأ أبداً "، رواه مسلم.
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:09 PM
جميع التخرجات الآتية من موقع المحدث:
http://www.muhaddith.org/cgi-bin/a_Optns.exe?
إلا ما ذكرته من نقل عن كتاب حجة الله على العالمين:
معجزات في هجرته صلى الله عليه وسلم:
المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري.
المجلد الثالث >> -29- كتاب الهجرة
(2/68)
4274/18- حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأخمسي بالكوفة، حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع الخزاز، حدثنا سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن ثابت بن بشار الخزاعي، حدثنا أخي أيوب بن الحكم وسالم بن محمد الخزاعي جميعا، عن حزام بن هشام، عن أبيه هشام بن حبيش بن خويلد صاحب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة، وأبو بكر -رضي الله تعالى عنه-، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط.
مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة، ثم تسقي وتطعم.
فسألوها لحما، وتمرا، ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى شاة في كسر الخيمة، فقال ما هذه الشاة يا أم معبد؟).
قالت:شاة خلفها الجهد عن الغنم.
قالهل بها من لبن؟).
قالت:هي أجهد من ذلك.
قالأتأذنين لي أن أحلبها؟).
قالت: بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلبا، فاحلبها.
فدعا بها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فمسح بيده ضرعها، وسمى الله تعالى، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه ودرت، فاجترت.
فدعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم حتى أراضوا، ثم حلب فيه الثانية على هدة حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها وارتحلوا عنها.
فقل ما لبثت حتى جاءها زوجها أبو معبد، ليسوق أعنزا عجافا، يتساوكن هزالا مخهن قليل.
فلما رأى أبو معبد اللبن، أعجبه، قال:
من أين لك هذا يا أم معبد، والشاء عازب حائل، ولا حلوب في البيت؟
قالت:لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، قال:
صفيه لي يا أم معبد، قالت:
(2/69)
رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزريه صعلة، وسيم، قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج، أقرن. (ج/ص: 3/11)
إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس، وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق، فصلا لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة، لا تشنأه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال سمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند،
قال أبو معبد:
هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وأصبح صوت بمكة عاليا، يسمعون الصوت، ولا يدرون من صاحبه، وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واهتدت به فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيال قصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا تجازى وسودد
ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد
وليهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت عليه صريحا ضرة الشاة مزبد
فغادره رهنا لديها لحالب يرددها في مصدر بعد مورد
هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
ويستدل على صحته وصدق رواته بدلائل، فمنها:
نزول المصطفى -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالخيمتين متواترا في أخبار صحيحة ذوات عدد.
ومنها:
أن الذين ساقوا الحديث على وجهه، أهل الخيمتين من الأعاريب الذين لا يتهمون بوضع الحديث، والزيادة، والنقصان، وقد أخذوه لفظا بعد لفظ، عن أبي معبد وأم معبد.
ومنها:
أن له أسانيد، كالأخذ باليد أخذ الولد عن أبيه، والأب عن جده، لا إرسال، ولا وهن في الرواة.
ومنها:
(2/70)
أن الحر بن الصباح النخعي أخذه، عن أبي معبد كما أخذه ولده عنه، فأما الإسناد الذي رويناه بسياقة الحديث عن الكعبيين فإنه إسناد صحيح، عال للعرب الأعاربة، وقد علونا في حديث الحر بن الصباح. (ج/ص: 3/12)
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:10 PM
دعوة هرقل- {مسند الصديق} عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال: بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني دمشق، فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه فقلنا: والله لا نكلم رسولا إنما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول، فرجع إليه فأخبره بذلك، فقال: فأذن لنا فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام وإذا عليه ثياب سواد فقال له هشام: وما هذه التي عليك؟ فقال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام، قلنا ومجلسك هذا فوالله لنأخذنه منك ولنأخذن منك الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم قال: لستم بهم بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل فكيف صومكم؟ فأخبرناه فملئ وجهه سوادا فقال: قوموا وبعث معنا رسولا إلى الملك فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة قال لنا الذي معنا إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم جملناكم على براذين وبغال؟ قلنا: والله لا ندخل إلا عليها فأرسلوا إلى الملك إنهم يأبون فدخلنا على رواحلنا متقلدين بسيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له
(2/71)
فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، والله لقد تنفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح، فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم، وأرسل إلينا أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له وعنده بطارقة من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر وما حوله حمرة وعليه ثياب من الحمرة، فدنونا منه فضحك وقال: ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم، وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثير الكلام، فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك وتحيتك التي تحيي بها لا تحل لنا أن نحييك بها قال: كيف تحيتكم؟ قلنا: السلام عليكم قال: كيف تحيون مليككم؟ قلنا: بها قال: وكيف يرد عليكم؟ قلنا بها، قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر فلما تكلمنا قال: فوالله يعلم لقد تنفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث تنفضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنفضت بيوتكم عليكم؟ قلنا لا رأيناها فعلت هكذا قط إلا عندك قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنفض كل شيء عليكم، وإني خرجت من نصف ملكي، قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا يكون من أمر النبوة وأن يكون من حيل الناس، ثم سألنا عما أراد فأخبرناه ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه فقال: قوموا فقمنا وأنزلنا بمنزل حسن ومنزل كبير، فأقمنا ثلاثا، إلينا فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه،
(2/72)
ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتا وقفلا فاستخرج حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها صورة، وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية وإذا ضفيرتان أحسن ما خلق الله قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا آدم عليه السلام، فإذا هو أكثر الناس شعرا، ثم فتح لنا بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر كشعر القطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا نوح عليه السلام، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية كأنه يبتسم فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا إبراهيم عليه السلام، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة بيضاء فإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: نعم محمد رسول الله قال: وبكينا، والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم إنه لهو كأنما ننظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم ثم فتح بابا آخر استخرج منها حريرة سوداء وإذا فيها صورة أدماء شحباء وإذا رجل جعد (جعد: الجعد في صفات الرجال يكون مدحا وذما: فالمدح معناه أن يكون شديد الأسر والخلق، أو يكون جعد الشعر وهو ضد السبط. النهاية 1/275. ب) قطط (قطط: القطط الشديد الجعودة. النهاية 4/81. ب) غائر العينين حديد النظر عابسا متراكب الأسنان مقلص الشفة كأنه غضبان
(2/73)
فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا موسى عليه السلام وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس عريض الجبين في عينيه قبل فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا هارون بن عمران، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أدم سبط ربعة كأنه غضبان فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا لوط عليه السلام، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة، فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب بحمرة أقنى الأنف خفيف العارضين حسن الوجه فقال: تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا إسحاق عليه السلام، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة تشبه صورة إسحاق إلا أنه على شفته السفلى خال فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا يعقوب عليه السلام ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجهه الخشوع يضرب إلى الحمرة فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا إسماعيل جد نبيكم عليهما السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا هي صورة كأنها صورة آدم كأن وجهه الشمس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قال: لا قال: يوسف عليه السلام، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين أخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلدا سيفا
(2/74)
فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا داود عليه السلام، ثم فتح بابا أخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب فرسا فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا سليمان بن داود عليهما السلام، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا عيسى ابن مريم عليه السلام، قلنا: من أين لك هذه الصور لأنا نعلم أنها على ما صورت عليها الأنبياء عليهم السلام لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله؟ فقال: إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل الله عليه صورهم وكان في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بخروجي من ملكي، وإن كنت عبدا لأميركم ملكه حتى أموت، ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا، فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدثناه مما رأينا وما قال لنا وما أجازنا، فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: مسكين لو أراد الله عز وجل به خيرا لفعل ثم قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم.
(هق) في الدلائل قال ابن كثير: هذا حديث جيد الإسناد ورجاله ثقات. كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي-
30309
- حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره، أن أبا سفيان بن حرب أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشأم، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها ابا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، فقال:
(2/75)
أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك، قلت رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن(2/76)
لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه، لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}) قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.
(2/77)
وكان ابن الناطور، صاحب إيلياء وهرقل، أسقفا على نصارى الشأم، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء، أصبح يوما خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناطور: وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مداين ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم، أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: أذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب، فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق راي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان، قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل.
رواه أبو صالح بن كيسان ويونس بن معمر عن الزهري.
[51، 2535، 2650،2738، 2778، 2782،2816، 3003، 4278، 5635، 5905، 6771]
[ش أخرجه مسلم في المغازي (الجهاد والسير)، باب: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، رقم: 1773.
صحيح البخاري، الإصدار 2.03 – للإمام البخاري-7
ونقلها كتاب:حجة الله على العالمين: ص263، من حلية الأولياء بزيادة:
(2/78)
أخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي قال:بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي إلى قيصر وكتب إليه معه فلقيه بحمص فدعا الترجمان فإذا في الكتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر صاحب الروم فغضب أخ له وقال تنظر في كتاب رجل بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم ولم يذكر لك ملكا، قال له قيصر إنك والله ما علمت أحمق صغير مجنون أتريد أن تخرق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه فلعمري إن كان رسول الله كما يقول فنفسه أحق أن يبدأ بها مني وإن كان سماني صاحب الروم لقد صدق ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم ولكن الله سخرهم لي ولو شاء لسلطهم علي ثم قرأ قيصر الكتاب، وقال يا معشر الروم إني لأظن هذا الذي بشر به عيسى ابن مريم لو أعلم أنه هو مشيت إليه حتى أخدمه بنفسي لا يسقط وضوؤه إلا علي يدي. قالوا ما كان الله ليجعل ذلك في الأعراب الأميين ويدعنا نحن أهل الكتاب، قال فاصل الهدى عندي بيني وبينكم الإنجيل ندعو به فنفتحه فإن كان هو إياه اتبعناه وإلا أعدنا عليه خواتمه كما كانت..غنما هي خواتم مكان خواتم..قال وعلى الإنجيل يومئذ اثنا عشر خاتما من ذهب ختم عليه هرقل فكان كل ملك يليه بعده ظاهر عليه بخاتم آخر حتى ألفى ملك قيصر وعليه اثنا عشر خاتما يعهد أولهم لآخرهم أنه لا يحل لهم أن يفتحوا الإنجيل في دينهم وأنه يوم يفتحونه بغير دينهم ويهلك ملكهم فدعا بالإنجيل ففض عنه أحد عشر خاتما حتى بقي عليه خاتم واحد قامت الشمامسة والأساقفة والبطاركة فشقوا ثيابهم وصكوا وجوههم وشقوا رؤوسهم. قال ما لكم قالوا اليوم يهلك ملك بيتك ويتغير دين قومك قال فاصل الهدى عندي قالوا لا تعجل حتى تسأل عن هذا وتكاتبه وتنظر في أمره قال فمن نسأل عنه قالوا قوم كثير بالشام فأرسل يبتغي قوما ليسألهم فجمع له أبو سفيان وأصحابه فقال أخبرني يا أبا سفيان عن هذا الرجل الذي بعث فيكم فلم يأل أن يصغر أمره ما استطاع…قال أيها الملك لا يكبر عليك شأنه إنا(2/79)
لنقول هو ساحر ونقول هو شاعر ونقول هو كاهن قال قيصر كذلك والذي نفسي بيده كان يقال للأنبياء قبله أخبرني عن أصحابه..قال غلماننا وأحداث أسنانهم أما رؤوسنا فلم يتبعه منهم أحد..قال أولئك والله أتباع الرسل، أما الملأ والرؤوس فتأخذهم الحمية، أخبرني عن أصحابه هل يفارقونه بعد ما يدخلون في دينه قال ما يفارقه منهم أحد. قال فلا يزال داخل منكم في دينه قال نعم، قال ما تزيدونني عليه إلا بصيرة والذي نفسي بيده ليوشكن أن يغلب على ما تحت قدمي يا معشر الروم هلموا إلى أن نجيب هذا الرجل إلى ما دعا إليه ونسأله الشام أن لا يوطئها علينا أبدا، فإنه لم يكتب قط نبي من الأنبياء إلى ملك من الملوك يدعوه إلى الله فيجيبه إلى ما دعاه ثم يسأله غيرها مسألة إلا أعطاه مسألته ما كانت فأطيعوني. قالوا لا نطاوعك في هذا أبدا. قال أبو سفيان والله ما يمنعني من أن أقول عليه قولا أسقطه من عينه إلا إني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها علي ولا يصدقني حتى ذكرت قوله ليلة أسري به، قلت أيها الملك ألا أخبرك عنه خبرا تعرف أنه قد كذب قال وما هو قلت إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة لجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح…قال وبطريق إيلياء عند رأس قيصر…قال البطريق قد علمت تلك الليلة…قال فنظر إليه قيصر وقال ما أعلمك بها قال إني كنت لا أبيت ليلة حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة غلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني كلهم فعالجناه فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول به جبلا فدعوت النجاجرة فنظروا إليه فقالوا هذا باب سقط عليه النحات والبنيان فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى، فرجعت وتركته مفتوحا فلما أصبحت غدوت فإذا الحجر الذي من زاوية الباب منقوب وإذا فيه أثر مربط الدابة، فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلى الله في مسجدنا..فقال قيصر(2/80)
يا معشر الروم أليس تعلمون أن بين عيسى وبين الساعة نبيا بشركم به عيسى وهذا هو النبي الذي بشر به عيسى فأجيبوه إلى ما دعا إليه فلما رأى نفورهم قال يا معشر الروم دعاكم ملككم يختبركم كيف صلابتكم في دينكم فشتمتموه وسببتموه وهو بين أظهركم فخروا له سجدا…
المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري.
4242 / 252 - حدثني أبو بكر محمد بن داود بن سليمان الزاهد، حدثنا أبو علي محمد بن محمد الأشعث الكوفي بمصر، حدثني أبو الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه، عن جده الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -:
أن يهوديا كان يقال له: جريجرة.
كان له على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دنانير.
فتقاضى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: (يا يهودي ما عندي ما أعطيك).
قال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني.
فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أجلس معك).
فجلس معه، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة.
وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهددونه ويتوعدونه.
ففطن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما الذي تصنعون به).
فقالوا: يا رسول الله، يهودي يحبسك.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (منعني ربي أن أظلم معاهدا ولا غيره).
فلما ترحل النهار، قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وقال: شطر مالي في سبيل الله.
أما والله ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا متزي بالفحش، ولا قول الخنا.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
هذا مالي، فاحكم فيه بما أراك الله.
(2/81)
وكان اليهودي كثير المال.
كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
35414- عن محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام عن جده عبد الله بن سلام أنه لما سمع بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خرج فلقيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت ابن عالم أهل يثرب؟ قال: نعم، قال: فناشدتك بالله الذي أنزل التوراة على طور سيناء هل تجد صفتي في الكتاب الذي أنزله الله على موسى؟ قال عبد الله بن سلام: انسب لنا ربك يا محمد! فارتج النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل (قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد) فقال ابن سلام: أشهد أنك رسول الله، وأن الله مطهرك ومظهر دينك على الأديان، وإني لأجد صفتك في كتاب الله (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا.
(كر).
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:16 PM
الدر المنثور في التفسير بالمأثور. الإصدار 1,38 - للإمام جلال الدين السيوطي
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: لما نزلت {ورحمتي وسعت كل شيء} قال إبليس: أنا من كل شيء. قال الله {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} قالت يهود: فنحن نتقي ونؤتي الزكاة. قال الله {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي} فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود، وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه.
(2/82)
وأخرج البيهقي في الشعب عن سفيان بن عيينة قال: لما نزلت هذه الآية {ورحمتي وسعت كل شيء} مد إبليس عنقه فقال: أنا من الشيء. فنزلت {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} فمدت اليهود والنصارى أعناقها فقالوا: نحن نؤمن بالتوراة والإنجيل، ونؤدي الزكاة. فاختلسها الله من إبليس واليهود والنصارى، فجعلها لهذه الأمة خاصة فقال {الذين يتبعون...} الآية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبزار في مسنده وابن مردويه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمدا صلى الله عليه وسلم. قوله {واختار موسى قومه} إلى قوله {فسأكتبها للذين يتنقون} فأعطى محمدا صلى الله عليه وسلم كل شيء. سأل موسى ربه في هذه الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فسأكتها للذين يتقون} قال: كتبها الله لهذه الأمة.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: دعا موسى فبعث الله سبعين، فجعل دعاءه حين دعاه لمن آمن بمحمد، واتبعه قوله {فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين،...فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين يتبعون محمدا}
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فسأكتبها للذين يتقون} قال: يتقون الشرك.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير {فسأكتبها للذين يتقون} أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال موسى: يا ليتني أخرت في أمة محمد. فقالت اليهود لموسى: أيخلق ربك خلقا ثم يعذبهم؟ فأوحى الله إليه: يا موسى ازرع. قال: قد زرعت. قال: أحصد. قال: قد حصدت. قال: دس. قال: قد دست. قال: ذر. قال: قد ذريت. قال: فما بقي؟ قال: ما بقي شيء فيه خير. قال: كذلك لا أعذب من خلقي إلا من لا خير فيه.
(2/83)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. إنه سئل عن أبي بكر وعمر فقال: إنهما من السبعين الذين سألهم موسى بن عمران فاخرا حتى أعطيهما محمدا صلى الله عليه وسلم. قال: وتلا هذه الآية {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا...} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم الجمعة نزل جبريل عليه السلام إلى المسجد الحرام، فركز لواءه بالمسجد الحرام وغدا بسائر الملائكة إلى المساجد التي يجمع فيها يوم الجمعة، فركزوا ألويتهم وراياتهم بأبواب المساجد، ثم نشروا قراطيس من فضة وأقلاما من ذهب، ثم كتبوا الأول فالأول من بكر إلى الجمعة، فإذا بلغ من في المسجد سبعين رجلا قد بكروا طووا القراطيس، فكان أولئك السبعون كالذين اختارهم موسى من قومه، والذين اختارهم موسى من قومه كانوا أنبياء".
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا راح منا إلى الجمعة سبعون رجلا كانوا كسبعين موسى الذين وفدوا إلى ربهم أو أفضل".
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله {النبي الأمي} قال: كان لا يكتب ولا يقرأ.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {الرسول النبي الأمي} قال: هو نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال: أنا محمد النبي الأمي، أنا محمد النبي الأمي، أنا محمد النبي الأمي، ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه، وعلمت خزنة النار وحملة العرش، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم، فإذا ذهب بي فعليكم كتاب الله، أحلوا حلاله وحرموا حرامه".
(2/84)
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، وإن الشهر كذا وكذا، وضرب بيده ست مرات وقبض واحدة".
وأخرج أبو الشيخ من طريق مجالد. قال: حدثني عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال: ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب، فذكرت هذا الحديث للشعبي فقال: صدق، سمعت أصحابنا يقولون ذلك.
قوله تعالى {الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل}.
أخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} قال: يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم.
وأخرج ابن سعد عن قتادة قال: بلغنا أن نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب محمد رسول الله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح، أمته الحمادون على كل حال.
وأخرج ابن سعد وأحمد عن رجل من الأعراب قال: جلبت حلوية إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت من بيعتي قلت: لألقين هذا الرجل ولأسمعن منه. فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشيان، فتبعتهما حتى أتيا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟ فقال برأسه هكذا؛ أي لا. فقال ابنه: أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقال: أقيموا اليهودي عن أخيكم، ثم ولي كفنه والصلاة عليه".
(2/85)
وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاصي قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أجل - والله - إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} (الأحزاب الآية 45) وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله. ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.
وأخرج ابن سعد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام قال: صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} (الأحزاب الآية 45) وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء حتى يقولوا: لا إله إلا الله. ويفتح أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.
وأخرج الدارمي عن كعب قال: في السطر الأول: محمد رسول الله عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام. وفي السطر الثاني: محمد رسول الله أمته الحمادون، يحمدون الله في السراء والضراء، يحمدون الله في كل منزلة ويكبرونه على كل شرف، رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة، ويأتزرون على أوساطهم، ويوضئون أطرافهم، وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل.
(2/86)
وأخرج ابن سعد والدارمي وابن عساكر عن أبي فروة عن ابن عباس. إنه سأل كعب الأحبار كيف قد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال كعب: نجده محمد بن عبد الله، يولد بمكة ويهاجر إلى طابة، ويكون ملكه بالشام، وليس بفاحش ولا سخاب في الأسواق، ولا يكافئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، أمته الحمادون يحمدون الله في كل سراء، ويكبرون الله على كل نجد، ويوضئون أطرافهم، ويأتزرون في أوساطهم، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم، دويهم في مساجدهم كدوي النحل، يسمع مناديهم في جو السماء.
وأخرج أبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن أم الدراداء قالت: قلت لكعب: كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟ قال: نجده موصوفا فيها محمد رسول الله اسمه المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، وأعطي المفاتيح ليبصر الله به أعينا عورا، ويسمع به الله آذانا صما، ويقيم به السنة المعوجة حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعين المظلوم ويمنعه من أن يستضعف.
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صفتي أحمد المتوكل مولده بمكة ومهاجره إلى طيبة، ليس بفظ ولا غليظ، يجزي بالحسنة الحسنة ولا يكافئ بالسيئة، أمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم، ويوضئون أطرافهم، أناجيلهم في صدورهم، يصفون للصلاة كما يصفون للقتال، قربانهم الذي يتقربون به إلي دماؤهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار".
(يتبع...)
الدر المنثور في التفسير بالمأثور. الإصدار 1,38 - للإمام جلال الدين السيوطي
(تابع... 1): - الآية (156 - 157).... ...
(2/87)
وأخرج أبو نعيم عن كعب قال: إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى، وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم، فلما حضره الموت دعاني فقال لي: يا بني، إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا مما كنت أعلمه، إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما: نبي يبعث قد أظل زمانه فكرهت أن أخبرك بذلك، فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما، فلا تعرضن لهما ولا تنظرن فيهما حينك هذا، فإن الله إن يرد ذلك خيرا ويخرج ذلك النبي تتبعه، ثم أنه مات فدفناه فلم يكن شيء أحب إلي من أن أنظر في الورقتين، ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين، فإذا فيهما: محمد رسول الله خاتم النبيين لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجره بطيبة، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ويجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويصفح، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال، تذلل ألسنتهم بالتكبير وينصر نبيهم على كل من ناوأه، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في صدورهم وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم.
فمكث ما شاء الله ثم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة، فأخرت حتى استثبت، ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه، وجاءتنا جنوده فقلت: لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدمت علينا عمال عمر بن الخطاب، فلما رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر، فو الله إني لذات ليلة فوق سطحي، فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها...} (النساء الآية 47) الآية. فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي، فما كان شيء أحب إلي من الصباح فغدوت على مسلمين.
(2/88)
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب "أن يهوديا كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دنانير، فتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ماعندي ما أعطيك. قال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني. قال: إذن أجلس معك يا محمد. فجلس معه فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتهددون اليهودي ويتوعدونه، فقالوا: يا رسول الله، يهودي يحبسك؟ قال: منعني ربي أن أظلم معاهدا ولا غيره، فلما ترحل النهار أسلم اليهودي وقال: شطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحشاء ولا قوال للخنا".
(2/89)
وأخرج ابن سعد عن الزهري. إن يهوديا قال: ما كان بقي شيء من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة إلا رأيته إلا الحلم، وإني أسلفته ثلاثين دينارا في ثمر إلى أجل معلوم، فتركته حتى إذا بقي من الأجل يوم أتيته فقلت: يا محمد، اقضني حقي فإنكم معاشر بني عبد المطلب مطل. فقال عمر: يا يهودي الخبيث، أما والله لولا مكانه لضربت الذي فيه عيناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "غفر الله لك يا أبا حفص، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج إلى أن تكون أمرتني بقضاء ما علي، وهو إلى أن تكون أعنته على قضاء حقه أحوج فلم يزده جهلي عليه إلا حلما. قال: يا يهودي، إنما يحل حقك غدا، ثم قال: يا أبا حفص، اذهب به إلى الحائط الذي كان سأل أول يوم، فإن رضيه فأعطه كذا وكذا صاعا وزده لما قلت له كذا وكذا صاعا وزده، فإن لم يرض فأعط ذلك من حائط كذا وكذا، فأتى بي الحائط فرضي تمره فأعطاه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمره من الزيادة، فلما قبض اليهودي تمره قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، وإنه والله ما حملني على ما رأيتني صنعت يا عمر إلا أني قد كنت رأيت في رسول الله صفته في التوراة كلها إلا الحلم، فاختبرت حلمه اليوم فوجدته على ما وصف في التوراة، وإني أشهدك أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين. فقال عمر: فقلت: أو بعضهم؟ فقال: أو بعضهم. قال: وأسلم أهل بيت اليهودي كلهم إلا شيخ كان ابن مائة سنة فعسا على الكفر".
(2/90)
وأخرج ابن سعد عن كثير بن مرة قال: إن الله يقول: لقد جاءكم رسول ليس بوهن ولا كسل، يفتح أعينا كانت عميا، ويسمع آذانا صما، ويختن قلوبا كانت غلفا، ويقيم سنة كانت عوجاء، حتى يقال: لا إله إلا الله.وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس فقال "أخرجوا إلى أعلمكم فقالوا: عبد الله ابن صوريا. فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم، وأطعمهم من المن والسلوى، وظللهم به من الغمام، أتعلم أني رسول الله؟ قال: اللهم نعم، وإن القوم ليعرفون ما أعرف، وإن صفتك ونعتك المبين في التوراة ولكنهم حسدوك. قال: فما يمنعك أنت؟ قال: أكره خلاف قومي، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم".
وأخرج الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن الفلتان بن عاصم قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "أتقرأ التوراة؟ قال: نعم. قال: والإنجيل؟ قال: نعم. فناشده هل تجدني في التوراة والإنجيل؟ قال: نجد نعتا مثل نعتك ومثل هيئتك ومخرجك، وكنا نرجو أن تكون منا، فلما خرجت تخوفنا أن تكون هو أنت، فنظرنا فإذا ليس أنت هو. قال: ولم ذاك؟ قال: إن معه من أمته سبعين ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب، وإنما معك نفر يسير. قال: والذي نفسي بيده لأنا هو، إنهم لأمتي وإنهم لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا".
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وغيرهما إلى يهود يثرب وقالوا لهم: سلوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم، فقدموا المدينة فقالوا: أتيناكم لأمر حدث فينا، منا غلام يتيم يقول قولا عظيما، يزعم أنه رسول الرحمن قالوا: صفوا لنا نعته. فوصفوا لهم قالوا: فمن تبعه منكم؟ قالوا: سفلتنا. فضحك حبر منهم فقال:هذا النبي الذي نجد نعته ونجد قومه أشد الناس له عداوة.
(2/91)
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب قال: كان في بني إسرائيل رجل عصى الله تعالى مائتي سنة، ثم مات فأخذوه فألقوه على مزبلة، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: أن أخرج فصل عليه قال: يا رب، بنو إسرائيل شهدوا أنه عصاك مائتي سنة، فأوحى الله إليه: هكذا كان لأنه كان كلما نشر التوراة، ونظر إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم قبله ووضعه على عينيه وصلى عليه، فشكرت له ذلك وغفرت ذنوبه وزوجته سبعين حوراء.
وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإنجيل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال "قدم الجارود بن عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال: والذي بعثك بالحق لقد وجدت وصفك في الإنجيل، ولقد بشر بك ابن البتول".
وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق موسى بن يعقوب الربعي عن سهل مولى خيثمة قال: قرأت في الإنجيل نعت محمد صلى الله عليه وسلم: إنه لا قصير ولا طويل أبيض ذو طمرين، بين كتفيه خاتم، يكثر الإحتباء ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاة ويلبس قميصا مرقوعا، ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر، وهو يفعل ذلك وهو من ذرية إسمعيل عليه السلام.
(2/92)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: أوحى الله يعالى إلى شعيب "أني باعث نبيا أميا أفتح به آذانا صما، وقلوبا غلفا، وأعينا عميا، مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه الشام، عبدي المتوكل المصطفى المرفوع الحبيب المتحبب المختار، لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح رحيما بالمؤمنين، يبكي للبهيمة المثقلة ويبكي لليتيم في حجر الأرملة، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش، ولا قوال للخنا، يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب الرعراع - يعني اليابس - لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشرا ونذيرا، أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم، أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والمغفرة والمعروف حليته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به من بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأسمي به بعد النكرة، وأكثر به بعد القلة، وأغني به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين قلوب، وأهواء متشتتة وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، وتوحيدا لي وإيمانا بي وإخلاصا لي وتصديقا لما جاءت به رسلي، وهم رعاة الشمس.
(2/93)
طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي، ألهمهم التسبيح والتكبير والتمجيد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم، ويصفون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي، هم أوليائي وأنصاري، أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان، يصلون لي قياما وقعودا وسجودا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفا، ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، أختم بكتبهم الكتب، وشريعتهم الشرائع، وبدينهم الأديان، من أدركهم فلم يؤمن بكتابهم ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس مني وهو مني بريء، وأجعلهم أفضل الأمم، وأجعلهم أمة وسطاء شهداء على الناس، إذا غضبوا هللوني، وإذا قبضوا كبروني، وإذا تنازعوا سبحوني، يطهرون الوجوه والأطراف، ويشدون الثياب إلى الأنصاف، ويهللون على التلال والأشراف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، مناديهم في جو السماء، لهم دوي كدوي النحل، طوبى لمن كان معهم وعلى دينهم ومناهجهم وشريعتهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم".
(2/94)
وأخرج البيهقي في الدلائل عن وهب بن منبه قال: إن الله أوحى في الزبور " يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقا نبيا لا أغضب عليه أبدا ولا يعصيني أبدا، وقد غفرت له أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأمته مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل، حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم. يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم، أعطيتهم ست خصال لم أعطيها غيرهم من الأمم. لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة، ولهم عندي أضعاف مضاعفة وأفضل من ذلك، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم، فإن دعوني استجبت لهم، فإما أن يروه عاجلا وإما أن أصرف عنهم سوءا وإما أن أؤخره لهم في الآخرة، يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها فهو معي في جنتي وكرامتي، ومن لقيني وقد كذب محمدا وكذب بما جاء به واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار".
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الله بن عمرو قال: أجد في الكتب أن هذه الأمة تحب ذكر الله كما تحب الحمامة وكرها، ولهم أسرع إلى ذكر الله من الإبل إلى وردها يوم ظمئها.
قوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الآية.
(2/95)
أخرج الطبراني عن حبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل من الأعراب يستفتيه عن الرجل، ما الذي يحل له والذي يحرم عليه في ماله ونسكه وماشيته وعنزه وفرعه من نتاج إبله وغنمه؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحل لك الطيبات وحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام فتأكل منه حتى تستغني عنه. قال: ما فقري الذي آكل ذلك إذا بلغته؟ أم ما غناي الذي يغنيني عنه؟ قال: إذا كنت ترجو نتاجا فتبلغ بلحوم ماشيتك إلى نتاجك، أو كنت ترجو عشاء تصيبه مدركا فتبلغ إليه بلحوم ماشيتك، وإذا كنت لا ترجو من ذلك شيئا فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه. قال الأعرابي: وما عشائي الذي أدعه إذا وجدته؟ قال: إذا رويت أهلك غبوقا من اللبن فاجتنب ما حرم عليك من الطعام، وأما مالك فإنه ميسور كله ليس منه حرام غير أن نتاجك من إبلك فرعا، وفي نتاجك من غنمك فرعا تغذوه ماشيتك حتى تستغني، ثم إن شئت فأطعمه أهلك وإن شئت تصدق بلحمه، وامره أن يعقر من الغنم في كل مائة عشرا".
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن جريج في قوله {ويحل لهم الطيبات} قال: الحلال {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} قال: الثقيل الذي كان في دينهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله {ويحرم عليهم الخبائث} قال: كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلون من المحرمات من المآكل التي حرمها الله. وفي قوله {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} قال: هو ما كان أخذ الله عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {ويضع عنهم إصرهم} قال: عهدهم ومواثيقهم في تحريم ما أحل الله لهم.
(يتبع...)
الدر المنثور في التفسير بالمأثور. الإصدار 1,38 - للإمام جلال الدين السيوطي
(تابع... 1): - الآية (144 - 145).... ...
(2/96)
قال: يا رب إني وجدت قوما يراعون الشمس مناديهم في جو السماء فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد. قال: رب إني وجدت في التوراة قوما الحسنة منهم بعشرة والسيئة بواحدة فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم شاهرين سيوفهم لا ترد لهم حاجة؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوما إذا أرادوا أمرا استخاروك ثم ركبوه فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني أجد في التوراة نعت قوم يشفع محسنهم في مسيئهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يحجون البيت الحرام لا ينأون عنه أبدا لا يقضون منه وطرا أبدا فمن هم؟ قال: تلك أمة احمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم قربانهم دماؤهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يقاتلون في سبيلك صفوفا زحوفا يفرغ عليهم الصبر إفراغا فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يذنب أحدهم الذنب فيتوضأ فيغفر له، ويصلي فتجعل الصلاة له نافلة بلا ذنب فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يشهدون لرسلك بما بلغوا فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يجعلون الصدقة في بطونهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم الغنائم لهم حلال وهي محرمة على الأمم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم جعلت الأرض لهم طهورا ومسجدا فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت نعت قوم الرجل منهم خير من ثلاثين ممن كان قبلهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد يا موسى الرجل من الأمم السالفة أعبد من الرجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثين ضعفا، وهم خير بثلاثين ضعفا بإيمانه بالكتب كلها.
(2/97)
قال: يا رب إني وجدت نعت قوم يأوون إلى ذكرك ويتحابون عليه كما تأوي النسور إلى وكورها فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم إذا غضبوا هللوك وإذا تنازعوا سبحوك فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يغضبون لك كما يغضب النمر الحرب لنفسه فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تفتح أبواب السماء لأعمالهم وأرواحهم وتباشر بهم الملائكة فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تتباشر بهم الأشجار والجبال بممرهم عليها لتسبيحهم لك وتقديسهم لك فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم وهبت لهم الاسترجاع عند المصيبة، ووهبت لهم عند المصيبة الصلاة والرحمة والهدى فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تصلي عليهم أنت وملائكتك فمن هم؟ قال:تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يدخل محسنهم الجنة بغير حساب، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وظالمهم يغفر له فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب فاجعلني منهم. قال: يا موسى أنت منهم وهم منك لأنك على ديني وهم على ديني، ولكن قد فضلتك برسالاتي وبكلامي فكن من الشاكرين.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يبعثون يوم القيامة قد ملأت صفوفهم ما بين المشرق والمغرب صفوفا يهون عليهم الموقف لا يدرك فضلهم أحد من الأمم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تقبضهم على فرشهم وهم شهداء عندك فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم لا يخافون فيك لومة لائم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
(2/98)
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم صديقهم أفضل الصديقين فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب لقد كرمته وفضلته. قال: يا موسى هو كذلك نبي وصفي وحبيبي وأمته خير أمة.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم محرمة على الأمم الجنة أن يدخلوها حتى يدخلها نبيهم وأمته فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب لبني إسرائيل ما بالهم؟ قال: يا موسى إن قومك من بني إسرائيل يبدلون دينك من بعدك، ويغيرون كتابك الذي أنزلت عليك، وإن أمة محمد لا يغيرون سنته ولا يبطلون الكتاب الذي أنزلت عليه إلى أن تقوم الساعة، فلذلك بلغتهم سنام كرامتي، وفضلتهم على الأمم، وجعلت نبيهم أفضل الأنبياء. أولهم في الحشر، وأولهم في انشقاق الأرض، وأولهم شافعا، وأولهم مشفعا.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم حلماء علماء كادوا أن يبلغوا بفقههم حتى يكونوا أنبياء فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد، يا موسى أعطوا العلم الأول الآخر. قال: يا رب إني وجدت في التوراة قوما توضع المائدة بين أيديهم فما يرفعونها حتى يغفر لهم فمن هم؟ قال: أولئك أمة أحمد.
قال: يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يلبس أحدهم الثوب فما ينفضه حتى يغفر لهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد.
قال: يا رب إني أجد في التوراة نعت قوم إذا استووا على ظهور دوابهم حمدوك فيغفر لهم فمن هم؟ قال: تلك أمة أحمد، أوليائي يا موسى الذين أنتقم بهم من عبدة النيران والأوثان.
(2/99)
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن موسى لما نزلت عليه التوراة وقرأها فوجد فيها ذكر هذه الأمة قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونه ظاهرا فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يأكلون الفيء فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشر حسنات فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب إني وجدت في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والعلم الآخر، فيقتلون قرون الضلالة والمسيح الدجال فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب فاجعلني من أمة أحمد، فأعطي عند ذلك خصلتين {فقال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} قال: قد رضيت يا رب".
(2/100)
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عبد الرحمن المغافري أن كعب الأحبار رأى حبر اليهود يبكي فقال له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت بعض الأمر فقال له كعب: أنشدك بالله لئن أخبرتك ما أبكاك لتصدقني؟ قال: نعم. قال: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: رب إني أجد أمة في التوراة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر، ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال، فقال موسى: رب اجعلهم أمتي. قال: هم أمة أحمد؟ قال الحبر: نعم. قال كعب: فأنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: رب إني أجد أمة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون، إذا أرادوا أمرا قال افعله إن شاء الله فاجعلهم أمتي. قال: هم أمة أحمد؟ قال الحبر: نعم. قال كعب: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: يا رب إني أجد أمة إذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله، وإذا هبط واديا حمد الله، الصعيد لهم طهور، والأرض لهم مسجد حيثما كانوا يتطهرون من الجنابة، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء، غر محجلون من آثار الوضوء فاجعلهم أمتي. قال: هم أمة أحمد؟ قال الحبر: نعم.
(2/101)
قال كعب: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: رب إني أجد أمة مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب، واصطفيتهم {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} (فاطر الآية 32) ولا أجد أحدا منهم إلا مرحوما فاجعلهم أمتي. قال: هم أمة أحمد؟ قال الحبر: نعم. قال كعب: أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: يا رب إني أجد في التوراة أمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون ألوان ثياب أهل الجنة، يصفون في صلاتهم كصفوف الملائكة أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل، لا يدخل النار منهم أحدا إلا من بري من الحسنات مثل ما بري الحجر من ورق الشجر فاجعلهم أمتي. قال: هم أمة أحمد؟ قال الحبر: نعم. فلما عجب موسى من الخير الذي أعطاه الله محمدا وأمته قال: يا ليتني من أمة أحمد، فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} (الأعراف الآية 144) الآية فرضي موسى كل الرضا.
وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن عمرو قال لكعب: أخبرني عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؟ قال: أجدهم في كتاب الله: إن أحمد وأمته حمادون يحمدون الله على كل خير وشر، يكبرون الله على كل شرف يسبحون الله في كل منزل، نداؤهم في جو السماء، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل على الصخر، يصفون في صلاتهم كصفوف الملائكة، ويصفون في القتال كصفوفهم في الصلاة، إذا غزوا في سبيل الله كانت الملائكة بين أيديهم ومن خلفهم برماح شداد، إذا حضروا الصف في سبيل الله كان الله عليهم مظلا كما تظل النسور على وكورها، لا يتأخرون زحفا أبدا حتى يحضرهم جبريل عليه السلام.
(2/102)
وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل عن محمد بن يزيد الثقفي قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الأحبار، حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة، ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله؟ فقال قيس: ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به؟! فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة الذي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة.
(يتبع...)
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:18 PM
أقول: وثبت في الأحاديث أن خاتم النبوة المذكور في الحديث السابق والمذكور في حديث سلمان الفارسي، والذي أسلم سلمان لما رآه، والذي أخبر به الرهبان والقساوسة عمرو بن العاص، كان موجودا أعلى ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بين كتفيه…كما ستذكر الأحاديث التالية:
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي
6484- كان خاتم النبوة في ظهره بضعة ناشزة
التخريج (مفصلا): الترمذي فيها عن أبي سعيد
تصحيح السيوطي: صحيح
كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
18524- {مسند الصديق رضي الله عنه} عن أبي هريرة قال: قدم راهب على قعود له فقال: دلوني على منزل أبي بكر الصديق، فدل عليه، فقال: صف لي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: لم يكن بالطويل ولا بالقصير ربعة، أبيض اللون، مشرب بحمرة، جعد ليس بالقطط شارع الأنف، واضح الجبين، صلت الخدين، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، مفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة، بين كتفيه خاتم النبوة، فقال الراهب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وحسن إسلامه.
(الزوزني عب).
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2.12 - للإمامِ المناوي
(2/103)
6484 - (كان خاتم النبوة في ظهره بضعة) بفتح الباء قطعة لحم (ناشزة) بمعجمات مرتفعة من اللحم وفي رواية مثل السلعة وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم أو كالشامة سوداء أو خضراء ومكتوب عليها محمد رسول اللّه أو سر فأنت المنصور ونحو ذلك. قال ابن حجر: فلم يثبت منها شيء. قال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن الخاتم كان شيئاً بارزاً أحمر عند كتفه الأيسر قدره إذا قلل كبيضة الحمامة وإذا كثر جمع اليد وفي الخاتم أقوال متقاربة وعد المصنف وغيره جعل خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه حيث يدخل الشيطان من خصائصه على الأنبياء وقال: وسائر الأنبياء كان خاتمهم في يمينهم.
(ت فيها) أي الشمائل (عن أبي سعيد) الخدري.
صحيح البخاري، الإصدار 2.03 - للإمام البخاري
19 - باب: خاتم النبوة.
3348 - حدثنا محمد بن عبيد الله: حدثنا حاتم، عن الجعيد بن عبد الرحمن قال: سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وقع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وضلارئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم بين كتفيه.
قال ابن عبيد الله: الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه. قال إبراهيم ابن حمزة: مثل زر الحجلة.
[ر: 187]
[ش (وقع) في نسخة. (وقع) ومعناه: وجع، وقيل: يشتكي رجله. (حجل الفرس) البياض الذي يكون في قوائمها].
صحيح مسلم. الإصدار 2.06 - للإمام مسلم
112 - (2346) حدثنا أبو كامل. حدثنا حماد (يعني ابن زيد). ح وحدثني سويد بن سعيد. حدثنا علي بن مسهر. كلاهما عن عاصم الأحول. ح وحدثني حامد بن عمر البكراوي (واللفظ له). حدثنا عبدالواحد (يعني ابن زياد). حدثنا عاصم عن عبدالله بن سرجس. قال:
(2/104)
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما. أو قال: ثريدا. قال فقلت له: أستغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. ولك. ثم تلا هذه الآية: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [47/محمد/19].
قال: ثم درت فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه. عند ناغض كتفه اليسرى. جمعا. عليه خيلان كأمثال الثآليل.
[ش (ناغض كتفه) قال الجمهور: الناغض أعلى الكتف. وقيل: هو العظم الرقيق الذي على طرفه. وقيل: ما يظهر منه عند التحرك. سمي ناغضا لتحركه. (جمعا) معناه أنه كجمع الكف وهو صورته بعد أن تجمع الأصابع وتضمها. (خيلان) جمع خال. وهو الشامة في الجسد. (الثآليل) جمع ثؤلول. وهي حبيبات تعلو الجسد.
قال القاضي: وهذه الروايات متقاربة متفقة على أنها شاخص في جسده قدر بيضة الحمامة. وهو نحو بيضة الحجلة وزر الحجلة. وأما رواية جمع الكف فظاهرها المخالفة. فتؤول على وفق الروايات الكثيرة. ويكون معناه على هيئة جمع الكف لكنه أصغر منه في قدر بيضة الحمامة].
خاتم النبوة من العهد القديم في الكتاب المقدس:
ونقل العلامة رحمة الله الهندي عن حيدر القرشي صاحب كتاب " خلاصة سيف المسلمين " قوله: " إن القسيس أوسكان الأرمني ترجم كتاب إشعياء باللسان الأرمني في سنة ألف وستمائة وست وستين، وطبعت هذه الترجمة في سنة ألف وسبعمائة وثلاث وثلاثين في مطبعة أنتوني بورتولي، ويوجد في هذه الترجمة في الباب الثاني والأربعين هذه الفقرة: " سبحوا الله تسبيحاً جديداً، وأثر سلطنته على ظهره، واسمه أحمد " (إشعيا 42/10 – 11).منقول من موقع ابن مريم: http://ebnmaryam.com/monqith/monqith5/mokaddema.htm
أقول:فجملة:"أثر سلطنته على ظهره، هي الجملة التي أسلم سلمان الفارسي وعلمها القساوسة والرهبان القدماء بسببها، إن صحت الترجمة أو بمثلها إن لم تصح.
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:19 PM
(2/105)
وأخرج ابن سعد وأحمد عن رجل من الأعراب قال: جلبت حلوية إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت من بيعتي قلت: لألقين هذا الرجل ولأسمعن منه. فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشيان، فتبعتهما حتى أتيا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟ فقال برأسه هكذا؛ أي لا. فقال ابنه: أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقال: أقيموا اليهودي عن أخيكم، ثم ولي كفنه والصلاة عليه".
كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
(2/106)
4600- عن عوف بن مالك قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأنا معه، حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدهم، فكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود أروني اثنى عشر رجلا منكم يشهدون أنه لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضبه عليه، فأمسكوا، ما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم فلم يجبه أحد، ثم ثلث فلم يجبه أحد، فقال: أبيتم فوالله إني لأنا الحاشر والعاقب وأنا المقفى النبي المصطفى، آمنتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه، حتى كدنا أن نخرج فإذا رجل من خلفنا، فقال: كما أنت يا محمد، فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر يهود؟ قالوا: والله ما نعلم فينا رجلا أعلم بكتاب الله، ولا أفقه منك، ولا من أبيك من قبلك، ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، قالوا له كذبت، ثم ردوا عليه، وقالوا فيه شرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم، لم يقبل قولكم، أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذا آمن كذبتموه وقلتم فيه ما قلتم، فلن يقبل قولكم، فخرجنا ونحن ثلاثة، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا، وعبد الله بن سلام، فأنزل الله فيه: {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به} إلى قوله {لا يهدي القوم الظالمين}.
(ع وابن جرير ك كر). سورة الأحقاف آية/10/.
صحيح البخاري، الإصدار 2.03 - للإمام البخاري
3699 - حدثنا محمد: حدثنا عبد الصمد: حدثنا أبي: حدثنا عبد العزيز بن صهيب: حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(2/107)
أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبي الله شاب لا يعرف، قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر، من هذا الرجل الذي بين يديك، فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل. قال: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا. فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم اصرعه). فصرعه الفرس، ثم قامت تحمحم، فقال: يا نبي الله، مرني بما شئت، قال: (فقف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا). قال: فكان أول النهار جاهدا على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النهار مسلحة له، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرة، ثم بعث إلى الأنصار فجاؤوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وحفوا دونهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبي الله، جاء نبي الله، فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب، فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام، وهو في نخل لأهله يخترف لهم، فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (أي بيوت أهلنا أقرب). فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله، هذه داري وهذا بابي، قال: (فانطلق فهيئ لنا مقيلا). قال: قوما على بركة الله، فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في. فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم(2/108)
فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر اليهود، ويلكم، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق، فأسلموا). قالوا: ما نعلمه، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، قالها ثلاث مرار، قال: (فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام). قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: (أفرأيتم إن أسلم). قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم، قال: (أفرأيتم إن أسلم). قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم، قال: (أفرأيتم إن أسلم). قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم، قال: (يا ابن سلام اخرج عليهم). فخرج فقال: يا معشر اليهود اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ر: 3151]
[ش (مردف أبا بكر) مركبه خلفه على نفس الراحلة أو على راحلة غيرها. (شيخ يعرف) أي قد شاب شعر رأسه، وكان يعرفه أهل المدينة لمروره
عليهم في سفر التجارة. (شاب) أي من حيث عدم انتشار الشيب في رأسه، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم أسن من أبي بكر رضي الله عنه. (لا يعرف) لم يعرفه الناس لعدم خروجه من مكة غالبا، وعدم التقائه بهم. (بفارس) هو سراقة بن مالك رضي الله عنه. (اصرعه) اطرحه على الأرض واكفنا شره. (تحمحم) من الحمحمة، وهي صوت الفرس. (مسلحة له) مراقبا يدفع عنه الأذى ويحول عنه العيون. (الحرة) أرض ذات حجارة سوداء. (حفوا) أحدقوا وأحاطوا. (فأشرفوا) اطلعوا من فوق السطوح ونحوها. (ليحدث أهله) لعل المراد بعض من حوله من أقاربه. (يخترف لهم) يجتني من الثمار. (أهلنا) قرابتنا، لأن جدته صلى الله عليه وسلم من بني النجار. (مقيلا) مكانا يقيل فيه، من القيلولة وهي النوم وسط النهار. (ويلكم) وقع بكم الشر والعذاب
معجم الطبراني الكبير، الإصدار 1.05 - للإمام الطبراني
(2/109)
حدثنا محمد بن عبد الله ثنا أبو كريب ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من يهود فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود أهل الكفر ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم فانزل الله عز وجل في ذلك من قولهم ليسوا سواء من أهل الكتاب إلى قومه من الصالحين
مجمع الزوائد. الإصدار 2.05 - للحافظ الهيثمي
11544-وعن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام أن عبد الله بن سلام قال لأحبار يهود: إني أحدث بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهداً. فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فوافاهم وقد انصرفوا من الحج فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس حوله فقام مع الناس فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنت عبد الله بن سلام؟". قال: قلت: نعم. قال: "ادن". فدنوت منه قال: "أنشدك بالله يا عبد بن سلام أما تجدني في التوراة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟". فقلت له: انعت ربنا. قال: فجاء جبريل حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
قلت: فذكر الحديث وهو بتمامه في مناقب عبد الله بن سلام. ص.307
رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أن حمزة لم يدرك جده عبد الله بن سلام.
وفي المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري.
هذا حديث صحيح الإسناد، والمعاني قريبة من الإسناد الأول. (ج/ص: 3/699)
وفي مسند الإمام أحمد. الإصدار 2.04 - للإمام أحمد ابن حنبل
(2/110)
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال:
-كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته أي ملازم النار كما تحبس الجارية وأجهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يوما فقال لي يا بني إني قد شغلت ف بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون
قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم: أين أصل هذا الدين قالوا: بالشام قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله قال: فلما جئته قال: أي بني أين كنت ألم أكن عهدت إليك ما عهدت
(2/111)
قال: قلت: يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال: أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه قال: قلت: كلا والله إنه خير من ديننا قال: فخافني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى قال: فأخبروني بهم قال: فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين قالوا: الأسقف في الكنيسة قال: فجئته فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال: فادخل فدخلت معه قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء إكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا قالوا: وما علمك بذلك قال قلت: أنا أدلكم على كنزه قالوا: فدلنا عليه قال: فأريتهم موضعه قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه بمكانه
(2/112)
قال: يقول سلمان فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه قال فأحببته حبا لم أحبه من قبله وأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان فهو على ما كنت عليه فالحق به قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره قال: فقال لي: أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به
(2/113)
قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي قال: فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له: يا فلان إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه بمثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته قال: فإنه على أمرنا قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال: أقم عندي فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة قال: ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له: يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفي يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل
(2/114)
قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجارا فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا: نعم فأعطيتهموها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدا فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن تكون الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة فوالله إنني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذا أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال: فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت سأسقط على سيدي
قال: ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك ماذا تقول ماذا تقول قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال: ما لك ولهذا أقبل على عملك قال: قلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبت عما قال وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له: قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم قال: فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل
(2/115)
قال: فقلت في نفسي هذه واحدة ثم إنصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئت به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه قال: فقلت في نفسي هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قال: وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرته عرف إني أستثبت في شيء وصف لي قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس قال: فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أجيبها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمس عشرة والرجل بعشر يعني: الرجل بقدر ما عنده حتى إجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب إليه الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقي عليَّ المال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال: ما فعل الفارسي المكاتب قال: فدعيت له فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك يا(2/116)
سلمان فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما عليَّ قال: خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك قال: فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد.
كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
35387- عن عمرو بن العاص قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم واليا على عمان فأتيتها، فخرج إلي أساقفتهم ورهبانهم فقالوا: من أنت؟ فقلت: أنا عمرو بن العاص بن وائل السهمي رجل من قريش، قالوا: ومن بعثك؟ قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ومن هو؟ قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رجل منا قد عرفناه وعرفنا نسبه، قد أمرنا بمكارم الأخلاق ونهانا عن مساويها، وأمرنا أن نعبد الله وحده، قال: فصيروا أمرهم إلى رجل منهم فقال لي: هل به من علامة؟ قلت: نعم، لحم متراكب بين كتفيه يقال له خاتم النبوة، قال: فهل يأكل الصدقة؟ قلت: لا، قال: فهل يقبل الهدية؟ قلت: نعم، ويثيب عليها، قال: فكيف الحرب بينه وبين قومه؟ قلت: سجال، مرة له ومرة عليه. قال: فأسلم وأسلموا ثم قال لي: والله! لإن كنت صدقتني لقد مات في هذه الليلة، قلت: ما تقول؟ قال: والله! لئن كنت صدقتني لقد صدقتك، قال: فمكث أياما فإذا راكب قد أناخ يسأل عن عمرو بن العاص! فقمت إليه مفزوعا، فناولني كتابا فإذا عنوانه: من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن العاص، فأخذت الكتاب ودخلت البيت ففككته فإذا به:
بسم الله الرحمن الرحيم
من أبي بكر خليفة رسول الله إلى عمرو بن العاص
(2/117)
سلام عليك! أما بعد فإن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم حين شاء وأحياه ما شاء ثم توفاه حين شاء وقد قال في كتابه الصادق (إنك ميت وإنهم ميتون) وإن المسلمين قلدوني أمر هذه الأمة من غير إرادة مني ولا محبة، فأسأل الله العون والتوفيق! فإذا أتاك كتابي فلا تحلن عقالا عقله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعقلن عقالا حله رسول الله صلى الله عليه وسلم - والسلام.
فبكيت بكاء طويلا ثم خرجت عليهم فأعلمتهم فبكوا وعزوني، فقلت: هذا الذي ولينا بعده، ما تجدونه في كتابكم؟ قال: يعمل بعمل صاحبه اليسير ثم يموت، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يليكم قرن الحديد فيملأ مشارق الأرض ومغاربها قسطا وعدلا، لا يأخذه في الله لومة لائم ثم ماذا؟ قال: ثم يقتل قلت يقتل؟ قال: إي والله يقتل، قلت: ومن ملأ أم من غيلة (غيلة: الغيلة - بالكسر - الاغتيال. يقال: قتله غيلة، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فيقتله فيه.انتهى.ص 383 المختار. ب)؟ قال: بل من غيلة، فكانت أهون علي، قلت. ثم ماذا؟... وانقطع من كتاب الشيخ.
(كر).
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:21 PM
الجامع لأحكام القرآن، الإصدار 1.55 - للإمام القرطبي
الآية : 146 {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}
(2/118)
قوله تعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" "الذين" في موضع رفع بالابتداء والخبر "يعرفونه". ويصح أن يكون في موضع خفض على الصفة "للظالمين"، و"يعرفون" في موضع الحال، أي يعرفون نبوته وصدق رسالته، والضمير عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما. وقيل: "يعرفون" تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة أنه حق، قال ابن عباس وابن جريج والربيع وقتادة أيضا. وخص الأبناء في المعرفة بالذكر دون الأنفس وإن كانت ألصق لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه. وروي أن عمر قال لعبدالله بن سلام: أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك؟ فقال: نعم وأكثر، بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته، وابني لا أدري ما كان من أمه.
صحيح البخاري، الإصدار 2.03 - للإمام البخاري
19 - باب: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق - إلى قوله - فلا تكونن من الممترين} /146، 147/
[ش (يعرفونه..) أي يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم معرفة جلية، لا تلتبس على أحدهم، كما لا يلتبس عليه أبناؤه من أبناء غيره. (فريقا منهم) بعض أحبارهم ورهبانهم العالمين بصفاته صلى الله عليه وسلم المذكورة في كتبهم. (ليكتمون الحق) يخفونه عنادا وحسدا. (إلى قوله) وتتمتها: {وهم يعلمون. الحق من ربك..} أي إن الحق هو ما ثبت أنه من عند الله تعالى. (الممترين) الشاكين في أحقية ما جاءك من الله تعالى، وأن هؤلاء يعلمون الحقيقة ويكتمونها]
البداية والنهاية، الإصدار 2.06 - للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي.
(2/119)
قال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن يحيى بن عبد الله، عن رجل من آل عبد الله بن سلام قال: كان من حديث عبد الله بن سلام حين أسلم - وكان حبراً عالماً - قال: لما سمعت برسول الله وعرفت صفته واسمه وهيئته وزمانه الذي كنا نتوكف له، فكنت بقباء مسراً بذلك صامتاً عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما قدم نزل بقباء في بني عمرو بن عوف. فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كَّبرتُ، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري: لو كنت سمعت بموسى بن عمران مازدت.
قال: قلت لها: أي عمه، والله هو أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به.
قال: فقالت له: يا ابن أخي أهو الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟
قال: قلت لها: نعم !
قالت: فذاك إذاً. (ج/ص: 3 /258)
قال: فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا وكتمت إسلامي من اليهود وقلت: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك فتغيبني عنهم، ثم تسألهم عني فيخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي، فإنهم إن يعلموا بذلك بهتوني وعابوني، وذكر نحو ما تقدم.
قال: فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها.
…….وذكر موسى بن عقبة، عن الزهري: أن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب إليه وسمع منه وحادثه، ثم رجع إلى قومه فقال: يا قوم أطيعونِ فإن الله قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه فانطلق أخوه حيي بن أخطب – وهو يومئذ سيد اليهود، وهما من بني النضير – فجلس إلى رسول الله وسمع منه، ثم رجع إلى قومه – وكان فيهم مطاعاً – فقال: أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدواً أبداً.
(2/120)
فقال له أخوه أبو ياسر: يا ابن أم أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعده لا تهلك.
قال: والله لا أطيعك أبداً، واستحوذ عليه الشيطان واتبعه قومه على رأيه.
قلت: أما أبو ياسر واسمه وأما حيي بن أخطب فلا أدري ما آل إليه أمره، وأما حيي بن أخطب والد صفية بنت حيي فشرب عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يزل ذلك دأبه لعنه الله حتى قتل صبراً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل مقاتلة بني قريظة كما سيأتي، إن شاء الله."انتهى كلام البداية والنهاية…
السيرة النبوية، الإصدار 2.02 - لابن هشام
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت : كنت أحب ولد أبي إليه ، وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ونزل قباء ، في بني عمرو بن عوف ، غدا عليه أبي ، حيي بن أخطب ، وعمي أبو ياسر بن أخطب ، مغلسين . قالت : فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس .
قالت : فأتيا كالَّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى . قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما ، مع ما بهما من الغم . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر ، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال : نعم والله ؛ قال : أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم ؛ قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ما بقيت .
معجم الطبراني الكبير، الإصدار 1.05 - للإمام الطبراني
(2/121)
حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان بعيني صفية خضرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الخضرة بعينيك فقالت قلت لزوجي اني رأيت فيما يرى النائم قمرا وقع في حجري فلطمني وقال أتريدين ملك يثرب قالت وما كان أبغض إلي من رسول الله قتل أبي وزوجي فما زال يعتذر إلي فقال يا صفية ان أباك ألب على العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذاك من نفسي (24/ 68)
مجمع الزوائد. الإصدار 2.05 - للحافظ الهيثمي
13897- وعن كرز بن علقمة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران، منهم أربعة وعشرون من أشرافهم، والأربعة والعشرون منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم، العاقب: أمير للقوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره، واسمه عبد المسيح، والسيد: عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارستهم، وكان أبو حارثة قد شرف فيهم حتى حسن علمه في دينهم، وكانت ملوك النصرانية قد شرفوه وقبلوه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم من اجتهاده في دينهم، فلما وجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران، جلس أبو حارثة على بغلة له موجهاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جنبه أخ له يقال له: كرز بن علقمة يسائله إذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال كرز: تعس الأبعد. يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بل أنت تعست. قال: ولم يا أخ؟ قال: والله إنه النبي الذي كنا ننتظر. قال له كرز: ما يمنعك وأنت تعلم
ص.433
هذا؟ قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم، شرفونا وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه، ولو قد فعلت نزعوا منا كل ما ترى. وأضمر عليها أخوه كرز بن علقمة، يعني: أسلم بعد ذلك.
رواه الطبراني في الأوسط، وفيه بريدة بن سفيان وهو ضعيف.
تحفة الأحوذي، الإصدار 1.07 - للمباركفوري
(2/122)
3108 ـ حدثنا الْحَسَنُ بنُ مُحمّدٍ الزّعْفَرَانيّ أخبرنا الحَجّاجُ بنُ محمدٍ قالَ: قالَ ابنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابنُ أبي مُلَيْكَةَ أَنّ حُمَيْدَ بنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنّ مَرْوَانَ بنَ الْحَكَمِ قَالَ: "اذْهَبْ يَا رَافِعُ ـ لَبوّابِهِ ـ إِلَى ابنِ عَبّاسٍ، فَقُلْ لَهُ لَئِنْ كَانَ كُلّ امرئ فَرِحَ بِمَا أُوْتِيَ وَأَحَبّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذّباً لَنُعَذّبَنّ أَجْمَعونَ، فَقَالَ ابنُ عَبّاسٍ مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الاَيَةِ إِنّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ فِي أَهْلِ الكِتَابِ، ثُمّ تَلاَ ابنُ عَبّاسٍ {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الّذِينَ أُوْتُوا الكِتَابَ لِتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ ولا تكتمونه} وَتَلاَ {لاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}. قالَ ابنُ عَبّاسٍ: سَأَلَهُمْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن شَيْء فَكَتَمُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا قد سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ وفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتَابِهِمْ، وَمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
ـ قوله: (أخبرنا أبو داود الطيالسي) اسمه هشام بن عبد الملك الطيالسي (حدثنا يزيد بن إبراهيم) التستري بضم المثناة الأولى وسكون المهملة وفتح المثناة الثانية ثم راء نزيل البصرة أبو سعيد ثقة ثبت إلا في روايته عن قتادة ففيها لين من كبار السابعة.
(2/123)
قوله: (عن هذه الاَية) {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات} إلى آخر الاَية بقية الاَية {هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمناّ به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} قال الحافظ: قيل المحكم من القرآن ما وضح معناه والمتشابه نقيضه، وسمي المحكم بذلك لوضوح مفردات كلامه وإتقان تركيبه بخلاف المتشابه، وقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل السور، وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال أخر غير هذه نحو العشرة ليس هذا موضع بسطها وما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصواب، وذكر الأستاذ أبو منصور البغدادي أن الاَخير هو الصحيح عندنا وابن السمعاني أنه أحسن الأقوال والمختار على طريقة أهل السنة، وعلى القول الأول جرى المتأخرون انتهى. وقوله تعالى: {هن أم الكتاب} أي هن أصل الكتاب الذي يعول عليه في الأحكام ويعمل به في الحلال والحرام. فإن قيل كيف قال هن أم الكتاب ولم يقل هن أمهات الكتاب، يقال لأن الاَيات في اجتماعها وتكاملها كالاَية الواحدة وكلام الله كله شيء واحد، وقيل إن كل آية منهن أم الكتاب كما قال {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} يعني أن كل واحد منهما أية. فإن قيل قد جعل الله الكتاب هنا محكماً ومتشابهاً وجعله في موضع آخر كله محكماً فقال في أول هود: {الر كتاب أحكمت آياته} وجعله موضع آخر كله متشابهاً فقال تعالى في الزمر: {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً} فكيف الجمع بين هذه الاَيات؟ يقال حيث جعله كله محكماً أراد أنه كله حق وصدق ليس فيه عبث ولا هزل، وحيث جعله كله متشابهاً أراد أن بعضه يشبه بعضاً في الحسن والحق والصدق، وقوله فأما الذين في قلوبهم زيغ أي ميل عن الحق وقيل الزيغ(2/124)
الشك، وقوله فيتبعون ما تشابه منه أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم، ولهذا قال تعالى: {ابتغاء الفتنة} أي الإضلال لأتباعهم لأنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لأنهم كما قالوا احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه} وبقوله {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} وغير ذلك من الاَيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله. وقوله تعالى: {وابتغاء تأويله} أي تحريفه على ما يريدون. وقوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله} اختلف القراء في الوقف ههنا فقيل على الجلالة وهو قول ابن عباس ويروى هذا القول عن عائشة وعروة وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم واختار ابن جرير هذا القول، ومنهم من يقف على قوله والراسخون في العلم، وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول وقالوا الخطاب بما لا يفهم بعيد. ومن العلماء من فصل في هذا المقام وقال التأويل يطلق ويراد به في القرآن معنيان أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه ومنه قوله تعالى: {وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله عز وجل، ويكون قوله {والراسخون في العلم} مبتدأ {ويقولون آمناً به} خبره. وأما إن أريد بالتأويل المعنى الاَخر وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله {نبئنا بتأويله} أي بتفسيره فإن أريد به المعنى فالوقف على {والراسخون في العلم} لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار وإن لم يحيطوا علماً بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه. وعلى هذا فيكون قوله {يقولون آمناً(2/125)
به} حال منهم وساغ هذا وأن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه كقوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} أي وجاء الملائكة صفوفاً صفوفاً، وقوله إخباراً عنهم أنهم يقولون آمناً به أي المتشابه. وقوله {كل من عند ربنا} أي الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق وكل منهما يصدق الاَخر ويشهد له لأن الجميع من عند الله وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد (فأولئك الذين سماهم الله) أي أهل الزيغ أو زائغين بقوله في قلوبهم زيغ (فاحذروهم) أي لا تجالسوهم ولا تكالموهم أيها المسلمون. والمقصود التحذير من الإصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه من القرآن. وأول ما ظهر ذلك من اليهود كما ذكره ابن إسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وأن عددها بالجمل مقدار مدة هذه الأمة، ثم أول ما ظهر في الإسلام من الخوارج حتى جاء عن ابن عباس أنه فسر بهم الاَية، وقصة عمر في إنكاره على ضبيع لما بلغه أنه يتبع المتشابه فضربه على رأسه حتى أدماه أخرجها الدارمي وغيره.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه.
قوله: (قال لما نزلت هذه الاَية) أي المسماة بآية المباهلة {ندع أبناءنا وأبناءكم} الخ الاَية بتمامها مع تفسيرها هكذا فمن حاجك فيه أي فمن جادلك في عيسى وقيل في الحق {من بعد ما جاءك من العلم} يعني بأن عيسى عبد الله ورسوله {فقل تعالوا أي هلموا ندع أبناءنا وأبناءكم} أي يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل أي نتضرع في الدعاء فنجعل لعنة الله على الكاذبين بأن تقول اللهم العن الكاذب في شأن عيسى (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً) فنزله منزلة نفسه لما بينهما من القرابة والأخوة (وفاطمة) أي لأنها أخص النساء. من أقاربه (وحسناً وحسيناً) فنزلهما بمنزلة ابنيه صلى الله عليه وسلم (فقال اللهم هؤلاء أهلي) .
(2/126)
قال المفسرون: لما أورد رسول الله صلى الله عليه وسلم الدلائل على نصارى نجران ثم أنهم أصروا على جهلهم قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم. فقالوا يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك، فلما رجعوا قالوا للعاقب. وكان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى؟ قال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لكان الاستئصال، فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج وعليه صلى الله عليه وسلم مرط من شعر أسود، وكان صلى الله عليه وسلم قد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه صلى الله عليه وسلم وعلى رضي الله عنه خلفها وهو يقول: إذا دعوت فأمنوا. فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو دعت الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا نبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. ثم قالوا يا أبا القاسم: رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرك على دينك، فقال صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين، فأبو فقال صلى الله عليه وسلم فإني أناجزكم فقالوا ما لنا بحرب العرب المسلمين طاقة، ولكن نصالحك أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة، ألفاً في صفر، وألفاً في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك. قال صلى الله عليه وسلم. والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأُضطرم عليهم الوادي ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا.
(2/127)
قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه مسلم مطولاً، وكذا أخرجه الترمذي مطولاً في مناقب علي.
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:23 PM
سُنَنُ أبي دَاوُد، الإصدار 2.02 - للإمامِ أبي دَاوُد
3204- حدثنا القعنبي قال: قرأت على مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعى للناس النَّجاشيَّ في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المُصَلّى فصفَّ بهم وكبر أربع تكبيرات.
3205- حدثنا عباد بن موسى، ثنا إسماعيل -يعني: ابن جعفر- عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه قال:
أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننطلق إلى أرض النجاشي فذكر حديثه.
قال النجاشيُّ: أشهد أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه.
مسند الإمام أحمد. الإصدار 2.04 - للإمام أحمد ابن حنبل
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن محمد بن إسحق حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي عن أم سلمة ابنة أبي أمية ابن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
(2/128)
-لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي آمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا الى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا النجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة وكان من أعجب ما يأتيه منها اليه الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وأمروهما أمرهم وقالوا لهما: ادفعوا الى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا للنجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم اليكم قبل أن يكلمهم قالت: فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جار فلم يبقى من بطارقته بطريق إلا دفعا اليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد صبا الى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا الى الملك فيهم أشراف قومهم لتردهم اليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم الينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما: نعم ثم إنهما قربا هداياهم الى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا له: أيها الملك إنه قد صبا الى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا اليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه قالت: ولم يكن شيء أبغض الى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم اليهما فليرداهم الى بلادهم وقومهم قال: فغضب النجاشي ثم قال: لا ها الله أيم الله إذا لا أسلمهم اليهما ولا أكاد(2/129)
قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم اليهما ورددتهم الى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني قالت: ثم أرسل الى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن فلما جاؤوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام
(2/130)
قال: فعدد عليه أمور الاسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا الى عبادة الأوثان من عبادة الله وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا الى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء قالت: فقال له جعفر: نعم فقال له النجاشي: فاقرأه علي فقرأ عليه صدرا من كهيعص قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فوالله لا أسلمهم اليكم أبدا ولا أكاد قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لأنبئنهم غدا عيبهم عندهم ثم أستأصل به خضراهم قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد قالت: ثم غدا عليه الغد فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل اليهم فاسألهم عما يقولون فيه قالت: فأرسل اليهم يسألهم عنه قالت: ولم ينزل بنا مثله فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا: نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها الى مريم العذراء البتول قالت: فضرب النجاشي يده الى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال(2/131)
فقال: وإن نحرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم الآمنون من سبكم غرم ثم من سبكم غرم فما أحب أن لي ديرا ذهبا وأني آذيت رجلا منكم والدير بلسان الحبشة الجعل ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار قالت: فوالله إنا على ذلك إذ نزل به يعني من ينازعه في ملكه قالت: فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه قالت: وسار النجاشي وبينهما عرض النيل قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا قالت: وكان من أحدث القوم سنا قال: فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده واستوسق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة.
(حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما)
مسند الإمام أحمد. الإصدار 2.04 - للإمام أحمد ابن حنبل
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن عطاء ابن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه موت النجاشي قال:
-صلوا على أخ لكم مات بغير بلادكم قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال جابر فكنت في الصف الثاني أو الثالث قال وكان اسمه أصحمة.
مسند الإمام أحمد. الإصدار 2.04 - للإمام أحمد ابن حنبل
(2/132)
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن أبي إسحق قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي عن أبي حبيب بن أبي أوس قال حدثني عمرو بن العاص من فيه قال:
(2/133)
-لما انصرفنا من الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون مكاني ويسمعون مني فقلت لهم تعلمون والله إني لأرى أمر محمد يعلوا الأمور علوا كبيرا منكرا وإني قد رأيت رأيا فما ترون فيه قالوا وما رأيت قال رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإن أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرف فلن يأتينا منهم إلا خير فقالوا إن هذا الرأي فقلت لهم فاجمعوا له ما نهدي له وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدما كثيرا فخرجنا حتى قدمنا عليه فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضمري وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه قال فدخل عليه ثم خرج من عنده قال فقلت لأصحابي هذا عمرو بن أمية الضمري لو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد قال فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع فقال مرحبا بصديقي أهديت لي من بلادك شيئا قال قلت نعم أيها الملك قد أهديت لك أدما كثيرا قال ثم قدمته إليه فأعجبه واشتهاه ثم قلت له أيها الملك إني قد رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا فأعطينيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا قال فغضب ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ثم قلت أيها الملك والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه فقال له أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله قال قلت أيها الملك أكذلك هو فقال ويحك يا عمرو أطعني واتبعه فإنه والله لعلى حق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده قال قلت فبايعني له على الإسلام قال نعم فبسط يده وبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه وكتمت أصحابي إسلامي ثم خرجت عامدا لرسول(2/134)
الله صلى الله عليه وسلم لأسلم فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح وهو مقبل من مكة فقلت أين يا أبا سليمان قال والله لقد استقام المنسم إن الرجل لنبي اذهب والله أسلم فحتى متى قال قلت والله ما جئت إلا لأسلم قال فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ثم دنوت فقلت يا رسول الله إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي ولا أذكر وما تأخر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله وإن الهجرة تجب ما كان قبلها قال فبايعته ثم انصرفت قال ابن إسحق وقد حدثني من لا أتهم أن عثمان ابن طلحة بن أبي طلحة كان معهما أسلم حين أسلما.
كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
35358- عن ابن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر: يا رسول الله! إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا، قال: أتحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملؤا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.
(البزار وابن جرير وجعفر الفريابي في دلائل النبوة وابن خزيمة، حب، ك وأبو نعيم، ق معا في الدلائل، ص).
كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
(2/135)
35359- عن عمر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك أصابنا جوع شديد فقلنا: يا رسول الله! إن العدو قد حضروهم شباع والناس جياع، فقالت الأنصار: ألا ننحر نواضحنا فنطعمها الناس؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، بل يجيء كل رجل منكم بما في رحله - وفي لفظ: من كان معه فضل طعام فليجيء به وبسط نطعما فجعل الرجل يجيء بالمد والصاع وأكثر وأقل، فكان جميع ما في الجيش بضعا وعشرين صاعا، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ودعا بالبركة؛ ثم دعا الناس فقال: بسم الله خذوا ولا تنتبهوا، فجعل الرجل يأخذ في جرابه وفي غرارته، وأخذوا في أوعيتهم، حتى أن الرجل ليربط كم قميصه فيملؤه، ففرغوا والطعام كما هو، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يأتي بهما عبد محق إلا وقاه الله حر النار.
(ابن راهويه والعدني، ع والحاكم في الكنى وجعفر الفريابي في دلائل النبوة).
المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري.
6770/2368- فحدثني أبو عبد الله الأصبهاني، حدثنا الحسن بن مصقلة، حدثنا الحسين بن الفرج، حدثنا محمد بن عمر قال:
وأم حبيبة اسمها: رملة بنت أبي سفيان بن حرب، وأمها: صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، عمة عثمان بن عفان.
تزوجها عبيد الله بن جحش بن رباب، حليف حرب بن أمية، فولدت له حبيبة، فكنيت بها.
وتزوج حبيبة: داود بن عروة بن مسعود الثقفي.
قال ابن عمر:
حدثنا عبد الله بن عمرو بن زهير، عن إسماعيل بن عمرو بن سعد بن العاص قال:
قالت أم حبيبة: رأيت في المنام كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة، وأشوهه ؛ ففزعت.
فقلت: تغيرت والله حاله.
فإذا هو يقول حين أصبح: يا أم حبيبة، إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمد، ثم رجعت إلى النصرانية.
فقلت: والله ما خير لك.
(2/136)
وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له، فلم يحفل بها، وأكب على الخمر حتى مات.
فأرى في النوم كأن آتيا يقول لي:
يا أم المؤمنين.
ففزعت، وأولتها أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يتزوجني.
قالت: فما هو إلا أن انقضت عدتي، فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له يقال لها: أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلت علي.
فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كتب إليّ أن أزوجك.
فقلت: بشّرك الله بخير.
وقالت: يقول لك الملك: وكلي من يزوجك.
فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص، فوكلته، وأعطت أبرهة سوارين من فضة، وخدمتين كانتا في رجليها، وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها سروراً بما بشرتها به.
فلما كان العشي، أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين، فحضروا.
فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم -صلَّى الله عليه وسلم-، أما بعد:
فإن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، وقد أصدقتها أربعمائة دينار.
ثم سكب الدنانير بين يدي القوم.
فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأستنصره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، أما بعد:
فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسوله، ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد، فقبضها.
ثم أرادوا أن يقوموا فقال:
اجلسوا، فإن سنة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إذا تزوجوا أن يؤكل الطعام على التزويج.
فدعا بطعام، فأكلوا، ثم تفرقوا.
(2/137)
قالت أم حبيبة: فلما وصل إليّ المال، أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني.
فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ، ولا مال بيدي، وهذه خمسون مثقالاً، فخذيها، فاستعيني بها.
فأخرجت إلي حقة، فيها جميع ما أعطيتها، فردته إليّ.
وقالت: عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئاً، وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه، وقد اتبعت دين رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، وأسلمت لله ؛ وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر.
فلما كان الغد، جاءتني بعود، وورس، وعنبر، وزباد كثير.
وقدمت بذلك كله على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، وكان يراه عليّ وعندي فلا ينكر.
ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مني السلام، وتعلميه أني قد اتبعت دينه.
قالت: ثم لطفت بي، وكانت هي التي جهزتني.
وكانت كلما دخلت علي تقول: لا تنسي حاجتي إليك.
قالت: فلما قدمنا على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أخبرته كيف كانت الخطبة، وما فعلت بي أبرهة.
فتبسم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، وأقرأته منها السلام.
فقال: (وعليها السلام ورحمة الله وبركاته). (ج/ص: 4/ 23)
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:25 PM
إخباره صلى الله عليه وسلم بالفتوحات التي تتم بعد وفاته…وكلها قد تحقق فعلا…
772- إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا؛ فإن لهم ذمة ورحما
التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن كعب بن مالك
تصحيح السيوطي: صحيح-الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي
1665- إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها.
(حم م) عن أبي ذر-زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي
4669- ستفتحون منابت الشيح
[(الشيح": نبت، كما في القاموس).
(2/138)
أشار به إلى أنه سيفتح الله لهم من البلاد الشاسعة والأقطار النائية، ويقيض لهم من الغلبة على الأقاليم وإن بعدت، مما يظهر به الدين وينشرح له صدور المؤمنين]ـ
التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير عن معاوية
تصحيح السيوطي: ضعيف -الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي
7227- لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش
التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك عن بشر الغنوي
تصحيح السيوطي: صحيح- الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي
7250- لعلكم ستفتحون بعدي مدائن عظاما، وتتخذون في أسواقها مجالس، فإذا كان ذلك فردوا السلام، وغضوا من أبصاركم، واهدوا الأعمى، وأعينوا المظلوم
التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير عن وحشي
تصحيح السيوطي: حسن -الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي
509- إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم قيل: نكون كما أمر الله قال: أو غير ذلك تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض.
(م ه) عن ابن عمرو-زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي
(2/139)
39612- عن عبد الله بن حوالة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا على أقدامنا حول المدينة لنغنم، فقدمنا ولم نغنم شيئا، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بنا من الجهد قال: اللهم! لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى الناس فيهونوا عليهم ويستأثروا عليهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولكن توحد بأرزاقهم ثم قال: لتفتحن لكم الشام ثم لتقسمن لكم كنوز فارس والروم وليكونن لأحدكم من المال كذا وكذا حتى أن أحدكم ليعطى مائة دينار فيسخطها، ثم وضع يده على رأسي فقال: يا ابن حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت في الأرض المقدسة فقد أتت الزلازل والبلابل والفتن والأمور العظام، والساعة أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك.
(يعقوب بن سفيان، كر-كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
10140-وعن ابن عباس قال: احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هل دللتم على أحد يطعمنا أكلة؟". قال رجل: نعم قال: "أما لا فتقدم فدلنا عليه". فانطلقوا إلى رجل فإذا هو في الخندق يعالج نصيبه منه فأرسلت امرأته أن جئ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتانا فجاء الرجل يسعى فقال: بأبي وأمي وله معزة ومعها جديها فوثب إليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الجدي من ورائنا" فذبح الجدي وعمدت امرأته إلى طحينة لها فعجنتها وخبزت وأدركت [القدر] وثردت [قصعتها] فقربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعه فيها فقال: "بسم الله اللهم بارك فيها اللهم بارك فيها اطعموا". فأكلوا منها حتى صدروا ولم يأكلوا منها إلا ثلثها وبقي ثلثاها، فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه: أن اذهبوا وسرحوا إلينا بعدتكم ص.191
(2/140)
فذهبوا وجاء أولئك العشرة مكانه فأكلوا منها حتى شبعوا ثم قام ودعا لربة البيت وشمت عليها وعلى أهلها ثم مشوا إلى الخندق فقال: "اذهبوا بنا إلى سلمان". وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "دعوني فأكون أول من ضربها". فقال: "بسم الله" فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال: "الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة". ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال: "الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة". فقال عندها المنافقون: نحن نخندق [على أنفسنا] وهو يعدنا قصور فارس والروم.
رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل ونعيم العنبري وهما ثقتان. -مجمع الزوائد. الإصدار 2.05 - للحافظ الهيثمي
فتح الباري، شرح صحيح البخاري، الإصدار 2.05 - للإمام ابن حجر العسقلاني
(2/141)
الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ قَالَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ قَالَ عَدِيٌّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ(2/142)
الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ سَمِعْتُ عَدِيًّا كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3340- تفتح لكم أرض الأعاجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها "الحمامات" فلا يدخلها الرجال إلا بإزار، وامنعوا النساء أن يدخلنها إلا مريضة أو نفساء
التخريج (مفصلا): ابن ماجة عن ابن عمر
تصحيح السيوطي: حسن -الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي
8309/17- حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا هارون بن سليمان الأصبهاني، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب:
أن ابن زغب الأيادي حدثه قال:
نزلت على عبد الله بن حوالة الأزدي.
فقال لي ؛ وإنه لنازل علي في بيتي: لا أم لك، أما يكفي ابن حوالة مائة يجري عليه في كل عام؟
ثم قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حول المدينة على أقدامنا لنغنم، فرجعنا ولم نغنم، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا خطيبا.
فقال: (اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم).
ثم قال: (لتفتحن الشام وفارس -أو: الروم وفارس-، حتى يكون لأحدكم من الإبل كذا وكذا، ومن البقر كذا وكذا، حتى يعطى أحدكم مائة دينار فيسخطها).
ثم وضع يده على رأسي -أو: على هامتي-.
(2/143)
فقال: (يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل، والبلايا، والأمور العظام، الساعة يومئذ أقرب للناس من يدي هذه من رأسك).
هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
و عبد الرحمن بن زغب الأيادي: معروف في تابعي أهل مصر. (ج/ص: 4/ 472) -المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري.
40810- إن الله تعالى جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عصيا، كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها، خذوا فوالذي نفسي بيده لتفتحن عليكم أرض فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر اسم الله عز وجل.
(ق عن عبد الله بن بسر). -كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
2399- لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض.
(م) عن جابر بن سمرة-زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي
35752- عن الحسن أن عمر بن الخطاب أتي بفروة كسرى ابن هرمز فوضعت بين يديه، وفي القوم سراقة بن مالك فأخذ عمر سواريه فرمى بهما إلى سراقة، فأخذهما فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه، فقال: الحمد لله! سواري كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك بن جشعم أعرابي من بني مدلج، ثم قال: اللهم! إني قد علمت أن رسولك قد كان حريصا على أن يصيب مالا ينفقه في سبيلك وعلى عبادك فزويت عنه ذلك نظرا منك وخيارا، اللهم! إني قد علمت أن أبا بكر كان يحب مالا ينفقه في سبيلك وعلى عبادك فزويت عنه ذلك، اللهم! إني أعوذ بك أن يكون هذا مكر منك بعمر، ثم تلاها (أيحسبون أنما نمدهم به من مال) الآية.
(عبد ابن حميد وابن المنذر، ق، كر). -كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
(2/144)
4110 - (د) في الأدب (عن سراقة) بضم المهملة وفتح الراء وبالقاف (ابن مالك) بن جعشم بضم الجيم وسكون المهملة الكناني [ص 499] بنونين الندي قال له المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كيف بك إذا لبست سواري كسرى فلبسهما زمن عمر وفيه أيوب بن سويد بن مسعود الحميري ضعفه ابن معين وغيره. -فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2.12 - للإمامِ المناوي
4271- يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال: فيكم من صاحب الرسول فيقولون: نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من صاحب أصحاب الرسول؟ فيقولون: نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب الرسول؟ فيقولون: نعم فيفتح لهم.
(حم ق) عن أبي سعيد-زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي
إخباره بالغيب صلى الله عليه وسلم: فيما يحصل بعد وفاته وفي آخر الزمان، وهي كثيرة جدا، مثل الإخبار عن فتن آخر الزمان، وخروج المسيح الدجال، ونزول عيسى بن مريم، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وبقية علامات الساعة الصغرى والكبرى…وهذه الأخبار لا يستطيع أن يقولها إلا نبي مرسل…ومن أراد أن يطلع على جميع هذا الأحاديث فإنه يجدها في كتب الأحاديث في أبواب الفتن وعلامات الساعة وما يحصل آخر الزمان من حوادث وغير ذلك من الأبواب التي تختص بهذه الأخبار…وسوف نقتصر هنا على عدة أحاديث تحقق بعضها عيانا وعرفه الناس…
415- إذا رأيت الأمة ولدت ربتها ورأيت أصحاب البنيان يتطاولون بالبنيان ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس فذلك من معالم الساعة وأشراطها.
(حم) عن ابن عباس-زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي
صحيح مسلم. الإصدار 2.06 - للإمام مسلم
(2/145)
عن عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب. شديد سواد الشعر. لا يرى عليه أثر السفر. ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فاسند ركبتيه إلى ركبتيه. ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة. وتصوم رمضان. وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت. قال فعجبنا له. يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: "أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه، فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة. قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أمارتها. قال: "أن تلد الأمة ربتها. وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان". قال ثم انطلق. فلبثت مليا. ثم قال لي: "يا عمر! أتدري من السائل؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".
فتح الباري، شرح صحيح البخاري، الإصدار 2.05 - للإمام ابن حجر العسقلاني
(2/146)
الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح و حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ
15111- إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة ثم يكون رحمة وخلافة ثم كائن ملكا عضوضا (عضوضا: أي يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا. والعضوض: أبنية المبالغة. النهاية (3/253))، ثم كائن عتوا وجبرية (جبرية: في الحديث (ثم يكون ملك وجبروت) أي عتو وقهر. يقال: جبار بين الجبروة، والجبرية والجبروت. النهاية (1/236) ب) وفسادا في الأرض يستحلون الحرير والفروج، والخمور ويرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله عز وجل.
(طب) وأبو نعيم في المعرفة عن أبي ثعلبة الخشني عن معاذ وأبي عبيدة بن الجراح. -كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي
3945 - خمس بخمس: ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر
(2/147)
["وأخذوا بالسنين": قال في الفردوس: يقال لعام القحط والمجاعة "سنة".
"القطر": المطر]ـ
التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير عن ابن عباس
تصحيح السيوطي: صحيح-الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي
5045- صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات [وفي رواية مسلم: "مميلات مائلات"]ـ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا
["كاسيات عاريات": كاسيات في الحقيقة، عاريات في المعنى لأنهن يلبسن ثيابا رقاقا يصفن البشرة. أو كاسيات من لباس الزينة، عاريات من لباس التقوى. أو كاسيات من نعم الله، عاريات من شكرها. أو كاسيات من الثياب، عاريات من فعل الخير. أو يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهارا للجمال (كما هو الحال في عصرنا). (ولا يمنع قصد جميع المعاني هنا وفيما بعده، حيث يناسب ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 1166 وغيره: أعطيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارا. دار الحديث).
"مائلات": أي زائغات عن الطاعة.
"مميلات": يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن.
أو مائلات متبخترات في مشيتهن، مميلات أكتافهن وأكفالهن.
أو مائلات يتمشطن المشطة الميلاء، مشطة البغايا، مميلات يرغبن غيرهن في تلك المشطة ويفعلنها بهن.
أو مائلات للرجال، مميلات قلوبهم إلى الفساد بهن بما يبدين من زينتهن.
"رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة": أي يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم يلففنها على رؤوسهن (أو بأزياء الشعر التي ظهرت في قرننا) حتى تشبه أسنمة الإبل (أي القمم على ظهورها. وهذا حكمه حكم التجمل العادي، فالمقصود هنا اللاتي يبدين ذلك لمن لا يحل له رؤيته، أما إذا لم يرتكب من تجمل المرأة محظور فهو مباح أو سنة، بحسب الظروف. دار الحديث؟؟).
(2/148)
"مسيرة كذا وكذا": كناية عن خمسمائة عام، أي يوجد من مسيرة خمسمائة عام، كما جاء مفسرا في رواية أخرى.]ـ
التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن أبي هريرة
تصحيح السيوطي: صحيح-الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:28 PM
إخباره صلى الله عليه وسلم بمشاهد يوم القيامة:
الأحاديث النبوية المشرفة:
- [أحضروا أمواتكم ولقنوهم لا إله إلا الله وبشروهم بالجنة فإن الحليم من الرجال والنساء يتحير عند ذلك المصرع وإن الشيطان أقرب ما يكون من ابن آدم عند ذلك المصرع والذي نفسي بيده لمعاينة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف والذي نفسي بيده لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يتألم كل عرق منه على حياله.]
(حل) عن واثلة. زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي…138
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[لا إله إلا الله إن للموت سكرات.]
(حم خ) عن عائشة. زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي..3513
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله.]
(حم، ق (أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الرقاق باب سكرات الموت (5/135/134). ص)، ت، ن - عن أنس). كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي…42687
(2/149)
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى سماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت
(2/150)
فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي .وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فيفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمي بها في الدنيا حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ لا تفتح لهم أبواب السماء فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسان فيقولان له: من ربك فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجىء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث فيقول: رب لا تقم الساعة.
(حم د وابن خزيمة ك هب والضياء) عن البراء.
(2/151)
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[أدنى جبذات الموت بمنزلة مائة ضربة بالسيف]
التخريج (مفصلا): ابن أبي الدنيا ذكر الموت عن الضحاك بن حمزة مرسلا- 325-
تصحيح السيوطي- التصحيح غير موجود.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه]
(حم ت ك) عن أبي….زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي-4102
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت؛ فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه]
["هاذم" معناه قاطع، وهادم معناه مزيل الشيء من أصله]ـ
التخريج (مفصلا): ابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة، البزار عن أنس
تصحيح السيوطي: صحيح- الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي-1400-
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى، الموت. فأكثروا ذكر هاذم اللذات، الموت، فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة، وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب، وأنا بيت الدود. فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحبا، وأهلا، أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي، فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك، فيتسع له مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة. وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر: لا مرحبا، ولا أهلا، أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك، فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه، وتختلف أضلاعه ويقيض له سبعون تنينا لو أن واحد منهم نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت في الدنيا، فينهشنه ويخدشنه حتى يفضى به إلى الحساب. إنما القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار]
(2/152)
["هاذم" معناه قاطع، وهادم معناه مزيل الشيء من أصله]ـ
التخريج (مفصلا): الترمذي عن أبي سعيد
تصحيح السيوطي: حسن- الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي-1598-
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، ودابة الأرض، والدجال، وخويصة أحدكم، وأمر العامة
["خويصة": تصغير "خاصة"، والمراد حادثة الموت التي تخص الإنسان، وصغرت لاستصغارها في جنب ما يأتي بعدها.
"أمر العامة": الأمر الذي يستبد به العوام]ـ
التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن أبي هريرة
تصحيح السيوطي: صحيح –الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي- 3119 –
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لم يلق ابن آدم شيئا قط منذ خلقه الله أشد عليه من الموت، ثم إن الموت لأهون مما بعده]
التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده عن أنس -تصحيح السيوطي: ضعيف-الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-7367
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عدد آنية الحوض كعدد نجوم السماء
التخريج (مفصلا): أبو بكر بن أبي داود في البعث عن أنس
تصحيح السيوطي: حسن ….الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-5406
– قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، أكاويبه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين: الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم السدد، الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون الذي لهم.]
["إن حوضي": أي إن مسافته.
"أكاويبه": جمع كوب.
"لا تفتح لهم السدد": الأبواب ومثلها.
"لا يعطون الذي لهم": لا يعطيهم الناس حقهم لضعفهم]ـ
التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن ثوبان
تصحيح السيوطي: صحيح-
(2/153)
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي-2267
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما سألتهما - يعني أبويه - ربي فيعطيني فيهما، وإني لقائم يومئذ المقام المحمود يوم ينزل الله فيه على كرسيه يئط به كما يئط الرجل من تضايقه لسعة ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم فيقول الله: اكسوا خليلي! فيؤتى بربطتين بيضاوين من رباط الجنة فيلبسهما ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أكسى على أثره فأقوم عن يمين الله مقاما لا يقوم فيه غيري، يغبطني فيه الأولون والآخرون، ويشق لي نهر من الكوثر إلى حوضي يجري في حال من المسك ورضراض نباته قضبان الذهب، ثمارها اللؤلؤ والجوهر، شرابه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، من سقاه الله منه شربة لم يظمأ بعدها. ومن حرمه لم يرو بعدها.]
(حم وابن جرير، ك - عن ابن مسعود)… كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي-39109
- [جهنم تحيط بالدنيا، والجنة من ورائها، فلذلك صار الصراط على جهنم طريقا إلى الجنة]
التخريج (مفصلا): الخطيب في التاريخ والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عمر
تصحيح السيوطي: ضعيف…الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-3606
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:شعار أمتي إذا حملوا على الصراط "يا لا إله إلا أنت"
[أي: يا الله (الذي) لا إله إلا أنت]ـ
التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير عن ابن عمرو
تصحيح السيوطي: صحيح – الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي- 4885
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:شعار المؤمنين على الصراط يوم القيامة "رب سلم سلم"
التخريج (مفصلا): الترمذي والحاكم في المستدرك عن المغيرة
تصحيح السيوطي: صحيح…الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي- 4884
(2/154)
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين فترتفع له شجرة فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول الله: يا ابن آدم لعلي إن أَعطيتَكَها سألتني غيرها فيقول: لا يا رب ويعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يري ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة أخرى هي أحسن من الأولى فيقول: أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها فيعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يري ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول: أي رب أدنني من هذه فلأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها قال: بلى يا رب أدنني من هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما صبر له عليه فيدنيه منها فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول: أي رب أدخلنيها فيقول: يا ابن آدم ما يعريني منك أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها فيقول: أي رب أتستهزئ منى وأنت رب العالمين فيقول: إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر.
(حم م) عن ابن مسعود….زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي-3
(2/155)
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب هل تمارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب فإنكم ترونه كذلك يحشر الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا ليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت.
وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاءنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل ثم ينجو
(2/156)
حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن يقول: لا إله إلا الله فيخرجونهم يعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل آثار السجود فيخرجون من النار، وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبلا بوجهه قبل النار فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار فقد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيقول: هل عسيت أن أفعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل به على الجنة ورأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة فيقول الله: أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول: فما عسيت إن أعطيتك ذلك أن لا تسأل غيره فيقول: لا، وعزتك لا أسألك غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب ادخلني الجنة فيقول الله: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله منه ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول: تمن، فيتمنى حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله تعالى: زد من كذا وكذا، أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله عز وجل: لك ذلك ومثله معه.
(حم ق) عن أبي هريرة وأبي سعيد. لكنه قال وعشرة أمثاله… زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 – للإمام السيوطي…3408
(2/157)
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين يقول: ألا يتبع كل إنسان ما يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين فيقول: ألا تتبعون الناس فيقولون: نعوذ بالله منك ونعوذ بالله منك الله ربنا وهذا مكاننا حتى نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم قالوا:وهل نراه يا رسول الله؟ قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا قال: فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتوارى ثم يطلع فيعرفهم نفسه ثم يقول: أنا ربكم فاتبعوني فيقوم المسلمون ويوضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب، وقولهم عليه سلم سلم، ويبقى أهل النار فيطرح فيها منهم فوج ثم يقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ ثم يطرح فيها منهم فوج فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض ثم قال: قط قالت: قط قط فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت ملببا فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار ثم يقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين، ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة فيقال لأهل الجنة وأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقول هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السور ثم يقال لأهل الجنة: خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت.
(ت) عن أبي هريرة.... زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي-4287
- عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض السموات} قال: أرض بيضاء لم يعمل عليها خطيئة، ولم يسفك عليها دم.
(2/158)
(ابن مردويه) وفيه سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري كذاب (روى مسلم والترمذي: عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات}. سورة إبراهيم (48).
قلت: أين يكون الناس يومئذ يا رسول الله قال: على الصراط. راجع جامع الأصول رقم (682). ) كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي- 4460
- عن رجل من كندة قال: دخلت على عائشة وبيني وبينها حجاب فقلت: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه يأتي عليه ساعة لا يملك فيها لأحد شفاعة؟ فقالت: لقد سألته وإنا لفي شعار واحد فقال: نعم، حين يوضع الصراط، وحين تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند الجسر حين يسجر ويستحد حتى يكون مثل شفرة السيف ويسجر حتى يكون مثل الجمرة، فأما المؤمن فيجوزه ولا يضره، وأما المنافق فينطلق حتى إذا كان في وسطه حرق قدميه فيهوي بيده إلى قدميه – فهل رأيت من رجل يسعى حافيا فيأخذ شوكة حتى يكاد ينفذ قدميه! فإنه كذلك يهوي بيديه إلى قدميه، فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته فيطرح في جهنم يهوي فيها خمسين عاما؛ فقلت: أيثقل؟ قال يثقل خمس خلفات،(فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام).
(عب)(ذكره السيوطي في الدر المنثور: 6/145 وابن كثير قال: حديث غريب. ص). كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي-39767
- أخبرنا محمد بن إسحاق الصفار، حدثنا أحمد بن نصر، حدثنا عمرو بن طلحة القناد، أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله - رضي الله تعالى عنه -: {وإن منكم إلا واردها}.
قال: الصراط على جهنم مثل حد السيف، فتمر الطائفة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود الإبل والبهائم، ثم يمرون والملائكة تقول: رب سلم سلم.
(2/159)
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. (ج/ص: 2/ 408)… المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري.3423 / 560
- حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا عارم أبو النعمان ثنا حماد بن زيد عن عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف مدحضة مزلة عليه كلاليب من نار يختطف بها فممسك يهوي فيها ومصروع ومنهم من يمر كالبرق فلا ينشب ذاك أن ينجو ثم كالريح ولا ينشب ذاك أن ينجو ثم كجري الفرس ثم كسعي الرجل ثم كرمل الرجل ثم كمشي الرجل حتى يكون آخرهم إنسانا رجل قد لوحته النار ولقي فيها شرا حتى يدخله الله الجنة بفضل رحمته فيقال له تمن وسل فيقول أي رب أتهزأ مني وأنت رب العزة فيقال له تمن وسل قال حتى إذا انقطعت الأماني قال لك ما سألت مثله معه قال وحدثني أبو صالح عن أبي هريرة قال وعشرة أمثاله معه (9/ 204) معجم الطبراني الكبير، الإصدار 1.05 - للإمام الطبراني….. ومجمع الزوائد. الإصدار 2.05 - للحافظ الهيثمي18444
- حدَّثنَا سُوَيْد بن نصرٍ أخْبَرنا عبدُ اللَّه بنُ المباركِ عَنْ عَنْبسَةَ بنِ سَعِيدٍ عَنْ حبِيبِ بنِ أبي عَمرةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابن عَبَّاس "أتدري ما سَعَةُ جَهَنَّمَ؟ قُلْتُ لا، قَالَ أجَلْ واللَّه ما تدري حدَّثتني عَائِشَةُ أنَّها سألتْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليهِ وسَلَّم عَنْ قولِهِ {والأَرْضُ جمِيعَاً قبْضَتُهُ يومَ القيامَةِ والسَّمَاواتُ مطويَّاتٌ بيمِينِهِ} قَالَتْ قُلْتُ فأينَ النَّاسُ يومئذٍ يا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ عَلَى جسرِ جَهَنَّمَ" وفي الْحَدِيث قِصةٌ وهذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غريب مِنْ هَذَا الوجْهِ. سنن الترمذي (وشرح العلل)، الإصدار 2.11 - للإمام الترمذي
(2/160)
- حَدَّثنَا حرملة بْن يَحْيَى ويونس بْن عَبْد الأعَلَى. قَالاَ: حَدَّثنَا عَبْد اللَّه بْن وهب. أخبرني يونس، عَنْ ابْن شهاب. حَدَّثنَي سَعِيْد بْن الَمْسيب؛ أَن أبا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ: (يقبض اللَّه الأرض يوم القيامة، ويطوى السماء بيمينه، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الَمْلك. أين ملوك الأرض).
[ش (يقبض اللَّه) هَذَا الحديث كالتفسير لقوله تعالَى: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه}]. سنن ابن ماجه. الإصدار 1,12 - للإمام ابن ماجه192
- حدثنا عبد الله حدثنا أبي حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا إسحق بن عبد الله يعني ابن أبي طلحة عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر:
-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده ويحركها يقبل بها ويدبر يمجد الرب نفسه أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرن به. مسند الإمام أحمد. الإصدار 2.04 - للإمام أحمد ابن حنبل
- حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العبسي، حدثنا الصعق بن حزن، عن علي بن الحكم، عن عثمان بن عمير، عن أبي وائل، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال:
جاء ابنا مليكة وهما من الأنصار، فقالا: يا رسول الله، إن أمنا تحفظ على البعل، وتكرم الضيف، وقد وأدت في الجاهلية، فأين أمنا؟
قال: (أمكما في النار).
فقاما، وقد شق ذلك عليهما، فدعاهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجعا فقال: (إن أمي مع أمكما).
(2/161)
فقال منافق من الناس لي: ما يغني هذا عن أمه، إلا ما يغني ابنا مليكة عن أمهما، ونحن نطأ عقبيه.
فقال رجل شاب من الأنصار: لم أر رجلا كان أكثر سؤالا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه يا رسول الله، أرى أبواك في النار.
فقال: (ما سألتهما ربي فيعطيني فيهما، وإني لقائم يومئذ المقام المحمود).
قال: فقال المنافق للشاب الأنصاري: سله، وما المقام المحمود؟
قال: يا رسول الله، وما المقام المحمود؟
قال: (يوم ينزل الله فيه على كرسيه، يئط به كما يئط الرحل من تضايقه، كسعة ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة، عراة، غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله - عز وجل -: (اكسوا خليلي ريطين بيضاوين من رياط الجنة)، ثم أكسى على أثره، فأقوم عن يمين الله - عز وجل - مقاما يغبطني فيه الأولون والآخرون، ويشق لي نهر من الكوثر إلى حوضي).
قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قط، لقلما جرى نهر قط إلا وكان في فخارة، أو رضراض، فسله فيما يجري النهر؟
قال: (في حالة من المسك، ورضراض).
قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قط، لقلما جرى نهر قط إلا كان له نبات.
قال: (نعم).
قال: ما هو؟
قال: (قضبان الذهب).
قال: يقول المنافق: لم أسمع كاليوم قط، والله ما نبت قضيب إلا كان له ثمر، فسله هل لتلك القضبان ثمار؟
قال: (نعم، اللؤلؤ والجوهر).
قال: فقال المنافق: لم أسمع كاليوم قط، سله عن شراب الحوض.
فقال الأنصاري: يا رسول الله، وما شراب الحوض؟
قال: (أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، من سقاه الله منه شربة لم يظمأ بعدها، ومن حرمه لم يرو بعدها).
هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
وعثمان بن عمير هو ابن اليقظان. (ج/ص: 2/ 397)
المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. 3385 / 522
(2/162)
- أخبرنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي، عن محمد بن أبي عياش، عن عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يبعث الناس حفاة عراة غرلا، يلجمهم العرق، ويبلغ شحمة الأذن).
قالت: قلت: يا رسول الله، واسوءتاه، ينظر بعضنا إلى بعض؟
قال: (شغل الناس عن ذلك)، وتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس: 34-37].
هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ. واتفقا على حديث حاتم بن أبي صغيرة، عن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة مختصرا.
المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. 3898 / 1036
- حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني، حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا همام بن يحيى، حدثنا القاسم بن عبد الواحد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال:
بلغني عن رجل من أصحاب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حديث في القصاص، لم أسمعه منه، فاتبعت بعيرا، فشددت رحلي، ثم سرت إليه شهرا، حتى قدمت مصر - أو قال: الشام -.
فأتيت عبد الله بن أنيس، فقلت:
حديث بلغني عنك تحدث به، سمعته من رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، ولم أسمعه في القصاص، خشيت أن أموت قبل أن أسمعه.
فقال عبد الله:
سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: (يوم يحشر العباد - أو قال: الناس - حفاة، عراة، غرلا، بهما، ليس معهم شيء.
ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب:
(2/163)
أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد من أهل النار عليه مظلمة حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، ولأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقصه منه، حتى اللطمة).
قال: قلنا: كيف، وإنما نأتي الله -عزّّ وجل- عراة، حفاة، غرلا، بهما؟
قال: (بالحسنات، والسيئات).
هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. (ج/ص: 4/ 619)
المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. 8715/40
- يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً".
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعاً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ.
قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ".
3صحيح مسلم بشرح النووي، الإصدار 2.01 - للإمام محي الدين بن شرف النووي.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما الموت فيما بعده إلا كنطحة عنز)
(2/164)
يعني هو مع شدته شيء هين بالنسبة لما بعده من مقاساة ظلمة القبر وديدانه ثم لمنكر ونكير ثم لعذاب القبر إن كان ثم النفخ في الصور والبعث يوم النشور والوله والمضايق والعرض على الجبار والسؤال عن القليل والكثير ونصب الميزان لمعرفة المقادير ثم جواز الصراط مع دقته وحدته ثم انتظار النداء عند فصل القضاء إما بالإسعاد أو بالإشقاء فهذه أهوال تزيد على سكرة الموت بأضعاف ولهذا قال بعضهم: الموت أمر حقير بالنسبة لما بعده من الأهوال فإن الميت ينكشف له عقب الموت من العجائب ما لم يخطر قط بباله ولا اختلج به ضميره فلو لم يكن للعاقل هم ولا غم إلا الفكر في خطر تلك الحال وأن الحجاب عماذا يرفع؟ وما الذي ينكشف عنه الغطاء من شقاوة لازمة وسعادة دائمة، لكان كافياً استغراق جميع العمر، والعجب من غفلتنا وهذه العجائب بين أيدينا، وأعجب من ذلك فرحنا بأموالنا وأهلينا.
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم…فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2.12 – للإمامِ المناوي…7766
- لا إله إلا الله إن للموت سكرات - قاله النبي صلى الله عليه وسلم عند الموت.
رواه البخاري وأحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها. كشف الخفاء، الإصدار 4.04 - للإمام العجلوني
2981
- يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة، ثم يقال له: يا بن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى أشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط.
(حم م ن ه) عن أنس. زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي4267
(2/165)
- يؤتى برجل يوم القيامة ثم يؤتى بالميزان ثم يؤتى بتسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مد البصر فيها خطاياه وذنوبه فتوضع في كفة الميزان ثم يخرج له قرطاس مثل هذا وأمسك بابهامه على نصف أصبعه فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فتوضع في كفة أخرى فترجح بخطاياه وذنوبه
(عبد بن حميد عن ابن عمرو). كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي…233
- يؤتى بالشهيد يوم القيامة، فينصب للحساب، ويؤتى بالمتصدق، فينصب للحساب، ثم يؤتى بأهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صبا، حتى إن أهل العافية ليتمنون في الموقف أن أجسادهم قرضت بالمقاريض، من حسن ثواب الله لهم.
(طب) عن ابن عباس. كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي…6851
- يؤتى بابن آدم يوم القيامة إلى الميزان كأنه بذج (أورده ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (1/110)
نص الحديث: كأنه بذج من الذل.
البذج: ولد الضأن وجمعه: بذجان انتهى.ص) فيقول الله تعالى: يا ابن آدم أنا خير شريك، ما عملت لي فأنا أجزيك به اليوم وما عملت لغيري فاطلب ثوابه ممن عملت له.
هناد عن أنس. كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي…7536
- عن ابن عباس قال: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء، أنيابها بادية، مشوه خلقها، تشرف على الخلائق، فيقال: تعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه، فيقال: هذه الدنيا التي تناحرتم عليها، بها تقاطعتم، وبها تحاسدتم، وتباغضتم واغتررتم ثم تقذف في جهنم، فتنادي: أي رب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول الله عز وجل: ألحقوا بها أتباعها وأشياعها.
أبو سعيد ابن الأعرابي في الزهد….كنز العمال الإصدار 1.43 – للمتقي الهندي... 8579
(2/166)
- عن ابان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بعصابة من أمتي يوم القيامة وهم القراء فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: إياك ربنا قال: فمن كنتم تسألون؟ قالوا: إياك ربنا، قال: فمن كنتم تستغفرون؟ قالوا: إياك ربنا فيقول كذبتم عبدتموني بالكلام واستغفرتموني بالألسن وفررتم مني بالقلوب فينظمون في سلسلة ثم يطاف بهم على رؤس الخلائق فيقال: هؤلاء كذابوا أمة محمد.
أبو الشيخ في الثواب… كنز العمال الإصدار 1.43 – للمتقي الهندي…29418
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته، والله ما يتكلم لسانه! ولكن يداها ورجلاها يشهدان عليها بما كانت تغيب لزوجها، وتشهد رجلاه ويداه بما كان يوليها، ثم يدعى الرجل وخدمه فمثل ذلك؛ ثم يدعي بأهل الأسواق، وما يوجد ثم دوانيق ولا قراريط ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلم وسيئات هذا الذي ظلمه [توضع عليه -]، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال أوردهم إلى النار.
(طب وابن مردويه – عن أبي أيوب، وفيه عبد الله بن عبد العزيز الليثي ضعفوه)… كنز العمال الإصدار 1.43 – للمتقي الهندي…38998
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يؤتى بالنعم يوم القيامة وبالحسنات والسيئات فيقول الله تعالى لنعمة من نعمه: خذي حقك من حسنات عبدي، فلا تترك له حسنة إلا ذهبت بها.
(أبو الشيخ وابن النجار - عن أنس). كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي…39007
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يؤتى بابن آدم يوم القيامة فيوقف بين كفتي الميزان ويوكل به ملك، فإن ثقل ميزانه ينادي الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا! وإن خف ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.
(حل - عن أنس). كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي.. 39026
(2/167)
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف على الصراط فيقال: يا أهل الجنة! فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ثم يقال يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، فيؤمر به فيذبح على الصراط ثم يقال للفريقين كلاهما خلود فيما تجدون لا موت فيها أبدا.
(حم، ه، ك، عن أبي هريرة). كنز العمال الإصدار 1.43 – للمتقي الهندي…39453
- يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله.
(ن - (أخرجه الترمذي كتاب صفة القيامة باب ما جاء في العرض رقم 2427 وابن ماجه كتاب الزهد رقم 4277 وقال في الزوائد رجال الاسناد ثقات إلا أنه منقطع. ص) عن أبي هريرة؛ حم، د – عن أبي موسى). كنز العمال الإصدار 1.43 – للمتقي الهندي…38937
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من حوسب يوم القيامة عذب قالت عائشة: أوليس يقول الله: فسوف يحاسب حسابا يسيرا؟ قال ليس ذلك بالحساب إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك.
(حم ق ت) عن عائشة. زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 – للإمام السيوطي.. 3026
- حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نوقش الحساب عُذِّب). قالت: قلت: أليس يقول الله تعالى: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً}. قال: (ذلك العرض).
حدثني عمرو بن علي: حدثنا يحيى، عن عثمان بن الأسود: سمعت ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: مثله.
وتابعه ابن جريج، ومحمد بن سليم، وأيوب، وصالح بن رستم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح البخاري، الإصدار 2.03 - للإمام البخاري
6171/6172 [ر:103]
(2/168)
(6172) - حدثني إسحق بن منصور: حدثنا روح بن عبادة: حدثنا حاتم بن أبي صغيرة: حدثنا عبد الله بن أبي مليكة: حدثني القاسم بن محمد: حدثتني عائشة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس أحد يُحاسَب يوم القيامة إلا هلك). فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً}. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك العرض، وليس أحد يُنَاقَشُ الحساب يوم القيامة إلا عُذِّب}.
[ر:103]
- لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم؟.
(ت) عن ابن مسعود. زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي
3599
- ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة.
(حم ق ت ه) عن عدي بن حاتم. زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي..2797
- حدثنا محمد بن أبي عمر. حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
(2/169)
قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ "قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة، ليست في سحابة؟" قالوا: لا. قال "فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟" قالوا: لا. قال "فوالذي نفسي بيده! لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما. قال فيلقى العبد فيقول: أي فل! ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. قال فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل! ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي رب! فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا رب! آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت. ويثني بخير ما استطاع. فيقول: ههنا إذا.
قال ثم يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الذي يسخط الله عليه".
(2/170)
[ش (أي فل) معناه يا فلان: وهو ترخيم على خلاف القياس. وقيل: هي لغة بمعنى فلان. حكاها القاضي. (أسودك) أي أجعلك سيدا على غيرك. (ترأس) أي تكون رئيس القوم وكبيرهم. (تربع) أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها. يقال: ربعتهم، أي أخذت ربع أموالهم. ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا. قال القاضي، بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. من قولهم: اربع على نفسك، أي ارفق بها. (فإني أنساك كما نسيتني) أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي. (ههنا إذا) معناه قف ههنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت منكرا. (ليعذر) من الإعذار. والمعنى ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه، بحيث لم يبق له عذر يتمسك به]. صحيح مسلم. الإصدار 2.06 – للإمام مسلم.. 16 - (2968)
- هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب، وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب، ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما.
إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النارحتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغير أهل الكتاب
فيدع اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله فيقال: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد. فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم: ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار.
ثم يدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا يتساقطون في النار
(2/171)
حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم الساق، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم، وقد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا،
ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم سلم.
قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: دحض مزله فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة، يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح كالطير وكأجاويد الخيل والركاب: فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار.
(2/172)
فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقه وإلى ركبتيه فيقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول الله عز وجل: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحد ممن أمرتنا به ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا، فيقول الله: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلا الحجر أو الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فيخرجون كالؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله من النار الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحد من العالمين، فيقول لكم: عندي أفضل من هذا فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا.
(حم ق) عن أبي سعيد…زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 – للإمام السيوطي…3406
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال:
(2/173)
-قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن المجالس ثلاثة سالم وغانم وشاجب وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وفرش مرفوعة والذي نفسي بيده إن ارتفاعها كما بين السماء والأرض وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمسمائة سنة وبهذا الإسناد أنه قال قلت يا رسول الله أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا قال قلت يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه درجة وبهذا الإسناد قال هاجر رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرت الشرك ولكنه الجهاد هل باليمن أبواك قال نعم قال أذنا لك قال لا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع إلى أبويك فاستأذنهما فإن فعلا وإلا فبرهما وبهذا الاسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول الرب عز وجل سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم فقيل ومن أهل الكرم يا رسول الله قال أهل الذكر في المساجد وبهذا الإسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنان وسبعون زوجة وينصب له قبة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد كما بين الجابية وصنعاء وبهذا الإسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تواضع لله درجة رفعه الله درجة حتى يجعله في عليين ومن تكبر على الله درجة وضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل السافلين وبهذا الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان فإن الله قال انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وبهذا(2/174)
الإسناد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه قالها ثلاثا قال وما كرامة الضيف يا رسول الله قال ثلاثة أيام فما جلس بعد ذلك فهو عليه صدقة وبهذا الإسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فرأى خيرا منها فكفارتها تركها وبهذا الإسناد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله العبد أثنى عليه من الخير سبعة أضعاف لم يعملها وإذا أبغض الله العبد أثنى عليه من الشر سبعة أضعاف لم يعملها.
- مسند الإمام أحمد. الإصدار 2.04 - للإمام أحمد ابن حنبل
- يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده، ألا وإن أول الخلائق يكسا يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح: كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
(حم ق ت ن) عن ابن عباس. زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 - للإمام السيوطي
4107
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:29 PM
وصف الجنة:
ففي الأحاديث النبوية الشريفة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- [أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، وتنصب له قبة فيه من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء]
324-التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده والترمذي وابن حبان في صحيحه والضياء عن أبي سعيد…تصحيح السيوطي: صحيح
(2/175)
- [إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-932- التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده ومتفق عليه
-[إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-1976- التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير عن ثوبان-تصحيح السيوطي: صحيح
-[إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع، حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده فإذا بطنه قد ضمر]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي- 1988- التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير عن زيد بن أرقم- تصحيح السيوطي: حسن..
-[إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط [وتمام الحديث: وإن مما يتغنين به "نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام". وفي رواية "نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنه"].
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي -2199- التخريج (مفصلا): الطبراني في الأوسط عن ابن عمر- تصحيح السيوطي-التصحيح غير موجود.
-[إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، ولكن طعامهم ذلك جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون أنتم النفس["طعامهم ذلك جشاء": أي رجيع طعامهم جشاء].
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-2228-التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده وصحيح مسلم وأبو داود عن جابر-تصحيح السيوطي: صحيح.
(2/176)
-[إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي- 2314- التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي مالك الأشعري الترمذي عن علي- تصحيح السيوطي: صحيح
-[إن في الجنة بحر الماء، وبحر العسل، وبحر اللبن، وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار بعد]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي- 2316- التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده والترمذي عن معاوية بن حيدة-تصحيح السيوطي: صحيح..
-[إن في أهل الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-2318- التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده وصحيح مسلم وصحيح البخاري والترمذي عن أنس متفق عليه [البخاري ومسلم] - تصحيح السيوطي: صحيح…
-[إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع، إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي - 2320- التخريج (مفصلا): الترمذي عن علي-تصحيح السيوطي: صحيح..
-[إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضا]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-2390-التخريج (مفصلا):صحيح مسلم عن أبي موسى-تصحيح السيوطي: صحيح…
-[أهل الجنة جرد مرد كحل، لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي- 2763- التخريج (مفصلا): الترمذي عن أبي هريرة-تصحيح السيوطي: حسن…
(2/177)
-[أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والثانية على لون أحسن من كوكب دري في السماء، لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة، يبدو مخ ساقها من ورائها]..
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-2813 - التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده والترمذي عن أبي سعيد-تصحيح السيوطي: صحيح..
-[الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة]
["الجنة": أي أبنيتها-("لَبِن" ككَتِف (أي بفتح اللام وكسر الباء): المضروب من الطين مربعا للبناء (المضروب: المصنوع بالقوالب). من "القاموس"، وما بين هلالين فمن دار الحديث)]..الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-3645-التخريج (مفصلا): الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة-تصحيح السيوطي: صحيح..
-[الجنة بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران. من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت. لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم]..
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي- 3650-"ملاطها"، بكسر الميم: طينها الذي يكون بين اللبنتين، أو ترابها الذي يخالطه الماء.-"الأذفر": الذي لا خلط فيه، أو الشديد الريح. قالوا لكن لونه مشرف، لا يشبه مسك الدنيا، بل هو أبيض.
"وحصباؤها": أي حصاؤها الصغار-("لا يبأس": لا يصيبه بؤس)]ـ
التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده والترمذي عن أبي هريرة-تصحيح السيوطي: حسن
-[ذر الناس يعملون: فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة وأوسطها، وفوقها عرش الرحمن، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس]..
[("وأوسطها": أحسنها)]…الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-
4322 -التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده والترمذي عن معاذ-تصحيح السيوطي: صحيح..
(2/178)
-[رأيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وغراسها "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله].
["قيعان": جمع قاع، وهي أرض مستوية، لا بناء ولا غراس فيها]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-4379- التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير عن ابن مسعود-تصحيح السيوطي: صحيح…
-[طوبى: شجرة في الجنة مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-5312- التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد-تصحيح السيوطي صحيح.
-[في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-5920- التخريج (مفصلا): البزار الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد-تصحيح السيوطي: صحيح..
-[لشبر في الجنة خير من الدنيا وما فيها]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-7245- التخريج (مفصلا): ابن ماجة عن أبي سعيد أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود-تصحيح السيوطي:حسن.
-[لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قده في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-7286- التخريج (مفصلا): أحمد في مسنده ومتفق عليه [البخاري ومسلم] والترمذي وابن ماجة عن أنس
تصحيح السيوطي: صحيح…
-[لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت إلى الأرض لملأت الأرض من ريح المسك، ولأذهبت ضوء الشمس والقمر]
(2/179)
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-7406- التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير والضياء عن سعيد بن عامر-تصحيح السيوطي: صحيح..
-[ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-7953- التخريج (مفصلا): الترمذي عن أبي هريرة-تصحيح السيوطي: حسن..
-[من يدخل الجنة ينعم فيها لا يبأس: لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-9101- التخريج (مفصلا): صحيح مسلم عن أبي هريرة-تصحيح السيوطي: صحيح…
-[يعطى المؤمن في الجنة قوة مائة في النساء]
الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-10015- التخريج (مفصلا): الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أنس-تصحيح السيوطي: صحيح..
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:30 PM
وصف النار:
الأحاديث النبوية المشرفة:
[إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم فتهوي بها سبعين عاما ما تفضي إلى قرارها]
التخريج (مفصلا): الترمذي عن عتبة بن غزوان- تصحيح السيوطي: حسن-الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي- 2042-
[إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها، وإنها لتدعو الله أن لا يعيدها فيها]
التخريج (مفصلا): ابن ماجة والحاكم في المستدرك عن أنس -تصحيح السيوطي: صحيح-الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي -2506-
(2/180)
[يلقى على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب فيستغيثون بالشراب فيدفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم فإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم فيقولون: ادعوا خزنة جهنم فيقولون: ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات؟ قالوا: بلى قال: فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال فيقولون: ادعوا مالكا فيقولون: يا مالك ليقض علينا ربك فيجيبهم إنكم ماكثون فيقولون: ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم فيقولون: ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيجبيهم: اخسؤا فيها ولا تكلمون فعند ذلك يئسوا من كل خير وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل.]
(ش ت) عن أبي الدرداء.- زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة، الإصدار 2.05 – للإمام السيوطي- 4426-
[(المطففين) ويل، واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا، قبل أن يبلغ قعره.]
(حم ت حب ك عن أبي سعيد)- كنز العمال الإصدار 1.43 - للمتقي الهندي -
2937-
حدثنا محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا السري بن خزيمة، حدثنا عثمان بن حفص، عن غياث، حدثنا أبي، حدثنا العلاء بن خالد الكاهلي، عن شقيق، عن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-: (يؤتى بجهنم يومئذ، ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها).
هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. المستدرك على الصحيحين،الإصدار 2.02 - للإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري - 8758/83-
حدثنا العباس بن محمد الدوري، أخبرنا عبيد اللّه بن موسى، أخبرنا شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:
(2/181)
"ان غلظ جلد الكافر اثنان وأربعين ذراعا، وان ضرسه مثل أحد، وان مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة". هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث الأعمش. سنن الترمذي (وشرح العلل)، الإصدار 2.11 - للإمام الترمذي- 2706-
مكتوب بواسطة: ahmednou Mar 8 2004, 03:32 PM
وصف الملائكة: في الأحاديث النبوية المشرفة:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[أتاني ملك برسالة من الله عز وجل، ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى في الأرض لم يرفعها]
التخريج (مفصلا): الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة
********** تصحيح السيوطي **********
التصحيح غير موجود. الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي-92
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[أتاني ملك فسلم علي، نزل من السماء لم ينزل قبلها، فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة]
التخريج (مفصلا): ابن عساكر عن حذيفة
تصحيح السيوطي: صحيح……الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي-93
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إذا شهر المسلم على أخيه سلاحا فلا تزال ملائكة الله تعالى تلعنه حتى يشيمه عنه]
التخريج (مفصلا): البزار عن أبي بكرة
تصحيح السيوطي: حسن…..الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي…715
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستك، فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع ملك فاه على فيه ولا يخرج من فيه شيء إلا دخل فم الملك]
التخريج (مفصلا): البيهقي في شعب الإيمان وتمام، والضياء، عن جابر
تصحيح السيوطي: صحيح…..الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي-780
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة]
التخريج (مفصلا): أبو داود والضياء عن جابر
(2/182)
تصحيح السيوطي: صحيح….الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي…906
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام]
التخريج (مفصلا): حم ن ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود
تصحيح السيوطي: صحيح….الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي..2355
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إن لله تعالى ملائكة في الأرض تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر]
التخريج (مفصلا): الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس
تصحيح السيوطي: صحيح-الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-2357
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[الرعد ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله]
التخريج (مفصلا): الترمذي عن ابن عباس
تصحيح السيوطي: صحيح-الجامع الصغير. الإصدار 3,21 – لجلال الدين السيوطي-4527
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[على أنقاب المدينة ملائكة. لا يدخلها الطاعون ولا الدجال]
التخريج (مفصلا): مالك أحمد في مسنده ومتفق عليه [البخاري ومسلم] عن أبي هريرة
تصحيح السيوطي: صحيح…الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-5456
-وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر]
التخريج (مفصلا): متفق عليه [البخاري ومسلم] عن أبي هريرة
تصحيح السيوطي: صحيح …..الجامع الصغير. الإصدار 3,21 - لجلال الدين السيوطي-5870
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته]
التخريج (مفصلا): الطبراني في الكبير عن ابن عباس، البزار عن أبي هريرة
(2/183)