إسعاد الأخصَّا
بذكر
صحيح
فضائل الشام والمسجد الأقصى
الجزء الأول
تأليف
أبي عبد الرحمن السلفي المقدسي
هشام بن فهمي بن موسى العارف
(
?
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) سورة آل عمران.
(يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1) سورة النساء
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71) سورة الأحزاب.
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ( وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
قال تعالى : (..وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكونوا أَمْثَالَكُمْ(38) سورة محمد.
وقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ..(143) سورة اليقرة.
وقال: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لكمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(21) سورة المائدة.(1/1)
وقال:( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) سورة النور.
وقال: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ(41) سورة الحج.
وبعد:
فقد رغب العديد من الأخوة الأفاضل، أن أذكر لهم الأحاديث الصحيحة المتعلقة بفضائل بيت المقدس، والمسجد الأقصى، والتي أوردتها في كتابي " المستقصى لأحاديث فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى ـ جمعاً، وتخريجاُ، ودراسةً ـ " (1).
وبناء على طلب الأخوة الأفاضل ـ بارك الله فيهم ـ فقد جمعت لهم هنا ـ من غير إطالة ـ ما ذكرته هناك من الأحاديث الصحيحة والآثار، مكتفياً بذكر النص، وتخريجه تخريجاً مختصراً، شارحاً بذيله غريب ألفاظه، ومعلقاً عليه تعليقاً يسيراً، رجاء أن ينتفع به المسلمون، وسميته " إسعاد الأخصَّا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى".
وعسى أكون قد وفقت لمرضاة الله، ولا أعفي نفسي من الزلل لكني أسأله تبارك وتعالى الرضا عني، والتجاوز عن ذنوبي وأخطائي، وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه، عملاً متقبلاً ينفع به المسلمين إنه سميع عليم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الباعث على تخريج أحاديث
فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى
كان الباعث لهذا التخريج أموراً أذكرها هنا باختصار:
الأول: إبراز فضائل المسجد الأقصى المبارك، وبيان أن ذات بقعة المسجد الأقصى لها فضل شرعي خصَّها به الله سبحانه وتعالى.(1/2)
الثاني: بيان درجة الأحاديث المرفوعة إلى النبي ( المرويَّة في فضل المسجد الأقصى، وذلك بتتبع طرق الحديث وشواهده، من خلال الأحاديث والأسانيد في كتب الأحاديث المطبوعة والمخطوطة، وكتب العلل وتراجم الرجال، للحكم عليه ( صحيح، حسن، ضعيف، ضعيف جداً، موضوع...الخ)
الثالث: بجمع الأمرين الأوليين أكون قد حققت الأهداف الآتية:
أ- تصفية أحاديث فضائل المسجد الأقصى مما علَق بها عبر القرون الماضية من أحاديث ضعيفة وموضوعة؛ بخاصة ما كان منها في كتب تاريخ المسجد الأقصى وبيت المقدس، التي كان همَّ كثير من مؤلفيها حشوها بروايات ضعيفة بل موضوعة.
وقد يسأل سائل ما ذنب هؤلاء الكتاب من أهل التاريخ وغيرهم إذا قالوا:
قال النبي ( ( كذا وكذا) وجدنا ذلك في كتاب ( كذا وكذا)؟
الجواب: هذا أحد أربع:
1/ إما جهلاً منهم بالسُّنَّة.
2/ وإما كسلاً منهم عن الرجوع إلى المصادر والكتب المتخصصة التي من خلالها يتبين إن كان الحديث صحيحاً أو ضعيفاً.
3/ وإما أنفةً واستعلاءً على أهل العلم والاختصاص بهذا الشأن.
4/ وإما تهاوناً باعتبار أن مثل هذا من أحاديث الفضائل!
قال أبو شامة: وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ، بل ينبغي أن يبيِّنَ أمره إن عَلِمَ وإلا دخل تحت الوعيد في قوله (: ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم.
واعلم أن من يفعل ذلك فهو أحد رجلين:
1/ إما أنه يعرف ضعف تلك الأحاديث ولا ينبه على ضعفها فهو غاش للمسلمين لقوله ( : ( مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ(1) ) ـ ولم يقل أنه تيقن أنه كذب ـ فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر.(1/3)
2/ وإما أنه لا يعرف ضعفها، فهو آثم أيضا لإقدامه على نسبتها إليه ( دون علم وقد قال (: ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) رواه مسلم، وأبو داود، وأحمد، والدارمي.
وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث، لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه؛ بالتفتيش عنه إن كان عارفاً، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفاً.أ.هـ(1).
وأهل الإسناد في الماضي كانوا على اطلاع تام على علل الأحاديث الواضحة منها والخفية، فلا يخفى عليهم من الأحاديث ما يصلح للاحتجاج وما لا يصلح، كما كانوا عارفين بالرجال والأسانيد، وهذا هو الذي جعلهم يكتفون بإيراد الأسانيد عند رواية الأحاديث دون بيان درجتها أو إظهار مواطن الضعف فيها وكان قصدهم جمع ما ورد في الباب لعلَّ الحديث يرتقي بوجود ما يؤيده ويشهد له.
ب ـ الدفاع عن السنة الصحيحة وهو واجب المسلم الواعي حبيب الله ورسوله (، وذلك بقمع المبتدعات التي كان مستند كثير منها أحاديث ضعيفة، وروايات موضوعة، وأقاويل منقولةٍ، أو تقليدٍ أعمى موروث.
جـ ـ حتى ينهض المسلمون من جديد، ويصدقوا نواياهم، ويعملوا لأنفسهم نحو هذا المسجد المبارك، وتخليصه من اليهود، بعد أن ثبت لهم ما أوردته بشأنه في هذا الكتاب من أحاديث نبوية عالجتها من الضعيفة، والموضوعة، التي كثيراً ما كانت سلاحاً بيد المتقولين للطعن في أحاديث النبي ( وبالتالي الطعن في فضيلة المسجد الأقصى وما حوله.(1/4)
د ـ وحتى يعلم أيضا المقيمين في بيت المقدس وما حوله ما أنعم الله عليهم من فضل، فيشكروا الله في السراء، ويصبروا في الضراء وحين البأس، ويخلِصون العبادة لله سبحانه وتعالى، والرباط فيه في سبيل الله عز وجل: فعن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ( يقول: ( رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ)(1).
وفي حديث آخر رواه أنس بن مالك مرفوعا:( رباط يوم في سبيل الله أفضل من قيام رجل وصيامه في أهله شهرا)(2).
وبيت المقدس ثغر من ثغور الإسلام، والإقامة فيها، والرباط فيها، وعدم الهجرة منها فيه أجر وثواب، وهذا من آثار بركتها، ولأنها دائماً عرضة للغزوِ ولأطماع الطامعين الذين يريدون هدم الدين (الإسلام) وحرابهم فيها ونحوها مسلطةٌ ليلاً ونهاراً، لذا كان المرابط فيها في سبيل الله لإقامة دين الله، وشرع الله، والدعوة لوحدانيته واتباع رسله يستحق مثل هذا الأجر العظيم.
فعن فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ( قال: "كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ"(1).
وسمعت رسول الله ( يقول:(المجاهد من جاهد نفسه)(2) .
قلت: ولعل هذا الذي دفع البخاري ـ رحمه الله ـ أن يسمي في صحيحه باباً في كتاب الجنائز هو باب ( من أحب الدفنَ في الأرض المقدسة ونحوها)(3) ، ذكر فيه حديث إرسال ملك الموت إلى موسى وما جرى بينهما وسؤال موسى ـ عليه السلام ـ ربه عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر.(1/5)
قال ابن حجر في الفتح (3/207): وقوله عليه السلام: رمية بحجر أي: قدر رمية بحجر، أي: أدنيني إليها حتى يكون بيني وبينها هذا القدر. وهذا شرح ابن بطال وغيره، وأيده ابن حجر وهو أصوب الأقوال والله أعلم.
فكان موسى عليه السلام لما لم يتهيأ له دخولها وذلك:
* لتخلف قومه، ونكولهم عن القتال معه في سبيل الله من جهة.
* ولغلبة الجبارين ( الكفرة المتمردين ) الذين كانوا يستولون على بيت المقدس وما حوله من جهة أخرى.
* ولبلوغه عليه السلام أجله من جهة ثالثة.
فإنه طلب من الله سبحانه وتعالى أن يكون قبض روحه قريباً جداً من الأرض المقدسة رمية بحجر، ولأن من قارب الشيء يعطى حكمه.(1)
قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله (: ( جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ، قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ، فَفَقَأَهَا قَالَ: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لا يُرِيدُ الْمَوْتَ وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي، قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً قَالَ ثُمَّ مَهْ قَالَ ثُمَّ تَمُوتُ قَالَ فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ رَبِّ أَمِتْنِي مِنْ الأرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (: وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لأرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأحْمَرِ، ـ وفي رواية ـ تحت الْكَثِيبِ الأحْمَرِ).
وبيت المقدس أم بلاد الشام (الأرض المقدسة) بلاد ثغور فإذا وقعت الفتن ـ كما قال النبي ( ـ فإن الإيمان بالشام.(1/6)
فمتى انتصر المسلم لواجبه نحو الله سبحانه وتعالى، ونحو دينه بالإخلاص، والعلم، والعمل، انتصر الله له وثبت أقدامه.قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) وإلا فإن الأمر كما قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء حين كتب له أن هلُمَّ إلى الأرض المقدسة وأرض الجهاد فكتب إليه: إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس المرء عمله.(1)
وهذا مذكور أيضا عن صعصعة بن صوحان، فقد ذكر أبو بكر بن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه في كتابه (البلدان) عن المدائني قوله:
قدم وفد من العراق على معاوية بن أبي سفيان فيهم صعصعة بن صوحان العبدي(1) فقال معاوية: مرحباً بكم وأهلاً، قدمتم على خير خليفة، وهو جنة لكم، وقدمتم الأرض المقدسة، وقدمتم أرض المحشر والمنشر، وقدمتم أرضاً بها قبور الأنبياء.
ويرد صعصعة على معاوية فيقول:
وأما قولك قدمتم الأرض المقدسة، فإن الأرض لا تقدس أهلها، ولكن أهلها يقدسونها، وأما قولك قدمتم أرض المحشر والمنشر، فإن بعد الأرض لا ينفع كافراً ولا يضر مؤمناً.
قلت: ولا يفهم من قول سلمان وصعصعة رفض أي منهما قدسية الأرض وبركتها، إنما أرادا حمل الناس على العمل الصالح بعد إيمان، وبيان أن المؤمن إنما ترتفع درجته بالعمل الصالح، فإن تفضل الله عليه فكان في أمكنة مشرفة مثل مكة، والمدينة، وبيت المقدس خصوصاً، أو في بلاد الشام عموماً فهذا زيادة فضل على فضل(1) .قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ(105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ(106) سورة الأنبياء.(1/7)
وقال تعالى:( وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهم وَنَسْتَحْيِ نساءهم وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ(127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(128). سورة الأعراف، وأما إن كان جاهلاً بدينه، ولا يعمل صالحاً، فإن الأرض لا تقدم ولا تؤخر قال تعالى: (يُنَبَّأُ الإنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ(13) سورة القيامة.
قال عبد الرحيم بن علي بن اسحاق بن شيت القرشي، المتوفى سنة ( 625هـ) بعد ذكر البيوت الثلاثة المقدسة - مكة والمدينة والقدس - في المخطوطة (مفتاح المقاصد ومصباح المراصد في زيارة بيت المقدس ):
واعلم أن الإنسان إنما خلق في هذه الدنيا لتحصيل فوائد الأعمال الصالحة، وليخرج من بلاء الدنيا إلى راحة الدار الآخرة. وإذا نظر الإنسان إلى مضاعفة الأعمال في هذه المواضع، كان عمره فيها بأعمار، وكان رابحا الأرباح المضاعفة في كل ليلٍ يمر به وفي كل نهار، فمن منَّ الله تعالى عليه بالسكن في هذه الأمكنة المشرفة، فليكن فيها على ساق الاجتهاد بالتسيير وليعمل صالحا فإن أعماله في النمو أبداً وفي التشمير، وليحذر من الخرق(1)فيها، فإنه يخرق به الحجاب بينه وبين الله تعالى، فلا يكون له من العار ولا من النار وقاية، ولا ينفعه عمارة ولا سقاية.أ.هـ
الرابع: كان من بواعث التخريج أيضا أنني حين بدأت أكتب (الموجز في تاريخ القدس) وجدت كثيراً ممن كتبوا في تاريخها، يوردون خلال الحديث عنها؛ أحاديث في فضلها من غير تمييز، ويعظمون أشياء فيها من غير أصل، مما حدا بي أن أجعل هذا البحث(2) هو القسم الأول للمشروع لأحيل إليه ما قد يدعوني إيراده في القسم الثاني.
وكتبه
راجي عفو ربه الغفور(1/8)
أبو عبد الرحمن السلفي المقدسي
القدس / الأول من محرم 1421
تبيانا للحق، فإن المتتبع للأخبار المروية في كتب فضائل البلدان بشكل عام يرى فيها الغث والسمين، يرى فيها أسانيد صحيحة ثابتة قوية، وأسانيد ضعيفة واهية مكذوبة منحولة، والضعيف والموضوع أكثر، وقد يكون ذلك لأحد الأسباب الآتية:
1- توسع المؤرخين في ذكر فضائل بلدانهم.
2- التوسع في الترغيب بهذا النوع من الفضائل بزعم حث الناس على الخير.
3- تفشي ظاهرة العصبية واتخاذها أشكالاً وألواناً جاهلية ليس لها في الشرع أصل.
4- التساهل في رواية الفضائل وإثبات أحكام شرعية بأحاديث ضعيفة بدعوى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال(1) .
5- انتشار البدع(2).
قال ابن تيمية في الاقتضاء (ص 436 ـ 439 ):( وقد صنفت طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس وغيره من البقاع التي بالشام وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم.
ثم قال: " وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء أو منسوخ في شريعتنا ما لا يعلمه إلا الله " .أ.هـ
قلت: وهذه الإسرائيليات كادت تذهب بالثقة ببعض علماء السلف من الصحابة والتابعين، فقد أسند من هذه الإسرائيليات المنكرة شيء ليس بالقليل إلى نفر من سلفنا الصالح الذين عرفوا بالثقة والعدالة، واشتهروا بين المسلمين بالتفسير والحديث، واعتُبِروا من المصادر الدينية الهامة عند المسلمين فاتهموا من أجل نسبة هذه الإسرائيليات إليهم بأبشع الاتهامات وعدَّهم بعض المستشرقين ومن مشى في ركابهم ـ من المسلمين ـ مضللين مدسوسين على الإسلام وأهله، ومن أكثر هؤلاء السلف نيلاً منه وتحاملاً عليه: أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب من منبه، وتميم الداري، ـ رضي الله عنهم ـ ممن لهم في الإسلام قدم راسخة.(1/9)
ولقد قيض الله للمسلمين ـ من بينهم ـ صفوة من العلماء الأعلام نفوا هذا الزيف، وكشفوا عن هذا العبث، وحذّروا المسلمين من أن يغتروا، أو يخدعوا، بمثل هذه الدعاوى العارية عن الصحة.
بلاد الشام
بلاد الشام عموماً بلاد مباركة، فالناظر إلى ما ورد في كتاب الله العزيز، وإلى قول المصطفى ( في بركة وفضائل بلاد الشام على وجه العموم؛ وفضائل المسجد الأقصى، وبيت المقدس، ودمشق، على وجه الخصوص يرى الآتي:
1 ـ آيات من القرآن المجيد يستشهد فيها بهذا الفضل.
2 ـ أحاديث مرفوعة إلى النبي ( فيها الصحيح، والضعيف والموضوع.
3 ـ آثار موقوفة على الصحابة وكبار التابعين ومن دونهم، وأكثرها أسانيدها غير صحيحة لأن مدارها على رجال إما ضعفاء، أو مجاهيل.
4 ـ روايات إسرائيلية أكثرها يدور على كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، وكل الأسانيد إليهم لا تصح.
عليكم بالشام
على رأس ما ورد لفضيلة الشام في الكتاب قوله تعالى في مطلع سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1).
ولفضيلتها في السُّنّة قوله صلى الله عليه وسلم: (إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام)
والشام مهد الرسالات السماوية، والمسجد الأقصى فيها منارة من أجل الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وأنه لا معبود بحق إلا الله، وهو المسجد الثاني الذي وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، وكان بينهما أربعون سنة.(1/10)
والمسجد الأقصى خصوصاً، وأرض الشام عموماً (الأرض المقدسة) محل لدعوات رسل الله، فكانت دعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم للتوحيد، وبهذه الدعوة وعلى هذا المنهج الحق كان ولده إسحاق صلى الله عليه وسلم، ومن وراءه يعقوب صلى الله عليه وسلم، وهي ـ أي الأرض ـ محل عظام يوسف صلى الله عليه وسلم(1)، وسار إليها موسى صلى الله عليه وسلم فاتحاً لولا خذلان قومه، فسأل الله عز وجل أن يدنيه منها رمية بحجر، وأنه من قارب الشيء يعطى حكمه، وتولى يوشع صلى الله عليه وسلم فتى موسى صلى الله عليه وسلم قيادة الجيل الرباني الجديد، وخرج فيهم من التيه فاتحاً بيت المقدس، فكانت نواميس الكون مسخرة لهذا النبي الفاتح بإذن الله تعالى، إذ لم تحبس الشمس لأحد إلا ليوشع بن نون ليالي سار بيت المقدس.
لذلك فبلاد الشام وعاصمتها بيت المقدس، حلبة صراع بين طائفتين من الناس: طائفة الحق، وطائفة الباطل، وكان النصر باستمرار حليف طائفة الحق، النصر بحجة اللسان تارة، والنصر بالسنان تارة أخرى، والله أكبر.
والمسجد الأقصى قبلة الأنبياء ومنارة الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، فأتباع أنبياء بني إسرائيل (يعقوب صلى الله عليه وسلم) عاشوا يقيمون شرع الله، لكنهم في الوقت الذي كانوا يخالفون فيه أوامر الله تعالى، ويشركون في عبادة الله، كان الله يعاملهم بذنوبهم معاملة قاسية، يسلط عليهم الأعداء، لعلهم يرجعون، ومن رحمته لهم أنه كان يبعث فيهم الأنبياء يهدونهم إلى الحق ويرفعون عنهم المقت.
وفي بيت المقدس عاصمة الشام كان داود صلى الله عليه وسلم، وابنه سليمان صلى الله عليه وسلم، الذي لما بنى المسجد الأقصى (أعاد تجديده) سأل الله أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كما ولدته أمه.
وهكذا كان بنو إسرائيل يترددون بين الحق تارة وبين الباطل تارة أخرى، والله يسعهم في رحمته ويبعث فيهم النبي تلو النبي.(1/11)
فكان فيهم زكريا ويحيي صلى الله عليه وسلم، ثم كانت الصديقة مريم، ومنها كان نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم، الذي من أسباب رفعه إلى السماء قيام الحجة على قومه، وبرفعه إلى السماء رفعت النبوة من بني إسرائيل، فأصبحت في العرب حيث بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وأسري بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، وصلى بالنبيين فيه، وكذب كفار قريش كما كذب كفار بني إسرائيل رسلهم، فكذبوا محمداً أنه أسرى به الله إلى المسجد الأقصى وعرج به إلى السماء.
فهذه قصة الأنبياء على أرض الشام، أرض الخير والبركة، وهذه دعوتهم إلى الحق فبها مؤمن، والحمد لله. وبها كافر، والعياذ بالله.
وعلى منهج الأنبياء يسير أهل الحق قال تعالى في سورة الإسراء بعد بيان تجربة بني إسرائيل مع أنبيائهم: ( إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا(9).
وتعيش الشام اليوم كما عاشت في الأمس، لكنها تحكي تاريخها وعقيدتها لكل جيل، وتخاطب المعتبر فهل من مدكر؟!
الترغيب في الهجرة إلى الشام
1/ عن معاوية بن حيدة ـ رضي الله عنه ـ قَالَ:
"أن النبي ( قال: عليكم بالشام"(1).
قال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ:
فكان مولد رسول الله ( بمكة، وابتداء النبوة له بها، ونزل الكتاب عليه بمكة، ثم أسري به إلى الشام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم رجع إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة، ثم في آخر عمره كتب إلى الشام، وإلى هرقل، وإلى كثير من أتباعه، ثم غزا بنفسه غزوة تبوك، ثم رجع، ثم بعث سرية إلى مؤتة، ثم بعث جيش أسامه، فتوفي رسول الله ( قبل خروجهم، ثم ابتدأ أبو بكر الصديق بفتوح الشام، واستكمل في زمن عمرـ رضي الله عنه ـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مقدمة كتابه "مناقب الشام وأهله":(1/12)
"ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء، وهي أحد ما اعتمدته في تحضيضي للمسلمين على غزو التتار، وأمري لهم بلزوم دمشق، ونهيي لهم عن الفرار إلى مصر، واستدعائي للعسكر المصري إلى الشام، وتثبيت العسكر الشامي فيه، وقد جرت في ذلك فصول متعددة فيه".أ.هـ
بركة بلاد الشام
جعل الله عز وجل في بلاد الشام البركة دلَّ على ذلك:
1/ قوله تعالى في سورة الأنبياء:
( وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأخْسَرِينَ(70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71).
عن الحسن: أن الأرض التي باركنا فيها: الشام(1). وروي ذلك عن مجاهد، وابن زيد، وابن جريج.
وعن قتادة: كانا بأرض العراق، فأنجيا إلى أرض الشام، وكان يقال للشام عماد دار الهجرة، وما نقص من الأرض زيد في الشام، وما نقص في الشام زيد في فلسطين، وكان يقال: هي أرض المحشر والمنشر، وبها مجمع الناس، وبها ينزل عيسى بن مريم، وبها يهلك الله شيخ الضلالة الكذَّاب الدجال.(2)
وقال ابن جرير ـ رحمه الله ـ: " هي أرض الشام، وإنما اخترنا ما اخترنا من القول في ذلك لأنه لا خلاف بين جميع أهل العلم أن هجرة ابراهيم من العراق كانت إلى الشام، وبها كان مقامه أيام حياته، وإن كان قد كان قدم مكة، وبنى بها البيت، وأسكنها إسماعيل ابنه مع أمه هاجر، غير أنه لم يقم بها، ولم يتخذها وطناً لنفسه، ولا لوط، والله إنما أخبر عن إبراهيم ولوط أنهما أنجاهما إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين.
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "ومعلوم أن إبراهيم إنما أنجاه الله ولوطاً إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والعراق".
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: يقول تعالى مخبراً عن إبراهيم أنه سلمه الله من نار قومه وأخرجه من بين أظهرهم مهاجراً إلى بلاد الشام إلى الأرض المقدسة منها.(1/13)
وقال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ: أي: الشام، .. ومن بركة الشام، أن كثيراً من الأنبياء كانوا فيها، وأن الله أختارها، مهاجراً لخليله، وفيها أحد بيوته الثلاثة المقدسة، وهو بيت المقدس.
وقال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ: وما أشار إليه جل وعلا من أنه بارك للعالمين في الأرض المذكورة التي هي الشام على قول الجمهور..بيَّنَه في غير هذا الموضع.أ.هـ
2/ أخرج أبو داود (2465 ـ عون)، عن عبد الله بن عمرو عن النبي ( قال: "سيكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم، وتقذرهم نفس الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم حيثما كانوا وتقيل معهم حيث قالوا"(1).
قال الخطابي: فالهجرة الثابتة هي الهجرة إلى الشام يرغب فيها خيار الناس، وهي مهاجر إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وعلى آلهما وسلم.أ.هـ
بشرى لأصحابنا
قال ابن تيمية:
وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من حرَّان(2) وغيرها إلى مهاجر إبراهيم، واتبعوا ملة إبراهيم، ودين محمد (.
وفي "الدر المنثور" عن معاوية بن أبي سفيان قال: إن ربك قال لإبراهيم عليه السلام: أعمر من العريش إلى الفرات الأرض المباركة، وكان أول من اختتن وقرى الضيف.(3)
2/ قوله تعالى في سورة الأعراف:
( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ(137).
والأرض هي: أرض الشام، قاله الحسن البصري، وقتادة، وعزاه السيوطي في " الدر المنثور" لزيد بن أسلم، وسفيان.
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "
وإنما أورث الله بني إسرائيل أرض الشام ".
3/ قوله تعالى في سورة الأنبياء:(1/14)
(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ(81).
والأرض، هي أرض الشام.
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: وسخرنا لسليمان بن داود الريح عاصفة، وعصوفها شدة هبوبها، تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها. يقول: تجري الريح بأمر سليمان إلى الأرض التي باركنا فيها يعني إلى الشام، وذلك أنها كانت تجري لسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى إلى منزله بالشام، فذلك قيل: إلى الأرض التي باركنا فيها.
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: وإنما كانت تجري ـ يعني الريح ـ إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان (.
4/ قوله تعالى في سورة سبأ:
(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ(18).
قال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ:
يقول تعالى ذكره مخبراً عن نعمته التي كان أنعمها على هؤلاء القوم الذين ظلموا أنفسهم، وجعلنا بين بلدهم وبين القرى التي باركنا فيها وهي الشام ، قرى ظاهرة.أ.هـ
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في "مناقب الشام وأهله":
وهو ما كان بين اليمن مساكن سبأ، وبين قرى الشام من العمارة القديمة كما ذكره العلماء.
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: يذكر تعالى ما كانوا فيه من النعمة والغبطة والعيش الهنيء الرغيد، والبلاد المرضية ، والأماكن الآمنة والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها بحيث أن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماء وثمراً، ويقيل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم.أ.هـ(1/15)
وقوله تعالى (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) يعني: قرى الشام، أخرج الطبري هذا القول عن مجاهد وقتادة، وأخرج السمعاني في " فضائل الشام" هذا القول عن طاوس ، ونقل ابن كثير هذا القول عن: الحسن، وسعيد بن جبير، ومالك عن زيد بن أسلم، والضحاك، والسدي، وابن زيد وغيرهم.
وقال: يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة.
5/ قوله تعالى في سورة الإسراء:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1).
ومما يستفاد من هذه الآية وصول النبي ( أرض الشام(1).
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: فهذه خمس آيات نصوص. والبركة تتناول البركة في الدين، والبركة في الدنيا، وكلاهما معلوم لا ريب فيه.
ومن فضائل بلاد الشام في الكتاب
1/ قوله تعالى في سورة التين:
( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1) وَطُورِ سِينِينَ(2) وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ(3).
قال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ:
ولا ريب أن لفظ القرآن يدل صريحاً التين والزيتون المأكولين، كما قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما، ولكنه قد يدل على مكانين شريفين وهما الطور والبلد الأمين، وهذه البقاع هي أشرف بقاع الأرض ومنها ظهرت النبوات العظيمة والشرائع المتبعة، فعامة أنبياء بني إسرائيل كانوا من الشام، وهي أرض التين والزيتون، ومنها ظهرت نبوة عيسى عليه السلام، وطور سيناء كلم الله منه موسى عليه السلام، والبلد الأمين فمنه ابتدي الوحي وإنزاله على محمد (، وهذه النبوات الثلاث هي أعظم النبوات والشرائع.
فمن قال من المفسرين أن التين والزيتون هما المأكولان فقوله صحيح باعتبار دلالة التين والزيتون على بقاعهما من الأرض فإن أرض الشام هي أرض التين والزيتون.(1/16)
ومن قال: التين دمشق، والزيتون بيت المقدس وفلسطين، فقوله صحيح باعتبار دمشق وما حولها هي بلاد التين، وفلسطين وبيت المقدس هي بلاد الزيتون.
ونقل ابن كثير عن بعض الأئمة قولهم:
هذه محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبياً مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار ( فالأول ) محله التين والزيتون وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام (والثاني) طور سينين وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران (والثالث) مكة وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمناً وهو الذي أرسل فيه محمد (.
وقال السمعاني ـ رحمه الله ـ: وقوله: (وَطُورِ سِينِينَ) أكثر المفسرين أنه الجبل الذي كلم الله عليه موسى، وقد ثبت عن عمر أنه قرأ: ( وطور سَيْناء ) وفي حرف ابن مسعود: (وطور سِيْناء) بكسر السين.
وقال الحسن: الطور هو الجبل، وسينين: المبارك.
قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ: فأقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها، وابتعث منها أفضل الأنبياء وأشرفهم.
2/قوله تعالى في سورة المائدة:
( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ(20) يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(21).
قال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ بعد أن عرض أقوال العلماء:
" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: هي الأرض المقدسة كما قال نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم، لأن القول في ذلك بأنها أرض دون أرض لا تدرك حقيقة صحته إلا بالخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به، غير أنها لن تخرج من أن تكون الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر، لإجماع أهل التأويل والسير والعلماء بالإخبار عن ذلك.(1/17)
قال ابن رجب الحنبلي: واعلم أن البركة في الشام تشمل البركة في أمور الدين والدنيا، ولهذا سميت الأرض المقدسة.
3/ قوله تعالى في سورة يونس:
(وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ..(93).
أخرج الطبري عن قتادة (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) قال: بوأهم الله الشام وبيت المقدس.
4/ قوله تعالى في سورة المؤمنون:
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ(50).
اختلف المفسرون في الربوة أين هي، وذهب قتادة والضحاك: إنها بيت المقدس، واستظهره الحافظ ابن كثير، قال: فهذا والله أعلم هو الأظهر لأنه المذكور في الآية الأخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، وهذا أولى ما يفسر به ثم الأحاديث الصحيحة ثم الآثار.
وإليك الأحاديث الصحيحة والآثار الواردة في:
فضائل الشام ومناقب أهله
3/ عن زيد بن ثابت الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ( يقول:
(يا طوبى للشام!يا طوبى للشام! يا طوبى للشام!قالوا: يا رسول الله ولم ذلك؟قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام)(1) .
4/ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (:
" قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ: هُنَاكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا أَوْ قَالَ: مِنْهَا يَخْرُجُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ"(2).
5/ عن عبد الله بن حوالة الأزدي عن النبي ( قال:(1/18)
ستجندون أجناداً، جنداَ بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن، قال عبد الله: فقمت فقلت: خر لي يا رسول الله، فقال: عليكم بالشام، (وفي رواية: عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها حزبه من عباده) فمن أبى فليلحق بيمنه، وليَسْتق من غُدُره(1)، فإن الله عز وجل قد تكفل ( وفي رواية: توكَّلَ ) لي بالشام وأهله.
قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث يقول: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه(2).
قال العز ابن عبد السلام ـ رحمه الله ـ: وهذه شهادة من رسول الله ( باختيار الشام، وبفضلها وباصطفائه ساكنيها، واختياره لقاطنيها، وقد رأينا ذلك بالمشاهدة، فإن من رأى صالحي أهل الشام ونسبتهم إلى غيرهم رأى بينهم من التفاوت ما يدل على اصطفائهم واجتبائهم.أ.هـ
6/ عن معاوية بن حيدة ـ رضي الله عنه ـ قَالَ:
" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَأْمُرُنِي؟ ( وفي رواية: خِرْ لي فقال بيده) قَالَ: هَاهُنَا وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ، قَالَ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالاً وَرُكْبَانًا وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ(1).
7/ وعن أبي أمامة الباهلي قال:
لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق، وقال رسول الله (: عليكم بالشام(2).
8/ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله ( يقول:
(إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثا من الموالي أكرم العرب فرسا وأجودهم سلاحا يؤيد الله بهم الدين)(3) .
9/ عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: أن رسول الله ( قال:
" فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق، من خير مدائن الشام".
وفي رواية ثانية قال: سمعت النبي ( يقول:" يوم الملحمة الكبرى، فسطاط المسلمن بأرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق خير منازل المسلمين يومئذ"(1).
10/ عن النواس بن سمعان الكلابي مرفوعا:(1/19)
(ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق)(2) .
11/عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ (:
" سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ، أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ قَالُوا فَبِمَ تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلَيْكُمْ بِالشَّأْمِ ".(3)
ومع ما ورد في حديث النبي رقم (2) وفيه "سيكون هجرة بعد هجرة" تبقى استمرارية الترغيب في الهجرة إلى الشام باعتبارها أرض الجهاد إلى آخر الزمان إلى وقت خروج النار من حضرموت وحشرها للناس في الشام. وهو الذي أفاده الحديث رقم (6) وفيه قوله (: ونحا بيده نحو الشام، قال: إنكم محشورون رجالاً وركباناً..الحديث.
فيهاجر آخر الزمان خيار الناس إلى الشام طوعاً، وأما شرار الناس فيحشرون إليها كرهاً.
ففي الصحيحين، وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عَنْ النَّبِيِّ ( قَالَ:
يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ، رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا.
ومعنى قوله (: (تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا) فيه إشارة إلى ملازمة النار لهم إلى أن يصلوا إلى مكان الحشر.
قال الخطابي: هذا الحشر يكون قبل قيام الساعة تحشر الناس أحياء إلى الشام.
وقال ابن رجب: فهذه الثلاث المذكورة في الحديث:
أحدها: من يحشر راغباً وهو من يهاجر إلى الشام طوعاً.
والثاني: من يحشر رهبة وخوفاً على نفسه لظهور الفتن في أرضه.
والثالث: من تحشره النار قسراً، وهو شر الثلاثة.
فالشام كما قال النبي (:(1/20)
12/ الشام أرض المحشر والمنشر(1).
المسلمون الموحدون أحق الناس بعمارة الأرض المباركة
فالمسلمون الموحدون أحق الناس بعمارة الأرض المباركة، والشام أشبه ما تكون بلد جهاد إلى قيام الساعة، لأن أعداء الله لن يكفوا عنها، فكان الترغيب للسكنى فيها، والرباط، والدعوة إلى التوحيد، ومؤازرة من فيها من أهل الحق عنواناً مهماً في حياة المسلم.
ولأنها كما ذكرنا حلبة الصراع بين الحق والكفر، فهي مركز قيادة الناس إلى الخير الذي بشر به النبي ( بقوله:
(إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة).
وهذه الطائفة هي أهل العلم بالآثار، ومن تبعهم اقتداء بالسلف الصالح ـ رضوان الله عنهم ـ عقيدة ومنهجاً.
13/عن لُقْمَانُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ؟ قَالَ:
دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ الشَّامِ(1).
قال ابن كثير في "تفسيره" (1/190):
"..وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه، ونبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم.."
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى (4/449):
"والنبي ( ميَّز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائماً إلى آخر الدهر، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة، وهذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام، فإن الحجاز التي هي أصل الإيمان نقص في آخر الزمان منها: العلم والإيمان والنصر والجهاد، وكذلك اليمن والعراق والمشرق، وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان ومن يقاتل عليه منصوراً مؤيداً في كل وقت".أ.هـ
14/ عن أبي أمامة عن النبي ( قال:(1/21)
"إن الله استقبل بي الشام، وولَّى ظهري اليمن، ثم قال لي: يا محمد إني قد جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقاً، وما خلف ظهرك مدداً، ولا يزال الله يزيد أو قال يعز الإسلام وأهله، وينقص الشرك وأهله، حتى يسير الراكب بين كذا ـ يعني البحرين ـ لا يخشى إلا جوراً، وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل"(1).
15/ وعن قُرَّة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (:
(إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)(2) .
قلت: ظهر من هذا الحديث لذي عينين مدى أهمية رجوع أهل الشام للحق، والحق يعني التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، محمد (، والذين معه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في "مجموع الفتاوى" (4/96): " ليتبين لك أن الذين يعيبون أهل الحديث ويعدلون عن مذهبهم، جهلة زنادقة منافقون بلا ريب؛ ولهذا لما بلغ الإمام أحمد عن ابن أبي فتيلة أنه ذُكر عنده أهل الحديث بمكة فقال: قوم سوء، فقام الإمام أحمد وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق، زنديق، زنديق، ودخل بيته؛ فإنه عرف مغزاه.(1)
16/ وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ هَانئٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( يَقُولُ:
لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ فَقَامَ مَالِكُ بْنُ يَخَامِرٍ السَّكْسَكِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ: وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَرَفَعَ صَوْتَهُ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ.(1/22)
أخرجه الإمام أحمد، وهو في الصحيحين.
وفي رواية أخرجها الإمام أحمد: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الشَّامِ حَدَّثَنِي الأنْصَارِيُّ قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ يَعْنِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( قَالَ:
لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ وَإِنِّي لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا هُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ.
17/ وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (:
لا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
نقل أبو داود في "مسائله" عن أحمد أنه قيل له: هذه الأحاديث التي جاءت: ( إن الله تكفَّل لي بالشام وأهله ) ونحو هذا؟ قال: ما أكثر ما جاء في هذا! قيل له: فلعله في الثغور؟ قال: لا، وقال: أرض بيت المقدس أين هي؟ ولا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ هم أهل الشام.
وأيد ابن تيمية قول الإمام أحمد أن أهل المغرب هم أهل الشام لوجهين:
1/ أن سائر الحديث بيان أنهم أهل الشام.
2/ أن لغة النبي ( وأهل مدينته في (أهل الغرب) هم أهل الشام، ومن يغرب عنهم، كما أن لغتهم في (أهل المشرق) هم أهل نجد والعراق، فإن المغرب والمشرق من الأمور النسبية، فكل بلد له غرب قد يكون غرباً لغيره، وله شرق قد يكون غرباً لغيره، فالاعتبار في كلام النبي (، لما كان غرباً وشرقاً له حيث تكلم بهذا الحديث وهي: المدينة.
إلى أن قال: فأخبر أن أهل الغرب لا يزالون ظاهرين، وأما أهل الشرق فقد يظهرون تارة، ويغلبون أخرى، وهكذا هو الواقع، فإن الجيش الشامي ما زال منصوراً.
وكان أهل المدينة يسمون الأوزاعي: إمام أهل المغرب. ويسمون الثوري شرقياً ومن أهل الشرق.
وبقول أحمد وابن تيمية قال ابن رجب والألباني ـ رحمهم الله ـ.(1/23)
قال ابن رجب: فإن التشريق والتغريب أمر نسبي، والنبي ( إنما قال هذا بالمدينة، وقد سمّى النبي ( أهل نجد والعراق: أهل المشرق؛ فكذلك كانوا يسمون أهل الشام: أهل المغرب؛ لأن الشام تتغرّب عن المدينة، كما أن نجداً تتشرَّق عنها؛ وكانوا يسمون البصرة هنداً، لأنها من جهة الهند، ومنها يسلك إلى الهند.
18/ وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( يَقُولُ:
" لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ( فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ بِنَا فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الأمَّةَ.(1)
وفي رواية صحيحة أن أميرهم: المهدي.
ومن المعلوم أن عيسى ابن مريم ( ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ـ كما تقدم ـ. ونقل ابن رجب الحنبلي في "فضائل الشام" قول مطرِّف: فنظرت في هذه العصابة فوجدتهم أهل الشام.
19/ وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (:
لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ.(2)
ومن المعلوم أن عيسى ابن مريم ( يدرك المسيح الدجال بباب لد بفلسطين فيقتله.
أهل الشام سوط الله في أرضه
20/ عن خُرَيْمَ بْنَ فَاتِكٍ الأسَدِيَّ يَقُولُ:
أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي الأرْضِ يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ، كَيْفَ يَشَاءُ، وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ، وَلَنْ يَمُوتُوا إِلاَّ هَمًّا أَوْ غَيْظًا أَوْ حُزْنًا.
رفعه الطبراني وهو ضعيف، ووقفه أحمد، وأبو يعلى، والفسوي، وهو الصحيح.(1)
سئل ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ:(1/24)
ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين؟ هل تفضل الإقامة في الشام على غيره من البلاد؟ وهل جاء في ذلك نص في القرآن والأحاديث أم لا؟ أجيبونا مأجورين.
فأجاب شيخ الإسلام والمسلمين ناصر السنة تقي الدين: الحمد لله، الإقامة في كل موضع تكون الأسباب فيه أطوع لله ورسوله، وأفعل للحسنات والخير. بحيث تكون أعلم بذلك، وأقدر عليه، وأنشط له، أفضل من الإقامة في موضع يكون حاله فيه في طاعة الله ورسوله دون ذلك. هذا هو الأصل الجامع. فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم.
"والتقوى" هي: ما فسرها الله تعالى في قوله تعالى: ( ولكن البر من آمن الله واليوم الآخر) إلى قوله تعالى: ( أولئك الذين صدقوا، وأوائك هم المتقون) وجماعها فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى عنه ورسوله. وإذا كان هذا هو الأصل فهذا يتنوع بتنوع حال الإنسان(1).
وقال رحمه الله:
وأما كثير من الناس فقد يكون مقامه في غير الشام أفضل له،.. وكثير من أهل الشام لو خرجوا عنها إلى مكان يكونون فيه أطوع لله ولرسوله لكان أفضل لهم. وقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي ـ رضي لله عنهما ـ يقول له: هلم إلى الأرض المقدسة! فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس احداً، وإنما يقدس الرجل عمله. وهو كما قال سلمان الفارسي؛ فإن مكة ـ حرسها الله تعالى ـ أشرف البقاع، وقد كانت في غربة الإسلام دار كفر وحرب يحرم المقام بها، وحرم بعد الهجرة أن يرجع إليها المهاجرون فيقيموا بها، وقد كانت الشام في زمن موسى ـ عليه السلام ـ قبل خروجه ببني إسرائيل دار الصابئة المشركين الجبابرة الفاسقين، وفيها قال تعالى: ( .. سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ(145) سورة الأعراف.(1/25)
فإن كون الأرض "دار كفر" أو "دار إسلام" أو "إيمان" أو "دار سلم" أو "حرب" أو "دار طاعة" أو "معصية" أو "دار المؤمنين" أو "الفاسقين" أوصاف عارضة؛ لا لازمة، فقد تنتقل من وصف إلى وصف كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم، وكذلك بالعكس.
وأما الفضيلة الدائمة في كل وقت ومكان ففي الإيمان، والعمل الصالح، كما قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) سورة البقرة.
وقال تعالى: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(112) سورة البقرة.
وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً(125) سورة النساء.
وإسلام الوجه لله تعالى هو إخلاص القصد والعمل له والتوكل عليه. كما قال تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) وقال: ( فاعبده وتوكل عليه)، وقال تعالى: (عليه توكلت وإليه أنيب).(1/26)
ومنذ أقام الله حجته على أهل الأرض بخاتم رسله محمد عبده ورسوله ( وجب على أهل الأرض الإيمان به وطاعته، واتباع شريعته ومنهاجه. فأفضل الخلق أعلمهم، أتبعهم لما جاء به: علماً، وحالاً، وقولاً، وعملاً، وهم أتقى الخلق، وأي مكان وعمل كان أعون للشخص على هذا المقصود كان أفضل في حقه؛ وإن كان الأفضل في حق غيره شيئاً آخر، ثم إذا فعل كل شخص ما هو أفضل في حقه، فإن تساوت الحسنات والمصالح التي حصلت له مع ما حصل للآخر فهما سواء، وإلا فإن أرجحهما في ذلك هو أفضلهما.
الأعمال بالنيات
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:
فلا ينبغي للرجل أن يلتفت إلى فضل البقعة في فضل أهلها مطلقاً؛ بل يعطى كل ذي حق حقه، ولكن العبرة بفضل الإنسان في إيمانه، وعمله الصالح، والكلم الطيب، ثم قد يكون بعض البقاع أعون على بعض الأعمال كإعانة مكة ـ حرسها الله تعالى ـ على الطواف، والصلاة المضعفة، ونحو ذلك. وقد يحصل في الأفضل معارض راجح يجعله مفضولاً: مثل من يجاور بمكة مع السؤال، والاستشراف، والبطالة عن كثير من الأعمال الصالحة، وكذلك من يطلب الإقامة بالشام لأجل حفظ ماله وحرمة نفسه، لا لأجل عمل صالح. فالأعمال بالنيات.
وهذا الحديث الشريف إنما قاله النبي ( بسبب الهجرة فقال: إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لكل امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.
قال ذلك بسبب أن رجلاً كان قد هاجر يتزوج امرأة يقال لها: أم قيس، وكان يقال له: مهاجر أم قيس.
ثم ختم كلامه ـ رحمه الله ـ بقوله:
وإذا فضلت جملة على جملة، لم يستلزم ذلك تفضيل الأفراد على الأفراد، كتفضيل القرن الثاني على الثالث، وتفضيل العرب على ما سواهم، وتفضيل قريش على ما سواهم، فهذا هذا، والله أعلم.(1/27)
الطائفة المنصورة
واستقرار العلم والإيمان في الشام
بناء على ما تقدم فقوله (: في الحديث (رقم:2) "فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم"، وفي الحديث (رقم:5) " فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها حزبه من عباده"، وقوله (: "فإن الله عز وجل قد تكفل ( وفي رواية: توكَّلَ ) لي بالشام وأهله". وفي الحديث (رقم:7) "لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق"، وفي الحديث (رقم:8) "إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي". وفي الحديث (رقم:13) "ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام". وفي الحديث (رقم:14) "إن الله استقبل بي الشام.. إلى أن قال: يا محمد إني قد جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقاً" وفي الحديث (رقم:15) "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين.." وفي الحديث (رقم:16) "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين وإني لأرجو أن تكونوا هم يا أهل الشام". وفي الحديث (رقم:17) "لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". وفي الحديث (رقم:18) " قال: فينزل عيسى ابن مريم ( فيقول أميرهم ـ وهو المهدي ـ لا إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله عز وجل هذه الأمة". وفي الحديث (رقم:19) حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال".
لذا جاءت وصية النبي ( بالشام إذا وقعت الفتن.
21/ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (:
(إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام)(1) .
قال الشيخ العز ابن عبد السلام:
أخبر ( أن عمود الإسلام الذي هو الإيمان؛ يكون عند وقوع الفتن بالشام، بمعنى أن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام براء من ذلك ثابتين على الإيمان، وإن وقعت في غير الدين كان أهل الشام عاملين بموجب الإيمان، وإي مدح أتم من ذلك.أ.هـ(1/28)
22/ وأخرج الفسوي في كتاب "المعرفة والتاريخ" (2/304) والحاكم في "المستدرك" (4/457) موقوفاً عن عبد الله بن عمرو قال:
يأتي عليكم زمان لا يبقى مؤمن إلا لحق بالشام(2).
ومثله عن حذيفة ـ أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (15/62) بإسناد حسن ـ قال: ليأتين على الناس زمان يكون للرجل أحمرة يحمل عليها إلى الشام أحب إليه من عرض الدنيا.
ولهذا كان المقام في الثغور بنية المرابطة في سبيل الله تعالى أفضل من المجاورة بالمساجد الثلاثة باتفاق العلماء؛ فإن جنس الجهاد أفضل من جنس الحج، كما قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ(20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ(21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(22) سورة التوبة.
أخرج مسلم في "صحيحه" ـ واللفظ له ـ وأحمد، وعبد الرزاق، وابن جرير، وأبو داود، وابن حبان، وعزاه ابن كثير لابن مردويه، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم، وعزاه السيوطي لابن المنذر، والطبراني، وأبو الشيخ عن النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ( فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لا أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإسْلامِ إِلاَّ أَنْ أُسْقِيَ الْحَاجَّ، وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لا أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإسْلامِ إِلاَّ أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ.(1/29)
فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ( ـ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ـ وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) الآيَةَ إِلَى آخِرِهَا.
وفي الصحيحين وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ( أَيُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ.
23/ وعن سلمة بن نفيل الكندي ـ رضي الله عنه ـ قال:
كنت جالساً عند رسول الله (، فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل(1)، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله ( بوجهه، وقال:
كذبوا، الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ(2) الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إلي: أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفناداً، يضرب بعضكم لرقاب بعض، وعقر دار المؤمنين بالشام(1).
فتح بلاد الشام
في الصحيحين، وغيرهما، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (:(1/30)
تُفْتَحُ الشَّامُ فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(1).
وصل النبي ( أرض الشام ليلة أسري به، وصلى في المسجد الأقصى، وصلى بالنبين والمرسلين إماماً فيه، وبشر بفتح بيت المقدس، وكتب بنفسه إلى الشام، وإلى هرقل، وإلى كثير من أتباعه، ثم غزا بنفسه غزوة تبوك، ثم رجع، ثم بعث سرية إلى مؤتة، ثم بعث جيش أسامه، ثم ابتدأ أبو بكر بفتوح الشام، واستكمل في زمن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العز بغيره.
أخرج الحاكم في "المستدرك" (1/61 ـ 62)(1) عن طارق بن شهاب قال:خرج عمر بن الخطاب إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أأنت تفعل هذا؟! تخلع خفيك وتضعهما على عاتقيك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟! ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك! فقال عمر: أوه لو يقل ذا غيرك يا أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد (! إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.
ـ وفي رواية ـ: يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العز بغيره.
ويعيد التاريخ نفسه، ويتعاقب الليل والنهار، ويتعاقب بتعاقبهما الظلام والنور، فمن ظلمة يعقبها نور، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.(1/31)
أخرج أحمد في "المسند" (3/477) عَنْ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِلإسْلامِ مِنْ مُنْتَهَى؟ قَالَ: أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: نَعَمْ أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ الْعُجْمِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ الإسْلامَ قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَأَنَّهَا الظُّلَلُ، قَالَ كَلاَّ وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ثُمَّ تَعُودُونَ فِيهَا أَسَاوِدَ صُبًّا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَقَرَأَ عَلَيَّ سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ أَسَاوِدَ صُبًّا، قَالَ سُفْيَانُ: الْحَيَّةُ السَّوْدَاءُ تُنْصَبُ أَيْ تَرْتَفِعُ(1).
وأخرج الإمام أحمد والشيخان عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ ( عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ قَالُوا: لا، قَالَ: إِنِّي لأرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلالَ بيوتكم كَوَقْعِ الْقطَرِ(2).
وهكذا حال المسلمين..الفتن تقع خلال بيوتهم كوقع المطر، وما من زمان يمر عليهم؛ إلا والذي بعده شر منه، حتى يلقوا ربهم عز وجل.
ولكن الله رؤوف بعباده، رحيم بهم، فلا يبقى الظلام دامساً من حولهم فيقنطوا من رحمة الله، فبين الفترة والفترة يبرز نور يضيء لهم الطريق ثم يخبو ليعود الظلام.
وجاء فتح الشام مرة أخرى على يد صلاح الدين الأيوبي ومما قاله خطيب المسجد الأقصى محمد بن أبي الحسن ـ رحمه الله ـ في الجمعة التالية للفتح (27/رجب/583):(1/32)
أيها الناس: أبشروا برضوان الله تعالى، الذي هو الغاية القصوى، والدرجة العالية، لما يسر الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة وردها إلى مقرها من الإسلام، بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريباً من مائة عام. وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع فيه اسمه، وإماطة الشرك عن طرقه بعد ان امتد عليها رواقه واستقر فيها رسمه، ورفع قواعده بالتوحيد، فإنه بني عليه، وشيد بنيانه بالتحميد، فإنه أسس على التقوى من خلفه ومن بين يديه. فهو موطن أبيكم إبراهيم، ومعراج نبيكم عليه السلام، وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام، وهو مقر الأنبياء، ومقصد الأولياء، ومهبط الوحي، ويتنزل به الأمر والنهي، وهو في أرض المحشر، وصعيد المنشر، وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين. وهو المسجد الذي صلى فيه رسول الله ( بالملائكة المقربين، وهو البلد الذي يبعث الله إليه عبده ورسوله، وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه: عيسى الذي كرمه الله برسالته، وشرفه بنبوته، ولم يزحزحه عن رتبه عبوديته. فقال تعالى: (لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ..(172) سورة النساء.
كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالاً بعيداً، ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ(91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(92) سورة المؤمنون. وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ..(17) سورة المائدة.
إلى ان قال ـ رحمه الله ـ بخصوص المسجد الأقصى:(1/33)
هو البيت الذي عظمته الملل، وأثنت عليه الرسل، وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من الله عز وجل. أليس هو البيت الذي أمسك الله عز وجل لأجله الشمس على يوشع بن نون أن تغرب؟ وباعد بين فتراتها، ليتيسر فتحه ويقرب؟ أليس هو البيت الذي أمر الله عز وجل موسى أن يأمر قومه باستنقاذه فلم يجبه إلا رجلان؟ وغضب عليهم لأجله فألقاهم في التيه عقوبة للعصيان؟ فاحمدوا الله الذي أمضى عزائمكم لما نكلت عنه بنو اسرائيل وقد فضلت على العالمين، ووفقكم لما خذل فيه أمما قبلكم من الأمم الماضين، وجمع لأجله كلمتكم وكانت شتى، وأغناكم بما أمضته كان، وقد، عن، سوف، وحتى.
وقال ـ رحمه الله ـ:
واحذروا عباد الله بعد ان شرفكم بهذا الفتح الجزيل وهذا المنح الجزيل، وخصكم بنصره المبين، أن تقترفوا كبيرا من مناهيه، وان تأتوا عظيما من معاصيه، فتكونوا (.. كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ..(92) سورة النحل، وكالذي (.. آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ(175) سورة الأعراف.(1/34)
والجهاد الجهاد، فهو أفضل عباداتكم، وأشرف عاداتكم، انصروا الله ينصركم، احفظوا الله يحفظكم، أذكروا الله يذكركم، اشكروا الله يزدكم ويشكركم، جدوا في حسم الداء، وقلع شأفة الأعداء، وطهروا بقية الأرض من هذه الأنجاس التي أغضبت الله ورسوله، وقطعوا فروع الكفر واجتثوا أصوله، فقد نادت الأيام بالثارات الإسلامية والملة المحمدية، الله أكبر!فتح ونصر، غلب الله وقهر، أذل الله من كفر! واعلموا رحمكم الله، أن هذه فرصة فانتهزوها، وفريسة فناجزوها، ومهمة فاخرجوا لها همتكم وأبرزوها، وسيروا لها عزماتكم وجهزوها. فالأمور بأواخرها والمكاسب بذخائرها، فقد أظفركم الله بهذا العدو المخذول، وهم مثلكم أو يزيدون، فكيف وقد أضحى قبالة الواحد منهم منكم عشرون؟! وقد قال الله تعالى (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ..(65) من سورة الأنفال. أعاننا الله وإياكم على اتباع أوامره، والإزدجار بزواجره، وأيدنا معشر المسلمين بنصر من عنده (إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(160) من سورة آل عمران.
ثم قال ـ رحمه الله ـ:
آمركم وإياي بما أمر الله من حسن الطاعة فأطيعوه، وأنهاكم وإياي عما نهاكم عنه من قبح المعصية فلا تعصوه. ثم دعا للإمام الناصر خليفة العصر(1).أ.هـ
قلت: واليوم نعيش في الشام وقد عطِّل فيها شرع الله، وانتشر الفساد بشتى صوره، وتسلط عليها الأعداء.(1/35)
إننا اليوم بحاجة إلى بعث جديد يعيد المجد والعزة، ولا يبقي الذلة والهوان، بعث يعيد لهذه الأمة الإمامة في الأرض، ولن يتأتى ذلك إلا إذا عبد الله عز وجل حق العبادة، وحمد حمداً كثيراً، وتخلق أهل هذا الدين بالوفاء الذي تخلق به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وتمسكوا بأوامر الله الواردة في كتابه وعلى لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فجاهدوا في الله من أجل ذلك حق الجهاد، وأعدوا لذلك كله العدة، فاهتم كثير من أبنائهم بهذا الدين فجلسوا مجالس العلم الصحيح النافع، وشمروا في سبيل الله داعين، واضعين نصب أعينهم دائما فهم السلف الصالح لهذا الدين، طاردين من أذهانهم فكر كل ضال وطالح غير أمين، رادين كل خلاف بينهم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ملتفتين إلى خصوم الدين بردعهم وردع الحانقين الناقمين والمبتدعين، ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من ناوأهم، يبينون للناس الحق كما فهمه الأوائل الأقدمون، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخشون في الله لومة لائم.
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في " كشف الكربة في وصف حال الغربة"
" وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلّة فبسببها تفرق أهل القبلة، وصاروا شيعاً وكفَّر بعضهم بعضاً، وأصبحوا أعداءً وفرقاً وأحزاباً، بعد أن كانوا إخواناً قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله (:
( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
قال الصابوني ـ رحمه الله ـ في "عقيدة السلف":(1/36)
"وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب بريئة زكية نقية، وليسوا إلا أهل السنة المضية، والسيرة المرضية، والسبل السوية، والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله جل جلاله لاتباع كتابه ووحيه وخطابه، واتباع أقرب أوليائه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلمفي أخباره التي أمر بها فيها أمته بالمعروف، من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منهما، وأعانهم على التمسك بسيرته، والاهتداء بملازمة سنته".
المهدي المنتظر وبلاد الشام
روي من حديث أنس، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عمر، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو، ( وهو في الصحيحة رقم:2286) قوله صلى الله عليه وسلم:
(مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ؟).
قال المناوي في "الفيض": " قال البيضاوي: أراد به نفي التفاوت في الخيرية؛ لاختصاص كل منهم بخاصية توجب خيريَّتها؛ كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النماء لا يمكن إنكارها والحكم بعدم نفعها؛ فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات وتلقوا دعوة الرسول بالإجابة والإيمان، والآخرين آمنوا بالغيب لما تواتر عندهم من الآيات واتبعوا الذين قبلهم بإحسان، وكما اجتهد الأولون في التأسيس والتمهيد اجتهد المتأخرون في التجريد والتلخيص، وصرفوا عمرهم في التقدير والتأكيد؛ فكل مغفور، وسعيه مشكور، وأجره موفور".
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (15/199) عن أحد من الصحابة مرفوعاً ـ بإسناد صحيح ـ "إن المهدي لا يخرج حتى يُقتلَ النفس الزكيَّة فإذا قتلت النفس الزكية، غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وتخرج الأرض من نباتها وتمطر السماء مطرها وتنعم أمتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط".
قال شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ ( يعلق على الحديث رقم:1529 في الصحيحة ):(1/37)
ووصَف النبي ( المهدي بصفات بارزة أهمها: أنه يحكم بالإسلام، وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله على رأس كل مائة سنة، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم والعمل به لتجديد الدين، فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه وترك الاستعداد والعمل لإقامة حكم الله في الأرض، بل العكس هو الصواب، فإن المهدي لن يكون أعظم سعيا من نبينا صلى الله عليه وسلم الذي ظل ثلاثة وعشرين عاما وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام، وإقامة دولته، فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعاً وأحزاباً، وعلماءهم ـ إلا القليل ـ منهم اتخذهم الناس رؤوساً! لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد، وتحت راية واحدة، وهذا بلا شك يحتاج إلى زمن مديد الله أعلم به، فالشرع والعقل معا يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين، حتى إذا خرج المهدي، لم يكن بحاجة إلاَّ أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج فقد قاموا هم بواجبهم والله يقول: ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
24/ أخرج أحمد، وأبو داود، والحاكم عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ الأزْدِيُّ قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ( لِنَغْنَمَ عَلَى أَقْدَامِنَا فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا، فَقَامَ فِينَا فَقَالَ:(1/38)
اللَّهُمَّ لا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ عَنْهُمْ، وَلا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَلا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، أَوْ قَالَ: عَلَى هَامَتِي، ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ حَوَالَةَ! إِذَا رَأَيْتَ الْخِلافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الأرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلازِلُ وَالْبَلابِلُ وَالأمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ويتبعه قريباً ـ إن شاء الله ـ الجزء الثاني
(1) بهذا الاسم سماه، وقدم له أخي في الله الشيخ الفاضل علي بن حسن الحلبي الأثري ـ حفظه الله ونفع به ـ ، وقد جمعت فيه ما ورد بفضيلة بيت المقدس والمسجد الأقصى من الآيات والأحاديث النبوية، وقمت بفضل من الله تعالى بتخريج الأحاديث تخريجاً مستوعباً، سهل لي الحكم على طرقها ومن ثم الحكم عليها، وأضفت إلى التخريج ما دعاني إلى شرح غريب ألفاظها، وبيان فقهها، وتكلمت عقبها بشيء موجز عن تاريخ المسجد الأقصى المبارك. فأسأل الله تعالى أن يعيده إلى حوزة المسلمين إنه هو السميع العليم.
(1) أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد.
(1) وللاستعانة أنظر مقدمة كل من كتاب ابن حبان " المجروحين " وكتاب الألباني " تمام المنة ".
(1) رواه مسلم في " صحيحه " ( النووي 13/61) وأحمد في " المسند" (2/204).
(2) أنظر " السلسلة الصحيحة " رقم (1866).
(1) رواه الترمذي ، وأحمد، وإسناده صحيح.
(2) أخرجه الترمذي في سننه (1322) وقال: حسن صحيح.
(3) الفتح (3/206)، والحديث ذكره البخاري أيضاً في كتاب "أحاديث الأنبياء" ـ الفتح (6/440).(1/39)
(1) ومما ذكره عروة بن رؤيم، المتوفى سنة (132هـ) انطلق أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يريد الصلاة ببيت المقدس، فأدركه أجله بفحل- قرب بيسان -، فتوفي بها. وقال أبو عبيدة: ادفنوني من غربي النهر إلى الأرض المقدسة. ثم قال: ادفنوني حيث قبضت، فإنني أتخوف أن تكون سنة، مات سنة ثماني عشرة في طاعون عمواس.( مثير الغرام، سير أعلام النبلاء، شذرات الذهب ).
وعلى ذكر الطاعون، فقد أخرج الإمام أحمد، وهو في "الصحيحة" (رقم:761) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، والطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجساً على الكافرين.
قلت: فيكون هذا الحديث من أحاديث فضائل الشام، وهو لمؤمني هذه الأمة رحمةً وشهادةً.
(1) قلت: رواه مالك في "الموطأ" (3/235) ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (1/205) من غير ذكر (وأرض الجهاد) وذكره السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 103) وقال: وهو مع كونه موقوفاً منقطعاً، لكنه في تاسع المجالسة للدينوري من حديث يحي بن سعيد عن عبد الله بن هبيرة قال: كتب أبو الدرداء وذكره بزيادة وأرض الجهاد. قلت: ووجدته أيضا من هذا الطريق بهذه الزيادة عند أبو المعالي ( مخطوطة ص 66) قال:
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله قال:أنا الحسن بن إسماعيل بمصر ، قال:أنا أحمد بن مروان المالكي، قال نبا أبو قلابة قال: نبا سعيد يعني ابن سليمان، قال: نبا عباد يعني ابن العوام عن يحي بن سعيد عن عبد الله بن هبيرة قال: كتب أبي الدرداء الى سليمان: أن هلم إلى الأرض المقدسة وأرض الجهاد، فكتب إليه: إن الأرض المقدسة لا تقدس أحداً إنما يقدس المرء عمله.
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات، سعيد بن سليمان هو الواسطي المعروف بسعدويه قال أبو حاتم: ثقة، مأمون. وعباد بن العوام هو أبو سهل الكلابي الواسطي قال الحافظ في التقريب (ثقة).(1/40)
(1) هو صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدي، روى عن عبد الله بن عباس، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وشهد معه صفين وأمره على بعض الكراديس، من أهل الكوفة، كان خطيبا بليغاً عاقلاً له شعر، قال النسائي: ثقة، وقال محمد بن سعد: كان ثقةً قليل الحديث. مات سنة ستين للهجرة. ( تهذيب الكمال، الأعلام ).
(1) وبيت المقدس، أصله من القدس، وهي الطهارة والبركة. والقدس: اسم مصدر في معنى الزيادة، لأنه تعالى في غاية الكمال، ومن أجازه، فمعناه باسمه تنال البركة، وهي الزيادة في الخير. وبارك لي في الموت، قال ثعلب: ما يزيد في الخير عند الموت وبعده. ( من مخطوطة في فضائل بيت المقدس لأبي اسحق إبراهيم بن يحي بن أبي الحفاظ المكناسي ).
(1) الخرق: الجهل والحمق ( لسان العرب - مادة خرق - ).
(2) وهو كتابي " المستقصى لأحاديث فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى ".
(1) المقصود بكلمة الفضائل فضائل القرآن وسوره، ولكنها حملت فيما بعد على أنها أحاديث الفضائل مع اختلاف مواضيعها بما فيها فضائل البلدان.
يقول الألباني رحمه الله:( من مساويء هذه القاعدة التي تقول:( يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) وهي قاعدة غير صحيحة، إثبات أحكام شرعية بأحاديث ضعيفة والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، بل إن بعضهم يثبت ذلك بأحاديث موضوعة اعتماداً منه على تضعيف مطلق للحديث من بعض الأئمة بينما هو في الحقيقة موضوع).(1/41)
(2) قلت: بتراكم هذه المقدمات، والمسببات، وجهل العوام بأحكام الدين، ومعرفة سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وتقاعسهم عن طلب العلم النافع، والعمل الصالح، وتقليد من لا علم عنده ولا تقوى، واعوجاج الفكر، وانحطاط الفهم، وقلة العلماء بل وندرتهم، والتقليل من شأنهم واحترامهم، وانشغال الناس حكّاماً ومحكومين في دنياهم أكثر من آخرتهم، كل هذا كان تربة خصبة لنبات البدع وانتشارها مما ولّد معتقدات سائدة بين الناس أصبحت في مفهومهم الدين بل والدين كله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(1) كانوا يطلقون "العظام" ويريدون البدن كله، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، فيكون المعنى موافقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
(1) أخرجه السمعاني في "فضائل الشام" (13) بإسناد صحيح. وهو في صحيح الجامع (4069).
(1) أخرجه ابن جرير الطبري في " جامع البيان "، والسمعاني في " فضائل الشام " وابن عساكر في " تاريخ مدينة دمشق ".
(2) أخرجه ابن جرير في " الجامع ".
(1) وهو حديث حسن بطرقه كما قال شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ إذ أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمرو، وأخرجه أحمد وابن عساكر عن عبد الله بن عمر. ( تخريج أحاديث فضائل الشام صفحة 82و83).
(2) أشار ـ رحمه الله ـ لهجرة عائلته من حران عندما هاجمها التتار يوم أن كان عمره ست سنوات.
(3) عزاه السيوطي في " الدر المنثور " لابن عساكر.
(1) انظر في هذا الكتاب " أحاديث الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى ".
(1) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. والحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقاه: الذهبي في " التلخيص "، والألباني في " تخريج أحاديث فضائل الشام ". وتتبع تخريجات شيخنا ـ رحمه الله ـ للحديث في " السلسلة الصحيحة " رقم (503 ).(1/42)
(2) بهذا اللفظ أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب، والحديث في الصحيحين وعند أحمد ومالك، وانظر " تخريج أحاديث فضائل الشام " صفحة (23). والمقصود بـ (نجد) العراق.
(1) بضم الغين والدال، جمع غديره، وهي القطعة من الماء يغادرها السيل، وهو فعيل بمعنى فاعل، لأنه يغدر بأهله، أي ينقطع عند شدة حاجتهم إليه.
(2) هو حديث صحيح أخرجه الربعي "فضائل الشام"، والحاكم، وأحمد من طرق، وأبو داود، والطحاوي في المشكل ( انظر: تخريج فضائل الشام لشيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ).
(1) حديث صحيح، أخرجه أحمد، والترمذي، والحاكم، وابن عساكر، وغيرهم.
(2) أخرجه الإمام أحمد في " المسند" ( 5/249 )، وإسناده حسن.
(3) أخرجه ابن ماجه، والحاكم، وصححه شيخنا ـ رحمه الله ـ في " تخريج فضائل الشام " صفحة (61).
(1) أخرجه أبو داود، والحاكم، وأحمد، وهو صحيح الإسناد قاله: الذهبي، والمنذري، والألباني ـ رحمهم الله ـ.
(2) أخرجه مسلم، وأبوداود، وابن ماجه، والترمذي، والحاكم، وأحمد وقال الترمذي: حديث صحيح. "تخريج أحاديث فضائل الشام" صفحة رقم (58).
(3) حديث صحيح رواه: أحمد، قال شيخنا: إسناده عند أحمد على شرط الشيخين ، والترمذي وصححه ، وابن أبي شيبة، وغيرهم كثير.
(1) صحيح الجامع رقم: 3726.
(1) أخرجه أحمد، والطبراني في الكبير، وهو في الصحيحة (1925).
(1) أخرجه أبو نعيم، وابن عساكر، وهو في الصحيحة (35).
(2) أخرجه الطيالسي، ومن طريقه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (تخريج فضائل الشام صفحة رقم 19). وأخرجه أحمد، وابن أبي شيبة في المصنف (12/190) وغيرهم وله شواهد كثيرة وانظر في " السلسلة الصحيحة " رقم (403).
(1) وانظر دروسنا "سلسلة تبسيط العقيدة" (من درس 42 - 50).
(1) الحديث أخرجه مسلم، وأحمد، والحارث بن أبي أسامه، وهو في الصحيحة (1960)، و (2236).(1/43)
(2) الحديث أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم، والطبراني في الكبير ، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقاه الذهبي والألباني (الصحيحة:1959)
(1) وانظر السلسلة الضعيفة حديث رقم: 13
(1) مجموع الفتاوى (27/39-40).
(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك "، وأبو نعيم في " الحلية "، وأخرجه الإمام أحمد ( 5/198 - 199 ) وصححه شيخنا في " تخريج أحاديث فضائل الشام " صفحة (15).
(2) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(1) أي أهان، وقيل أنهم وضعوا أداة الحرب عنها وأرسلوها، كما في النهاية.
(2) يزيغ: أي يميل.
(1) الحديث أخرجه النسائي، وابن حبان، وأحمد، وابن سعد في الطبقات، والطبراني في الكبير، والحربي في غريب الحديث، وعزاه شيخنا الألباني للبغوي في مختصر المعجم، وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم ( السلسلة الصحيحة رقم: 1935 و 1961).
(1) ومعنى الحديث: أن الشام واليمن والعراق تفتح، فتنال إعجاب أقوام، لما فيها من الرخاء وطيب العيش، فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم واهليهم حتى يخرجوا من المدينة، والحال ان المدينة خير لهم، لأنها حرم الرسول صلى الله عليه وسلم، وجواره، ومهبط الوحي. ولما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فضائل لها. ومنزل البركات، لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الدينية بالعوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها.
ومعنى يبسون: أي: يسوقون بهائمهم سائرين عن المدينة إلى غيرها، وأصل الكلمة من البس ( بس، بس) وهي كلمة تقال لزجر الإبل وحثها على الإسراع في المشي.
(1) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقاه الذهبي والألباني. ( السلسلة الصحيحة رقم:51).
(1) وإسناده صحيح، وراجع الصحيحة رقم: 51
(2) يعني: المطر.
(1) من كتاب مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام لأحمد بن محمد المقدسي ـ رحمه الله ـ.
??
??
??
??
14
13(1/44)
فهرس الموضوعات
المقدمة
المسجد الأقصى المبارك ـ حرسه الله ـ.
أي مسجد وضع في الأرض أول؟
فضل الصلاة في المسجد الأقصى
لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
من البدع الفاشية شد الرحال إلى مساجد فيها أضرحة وقبور
من نذر أن يصلي في المسجد الأقصى
الاعتكاف في المسجد الأقصى
فتح يوشع بن نون عليه السلام بيت المقدس
يحيي بن زكريا يجمع الناس في المسجد الأقصى
أحاديث الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى
تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
ما بشر به النبي صلى الله عليه وسلم من فتح بيت المقدس
عمران بيت المقدس
ذكر ان المسجد الأقصى لا يدخله الدجال "مسيح الضلالة"
يأجوج ومأجوج وجبل بيت المقدس
الخاتمة
جريدة المصادر والمراجع
المقدمة
?
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) سورة آل عمران.
(يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1) سورة النساء
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71) سورة الأحزاب.
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.(2/1)
في هذا الجزء ـ الجزء الثاني من كتاب إسعاد الأخصَّا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى ـ ذكرت أحاديث فضائل المسجد الأقصى ـ المحروس ـ التي استخرجتها من كتب الأحاديث النبوية على وجه العموم، وكتب الفضائل التي تناولت فضيلة المسجد الأقصى المبارك على وجه الخصوص، وأوردتها في كتابي "المستقصى".
لكن بناء على طلب الأخوة الأفاضل ـ بارك الله فيهم ـ فقد جمعت لهم هنا ـ من غير إطالة ـ ما ذكرته في "المستقصى" من الأحاديث الصحيحة والآثار، مكتفياً بذكر النص، وتخريجه تخريجاً مختصراً، شارحاً بذيله غريب ألفاظه، ومعلقاً عليه تعليقاً يسيراً، رجاء أن ينتفع به المسلمون.
سائلاً المولى تعالت قدرته أن يكون عملي خالصاً لوجه، وأن يجعله في ميزان حسناتي، فإن كان ثم خطأ فمني ومن الشيطان، وإن كان صواباً فمن الله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الشام ـ بيت المقدس أبو عبد الرحمن السلفي المقدسي
الأول من محرم / 1421 هشام بن فهمي العارف
وبعد،
في القرن الأول والثاني الهجري لم تظهر كتب مستقلة ( فيما يعلم ) تتحدث عن فضل مدينة ما، وإنما الذي ورد إما أحاديث مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو قصة، أو رواية، تتحدث عن فضل هذه المدينة، أو تلك، جرى تبويبها ضمن باب، أو فصل، أو جزء، من كتاب من كتب الأحاديث، أو كتب التفاسير،أو كتب التاريخ، أو كتب الأدب ........
فعلى سبيل المثال كتاب ( الفرائض ) لسفيان الثوري المتوفى سنة (161هـ) احتوى على باب في فضل المدينة ( أي المدينة المنورة ).
ويبدو أن أبا الوليد الأزرقي المتوفى تقريباً سنة ( 222هـ )، صاحب كتاب (أخبار مكة المشرفة) يعتبر من أوائل من وضع كتاباً مستقلاً تحدث فيه عن مثل هذا النوع من الفضائل.(2/2)
وتبعه ابن شاذان الواسطي المتوفى تقريباً سنة ( 246هـ )، وله كتاب (أخبار المدينة)، ثم ابن شبة النميري المتوفى تقريباً سنة ( 264هـ )، وله (أخبار المدينة، وأخبار مكة، وأخبار أهل المدينة). والفاكهي المتوفى سنة (272هـ ) وله (أخبار مكة). والمفضل محمد بن ابراهيم الجندي الشعبي المتوفى تقريباً سنة (308هـ) وله أيضاً كتاب (فضائل مكة). وأبو العباس أحمد الرضي المتوفى تقريباً سنة (286هـ) وله (فضائل بغداد وأخبارها).(1) ومحمد بن أبي بكر التلمساني وله كتاب (وصف مكة شرفها الله وعظمها، ووصف المدينة الطيبة ووصف بيت المقدس المبارك وما حوله)(2) .
وفي مطلع القرن الخامس الهجري وصلت كتب الفضائل المستقلة إلى غايتها ومنها كتاب:
أولا: (فضائل البيت المقدس)(1) لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي، ويعتبر أقدم كتاب مستقل عن فضائل بيت المقدس وصل إلينا لذا نجد كثيراً من أسانيد من تبعه مثل أبي المعالي، وابن الجوزي، والقاسم بن عساكر، وابن سرور المقدسي، والكنجي، هي من طريقه.
ثانيا: (فضائل بيت المقدس والخليل وفضائل الشام)(2) لأبي المعالي المشرف بن المرجى بن إبراهيم المقدسي ويعتبر هذا الكتاب من أشهر كتب فضائل بيت المقدس ومن أقدمها، ويلاحظ أنه استفاد من تجربة الواسطي كثيراً، وأخرج كثيراً من الأحاديث في الفضائل من طريقه، وزاد عليه، مما جعله وكتاب الواسطي مرجعين خصبين لمن جاء بعدهما ممن كتب في تاريخ بيت المقدس وفضائلها في القرون التالية مثل:
1- أبي القاسم مكي بن عبد السلام الرميلي المقدسي المحدث ( وهو من تلاميذ أبي المعالي ) وله كتاب في فضائل بيت المقدس لم يتم لأن المؤلف رحمه الله قتله الصليبيون في أنطاكية بعد أسره في بيت المقدس عند احتلالهم لها(3) سنة (492هـ)، وذهب كتابه معه، ولا نستبعد أن يكون قد ضمنه كثيراً مما رواه أبو المعالي.(2/3)
2- عبد الرحمن بن الجوزي، المتوفى سنة (597هـ)، وله كتاب (فضائل القدس) وضعه بناء على طلب أحد المقدسيين كما قال في المقدمة (سألني بعض المقدسيين أن أذكر له فضائل بيت المقدس، فذكرته مبوباً أبواباً ألتمس بذلك أجراً وثواباً ...... الخ) وكان أكثر أسانيد ابن الجوزي في كتابه: فضائل القدس من طريق سلفه الواسطي.
3- أبي محمد بن عساكر بهاء الدين الشافعي المتوفى سنة (600هـ) وله (الجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى).
4- وشمس الدين محمد بن محمد بن حسين الكنجي المتوفى سنة (682هـ) وله (فضائل بيت المقدس وفضائل الشام).
5- وابن فركاح، برهان الدين أبي اسحق، إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري البدري، المتوفى سنة (726هـ) وله (باعث النفوس الى زيارة القدس المحروس).
ولما كانت مصادر أبي فركاح من كتاب المستقصى للحافظ بهاء الدين بن عساكر وكتاب فضائل بيت المقدس لأبي المعالي، لذا فقد أصبح كتابه مرجعا أخذ عنه:
أ- شهاب الدين، أبو محمود أحمد بن محمد بن سرور المقدسي،المتوفى سنة (765هـ) صاحب (مثير الغرام الى زيارة القدس والشام).
ب- وتاج الدين عبد الوهاب الحسيني المتوفى سنة (875هـ) صاحب (الروض المُغَرَّس في فضائل البيت المقدس).
ج- وشمس الدين السيوطي، محمد بن أحمد بن علي عبد الخالق، المتوفى سنة (906هـ) صاحب (اتحاف الأخِصَّا بفضائل المسجد الأقصى)، وغيرهم.(2/4)
ثالثا: (فضائل بيت المقدس) للإمام الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي المتوفى سنة (643هـ)، وهذا الكتاب لم يذكره الدكتور كامل العسلي في كتابه "مخطوطات فضائل بيت المقدس"، ويرجع السبب كما قال محقق الكتاب الشيخ محمد مطيع الحافظ الى ورود هذا الكتاب في فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية فهرس الجغرافيا تحت عنوان(فضائل الشام) دون الإشارة الى أن الموجود منه الجزء الثاني فقط، وهو فضائل بيت المقدس ونسبه واضعه لغير مؤلفه، إذ نسبه لمحمد بن عبد الرحيم ابن أخ المؤلف وهو الذي تلقى الكتاب عن عمه فسمعه عليه.
هذا وقد ألفت مؤلفات أخرى خصصت لمدن ليس لها فضل كفضل مكة والمدينة وبيت المقدس، مثل الكوفة وقزوين وواسط وغيرها.
لقد احتلت كتب فضائل بيت المقدس مكانة هامة بين كتب فضائل البلدان لا سيما كتاب(فضائل البيت المقدس) للخطيب أبو بكر الواسطي وكتاب (فضائل بيت المقدس والخليل وفضائل الشام)(1) لأبي المعالي المشرف بن المرجى المقدسي، وكلاهما ألفا في القرن السابق لعصر احتلال الصليبيين لبيت المقدس أي في الفترة التي أخذ فيها العداء بين الشرق والغرب يقوى ويشتد، هذا فضلاً عن خضوع بلاد الشام للدولة الفاطمية - في القرن الرابع للهجرة - ذات المذهب الشيعي الذي ترى بعض فرقه أنه ليس للمسجد الأقصى فضل على غيره من المساجد، فقد قال المجلسي(2) عن أبي عبد الله قال: سألت عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء اليه أسري رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: مسجد الكوفة أفضل منه!(1) .(2/5)
ولا يخفى على أهل هذا العصر ما نعق به حفيدهم الضال أبو رية في كتابه(أضواء على السنة) بجعله أحاديث الإسراء والمعراج من الاسرائيليات! واعتبار من يعتقد بصحة ذلك بحشوية آخر الزمان! وحديث الإسراء كما سوف يتبين لك حديث ثابت مستفيض من رواية جماعة من الصحابة وعليه إجماع الأمة ولا يضره نعيق جاهل أو فلسفة ضال.
وزعم أيضا أن حديث ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ....... الحديث) من الاسرائيليات! مع أن هذا الحديث هو الآخر صحيح متواتر رواته جمع من الصحابة روى عنهم جمع من الثقات وتلقته الأمة بالقبول وعمل به السلف وأتباعهم إلى يومنا هذا.
ولا أدري كيف حكم هذا الضال على الحديث بأنه إسرائيليات؟! ألم يفطن إلى مكانة المسجد الأقصى وأنه أولى القبلتين وهو المسجد الثاني الذي وضع في الأرض بعد المسجد الحرام! وأن محمداً صلى الله عليه وسلم تمنى على الله أن يكون قد أجاب دعوة سليمان عليه السلام ( أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه الله من خطيئته كيوم ولدته أمه ) وإلى ما فيه من فضائل أخرى....
وما ان انتهى عهد الاحتلال الصليبي حتى عادت حركة التأليف تنشط وتشتد لإبراز فضائل الشام وبيت المقدس ..... خاصة وأن الصليبيين بعد دحرهم ما زالوا يتربصون الدوائر للعودة من جديد بصورة أو بأخرى.
رابعا: (فضائل الشام وفضل دمشق) لأبي الحسن علي بن محمد الربعي المتوفى سنة (444هـ) وهو في الواقع ـ كما ذكر العسلي ـ من كتب فضائل الشام، وعلى الأخص مدينة دمشق، وليس من كتب فضائل بيت المقدس بالمعنى المباشر.
والكتاب اختصره برهان الدين الفزاري المتوفى سنة (729هـ) وحذف أسانيده وسماه(الإعلام بفضائل الشام ).
وفي هذا القرن قام شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ بتخريج أحاديث الكتاب قال في المقدمة:(2/6)
( فهذه أحاديث فضائل الشام ودمشق استخرجتها من كتاب الحافظ أبي الحسن الربعي المتوفى سنة (444هـ) والمسمى بـ (فضائل الشام ودمشق) الذي قام بطبعه المجمع العلمي العربي بدمشق سنة (1370هـ،1950م) مع ملاحق له أحدها في تخريج أحاديثه المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقلمي وتحقيقي.
وقد رأينا أن نجدد هذه الأحاديث من أصلها في رسالة مع تخريجها المشار إليه محذوفة الأسانيد للإطلاع عليها وتعميماً للاستفادة منها حتى يعلم الناس أن في فضل الشام أحاديث كثيرة صحيحة، خلافاً لظن بعض الكتاب وحتى يعرف المستوطنون فيه فضل ما أنعم الله به عليهم فيقوموا بشكره بالعمل الصالح وإخلاص العبادة لوجهه سبحانه وتعالى) أ.هـ
وهناك كتب أخرى في فضائل الشام أذكر منها على سبيل المثال:
1- "فضائل الشام"، للحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، المتوفى سنة (562هـ).
2- "ترغيب أهل الشام بسكنى الشام"، لسلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام، المتوفى سنة (660هـ).
3- "فضائل الشام"، للحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي، المتوفى سنة (744هـ).
4- المجلدة الأولى من كتاب "تاريخ مدينة دمشق" للإمام الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر ـ رحمه الله ـ المتوفى سنة (571هـ).
5- "فضائل الشام" لزين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي، المتوفى سنة (795هـ).
6- "الإعلام بسن الهجرة إلى الشام"، لبرهان الدين البقاعي، المتوفى سنة (885هـ).
7- "نزهة الأنام في محاسن الشام" لعبد الله بن محمد البدري، من علماء القرن التاسع الهجري. وغيرها(1) .
وتبيانا للحق فإن المتتبع للأخبار المروية في كتب فضائل البلدان بشكل عام يرى فيها الغث والسمين، يرى فيها أسانيد صحيحة ثابتة قوية، وأسانيد ضعيفة واهية مكذوبة منحولة، والضعيف والموضوع أكثر، وقد يكون ذلك لأحد الأسباب الآتية:
1- توسع المؤرخين في ذكر فضائل بلدانهم:(2/7)
قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في "الفوائد المجموعة" (صفحة:436):
( وقد توسع المؤرخون في ذكر الأحاديث الباطلة في فضائل البلدان، ولا سيما بلدانهم فإنهم يتساهلون في ذلك غاية التساهل، ويذكرون الموضوع ولا ينبهون عليه كما فعل الديبع في تاريخه الذي سماه: "قرة العيون بأخبار اليمن الميمون"، وتاريخه الذي سماه: "بغية المستفيد بأخبار مدينة زبيد". مع كونه ـ رحمه الله ـ من أهل الحديث وممن لا يخفى عليه بطلان ذلك)أ.هـ
لذا فإن من كتب في تاريخ بيت المقدس، والمسجد الأقصى وأكثرهم مقادسة، توسعوا في إيراد الموضوعات، وتساهلوا في رواية ما لا يحل لهم ذِكره، وعظَّموا في بيت المقدس أشياء لم يثبت في فضلها شيء، وأوضح مثال على ذلك صخرة بيت المقدس، فقد كتب في فضلها كثير من المؤرخين وجعلوا لها في كتبهم فصولاً وعناوين برَّاقة، وأشاروا إلى ما فيها من الفضل ـ مثل الذي في كتاب "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" لمجد الدين الحنبلي، وكتاب "إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى" لمحمد بن شهاب شمس الدين السيوطي وغيرهما ـ وهو في الواقع خلاف الحق، وتحقيق أهل العلم كما بينته في كتابي "المستقصى".
2- التوسع في الترغيب بهذا النوع من الفضائل بزعم حث الناس على الخير:
ومثله ما فعله ميسرة بن عبد ربه، وكان يضع الحديث في فضائل قزوين، وقد وضع نحواً من أربعين حديثاً وكان يقول: إني أحتسب الأجر في ذلك.
قال الشيخ عبد القادر بدران في مقدمة ( تهذيب تاريخ دمشق صفحة:16):
( ولم يعلم هؤلاء أن هذا من أعظم الغلط وأن فعلهم يتضمن دعوى أن الشريعة ناقصة تحتاج إلى تتمة وأنهم قد أتموها)أ.هـ
لذا فقد وضع قوم أحاديث في الترغيب والترهيب ليحثوا الناس بزعمهم على الخير ويزجروهم عن الشر.
ومثله:
1/ ما ورد في فضل عسقلان للترغيب في فضل الرباط بها:(2/8)
( عسقلان أحد العروسين يبعث منها يوم القيامةسبعون ألفا لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألفا شهداء وفودا إلى الله عز وجل وبها صفوف الشهداء رؤؤسهم مقطعة........ الحديث بطوله)(1).
2/ ما ورد في الرباط بجُدَّه:
( يأتي على الناس زمان أفضل الرباط رباط جده)(1) .
3/ ما ورد في فضل قزوين:
( اغزوا قزوين فإنه من أعلى أبواب الجنة)(2) .
4/ ما ورد في فضل جبل الخليل:
( جبل الخليل جبل مقدس، وإن الفتنة لما ظهرت في بني اسرائيل أوصى الله إلى أنبيائهم أن يفروا بدينهم إلى جبل الخليل)(3) .
5/ ما ورد في فضل حمص:
( ليبعثن الله تعالى من مدينة بالشام يقال لها حمص سبعين ألفا يوم القيامة لا حساب عليهم مبعثهم فيما بين الزيتون والحائط في البرث الأحمر منها)(4) .
وبلاد الشام كان لها نصيب كبير مرده هذا السبب ( التوسع في ايراد الموضوعات لحث الناس على الخيرعلى حد زعم الوضَّاع) وإن كان في الكتاب والسنة ما يكفي حقاً لإثبات هذا الفضل الكبير لها للترغيب في الإقامة فيها والرباط، لكن المشار إليه ما خُصِّصَ من بلاد الشام بأحاديث خاصة بمرويات لا تصح كعسقلان على نحو ما تقدم، ومقبرة عسقلان، وجبل الخليل بفلسطين، وجبل قاسيون بدمشق، وحمص، وبيت لحم، وصخرة بيت المقدس، وبعض القباب أو المساجد أو البرك أو المقامات أو أثر نبي من الأنبياء أو مكان ما من الأمكنة المتفرقة هنا وهناك.
3- تفشي ظاهرة العصبية واتخاذها أشكالاً وألواناً جاهلية ليس لها في الشرع أصل:
ومنها:
أ- العصبية للموطن:
لقد روجت طائفة من الناس أحاديث في فضل بلدانهم عصبية، ومثله:
1 - ما ورد في كرمان: (إذا فسدت البلدان فنعم المسكن كرمان)(1) .(2/9)
2 - ما ورد في قزوين: (ستفتح عليكم الآفاق، وستفتح عليكم مدينة يقال لها قزوين من رابط فيها أربعين يوما أو أربعين ليلة كان له في الجنة عمود من ذهب عليه زبرجدة خضراء عليها قبة من ياقوتة حمراء لها سبعون ألف مصراع من ذهب على كل مصراع زوجة من الحور العين).(2)
3 - ما ورد في عُمان: (إني لأعلم أرضا يقال لها عُمان ينضح بجانبها البحر الحجة منها أفضل من حجتين من غيرها)(3) .
4 - ما ورد في جدة:(أربعة أبواب من أبواب الجنة مفتحة في الدنيا أولها الاسكندرية، وعسقلان، وقزوين، وفضل جدة على هؤلاء كفضل بيت الله الحرام على سائر البيوت)(1) .
5 - ما ورد في الاسكندرية: (إن للمقيم بها يعني الاسكندرية ثلاثة أيام من غير رياء كمن عبد الله سبعين ألف سنة ما بين الروم والعرب)(2) .
6 - ما ورد في صنعاء:(جنان هذه الدنيا: دمشق من الشام، ومرو من خراسان، وصنعاء اليمن وجنة هذه الجنان صنعاء)(3) .
7 - ما ورد في الجيزة:(الجيزة روضة من رياض الجنة، ومصر خزائن الله في أرضه)(4) .
8 - ما ورد في اليمن :(إني لأجد نفس الرحمن من اليمن).
وقال الشوكاني: لم أجده، وقال: الأحاديث التي يرويها المؤرخون من أهل اليمن في فضل صنعاء لا يصح منها شيء ولا أعرف لهذا إسنادا في كتاب من كتب الحديث وقد جمعها بعضهم فكانت أربعين حديثا وكذا ما يذكرونه من الأحاديث في فضل زبيد.
9 - ما ورد في زبيد: (اللهم بارك في زبيد وفي رِمَع)(1) .
قال الشوكاني: وكذا الأحاديث التي يذكرونها في فضل جامع صنعاء وفضل البقعة المسماة بين المسمورة والمنقورة في مؤخره: كلها باطلة وكذا الأحاديث التي يذكرونها في فضل جامع الجنة من بلاد اليمن.
10- ما ورد في مصر:(مصر كنانة الله في أرضه ما طلبها عدو إلا أهلكه الله)(2) .
11- ما ورد في بيت لحم: (كلم الله موسى ببيت لحم)(3) .(2/10)
12- ما ورد في البصرة:(إني لأعرف أرضاً يقال لها البصرة، أقومها قبلة وأكثرها مساجد ومؤذنين يدفع الله عنها من البلاء ما لا يدفع عن سائر البلاد)(4)
13- ما ورد في عبادان:( بابان مفتوحان في الجنة: عبادان وقزوين وأول بقعت آمنت بمحمد صلى الله عليه وسلم عبادان، وأول بقعة آمنت بعيسى بن مريم نصيبين)(5) .
14- ما ورد في نصيبين: (رفعت لي الأرض فرأيت مدينة أعجبتني فقلت: يا جبريل أي مدينة هذه؟ قال هذه نصيبين، فقلت اللهم عجل فتحها واجعل فيها للمسلمين بركة)(1) .
ومن مثل هذا اللون كثير. قال الشوكاني رحمه الله:
( فليحذر المتدين من اعتقاد شيء منها أو روايته فإن الكذب في هذا قد كثر وجاوز الحد، وسببه ما جبلت عليه القلوب من حب الأوطان والشغف بالمنشأ).
ب- هذا وقد روجت طائفة أخرى من الناس فضائل لهذه الأماكن،ولأماكن أخرى غيرها بغرض العصبية للمذهب السياسي.
ج- ومثله ما روج بغرض العصبية القبلية..........
وكل هذه الأشكال والألوان تعتبر ادخالات على حديث النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت بقصدٍ أو بغير قصد، وهي كذب وافتراء وقائلها تقوَّل على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ووعيده النار.
4- التساهل في رواية الفضائل وإثبات أحكام شرعية بأحاديث ضعيفة بدعوى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال(2) .
5- إنتشار البدع:
وهذه البدع المحدثة مختلفة الأشكال، متعددة الألوان، وأيا كان السبب في استحداثها فهي محدثة طارئة على الدين شوهت معالمه وعكرت صفاءه وجعلت فيه هزليات وخرافات.(2/11)
ومن خلال إجتماع مثل هذه الأباطيل بدأ من لا علم عنده في تعظيم وتقديس أماكن بدعوى التقرب الى الله تعالى، "مثل من يذهب الى حراء ليصلي فيه ويدعو، أو يسافر الى غار ثور ليصلي فيه ويدعو، أو يذهب الى الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام ليصلي فيه ويدعو، أو يسافر الى غير هذه الأمكنة من الجبال وغير الجبال التي يقال: فيها مقامات الأنبياء أو غيرهم، أو مشهد مبني على أثر نبي من الأنبياء، مثل ما كان مبنياً على نعله، ومثل ما في جبل قاسيون، وجبل الفتح، وجبل طور زيتا الذي ببيت المقدس، ونحو هذه البقاع. فهذا مما يعلم كل من كان عالماً بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحال أصحابه من بعده، أنهم لم يكونوا يقصدون شيئاً من هذه الأمكنة".(1)
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/351):
"ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان قد فتحوا البلاد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وسكنوا بالشام والعراق ومصر وغيرها من الأمصار، وهم كانوا أعلم بالدين وأتبع له ممن بعدهم وليس لأحد أن يخالفهم فيما كانوا عليه.
فما كان من هذه البقاع لم يعظِّموه ولم يقصدوا تخصيصه بصلاة، أو دعاء، أو نحو ذلك؛ لم يكن لنا أن نخالفهم في ذلك، وإن كان بعض من جاء بعدهم من أهل الفضل والدين فعل ذلك؛ لأن اتباع سبيلهم أولى من اتباع سبيل من خالف سبيلهم وما من أحد نقل عنه ما يخالف سبيلهم وقد نقل عن غيره ممن هو أعلم منه وأفضل أنه خالف سبيل هذا المخالف. وهذه جملة جامعة لا يتسع هذا الموضع لتفصيلها.(2/12)
وقد ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بيت المقدس ليلة الاسراء صلى فيه ركعتين ولم يصل بمكان غيره أو زاره، وحديث المعراج فيه ما هو في الصحيح، وما هو في السنن، أو في المسانيد، وفيه ما هو ضعيف، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات مثل ما يرويه بعضهم فيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له جبرائيل: هذا قبر أبيك إبراهيم، انزل فصل فيه، وهذا بيت لحم، مولد أخيك عيسى انزل فصل فيه)(1).
وأعجب من ذلك، أنه روي فيه: "قيل له في المدينة: انزل فصل هنا" قبل أن يبني مسجده، وإنما كان المكان مقبرة للمشركين، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إنما نزل هناك لما بركت ناقته هناك. فهذا ونحوه من الكذب المختلق باتفاق أهل المعرفة، وبيت لحم كنيسة من كنائس النصارى ليس في اتيانها فضيلة سواء كان مولد عيسى أو لم يكن، بل قبر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لم يكن في الصحابة ولا التابعين لهم باحسان من يأتيه للصلاة عنده، ولا الدعاء ولا كانوا يقصدونه للزيارة أصلاً.(1)
وقد قدم المسلمون الى الشام غير مرة مع عمر بن الخطاب، واستوطن الشام خلائق من الصحابة(2) وليس فيهم من فعل شيئا من هذا ولم يبن المسلمون عليه مسجداً أصلاً، لكن لمَّا استولى النصارى على هذه الأمكنة في أواخر المائة الرابعة لمَّا أخذوا بيت المقدس بسبب استيلاء الرافضة على الشام لما كانوا ملوك مصر، ـ والرافضة أمة مخذولة ليس لها عقل صريح، ولا نقل صحيح، ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة ـ (3) فقويت النصارى وأخذت السواحل وغيرها من الرافضة وحينئذ نقبت النصارى حجرة الخليل صلوات الله عليه وجعلت لها باباً وأثر النقب ظاهر في الباب فكان اتخاذ ذلك معبداً مما أحدثته النصارى ليس من عمل سلف الأمة وخيارها".
ثالثا: آثار موقوفة على بعض الصحابة وغيرهم من كبار التابعين ومن دونهم وأكثرها أسانيدها غير صحيحة.(2/13)
لأن أكثرها مدارها على رجال إما ضعفاء أو مجاهيل وفي هذا البحث تجنبت ايرادها واقتصرت على المرفوع من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعا: روايات اسرائيلية:
وأكثرها يدور على كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، وكثيرمن الأسانيد اليهم لا تصح، فلو صح شيء من ذلك ( كما قال الشيخ المعلمي اليماني ـ رحمه الله ـ ) فإنما كان كعب يخبر عن صحف اليهود ومعقول أن تكون فيها أمثال ذلك ( أي التلفيقات والكذب ).
المسجد الأقصى المبارك ـ حرسه الله ـ
والمتتبع لتاريخ مدينة القدس منذ عهدها الأول الى يومنا هذا، ابتداء من عهد اليبوسيين الكنعانيين 3000 ق.م، ومروراً ببني اسرائيل، والفرس، واليونان، والرومان، والبيزنطيين، ثم بالفتح الإسلامي، ثم بالهجمة الصليبية، ثم إعادت فتحها على يد صلاح الدين الأيوبي، الى عهد المماليك، والأتراك العثمانيين، ثم الاحتلال البريطاني، وأخيراً العهد الأردني، ومن بعده إحتلال اليهود.
ومنذ أن وضع الأساس الأول للمسجد الأقصى فيها وهو المسجد الثاني بعد المسجد الحرام بأربعين عاما، فكان قبلة الأنبياء، وأصبح بذلك بيت المقدس منارة دعوة التوحيد؛ الدعوة إلى كلمة الحق، ( لا إله إلا الله ) أي: لا معبود بحق إلا الله تعالى، وأمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام بالهجرة اليه قال تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71) سورة الأنبياء، وأسرى الله بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، قال تعالى: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1). سورة الإسراء.(2/14)
فمن استقام على العقيدة التي جاء بها إبراهيم ومحمد وغيرهما من الأنبياء فهو وريثها ووريث عهودها وبشاراتها ومن فسق عنها ورغب نفسه عن ملة ابراهيم فقد فسق عن عهد الله وقد فقد وراثته لهذا العهد وبشاراته وعندئذ تسقط دعاوى اليهود والنصارى في اصطفائهم لمجرد أنهم أبناء ابراهيم وحفدته وهم ورثته وخلفاؤه: لقد سقطت عنهم الوراثة عندما انحرفوا عن هذه العقيدة.
قال تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ(130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(134) وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(136) سورة البقرة.
يقول د. الذهبي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه "الإسرائيليات في التفسير والحديث":(2/15)
" التاريخ وما ألف فيه من مؤلفات نجد بعضها قد عني عناية واضحة بذكر تاريخ بني اسرائيل وأنبيائهم وما جرى بينهم ولهم من حوادث ووقائع وملخص ما يذكر من ذلك لا أصل له. وعلوم الجدل والكلام تأثرت بالإسرائيليات أيضا، نتصفح ما بين أيدينا من كتب الجدل والمذاهب الكلامية فنجد بعض ما فيها من معتقدات لبعض الفرق قد تسرب لها عن طريق اليهود. فابن الأثير يحدثنا في تاريخه عن أحمد بن أبي داود أنه كان داعية الى القول بخلق القرآن وغيره من مذاهب المعتزلة، وأنه أخذ ذلك عن بشر المريسي، وأخذه بشر عن الجهم بن صفوان، وأخذه جهم عن الجعد بن درهم، وأخذه الجعد عن إبان بن سمعان، وأخذه ابان عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذه طالوت عن لبيد بن الأعصم الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم وكان لبيد يقول بخلق القرآن)(1).
ويحدثنا أبو منصور البغدادي صاحب "الفَرْق بين الفِرَق": أن عقيدة السبئية في أن علياً ـ رضي الله عنه ـ لم يقتل ولكنه رفع الى السماء كما رفع عيسى بن مريم، ضلالة فرضها في الأصل عقل عبد الله بن سبأ اليهودي ثم نشرها وروج لها بين أصحابه.
والتفسير والحديث كلاهما تأثر الى حد كبير بثقافات أهل الكتاب على ما فيها من أباطيل وأكاذيب وكان للإسرائيليات فيها أثر سيء حيث تقبلها العامة بشغف ظاهر، وتناقلها بعض الخاصة في تساهل يصل أحيانا الى حد التسليم بها على ما فيها من سخف بيِّن، وكذب صريح الأمر الذي كان يفسد على كثير من المسلمين عقائدهم ويجعل الاسلام في نظر أعدائه دين خرافة وترهات.
إن ما دس على التفسير من كذب وأباطيل هو بعينه بعض ما دس على الحديث فقد وضعت ـ لأهواء وأغراض سيئة ـ أحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبت اليه، كان الكثير منها مادة للتفسير يرجع اليها ويستمد منها بعض ما ابتلي بهم الاسلام من المضللين أو المخدوعين).أ.هـ
قال ابن تيمية في الاقتضاء (صفحة 436 ـ 439):(2/16)
( وقد صنفت طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس، وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم).
ثم قال: (وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء؛ أو منسوخ في شريعتنا؛ ما لا يعلمه إلا الله).أ.هـ
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)
وفي سورة الأنعام قال الله تعالى:
(وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ(124).
وفي سورة القصص قال تعالى:
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(68).
فقوله تعالى:( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) يعني ليس كل أحد أهلاً ولا صالحاً لتحمل رسالته بل لها محال مخصوصة لا تليق الا بها ولا تصلح الا لها والله أعلم بهذه المحال منكم.
قال ابن القيم في كتابه ( زاد المعاد1/46): فذوات ما اختاره واصطفاه من الأعيان والأماكن والأشخاص وغيرها مشتملة على صفات وأمور قائمة بها ليست لغيرها ولأجلها اصطفاها الله وهو سبحانه فضلها بتلك الصفات وخصها بالاختيار فهذا خلقه وهذا اختياره (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ).
( وما أبين بطلان رأي يقضي بأن مكان البيت الحرام مساو لسائر الأمكنة وذات الحجر الأسود مساوية لسائر حجارة الأرض وذات رسول الله صلى الله عليه وسلم مساوية لذات غيره وإنما التفضيل في ذلك بأمور خارجة عن الذات والصفات القائمة بها وهذه الأقاويل وأمثالها من الجنايات التي جناها المتكلمون على الشريعة ونسبوها اليها وهي بريئة منها).(2/17)
فالذوات الفاضلة وأضدادها بينهما كثير تفاوت فبين ذات موسى عليه السلام وذات فرعون من التفاوت أعظم من المسك والرجيع، وهناك أيضا كثير تفاوت بين نفس الكعبة وبيت السلطان فكيف تجعل البقعتان سواء في الحقيقة والتفضيل باعتبار ما يقع هناك من العبادات والأذكار والدعوات.
والله سبحانه وتعالى لا يخصص شيئا ولا يفضله ويرجحه إلا لمعنى يقتضي تخصيصه وتفضيله، نعم هو يعطي ذلك المرجح وواهبه فهو الذي خلقه ثم اختاره بعد خلقه.
لذا فبعض البقاع أفضل من بعض فيما فضلها الله سبحانه وتعالى فمكة والمدينة والأرض المقدسة ( بلاد الشام ) بقاع أفضل من غيرها من البقاع فمكة فيها من الفضائل ما ليس في غيرها(1).
والمدينة فيها أيضاً من الفضائل ما ليس في غيرها، وكذا بلاد الشام وبقاع المساجد عامة أفضل من غيرها، فالمساجد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أحب البلاد الى الله وهي خير البقاع(1) .
والمسجد الحرام أفضل بقاع الأرض على الإطلاق ولذلك كان شد الرحال اليه فرضا وللمسجد النبوي والأقصى مما يستحب ولا يجب. فالمساجد كلها سواء فيما شرع من العبادات إلا ما خص به المسجد الحرام كالطواف، واستلام الحجر، ومضاعفة الصلاة فيه، واستقبال الناس له في الصلاة.
وخص المسجد النبوي والأقصى بمضاعفة الصلاة فيهما(2) بحسب مع ما في بقعتيهما من فضيلة، والمسجد النبوي أفضل من المسجد الأقصى كما أن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي.
والمقصود أن الله سبحانه وتعالى اختار من كل جنس من أجناس المخلوقات أطيبه واختصه لنفسه وارتضاه دون غيره فإنه تعالى طيب لا يحب إلا الطيب ولا يقبل من العمل والكلام والصدقة إلا الطيب فالطيب من كل شيء هو مختاره تعالى.
والله سبحانه وتعالى حرم مكة قال تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم:(2/18)
(إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ(91) سورة النمل.
إن مكة صارت حراماً شرعاً وقدراً بتحريم الله لها كما ثبت في الصحيحين من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي وَلا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحْلِلْ لِي قَطُّ إِلاَّ سَاعَةً مِنْ الدَّهْرِ لا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا وَلا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلاَّ الإذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْنِ وَالْبُيُوتِ فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالَ: إِلاَّ الإذْخِرَ فَإِنَّهُ حَلالٌ).
وأخرج مسلم في صحيحه(9/147) من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:( اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ وَلا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلاَّ لِعَلْفٍ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ.....الحديث)(2/19)
وهذا الحديث لا يتعارض مع الأول، فإبراهيم لا يحرم ولا يحلل إلا بإذن الله وتوجيهه، فإبراهيم حرمها لتحريم الله لها، والنبي صلى الله عليه وسلم حرم المدينة بأمر الله (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى(4) سورة النجم.
وأخرج مسلم أيضا في صحيحه (9/134-135) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( قَالَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لأهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لأهْلِ مَكَّةَ).
ومن هنا يفهم أنه لا يجوز تحريم أمكنة لم يجعلها الله حراما وبهذا يظهر خطأ وبدعية من قال أن المسجد الأقصى حرما وتسميتهم إياه بالحرم الشريف.
فليس في الدنيا حرم لا المسجد الأقصى ولا غيره إلا هذان الحرمان ( مكة والمدينة) ولا يسمى غيرهما حرما كما يسمي الجهال، فيقولون: حرم المقدس وحرم الخليل، فإن هذين وغيرهما ليسا بحرم باتفاق المسلمين(1).
وقال عبد الله بن هشام الأنصاري المتوفى سنة (761هـ) قال في آخر المخطوطة (تحصيل الأنس لزائر القدس ): وما سمعته من كبار أهل البلد أنهم يقولون: (حرم القدس) فيحرمون ما أحل الله افتراء على الله، ونعوذ بالله من الخذلان.أ.هـ
أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأرْضِ أَوَّلَ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ(2/20)
(1) عَنْ أبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ، ( وفي رواية: وأينما أدركتك الصلاةُ فصلَّ فهو مسجد ).
أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد في "المسند"، والنسائي، وابن ماجه، وأبو داود، وغيرهم. كلهم من طرق عن الأعمش سليمان بن مهران حدثنا ابراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر به.
المسجد الأقصى
"مسجد بيت المقدس"
المسجد الأقصى: هو مسجد بيت المقدس، قيل له الأقصى: لبعد المسافة بينه وبين الكعبة، وقيل: لأنه أبعد المساجد التي تزار ويبتغى بها الأجر من المسجد الحرام.
وسمي بيت المقدس: لأنه قدِّس: أي طُهر من الشرك. وقال المكناسي: أصله من القَدَس، وهي الطهارة والبركة. والقدس: اسم مصدر في معنى الزيادة، لأنه تعالى في غاية الكمال.
ومن هذا المعنى كان من أسماء الله الحسنى أنه القدوس، أي الطاهر المبرأ من كل نقص لا يليق بجلال ربوبيته وإلهيته، وهذا اللفظ من صيغ المبالغة.
يقال لغة: قدس الشيء يقدس قدسا، إذا طهر.
ويقال: قدس العبد لله تقديسا، أي طهر نفسه له، وصلّى له وعظّمه وكبّره.
ويقال: قدّس العبد ربه، إذا نزهه عما لا يليق به، وقدّس الله عز وجل فلانا، إذا طهره وبارك عليه. ويقال: تقدس فهو متقدس، إذا تطهر وتنزه. وقد وُصِف جبريل عليه السلام بأنه روح القدس، أي روح الطهارة. والوادي المقدّس طوى، أي الوادي المطهّر.
وهكذا تدور المادة حول معنى الطهارة والبراءة من الأرجاس والأنجاس والنقائص والعيوب.
فضل الصلاة في المسجد الأقصى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/21)
(2) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ ( لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ (وفي رواية: لما فرغ من بناء مسجد بيت المقدس) سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِلالاً ثَلاثَةً: سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَنْ لا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لا يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاةُ فِيهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. (وفي رواية: فقال النبي (: "أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ").
أخرجه النسائي ـ واللفظ له ـ، وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" بأطول مما هنا، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، والواسطي، وأبو المعالي، وغيرهم.
غريب الحديث
لا يَنْهَزُهُ:
قال في لسان العرب ـ مادة نهز ـ وأصل النهز الدفع، يقال: نهزت الرجل أنهزه إذا دفعته، ونهز رأسه إذا حركه. والناقة تنهز بصدرها إذا نهضت لتمضي وتسير.
شرح الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ ( لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، عنى: التجديد لا التأسيس، أي أنه أقام البناء على أصل سبق فيه.
أما الحديث السابق فكان إشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد، فإبراهيم عليه السلام ليس أول من بنى الكعبة، ولا سليمان أول من بنى المسجد الأقصى، والحديث يفسر المراد بقوله تعالى في سورة آل عمران:(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96)(1) . ويدل على المراد بالبيت بيت العباده، لا مطلق البيوت، قال مجاهد وقتاده: لم يوضع قبله بيت.(2/22)
ثم إن ثاني بيت وضع مسجد بيت المقدس (المسجد الأقصى)، وأن بين البناءين أربعين سنة، وهذا ينافي قول من قال: إن إبراهيم باني الكعبة، وسليمان باني الأقصى، فان الذي بينهما من السنين أكثر من ألف عام. وهذا مذهب ابن الجوزي، وتعقب الحافظ الضياء بنحو ما أجاب به ابن الجوزي، أن أول من بنى الكعبة آدم ثم انتشر ولده في الأرض فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن. وتبعه القرطبي في الجامع (4/89) فقال: إن إبراهيم وسليمان عليهما السلام إنما جددوا ما كان أسسه غيرهما. وقال الخطابي: يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول من وضع بناءه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان، ثم داود وسليمان فزادا فيه ووسعاه فأضيف إليهما بناء.
وقد أعادت بعض المصادر التاريخية الأهمية الدينية لمدينة القدس إلى ما قبل عهد إبراهيم عليه السلام.
قال عبد الرحيم بن علي بن إسحاق بن شيت القرشي(1) : مكة والبيت المقدس علامة الروحية، فإن الله تعالى يقول في سورة الذاريات: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(49). فاقتضى أن يكونا بيتين كما كانا، وهذا أيضا سر دقيق، فهما مشتركان في الطهر، قال الله تعالى:( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26) سورة الحج، ومعلوم أن الله تعالى لم يرد بقوله: (وَطَهِّرْ بَيتِي لِلطَّائِفِينَ ) بالماء، وإنما أراد تطهيره من نجاسات الذنوب، وخبائث أعمال السوء، والبيت المقدس، هو المطهر قد نزل الله تعالى ذلك، فما ظنك بمن يراغم الله تعالى في تنجيس هذه الأمكنة التي شرفها الله وطهرها ونهى عن تدنيسها بالتنجيس وانتهاك الحرمات؟(2/23)
قوله صلى الله عليه وسلم: ( حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ) لقد سأل سليمان عليه السلام ربه عز وجل حكماً يصادف حكمه: أي يوافق حكمه في السداد والصواب. قال السندي بحاشية سنن النسائي (2/34): والمراد التوفيق للصواب في الاجتهاد وفصل الخصومات بين الناس.
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه بقوله في سورة الأنبياء: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ(78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا..(79).
قال القرطبي في الجامع (11/203): إنما حكم كل واحد منهما على انفراده، وكان سليمان عليه السلام الفاهم لها بتفهيم الله تعالى اياه.
القضية:
ذكر شريح القاضي وغير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كان لهم كرم ( إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ) أي رعت فيه ليلاً، والنفش الرعي بالليل ( رعت الأغنام بلا راع ) فأكلت شجر الكرم بالكلية، فتحاكموا الى داود عليه السلام فحكم لأصحاب الكرم بقيمته فلما خرجوا على سليمان قال: بما حكم لكم نبي الله؟ فقالوا بكذا وكذا.
الحكم الصادر من سليمان عليه السلام:
فقال: أما لو كنت أنا لما حكمت إلاَّ بتسليم الغنم الى أصحاب الكرم فيستغلونها نتاجاً ودراً حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه الى ما كان عليه ثم يتسلموا غنمهم، فبلغ داود عليه السلام ذلك فحكم به.(2/24)
وهذا شبيه بالذي ثبت في الصحيحين ـ واللفظ هنا للبخاري ـ، وسنن النسائي، ومسند أحمد، عن أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ( يَقُولُ: مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ، وَقَالَ: كَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتْ الأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتْ الصُّغْرَى: لا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلاَّ الْمُدْيَةُ.
قال النووي في شرح مسلم: توصل سليمان بطريق الحيلة والملاطفة الى معرفة باطن القضية فأوهمهما أنه يريد قطعه ليعرف من يشق عليها قطعه فتكون هي أمه، فلما أرادت الكبرى قطعه عرف أنها ليست أمه، فلما قالت الصغرى ما قالت عرف أنها أمه ولم يكن مراده أنه يقطعه حقيقة وإنما أراد اختبار شفقتهما فتتميز له الأم فلما تميزت بما ذكرت عرفها.
قال العلماء: ومثل هذا يفعله الحكام ليتوصلوا به الى حقيقة الصواب، فإن قيل كيف حكم سليمان بعد حكم داود في القصة الواحدة ونقض حكمه والمجتهد لا ينقض حكم المجتهد، فالجواب من أوجه:
1/ أن يكون ذلك فتوى من داود لا حكماً.
2/ لعله كان في حكمهم فسخ الحكم إذا رفعه الخصم الى حاكم آخر يرى خلافه.(2/25)
3/ أن سليمان فعل ذلك حيلة الى إظهار الحق وظهور الصدق، فلما أقرت به الكبرى عمل باقرارها وان كان بعد الحكم، كما إذا اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق هنا لخصمه. قال الداودي فيما نقله ابن حجر في الفتح: إنما كان منهما على سبيل المشاورة فوضح لداود صحة رأي سليمان فقضاه. لذا فان ما قاله سليمان كان أرجح ولهذا أثنى الله عليه بما ألهمه اياه ومدح بعد ذلك اياه فقال: ( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ).
قلت: وكلاهما عليهما السلام كانا مجتهدين في المسألة، فقد روى الشيخان وغيرهما عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله ( يقول: (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) ولما ذهب الجمهور في أن جميع الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون عن الخطأ أو الغلط في اجتهادهم، فالجواب أن سليمان عليه السلام لم يتعرض لحكم أبيه بالنقض انما احتال حيلة لطيفة ظهر له بسببها صدق الصغرى والله أعلم.
قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت القضاة هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه وعذر داود باجتهاده.
(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ(36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ(37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ(38)هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(40) سورة ص(2/26)
قال القرطبي في الجامع (15/133): يقال كيف أقدم سليمان على طلب الدنيا مع ذمها من الله تعالى وبغضه لها وحقارتها لديه؟ فالجواب: أن ذلك محمول عند العلماء على أداء حقوق الله تعالى وسياسة ملكه، وترتيب منازل خلقه وإقامة حدوده، والمحافظة على رسومه، وتعظيم شعائره، وظهور عبادته، ولزوم طاعته، ونظم قانون الحكم النافذ عليهم منه، وتحقيق الوعود في أنه يعلم ما لا يعلم أحد من خلقه، حسب ما صرح بذلك لملائكته ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) وحاشا سليمان أن يكون سؤاله طلبا لنفس الدنيا، لأنه هو والأنبياء أزهد خلق الله فيها، وإنما سأل مملكتها لله كما سأل نوح دمارها وهلاكها لله، فكانا محمودين مجابين إلى ذلك فأجيب نوح فاهلك من عليها وأعطى سليمان المملكة.
قال ابن كثير: هذا كله من جملة ما هيأ الله وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، ولم يكن أيضا لمن كان قبله.
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(17) سورة النمل، ومعنى قوله ( فَهُمْ يُوزَعُونَ ) أي تحبس أوائلهم وتمنع من السير حتى يلحقهم أواخرهم فيكونون مجتمعين لا يتخلف منهم أحد، وذلك للكثرة العظيمة من الوزع وهو الكف والمنع يقال وزعه عن الظلم وزعاً ـ كوضعه وضعاً ـ أي كفه عنه فاتزع أي فانكف.
وقال الحسن لا بد للناس من وازع أي سلطان يكفهم. قال القرطبي رحمه الله: في الآية دليل على اتخاذ الإمام والحكام وزعه يكفون الناس ويمنعونهم من تطاول بعضهم على بعض إذ لا يمكن الحكام ذلك بأنفسهم. وذكر ابن القاسم قال: حدثنا مالك ان عثمان بن عفان كان يقول: ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن أي من الناس، قال ابن القاسم قلت لمالك ما يزع؟ قال: يكف.(2/27)
قال القاضي ابو بكر بن العربي: وقد جهل قوم المراد بهذا الكلام فظنوا أن المعنى فيه أن قدرة السلطان تردع الناس أكثر مما تردعهم حدود القرآن، وهذا جهل بالله وحكمته، قال: فإن الله ما وضع الحدود إلا مصلحة عامة قائمة لقوام الخلق لا زيادة عليها، ولا نقصان معها، ولا يصلح سواها ولكن الظلمة خاسوا بها وقصروا عنها وأتوا ما أتوا بغير نية ولم يقصدوا وجه الله في القضاء بها فلم يرتدع الخلق بها، ولو حكموا بالعدل وأخلصوا النية لاستقامت الأمور وصلح الجمهور.
(3) عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: تذاكرنا ونَحْنُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أيُّهُما أَفضلُ أَمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيتُ المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاةٌ في مسجدي أَفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيه، ولنعْمَ المصلَّى هُوَ، وَلَيوشِكَنَّ لأن يكونَ للرجلِ مثلُ شَطَنِ فرَسهِ ( وفي رواية: مثل قوسه) من الأرضِ حيثُ يُرى منه بيت المقدسِ خيرٌ له من الدنيا جميعاً. أو قال: ( خيرٌ له منَ الدُّنيا وما فيها ).
أخرجه: إبراهيم بن طهمان في "مشيخته"، والطبراني في "الأوسط"، والحاكم في " المستدرك " وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقاه الذهبي، والألباني. والحديث أخرجه: الطحاوي في "مشكل الآثار"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
والحديث أصح ما ورد في ثواب الصلاة في المسجد الأقصى، فكان ما في هذا الحديث يدل على أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كأربع صلوات في المسجد الأقصى، يعني أن الصلاة في المسجد الأقصى كمئتي صلاة وخمسين في الثواب.(2/28)
قال شيخنا في "الصحيحة" (2902): وأصح ما جاء في فضل الصلاة فيه، حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: تذاكرنا ونَحْنُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أيُّهُما أَفضلُ أَمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيتُ المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاةٌ في مسجدي أَفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيه، ولنعْمَ المصلَّى.."الحديث".
غريب الحديث
الشَّطَن:
قال في "اللسان": ( الشَّطَنُ: الحبل، والجمع أشْطان ). وقال في " المعجم الوسيط ": الشَّطَنُ: الحبل الطويل يُستقى به من البئر، أو تشدُّ به الدابة.
شرح الحديث
نقل ابن حجر في الفتح (3/68) عن الطحاوي وغيره: أن تضعيف الصلاة مختص بالفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل صلاة المرء في بيته إلاَّ المكتوبة ). ثم إن التضعيف المذكور يرجع الى الثواب ولا يتعدى الإجزاء باتفاق العلماء كما نقله النووي وغيره، فلو كان عليه صلاتان فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تجزه إلا عن واحدة والله أعلم.
وهذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ، أن يتمنى المرء المسلم أن يكون له من الأرض هذا القدر الصغير حتى يرى منه بيت المقدس.
قال الدكتور محمد طاهر مالك في تحقيقه مشيخة ابن طهمان: ومن المؤسف أن وقائع الأحداث تشير إلى أننا في طريق تحقيق هذا الحديث الذي هو من دلائل النبوة، وأن مؤامرات الأعداء على المسجد الأقصى وبيت المقدس ستستمر وتتصاعد وتشتد لدرجة أن يتمنى المسلم أن يكون له موضع صغير يطل منه على بيت المقدس أو يراه منه، ويكون ذلك عنده أحب إليه من الدنيا جميعا، ولا شك أن يكون بعد ذلك الفرج والنصر إن شاء الله، ولله الأمر من قبل ومن بعد والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.أ.هـ(2/29)
قلت: وهذا الذي قاله محمد طاهر مالك كان سنة 1403 هـ الموافق سنة 1983 م. وأن هذه الوقائع التي تخمّنها أصبحت جاثمة، وتشير حقاً إلى مطابقة الحديث لهذا الزمان، ولا شك أن الفرج والنصر الذي تحدث عنه، مرهون بعودة المسلمين إلى دين الله، عودة حميدة إلى الكتاب والسُنَّة بفهم سلف الأمة، والتمني الصادق للمسلم أن يكون له هذا المقدار من الأرض يرى منه بيت المقدس مشروط بفهمه لعقيدته علماً وعملاً.
وحين بيضت تخريج الحديث بتاريخ 5/محرم/ 1418 هـ الموافق 12/أيار/1997 م : يفكر اليهود بقرار ضم مستوطناتهم المحيطة بالقدس إلى القدس في بلدية مركزية موحده،(1) وذلك عقب شروعهم بناء مستوطنة جديدة في جبل أبو غنيم، وتعتبر هذه المستوطنة هي بمثابة إغلاق سلسلة المستوطنات المقامة حول القدس.فتصبح القدس بعد ذلك محاطة بالمستوطنات، كالسوار في المعصم، بعد أن حاصروا المدينة أيضاً ومنذ ست سنوات بنقاط التفتيش العسكرية لمنع سكان الضفة الغربية من فلسطين من الدخول إلى القدس أو الصلاة في المسجد الأقصى. مع العلم أن جماعات كثيرة من اليهود بمسميات مختلفة تحاول باستمرار التحرش بالمسلمين داخل المسجد الأقصى بزعم إقامة صلوات لهم فيه، وحدثت مواجهات عديدة في المسجد بين المصلين المسلمين وجنود اسرائيلين وقع نتيجتها قتلى وإصابات، وكان آخر هذه المواجهات حين فتح اليهود نفقا تحت المسجد الأقصى. ويستمر اليهود منذ إحتلالهم الجزء الشرقي من القدس في5/حزيران /1967 بعد إحتلال الجزء الغربي لها في 15/أيار/ 1948 منع المسلمين التوسع بالبناء، والاستيطان، وهدم بيوت تبنى من غير ترخيص منهم، ومحاولة التضييق عليهم لهجر المدينة والسكن خارجها، واعتبار المقيم خارجها من المهاجرين منها،والله تعالى المستعان.(2/30)
" بعد حرب 67 قام اليهود بتوسيع القسم الشرقي من القدس، وضم لها 66 ألف دونماً من أراضي الضفة المجاورة؛ لتصبح مساحة القدس 72 ألف دونم، وعمل اليهود على إضافة ثلاثة يهود مقابل كل عربي في القدس الشرقية، لذا فإن الهجرات المتلاحقة للقدس الشرقية من اليهود لا تزال مستمرة إضافة إلى الإجراءات التي يتخذها مكتب وزارة الداخلية بعدم جمع شمل العائلات في القدس، ورفض بلدية القدس إعطاء رخص للبناء، وهدم البيوت غير المرخصة.
وبناء على ذلك نجحت هذه الإجراءات، وأجبرت الكثير من سكان القدس الهجرة إلى ضواح خارج حدود بلدية القدس مثل الرام، وضاحية البريد، وأبو ديس، والعيزرية.
إن تقسيم أراض الضواح إلى أراض تابعة للقدس، وأخرى للضفة الغربية، والصعوبات الموضوعة أمام سكان القدس للتوسع في البناء، دفع سكان الضواحي للتوسع في البناء في القسم التابع للضفة الغربية حيث أن القوانين الخاصة بالبناء هي أقل صعوبة، والفرق واضح وهو نقل وإخراج إداري لسكان القدس إلى الضواح الواقعة في الضفة الغربية بطريقة تدريجية الهدف منها تقليل نسبة الفلسطينيين في القدس.
مهمة المستوطنات التي بنيت حول القدس الشرقية في أراض الضفة الغربية مثل مدينة معاليه أدوميم، جبعات زئيف..الخ وهي مستعمرات بنيت لتكون مدن يهودية في أراض الضفة محاصرة للقدس وموازية لها، فقد بنيت في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات مدن معاليه أدوميم إلى الشرق من القدس، وجبعات زئيف إلى الشمال الغربي، ومدينة افرات إلى الجنوب، لكل مدينة من هذه المدن لها مهام مختلفة ومتعددة:-(2/31)
1/ فمدينة معاليه أدوميم بنيت لفصل القدس الشرقية على أراض الضفة الغربية، ولتشكل حاجزاً يمنع الاتصال السكاني بين السكان العرب في القدس الشرقية والضفة الغربية، وكذلك لمنع اتساع الأحياء العربية في شرق القدس بحيث يتم تقييدها ووضع التوسع والتطور. والنية تتجه لتوسيع حدود مدينة معاليه أدوميم لتصل بسجات زئيف والنبي يعقوب بحيث يتم إغلاق المنطقة الشرقية نهائياً وذلك بهدف إكمال الحاجز أو الفاصل بين القدس والضفة.
2/ ومدينة جبعات زئيف جاءت لتحقيق عدة وظائف أخرى إضافة إلى وظيفة الاستيطان اليهودي ومن هذه الوظائف:-
1- الحد من تطور الريف الفلسطيني من الناحية الشمالية الغربية بواسطة مصادرة الأراضي.
2- منع الاتصال العضوي بين التجمعات الفلسطينية بعضها ببعض في الريف الفلسطيني القريب من القدس.
3- من الاتصال العضوي بين رام الله والقدس بواسطة زرع هذه المدينة في هذا الموقع.
3/ مدينة بيتار وافرات: وظيفة هاتين المدينتين هو:-
1- إقامة تكتل من التجمعات اليهودية على الحدود الجنوبية الغربية للقدس وإيعاق إي إمكانية للتوسع الفلسطيني من القدس.
2- الحفاظ على اتصال أرضي وسكاني يهودي بين القدس وبين ما يسمى غوش عتصيون إلى الجنوب الغربي من القدس"(1).
لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ
ــــــــــــــــــــ
(4) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأقْصَى".
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي: وقال: حديث حسن صحيح، وأبو يعلى، وعبد الرزاق في "المصنف"، وأبو داود، وابن ماجه، وأحمد، والنسائي، والدارمي، والبيهقي، والطحاوي في "المشكل"، والبغوي في "شرح السُنَّة". وغيرهم.
رواه عن أبي هريرة: سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن. وسلمان الأغر.(2/32)
وفي الباب: عن جميل بن بصرة الغفاري، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمرو بن العاص (مقروناً بأبي سعيد)، وعبد الله بن عمر، وأبي الجعد الضمري ـ رضي الله عنهم ـ.
ألفاظ الحديث:
* لا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأقْصَى..
* إِنَّمَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَسْجِدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ.(2/33)
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ الطُّورَ فَوَجَدْتُ ثَمَّ كَعْبًا، فَمَكَثْتُ أَنَا وَهُوَ يَوْمًا أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحَدِّثُنِي عَنْ التَّوْرَاةِ فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا عَلَى الأرْضِ مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ وَهِيَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُصِيخَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ، إِلاَّ ابْنَ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يُصَادِفُهَا مُؤْمِنٌ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ يَوْمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَقُلْتُ: بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ الطُّورِ، قَالَ: لَوْ لَقِيتُكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَهُ لَمْ تَأْتِهِ، قُلْتُ لَهُ: وَلِمَ؟ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ، فَقُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَنِي خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ، فَلَقِيتُ كَعْبًا فَمَكَثْتُ أَنَا وَهُوَ يَوْمًا أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحَدِّثُنِي عَنْ التَّوْرَاةِ، فَقُلْتُ لَهُ:(2/34)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا عَلَى الأرْضِ مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ وَهِيَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُصِيخَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلاَّ ابْنَ آدَمَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ يَوْمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ؟! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: كَذَبَ كَعْبٌ، قُلْتُ: ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ، فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَدَقَ كَعْبٌ إِنِّي لأعْلَمُ تِلْكَ السَّاعَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَخِي حَدِّثْنِي بِهَا، قَالَ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لا يُصَادِفُهَا مُؤْمِنٌ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ السَّاعَةَ صَلاةٌ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلاتِهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ الصَّلاةُ الَّتِي تُلاقِيهَا؟! قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ كَذَلِكَ.
* إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ.
* إنما الرحلة إلى ثلاثة مساجد: ..ثم ذكر مثله.
فقه الحديث:
قال النووي في "شرح مسلم" (9/106): فيه بيان عظيم فضيلة هذه المساجد الثلاثة ومزيتها على غيرها.(2/35)
وقال ابن حجر في "الفتح" (3/65): لكونها مساجد الأنبياء ولأن الأول: قبلة الناس وإليه حجهم، والثاني قبلة الأمم السالفة، والثالث أسس على التقوى.
وقال الإمام البغوي في "شرح السنة" (2/337): تخصيص هذه المساجد بما أنها مساجد الأنبياء صلوات الله عليهم وقد أمرنا بالإقتداء بهم، قال الله سبحانه وتعالى: (فبهداهم اقتده(90). سورة الأنعام.
وقال السندي في "شرح النسائي" (2/37): لا تشد الرحال نفي بمعنى النهي أو نهي، وشد الرحال كناية عن السفر، والمعنى: لا ينبغي شد الرحال والسفر من بين المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد، وأما السفر للعلم وزيارة العلماء والصالحين والتجارة وغير ذلك فغير داخل في حيز المنع، وكذا زيارة المساجد الأخر بلا سفر كزيارة مسجد قباء لأهل المدينة غير داخل في حيز النهي.....
وكذا الطيبي فيما نقله ابن حجر في "الفتح" (3/64) ( لا تشد الرحال هو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال:
لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلى هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به (والرحال) بالمهملة جمع رحل، هوللبعير كالسرج للفرس، وكنى شد الرحال عن السفر لأنه لازمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر(1) وإلا فلا فرق في ركوب الرواحل والخيل والحمير والمشي في المعنى المذكور ويدل عليه قوله في بعض طرقه ( إنما يسافر ).
وقال الشيخ عبد العزيز الدهلوي في شرح الحديث (عون المعبود 6/16): لا تشد الرحال: المستثنى منه المحذوف في هذا الحديث إما جنس قريب أو جنس بعيد.
فعلى الأول: تقدير الكلام لا تشد الرحال الى المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد، وحينئذ ما سوى المساجد مسكوت عنه.
وعلى الوجه الثاني: لا تشد الرحال إلى موضع يتقرب به إلا إلى ثلاثة مساجد، فحينئذ شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة المعظمة منهي عنه بظاهر سياق الحديث، ويؤيده حديث أبي بصرة الغفاري وهذا الوجه قوي من جهة مدلول حديث بصرة.(2/36)
وأشار إلى عموم الحديث أيضا شيخنا في "الإرواء" (4/143) فقال: والحديث عام يشمل المساجد وغيرها من المواطن التي تقصد لذاتها أو لفضل يدعى لها ألا ترى أن أبا بصرة أنكر على أبي هريرة سفره إلى الطور وليس هو مسجداً يصلى فيه، إنما هو جبل كلم الله فيه موسى عليه السلام، فهو جبل مبارك، ومع ذلك أنكر أبو بصرة السفر إليه وقد ثبت مثله عن عبد الله بن عمر كما تقدم.
قال الشيخ ولي الله في كتابه حجة الله البالغة:
قوله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال.....الحديث) كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى، فسد النبي صلى الله عليه وسلم الفساد لئلا يلتحق غير الشعائر بالشعائر، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله والحق عندي أن القبر ومحل عبادة ولي من أولياء الله والطور وكل ذلك سواء في النهي.أ.هـ
قال ابن تيمية في الاقتضاء (ص 430):
فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة للصلاة فيها، والدعاء، والذكر، والقراءة، والاعتكاف، من الأعمال الصالحة وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم، حتى مسجد قباء يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة ولا يشرع شد الرحال إليه.
وقال في المصدر نفسه (ص457):
وقد زين الشيطان لكثير من الناس سوء عملهم عن إخلاص الدين لربهم إلى أنواع من الشرك فيقصدون بالسفر والزيارة رضى غير الله، والرغبة إلى غيره، ويشدون الرحال إما إلى قبر نبي، أو صاحب، أو صالح، أو من يظنون أنه نبي، أو صاحب، أو صالح، داعين له راغبين إليه.
وقال شيخنا الألباني في كتابه "حجة النبي" صلى الله عليه وسلم:(2/37)
ومن البدع قصد المساجد التي بمكة وما حولها غير المسجد الحرام: كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أبي قبيس، ومسجد المولد، ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صلى الله عليه وسلم بالسفر والسنة قصد المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم. وقال في المصدر نفسه (ص137): ومن البدع قصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالسفر، والسنة قصد المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.... الحديث، فإذا وصل إليه وصلى التحية؛ زار قبره صلى الله عليه وسلم.وهو مذهب ابن تيمية وغيره من أتباع السلف.أ.هـ
ويؤيده ما روي عن ابن سويد قال: خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة ثم رأى الناس يذهبون مذهباً فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قيل: يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هم يأتون يصلون فيه، فقال: إنما أهلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعاً، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل ومن لا فليمض ولا يتعمدها.(1).
قلت: وبعض العوام الجهال من يقرن شد الرحال إلى بيت المقدس مع شد الرحال الى المسجد الحرام في موسم الحج، ويرى أن ذلك من تمام الحج وبعضهم يقرن ذلك بشد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويرى أن ذلك من تمام الحج وهذا وذاك من البدع.
يقول أبو شامه في كتابه "الباعث" (95): ومن العامة إذا حج يقول: أقدس حجتي، ويذهب فيزور بيت المقدس ويرى ذلك من تمام الحج وهو غير صحيح وزيارة بيت المقدس مستحبة ولكنها مستقلة ولا تعلق للحج بها.
قلت : الزيارة مستحبة سواء كانت في موسم الحج أو في غير موسم الحج لكن الاعتراض على من يراها من تمام الحج والله أعلم.
وقال أبو شامه: ومنهم من يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له الجنة. وهذا باطل لا يعرف في كتاب.(2/38)
قلت: له شاهد بهذا المعنى رواه أبو المعالي (رقم:215) بسنده عن ابن عباس موقوفاً: من حج وصلى في مسجد المدينة ومسجد الأقصى في عام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وإسناده ضعيف جداً، وهو منكر، فقد رواه أبو المعالي من طريق الوليد قال:ثنا مؤمل قال نبا يحيي بن سعيد عن حبيب بن شهاب عن أبيه عن ابن عباس ...فذكره.
وفي الإسناد يحيى بن سعيد التميمي المدني العنبري، قال البخاري: منكر الحديث، وهذا جرح شديد عنده، وقال أبو حاتم في "الجرح": منكر الحديث ولا أعرفه، هو مجهول. وقال النسائي في "التمييز":ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وضعفه الساجي، والعقيلي، وابن الجارود كما في "اللسان" (6/258).
وذكر ابن عرَّاق في تنزيه الشريعة (2/176) حديث: من زارني وزار أبي إبراهيم في سنة واحدة ضمنت له الجنة ( سئل عنه النووي ) فقال: باطل موضوع...... وكذا قولهم: من حج فليقدس حجته من سنته. لا أصل له.
قال أبو شامه: وبلغني عن بعض أهل العلم من أشياخنا أنه قال: ما سمع بهذا إلا بعد فتح صلاح الدين القدس.
قلت: سواء كان هذا المفهوم بعد فتح صلاح الدين أو قبله، فهو محدث لم يعمل به سلفنا الصالح ـ رضوان الله عنهم ـ.
والحديث الذي أخرجه ابن حبان في "الثقات" وأبو المعالي في "الفضائل: من حج واعتمر وصلى ببيت المقدس ..... ضعيف لا يحتج به.
من البدع الفاشية شد الرحال إلى مساجد فيها أضرحة وقبور
أخرج الإمام أحمد في "مسنده"، والدارمي، وأبو يعلى، والحميدي، والبيهقي، وهو في "الصحيحة" رقم (1132): عن سَعْدُِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".(2/39)
قال الشيخ خير الدين وانلي ـ حفظه الله ـ في كتابه "المسجد في الإسلام" (صفحة:379): من البدع الفاشية شد الرحال إلى مساجد فيها أضرحة وقبور؛ بحجة أن الصلاة في هذه المساجد أفضل؛ بسبب بركة صاحب الضريح أو القبر، فترى من يقطع المدينة من أقصاها إلى أقصاها؛ قاصداً الصلاة في مسجد كمسجد محيي الدين بن عربي في (قاسيون)؛ زاعماً أن الصلاة هناك أفضل، وكأنه لم يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأقْصَى".
قلت: ويفعل شد الرحال في بلادنا إلى المسجد الإبراهيمي في الخليل، وكذلك إلى ما يسمى بمقام موسى في أريحا، أو مقام صالح، وصموئيل، ويوسف، وغيرها من مقامات، فإلى الله المشتكى.
وقد يحتج البعض بقوله: أن المقامات في فلسطين ليست قبوراً للأنبياء والمرسلين، وإنما رموز لهؤلاء الأنبياء والمرسلين، الذين نؤمن بهم جميعاً، وقد أنشئت منذ عهد صلاح الأيوبي لأهداف دينية ولحماية المواطنين من غزوات الافرنجة.
فيقال لهؤلاء: ألم تسمعوا لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما حدث به عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي جُنْدَبٌ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ:
"إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، أَلا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلا فَلا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ".(2/40)
أخرجه: مسلم، وابن أبي شيبة.
وإلى غير ذلك من الأحاديث، التي طفحت بها كتب السنة والمسانيد.
قال الشيخ مشهور حسن سلمان ـ حفظه الله ـ(1):
"ولا يليق بمن يوظف نفسه في الدعوة إلى الله، أن يبلغ به الجهل بمعنى التوحيد ( الذي بدأت كل رسالة، وكل دعوة إلى الله على بصيرة بتقريره، والدعوة إليه)، وبمعنى الشرك ( الذي بدات أيضاً بإنكاره والتحذير منه) ألا يميز مظاهر المخالفة لأهم انواع التوحيد، واستفحال أهم أنواع الشرك بين مسلمي هذا العصر..وأن يحول انشغالهم بمناهجهم المبتدعة بينهم وبين العلم بما يستمد إليه ذلك من سوء، يبين ذلك ما جاء في صحيح البخاري:
"عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ صَارَتْ الأوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لآلِ ذِي الْكَلاعِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ".
هكذا بدأ الشرك .. وعن نهايته يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما: فعن أَبُي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(2/41)
" لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ، وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ".
قال ابن حجر في فتح الباري (13/76 -77) وهو يشرح الحديث الذي أخرجه البخاري في"صحيحه" في كتاب: الفتن، باب: تغير الزمان حتى تعبد الأوثان:
قوله: ( حتى تضطرب ) أي يضرب بعضها بعضا .
قوله ( أليات ) بفتح الهمزة واللام جمع ألية بالفتح أيضاً مثل جفنة وجفنات , والألية العجيزة وجمعها أعجاز .
قوله ( وذو الخلصة طاغية دوس ) أي صنمهم ,
وقوله " التي كانوا يعبدون " كذا فيه بحذف المفعول . ووقع في رواية معمر " وكان صنما تعبدها دوس " .
قوله ( في الجاهلية ) زاد معمر " بتبالة " وتبالة بفتح المثناة وتخفيف الموحدة وبعد الألف لام ثم هاء تأنيث قرية بين الطائف واليمن بينهما ستة أيام , وهي التي يضرب بها المثل فيقال " أهون من تبالة على الحجاج " وذلك أنها أول شيء وليه , فلما قرب منها سأل من معه عنها فقال : هي وراء تلك الأكمة . فرجع فقال : لا خير في بلد يسترها أكمة , وكلام صاحب " المطالع " يقتضي أنهما موضعان : وأن المراد في الحديث غير تبالة الحجاج , وكلام ياقوت يقتضي أنها هي ولذلك لم يذكرها في " المشترك " وعند ابن حبان من هذا الوجه : قال معمر إن عليه الآن بيتا مبنيا مغلقاً , وقد تقدم ضبط ذي الخلصة في أواخر المغازي وبيان الاختلاف في أنه واحد أو اثنان .
قال ابن التين : فيه الإخبار بأن نساء دوس يركبن الدواب من البلدان إلى الصنم المذكور , فهو المراد باضطراب ألياتهن .(2/42)
قلت ـ والكلام لابن حجر ـ: ويحتمل أن يكون المراد أنهن يتزاحمن بحيث تضرب عجيزة بعضهن الأخرى عند الطواف حول الصنم المذكور . وفي معنى هذا الحديث ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر قال " لا تقوم الساعة حتى تدافع مناكب نساء بني عامر على ذي الخلصة " وابن عدي من رواية أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة رفعه " لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى " قال ابن بطال : هذا الحديث وما أشبهه ليس المراد به أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء , لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة , إلا أنه يضعف ويعود غريبا كما بدأ . ثم ذكر حديث " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق " الحديث قال : فتبين في هذا الحديث تخصيص الأخبار الأخرى , وأن الطائفة التي تبقى على الحق تكون ببيت المقدس إلى أن تقوم الساعة . قال فبهذا تأتلف الأخبار .(2/43)
قلت ـ والكلام لابن حجر ـ: ليس فيما احتج به تصريح إلى بقاء أولئك إلى قيام الساعة , وإنما فيه " حتى يأتي أمر الله " فيحتمل أن يكون المراد بأمر الله ما ذكر من قبض من بقي من المؤمنين , وظواهر الأخبار تقتضي أن الموصوفين بكونهم ببيت المقدس أن آخرهم من كان مع عيسى عليه السلام , ثم إذا بعث الله الريح الطيبة فقبضت روح كل مؤمن لم يبق إلا شرار الناس . وقد أخرج مسلم من حديث ابن مسعود رفعه " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " وذلك إنما يقع بعد طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وسائر الآيات العظام، وقد ثبت أن الآيات العظام مثل السلك إذا انقطع تناثر الخرز بسرعة، وهو عند أحمد وفي مرسل أبي العالية " الآيات كلها في ستة أشهر " وعن أبي هريرة في " ثمانية أشهر " وقد أورد مسلم عقب حديث أبي هريرة من حديث عائشة ما يشير إلى بيان الزمان الذي يقع فيه ذلك ولفظه " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى " وفيه " يبعث الله ريحا طيبة فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم " وعنده في حديث عبد الله بن عمرو رفعه " يخرج الدجال في أمتي " الحديث وفيه " فيبعث الله عيسى بن مريم فيطلبه فيهلكه , ثم يمكث الناس سبع سنين , ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال حبة من خير أو إيمان إلا قبضته " وفيه " فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً , فيتمثل لهم الشيطان فيأمرهم بعبادة الأوثان , ثم ينفخ في الصور " فظهر بذلك أن المراد بأمر الله في حديث " لا تزال طائفة " وقوع الآيات العظام التي يعقبها قيام الساعة ولا يتخلف عنها إلا شيئا يسيراً، ويؤيده حديث عمران بن حصين رفعه " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال " أخرجه أبو داود والحاكم , ويؤخذ منه صحة(2/44)
ما تأولته , فإن الذين يقاتلون الدجال يكونون بعد قتله مع عيسى، ثم يرسل عليهم الريح الطيبة فلا يبقى بعدهم إلا الشرار كما تقدم . ووجدت في هذا مناظرة لعقبة بن عامر ومحمد بن مسلمة، فأخرج الحاكم من رواية عبد الرحمن بن شماسة أن عبد الله بن عمرو قال " لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية، فقال عقبة بن عامر : عبد الله أعلم ما يقول , وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك " فقال عبد الله " أجل، ويبعث الله ريحاً ريحها ريح المسك ومسها مس الحرير فلا تترك أحداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة " فعلى هذا فالمراد بقوله في حديث عقبة " حتى تأتيهم الساعة " ساعتهم هم وهي وقت موتهم بهبوب الريح والله أعلم . وقد تقدم بيان شيء من هذا في أواخر الرقاق عند الكلام على حديث طلوع الشمس من المغرب.
قال الشيخ مشهور: وبين البداية والنهاية أشرك اليهود والنصارى بمثل ما أشرك به قوم نوح..بنوا على قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد وتقربوا إلى الله، وعلى رغم تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته مثل الذي صنع من قبلهم (حتى اللحظات الأخيرة من حياته) قامت في القرون المتأخرة من أمته أنصاب الجاهلية الأولى على قبور الأنبياء والصالحين في مخالفة صريحة لأول وآخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم ..بل بلغ الأمر من السوء أن نافس بعض المسلمين بقايا أهل الكتاب وسابقوهم للاستحواذ على الأنصاب والمساجد المبنية على القبور والتقرب إلى الله بالشرك.
وأوضح المثلة على ذلك مدفن الخليل المزعوم في فلسطين، الذي ابتدع تقديسه اليهود ثم النصارى ثم المسلمون مع اليهود.
وقال ـ حفظه الله ـ في كتابه الذي أشرنا إليه:(2/45)
وهكذا عادت الوثنية إلى بلاد المسلمين باسم عبادة الله، والتقرب إليه وحبه أو عشقه، وحب أو عشق الأنبياء والصالحين، وليضمن الشيطان استساغة المسلم ذلك لم تسم أوثاناً ولا أصناماً وإنما سميت الأنصاب: أضرحة ومقامات ومشاهد ومزارات ينسب إليها من التقديس ما لا يحصل عليه بيت من بيوت الله الخاصة من الشرك.
قلت: وجاء من يلبّس على الناس دينهم، بحجة أن هذه المقامات رموز للأنبياء والمرسلين، وهي أملاك وقفية إسلامية وأماكن عبادة للمسلمين. وأن صلاح الدين أنشأها لأهداف دينية ولحماية المواطنين من غزوات الافرنجة!! سبحان الله العظيم، متى كان إنشاء رموز المقامات حماية، أنخشى أعداء الله ولا نخشى الله؟ ومتى كان اتباع صلاح الدين فيما يزعم ديناً وتركنا دين الله الإسلام، ودين محمد صلى الله عليه وسلم، ودين أنبياء الله الذين أول ما جاءوا به هو الدعوة إلى توحيد الله وإزالة الشرك: أنواعه وأسبابه. وينافس هؤلاء الجهال في تعبدهم لله وثنية اليهود والنصارى بزعم حماية المواطنين والحفاظ على الأرض، وأنها مساجد، والله تعالى يقول:(وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً)، فإلى الله المشتكى.
قال شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه "تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق" (صفحة:48):
" فقد علم كل مطلع على السنة أنه لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تتبع آثار الأنبياء والدعاء عندها. بل هذا مما نهى عنه الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وغيره، وقد ورد في ذلك ثلاث قصص:
القصة الأولى(2/46)
عن ابن سويد قال: خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة، ثم رأى الناس يذهبون مذهباً فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قيل: يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم يأتون يصلون فيه. فقال: " إنما هلك من كان قبلكم يمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعاً. من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمدها.
رواه سعيد بن منصور في "سننه" وابن وضاح القرطبي في "البدع والنهي عنها" (صفحة:41و42) بلإسناد صحيح على شرط الشيخين.
القصة الثانية
عن نافع: أن الناس كانوا يأتون الشجرة. فقطعها عمر. ( رواه ابن وضاح صفحة:42 ـ 43 ورجال إسناده ثقات، وروى عن شيخه عيسى بن يونس مفتي أهل طرطوس): " قطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة".(1)
القصة الثالثة
ما وقع في عهده ـ رضي الله عنه ـ من تعمية قبر دانيال فيما رواه أبو خلدة بن دينار، قال ما مختصره:
حدثنا أبو العالية قال: "لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت. قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه. قلت: وما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عنهم أبرزوا السرير فيمطرون. قلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له: دانيال".
رواه أبو اسحاق في مغازيه، ورواه غيره على وجوه أخر وفي بعضها أن الدفن كان بأمر عمر).
ومن هذا الباب ما ورد عن علي بن الحسين ـ رضي الله عنهما ـ أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، فقال: " ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"لا تتخذوا عند قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم".(2/47)
(رواه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، ورواه أبو يعلى في مسنده، وفي إسناده رجل من أهل البيت مستور، وبقية رجاله ثقات).
ففي هذه الآثار النهي عن قصد قبور الأنبياء وتتبع آثارهم للصلاة والدعاء عندها، وذلك سداً للذريعة وخشية الغلو فيهم المؤدي إلى الشرك بالله تعالى.أ.هـ
وتحت عنوان مفاسد التعلق بالقبور يقول الشيخ محيي الدين محمد البروكي الرومي في كتابه "زيارة القبور الشرعية والشركية" (صفحة:28):
ومنها السفر إليها مع التعب الأليم والإثم العظيم؛ فإن جمهور العلماء قالوا: السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة، لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين ولا أمر بها رسول رب العالمين، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك قربة وطاعة فقد خالف السنة والإجماع، ولو سافر إليها بذلك الاعتقاد لكان عمله حراماً؛ فصار التحريم من جهة اتخاذه السفر قربة، ومعلوم أن أحداً لا يسافر إليها إلا لذلك، وقد ثبت في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا).أ.هـ
قال شيخنا ـ رحمه الله ـ في كتابه "تحذير الساجد" (المختصر: صفحة:20):(2/48)
لما مات النبي صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب، كان صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم، والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه صلى الله عليه وسلم، إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً كما سبق بيانه في حديث عائشة وغيره، (يشير بذلك رحمه الله إلى الأحاديث التالية: قوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وقوله صلى الله عليه وسلم: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وقوله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ولما مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها: "مارية" وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة ـ فذكرن من حسنها وتصاويرها ـ قالت: فرفع النبسي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة. وغيرها).
وقال ـ رحمه الله ـ: ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم! ذلك أن الوليد بن عبد الملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فأدخل فيه الحجرة النبوية، حجرة عائشة، فصار القبر بذلك في المسجد، ولم يكن في المدينة المنورة أحد من الصحابة حينذاك خلافاً لما توهم البعض. قال العلامة الحافظ محمد بن عبد الهادي في " الصارم المنكي" (صفحة:136 ـ137):=(2/49)
إنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان من آخرهم موتاً جابر بن عبد الله، وتوفي في خلافة عبد الملك، فإنه توفي سنة ثمان وسبعين، والوليد تولى سنة ست وثمانين وتوفي سنة ست وتسعين، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك.أ.هـ
وقال ـ رحمه الله ـ تحت عنوان: الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي:
"ثم اعلم أن الحكم السابق يشمل كل المساجد كبيرها وصغيرها قديمها وحديثها لعموم الأدلة، فلا يستثنى من ذلك مسجد فيه قبر إلا المسجد النبوي الشريف! لأن له فضيلة خاصة لا توجد في شيء من المساجد المبنية على القبور، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:
(صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، فإنه أفضل) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) رواه البخاري ومسلم وغيرهما. ولغير ذلك من الفضائل. فلو قيل بكراهة الصلاة فيه كان ذلك مساواته مع غيره من المساجد ورفع هذه الفضائل. وهذا لا يجوز كما هو ظاهر.أ.هـ
من نذر أن يصلي في المسجد الأقصى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ لِلَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: صَلِّ هَاهُنَا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: صَلِّ هَاهُنَا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: شَأْنُكَ إِذَنْ.
أخرجه أحمد، وأبو داود، والدارمي، والطحاوي في "مشكل الآثار"، والحاكم، وعبد بن حميد، والبيهقي، وغيرهم. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي، ووافقه الألباني في "الإرواء" (4/147).(2/50)
والحديث أخرج له أبو داود شاهداً عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر وزاد (والذي بعث محمد بالحق، لو صليت ههنا لأجزأ عنك صلاة في بيت المقدس) قال شيخنا ـ رحمه الله ـ: وفي إسناده عبد الرحمن بن عوف لم يوثقه غير ابن حبان، وقال الحافظ: (مقبول). وللحديث أيضاً شاهد أخرجه أحمد، والبخاري في "التاريخ الكبير"، والطحاوي في "المشكل"، وغيرهم، عن معبد ابن عباس أنه قال:
أن امرأة اشتكت شكوى فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسلم عليها، فإخبرتها ذلك فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت، وصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة.
فقه الحديث
في المغني (11/352) قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: إذا نذر الصلاة في المسجد الحرام لم تجزئه لأنه: أفضل المساجد، وخيرها، وأكثرها ثواباً للمصلي فيها، وإن نذر الصلاة في المسجد الأقصى أجزأته الصلاة في المسجد الحرام، واستدل بحديث جابر بن عبد الله، وإن نذر الصلاة في المسجد الأقصى أجزأته الصلاة فيه، وفي مسجد المدينة لأنه أفضل، وإن نذر ذلك في مسجد المدينة لم يجزئه فعله في المسجد الأقصى لأنه مفضول.
وقال الشوكاني _ رحمه الله ـ في نيل الأوطار (9/154): في الحديث دليل على أن من نذر بصلاة أو صدقة أو نحوهما في مكان ليس بأفضل من مكان الناذر فإنه لا يجب عليه الوفاء بايقاع المنذور به في ذلك المكان، بل يكون الوفاء بالفعل في مكان الناذر أو أفضل منه إلا إذا كان المكان الذي فيه الناذر فوقه في الفضيلة. ويشهد بهذا ما في حديث ميمونة من تعليل ما أفتت به ببيان أفضلية المكان الذي فيه الناذرة في الشيء المنذور به وهو الصلاة.(2/51)
وقال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في أضواء البيان (5/685): اعلم أنه قد دل النص الصحيح على أن من نذر أن يسافر إلى مسجد ليصلي كمسجد البصرة، أو الكوفة، أو نحو ذلك: لا يلزمه السفر إلى مسجد من تلك المساجد وليصل الصلاة التي نذرها به في موضعه الذي هو به.
والنص الصحيح المذكور هو حديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد بيت المقدس.
والجاري على الأصول: أنه لا يخرج من هذا الحصر الذي صرح به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح، إلا ما أخرجه نص صحيح يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة، والأظهر أن من نذر السفر لصلاة في مسجد إيلياء(1)، وصلاها في مسجد مكة أو المدينة أجزأته، لأنهما أفضل منه.
النذر الباطل
قال في "شرح الروض":
" إن قصد بالنذر والتعظيم البقعة والقبر والتقرب إلى من دفن فيها أو نسب إليه؛ فهذا نذر باطل، غير منعقد، فإنهم يعتقدون أن لهذه الأماكن خصوصيات لأنفسهم، ويرون أن النذر لها مما يندفع به البلاء، وهو اعتقاد فاسد، وإشراك بالله تعالى".
وقال في "شرح الإقناع":
من نذر إسراج بئر، أو مقبرة(2)، أو جبل، أو شجرة، أو نذر له، أو لسكانه، أو المضافين إلى ذلك المكان؛ لم يجز، ولا يجوز الوفاء به إجماعاً، ويصرف في المصالح".
وقال صاحب "الإقناع":
"النذر للقبور أو لأهل القبور ـ كالنذر لإبراهيم الخليل عليه السلام والشيخ فلان ـ نذر معصية، فلا يجوز الوفاء به، وإن تصدق بما نذره من ذلك على من ستحقه من الفقراء والصالحين؛ كان خيراً له عند الله وأنفع..."
وقال العلائي في "الدر":
واعلم أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام، وما يؤخذ من الدراهم، والشمع، والزيت، ونحوها إلى ضرائح الأولياء؛ تقرباً إليهم؛ فهو بالإجماع باطل وحرام..".
وقال ابن عابدين في "حواشي الدر":(2/52)
"باطل، وحرام؛ لوجوه منها: أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق، ومنها أن المنذور له ميت، والميت لا يملك، ومنها أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الأمر دون الله تعالى، واعتقد ذلك؛ كفر..الخ".
ثم قال:
أما لو نذر زيتاً لإيقاد قنديل فوق ضريح الشيخ، أو في المنارة ـ كما يفعل النساء من نذر الزيت للسيد عبد القادر ـ ويوقد في المنارة جهة المشرق؛ فهو باطل.
وأقبح منه النذر بقراءة المولد في المنائر، مع اشتماله على الغناء واللعب، وإيهاب ثواب ذلك إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم(1).
الاعتكاف في المسجد الأقصى
ـــــــــــــــــــــ
(6) عن أبي وائل قال: قال حذيفةُ بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ لعبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ عكوفٍ بين دارك ودارِ أبي موسى لا يضرُّ! وقد علمتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة.
فقال عبد الله: لعلك نسيتَ وحفظوا وأخطأتَ وأصابوا.
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، والطحاوي في "المشكل"، والإسماعيلي في "المعجم"، وهو في "الصحيحة" (رقم:2786) وقال: إسناده على شرط الشيخين.
وقال ـ رحمه الله ـ:
"وقول ابن مسعود ليس نصاً في تخطئته لحذيفة في روايته للفظ الحديث، بل لعله خطأه في استدلاله به على العكوف الذي أنكره حذيفة؛ لاحتمال أن يمون معنى الحديث عند ابن مسعود: لا اعتكاف كاملاً، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" والله اعلم.
فائدة الحديث:
قال شيخنا ـ رحمه الله ـ في كتابه "قيام رمضان (ص36): وقفت على حديث صحيح صريح يخصص المساجد المذكورة في الآية وهي قوله تعالى: ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) بالمساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى وهو قوله صلى الله عليه وسلم ....وذكر الحديث.(2/53)
وقال: وقد قال به من السلف فيما اطلعت عليه: حذيفة بن اليمان، وسعيد بن المسيب، وعطاء إلا أنه لم يذكر المسجد الأقصى، وقال غيرهم بالمسجد الجامع مطلقاً، وخالف آخرون فقالوا ولو مسجد بيته، وقال: ولا يخفى ان الأخذ بما وافق الحديث منها هو الذي ينبغي المصير إليه والله سبحانه وتعالى أعلم.
هذا وقد فصل باستيعاب وتصرف عن السلسلة الصحيحة أخونا علي حسن علي عبد الحميد الحلبي بكتابه ( الإنصاف في أحكام الاعتكاف )(1) فراجعه ففيه فوائد طيبة.
وتذكر قول الإمام الشافعي رحمه الله:
( ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه، فمهما قلت من قول، أو أصلت من أصل، فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي ).(2)
لذا عمل بهذا الحديث بعض السلف منهم سعيد بن المسيب، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه (3/91)، وابن حزم (5/194)، بسند صحيح عنه أنه قال: لا اعتكاف إلا في مسجد نبي.
فتح يوشع بن نون عليه السلام
بيت المقدس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(2/54)
إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار الى بيت المقدس ـ وفي رواية ـ : غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الأنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلا أَحَدٌ بَنَى (بنياناً) بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلادَهَا، فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ صَلاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ( فلقي العدو عند غيبوبة الشمس ) فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا (وكانوا إذا غنموا الغنيمة بعث الله تعالى عليها النار فأكلتها) فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمْ الْغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمْ الْغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا فَجَاءَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا ( فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ) ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ ( ذلك بأن الله تبارك وتعالى ) رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا (فطيبها لنا ) ـ وفي رواية ـ ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الله أطعمنا الغنائم رحمة بنا، وتخفيفاً، لما علم من ضعفنا.(2/55)
الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"، وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"، ومسلم، وأحمد، والبغوي في "شرح السنة"، والطحاوي في "مشكل الآثار"، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"، وأبو إسحاق الفزاري في كتاب "السير"، من طرق عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ به.
شرح غريب الحديث وذكر فوائده:
قال المهلب: ان فتن الدنيا تدعو النفس الى الهلع ومحبة البقاء لأن من ملك بضع امرأة ولم يدخل بها، أو دخل بها وكان على قرب من ذلك، فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها، ويجد الشيطان السبيل الى شغل قلبه عما هو عليه، وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا.
قال النووي في شرح مسلم (12/51): إن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلى أولي الحزم وفراغ البال لها، ولا تفوض الى متعلق القلب بغيرها لأن ذلك يضعف عزمه ويفوت كمال بذل وسعه فيه.أ.هـ
فقوله (لا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ ): قال الحافظ في الفتح (6/222): البضع: بضم الموحده وسكون المعجمه: يطلق على الفرج، والتزويج، والجماع، والمعاني الثلاثة لائقة هنا، ويطلق أيضا على المهر وعلى الطلاق.
وقوله ( وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ): أي ولم يدخل عليها.
وقوله ( خَلِفَاتٍ ): جمع خلفه، وهي الحامل من النوق، وقد يطلق على غير النوق.
وقوله (اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا): أي قدر ما تقتضي حاجتنا من فتح البلد.
قال شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ:
والمتبادر من الحبس أن الغرض منه أن يتمكن النبي يوشع عليه السلام وقومه من صلاة العصر قبل غروب الشمس، وليس هذا هو المراد بل الغرض أن يتمكن من الفتح قبل الليل لأن الفتح كان يوم الجمعة، فإذا دخل الليل دخل يوم السبت الذي حرم الله عليهم العمل، وهذا إذا صح ما ذكره ابن كثير عن أهل الكتاب ( ذكروا أنه انتهى من محاصرته لها يوم الجمعة بعد العصر فلما غربت الشمس أو كادت أن تغرب ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم وشرع لهم ذلك الزمان).(2/56)
وبهذا جزم ابن تيمية رحمه الله في كتابه ( منهاج السنة 4/187).
قلت: ولم يثبت أن حبس الشمس قد وقع لغير يوشع عليه السلام.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( غزا نبي من الأنبياء ) يعني يوشع بن نون، وليس غيره أبداً ويدل عليه ما ورد في الرواية الثانية، فالمعتمد أنها لم تحبس إلا ليوشع عليه السلام وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى قال أبو تمام:
فوالله لا أدري أأحلام نائم ألمت بنا أم كان في الركب يوشع
وقوله ( فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ ): يعني بيت المقدس أعادها الله تعالى الى حوزة المسلمين، ويدل عليه ـ الرواية الثانية ـ ليالي سار الى بيت المقدس، وأشار ابن كثير ـ رحمه الله ـ في البداية والنهاية (1/323) إلى ذلك بعد أن نقل عن أهل الكتاب أن حبس الشمس ليوشع وقع في فتح اريحا قال: فيه نظر ـ والأشبه ـ والله أعلم ـ أن هذا كان في فتح بيت المقدس، الذي هو المقصود الأعظم وفتح أريحا كان وسيلة إليه.
يحيى بن زكريا
يجمع الناس في "المسجد الأقصى" ويعظهم بخمس كلمات، وأضاف النبي صلى الله عليه وسلم عليهن خمساً أخرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) عَن الْحَارِثَ الأشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(2/57)
إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ؟ فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ، فَجَمَعَ النَّاسَ (بني إسرائيل) فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَامْتَلأ الْمَسْجِدُ، وَتَعَدَّوْا عَلَى الشُّرَفِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ. وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلا تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ. وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ فَكُلُّهُمْ يَعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالْقَلِيلِ(2/58)
وَالْكَثِيرِ، فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ. وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ.
أخرجه أبو يعلى في "المسند"، وفي "المفاريد"، وأحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن طهمان في "مشيخته"، وابن خزيمة في "صحيحه"، وعبد الرزاق في "المصنف"، والحاكم، والترمذي، وغيرهم، من طرق عن زيد بن سلام ( ابن ابي سلام ) أن أبا سلام وهو ممطور الحبشي حدثه أن الحارث الأشعري حدثه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
أحاديث الاسراء
بالنبي صلى الله عليه وسلم
إلى المسجد الأقصى
ــــــــــــــــــ
إفراد البخاري ـ رحمه الله ـ لكل من الإسراء والمعراج بترجمتين منفصلتين، لا يعني أن ليلة الإسراء كانت غير ليلة المعراج، بل لأن كل منهما يشتمل على قصة منفردة.(2/59)
وذهب الجمهور ـ من علماء المحدثين، والفقهاء، والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك ـ إلى أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه بعد المبعث.(1)
وهنا في الباب اقتصرت على تخريج أحاديث الإسراء من غير أحاديث المعراج فلزم تقديم مقالة ابن حجر والله الموفق للصواب.
في مطلع سورة الإسراء قال الله تعالى:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1).
اختلف العلماء في هذه البركة، فقيل هي بالرسل والأنبياء، وقيل بالمياه والثمار، وعندي أن البركة في الرسل والأنبياء والصالحين ـ الذين اتبعوهم بإحسان، الذين هم على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة(1) ـ وفي المياه والثمار.
وقال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ: في قوله تعالى: (بَارَكْنَا حَوْلَهُ) يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتاً دائماً لأهلها.
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في "مجموع الفتاوى" (27/43-44):
والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام، وكما أن مكة أفضل من بيت المقدس، فأول الأمة خير من آخرها. وكما أنه في آخر الزمان يعود الأمرإلى الشام كما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. فخيار أهل الأرض في آخر الزمان ألزمهم مهاجر إبراهيم ـ عليه السلام ـ وهو بالشام فالأمر مساسه كما هو الموجود والمعلوم.
وفي "مثير الغرام":(2/60)
ولو لم يكن للمسجد الأقصى فضيلة إلاَّ هذه الآية العظيمة، لكانت كافية، لأن الله تعالى نوه بأمره في كتابه العزيز، وجعله طريق حبيبه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعرج به إلى السماء، وأثنى عليه نبينا لفضله، وليجمع له فضل البيتين وشرفهما، وإلاَّ فإن الطريق من البيت الحرام إلى السماء، كالطريق من بيت المقدس إليها ولأنه قبلة الأنبياء ومقصدهم.
(9) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ ـ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ ـ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ..وذكر حديث المعراج بطوله.
الحديث أخرجه الإمام مسلم ـ واللفظ له ـ، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة"، وأخرجه ابن منده ، وأحمد، وأبو يعلى ، وأبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف "، والطحاوي في " مشكل الآثار"، وغيرهم.
وللفقرة الأخيرة شاهد بإسناد صحيح:
أخرجه: البخاري في "صحيحه"، والنسائي، والبيهقي في "الدلائل"، وعبد الرزاق في "المصنف"، والطبري، وابن حبان، وغيرهم.(2/61)
فعَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ.
وللحديث شاهد آخر صحيح، عن عبد الله بن شداد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، أخرجه أبو بكر ابن أبي شيبة في المصنف (11/461)و(14/308) قال:
حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن عبد الله بن شداد قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم، أتي بدابة دون البغل وفوق الحمار يضع حافره عند منتهى طرفه يقال له البراق، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعير للمشركين فنفرت فقالوا: يا هؤلاء ما هذا؟ قالوا ما نرى شيئا ما هذه إلا ريح، حتى اتى بيت المقدس ( فاتي بإناءين في واحد خمر وفي الآخر لبن فأخذ اللبن فقال له جبريل: هديت، وهديت أمتك، ثم سار إلى مصر.
والشيباني هو: سليمان ابن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني.
واعلم أن من أثبت للنبي صلى الله عليه وسلم ربط البراق، والصلاة في بيت المقدس، معه زيادة علم على من نفى ذلك والدليل:
1/ ما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه المتقدم.
2/ وحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ رقم (12) الآتي، وفيه: (فحانت الصلاة فأممتهم) ـ يعني الأنبياء ـ.
3/ وحديث مالك بن صعصعة، وفيه: (حتى أتينا إلى بيت المقدس فصليت فيه بالنبيين والمرسلين إماما).(2/62)
4/ وحديث زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل فلم يزايلا ظهره هو وجبريل حتى انتهيا إلى بيت المقدس، فصعد به جبريل إلى السماء فاستفتح جبريل فأراه الجنة والنار، ثم قال لي: هل صلى في بيت المقدس؟ قلت: نعم. قال: ما اسمك يا أصلع؟ إني لا أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك! قلت: أنا زر بن حبيش. قال: فأين تجده صلى؟ فتلوت الآية ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) الآية. قال: فإنه لو صلى فيه لصليتم كما تصلون في المسجد الحرام. قال: قلت لحذيفة: وربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء؟ قال: أكان يخاف أن تذهب منه وقد اتاه الله بها.
أخرجه ابو داود الطيالسي، ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة"، وأبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف"، وأحمد، والطحاوي في "مشكل الآثار"، والبزار، والحميدي، والحاكم، وحسنه شيخنا في "الصحيحة" (رقم:874).
قال البيهقي: وكأن حذيفة لم يسمع صلاته في بيت المقدس، وقد روينا في الحديث الثابت عن أبي هريرة وغيره، أنه صلى فيه، وأما الربط فقد رويناه أيضا في حديث غيره، والبراق دابة مخلوقة وربط الدواب عادة معهودة وإن كان الله عز وجل لقادر على حفظها، والخبر المثبت أولى من النافي وبالله التوفيق.
قال ابن حجر في الفتح (7/208): واحتج حذيفة بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة في البيت العتيق. والجواب عنه: منع التلازم في الصلاة في بيت المقدس فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شد الرحال وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث.أ.هـ
قال شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه الأخير "الإسراء والمعراج" (صفحة:64):(2/63)
واعلم أن في حديث حذيفة هذا عبرةً بالغةً، وهي: أن الصحابي قد يقول برأيه ما يخالف الواقع المروي عند غيره، من أجل ذلك كان من المتفق عليه بين العلماء: أن المُثبِت مقدم على النافي، ومن حفظ حجة على من لا يحفظ، فنفي حذيفة رضي الله عنه لصلاته صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس؛ وربط البراق بالحلقة مما لا قيمة له مع إثبات غير ما واحد من الصحابة لذلك، وهو عمدة زر ـ رحمه الله ـ في معارضة حذيفة فيما نفاه، ولهذا قال ابن كثير:
"وهذا الذي قاله حذيفة ـ رضي الله عنه ـ! وما أثبته غيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربط الدابة بالحلقة؛ ومن الصلاة ببيت المقدس ـ مما سبق وما سيأتي ـ مقدم على قوله".
(10) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: فلما أسري به إلى المسجد الأقصى، أصبحَ يخبر النَّاسَ أنه قد أسري به، فارتد أناس ممن كان قد صدَّقه وآمن به وفتنوا وكذبوه به. وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال: هذا صاحبك يزعم أنه قد أسري به الليلة إلى بيت المقدس، ثم رجع ليلته، فقال أبو بكر: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. فقال أبو بكر: فإني أشهد إن كان قال ذلك لقد صدق، فقالوا أتصدقه بأنه جاء الشام في ليلة واحدة ورجع قبل أن يصبح؟ قال أبو بكر: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء بكرة وعشيا. فلذلك سمي أبو بكر الصديق.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" ـ واللفظ له ـ، والحاكم، وهو في "الصحيحة" (رقم:306).
قال الله تعالى في سورة الإسراء:
(وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا(60).(2/64)
أخرج البخاري في "صحيحه" عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله ( ليلة أسري به.( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) قال: شجرة الزقوم.
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: وكذا رواه أحمد، وعبد الرزاق، وغيرهما(1). من طرق عن سفيان بن عيينة به، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس. وهكذا فسر ذلك بليلة الإسراء مجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، ومسروق، وإبراهيم، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد، وغير واحد.
قلت: وأخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/456)، وعزاه ابن حجر في الفتح (8/398) لسعيد بن منصور كلاهما من طريق مالك بن إسماعيل قال: حدثنا ابن عيينة به. وزاد ( وليست برؤيا منام ). قلت:وهو على شرط البخاري.
وفي رواية عند أحمد (الفتح الرباني 18/194): قال: حدثنا روح حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة يقول: كان ابن عباس يقول: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ) شيء أريه النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة رآه بعينه حين ذهب به إلى بيت المقدس.
فقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ): هي ما شاهده الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء شهوداً ببصره(1) .(2/65)
وأبلغ من ذلك في الرد على من قال: أن الرؤيا رؤيا منامية، قوله تعالى في أول سورة الإسراء: ( سبحان ) فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مستعظماً، ولم تبادر كفار قريش إلى تكذيبه، ولا ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال الله تعالى:( أسرى بعبده ليلاً ).وأيضا فإنه حمل على البراق، والركوب لا يكون إلا للجسد لا للروح فقط، لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه.
(إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ): أي: إلاَّ امتحاناً واختباراً، فمن كان صادق الإيمان بالله ورسوله لم يشك بأن ما جرى للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به حق وصدق، ومن كان كافراً وتأكد له أن ما يخبر به الرسول حق وصدق مطابق للواقع زعم أنه سحر، ولم يصدق بأن الله قد أسرى به فعلاً إسراء بالجسد والروح معاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة واحدة.(2/66)
(11) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فَظِعْتُ بِأَمْرِي وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ، فَقَعَدَ مُعْتَزِلاً حَزِينًا، قَالَ: فَمَرَّ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّهُ أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ، قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَمْ يُرِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِذَا دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، فَقَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، قَالَ: فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ، قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قُلْتُ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ زَعَمَ، قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ، قَالَ: فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ(2/67)
وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ، فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ، قَالَ: فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ.
أخرجه أحمد في "المسند"، وأبو بكر بن أبي شيبة، والبيهقي في "الدلائل"، والطبراني في "الكبير"، وغيرهم
(12) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الأنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ(1) جَعْدٌ(2) كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَة،َ وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلام قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلام قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ ـ يَعْنِي نَفْسَهُ ـ فَحَانَتْ الصَّلاةُ فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ الصَّلاةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلامِ.
أخرجه الإمام مسلم، وابن منده، والبيهقي في "الدلائل"، وأبو عوانة، والطحاوي في "مشكل الآثار"، وغيرهم، من طرق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن به.
وأخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، والبغوي في "شرح السنة"، وغيرهم، عن سعيد بن المسيب به، ولفظه:(2/68)
"حِينَ أُسْرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَى، قَالَ: فَنَعَتَهُ ـ فَإِذَا رَجُلٌ ـ حَسِبْتُهُ قَالَ: مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى، قَالَ: فَنَعَتَهُ قَالَ: رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، ـ يَعْنِي الْحَمَّامَ ـ وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ، قَالَ وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ، وَالآخَرُ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ. فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ.
ولمطلع الحديث شاهد صحيح عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَا اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ.
أخرجه البخاري، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة"، وأخرجه ابن حبان، وعبد الرزاق في "المصنف"، وغيرهم.
ولحديث أبي هريرة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إماماً في جميع الأنبياء ـ من غير استثناء ـ في المسجد الأقصى شاهد من حديث أنس بن مالك، أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (5009) قال:
حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن أنس بن مالك:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء بيت المقدس في الليلة التي أسري به إليه فيها، بعث له آدم صلى الله عليه وسلم، ومن دونه من الأنبياء وأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، لم أجده. والمتن غريب بهذا اللفظ.(2/69)
وله شاهد صحيح أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير" (9/3) من حديث مالك بن صعصعة وهو رجل من قوم أنس بن مالك.
قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر بن عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، وهو رجل من قومه قال:
قال نبي الله صلى الله عليه وسلم:
بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلا يقول أحد ثلاثة، فأتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا، قال قتادة: قلت: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطنه، قال: فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيمانا وحكمة، ثم أتيت بدابة أبيض. وفي رواية أخرى: بدابة بيضاء يقال له البراق، فوق الحمار ودون البغل،يقع خطوه منتهى طرفه، فحملت عليه، ثم انطلقنا حتى أتينا إلى بيت المقدس فصليت فيه بالنبيين والمرسلين إماما، ثم عرج بي إلى السماء الدنيا ....فذكر الحديث.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وثبت لقاء قتادة بأنس، وسعيد بن أبي عروبة أثبت الناس بقتادة.
وله شاهد صحيح أخرجه ابن جرير في التفسير (9/3 ـ 5) قال: سمعت أنس يحدث عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة ..فكان مما قاله:
"ثم ركب البراق، فسار حتى أتى به بيت المقدس، فصلى فيه بالنبيين والمرسلين إماماً".
من فوائد الحديث
قال الشيخ أبو محمد ابن أبي جمره:(2/70)
الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء: إرادة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده، لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان والإيضاح، فلما ذكر أنه أسرى إلى بيت المقدس سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك فلمَّا أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن وزيادة في شقاء الجاحد المعاند.(2/71)
(13) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ وَبِعَلامَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبِعِيرِهِمْ، فَقَالَ نَاسٌ: قَالَ حَسَنٌ: نَحْنُ نُصَدِّقُ مُحَمَّدًا بِمَا يَقُولُ؟! فَارْتَدُّوا كُفَّارًا، فَضَرَبَ اللَّهُ أَعْنَاقَهُمْ مَعَ أَبِي جَهْلٍ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخَوِّفُنَا مُحَمَّدٌ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ؟! هَاتُوا تَمْرًا وَزُبْدًا فَتَزَقَّمُوا. وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ لَيْسَ رُؤْيَا مَنَامٍ، وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدَّجَّالِ فَقَالَ: أَقْمَرُ هِجَانًا(1)، قَالَ حَسَنٌ: قَالَ رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا(2) أَقْمَرَ هِجَانًا(3) إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، كَأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ، وَرَأَيْتُ عِيسَى شَابًّا أَبْيَضَ، جَعْدَ الرَّأْسِ(4)، حَدِيدَ الْبَصَرِ، مُبَطَّنَ الْخَلْقِ(5). وَرَأَيْتُ مُوسَى أَسْحَمَ(6) آدَمَ كَثِيرَ الشَّعْرِ، قَالَ حَسَنٌ: الشَّعَرَةِ شَدِيدَ الْخَلْقِ. وَنَظَرْتُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَلا أَنْظُرُ إِلَى إِرْبٍ مِنْ آرَابِهِ(7) إِلاَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِ مِنِّي كَأَنَّهُ صَاحِبُكُمْ، فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام سَلِّمْ عَلَى مَالِكٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ـ واللفظ له ـ، وابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (مسند عبد الله بن عباس 1/408) لكن وقع عنده في آخر الحديث: (وقال جبريل عليه السلام: سلم على أبيك، فسلمت عليه). وهذا خطأ، والصحيح لفظ أحمد (فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام سَلِّمْ عَلَى مَالِكٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ).(2/72)
قال أبو فهر محمود محمد شاكر ـ رحمه الله ـ:
وغيَّر أخي ـ يعني أبو الأشبال أحمد محمد شاكر ـ رحمه الله ـ في آخر الخبر (سلم على أبيك) وجعلها (سلم على مالك) ـ يعني مالكاً خازن النارـ إعتماداً على النسخ الصحاح من المسند، ولكن ما هنا يؤيد الأول، ويجعل ما في النسخ الصحاح تصحيفاً لا أكثر ولا أقل، وسياق الخبر يصحح ما ههنا. أ.هـ
قلت: ما ذهب إليه الأستاذ محمود شقيق الشيخ أحمد ليس بصحيح، بل التصحيف في الذي وقع عند ابن جرير، وأنَّ ما غيَّره الشيخ أحمد في آخر الخبر فضبطه على (مالك) بدلاً من (أبيك) هو الصواب الذي يتمسك به، وقد تقدم من حديث أبي هريرة ( رقم:12) "فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ الصَّلاةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلامِ".
تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
ــــــــــــــــــــــ(2/73)
قال تعالى في سورة البقرة: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ(145)الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ(147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(148) وَمِنْ حَيْثُ(2/74)
خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ(151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152).
وقال تعالى في سورة المائدة: ( يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(15).
وقال تعالى في السورة أيضاً: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ(65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(66) يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67).(2/75)
(14) عَنْ الْبَرَاءِ بن عازب ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ صَلَّى أَوْ صَلاَّهَا صَلاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).
أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو عوانة، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، واحمد، وابن خزيمة، والطبري في "التفسير"، وغيرهم، من طرق كثيرة عن أبي إسحق عن البراء به.
وفي الباب:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ..لآيَةَ).
أخرجه الترمذي وقَالَ:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وأحمد، والدارمي.
فائدة مهمة(2/76)
قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: يقول تعالى إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولاً إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنه إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه، أي مرتداً عن دينه وإن كانت لكبيرة، أي هذه الفعلة وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي وإن كان هذا الأمر عظيماً في النفوس إلا على الذين هدى الله قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك بخلاف الذين في قلوبهم مرض فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكاً كما يحصل للذين آمنوا ايقان وتصديق، كما قال الله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ(125) سورة التوبة.(2/77)
ونقل ابن كثير كلام البخاري في تفسير الآية: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ) وقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر، ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده (حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ قَالَ: ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الأنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ: فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ) وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مثله، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ولرسوله، وانقيادهم لأوامر(2/78)
الله عز وجل ـ رضي الله عنهم ـ أجمعين.
ما بشر به النبي صلى الله عليه وسلم من فتح بيت المقدس
ــــــــــــــــــــــ
قال تعالى في: (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ(1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ(2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ(3) وَلَقَدْ جَاءَ همْ مِنْ الأنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ(4)حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ(5). سورة القمر.
وقال تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ(18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ(19). سورة محمد.
(15) عن عَوْف بْن مَالِكٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ(1)، فَقالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ(2) يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ(3) الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ (تكون في أمتي) (وعظَّمها) لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ (شعر ومدر) إِلاَّ دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً(4) تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا (فسطاط(5) المسلمين يومئذ في أرض يقال لها: الغوطة، في مدينة يقال لها: دمشق).
أخرجه البخاري، وابن ماجه، والحاكم، والطبراني في "الكبير"، وأحمد، وعزاه ابن حجر في "الفتح" للإسماعيلي، وغيرهم.
شرح الحديث(2/79)
قوله في الحديث: ( ستاً ): أي ست علامات لقيام الساعة، أو لظهور أشراطها المقتربة منها.
وهي:
1* موت النبي صلى الله عليه وسلم:
فقد كان موت النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم المصائب التي وقعت على المسلمين، فقد أظلمت الدنيا في عيون الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ عندما مات عليه السلام.
قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ فيما أخرجه ابن ماجه، وأحمد، والدارمي، والترمذي وقال: حديث صحيح غريب:
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ وَلَمَّا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( الأيْدِي وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا).
قال ابن حجر في " الفتح " (8/149): يريد أنهم وجدوها تغيرت عما عهدوه في حياته من الألفة، والصفاء، والرقة، لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب.
فبموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء كما في جواب أم أيمن لأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ عندما زاراها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهيا إليها، بكت فقالا لها:
"مَا يُبْكِيكِ؟! مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ السَّمَاءِ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا(1).
2* فتح بيت المقدس:
ففي عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تم فتح بيت المقدس، وتكرر الفتح لها في عهد صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ.
3* موتان كقعاص الغنم:(2/80)
وهذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في زمن خلافة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، فمات خلق كثير كان من بينهم أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وتكرر وقوعه في عهد قايتباي والقدس في حوزة المماليك.
4* ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً:
وفي حديث أخرجه النسائي، والحاكم، وغيرهما وصححه شيخنا (2767) عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إن من أشراط الساعة أن يفيض المال، ويكثر الجهل، وتظهر الفتن، وتفشو التجارة، ويظهر العلم ).
وفي رواية صحيحة أخرجها الإمام أحمد في "المسند"، وهي في "الصحيحة" رقم (647)، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ قَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاةُ، فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ رَأَيْنَا النَّاسَ رُكُوعًا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَرَكَعْنَا، ثُمَّ مَشَيْنَا وَصَنَعْنَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ، فَمَرَّ رَجُلٌ يُسْرِعُ فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلامُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا وَرَجَعْنَا، دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ، جَلَسْنَا؛ فَقَالَ: بَعْضُنَا لِبَعْضٍ أَمَا سَمِعْتُمْ رَدَّهُ عَلَى الرَّجُلِ صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَتْ رُسُلُهُ! أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ؟ فَقَالَ طَارِقٌ: أَنَا أَسْأَلُهُ، فَسَأَلَهُ حِينَ خَرَجَ، فَذَكَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الأرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ ".(2/81)
وفسَّرعلي بن معبد قوله صلى الله عليه وسلم (ظُهُورَ الْقَلَمِ) يعني: الكتاب ـ أي: الكتابة ـ. وكذا قال العلامة أحمد شاكر، وأيَّده شيخنا الألباني ـ رحمهما الله ـ وقال شيخنا:
ففي هذا الحديث إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس القراءة والكتابة، والقضاء على الأمية حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك، فتعلن أن نسبة الأمية قد قلَّت عندها حتى كادت أن تمحى!أ.هـ
قلت: ولعل المقصود في رواية عمرو بن تغلب ( ويظهر العلم ) علوم الدنيا دون العلم الشرعي، يلاحظ هذا في إقبال الناس على تعلم العلوم الدنيوية، وتشجيع الحكومات والأفراد على ذلك طمعاً بالدخل المادي، لذلك فرغت له الأذكياء من الطلاب فدخلوا الجامعات وأقبلوا على الطب، والهندسة وما شابه ذلك، ولا يتحصل الطالب على أي مادة شرعية ضمن مواد الدراسة التي يتخصص لها.
كذلك الطلاب في كليات العلوم الشرعية ففيهم حديث ( ويظهر القلم ) فهم يكتبون ويتلقنون علوماً شرعية من أجل الحصول على الشهادة ـ إلا من رحم ربي ـ، فإذا تحصل على الشهادة الشرعية لا يعمل بالدعوة إلى الله تعالى، بل يعمل من أجل المال. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أخرج الهروي في ذم الكلام عن أبي ذر مرفوعاً: (إنكم اليوم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، من ترك عشر ما يعرف فقد هوى، ويأتي من بعد زمان كثير خطباؤه قليل علماؤه، من استمسك بعشر ما يعرف فقد نجا)(1)
5* ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته:
قال الشيخ محمود عطية ـ حفظه الله تعالى ـ " ومن الأشراط المترتبة على ذهاب العلم: الفتن، فعندما لا يحكَّم كتاب الله وسنة رسوله؛ تثور الفتن، وما ذلك إلا بسبب اتباع الهوى، الذي فرَّق الأمة شيعاً وأحزاباً، أعاذنا الله وإياكم من الفتن والهوى ".أ.هـ(2)(2/82)
والفتن، جمع فتنة، وهي الإختبار والابتلاء، كما قال تعالى: (..وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً...(35) سورة الأنبياء. وقد أطلع الله سبحانه وتعالى نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم على كثير من الفتن التي ستبتلى بها الأمة الإسلامية.من أجل أن يعدَّ المسلمون لها العدَّة ويسلكوا طريق النجاة والخلاص منها، ولذلك كان اجتهاد الصحابة عظيما في التعرف على الفتن مخافة الوقوع فيها.
روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(بَادِرُوا بِالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا)(1).
وروى الطبراني في الكبير عن أنس مرفوعاً: ( افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمِّن روعاتكم)(2)
وأحاديث الفتن كثيرة جداً، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الفتن، وأمر بالتعوذ منها، وأخبر أن آخر هذه الأمة سيصيبها بلاء وفتن عظيمة، وليس هنالك عاصم منها إلا الإيمان بالله، واليوم الآخر، ولزوم جماعة المسلمين ـ وهم أهل القرآن والسنة الذين فهموا القرآن والسُنَّة بفهم سلف الأمة، فهم أصحاب الحديث والسلف، وهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ـ وإن قلّوا، والإبتعاد عن الفتن والتعوذ منها، فقد صح من قوله عليه الصلاة والسلام: ( تعوذوا من الفتن ما ظهر منها وما بطن).
6* هدنة مع الروم.(2/83)
عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: مَالَ مَكْحُولٌ وَابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا إِلَى خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَمِلْتُ مَعَهُمْ فَحَدَّثَنَا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ الْهُدْنَةِ قَالَ: قَالَ جُبَيْرٌ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ذِي مِخْبَرٍ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْنَاهُ؛ فَسَأَلَهُ جُبَيْرٌ عَنْ الْهُدْنَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ فَتُنْصَرُونَ، وَتَغْنَمُونَ، وَتَسْلَمُونَ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ.
أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، وغيرهم.وزاد بعضهم:
"فيثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة"(1)
ويكون ظهور معظم الفتن من المشرق
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ يَقُولُ أَلا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ).(2)وفي رواية لمسلم أنه قال: ( رأس الكفر من هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان ) يعني المشرق.
قال ابن حجر في الفتح (13/47): وأول الفتن كان منبعها من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة.أ.هـ(2/84)
فمن العراق ظهر الخوارج، والشيعة، والروافض، والباطنية، والقدرية، والجهمية، والمعتزلة، وأكثر مقالات الكفر كان منشؤها من المشرق، من جهة الفرس المجوس: كالزردشتية، والمانوية، والمزدكية، والهندوسية، والبوذية، وأخيراً وليس آخراً: القاديانية، والبهائية.....إلى غير ذلك من المذاهب الهدامة.(3)
عمران بيت المقدس
ــــــــــــــــ
(16) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ ـ يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ـ.
أخرجه أحمد، وأبو داود، وعلي بن الجعد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم.
شرح ألفاظ الحديث:
عمران بيت المقدس: أي بكثرة الرجال والعقار والمال.
خراب يثرب: أي سبب خراب المدينة المشرفه ( مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
قال القاري: إن المراد بالعمران الكمال في العمارة، أي عمران بيت المقدس كاملاً مجاوزاً الحد، وقت خراب يثرب فإن بيت المقدس لا يخرب.
وخراب يثرب خروج الملحمة: أي ظهور الحرب العظيم.
قال القاري: وخلاصته ان كل واحد من هذه الأمور أمارة لوقوع ما بعده.
وقال المناوي في "الفيض القدير" (4/360 ـ361):
"جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم كل واحد منهما عين ما بعده، وعبَّر به عنه"
ذكر أن المسجد الأقصى لا يدخله الدجال "مسيح الضلالة"
ــــــــــــــــــــــ(2/85)
(17) عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّا سِتَّ سِنِينَ عَلَيْنَا جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَامَ فَخَطَبَنَا فَقَالَ: أَتَيْنَا رَجُلاً مِنْ الأنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تُحَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ النَّاسِ، فَشَدَّدْنَا عَلَيْهِ، (وفي رواية: ولا تحدثنا عن غيره وإن كان مصدقاً) فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ: أَنْذَرْتُكُمْ الْمَسِيحَ (وفي رواية: أنذرتكم الدجال ثلاثاً) (فإنه لم يكن نبي قبلي إلا قد أنذره أمته وإنه فيكم أيتها الأمة، وإنه جعد أدم ) وَهُوَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ ( وفي رواية: أعور عينه اليسرى) قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ الْيُسْرَى يَسِيرُ مَعَهُ جِبَالُ الْخُبْزِ وَأَنْهَارُ الْمَاءِ، (وفي رواية: معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار، وإنه يمطر المطر، ولا ينبت الشجر، وأنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها ولا يسلط على غيرها) عَلامَتُهُ يَمْكُثُ فِي الأرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ كُلَّ مَنْهَلٍ لا يَأْتِي أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: الْكَعْبَةَ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ، وَالْمَسْجِدَ الأقْصَى، وَالطُّورَ، وَمَهْمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ قَالَ: يُسَلَّطُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ وَلا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهِ.
أخرجه أحمد في المسند (5/364)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
فائدة(2/86)
هذا الحديث لا يتعارض ولا إشكال مع ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أن الدجال لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة ...الحديث.
ففي هذا الحديث ـ زيادة ـ تخصيص للمساجد التي لا يدخلها الدجال، فالدجال أعاذنا الله منه ووقانا فتنته، وإن دخل طور سيناء وبيت المقدس فإنه لا يدخل مسجديهما، وكونه أنه لا يطأ مكة والمدينة يعني من باب أولى انه لا يدخل مسجديهما.
يأجوج ومأجوج وجبل بيت المقدس
ــــــــــــــــــــــ(2/87)
(18) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ. إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالاً، يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا: يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأرْضِ؟ قَالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ(2/88)
فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاًّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لا يَدَانِ لأحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، (وفي رواية: وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَقُولُونَ:(2/89)
لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الأرْضِ هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي لا يَدَيْ لأحَدٍ بِقِتَالِهِمْ) وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأحَدِكُمْ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأرْضِ فَلا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الأرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنْ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الإبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنْ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنْ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنْ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ(2/90)
الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ .
رواه الإمام مسلم ـ واللفظ له ـ وأبو داود، والترمذي، وقال:هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
شرح غريب الحديث
طائفة النخل: أي ناحيته وجانبه.
حجيجه: أي المجادل والمخاصم.
قطط: أي صاحب الشعر الأجعد.
خلَّةً: بفتح الخاء المعجمه، واللام وتنوين الهاء، الطريق بينهما.
تروح عليهم: ترجع آخر النهار.
سارحتهم: السارحة، الماشية التي تسرح، أي تذهب أول النهار إلى المرعى.
أطول ما كانت ذراً: الذرى بضم الذال المعجمه وهي الأعالي والأسمنه.
وأسبغه ضروعا: أي أطوله لكثرة اللبن.
أمده خواصر: لكثرة امتلائها.
ممحلين: الممحل الذي أجدبت أرضه وقحطت وغلت أسعاره.
كيعاسيب النحل: ذكور النحل ( هكذا فسره ابن قتيبة ).
فيقطعه جزلتين: أي قطعتين.
الغرض: الغرض هو الهدف الذي يرمى بالنشاب.
مهرودتين: أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران، وقيل هما شقتان والشقة نصف الملاءة.
جمان: حبات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار.
فلا يحل: أي حق واجب عليه دون إرادته.
باب اللد: بلدة معروفة مشهورة قريبة من بيت المقدس بينها وبين رملة فلسطين فرسخ الى جهة الشمال.
لايدان: أي لا قدرة لأحد ولا طاقة.
فحرز عبادي الى الطور: أي ضمهم واجعل الطور لهم حرزا يحفظهم ويصونهم.
من كل حدب ينسلون: أي من كل أكمة ومن كل موضع يهرعون مسرعين.
فيرغب نبي الله: أي يدعو الله.
النغف: بنون وغين معجمه مفتوحتين ثم فاء، وهو دود يكون في أنوف الإبل والغنم.
الفرسى: القتلى، واحدهم فريس.
زهمهم: أي دسمهم وريحهم المنتنة.
لا يكن: أي لا يمنع نزول المطر.
المدر: الطين الصلب.
الزلفة: المرآه في صفائها ونقائها ونظافتها.
العصابة: أي الجماعة من الناس.
قحفها: مقعر قشرها.
اللقحة: القريبة العهد بالولادة، والرسل: اللبن.
الفئام: الجماعة الكثيرة وهي أكبر من العصابة.(2/91)
الفخذ من الناس: بسكون الخاء المعجمة، الجماعة من الأقارب دون البطن بكثرتهم، والبطن دون القبيلة.
يتهارجون: أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس، كما يفعل الحمير ولا يكترثون لذلك.
جبل الخمر: بخاء معجمه وميم مفتوحتين، والخمر الشجر الملتف الذي يستر من فيه وقد فسره في الحديث بأنه جبل بيت المقدس.
نشابهم: أي سهامهم.
( الخاتمة )
هذا آخر ما تيسر جمعه في هذا التأليف المبارك، جعله الله خالصاً لوجهه الكريم، موصلاً إلى ما لديه من الزلفى والنعيم المقيم، ونسأله بفضل رحمته إيانا أن يشركنا فيما قسم لأوليائه المؤمنين، وعباده الصالحين، من صالح العمل، وأن يغفر لنا الخطأ والخطل، والحوب والزلل، اللهم عد علينا برأفتك ورحمتك ، فقديماً سترت، وعظيماً غفرت، وكثيراً أمهلت. وأنت أحق من تمم، وأولى من جاد وتكرم، وأكرم من تفضل وأنعم.
وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جريدة المصادر والمراجع
… القرآن الكريم…
2
إرواء الغليل في تخريج احاديث منار السبيل :محمد ناصر الدين الألباني: المكتب الإسلامي:بيروت
3
أشراط الساعة: يوسف الوابل: دار ابن الجوزي: الدمام
4
إصلاح المساجد من البدع والعوائد: جمال الدين القاسمي: المكتب الإسلامي
5
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد الأمين الشنقيطي:مكتبة ابن تيمية:القاهرة
6
إعلام الموقعين عن رب العالمين: ابن القيم الجوزية
7
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم:أحمد بن تيمية:دار المعرفة:بيروت
8
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ـ محمد بن حبان البستي:تحقيق شعيب الأرنؤوط: مؤسسة الرسالة:بيروت
9
الإسراء والمعراج: محمد ناصر الدين الألباني: المكتبة الإسلامية: عمان
10
الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: مجير الدين الحنبلي: مكتبة المحتسب:عمان
11
الإنصاف في أحكام الاعتكاف ـ علي حسن علي عبد الحميد الحلبي: المكتبة الاسلامية:عمان
12
البداية والنهاية: الحافظ إسماعيل بن كثير
13(2/92)
البدع والنهي عنها:محمد بن وضاح القرطبي: دار الصفا:القاهرة
14
الترغيب والترهيب من الحديث الشريف: عبد العظيم بن عبد القوي المنذري: دار مكتبة الحياة:بيروت
15
الجامع الصحيح لسنن الترمذي ـ محمد بن عيسى بن سورة :تحقيق محمد احمد شاكر: مطبعة البابي الحلبي:مصر
16
الجامع لحكام القرآن :محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي:دار الكتب العلمية:بيروت
17
الجامع لشعب الإيمان ـ أحمد بن الحسين البيهقي ـ تحقيق عبد العلي عبد الحميد حامد:الدار السلفية:الهند
18
الدر المنثور في التفسير المأثور :عبد الرحمن جلال الدين السيوطي:دار الفكر العربي:بيروت
19
الدعوة إلى الله بين الشرع والفكر: مشهور حسن سلمان
20
السلسلة الصحيحة ـ محمد ناصر الدين الألباني ـ المكتب الإسلامي
21
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: عبد الرحمن بن علي بن الجوزي: دار الكتب العلمية:بيروت
22
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة:محمد بن علي الشوكاني: دار الكتب العلمية:بيروت
23
الكامل:ابن الأثير
24
المستدرك على الصحيحين ـ الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري: دار المعرفة:بيروت
25
المسجد في الإسلام: خير الدين وانلي
26
المسند : للحافظ عبد الله بن الزبير الحميدي: عالم الكتب :بيروت
27
المسند للإمام احمد شرحه وصنع فهارسه أحمد محمد شاكر: دار المعارف للطباعة والنشر:مصر
28
المصنف ـ للحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني: تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي: المكتب الإسلامي:بيروت
29
المصنف في الحاديث والآثار: الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة: تحقيق عبد الخالق الأفغاني
30
المعجم الأوسط: الحافظ الطبراني: مكتبة المعارف: الرياض
31
المعني في الضعفاء:الذهبي:
32
المغني: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي: دار الكتب العلمية
33
المقاصد الحسنة:السخاوي
34
الموضوعات الصغرى:علي القاري
35
تاريخ مدينة دمشق:ابن عساكر
36(2/93)
تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد: محمد ناصر الدين الألباني
37
تحصيل الأنس لزائر القدس: عبد الله بن هشام الأنصاري
38
تخريج أحاديث فضائل الشام ـ محمد ناصر الدين الألباني :المكتب الإسلامي
39
تفسير القرآن العظيم - الحافظ اسماعيل بن كثير: دار المعرفة: بيروت
40
تقريب التهذيب:الحافظ ابن حجر العسقلاني:دار المعرفة:بيروت
41
تمام المنة في التعليق على فقه السنة ـ محمد ناصر الدين الألباني
42
تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة: علي بن محمد بن عراق:دار الكتب العلمية
43
تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: عبد الرحمن السيوطي: دار الكتب العلمية:بيروت
44
تهذيب الآثار لأبي جعفر الطبري: محمود محمد شاكر: مطبعة المدني:القاهرة
45
تهذيب الكمال: للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي: مؤسسة الرسالة:بيروت
46
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:عبد الرحمن بن ناصر السعدي:دار المدني:جدة
47
جامع البيان عن تأويل القرآن:محمد بن جرير الطبري:دار الفكر:بيروت
48
جريدة القدس :القدس
49
جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب: أبو اسحق الحويني:دار الكتاب العربي
50
حجة الله البالغة: ولي الله عبد الرحيم الدهلوي:دار المعرفة :بيروت
51
حجة النبي: محمد ناصر الدين الألباني
52
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أحمد بن عبد الله الأصبهاني:دار الكتاب العربي
53
دروس إحياء السنن وإماتة البدع:هشام العارف
54
دروس تبسيط العقيدة الإسلامية:هشام العارف
55
دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين: محمد بن محمد أبو شهبة
56
دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة:أحمد بن الحسين البيهقي:تحقيق عبد المعطي قلعجي:دار الكتب العلمية
57
زاد المعاد في هدي خير العباد:ابن القيم الجوزية
58
زيارة القبور الشرعية والشركية: محيي الدين محمد البروكي الرومي الحنفي
59(2/94)
سكان ومساكن ضواحي القدس الشرقية: محمد مطر النخال:دائرة أبحاث القدس
60
سلسلة الأحاديث الضعيفة :محمد ناصر الدين الألباني:المكتب الإسلامي
61
سنن الحافظ ابن ماجه: محمد بن يزيد القزويني بن ماجه:دار الفكر:القاهرة
62
سنن الدارمي: الحافظ عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الدارمي: دار الكتب العلمية
63
سنن سعيد بن منصور: سعيد بن منصور
64
سير أعلام النبلاء :محمد بن أحمد عثمان الذهبي:تحقيق شعيب الأرنؤؤط
65
شذرا الذهب في أخبار من ذهب:عبد الحي بن العماد الحنبلي:المكتب التجاري :بيروت
66
شرح السنة: للإمام الحسين بن مسعود الفراء البغوي:تحقيق شعيب الأرنؤوط:المكتب الإسلامي:بيروت
67
شرح مشكل الآثار :أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي:تحقيق شعيب الأرنؤوط:مؤسسة الرسالة:بيروت
68
صحيح ابن خزيمة: محمد بن اسحاق بن خزيمة السلمي النبسابوري: المكتب الإسلامي:بيروت
69
صحيح الجامع الصغير وزيادته: محمد ناصر الدين الألباني:المكتب الإسلامي:بيروت
70
صحيح سنن ابن ماجه:محمد ناصر الدين الألباني:المكتب الإسلامي:بيروت
71
صحيح سنن الترمذي: محمد ناصر الدين الألباني:المكتب الإسلامي :بيروت
72
صحيح مسلم بشرح النووي:مسلم بن الحجاج النيسابوري:دار الكتب العلمية:بيروت
73
صفة صلاة النبي كما تراها من التكبير إلى التسليم: محمد ناصر الدين الألباني
74
عقيدة السلف: للإمام الصابوني المتوفى 449 هـ
75
عون المعبود شرح سنن أبي داود:محمد شمس الحق العظيم آبادي: دار الفكر:بيروت
76
فتح الباري شرح صحيح البخاري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني:دار المعرفة:بيروت
77
فضائل الشام وفضائل مدنها:محمد بن محمد بن حسين الكنجي: مخطوط توبنجن
78
فضائل الشام: ابن رجب الحنبيلي
79
فضائل الشام: الحافظ أبي سعد السمعاني:دار الثقافة العربية:دمشق
80
فضائل القدس: عبد الرحمن بن علي الجوزي:دار الآفاق
81
فضائل بيت المقدس : محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي: دار الفكر:دمشق(2/95)
82
فضائل بيت المقدس في مخطوطات عربية قديمة:محمود ابراهيم:
83
فضائل بيت المقدس والخليل وفضائل الشام: لأبي المعالي: تحقيق عوفر
84
فضائل بيت المقدس والشام: ابراهيم بن يحيي بن أبي الحافظ المكناسي:مخطوط توبنجن
85
فضائل بيت المقدس وفضل الصلاة فيها: محمد بن محمد بن حسين الكنجي:مخطوط توبنجن
86
فضائل بيت المقدس: محمد بن أحمد الواسطي: تحقيق حسون:الجامعة العبرية
87
فقد جاء أشراطها: محمود عطية محمد علي: رمادي للنشر
88
قيام رمضان:محمد ناصر الدين الألباني: المكتبة الإسلامية:عمان
89
كتاب الإيمان: محمد بن اسحاق بن يحيي بن منده: مؤسسة الرسالة:بيروت
90
كتاب الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي:دار إحياء التراث العربي:بيروت
91
كتاب السير :أبو اسحاق الفزاري:تحقيق فاروق حماده:مؤسسة الرسالة:بيروت
92
كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين:محمد بن حبان:
93
كتاب الموضوعات: عبد الرحمن بن علي الجوزي
94
كشف الكربة في وصف حال الغربة: ابن رجب الحنبلي
95
لسان العرب:إبن منظور
96
لسان الميزان:ابن حجر العسقلاني:مؤسسة الأعلمي :بيروت
97
مثير الغرام بفضائل القدس والشام:أحمد بن محمد بن إبراهيم بن بلال المقدسي:
98
مجموع فتاوى بن تيمية: تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم:
99
مخطوطات فضائل بيت المقدس: كامل العسلي
100
مسند أبو يعلى الموصلي: الحافظ أحمد بن علي بن المثنى:تحقيق حسين سليم أسد:دار المأمون للتراث:دمشق
101
مسند أبي عوانة: يعقوب بن اسحاق الإسفرائيني: دار المعرفة: بيروت
102
مشكاة المصابيح: التبريزي: تحقيق محمد ناصر الدين الألباني: المكتب الإسلامي: بيروت
103
مشيخة ابن طهمان :ابراهيم بن طهمان:تحقيق محمد طاهر مالك:مطبوعات مجمع اللغة العربية :دمشق
104
معجم البلدان: ياقوت الحموي
105
معجم الطبراني الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني: مكتبة الضياء:جدة
106(2/96)
مفتاح المقاصد ومصباح المراصد في زيارة بيت المقدس:عبد الرحيم القرشي:مخطوط
107
مناقب الشام وأهله:ابن تيمية
108
منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود: أحمد عبد الرحمن البنا: المكتبة الإسلامية: بيروت
109
منهاج السنة: ابن تيمية
110
ميزان الاعتدال :الذهبي
111
نيل الأوطار: محمد بن علي الشوكاني
(1) انظر "كشف الظنون" 4/447، و "موسوعة البلد الأمين" 1/112
(2) "مخطوطات فضائل بيت المقدس" صفحة 26- د. كامل العسلي.
(1) وقد حققه ونشره بهذا العنوان إسحق حسون بمعهد الدراسات الآسيوية والإفريقية بالجامعة العبرية بالقدس سنة 1979.
(2) وقد حققه ونشره بهذا العنوان عوفر ليفنه ـ كفري. وكنت حصلت على نسخة مصورة من مخطوطته بواسطة الشيخ/ محمد بن إبراهيم الشيباني ـ مدير مركز المخطوطات والتراث والوثائق بالكويت ـ جزاه الله خيراً، مع العلم أن الأصل المخطوط موجود بمكتبة تاوبنجن في ألمانيا الغربية، وهي مكتوبة سنة 806 هـ.
(3) "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"1/298،299. و"مخطوطات بيت المقدس" (صفحة: 39 ).
(1) وما ذكره أبو المعالي في فضائل الخليل ليس فيه سند يصح، بل فيه طامات، وموضوعات، وإسرائليات، ومن زعم أن إبراهيم الخليل أو غيره من الأنبياء مدفون فيها يحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل يصح من كتاب.
(2) "بحار الأنوار" للمجلسي (22/90).
(1) للمزيد من الفائدة، انظر كتاب "دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين"، تأليف: محمد بن محمد أبو شهبه.
1(1) انظر "مخطوطات فضائل بيت المقدس" - كامل جميل العسلي.(2/97)
(1) وعسقلان كانت ثغراً من ثغور المسلمين، وكان صالحو المسلمين يقيمون بها لأجل الرباط في سبيل الله، وهذا الحديث لا يصح، حكم عليه بالوضع جماعة من حفاظ الحديث، وتسامح ابن حجر ـ رحمه الله ـ في "القول المسدد" بهذا الحديث بقوله: ( وطريقة الإمام أحمد معروفة بالتسامح في أحاديث الفضائل)، وقد عقب عليه بقول شيخ الاسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ( ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، ولكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز ان يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً، أو مستحباً لحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع).
وتعقب ابن حجر في تسامحه هذا: الشوكاني، وابن القيم، والشيخ المعلمي اليماني ـ رحمهم الله ـ، وأفرد كلامهم بطوله الشيخ أبو إسحق الحويني ـ حفظه الله ـ في كتابه "جنة المرتاب" ( ص 153-164).
(1) وهو حديث موضوع أورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (صفحة:428)، وقال: رواه ابن عدي وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني وليس بشيء.
(2) وهو حديث ضعيف، انظر "ضعيف الجامع" 1583.
(3) وهو منكر، وقال شيخنا: بل أخشى أان يكون موضوعاً فهو مع كونه مرسلاً ففيه نعيم بن حماد وهو ضعيف جداً، وإبراهيم بن ناصح وهو الأصبهاني، قال أبو نعيم: متروك الحديث، انظر "الضعيفة" رقم 825.
(4) أخرجه أحمد، والطبراني، والحاكم، عن عمر وهو ضعيف، انظر "ضعيف الجامع" رقم 4872.
(1) هو من رواية محمد بن صخر السجستاني عن رجل عن ابن المنكدر عن جابر رفعه، قال الأزدي: محمد بن صخر السجستاني ضعيف مذموم، أنظر "المغني في الضعفاء" للذهبي رقم 5637).(2/98)
(2) هو حديث موضوع أخرجه بن ماجة في "سننه" ( 2/171) وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وفي إسناده آفات: وضاع، وضعيف، ومتروك (انظر "الضعيفة" 1/371).
(3) هو ضعيف ( انظر الضعيفة رقم 213).
(1) قال الشوكاني في الفوائد ( صفحة 429) رواه ابن حبان عن علي مرفوعاً، وفي إسناده عبد الملك بن هارون وهو كذاب. وقال الذهبي في "الميزان": والسند ظلمة إليه فما أدري من افتعله!
(2) قال الدارقطني منكر، وقال الذهبي في "تلخيص الواهيات": هذا باطل، وقال ابن حجر: الآفة من رواية الوزير بن محمد ( أورده بن عراق في "تنزيه الشريعة" 2/57).
(3) قال الشوكاني: ذكره بعض المؤرخين من اليمنيين، ولم أقف عليه في كتاب من كتب الحديث، انظر "الفوائد المجموعة" (صفحة: 428).
(4) قال الحافظ ابن حجر: هذا كذب موضوع، وأورده القاري في "الموضوعات الصغرى" (102) وابن عراق في "تنزيه الشريعة" ( 2/57 )وذكره الشوكاني في "الفوائد" ( في نقله عن الذيل ) أنه من نسخة نبيط الكذاب.
(1) "الفوائد المجموعة" (صفحة 436)، وانظر "معجم البلدان" (3/68) لياقوت الحموي.
(2) انظر "الموضوعات" لابن الجوزي.
(3) وهو ضعيف جداً، رواه ابن عساكر في "التاريخ" وفي إسناده مسلم وهو ابن كيسان الكوفي، ضعيف جداً ( انظر "الضعيفة" رقم 1241).
(4) أورده ابن الجوزي في الواهيات (1/312) وقال: حديث لا يصح وفي إسناده محمد بن مؤنس الكديمي. قال ابن حبان لعله قد وضع أكثر من ألف حديث.
(5) قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" ( صفحة رقم 435) وفي إسناده مبهم.
(1) رواه ابن عدي وقال: منكر وفي إسناده محمد بن كثير بن مروان، يروي عن الليث وغيره بالأباطيل والبلاء منه (انظر "الفوائد المجموعة" صفحة رقم: 432).
(2) المقصود بكلمة الفضائل: فضائل القرآن وسوره، ولكنها حملت فيما بعد على أنها أحاديث الفضائل مع اختلاف مواضيعها بما فيها فضائل البلدان.(2/99)
يقول الألباني ـ رحمه الله ـ:( من مساويء هذه القاعدة التي تقول:( يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) وهي قاعدة غير صحيحة، إثبات أحكام شرعية بأحاديث ضعيفة، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، بل إن بعضهم يثبت ذلك بأحاديث موضوعة اعتماداً منه على تضعيف مطلق للحديث من بعض الأئمة بينما هو في الحقيقة موضوع).
(1) " اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم": ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : تحقيق وتعليق د. ناصر بن عبد الكريم العمر: دار العاصمة: ط6: 1419 هـ
(1) قلت: هذا أول حديث ذكره أبو المعالي في كتابه "فضائل بيت المقدس، والخليل، وفضائل الشام" تحت عنوان: فضائل الخليل، (رقم: 548 ـ المطبوع) ونصه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أسري بي إلى بيت المقدس، مرَّ بي جبريل إلى قبر إبراهيم الخليل فقال: انزل صل ها هنا ركعتين، فإن هاهنا قبر أبيك إبراهيم عليه السلام".
وفي إسناده بكر بن زياد الباهلي، قال ابن حبان في "المجروحين"، ونقله الذهبي في "ميزان الاعتدال": دجال يضع الحديث، ثم ساق عنه، عن ابن المبارك، عن سعيد، عن قتادة، عن زرارة، عن أبي هريرة، مرفوعاً: مر بي جبريل ببيت لحم، فقال: انزل فصل ههنا ركعتين، فإن هنا ولد أخوك عيسى، ثم أتى بي قبر إبراهيم، فقال: صل هنا، ثم أتى بي الصخرة، فقال: من هنا عرج ربك إلى السماء..الحديث. وهذا شيء لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع، فكيف البُزَّل في هذا الشأن.
(1) قلت: وعدا ذلك فليس هناك دليل صحيح من كتاب؛ أن ابراهيم صلى الله عليه وسلم مدفون في مدينة الخليل. و انظر - غير مأمور - كتابي: سيرة ابراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم في القرآن المجيد والأحاديث الصحيحة.
(2) فقد سكنها عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وأبي بن أم حرام، وفيروز الديلمي.وغيرهم.(2/100)
(3) ويشهد على هذا القول شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم (صفحة 167) فيقول: بيت المقدس قليلة العلماء كثيرة النصارى الفقيه مهجور، والأديب غير مشهور، ولا مجلس ولا تدريس، قد غلب عليها النصارى واليهود وخلا المسجد من الجماعات والمجالس!!.
(1) الكامل ـ ابن الأثير ـ ( 7/26 ) ط. الأميرية.
(1) عن عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة يقول: ( والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت). رواه أحمد (4/305)، والدارمي (2398)، والترمذي (3921)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (3108) وصححه ابن حبان (1025).
(1) أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعا: (أحب البلاد الى الله مساجدها وأبغض البلاد الى الله أسواقها) . وأخرج الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر بسند صحيح: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير؟ وأي البقاع شر؟ قال: خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق).
(2) قال الطحاوي: بأن تفضيل الصلاة في المساجد الثلاثة إنما هو في الفريضة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:(أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ).
(1) انظر "مجموع فتاوى شيخ الاسلام": ابن تيمية:(26/117).
(1) بكة: موضع البيت، ومكة: اسم البلد.
( 1 ) مخطوط ( مفتاح المقاصد ومصباح المراصد في زيارة بيت المقدس )، وانظر كتاب الدكتور محمود إبراهيم "فضائل بيت المقدس في مخطوطات عربية قديمة " (صفحة 258-259) ، وهو كتاب بذل فيه الدكتور محمود جهداً طيباً فجزاه الله خيراً.
(1) جريدة " القدس " العدد 9952 تاريخ 5/محرم/1418 الموافق 12/أيار/1997: كتبت خبراً بعنوان كبير (إعداد مخطط لإقامة بلدية مركزية تضم القدس والمستوطنات المحيطة بها).(2/101)
(1) الفصل الثاني من كتاب "سكان ومساكن ضواحي القدس الشرقية" - بتصرف واختصار - محمد مطر النخال: جمعية الدراسات العربية: دائرة أبحاث القدس: القدس - كانون ثاني 1996.
(1) ونقل المكناسي في "فضائل بيت المقدس"، تحت عنوان أعمال المطي إلى المساجد الثلاثة قوله:
وكان سعيد بن عبد العزيز يخرج إلى المحراب ماشيا وينصرف راكبا. فقال بلغني أن عبد الله بن عبيد الله كان يخرج إلى مسجد قباء على فرس معرور ويرى أن شد الحزام من شد الرحال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.. الحديث). والمعرور : الذي لا سرج له.
قلت: وهذا من باب الرأي، وإلا فإنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب المسجد راكباً وماشياً.
(1) رواه سعيد بن منصور في "سننه"، وابن وضّاح القرطبي في "البدع والنهي عنها" (ص41و42)، قال شيخنا في "تخريج فضائل أحاديث الشام" (ص49): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(1) كتاب "الدعوة إلى الله بين الشرع والفكر" (صفحة:25-26).
(1) راجع كتاب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" وراجع كتاب "زيارة القبور الشرعية والشركية" للشيخ محيي الدين محمد البروكي الرومي الحنفي.
(1) يعني: مسجد بيت المقدس، المسجد الأقصى.
(2) يتساءل الشيخ خير الدين وانلي ـ حفظه الله ـ في كتابه "المسجد في الإسلام" عن إسراج المقبرة فيقول: وما أدري؟ هل يظن هؤلاء أن قبر الولي مظلم، فهم ينورون له قبره بهذه الشموع التي يوقدونها؟! ( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور).
(1) راجع " المسجد في الإسلام" لخير الدين وانلي، و"إصلاح المساجد من البدع والعوائد" لجمال الدين القاسمي.
(1) المكتبة الإسلامية - عمان - الأردن ط 2 / 1409 هـ(2/102)
(2) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (15/1/3) ونقله ابن القيم في إعلام الموقعين (2/363) والفلاني في ايقاظ همم أولي الأبصار (ص100). وانظر مقدمة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (ص28) للألباني.
(1) ابن حجر - فتح الباري - 7/196.
(1) لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة. (وقد تقدم تخريجه في الجزء الأول).
(1) قلت: وأخرجه الترمذي، وابن خزيمة في " التوحيد "، وابن أبي عاصم، والطبراني، في " الكبير"، والبيهقي في "دلائل النبوة"، والبغوي، وابن حبان في " صحيحه".
(1) قلت: وقول ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، يعني ( رؤيا عين ليس رؤيا منام) كما ذكر في الحديث رقم ( 13 ) الآتي، ( ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس رؤيا منام).
قال الأستاذ محمود شاكر: وهذا دليل آخر على صحة استعمالهم ( الرؤيا ) و ( الرؤية ) للعين وفي اليقظة بلا حرج.
(1) رجل ضرب: عنى بذلك أنه خفيف اللحم غير غليظ ولا ثقيل، وكذلك يوصف كل خفيف الجسم ذكي القلب من الرجال.
(2) رجل جعد: يعني معصوب الجوارح شديد الأسر والخلق، غير مسترخ ولا مضطرب.
(1) أقمر: أي لونه لون الحمار الأقمر؛ أي الأبيض.
(2) فيلمانياً: الفيلم: العظيم الجثة من الرجال، ويقال الفيلم: الرجل العظيم الجمة، وفي رواية عند البخاري: ( رجل جسيم )، وفي وصف تميم للدجال عند مسام في قصة الجسّاسة: ( أعظم إنسان رأيناه قط ).
(3) هجان: أي الشديد البياض.
(4) جعد الرأس: ما يدل على اجتماع اللحم فيه واكتنازه.
(5) مبطن الخلق: أي ضامر البطن.
(6) الأسحم: الأسود، آدم: أي في لونه ؛ وأنه يضرب إلى البياض.
(7) الإرب: العضو من أعضائه.
(1) قبة من أدم: قبة من الجلد المدبوغ.
(2) موتان: بضم الميم وسكون الواو،قال القزاز: هو الموت، وقال غيره: هو الموت الكثير الوقوع.(2/103)
(3) القعاص: بضم العين، وتخفيف القاف، والبعض يقدم القاف على العين، وهو على كل حال: داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة، وقال ابن فارس كما ذكره الحافظ في " الفتح " (6/278): العقاص: داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق.
(4) راية: وسميت بذلك لأنها غاية المتبع، إذا وقفت وقف.
(5) بالضم والكسر: المدينة التي فيها مجتمع الناس، وهو أيضاً الخيمة الكبيرة.
(1) " صحيح مسلم بشرح النووي " (16/9-10).
(1) "السلسلة الصحيحة" ( 2510)، وانظر درسنا في تبسيط العقيدة (الدروس من 77 ـ 80).
(2) كتاب " فقد جاء أشراطها " صفحة رقم ( 138 ).
(1) وأخرجه الإمام أحمد، والترمذي، وغيرهما.
(2) الصحيحة رقم الحديث (1890).
(1) "مشكاة المصابيح" (رقم: 5428).
(2) قرن الشيطان: قوة الشيطان وأتباعه، أو أن للشمس قرنا على الحقيقة وقيل إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له.
(3) كتاب أشراط الساعة ـ يوسف الوابل.
??
??
??
??
12
11(2/104)