بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
قال السيد الإمام العالم الفقيه الفاضل العلامة الكامل الورع البارع رضي الدين ركن الإسلام والمسلمين افتخار آل طه وياسين عمدة أهل بيت النبوة محمد آل الرسول شرف العترة الطاهرة ذو الحسبين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسني بلغه الله غاية آماله وآله عليهم السلام.
أحمد الله جل جلاله فاطر السموات والأرضين الذي جعلها هداة و دعاة بلسان حالها للعالمين.إلى معرفة منشيها وفاطرها. وآيات باهرات للناظرين، في حقائق تدبيرها وجواهرها، وأوضح أنها من أعظم دلالاته على مقدس ذاته فقال جل جلاله في الإنكار على من أعجز الحسن بن سهل في علم النجوم وكان أقوم منه بالعلم بها ورجع الحسن بن سهل إليه.
؟؟؟؟؟؟ وكما رواه ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة أن مولانا علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه أجاب ذا الرياستين الفضل بن سهل في علم النجوم بما لم يكن عارفاً به ولا قادراً عليه، وكما رواه الحميري الثقة المعتمد عليه رحمة الله جل جلاله في الجزء الثاني من كتاب " الدلائل " في دلائل الصادق صلوات الله عليه أنه كان عالماً بالنجوم حتى أنه لا يخفي منها شيء عليه.
وكما رواه يونس بن عبد الرحمان رضي الله عنه في " جامعه الصغير " قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو؟ فقال هو علم من علوم الأنبياء فقلت أكان علي بن أبي طالب عليه السلام خبيراً بعلمه؟ فقال كان أعلم الناس به.
وكما رواه مصنف كتاب " التجمل " تاريخ كتابته سنة ثمان وثلاثين ومائتين عن الصادق عليه السلام أنه أذن لبني نوبخت في علم النجوم وقد سألوه عنه وكرروا مسألته وأطلعهم عليه وعرفهم جوازه وإباحته.
وكما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام في حديث معرفة آزر بعلم النجوم وتحقيق ما كان يحكم به عليه.
وكما رواه ابن أذينة عن أبي عمرو من تصديق الصادق عليه السلام له في علم النجوم وتعريفه كيف يتحرز من الضرر الذي يخاف وصوله إليه.
وكما رواه صاحب التواقيع عن العبد الصالح علي بن مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه فيما رواه عن أخيه مولانا موسى بن جعفر سلام الله جل جلاله في ترك الإنكار على خواص شيعته لما سير مولده وخاف من القطع فعرفه كيف يعمل حتى يتجاوز قطع مولده ويسلم من مضرته.
وكما رواه عبد الرحمن بن سيابة عن الصادق " ع " وإطلاقه في علم النجوم وأنه مأذون فيه معتمد عليه و سيأتي تفصيل ذلك الذي أشرنا إليه.
واعلم أن الأحاديث عن الأنبياء عليهم السلام من لدن إدريس " ع " إلى الناطق من عترة النبي محمد " ص " ومن لدن الملوك الذين ذكرت تواريخهم وتواريخ العلماء المترددين إليهم ما يضيق عنه مجلد واحد من ذكر الجميع، و فيهم من هو حجة وفيهم أعيان معتمد عليهم بتحقيق ما ذكرناه من أن علم النجوم دلالات وعلامات، وآيات لله جل جلاله باهرات، وحجج على عباده ظاهرات، وسأذكر تفصيل ما أجملته من الروايات إن شاء الله.
واعلم أني كنت أحب أن لا يبلغني حديث إلا أطلع عليه وكان مما بلغني اختلاف الناس في علم النجوم، وما الذي يحرم منها، وما الذي يعتمد عليه، فحضر عندي جماعة من علماء المنجمين، وكاتبني بعض من كان بعيداً من العراق من علمائهم الموصوفين ورصدوا مواليد في أوقات متفرقة وسيروها، وحولوا عدة سنين وحرروها، فكنت أجد غلطهم وخاصة في الجزئيات أكثر من إصابتهم، وأجد إصابات أن الغلط من جهتهم، فسألت جماعة منهم عن سبب الخطأ و الخلل، فاختلفوا في العلل، فقال بعضهم أن النجوم تحتاج كل مدة معينة عند أهل النجوم أن يعيدوها إلى أرصاد جديدة وأنه قد تعدد عليهم تحقيق الأرصاد، فأفسد ذلك عليهم بعض الاجتهاد، وقال آخرون أن العلماء من المنجمين القدماء اختلفوا في كيفية النجوم وأحكامها وتأثيرها فوقع الخلل من المتأخرين بحسب ما يختلفون فيه من اختلاف القدماء وتفاوت تدبيرها، وقال بعضهم أن وقتهم لا يسع لكشف علم النجوم على التحقيق، وأن علوم المتأخرين قاصرة عن علوم المتقدمين في التدقيق.
ورأيت أنا في أخبار الأئمة الأطهار،الذين أطلعهم الله جل جلاله عليه بطريق رسوله صلوات الله عليه على الأسرار،أسباباً لغلط المنجمين غير ما ذكروه من الأعذار،وسيأتي سبب غلطهم في مضمون ما نذكره من الأخبار،إن شاء الله.(1/1)
ومن أعجب ما وجدته من تمويه المنجمين في هذه الأوقات الذي يتمشى على الملوك والأعيان وذوي المقامات، شيء ما عرفت أن أحداً سبقني إلى كشفه،وذكرت ذلك لبعضهم ولغيرهم فما رأيت لهم عذراً في التمويه الذي أشرت إلى وصفه،وذلك أنهم يكتبون تقاويم السنة نسخة واحدة في سعودها ونحوسها ممتزجاتها فينفذون كل تقويم إلى واحد مع علمهم أن مواليد الذين ينفذون إليهم التقاويم وطوالعهم مختلفة في نحوسها وممتزجاتها وسعاداتها، فيمكن أن يكون سعود واحد نحوساً لسواه ونحوس إنسان سعوداً لمن عداه ويمكن أن يكون سعود واحد نحوساً لسواه ونحوس إنسان سعوداً لمن عداه ويمكن أن يكون سعود واحد ونحوسه ممتزجاً خلاف من يجري مجراه فيقبل الناس التقاويم المتفقة في المواليد ما فيه من التمويه المستور، حتى بعث واحد من المنجمين الأعيان إلى تقويمين واعتد بما فأعدتهما وعرفته ما في ذلك من التمويه بهما.
وقد كان ينبغي أن يكون تقويم كل واحد ممن يحتاج إلى التقويم، على مقتضى مولده وطالعه وتحويل سنته ليكون أقرب إلى الصراط المستقيم، وكان مراد المنجم من تقويمه مجرد ذكر أن في النجوم سعداً وفيها نحساً وفيها ممتزجاً من غير أن يقصد انتفاع من يحمل إليه التقويم بسعودها واجتناب نحوسها، كان قد وقع الغناء عن التقويم وكان يكفي ذكر أسماء النجوم السعيدة والنجوم النحسة وما كان كل سنة يحتاج إلى تقويم جديد، وإنما يقولون أن مرادهم انتفاع من تحمل إليه التقاويم بما فيها من السعود والنحوس، ليستدل في الحركات والسكنات على سلامة النفوس، واجتلاب النفع ودفع الضرر والبؤس، وهذا يدل على أنه ما يحصل ما يكون من منافعه، إلا أن يكون لكل واحد تقويم على مقتضى طالعه.
ومما وجدت في خاطري مما يسأل عنه علماء المنجمين وربما تعذر عليهم الجواب عنه على اليقين، أن يقال لهم، ما المقتضي لورود النوم على الإنسان من طالع ميلاده، وقد يتأتى غير وقت مراده، وكيف كان هذا النجم في طالع كل إنسان؟ وأوقات الولادات، عظيمة الاختلافات، من زمان آدم إلى الآن، وهلا صادف طالع واحد من الأنام، أنه ولد في وقت لا ينام " واعلم " أن هذا يدلك بغير التباس ملكه ومماليكه بحسب ما يريد من الاختبارات، إن شاء الله جعل النجوم دلالات وإن شاء أسقط دلالاتها على الحادثات.
ومما وجدته في كتب النعمان المؤرخ لسيرة خلفاء مصر ما عجز المنجمون عن جوابه قال المعز ذكر لي أن بعض المنجمين أتاه بكتاب ألفه له يذكر فيه خلق آدم وكيف كانت الكواكب يوم خلقه الله عز وجل وما دلت عليه مما آل أمره وأمر ذريته إليه، ورأى أنه قد أتى في ذلك بعلم ما سبق إليه، فلما وقفت سألته فقلت هل كان قبل آدم شيء؟ قال نعم قلت فما كان ومن كان؟ وكيف كانت هذه الكواكب قبل ذلك؟ وما دلت عليه؟ فلم يحر جواباً وقال هذا شيء ما ظننت أني أسأل عنه، فقلت وهذا الذي عملته وجئت به ما سألت عنه أيضاً.
" أقول " فكل هذه الأمور دلالة باهرة عند ذوي الاعتبار، إن دلائل النجوم بتدبير الفاعل المختار، وإنها ليست بأنفسها فاعلة ولا علة موجبة وذلك واضح لأولي الأبصار.
ورأيت الاستخارة أقوى في كشف بعض الأسرار وأبلغ في الإشارة، وتعدد الصدقات والدعوات، دافعة لما يجمع المنجمون عليه من المحذورات، وكان ما وجدته بالتجربة كما نقلته من الروايات وعلى مقتضى صريح مقدس كلام مالك الأسباب، في قوله جل جلاله " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده علم الكتاب " .(1/2)
ووجدت الناس إما معاملاً لله جل جلاله في أيام حياته فإذا قطعه الموت بوفاته، فقد فاته ما كان يقدر عليه من سعاداته، وأما غير معامل لله جل جلاله في حياته، بل يكون مشغولاً بلذاته وشهواته وكان معرفة وقت الممات القاطع من السعادات أو اللذات، عند الفريقين من جملة المهمات، فإذا أمكن تحصيل معرفة ذلك بطرق علمية على لسان رسول يخبره عن العلوم الإلهية، وإلا فمتى قدر على طريق طبية، يحترز بها من الضرر المظنون، فقد أوجب العقلاء الاحتراز عن الضرر بكل طريق يمكن أو يكون، وقد أطبق العقلاء على تجويز أن تكون النجوم دلالات، وعلامات وإمارات، ونطقت بذلك الروايات من الثقات ولو أن بعض هؤلاء القائلين والناقلين خوف إنساناً من سفر، وذكر له عند تحذيره الخطر، لتوقف من السفر المذكور، أو تحذر بقدر دفع المحذور فلا أقل أن يكون حكم المحترس من النجوم المذكورة، كحال حكم المظنون من الأمور المحذورة، فيحتاج المكلف إلى كشف طريق السلامة والأمان لمعرفة ما يحتاج إلى معرفته بحسب الإمكان، ويكون كلما ذكروا أن عليه قطعاً في وقت مدته، يستعد قبل حضوره للقاء الله جل جلاله بمقتضى قدرته أو يتصدق أو يدعو خطر ذلك وتحصيل الأمان من تجويز مضرته ولا يكون الإنسان على حال من الغفلة عن الاستعداد للمعاد، أو انقطاع لذاته إن كان من أهله دار الفناء والنفاد، فلا يحس إلا بحيطان الموت أو القواطع قد وقعت عليه، فيحصل في ندم ترك الاحتياط بكل ما كان يقدر عليه وقد رأينا من يستريح إلى منامات عند الحادثات، وروي ذلك فيما لا أحصيه من الروايات، وما زال الاستظهار والاحتياط في طلب المجاب من كمال ذوي الألباب ولو كان كل علم ضل فريق من أهله مبطلاً ذلك لأصله لتعذر ثبوت شيء من المعلومات، إذ كان وقع فيها اختلاف حتى في البديهيات.
ولو كان غلط فريق من علوم التحقيق يقتضي ترك ذلك العلم بالكلية، لأدى ذلك إلى ترك المعلومات العقلية والنقلية والشرعية إذ في كل علم مهنا غلط في شيء منه فريق من البرية، وسوف أذكر في كل باب من هذا الكتاب ما يليق بالتوفيق من تحقيق الأسباب، واشرح ما تقتضي الأمانة إيضاح شرحه، حتى يظهر الحق لكل ناظر إلى أفق فجره وصبحه وقد سميته فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم وسوف أرتبه في الأبواب، بحسب ما يدلني الله جل جلاله عليه من الصواب وها أنا ذاكرها باباً باباً على التجميل، ثم أذكرها فيما بعد على التفصيل، ليعرف الناظر في تجميلها، وما يريد منها ويقصده في تفصيلها، ولا يحتاج إلى مطالعة جميع الأبواب، وتصفح الكتاب.
الباب الأول
في أن النجوم والعلم بها من آيات مالك الجلالة، ومن معجزات صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.
الباب الثاني
في الرد على من زعم أن النجوم موجبة أو فاعلة مختارة.
الباب الثالث
فيما يذكره من أخبار من قوله حجة في العلوم في صحة علم النجوم.
الباب الرابع
فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الإنسان عليه.
الباب الخامس
فيما نذكره ممن كان عالماً بالنجوم من الشيعة وصنف في تلك العلوم، أو خول مولده على الوجه الموسوم.
الباب السادس
فيما نذكره ممن كان عالماً بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين وصنف فيها ما يظهر صحة حكمه للحاضرين.
الباب السابع
فيما نذكره عمن صح حكمه، بدلالة النجوم قبل الإسلام ولم يذكر اسمه.
الباب الثامن
فيما نذكره من الأخبار التي صح فيها الحكم على الحوادث بالنجوم، ممن لم يذكر اسمه وبعض من عرف منهم بعلم النجوم وإن لم نعرف له شيئاً من الأحكام، ومن كان عارفاً بذلك من الملوك قبل الإسلام.
الباب التاسع
فيما نذكره في جواب من أنكر أن النجوم لا يصح أن تكون دلالات على الحادثات.
الباب العاشر
فيما نذكره من أخبار من كان مستغنياً عن النجوم تعريف النبي صلوات الله عليه وأئمة العلوم عليهم السلام.
الباب الأول
في أن النجوم والعلم بها من آيات
مالك الجلالة ومن معجزات صاحب الرسالة "(1/3)
أعلم أن كون الأفلاك والشمس والقمر والنجوم دلالة باهرة، دالة على مالك الدنيا والآخرة، مما لا يحتاج إلى برهان، لأنه موجود بالعيان والوجدان، قد تضمن القرآن الشريف، تنبيه أهل التكليف، على الدلالة بها والتعريف.(1/4)
فأما كونها من معجزات صاحب الرسالة، فقد تضمن " كتاب الأهليلجة " عن مولانا الصادق عليه السلام ما يغني عن الإطالة، فقد قال فيه فقلت له " يعني للهندي الذي كان يناظره " أخبرني هل يعرف أهل بلادك من الهند علم النجوم، قال إنك لغافل عن علم أهل بلادي بالنجوم، قلت وما بلغ من علمهم بها، قال أنا أخبرك عن علمهم بخصلتين تكتفي بهما عما سواها، قلت فأخبرني ولا تخبرين إلى بخبر صدق قال أما الخصلة الأولى فإن ملوك الهند لا يتخذون إلا الخصيان منهم، قلت ولما؟ قال لأن لكل رجل منهم منجماً حاسباً فإذا أصبح أتى باب الملك فقاس الشمس وحسب فأخبره بما كان في يومه ذاك وما حدث في ليلته التي كان فيها فإن كانت امرأة من نسائه قارفت شيئاً أخبره به وقال فلانة قارفت كذا وكذا مع فلان ويحدث في هذا اليوم كذا وكذا، قال وأما الخصلة الأخرى، فإن قوماً بالهند بمنزلة الخناقين عندكم يقتلون الناس بلا سلاح ولا خنق ويأخذون أموالهم، قلت وكيف يكون هذا؟ قال يخرجون مع الرفقة والتجار بقدر ما فيها من الرجال فيمشون معهم أياماً بلا سلاح ويحدثون الرجال ويحسبون حساب كل رجل من التجار، فإذا عرف أحدهم موضع النفس من صاحبه، وكز كل واحد منهم صاحبه الذي حسب له في ذلك الموضع، فيقع جميع التجار موتى. قلت هذا أرفع من الأول إن كان ما تقول حقاً، قال أحلف لك بديني أنه حق، ولربما رأيت ببلاد الهند بعضهم أخذ وأمر بقتله قلت فأخبرني كيف كان هذا حتى أطلع عليه؟ قال بحساب النجوم قلت فما سمعت كهذا علماً قط وما أشك إن واضعه الحكيم العليم، فأخبرني من وضع هذا العلم الدقيق؟ الذي لا يدرك بالحواس ولا بالعقول ولا بالفكر قال وضعه الحكماء وتوارثه الناس فإذا سألت الرجم منهم قاس الشمس ونظر في منازل الشمس والقمر وما الطالع من النجوم وما الباطن من السعود ثم يحسب ولا يخطيء، ويحمل إليه المولود إذا ولد فيحسب له ويخبر بكل علامة فيه وبما يصيبه إلى يوم يموت، قلت وكيف دخل الحساب في مواليد الناس؟ قال لأن جميع الناس إنما يولدون بهذه النجوم، ولولا ذلك لم يستقيم هذا الحساب فمن ثم لا يخطئ إذا علم الساعة واليوم والشهر والسنة التي يولد فيها المولود، قلت لقد وصفت علماً عجيباً ليس في علم الدنيا أدق منه ولا أعظم إن كان حقاً كما قلت من تعريف هذا المولود الصبي وما فيه من العلامات ومنتهى أجله وما يصيبه في حياته، أفليس هذا حساباً يولد به جميع من في الدنيا من كان من الناس؟قال بلى لا أشك فيه، قلت فتعال ننظر بعقولنا فهم علم الناس هذا والعلم به هل يستقيم أن يكون لبعض الناس إذا كان جميع الناس يولدون بهذه النجوم؟ حتى عرفها بسعودها ونحوسها وساعاتها ودقايقها ودرجاتها وبطيئها وسريعها ومواضعها من السماء ومواضعها تحت الأرض ودلالاتها على غامض الأشياء التي وصفت في السماء وما تحت الأرض فما يقبل عقلي أن مخلوقاً من أهل الأرض قدر على هذا، قال وما أنكرت من هذا؟ قلت لم أبدأك به، إنك زعمت أن جميع أهل الأرض إنما يتولدون بهذه النجوم، فأرى الحكيم الذي وضع هذا الحساب بزعمك من بعض أهل الدنيا ولا أشك إن كنت صادقاً أنه ولد ببعض هذه النجوم والساعات والحساب، الذي كان قبله، إلا أن تزعم ذلك الحكيم لم يولد بهذه النجوم كما ولد سائر الناس، قال وهل هذا الحكيم إلا كسائر الناس، قلت أفليس ينبغي أن يدلك عقلك على أن هذه النجوم قد خلقت قبل هذا الحكيم الذي زعمت أنه وضع هذا الحساب، وقد زعمت أنه ولد ببعض هذه النجوم، قال بلى، قلت فكيف أهتدي لوضع هذه النجوم والعلم بها إلا من معلم كان قبله، وهو الذي أسس هذا الحساب الذي زعمت أنه وضع علم النجوم وهي أساس المولود، فالأساس أقدم من المولود، والحكيم الذي زعمت أنه وضع علم النجوم على هذا إنما يتبع أمر معلم أقدم منه، وهو الذي خلقه مولوداً ببعض هذه النجوم، وهو الذي أسس هذه البروج التي ولد بها غيره من الناس، فواضع الأساس ينبغي أن يكون أقدم منها وهب أن هذا الحكيم عمر مذ كانت الدنيا عشرة أضعاف، هل كان نظره في هذه النجوم إلا كنظرك إليها معلقة في السماء، أو تراه قادراً على الدنو منها وهي في السماء حتى يعرف منازلها ومجاريها وسعودها ونحوسها ودقايقها؟ وأيها تنكسف عن الشمس والقمر، وأيها يولد كل مولود عليها، وأيها السعد، وأيها النحس، وأيها السريع، وأيها البطيء، ثم يعرف(1/5)
بعد ذلك سعود ساعات النهار ونحوسها وأيها السعد وأيها النحس وكم ساعة يمكث كل نجم منها تحت الأرض وفي أي ساعة يغيب وأي ساعة يطلع، وكم ساعة يمكث طالعاً، وفي أي ساعة يغيب، وكم استقام لرجل حكيم كما زعمت من أهل الدنيا أن يعلم علم السماء مما لا يدرك بالحواس ولا يقع عليه الفكر، ولا يخطر على الأوهام، وكيف اهتدى أن يقيس الشمس، حتى يعرف في أي برج هي، وفي أي برج القمر، وفي أي بروج السماء هذه السبع النحوس والسعود، وما الطالع منها والباطن، وهي معلقة في السماء، وهو من أهل الأرض ولا ينظر إليها وقد غشيها ضوء الشمس، إلا أن تزعم أن هذا الحكيم الذي وضع هذا العلم قد رقى في السماء، وأنا أشهد أن هذا العالم لم يقدر على هذا العلم إلى بمن في السماء لأن هذا ليس من علم أهل الأرض، قال ما بلغني أن أحداً من أهل الأرض رقى إلى السماء، قلت فلعل هذا الحكيم رقى إلى السماء ولم يبلغك، قال ولو بلغني ما كنت مصدقك، قلت فأنا أقولك قولك، فهبه رقى إلى السماء فهل كان له بد من أن يجري من كل برج من هذه البروج ونجم من هذه النجوم من حيث يطلع إلى حيث يغيب ثم يعود إلى الآخر فيفعل مثل ذلك حتى يأتي على آخرها فإن منها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة ومنها ما يقطع السماء في أقل من ذلك، وهل كان له بد من أن يحول في أقطار السماء حتى يعرف مطالع السعود منها والنحوس والبطيء والسريع حتى يحصي ذلك، وهبه القدر على ذلك حتى فرغ مما في السماء فهل كان يستقيم له حساب ما في السموات حتى يحكم حساب ما في الأرض وما تحتها وأن يعرف ذلك عما عاين ما في السماء، فلم يكن يقدر على حسابها ودقايقها وساعاتها إلى بمعرفة ساعات ما في الأرض منها، لأنه ينبغي أن يعرف أي ساعة من الليل يطلع طالعها وكم مكث تحت الأرض،وأي ساعة من النهار يغيب غائبها، لأنه لا يعاينها بالنهار ولا ما طلع منها ولا ما غاب عنها، ولا بد من أن يكون العلم بها واحداً وإلا لم ينتفع بالحساب إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم قد دخل في ظلمات الأرضين والبحار وسار مع النجوم والشمس والقمر في مجاريها على قدر ما سار في السماء قال وهل رأيتني أجيبك على أن أحداً من أهل الأرض قدر أن يطلع إلى السماء وقدر على ذلك فأخبرك أنه دخل في ظلمات الأرض والبحور قلت وكيف وضع هذا العلم الذي زعمت وحسب هذا الحساب الذي ذكرت أن الناس ولدوا به، قال أرأيت إن قلت لك أن البروج لم تزل وهي التي خلقت أنفسها على هذا الحساب، وما الذي ترد به عليه، قلت أسألك كيف يكون بعضها سعداً وبعضها نحساً وبعضها مضيئاً وبعضها مظلماً وبعضها صغيراً وبعضها كبيراً، قال كذلك أرادت أن تكون بمنزلة الناس وعلى حدهم فإن بعضهم جميل وبعضهم قبيح وبعضهم طويل وبعضهم قصير وبعضهم أبيض وبعضهم أسود وبعضهم صالح وبعضهم طالح، قلت فالعجب منك إني أريدك اليوم على أن تقر بصانع فلم تجبني إلى ذلك حتى كان الآن أقررت بأن القردة والخنازير خلقنا أنفسهن قال لقد منيت منك بما لم يسمع مني الناس، قلت أفمنكر أنت لذلك؟ قال أشد إنكار قلت فمن خلق القردة والخنازير إن كان الناس والنجوم خلقوا أنفسهم فلا بد أن تقول إنهن من خلق الناس أو تقول إنهن خلقن أنفسهن، أفتقول أنها من خلق الناس؟ قال لا، قلت فلا بد أن تقول أنهن خلقن أنفسهن أو لهن خالق فإن خلقت لها خالق صدقت، وما أعرفنا به وإن قلت إنهن خلقن أنفسهن رجعت إلى ما أنكرت، قال ما أجد بداً من أن أقول إنهن خلقن أنفسهن كما أقول أن البروج والناس خلقوا أنفسهم، قلت فكيف لا تجد بداً من أن تقول أن السماء والأرض والذر خلقوا أنفسهم فقد أعطيتني فوق ما طلبت منك من الإقرار بصانع فأخبرني إذنا أن بعض قبل بعض خلقن أنفسهن أم كان في يوم واحد فإن قلت لبعضهن قبل بعض فأخبرني السموات وما فيهن قبل النجوم خلقن وقبل الأرض أم بعد ذلك فإن قلت إن الأرض قبل فلا ترى قولك أن الأشياء لم تزل إلا قد بطل حيث كانت السماء بعد الأرض، قال بلى ولكني أقول خلقن جميعاً معاً قلت قد أقررت أنها لم تكن شيئاً قبل أن خلقت وقد أذهبت حجتك الأزلية، قال إن على حد وقوف لا أدري ما أجيبك به لأني أعلم أن الصانع إنما سمي صانعاً لصناعته والصناعة غير الصانع والصانع غير الصناعة لأنه يقال للرجل الباني لصناعته البناء والبناء غير الباني والباني غير البناء وكذلك الحارث غير الحرث والحرث(1/6)
غير الحارث،قلت فأخبرن عن قولك أن الناس خلقوا أنفسهم أفبكما لهم خلقوها لأرواحهم وأجسادهم وصورهم وأنفاسهم أم خلق بعض ذلك غيرهم قال بكمالهم لم يخلق ذلك ولا شيئاً منه غيرهم قلت فأخبرني الحياة أحب إليهم أم الموت؟ قال أوتشك أنهم لا شيء أحب إليهم من الحياة ولا أبغض إليهم من الموت قلت فأخبرن من خلق الموت الذي يخرج أنفسهم التي زعمت أنهم خلقوها فإنك لا تنكر أن الموت غير الحياة وأنه هو الذي يذهب بالحياة فإن قلت أن الذي خلق الموت غيرهم، فإن الذي خلق الموت هو الذي خلق الحياة لهم فإن قلت هم الذين خلقوا الموت لأنفسهم فإن هذا محال من القول وكيف خلقوا لأنفسهم ما يكرهون إن كانوا كما زعمت خلقوا أنفسهم، هذا ما يستنكر من ضلالك أن تزعم أن الناس قدروا على خلق أنفسهم بكمالهم وأن الحياة أحب إليهم من الموت وأنهم خافوا ما يكرهون لأنفسهم، قال ما أجد واحداً من القولين ينقاد لي وقد قطعته علي من قبل الغاية التي أريدها، قلت دعني من الدخول في أبواب الجهالات وما لا ينقاد من الكلام، وإنما أسألك عن معلم هذا الحساب الذي علم أهل الأرض علم هذه النجوم المعلقة في السماء فلا بد أن تقول أن هذا الحكيم علمه حكيم في السماء، قال إن قلت هذا فقد أقررت لك بإلهك الذي تزعم أنه في السماء، قلت أما أنت فقد أعطيتني أن حساب هذه النجوم حق وأن جميع الناس ولدوا بها، قال أتشك في غير هذا قلت وكذلك أعطيتني أن أحداً من أهل الأرض لم يرق إلى السماء فيعرف مجاري هذه النجوم وحسابها، قال لو وجدت السبيل إلى أن لا أعطيك ذل لفعلت، قلت وكذلك أعطيتني أن أحداً من أهل الأرض لا يقدر أن يغيب مع هذه النجوم والشمس والقمر في المغرب حتى يعرف مجاريها ويطلع منها إلى المشرق، قال الطلوع إلى السماء دون هذا، قلت فلا أراك تجد بداً من أن تزعم أن المعلم لهذا من أهل السماء، قال لئن قلت لك إنه ليس لهذا الحساب معلم لقد علمت إذن غير الحق ولئن زعمت أن أحداً من أهل الأرض علم علم ما في السماء وما تحت الأرض لقد أبطلت لأن أهل الأرض لا يقدرون على علم ما وصفت من هذه النجوم والبروج بالمعاينة فإما الدنو منها فلا يقدرون عليه لأن علم أهل الدنيا لا يكون عندنا إلا بالحواس ولا يدرك علم هذه النجوم بالحواس لأنها معلقة في السماء وما زادت الحواس على النظر إليها حيث تطلع وحيث تغيب فأما حسابها ودقايقها وسعودها ونحوسها وبطيئها وسريعها وخنوسها ورجوعها فأنى يدرك بالحواس أو يهتدي إليه بالقياس، قلت فأخبرني لو كنت واصفاً معلم هذا الحساب وواضع هذه الأشياء من أهل الأرض أحب إليك أم من أهل السماء، قال من أهل السماء إذ كانت هذه النجوم في السماء حيث لا يعلم أهل الأرض، قلت فافهم وأدق النظر وناصح نفسك ألست تزعم أن جميع أهل الدنيا إنما يولدون بهذه النجوم وإنهن على ما وصفت من السعود والنحوس وإنهن كن قبل الناس، قال ما أمتنع من أن أقول هذا، قلت أفليس ينبغي لك أن تعلم أن قولك إن الناس لا يزالون وما زال قد أنكر عليك حيث كانت النجوم قبل الناس فما تجد بداً من القول بأن الأرض خلقت قبلهم، قال ولم تقول أن الأرض خلقت قبل الناس قلت أليس تعلم أنه لو لم تكن الأرض التي جعلها الله لخلقه فراشاً ومهاداً ما استقام الناس ولا غيرهم من الخلق ولا قدروا أن يكونوا في الهواء إلا أن تكون لهم أجنحة وما تغني الأجنحة إذا لم تكن لهم معيشة، قلت ففي شك أنت إن الناس خلقوا بعد الأرض والبروج، قال لا ولكن على اليقين من ذلك، قلت آتيك أيضاً بما تبصره، قال ذلك انفي للشك عني، قلت ألست تعلم أن الذي تدور عليه هذه النجوم والشمس والقمر هو هذا الفلك قال بلى قلت أفليس كان أساساً لهذه النجوم، قال بلى، قلت فما أرى أن هذه النجوم التي زعمت أن مواليد الناس بها إلى وقد وضعت بعد هذا الفلك لأنه به تدور البروج ويسفل مرة ويصعد أخرى قال قد جئت بأمر واضح لا يشكل على ذي عقل، إن الفلك الذي يدور بالنجوم هو أساسها الذي وضع لها لأنها إنما جرت به، قلت فقد أقررت أن خالق النجوم التي يولد الناس بها سعودهم ونحوسهم هو خالق الأرض لأنه لم لو يكن خلقها لم يكن ذر، قال ما أجد بداً من إجابتك إلى ذلك، قلت أفليس ينبغي أن يدلك عقلك على أنه لا يقدر على خلق السماء إلا الذي خلق الأرض والذر والشمس والقمر والنجوم وأنه لولا السماء وما فيها لهلك(1/7)
ذرا الأرض، قال أشهد أن الخالق واحد غير ذي شك لأنك أتيتني بحجة بهرت عقلي فانقطعت بها حجتي وما أراه يستقيم أن يكون واضع هذا الحساب ومعلم هذه النجوم واحداً لا من أهل الأرض لأنها في السماء ولا يعرف مع ذلك ما تحت الأرض منها إلا من يعرف ما في السماء، ولا أدري كيف سقط أهل الأرض على هذا العلم الذي هو في السماء حتى اتفق على ما رأيت من الدقة والصواب فإني لو لم أعرف من هذا الحساب ما أعرف لأنكرته ولا خبرتك أنه باطل في بدء الأمر وكان أهون علي " أقول " ثم إن مولانا الصادق صلوات الله عليه أبتدأ في الاستدلال على الهندي بإثبات الله جل جلاله بطريق اهليجة كانت في يده وكشف الدلالة حتى أقر بذلك بعد مجاحدات من الهندي وإطالة، وقد تضمن كتاب الإهليلجة شرح ذلك على التفصيل، وإنما كان مرادنا ههنا ما يتعلق بالنجوم وأنها صادرة من قدرة الله وأنه جل جلاله هو الذي أطلع عباده على أسرارها وكشف عن دلالاتها وآثارها ثم ذكر أن الصادق صلوات الله عليه بلغ من الاستدلال مع الهندي إلى أن قال له الهندي معترفاً لله بما دل عليه ما هذا لفظه، وإنه واضع هذه النجوم والدال على سعودها ونحوسها وما يكون في المواليد بها وأن التدبير واحد لم يختلف متصل فيما بين السماء والأرض وما فيهما وما بقي لي أمر أذعه ولا شيء أنظر فيه، هذا آخر ما أردنا من ذكره مما يتعلق بالنجوم من كتاب الاهليلجة عن الصادق عليه السلام. رض، قال أشهد أن الخالق واحد غير ذي شك لأنك أتيتني بحجة بهرت عقلي فانقطعت بها حجتي وما أراه يستقيم أن يكون واضع هذا الحساب ومعلم هذه النجوم واحداً لا من أهل الأرض لأنها في السماء ولا يعرف مع ذلك ما تحت الأرض منها إلا من يعرف ما في السماء، ولا أدري كيف سقط أهل الأرض على هذا العلم الذي هو في السماء حتى اتفق على ما رأيت من الدقة والصواب فإني لو لم أعرف من هذا الحساب ما أعرف لأنكرته ولا خبرتك أنه باطل في بدء الأمر وكان أهون علي " أقول " ثم إن مولانا الصادق صلوات الله عليه أبتدأ في الاستدلال على الهندي بإثبات الله جل جلاله بطريق اهليجة كانت في يده وكشف الدلالة حتى أقر بذلك بعد مجاحدات من الهندي وإطالة، وقد تضمن كتاب الإهليلجة شرح ذلك على التفصيل، وإنما كان مرادنا ههنا ما يتعلق بالنجوم وأنها صادرة من قدرة الله وأنه جل جلاله هو الذي أطلع عباده على أسرارها وكشف عن دلالاتها وآثارها ثم ذكر أن الصادق صلوات الله عليه بلغ من الاستدلال مع الهندي إلى أن قال له الهندي معترفاً لله بما دل عليه ما هذا لفظه، وإنه واضع هذه النجوم والدال على سعودها ونحوسها وما يكون في المواليد بها وأن التدبير واحد لم يختلف متصل فيما بين السماء والأرض وما فيهما وما بقي لي أمر أذعه ولا شيء أنظر فيه، هذا آخر ما أردنا من ذكره مما يتعلق بالنجوم من كتاب الاهليلجة عن الصادق عليه السلام. 2(1/8)
" وأقول " فانظر إلى ما تضمنه كلام مولانا الصادق صلوات الله عليه فإنه ما أبطل هذا العلم بالكلية، ولا طعن فيه بوجه من الوجوه الدينية ولا الدنيوية بل جعل الطريق إليه تعريف الله جل جلاله الأنبياء عليهم السلام بالوحي وبما دلهم عليه وأصحاب النجوم على اختلاف طبقاتهم اتفقوا في رواياتهم بأن هذا العلم عن إدريس عليه السلام ومن يجري مجراه وروى الشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم الثعلبي في كتاب " العرائس في المجالس " و " يواقيت التيجان في قصص القرآن " في قصة إدريس " ع " تصديق ذلك فقال، وإنما سمي إدريس لكثرة درسه للكتب وصحف آدم وشيث وابنه لنوش، وكان إدريس أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط وأول من نظر في علم النجوم والحساب انتهى وذكر على بن المرتضى في كتاب ديوان " النسب " في آخر الجزء الثالث منه عن إدريس أنه أول من خط بالقلم وأول من حسب حساب النجوم هذا لفظه فيما حكاه من التوراة. ورأيت في رسالة أبي إسحاق الطرسوسي إلى عبد الله بن مالك في باب معرفة أهل العلم ما هذا لفظه أن الله تبارك وتعالى أهبط آدم من الجنة وعرفه علم كل شيء فكان مما عرفه النجوم والطب، ووجدت في كتاب المنتخب من طريق أصحابنا في دعاء كل يوم من رجب " ومعلم إدريس عدد النجوم والحساب والسنين والشهور والأيام " وذكر عبد الله بن محمد بن طاهر الطربثي في كتاب لطائف المعارف ما هذا لفظه أو من أظهر علم النجوم ودل على ترتيبها وقدر مسير الكواكب وكشف عن وجوه تأثيرها هرمس وهو إدريس " فصل " أقول ووجدت في كتاب عتيق عن عطاء قال قيل لعلي بن أبي طالب هل كان للنجوم أصل قال نعم نبي من الأنبياء قال له قومه لا نؤمن لك حتى تعلمنا بدء الخلق وآجالها فأوحى الله عز وجل إلى غمامة فأمطرتهم واستنقع ما حول الجبل ماء صافياً ثم أوحى الله عز وجل إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء ثم أوحى تعالى إلى ذلك النبي أن يرتقي هو وقومه على ذلك الجبل فارتقوا وأقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجالهم بمجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار فكان أحدهم يعرف متى يمرض ومتى يموت ومن الذي يولد له ومن الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهر هم ثم إن داود قاتلهم على الكفر فأخرجوهم إلى داود في القتال من لم يحضر أجله وأخرجوا من حضر أجله في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل من هؤلاء أحد، فقال داود ربي أقاتل على طاعتك ويقاتل هؤلاء على معصيتك فيقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى الله عز وجل إليه أني كنت علمتهم بدء الخلق وآجاله وإنما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثم يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد فقال داود يا رب على ماذا علمتهم قال على مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار فدعا الله عز وجل فحبس الشمس عليهم فزاد الوقت واختلط الليل بالنهار فاختلط حسابهم قال علي عليه السلام فمن ثم كره النظر في علم النجوم.
ورويت بعدة طرق إلى يونس بن عبد الرحمن في جامعه الصغير وهو ممن أثنى عليه رضوان الله جل جلاله عليه بإسناده قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو فقال علم الأنبياء قلت أكان علي بن أبي طالب عليه السلام بعلمه فقال كان أعلم الناس به.
ووجدت في أصل من أصول أصحابنا اسمه كتاب التجمل تاريخ مقابلته يوم الأربعاء لسبع بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين في باب النجوم بإسناده عن جميل بن دراج عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال قد كان علم النبوة نوح بالنجوم " أقول " قد تضمن هذا الحديث أن نبوة نوح عرفها من كان عارفاً بالنجوم وطريقها فكان في علم النجوم دلالة على نبوته ومنواة لحجته.(1/9)
وأما دلالة النجوم على أن إبراهيم عليه السلام نبي فمنقولة عند علماء الإسلام ظاهرة بين الأنام، فمن ذلك ما رواه صاحب الأصل الذكور الذي تاريخه سنة ثمان وثلاثين ومائتين قال أن آزر أبا إبراهيم كان منجماً لنمرود ولم يكن يصدر إلا عن أمره. فنظر ليلة في النجوم فأصبح وهو يقول لنمرود: لقد رأيت الليلة في النجوم عجباً قال ما هو:قال: رأيت مولوداً يولد في زماننا يكون هلاكنا على يديه ولا نلبث إلا قليلاً حتى يحمل به فتعجب من ذلك وقال: هل حملت به النسأ قال: لا بعد فحجب الرجال عن النساء فلم يدعو امرأة إلا جعلها في المدينة لم يخص بعلها إليها فوقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم فظن أنه صاحبه فأرسل إلى قوابل ذلك الزمن وكنا أعلم الناس بالجنين فلا يكون في الرحم شيء إلا عرفنه وعلمنه فنظرنا فالزم ما في الرحم الظهر فقلن ماذا في بطنها شيئاً قال: وكان مما أوتي من العلم إن المولود سيحرق بالنار ولم تؤثر به وإن الله سينجيه منها " أقول " ورويت هذا الحديث عن إبراهيم الخزازعن أبي بصير عبد الله عليه السلام من أصل قرى على هارون بن موسى التلعكبري رحمه الله.
وأقول وقد روى هذا الحديث علي بن إبراهيم رضوان الله عليه في كتاب " تفسير القرآن " في تفسير قوله جل جلاله " فلما جن عليه الليل " في سورة الأنعام بأبسط من هذه الرواية فقال ما هذا لفظه وكان من خبره أن آزر كان منجماً لنمرود بن كنعان فقال لنمرود إني أرى في حساب النجوم إنه يجيء في هذا الزمان رجل ينسخ هذا المدين ويدعو إلى دين آخر فقال له نمرود: في أي بلاد يكون قال آزر: في هذه البلاد أفولد وخرج إلى الدنيا قال: لا قال: فينبغي أن يفرق بي الرجال والنساء ففرق وحملت أم إبراهيم بإبراهيم ولم يبين حملها فلما حان ولادتها قالت لآزر: إني عليلة وأريد أن أعتزل عنك وكانت المرأة في ذلك الزمن إذا اعتلت اعتزلت زوجها فخرجت واعتزلت في غار فوضعت إبراهيم فهيأته وقمطته ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة وأجرى الله تعالى لإبراهيم لبناً من إبراهيم فكان نمرود يقتل كل ذكر يولد فما زال إبراهيم في الغار وكان يشب في اليوم كما يشب غيره في الأسبوع حتى أتى له ثلاث عشرة سنة فزارته أمه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقالت يا بني إن الملك إذا علم أنك قد ولدت في هذا الزمان قتلك فأبى عليها وخرج من الغار فلما خرج وكانت الشمس قد غابت رأى الزهرة في السماء فقال هذا ربي فلما غابت قال: لو كان هذا ربي ما تحرك ثم قال: " لا أحب الآفلين " الآفل:الذي يغيب فلما كان بعد ذلك أطلع فرأى المر المشرق فقال هذا ربي هذا حسن فلما تحرك قال " لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما أصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها وقد أضاءت الدنيا بطلوعها " هذا ربي هذا أكبر " فلما تحركت وزالت " قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين " فكشف له عن السموات والأرض حتى رأى العرش وما فوقه وما تحته ونظر إلى ملكوت السموات والأرض، " قال العالم " عليه السلام لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض التفت فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات، حتى دعا على ثلاثة فماتوا، فأوحى الله إليه يا إبراهيم أن دعوتك مجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف: صنف يعبدني ولا يشرك بي شيئاً فأثيبه، وصنف يعبد غيري فلن يفوتني وأعذبه، وصنف يعبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني فلن يفوتني هو، ورواه أبو جعفر بن محمد بن جرير الطبري في " الجزء الأول " من تاريخه، ورواه سعيد بن هبة الله الرواندي رحمه الله في كتاب " قصص الأنبياء " ورواه أيضاً الثعلبي في كتاب " العرائس والمجالس " في قصص القرآن ورواه غيرهم من العلماء فلا حاجة إلى الإطالة بروايتهم ويكفي التنبيه عليه للاعتناء(1/10)
ومن أخبر المنجمون عن نبوته ورسالته موسى بن عمران صلوات الله على سيدنا رسول الله وعلى من تزيده الصلاة من خاصة رسل الله فقد تضمنت كتب التاريخ وغيرها من المصنفات ما يغني عن جميع الروايات، فمن ذلك ما رواه الثعلبي في كتاب " العرائس والمجالس " قال: إن فرعون رأى في منامه أن ناراً قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة والكهنة والمعبرين والمنجمين وسألهم عن رؤياه فقالوا له: أنه يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك ويخرجك وقومك من أرضك ويذل دينك وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه، ثم ذكر ولادة موسى وما صنع فرعون في قتل ذكور الأولاد، وليس في ذكر ذلك ههنا ما يليق بالمراد، وذكر حكم المنجمين في ميلاد موسى ونبوته الزمخشري في " كتاب الكشاف " ، وروى حديث دلالة النجوم على ولادة موسى عليه السلام وهب بن منبه في الجزء الأول من " كتاب المبتدأ " ، بأبسط من رواية الثعلبي، وحدثني بعض علمائنا المنجمين بحكم دلائل المنجمين على عيسى عليه السلام ولم أحفظ لفظ حديثه لأحكيه، ووجدت ذلك مشروحاً بالعربية في أوائل الإنجيل.
وذكر أبو جعفر محمد بن بابويه رضوان الله جل جلاله عليه في الجزء السادس من " كتاب النبوة " في باب سياقة حديث عيسى بن مريم عليه السلام فقال: ما هذا لفظه، وقدم عليها وفد من علماء المجوس زائرين معظمين لأمر ابنها وقالوا إنا قوم ننظر في النجوم فلما ولد ابنك طلع بمولده نجم لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء فيجاور ربه عز وجل. ما كانت الدنيا مكانها ثم يصير إلى ملك هو أطول وأبقى مما كان فيه، فخرجنا من قبل المشرق حتى دفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعاً عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه، وقد أهدينا له هدية جعلناها له قرباناً لم يقرب مثله لأحد من قط، وذلك إنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره وهو الذهب والمر واللبان، لأن الذهب سيد المتاع كله وكذلك هو ابنك سيد الناس ما كان حياً، ولأن المر حياة الجراحات والجنون والعاهات كلها وكذلك ابنك يعافي المرضى كلها. ولأن اللبان يبلغ دخانه السماء وأن يبلغها دخان غيره وكذلك ابنك رفعه الله إلى السماء وليس يرفع من أهل زمانه غيره.
ووجد في كتاب " دلائل النبوة " جمع أبي القاسم الحسين بن محمد السكوني من نسخة عتيقة عليها سماع تاريخه يوم السبت لإثني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ونسخ من أصل كتاب مصنفه، فذكر في معرفة اليهود بعلم النجوم حديث بعثه النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله فقال: ما هذا لفظه، حدثني الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد الرحمن قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا عبد الله بن غانم قال: حدثنا هناد قال: حدثنا يونس عن أبي إسحاق قال: حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن قومه عن حسان بن ثابت قال: إني والله لغلام يفقه ابن سبع أو ثمان سنين، أعقل كلما سمعت يهودياً وهو على أطمة يثرب يصيح: يا معشر اليهود فاجتمعوا له وقالوا له: ويلك مالك؟ قال طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة، هذا آخر لفظه، وسيأتي معرفة النصارى بنبوته من طريق النجوم أيضاً.
ووجدت كتاباً عندنا الآن اسمه كتاب النداء الصيني الذي عمله كيشتا ملك الهند يذكر فيه تفصيل دلالة النجوم على نبوة نبينا محمد صلوات الله عليه وآله وخلفائه، وهو شرح طويل، وقصدنا ذكر جملته دون التفصيل.(1/11)
ووجدت في كتاب " درة الإكليل " في تتمة التذييل تأليف محمد بن أحمد بن عمرو بن حسين بن القطيعي في الجزء الثالث منه عند قوله: مفاريد الأسماء على التعبيد، فذكر في ترجمة عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق الشجري الأصل المروي المولد الصوفي الشيخ المعمر الثقة الموقت لابن أبي عبد الله، حديث دلالة النجوم عند هرقل ملك الروم على نبوة محمد صلى الله عليه وآله، والحديث طويل يتضمن سؤال هرقل لبعض قريش عن صفات النبي ولفظ كتاب النبي صلوات الله عليه وآله وسلامه إلى هرقل، ثم قال ما هذا لفظه. وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل أشفقا على نصارى الشام فحدث أن هرقل حين فقد ايلياء أصبح يوماً خبيث النفس، فقال بعض بطاركته قد أنكرنا هيئتك على ابن الناطور، وكان هرقل جيد النظر في علم النجوم فقال لهم حين سألوه: إني نظرت الليلة في علم النجوم، فرأيت ملكاً يظهر في من يختتن من هذه الأمة، فقالوا ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم، فاكتب إلى مدائن ملكك يقتلون من فيها من اليهود، فبينما هم على أمرهم إذ أتي برجل أرسل إلى هرقل من ملك غسان يخبره بخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما استخبره هرقل، قال: اذهبوا فانظروا أيختتن هو أم لا فنظروه وأخبروا أنه مختتن، فسألهم عن العرب، فقالوا أنهم يختنون فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب إلى صاحب رومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص حتى أتاه كتاب صاحبه يوافق رأيه على خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في سكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم أطلع عليهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد أن يثبت ملككم، قالوا بلى، قال بايعوا هذا النبي، فحاصوا حوصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة، فلما رأى هرقل نفرتهم وآيس من الإيمان قال ردوهم قال لهم: إني قلت مقالتي آنفاً، أختبر بها شدتكم على دينكم، وقد رأيت ما أعجبني، فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل " أقول " هذا آخر لفظ مصنف كتاب " درة الإكليل " ولم أذكر أسانيد هذه الرواية تخفيفاً، فهذا يتضمن أن النجوم دلت على هرقل وصاحبه برؤيته على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووطأت له بلوغ الأمنية وأذلت قلوب الرومية وكان ذلك من الآيات الربانية، والدلالات الخارقة الإلهية ومن فكان مطلعاً على كتب الإسلام وجد دلالة النجوم واضحة معلومة للإفهام لا يمكن جحودها إلا بالعناد وتهوين آيات الله جل جلاله في العباد وتصغير عظمته تعالى شأنه وحكمته في تدبير خليقته.
وأما دلالة النجوم لكسرى ملك الفرس على نبوة نبينا محمد صلوات الله عليه وآله وتوطئة النبوة بما دلت عليه النجوم بتدبير الله جل جلاله لها، فهو مذكور في كتب التواريخ يطول كتابنا بإيراد كلما وقفنا عليه ولكنا نذكر ما يكون تنبيهاً على ما أشرنا إليه ومن أراد استيفاء ذلك فلينظره في كل تاريخ اشتمل عليه، ونحن نقتصر على ما ذكره " الطبري " في تاريخه فهو تاريخ مشهور.(1/12)
ذكر " الطبري " في تاريخه عن معرفة كسرى بالمنجمين وغيرهم بنبوة محمد صلوات الله عليه وآله بما يأتي ذكره بلفظه، وهو ذكر الخبر عن الأسباب التي حدثت من إرادة الله تعالى إزالة ملك فارس من أهل فارس فوطأ بها للعرب ما أكرمهم به نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم من النبوة والخلافة والملك والسلطان في أيام كسرى أبرويز فمن ذلك ما روى وهب بن منية، وهو ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال: كان من حديث كسرى ما حدثني به بعض أصحابي عن وهب بن منية، أن كسرى كان سكن دجلة العوراء وأنفق عليها من الأموال ما لا يدري ما هو؟ وكان طاق مجلسه قد بني بنياناً لم ير مثله، وكان يعلق به تاجه فيجلس فيه إذا جلس للناس. وكان عنده ستون وثلاثمائة رجل من الخراة " والخراة العلماء " ما بين كاهن ومنجم وساحر، وكان فيهم رجل من العرب يقال له السائب يعتاف اعتياف العرب فلما يخطئ بعثه إليه بآذان من اليمن، وكان كسرى إذا ضربه أمر جميع كهانه وسحرته ومنجميه فقال: انظروا في هذا الأمر ما هو؟ فلما أن بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم أصبح كسرى ذات غد وقد انقصمت طاق ملكه من وسطها من غير نقل وانخرقت دجلة العوراء، فلما رأى ذلك حزن وقال طاق ملكي انقصمت من غير ثقل وانخرقت دجلة العوراء " شاه بشكسته " يقول الملك انكسر، وجمع الكهان والسحرة والمنجمين ودعا السائب معهم فقال: انظروا في هذا الأمر ما هو فخرجوا من عنده ونظروا في الأمر فأخذ عليهم بأقطار السماء وضاقت عليهم الأرض وتسكعوا بعلمهم فلا يمضي لساحر سحره ولا لكاهن كهانته ولا يستقيم لمنجم علم نجومه، وبات السائب في ليلة ظل فيها على ربوة من الأرض يرمق برقاً نشأ من الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق، فلما أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه فإذا روضة خضراء، فقال: فيما يعتاف لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق وتخصب به الأرض كأفضل ما أخصبت من ملك كان قبله، فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم إلى بعض، رأوا ما أصابهم، ورأى السائب ما قد رأى قال بعضهم لبعض: تعلمون والله ما حيل بينكم وبين علمكم إلا لأمر جاء من السماء وأنه لنبي قد بعث، أو هو مبعوث يسلب هذا الملك ويكسره ولئن بنيتم لكسرى خراب ملكه ليقتلنكم فأقيموا بينكم أمراً تلقونه فيه حتى تؤخروا أمره إلى آخر ساعة، فجاؤوا إلى كسرى، فقالوا قد نظرنا في هذا الأمر، فوجدنا بناءك الذي وضعته على الحساب، قد أخطأوا فيه فوضعوا طاق الملك وسكور دجلة على النحوس، فلما اختلف عليه الليل والنهار وقعت النحوس على مواقعها، فدك كل ما وقع عليها، وأنا سنحسب حساباً تضع عليه بنياناً لا يزول، قال فاحسبوا، فحسبوا ثم قالوا ابن، فبنى، فعمل في دجلة ثمانية أشهر، وأنفق فيها الأموال مالا يدري ما هو حتى إذا فرغ قال لهم اجلس على سورها قالوا نعم، فأمر بالبسط والفرش والرياحين فوضعت عليها، وأمر بالمرازبة فجمعوا واجتمع إليه النقابون ثم خرج حتى جلس عليها فبينما هو هناك إذ انتسفت دجلة البنيان من تحته فلم يخرج إلا بآخر رمق، ولما أخرجوه جمع كهانه وسحرته ومنجميه فقتل منهم قريباً من مائة فقال لهم: سميتكم وأدنيتكم دون الناس وأجريت عليكم أر زافي وتلعبون بي، فقالوا أيها الملك: أخطأنا كما أخطأ من قبلنا ولكنا سنحسب حساباً نبنيه حتى نضعه على الوفاق من السعود قال لهم: انظروا ما تقولون قالوا فإن نفعل قال: فاحسبوا فحسبوا له ثم قالوا له ابن فبنى وأنفق من الأموال ما لا يدري ما هو ثمانية أشهر كذي قبل فقالوا قد فرغنا فقال اخرج واقعد عليها فقالوا نعم، فهاب الجلوس عليها وركب برذونا وخرج يسير عليها فبينما هو يسير فوقها إذ انتسفت دجلة بالبنيان فلم يخرج إلا بآخر رمق فدعهم، وقال: والله لآتين على آخركم ولا نزعن أكتافكم ولا طرحنكم تحت أيدي الفيلة أو لتصدقوني ما هذا الأمر الذي تلفقونه علي، قالوا: لا نكذبك أيها الملك أمرتنا حين انخرقت دجلة وانقصمت طاق المجلس من غير ثقل إن ننظر في علمنا لم ذلك؟ فنظرنا فأظلمت علينا أقطار السماء فتردى علمنا وسقط في أيدينا، فلا يستقيم لساحر سحراً ولا لكاهن كهانة ولا لمنجم على نجوم فعلمنا أن هذا الأمر حدث من السماء وأنه قد بعث نبي أو هو مبعوث فحيل بيننا وبين علمنا لأجله وخسينا أن نعينا إليك ملكك أن تقتلنا فكرهنا من(1/13)
الموت ما يكره الناس وعللناك على أنفسنا بما رأيت قال: ويحكم فهلا بينتم لي هذا لأرى فيه رأيي قالوا: منعنا من ذلك ما تخوفنا منك فتركهم ولها عن دجلة حتى علم ذلك. ما يكره الناس وعللناك على أنفسنا بما رأيت قال: ويحكم فهلا بينتم لي هذا لأرى فيه رأيي قالوا: منعنا من ذلك ما تخوفنا منك فتركهم ولها عن دجلة حتى علم ذلك. 2
وذكر علي بن المرتضى في أواخر الجزء الثالث من ديوان النسب أنه من التوراة في دلالة النجوم على نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زمن كسرى المشار إليه مثله " أقول " وهلك كسرى هذا في حياة النبي صلى الله وسلم عليه وآله، وأما كسرى الذي خرج الملك عنه إلى المسلمين فسنذكر ما ذكره الطبري من دلالة النجي ما آل حاله إليه في فصل منطو عليه فنقول.
وأما دلالة النجوم على ظهور المسلمين على ملوك الفرس فالأخبار بها كثيرة فمن ذلك ما ذكره الطبري في تاريخه فقال ولما أمر يزد جرد رستم بالخروج من ساباط بعث إلى أخيه بنحو من الكتاب الأول وزاد فيه فان السمكة قد كدرت والنعايم قد حبست وحسنت الزهرة واعتدل الميزان وذهب بهرام ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا ويستولون على ما بأيدينا وأنا اشد ما رأيت ان الملك قال لتسيرن إليهم أو لا سيرن أنا بنفسي وأنا سائر إليهم وكان الذي جرا يزد جرد على إرسال رستم غلام جاه بان منجم كسرى و كان من أهل قراب بادقاي فأرسل إليه مانرى في مسير رستم لحرب العرب فكذبه خوفا وكان رستم يعلم نحوا من علم ذلك المنجم فثقل عليه سيره وخف على الملك لمشاغزه به، وقال إني أحب أن تخبرني أراه فأطمئن به إلى قولك فقال الغلام لدرنا بند الهندي: سلني فسأله فقال الغلام: أيها الملك يقبل طائر فيقع على إيوانك ويقع منه ما في فيه ههنا وخط دائرة فقال العبد: صدق والطائر غراب والذي في فيه درهم، وبلغ جابان أن الملك طلبه فأقبل فسأله عما قاله غلامه فحسب وقال: صدق ولم يصب هو عقعق في فيه درهم يقع منه على هذا المكان وكذب درنابند في مكان الدرهم بل ههنا ودور دائرة أخرى فأقاموا حتى وقعوا على الشرفات عقعق فسقط منه درهم فوقع على الخط الأول وتدهده حتى صار في الخط الآخر ونافر الهندي جابان حيث خطأه فأتى ببقرة نتوج فقال الهندي سخلتها غبراء سوداء فقال جابان: كذبت بل سوداء سفعاء فنخرت البقرة واستخرجت سخلتها فإذا ذنبها أبيض فقال جابان: من ههنا أتى درنا بند وشجعاه على إخراج رستم فأمضاه ثم قال الطبري ما معناه أن جابان كتب إلى من يشفق عليه من العسكر يأمره بالدخول معهم فيما يريدون وأن ملك الفرس ذهب فقبل منه فكان الأمر على ما اقتضاه دلالة النجوم على ظهور العرب على الفرس.
فيما نذكره من دلالة النجوم على مولانا المهدي بن الحسن العسكري صلوات الله عليهم ذكرها بعض أصحابنا في كتاب الأوصياء وهو كتاب معتمد عند الأولياء وجدته في أصل عتيق لعله كتب في زمان مصنفه وقد دثر تاريخه، فيه دلالات الأئمة وولادة المهدي صلوات الله عليهم رواه الحسن بن جعفر الصيمري، ومؤلفه علي بن محمد بن زياد الصيمري وكانت له مكاتبات إلى الهادي والعسكري وجوابهما إليه وهو ثقة معتمد عليه فقال: ما هذا لفظه، حدثني أبو جعفر القمي ابن أخي أحمد بن إسحاق ابن مصقلة، أنه كان يقم منجم يهودي موصوفاً بالحذق في الحساب فأحضره أحمد بن إسحاق وقال له:قد ولد مولود في وقت كذا وكذا فخذ الطالع واعمل له ميلاداً فأخذ الطالع و نظر فيه وعمل عملاً له، فقال لأحمد لست أرى النجوم تدلني على شيء لك من هذا المولود إلا لنبي أو وصي نبي وإن النظر فيه يدلني على أنه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبراً وبحراً وسهلاً وجبلاً حتى لا يبقى على الأرض أحد إلا دان له وقال بولايته، يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وهذا من آيات الله الباهرة وحججه على من عرفه بالعين الباصرة، فإن أحمد بن إسحاق ستر المولود على المنجم المذكور فدله الله جل جلاله بدلالة النجوم على ما جعل فيه من السر المستور، وقد كنت أشرت إلى قدامة بن الأحنف البصري المنجم ليحقق طالع ولادة المهدي صلوات الله عليه ولم أكن وقفت على هذا الحديث المشار إليه فذكر أنه حقق طالعه وأحضر زايجته وكما سبقنا راوي هذا الحديث المشار إليه فصار ذلك إجماعاً منهما عليه.(1/14)
فيما نذكره من كلام الشيخ بن محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله عليه، وهو الذي انتهت رياسة الإمامية في وقته إليه، وذلك فيما رويناه عنه في " كتاب المقالات " أنه لا مانع من أن يكون الله أعلم بالنجوم بعض أنبياءه وجعلها علماً على صدق من بعض المعجزات فقال: ما هذا لفظه وأقول أن الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام نارية لا حياة لها ولا موت خلقها الله لينتفع بها عباده وجعلها زينة لسماواته وآية من آياته كما قال سبحانه وتعالى " وهو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون " وكما قال تعالى " هو الذي جعل النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون " وكما قال عز وجل " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " وكما قال تبارك اسمه " وزينا السماء بمصابيح " ، فأما الحكام على الكائنات بدلالاتها والكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه ولسنا ندفع أن يكون الله تعالى أعلمه بعض أنبيائه وجعله علماً له على صدقه غير أنا لانقطع عليه ولا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فأما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة وبدليل عادة وقد يختلف أحياناً ويخطئ المعتمد عليه كثيراً ولا تصح إصابته فيه أبداً لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ولا أخبار الرسول. وهذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل وإليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الأمامية وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة أقول فأنظر إلى قوله رحمه الله تعالى فأما الأحكام على الكائنات بدلالاتها والكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه فهذا تصريح صحيح أن العقول السليمات لا تمنع أن تكون النجوم دلائل على الكائنات، وانظر قوله رحمه الله ولسنا ندفع أن يكون الله سبحانه أعلمه بعض أنبيائه وجعله علماً على صدق فهذا توفيق منه رحمه الله وتحقيق أنه لا يدفع أن يكون الله تعالى علمه بعض أنبيائه وجعله علماً على صدقه فهل تقبل العقول أن يكون الله تعالى أعلم أنبيائه بما يكون تعليمه والعلم به حراماً ونقصاناً لمن علمه وتعلمه وهل يكن أن يجعل الله جل جلاله علماً على صدق نبي من أنبيائه ما يكون كذباً وجهلاً وبهتاناً وضلاً، وانظر قوله رحمه الله غير أنا لانقطع عليه ولا نعتقد استمراره إلى هذه الغاية فإن ذكر أنه ما نقطع عليه ولو كان هذا العلم باطلاً وتعليمه والعلم به ضلالاً كان قد قطع على أن الله لا يعلمه أنبياءه ولا يكون علماً على صدقهم، وأما قوله أنا لا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فلقد صدق رحمه الله لأن استمراره على الوجه الذي يمكن من تعليم الله تعالى بعض أنبيائه آية على صدقهم ما هو مستمر لعدم النبي الذي يمكن تعليم الله جل جلاله له وعدم الحاجة الآن إلى أن يكون علم النجوم علماً على صدق نبي من الأنبياء عليهم السلام وانظر قوله رحمه الله، وأما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه فإنه لا يكون ذلك بضرب من التجربة أو بدليل عادة فهل تراه رحمه الله أحال إصابتهم وأبطلها وذكر تحريم التصديق بها وأهملها وإنما تأول الإصابات بأنها يمكن أن تكون للتجارب ودلائل العادات. واعلم أن جماعة من علماء المنجمين من المؤمنين والمسلمين حضروا عندنا ووقفا على تسييرهم وتحاويلهم وجربنا كثيراً من أقاويلهم وعرفنا أنهم ما يذكرون دلائل هذه النجوم من طريق تجربة ولا عادة بل على ما يبلغه علمهم من تدبير الله تعالى لها على المدلولات كما يعتمد أصحاب كل علم لما يقتضيه علمهم من العبادات وقد قدمنا في مناظرة الصادق عليه السلام للهندي أنها لا تعرف بالتجربة والعادة كما أشرنا إليه. ثم أقول وانظر إلى قول المفيد رحمه الله عن أحكام النجوم وقد تختلف أحياناً ويخطئ المعتمد عليه كثيراً ولا تصح إصابة فيه أبداً لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ومن أخبار الرسول أفلا تراه صدق بعض ما يحكم به المنجمون من دلائلها على الحادثات وإنما قال قد تختلف أحياناً ويخطئ المعتمد عليه كثيراً وأنهم لا يستمرون على الإصابات.(1/15)
" أقول " وأي علوم من العلوم العقلية والنقلية يستمر أصحابها على الإصابة فيها ولا يختلفون ولا يخطئون كثيراً بما تقتضيها وانظر قوله رحمه الله أنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ولا أخبار الرسول فهل تراه أنكر هذه الأحكام أو رآها محرمة في شرائع الإسلام وإنما ذكر أنها لا تجري مجرى غيرها من الدلالات ولقد قال حقاً وهو المؤيد بالعنايات ثم انظر قوله وهذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل وإليه ذهب بنو نو بخت رحمهم الله من الإمامية وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة كيف ذكران هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل، فمن ذا يرغب بنفسه عن مذهب أهل العدل إلا سقيم العقل بعيد من الفضل وانظر قوله وإليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الإمامية فلم ينكر عليهم بل ترحم عليهم. وبنو نوبخت من أعيان هذه الطائفة المحقة المرضية ومنهم وكيل مولا المهدي صلوات الله عليه أبو القاسم الحسين بن روح رضوان الله جل جلاله عليه.
ومن أعظم من يعتقد فيه أنه ينكر دلالة النجوم على الحادثات من أصحابنا المتكلمين تغمدهم الله بالرحمات، السيد المرتضى رضي الله عنه وأبلغ ما وقفت عليه من كلماته في ذلك في جملة مسائل سأله عنها تلميذه سلاز رحمه الله وإذا اعتبر الناظر فيها ما ذكره في أواخر جوابه عنها وجده يقول: إن اتصال الكواكب وانفصالها وتسييرها لها أصول صحيحة وقواعد سديدة، وهذا من أعظم الموافقة على ما ذكرناه من صحة دلالة النجوم وإنما ينكر رحمه الله أن النجوم فاعلة، وذلك منكر وكفر كما دللنا على فساده ومنكر أن تكون النجوم مؤثرة في أجسامنا ونحن على اعتقاده.
أعلم أنني لو وجدته رحمه الله مانعا بالكلية من صحة دلالة النجوم على الوجه الذي أشرنا إليه، فإنني لا أرضى بالتقليد يجوز الاشتباه عليه ولو قلد هذا السيد المعظم في كل ما دخل فيه من الدول والولايات كان قد دخل غيره فيها واعتذر بنحو ما اعتذر به واعتمد عليه، ولقد وثق غيره بمن انبسط إليه فهدده بما لا صبر عليه من المؤاخذة والذل وكلمة من الاقتداء به والتقليد له وآثر الله جل جلاله عند الكل.
ومن وقف على ما اشتبه على هذا السيد المعظم قدس الله روحه، وجد في بعض كتبه من المسائل العقلية، التي انفرد بها عن شيخه المفيد وجملة من علماء الأمامية، عرف أنه لا يجوز تقليد من يجوز الخطأ عليه فيما لا يسوغ شرعا تقليده فيه، وقد ذكر الرواندي رحمه الله نحو تسعين مسألة بل أكثر أصولية خالف فيها المرتضى شيخه مفيد وهي عندنا الآن بتفصيلها، ومن أعجبها إثبات الجوهر في العدم، فإن شيخه المفيد استعظم في العيون والمحاسن الاعتقاد بصحتها، والمرتضى في كثير من كتبه عضدها وانتصر لها وهي خطأ بجملتها.
وكذلك من وقف على ما اشتبه على هذا السيد العالم رضي الله عنه في مسائل كثيرة شرعية، مثل أن الشيعة لا تعمل بأخبار الآحاد في المسائل الدينية وهي من العلوم التي كان مشغولا بها، ولا يكاد تعجبي ينقضي، كيف اشتبه عليه أن الشيعة لا تعمل بأخبار الآحاد في الأمور الشرعية ومن أطلع على التواريخ والأخبار، وشاهد عمل ذوي الاعتبار وجد المسلمين والمرتضى وعلماء الشيعة الماضين عاملين بأخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين كما ذكر محمد بن الحسن الطوسي في " كتاب العدة " وغيره من المشغولين بتصفح أخبار الشيعة وغيرهم من المصنفين وقد ذكرنا في " كتاب غياث سلطان الورى " لسكان الثرى، صحة العمل بأخبار الآحاد، وأوضحنا العمل به في سائر البلاد، وبين كافة العباد.
وأبلغ ما رأيت من كلام المرتضى رضي الله عنه في أحكام النجوم في " المسائل السالارية " وهي الثمان مسائل التي أشرنا إليها وكان سلار الفقيه عزيزاً عليه وهو الذي تولى تغسيله مع غيره رضوان الله عليه وأول هذه المسائل، سؤال السائلين عن الجوهر وأنه جوهر بالفاعل وقد منع المرتضى رحمه الله من ذلك غاية المنع. ونرجو أن يكون رجع عن هذا الدفع، إلى مذهب شيخه المفيد وغيره من أن الجوهر بالفاعل، فمن أعجب العجب اشتباه ذلك على أهل التأييد، فلا عجب إذن ممن اشتبه عليه أن الجوهر بالفاعل وهو من علوم العقل، أن تشتبه عليه مسألة في علم النجوم الذي هو ليس من علوم العقل، بل طريقة صادرة عن النقل والعقل أظهر والنقل أخفى وأستر.(1/16)
فقال السائل للمرتضى رحمهما الله، وكيف تقول أن المنجمين حادسون مع أنه لا يفسد من أقوالهم إلا القليل، فقال المرتضى في الجواب ما نذكر منه الذي إلى نحتاج الجواب عنه دون التطويل فذكر أبطال أن النجوم فاعلة مختارة، وقد كنا نبهنا على بطلانه، فلا حاجة الآن إلى ذكر برهانه، ثم قال ما هذا لفظه ما وقفنا عليه، وأما الوجه الآخر وهو أن يكون الله سبحانه أجري العادة بأن يفعل أفعالاً مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه، واتصاله أو مفارقته، فقد بينا أن ذلك ليس مذهب المنجمين البتة، وإنما يحتملون الآن بالنظائر، وأنه قد كان جائزاً أن يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك قد وقع وثبت، ومن أين لنا طريق إن الله تعالى أجرى العادة بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحساً وأن المشتري إذا كان كذلك كان سعداً، وأي سمع مقطوع جاء به شيء من ذلك؟ وأي نبي خبر به وأستفيد من جهته؟ والجواب، أما قوله رحمه الله إن ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة، فسيأتي في أواخر جوابه عن هذه المسائل أن اتصال الكواكب وانفصالها أصول صحيحة وقواعد سديدة، ويأتي أيضاً في كتابنا هذا في باب علماء المنجمين، وفي باب علماء المنجمين من غير الشيعة، قبل وجود المرتضى بأوقات كثيرة ممن كان يتعبد بالإسلام أن دلالة النجوم صادرة من الله جل جلاله، هذا لا يليق إنكاره وجحوده ثم كان خلق عظيم يعتقدون أن الأصنام فاعلة ورجعوا عنها ولم يكن ذلك الاعتقاد الأول حجة، ولا الرجوع عنها نقصاً، بل زيادة في سعادة، فكذا يجوزان أن يكون حال من ذكره من المنجمين، وأما قوله قد كان جائزاً أن يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك وقع وثبت فالجواب أن هذا موافقة منه أن العقول لا تمنع من جواز ذلك فأما كونه ذكر أنه لا طريق إلى العلم بأن ذلك وقع وثبت، فهذا مما يصعب الاعتذار له فيه لأنه إن كان يريد أنه لا طريق أصلاً في نفس الأمر فعظيم، فإنه كان يحسن أن القول يمكن أن يكون هناك طريق إلى العلم لكن ما عرفتها إلى الآن فإن كثيراً من المسائل عرفها بعد أن لم يكن عارفاً بها وتصانيفه تتضمن أنه رحمه الله رجع عن مسائل كان قائلاً بها ومعتقداً لها، وهذا شاهد عليه بجواز وجود الطريق فيما بعد إلى العلم بذلك وأما قوله ومن أين أن الله تعالى أجرى العادة فهو استبعاد منه لوجود الدلالة وما هو نفي لها ولا إحالة وقد اعترف بصحته في أواخر جواب مسألته، وسوف نورد في كتابنا هذا من الأخبار المروية من علماء الفرقة المحقة المرضية الذي ثبت بأمثالها بعض الأحكام الشرعية ويقتضي وجود الطريق إلى التحقيق، بأن دلالة النجوم صحيحة عند أهل التوفيق، وأما قوله وأي نبي خبر به وأستفيد من جهته فقد ذكرنا بعض من أورد إلينا أنه نقل عن الأنبياء عليهم السلام وسنذكر بعد في هذا الكتاب من أشرنا إليهم، وإذا علمنا بالتجربة التي تنبت بمثلها المعلومات طريقاً واضحة من دلالات النجوم كالكسوفات، كان ذلك كافياً وشافياً في أن هذا العلم صادر عن أهل النبوات، وأن لم نعلمه بالروايات كما ذكره الصادق " ع " في مناظرته للهندي وقد قدمنا(1/17)
ثم قال رحمه الله تعالى في تمام كلامه ما هذا لفظ ما وقفناه عليه فإن عولوا في ذلك على التجربة فإن جربنا ذلك ومن كان قبلنا فوجدناه على هذه الصفة وإذا لم يكن موجباً فيجب أن يكون معتاداً قلنا لهم ومن سلم لكم هذه التجربة وانتظامها وأطرادها وقد رأينا خطأكم فيها أكثر من صوابكم وصدقكم أقل من كذبكم فألا نسبتم الصحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من المخمن والمترجم، فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممن يخطأ وهم على غير أصل معتمد ولا قاعدة صحيحة، فإذا قلتم أن سبب خطأ المنجم زلل دخل عليه من أخذ الطالع أو تسيير الكواكب، قلنا ولما لا كانت إصابته سببها اتفاق للمنجمين، وإنما يصح لكم هذا التأويل والتخريج لو كان على صحة أحكام النجوم دليل قاطع من غير إصابة المنجم، فأما إذا كان دليل صحة الأحكام الإصابة، فألا كان دليل فسادها الخطأ، فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه فالجواب أن الجحود في الإصابة في الخسوفات والكسوفات وما جرى مجراهما من الدلالات لا يليق بمثل من كان دونه في المقامات العاليات، وقد وافق على أن هذه الطرق الواضحة عرفت بالحساب وستأتي موافقته في أخر الجواب وهو كاف في دلالة النجوم وصحتها لذوي الألباب ولو كان خطأ العالم في بعض علمه فادحاً في كله ما ثبت علم من العلوم إذ كلها وقع في بعضها خطأ وغلط كما قدمنا، فأما قوله أن الإصابة تحتمل الاتفاق فقد ذكرنا عن الصادق " ع " في كتاب الأهليلجة وغيره فيما أسندناه إليه أنه يستحيل أن تكون دلالة النجوم بالاتفاق وبالتجربة أيضاً وإنما هي معروفة من جانب الله جل جلاله وأما قوله أن صدقهم أقل من كذبهم وأن المخمن والمترجم صوابهم أكثر من خطأهم فما أعلم من أين أعتقد رحمه الله تعالى أن المخمن والمترجم من طريق يسلك فيها إلى تخمينه وترجيمه وجد صوابه أكثر من خطأه وأن أصحاب الحساب المبني على علم المعقول المستند أصله إلى علوم الأنبياء يكون دون المخمن والمترجم هذا مالا أحتاج إلى الجواب عنه وجوابه منه وأما قوله رحمه الله في جوابهم أن الغلط يكون من المنجم عند أخذ الطالع بأنهم يحتاجون إلى دلالة من غير ذلك فأقول في الجواب سوف تأتي الدلالة المحوجة إلى أن يكون الغلط من المنجم كما أحوجت الدلالة على صحة المذاهب المحقة الإلهية والنبوية وظهر أن الغلط كان منهم في ترتيب الأدلة فالحالة واحدة وأما قوله رحمه الله أن الغلط في مقابلة الإصابة فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه فهذا ما يرد عليهم في دلالة الكسوفات والخسوفات ولا في ذكرهم لأهلة الشهور وما يناسبها من كليات الأمور فلا ينبغي إطلاق القول المذكور وقد تقدم في السؤال أن السائل ذكر أنه لا يفسد من أقوالهم إلى القليل وهو شاهد لهم جليل مشهود له بالتعديل فتقابل دعواه بدعوة سائله.
قال رحمه الله مما أفحم به القائلون بصحة الأحكام ولم يحصل عنه منهم جواب أنهم أن قيل لهم في شيء بعينه خذوا الطالع وأحكموا هل يؤخذ أو يترك فإن حكموا بالأخذ أو بالترك وفعل خلاف ما حكموا به فقد أخطأوا وقد أعضلتهم هذه المسألة والتعريف فالجواب أن هذه المسألة إنما تلزم من يقول أن النجوم علة موجبة فأما من يقول أنها ليست بفاعل مختار بل ورآها فاعل مختار قادر على خراب الفلك إذا شاء وعلى أن يمحو ما يثبت وينبت ما محى فإنه لا يلزمهم لأنهم يمكنهم أن يقولوا أن النجوم وإن دلت على فعل فإن الله فاعل مختار قادر على الترك والفعل لا يطلع على ما يريده سبحانه أحداً على ما ستر من أسراره فلا يحكم عليه بأنه جل جلاله يلزمه الاستمرار على فعله أو تركه بل يقولون هذا الفعل يقع بشرط الاختيار والله سبحانه عكس دلالاته وهذا الأمر يترك بشرط الاختبار، والله تعالى عكس علامته كما نسخ الفاعل المختار الشرايع ومحا وأثبت وكان ذلك حكمة وصواباً.
وأما من يقول أن النجوم دلالات وأن العبد فاعل مختار فإنه يقول يحتمل أنها تارة تدل بالله جل جلاله الفاعل المختار على شروط صحيحة لكن ورآها العبد وهو قادر على ترك الاستمرار عليها. فلا يلزمهم إنما أخبروا بفعله أنه يستحيل تركه من العبد ولا من أخبروا بتركه يختار خلاف ما دلت عليه وهذا وجه يدفع الشبهة التي ذكرها رحمه الله.(1/18)
ثم ذكر حكاية جرت له مع بعض الوزراء الذين يقولون بصحة دلالات النجوم وأنه رحمه الله قال للوزير ما معناه أن النجوم لو كانت تدل على الإصابة لكان المنجمون سالمين من الآفات وكان الجاهلون بالنجم حاصلين في المخافات وكانوا كبصير وأعمى إذا سلكا في الطريق والجواب أن يقول ليس كل من عرف علماً عمل بعلمه وخلص نفسه من الردي قال الله جل جلاله " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدي " ثم يقال له لو أن قائلاً قال لك لو كان العقل موجوداً مع الموصوفية من بني آدم لكان السالمون به من الآفات أضعاف الهالكين به من الدواب والحيوانات المختارة التي ليس معها عقول. ونحن نرى الآفات يجري على الفريقين على المقارنة والمناسبة بل لعل هلاك العقلاء بعقولهم أكثر من هلاك الحيوان المختار من غير عقل بما هو عليه من الجهل ويقال له لو كان في علوم بني آدم بديهيات لقد كان يتعذر على أحد منهم الخلاف فيها وقد اختلفوا فيها ويقال له لو كان العلم ثابتاً بانا فاعلون ضرورة لكان السالم منه أكثر من الهالك ونحن نرى ثلثاً وسبعين فرقة من الأمة المرحومة جهلتها أكثر من الفرقة الناجية في كل وقت من الأوقات ومع ذلك ما دل هذا الاختلاف على بطلان العلم بانا فاعلون بالضرورة، وقد تركنا معارضات كثيرة.
ثم قال رحمه الله عن شخص غير منجم سماه شعراني له إصابات عظيمة بعضها وقعت بحضوره من أخباره الغائبات، فقال لنا كان لنا صديق يقول أبداً من أدل دليل على بطلان علم النجوم أصابت الشعراني والجواب أن الذين يذهبون إلى أن الولادة في وقت معين دالة من طوالع النجوم، فيقولون أن طالع هذا الشعراني اقتضى تعريف الله تعالى له بهذه الإصابات وهم يجعلون هذا من حججهم أن النجوم دلالات من آيات فاطر الأرضين والسموات، ولو كان هذا الشعراني يصيب من مجرد عقله لاشترك في إصابته كل من له عقل خاصة كان يلزم ذلك من يقول أن العقول متساوية وحكى مجلساً جرى له منجم ذكر نحو ما ذكرناه، ثم اعترض عليه بأن قال وإذا كانت الإصابة بالمواليد فالنظر في علم النجوم عبث وتعب لا يحتاج إليه والجواب أن يقال له رحمه الله إذا كانت الإصابة في أحكام النجوم بالمواليد على شروط تعلم الطريق وقد دلت الولادة على تعلمها لمن كانت ولادته مقتضية بذلك، فكيف يقال مع هذا أن النظر في علم النجوم عبث وتعب لا يحتاج إليه وأين حجته في ما ذكره واعتمد عليه
ثم قال رحمه الله ما معناه أن معجزات الأنبياء عليهم السلام أخبارهم بالغيوب فكيف يقدر عليها غيرهم فيصير ذلك مانعاً من أن يكون معجز إليهم، والجواب أن نقول هذا ولمن بعدما شهده من الشعراني من أنه كان يخبر بالغائبات لا يقدح بالمعجزات فهو جواب المنجمين فأما قوله كيف يقدر عليها غيرهم فالجواب عنه إذا كان الله جل جلاله هو الذي جعل النجوم دلالات وكانت من معجزات إدريس عليه السلام، فجوابه عنه هو جوابه عن الأنبياء ويقال له أن الأنبياء ادعوا تصديق الله جل جلاله لهم بالمعجزات فصدقهم تعالى مع حكمته وعدله فلا يشبه ذلك منجم ولا يدعى لقوله تصديقاً وينسب دلالة النجوم إلى الله تعالى.
وقد وجدنا بالتواريخ كثيراً من المسلمين والمعتبرين ذكروا في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبار سطيح وغيره من الكهنة والمنجمين بغائبات أخبروا بها ووقعت، ولم يكن ذلك قادحاً في معجزات الأنبياء في ما أخبروا به من الغائبات لأجل اختلاف الأنبياء والكهنة في صفات تعريفهم بالغائبات والحادثات لأن الأنبياء يخبرون بالغيب من غير سبب من البشر وغيرهم يخبروا بأسباب من توصله بالبشر.
وذكروا أيضاً من أخبار الجن والتوابع لجماعة من الجاهلية والمسلمين بغائبات ما لو أردنا ذكرها بلغنا حد الإطالة، بل فيها ما جعله جماعة من المسلمين معجزة لصاحب النبوة حيث أخبرت الجن بنبوته وأسلم ذلك الذي أخبروه برسالته ولم يكن ذلك الأخبار بالغيوب قادحاً في معجزات الأنبياء عليهم السلام.(1/19)
فصل ولو لم يكن إلا ما يأتي في المنامات التي لا يليق جحودها ولا يحسن إنكارها بشيء من المكابرات، ولم يقدح ذلك في معجزات الأنبياء بتعريف الغائبات فلدلالة النجوم أسوة بهذه الدلالات وأين تعريف الأنبياء بالحادث؟ من تعريف المنجمين وغيرهم من سائر المخبرين لأن أخبار الأنبياء كما ذكرنا من حيلة ولا توصل منهم ولا خطأ وغلط أبداً صدر عنهم وستأتي في تضاعيف هذا الكتاب أيضاً زيادة دلالات في الفرق بين الأنبياء والمنجمين وغيرهم ف بتعريف الغائبات ولقد تعجبت كيف اشتبه الأمر بينهما على ذوي البصائر والعارفين بالدلالات
ثم ذكر المرتضى رحمه الله على عادته في كثير من مسائله وجوابهما أن الإجماع عليه وقد قدمنا قول شيخه المفيد بخلاف ما اعتمد المرتضى عليه فإنه قال فيه مذهب جمهور متكلمي أهل العدل وإليه ذهب بنو نوبخت من الإمامية، وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة، فكيف يقولوا أن الإجماع عليه وهذا قول شيخه المفيد رحمه الله كما تراه ممن ذكرهم على القول بخلافه وسوف نذكر أيضاً من علماء المنجمين وعلماء المسلمين وعلماء العقلاء من الماضين والباقين واستعمالهم لذلك أجمعين، ما يقتضي أن الإجماع على خلاف السيد المرتضى، مما لم نذكر قوله فيه، شفقة عليه.
وقد وجدت في عدة كتب روينا بعضها أن المرتضى رحمه الله أخذ غيره طالعه وعملت زايجته وأن طالعه الجوزاء، وأن ولده الآخر المسمى بمحمد والمكنى بأبي جعفر أخذ طالعه وعملت زايجته، فكان بالأسد وفي رواية أخرى أن طالعه بالعقرب ووجدت أيضاً أن أخاه المرتضى رحمه الله أخذ طالعه وعملت زايجته فكان طالعه بالجوزاء، وأن ولد الرضي المسمى بعدنان أخذ طالعه وعملت زايجته فكان طالعه بالميزان، وفي رواية أخرى بالجوزاء، فممن ذكر ذلك بعض ولد السيد المرتضى في كتاب " ديوان النسب " وفي كتاب عندنا عتيق يتضمن طوالع خلق عظيم من الخلفاء والوزراء والملوك والفقهاء والعلماء، أقول فهل يقبل العقل أن طالع المرتضى وأخيه الرضي رحمهما الله أخذا بغير علم والدهما المعظم الذي لا يطعنان عليه؟ وهل يكون طوالع أولادهما أخذت وحضر الراصدون عند نسائهم وقت ولادتهن بغير علم من المرتضى والرضي وعملت زوائجهم وهما منكران لذلك ؟فلا ريب أن استعمال الأعمال أرجح من إنكارها بالأقوال، وهو مما ينبه أن النوم عندهم دلالات وإمارات وأنها مستعملة ومباحات على اختلاف الأوقات.
ثم قال المرتضى ما هذا لفظ ما وقفنا عليه، وأما إصابتهم بالأخبار عن الكسوفات وما مضى في أثناء المسألة من طلب الفرق وبين سائرها يخبرون به من تأثير الكواكب في أجسامنا، فالفرق بين الأمرين أن الكسوفات واقترانات الكواكب وانفصالها طريقه الحساب وتسيير الكواكب وله أصول صحيحة وقواعد سديدة وليس كذلك يدعونه من تأثيرات الكواكب الخير والشر والنفع والضر، ولو لم يكن الفرق بين الأمرين إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات وما يجري مجراها ولا يكاد يقع فيها الخطأ البتة، فإنما الخطأ المعهود الدائم إنما هو في الأحكام الباقية حتى أن الصواب هو العزيز فيها وما لعله يتفق فيها من إصابة فقد يتفق من المخمنين أكثر منه فجعل الأمرين على الآخرين قلة دين وحياء، هذا آخر لفظ الجواب منه رحمه الله، والجواب أنه قد اعترف بصحة ما استند إلى الحسان من الكسوفات وغيرها مما يجري مجراها وهذه موافقة واضحة لما دللنا عليه واعتراف بصحة ما ذهبنا إليه، ونحن ما نخالف أن الصحيح من دلالات النجوم ما دل عليه من حساب العلماء منهم دون ما يقال عنهم بتجربة أو تخمين، ويكفي تصديقه أن اقترانات الكواكب واتصالاتها وتسييراتها له أصول صحيحة وقواعد سديدة فإذاً قد ظهر اتفاق من قد ذكرناه من العلماء من أصحابنا المعظمين تغمدهم الله جل جلاله بالرحمات على ما حررناه ونحرره في النجوم بالحسابات، وإنها دلالات على الحادثات واضحات .(1/20)
ووجدت في مجلد كبير فيه مسائل وتصانيف للمفيد والمرتضى قدس الله روحيهما، أول مسألة منه في قول النبي صلى الله وسلم عليه وآله علي اقضاكم وفيه جواب جملة من مسائل المرتضى، وقد أجاز وأورد الدلالة بالسمع على أن النجوم دلائل على الحادثات ،ثم ذكر ما هذا لفظ ما وقفنا عليه، وعلى هذه الطريقة قلنا إن الذي جاء بعلم النجوم من الأنبياء هو إدريس " ع " ،وإنما علم من جهته على الحد الذي ذكرناه، واعلم أن لا نجوز كونها دلالة إلا على هذا الوجه فقط، لأن النبي إنما يدل على هذا الوجه الذي يدل الدليل العقلي عليه، وقد بينا العذر في النجوم فلم يبق إلا ما ذكرناه، والقطع على أن كيفيته دلالتها معلوم إلا أنه الآن غير ممكن لأن شريعة إدريس وما علم من قبله كالمندرس فلا يعلم الحال فيه فإن كان بعض تلك العلوم قد بقى محظوظاً عند قوم تناقلوه وتداولوه لم نمنع أن يكون معلوماً لهم إذا اتصل التواتر، وإذا لم يكن كذلك لم نمنع أن يكون العلم، وأن بطل وزوال، يمكن أن تكون آيات تقتضي غالب الظن عند كثير منهم. وهذا هو الأقرب فيما تمسك به أهل النجوم لأنهم إذا تدبرت أحوالهم وجدتهم غير واثقين بما يتقدم أحدهم في ذلك العلم كتقدم الطبيب في الطب المبني على الإمارات التي يقتضيها التجارب وغالب الظن، كذلك القول في علم النجوم إلا في أمور مخصوصة يمكن أن تعلم بضروب من الأخبار، أقول هذا كما تراه تأييد لما دللنا عليه وتشييد فيما أشرنا إليه، ودوافع لما يحكى عنه فيما يخالف معناه، وشاهد أن إنكاره إنما هو أن تكون النجوم علة موجبة، أو فاعلة مختارة أو مؤثرة بأنفسها، كما أبطلنا الذي أبطله من هذا و أوضحنا، ومعاذ الله أنه كان يستمر على ذلك السيد الفاضل إنكاره لما هو معلوم من صحة دلالات النجوم، في أصل الأمر كما روينا وذكرناه ههنا.
وقد وقفت بعد جميع ما ذكرته من مسألة سلار للسيد المرتضى قدس الله روحيهما وما أجبت واعتذرت له، على تعليقه بخط الصفي محمد بن معد الموسوي رضي الله عنه في مجلد عندنا الآن فيه عدة مصنفات أكثرها بخطه وأول المجلد " كتاب العلل " تأليف أبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي " ره " فقال في تعليقه ما هذا لفظه، وكان يقرأ على المرتضي علوم كثيرة منها النجوم، وحكي أن في بعض السنين أصاب الناس قحط شديد، وأن رجلاً يهودياً توصل في تحصيل قوت يحفظ به نفسه، فحضر مجلس المرتضى ليقرأ عليه النجوم فاستأذن فأذن له فأجرى له في كل يوم جراية فقرأ عليه برهة وأسلم بعد ذلك، أقول هذا يقتضي أن المرتضى قدس الله روحه كان اعتقاده على ما ذكره في آخر جوابه لسلار " ره " من التصديق بما يقتضيه الحساب من علم النجوم، وأنه صحيح وله أصول صحيحة وقواعد سديدة وأنه قد كان عالماً بهذا العلم و قائلاً بصحته ومفتياً بصواب التعلم له إنما كان ينكر ما أنكرنا من أن تكون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة ومؤثرة وإنما هي دلالات على الحادثات كما قال الحمصي وغيره وقلناه وقد استظرفنا ما أظرفنا الله تعالى به من أن السيد المرتضى كان منجماً أستاذاً في علم النجوم ومعاذ الله أن يكون منكراً لما يشهد العقل والنقل بصحته من سائر العلوم.(1/21)
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وقد تضمنت خطبة الأشباح المذكورة في " نهج البلاغة " المروية عن مسعدة بن صدقة بن صادق عليه السلام عن مولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه وسلم التي ما يحتاج لفظها الباهر ومعناها الظاهر إلى إسناد متواتر بل هي شاهدة لنفسها أنها من كلام مولانا عليه السلام ومن شريف أنفاسه المكملة في قدسها ما يقتضي تصديق ما رويناه من علمه بالنجوم وتصديق ما ذكرناه عن الذين قولهم حجة في العلوم، فقال عليه السلام في صفة السماء وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها وقمرها آية ممحوة من ليلها وأجراها في مناقل مجراهما، وقدر مسيرهما في مدارج درجهما ليميز بين الليل والنهار ويعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما ثم علق في جوفهما فلكها وناط به رتقها من خفيات درارها ومصابيح كواكبها ورمى مسترق السمع بثواقب شهبها، وأجراها على أدلال تسجرها من إثبات ثابتها ومسير سائرها وهبوطها وصعودها ونحوسها وسعودها، أقول فانظر إلى قوله عليه السلام ونحوسها وسعودها فإنك تعرف منه تصديق دلالة النجوم في النحوس والسعود ولو كانت النجوم مخلوقة في السماء على السواء وليس فيها دلالة على الأشياء ما كان لوصفها بالسعود والنحوس معنى عند العقلاء وأقول وفيها إشارات وتنبيهات منها وصف السماء بالضوء وتخوف الساعة التي من سار فيها حاق به السوء.
فأما ما روي أنه عليه السلام عارضه منجم في سفر النهروان وقال له لا يصلح لك الركوب في هذا الوقت فقال له عليه السلام: من صدقك بهذا فقد كذب القرآن واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروب وينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ريبة فإنك بزعمك هديته إلى الساعة التي فيها النفع ودفع الضرر ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدي به في برٍ أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة والمنجم كالكاهن والساحر في النار سيروا على اسم الله.فأقول بالله جل جلاله ولله: إن رأيت فيما وقفت عليه في كتاب " عيون الجواهر " تأليف أبي جعفر محمد بن بابويه رضوان الله عليه حديث المنجم الذي عرض لمولانا علي صلوات الله عليه عند مسيره للنهروان مسنداً وفي رجال روايته من لا يليق في منزلته العمل به والالتفات إليه. فقال ما هذا لفظه. حدثني محمد بن علي بن ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي القرشي عن نصر بن مزاحم المنقري عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن مينا عن وجزين الأحمر قال لما أراد أمير المؤمنين المسير إلى النهروان أتاه منجم، ثم ذكر حديثه أقول في هذا الحديث عدة رجال لا يعول علماء أهل البيت على روايتهم.
ويمنع من يجوز العمل بأخبار الآحاد من العمل بأخبارهم وشهادتهم منهم عمر بن سعد بن سعد بن أبي وقاص قاتل الحسين صلوات الله عليه فإن أخبارهم ورواياته مهجورة ولا يلتفت عاف بحاله إلى ما يرويه أو يسند إليه وقد أورد ابن بابويه رحمه الله أخباراً في هذه الطرق وطعن فيها وظهر منه أن المقصود بروايتها غير العمل بها وكان هذا الإسناد وهذا الطعن مغنياً عن زيادة عليه ولكنا نستظهر في تفصيل الجواب فأقول بالله والله جل جلاله أنني رأيت فيما وقفت عليه أيضاً أن المنجم الذي قال لمولانا علي صلوات الله عليه، هو عفيف بن قيس أخو الأشعث بن قيس ذكر ذلك المبرد، واعلم أنه لو كانت هذه الرواية صحيحة على ظاهرها لكان مولانا علي عليه السلام قد حكم في هذا على صاحبه الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنه من أصحابه أيضاً بإحكام الكفار أما بكونه مرتداً من الفطرة فيقتله في الحال أو برده إن كان عن غيره الفطرة ويتوبه أو يمتنع فيقتله.
لأن الرواية قد تضمنت أن المنجم كالكافر أو كان يجري عليه أحكام الكهنة والسحرة لأن الرواية تضمنت أنه كالكاهن والساحر وما عرفنا إلى وقتنا هذا أنه عليه السلام حكم على هذا المنجم صاحبه بإحكام الكفار ولا السحرة ولا الكهنة ولا أبعده ولا عزره بل قال سيروا على اسم الله تعالى والمنجم من جملتهم لأنه صاحبه وهذا يدلك على تباعد الرواية من صحة النقل أو يكون لها تأويل إلى غير ظاهرها موافق للعقل.(1/22)
ونحن نذكر فيما بعد حديث المنجم الذي عرض لمولانا عليه السلام أنه من دها قين المدائن لما توجه إلى الخوارج وأنه لما ظهر له منه عليه السلام المعرفة بعلم النجوم التي لم يدركها أهل العلوم أسلم الدهقان وصار من أصحابه وهي موافقة لما ذكرنا من الحجج المعقول والمنقول ومعارضة لهذه الرواية البعيدة من كلامه الباهر للعقول.
ومما نذكره من التنبيه على بطلان ظاهر هذه الرواية بتحريم علم النجوم. قول مولانا علي عليه السلام من صدقك فقد كذب القرآن واستغنى عن الاستعانة بالله فيعلم منه أن الطلائع في الحروب يدلون على السلامة من هجوم الجيوش وكثير من النحوس ويشرون بالسلامة وما لزم من ذلك ابتغاء أن يوليهم الحمد على دربتهم وأمثال ذلك كثير فيكون لدلالة النجوم أسوة بما ذكرنا من الدلالات على كل معلوم. يقول أبو القاسم على بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب. فأين هذه الرواية الضعيفة من احتجاجات مولانا علي صلوات الله عليه الشريفة التي يضيق مجال الاعتراض عليها وتقصر علوم العلماء غير النبي صلوات الله عليه وسلامه من الاهتداء إليها.
ومن التنبيه المظنون على بطلان ظاهر هذه الرواية أنا وجدنا في الدعوات الكثيرة التعوذ من الكهانة والسحر فلو كان المنجم مثلهم كان قد تضمن بعض الأدعية التعوذ منه وما عرفنا في الأدعية تعوذاً من المنجم إلى وقتنا هذا
ومن التنبيه المظنون على بطلان ظاهر هذه الرواية أن الدعوات تضمن كثير منها ومن غيرها في صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يكن كاهناً ولا ساحراً وما وجدنا إلى الآن فيها وما كان عالماً بالنجوم فلو كان المنجم كالكاهن والساحر ما كان يبعدان تتضمنه بعض الدعوات والروايات في ذكر الصفات ويكفي ما ذكرنا أولاً من الاعتراضات والدلالات لأهل الديانات.
الباب الثاني
في الرد على من زعم أن النجوم
علة موجبة أو فاعلة مختارة
أقول قد قدمت في خطبة هذا الكتاب من التنبيه على الصواب ومن الجواب. ما يكفي عند ذوي الألباب. وأنا أزيده تفصيلاً فأقول لو كانت الأفلاك والشمس والقمر والنجوم عللاً موجبات، وأن كلما في العالم صادر عنها من سائر الموجودات كان قد استحال أن يوجد في العالم حيوان مختار وقد علمنا بالضرورة والبديهة عند ذوي الاعتبار أن الإنسان فاعل مختار، بل علمنا كثيراً من الحيوانات أنها مختارة، لأن العلل والمعلومات وتضاد الأفعال المختارات، ولأنا وجدنا اختيارات الحيوانات مختارات في المرادات، فلو كانت صادرة عن مختار باختيار غير قادر على غيره ما أمكن وقوع الحيوانات المختلفة الاختيارات، فثبت أنها صادرة عن مختار لذاته قادر على كل اختيار يقدر أن يصدر عنه.(1/23)
وقال الشيخ الفقيه العالم الفاضل العارف بعلم النجوم المصنف بها عدة مصنفات أبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي رحمه الله في كتاب " كنز الفوائد " في الرد على من قال أن الشمس والقمر والنجوم علل موجبات ما هذا لفظه، أعلم أنهم سألوا عن مسألة حيرتهم وأظهرت عجزهم وأخرستهم فقيل لهم إذا كان سائر ما في العالم من النفع والضرر والخير والشر، وجميع أفعال الخلق والشمس والقمر والنجوم واجبة وهي علته وسببه وليس داخل الفلك غير ما أثرت ولا فعل لأحد يخرج به عما أوجبت، فما الحاجة إلى الإطلاع على الأحكام وأخذ الطوالع عند المواليد وعمل الزوايج وتحويل السنين، قالوا الحاجة إلى ذلك حصول العلم بما سيكون من حوادث السعود والنحوس، قيل لهم وما المنفعة بحصول هذا العلم؟ فإن الإنسان لا يقدر أن يزيد فيه سعد أولا ينقص منه نحساً مما أوجبه مولده، فهو كائن لا مغير له فمنهم من استمر على طريقه وبنى على أصله فقال ليس في ذلك أكثر من فضيلة العلم بالحادثات قبل كونها، فقيل له ما هذه الفضيلة المدعاة في علم لأنهال به مكتسبه نفعاً ولا يدفع به عن نفسه ولا عن غيره ضراً، وما هذا العناء في اكتساب مالا ثمر له؟ والجاهل به كالعالم في عدم المنفعة منه، وسئلوا أيضاً عن هذا الاكتساب وسببه؟ وهل الفلك موجبة أو غير موجبة؟ فلم يرد منهم ما يتشبث العاقل به، ومنهم من تعذر عليه عند توجه الإلزام، فأنزله الأحجام درجة عن قول أصحاب الأحكام، فقال بل للعلم تأثير في اكتساب نفع كثير وهو أن يتعجل الإنسان بالسعادة ويتأهب لها فيكون في ذلك مادة فيها ويتحرز من النحاسة ويتوفاها فيكون بذلك دفعاً لها أو نقصاً منها، فقيل له ما الفرق بينك وبين من عكس عليك قولك، فقال بل المضرة باكتساب هذا العلم حاصلة والأذية إلى معتقه وأصله وذلك أن متوقع السعادة والمسارة معه قلق المتوقع وحرقة الانتظار، ففكره متقسم وقلبه معذب يستعيد قرب الساعات ويستطيل قير الأوقات شوقاً إلى ما يرد وتطلعاً إلى ما وعد وفي ذلك ما يقطعه عن منافعه ويقصر به عن حركاته في مطامعه اتكالاً على ما يأتيه وتعويلاً على ما يصل إليه وربما أخلف الوعد وتأخر السعد فليست جميع مضرة فأما متوقع المنحسة، فلا شك أنه قد تعجلها لشدة رعبه بقدومها منغصة ونفسه متغصصة وقلبه عليل وتغممه طويل لا يهنيه أكل ولا شرب وربما كان احترازه لا ينتفع فهذا القول أشبه بالحق مما ذكرتم وهو شاهد نطالبكم بشيء من موجبه ونعود إلى دعواكم التي ذكرتموها فنقول سائلين السعد الواصل وعن هذا الاحتراز من المنحسة والتأني من المضرة والمهلكة خارج مضاف في الحقيقة إلى اختيار الحي القادر فرأوا أنهم إن قالوا مما ذلك سواء أطلع الإنسان على أحكام النجوم أم لم يطلع، وسواء عليه اهتم لمولده وتحويل سنته أم لم يهتم؟ فعرجوا عن هذا وقالوا أن أفعالنا منفصلة عما يوجبه الفلك فينا، فتصح بذلك الزيادة والنقصان الذي قلنا، قيل لهم لقد نقضتم أصولكم وخرجتم عن قوانين علمائكم فيما أقررتم به من جواز أفعال يحيط بها الفلك ليست حادثة من جهته ولا من تأثير كواكبه وما نراكم قنعتم بهذا الإقرار حتى جعلتم الأفعال البشرية واقعة لما توجب إلا قضية المنجومية ومانعة مما تؤثر الحركات الفلكية بقولكم أن الإنسان يمكن أن يحترز من المنحسة فيدفعا، أو ينقص منها ما سلطته لها فلولا أن فعله أقوى واحترازه أمضى لم يرفع عن نفسه سوءاً ثم سئلوا أيضاً فقيل لهم إذا سلمتم أن أفعال العباد مختصة بهم، وليست مما توجبه النجوم فيهم وأنتم مع هذا تقولون للإنسان أحذر على مالك من طروق سارق، فقد أقررتم أن حذره من تأثير المختص به فأخبرونا الآن عن طروق السارق وما الموجب له فإن قلتم النجوم رجعتم عما أعطيتم ورددتم إليها أفعال العباد ونافيتم وأن قلتم أن طروق السارق مختص به ولا موجب له غير اختياره أجبتم بالصواب وقيل لكم فما نرى للنجوم تأثيراً في هذا الباب واعلم أيدك الله أنهم لم يبق لهم ملجأ إلا أن ينزلوا عن قول أصحابهم درجة أخرى، فيقولون أن النجوم دالة وليست بفاعلة، وعلامة غير ملجئة فإذا قالوا ذلك انصرفوا عمن يقول أنها موجبة قادرة وأبطلوا دعواهم أنها مدبرة وقيل لهم أفتقولون كل أمر تدل عليه فإنه سيكون لا محالة فإن قالوا نعم نقضوا ما تقدم وإن قالوا قد يجوز أن يحرم تداولها ويحرم ما دلالته عليه مهما لم(1/24)
تبق بعد هذا درجة ينتهون إليها واقتصروا على مقالة لا يضرك مناقشتهم فيها، وأنا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم ونكت من إفساد استدلالهم والأغلاط التي تمت عليهم فاتخذوها أصولاً لأحكامهم أعلم أن تسمية البروج الأثني عشر بالحمل والثور والجوزاء إلى أخرها لا أصل لها ولا حقيقة وإنما وضعا الراصدون لهم متعارفاً بينهم وكذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج الإثني عشر وغيرها والجميع ثمان وأربعون صورة، عندهم مشهورة، وعلماؤهم معترفون بأن ترتيب هذه ووضعه حذقهم الراصدون لها، وقد ذكر أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي ذلك وهو من جلتهم وله مصنفات لم يعمل مثلها في علمهم، الأوائل منهم الكواكب وأنهم رتبوها في المقادير والعظم لست مراتب وجدوا من هذه الكواكب التي رصدوها تسعمائة وسبعة عشر كوكباً وهو أنهم وجدوا من هذه الكواكب التي رصدوها تسعمائة وسبعة عشر كوكباً ينتظم منها ثمان وأربعون صورة كل صورة تشتمل على كواكبها، وهي الصور الكرة وبعضها على منطقة البروج التي في طريقة الشمس والقمر والكواكب السريعة السير وبعضها في النصف الجنوبي ثم سموا كل صورة باسم الشيء المشبه لها بعضها على صورة الإنسان مثل كواكب الجوزاء وكواكب الجاثي على ركبتيه، وبعضها على صورة الحيوانات البرية والبحرية مثل الحمل والثور والسرطان والأسد والعقرب والحوت والدب الأكبر والدب الأصغر، وبعضها خارج من شبه الإنسان وسائر الحيوانات مثل الإكليل والميزان والسفينة، وليس ترتيبهم لها وتسميتهم إياها وما فعلوه فيها لدليل وذكر عذرهم في ذلك فقال، وإنما أنهوا هذه الصور وسموها بأسمائها وذكروا كوكباً من كل صورة، ليكون كوكب اسم يعرف به إذا أشاروا إليه، وذكروا موضعه في الصورة وموقعه في فلك البروج ومقدار عرضه في الشمال والجنوب على الدائرة التي تمر بأوساط البروج، لمعرفة أوقات الليل والنهار والطالع في كل وقت وأشياء عظيمة المنفعة تعرف بمعرفة هذه الكواكب، وهذا آخر الفصل من كلامه في هذا الموضع وهو دليل الوجوب والاستحقاق، وإنما هي اصطلاح واختيار، ولو عزب عن ذلك الأحكام مستخرجاً من هذه الصور والأشكال، ومنتسباً إلى الأسماء الموضوعة والألقاب. حتى إنهم على ما ذكروه على نحو واجب ودليل عقل ثابت، فقالوا إن الحكم على الكسوف، على ما حكاه ابن هبنتي عن بطليموس، أنه إن كان البرج الذي يقع فيه الكسوف من ذوات الأجنحة مثل العذراء والرامي والدجاجة والنسر الطائر وما أشبهها فإن الحادث في الطير الذي يأكل الناس، وإن كان الحيوان مثل السرطان والدلو فإن الحادث في الحيوانات البحرية أو النهرية، وهذه فضيحة عظيمة، وحال قبيحة أفما يعلم هؤلاء القوم أنهم هم الذين جعلوا ذوات الأجنحة بأجنحة والصور البحرية بحرية، وأنهم لولا ما فعلوه لم يكن شيء مما ذكروه فكيف صارت أفعالهم التي ابتدعوها وتشبيهاتهم التي وضعوها موجبة لأن يكون حكم الكسوف مستخرجاً منها وصادراً عنها، وهذا يؤدي إلى أنهم المدبرون للعالم وأن أفعالهم سبب لما توجبه الكواكب. بق بعد هذا درجة ينتهون إليها واقتصروا على مقالة لا يضرك مناقشتهم فيها، وأنا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم ونكت من إفساد استدلالهم والأغلاط التي تمت عليهم فاتخذوها أصولاً لأحكامهم أعلم أن تسمية البروج الأثني عشر بالحمل والثور والجوزاء إلى أخرها لا أصل لها ولا حقيقة وإنما وضعا الراصدون لهم متعارفاً بينهم وكذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج الإثني عشر وغيرها والجميع ثمان وأربعون صورة، عندهم مشهورة، وعلماؤهم معترفون بأن ترتيب هذه ووضعه حذقهم الراصدون لها، وقد ذكر أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي ذلك وهو من جلتهم وله مصنفات لم يعمل مثلها في علمهم، الأوائل منهم الكواكب وأنهم رتبوها في المقادير والعظم لست مراتب وجدوا من هذه الكواكب التي رصدوها تسعمائة وسبعة عشر كوكباً وهو أنهم وجدوا من هذه الكواكب التي رصدوها تسعمائة وسبعة عشر كوكباً ينتظم منها ثمان وأربعون صورة كل صورة تشتمل على كواكبها، وهي الصور الكرة وبعضها على منطقة البروج التي في طريقة الشمس والقمر والكواكب السريعة السير وبعضها في النصف الجنوبي ثم سموا كل صورة باسم الشيء المشبه لها بعضها على صورة الإنسان مثل كواكب الجوزاء وكواكب الجاثي على ركبتيه، وبعضها على صورة الحيوانات البرية والبحرية مثل الحمل والثور والسرطان والأسد والعقرب والحوت والدب الأكبر والدب الأصغر، وبعضها خارج من شبه الإنسان وسائر الحيوانات مثل الإكليل والميزان والسفينة، وليس ترتيبهم لها وتسميتهم إياها وما فعلوه فيها لدليل وذكر عذرهم في ذلك فقال، وإنما أنهوا هذه الصور وسموها بأسمائها وذكروا كوكباً من كل صورة، ليكون كوكب اسم يعرف به إذا أشاروا إليه، وذكروا موضعه في الصورة وموقعه في فلك البروج ومقدار عرضه في الشمال والجنوب على الدائرة التي تمر بأوساط البروج، لمعرفة أوقات الليل والنهار والطالع في كل وقت وأشياء عظيمة المنفعة تعرف بمعرفة هذه الكواكب، وهذا آخر الفصل من كلامه في هذا الموضع وهو دليل الوجوب والاستحقاق، وإنما هي اصطلاح واختيار، ولو عزب عن ذلك الأحكام مستخرجاً من هذه الصور والأشكال، ومنتسباً إلى الأسماء الموضوعة والألقاب. حتى إنهم على ما ذكروه على نحو واجب ودليل عقل ثابت، فقالوا إن الحكم على الكسوف، على ما حكاه ابن هبنتي عن بطليموس، أنه إن كان البرج الذي يقع فيه الكسوف من ذوات الأجنحة مثل العذراء والرامي والدجاجة والنسر الطائر وما أشبهها فإن الحادث في الطير الذي يأكل الناس، وإن كان الحيوان مثل السرطان والدلو فإن الحادث في الحيوانات البحرية أو النهرية، وهذه فضيحة عظيمة، وحال قبيحة أفما يعلم هؤلاء القوم أنهم هم الذين جعلوا ذوات الأجنحة بأجنحة والصور البحرية بحرية، وأنهم لولا ما فعلوه لم يكن شيء مما ذكروه فكيف صارت أفعالهم التي ابتدعوها وتشبيهاتهم التي وضعوها موجبة لأن يكون حكم الكسوف مستخرجاً منها وصادراً عنها، وهذا يؤدي إلى أنهم المدبرون للعالم وأن أفعالهم سبب لما توجبه الكواكب. 2(1/25)
ولم يقنع ابن هبنتي بهذه الجملة، حتى قال في كتابه المعروف بالمغني وهو كتاب نفيس عندهم، قد جمع فيه عيون أقوال علمائهم وذوي الفضيلة منهم رأيته بدار العلم في القاهرة بخط مصنفه، قال إن وقع الكسوف في المثلث في أي الدرج التي تحتوي عليه، دل ذلك على فساد أصحاب الهندسة والعلوم اللطيفة، وهذا المثلث أيدك الله هو من كواكب الصورة التي ألفوها وخارج عنها، فكيف صار الحكم مختصاً هذا دونها وما المهالك، قال ابن هنني وإن كان الكسوف في الكأس، دل على فساد الأشربة وهذا أعجب من الأول وذلك أن الكأس عندهم من سبعة كواكب شبهوها بالكأس وبالباطية أيضاً فإن كان الحكم الذي ذكروه إنما اختص بذلك من أجل التشبيه والتسمية فإن هذه الكواكب بأعيانها قد شبهتها بالمعلف وسميتها بهذا الاسم، فيكف صار تشبيه المنجمين وتسميتهم لها بالكاس أولى من أن يكون تشبيه العرب لها بالمعلف، وتسميتهم لها بهذا الاسم موجباً لانصراف الحكم فيها إلى الدواب، اللهم إلا أن يقولوا أن المعول على تشبيهها للمنجمين دونهم فلا اعتراض. قال ابن هنبي وقد شاهدنا بعض الحذاق من أهل هذه الصناعة قد نظر في مولد إنسان من الأصاغر فوجد النسر الطائر في درجة وسط السماء، فقال يكون بإزاء دار الملك وزعم أن الأمر كما ذكر، وهذا يؤكد ما ذكرناه من تعويلهم على الأسماء والصور المعروفة من اصطلاح البشر.(1/26)
وقد اطلعت أنا في مولد فوجدت فيه الكواكب التي يقولون أنها النسر الطائر في وسط السماء فلم يدل من حال صاحبه على نظيرها، قال ابن هبني وكان هذا الرجل فقيراً فأثرى، ولم أره قط إلا ما قتل أنواع الطير غير معتبر لشيء منها في حالتي الفقر والغنى، فإن صدق ابن هبني فيما ذكر فما هو إلا عن شيء لا أصل له، يصح بعضه فيوافق الظنون، ويبطل بعضه فلا يكون، فإن كان اختلافه في حال لا يدل على بطلان حكمهم، فاتفاقه في حال أخرى لا يدل على صحة حكمهم وجزمهم ومن هذيانهم أيضاً الموجود في عيون كتهم، والمأثور من أحكامهم قولهم أن الحمل والثور يدلان على الوحوش وكل ذي ظلف، والجدي مشترك بينهما، والأسد والنصف الأول من القوس يدلان على كل ذي ناب ومخلب، وإنما ذكروا نصف القوس، لأن صورته التي ألفوها وشبهوها صورة دابة وإنسان فجعلوا النصف الأول للوحوش والنصف الآخر للناس قالوا والسرطان والعقرب يدلان على حشرات الأرض والثور للغرس والسنبلة للبذر، وهذا كله قياس على الصور والأسماء التي لم يوجبها العقل ولا أتاهم بها خبر من الله تعالى في شيء من النقل، وإنما هو من اختيارهم وقد كان يمكن غيره ويجوز خلافه وتركه، قالوا ومن يولد برأس الأسد يكون فتن الغم، فمن شبهة تلك الكواكب بصورة الأسد غيركم؟ ومن سماها بهذا الاسم سواكم، وكيف لم تقولوا أنها الكلب، أو تشبهوها بغير ذلك من دواب الأرض، هذا أيدك الله والصور عندهم لا تثبت في مواضعها ولا تستقر على إقامتها، فصورة الحمل التي يقولون أنها أول البروج قد تنتقل إلى أن تصير البرج الثاني ويصير البرج الأول الحوت، وهذا بخلاف ما يتحرك بها الفلك، والخمسة المضافة إلى الشمس والقمر هي السريعة السير، وحركاتها مختلفة في الإبطاء والسرعة، وبقية الكواكب متحرك عندهم بحركة واحدة خفيفة بطيئة، ولخفاء حركتها سموها الثابتة وعلى رأي بطليموس ومن قبله في كل مائة سنة تتحرك درجة واحدة وعلى رأي أصحاب سمين ومن رصده في أيام المأمون وحسب في كل مواضع هذه الصور التي كانت على منطقة فلك البروج كانت منذ ثلاثة آلاف سنة على غير هذه الأجسام، وأن صورة الحمل كانت في القسم الثاني عشر وصورة الثور كانت في القسم الأول، وكان يسمى القسم الأول من البروج الثور والثاني الجوزاء والثالث السرطان، ولما جددت الأرصاد في أيام طيموخارس وجدوا صورة الحمل قد انتقلت إلى القسم الأول من القسم الثاني عشر الذي هو بعد منطقة التقاطع، فغيروا أسماؤها فسموا القسم الأول الحمل والثاني الثور والثالث الجوزاء، قال ولا يخالفنا أحد في أن هذه الصور تنتقل بحركاتها على مر الدهور من أماكنها حتى تصير صورة الحمل في القسم السابع الذي للميزان، والميزان في القسم الأول الذي هو للحمل، فيسمى أول البروج الميزان والثاني العقرب، ثم مر في كلامه موضحاً عما ذكرناه من تنقلها الموجب لتغير أسماء بروجها وهم مجمعون على أن الكوكبين المتقاربين المعروفين بالشرطين على قرني الحمل هما أول منازل القمر، فيجب أن يكون أول البروج الاثني عشر، ومن أمتحنهما في وقتنا هذا " وهو سنة ثمان وعشرين وأربعمائة للهجرة " الموافقة لسنة ألف وثلثمائة وثمان وأربعين لذي القرنين، وجد أحدهما في عشرين درجة من الحمل والآخر في إحدى وعشرين منه أعني من البرج الأول ويعرف ما ذكرته من كانت له خبرة وعناية بهذا الأمر، فأي برج من البروج الإثني عشر يبقى على صورة واحدة، وكيف ثبت الحكم الأول بأنه دال على الوحوش وعلى كل ذي ظلف، وقد انتقلت إليه أكثر صورة الحوت وكذلك حال جميع البروج، فأفهم هذا فإنه طريف
ومن عجيب غلطهم في الأسماء الدالة على عدم معرفتهم بمعانيها أنهم سمعوا العرب التي تسمي الكواكب التي عن جنوب التوأمين الجوزاء فلم يفهموا هذا الاسم وظنوا أنه مشتق من الجوز الذي يؤكل فرأوا من الرأي أن يسموا النسر الواقع مع الكواكب الغريبة من اللوز قياساً على الجوزاء، وهذا من الغاية في الجهل والعناد، وليس تقوله إلا شيوخهم ومصنفوا الكتب منهم، ومن أطلع في ذكرهم الصور الثمان والأربعين وقف على صحة ما حكيته عنهم، فهل سمع أحد قط بأعجب من هذا الأمر وقف على صحة ما حكيته عنهم، فهل سمع أحد قط بأعجب من هذا الأمر.(1/27)
وإنما سمت العرب هذه الكواكب بالجوزاء لتوسطها إذا ارتفعت أو لأنها تشبه رجلاً في وسطه منطقة، فاشتقوا لها أسماً من التوسط يقولون جوز الفلا يعنون وسطه، ومن قولهم الدال على فساد أحكامهم أن كل درجة من درج الفلك ستون دقيقة وكل دقيقة ستون ثانية وكل ثانية ستون ثالثة، وهكذا إلى ما لا نهاية له، ولكل جزء ممن هذه الأجزاء التي تنحصر حكم مختص به ولا ينضبط فكيف يصح الحكم على هذا الأصل وليس في أيديهم إلى الجمل التي تفاضلها يختلف وقد ولد لي ولدان توأمان ليس بين ظهورهما من الفرق والزمان بقدر ما يبين الإسطرلاب فاشتركا في درجة واحدة من طالع واحد في نصبه، ولم يدرك فيها التغيير ولو قلت أنهما اشتركا في الدقيقة لصدقت، فلما رأيت ذلك قلت هذه حالة في الجملة قد اتفقت فيها النصبة، وفي غاية ما يمكن إدراكه بالآلة فإن الحكم على الحمل يوجب أن تكون حالة هذين المولودين متماثلة، فلا والله ما تماثلت صورتهما ولا أحوالهما ولا صحتهما من سقمهما ولقد مات أحدهما بعد ولادته بأيام، ومات الآخر وامتدت بعمره الأعوام، أسأل الله السعد التام، ولقد سألت بعضهم عن هذا الحال، فقال لي النمو دار يحرج لك الفرق بين المولودين، فقلت له الذي عرفت من علمائكم أنهم لا يقولون على النمو دار إلا عند الرصد، وإذا كان الرصد ههنا لم يخط الحقيقة ولا أتاه الفرق فبان بأن لا يعطيه النودار بعد الرصد وقلت له أيضاً لست أشك في كثرة الاختلاف بينكم في كل أصل وفرع وعلى كل وجه فإنما يعمل النمو دار بين الساعات سواء كانت عند رصد لو حزر، وقد كانت ولادة هذين التوأمين في ساعة واحدة لم يصح فيها الفرق، فما الحيلة في هذا الأمر؟ فخلط في ذلك ولم يأت بشيء يفهم
واعلم أيدك الله أن نموداروا ليس يخالف نمودار بطلميوس ونمودار الفرس يخالفهما جميعاً، وليس في ذلك ما يتفق عليه ولا يؤدي إلى أمر متفق ولا يدل على صحة واحد منها العقل وجميعها دعاواي لا يعلم لها أصل، ولو تتبعت مواضع اختلاطهم وذكرت ما أعرفه من تناقض أصولهم المبطلة لأحكامهم، لخرجت عن الغرض في الاختصار، وفيما أوردته غني عن الإكثار(1/28)
وأنا أذكر لك بعد هذا مقالتنا في النجوم وما نعتقده فيها لتعرف الطريقة في ذلك فتعتمد عليها، اعلم أيدك الله أن الشمس والقمر والنجوم أجناس محدثة من جنس هذا العالم مؤلفة من أجزاء تحللها الأغراض وليست فاعلة في الحقيقة ولا ناطقة ولا حية قادرة،وقال شيخنا المفيد رضوان الله عليه أنها أجسام نارية فأما حركاتها فهي فعل الله تعالى فيها وهو المحرك لها وهي من آيات الله الباهرة لخلقه وزينة في سمائه وفيها منافع لعباده لا تحصى وبها لا يهتدي السائرون براً وبحراً قال الله تعالى " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " وفيها للخلق مصالح لا يعلمها إلا الله تعالى فأما التأثير المنسوب إليها، فإنا لاندفع كون الشمس والقمر مؤثرين في العالم ونحن نعلم أن الأجسام وإن كان لا يؤثر أحدها على بالآخر إلا مع مماسة بينهما بأنفسهما أو بواسطة فإن الشمس و القمر شعاعاً متصلاً بالأرض وما عليها يقوم مقام المماسة وتصح به الحادثة، من ذا الذي كان ينكر بتأثير الشمس والقمر وهو مشاهد؟ وإن كان تأثير الشمس أظهر للحس وأبين من تأثير القمر في الأزمان والبلدان والنبات والحيوان وأما غيرهما من الكواكب فلسنا نجد لها تأثيراً يحس ولا نقطع على وجوبه بالعقل وهو أيضاً ليس من الممتنع المستحيل بل هو من الجائز في العقول لأن لها شعاعاً متصلاً في الأرض وإن كان من دون شعاع الشمس والقمر فغير منكران يكون لها تأثير خفي على الحس خارج عن أفعال الخلق فإن كان لها تأثير كما يقال فتأثيرها مع تأثير الشمس والقمر في الحقيقة من أفعال الله تعالى، وليس يصح إضافته إليها إلا على وجه التوسع والتجوز كما نقول أحرقت النار وبرد الثلج وقطع السيف وشج الحجز، وكذلك قولنا أحمت الشمس الأرض ونفعت الزرع، وفي الحقيقة أن الله أحمى لها ونفع، ومما يدل على أن الله تعالى يشغل شيئاً بشيء، قوله سبحانه " هو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً سقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات وكذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " وليس فيما ذكرناه رجوع إلى قول صاحب الأحكام ولا قول بما أنكرناه عليهم في متقدم الكلام لأن أنكرنا عليهم إضافة تأثيرات الشمس والقمر إليهما من دون الله سبحانه وقطعهم على ما جاوزنا من تأثيرات الكواكب بغير حجة عقلية ولا سمعية وإضافتهم إليها جميع الأفعال في الحقيقة مع دعواهم له الحياة والقدرة، وأنكرنا أن تكون الشمس والقمر أو شيء من الكواكب موجباً من أفعالنا بشهادمة العقل الصحيح، فإن أفعالنا لو كانت مخترعة فينا أو كانت عن سبب أو جبهة من غيرنا لم تصح بحسب قصودنا وإراداتنا، ولو كان فرق بينها وبين جميع ما يفعل فينا من صحتنا وسقمنا وتأليف أحسامنا وحصول الفرق لكل دلالة على اختصاصها بنا وبرهان واضح، بأنها حدثت من قدرتنا وأنه لا سبب لها غير اختيارنا، وأنكرنا عليهم قولهم أن الله تعالى لا يفعل في العالم فعلاً إلا والكواكب دالة عليه، فإن كل شيء يدل عليه لابد من كونه، وهذا باطل، يثبت لها تأثيراً أو دلالة، فن الله أجرى تلك العادة وليس يستحيل منه تغيير تلك العادة لما يراه من المصلحة، وقد يصرف الله تعالى السوء عن عبده بدعوة، ويزيد في أجله بصلة رحم أو صدقة، فهذا الذي ثبتت لنا عليه الأدلة، وهو الموافق للشريعة وليس هو بملائم لما يدعيه المنجمون والحمد لله، وأنكرنا عليهم اعتمادهم في الأحكام على أصول مناقضة، ودعاوي مظنونة متعارضة وليس على شيء منها بينة فإن كان لهذا العلم أصل صحيح على وجه يسوغ في العقل ويجوز فليس هو ما في أيديهم، ولا من جملة دعا ويهم، وقد قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه أن الاستدلال بحركات النجوم على كثير مما سيكون ليس يمتنع العقل منه ولا يمنع أن يكون الله عز وجل علمه بعض أنبياءه وجعله علماً على صدقة هذا آخر ما ذكره الكراجكي رضوان الله عليه في كتابه ونعتقد أنه اعتمد عليه ،وقد قدمنا نحن فصلاً منفرداً حكينا فيه كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله جل جلاله عليه في كتابه المسمى كتاب أوائل المقالات، ونبهنا على ما فيه الموافقة لنا على أن النجوم يصح أن تكون دلالة على الحادثات، وأنها من العلوم من المباحات.(1/29)
يقول أبو القسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب ومن أبلغ ما وقفت عليه في معارضة المنجمين في تصانيف متأخري علماء الأصحاب ممن وصل العراق للحج وألزمه جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه ونور ضريحه بالإقامة سنة وقرأ عليه وبالغ في الإحسان إليه، وكلامه عندنا الآن في مجلد فيه مهمات المسائل قد سأله عنها جملة من الأعيان وعليها خطه رحمه الله بأيها قرأت عليه، وقد اعترف أيضاً بما يتعلق في النجوم من جهة الحساب وأنكر كون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة أو مؤثرة كما قررناه سواء فقال في صحة حساب النجوم ما هذا لفظه، وأقول إنا لا نرد عليهم فيما يتعلق في الحساب من تسيير النجوم واتصالاتها التي يذكرونها فإن ذلك مما لا يهمنا ولا هو مما يقابل بإنكار ورود، وأقول أنا فهذا منه رحمه الله بأن حسابها لا يقابل بإنكار وردود، ثم قال لما انتهى إلى أبطال أن النجوم علة أو مختارة وذكر وجوهاً صحيحة لكنها على طريقة المتكلمين في إطالة الألفاظ والتعقيد على السامعين، والذي ذكرناه في كتابنا هذا من أبطال كونها علة مختارة واضح للخواص والعوام قريب إلى الإفهام، وزاد في إبطال كون النجوم علة ما معناه أن قال ويبطل بكل ما يبطل دعوى المجبرة بأننا غير مختارين وذكر من جواباته هو وطرقه في أن النجوم ما هي علة موجبة ولا فاعلة مختارة ما لا حاجة إلى ذكره والذي ذكرناه ما يحتاج إلى تعب عند العارفين ثم لما أبطل أحكام النجوم لكونها علة و مختارة سأل نفسه فقال ما هذا لفظه فإن قيل كيف تنكرون وقد علمنا أنهم يحكمونا بالخسوف والكسوف ورؤية الأهلة ويكون الأمر على ما يحكمون في ذلك. وكذا يخبرون عن أمور مستقبلة تجري على الإنسان فتجري تلك الأمور عنها فمع الوضوح للأمر الذي ذكرناه كيف تدفع الأحكام ثم قال رحمه الله في الجواب ما هذا لفظه، قلنا إن أخبارهم في الخسوف ورؤية الأهلة ليس من بال الأحكام وإنما هو من باب الحساب لأنهم يعمون من طريق الحساب أن الشمس متى يكون هذا باجتماعها مع القمر في موضع إحدى العقدتين الرأس والذنب، يرتفع هناك العرض بينهما فتتوسط الأرض بينهما فينقطع نور الشمس عنه فيبقى بلا ضوء، إذ هو يستمد الضوء والنور من الشمس وذلك هو الخسوف، ويعلمون من طريق الحساب أيضاً مقدار أقل الأبعاد بين الشمس والقمر عند انصرافه عن المحاق الذي يكون القمر معه مرئياً ولا يكون بدونه مرئياً فيخبرون به، وهذا من باب الحساب من باب الحكم إنما الحكم أن يقولوا إن كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا وكذا، أقول لعل الشيخ العالم الحمصي رحمه الله اكتفى بهذا الكلام لما قدمناه، وإلا فكيف يقول مثله مع فضله أن هذا ليس من هذا الباب وقد قال حكموا في حسابهم بالخسوف والكسوف ورؤية الأهلة في وقت معين يصح الحكم بذلك، وأنا قوله إنما الحكم أن يقولوا إذا كان خسوف أو كسوف كان من الحوادث كذا وكذا، فأقول أن هذا الذي ذكره يكون حكمه حكم الأول وفرعاً عليه، وكلاهما يسمى حكماً عند الإنصاف مع أنهم يحكمون بحوادث عند الخسوف والكسوف، فلا أرى كلامه في هذا الباب متناسباً لما كان عليه من العلوم المشهورة بين ذوي الألباب إلا أن بكون له كلام ولم نره، وما ذكرناه ها هنا فليس بصواب، ثم قال الحمصي رحمه الله: ما هذا لفظه؟ فأما الأمور المستقبلة التي يخبرونا عنها، فأكثرها لا يقع على ما يقولون منها وإنما يقع قليل منه بالاتفاق، ومثل ذلك يقع لأصحاب الفأل والزجر الذين لا يعرفون النجوم بل للعجائز اللاتي يتناقلن الأحجار، والذي قد يخبر به المصروع، وكثيراً من ناقصي العقول عن أشياء فيتفق وقوع ما يخبرونا عنه، أقول وهذا أيضاً يستحيل أن يكون ذكره معتقداً أنه كاف في الرد عليهم لأن المنجمين من معلوم حالهم أن الذي يخبرون عنه في المتقبل بالحساب على نحو الطريق الواجبة في الخسوف والكسوف، فكيف ينسب بعضها إلى التحقيق والوفاق، وبعضها إلى الاتفاق، كما يتفق للمصر وع أو ناقصي العقول وهذا مالا يرتضي من يعرفه أن ينسب إليه، ولعله رحمه الله قال لعذر أو غلط ناسخه، وقد تقدم فيما حكيناه عن الإهليلجة عن مولانا الصادق صلوات الله عليه، أن علم النجوم يستحيل أن يكون عن تجربة أو عادة، ولا يصح أن يكون تعليمه من غير الله على لسان أنبيائه عليهم السلام.(1/30)
ومما يدل على موافقته لنا وأن هذه المسألة ذرها على نحو ما سأل السائل المرتضى رضي الله عنه في النجوم، ما ذكره في الجزء الثاني من التعليق العراقي عند ذكره معجزات النبي صلوات الله عليه بتعريفه للغائبات فقال محمود بن علي بن الحسن الحمصي فيما يذكره مما يختص بالنجوم ونذكره بلفظه فإن قيل أليس المنجم يخبر عن أمور فتوجد تلك الأمور على ما يخبر بها ثم قال في الجواب قلنا المنجم يقول ما يقول ولا يخبر عما يخبر عنه إلا عن طريق وذلك لأنه تعالى جعل اتصالات النجوم وحركاتها دلالات على ما يحدث فمن أحكم العلم بها أمكنه الوقوف عليها أما بعلم أو ظن، وليس هذا من الأخبار عن الغيوب ومعلوم من حال رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم أنه ما كان تعلم من هذا العلم شيئاً ولا أهم به ولا رأى كتبه قط يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وهذا الذي ذكره الحمصي صورة ما حققناه وهذا كتاب التعليق العراقي صنفه أيام مقامه في خدمة جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه ليكون بدلاً عن صاحبه رضي الله عنه إذا توجه إلى وطنه في بلد العجم، وسمعت من اعتمد عليه يقول أنه ما ذكر فيه إلا ما كان جدي معتقداً له ولذلك كلفني جدي ورام رضي الله عنه بحفظ هذا الكتاب المشار إليه، فأما قول الحمصي رضي الله عنه ومعلوم من حال رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم أنه ما كان تعلم شيئاً فلعله بالتاء فوقها نقطتان فإن علمه صلوات الله عليه كان من الله عز وجل ولعل الناسخ سقط من لفظه كلمة قبل تعلم من هذا العلم شيئاً وهو قد أو نحوها وإلا فقد كان نبينا صلوات الله عليه عالماً بجميع علوم الأنبياء والمرسلين بغير خلاف فيما أعلم من المسلمين، وهذا علم النجوم أهله مجمعون أنه من علومه وجماعة من الأنبياء عليه السلام وغيرنا بعض ما وقفنا عليه، وإنما معجزة نبينا أنه علم بذلك العلم وغيره من علوم الأنبياء بغير تعليم أحد من البشر بل من سلطان الأرض والسماء فعلى ما ذكرنا عنه بلفظه في مسألته يكون له عذر يليق بما حكيناه عنه في التعليق في عقيدته وقال رحمه الله في تمام المسألة المذكورة في غير التعليق ومن جيد ما يبطل به قوله أن تقول لأهل الأحكام خذ الطالع واحسب وأمعن النظر فيه واحكم أأفعل هذا أم لا أفعله، تشير بذلك إلى أي شيء يعرض لك فإن حكم أنك تفعله فلا تفعله، أو أنك لا تفعله فافعله فتخالفه، أقول أنا وهذا أيضاً قد استعظمت قدره أن يعتقد جودة هذا القول في الرد على جميع أصحاب الأحكام فإنما هذا يرد على من يدعي أن النجوم علة موجبة وأما من يقول أن النجوم جعلها الله المختار لذاته دلائل على السعود والنحوس والحوادث، فإنه يقول لشيخنا الحمصي زيادة عما قدمناه من جواب المرتضى قدس الله روحه أن حكمه بأنك إن فعلت أمراً كان سعادة لك لا يمنع أنك تخالفه ويكون نحوساً لك كما أن الله جل جلاله دل على طاعته وهي سعادة لعباده، فاختار خلق منهم النحوس لمخالفته، ويكون المنجم قد اطلع بمقدار علمه على ما حكم به ولم يطلع على حده وقد تقدم تمام هذا الجواب في جوابنا المرتضى تغمده الله برحمته واعلم أنه يقتضي لهذا الشيخ المعظم الحمصي رضوان الله عليه أن معتقد لصحة النجوم والحساب، وهذه موافقة لما حررناه ودللنا عليه في هذا الكتاب، وهو من أواخر من تخلف من العلماء الموصوفين وأفضل من انتفع بالقراءة عليه أهل العراق من المتكلمين وكان جدي ورام قدس الله روحه ونور ضريحه أيرجحه على غيره من العلماء ويفضل تصنيفه على من لا يجري مجراه من الفضلاء، وقد كان تحقيقه لهذه المسألة في علم النجوم في الجزء الثاني من " التعليق العراقي " كما حكيناه عن لفظ تحقيقه في حياة جدي ورام في دار ضيافته تغمده الله برحمته دليلاً على أن جدي ورام رضوان الله عليه كان قائلاً به ومعتقداً لما أشار الحمصي إليه، لأنه لم يصنف بالعراق ما يخالف جدي فيه، وخاصة في علم النجوم الذي صار من مهمات ما ينبغي كشفه والدلالة عليه، كما تقدم في إشارتنا إليه، وأقول أما قوله رحمه الله أن أكثر ما يحكمون به في المستقبل لا يقع فإن الحساب يختلف حاله عند ذوي الألباب، فأل مراتبه سبل على الحاسبين، فإذا ارتفع الحاسب في طرق الحساب أمكن الغلط فيه وذلك بخلاف أوائل مراتبه، وهذا لا يخفي التفاوت فيه على من أنصف في الجواب، أما ترى الفرائض إذا كان(1/31)
مسائلها في أوائل حسابها سهل ذلك على الناظرين في أبوابها وإذا تناسخت وارتفعت سهام الوارثين أمكن غلط الحاسبين واحتاجت إلى الماهرين في علم الفرائض والناقدين فكذا حل ما دل عليه حساب النجوم، يسهل القريب منه فيدل على التحقيق باليقين، ويصعب البعيد منه فيقع فيه الغلط على الحاسبين، وقد ذكرنا في كتابنا هذا وجوهات أسباب غلطهم وأوضحنا جوابهم عن ذلك للمنصفين. في أوائل حسابها سهل ذلك على الناظرين في أبوابها وإذا تناسخت وارتفعت سهام الوارثين أمكن غلط الحاسبين واحتاجت إلى الماهرين في علم الفرائض والناقدين فكذا حل ما دل عليه حساب النجوم، يسهل القريب منه فيدل على التحقيق باليقين، ويصعب البعيد منه فيقع فيه الغلط على الحاسبين، وقد ذكرنا في كتابنا هذا وجوهات أسباب غلطهم وأوضحنا جوابهم عن ذلك للمنصفين. 2
وقال رحمه الله في بعض كلامه ما معناه أنه قد يولد مولودان في وقت واحد ودرجة واحدة ويختلف حالهما في السعود والنحوس، فأقول أيضاً وهذا مما استبعده أن يكون ذكره معتقداً لثبوت الدلالة به على من يقول أن النجوم يقول هذا التقدير لا يكون، وأما من يقول منهم كما قلنا بأنها دلالات وأن فاعل هذه الدلائل مختار قادر لذاته، يقول أن القادر لذاته يصح منه مع تساوي وقت المدة أن القادر لذاته يصح منه مع تساوي وقت الولادة في الدرجة أن يخالف بين المولودين في السعود والنحوس، وأقول فقد ظهر أن الذي منع العقل والنقل منه أن تكون النجوم علة موجبة للحادثات، أو فاعلة مختارة للكائنات ولم يمنع العقل والنقل من أن تكون النجوم علامات للحادثات، وقد تركنا ما كنا نقدر أن نورده من خواطرنا من زيادات في الاحتجاج على رغم أنها علل و معلومات لئلا يكون كتابنا مطولاً يتضجر من يقف عليه لكثرة الدلالات.
وأما من زعم أنها فاعلة مختارة فقد نبهنا في خطبة هذا الكتاب على بطلان هذه الدعوى بوجوه من الصواب ونزيد على الفريقين على ما قدمنا أننا سنريك بعض ما ذكره الحمصي رضوان الله عليه فنقول كل من القرآن العقل والنقل دل على بطلان قول المجبرة فهو دليل على بطلان قول من قال أننا صادرون عن علة موجبة وأننا غير مختارين و نقول كل دليل دل على الوحدانية من العقول والمنقول فهو دليل على بطلان قول من قال أن النجوم تفعل كفعل الله جل جلاله وتلك الأدلة في مواضعها مذكورة مشروحة واضحة لذوي العقول.
ومما نذكره في أن النجوم فاعلة مختارة ما ذكره أبو معشر في كتاب " أسرار النجوم " وهو من أعلم علماء هذا العلم الموسوم، فقل ما هذا لفظه، الأغلب على طبعي أن هذه النجوم غير مستطيعة ولا مختارة لأن الفرق بين المستطيع وغير المستطيع ظاهر، بل الأظهر أن المستطيع لفعل يفعل ضده ويقدر أن يمسك عن الفعلين جميعاً فلا يكون منه أحدهما والذي لا يستطيع إنما يجري على طبع واحد، و الكواكب حركتها واحدة ولا تمسك عنها في حال ولا تنتقل إلى غيرها، أقول أن هذا قول الخبير بها المطلع على أسرارها، وقوله كالحجة على المدعين لاختيارها وقد قدمت في الخطبة أنها لو كانت مختارة بطل الحتم بالحكم على شيء من النجوم لجواز أن يحكم المنجم بحكم محتوم فيري المنجم المختار باختياره غير ما رآه ذلك المنجم فيبطل ذلك الحكم و يحكم بضده أو بغيره فكان قد انسد باب الدعوى للعلم بأحكام النجوم وهذا جواب واضح معلوم.(1/32)
مع أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا ببطلان أن الأفلاك والشمس والقمر والنجوم علل ومعلومات وفاعلات مختارات وثبتت أقوالهم بالآيات والمعجزات والبراهين الخارقات للعادات ثم جاؤوا بالشرايع المختلفات وكان اختلافهم بالشرايع دليلاً على أن باعثهم مختار من غير علة ولا عامل بالطبايع وكان تصديقهم بالآيات والبراهين الخارقة لعقول المكلفين دليلاً على أن النجوم ليست كاملة ولا مختارة وكف تكون كاملة الاختيار و الصفات وهي تصدق بالآيات الخارقات من يدعي أنها غير مختارات ولا فاعلات، فكانت النجوم تكون من أسفه و أنقص وأرذل الفاعلين وكان قد انتثر نظام الفلك وفسد جميع العالمين بتصديقها من لا يصدقها ويبطل فضلها ويزيل محلها فقد ثبت بطلان قول من ادعى أن النجوم علة وأنها فاعلة وكل حديث ورد بالنهي عن تصديق النجوم وتحريمها و المنع من معرفتها و ورود الأخبار بذلك فمحول على هذين القسمين اللذين ثبت بطلاهما وتحريم التصديق بهما أنما صح من علم النجوم القول بأنها دلالات وعلامات على الحادثات بقدرة الفا طراها الآمر بها في الدلالات كما جعل قلب ابن آدم وعقله ونظره دلائل على التصديق بأمور حاظرات مع تباعدها عما يحيط بعلمه في المسافات والجهات، وسوف نورد من أخبار من قوله حجة في العلوم بما ذكرناه من تحقيق هذا القسم الثالث من علم النجوم وقد قدمنا ما فيه كفاية لمن طلب التوفيق وشرفه الله جل جلاله بالظفر في التحقيق وصانه عن جحود الآيات الدالة عليه جل جلاله وعلى رسله عليهم السلام بمعرفة أسرار دليل النجوم الموصوفة وما أبانه بالهداية به من آياته المكشوفة ولعل السبب في توقف قوم من الضعفاء عن العلوم بهذه الأشياء خوفهم أن يشتبه الحال بين المنجمين وبين الأنبياء فيما أخبروا به الغائبات وأين حديث المنجمين المستضعفين الذين يشهد عليهم لسان حالهم وبيان مقالهم باستحالة الدعوى بالمعجزات والآيات من مقام الأنبياء عليهم أفضل الصلوات الذين لم يعرف أستاذ منجم ولا كاهن ولا قائف ولا من أخذوا العلوم منه ولا من رواها عنه. فكان مجرد إحاطتهم بالعلوم من غير أستاذ ينسبون إليه ويقرؤون عليه معجزة من الله جل جلاله في تصديقهم وتحقيقهم وثبوت طريقهم وليس كذلك علماء المنجمين فإن كل واحد منهم معروف الأستاذ الذي قرأ عليه، ومشهور بالكتب الذي أخذ عنها علمه الذي أشير إليه.
وقد كنا قدمنا أنه لو كان كل طريق حصل منه تعريف بالغائبات طعنا في معجزات الأنبياء عليهم الصلوات، وقدحاً في أخبارهم بالحوادث المستقبلات لكان الذي تضمنته كتب التاريخ من أصحاب الرياضيات بأخبارهم عن الغائبات ومن أهل الحق بأخبارهم عن الحادثات وكان حكم المنامات الصادقات التي تقتضي التعريف بالحادثات، طعناً في النبوات ولكن هذه وأمثالها لا قدح بها على المعجزات، وكذلك ما جعل الله جل جلاله من دلائل النجوم على الكائنات.
وأعلم أن أهل المعقول والمنقول ذكروا أن موسى عليه السلام لما كثر في زمانه السحر، احتج الله جل جلاله عليهم بما لم يبلغه علمهم من عصا موسى تلقفت حبالهم وعصيهم، وأن عيس عليه السلام لما كثر الطب في زمانه احتج الله جل جلاله عليهم بما يبلغه علمهم من أحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص على يد عيسى، ولما كثرت الفصاحة في زمن نبينا صلوات الله عليه، احتج الله جل جلاله عليهم بفصاحة القرآن الشريف على لسان رسوله محمد صلى الله وسلم عليه وآله الذي لا يعرف في ذلك الحل خطاً ولا قراءة كتاب، فكانت معجزات الأنبياء حجة على العباد لأجل ما أتوا به من الزيادة على العلوم التي كانت في زمانهم خارقة للمعتاد، فكذلك يكون تعريف الأنبياء والأوصياء بالغائبات بغير أستاذ،ولا آلات حجة على المنجمين وغيرهم خارقة للعادات.
الباب الثالث
في أخبار من قوله حجة في العلوم
على صحة علم النجوم فأقول أن الأخبار عن الذين قولهم حجة في العالمين، صلوات الله عليهم أجمعين في صحة علم النجوم كثيرة يعرفها من كان كثير الإطلاع على العلوم وإنما أذكر ههنا من الأحاديث مالا يضجر المطلع عليه، ويكفي المنصف في الهداية إليه.....(1/33)
" الحديث الأول " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم أنه لا يضر في الدين علم النجوم، روينا بإسنادنا إلى الشيخ المتفق على عدالته وفضله وأمانته محمد بن يعقوب الكليني في كتاب " الروضة " ما هذا لفظه قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن ابن فضال عن الحسن بن أسباط عن عبد الرحمن بن سيابة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت لك الفداء أن الناس يقولون أن النجوم لا يحل النظر فيها وهي تعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي بشيء يضر بديني وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها وأشتهي النظر فيها، فقل عليه السلام ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال إنكم تنظرون في شيء منها كثيرة لا يدرك وقليلة لا ينتفع به تحسبون على طالع القمر ثم قال أتدري كم بين المشتري و الزهرة من دقيقة قلت لا والله قال أتدري كم بين الزهرة والقمر من دقيقة قلت لا والله قال أتدري كم بين الشمس و السنبلة من دقيقة قلت لا والله ما سمعته من أحد من المنجمين قط فقال أفتدري كم بين السنبلة وبين اللوح المحفوظ من دقيقة قلت لا والله وما سمعته من منجم قط، قال ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستون دقيقة أو سبعون دقيقة " الشك من عبد الرحمان " ثم قال يا عبد الرحمان هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه عرف القصبة التي في وسط الأجمة وعدد ما عن يمينها وعدد ما عن يسارها وعدد ما خلفها وعدد ما أمامها حتى لا تخفى عليه من قصب الأجمة واحدة أقول وقد روي هذا الحديث من أصحابنا في المصنفات والأصول والروايات جملة من الثقافات فممن رواه محمد بن أبي عبد الله في " أماليه " رأيته في نسخة تأريخها سنة تسع و ثلثمائة. ومحمد بن يحيى أخو فعلس عن حماد بن عثمان وجدته في كتاب أصل لعله كتب في مدة حياته.
" الحديث الثاني " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة أهل علوم النجوم ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب تفسير الرؤيا بإسنادنا عن محمد بن غانم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام عندنا قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا فقال عليه السلام كان ذلك صحيحاً قبل أن ترد الشمس على يوشع بن نون وعلى أمير المؤمنين فلما رد الله تعالى الشمس عليها ضل علماء النجوم فمنهم مصيب ومنهم مخطء.
" الحديث الثالث " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة أصل علم النجوم ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب " الروضة " من كتاب الكافي عن علي بن إبراهيم عن ابن عمير عن جميل بن صالح عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن علم النجوم فقال ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب وأهل بيت في الهند وحدثني بعض علماء المنجمين أن الذين يعلمون النجوم بالهند أولاد وصي إدريس عليه السلام وروينا هذا الحديث بإسنادنا إلى محمد بن أبي عمير من " كتاب أصله " عن أبي عبد الله عليه السلام قال ذكرت النجوم فقال يعلمها إلا أهل بيت بالهند وأهل بيت بالعرب، وأقول أن مفهوم الأخبار الواردة بأن النجوم لا يعرفها إلا أهل بيت بالهند وأهل بيت بالعرب لعله لا يعلمها على أبلغ الغايات ولا يدركها إدراكاً لا يخطئ أبداً في الإصابات أولا يعلمها بغير أستاذ و آلات إلا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند، لأننا قد ذكرنا ونذكر وجود من يعلم كثيراً من أ حكام النجوم وتحصل له إصابات، وإن كثيراً من المنجمين يذكرون أنهم عرفوا علم النجوم من إدريس النبي عليه السلام و من أهل الهند الذين اقتضت الأخبار أنهم عالمون بها، ٍوعلى كل حال فإن علمهم وعلم أهل بيت من العرب بالنجوم دليل على أنه علم صحيح في نفسه جليل لاختصاصهم ومشروع لأنه من جملة فضائلهم.(1/34)
" الحديث الرابع " فيما روى عمن قوله حجة في العلوم بصحة أصل علم النجوم ما رويناه بإسنادنا عن محمد بن يعقوب الكليني في كتاب " الروضة " أيضاً عن أحمد بن علي وأحمد بن محمد جميعاً عن علي بن الحسين الميثمي عن محمد بن الواسطي عن يونس بن الرحمان عن أحمد بن عمر الحلبي عن حماد الأزدي عن هاشم الخفاف قال لي أبو عبد الله " ع " كيف بصرك بالنجوم فقلت ما خلفت بالعراق أبصر في النجوم مني قال كيف دوران الفلك عندكم قال فأخذت قلنسوتي من رأسي فأدرتها وقلت هكذا فقال لو كان الأمر على ما تقول فما بال بنات النعش والجدي والفرقدين لا تدور يوماً من الدهر في القبلة، قلت هذا والله شيء لا أعرفه ولا سمعت أحداً من أهل الحساب يذكره فقال كم للسكينة من الزهرة جزءاً في ضوئها؟ فقلت وهذا والله نجم ما عرفته ولا سمعت أحداً يذكره فقال سبحان الله أفأسقطتم نجماً بأسره فعلى ما تحسبون ثم قال كم للزهرة من القمر جزءاً في الضوء؟ قلت هذا شيء لا يعلمه إلا الله قال فكم للقمر جزءاً في ضوئها قلت ما أعرف قال صدقت ثم قال عليه السلام ما بال العسكريين يلتقيان في هذا حاسب وفي هذا حاسب، فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت النحوس، فقلت لا والله لا أعلم ذلك قال: صدقت إن أصل الحساب حق ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم،
" الحديث الخامس " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم أن آزر كان إبراهيم كان عالماً بالنجوم روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب " الروضة " عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ا بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن آزر أبو ابراهيم عليه السلام كان منجماً لنمرود ولم يكن يصدر إلا عن أمره، فنظر ليلة في النجوم فأصبح وهو يقول لنمرود لقد رأيت عجباً قال: وما هو قال: رأيت مولوداً يولد بأرضنا يكون هلاكنا على يديه فلا يلبث إلا قليلاً حتى يحمل به قال: فتعجب من ذلك وقال: هل حملت به النساء فقال: لا قال: فحجب الرجال عن النساء ولم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلص إليها بعلها، ووقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم " ع " فظن أنه صاحبه الذي يكون الهلاك على يده، فأرسل على نساء من القوابل عارفات في ذلك الزمان لا يكون شيء في الرحم إلا علمن به البطن فألزم الله عز وجل ما في بطنها في الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيء، وكان فيما أوتي من العلم أنه سيحرق بالنار، ولم يؤت من العلم أن الله سينجيه منها، أقول ثم ذكر كيف حفظ الله جل جلاله إبراهيم، وكيف جرت أموره، وهذا الحديث قد قدمنا معناه في أن للنجوم دلالة على نبوة ابراهيم وأنما ذكرناه ههنا في باب صحة علم النجوم، عن الصادق المعصوم، بصحة ما كان لآزر من صحة علم النجوم ولاختلاف طرق الرواية، ولأن محمد بن يعقوب أبلغ فيما يرويه وأصق في الدراية.
" الحديث السادس " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتدبير ما ذكره في النجوم، روينا بإسنادنا عن محمد بن يعقوب الكليني في كتاب " الروضة " عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن بن محبوب عن مالك بن عطية عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحر والبرد مما يكونا؟ فقال لي: يا أبا أيوب أن المريخ كوكب حار وزحل كوكب بارد فإذا بدا المريخ في الارتفاع انحط زحل وذلك في الربيع فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع، وينتهي زحل في الهبوط، فيلحق المريخ، فلذلك يشتد الحر فإذا كان في آخر الصيف، وأول الخريف بدا زحل في الارتفاع وبدا المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط وينتهي زحل في الارتفاع فيلحق زحل وذلك في أوان الشتاء وآخر الصيف فلذلك يشتد البرد وكلما ارتفع هذا هبط هذا وكلما هبط هذا ارتفع هذا، فإذا كان في الصيف يوم بارد فذلك الفعل من القمر، وإذا كان في الشتاء يوم حار فذلك الفعل من الشمس وكل بتقدير العزيز العليم، وأنا عبد رب العالمين.(1/35)
" الحديث السابع " فيما روي عمن قوله حجة في العوم فيما ذكره من صحة " علم النجوم " روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني أيضاً في كتاب " الروضة " قال عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي بن عثمان قال: حدثني أبو عبد الله المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى خلق زحل في الفلك السابع من ماء بارد وخلق سائر النجوم الست الجاريات من ماء حار وهو نجم الأنبياء والأوصياء وهو نجم أمير المؤمنين عليه السلام بأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها، ويأمر بافتراش التراب وتوسد اللبن وأكل الجشب، وما خلق الله تعالى نجماً أقرب إليه منه سبحانه.
" الحديث الثامن " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتصديق ما ذكره من علم النجوم روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب في كتاب " الروضة " قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن علي بن أسباط عن ابراهيم بن خيران عن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم يرى الحسن
" الحديث التاسع " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بشهادته في تحقيق علم النجوم ما رواه معوية بن حكيم عن محمد بن زياد عن محمد بن يحيى الخفعمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم أحق هي؟ قال نعم فقلت: أوفي الأرض من يعلمها؟ قال: نعم في الأرض من يعلمها
" الحديث العاشر " فيما نذكره عمن قوله حجة في العلوم في صحة علم النجوم روينا بإسنادنا عن معوية بن حكيم عن كتاب أصله حثنا آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في السماء أربعة نجوم ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب، وأهل بيت من الهند يعرفون منها نجماً واحداً فلذلك قام حسابهم(1/36)
" الحديث الحادي عشر " فيما روي من تصديق قوله حجة في العلوم بعلم النجوم وجدت في كتاب قالبه قطع نصف الورقة عتيق بخزانة مولانا علي صلوات الله عليه يتضمن فضائله عليه السلام تأليف أبي القاسم علي بن عبد العزيز بن محمد النيشابوري ما هذا لفظه، علي بن أحمد قال: حدثني إبراهيم بن فضل عن إياد بن تغلب قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام إذ دخل إليه رجل من أهل اليمن، فسلم عليه فرد عليه السلام وقال: ما جاء بك يا سعيد؟ فقال: هذا الإسم سمتني به أمي، وما أقل من يعرفني به فقال: صدقت يا سعيد المزني، فقال الرجل: جعلت فداك، وبهذا كنت ألقب، فقال عليه السلام: لأخير في اللقب إن الله عز وجل يقول في كتابه " ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان " يا سعيد المزني: ما صناعتك، فقال له الرجل: جعلت فداك أنا رجل معروف من أهل بيت تنظر في النجوم ولا أعلم في اليمن أحداً أعلم منا في النجوم فقال: " ع " له: فأنا أسألك فقال اليماني: سل ما شئت من النجوم جعلت فداك فأنا أجيبك بعلم فقال عليه السلام: أخبرني كم لضوء القمر على ضوء الزهرة من درجة فقال: لا أدري فقال عليه السلام: فكم لضوء الزهرة على ضوء المريخ من درجة، فقال: لا أدري قال: فكم لضوء الزهرة على ضوء المشتري من درجة قال: لا أدري فقال " ع " : لاأدري، صدقت لا تدري فكم لضوء المشتري على ضوء عطارد من درجة قال: لا أدري قال " ع " : فما اسم النجوم الذي إذا طلعت هاجمت الإبل قال: لا أدري، قال " ع " فما اسم النجوم الذي إذا طلعت هاجت الكلاب، قال: لا أدري، قال " ع " : فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر، قال: لا أدري فقال " ع " : صدقت في قولك لا تدري، فما عندكم زحل قال: نجم النحوس فقال عليه السلام: لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين وهو نجم الأوصياء وهو النجم الثاقب الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال: ما معنى الثاقب؟ فقال " ع " إن مطلعه في السماء السابعة وإنه يثقب بضوئه حتى يصير في السماء الدنيا فمن ذلك سماه الله تعالى النجم الثاقب، يا أخا أهل اليمن هل عندكم علماء قال: نعم جعلت فداك أن باليمن قوماً ليسوا كأحد من الناس في علمهم فقال " ع " : وما بلغ من علم عالمهم، قال: إن عالمهم ليزجر الطير ويقفوا الأثر في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب المجد فقال " ع " : إن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن، قال: جعلت فداك ما بلغ من عالم المدينة فقال " ع " : إن عالم المدينة لا يقفوا الأثر ولا يزجر الطير وينتهي في الحظ إلى علم مسيرة الشمس اثنا عشر براً واثنا عشر بحراً واثنا عشر عالماً قال:قال جعلت فداك ما ظننت أحداً يعلم هذا أو يدري ما كنه فقال: صدقت لا تدري، ثم قال الرجل اليماني فخرج ورويت هذا الحديث بأسانيد إلى أبان بن تغلب عن الصادق " ع " من كتاب عبد الله بن القاسم الحضرمي من كتاب أصله وفي إحدى الروايتين زيادة على الأخرى.
الحديث الثاني عشر(1/37)
فما روى من تصديق من قوله حجة في العلوم بعلم النجوم وجدت في كتاب " نوادر الحكمة " تأليف محمد بن أحمد بن عبد الله القمي وهو جليل القدر بين علماء الشيعة رواه عن الرضى " ع " قال: قال أبو الحسن صلوات الله عليه للحسن بن سهل: كيف حسابك للنجوم؟ قال: ما بقي شيء تعلمته فقال أبو الحسن عليه السلام له: كم لنور الشمس على نور القمر فضل درجة؟ وكم لنور القمر على نور المشتري فضل درجة، وكم لنور المشتري على نور الزهرة فضل درجة؟ فقال: لا أدري فقال: ليس في يدك شيء إن هذا أيسره ووجدت في كتاب " مسائل الصباح " بن نضر الهندي لمولانا علي بن موسى الرضى صلوات الله عليه رواية أبي العباس بن نوح وأبي عبد الله بن محمد بن أحمد الصوفاني من أصل " كتاب عتيق " لنا الآن ربما كان كتب في حياتهما بالإسناد المتصل فيه عن الريان بن الصلت وذكر اجتماع العلماء بحضرة المأمون وظهر حجة الرضى عليه السلام على جميع العلماء وحضور الصباح بن النضر الهندي عند مولانا الرضى " ع " وسؤاله إياه عن مسائل كثيرة، منها سؤاله عن علم النجوم فقال ما هذا لفظه، هو علم في أصل صحيح، ذكروا أن أول من تكلم في النجوم إدريس، وكان ذو القرنين به ماهراً وأصل هذا العلم من الله تعالى ويقال أن الله تعالى بعث المنجم الذي هو المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأتى بلد العجم فعلمهم في حديث طويل فلم يستكملوا ذلك فأتى بلد الهند فعلم رجلاً منهم فمن هناك صار علم النجوم بالهند وقال قوم هو من علم الأنبياء وخصوا به لأسباب شتى، فلم يدرك المنجمون الدقيق منها فشابوا الحق للكذب، هذا آخر لفظ مولانا علي بن موسى " ع " في هذه الرواية الجليلة الإسناد، وقوله عليه السلام حجة على العباد، فأما قوله فيما ذكروا ويقال فإن عادتهم عليه السلام عند التقية ولدي المخالفين من العامة يقولون نحو هذا الكلام تارة وتارة كان أبي يقول، وتارة روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الحديث الثالث عشر
فيما روى من شهادة من قوله حجة في العلوم بصحة حساب النجوم أرويه بأسانيدي إلى أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعمائي الثقة في كتاب الدلائل في الجزء التاسع فيما فيه من دلائل مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال حدثنا محمد بن همام قال حدثني محمد بن موسى بن عبيد بن يقطين قال حدثنا إبراهيم بن محمد اليقطيني المعروف بطلل، قال حدثني ابن ذي العلمين قال كنت واقفاً بين يدي الرياستين بخراسان في مجلس المأمون وقد حضره أبو الحسن الرضا " ع " فجرى ذكر الليل والنهار أيهما خلق قبل الآخر فخاضوا في ذلك واختلفوا، ثم إن ذا الرياستين سأل الرضا " ع " عن ذلك وعما عنده فيه فقال " ع " أتحب أن أعطيك الجواب من كتاب الله عز وجل أو من حسابك فقال أريده أولاً من جهة الحساب فقال له ألستم تقولون أن طالع الدنيا السرطان وأن الكواكب كانت في شرفها قال نعم قال فزحل في الميزان والمشتري في السرطان والمريخ في الجدي والزهرة في الحوت والقمر في الثور والشمس في وسط السماء بالحمل وهذا لا يكون إلا نهاراً قال نعم وفي كتاب الله قال عليه السلام قوله عز وجل " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " أي النهار يسبقه
الحديث الرابع عشر(1/38)
فيما روي عمن قوله حجة في العلوم من تصديق حساب النجوم " روي أيضاً من طريق آخر معاضد لحديث محمد بن إبراهيم، رويناه بعدة أسانيد عن ابن جمهور القمي وكان عالماً فاضلاً في " كتاب الواحدة " في أخبار مولانا الرضا صلوات الله عليه قال ومن مسائل ذي الرياستين للرضا " ع " أن الناس تذاكروا بين يدي المأمون في خلق الليل والنهار فقال بعض خلق الله النهار قبل الليل وقال بعض خلق الله الليل قبل النهار فرجعوا بالسؤال إلى أبي الحسن الرضا " ع " فقال إن الله عز وجل خلق النهار قبل الليل وخلق الضياء قبل الظلمة فإن شئتم أوجدتكم ذلك من النجوم وإن شئتم من القرآن فقال ذوي الرياستين أوجدنا من الجهتين جميعاً فقال عليه السلام أما من النجوم فقد علمت أن طالع العالم السرطان ولا يكون ذلك إلا والشمس في شرفها في نصف النهار، وأما من القرآن فاستمع قوله تعالى فيه " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " أقول وروي ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة في أوائل أخبار مولانا الحسن بن علي عليه السلام في خطبة له في صفة النجوم ما هذا لفظه ثم أجرى في السماء مصابيح ضوءها في حندسها وجعلها من حرسها، من النجوم الدراري المضيئة التي لولا ضوءها ما نفذت أبصار العباد في ظلم الليل المظلم بمغالسه المدلهم بحنادسة، وجعل فيها أدلة على منهاج السبل، لما أحوج الخليقة من التحول والانتقال والأدبار والإقبال، وهذا عام موافق لما نقلنا عنهم عليهم السلام من الأخبار، أقول ومن كتاب ابن جمهور القمي بإسناده أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما صعد المنبر وقال سلوني قبل أن تفقدوني قام إليه رجل فسأله عن السواد الذي في القمر فقال أعمى سأل عن عمياء أما سمعت أن الله عز وجل يقول " فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " فالمحو السواد الذي تراه في القمر أن الله تعالى خلق من نور عرشه شمسين وأمر تعالى جبرائيل فأمر جناحه بالذي سبق من علمه جلت عظمته لما أراد أن يكون من اختلاف الليل والنهار والشمس والقمر وعدد الساعات والأيام والشهور والسنين والدهور والارتحال والنزول والإقبال والأدبار والحج والعمرة ومحل الدين وأجر الأجير وعدة أيام الحمل والمطلقة والمتوفى عنها زوجها وما أشبه ذلك.
الحديث الخامس عشر
فيما روي عمن قوله حجة في العلوم، من شهادته بتصديق علم النجوم روينا بأسانيد جماعة عن الشيخ الفقيه الفاضل الحسين بن عبد الله الغضائري ونقلته من خطه في الجزء الثاني عشر من كتاب الدلائل تأليف أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري الذي قال فيه جدي أبو جعفر الطوسي في الفهرست أنه ثقة، وقال النجاشي في كتاب أسماء المصنفين أنه شيخ القميين ووجههم بإسناده عن بياع السابري قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أن لي في نظر النجوم لذة وهي معيبة عند الناس فإن كان فيها إثم تركت ذلك وإن لم يكن فيها إثم فإن لي فيها لذة فقال تعد الطوالع قلت نعم وعددتها فقال كم تسقي الشمس من نورها القمر قلت هذا شيء لم أسمعه قط فقال كم تسقي الزهرة الشمس من نورها قلت ولا هذا فقال وكم تسقي الشمس من اللوح المحفوظ نوراً قلت وهذا شيء لم أسمعه قط فقال هذا شيء إذا علمه الرجل عرف أوسط قصبة في الأجمة ثم قال ليس يعلم النجوم إلا أهل بيت من قريش وأهل بيت من الهند(1/39)
" الحديث السادس عشر " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بمعاضدة الحديث الحادي عشر في النجوم روينا بأسانيد جماعة إلى الشيخ العظيم الشأن أبي جعفر ابن بابويه القمي رضوان الله عليه فيما ذكره بكتاب " الخصال في الجزء الثاني " من أصل مجلدين قال حدثنا موسى بن المتوكل رضوان الله عليه قال حدثني علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه وغيره عن محمد بن سليمان الصنعاني عن إبراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فقال مرحباً بك يا سعيد فقال الرجل هذا الاسم سمتني به أمي وما أقل من يعرفني به فقال له أبو عبد الله صدقت يا سعيد المزني فقال الرجل جعلت فداك وبهذا كنت ألقب فقال له أبو عبد الله عليه السلام لا خير في اللقب إن الله تعالى يقول " ولا تنابزوا في الألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان " ما صناعتك يا سعيد قال جعلت فداك أنا أهل بيت ننظر في النجوم ولم يكن بأحد أعرف بالنجوم منا فقال له أبو عبد الله عليه السلام كم ضوء الشمس يزيد على ضوء القمر درجة فقال اليماني لا أدري قال صدقت في قولك لا تدري، فما زحل عندكم في النجوم فقال نجم نحس فقال لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين صلوات عليه وهو نجم الأوصياء عليهم السلام وهو النجم الثاقب؟ قال إن مطلعه في السماء السابعة وأنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا فمن ثم سماه الله تعالى النجم الثاقب يا أخا اليمن أعندكم علماء قال نعم جعلت فداك أن باليمن قوماً ليسوا كأحد من الناس في علمهم فقال " ع " وما يبلغ من علم عالمهم؟ قال إن عالمهم ليزجر الطير ويقفوا الأثر في الساعة الواحدة مسيرة شهر للراكب المجد فقال عليه السلام إن عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفي الأثر ولا يزجر الطير ويعلم في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر بحراً واثني عشر عالماً، فقال اليماني جعلت فداك ما ظننت أن أحداً يعلم هذا أو يدري ما كنهه قال ثم قام وخرج.
" الحديث السابع عشر " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في التصديق بصحة علم النجوم وريناه بإسناده إلى محمد بن يحيى الكتعمي من غير كتاب معوية بن حكيم المقدم ذكره قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم أحق هي قال لي نعم قلت وفي الأرض من يعلمها؟ قال نعم وفي الأرض من يعلمها
" الحديث الثامن عشر " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بتصديق معرفة علم النجوم، وجدنا في أصل عتيق اسمه كتاب " التجمل " تاريخ مقابلته سنة ثمان وثلاثين ومائتين، قال أبو أحمد عن حفص ابن البختري " وقد ذكر النجاشي أنه ثقة " قال ذكرت النجوم عند أبي عبد الله " ع " فقال ما يعلمها إلا أهل بيت بالهند وأهل بيت من المغرب
" الحديث التاسع عشر " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم من إباحة النظر في علم النجوم، وهو ما وجدناه في كتاب التجمل المقدم ذكره عن محمد وهرون ابني أبي سهل أنهما كتبا إلى أبي عبد الله " ع " أن أبانا وجدنا كانا ينظران في علم النجوم فهل يحل النظر فيه فكتب نعم
" الحديث العشرون " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في الفتوى بتحليل علم النجوم، وجدنا أيضاً في كتاب التجمل المقدم ذكره عن محمد وهرون ابني أبي سهل قالا كتبنا إليه عليه السلام نحن ولد نوبخت المنجم وقد كنا كتبنا إليك هل يحل النظر في علم النجوم فكتبت نعم، والمنجمون يختلفون في صفة الفلك فبعضهم يقول أن الفلك فيه النجوم والشمس والقمر معلق بالسماء وهو دون السماء وهو الذي يدور بالنجوم والشمس والقمر فإنها لا تتحرك ولا تدور وبعضهم يقول أن دوران الفلك تحت الأرض وأن الشمس تدور مع الفلك تحت الأرض فتغيب في المغرب تحت الأرض وتطلع من الغداة من المشرق فكتب عليه السلام نعم يحل ما لم يخرج من التوحيد.
" الحديث الحادي والعشرون " فيما روي عمن قوله حجة في العلوم في تفسير نحو من النجوم، من كتاب التجمل أيضاً أبو محمد عن الحسن بن عمر عن أبي عبد الله " ع " في قوله عز وجل " يوم نحس مستمر " قال كان القمر منحوساً بزحل.
" الحديث الثاني والعشرون " فيما روينا من اطلاع من قوله حجة في العلوم على الملكوت وعلمه منه ما علمه مالك الجبروت " .(1/40)
روينا بعدة أسانيد إلى أبي جعفر محمد بن بابويه رضوان الله عليه، فيما رواه في كتاب " الخصال " وهو الثقة في المقال، في أحاديث تسع خصال بإسناده في حديث إلى أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه والله لقد أعطاني الله تبارك وتعالى تسعة أشياء لم يعطها أحداً قبلي خلا النبي صلوات الله عليه وآله وسلم لقد فتحت لي السبل وعلمت الأسباب وأجرى لي السحاب وعلمت المنايا والبلايا وفصل الخطاب ولقد نظرت في الملكوت فأذن لي ربي جل جلاله فما غاب عني ما كان قبلي وما يأتي بعدي، وأن بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم وأتم عليهم النعمة ورضي إسلامهم إذ يقول سبحانه يوم الولاية لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، يا محمد أخبرهم أني أكملت لهم دينهم ورضيت الإسلام لهم ديناً وأتممت عليهم نعمتي كل ذلك من مَن الله تعالى من به علي فله الحمد، هذا آخر الحديث بلفظه، وكان المراد منه أن نظرة في الملكوت يعلم منه ما مضى وما يأتي، أقول وروي معنى هذا الحديث وزيادة فيه سليمان بن صالح ونقلته من نسخة مقروءة على هرون بن موسى التلعكبري رضوان الله جل جلاله عليه قال ما هذا لفظه، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض " قال كشط له ما في السموات السبع وفي الأرضين السبع حتى رأى العرش وما عليه وكان يرى الناس على مكاسبهم وصنع ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم وصنع ذلك بالأئمة عليهم السلام من بعده.
قال الهيثم وسمعت هاشماً يروي عن مفضل قال كان محمد بن علي " ع " يقول أني أرى ما في السموات والأرض كما أرى راحتي هذه.(1/41)
" الحديث الثالث والعشرون " في احتجاج من قوله حجة في العلوم على صحة علم النجوم، وهو ما رويناه بإسناده عن الشيخ السعيد محمد بن رستم ابن جرير الطبري الأمامي رضوان الله عليه في الجزء الثاني من كتاب " دلائل الإمامة " قال أخبرني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحربي وأبو الحسين محمد بن هرون بن موسى بن أحمد التلعكبري قالا حدثنا أبو محمد هرون بن موسى بن أحمد التلعكبري رضي الله عنه قال حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم المقري، مولى بني هاشم قال حدثنا أحمد بن القاسم البري قال حدثنا يحيى بن عبد الرحمن عن علي بن حي بن صالح الكوفي عن زيادة بن المنذر عن قيس بن سعد قال كنت لسائر أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثير إذا سار إلى وجه من الوجوه فلما قصد أهل النهروان وصرنا بالمدائن وكنت يومئذ مسائراً له، إذ خرج إلينا قوم من أهل المدائن من دهاقينهم معهم براذين قد جاؤوا بها هدية إليه فقبلها، وكان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعى سرسفيل، وكانت الفرس تحكم برأيه فيما يعنى وترجع إلى قوله فيما سلف فلما بصر بأمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلم قال يا أمير المؤمنين تنحاست النجوم الطوالع فنحس أصحاب السعود وسعد أصحاب النحوس، ولزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء والجلوس، وإن يومك هذا يوم مميت، قد اقترن فيه كوكبان قنالان، وشرف فيه بهرام في برج الميزان واتقدت من برجك النيران، وليس لك الحرب بمكان فتبسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثم قال أيها الدهقان المنبيء بالأخبار والمحذر من الأقدار، أتدري ما نزل البارحة في آخر الميزان، وأي نجم حل السرطان، قال سأنظر ذلك وأخرج من كمه إسطرلابا وتقويماً فقال له أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أنت مسير الجاريات، قال لا قال أفتقضي على الثابتات؟ قال لا قال فأخبرني عن طول الأسد وتباعده عن المطالع والمراجع، وما الزهرة من التوابع والجوامع؟ قال لا علم لي بذلك قال فما بين السواري إلى الدراري؟ وما بين الساعات إلى الفجرات؟ وكم قدر شعاع المدارات؟ وكم تحصيل الفجر في الغدوات! قال لا علم لي بذلك قال هل علمت يا دهقان أن الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت في الصين، وتغلب برج ماجين، واحترق دور بالزنج، وطفح جب سرنديب وتهدم حصن الأندلس، وهاج نمل السيح وانهزم مراق الهند وفقد ربان اليهود بايلة وجدم بطريق الروم برومية، وعمي راهب عمورية، وسقطت شرافات القسطنطينية، أفعالم أنت بهذه الحوادث؟ وما الذي أحدثها شرقها وغربها من الفلك، قال لا علم لي بذلك قال فبأي الكواكب تقضي في أعلى القطب، وبأيها تنحس من تنحس، قال لا علم لي بذلك قال فهل علمت أنه سعد اليوم اثنان وسبعون عالماً في كل عالم سبعون عالماً منهم في البر ومنهم في البحر وبعض في الجبال وبعض في الغياض وبعض في العمران فما الذي سعدهم؟ قال لا علم لي بذلك قال يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري وزحل لما استنارا لك في الغسق وظهر تلالي المريخ وتشريقه في السحر وقد سار فاتصل جرمه بنجوم تربيع القمر، وذلك دليل على استخلاف ألف ألف من البشر، كلهم يولدون اليوم والليلة، ويموت مثلهم ويموت هذا " وأشار إلى جاسوس في عسكره لمعوية " فلما قال ذلك ظنوا الرجل أنه قال خذوه فأخذه شيء في قلبه وتكسرت نفسه في صدره فمات لوقته، فقال للدهقان ألم أرك عين التقدير في غاية التصوير قال بلا يا أمير المؤمنين فقال يا دهقان أنا مخبرك أني وصحبي هؤلاء لا شرقيون ولا غربيون إنما نحن ناشئة القطب، وما زعمت البارحة أنه انقدح من برج الميزان فقد كان يجب أن يحكم معه لي، لأن نوره وضياءه عندي، فلهبه ذهب عني يا دهقان هذه قضية عيص فاحسبها وولدها إن كنت عالماً بالأكوار والأدوار، ولو علمت ذلك لعلمت أنك تحصي عقود القصب في هذه الأجمة، ومضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فهزم أهل النهروان وقتلهم فعاد بالغنيمة والظفر،فقال الدهقان ليس هذا العلم بأيدي أهل زماننا هذا علم مادته من السماء.(1/42)
" الحديث الرابع والعشرون " في رواية حديث الدهقان مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه بإسناد وتفصيل غير الأول، وهو أطول وأكمل، رويناه بإسناد متصل إلى الأصبغ بالنباتة قال لما رحل أمير المؤمنين صلوات الله عليه من نهر براثا إلى النهروان وقد قطع جسرها وسمرت سفنها فنزل وقد سرح الجيش إلى جسر بوران ومعه رجل من أصحابه قد شك في قتال الخوارج فإذا رجل يركض فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام قال البشرى يا أمير المؤمنين قال وما بشراك قال لما بلغ الخوارج نزولك البارحة نهر براثا ولوا هاربين فقال له علي عليه السلام أنت رأيتهم حين ولوا قال نعم قال كذبت لا والله ما عبروا النهروان ولا تجاوزوا الأثيلات ولا النخيلات حتى يقتلهم الله عز وجل على يدي عهد معهود وقدر مقدور، لا ينجو منهم عشرة ولا يفتل منا عشرة فبينما هو كذلك إذا أقبل إليه رجل يقتدي برأيه في حساب النجوم لمعرفته بالطوالع والمراجع وتقويم القطب في الفلك ومعرفته بالحساب والضرب والتجزئة والجبر والمقابلة وتأريخ السندباد وغير ذلك فلما بصر بأمير المؤمنين صلوات الله عليه نزل عن فرسه وسلم عليه وقال يا أمير المؤمنين لترجعن عما قصدت إليه وكان الرجل دهقان من دهاقين المدائن واسمه سرسفيل سوار فقال " ع " له ولم يا سرسفيل سوار فقال تناحست النجوم السعدات وتساعدت النجوم النحسات فلزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء والقعود، ويومك هذا يوم مميت، تغلب فيه برجان وانكسف فيه الميزان واقتدح زحل بالنيران وليست الحرب لك بمكان فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه أخبرن يا دهقان عن قصة الميزان وفي أي مجرى كان برج السرطان قال سأنظر لك فضرب بيده على كمه وأخرج زيجا وإسطرلابا فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال له يا دهقان أنت مسير الثابتات قال لا قال أفأنت قضي على الحادثات قال لا قال يا دهقان فما ساعة الأسد من الفلك؟ وما له من المطالع والمراجع؟ وما الزهرة من التوابع والجوامع قال لا أعلم يا أمير المؤمنين قال فعلى أي الكواكب تقضي على القطب؟ فما هي الساعات المتحركات وكم قدر الساعات المدبرات؟ وكم تحصيل المقدرات؟ قال لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين قال يا دهقان صح لك علمك أن البارحة انقلب بيت في الصين وانقلب آخر بدمانسين واحترقت دور الزنج أو تحطم منار الهند وطفح جب سرنديب وهلك ملك إفريقية وانقض حصن الأندلس وهاج نمل الشيح وفقد ربان اليهود بايلة وجذم بطريق النصاري بارمينية وعمي راهب عمورية وسقطت شرفات القسطنطينية و هاجت سباع البر على أهلها ورجعت رجال النوبة للراهج والتقت الزرف مع الفيلة وطار الوحش إلى العلقين وهاجت الحيتان إلى الحضرين واضطربت الوحوش بالأنقلين أفأنت عالم بهذه الحوادث؟ وما أحدثها من الفلك، شرقية أم غربية، وأي برج أسعد صاحب النحس وأي برج أنحس صاحب السعد قال لا علم لي بذلك قال عليه السلام فهل ذلك علمك أن اليوم سعد فيه سبعون عالماً في كل عالم سبعون ألف عالم منهم في البحر ومنهم في البر ومنهم في الجبال ومنهم في السهل والغياض والخراب والعمران، فابن لنا ما الذي من الفلك أسعدهم؟ فقال لا علم لي بذل يا أمير المؤمنين قال يا دهقان فأظنك حكمت على اقتران المشتري بزحل حين لا حالك في الغسق قد شارفهما واتصل جرمه بجرم القمر وذلك استخلاف مائة ألف من البشر كلهم يولدون في يوم واحد، واستهلاك مائة ألف من البشر كلهم يموتون الليلة وغداً وهذا منهم " وأشار بيده إلى سعد بن مسعود الحارثي " وكان في عسكره جاسوساً للخوارج فظن أن علياً صلوات الله عليه يقول خذوا هذا فقبض على فؤاده ومات من وقته ثم قال عليه السلام له ألم أرك عين التوفيق أنا وأصحابي هؤلاء لا شرقيون ولا غربيون، إنما نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك فأما ما زعمت أن البارحة اقتدح في برجي النيران فقد كان يجب عليك أن تحكم به لي، فإن ضياءه ونوره عندي، وحرقه ولهبه ذاهب عني، فهذه قضية عقيمة فاحسبها إن كنت حاسباً واعرفها إن كنت عارفاً بالأكوار والأدوار، ولو علمت ذلك لعلمت عدد كل قضية في هذه الأجمة " وأشار إلى أجمة قصب كانت عن يمينه " فتشهد الدهقان وقال يا مولاي إن الذي فهم إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فهمكما وهو الله تعالى يا أمير المؤمنين لا أثر بعد عين مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك(1/43)
له وأن محمداً عبده ورسوله وأنك الإمام والوصي المفترض الطاعة. له وأن محمداً عبده ورسوله وأنك الإمام والوصي المفترض الطاعة. 2
الحديث الخامس والعشرون
فيما روي عمن قوله حجة في العلوم بصحة علم النجوم، نقلناه من كتاب " نزهة الكرام وبستان العوام " تأليف محمد بن الحسين الرازي وهذا الكتاب خطه بالعجمية فكلفنا بنقله إلى العربية فذكر في أواخر المجلد الثاني منه ما هذا لفظ من عربه، وروي أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر عليهما السلام من أحضره فلما حضر قال له إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم وأن معرفتكم بها جيدة وفقهاء العامة يقولون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا ذكر أصحاب فاسكتوا وإذا ذكر القدر فاسكتوا وإذا ذكر النجوم فاسكتوا، وأمير المؤمنين علي كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولاده وذريته التي تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها فقال له الكاظم " ع " هذا حديث ضعيف وإسناده مطعون فيه، والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم فلولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز وجل والأنبياء عليهم السلام كانوا عالمين بها قال الله عز وجل في إبراهيم خليله عليه السلام " وكذلك " نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين وقال في موضع آخر " فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم " فلو لم يكن عالماً بالنجوم ما نظر فيها ولا قال إني سقيم، وإدريس عليه السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم والله عز وجل قد أقسم فيها بكتابه في قوله تعالى " فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " وفي قوله بموضع آخر " فالمدبرات أمراً " يعني بذلك اثني عشر برجاً وسبع سيارات، والذي يظهر في الليل والنهار هي بأمر الله تعالى وبعد علم القرآن لا يكون أشرف من علم النجوم وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء الذين قال الله تعالى فيهم " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " ونحن نعرف هذا العلم وما ننكره فقال هارون بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهروه عند الجهال وعوام الناس، حتى لا يشيعوه عنكم وتنفس العوام به وغط هذا العلم وارجع إلى حرم جدك ثم قال هارون بقيت مسألة أخرى بالله عليك أخبرني بها قال سل قال بحق القبر والمنبر، وبحق قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت تموت قبلي أما أنا أموت قبلك؟ فإنك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسى آمني حتى أخبرك فقال لك الأمان قال أنا أموت قبلك ما كذبت ولا أكذب ووفاتي قريب قال قد بقيت لي مسألة تخبرن بها ولا تضجر قال سل قال أخبروني أنكم تقولون أن جميع المسلمين عبيدنا وإماؤنا وأنكم تقولون من يكون لنا عليه حق ولا يوصله لنا فليس بمسلم فقال موسى كذب الذين زعموا أنا نقول ذلك وإذا كان كذلك فكيف يصح البيع والشراء عليهم ونحن نشتري عبيداً وجواري ونعتقهم ونقعد معهم ونأكل معهم ونشتري المملوك ونقول له يا بني وللجارية يا بنية ونقعدهم يأكلون معنا تقرباً إلى الله تعالى، فلو أنهم عبيدنا وإماؤنا ما صح البيع والشراء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة الله الله في الصلاة وما ملكت إيمانكم، يعني واظبوا على الصلاة وأكرموا مماليككم من العبيد والإماء فنحن نعتقهم، فهذا الذي سمعته كذب، من قائله، ودعوة باطلة، ولكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا نعني ولاء الدين وهؤلاء الجهال يظنون ولاء الملك حملوا دعواهم على ذلك ونحن ندعي ذلك لقول النبيصلى الله عليه وسلم يوم غدير خوم من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك ولاء الدين والذين يوصلوا به إلينا من الزكاة والصدقة فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فأما الغنائم والخمس من بعد موت رسول اللهصلى الله عليه وسلم فقد منعونا ذلك ونحن إليه محتاجون إلى ما في أيدي بين آدم الذين هم لنا ولاؤهم ولاء الدين لأولاء الملك قال أنفذ إلينا أحد هدية ولا يقول أنا صدقة نقبلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لو دعيت إلى كراع لا جبت " وكراع اسم قرية " ولو أهدي إلي كراع لقبلت " القراع يد الشاة " وذلك سنة إلى يوم القيامة ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا أنها زكاة لرددناها فإن كانت هدية قبلناها، ثم إن هارون أذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة ثم تقولوا عليه أشياء فاستعاده وأطعمه السم فتوفي صلوات الله عليه.
الحديث السادس والعشرون(1/44)
في شهادة من يروي عن المعصوم تعظيم علم النجوم وجدت في كتاب عتيق بإسناد متصل إلى الوليد بن جميع قال أن رجلاً سأله عن حساب النجوم فجعل الرجل يتحرج أن يخبر فقال قال عكرمة سمعت ابن عباس يقول عجز الناس عنه وودت أني علمته.
ومما رأيت ورويت عن ابن عباس في النجوم ما رويته عن شيخ المحدثين ببغداد محمد بن النجار في المجلد الحادي والعشرين في تذييله على تاريخ الخطيب في ترجمة علي بن طراد بإسناده إلى عكرمة قال قيل لابن عباس أن هاهنا رجل يهودي يتكهن ويخبر، فبعث عبد الله بن عباس إليه فجاءه فقال له يا يهودي بلغني أنك تخبر بالغيب قال أما الغيب فلا يعلمه إلا الله ولكن إن شئت أخبرتك قال هات قال لك ولد له عشر سنين يختلف إلى الكتاب قال نعم قال يأتي غداً محمولاً من الكتاب ويموت يوم العاشر وأما أنت فلا تخرج من الدنيا حتى يذهب بصرك فقال هذا ما أخبرتني به عن ابني ونفسي فأخبرني عن نفسك قال أموت رأس السنة قال عكرمة فجاء ابن عباس محموماً من الكتاب ومات في اليوم العاشر فلما كان رأس السنة قال ابن عباس يا عكرمة انظر ما فعل اليهودي فأتيت أهله فقالوا مات أمس ثم ما خرج ابن عباس من الدنيا حتى ذهب بصره.
في مدح مولانا علي بن الحسين عليهما السلام المنجم بعد ظهور الحجة عليه ذكر محمد بن علي مؤلف كتاب " الأنبياء والأوصياء " من آدم إلى المهد عليهما السلام في حديث ما هذا لفظه، وروي أن رجلاً أتى علي بن الحسين عليهما السلام وعنده أصحابه فقال عليه السلام من الرجل قال المنجم قائف عراف فنظر إليه ثم قال هل أدلك على رجل قد مر منذ دخلت علينا في أربعة آلاف عالم قال من هو قال أما الرجل فلا أذكره ولكن إن شئت أخبرتك بما أكلت وادخرت في بيتك قال أخبرن فقال عليه السلام أكلت في بيتك هذا اليوم حيساً وادخرت عشرين ديناراً منها ثلاثة دنانير وازنة فقال الرجل أشهد أنك الحجة العظمى والمثل الأعلى وكلمة التقوى فقال عليه السلام له وأنت صديق امتحن الله قلبك بالإيمان فاثبت، قلت لعل قوله عليه السلام مر في أربعة آلاف عالم، إنه قد جعل الله نوراً يشاهد هذه العوالم كما يطلع النائم في نومه على الجهات الكثيرة في نوم ساعة واحدة ولعله عني بالرجل نفسه عليه السلام.
" الحديث السابع والعشرون " في تزكية حديث ابن عباس، بطريق آخر مشهور بين الناس وجدته في كتاب " ربيع الأبرار " تأليف أبي القسم محمود بن عمر الزمخشري في الجزء الأول قال ما هذا لفظه، الوليد بن جميع رأيت عكرمة سأل رجلاً عن علم النجوم والرجل يتحرج أن يخبره فقال عكرمة سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه وودت لو أني علمته.
" الحديث الثامن والعشرون " في رواية ابن عباس في صحة علم النجوم وأنها من العلم المرسوم من كتاب " ربيع الأبرار " للزمخشري من الجزء الأول أيضاً عند ذكره علم النجوم قال ما هذا لفظه، وعن ابن عباس أنه علم من علم النبوة وليتني كنت أحسنه.
" الحديث التاسع والعشرون " في ما نرويه عن المعصوم من تعظيم علم النجوم من كتاب " ربيع الأبرار " من الجزء الأول أيضاً قال وعن علي عليه السلام اقتبس علماً من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به إيماناً ويقيناً ثم تلا " إن في اختلاف الليل والنهار الآية " .
" الحديث الثلاثون " فيما روي عمن جرت عادته في الروايات عن المعصوم في صحة علم النجوم، ومن كتاب " ربيع الأبرار " من الجزء الأول أيضاً قال وعن ميمون بن مهران إياكم والتكذيب في علم النجوم فإنه علم من علوم النبوة.
" الحديث الحادي والثلاثون " في رواية الزمخشري عن المعصوم في تحذير ما يتعلق بعلم النجوم، وهو ما وجدناه في الجزء الأول من كتاب " ربيع الأبرار " قال ما هذا لفظه، علي عليه السلام يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج في محاق الشهر وإذا كان القمر في العقرب، وذكر الخطيب في " تاريخ بغداد " عند ذكره الحسن بن الحسين العسكري النحوي حديثاً أسنده إلى تميم بن الحرث عن أبيه عن علي عليه السلام أنه كان يكره أن يتزوج الرجل أو يسافر إذا كان القمر في محاق الشهر أو العقرب أقول وقد قدمنا كراهية التزويج والسفر في برج العقرب، وما كان فيه كراهية في محاق الشهر.(1/45)
" الحديث الثاني والثلاثون " في تأكيد كراهية السفر في المحاق عن المشهود له بالسباق والكمال في الأخلاق، قال الزمخشري في ربيع الأبرار فيما رواه عن مولانا علي صلوات لله عليه، ويروي أن رجلاً قال له إني أريد الخروج في تجارة لي وذلك في محاق الشهر فقال عليه السلام له أتريد أن يمحق الله تجارتك؟ استقبل الشهر بالخروج.
" الحديث الثالث والثلاثون " في رواية عن علماء بني إسرائيل في صحة علم النجوم بطريق أهل العلوم، ما ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار فقال ما هذا لفظه، وكان من علماء بني إسرائيل من يسترون من العلوم علمين علم النجوم وعلم الطب فلا يعلمونهما لأولادهم لحاجة الملوك إليها لئلا يكون سبباً لصحبة الملوك والدنو منهم فيضمحل دينهم.
" الحديث الرابع و الثلاثون " يتضمن أن النبي سيد كل معصوم، ذكر مولده الشريف بمقتضى علم النجوم، مما ذكره الزمخشري في " ربيع الأبرار " فقال بعض المنجمين أن مواليد الأنبياء السنبلة أو الميزان، وقال صلى الله عليه وآله وسلم ولدت بالسماك وحساب أهل النجوم إنه السماك الرامح فكان في ثاني طالعه زحل فلم يكن له ملك ولا عقار.
الباب الرابع
فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم
صلوات الله عليه في إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الإنسان عليه من ذلك ما رواه عبد الله بن الصلت في كتاب " التواقيع " من أصول الأخبار قال حملت الكتاب وهو الذي نقلته من العراق كتب مصقلة بن إسحاق إلى علي بن جعفر رقعة يعلمه فيها أن المنجم كتب ميلاده ووقت عمره وقتاً وقد قارب ذلك الوقت وخاف على نفسه فأحب أن يسأله أن يدله على عمل يعمله يتقرب به إلى الله عز وجل فأوصل علي بن جعفر رقعته التي كتبها إلى موسى بن جعفر عليه السلام فكتب إليه " بسم الله الرحمن الرحيم " متعني الله بك قرأت رقعة فلان فأصابني والله إلى ما أخرجني إلى بعض لائمتك، سبحان لله أنت تعلم حاله منا وفي طاعتنا وأمورنا فما منعك من نقل الخبر إلينا. ليستقبل الأمر ببعض السهولة حتى لو نقلت أنه رأى رؤيا في منامه، أو بلغ سن أبيه أو أنكر شيئاً من نفسه، فكان الأمر يخف وقوعه، ويسهل خطبه ويحتسب هذه الأمور عند الله عز وجل. بالأمس تذكره في اللفظ بأن ليس أحد يصلح لنا غيره واعتمادنا عليه على ما تعلم، فليحمد الله كثيراً ويسأله الإمتاع بنعمته وما أصلح المولى وأحسن الأعوان عوناً برحمته ومغفرته، مر فلاناً لا فجعنا الله به بما يقدر عليه من الصيام، كل يوم أو يوماً ويوماً أو ثلاثة في الشهر ولا يخلي كل يوم أو يومين من صدقة على ستين مسكيناً وما يحركه عليه النسبة وما يجري ثم يستعمل نفسه في صلوات الليل والنهار استعمالاً شديداً وكذلك في الاستغفار وقراءة القرآن وذكر الله تعالى والاعتراف في القنوت بذنوبه والاستغفار منها ويجعل أبواباً في الصدقة والعتق والتوبة عن أشياء يسميها من ذبوبه، ويخلص نيته في اعتقاد الحق ويصل رحمه وينشر الخير فيها،فنرجو أن ينفعه الله عز وجل لمكانه منا وما وهب الله تعالى من رضانا وحمدنا إياه، فلقد والله ساء ني أمره فوق ما أصف، وأنا أرجو أن يزيد الله في عمره، ويبطل قول المنجم فيما أطلعه على الغيب والحمد لله وقد رأيت هذا الحديث في كتاب " التوقيعات " لعبد الله بن جعفر الحميري رحمه الله وقد رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى بإسناده إلى الكاظم " ع " يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس فلو كان القول بعلم النجوم محالاً ما كان مولانا الكاظم صلوات الله عليه قد اهتم بتدبير زواله بما أشار إليه، ولا كان بلغ الأمر في استعمال صاحب القطع نفسه في صلوات الاستيجار وكثرة الاستغفار والعتق والصدقة مما يدفع به الأخطار.(1/46)
وذكر مصنف كتاب " إخوان الصفا " في المجلد الأول منه في فضل فوائد علم النجوم فقال ما هذا لفظه، واعلم أيها الأخ أيدك الله وإيانا بروح منه أن في معرفة علم النجوم فوائد كثيرة فيما يكون في الحادث المستقبل والكائن من بعد أيام، فإنه إذا علم الإنسان ما يكون أمكنه حينئذ أن يدفعه عن نفسه أو بعضه لا بان يمنع كونه، ولكن يتحرز منه ويستعد له كما يستعد سائر الناس لدفع برد الشتاء بجمع الدثار ولحر الصيف باتخاذ الأماكن وللغلاء باتخاذ الغلات والادخار ولخوف العين بالصرف منها وللمخاوف وما شاكل هذه الأمور،مع علمهم بأنهم لا يصيبهم إلا ما كتب الله عليهم " وشيء آخر " وهو أنه متى علم الناس الحوادث قبل كونها أمكنهم أن يدفعوها قبل نزولها بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى والتوبة والإنابة إليه، وبالصوم والصلاة والفرائض والنذور، والسؤال من الله تعالى أن يدفع عنهم المحذور ويصرف ما يخافونه من الأمور.
واعلم أيها الأخ أيدك الله وإيانا بروح منه أنك إذا نظرت أسرار النواميس الإلهية وتأملت السنن الشرعية، وتبينت أغراض واضعي النواميس كان هذا الذي ذكرت لك، وذلك أن موسى بن عمران عليه السلام أوصى بني إسرائيل فقال احفظوا شرائع التوراة واعملوا بوصاياها فإن الله يستجيب دعاءكم، ويرخص أسعاركم ويخصب بلادكم ويكثر أموالكم وأولادكم، ويكف عنكم أعداءكم، ومتى خفتم حوادث الدهر ومصائب الأيام، فتوبوا إلى الله واستغفروا وصلوا وادعوه أن يصرف عنكم ما تخافون، ويدفع عنكم شر ما تحذرون، ويكشف عنكم شر ما يكون من محن الدنيا ومصائبها، وحوادث الأيام ونواكبها. وعلى هذا المنوال كان وصية عيسى عليه السلام لصاحبته ووصية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأمته.(1/47)
وقد روينا بعدة أسانيد عن الأئمة الأطهار، أن القطع بالموت في الأعمار، يزول بالصدقة والمبار، فمن ذلك ما ذكره الشيخ الثقة محمد بن يعقوب الكليني في كتاب " الكافي " بإسناده رحمه الله إلى أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة تدفع ميتة السوء ومن ذلك ما ذكره أيضاً في الكافي بإسناده إلى أبي جعفر الباقر " ع " قال البر والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر، ويدفعان ميتة السوء ومن ذلك ما ذكره أيضاً بإسناده إلى الصادق عليه السلام قال مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له السام عليكم فقال له وعليك فقال أصحابه عليه السام إنما السلام الموت فقال النبي صلى الله عليه وآله وكذلك رددته عليه ثم قال إن هذا اليهودي يعقبه أسود في قفاه فيقتله قال فذهب اليهودي فحطب حطباً كثيراً واحتمله ثم لم يلبث أن انصرف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعه فوضعه فإذا فيه أسود عاض فقال يا يهودي أي شيء عملت اليوم قال ما علمت إلا عملاً حطبي أحطبته واحتملته وجئت به وكان معي قرصان أكلت واحداً وتصدقت على مسكين بواحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بها دفع الله عنك، إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان، ومن ذلك ما رويناه عن محمد بن يعقوب أيضاً في كتابه المشار إليه بإسناده عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال كان رجل من بني إسرائيل ولم يكن له ولد فولد له غلام فقيل له أنه يموت ليلة عرسه فمكث الغلام فلما كان ليلة عرسه نظر إلى شيخ كبير ضعيف فرحمه ودعاه فأطعمه فقال له أحييتني أحياك الله فأتى أباه آتٍ في النوم سل فقال له سل ابنك ما صنع؟ فسأله فأخبره ثم أتاه مرة أخرى في النوم فقال له إن الله أحيى ابنك بما صنع مع الشيخ، ومن ذلك ما ذكره سعيد بن هبة الله الراوندي رحمه الله في كتاب " قصص الأنبياء " قال إن عيسى عليه السلام مر بقومٍ معرسين فسأل عنهم فقيل له أن بنت فلان تهدى إلى فلان فقال إن صاحبتهم ميتة من ليلتهم فلما كان من الغد قيل له أنها حية فجاء بالناس إلى دارها فخرج إليه زوجها فقال " ع " سل زوجتك ما فعلت البارحة فقالت ما فعلت شيئاً إلا أن سائلاً كان يأتيني كل ليلة جمعة فأنيله شيئاً وأنه جاء ليلتنا فهتف ثم قال عز علي أن لا يسمع صوتي، وعيالي يبقون الليلة جياعاً، فقمت متنكرة وأنلته ما كنت أنيله فيما مضى فقال عيسى " ع " تنحي عن مجلسك فتنحت فإذا بفراشها أفعى عاض على ذنبه فقال لها بما صنعت صرف عنك هذا ومن ذلك ما رواه أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب " الدلائل " في دلائل الصادق " ع " بإسناده إلى ميسر قال قال لي أبو عبد الله يا ميسر قد حضر أجلك غير مرة ويؤخره الله تعالى بصلتك رحمك وبرك قرابتك.(1/48)
وأما دفع البلاء والقضاء بالدعاء، فأنا ذاكر من الدعوات في الرخاء والبلاء عدة مقامات تكون عند كل مسلم من أعظم الشهادات منها مقام الأنبياء عليهم السلام في الرخاء والرجاء، دعاء زكريا " ع " " فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضياً " فقال جل جلاله " يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا " ومنها دعاء الأنبياء عند الابتلاء دعاء أيوب " ع " " رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " فقال جل جلاله " فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهم معه رحمة من عندنا وذكرى للعابدين " ومنها دعاء الأنبياء عند النصر على الأعداء دعاء نوح " ع " " رب إني مغلوب فانتصر " فأجابه الله جل جلاله " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر " ومنها دعاء الأنبياء فيما يخافون به ما يقضي على الحياة دعاء يونس " ع " " سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين " فقال جل جلاله " فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " ، ومنها مقامات الأولياء كأصحاب طالوت في الدعاء " ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " فقال جل جلاله " فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت " ومنها دعاء أصحاب الكهف حين دعوا فقالوا " ربنا آتتا من لدنك رحمة وهيأ لنا من أمرنا رشدا " فقال جل جلاله " فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثتاهم " ، ومنها مقامات النساء في الدعاء كدعاء امرأة فرعون إذ قالت " ربي ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين " ، فروي في الأحاديث إجابة سؤالها، ومنها مقامات العصاة في الدعاء كقوم إدريس " ع " فإنه دعا عليهم أن يحبس عنهم الغيث فبقوا عشرين سنة لم يمطروا فدعوا الله جل جلاله فأجاب سؤالهم وكقوم يونس " ع " فإنه دعا عليهم، فدعوا الله تعالى فرحمهم وعكس في الظاهر على نبيهم وبلغتهم آمالهم؛ ومنها الأمم الهالكون في العذاب فقد بينهم الله جل جلاله في الكتاب وذكر لعل المراد منه أنهم لو دعوه لزالت كروبهم، قال سبحانه " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم " ، ومنها دعاء أعظم الجناة في حال إصراره واستكباره إبليس إذ قال " اجعلني من المنظرين " فأجابه الله جل جلاله بقوله " إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " ، أقول فهل بقيت شبهة أن الدعاء دافع للبلاء عند العقلاء؟
الباب الخامس
فيما نذكره ممن كان عالماً من الشيعة
أو حول مولده الموسوم
أقول قد تقدم في الكتاب،أن جماعة من بني نوبخت وهم أعيان الشيعة كانوا علماء في هذا الباب. ووقفت على عدة مصنفات لهم في النجوم وأنها دلالات على الحادثات وكان الحسن بن موسى أبو محمد نوبختي عارفاً بعلم النجوم وقدوة في تلك العلوم وصنف كتاباً استدرك فيه على أبي على الجباني لما رد على المنجمين وقد وقفت على كتاب أبي محمد وما فيه من موضع يحتاج إلى زيادة تبيين، وقد ذكره النجاشي في فهرست مصنفي الشيعة فقال الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي شيخنا المبرز على نظرائه في زمانه قبل ثلثمائة وبعدها له على مذهب الأوائل كتب كثيرة منها كتاب " الآراء والديانات " كتاب كبير حسن يحتوي على علوم كثيرة، قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله رحمه الله، أٌقول أن هذا الكتاب المسمى " الآراء والديانات " عندنا الآن ووقفت على معرفته فيه بعلم النجوم وما اختاره وما رده على أهل الأديان ثم ذكر النجاشي في كتبه كتاب الرد على أبي علي الجبائي في رده على النجمين وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي عن الحسن بن موسى النوبختي أنه كان أمامياً حسن الاعتقاد أقول وقال الشيخ الطوسي في كتاب " الرجال " الحسن بن موسى النوبختي ابن أخت أبي سهل أبو محمد متكلم فقيه وأقول وصل إلينا من كتبه أيضاً كتاب الرصد على بطليموس في هيئة الفلك والأرض.
ومن علماء المنجمين من الشيخ الفاضل أحمد بن خالد بن عبد الرحمن البرقي وقد نص عليه شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتاب الفهرست والشيخ أحمد بن العباس النجاشي فقالا كان ثقة في نفسه وذكرا أسماء كتبه وأنه صنف كتاباً في علم النجوم.(1/49)
ومن العلماء بالنجوم الشيخ الفاضل أحمد بن محمد بن طلحة أبو عبد الله وهو ابن أخي أبي الحسن علي بن عاصم المحدث يقال له العاصمي وقد أثنى عليه شيخنا أبو جعفر الطوسي والشيخ أحمد بن العباس النجاشي في كتابيهما في فهرست أسماء المصنفين من الشيعة وقالا أنه ثقة وذكرا في كتبه كتاب النجوم.
وممن وقفت على تصنيفه من الشيعة فيما يتعلق بالنجوم الشيخ أحمد بن العباس النجاشي مؤلف كتاب فهرست المصنفين وذكر فيه أن كتاباً صنفه أسماه كتاب " مختصر الأنوار " في مواضع النجوم.
ومن المذكورين بعلم النجوم والمصنفين فيها الجلودي من أصحابنا في البصرة فيما صنفه أبو العباس مؤلف كتاب فهرست كتب المصنفين فإنه لما ذكر مصنفاته قال وفضل ثواب الأعمال والطب والنجوم.
ومن العلماء بالنجوم من الشيعة علي بن محمد العدوي الشمشاطي وقد أثنى عليه أبو العباس النجاشي في كتابه فقال عنه كان شيخنا بالجزيرة فاضل أهل زمانه وأديبهم وذكر في تصانيفه رسالة في إبطال أحكام النجوم أقول قوله في إبطال أحكام النجوم لعله في إبطال أن تكون النجوم علة فاعلة أو مختارة وهما باطلان ولم أقف على رسالته هذه إلى الآن.
ومن العلماء بالنجوم من الشيعة والمصنفين فيها علي بن محمد بن العباس بن فسابخس قال أحمد بن العباس النجاشي كان عالماً بالأخبار والأشعار والسير والآثار مارئي في زمانه مثله وذكر في تصانيفه كتاب الرد على المنجمين وكتاب الرد على أهل المنطق وكتاب " الرد على الفلاسفة " .
ومن العلماء بالنجوم من الشيعة محمد بن أبي عميروهو من أعلم أهل زمانه علماً وفضلاً وورعاً ونبلاً عند الموالف والمخالف، وقد بالغ شيخنا أبو جعفر الطوسي والنجاشي في الثناء عليه وروى الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه، ما هذا لفظه وروى عن ابن أبي عمير قال كنت أنظر في علم النجوم وأعرفها وأعرف الطالع فتداخلني من ذلك شيء فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام فقال إذا وقع في نفسك شيء فتصدق على أول مسكين ثم أمض فإن الله تعالى يدفع عنك، أقول وروينا هذا الحديث أيضاً من كتاب التجمل الذي تاريخه سنة ثلاث وثلاثين ومائتين فقال في باب الفال والطيرة ما هذا لفظه محمد بن أذينة عن ابن أبي عمير قال كنت أنظر في النجوم وأعرف الطالع فيدخلني من ذلك شيء فشكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال إذا وقع في نفسك شيء من ذلك فخذ شيئاً وتصدق به على أول مسكين تلقاه فإن الله تعالى يدفع عنك أقول ولو لم يكن في الشيعة عارفاً بالنجوم إلى محمد بن محمد أبي عمير لكان حجة في صحتها وإباحتها لأنه من خواص الأئمة عليهم السلام والحجج في مذاهبها ورواياتها.
ومن العارفين بالنجوم من الشيعة والمصنفين فيها الشيخ المعظم عند كافتهم، والمتفق على عدالته وجلالته عند خاصتهم وعامتهم محمد بن مسعود ابن محمد بن عياش وقد أثنى عليه محمد ابن إسحاق النديم وشيخنا أبو جعفر الطوسي وأحمد بن العباس النجاشي وبالغوافي الثناء عليه رضوان الله عليهم وعليه وذكروا له كتاباً في النجوم.
ومن العلماء بالنجوم المصنفين فيه الشيخ الفاضل محمد بن علي الكراجكي رحمه الله وقفت له على تصنيفين فيها وفي صحة أنها دلالات على الحادثات وتضمن فهرست كتبه تصانيف فيها غيرما أشارت إليه ولم أقف عليه ولقد كان فاضلاً في العلم فيها معتمداً عليه.
ومن العلماء بالنجوم من الشيعة الأمامية المشهورين بعلمها والمصنفين في فضلها موسى بن الحسن بن العباس بن إسماعيل بن بوبخت قال أحمد بن العباس النجاشي كان حسن المعرفة بالنجوم وله فيها كلام كثير وكان مقوماً عالماً وكان مع هذا متديناً حسن الاعتقاد والعبادة وله مصنفات في النجوم وكان مع حسن معرفته بعلم النجوم حسن الدين والعبادة.
ومن العلماء بالنجوم من الشيعة الفضل بن أبي سهل بن بوبخت وصل إلينا من تصانيفه كتاب في المسائلة وابتداء الأعمال، الأعمال المعروف بالسجل وهو كتابه الثاني يدل على قوة معرفته بعلم النجوم وأنه قدوة في هذه العلوم.(1/50)
ومن علماء النجوم والمصنفين فيها السيد الفاضل أبو القاسم علي ابن أبي الحسن العلوي الحسيني المعروف بابن الأعلم،قال العمري النسابة في كتاب الشافي منهم صاحب الزيج ابن الأعلم وكان مقدماً في صناعته وهو أبو القاسم علي ابن أبي الحسن علي ابن أبي المجيب علي بن جعفر بن محمد الأعلم ورأيت جماعة يثنون على علمه، وصل إلينا من تصانيفه هذا الزيج المشار إليه، وهو في معناه معتمد عند جماعة عليه، وذكر العمري النسابة في سابع المبسوط ما هذا لفظه، وأبا القاسم عليا المنجم الحاذق ببغداد صاحب الزيج ووجدت في كتاب عندنا الآن فيه مواليد الخلفاء والملوك وكثير من العلماء ذكر فيه ما هذا لفظه ولد أبو القسم علي بن محمد بن الأعلم العلوي المنجم بالكوفة يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وذكر زايجته وأن طالع مولده الميزان.
ومن المذكورين بعلم النجوم من العلويين من ذكره العمري في كتاب الشافي في النسب عند ذكر أبي الحسن النقيب الملقب أبا قيراط أبي عبد الله المحدث وأولاده فقال العمري ما هذا لفظه، ومنهم أبي الحسن المنجم المبجل مات دارجاً.
ومن الموصوفين بعلم النجوم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين بن علي المسعودي مصنف كتاب مروج الذهب له تصانيف جليلة ومنزلته في العلوم والتواريخ والرياسة.
ومن أولئك من حدثني به الحسين ابن الدورقي وقال أن الشيخ الفقيه أبا القاسم ابن مانع من أصحابنا الشيعة كان قريباً من زقاقنا وكان ممن يقرأ عليه في الفقه وعلم النجوم معروفاً بذلك
وممن أدركته من علماء الشيعة العارفين بالنجوم وعرفت بعض إصاباته العالم الزاهد الملقب بخطير الدين محمود بن محمد وكان قد أوصى إلي حين ورد العراق وهو إذ ذاك بمشهد موسى بن جعفر صلوات الله عليهما وأنا في تلك الأوقات مقيم ببغداد وقد مرض في سنة اقتدت دلالة النجوم أن عليه قطعاً وعرفني موضع القطع عليه منها وقال تعاهدني فإني إذا تجاوزته بقيت عشرة سنين وإلا فإنه مخوف، فمات رحمه الله في الوقت الذي ذكره لي أقول ومن إصابته أنا قد توصلنا إليه وللشيخ الصالح بدر الأعجمي في رسمين في أيام المستنصر لكل واحد خمسون ديناراً فسعي بهذا الشيخ محمود إلى المستنصر بأنه غير محتاج إلى الرسم وأن بدراً الأعجمي فقير مستحق لذلك، فاعتبر الشيخ محمود بن محمد بالنجوم وقصد لأخذ رسمه وقد تقدم بقطعه فسلموه إليه وجاء بعده بدر فمنع مع ظهور فقره فبقينا مدة نجتهد لبدر حتى استدركنا إعادة رسمه وتوفي رحمه الله في تلك السنة.
وممن اشتهر بعلم النجوم بدقة رأيه من علماء الشيعة الشيخ الفاضل نصر بن الحسن القمي وصل إلينا من تصانيفه كتاب المدخل في علم النجوم.
وممن اشتهر بعلم النجوم وقيل أنه من علمائه أبو سعيد أحمد بن محمد بن عبد الجليل السنجري وصل إلينا من تصانيفه كتاب سني المواليد، وكان والده محمد بن عبد الجليل السنجري من الفضلاء في علم النجوم وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيجات في استخراج الهيلاج والكدخدا وما قال في فتح الباب.
وممن اشتهر بعلم النجوم وقيل أنه من الشيعة الشيخ الفاضل أبو الحسن علي بن أحمد العمراني وصل إلينا من تصانيفه كتاب المواليد والاختيارات قال محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست أنه من أهل الموصل وكان فاضلاً تقصده الناس من المواضع البعيدة لتقرأ عليه.
وممن اشتهر بعلم النجوم من بني العباس الشريف الفاضل أبو علي محمد بن عبد العزيز الهاشمي وصل إلينا من تصانيفه كتاب الجوابات الحاضرة في علاج عبد الله بن أحمد بن الحسن.
وممن اشتهر بعلم النجوم من بني العباس الشريف الفاضل أبو القاسم علي بن القاسم القصري وصل إلينا من تصانيفه كتاب ترتيب حساب دساتر الكواكب السبعة.
وممن ظهر عليه علم النجوم من الشيعة ابراهيم الفزاري صاحب القصيدة في النجوم وكان منجماً للمنصور في زمنه.
وممن اشتهر بعلم النجوم من الشيعة أحمد بن يوسف بن ابراهيم المصري كان منجماً لآل طولون وصل إلينا من تصانيفه كتاب تفسير الثمرة لبطلميوس.
وممن اشتهر بعلم النجوم من علماء الشيعة الشيخ الفاضل محمد بن عبد الله بن عمر البازايار القمي تلميذ أبي معشر وصل إلينا من تصانيفه كتاب القرانات والدول والملل.(1/51)
وممن اشتهر بعلم النجوم وقيل أنه من علماء الشيعة الشيخ الفاضل إسحاق بن يعقوب الكندي وصل إلينا من تصانيفه رسالته في علم النجوم خمسة أجزاء، وذكر محمد بن إسحاق النديم بالجزء الرابع من الفهرست نسب الكندي وأنه من ولد محمد بن الأشعث بن قيس وقال أنه فاضل دهره في علومه، وأحد عصره في نجومه، ثم ذكر له أحد وثلاثين كتاباً ورسالة في دلالة علوم الفلاسفة على مذهب الإسلام وعلوم النبوة واحد عشر كتاباً في الحسابيات، وثمانية كتب في الكريات وسبعة كتب في الموسيقات وتسعة وعشرين كتاباً في النجوميات منها كتاب أن رؤية الهلال لاتضبط على الحقيقة وإنما القول فيها بالتقريب، واثنين وعشرين كتاباً في الهندسة، وستة عشر كتاباً في الفلك، واثنين وعشرين كتاباً في الطب، وتسعة كتب في أحكام النجوم، وستة عشر كتاباً في الجبر، وخمسة كتب في النفس، واحد عشر كتاباً في السياسة، وأربعة عشر كتاباً في الأحداث، وثمانية كتب في الأبعاد، وستة وثلاثين كتاباً في التقدميات، ووصف محمد بن إسحاق كل كتاب من جميع ما ذكرناه بأسمائها فأوردت الأسماء لتعلم مواهب الله جل جلاله وعنايتهم به.
وممن اشتهر في علم النجوم من فضلاء الشيعة الشيخ الفاضل أبو الحسين بن أبي الخصيب القمي صاحب كتاب " كارمهتر " وله عدة تصانيف وكان مقيماً في الكوفة.
وممن كان قائلاً بصحة النجوم وأنها دلالات، الشيخ المتفق على علمه وعدالته أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه، فإننا روينا عنه في كتاب الخصال صحة ذلك، وقد تضن في خطبة كتاب من لايحضره الفقيه أنه لايذكر فيه إلا ما يفتي فيه، ويحكم بصحته ويعتقد أنه حجة بينه وبين الله جل جلاله.
ووجدت في بعض ما وقفت عليه، أن والده المعظم علي بن الحسين بن بابويه رضي الله عنه، كان ممن أخذ طالعه في النجوم وأن ميلاده بالسنبلة، وعلي بن بابويه كانت له مكاتبه إلى مولانا المهدي صلوات الله عليه على يد أبي القاسم الحسين بن روح رضوان الله عليه واجتمع به على يد علي بن جعفر بن الأسود، وهو الذي سأله أن يرزقه الله الولد فيما كتبه إلى مولانا المهدي سلام الله عليه، فكتب إليه: قد دعونا الله تعالى لك بذلك وسترزق ولدين ذكرين خيرين، وذكر جماعة أنهم كانوا عند أبي الحسن علي بن محمد السمري رحمه الله، فقال: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه، فقيل له: أنه حي فقال أنه مات في يومنا هذا فكتب فجاء الخبر بأنه مات في ذلك اليوم وقد ذكر هذه المعاني أبو العباس النجاشي في فهرست كتب الشيعة.
ورويت في كتاب اختيار جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله ممن كتاب أبي عمر ومحمد بن عمرو بن عبد العزيز الكشي، ما يقتضي أن الطوسي كان يختار التصديق بحكم النجوم ولا ينكر ذلك ونحن نذكر ما روي عنه في أول اختاره ولم ننقل الحديث بذلك من خطه قدس سره، فأما ما ذكرناعنه في خطبة اختياره لكتاب الكشي، فهذا لفظ ما وجدناه، أملى علينا الشيخ الجليل الموفق أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي أدام الله علوه، وكان ابتداء إملاءه يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة ست وخمسين وأربعمائة في الشهر الشريف الغروي على ساكنه السلام قال هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمر ومحمد بن عمرو بن عبد العزيز واخترت ما فيها، وأقول أنا فانظر قوله واخترت ما فيها.
فأما حديث الحكم بالنجوم فيما اختاره الطوسي فهذا لفظ ما رويناه من خطه رضي الله عنه ما روي في أبي خالد السجستاني حمدوية وإبراهيم قالا: حدثنا أبو خالد السجستاني أنه لما مضى أبو الحسن " ع " وقف عليه ثم نظر في نجومه فعلم أنه مات وقطع على موته وخالف أصحابه.
قلت أنا في هذه عدة فوائد منها أن هذا أبا خالد كان واقفياً يعتقد أن أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ما مات فدله الله تعالى بعلم النجوم على موته، وكان هذا سبب هدايته ومنها أنه كان من أصحاب موسى بن جعفر عليه السلام، ولم يبلغنا أنه أنكر عليه النجوم، ومنها أنه لو علم أبو خالد أن علم النجوم منكر عند إمامه لما اعتمد عليه في عقيدته، ومنها اختيار جدي الشيخ الطوسي رضوان الله عليه، لهذا الحديث وتصحيحه، وقد تقدم ثناؤه قدس سره على جماعة من العلماء بالنجوم.(1/52)
وممن اشتهر في علم النجوم من بني نوبخت عبد الله بن أبي سهل وذكر الزمخشري من أحاديثه في كتاب ربيع الأبرار ما هذا لفظه، لما قدم المأمون بغداد، وصل الناس مراتبهم وأغفل عن عبد الله بن أبي سهل بن نوبخت المنجم فقال:
أصبت وأخطأ قبل كل منجم ... فقرب من أخطأ وكنت المبعدا
فلو أنهم كانوا أصابوا لما قضوا ... وكنت الذي أخطأ القضاء لما عدا
أقول وقد قدمنا ذكر جماعة من بني نوبخت وعملهم بالنجوم بإذن الصادق عليه السلام لمن استأذنه منهم،وانوا من أعيان الشيعة.
ومن مدائحهم بعلم النجوم ما مدحهم به ابن الرومي الشيعي وأفرط على عادة الشعراء فقال:
اعلم الناس بالنجوم بنونو ... بخت علماً لم يأتهم بالحساب
بل بأن شاهدوا السماء علواً ... يترقى في المكرمات الصعاب
ساوروها بكل علياء حتى ... بلغوها مفتوحة الأبواب
ومن المعلومين بعلم النجوم والمصنفين فيها من اتباع بعض أهل البيت، من ذكره محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من الفهرست، فقال: ما هذا لفظه ابن قرة ويكنى أبا علي كان منجماً للعلوي المصري وذكر كتباً من تصانيفه.
ومن المذكورين بالتصنيف في علم النجوم الحسن بن أحمد ابن محمد بن عاصم المعروف بالعاصمي المحدث الكوفي، ثقة سكن بغداد، ذكره ابن شهر أشوب في كتاب عالم العلماء.
؟وممن اشتهر بعلم النجوم من المنسوبين إلى مذهب الإمامية الفضل بن سهل وزير المأمون الذي تعصب لمولانا الرضا صلوات الله عليه، أبلغ العصبية وقد ذكره جدي أبو جعفر الطوسي في كتاب الرجال من أصحاب الرضى عليه السلام وقد ذكرنا فيما تقدم ما يدل على علمه بها.
ونزيد ههنا ما يدل على بعض إصاباته في أحكامها ودلائلها، فنقول قدروي صاحب التاريخ محمد بن عبدوس الجهشياري وغيره ما معناه، أنه لما وقع بين الأمين والمأمون ما وقع، واضطربت خراسان، وطلب جند المأمون وصعد المأمون إلى منظرة للخوف على نفسه من جنده ومعه الفضل وقد ضاق عليه مجال التدبير وعزم على مفارقة ما هو فيه، أخذ الفضل طالعه ورفع اسطرلابه فقال له ما تنزل هذه المنزلة إلا خليفة غالباً لأخيك الأمين، فلا تعجل وما زال يسكنه ويثبته حتى ورد عليهم في تلك الساعة رأس ابن ماهان وقد قتله طاهر وثبته حتى ورد عليهم في تلك الساعة رأس ابن ماهان وقد قتله طاهر وثبت ملكه وزال ما كان يخافه وظفر بالأمان.
ومن إصابات الفضل بن سهل ما ذكره الطبري وابن مسكويه في تاريخها، فقالا في أخبار
المأمون ما هذا معناه، أن المأمون لما استشار الفضل بن سهل في أمر الأمين، وكان الفضل ينظر في النجوم وكان جيد المعرفة بأحكامها فرأى الغلبة لعبد الله المأمون والعاقبة له، عرف المأمون بذلك فوطن نفسه على محاربة الأمين ومناجزته.(1/53)
وممن كان عالماً بالنجوم من المنسوبين إلى الشيعة الحسن بن سهل وقد ذكره جدي أبو جعفر الطوسي في " كتاب الرجال " من أصحاب الرضا عليه السلام وقد تقدم ما ينبه على علمه بها، فمن إصاباته فيها ما ذكره أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه في كتاب " عيون أخبار الرضا " عليه السلام فقال بإسناده إلى ياسر خادم الرضا " ع " قال ورد علي الفضل كتاب من أخيه الحسن بن سهل، أني نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم فوجدت أنك تذوق في شهر كذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار ورأى أنك تدخل أنت و الرضا وأمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم وتحتجم وتصب الدم على بدنك ليزول نحسه عنك، فكتب الفضل بذلك إلى المأمون وسأله أن يدخل الحمام معه، وسأل أبا الحسن الرضا ذلك وكتب المأمون إلى الرضا ذلك وسأله؛ فكتب إليه الرضا لست بداخل الحمام غدا ولا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تدخل الحمام غداً ولا أرى للفضل أن يدخل الحمام غداً، فأعاد إليه الرقعة مرتين، فكتب إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام، لست بداخل الحمام فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الليلة في النوم يقول لي، يا علي لا تدخل الحمام غداً، فكتب إليه المأمون يقول، صدقت يا سيدي وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لست بداخل غدا الحمام، والفضل فهو أعلم وما يفعل قال ياسر فلما أمسينا وغابت الشمس قال لنا الرضا عليه السلام قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة، فأقبلنا نقول ذلك فلما صلى الرضا " ع " الصبح قال لنا قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذا اليوم فما زلنا نقول ذلك،فلما كان قريباً من طلوع الشمس، قال الرضا عليه السلام لي اصعد السطح أصغ هل تسمع شيئاً فلما صعدت سمعت الصيحة والنحيب وكثرة ذلك، وإذا بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار أبي الحسن الرضا " ع " وهو يقول آجرك الله يا أبا الحسن بالفضل، كان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف وقتلوه هذا مرادنا من الحديث، أقول وما يخفى على من يفهم أن امتناع الرضا عليه السلام من دخول الحمام وأشارته إلى المأمون أن لا يدخل هو ولا الفضل الحمام في ذلك الوقت، وتعوذ جماعة الرضا " ع " من شر تلك الليلة وذلك اليوم، وأمر ياسر بصعود السطح في وقت القتل يدل على أن الله جل جلاله كان قد أطلعه على تفصيل ما يجري على الفضل.(1/54)
أقول وكنت لما وجدت الأخبار متظافرة بمعرفة الفضل بن سهل في النجوم أتعجب كيف ما دلته معرفة على ما يحذر عليه من القطع والقتل، وكيف أحتاج إلى تعريف أخيه الحسن بالقطع عليه حتى رأيت بعد ذلك في كتاب " الوزراء " جمع عبد الرحمن بن المبارك ما هذا لفظه وذكر أبو عيسى محمد بن سعيد، أنه وجد على كتاب من كتب ذي الريا ستين يخطه هذه السنة الفلانية التي تكون فيها النكبة وإلى الله نرغب في دفعها، وإن صح من حساب الفلك فيها شيء فالأمر واقع لا محالة، ونسأل الله أن يختم لنا بخير بمنه تعالى، وكان يعمل لذي الرياستين تقويم في كل سنة يوقع عليه هذا يوم يصلح لكذا ويجتنب فيه كذا فلما كان في السنة التي قتل فيها عرض عليه التقويم فجعل يوقع فيه ما يصلح وما يجتنب حتى انتهى إلى اليوم الذي قتل فيه، قال أفٍ لهذا اليوم ما أشره ثم قال عبد الرحمن بعد أحاديث ذكرها عن أخت الفضل قالت دخل الفضل إلى أمه في الليلة التي قتل في صبيحتها فقعد إلى جانبها وجعل يعظها ويعزيها عن نفسه، ويذكرها حوادث الدهر ثم قبل صدرها وثدييها وودعها وداع المفارق ثم قام فخرج قلقاً منزعجاً لما دخل عليه من الحساب وجعل ينتقل من موضع إلى موضع ومن مجلس إلى مجلس وامتنع عليه النوم فلما كان في السحر قام إلى الحمام وقد رغمتها وحرارتها وكربها هو الذي دلت عليه النجوم فقدمت له بغلة فركبها، وكانت الحمام في آخر البستان فكبت به البغلة فسره ذلك وقدر أنها هي النكبة التي كان يتخوفها ثم مشى إلى الحمام ولم يزل ماشياً حتى دخل الحمام فاغتسل فيها فقتل، يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب، أعلم أن تعريف الله جل جلاله بدلالة النجوم للعلم بها على موضع القطوع وستره جل جلاله للكيفية والنكبات، وتغطيتها عنهم من أي الجهات شهادات واضحات على أنه فاعل مختار يظهر من اختياره وتدبيره ما شاء، ولو كانت النجوم علة موجبة أو مختارة لانتصب الكشف بالكلية ولو كان الفضل بن سهل غير متعلق بالأمور الدنوية لكان قد قبل نهي مولانا الرضا عليه السلام عن دخول الحمام في ذلك الوقت أو كان عوض التنقل من موضع إلى موضع، قد صانع الله الفاعل المختار بالصدقات يقدمها عن نفسه ولو شيئاً بعد شيء أو بالدعوات كما ذكر مولانا الكاظم عليه السلام في إزالة القطع كما قدمناه، وأقول قد ذكر محمد بن عبدوس الجهشياري عند ذكر الفضل بن سهل نحو ما ذكره عبد الرحمن ابن المبارك من معرفة الفضل بنكبته والعقوبة وله حديثه مع والدته.(1/55)
ومن المذكورين بعلم النجوم وصحة الحكم بها بوران بنت الحسن ابن سهل، وقد وجدت من حديثا في مجموع عتيق ما هذا لفظه، كانت بوران بالمنزلة العليا بأصناف العلوم، لا سيما في علم النجوم فإنها برعت في درايته وبلغت أقصى غايته وكانت ترفع الإسطرلاب كل وقت وتنظر إلى مولد المعتصم، فعثرت يوماً بقطع عليه سببه الخشب فقالت لوالدها الحسن انصرف إلى أمير المؤمنين وعرفه أن الجارية فأنه قد نظرت إلى المولد ورفعت الإسطرلاب فدل الحساب والله أعلم على أن قطعا يلحق أمير المؤمنين بالخشب في الساعة الفلانية من يوم عينته فقال لها الحسن يا قرة العين وسيدة الحرائر أن أمير المؤمنين قد تغير علينا وربما أصغى إلى شيء بغير ما تقتضيه المشورة والنصيحة قالت يا أبت وما عليك من نصيحة أمامك؟ لأنه خطر بروح لا عوض لها فإن قبلها وإلا فقد أديت المفروض عليك، فجاء الحسن إلى المعتصم وأخبره بما قالت ابنته بوران فقال المعتصم للحسن، أحسن الله جزاءك وجزاء ابنتك، انصرف إليها وخضعا عني بالسلام وسلها ثانياً واحضر عندي في اليوم الذي عينته ولازمني حتى ينصرم اليوم ويذهب فلست أشاركك في هذه المشورة والتدبير بأحد من البشر قال فلما كان صباح ذلك اليوم دخل الحسن عليه فأمر المعتصم كل من كان في المجلس بالخروج وخلا به فأشار عليه أن ينتقل من المجلس السقفي إلى مجلس أزحبي لا يوجد فيه وزن درهم واحد من الخشب، وما زال الحسن يحدثه والمعتصم يمازحه وينشطه حتى أظهر النهار وضربت نوبة الصلوات فقال المعتصم ليتوضأ فقال الحسن له لا يخرج أمير المؤمنين من هذا الموضع وليكن الوضوء والصلاة وما يريده فيه حتى ينصرم الوقت فجاء خادم ومعه المشط والمسواك فقال الحسن للخادم امتشط بالمشط واستك بالمسواك فقال وكيف أتناول آلة أمير المؤمنين فقال المعتصم ويلك امتثل قول الحسن ولا تخالفه، ففعل فسقطت ثناياه وانتفخ دماغه وخر مغشياً عليه ورفع ميتاً فقام الحسن ليخرج فاستدعاه المعتصم إليه واحتضنه ولم يفارقه حتى قبل عينيه ورد على بوران أملاكاً وضياعاً كان ابن الزيات سلبها منها.
أقول ورأيت هذا الحكم من بوران في المجلد الرابع من أخبار الوزراء والكتاب تأليف أبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري فذكرته من الكتاب بلفظه قال حدثنا علي بن محمد بن العباس قال كان المعتصم منحرفاً عن الحسن بن سهل وأصحابه وقد كان حاز كثيراً من أملاكهم فقالت بوران لأبيها الحسن بن سهل أني نظرت في حساب المعتصم فوجدته يدل على شيء يجب أن يحذر عنه في الوقت الذي ينكب من جهته وهو الخشب فاجتمع معها على النظر في ذلك فوجد الأمر على ما قالت لها لست آمن من انحرافه عنا أن لا يقع منه هذا موقعه فقالت اقض ما عليك وهو أعلم وما يختار فصار إلى باب المعتصم فاستأذن استئذان من يريد أن ينهي شيئاً لما قيل قد انحرف فاستقبله على كره فلما وصل قدم تقدمة بذكرها يلزمه من النصح والصدق عما يقف عليه، وعرفه ما وقف عليه من الحكم في النجوم فقلق المعتصم بذلك فقال له تأذن لي أن ألزمك إلى انقضاء الوقت فقال افعل، فلزمه يومه وليلته إلى آخرها فلم يحدث شيء ينكره فلما كان وقت الصبح أقبل الخادم بالماء والوضوء والمسواك فنهض الحسن وقبض على المسواك فمنعه الخادم منه فقال الحسن ليس بد من أخذه فارتفع الكلام بينهما إلى أن سمعه المعتصم فقال أعطه المسواك فدفعه إليه فقال تقدم يا أمير المؤمنين لهذا الخادم أن يستاك بهذا المسواك ففعل. فلما استاك به وقعت ثناياه وأسنانه وسقط ميتاً من وقته. وإذ المسواك مسموم فحمل بدفع ذلك عند المعتصم وكان ذلك سبب رجوعه إلى الحسن وأهله وذكر في أخبار المأمون أن بوران لقب فارسي وأن اسمها خديجة.(1/56)
ومما يقتضي أن الحسن بن سهل كان من الموالين وكان علمه بالنجوم ما يضره في الدنيا ولا في الدين وصف شخص لإمام زمانه أنه من الواليه وسؤاله عن مهمات شأنه كما ذكره محمد بن الحسن بن الوليد الثقة الأمين ورواه عنه بإسناده محمد بن بابويه رضوان الله عليه في كتاب الجامع، فقال حدثنا محمد بن الحسن الصفار وعبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عيسى بن عبد عن هشام بن إبراهيم العباسي قال قلت للرضا " ع " أمرني بعض مواليك أن أسألك عن مسألة قال ومن هو قلت الحسن بن سهل أخو الفضل بن سهل ذي الرياستين قال في أي شيء المسألة قلت في التوحيد قال في أي التوحيد قلت يسألك عن الله تعالى جسم أو ليس بجسم، فقال أن الناس في التوحيد ثلاثة فمذهب إثبات تشبيهه لا يجوز ومذهب النفي لا يجوز فلا محيص عن المذهب الثالث إثبات بلا تشبيه، أقول المراد من هذا الحديث أنه سمي الحسن بن سهل أنه من مواليده " ع " وأن الحسن عدل عن العلماء وخص مولانا الرضا " ع " بهذا السؤال وأن الرضا ما أنكر قوله أنه من مواليه ولا توقف عن جوابه بجواب شاذ يرتضيه وممن ذكر هذه الحكاية أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري في كتاب الوزراء وقال لما ذكره بأن البشري وجهه وانتفض عليه سروره عند ذكره.
وقد ذكر محمد بن عبدوس الجهشياري في كتاب الوزراء أحاديث عن يحيى بن خالد تقتضي أن يحيى كان عارفاً بالنجوم فقال ما هذا لفظه قال إسماعيل بن صبيح كنت يوماً أكتب بين يدي يحيى بن خالد فدخل عليه جعفر بن يحيى فأشاح بوجهه عنه وقطب وكره رؤيته، فلما انصرف قلت له أطال الله بقاءك، أتفعل هذا بابنك؟ وحاله عند أمير المؤمنين حال لا يقدم عليه حداً والد ولا ولداً، فقال إليك عني أيها الرجل فوا الله لا يكون هلاك هذا البيت إلا بسببه، فلما كان بعد مدة من ذلك دخل إليه جعفر أيضاً وأنا بحضرته ففعل مثل فعله الأول فكررت عليه القول فقال أدن مني الدواة فأدنيتها فكتب كلمات يسيرة في رقعة وضمها ودفعها إلي وقال لتكن عندك فإذا دخلت سنة سبع وثمانين ومائة ومضى الحرم فانظر فيها فلما كان في صفر الذي أوقع الرشيد بهم فيه نظرت في الرقعة فكان في الوقت الأمر الذي ذكر، قال إسماعيل بن صبيح وكان يحيى بن خالد أعلم الناس بالنجوم.
وذكر محمد بن عبدوس الجهشياري أيضاً في كتاب الوزراء من أخبار يحيى بن خالد في معرفة النجوم ما هذا لفظه، قال موسى بن نصير الوصيف حدثني أبي قال غدوت إلى يحيى بن خالد في آخر أمرهم أريد عيادته من علة كان يجدها فوجدت في دهليزه بغلا مسرجاً فدخلت إليه وكان يأنس بي ويفضي إلي بسره فوجدته مفكراً مهموماً ورأيته مستخلياً مشتغلاً بحساب النجوم ينظر فيه فقلت له أني لما رأيت بغلاً مسرجاً سررت لأني قدرت إيقاف البغلة أو أن عزمك الركوب ثم غمني ما أراه من غمك فقال أن لهذا قصة أني رأيت البارحة في النوم كأني راكبها حتى وافيت الجسر من الجانب الأيسر فوقفت وإذا صائح يصيح من الجانب الآخر
كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
قال فضربت بيدي على قربوس السرج وقلت:
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
ثم انتبهت فلم أشك أنا أردنا بالمعنى، فلجأت إلى أخذ الطالع فأخذته وضربت الأمر ظهراً لبطن فوقفت على أنه لا بد من انقضاء مدتنا وزوال أمرنا، فما كاد يفرغ من كلامه حتى دخل عليه مسرور الخادم وأتى بجونة مغطاة وفيها رأس جعفر بن يحيى وقال له يقول لك أمير المؤمنين أرى أنك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، أقول أنا وهذا غاية المعرفة بالنجوم.(1/57)
وممن كان عارفاً بالنجوم من الشيعة أخو الفضل بن سهل النوبختي الذي قدمنا ذكره في بعض فصول هذا الباب، وقد ذكر معرفته بدلالتها أبو جعفر محمد بن بابويه رحمه الله في الجزء الثاني من " عيون أخبار الرضا " فقال ما هذا لفظه، قال الصولي وقد صح عندي ما حدثني به أحمد بن عبد الله من جهات، منها أن عون بن محمد حدثني عن الفضل بن سهل عن أخ له قال لما عزم المأمون من هذا الأمر أيحب إتمامه أم يتصنع به؟ فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني بأسراره على يده، أنه قد عزم ذو الرياستين على عقد العهد الطالع السرطان وفيه المشتري والسرطان وإن كان شرف المشتري ولكنه برج منقلب لا يتم أمر يعقد فيه ومه هذا فإن المريخ في الميزان في بيت العاقبة وهذا يدل نكبة المقعود له عرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علي إذا وقف على هذا من غيري، فكتب إلي، إذا قرأت جوابي إليك فأردده مع الخادم إلي ونفسك أن يقف أحد على ما غرفتنيه وأن يرجع ذو الرياستين عن عزمه ألحقت الذنب بك وعلمت أنك سببه قال فضاقت على الدنيا وتمنيت أني ما كتبت إليه، ثم بلغني أن الفضل قد تنبه على الأمر ورجع عن عزمه وكان حسن العلم بالنجوم، فخفت والله على نفسي وكبت إليه فقلت له أتعلم في السماء نجما أسعد من المشتري قال لا قلت أفتعلم أن الكواكب تكون أسعد منها في شرفها قال لا قلت فامض العزم على رأيك إن كنت تعتقد أن الفلك في أسعد حالاته، فامضي الأمر على ذلك، فما علمت أني من أهل الدنيا حتى وقع العقد، فزعا من المأمون.
ومن المعروفين في علم النجوم من الشيعة أبو جعفر السقاء المنجم الأحول ذكر ذلك جدي أبو جعفر الطوسي في " كتاب الرجال " في باب الكنى فقال ما هذا لفظه، وكان لقي الرضا عليه السلام، رآه التلعكبري بد سكرة الملك سنة أربعين وثلثمائة، ووصف له الرضا وحكى حكايته، هذا آخر لفظ الطوسي رحمه الله.
ومن الإصابات بدلالات النجوم من امرأة منجمة دخلت في دين يوشع بن نون مما رواه محمد بن خالد البرقي في " قصص الأنبياء " فقال ما هذا لفظه، عبد الله بن سنان عن عمار بن معوية قال وفتحت مدائن الشام على يد يوشع بن نون حين انتهى إلى البلقاء فوجد فيها رجلاً يقال له بالق وبه سميت البلقاء فجعلوا يخرجون يقاتلونه فلا يقتل منهم رجل يقال له بالق وبه سميت البلقاء فجعلوا يخرجون يقاتلونه فلا يقتل منهم رجل فسأله يوشع عن ذلك فقيل له إن في مدينته امرأة منجمة تستقبل الشمس ببرجها ثم تحسب فتعرض عليها الخيل فلا تخرج يومئذ رجلاً حضر أجله فصلى يوشع ركعتين ودعا ربه أن يؤخر الشمس فاضطرب عليها الحساب ففالت لبالق انظر ما يفرضون عليك فأعطهم فإن حسابي هذا قد اختلط علي قال فتصفحت الخيل فأخرجني فإنه لا يكون إلا بقتال فتصفحت وأخرجت فقتلوا قتلاً لم يقتله قوم فسألوا يوشع الصلح فأبى حتى تدفع إليه المرأة فأبى بالق أن يدفعها فقالت المرأة ادفعني وصالحه فدفعها إليه. فقالت هل تجد فيما أوحي إلى صاحبك قتل النساء قال لا قلت أليس إنما تدعوني إلى دينك قال بلى قالت فإني قد دخلت في دينك، هذا آخر لفظه في حديثه.
ومن العارفين بالنجوم من الشيعة والمصنفين فيها محمد بن أحمد بن سليم الجعفري مصنف كتاب " الفاخر المختصر " من كتاب تحبير الأحكام الشرعية.
ومن العلماء بالنجوم من الشيعة فيما ذكره الشيخ الفاضل محمد بن شهرأشوب رضي الله عنه في كتاب معالم العلماء فقال في فصل بعض الشعراء لأهل البيت عليهم السلام، وهم على أربع طبقات المجاهرون والمقتصدون والمقتون والمتكلفون، ثم ذكر رحمه الله من جملة المجاهرين بالتشيع ما هذا لفظه، أبو الفتح محمود بن الحسين السندي بن شاهك المعروف بكشاجم وكان شاعراَ أديباً منجماً متكلماً.
وممن رأيت ذكره من علماء النجوم مر دويه بن إبراهيم بن السندي كان خطيباً ناسباً فقيهاً وكان منجماً طبيباً وكان، وكان من رؤساء المتكلمين وكان عالماً بالدولة وكان أحفظ الناس لما يسمع.
ومن العلماء بالنجوم من الشيعة عفيف بن قيس الكندي، ذكره المبرد ورأيت في بعض حديثه أنه كان من أصحاب مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما صار إلى حرب الخوارج وقد تقدم فيما ذكرناه عن نهج البلاغة.(1/58)
ومن العلماء بالنجوم، عضد الدولة بن بابويه وكان منسوباً إلى الشيع ولعله كان يرى مذهب الزي دية، فممن ذكر معرفته بعلم النجوم الخطيب من " تاريخ بغداد " في الجزء الحادي والخمسين، عند ذكر الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سلمان المعروف بأبي علي الفارسي النحوي وقد مدحه الخطيب مع أنه كان فاضلاً، فقال ما هذا لفظه، قال التنوخي ولد أبو علي الحسن بن أحمد بن الغفار الفارسي النحوي بفارس وقدم بغداد فاستوطنها وسمعنا منه في رجب سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وعلت منزلته في النحو حتى قال قوم من تلاميذه هو فوق المبرد وأعلم منه صنف كتباً عجيبة حسنة لم يسبق إلى مثلها واشتهر ذكره في الآفاق،وبرع له غلمان حذاق مثل عثمان بن جني وعلي بن عيسى الشيرازي وغيرهما وخدم الملوك وتقدم عند عضد الدولة وسمعت أبي يقول سمعت عضد الدولة يقول أنا غلام أبي علي النحوي في النحو وغلام أبي الحسين الصوفي في النجوم، ثم ذكر أن وفاة أبي علي الفارسي كانت يوم الأحد السابع عشر من ربيع الأول سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
ومن القائلين بصحة علم النجوم وأنها دلالات على الحادثات الشيخ المعظم محمود بن علي الحمصي قدس الله روحه كما حكيناه عنه في هذا الكتاب من كلامه في الجزء الثاني من كتاب " التعليق " العراقي ويسمى كتاب " المرشد إلى التوحيد " والمنقذ من التقليد، وقد صرح فيه أن النجوم دلالات على الحادثات، وأن من حكم العلم بها أمكنه الوقوف عليها بعلم أو ظن، وقد قدمنا ألفاظه بذلك عند ذكر مسألة وجدناها له يحسبها من وقف عليها أنه قد ناقض بين قوليه، واعتذرنا له وكان جدي ورام ابن أبي فراس قدس الله روحه ونور ضريحه من أروع من رأيناه عارفاً بأصول الدين وأصول الفقه والفقه وتاركاً ما تقتضيه الرياسة الدنيوية بالكلية وكان معظماً للحمصي ولكتابه العتيق العراقي فأما تعظيمه للحمصي فإن جدي ورام ما عرف أنه كان يلقب أحداً ورأيت خطه على هذا الجزء الثاني بما هذا لفظه، تأليف الشيخ كالمفيد العالم الأجل الأوحد سديد الدين ظهير الإسلام لسان المتكلمين أسد المناظرين محمود بن علي بن الحسن الحمصي رضي الله عنه ورحمه وأرضاه وحشره مع الأئمة الطاهرين كالمعصومين صلوات الله عليهم أجمعين انتهى، وأما تعظم جدي لهذا الكتاب التعليق فأنه أشار علي بحفظه وأحضره بيده من خزانته ومدح هذا الكتاب مدحاً كثيراً وكان عمري آنذاك نحو ثلاث عشر سنة.
وممن وقفت على كتاب منسوب إليه من علماء الشيعة جابر بن حيان من أصحاب الصادق صلوات الله عليه " الفهرست " والنجاشي ذكر جابر بن حيان، وذكر في باب الأشربة ما هذا لفظه، إن الطالع في الفلك لا يكذب في الدلالة على ما يدل أبداً هذا آخر لفظه في المعنى ثم شرح ما يدل أبداً هذا آخر لفظه في المعنى ثم شرح ما يدل على فضله في علم النجوم وغيرها، وقد ذكره ابن النديم في رجال الشيعة وأن له تصانيف على مذهبنا.
وقد تقدم في جواب مولانا علي بن موسى الرضى صلوات الله عليه للصباح بن النصر الهندي أن ذا القرنين كان ملهماً بعلم النجوم، أقول وهذا ذو القرنين وإن لم يكن يذكر دخوله في الشيعة فهو ممن اتفق أهل الإسلام كافة على صلاحه واختصاصه بالله جل جلاله واطلاعه على أسراره تعالى، وإذا كان ملهماً بعلمها فهو أيضاً مما يمكن أن يكون من أسباب ثبوتها في الدلالة وتعليمها للعباد لأنه لا يمكن معرفة أصولها إلا من جانب الله جل جلاله.
ومن جوابي ما ذكرته لبعض من حكم بدلالة النجوم على منعي من حركة عزمت عليها بتدبير العالم بكل معلوم، وهي انتقالنا إلى بغداد في سنة اثنتين وخمسين وستمائة، إن قلت ما معناه نحن أبناء قوم حكوا برتب الفلك ففرج لجدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه الطرق في السماوات؛ لما أسرى به إلى غاية مقامات العنايات، وانشق القمر لأجله وسقط في دار جدنا المعظم علي إظهاراً لفضله وأعيدت الشمس وتعظيماً لمقاماته، فنحن إن سلكنا في تلك الطرائق، ظافرون بما يقتضيه مرة حذرني المنجمون من حركة لي فأقدمت، وأمروا بالحركات فأحجمت كل ذل بتدبير من عليه توكلت وإليه فوضت، وهو حسبي ونعم الوكيل.(1/59)
وممن ذكر بعلم النجوم وزير المنصور أبو أيوب سليمان بن محمد المورياني وهو منسوب إلى قرية من قرى الأهواز يقال لها الموريان فذكر عبد الرحمن بن المبارك في الجزء الأول من " تاريخ الوزراء " بخط المصنف في ذكر أبي أيوب الوزير فقال ما هذا لفظه، وكان قد أخذ من كل شيء طرفاً، وكان يقول ليس من شيء إلا وقد نظرت فيه إلا الفقيه فإني لم أنظر فيه، ونظرت في الكيمياء والطب والنجوم والحساب، ثم شرح اختصاصه بالمنصور إلى غاية عظيمة وأنه أول وزير كان له.
وممن ظهر له عند العمل بالنجوم دلالتها في دولة الرشيد البرامكة فقد ذكر عبد الرحمن بن المبارك الجزء الثاني من " أخبار الوزراء " ما هذا لفظه أن جعفر البرمكي لما عزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه، جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه فاختاروا له وقتاً من الليل فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي كان ينزله إلى قصره والطرق خالية والناس ساكنون فلما وصل إلى سوق يحيى رأى رجلاً ينشد شعراً.
يدبر بالنجوم وليس يدري ... ورب النجم يفعل ما يريد
فاستوحش ووقف ودعا بالرجل فقال له أعد ما قلت فأعاده فقال ما أردت بهذا فقال والله ما أردت بهذا معنى من المعاني لكنه شيء عرض لي وجرى على لساني فأمر له بدنانير.(1/60)
ولقد وجدت فيما أشرنا من الكتب كتاباً يدل على اهتمام الخلفاء والملوك والأمراء والعلماء واعتمادهم على العمل بدلالات النجوم، وذكر رائجهم الموسوم، فذكر فيه ما اشتمل عليه من طوالع الخلفاء من بني العباس وطوالع الملوك من بين بويه وطوالع السلطان محمود والسلطان مسعود، وطوالع الوزراء من يحيى بن خالد إلى أيام الطائع ويتضمن مواليد أعيان الدولتين بني حمدان وبني دبيس ومن العلماء جماعة منهم السيد المرتضى وزائجة مولده وقد كان العقرب، درجة و طالع ولده الأطهر أبي محمد بن المرتضى وهو الجوزاء، وطالع ولده الآخر أبي عبد الله الحسين بن المرتضى هو الأسد ومولد محمد بن حسين الرضي الموسي وطالعه الجوزاء ومولد أبي أحمد وطالعه الميزان وقدمنا ذكر ذلك ومولد أبي علي عمر بن محمد بن عمر العلوي وطالعه السرطان ومولد محمد بن عمر وطالعه الدلو، وغيرهم ممن يطولوا ذكر مواليدهم وطوالعهم وشرح زوايجهم مطبقين متفقين على استعمال ذلك وإثباته في التذاكر والتظاهر به، وذكر صاحب " ديوان النسب " في المجلد الأول مولد المرتضى ومولد أخيه الرضي ومواليد أولادهما وطوالعهم وزوائجهم، رضوان الله عليهم كما أشرنا إليه، وهذا يدل المنصف العارف به على صواب القول بأن النجوم دلالات وعلامات على الحادثات وأن استعمال ذلك من المباحات الجائزات والمهمات لأجل ما يستعمل عليه واعتبارها في معرفة القواطع المخوفات فيدفع خطرها بما قدمنا ذكره من الصدقات والصلوات والدعوات وتنبيهها أيضاً على أوقات الممات ليستعد الإنسان بما بين يديه مما يحتاج إليه من الوصايا وأداء الجنايات واستدراك المفروضات واغتنام تحصيل السعادات والباقيات، ويقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس فلما رأيت ذلك بما وهبني الله جل جلاله من أنوار عقل وشرفني من أبصار نقل أنه لا يمتنع أن تكون النجوم دلالات على الحادثات، ووجدت النقل الموافق للعقل كما قلناه قد ورد بجواز ذلك والعمل عليه عمن أوجب الله طاعته والركون إليه، ووجدت صرف محذوراته بدلالة النجوم والأفلاك ممكناً دفعها وصرف خطرها بصوم أو بصدقة أو ما ذكرناه من الاستدراك ووجدت التحرز من الضرر المظنون واجباً في حكم أولي الألباب وأرباب العقول تخاطر بأنفسها وبالأصحاب، في تحصيل نفع مظنون يؤول أمره إلى الفناء والذهاب، وتركب في تحصيله مطايا الأخطار، وتحتمل لأجله أهوال البحار في الأسفار حولت مولدي عند ثلاثة من المنسوبين إلى علم النجوم ببغداد يعتمد كثير من الناس عليهم وعند أربعة من أهل الموصل بعثت مولدي إليهم وعند من كان منسوباً إلى ذلك من أهل البلاد الحالية وشافهت من حضرني غيرهم بما تدل عليه الأسرار الربانية ولم أقتصر على من كان منهم على عقيدة واحدة، بل عند أصحاب العقائد المتباعدة وعند بعض أهل الذمة. ورأيت ذلك من الأمور المهمة لأكون على قدم الاستظهار للخروج من دار الاغترار كما يراد من الاستعداد للمعاد ولقد جربت في عمري من صحة دلالات النجوم الكليات شيئاً كثيراً تصديقاً لما نقل في الروايات وما رأيت عقلي يوافقني على الإهمال بهذه الأحوال والتغافل عما بين يدي من الأهوال مع التمكن بكشفها بعلم أو ظن واستدراكها بما يدلني الله جل جلاله عليه فلا أقل من أن يكون المحصول منه كقول القائل إن إنساناً تخيل أن بين يديه خطراً يوجب أن يتحرز منه ولا يتهجم عليه " ره " وقد قال أكثرهم أن عمري يتسع إلى خمس وسبعين شمسية، وقال آخر إلى أربع وسبعين شمسية، وقال اثنان يزيد على ثمانين سنة، وأنا على قدم التحرز والاستظهار الزائد عند كل سنة مخوفة، بزيادة على عوائد الاستظهارات المألوفة، ولولا وجوب التفويض إلى مالك الأشياء لأحببت سؤاله عز وجل في تعجيل مفارقة دار الفناء خوفاً من الشواغل عما يريده جل جلاله من عمارة دار البقاء ومن شرف حبه وتحف قربه وطلب رضاه ولكني فوضت لما يختاره جل جلاله وحسب المحب أن يسلم زمام مطلوبه إلى محبوبه.(1/61)
ووجدت في كتاب " ريحان المجالس " وتحفة الموانس تأليف أحمد بن الحسين بن علي الرخجي، وسمعت من يذكر أنه من مصنفي الإمامية وعندنا الآن تصنيف له آخر اسمه " أنس الكريم " وقد كان يروي عن المرتضى رضي الله عنه ما هذا لفظه، حدثني أبو الحسن الهيثم أن الحكماء العلماء الذين أجمع الخاصة والعامة على معرفتهم وحسن أفهامهم ولو يتطرق الطعن عليهم في علومهم، مثل هرمس المثلث بالحكمة وهو إدريس النبي عليه السلام، ومعنى المثلث أن الله أعطاه علم النجوم والطب والكيمياء، ومثل أبرخسي وبطليموس، ويقال أنهما كانا من بعض الأنبياء وأكثر الحكماء كذلك وإنما التبس على الناس أمرهم لعلة أسمائهم باليوناينة، ومثل نظرائهم ممن صدر عنهم العلم والحكمة المفضلين الذي مسحوا الأرض ورصدوا الفلك وأفنوا في علمها أموالهم وأعمارهم حتى عرفوا منه ورسموه لنا وأخبرونا به ثم ذكر مصنف ريحان المجالس ما صرحه هؤلاء العلماء من حديث الكواكب وأسرارها وما لا حاجة لنا إلى ذكر ما شرحه من وصف اختبارها.
وذكر أيضاً في كتاب " ريحان المجالس " ما لفظه وجرى ذلك بحضرة والدي الوزير الرخجي رضي الله عنه وبين يديه جماعة من أعيان الزمان وفضلائهم مثل أبي الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي وأبي القاسم بن مهر بسطام وأبي القاسم المكي الرملي المنجم وأبي علي الحسن ابن الهيثم وأبي القاسم الخاقاني وأبي الفتح ابن المقدر النحوي ورؤساء ذلك الزمان في وقتهم وتفاوضوا في فنون من العلم وانجر الحديث إلى ذكر النجوم، فقال ابن الهيثم لابن مهر بسطام كيف بمن لا يعلم ارتفاع الشمس من الشرق والمغرب في كل وقت من اليوم ولا يعلم ما يطلع من المشرق ويغرب في المغرب من البروج في كل يوم ولا يعلم ما يمضي من النهار والليل من الساعات المستويات والساعات المعوجات أولا يعلم امتحان ذات الصفا أعني إسطرلاب على خطأ عمل أو على صواب، أو علم قوس النهار في كل يوم، أو علم قوس الليل، أو علم مطالع كل بلد أو علم درجة الشمس ودرجة القمر في كل يوم، أو علم عروض الكواكب الثابتة وأطوالها، أو علم درج البروج، أو علم الدرج التي طلعت معها الكواكب أو علم ارتفاع نصف نهار الكواكب أو علم بعد الكواكب من خط الاستواء أو علم سير الكواكب أو علم ارتفاع الكواكب في كل وقت من النهار أو علم ما دار من الفلك من كل ساعة أو علم السمت بالساعات أو علم وقت طلوع القمر على كم من ساعة يطلع وكم من ساعة يغرب، أو علم اتصال القمر بالكواكب وانصرافه عنها أو علم منازل القمر التي ذكرها الله تعالى في كتابه ما أسماؤها؟ أو علم دخول شهور الفرس وشهور الروم وشهور القبط، أو علم أعباد الملل أو علم الأهلة أو علم تواريخ الملوك من العرب والفرس والروم والقبط، أو علم مجاري النجوم طولاً وعرضاً، أو علم ظهور الكواكب واستتارها، ثم ذكر من علم النجوم التي يحتاج إلى معرفتها زيادة على ما ذكرناه أكثر من ثلاث قوائم مما لا ضرورة إلى ذكر جميعه هنا وشرح بعد ذلك اتفاق الشيخ علي بن عيسى الربعي النحوي، وابن الهيثم ووالده الوزير على تصديق علم النجوم وصحته والازدراء على من يجحد ذلك لجهله بحقيقته، ولم نذكر نحن ذلك لطوله، وذكر في تضييعه عدة مواضع تتعلق بالنجوم لم نذكرها نحن لأن مقصو دنا ذكر أسماء من ذكرهم من علماء النجوم المتقدمين واستعمال ذلك بين العلماء الفاضلين وأن هذا المصنف كان من الإمامية وهؤلاء الرخجبون كان فيهم جماعة من الشيعة ولهم خصائص مرضية مع مولانا علي بن محمد الهادي صلوات الله عليه، وبعضهم مخالفون، وقد وقفنا على كثير من أخبار الفريقين منهم رحم الله أهل الحق منهم ورضي عنهم، وهذا مصنف ريحان المجالس ممن لقي المرتضى الموسوي وروى عنه..
الباب السادس
في من كان عالماً بالنجوم من غير الشيعة(1/62)
من المسلمين وبعضهم من الشيعة أو من بعض فرقها المختلفين، وصنف فيها أو ظهر صحة حكمه للحاضرين فمن العلماء أهل الإسلام، المعروفين في علم النجوم وعلم الكلام أبو علي الجبائي فذكر المحسن بن علي التنوخي في كتاب " نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة " في الجزء الحادي عشر منه وقد ضمن في خطبة كتابه هذا أنه تحقق ما يوجد فيه عنده قال حدثني الحسن بن الأزرق قال كان أبو هاشم بن أبي علي الجبائي لما قدم بغداد يخبرنا أن أباه أبا علي كان كثير الإصابة في علم النجوم ويحدثنا من ذلك بأحاديث كثيرة وأخبرنا أنه حكم له أن يعيش نيفاً وسبعين سنة شمسية فكنا لإصابة أبي علي في الأحكام طياب النفوس في هذا بهذا الحكم فلما اعتل أبو هاشم علته التي مات فيها ببغداد جئت إليه عائداً فوجدت أخته ابنة أبي علي قلقة عليه فأخذت أطيب نفسها حتى قلت أليس قد حكم أبوه أنه يعيش نيفاً وسبعين سنة شميسة؟ قالت بلى ولكن على شرط قلت ما هو قالت أنه قال أن أفلت من السنة السادسة والأربعين. وقد اعتل هذه العلة الصعبة فيها فقلقي عليه لذلك خوفاً من أن يصح الحكم الأول.قال الحسن فمات في تلك العلة.
ومن إصابات أبي علي الجبائي في أحكام النجوم ما رواه أيضاً في " نشوار المحاضرة " قال حدثني أبو القاسم بن بدر الرامهرمزي وكان يخلفني على العيار في دار الضرب. قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن عباس قال كنت مع أبي علي الجبائي في عسكر مكرم فاجتاز بدار فسمع فيها ضجة بولادة. فقال إن صح ما يقول المنجمون فهذا المولود ذو عاهة فدققت الباب فخرجت امرأة فسألتها الخبر فجمجمت ثم خرج رجل كهل فحين رآه أبو علي قال هذه دارك قال نعم قال فكيف هو يعني المولود قال أحنف: فأخذ أبو علي يطيب نفسه فقال تتفضل يا أبا علي تحنكه وتؤذن في أذنه فلعل الله يجعله مباركاً فدخل وحنكه وأذن في أذنه ورأينا وهو أحنف.
ومن إصابات أبي علي في النجوم ما حكاه التنوخي في كتاب " نشوار المحاضرات " أيضاً قال سمعت أبا أحمد بن مسلمة بن الشاهد العسكري المعتزلي الحنفي وكان شيخ بلده يحكي عن رجل من أهل عسكر مكرم وثقة وعظة قال كنت مع أبي علي الجبائي جالساً في داره في عسكر مكرم فدخل إليه بعض غلمانه فقال له اجلس قال لي زوجة تطلق وأريد الرجوع إليها لحاجة طلبتها فقال أبو علي لبعض من حضر امض معه فإذا ولدت امرأته فخذ الارتفاع وجئني به ففعل فلما كان في غد قال لنا أبو علي إن صح حكم التنجيم فإن هذا الولد يموت بعد خمسة عشر يوماً فلما كان اليوم السادس عشر وكنا جلوساً ندرس على أبي علي إذ دخل الرجل فقال إن فلاناً قد مات يعني ولده فقال أبو علي قوموا ووفوه حقه.
ومن إصابات أبي علي ما ذكره التنوخي أيضاً في كتابه المذكور قال حديث أبو هاشم بن أبي علي الجبائي قال كان أبو علي أحذق الناس في علم النجوم فولد في جواره مولود فقالت أمه لأبي علي إني أحب أن تأخذ طالعه وكان ليلاً فأخذ الإسطرلاب وعمل مولده وحكم بأشياء صحت كلها بعد ذلك أقول وهذا الحديث غير الحديث الأول لأن ذاك أتاه حين ولادته وهو يدرس نهاراً وأمر هو من غير أن يطلب الوالد عمل طالع للولد وحكم بوفاته.وهذا الحديث يتضمن أن الولادة كانت ليلاً وأن والدة الصبي طلبت أخذ طالعه ولم يذكر حكم لهذا المولود بوفاة.
ومن أخبار أبي علي الجبائي بالاعتذار عن العمل بأحكام النجوم ما ذكره التنوخي أيضاً قال أخبرني غير واحد من أصحابنا أن عيي الله بن عباس الرامهرمزي المتكلم أخبره قال أردت الانصراف من محل أبي علي الجبائي إلى بلدي فجئته مودعاً فقال يا أبا محمد لا تخرج اليوم فإن المنجمين يقولون من سافر هذا اليوم في سفينة غرق فأقم إلى يوم كذا وكذا فإنه محمود عندهم فقلت أيها الشيخ مهما تعتقده في قولهم كيف تجيبني بهذا؟ فقال يا أبا محمد لو أخبرنا مخبر ونحن في طريق بأن فيه سبعاً أليس أن يجب في الحكم علينا أن لا نسلك ذلك الطريق إذا قدرنا على سلوك غيره وإن كان المخبر ممن يجوز عليه الكذب فقلت نعم قال فهذا مثله، يجوز أن يكون الله تعالى أجرى العادات بأن تكون الكواكب إذا نزلت هذه المواضع حدث كذا، فلا جرم أن الحزم أولى قال فأخرت خروجي إلى اليوم الذي ذكر.(1/63)
ومن المشهور في علم النجوم من المسلمين الذي هم قدوة في العلم أبو معشر، فقد قال التنوخي في كتاب " النشوار " المذكور حدثني أبو الحسن بن أبي بكر الأزرق، قال كان في نواحي القفص ضيعة نفيسة لعلي بن يحيى المنجم وقصر جليل فيه خزانة كتب عظيمة يسميها خزانة الحكمة يقصدها الناس من كل بلد يقيمون بها ويتعلمون صنوف العلم والكتب مبذولة في ذلك لهم والضيافة مشتملة عليهم والنفقة في ذلك من مال علي بن يحيى فقدم أبو معشر المنجم من خراسان يريد الحج وهو إذ ذاك لا يحسن كثيراً من علم النجوم فوصفت له الخزانة فمضى وراءها فأهاله أمرها فأقام بها وأعرض عن الحج وتعلم النجوم وأغرب فيها.
وذكر محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من كتاب الفهرست ما هذا لفظه أبو معشر جعفر بن محمد البلخي كان أولاً من أصحاب الحديث فنزل بالجانب الغربي بباب خراسان من بغداد وكان يضاغن الكندي ويغري به العامة ويشنع عليه بعلوم الفلاسفة، فدس إليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب والهندسة فدخل في ذلك فلم يكمل له فعدل إلى علم النجوم فانقطع شره عن الكندي لعله أن هذا العلم من جنس علوم الكندي، ويقال أنه تعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره وكان فاضلاً حسن الإصابة ضر به المستعين أصواتاً لأنه أصاب في شيء وأخبر به قبل وقته وكان يقول أصبت فعوقبت وتوفي أبو معشر وقد جاوز المائة بواسط يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين ومائتين، ثم ذكر محمد بن إسحاق تصانيف أبي معشر.
فمن إصابات أبي معشر في أحكام النجوم ما ذكره التنوخي في النشوار قال حدثني أبو الحسين قال حدثني أبو القاسم سليمان بن مخلد قال لما بعد أبي إلى مصر اجتذبت البحتري وأبا معشر وكنت آنس بهما وحدتي وملازمتي البيت فكانا في أكثر الأوقات عندي، فحدثاني يوماً أنهما أصابتهما إضافة شديدة وكانا مصطحبين، فخطر لهما أن يلقيا المعتز وهو محبوس ويتردد إليه، فلقيا في حبسه " فنذكر نحن ما يختص بأبي معشر من الحديث " قال أبو معشر وكنت قد أخذت مولده وعرفت عقد البيعة للمستعين ووقت البيعة من المتوكل بالعهد للمعتز ونظرت بها وصححت النظر، وحكمت له بالخلافة بعد فتنة وحروب وحكمت على المستعين بالخلع والقتل، فسلمت ذلك إليه وانصرفنا وضربت الأيام ضربها فصح الحكم بأسرها فدخلنا جميعاً إلى المعتز وهو خليفة، وقد خلع المستعين وكان المجلس حافلاً، قال أبو معشر فقال لي المعتز لم أنسك وقد صح حكمك وقد أجريت لك مائة دينار في كل شهر رزقاه وثلاثين ديناراً أنزلا، وجعلناك رئيس المنجمين في دار الخلافة، وأمرت لك عاجلاً بألف دينار صلة، فقال فقبضت ذلك كله عاجلاً في يومي، وروي هذا الحديث مصنف " الفرج بعد الشدة " .
ومن إصابات أبي معشر ومنجم آخر معه ما ذكره التنوخي في كتابه " نشوار المحاضرة " قال حدثني أبو أحمد عبد الله بن العمر بن حارث الحارثي قال حدثني أبي قاسم كنت أحد من يعمل في إحدى خزائن السلاح للمعتمد، وكنت قائماً بحضرة الموفق في عسكرة لقتال الزنج بحضرته أبو معشر ومنجم آخر سماه لي وأنسيته فقال لهما خذا الطالع في شيء قد أضمرته أنا البارحة لا سالكاً عنه وامتحنكما فيه، فأخرجا ضميري فأخذا الطالع وعملا زايجته وقالا معاً تسألنا عن حمل غير أنسي فقال هو كذلك فما هو؟ ففكرا طويلاً ثم قالا حمل بقرة قال هو كذلك فما تلد؟ قالا ثوراً قال فما صفته فقال أبو معشر أسود في جبهته بياض وقال الآخر أسود في ذنبه بياض فقال الموفق للناس سأختبر هؤلاء أحضروا البقرة فأحضرت وهي مقربة فقال اذبحوها فذبحت وشق بطنها فأخرج منها ثور صغير أسود أبيض طرف الأنف وقد التف ذنبه فصا على وجهه، فتعجب الموفق ومن حضر من ذلك عجباً شديداً وأسنا جائزتهما.(1/64)
ومن إصابات أبي معشر ورفيقه وما رواه التنوخي في ذلك الكتاب قال حدثني أبي قال كنت بحضرة الموفق فأحضر أبا معشر وهذا المنجم فقال لهما في كمي شيء فما هو؟ فقال أحدهما بعدما أخذ الطالع وعمل الزائجة وهو من الفاكهة، وقال أبو معشر هو شيء من الحيوان فقال الموفق للآخر وقال لأبي معشر أخطأت، ورمى من يده تفاحة وأبو معشر واقف فتحير و عاود النظر في الزائجة ساعة ثم سعر نحو التفاحة حتى أخذها وكسرها فإذا هي تنثر دوداُ فقال أنا أبو فلان فهال الموفق ما رآه منهما في الإصابة وأمر لهما بالجائزة.
ومن إصابات أبي معشر ما ذكره الزمخشري في " ربيع الأبرار " فقال ما هذا لفظه. افتقدت امرأة بعض الكتب خاتماً فوجهت إلى أبي معشر فسألته فقال خاتم أخذه الله تعالى فعجبت من قوله ثم وجدته في أثناء ورق المصحف.
ومن إصابات أبي معشر ما ذكره أبو حيان علي بن محمد التوحيدي في الجزء الثالث من البصائر فقال ما هذا لفظه " ومر في الكتاب ذكر أبي معشر " قال حضرت وسلمة والزيادي والهاشمي عند الموفق، وكان الزيادي أستاذ أهل زمانه في النجوم فأضمر الموفق ضميراً فقال الزيادي أضمر الأمير رياسة وسلطاناً فقال كذبت، فقال سلمة بل أضمر الأمير أمراً جليلاً رفيعاً فقال وكذبت، فقال الهاشمي لست أعرف ما قالا الرأس وسط السماء والطالع ناظر إليه والكواكب ساقطة عنه، فقال وكذبت أيضاً ثم قال لي هات ما عندك من شيء فقلت أضمر الأمير الله عز وجل، فقال لي أحسنت والله، ويلك إني لك هذا قلت الرأس يرى فعله ولا يرى نفسه كان في رابع درجة من الفلك ولا أعرف له مثلاً إلا الله عز وجل فهو فوق كل ذي عز وسلطان وليس فوقه شيء.
ومن إصابات أبي معشر ما حكاه أبو سعيد شاذان بن بحر عنه في كتاب " الأسرار " قال نزلت في خان ببعض قرى الري وفي الخان كاتب بريد العراق قد آنست به وآنس بي وقد نظر في شيء من النجوم فقال لي القمر أين هو فقلت له هل تقيم غداً فإن القمر في تربيع المريخ قال نعم هذا أن ساعدنا المكاريون على ذلك، فكلمناهم حتى أجابوا على أن نعطيهم العلوفة وسألنا أهل القافلة أن يقيموا فأقبلوا يسخرون منا وينكرون ما قلنا فأقمنا وارتحلوا، فصعدت إلى سطح الخان وأخذت الارتفاع فإذا الطالع لمسيرهم الثور وفيه المريخ والقمر في الأسد فقلت الله الله في أنفسكم فامتنعوا أن يجيبوا إلى المقام ومضوا فقلت للكاتب أما هؤلاء فأهلكوا أنفسهم، فجلسنا وأكلنا وجعلنا نشرب، فعاد جماعة من أهل تلك القافلة مجروحين فقد قطع عليهم الطريق على فرسخين من الموضع وقتل بعضهم وأخذ ما كان معهم، فلما رأوني أخذوا الحجارة والعصي وقالوا يا ساحر يا كافر أنت قتلتنا وقطعت علينا الطريق وتناولوني ضرباً وما خلصت منهم إلا بعد جهد وعاهدت الله ألا أكلم أحداً من السوقة في شيء من هذا العلم وأنا على العهد أبداً، وأرجوا أن لا أدعه حتى أموت.
ومن إصابات أبي معشر وإبراهيم الحاسب بالبصرة حكمهما لعلي بن محمد صاحب الزنج الخارج بالبصرة على مولده، فقد ذكر ذلك محمد بن عبد الملك الهمداني " في المجلد الثاني من تاريخه " فقال ما هذا لفظه قال عبد الله بن إبراهيم القمي كنت عند إبراهيم الحاسب بالبصرة فحضر عنده شاب حسن الهيئة لا يتكلم ولا بخوض معنى فيما نتذاكره فلما قام الناس عرض عليه إبراهيم إن كانت حاجة له، فذكر له أنه من آل أبي طالب وأنه شخص من قمم قاصداً إليه، والذي قصد له مكتوم ثم أخرج له صورة مولده وأنه يحتاج إلى موافقة عليه فلما نظره أنكره واستعظمه وقال لست أقدم على ا لحكم عليه حتى أكتب لأبي معشر جعفر بن محمد البلخي لتثق بما حكمنا به عليه وكتب له ومضى فأتى الجواب يا أبا عمران كان هذا المولد صحيحاً فإنه الرجل الذي ذكر ما شاء الله في كتاب الدول وسيكون من أمر هذا الفتى شيء عظيم من إقدامه على الدماء وإخرابه المدن، فشخص في المحرم سنة ست وأربعين ومائتين فاتفق حكمه وحكم إبراهيم بذلك وخرج إلى البصرة في رجب سنة تسع وأربعين ومائتين وهي الدفعة الثالثة من خروجه إليها ثم شرح ما جرى عليه وله من حاله.(1/65)
ومن إصابات أبي معشر في انقضاء أمر صاحب الزنج علي بن محمد بن عبد الله ووقعت وفاته ما ذكره محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه عن الليلة التي انقضى أمره فيها فقال حكي لي بعض أصحابه عنه أنه قال إن مضت هذه الليلة بقيت الأربع عشرة سنة أخرى غير الأربع عشرة الماضية وجعل كل ساعة يقول كم مضى من الليل حتى قلت ساعة، فقال في هذه أخاف وكان يقول ذلك من طريق النجوم التي علمها من أبي معشر فهلك في تلك الساعة.
ومن إصابات أبي معشر مناظرته للسلماني المنجم في عمره حيث سأله عن القطع الذي يخاف، وما بينه في الجواب عليه، وظهور حجته على السلماني المذكور وقد ذكرنا معاني هذه المناظرة لأنها تتضمن كلاماً في النجوم لا فائدة في شرحه بلفظه.
ومن إصابات أبي معشر ما أخبر بالمولد الذي حمل إليه من ابن ملك الهند وجوابه لتليمذه شاذان بن بحر لما اعترضه في الحكم الذي كانت مناظرته في النجوم موضع قائمة.
ومن آيات الله عز وجل، في تعجيز أبي معشر عن تدبير نفسه وخلاصها من مرض مرض به، مع علمه بالنجوم ودلائلها واطلاعه على دقائق معانيه وجلائها، قال شاذان كان أبو معشر على علمه وفهمه وتقدمه في هذه الصناعة يصيبه الصرع عند امتلاء القمر في كل شهر مرة وكان لا يعرف لنفسه مولداً ولكن كان قد عمل مسألة عن عمره وأحواله وسأل فيها الزيادي المنجم ليكون أصح دلالة إذا اجتمع عليها طبيعتان طبيعة السائل وطبيعة المسؤول فخرج طالعه تلك المسألة السنبلة والقمر في العقرب في مقابلة الشمس والمريخ ناظر إلى القمر في بيت الولد وهذه الصورة توجب الصرع.
ومن إصابات المنجمين المعروفين بأسمائهم عند أبي معشر ما ذكره التوحيدي في الجزء الثالث من " البصائر " فقال ما هذا لفظه أخبرني محمد بن موسى المنجم الجليس وليس هو الخوارزمي قال حدثني يحيى بن أبي منصور قال دخلت أنا وجماعة من المنجمين إلى المأمون وعنده إنسان قد تنبأ ونحن لا نعلم، وقد دعا بالقضاة ولم يجيئوا بعد فقال لي ولمن حضر من المنجمين اذهبوا فخذوا طالعاً لدعوى رجل في شيء يدعيه. وعرفوني ما يدل عليه الفلك من صدقه أو كذبه، ولم يعلمنا المأمون أنه متنبئ فجئنا إلى بعض تلك الغرف فأحكمنا الطالع وصورناه فوقع الشمس والقمر في دقيقة واحدة وسهم السعادة وسهم الغيب في دقيقة الطالع والطالع الجدي والمشتري في السنبلة ينظر إليه والزهرة وعطارد في العقرب ينظران إليه فقال كل من حضر غيري كل ما يدعيه صحيح وله حجة زهرية وعطاردية فقلت أنا هو في طلب تصحيح وتصحيح الذي يطلبه لا يتم ولا ينتظم، فقال من أين قلت لأن صحة الدعاوي من المشتري في تثليث الشمس وتسديسها إذا كانت الشمس غير منحوسة وهذا يخالف هبوط المشتري والمشتري ينظر إليه نظر موافقة،إلا أنها فاسدة في هذا البرج والبرج كاره له، فلا يتم التصديق والتصحيح، والذي قالوا من حجة عطاردية وزهرية إنما هو ضرب من التحسين والتزويق والخداع، فتعجب المأمون وقال لله درك ثم قال أتدرون من الرجل قلنا لا قال هذا ويزعم أنه نبي فقلت يا أمير المؤمنين أفمعه شيء يحتج به، فسأله فقال نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتغير مني شيء ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك حتى ينزعه، ومعي قلم آخذه فأكتب فيه ويأخذه غيري فلا تنطلق إصبعه فقلت يا سيدي هذه الزهرة وعطارد زور عمله بهما فأمره المأمون أن يفعل ما فعل، فعلم أنه علاج من الطلسمات، فما زال به المأمون أياماً كثيرة حتى تبرأ من دعوى النبوة ووصف الحيلة التي احتالها في الخاتم والقلم فوهب له ألف دينار ثم أتيناه بعد فإذا هو أعلم الناس بالنجوم قال أبو معشر وهو الذي عمل طلاسم الخنافس في ديور كثيرة، وقال أبو معشر في كتاب " الأسرار " لو كنت مكان القوم فقد ذهبت عليهم أشياء كثيرة لكنت أقول أول الدعوة باطلة لأن البرج منقلب والمشتري في الوبال والقمر في المحاق، والكوكبان ناظران إلى الطالع في برج كذاب مزور وهو العقرب.(1/66)
ومن علماء المذكورين بعلم النجوم محمد بن عبد الله بن طاهر قال أبو معشر في كتاب " الأسرار " وحكاه أيضاً التوحيدي في كتاب البصائر، ما هذا لفظه قال أبو معشر زعم محمد بن عبد الله بن طاهران فيما وقع إليه من أسرار علم النجوم إن عطارد مع الرأس في أوجه يدل على شيء من النبوة وقد قال الأوائل أن الكوكب مع أوجه يكون أقوى له ولكن النبوة لم أسمع بها إلا من محمد بن عبد الله بن طاهر.
ومن المعروفين بعلم النجوم والإصابة فيها وهو ولد يحيى بن يعقوب فمن حكايته في ذلك ما ذكره التنوخي في كتابه قال حدثني أبو الحسين قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج النحوي قال كنت أو أدب القاسم بن عبيد الله، وكان أبوه إذ ذاك يحضر الديوان فلما أخرجه من المكتب كنت معه في الديوان ببادورية وهو معه فيه وله من العمر ست عشرة سنة وأبوه متعطل وذلك في وزارة إسماعيل بن بلبل للموفق والمعتمد، وكان معه في ذلك الديوان جماعة من أولاد الكتاب وفيهم فتى نجيب من ولد يعقوب بن فرازون النصراني وكان يفهم النجوم فقال له ذلك الفتى، يا سيدي أرى فيك نجابة وصناعة ولك حظ في الرياسة وقد رأيت مولدك وهو يدل على أنك تتقلد الوزارة وتطول أيامك فيها فاكتب لي خطاً يكون معي تذكر فيه اجتماعنا وتضمن لي أن يكون لي حظ منك إذا ذاك حق بشارتي لك قال فأخذ القرطاس وكتب فيه بحسن خطه ليلقني فلان إذا بلغني الله ما أحب لا بلغه ما يحب إن شاء الله فحدثت أباه في ذلك ففرح وقال قد والله سررتني بذلك، وأحضر المنجمين وأخرج مولده فحكموا له بالوزارة وأنه يتقلدها سنة ثمان وسبعين فخلف أباه علي وزارة المعتضد في إمارته ودامت إياه إلى أن مات، فقال لي الزجاج لما ولي القاسم الوزراة بعد موت أبيه ودخل داره، وقفت في صحن الدار لينصرف الناس ودخل هو ليستريح فيخرج للناس فلا أنسى هيبتي عند غلمانه حيث دخلت عليه فلم أمانع فوجدته قد صلى وسلم وهو يدعو الله في خلوته وليس بحضرته أحد فلما رآني قام إلي فانكببت على رجله فقال لي يا سيدي يا أبا إسحاق أنت أستاذي وهذا الذي اعتقده في إكرامك وكان في نفسي أن أعاملك قبل أن تشرفني عند حضور الناس وتوقير مجلس الخلافة وإذا فعلت ذلك فهو حقك علي وإذا لم أفعله فهو نقص حق العلم والعمل قال ثم ما أنكرت منه شيئاً في عشرة ولا مخاطبة عما كان يعاملني به إلى أن مات.
ومن المشهورين بعلم النجوم من المسلمين وبمعرفتها وصحة الحكم فيها محمد بن علي التنوخي والد مصنف نشوار المحاضرة فقال ولده في الجزء " السادس " من كتابه المذكور، كان أبي يحفظ للطالبين سبعمائة قصيدة ومقطوعة سوى ما لغيرهم من المحدثين والمخضرمين والجاهلية ولقد رأيت له دفتراً بخط يده يحتوي على رؤوس ما حفظه وهو عندي الآن في نيف وثلاثين ورقة أثمان منصوري لطاف وكان بحفظ من اللغة والنحو شيئاً عظيماً، ومع ذلك كان علم الفقه والفرائض والشروط والمحاضرة والسجلات رأس ماله، وكان يحفظ منه ما قد اشتهر به وكان يحفظ من الكلام والمنطق والهندسة الكثير، وكان في علم النجوم والأحكام والهيئة قدوة وكذلك في علم العروض وله فيها وفي الفقيه وغيره عدة كتب مصنفة وكان مع ذلك يحفظ فوق عشرين ألف حديث، وما رأيت أحداً أحفظ منه ولولا أن حفظه متفرق في هذه العلوم لكان أمراً هائلاً فمن إصابته ما قال و لده كان أبي حول مولد نفسه في السنة التي مات فيها فقال لنا هذه سنة قطع على مذهب المنجمين وكتب بذلك إلى بغداد إلى الحسن ابن البهلول القاضي ينعى نفسه إليه ووصيه فلما اعتل أدنى علة قبل أن تتحكم أخرج التحويل ونظر فيه طويلاً وأنا حاضر فبكى وأطبقه واستدعى كاتبه وأملى عليه وصيته التي مات عنها وأشهد فيها من يومه فجاء أبو القاسم غلام زحل المنجم فأخذ يطيب نفسه ويورد عليه شكوكاً، فقال يا أبا القاسم ليس يخفى عليك فأنسبك إلى غلط ولا أنا ممن يجوز عليه هذا فتستغفلني ثم جلس فأوقفه على الموضع الذي خافه وأنا حاضر ثم قال له دعني من هذا لست أشك إذا كان يوم الثلاثاء العصر لسبع بقين من الشهر فهي ساعة قطع عندهم فأمسك أبو القاسم غلام زحل لأنه كان خادماً لأبي فبكى أبي بكاء طويلاً وقال يا غلام أتني بتحويل مولدي فجاء به فقتل التحويل وقطعه وودع أبا القاسم توديع مفارق فلما كان ذلك اليوم بعينه العصر مات كما قال.(1/67)
ومن الموصوفين بعلم النجوم من المسلمين أبو القاسم غلام زحل وقد حكى الشيخ الفاضل المحسن بن علي التنوخي في الجزء السادس من " نشوان المحاضرة " عنه جملاً وذكر طرفاً من فضله وإصابته في الأحكام بالنجوم، وكان أبي يقدمه في هذه الصناعة ويستخدمه فيها ويسلم إليه سني تحويل مولده ومولدي إذا قطعه قاطع من عمله بيده لأنه كان قلما يأخذ تحاويلنا بيده بل يولي ذلك غيره، وأبو القاسم الآن مقيم بخدمة الأمير عضد الدولة بشيراز فقال أبو القاسم هذا لأبي يوسف البريدي في اليوم الذي عزم فيه الركوب إلى الإبلة ليسلم فيه على أخيه أبي عبد الله، أيها الأستاذ لا تركب فإن هذا اليوم يوجب تحويلك فيه عليه قطعاً فقال يا فاعل إنما أركب إلى أخي فممن أخاف وخرج بالطيارة فعاد غلام زحل فأخرج جميع ما كان له في الدار من أثاث وذهب لينصرف فقال له الحجاج إلى أين قال أهرب لأن الدار بعد ساعة تنهب، ومضى أبو يوسف إلى أبي عبد الله فقتله في ذلك اليوم، وكان هذا الخبر مشهورا عن أبي القاسم غلام زحل،نقله أبي وشهد بصحته وكان يحكى ذلك في تلك الأيام وأنا صبي فاسمع ذلك وكان يعده من إصابات غلام زحل.(1/68)
ومن إصابات التنوخي ما حكاه ولده في الجزء الرابع من " النشوار " قال حدثني أبي قال كنت أتقلد القضاء بالكرخ وكان بوابي بها رجلاً من أهل الكرخ وله ابن سنة نحو اثنتي عشرة سنة، وكان يدخل داري بلا إذن ويمزح مع غلماني، وأهب له في الأوقات الدراهم والثياب كما يفعل الناس بأولاد الغلمان، ثم خرجت من الكرخ ورحلت ولم أعرف للرجل البواب ولا لابنه خبراً ومضت على ذلك السنون فأنقذني أبو عبد الله البريدي من واسط برسالة إلى ابن بويه فلقيته بدير العاقول وانحدرت أريد واسطاً فقيل أن بالطريق لصاً يعرف بالكرخ مستفحل الأمر، وكنت خرجت بطالع اخترته على موجب تحويل مولدي لتلك السنة فاستظهرت به عند نفسي وكفاني الله أمر اللص وذلك أني لما عدت من دير العاقول خرج علينا اللصوص في عدة سفن بقسي ونشاب وسلاح شاك وهم نحو مائة نفس كالعسكر العظيم وكان معي غلمان يرمون فحلفت أن من رمى منهم ضربته إذا صرنا في البلد مائتي مقرعة ثم بادرت فأخذت ذلك السلاح الذي معهم ورميته في الماء وذلك أني خفت أن يقصدنا اللصوص فلا يرضون إلا بقتلي واستسلمت للأمر طلباً للسلامة في نفسي وجعلت أفكر في الطالع الذي خرجت فيه فإذا ليس فيه ما يوجب القطع علي، و الناس قد أبرزوا إلى الشط وأنا في جملتهم وهم يفرغون السفن وينقلون ما فيها إلى الشط ويشلحون ويقطعون وكنت في وسط المكان فلما انتهى إلي الأمر جعلت أعجب من حصولي في الخوف والطالع لا يوجبه وليس آتهم عملي في هذا، فأنا كذلك إذا سفينة فيها رئيسهم قد طرح علي كما كان يطرح على سفن الناس ليشرف على ما يوجد، فحين رآني منع أصحابه من انتهاب مالي أو شيء من سفينتي وصعد وحده إلى أن صار قدامي وتأملني طويلاً ثم انكب يقبل يدي وكان متلثماً فلم أعرفه فعجبت وقلت يا هذا مالك فأسفر وقال أما تعرفني يا سيدي؟ فتأمله وأنا جزع فلم أعرفه فقلت لا والله قال بلى أنا عبدك ابن فلان بوابك الكرخي هناك، وأنا الصبي الذي ربيت في دارك فبررتني فتأمله فإذا الخلقة خلقته إلا أن اللحية قد غيرته في عيني فسكن روعي قليلاً، وقلت في الحال يا هذا كيف بلغت إلى هذا الحال؟ قال سيدي نشأت فلم أتعلم غير معالجة السلاح وجئت إلى بغداد أطلب الديوان فما طلبني أحداً إلى هذا الحال فطلبت قطع الطريق فلو كان أنصفني السلطان وأنزلني بحيث أستحق من الشجاعة ما فعلت هذا بنفسي فأقبلت أعظه وأخوفه الله ثم خشيت أن يشق ذلك عليه فتفسد رعايته لي فاقتصرت، فقال يا سيدي لا يكون بعض هؤلاء أخذ منك شيئاً قلت لا ما ذهب منا السلاح رميته أنا في الماء وشرحت له القصة فضحك وقال والله قد أصاحب القاضي فمن بالمكان ممن يعني به ؟ فقلت كلهم عندي بمنزلة واحدة في الغم بهم فلو فرجت عن الجميع، فقال والله لولا أن أصحابي تفرقوا بما أخذوا لفعلت ذلك ولكنهم لا يطيعون إلى رده، ولكن ما بقي من السفن في المكان الذي لم يؤخذ بعد فلا يمسه أحد فجزيته الخير، فصعد إلى الشط وأصعد أصحابه ومنع أن يؤخذ شيء مما في السفن الباقية فما تعرضها أحد ورد على القوم أشياء كثيرة مما أخذت منهم وأطلق الناس وسار معي في أصحابه إلى أن أوصلني إلى المأمن ثم ودعني ورجع.(1/69)
ومن المعروفين بعلم النجوم وللإصابة بالحكم عبد الله بن محمد بن عبد الله بن طاهر ذكر ذلك المعافي بن زكريا في كتاب " الجليس الصالح والأنيس الناصح " فقال في إسناده أن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن طاهر كان مولده في السرطان فلما كان ذات ليلة وهو عند أهله قال أن مولدي في السرطان وأن طالع السنة السرطان وأن القمر الليلة يكسف في السرطان وهي الساعة الأخيرة فإن نجوت الليلة فسأبقى إلى سنين وإذا كانت أخرى فإني ميت لا محالة فقالوا له بل يطيل الله عمرك فلما كانت الليلة دعى غلاماً له وكان قد علمه النجوم، فأصعده قبة له وأعطاه بنادق وإسطرلابا وقال له الطالع فكلما مضى من انكساف القمر دقيقة فأرم بندقة فلما انكسف من القمر ثلاثة قال لأصحابه ما تقولون في رجل قاعد معكم يقضي ويمضي وقد ذهب ثلث عمره فقالوا بل يطيل الله عمرك أيها الأمير فلما انكسف من القمر عمد إلى جواريه فاعتنق منهن من أحب وإلى ضياعه فوقف منها ما وقف وقال لأصحابه ما تقولون في رجل بينكم يقضي ويمضي وقد ذهب من عمره ثلثا فقالوا بل يطيل الله بقاء الأمير فلما انقضى من الثلث الثالث دقيقتان قال لهم إذا استغرق القمر فامضوا إلى أخي عبيد الله ثم قال فاغتسل ولبس أكفانه وتحنط ودخل إلى بيت الله ورد عليه الباب واضطجع فلما استغرق القمر في الانكساف فاضت نفسه فدخلوا عليه فإذا هو ميت فانطلقوا إلى عبيد الله أخيه ليعلموه فإذا عبيد الله في طيارة قد سبقهم فقال لهم مات أخي قالوا نعم فقال لهم ما زلت آخذ الطالع حتى استغرق القمر في الخسوف فعلمت أنه قد قبض ثم دخل فانكب على أخيه باكياً طويلاً ثم خرج وهو يقول شعراً فيه من جملته:
هد ركن الخلافة الموطود ... زال عنها السرادق الممدوح
حط فسطاطها المحيط عليها ... ملن إطنابها فمال العمود
كسف البدر والأمير جميعاً ... فانجلى البدر والأمير عميد
عاود البدر نوره فتجلى ... ونور الأمير ليس يعود
فلما حمل السرير أنشأ أخوه يقول:
تداولت الأكف على سرير ... إلا لله ما حمل السرير
أكف لو تمد إليه حياً ... إذن رجعت وأطولها قصير
تباشرت القبور به وأضحى ... تبكيه الأرامل والفقير(1/70)
وممن اشتهر بعلم النجوم ملوك المسلمين جماعة من الخلفاء المصريين المنسوبين إلى إسماعيل ابن مولانا الصادق صلوات الله عليه فرأيت في كتاب قد صنفه النعمان المؤرخ لفضائلهم يقول في بعض كلامه ما يحكيه عن المسمى بالمعز، ما هذا لفظه ولقد كان المنصور أعلم الناس بالنجوم، ولقد قال غير مرة ما نظرت والله فيها إلا طلباً لعلم توحيد الله تعالى وتأثير قدرته وعجائب خلقه، ولقد عانيت ما عانيت بالحروف وغيرها فما عملت في شيء من اختيار النجوم ولا التفت إليه ومن ذلك ما ذكره النعمان هذا في وصفه المعز أيضاً بعلم النجوم فقال ما هذا لفظه، وأما الطب والهندسة وعلم النجوم والفلسفة فالنقاد من أهلها عيال عليه، وبين يديه وكلهم كل عليه ومن ذلك ما حكاه النعمان عنه أيضاً فقال ما هذا لفظه، وذكر المعز يوماً أن رجلاً قد ورد عليه من المغرب يعني بعلم النجوم فأحسن أمير المؤمنين منزله وكساه وحمله وأجرى عليه جراية من كان مثله ممن بعدت رحلته إليه ولم يلبث قليلاً حتى سأل الإذن في الانصراف فأذن له فكنا نتعجب من ذلك ونسأل عنه فقال المعز يوماً وأنا بين يديه ألا أخبرك بسبب انصرافه قلت يفعل ذلك أمير المؤمنين إذا رأى قال أن هذا الرجل لما وفد علينا وصار إليه من دخلنا ما صار إليه، حسده بعض أهل صنعته ممن أولع بالشناعة علينا فذكر له مولداً من المواليد وقال له ما ترى لمن ولد بهذا المولد؟ فقال له أن النجوم تداخلته ولا أشك أن أيامه انقضت قال له فذلك الذي أنت في منزله وقصدك إليه بعينه وهذا مولده فرأى للضعيف العقل أن انصرافه منا بما قال ذلك غنيمة فسأل الإذن وقد انتهى إلينا ما قيل له فأذنا له فانصرف، ولقد دفع إلينا في حال انصرافه رقعة يعرض فيها بالصلة وقد كنت قبل ذلك أمرت له بمائتي دينار فصرت في صرة وكنت على البعثة بها إليه ثم نظرت إلى وقت وقع فرأيته وقت سعد فقلت لا أظن إلا أنه قد تحرى لدفع رقعته هذا السعد ولكن والله لا يصدق ذلك عنده فتركتها على أن نعطيها له في وقت آخر على غير سؤاله فأنسيتها وخرج محروماً.
ومن ذلك حكاية ذكرها النعمان تتعلق بالمعز نذكر ما نحتاج إليه من لفظها ومعناها، وذكر أنه لما أراد المعز بناء قصره المعروف بقصر البحر كان يحتاج أن يكون الابتداء بعد شهر فرأى في نومه كان رجلاً دخل عليه وقال له قد أتيتك لأسألك عما تريد أن تصنع قال قلت فمن أنت قال بطليموس قلت أي بطليموس أنت قال بطليموس المعروف المذكور قلت صاحب الحساب و التنجيم قال نعم وصاحب كتاب المجسطي قال نعم قلت فما كان دينك ومذهبك قال توحيد الله قلت فماذا صرت إليه قال إلى خير بحمد الله ثم قال ابتدأ في القصر يوم الثلاثاء قلت أي يوم ثلاثاء قال هذا الآتي قلت سبحان الله ما يتهيأ لي أن أقيس الموضع في هذه المدة فضلاً عن أن أدبر ما أردته فقل أبدأ فيه يوم الثلاثاء على كل حال بما أمكن من العمل فإنه يوم صالح، فانتبهت وقلت لأنظرن في قول أهل النجوم في الاختيار وفي هذا اليوم الذي قاله فنظرت فلم أرى يوماً على ما قالوه إلى مدة أحسن في الاختيار عندهم من اليوم الذي قاله هو أعني يوم الثلاثاء فابتدأت به، أقول قد اقتصرت على بعض ما روي عن خلفاء مصر من علم النجوم لشهرته حتى قيل أن علمهم بذلك سبب توصلهم إلى خلافتهم والله سبحانه العالم بذلك.(1/71)
ووجدت في كتاب " سير الفاطمي " الذي ملك طبرستان الحسن بن علي المعروف بالناصر للحق لا يستبعد أن يكون الذي بسط آماله في طلب ذلك معرفته بالنجوم ودلالتها على ما انتهت حاله إليه، فقال فيه ما لا يحضرني في ذكر كلما اعتمد عليه، لكن أذكر رواية مختصرة بمعرفته بعلم النجوم المشار إليه، فقال ما هذا لفظه قال أبو الحسن الآملي رحمه الله سمعت حمزة بن علي العلوي رحمه الله يقول ما كان من العلوم علم إلا والناصر للحق كان أعلم به من علماءه ثم ذكر العلوم من كل فن حتى الطب والنجوم وذكر أيضاً مصنف الكتاب المذكور وهو اسفنديار ابن مهر نوش النيشابوري، وعندي منه الآن نسختان عتيقة وجديدة، فقال ما هذا لفظه سمعت أبا الحسن الزاهد الخطيب يقول ما دخل طبرستان من أهل محمد صلوات الله عليه مثل الحسن بن علي الناصر للحق قط، ولا كان في زمانه في سائر الآفاق مثله ظاهراً ولقد كان طالباً لهذا الأمر إلا أنه وجده عند الكبر وما كان يفارق العلم والكتب مع قيامه بهذا الأمر وكثرة اشتغاله حيث كان وأنى كان، ولقد كان عالماً بكل فن من فنون العلم حتى الطب والنجوم والشعر ولو كنت قائلاً بالتزيد لقلت بإمامته أقول أن المراد من ذكر حديث أنه كان عالماً بالنجوم، وهذا المصنف يذكر في خطبة كتابه أن معرفته بعلوم هذا السيد، التي اكتسبها من الناس المعروفين ومن كتب المصنفين هددته إلى القول بإمامته فتعجبت من ضلال الناس عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم فإن جميع ما سمع منهم ونقل عنهم من العلوم لم يعرف لهم فيها أستاذ ولا رآهم عدو ولا ولي يقرؤون على عالم ولا يدرسون في كتب العلماء.
وممن قال بصحة أحكام النجوم أبو حامد الغزالي مصنف كتاب " الأحياء " فإنه قال في كتاب " التبر المسبوك في نصيحة الملوك " في الباب الأول عند ذكر الملوك ما هذا لفظه، ومن بعده جاما سب الحكيم وكان صاحب علم النجوم وله فيها الأحكام الصحيحة وملك سنة وستة أشهر.
وممن وصف بعلم النجوم سهلوك ويزد جرد من علماء الإسلام في ما ذكره التنوخي في أربع أجزاء " النشوار " فقال ما هذا لفظه، حدثني أبو عبد الله محمد الحارثي قال كان ببغداد في أيام المقتدر أخوان كهلان فاضلان وعندهما من كل فن مليح وهما من أحرار فارس قد نشأ ببغداد وتأدبا بها وتعلما علوماً كثيرة يقال لأحدهما سهلون وللآخر يزد جرد ابناً مهمندار الكسروي ويعرفان بذلك لانتسابهما إلى الأكاسرة وكان ذوي نعمة قديمة وحالة ضخمة وكنت ألزمهما على طريق الأدب وكان ليزد جرد منهما كتاب حسن ألفه في صفة بغداد وعدد سككها وحماماتها وشوارعها وما يحتاج إليه في كل يوم من الأقوات والأموال وما تحتوي عليه من الناس وعدة كتب أدبية وفلسفية، قرأت أكثرها عليه وكان هو وأخوه ينشدان الشعر الجيد لأنفسهما وسهلون بن مهمندار كان لزم بعض الرؤساء وعمل له وسائل وقصائد، ثم ذكر التنوخي من شعر سهلون ما يقتضي علمه بالنجوم فقال أنشد من شعره
تعففت عن أخذ الدراهم والبر ... ليمسك من سرى فبالغت بالسبر
ولم ير ميلي للجيل وللسبر ... ولكن لإكرامي وأن يعرفوا قدري
ولست أسوم الناس صعباً من الأمر ... ولا عابني حال من اليسر والعسر
ولا أنا ممن يمدح الناس بالشعر ... ولا أنا من يهجو بشعر ولا نثر
ولكنني رب العلوم وذو الأمر ... بنظم تغنيه الجواري على الدر
ولي دربة طالت على كل عالم ... إذا أعوذ الإنسان علم بما يدري
من الطب والتنجيم من بعد منطق ... ولا علم إلا ما أحاط به صدري
وهاأنا سيف الله علماً بدينه ... أذب عن التوحيد في أمم الكفر
ثم ذكر تمام الأبيات والمراد منها ما ذكره عن نفسه في علم النجوم.(1/72)
وممن كان عالماً بعلم النجوم وصحة حكمه بها، الصاحب إسماعيل بن عباد الطالقاني المعدود من الأفراد في السعادة والعلم وثناء العباد، فمن ذلك ما وجدته في مجموع عتيق قالبه أكبر من الربع أوله حديث عن النبي صلى الله عليه وآله، العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء فقال في هذا المجموع أن الصاحب كان يتعصب للأمير بدر بن حسنويه، وكان يلقى الصاحب في كل عام مرة واحدة بالري ويعرض عليه حوائجه فيقضيها وإذا أراد الانصراف، أحسن خلعه وصرفه أحسن صرف فلما انتهى عمره نظر الصاحب بالمولد وعلم أن العمر تناهى وأن الأجل تداعى والأمل تواهى أرسل إلى بدر بن حسنويه واستدعاه إليه وقضى كل حاجة كانت له، وكان العادة جرت أن كل ما أراد الانصراف حضر عند الصاحب فقبل يده وخرج منصرفاً لما كانت هذه الكرة الأخيرة خرج الصاحب إلى ظاهر الري، وكان الفصل خريفاً فوقف وسط قراح قد بذر خريفياً وسقي فحضر بدر بن حسنو يه على العادة دار الصاحب ليقبل يده وينصرف، فقيل له أن الصاحب قد خرج بشغل، فبادر إليه وتوحل وجعل يعالج وحل القراح بالخفين والجوربين حتى وصل إلى الصاحب وأهوى ليقبل يده فامتنع وقال له أتدري أنها الأمير لم خرجت وسقيت قال لا قال لأنها آخر الالتقاء بيننا فإن إسماعيل بن عباد يموت بعد مائة وثلاثة أيام فإذا قضى فإن شاهنشاه سيجذع جذعاً شديداً ويجلس في العزاء سبعة أيام، ثم إن أعداء الصاحب سيشيرون عليه بأن يستوزراه بالعباس الضبي فإذا بلغك أيها الأمير أرشدك الله أنه قد قبض عليه ففض ختم هذه الأنبوبة وافتحها واقض حق إسماعيل بن عباد في العمل بما فيها، وأعطاه أنبوبة فضية ثم بكى بكاءً شديداً وقال هذا آخر العهد منا وتفرقا فلما انقضت مائة وثلاثة أيام قضى الصاحب نحبه فجزع عليه فخر الدولة ابن بويه جزعاً شديداً وجلس في العزاء سبعة أيام ثم إن وجوه الدولة ساروا إليه وسألوه الخروج من العزاء فقال لهم كيف السبيل إلى ذلك وأنا لا أقر في قرار، والدولة ليس لها نظام ولا استقرار بفقد كافي الكفاة فقالوا عن بكرة أبيهم أيها الشاهنشاه الجزع يفقد الصاحب لا يغني ولا يجدي، ولكن ولده ومعشوقة أبو العباس الضبي لا يقصر عنه أصلاً وفضلاً وسداداً وله في التصريف أثبت قدم وفي كيس الرأي أطول يد فاستوزره فإنه خريجه الكافي الوافي فقبل هذا الرأي منهم وأرسل إلى أصفهان واستحضر أباه العباس الضبي فولاه الوزارة وقلده الولاية فلما مضى عليه سنة مشى الأعداء وسعوا فيه فقبض عليه واتصل الخبر ببدر بن حسنويه ففض ختم تلك الأنبوبة وفتحها فوجد فيها رقعة مكتوبة بخط الصاحب بن عباد نسختها
بسم الله الرحمن الرحيم: أيها الأمير الوفي أبو النجم بدر بن حسنويه أعزك الله أن أعادي إسماعيل بن عباد أرادوا أن يشمتوا ويشنعوا بعداوتهم أبا العباس الضبي خلصه الله وحماه وأبقاه فقد قبض عليه وإسماعيل عارف أن بدراً يستعان به بعد إسماعيل وكذلك سائر أصحاب الأطراف والمرغوب إلى همة الأمير أبي النجم أن يخلص أبا العباس بروحه وأصحابه ويقضي فيه حق إسماعيل فقد علم أنه لا يتعزر على غرمه ذلك إن شاء الله فأرسل بدر الجواسيس إلى الري وكان قد استقصى وكذلك صاحب طبرستان وغيره فأخبره الجواسيس أن أبا العباس قد استقصي ماله وهو مطالب بروحه محبوس، فركب بعسكره حتى أصبح الري فدخلها نهاراً جهاراً وكسر الحبس وأخرج أبا العباس الضبي وأركبه حصاناً وحمله معه إلى نعمته، وذكر بعد هذه الحكاية شعراً مليحاً في مدح الصاحب بن عباد ورثائه منه للرضي المسوي رضي الله عنه قوله:
أكذا المنون تقتر الأبطال ... أكذا الزمان يقرب الآجالا
أكذا تغيض الزاخرات وقد طغت ... لحججا وأوردت الظماء زلالا
أكذا يقام عن الفرائس بعدما ... ملات هماهمها الورى أو جالا
يا طالب المعروف حلق نجمه ... حط الرحال وعطل الأجمالا
وأقم على يئس فقد ذهب الذي ... كان الأنام على نداه عيالا(1/73)
أقول ورأيت في الجزء الثالث من كتاب " يتيمة الدهر " تأليف عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيشابوري عند ذكر أبي القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله ما يقتضي أن اعتقاده في النجوم،على ما دللنا عليه وأنها دلالات وعلامات على ما جعلها الله جل جلاله دالة عليه كما أشرنا إليه، فقد قال مؤلف الكتاب عن أبي القاسم إسماعيل بن عباد ما هذا لفظه ولما كنى المنجوم عما هو يعرض في سنة موته قال ذلك :
يا مالك الأرواح والأجسام ... وخالق النجوم والأحكام
مدبر الضياء والظلام ... لا المشتري أرجوه للأنعام
ولا أخاف الضر من بهرام ... فإنما النجوم كالأعلام
والعلم عند الملك العلام ... يا رب فاحفظني من الأسقام
ووقني حوادث الأيام ... وهجنة الأوزار والآثام
هبني لحب المصطفى الخيتام ... وصنوه وآله الكرام
أقول ومما ينبه على أن أبا القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله كان يعتقد أن ربه تعالى كان يمحو ما يشاء ويثبت، لا أحكام النجوم زيادة على ما تضمنه شعره الذي أشرنا إليه وما ذكره مؤلف كتاب " اليتيمة " من أبيات شعر له أيضاً فقال ما هذا لفظه، وكتب على تحويل السنة التي دلت أحكامها على انقضاء عمره هذه الأبيات:
أرى سنتي قد ضمنت بعجائب ... وربي يكفيني جميع النوائب
ويدفع عني ما أخاف بمنه ... ويؤمن ما قد خوفوا من عواقب
إذا كان من أجرى الكواكب أمره ... معيني فما أخشى صروف الكواكب
عليك أيا رب السماء توكلي ... فحطني من شر الخطوب اللوازب
وكم سنة حذرتها فتزحزحت ... بخير وإقبال وجد مصاحب
ومن أضمر اللهم سؤاً لمهجتي ... فرد عليه الكيد أخيب خائب
فلست أريد السوء بالناس إنما ... أريد لهم خيراً مريع الجوانب
وأدفع عن أموالهم ونفوسهم ... بجدي وجهدي باذلاً للمواهب
ومن لم يسعه ذاك مني فإنني ... سأكفاه أن الله أغلب غالب
ثم ذكر أن وفاته كانت ليلة الجمعة الرابعة والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثمانمائة.
ومن الذي عرفوا النجوم العالم فإنه سأله المرتضى عن مناظرة وقعت له مع منجم، فقال المرتضى رضي الله عنه في الجواب إنما يناظرك من يقول أن في النجوم دلالات على الحادثات فإن ثبت قوله أن النجوم دلالات كانت هذه الشبهة واردة عليك وعليه وإن بطل قوله أن النجوم دلالات فقد استغنيت عن هذه الشبهة فالمهم النظر منكما هي دلالات أم لا، فيقال له رحمه الله أن قال لك المنجم أن هذه الشبهة على تقدير محال فلا يلزم الجواب عنها لأنه إذا كانت النجوم دلالات على الحادثات فلا بد من أن تدل على ذلك الشيء المفروض أما أن يقع أولاً، ويقال له أيضاً ما تقول لو قال نبي من الأنبياء لرجل قد أوحى إلى ربك أن تسافر غداً ويفرض أن يقول مخالف الإسلام أترك السفر وأبطل بذلك نبوته، فمهما أجبت عن هذا فهو جواب المنجم الذي يقول إن لله جعل النجوم دلالات على الحادثات.
ومما يعارض هذه الشبهة التي ذكر المرتضى أن يتعذر الجواب عنها إنما وجدنا العلماء بالعلوم العقلية يزدادون في أنفسهم علوماً وتفضيلاً فيما لم يكونوا محيطين بها وبعضهم يزداد على بعض في العلوم العقلية وهذه معلومة منهم لا يحسن الجحود بها، فما المانع أن يكون المخبر من المنجمين علمه وحكمه أحاط بأنه يكون ولم يحط العكس عليه، كما أحاط علم يونس بعذاب قومه فوعدهم به ولم يحط بنجاتهم منه وكما أحاط علم موسى عليه السلام بأن ميقات قومه ثلاثين ليلة فأخبرهم بها ولم يحط علماً بإتمام الثلاثين حتى صار أربعين ليلة وكما روينا أن منجم النمرود أخبره بأن إبراهيم عليه السلام يحرق بالنار وكان عالماً بإلقائه فيها ولم يكن أوتي العلم بأنه ينجو منها وقد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا من رواه عن الصادق عليه السلام ولم يجعل الصادق ذلك طعناً على بطلان علم النجوم فهذا الأصح لعلم النجوم فهذا الأصح لأهل العلوم.
الباب السابع
فيمن صح حكمه بدلالة النجوم قبل الإسلام(1/74)
ولم يذكر اسمه فمن ذلك الذي وجدناه في صحة الحكم بدلالة النجوم ممن عرف اسم المحكوم ولم يذكر اسم المنجم،ما ذكره أبو عبد الله الحسين بن خالويه في كتاب " الملح " من نسخة عتيقة يقتضي أنها في حياته أحضرها إلينا السيد حسن بن علي المدائني المعروف بابن بنت الكال كرهت شرائها ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئاً، أما بعد فقد أهديت لك هدية وليست هدية ولكنها تحفة وقد أحببت أن تبعث إلي رجلاً يفصح لي عن دينكم ويعلمني والسلام، قال ابن الأشعث وقد أدركت أنا الذي كتبت لي عمر بن عبد العزيز فإنه عاش مائة سنة واسمه بهرة، وكان عاملاً على ثلاثمائة ألف فرسخ، وعلى مربطه ألف فيل وكانت أمه راعية، فأدركها الطلق قبل طلوع الشمس، فمر بها منجم هندي فقال إن لم يولد هذا حتى يطلع قرن الشمس ملك الهند، فجمعت المرأة عباءة كانت معها واستقرت بها وقعدت عليها، فلما ذر قرن الشمس قذفت بعباءتها فولد وبلغ ما قال ذلك المنجم، ويقال أنه أسلم على يد عمر بن عبد العزيز وأخفى إسلامه خوفاً على نفسه من القتل.
وذكر الحاكم النيشابوري في تاريخه في الجزء السابع في أواخره ما يقتضي أنه مصدق بعلم النجوم وأن علم النجوم قد صح فيما ذكره المنجمون عن سابور ذي الأكتاف وهو جنين في بطن أمه فقال ما هذا لفظه في ذكر المدينة الداخلة بنيشابور، حدثنا الحسين بن أحمد بن مشوقة المدائني عن آبائه قالوا لما ملك شابور بن هرمز وهو الذي وضع التاج على بطن أمه، وكتب عنه إلى ملوك الآفاق، وهو جنين في بطن أمه وقد مات أبوه هرمز، وقد كان المنجمون أعلموه قبل وفاته أنه يلد ذكر أيملك الأرض وأخبروا أمه والوزراء بذلك وسموه شابور أي ابن الملك على أنه إذا بلغ إن شاء غير اسمه، فلما بلغ أربعين سنة غير اسمه، وكان ذا رأي وهمة جليلة ملك العرب والعجم وقهر إياد وفيه يقول علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
إن حياً يرى الفساد صلاحاً ... ويرى الرشد للشقاء فساداً
لقريب من الهلاك كما أهلك ... شابور بالسواد إياداً
ثم ذكر الحاكم بناءه لمدينة نيشابور وطرفا من صحة حكم المنجمين له بالملك.
وذكر أبو الفرج ابن الجوزي واسمه عبد الرحمان في طرائف اللطائف في تاريخ السوالف ما يستظهر منه على أنه كالمصدق بعلم النجوم وصحة الحكم بها واعتماد بعض ملوك الأكاسرة عليها، كما قدمنا بعضه فقال أن سبب ملك شابور ذي الأكتاف أنه كان حملاً بعد موت أبيه هرمز فقال المنجمون هذا الحمل يملك الأرض فوضع التاج على بطن أمه وكتب بذلك إلى الآفاق وهو جنين، أقول ثم ذكر صحة حكم المنجمين فيه وأن شابور ذا الأكتاف كان ملكاً عظيماً وهو الذي بنى إيوان كسرى وبنى نيشابور وسجستان والسوس وقال هو وغيره إنما سمي ذا الأكتاف لأنه كان حين ملك ينزع الأكتاف من مخالفيه. وأقول أي عقل يمنع من قدرة الله جل جلاله على أن يجعل دلالات النجوم من قدرته؟ فهو سبحانه القادر لذاته الحكيم في مقدوراته.
ومن العلماء بالنجوم الذي صح حكمه بها ودلالتها على يديه من أهل الإسلام المعروف بالعماد من أهل هرات، ذكر ذلك صدقة بن الحسن في المجلد الخامس من " التذليل " في حوادث سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فقال لفظه وكان لقماج صاحب بلخ منجم يعرف بالعماد من أهل هرات فاستأذن الأمير قماج في خروجه إلى أهله فلم يعطه إذناً فقال له المنجم أعطني إذناً وأعطني أماناً لا أخبرك بما يجري على خراسان فقال له قد أمنتك قال قال قد آل ملكهم إلى الزوال، وإن خراسان تخرب ويهلك أهلها في العام القادم من قوم بخزنة مما وراء النهر يفعلون الخير ويعودون بعد ذلك فيكون هلاك ملك خراسان على أيديهم وهلاك خراسان ونفسي تعلم يقيناً أنهم هؤلاء القوم الذين نزلوا على رعايا يعني الغز ثم شرح صاحب التذييل كيف ملكت الغز بلد خراسان وهلك السلطان وهلك أهل خراسان على نحو ما جرى عليهم هلاكهم في التتر في هذه الأزمان وصح الحكم بذلك جميعه وفي شرحه غرائب لكن يطول ذكرها والمقصد ما ذكرناه.(1/75)
وذكر جدي أبو جعفر الطوسي فيما نقلته من خطه في كتاب أبي العباس أحمد بن محمد من وجهة أوله في القائمة الأخيرة من الكراس السادس ما هذا لفظه، قال بعضهم حكم المنجمون في سنة سبعين ومائة أن في ليلة واحدة يموت ملك عظيم ويقوم ملك كريم ويولد ملك حكيم فمات موسى الهادي وقام الرشيد وولد المأمون، أقول ولم يذكر جدي الطوسي بهذا الحكم دلالة النجوم ولا طعناً في ذلك.
ومن ما ذكره الحاكم في ترجمة هارون الرشيد من المجلد الثالث في تاريخ نيشابور قال حدثني عبد الرحمن بن أحمد بن حمدوية قال سمعت أبي يقول سمعت جماعة من مشايخنا المعمرين بنيشابور يذكرون ورود هارون الرشيد أمير المؤمنين نيشابور ومقامه به وذلك أنه لما خرج من بغداد وكان الفضل بن الربيع وزيره صار إلى الري وكان بها جماعة من المنجمين فجمعهم وسألهم النظر في أمر خروجهم وما يستقبله فيه وما يستقبله في بقية عمره؟ فنظروا وحكموا أنه يهلك بخراسان بقرية يقال لها سناباد فسألهم عنها فقالوا هي من قرى بيهق، فتنحى عن الطريق ولم يدخل بيهق وعدل إلى ناحية جرجان على أن يكون قدومه لنيشابور على طريق جرجان ثم أنه ورد نيشابور وأقام بها وبعث منها العساكر والقضاة وأصحاب البرد إلى النواحي، ثم خرج من نيشابور إلى طوس ونزل قرية حميد الطوسي التي يقال لها سناباد، فسأل عن اسم القرية فقال له سناباد فمرض وعلم أنها تربته، ووطن نفسه على أن يموت بها وأنه لا مرد لقضاء الله عز وجل فأرسل المأمون على مقدمته إلى مرو وأقام هو في سناباد عليلاً إلى أن توفي فدفن بها.
ورأيت في الجزء الثاني من كتاب " الوزراء " تأليف علي بن الحسين بن عبد الله الخازن عند ذكر وزارة أبي الحسن ناصر بن مهدي العلوي الحسني رضوان الله عليه وكنت أنا سمعت ذلك منه فعلق بحفظي وأني الآن أحفظه، قال حدثني الحافظ أبو عبد الله البغدادي قال حدثني كثير القمي صاحب الوزير ناصر بن المهدي قال كنت بخدمته في قمم وكان حينئذٍ يتفقه في مدرسة هنالك فقدم علينا منجم عالم بأحكام النجوم فجمع الجماعة مواليدهم وألقوها بين يديه وكان في جملتها مولداً لوزير فنظر فيها ثم أمسك مولد الوزير وقال صاحبه هذا المولد يحكم في الشرق والغرب قلت أنا وقد كان كثير القمي أذن لي في أيام وزارته بالرواية عنه.
ومن المذكورين بالإصابة في علم النجوم ولم يذكر اسمه قبل الإسلام ما ذكره أبو جعفر ابن بابويه رحمه الله في الجزء الثالث من كتاب الكمال في الغيبة في جملة حديث ملك الهند وولده يوذاسف وبلوهر الحكيم فقال عن ملك الهند ما هذا لفظه، وكان حريصاً على الولد ولم يكن له ولد إلى أن طال عليه أمره فحملت امرأة من نسائه وولدت غلاماً فاستبشر بذلك وأمر للناس بالأكل والشرب سنة وسمى الغلام يوذاسف وجمع العلماء والمنجمين لتقويم ميلاده فرفع المنجمون إليه أنهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف والمعزلة ما لم يبلغ أحد واتفقوا على ذلك جميعاً غير أن واحداً منهم قال ما أظن أن الشرف الذي يبلغه هذا الغلام إلا شرف الآخرة، ولا أحسبه إلا أن يكون إماماً في الدين والنسك وذا فضيلة في درجات الآخرة لأني أرى الشرف الذي يبلغه ليس يبلغ شرف الدنيا بل هو يشبه شرف الآخرة فوقع ذلك القول من الملك موقعاً كاد ينغصه سروره بالغلام، وكان المنجم الذي أخبر بذلك من أوثق المنجمين في نفسه وأعلمهم وأصدقهم عنده، ثم ذكر ابن بابويه كيف تقبلت الأمور بيوذاسف ابن الملك حتى زهد في الدنيا زهداً عظيماً وفارق ملك أبيه وصح حكم المنجم فيه بدلالة الله تعالى له بالنجوم والتنبيه.(1/76)
وروى أيضاً ابن بابويه في كتاب " الغيبة " ما هذا لفظه إنه كان في أول الزمان ملك للهند حريصاً على أن يولد له، فكان لا يدع شيئاً مما يعالج به الناس أنفسهم إلا أتاه وصنعه فلما طال ذلك من أمره حملت امرأة من نسائه وولدت غلاماً فلما وضعته خطا ذات يوم خطوة فقال ميعادكم تكبرون ثم خطا أخرى تهرمون ثم خطا الثالثة فقال تموتون ثم دعا كهيئته يفعل كما يفعل الصبي فدعا الملك العلماء والمنجمين فقال لهم أخبروني بخبر ابني هذا، فنظروا في شأنه وأمره فأعياهم أمره ولم يكن عندهم فيه علم إلا أن منجماً منهم قال سيكون هذا إماماً فلما رأى الملك أنه ليس لهم علم دفعه إلى المرضعين فأخذوا في رضاعه فأقبل يوماً ما عند مرضعته والحرس معه ومر بالسوق فرأى جنازة فقال ما هذا قالوا إنسان مات قال ما أماته قالوا كبر وفنيت أيامه ودنا أجله قال أو كان صحيحاً يمشي ويأكل ويشرب قالوا نعم، ثم مضى فإذا بشيخ كبير فقام ينظر إليه تعجباً منه ثم قال ما هذا قالوا شيخ كبير قد كبر وكان صغيراً ففني قال أو كان شاباً فشاب قالوا نعم ثم مضى فإذا هو برجل مريض مستلق على ظهره فجعل ينظر إليه ويتعجب منه ثم قال ما هذا قالوا مريض قال أو كان صحيحاً ثم مرض قالوا نعم فقال والله لئن كنتم صادقين فإن الناس لمجانين أقول ثم شرح ابن بابويه رضي الله عنه كيف جرى أمر المشار إليه من صحة ما حكم به العالم بالنجوم ودلت آيات الله جل جلاله عليه.
الباب الثامن
في الأخبار التي صح فيها الحكم
على الحوادث بالنجوم(1/77)
بعض عرف بالنجوم ولم يعرف له شيء من الأحكام وبعض عرف له ذلك ومن كان عاملاً بذلك من الملوك قبل الإسلام وقد ذكرنا من ذلك ونذكر بعض من نختار ذكره من أهل الإسلام فمن ذلك ما ذكره التنوخي في الجزء السابع من نشوار المحاضرة قال حدثني أبو الحسين قال حدثني علي بن عباس النوبختي قال حدثني محمد بن داود بن الجراح قال حدثني أبو علي الحسن بن وهب، قال رأيت يوماً محمد بن عبد الملك الزيات قد عاد من موكب المعتصم قبل خروجه إلى سامراء وهو على غاية من الضجر وكنت جسوراً عليه، فقلت مالي أرى الوزير أيده الله مهموماً قال أفما عرفت خبري قلت لا قال ركب أمير المؤمنين وأنا أسايره وابن أبي داود يسايره من الجانب الآخر حتى بلغنا رحبة الجسر فأطال الوقوف حتى ظننا أنه ينتظر شيئاً ثم أسرع خادم يركض حتى أسر إليه سراً فقال غممتني وكر راجعاً إلى الجانب الشرقي فلما توسط الطريق جعل يضحك ولا شيء يضحكه فجسر عليه ابن أبي داود فقال أن رأى أمير المؤمنين أن يشركنا بالسرور فيما يسره قال ليست لكما حاجة في ذلك فقال ابن داود بلى قال أما إذا سألتماني لما ركبت اليوم فإني اعتمدت أن أتبعد وصرت إلى رحبة الجسر فذكرت منجماً كان يجلس فيها أيام فتنة الأمين وبعدها وكان موصوفاً بالحذق قديماً، وكنت أسمع به فلما فسدت الأمور في أيام الفتنة لجأ إلى الجلوس على الطريق والتنجيم فلما غلب إبراهيم ابن شكلة على الأمر اعتمد علي في الرزق وأجرى لي خمسمائة دينار في الشهر ولم يكن أحد دخله أكثر رزقاً مني لأن جيشه إنما كان كل واحد له تسعة دراهم وعشرة، والقواد مثلها ديناراً ونحو ذلك لضيق الأحوال وخراب البلاد والناس إنما كانوا يقاتلون معه عصبية لا لجائزة فركبت يوماً حماراً متنكراً لبعض شأني فرأيت ذلك المنجم فتطلعت إليه نفسي أن أسأله عن أمر إبراهيم وأمري وهل يتم لنا شيء أم يغلبنا المأمون، فعدلت إلى المنجم وكنت متنكراً وقلت للغلام أعطه ما معك فأعطاه درهمين وقلت له خذ الطالع واعمل لي مسألة ففعل، ثم قال له سألتك بالله هل أنت هاشمي قلت فما سؤلك عن هذا فقال كذا يوجب الطالع فإن لم تصدقني لم أنظر لك فقلت نعم قال فهذا الطالع أسد وهو الطالع في الدنيا وأنه يوجب لك الخلاف وأنت تفتح الآفاق وتزيل الممالك ويعظم جيشك وتبني لك بلاداً عظيمة ويكون من شأنك كذا ومن أمرك كذا وقص علي جميع ما أنا فيه الآن قلت فهذا السعود فهل علي من النحوس قال لا ولكنك إذا ملكت فارقت وطنك وكثرت أسفارك قلت فهل غير هذا قال نعم ما شيء عليك أنحس من شيء واحد قلت ما هو قال يكون المتولون عليك في أيام ملكك أصولهم دنية سفلة فيغلبون عليك ويكونون أكابر أهل مملكتك، قال فعرضت عليه دراهم كانت في خريطة معي في خفي فخاف ألا يقبل غير ما أخذه وقال إذا رأيت هذا الأمر فاذكرني وأحسن في ذلك الوقت إلي فقلت أفعل ولكن ما ذكرته إلي الآن ولما بلغت الرحب وقلت عيني على موضعه فذكرته وذكرت مكرمته وتأملتكما حوالي وأنتما أكبر أهل مملكتي وأنت ابن زيات وهذا ابن قيار، وأما إلى ابن أبي داود فإذا صح جميع ما قال فأنفذت هذا الخادم في طلبه والبحث عنه لا في لهو بسالف الوعد فعاد إلي وذكر لي أنه قد مات قريباً فكسلت وغمني أن فاتني الإحسان إليه فرجعت عن الابتعاد وأخذني الضحك إذ ترأس في دولتي أولاد السفل قال فانكسرنا ووردنا أن ما سألناه.
وممن ذكر أصحاب التواريخ أصابته بالنجوم ولم يذكر اسمه ما رواه ابن مسكويه في تجارب الأمم فقال في ركوب علي بن عيسى ابن ماهان متوجهاً إلى خراسان لحرب المأمون فذكر أن منجماً أتاه فقال أصلح الله الأمير لو انتظرت بمسيرك صلاح القمر فإن النحوس غالبة فقال إنا لا ندري فساد القمر من صلاحه غير أنه من نازلنا نازلناه ومن وادعنا وادعناه ومن قاتلنا لم يكن عندنا إلا إرواء السيف من دماه إنا لا نعتد بلسان القمر ما وطنا أنفسنا على صدق اللقاء ثم حكى بعد ذلك انعكاس الأمر عليه وفساد أمره وقتله، ونهب عسكره وفله وصدق للمنجم قوله.(1/78)
وممن ذكر معرفته بالنجوم ولم يذكر اسمه ما ذكره أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في كتاب " ربيع الأبرار " فقال ما هذا لفظه أدخل رجل إصبعيه في حلقي مقراض فقال للمنجم أي شيء ترى في يدي فقال خاتمي حديد " ربيع الأبرار " قال فقدت في دار بعض الرؤساء مشربة فضة فوجه إلي ابن ماهان يسأله فقال المشربة سرقت نفسها فضحك فأغاظ وقال هل في الدار جارية اسمها فضة قالوا نعم قال فضة سرقت الفضة، وفي " ربيع الأبرار " قال سعى بمنجم فقدم لصلبه فقيل هل رأيت هذا في نجومك قال رأيت ارتفاعاً ولكن لم أعلم أنه فوق الخشبة.
وممن صح له حكم في النجوم ولكن لم يذكر اسمه ما ذكره المحسن بن علي التنوخي في كتاب " الفرج بعد الشدة " وهو حديث أسنده إلى الحسين بن محمد عبد الرزاق المعروف بابن العسكري وذكر أنه ممجد أخذنا من حديثه موضع المراد منه بالمعنى وهو أنه ذكر أن المنجمين طالعوا مولده عند الولادة فحكم منجم عليه بقطع في سنة أربع وثلاثين من عمره وأنه ركب فيها مهراً فنفر به فدق رأسه فأشرف على الموت وبقي عليلاً مدة وما خلص من الموت إلا بعد شدة.
ومن الإصابة في تحويل المواليد ولم يذكر اسم من حوله من ذكره يحيى بن محمد الصولي في الجزء ا لثالث من كتاب " الوزراء " في أخبار سليمان بن وهب قال ما هذا لفظه، وكان أبو الحسن يقول قد تحولت في سنة رديئة أخاف أن أتلف فيها فأوصى قبل شخوصه من واسط إلى رجل من سراة أهلها وثقاتهم وسلم إليه مالاً خطيراً عظيماً وأوصاه بابنيه الحسن وسليمان وكانا معه فخلفهما بواسط شخص فغرق في طريقه.
وممن ذكر بإصابته النجوم ولم يذكر اسم من حكم به بل ذكر اسم حائله ما ذكره راوي حديث بهران وملوك الفرس الكسروية فذكر في حديث جواب كسرى بهرام لولده إذ قال له وأما أنت خاصة فمن فضلنا عليك أن المنجمين كانوا قد قضوا في حكم مولدك أنك مزرٍ علينا وناقض ما قد أبرمنا ويكون ذلك بسببك فلم نأمر بقتلك ولكنا ختمنا على كتاب مولدك وبعثته إلى شرين صاحبتنا، ومع يقين أنه كائنة تلك القضية أنا وجدنا فرمسي ملك الهند كتب إلينا في سنة ست وثلاثين من ملكنا مع وفد أوفد إلينا وذكر في الكتاب أمور شتى وأهدى لنا ولكم معاشر أبنائنا هدايا وكتب إلى كل واحد كتاباً وكانت هديته لك فيلاً وسيفاً وبازياً أبيض وديباجة منسوجة بذهب فلما نظرنا ما أهدى إليكم وكتب إليكم، وجدناه قد وقع على كتابه إليك بالهندية، أكتم ما فيه فأمرنا أن نصرف لكل واحد ما بعث إليه من هدية وكتاب واحتبسنا ما كتبه إليك من أجل التوقيع الذي كان فيه ودعونا بكتاب هندي وأمرناه بفض خاتم الكتاب وقراءته فكان فيه البشر وقر عيناً وأنعم بالأفانك متوج ما ه آذار وروز آذار سنة ثمان وثمانين من ملك كسرى ومتملك على مملكته وبلاده وتيقناً أنك لم تملك أملاكنا إلا ببوارنا فلم ننقصك مع ما استمر عندنا من ذلك مما أمرنا بإجرائه عليك من الأرزاق والمعادن والصلات في الأبواب التي عددنا، وفوق ذلك عن عدم أمرنا بقتلك، أما كتاب فرمسيا فقد ختمنا عليه بختمنا واستودعناه عند صاحبتنا شيرين فإن أحببت أن تأخذ منها قضية مولدك وكتاب فرمسيا إليك لتنهكك قراءتها ندامة وثبوراً فافعل.
وممن ذكر صحة دلالة النجوم ولم يذكر اسم المنجم ما ذكره الطبري في تاريخه في أخبار أبي مسلم الخراساني، قال وكان أبو مسلم يقول والله لأقتلن من الروم وكان المنجمون يقولون ذلك له فكان قتله في رومية المدائن كما دلت عليه النجوم.(1/79)
ومما ذكره التنوخي في " النشوار " وله تعلق ببني بويه بعلم النجوم وتعبير الرؤية قال حدثنا أبو القاسم علي بن حماد الأنباري الكاتب وكان محله في الجلالة في خدمة الملوك من الوزير أبي محمد المهلبي والأمير معز الدولة ما هو مشهور، قال لما أنفذني معز الدولة من بغداد إلى الديلمان لأبني له في بلدة منها دوراً قال لي اسأل عن رجل من الديلم يقال له أبو الحسين بن شركوه فأكرمه وأعرف حقه وأبلغه سلامي وقل له سمعت وأنا صبي منا ما رآه أبي وعرضه هو وأنت على مفسر بديلمان ولم أقم على مفصله للصبي فحدثني به وأحفظه أنت لتعيده علي، فلما جئت الديلمان جائتي الرجل مسلماً ومت إليك بصداقة كانت بينه وبين بويه والد الأمير فأكرمته وأعطيته وأبلغته رسالة معز الدولة فقال لي كانت بين وبين بويه مودة أكيدة وهذه داري وداره متجاوران وأومأ إليهما فقال لي ذات يوم إني قد رأيت رؤيا هالتني فأطلب لي إنساناً يفسرها لي فقلت نحن ههنا في شبيه مغازة فمن أين لنا من يفسرها ولكن أبصر علي حتى يجتاز بنا منجم أو عالم أو من نسأله عن ذلك قال نعم ومضى على هذا شهور فخرجت أنا وهو في بعض الأيام إلى شاطئ البحر نصطاد سمكاً فجلسنا واصطدنا شيئاَ كثيراً وحملناه على ظهورنا أنا وهو وجئنا به فقال له ليس في داري من يعمله، فخذ الجميع إليك يعمل عندك فأخذته وقلت له تعال إلي غدية لنجتمع ففعل، فقعدنا أنا هو وعيالي ننظفه ونطبخ بعضاً ونشوي بعضاً إذا اجتاز على الباب رجل يصيح منجم مفسر الرؤيا فقال لي يا أبا الحسين أتذكر ما قلت لك بسبب منام رأيته قلت بلى قال فهذا وقته فقمت وجئت بالرجل فقال له بويه رأيت ليلة في منامي كأني جالس أبول فخرج من ذكري نار عظيمة كالعود ثم تشعبت يمنة ويسرى وأماماً وخلفاً حتى ملأت الدنيا وانتبهت فما تفسير هذا، فقال له الرجل لا أفسر هالك باقل من ألف درهم قال فسخرنا منه وقلنا له ويلك نحن فقراء نصطاد سمكاً لنأكله والله ما رأينا قط الألف درهم ولا عشرة ولكنا نعطيك سمكة من أكبر هذا السمك فرضي بذلك وقال لنا صالحوني لا ترجعونا عليه فصالحناه على ذلك ورسمنا له إنا إذا صالحنا إنساناً لا نخطر فيما صالحنا عليه قليلاً أو كثيراً فقال لبويه يكون لك أولاد ويفترقون في ا لدنيا فيملكون ويعظم سلطانهم فيها قدر ما احتوت النار من الأرض التي رأيتها في المنام قال فصفعناه وقلنا له سخرت بنا وأخذت السمك منا حراماً وطرت بنا ثم قال له بويه ويلك أنا صياد فقير كما ترى وأولادي هؤلاء فترى أي شيء منهم يكون وأومأ إلى علي وكان إذ ذاك أول ما اختط عارضه، والحسن دونه وأحمد فوق الطفولية قليلاً قال ومضت السنون على ذلك وأنسيت المنام حتى خرج بويه بخراسان وبلغت منزلته ومنزلة أولاده عند محمد بن إبراهيم بطبرستان وخرج علي بن بويه من عندنا بعد أن ظهرت فيه شدة في جسمه وقلبه وصار مع مردا ويش وعزة أخباره فما شعرت إلا ببلوغ خبره إلينا أنه قد ملك أرجان وعصى على مرداويج فاستعظمنا ذلك، وأنسيت ذلك الحديث ثم ملك فارس كلها وهرب ياقوت واستقلت له شيراز وأعمال فارس كلها فما شعرنا إلا بصلاته قد جاءت إلى أهله وشيوخ بلد الديلم وجاءني رسوله يطلبني ويسألني القدوم عليه فخرجت إليه فحين رأيته وعظيم ملكه هالني أمره واستعظمت ذلك جداً وأنسيت المنام فعاملني من الجميل بالإكرام والصلات والأموال، وحمل إلي من الثياب والفرش والآلة والدواب والبغال أمراً عظيماً ثم قال لي بعد أيام وقد خلونا، يا أبا حسين المنام الذي كان أبي قد رآه وأنا غلام أذكر يوم عرضتموه على المفسر وصفعتموه لما فسره لكم ولم أحفظه ولا تفسيره فأحب أن تحدثني به، قال فذكرت الحديث واستولى علي من التعجب ما أمسكت معه ساعة مفكراً فقال لي أنسيته قلت لا قال فحدثني به فحدثته إياه فاستدعى عشرة آلاف دينار عيناً فأحضرت في الحال فدفعها إلى وقال هذه لك فخذها فقبلت الأرض فقال لي تقبل مني قلت نعم قال أنفذ بها إلى بلد الديلم وأشتري ضياعاً هناك تكون لأعقابك ويعلو بها ذكرك ودعني أدبر أمرك بعدها ففعلت ذلك ثم أقمت عنده مدة ثم استأذنته في الرجوع إلى بلد الديلم أقم عندي فإني أقويك وأعطيك وأقطع عنك بخمسمائة ألف درهم في السنة وأفعل بك وأصنع فقلت إن بلدي أحب إلي قال فأحضر عشرة آلاف دينار أخرى فأعطاني إياها وقال خذها ولا تعلم أحداً فإذا(1/80)
وصلت إلى بلد الديلم فادفن منها خمسة آلاف دينار تكن عوناً لك على الزمان وجهز بناتك بخمسة آلاف دينار ولولا إني إذا أعطيتك أكثر من هذا أخشى عليك أن يأخذها منك أهل الديلم لأعطيتك أكثر ثم أعطاني عشرة دنانير وقال هذه فاحتفظ بها ولا تخرج من يديك فأخذتها فإذا في كل دينار مائة دينار وعشرة دنانير فودعته وانصرفت قال أبو القاسم فحفظت القصة فلما عدت إلى معز الدولة حدثته الحديث فسر به وتعجب منه. ت إلى بلد الديلم فادفن منها خمسة آلاف دينار تكن عوناً لك على الزمان وجهز بناتك بخمسة آلاف دينار ولولا إني إذا أعطيتك أكثر من هذا أخشى عليك أن يأخذها منك أهل الديلم لأعطيتك أكثر ثم أعطاني عشرة دنانير وقال هذه فاحتفظ بها ولا تخرج من يديك فأخذتها فإذا في كل دينار مائة دينار وعشرة دنانير فودعته وانصرفت قال أبو القاسم فحفظت القصة فلما عدت إلى معز الدولة حدثته الحديث فسر به وتعجب منه. 2(1/81)
ومن الأحاديث المتعلقة ببني بويه وله تعلق بالنجوم وما ذكره التنوخي في كتابه قال حدثني أبو الحسين الصوفي المنجم، ثم حدثني عضد الدولة وأبو الحسين حاضر وعضد الدولة يحدثني بهذا الحديث وقد مضت سنون على حديث أبي الحسين ولم أكن حدثته بهذا الحديث ولا غيره قال عضد الدولة اعتللت علة صعبة أيس منها الطبيب وأيست من نفسي وكان تحويل سنتي تلك في النجوم ردياً جداً نحساً موحشاً ثم زادت العلة عليه فأمرت أن يحجب الناس كلهم ولا يدخل أحد إلي البتة بوجه ولا سبب إلا حاجب النوبة في أوقات حتى منعت الطبيب ضجراً بنفسي ويأساً من العافية فأقمت كذلك أياماً ثلاثة أو أربعة وأنا أبكي في خلوتي على نفسي إذ جاء حاجب النوبة فقال في الدار أبو الحسين الصوفي يطلب الوصول وقد اجتهدنا به بالانصراف بكل رفيق وجميل فما فعل وقال لا بد من أن أصل ولم أحب أن أجبره بالانصراف على أي وجه كان إلا بأمرك فقد عرفت أنه رسم أن لا يصل إليه أحد من خلق الله أجمعين فقال الذي حضرت له بشارة لا يجوز أن يتأخر وقوفه عليها فعرفه هذا عني واستأذنه في الوصول فقلت له بصوت ضعيف وكلام خفيف يريد أن يقول لي قد بلغ الكوكب الفلاني وبمخرق علي من هذا القبيل ما يضيق به صدري ويزيد به ألمي مع ما أنا فيه مما لا أقدر به على سماع كلام فانصرف فخرج الحاجب ورجع إلي مستعجلاً وقال لي إما أن يكون أبو الحسين قد جن أو معه أمر عظيم فإني قد عرفته بما قال مولانا فقال لي ارجع وقل له والله لو أمرت بأمر عنقي ما انصرفت أو أدخل إليك، ووالله لا أكلمك في معنى النجوم بكلمة واحدة، فعجبت من ذلك عجباً شديداً لعلمي بقتل أبي الحسين وبأنه ممن لا يمخرق معي في شيء وتطلعت نفسي إلى ما يقوله فقلت ادخله فلما دخل إلي وقبل الأرض بكى وقال أنت والله في عافية لا بئس عليك واليوم تبرأ ومعي معجزة بذلك من أمير المؤمنين " ع " فقلت له ما هي قال رأيت في منامي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه والناس يهرعون إليه يسألونه المسائل وكان يقضيها لهم فتقدمت إليه وقلت يا أمير المؤمنين أنا رجل غريب في هذا البلد تركت نعمتي بالري وتجارتي وتعلقت بحب هذا الأمير الذي أنا معه وقد بلغ إلى اليأس من العلة التي أصابته وقد أشفقت أن أهلك فادع الله له بالعافية فقال يعني فني خسرو بن الحسين بن بويه فقلت نعم يا أمير المؤمنين فقال امض إليه وقل له أنسيت ما أخبرتك به أمك في المنام الذي رأته وهي حامل بك؟ أليس قد أخبرتها بمدة عمرك وأنك ستعتل إذا بلغت كذا وكذا سنة علة ييأس منها أطباؤك وأهلك ثم تبرأ منها وأنت تصلح من هذه العلة غداً ويتزايد صلاحك إلى أن تركب وتعاود عاداتك كلها في كذا وكذا يوماً ولا قطع عليك قبل الأجل الذي أخبرتك به أمك عني، قال عضد الدولة وقد كنت أنسيت أن أمي قالت لي في المنام حتى قال لي أبو الحسن الصوفي فحين سمعت الكلام منه ذكرت، وحدثت لي في نفسي قوة في الحال لم تكن من قبل فقلت أجلسوني فجاء الغلمان وأمسكوني حتى جلست على الفراش وقلت لأبي الحسين الصوفي أقعدوا عد علي الحديث فقد قويت نفسي فأعاده فتولدت لي شهوة الطعام فدعوت بالأطباء فأشاروا بتناول غذاء وصفوه عمل في الحال فأكلته ولم ينقض اليوم حتى بأن بي من الصلاح أمر عظيم وأقبلت العافية فركبت وعاودت عادتي في اليوم الذي قال أبو الحسن في المنام إني أركب فيه وكان عضد الدولة يحدثني وأبو الحسين يقول كذا والله كان كذا والله قلت لمولانا وأعيذه بالله ما أحسن حفظه وذكره ما جرى حرفاً بحرف ثم قال عضد الدولة ما فاتني في نفسي من هذا المنام إلا شيء كنت أشتهي أن لا يكون فيه، فقلت بلغ الله مولانا آماله وأحدث له كل ما يسر به وصرف عنه كل ما يؤثر أن لا يكون ولم أزد على الدعاء له خوفاً من سوء الأدب في الخدمة إن سألته عن ذلك فعلم غرضي وقال أما الذي كنت أشتهي أن لا يكون فيه فهو أنه صلوات الله عليه وقف على أني أملك حلب ولو كان عنده أني أملك شيئاً مما تجاوز حلباً لقاله، وإني أخاف أن يكون هذا غاية جدي من تلك الناحية حتى لما جاءني الخبر بأن سيف الدولة قد أخذ لي الدعوة بحلب وأعماله ودخوله تحت طاعتي ذكرت المنام فتنغص علي لأجل هذا الاعتقاد وأما الذي كنت أشتهي أن يكون فيه فهو أن أعلم من هذا الذي يملك من ولدي وقد ينتقل الملك على يديه، فدعوت له عقيب هذا(1/82)
وقطعنا الحديث وبقي سنين بعد هذا وما تجاوزت دعوته أعمال حلب بوجه ولا سبب. طعنا الحديث وبقي سنين بعد هذا وما تجاوزت دعوته أعمال حلب بوجه ولا سبب. 2
وذكر هلال في تاريخه ان مولد عضد الدولة كان بأصبهان يوم الأحد الخامس من ذي القعدة سنة أربع وعشرين وثلثمائة، وكان طالعه على ما ذكر الحمل ووصف زايجته قلت وكان عضد الدولة عارفاً بطرف من علم النجوم ومقرباً للعارفين بها، وكانت وفاته وقد تكمل له سبع وأربعون سنة وتسعة أشهر وثلاثة أيام قمرية.
ومن المعروفين بعلم النجوم من أهل الإسلام، إن لم يعرف له شيء من الأحكام ممن ذكرهم التنوخي في كتابه النشوار، جماعة منهم أبو بكر ابن نمرد، وقد صنف كتباً كثيرة في النجوم ومنهم أبو الفتح علي بن هارون المنجم، ومنهم يحيى بن أبي منصور المنجم، وكان يحيى محبوساً أسلم على يد المأمون فصار مولاه بذلك وكان خصيصاً به ومنجمه ونديمه، وأبو منصور والده منجم صاحبه، ومنهم أبو الحسن محمد بن سليمان صاحب الجيش وكان منقطعاً إلى أبي علي بن مقلة قبل الوزارة وبعدها مختصاً به من أجل النجوم والأدب، ومنهم الحسن بن علي بن زيد المنجم غلام أبي نافع عامل معز الدولة على الأهواز وقطعة من كورها ومحله عنده المحل وعند وزرائه، ومنهم والد أبي العباس هبة الله بن المنجم الذي ذكر التنوخي أن ولده العباس جرت له حكاية، فقال أنشد أبو العباس لنفسه يعرض بأبي عبد الله البصري المتكلم لما صير له عضد الدولة رسماً أن يحمل إليه كل يوم من مائدته جونة كبيرة طعاماً تشريفاً له بذلك، وأنا أقول كان سبب ذلك أنه أقطعه إقطاعاً بمال جليل في كل سنة، فلم يقبل فبذل له شراء ضياع ينفقها عليه بعد هذه الإقطاع ويستطاب من ملازمتها ويصح إنفاقها،فلم يقبل وأبى، قال عضد الدولة فلا أقل من أن ينفذ لك في كل يوم من حضرتي بما تأكله وفي كل فصل بكسوة وطيب تستعمله فأجاب إلى ذلك، فأنفذ إليه ثياباً جليلة من صنوف القطن والكتان والعود الهندي وأنواعاً من العطر وصار ينفذ إليه جونة في كل يوم مع غلام من أصحاب مائدته من الطعام الذي يقدم إليه، ثم يشال ما بين يديه فقال هبة الله أبو العباس المنجم، لكني سمعت هذا الشعر وأبو العباس ليس بحي ولا أبو إسحاق النصيبي فأعرف صحته إلا أني أثق بخبر علي والشعر هو:
أظهر هذا الشيخ مكنونه ... وجن لما أبصر الجونة
شح عليه إذ رأى حسنها ... وهي بلحم الطير مشحونة
أسلم للعاثور إسلامه ... وباع في أكلتها دينه
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ الفاضل ثابت بن قرة ووصل إلينا من تصانيفه كتاب " الأبصار " وكتاب آخر، أقول ورأيت في " تاريخه " الذي يسمى " جراب البيت " ما ذكره حماد بن محمد عبد الله الحراني في شرحه لكتاب ثابت بن قرة أن محمد بن الحسين انصرف من بلاد الروم راجعاً إلى بلاد بغداد فاجتمع به بن قرة فرآه فاضلاً عالماً فصيحاً فاستصحبه إلى العراق وأنزله في داره ووصله بالخليفة المعتضد في جملة المنجمين فسن بغداد وأولد الأولاد وعقبه الآن موجودون في بغداد وذكر أن ولادته في سنة إحدى وعشرين ومائتين وكانت وفاته يوم الخميس سادس عشر صفر سنة ثمانين ومائتين، وقال محمد بن إسحاق في كتاب الفهرست أنه من جملة المنجمين للمعتضد.
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المسمى الحسن ابن سيار المعروف بأبي الخير وصل إلينا من تصانيفه كتاب الآثار المخبأة بالجو
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ أحمد بن عبد الله الثقفي وصل إلينا من تصانيفه " كتاب الأنواء "
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ أبو نصر منصور ابن علي بن عراق وصل إلينا من تصانيفه كتاب الشاهي
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام إبراهيم بن شاهك حكاه محمد بن معينة في كتاب
" الموالي " أنه كان ناسباً فقيهاً من رؤساء المتكلمين وكان منجماً طبيباً وقد قدمنا ذكره..
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المسمى بالحسين ابن أحمد الصوفي الكرماني وصل إلينا من تصانيفه كتاب " الزيج المأموني " الرصدري وكتاب " جداول تقريبات الميل " والممر السيار وبعض الثوابت(1/83)
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ عمر بن فرحان الطبري وله تصانيف كثيرة وصل إلينا منها كتاب المواليد
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المكنى بأبي موسى القرشي وصل إلينا من تصانيفه كتاب " الاختيارات "
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المعروف بالنقاش وصل إلينا من تصانيفه كتاب " المدخل "
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ محمد بن خطير المعروف بالتياني وصل إلينا من تصانيفه رسالة وهو معروف بالهندسة
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المسمى بعلي بن عيسى وصل إلينا من تصانيفه كتاب في علم الإسطرلاب
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام شيخ الأشعرية في علم الكلام محمد بن عمر الرازي وقد وصل إلينا من تصانيفه في علم النجوم كتاب قد اجتهد فيه، وبالغ في معانيه، وحكم لنفسه بتصنيفه أنه من المنجمين القائلين بصحة تأثيرها واستقامة تدبيرها وسماه كتاب الملخص فيما دعاه من الطلسمات والسحر والعزائم ودعوة الكواكب صنعه لخوارزم شاه ومات الرازي وهو مسودة بخطه نحو ثلاثين كراساً، يقول فيه والإنصاف أن هذا العلم مما لا يحتمل البحث فيه ومع ذلك فإن من يراعي هذه القوانين فإنه يجد أكثر الأحكام مطابقاً لما قيل، أقول أنا وقد قدمنا في أول هذا الباب أن أبا علي شيخ المعتزلة كان عالماً بهذا العلم وعاملاته وهو حجة عند المعتزلة، وهذا الرازي شيخ الأشعرية فهو حجة عندهم في جواز العلم بالنجوم والعمل بها، وقد قدمنا أيضاً قول الغزالي في تصديق أحكام النجوم وهو شيخ أهل الرياضة ..
ومن العلماء بالنجوم والمصنفين فيها الشيخ الفاضل صاحب التاريخ أحمد بن يعقوب بن مسكويه، وقد ذكر في كتاب " مراتب العلوم " وترتيب السعادات ما يدل على علمه بها والتنبيه على أنها دلالات على الحادثات
ومن المتظاهرين بالقول أن النجوم دلالات على الحادثات من علماء الإسلام أبو حنيفة الدينوري وذكر عنه الزمخشري في ربيع الأبرار ما هذا لفظه، قال أبو حنيفة الينوري في كتاب الأنواء المنكر هو نسبة الأثر إلى الكواكب وأنها هي المؤثرة، فأما من نسب الأثر إلى خالق الكواكب وزعم أنه تعالى صيرها إمارات ونصبها أعلاماً على ما يحدثه ويجدده في كل أوان بالمشيئة الربانية فلا جناح عليه
ومن العلماء بالنجوم والمصنفين بها من علماء الإسلام الفاضل يحيى بن أبي منصور وقد وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج
ومن العلماء بالنجوم المشتهرين فيه وهو قدوة فيه الشيخ عبد الله بن أحمد بن أبي حبيش ، وقد وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج
ومن العلماء بالنجوم الذين هم قدوة فيه الشيخ المعروف بحبيش واسمه أحمد بن عبد الله ولا نعلم هل هو والد هذا المتقدم أم لا وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج.
وذكر محمد بن معنية في كتاب الموالي أن علقمة بن أبي علقمة كان من موالي عائشة وكان يروي عنه مالك بن أنس وكان علقمة معلماً بعلم النجوم والعربية والعروض ومات في أول خلافة أبي جعفر يعني المنصور.
ومن العلماء بالنجوم من الإسلام الشيخ المسمى بالحسين بن مصباح الحاسب وصل إلينا من تصانيفه كتاب الزيج المخترع.
ومن علماء المشتهرين بعلم النجوم محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي وصل إلينا من تصانيفه كتاب الإرشاد إلى تصحيح المبادئ.
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ أبو علي المعروف بالخياط وصل إلينا من تصانيفه كتاب المواليد.
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المعروف بابن المنجم المبارك بن الحسين بن طراد المارديني وصل إلينا من تصانيفه كتاب المنار في علم مواقيت الليل والنهار.
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني وصل إلينا تصانيفه تاب جوامع علوم النجوم وأصول الحركات السماوية وهو ثلاثون فصلاً .
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المسمى بالفضل بن يحيى طاباد وصل إلينا من تصانيفه كتاب مكتوب عليه كتاب جميع ما استخرجته من آراء العلماء في ممازجة الكواكب وأعمالها
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ محمد بن جابر بن سنان التياني وصل إلينا من تصانيفه كتاب القرآنات والكسوفات(1/84)
ومن العلماء بالنجوم من أهل الإسلام الشيخ المعروف بأبي الحسين البزاز الأصفهاني من تصانيفه في علم الإسطرلاب.
ومن العلماء بالنجوم من فضلاء أهل الإسلام علي بن الحسين بن محمد المعروف بأبي الفرج الأصفهاني وقد ذكره أحمد بن ثابت بن الخطيب في تاريخه فقال عنه، حفظ شيئاً كثيراً مثل علم الجوارح والبيطرة وشيئاً من علم الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك
ومن العلماء بالنجوم والمصنفين بأحكامها ممن ذكه الصولي في الأوراق في أخبار المكتفي في أواخر تصنيفه
ومن الملوك المشهورين بعلم النجوم وتقريب أهل تلك العلوم المأمون ومع ذلك فإن الله جل جلاله ستر عليه موضع وفاته، حتى حصل فيه وهو يعلم فذكر محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست في الجزء الرابع أنه كان سبب نقل كتب النجوم وأمثالها من بلاد الروم ونشرها بين المسلمين ، وذكر الشيخ الفاضل علي بن الحسين السعودي في حديث وفاة المأمون قال فأمر حين مرض بإحضار جماعة من أهل الموضع فسألهم ما تفسير البديون فقالوا تفسيره مدر جليك فلما سمع المأمون بذلك اضطرب وتطير بهذا الاسم فقال سلوهم ما اسم هذا الموضع بالعربية قالوا اسمه بالعربية الرقة فلما سمع اسم الرقة عرف أنه الموضع الذي يموت فيه فإن المنجمين قالوا يموت بالرقة ، فمات به كما اقتضت دلالة النجوم بطالعه .
وحكى المسعودي في كتاب مروج الذهب في جملة أخبار القاهر أن المنصور كان أول خليفة من بني العباس بالغ في تقريب المنجمين والعمل بأحكام النجوم ، وكان معه نوبخت المجوسي المنجم فأسلم على يده ، وكان معه من المنجمين ، ابراهيم الفزاري المنجم الشيعي صاحب القصبدة في النجوم ، فكان معه أيضاُ علي بن عيسى الإسطرلابي المنجم.
وممن كان عالماً بالنجوم قبل الإسلام من أشار إليه ابن مسكويه صاحب العلوم الجمة ومصنف أمور الإسلام المهمة في كتاب مرتب العلوم في ترتيب السعادات فقال ما هذا لفظه ، وقد كان عقلاء الملوك وأفاضلهم إذا حزنهم أمر جمعوا له أهل الرأي والتجارب وطبقات من يدعي العلوم التي اختلف فيها من الكهان والمنجمين ومعبري الرؤيا وأصحاب الفال والزجر والقيافة ، ثم سمعوا من الجميع وحكموا بمقدار ما يركنون له من أحكامهم بما يصرفون به ذلك الأمر الذي حزنهم ولولا أن علماءهم ومدبري ممالكهم استحسنوا ذلك واستصوبوه ما تركوهم يفعلون ذلك ولا سطروا به كتبهم، ولا عرضوا به عقولهم على الأمم الغابرة، والعقول الحادثة بعدهم تبهرهم وتتعجب من إمعانهم، ومن قرأ أخبارهم وكان له حظ من الدراية يعلم أساس إرجاع فضلاء المملوك أمورهم لأمثال هؤلاء الطبقات كالإسكندر مع حضور وزيره أرسطوطاليس ومن بعده من ملوك اليونان، فملوك الهند وملوك الفرس فأخبارهم أشهر وأكثر من أن تحصى على ذي أدب أو متصفح لأحوال الناس، هذا آخر كلام ابن مسكويه.
وذكر محمد بن بابويه في الجزء الخامس من دلائل النبوة أن بختنصر لما رأى رؤياه أحضر جملة العلماء من أصحاب النجوم.
وذكر مصنف درة الإكليل ما جملته أن جامع بغداد وهو الذي تجتمع دولة الإسلام فيه، كان تحقيق القبلة فيه بقول بهرام المنجم.
وذكر ابن قتيبة في الجزء الأول من كتاب عيون الأخبار، ما هذا لفظه، ولما بنى أبو جعفر بغداد قال المنجمون أن بناءها في وقت طالعه على أنه لا يموت بها خليفة، أقول أنا الذي بناه أبو جعفر الجانب الغربي من بغداد، وهو ما مات فيه خليفة، وذكر الزمخشري في ربيع الأبرار ما هذا لفظه، وكانت الأكاسرة إذا أراد أحدهم طلب ولد أمر في إحضار المنجمين، ويخلو الملك مع المطلوب منها الولد فساعة يقع الماء في الرحم أمر خادماً له على باب البيت فضرب طشتاً بيده فإذا سمع المنجم أخذ الطالع بالإسطرلاب.
وأقول فلما تفضل الله جل جلاله لي الخلائق بمحمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين واتصل بالوحي إليه بالغائبات وبمهام الإسلام والمسلمين استغنى الناس عن علم النجوم إلى أن نقله الله جل جلاله إليه صلوات الله عليه، كان الصحابة متفانين بحفظ سنته، فلما بلغ الأمر إلى معاوية، عاد الحديث إلى قاعدة الأكاسرة، وبدأ معاوية بسنن الجبابرة، وأعرض عما كان يصح منه علوم الدنيا والآخرة.(1/85)
وذكر الزمخشري في ربيع الأبرار أن معاوية قال لدغفل بن حنظلة العلامة حين ضمه إلى يزيد علمه العربية والأنساب والنجوم.
وقال هلال العسكري في كتاب الأوائل أن أول من ترجم له كتب الطب والنجوم خالد بن يزيد يعني أنه معاوية بن أبي سفيان.
وذكر الزمخشري أن أبا جعفر لما أراد السفر إلى عبد الله بن معوية بن عبد الله بن جعفر الطالبي سأل نوبخت عما يؤول أمره إليه في طريقه فقال نوبخت أما أنت فتصير ملك العرب وأما وجهك هذا فسينالك منه مكروه يعني بوجه قصده، فوصل هناك وولي الدج فأخذه سليمان بن حبيب بن المهلب فحبسه وأراد قتله فسلم بعد أن أشرف على القتل كما أخبر به نوبخت.
وقال بن الهمذاني قرأت في بعض الكتب أن نوبخت سأل أبا جعفر المنصور عن مولده فأخبره فقضى بأن يملك ويطول عمره في الخلافة ، ثم قال ما جملته ، فلما استخلف المنصور قصده نوبخت فوصله المنصور وأكرمه، وقد قدمنا ذكر من روي أن المنصور أول من قرب المنجمين في الدولة الهاشمية، ومنهم نوبخت وأسلم على يده.
وذكر أحمد بن مسكويه في الجزء الرابع من تجارب الأمم ما ينبه على أن من أسباب ثبوت المنصور عند محرابة ابراهيم بن عبد الله بن الحسن ما أخبره به نوبخت المنجم، فقال: ابن مسكويه ما هذا معناه أن المنصور هيأ مطايا ليخرج من الكوفة إلى الري منهزماً لما قد رأى من قوة ابراهيم بن عبد الله في الأمر ثم قال: ما هذا لفظه، فبلغني أن نوبخت المنجم دخل على أبي جعفر فقال له: يا أمير المؤمنين لك الظفر ويقتل ابراهيم فلم يقبل ذلك منه فقال: أجلسني عندك فإن لم يكن الأمر كما قلت لك فاقتلني، فبينما هو كذلك إذ جاء الخبر بهزيمة ابراهيم فتمثل ببيت البارفي
فألقت عصاها واستقر بها النوي ... كما قر عينا بالإياب المسافر
وأقطع نوبخت ألفي جريب بنهر حوبزة أقول إنما ذكرت حديث نوبخت وفي هذا الحديث نوبخت كما رأيت في لفظ النسخ التي نقلت منها، وهذا حكم نبوبخت بدلالة النجوم أن لم يصح حكمه من أعظم تقوية لقلب المنصور، على ما بلغ إليه من الأمور ووجدت بخط محمد بن معد رحمه الله في تعليقه ما هذا لفظه، بنو نوبخت بضم النون وفتح الواو وضم الباء هذا آخر لفظ ابن معد رحمه الله .
وقد روينا حديث نوبخت المنجم مع المنصور من تاريخ الخطيب في المجلد السادس عشر من عشرين مجلداً من الجزء التاسع والستين من ترجمة عبد الله المنصور ما هذا لفظه أخبرنا القاضي أبو القاسم التنوخي أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني أنبأنا الحسين بن القاسم الكسروي حدثني أبو سهل بن علي بن نوبخت قال كان جدنا نوبخت على دين المجوسية وكان في علم النجوم نهاية وكان محبوساً في سجن الأهواز قال رأيت أبا جعفر المنصور قد دخل السجن فرأيت من هيبته وجلالته وسيماه وحسن وجهه وشأنه ما لم أراه لأحد قط فصرت من موضعي إليه فقلت يا سيدي ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد فقال أجل يا مجوسي قلت من أي بلاد أنت قال من المدينة قلت أي مدينة قال مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت وحق الشمس والقمر لمن أولاد صاحب المدينة قال لا ولكن من عرب المدينة فلم أزل أترقب إليه أحدثه حتى سألته كنيته فقال أبو جعفر فقلت أبشر وجدتك في الأحكام النجومية تملكني وجميع ما في هذا البلد حتى تملك فارس و خراسان والجبال فقال لي وما يدريك يا مجوسي قلت هو كما أقول واذكر لي هذا، قال أن قضى الله فسوف يكون قلت قد قضى الله من السماء فطب نفساً وطلبت دواة فوجدتها فقلت اكتب فكتب بسم الله الرحمن الرحيم إذا فتح الله على المسلمين وكفاهم معرة الظالمين ورد الحق إلى أهله فلا نغفل فقلت أكتب لي من خدمتك حظاً وأماناً فكتب لي قال نوبخت ولما ولي الخلافة صرت إليه فأخرجت الكتاب فقال إنا له ذاكر مع الأمان والحمد لله الذي صدق وعده ورد الحق إلى أهله قال فأسلم نوبخت وكان منجماً لأبي جعفر ومولى له انتهى .(1/86)
ومن الروايات في أن منع الملك تبع ممن هدم الكعبة ونقلها إليه كان بطريق النجوم ما ذكره الحاكم النيشابوري في المجلد الثالث من تاريخه في ترجمة مخلد بن مالك الرازي وكان رجلاً صالحاً قال: أخبرني محمد ابن بصلة قال: حدثني أبي عن جمدي قتادة بن بصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بعث تبع إلى مكة لنقل البيت إليه فابتلى بجسده فقال المنجميه انظروا فقالوا لعلك أردت بيت الله بشيء قال: نعم أن ينقل إلي قال: لا يكون هذا ولكن اكسه وردهم عن ذلك، فردهم وشساه فبرئ.
وذكر الحاكم النيشاري في ترجمة طاهر بن الحسين أنه أرسل لحرب عيسى بن هامان من طريق النجوم فقال: ما هذا لفظه، حدثني يحيى بن محمود الكاتب قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه محمود بن الحسين بن عبد الله المأمون وصف له وهو يمر ومنجم من الهند فاستحضره واستشاره في أمر محمد الأمين فأشار عليه بطاهر بن الحسين ووصفه له وكان والي سنجاب بأنه طوال أعور وسماه له وقال: هذا الأمر لا يتم إلا به فاستحضروه وأراد العلة فلم تسعه واستدعاه في سنة خمسة وتسعين ومائة، فخرج طاهر من حضرة أمير المؤمنين وكان كما قال المنجم.
ومن المعروفين بعلم النجوم وصحة حكمه فيها المغيرة بن محمد المهدي وذكر ذلك أحمد بن ابراهيم القمي في آخر الجزء الثالث من كتاب أخبار علي بن أحمد صاحب الزنج بالبصرة، وقد تضمن الحديث إصابة أبي معشر في جملة الحكاية فقال: ما هذا لفظه، كنا عند المغيرة بن محمد المهدي وهو مريض يوم قتل علي بن محمد فتذاكرنا فقال قائل: حكم أبو معشر أنه يقتل غرة سنة سبعين وقد مضى المحرم فقال المغيرة على علته وهو مقتول في يومي هذا، وقد أخبرت الأمير بهذا وكتب به إليه فكان جوابه حسبنا الله.
ثم قال بعد كلام لا حاجة بنا إليه، وسيعلم الصدق هذه الساعة يا غلام أين الإسطرلاب فأخذ الطالع وقال لقد أخذ عليه بالمخنق، ثم قال والله خنق ثم قال يا غلام خذ الطالع فقد قتل، وسمعنا الضجة فقال: ما هذا انظروا ثم سمعنا أكثر منها فقال انظروا ثم جاء الرأس فزاد الأمر فخرجنا فإذا الرأس ثم قال في حديثه قال الموفق: وقد وصل الرأس ثم أقبلت على الرأس وقلت أين كهانتك وأين نجومك، أقول ففي هذا الحديث تصديق أبي معشر بتحقيق المغيرة بن محمد المهدي، وابن محمد بن علي صاحب الزنج كان عارفاً بالنجوم، فأما قوله أين نجومك فالنجوم كما دلت على ولادته دلت على زوال دولته وصح الحكم.
ومن القائلين بصحة علم النجوم أن النجوم بدلالات على الحادثات محمود بن عبد الله بن أحمد الخوارزمي مصنف كتاب الفائق فقد وجدت في كتابه المذكور في نسخة عتيقة عليها خطاً في أواخرها يذكر ذلك في أواخر آيات في ذكر معجزاته عليه السلام، فقال الخوارزمي: ما هذا لفظه، فإن قيل أليس المنجم يخبر عن أمور فيوجد مخبرها على ما أخبر وكذلك الكاهن وأصحاب الفال والزجر، فالجواب أن المنجم لا يحكم بما أخبر به إلا عن طريق، وكذلك أنه تعالى جعل أن حركات النجوم دلالات على ما يحدث في العالم، فمن أحكم العلم بها أمكنه الوقوف عليها بعلم أو ظن أقول وهذا من أعلم علماء المعتزلة، وكان جدي ورام قدس الله روحه يثني على كتاب الفائق.
من المشهورين في القول بصحة علم النجوم وتحقق أصلها ما رويناه بإسنادنا إلى علم بن حاتم القزويني في كتاب " علل الشريعة " في باب علة الأوقات بإسناده إلى أبي بصير، قال رأيت رجلاً يسأل أبا عبد الله عن علم النجوم أله أصل؟ قال: نعم قال: فحدثني عنه قال أحدثك منه بالسعد ولا أحدثك بالنحس، إن الله تعالى فرض الصلاة في الفجر لساعة وهي فرض وهي سعد وفرض الظهر لسبع ساعات وهي فرض وهي سعد وفرض العصر لتسع ساعات وهي فرض وهي سعد وفرض المغرب لأول ساعة من الليل وهي فرض وهي سعد وفرض العشاء بعدها وهي فرض وهي سعد أقول وهذا صريح فيما ذكرناه.(1/87)
وذكر محمود بن محمد بن الفضل في كتاب المنجمين في الجزء الخامس ما هذا لفظه، حدثنا محمود قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا مصعب قال: قال الربيع: رفع إلي ما شاء الله المنجم رقعة وقال ادفعها إلى أمير المؤمنين فدفعتها إليه فقال لي: هل قرأتها ؟ قلت لا قال: فإنه زعم أن الذي يحج بالناس في هذا السنة يموت في طريقه فقلت: يقيك الله يا أمير المؤمنين، وما عليك لو تركت الحج فقال: ويحك إن كان ما زعم حقاً فالموت في هذا الوجه أولى يا ربيع إني رأيت كأني دخلت الكعبة فانفرجت في عيني حتى دخلت علي الشمس فجاء رجل فضمها فرجعت قال: فلما كنا بذات عرق إذا بإبل معرضة فقال: يا ربيع أنت الذي رأيت أنه ضم علي الكعبة حين أشرف فانظر كيف يكون المهدي فمات وصلى عليه يحيى بن محمد قال أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس المصنف أنا وجدنا رواية أن منجمه نوبخت عرفه أنه يموت في ذلك الوقت، ولم نجد في وصاياه أنه أوصى برد المظالم ولا أستعد لآخرته أعاذنا الله من ترك الاحتياط في طلب رضاه ومحبته ..
الباب التاسع
فيما نذكره عمن يقول أن النجوم لا تصح
أن تكون دلالات على الحادثات(1/88)
أعلم أن المنكرين لذلك من المسلمين فرق، فريق لم يقف على ما رويناه ونقلناه ودللنا عليه من كون النجوم دلالات، وأنها آيات وهدايات ولو وقفوا على ما أشرنا إليه لكان يرجى منهم الاعتماد عليه وفريق من المنكرين لهذا العلم الموسوم قوم مستضعفون لا حكم لخلافهم في العلوم فجوابهم بحسب حالهم، جواب أمثالهم وفريق خافوا أن يكون ذلك طعناً على النبوات وما أتى به من الأنبياء من المعجزات ولو كان كل آية هدى بها الله عباده وخرق بها العادة، مفسدة للمعجزات الصادقة وطعناً على الآيات الخارقة كان قد أفسد طريق المعجزات لأن كل ما في الوجود من المخلوقات كانت في ابتدائها آيات باهرات خارقات ولكنها لما استمرت هانت على الناظرين، وغفلوا من جلالتها وما فيها من الدلالة على رب العالمين فتكون لدلالة النجوم أسوة بسائر ما ابتدأ الله جل جلاله به من آياته، ودل به على أعظم مقدوراته، وقد قدمنا الإشارة إلى بعض ما فرقنا به بين أخبار المنجمين بالحادثات، وبين تعريف الله جل جلاله على يد الأنبياء والأولياء بالغائبات ونزيده هنا أن طريقة المنجمين معروفة بين العقلاء وموصوفة عند الفضلاء لوم منع أحد من معرفة مولد الإنسان ما قد مر أن يحكم على طالعه، ولو منع الإسطرلاب لتعذر عليه بمنافعه، ولو حيل بينه وبين أستاذ يتعلم منه لاستحال صدور هذا العلم عنه، ولو حيل بينه وبين كتب ينظر فيها لتعذر عليه الإخبار بشيء من معانيها، فأما الأنبياء والأوصياء والأولياء فمعلوم بالضرورة من حالهم وصفات كمالهم أن تعريفهم للعباد بالغائبات ليس عن أستاذ ولا استعمال شيء من الآلات، ولا في وقت يحتمل الفكر في ترتيب الدلالات، وإن الأنبياء لم يقتصر الله جل جلاله بهم في المعجزات، على التعريف بالغائبات بل جعل لهم من الآيات مثل إحياء الأموات ومثل إبراء المرضى بغير معالجات، ومثل إجابة الدعوات في أوقاتها المعينات ومثل الحكم على مولود قبل ولادته ومثل نطق الحيوانات الخالية من العقل بتصديق من يصدقه الله تعالى منهم بتزكيته وشهادة الجمادات لهم بما يريدونه منهم بالله جل جلاله منه، وغير ذلك مما يطول الكلام بشرح حقيقته، فأين شرف هذا المقام وأين ما يذكره المنجمون من الأحكام، وفريق رأى في الكتب أخباراً بالمنع في شيء من النجوم، فحمل ذلك على العموم، ولم يدر أن المراد بالتحريم إنما هو لمن اعتقد أن النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة وذلك كفر عظيم وليش هذا لما ذكرناه بمثيل بل كغيرها في كل دليل على ما أراده الله تعالى من واضح السبيل، أقول ويحتمل أن يكون النهي عن علم النجوم وتعلمه واستعماله لمن يستعمل دلالتها في معصية الله تعالى، كما يستعملها الذين يتوصلون بمعرفتها وهدايتها إلى خلاف مراد الله ومراد رسوله، وفريق يستبعدون أن تكون النجوم مع ارتفاعها في السموات، دالة على ما في الأرض لتباعد الجهات وهذا الفريق معدودون من أهل الضعف فينبغي أن يعرفوا قدرة القادر لذاته تعالى ثم يحتمله حالهم من الكشف وفريق سمعوا أنه أدى هذا العلم بالجهال إلى جهود الشرايع وترك العبادة و الأعمال فخافوا من تعليمه والتصديق به أن يقعوا في تلك الأهوال ولو كان هذا عذراً في طلب التحيز وسلوك صواب الطريق أدى ذلك إلى الإهمال بالكلية وترك العلوم الدينية لأن كل علم منها ضل فريق في طريقه واختلفوا في تحقيقه ، وفريق سمعوا أن هذا العلم ابتدعه قوم غير الأنبياء من الفلاسفة والحكماء فهربوا من التصديق بشيء من معانيه لئلا يقعوا فيما وقع أولئك فيه من الضلالة والتشبيه وقد قدمنا الدلالات الواضحات على أن هذا العلم من علوم الأنبياء والأوصياء عليهم الصلوات وأوضحنا ذلك بما ذكرناه من المعقولات والمنقولات.(1/89)
ولقد وجدت تصنيفاً لبعض العلماء الماضين ولا اسمية لئلا يكون عيبة له وإظهار النقص بين السامعين قال فيه جواباً عمن سأله من المكاتبين أنه لا يصح أن تكون النجوم علامات على الحادثات وذكر في أقوى الاحتجاجات أنه ربما تكون جماعة مواليدهم مختلفة ويغرقون في سفينة في وقت واحد ويقع عليهم حائط أو نحو ذلك من الحوادث المألوفة فيقال له أن الذين قالوا أن النجوم علامات، معتقدون أن الله جل جلاله قادر مختار بالذات والأعمار بحسب حكمه فيقصر منها ما شاء ويتم ما شاء ولا اعتراض عليه في الإرادات مع أن جميع المسلمين الصادقين بالاعتقاد عارفون أن الله تعالى لا بد أن يخرب الفلك والنجوم عند انقضاء دار الفناء فمن يقدر على إبطال الفلك ونجومه وهي أصل دلالات العباد. أما يقدر أن يبطل أعماراً يمكن إبطالها بوجه من وجوه السداد والصواب كما قال الله تعالى: " يمحو الله ما يشاء وعنده أم الكتاب " وقال ذلك المصنف في كتابه أنه قد جرب عليهم غلطاً في الأحكام وقد تقدم الكلام في جواب هذا الكلام بما معناه ما معناه أنه لو كان غلط فريق من أهل العلوم أو تعمدهم الغلط مبطلاً لتلك الرسوم كان قد فسد كل علم في الوجود فإن جميعها فيها اختلاف لا يحسن أن يقابل في الجحود فلعلم دلالات النجوم أسوة بسائر العلوم.
ومن اعتبر السائل الذي سأله فلعله يفهم أنه من ملوك الدنيا أو أنه يريد ويعتقد نصرة مسألة المرتضى في الجواب عن مسألته ولا يبعد أنه اتقى في ذلك لأن السائل من الولاة في مملكته بوده ما ذر في آخر حديثه من تصريح الحمصي في التعليق العراقي بصحة علم النجوم ودلالته.
وقال آخر من علماء الإسلام في رده على القائلين بأن النجوم دلالات على حوادث الأيام كلمات استحسنها من سمعها منه وحكاها على سبيل الاستحسان عنه طيباً لنفسه أن هذا كظن القائل يخطئ تارة ويصيب أخرى والمنجمون كذلك ؟ فيقال له أنه لا يقدر على ظن يقطع به في شيء من خوف أو بشرى والنجوم قد دلت على كسوفات وحادثات يقطع علماؤهم بها، ونقلوا التحقيق سلها فصدقت مقالتهم وظهرت حجتهم والاستدلال لهم وهذا فرق بين ظن بن آدم الضعيف وبين ما جعل الله جل جلاله النجوم دلالة عليه بتدبيره الشريف ويقال أيضاً لهذا المساوئ بين ظنه وبين دلائل النجوم أن الطريق مسدود عليك بين ظنونك وبين اطلاعهم على علامات النجوم بالظنون والعلوم فلو كان القائلون بدلالة النجوم مثل الظنون لكان انفرادهم بالإطلاع على الإمارات المقتضية للحادث المظنون تفضيلاً لهم بهذا الظن المغبون وداعياً إلى ترجيح الباب بمعرفة هذه الأسباب، أقول وما رأيت أن العقل ولا النقل ولا شريعة أصحاب الرسالة عن صاحب الجلالة تقتضي أو تجيز الجحود أو المكابرة للأمور المعلومة الظاهرة فإنه متى وقع جحود ومكابرات من أهل الديانات أدى ذلك إلى الطعن عليهم فيما يذكرونه من المقالات وتزهيد العقلاء فيما هم عليه من الاعتقادات بل يجب أن يصدق الصادق فيما يكون صدقاً من مقاله ولو كان عدواً وقد قال ذلك من شبه وكان ناقصاً في مرتبته هو حاله وفي حديث أهل الكمال انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال.
الباب العاشر
في بعض أخبار من كان مستغنياً عن النجوم(1/90)
بتعريف النبي والأئمة المستمدين من النبي المعصوم صلى الله عليهم. فأقول أن مع وجود من يخبر عن الله جل جلاله مثل الأنبياء ومن استودعوه أسراره تعالى من الأوصياء فإن في وجودهم عني لمن تمكن من لقائه وكشف ما يحتاج إليه بأنوار آرائهم ولذلك قل علماء المنجمين في زمن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ولما انتقل إلى الله جل جلاله والتزم من بقي بعده من الحاملين لأسراره بالتقية ومنعوا من إظهار الأسرار الربانية احتاج معشر من خواصهم من يتعلم علم النجوم وخاصة من لا يقدر على لقائهم إلا في وقت معلوم متباعداً كزمان الحج وأوقاته واستمرت التقية بالمستودعين لأسرار الله تعالى وآياته، فتعلم جماعة من الشيعة العلم المشار إليه لما عرفوا أنه يجوز الاعتماد عليه في أبواب الدلالات والإشارات، وفي ما يعرض لهم من الحاجات ومعرفة ما بين أيديهم من المحظورات والمسرات ليدفعوا المحظورات بالصدقات والدعوات فيبلغوا المنى بشكر الله جل جلاله على ما فتح عليهم من أبواب العنايات كما حكيناه فيما تقدم ورويناه من الإذن لهم في علم النجوم للدلالة والاستدلال بها فيما يخصه الله من الجلالة ليكون تنبيهها على فتح بابها من أهل الرسالة ، وسوف نذكر طرفاً مما انتفع به الشيعة من التعريف بالغائبات والتشريف بتعريفهم بأوقات الحادثات عن ظهور نبيهم وأئمتهم صلوات الله عليهم وتمكينهم فتارة يسألونهم عن أوقات وفاتهم ومدة أعمارهم وحياتهم فيخبرونهم ويستغنون بذلك عن عماء المنجمين وتارة ينبئونهم بعلوم المنايا والبلايا، وأسرار سيد البرايا صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وحيث يراد أن نذكر من هذا طرفاً مما يصدر من خواص عترته الحاملين لأسرار رسالته، فنذكر عن كل واحد منهم حديثين من طريقين صادقين لئلا يعتقد من يقف على كتابنا من علماء المنجمين وممن لم يطلع على مرادنا من أخبار النبي والأئمة الطاهرين من أهل النجوم والأحكام قدروا على ما لم يقدر على مثله النبي والأئمة " ع " ولو أردنا أن نذكر كل ما أورد عنهم من الأخبار بالغائبات لكان ذلك مجلدات وإنما اقتصرنا على حديثين لئلا يمل الناظر إذا أراد الوقوف على ما رويناه وربما زدنا على حديثين فيما يختص بالحسن بن مولانا علي والحسن العسكري والمهدي " ع " .
فمن ذلك من دلائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب الدلائل تصنيف عبد الله بن جعفر الحميري وقد شهد بأمانته وفضله الشيخان العالمان أبو جعفر الطوسي وأحمد بن العباس النجاشي رضي الله عنهما وقد روينا بعدة طرق إليه رضوان الله عليه بإسناده المذكور في كتابه، قال: طلب قوم من قريش إلى النبي حاجة فقال لهم: إنكم تمطرون غداً فأصبحت كأنها زجاجة وارتفع النهار فأتاه رجل عظيم عند الناس فقال: ما كان أغناك عما تكلمت به الأمس فما رأيناك هكذا قط فارتفعت سحابة من قبل السور فأمطرت الأودية وجاءهم من المطر ما جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجله فقالوا: يا رسول الله اطلب أن يكفها عنا فقال: اللهم حوالينا ولا علينا فانقشع السحاب يميناً وشمالاً، ومن ذلك ما في كتاب الخرائج والجرائح تأليف الشيخ الثقة سعيد بن هبة الله الراوندي قال: ومنها يعني معجزات النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله لقي في غزوة ذات الرقاع رجلاً من محارب يقال له عاصم فقال: يا محمد أتعلم الغيب قال: لا يعلمه إلا الله تعالى فقال: والله لجملي هذا أحب إلي من إلهك قال : لكن الله أخبرني عن علم غيبه أنه سيبعث عليك قرحة في لحييك حتى تصل إلى دماغك فتمرن والله إلى النار فرجع وقد بعث الله قرحة في لحييه وصلت إلى دماغه فجعل يقول لله در القرشي إذ قال بعلم أو زجر فأصاب .(1/91)
ومن ذلك من دلائل مولانا علي " ع " ما في كتاب " الدلائل " للحميري ما رويناه بإسنادنا إليه بإسناده المتصل في كتابه إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أراد قوم بناء مسجد بساحل عدن فكلما بنوه سقط فأتوا أبا بكر وسألوه فقال: استوثقوا من بنائه ففعلوا واستوثقوا فسقط فعادوا وسألوه فخطب الناس وناشدهم إن كان عند أحد من علم فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام احتفروا ميمنة القبلة وميسرتها فسيظهر لكم قبران عليهما تربة مكتوب عليها أنا رضوي وأخي حباً متنامية لا نشرك بالله شيئاً فغسلوهما وكفنوهما وصلوا عليهما وادفنوهما ثم ابنوا مسجدكم ففعلوا فقام بناؤه، ومن ذلك ما رواه الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي بإسنادنا إليه في كتاب " الخرائج والجرائح " عند ذكر معجزات أمير المؤمنين " ع " فقال: ومنها ما روي عن مينا قال: سمع علي في عسكره ضوضاء فقال: ما هذا قالوا هلك معاوية فقال : كلا والذي نفسي بيده لن يهلك حتى تجتمع عليه هذه الأمة قالوا: ففيم قاله؟ فقال: لأعذر فيما بيني وبين الله تعالى.(1/92)
ومن ذلك في دلائل الحسن بن علي عليه السلام ما روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن رستم الطبري في كتاب " دلائل الإمامة " بإسناده إلى عبد الله بن عباس قال مرت بالحسن بن علي عليهما السلام بقرة فقال: هذه حبلى بعجلة أنثى لها غرة في جبينها ورأس ذنبها أبيض فانطلقنا مع القصاب حتى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصفت على صورتها فقلنا له: أليس الله عز وجل يقول " لا يعلم الغيب إلا الله " فقال: ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل غير محمد وذريته، أقول: لعل معناه ما يعلم المكنون بغير أستاذ على تفصيل معلوم إلا محمد وذريته عليهم السلام، ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى أبي عبد الله بن محمد بن النعمان المفيد الذي انتهت رياسة الإمامة إليه رضوان الله جل جلاله عليه، من كتابه الذي سماه كتاب مولد النبي ومواليد الأصفياء عليهم السلام وهو كتاب جليل قد ذكر فيه من معجزات الأئمة ما لم يذكره في كتاب الإرشاد فقال فيه بإسناده إلى جابر ما هذا لفظه، عن أبي جعفر عليهما السلام قال: جاء الناس إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقالوا أرنا من عجائب أبيك التي كان يريناها فقال: أو تأمنون بذلك؟ قالوا نعم نؤمن بذلك قالوا ألستم تعرفون أبي جميعاً بلى نعرفه، فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين عليه السلام قاعد فقالوا جميعاً: هذا أمير المؤمنين نشهد أنك أنت ولي الله حقاً والإمام من بعده ولقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته كما أرى أبوك أبا بكر رسول الله جدك في مسجد قباء بعد موته فقال الحسن: ويحكم أما سمعتم قول الله عز وجل " ولا تقولن لمن يقتل في سبيل الله أمواتاً بل أحياء ولكن لا تشعرون " فإذا كان هذا فيمن قتل في سبيل الله فما تقولون فينا: قالوا أنتم أفضل بابن رسول الله، أقول وسنذكر حديثاً ثالثاً فيما يختص بالحسن ابن علي عليهما السلام لأنه أول من حكم التغلب عليه بسر أسراره الربانية ومعجزاته النبوية، إلى أن انتقل إلى الدار الأخروية، وكذلك ربما ردنا في روايتي دلالات الحسن العسكري عليه السلام لأنه آخر من كان ظاهراً من خلف آبائه كما أشرنا إلى أنه ممكن حكم التغلب عليه كما أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة منعه التغلب عليه من إظهار كثير من دلالاته، وكما جرى من حال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه فإن لم يظهر في زمن المتقدمين عليه، ما ظهر بعد انتقال الأمر إليه فمن دلالات مولانا الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ما وجدناه ثابتاً في جزء عن أبي عبد الله عليه السلام وهو من جملة مجلد فيه فرائد أوله مختصر فيه أدعية وعوذ، والمختصر بخط محمد بن علي بن الحسين بن مهزيار ونسخته في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وكان على الجزء الذي نقل منه هذا الحديث ما هذا المراد من لفظه من حديث أبي الحسن بن محمد بن عبد الوهاب قدم علينا في سنة أربعين وثلاثمائة، فأما لفظ الحديث فهو حدثنا أبو محمد بن عبد الله بن محمد الأحمري المعروف بابن داهر المرادي قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي الصيرفي القرشي أبو سمينة قال: حدثني داود بن كثير الرقى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما صالح الحسن بن علي عليهما السلام معوية جلسا بالنخيلة فقال معوية يا أبا محمد بلغني أن رسول الله كان يخرص النخل فهل عندك من ذلك علم فإن شيعتكم يزعمون أنه لا يغرب عنكم علم شيء في الأرض ولا في السماء، فقال الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرص كيلا وأنا أخرص عدداً فقال معوية : كم في هذه النخلة من بسرة قال الحسن: أربعة آلاف بسرة وأربع بسرات وأقول ووجدت قد انقطع من المختصر المذكور كلمات فوجدنها في رواية ابن عياش الجوهري هي، فأمر معوية بها فصرمت، فجاءت أربعة آلاف بسرة وثلاث بسرات ثم صح الحديث بلفظهما، فقال الحسن: والله ما كذبت و لا كذبت فنظرنا فإذا في يد عبد الله بن عامر بن كريز بسرة ثم قال عليه السلام: أما والله يا معوية لولا أنك تكفر لأخبرتك بما أعلم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في زمان لا يكذب وأنت تكذب وتقول متى سمع من جده على صغر سنه والله لقد عين زياد أو لتقتلن حجراً ويحمل إليك رأس عمرو بن الحمق .(1/93)
ومن دلائل الحسين بن علي عليه السلام ما رويناه بإسنادنا إلى أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري من كتاب الدلائل بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : خرج الحسين عليه السلام إلى مكة في سنة ماشياً فورمت قدماه فقال له بعض مواليه لو ركبت ليسكن الورم هذا منك فقال: إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتره فقال: له مولاه بأبي أنت وأمي ما قد آمنا منزل يبيع فيه أحد هذا الدهن فقال: بلى أمامك دون المنزل فسار ميلاً فإذا هو بالأسود فقال الحسين لمولاه: دونك الرجل فخذ منه الدهن وأعطه الثمن فقال الأسود للمولى: لمن أردت هذا الدهن فقال:للحسين بن علي فقال: انطلق بنا إليه فصار نحوه فسلم وقال: يا ابن رسول الله أنا مولاك فلا آخذ منك ثمناً تولكن أدعو الله أن يرزقني ولداً سوياً ذكراً يحبكم أهل البيت فإني خلفت امرأتي تمخض فقال: انطلق إلى منزلك فإن الله قد وهب لك ولداً سوياً فذهب فوجده ثم عاد إلى الحسين فدعا له بالخير لولادة الغلام له، ثم أن الحسين عليه السلام مسح من الدهن فما قام من موضعه حتى ذهب الورم عنه، ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن جرير بن رستم الطبري في كتاب دلائل الإمامة بإسناده عن حذيفة قال سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول: والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ويقدمهم عمر بن سعد وذلك في حياة النبي " ص " فقلت أنبأك بهذا رسول الله؟ قال لا فأخبرت النبي بذلك فقال عملي عمله وعلمي علمه فإنا نعلم بالكائن قبل كينونته، ومن ذلك ما رويناه بإسناده إلى الشيخ سعيد بن عبد الله الراوندي من كتاب " الخرائج والجرائح " عن أبي خالد الكابلي عن يحيى بن أم الطويل قال: كنا عند الحسين " ع " إذ دخل إليه شاب يبكي قال ما يبكيك قال إن والدتي توفيت هذه الساعة ولم توصي ولها مال وقد أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثاً حتى أعلمك خبرها فقال الحسين قوموا بنا حتى نصير إلى هذه الحرة فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة فإذا هي ملقاة، فأشرف والله ودعا الله تعالى أن يحييها حتى توصي بما تحب وإذا هي جلست تتشهد، فنظرت إلى الحسين وقالت ادخل البيت يا مولاي وأمرني بأمرك، فدخل وجلس على مخدة ثم قال لها أوصي رحمك الله فقالت يا ابن رسول الله لي من الملك كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك والثلثان لا نبي هذا أن علمت أنه من مواليك وأوليائك وإذا كان مخالفاً فخذه لك فلا حق للمخالفين في أموال المؤمنين، ثم سألته أن يصلي عليها ويتولى أمرها وعادت ميتة كما كانت.
ومن ذلك في دلائل علي بن الحسين عليهما السلام ما رويناه بإسناده إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم قال حضر علي بن الحسين الموت فقال لولده يا محمد أي ليلة هذه قال كذا قال وكم مضى من الشهر قال كذا وكذا قال فإنها الليلة التي وعدتها، ثم دعا بوضوء فجيء به فقال أن فيه فارة فقال بعض القوم أنه ليهجر، فجاءوا بالمصباح فإذا فيه فارة فأمر به فاهريق وجيء بماء آخر فتوضأ وصلى حتى إذا كان آخر الليل توفي صلى الله عليه ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى سعيد بن هبة الله الراوندي يرفعه قال أن علياً بن الحسين عليهما السلام نزل بعسفان ومعه من مواليه أناس كثير، وعسفان منزل بين مكة والمدينة، فضرب غلمانه فسطاطه بموضع فلما دنا منه قال لغلمانه كيف ضربتم في هذا الموضع وفيه قوم من الجن وهم أولياء لنا وشيعة، وقد أضررنا بهم وضيقنا عليهم فقال ما علمنا إن هؤلاء يكونون ههنا، فإذا بهاتف من جانب الفسطاط نسمع كلامه ولا نرى شخصاً يقول يا بن رسول الله لا تحول فسطاطك من موضعه فإنا تحتمله وهذا شيء بعثنا به إليك، فنظروا وإذا بجانب الفسطاط طبق عظيم وفيه أطباق من عنب ورطب ورمان وفواكه كثيرة من الموز وغيره فدعا علي بن الحسين عليه السلام رجل معه واستحضر الناس فأكلوا وارتحلوا.(1/94)
ومن ذلك في دلائل أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس بن عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل بخط الشيخ الفقيه ابن الغضائري بإسناده إلى عبد الله بن يعفور قال سمعت أبا عبد الله " ع " يقول قال أبي صلوات الله عليه يوم بقي من أجلي خمس سنين فحسبت ذلك فما زاد ولا نقص ومن ذلك ما روينا عن الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح يرفعه إلى أبي بصير قال أبا جعفر " ع " قال لرسول من أهل خراسان كيف أبوك قال تركته سالماً قال قتله جار له يقال له صالح يوم كذا في ساعة كذا فبكى الرجل وقال إنا لله و إنا إليه راجعون مما جعلت فقال له أبو جعفر " ع " أسكن فقد صار إلى الجنة وهي خير له مما كان فيه، قال الرجل إني خلفت ابني وجعاً قال قد بريء وقد زوجه عمه ابنته فستقدم عليه وقد ولد له غلام اسمه علي وهو شيعة لنا أما ابنك فليس لنا شيعة بل هو لنا عدو فقال له الرجل هل من حيلة قال أنه لنا عدو فقام الرجل من عنده وهو وقيد فعلت من هذا قال رجل من أهل خراسان وهو لنا شيعة وهو مؤمن.
ومن ذلك في دلائل أبي عبد الله " ع " ما روينا بإسنادنا إلى الشيخين أبي العباس عبد الله بن جعفر وأبي جعفر محمد بن جرير الطبري بروايتهما عن أبي بصير عن أبي عبد الله " ع " قال سمعته يقول وكنت عنده فجرى ذكر المعلى بن خنيس يا أبا محمد ما أقول لك في لعلي ما ينال درجتنا إلا بما ينال منه داود بن علي قلت فما أدري ما يصيبه من داود قال يدعوه عليه لعنة الله إلى ا لدار فيأمر به فيضرب عنقه ويسلبه قلت إنا لله و إنا إليه راجعون قال فلما ولي داود المدينة قصد المعلى ودعاه فسأله أن يسمي له أصحاب جعفر بن محمد قال ما أعرف من أصحابه أحداً وإنما أنا رجل اختلف في حوائجه وما ينوبه وما أعرف له أصحاباً فقال له إن كتمتني قتلتك قل أبا لقتل تهددني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت عنهم قدمي ولأن قتلتني ليسعدني الله عز وجل ويشقيك، فكان الأمر كما كان أبو عبد الله " ع " لم يغادر كثيراُ ولا قليلا، ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي يرفعه إليه المفضل بن عمر قال كنت أمشي مع أبي عبد الله " ع " إذ مررنا بامرأتين بين أيديهما بقرة ميتة وهي مع صبيتها تبكيان فقال ما شأنك فقالت أنا وصبياتي نعيش من هذه البقرة وقد ماتت فتحيرت في أمري قال أفتحبين أن يحييها الله لك فقالت أو تخسر مني مع مصيبتي قال كلا ما أردت ذلك ثم دعا بدعاء وركضها برجله وصاح بها فقامت البركة مسرعة سوية فقالت المرأة عيسى بن مريم ورب الكعبة فدخل الصادق " ع " بين جمع الناس فلم تعرفه المرأة وروي أنه كان بمنى.
ومن ذلك في دلائل أبي الحسن موسى الكاظم " ع " ما روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل يرفعه إلى علي بن أبي حمزة قال كنت عند أبي الحسن موسى جالساً إذا أتاه رجل من أهل الري يقال له جندب فسلم عليه ثم جلس وسأل أبا الحسن فأحسن السؤال فقال يا جندب ما فعل أخوك قال حي وهو يقرؤك السلام قال يا جندب عظم الله أجرك في أخيك فقال ورد والله كتابه من الكوفة ليلة الأمس بالسلامة فقال فإنه والله مات بعد كتابه إليك بيومين ودفع إلى امرأته مالاً وقال لها ليكن هذا المال عندك فإذا قدم أخي فادفعيه إليه فأودعته الأرض في البيت الذي تكون فيه فإذا أنت أتيتها فتلطف بها وأطعمها في نفسك فإنها ستدفعه إليك قال علي وكان جندب رجلاً جميلاً قال فلقيت جندباً بعدما فقد أبو الحسن " ع " فسألته عما كان فقال صدق والله سيدي ما زاد ولا نقص لا في الكتاب ولا في المال ومن ذلك رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده إلى أبي الحسن موسى " ع " قال اشتكى محمد بن جعفر حتى خيف عليه الموت فكنا مجتمعين عنده ودخل أبو الحسن " ع " فقعد ناحية وإسحاق عمه عند رأسه يبكي فقعد قليلاً ثم قام، فتبعته وقلت جعلت فداك يلومك أخوتك وأهلك يقولون دخلت على أخيك وهو في الموت ثم خرجت فقال يبرأ أخي أرأيت هذا الجالس سيموت ثم يبكي عليه هذا فبرأ محمد، واشتكى إسحاق فمات وبكى عليه محمد.(1/95)
ومن ذلك في دلائل علي الرضى " ع " ما روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري يرفعه بإسناده إلى معبد بن عبد الله الشامي قال دخلت على علي بن موسى الرضى " ع " فقلت له قد كثر الخوض فيك وفي عجائبك، فلو شئت أثبت بشيء وأحدثه عنك قال وما تشاء قلت له تحيي لي أبي وأمي فقال انصرف إلى منزلك فقد أحييتهما فانصرفت فإذا هما والله حيان في البيت وأقاما عندي عشرة أيام ثم قبضهما الله تعالى إليه، ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري بإسناده إلى عمر بن يزيع قال كان عندي جاريتان حاملتان فبكيت إلى الرضا " ع " أعلمه ذلك أسأله أن يدعو الله أن يجعل ما في بطينهما ذكرين فوقع أفعل إن شاء الله وابتدأ ني بكتاب مفرد نسخته بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك أحسن عافية في الدنيا والآخرة برحمته الأمور بيد الله تعالى قضى فيها مقاديره على ما يحب يولد لك غلام وجارية إن شاء الله فسمي الغلام محمداً والجارية فاطمة على بركة الله، قال فولد لي غلام وجارية على ما قال.
ومن ذلك في دلائل محمد الجواد " ع " ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده إلى إبراهيم بن سعيد قال كنت جالساً عند محمد بن علي الجواد عليهما السلام إذ مر بنا فرس فقال هذه تلد الليلة فلو أبيض الناصية في وجهه غرة فاستأذنته وانصرفت مع صاحبها فلم أزل أحدثه إلى الليل حتى ولدت فلو كما وصف " ع " فعدت إليه فقال يا ابن سعيد كأنك قد شككت فيما قلت لك، وأن التي في منزلك ستلد ابناً أعور وكانت جاريتي حبلى فولدت والله محمداً وكان أعور، ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله ابن جعفر الحميري في كتاب " الدلائل " بإسناده إلى صالح بن عطية. قال حججت فشكوت إلى أبي جعفر يعني الجواد، الوحدة فقال " ع " أما أنك لا تخرج من الحرم حتى تشتري جارية ترزق منها ابناً قلت جعلت فداك فقد عرضت قال اذهب فكن في السوق حتى أوافيك فصرت إلى دكان نخاس أنتظره حتى وافى ثم مضى فصرت معه فقال قد رأيتها فإن أعجبتك فاشترها على أنها قصيرة العمر قلت جعلت فداك فما أصنع بها قال قد قلت لك فلما كان من الغد صرت إلى صاحبها فقال الجارية محمومة وليس بها مرض وعدت إليه من الغد وسألته فقال قد دفنتها اليوم فأتيته عليه السلام وأخبرته الخبر فقال اعترض فاعترضت وأعلمته فأمرني أن انتظره فصرت إلى دكان النخاس فركب ومر بنا فصرت إليه فقال اشترها فقد رأيتها فاشتريتها وصبرت عليها حتى طهرت فوقعت عليها فولدت لي محمداً ابني.(1/96)
ومن ذلك في دلائل مولانا علي الهادي " ع " مما روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده قال حدثنا أبو الحسن محمد بن إسماعيل الكاتب بسر من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة قال حدثني أبي قال كنت بسر من رأى بدرب الحصى فرأيت يزداد الطبيب النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بغا فسايرني وأفضى الحديث إلى أن قال أترى هذا الجدار أتدري من صاحبه قلت من قال الحجازي العلوي يعني علي بن محمد بن علي الرضا " ع " وكنا نسير في فنا داره قلت وما شأنه قال إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو قلت وكيف ذاك قال أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبداً و لا غيرك من الناس ولكن لي الله عليك كفيل وراع أن لا تحدث بهذا الحديث أبدأ فإني رجل غريب ولي معيشة عند السلطان وبلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقاً منه لئلا تنصرف وجوه الناس إليه فيخرج هذا الأمر عنهم يعني عن بني العباس، قال قلت لك علي ذلك فحدثني وليس عليك من ذلك بأس إنما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد مما تحدث به من هؤلاء قال نعم أعلمك أني لقيته منذ أيام وهو على فرس أدهم وعليه ثياب سود وهو أسود اللون، فلما بصرت به وفقت إعظاماً له وقلت في نفسي لا والمسيح ما خرجت من فمي لواحد من الناس ثياب سود ودابة سوداء ورجل أسود سواد في سواد، فلما بلغ إلي نظر إلي واحد النظر وقال قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد قال أبي رحمه الله فقلت له فما قلت له قال سقط في يدي فلم أحر جواباً فقلت له أفمن أبيض قلبك قال الله أعلم قال أبي فلما اعتل يزداد بعثاً لي فحضرت عنده فقال إن قلبي قد أبيض بعد اسوداه فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً رسول الله وأن علي بن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعظم، ثم مات في مرضه ذلك فحضرت الصلاة عليه رحمه الله، ومن ذلك ما روينا بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح، قال أن هبة الله بن أبي منصور الموصلي قال كان بديار ربيعة كاتب لها نصراني وكان من أهل كفروتي يسمى يوسف بن يعقوب وكانت بينه وبين والديه صداقة، فوافانا ونزل عند والدي فقال له ما شأنك قدمت في هذا الوقت قال قد دعيت إلى حضرة المتوكل ولا أدري ما يراد مني إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، وقد حملتها إلى علي بن محمد بن الرضا وهي معي فقال له والدي قد وقفت يا هذا، ثم خرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيام قائلاً فرحاً مستبشراً فقال له والدي حدثني حديثك قال صرت إلى سر من رأى وما كنت دخلتها قط، ونزلت في دار فقلت يجب أن أوصل الماء إلى ابن الرضا قبل مصيري إلى باب المتوكل وقبل أن يعرف أحد قدومي، فعرفت أن المتوكل منعه من الركوب وأنه ملازم لداره فقلت كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا، لا آمن أن ينذر بي فتكون زيادة على ما أحاذره، ففكرت ساعة في ذلك فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد ولا أمنعه حيث أراد، فلعلي أقف على داره من غير أن أسأل، فحملت الدنانير في كاغذه وجعلتها في كمي وركبت وسرت، فوقف الحمار بي في محل فجهدت به أن يزول فلم يزل فقلت لغلامي، سل لم هذه الدار؟ فقيل له دار ابن الرضا فقلت الله أكبر دلالة والله مقنعة، وإذا خادم أسود قد خرج وقال أنت يوسف بن يعقوب قلت نعم قال انزل فنزلت فقعدت في الدهليز ودخل فقلت وهذه دلالة أخرى من أين عرف هذا الخادم اسمي واسم أبي وليس بهذا البلد من يعرفني وما دخلته قط ثم خرج الخادم فقال المائة دينار التي في الكاغذة في كمك هاتها فناولته إياه وقلت هذه دلالة ثالثة ثم رجع الخادم إلي فقال ادخل فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده فقال يا يوسف ما بان لك؟ فقلت يا مولاي قد بان من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى فقال هيهات أما أنك لا تسلم ولكن يسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا يا يوسف إن أقواماً يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك كذبوا والله إنها لتنفع أمثالك،امضى لما وافيت له فإنك سترى ما تحب قال فمضيت إلى باب المتوكل فنلت كلما أردت وانصرفت قال هبة الله فلقيت ابنه بعد هذا وهو مسلم حسن التشيع وأخبرني أن أباه مات على النصرانية وأنه أسلم بعد موت أبيه، وكان يقول أنا بشارة مولاي صلى الله عليه.(1/97)
ومن ذلك في دلائل مولانا الحسن العسكري عليه السلام ما رويت ونقلت من خط من حدثه محمد بن هارون بن موسى التلعكبري وهو شيخنا المفيد رضوان الله عليه قال ما هذا لفظه، حدثنا أبو الحسين محمد بن أبي هارون بن موسى التلعكبري في يوم الجمعة السابع عشر من المحرم سنة عشر وأربعمائة بالمشهد المعروف في الكرخ بالعتيقة صلوات الله على صاحبه قال أنقذني والدي رحمه الله مع بعض أصحابه إلى صاعد النصراني لأسمع منه ما روى عن أبيه من حديث مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه فوصلنا إليه، فرأيت رجلاً معظماً فأعلمته قصدي فأدناني وقال حدثني أبي أنه خرج هو وأخوته وجماعة من أهله من البصرة إلى سر من رأى لأجل ظلامة من العامل فأنا بسر من رأى في بعض الأيام إذ بمولانا أبي محمد على بغلة وعلى رأسه شاشة وعلى كتفه طيلسان، فقلت في نفسي هذا الرجل الذي يدعي بعض المسلمين أنه يعلم الغيب فإن كان الأمر على هذا فليحول طيلسانه الأيمن إلى الأيسر والأيسر إلى الأيمن ففعل ذلك وهو يسير فوصل إليه وقال يا ثابت لم لا تشتغل بأكل حيتانك عما لا أنت منه ولا إليه، قال وكنا نأكل السمك هذا لفظ حديثه نقلناه كما رأيناه ورويناه وأسلم صاعد وكان وزيراً للمعتمد ومن ذلك روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب " الدلائل " بإسناده إلى الكليني عن إسحاق بن محمد قال حدثني أبو علي عمر بن أبي مسلم قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام وجاريتي حامل، أسأله أن يسمي ما في بطنها فورد الجواب إذا ظهرت فسمها زينب ثم ماتت بعد شهر من ولادتها فبعث إليه بخمسين درهماً على يد محمد بن سنان الصراف وقال اشتر بهذا جارية، ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتابه المذكور في بعض معجزاته عليه السلام فقال ومنها ما حدث به نصراني متطبب بالري يقال له مر عبدا وقد أتى عليه مائة سنة ونيف قال كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل وكان يعظمني فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن الرضا أن يبعث إليه بأخص أصحابه عنده ليفصد فاختارني وقال طلب مني ابن الرضا من يفصده فصر إليه وهو أعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء فاحذر أن تعترض عليه فيما يأمرك به فمضيت إليه فأمر بي إلى حجرة فقال كن بها إلى أن أطلبك قال وكان الوقت الذي دخلت به محموداً عندي فدعاني في وقت غير محمود له وأحضر طشتاً عظيماً وفصدت الأكحل فلم يزل الدم حتى ملاء الطشت ثم قال اقطع فقطعت وشد يده وردني إلى الحجرة فبت فيها فلما أصبحت وطلعت الشمس دعاني أحضر ذلك الطشت وقال سرح فسرحت فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت ثم قال اقطع فقطعت وشديده وقدم لي تخت ثياب وخمسين درهماً وقال خذ واعذر وانصرف فأخذت وقلت يأمرن سيدي بخدمة قال نعم أحسن صحبة من يصحبك بدير العاقول فصرت إلى بختشيوع وأخبرته بالقصة فقال أجمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الإنسان من دم تسعة أمنان وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً وأعجب من ذلك اللبن وفكر ساعة ثم مكث ثلاثة أيام بلياليها يقرأ الكتب على أن يجد لهذه القصة ذكراً في العالم فلم يجد ثم قال لم يبقى اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول وكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جرى فأعطينه فخرجت به إليه وناديته فأشرف علي فقلت صاحب بختيشوع قال معك كتابه قلت نعم فأرخى إلي زنبيلاً فجعلت الكتاب فيه ورفعه إليه فقرأه ونزل من ساعته فقال أنت فصدت الرجل؟ قلت نعم قال طوبة لك وأنا سأتيه فركب بغلاً وسرنا فوافينا سر من رأى وقد بقي من الليل ثلثه وقلت أين تريد دار الأستاذ أم دار الرجل قال بل دار الرجل فصرنا إلى بابه قبل الآذان الأول ففتح الباب وخرج إلينا غلام أسود فقالا أيكما راهب دير العاقول قال أنا جعلت فداك قال انزل ثم قال لي الخادم احتفظ البغلين ودخلا فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ثم خرج إلي الراهب وقد رمى ثياب الرهبانية ولبس ثياباً بيضاً وأسلم وقال لي خذني الآن إلى دار أستاذك فصرنا إلى باب بختيشوع فلما رآه بادر يعدو إليه وقال له ما الذي أزالك عن دينك قال وجدت المسيح أو نظيره في آياته وبراهينه ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات.(1/98)
ومن ذلك في دلائل المهدي عليه السلام ما رويناه باسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب " الخرائج والجرائح " عن الكليني قال حدثنا الأعلم المصري وكان أحد الصالحين قال خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد عليه السلام وقلت في نفسي لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فسمعت صوتاً ولم أر شخصاً يقول بانصر بن عبد العزيز قل لأهل مصر هل رأيتم رسول الله " ص " فآمنتخم به، قال أبو الرجاء لم أعلم أن اسم أبي عبد ربه، وذلك أني ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر فنشأت بها فلما سمعت الصوت لم أعول على شيء وخرجت. ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد ابن جرير الطبري بإسناد يرفعه إلى أحمد الدينوري الملقب قال انصرفت من أردبيل إلى الدينور أريد الحج وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي عليهم السلام بسنة أو سنتين وكان الناس في حيرة فاستبشرأهل الدينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي وقالوا اجتمع ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ونحن نحتاج أن تحملها معك وتسلمها لمن يحب تسليمها إليه فقلت يا قوم هذه أيام حيرة ولا يدري الباب في هذا الوقت فقالوا أنا اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك فاعمل على أن لا تخرجه من يدك إلا بحجة فحملوا إلى ذلك المال وخرجت فلما وافيت قرمسين كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيماً بها فانصرفت إليه مسلماً فلما رآني استبشر ثم أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب ألوان معكمة لم أعرف ما فيها ثم قال احمل هذا معك ولا تخرجه من يدك إلا بحجة فقبضت المال والتخوت بما فيها من الثياب فقيل أن ههنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدعى بالنيابة وآخر يعرف باسحاق الأحمر يدعى بأبي جعفر العمري يدعي أيضاً بالنيابة، فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخاً مهيباً له مروة ظاهرة وفرس عربي وغلمان كثير وتجتمع إليه الناس فيتناظرون فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وسر وبز فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس فسألني عن أريتي فعرفته أني رجل من الدينور وافيت ومعي شيء من المال أحتاج إلى أن سلمه فقال احمله فقلت أريد حجة قال تعود إلى في غد فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجة وعدت في اليوم الثالث فلم يأت فصرت إلى اسحاق الأحمر فوجدته شاباً نظيفاً منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرسه ولباسه ومروته أسرى وغلمانه أكثر ويجتمع عنده أكثر مما يجتمع عند الباقطاني فدخلت وسلمت فرحب وقرب فصبرت إلى أن خف الناس فسألني عن حاجتي فقلت له كمال قلت للباقطاني ووعدني بالحجة فعدت إليه ثمانية أيام فلم يأت بحجة فصرت إلى أبي جعفر العمري فوجدته شيخاً متواضعاً عليه منطقة بيضاء قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان ولا له من المروة والفرش ما وجدته لغيره فسلمت فرد السلام وأدناني وبسطمني ثم سألني عن حاجتي فعرفته أني وافيت من الجبل وحملت مالاً فقال أن أحببت أن يصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه تخرج إلى سر من رأى وتسأل عن فلان بن فلان الوكيل، وكانت ندار ابن الرضا " ع " عامرة، فإنك تجد هناك ما تريد، فخرجت إلى سر من رأى وصرت إلى دار ابن الرضا " ع " وسألت عن الوكيل فذكر البواب أنه مشتغل بالدار،وأنه يخرج آنفاً فقعدت على الباب انتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه فأخذ بيدي إلى بيت كان له وسألني عن حالي وما وردت له فعرفته أني حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل واحتاج أن أسلمه بحجة فقام نعم ثم قدم إلي طعاماً وقال تغد بهذا واسترح فإنك تعب وبيننا وبين الصلاة الأولى ساعة فإني أحمل إليك ما تريد فأكلت ونمت فلما كان وقت الصلاة قمت وصليت وذهبت إلى المشرعة فاغتسلت وزرت وانصرفت إلى بيت الرجل ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعه فجائني ومعه درج فيه " بسم الله الرحمن الرحيم " وافى محمد بن أحمد الدينوري وقد حمل ستة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرة فيها صرة فلان بن فلان وفيها كذا وكذا دينار وصرة فلان بن فلان وفيها كذا وكذا دينار إلى أن عدد الصرر كلها وفيها صرة فلان بن فلان الزراع ستة عشر ديناراً قال فوسوس لي الشيطان وقلت في نفسي أن سيدي أعلم بهذا مني فما زلت أقرأ ذكر صرة صرة وذكر صاحبها عليها حتى أتى على آخر صرة وذكر بعد ذلك وقد حمل من قرمسين من أحمد بن الحسن المادراني أخي الصرف كيساً فيه ألف دينار وكذا تختا من الثياب ثوبه لونه كذا وثوب(1/99)
لونه كذا حتى وصف ألوان الثياب ونسبها إلى أصحابها عن آخرها " قال فحمدت الله وشكرته على ما من به على ما أزال الشك عن قلبي ثم أمرني بتسليم جميع ما حملت إلى حيث يأمرك أبو جعفر العمري، قال فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام فلما بصر بي أبو جعفر قال لي ألم تخرج قلت سيدي بلى وانصرفت من سر من رأى فأنا أحدث أبا جعفر إذ وردت رقعة إليه من صاحب الأمر عليه السلام ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي فيه ذكر المال والثياب وأمره أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي فلبس أبو جعفر ثيابه وقال لي احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان فحملت المال والثياب إلى منزل القطان وسلمت إليه وخرجت إلى الحج فلما رجعت إلى الدينور اجتمع عندي الناس فاخرجت الدرج الذي أعطانيه وكيل مولانا صلوات الله عليه وقرأته على القوم فلما سمع ذكر الصبرة باسم الزراع سقط مغشياً عليه وما زلنا نعلله حتى أفاق ولما أفاق سجد شكر لله عز وجل وقال الحمد لله الذي من علينا بالهداية الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة، هذه الصرة دفعها إلى هذا الزراع ولم يقف على ذلك إلا الله عز وجل قال خرجت بعد ذلك فلقيت أبا الحسن المادرائي وعرفته الخبر وقرأت عليه الدرج فقال يا سبحان الله مهما شككت في شيء فلا تشك أن الله لا يخلي أرضه من حجة، أعلم أنا لما غزا أزكوتكين يزيد بن عبد الله بشهرزور وظفر ببلاده واحتوى على خزائنه صار إلى رجل وذكر أن يزيد ابن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا، فجعلت أنقل خزائن يزيد إلى أزكوتكين أولا فأولا وكنت أدافع عن الفرس والسيف إلى أن لم يبق شيء غيرهما وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا عليه السلام فلما اشتدت مطالبة أزكوتكين إياي ولم يمكنني مدافعته جعلت في السيف والفرس على نفسي ألف دينار ورتبتها ودفعتها إلى الخازن وقلت له ادفع هذه الدنانير في أوثق مكان ولا تخرجن إلي في حال من الأحوال شيئا منها ولو اشتدت الحاجة إليها وسلمت الفرس والسيف فأنا قاعد في مجلسي الذي أبرم فيه الأمور، وأوفي القصص وآمر وأنهي إذا دخل أبو الحسن الأسدي، وكان يتعاهدني في الوقت بعد الوقت وكنت أقضي حوائجه فلما طال جلوسه وعلي بؤس كثير قلت له ما حاجتك قال أحتاج منك إلى خلوة فأمرت الخازن أن يهيأ لنا مكانا ًفدخلنا الخزانة، فأخرج لي رقعة صغيرة من مولانا صلوات الله عليه فيها " يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي عندك ثمن الفرس و السيف سلمها إلى أبي الحسن الأسدي " فخررت لله ساجداً لما من به علي من معرفة حجة الله حقاً لأنه لم يكن وقف على هذا أحد غيري، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخرى سروراً بما من الله به علي من معرفة هذا الأمر ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري أيضاً من كتابه قال كتب علي بن محمد السمري يسأل الصاحب " ع " كفنا يتبين ما يكون من عنده، فورد الجواب أنك تحتاجه سنة إحدى وثمانين،فمات في الوقت الذي حده عليه السلام وبعث إليه الكفن قبل موته بشهر. ومن الكتاب أيضاً ما لفظه قال القاسم بن العلا كتبت إلى صاحب الأمر عليه السلام كتاباً في حوائج و أعلمته أني رجل كبر سني ولا ولد لي فأجابني عن الحوائج يجبني عن الولد بشيء فكتبت إليه في الرابعة أسأله أن يدعو الله لي أن يرزقني الله ولداً، فأجابني بحوائجي وكتب اللهم ارزقه ولداً ذكراً تقربه عينه واجعله هذا الحمل الذي أردت، فورد وأنا لا أعلم أن لي حملاً فدخلت علي جاريتي وسألتها عن ذلك فأخبرتني أن علتها قد ارتفعت و أنها حامل، فولدت غلاماً، وهذان الحديثان رويتهما عن الطبري والحميري، ومن ذلك ما رويناه عن الشيخ أبي جعفر الطبري والشيخ أبي العباس الحميري بإسنادنا إليهما قالا حدثنا أبو جعفر قال ولد لي مولود فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع فورد الجواب لا فمات المولود في اليوم السابع ثم كتبت إليه أخبره بموته فكتب في الجواب يخلف الله عليك غيره وغيره فسمي أحمد ومن بعد أحمد جعفر، فجاءا كما قال صلوات الله محليه، ومن الكتاب المذكور ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال حدثني أبو حامد المراغي عن محمد بن شاذان بن نعيم، قال قال لي رجل من أهل بلخ تزوجت(1/100)
امرأة سراً فلما وطأتها علقت وجاءت بابنة فاستأت وضاق صدري فكتبت أشكو ذلك فورد الجواب ستكفاها، فعاشت أربع سنين فماتت فوردني منه عليه السلام، الله ذو أناة وأنتم تستعجلون، ومن الكتاب المذكور ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري قال حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال تقلدت عملاً من أبي منصور الصالحان وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري عنه، فطلبني وأخافني فمكثت مستتراً خائفاً ثم قصدت مقابر قريش بين ليلة الجمعة و اعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيم يقفل الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، خوفاً من دخول إنسان لم آمنه وأخاف من لقائه ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل فورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، فمكثت أدعووأزور وأصلي، فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطأً عند مولانا موسى عليه السلام وإذا هو رجل يزور فسلم على آدم وعلى أولي العزم ثم على الأئمة واحداً واحداً إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان فلم يذكره فعجبت من ذلك وقلت في نفسي لعله نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين وأقبل إلى مولانا أبي جعفر عليه السلام زار مثل تلك الزيارة وسلم ذلك السلام وصلى ركعتين وأنا خائف منه إذ لم أعرفه شاباً من الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنك بها وله ذوابة ورداء على كتفه ، فالتفت إليه وقال: يا أبي الحسين ابن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج قلت فما هو يا سيدي: قال: تصلي ركعتين وتقول: يا أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا عظيم المن يا كريم الصفح يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة، يا منتهى كل نجوى وغاية كل شكوى يا عون كل مستعين، يا مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها، يا رباه عشر مرات يا منتهى غاية رغبتاه عشر مرات أسألك بحق هذه الأسماء وبحق محمد وآله الطاهرين إلا ما كشفت كربي ونفثت همي وفرجت غمي وأصلحت حالي، وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك، ثم تضع خدك على الأرض وتقول مائة مرة في سجودك: يا محمد يا علي اكفياني فإنكما كافياي وانصراني فإنكما ناصراي، ثم تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول أدركني يا صاحب الزمان تكرر ذلك كثيراً وتقول الغوث الغوث الغوث حتى ينقطع النفس وترفع رأسك فإن الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله فلما أشغلت بالصلاة والدعاء خرج فلما فرغت خرجت أبي جعفر لأسأله عن الجل وكيف دخل فرأيت مقفلة فعجبت من ذلك وقلت لعل باباً هنا لم أعلمه وانتهيت إلى أبي جعفر القيم من باب الزيت فسألته عن الرجل، ودوله فقال الأبواب مقفلة ما فتحتها فحدثته الحديث فقال هذا مولانا صاحب الزمان وقد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس، فتأسفت على ما فاتني منه وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخة إلى الموضع الذي كنت مستتراً فيه فما أضحى النهار إلا وأصحاب ابن أبي الصالحان يلتمسون لقائي ويسألوا عني أصحابي وأصدقائي ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطة فيها كل جميل، فحضرت مع ثقة من أصدقائي فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده، وقال انتهي بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه، فإني رأيته في النوم البارحة يعني ليلة الجمعة وهو يأمرني بكل جميل،ويجفو علي في ذلك جفوة خففتها، فقلت لا إله إلا الله أشهد أنهم الحق ومنتهى الحق،رأيت البارحة مولانا في اليقظة فقال: لي كذا وكذا وشرحت ما رأيته في المشهد فعجب من ذلك وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى وبلغت منه غاية لم أظنها، وذلك ببركة مولانا صلوات الله عليه . أة سراً فلما وطأتها علقت وجاءت بابنة فاستأت وضاق صدري فكتبت أشكو ذلك فورد الجواب ستكفاها، فعاشت أربع سنين فماتت فوردني منه عليه السلام، الله ذو أناة وأنتم تستعجلون، ومن الكتاب المذكور ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري قال حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال تقلدت عملاً من أبي منصور الصالحان وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري عنه، فطلبني وأخافني فمكثت مستتراً خائفاً ثم قصدت مقابر قريش بين ليلة الجمعة و اعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيم يقفل الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، خوفاً من دخول إنسان لم آمنه وأخاف من لقائه ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل فورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، فمكثت أدعووأزور وأصلي، فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطأً عند مولانا موسى عليه السلام وإذا هو رجل يزور فسلم على آدم وعلى أولي العزم ثم على الأئمة واحداً واحداً إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان فلم يذكره فعجبت من ذلك وقلت في نفسي لعله نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين وأقبل إلى مولانا أبي جعفر عليه السلام زار مثل تلك الزيارة وسلم ذلك السلام وصلى ركعتين وأنا خائف منه إذ لم أعرفه شاباً من الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنك بها وله ذوابة ورداء على كتفه ، فالتفت إليه وقال: يا أبي الحسين ابن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج قلت فما هو يا سيدي: قال: تصلي ركعتين وتقول: يا أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا عظيم المن يا كريم الصفح يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة، يا منتهى كل نجوى وغاية كل شكوى يا عون كل مستعين، يا مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها، يا رباه عشر مرات يا منتهى غاية رغبتاه عشر مرات أسألك بحق هذه الأسماء وبحق محمد وآله الطاهرين إلا ما كشفت كربي ونفثت همي وفرجت غمي وأصلحت حالي، وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك، ثم تضع خدك على الأرض وتقول مائة مرة في سجودك: يا محمد يا علي اكفياني فإنكما كافياي وانصراني فإنكما ناصراي، ثم تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول أدركني يا صاحب الزمان تكرر ذلك كثيراً وتقول الغوث الغوث الغوث حتى ينقطع النفس وترفع رأسك فإن الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله فلما أشغلت بالصلاة والدعاء خرج فلما فرغت خرجت أبي جعفر لأسأله عن الجل وكيف دخل فرأيت مقفلة فعجبت من ذلك وقلت لعل باباً هنا لم أعلمه وانتهيت إلى أبي جعفر القيم من باب الزيت فسألته عن الرجل، ودوله فقال الأبواب مقفلة ما فتحتها فحدثته الحديث فقال هذا مولانا صاحب الزمان وقد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس، فتأسفت على ما فاتني منه وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخة إلى الموضع الذي كنت مستتراً فيه فما أضحى النهار إلا وأصحاب ابن أبي الصالحان يلتمسون لقائي ويسألوا عني أصحابي وأصدقائي ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطة فيها كل جميل، فحضرت مع ثقة من أصدقائي فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده، وقال انتهي بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه، فإني رأيته في النوم البارحة يعني ليلة الجمعة وهو يأمرني بكل جميل،ويجفو علي في ذلك جفوة خففتها، فقلت لا إله إلا الله أشهد أنهم الحق ومنتهى الحق،رأيت البارحة مولانا في اليقظة فقال: لي كذا وكذا وشرحت ما رأيته في المشهد فعجب من ذلك وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى وبلغت منه غاية لم أظنها، وذلك ببركة مولانا صلوات الله عليه . 2(1/101)
ومما روينا بإسنادنا إلى الشيخ عبد الله بن جعفر الحميري في الجزء الثاني من كتاب الدلائل وقال:و كتب رجل من ربض حميد يسأله الدعاء في حمل له، فورد عليه الدعاء في الحمل قبل الأربع أشهر وأنها ستلد ابنا، وكان الأمر كما قال صلوات الله عليه.
ومن الكتاب المذكور قال الحسن بن علي بن ابراهيم السياري كتب علي بن محمد السمري يسأل الصاحب " ع " كفناً فورد عليه أنك تموت في إحدى وثمانين، فمات في تلك السنة وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهرين.(1/102)
ومما روينا بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في الجزء الأول من كتاب " الخرائج والجرائح " فقال عن رشيق الحاجب المادرآني قال: بعث إلينا المعتضد وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر ونخرج مخفيين على السرج وبحيث لا نرى، وقال: الحقوا بسامرا واكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفي ممن رأيتم بها فأتوني به فأتينا سامرا وكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دار أسترته كأن الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت فرفعنا السترة فإذا سرداب في الدار الأخرى فرأينا كائن بحرافيه وفي أقصاه حصير قد علمنا أنه على الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيبة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى فغرق في الماء وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل الأول فناله مثل ذلك فبقيت مبهوتاً فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإلى رسوله وإليك فوا الله ما علمت كيف الخبر وإلى من نجيء وأنا تائب إلى الله، فما التفت إليه بشيء مما قلت ثم عدت إلى المعضد فقال: اكتموه وإلا ضربت أعناقكم، ومن الكتاب المذكور ما رويناه عن الشيخ المفيد ونقلناه عن نسخة عتيقة جداً من أصول أصحابنا قد كتبت في زمان الوكلاء فقال فيها : ما هذا لفظه قال الصفواني رحمه الله رأيت القاسم بن العلاء وقد عمر مائة سنة وسبعة عشرة منها ثمانون سنة صحيح العينين فيها لقي مولانا أبي الحسن ومولانا أبا محمد العسكري عليهما السلام وحجب بعد الثمانين وردت عيناه قبل موته بسبعة أيام، وذلك أني كنت مقيماً عنده بمدينة أران من أرض أذربيجان، وكان لا تنقطع عنه توقيعات مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وبعده على يد أبي القاسم بن روح قدس الله روحيهما فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين فقلق رحمه الله لذلك فبينا نحن عنده إذ دخل البواب مستبشراًُ وقال: فيج العراق قد ورد ولا يسمى لاغيره فاستبشر أبا القاسم وحول وجهه إلى القبلة فسجد ودخل رجل قصير بالصرر الفيوج عليه وعليه جبة مصرية وفي رجليه نعل أملي وعلى كتفه مخلاة فقام إليه وعانقه ووضع المخلاة من عنقه ودعا بطست من ماء فغسل وجهه وأجلسه إلى جانبه فأكلنا وغسلنا أيدينا فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج فناوله القاسم فقبله ودفعه إلى كاتب له يقال له عبد الله بن أبي سلمة فأخذه وفضه وقرأه وبكى حتى أحس القاسم ببكائه فقال القاسم له: يا عبد الله خيراً قال ما يكره فما قال فما هو قال: ينعى الشيخ نفسه بعمد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً وأنه يمرض في اليوم السابع من ورود هذا الكتاب وأن الله يرد عليه بعد ذلك عينيه وقد حمل سبعة أثواب فقال القاسم في سلامة من ديني؟ قال في سلامة من دينك فضحك رحمه الله وقال: ما أومل بعد هذا العمر ثم قام الرجل الوارد ثم أخرج من مخلاته ثمانية أزر يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلاً فأخذها الشيخ وكان عنده قميص خلعه مولانا أبو الحسن بن الرضى عليه السلام، وكان له صديق يقال له عبد الرحمن بن محمد السرى وكان شديد النصب وكن بينه وبين القاسم نضر الله وجهه مودة في أمور الدنيا وكان يواده وكان عبد الرحمن وافى إلى آران للإصلاح بين أبي جعفر بن أبي حمدون الهمداني وبين حيان العيني فربما حضر عنده فقال لشيخين كانا مقيمين عنده أحدهما يقال له أبو حامد عمران بن المفلس والآخر يقال له أبو علي محمد أريد أن أقرأ هذا الكتاب لعبد الرحمن فإني أحب هدايته وأرجو أن يهديه الله عز وجل بقراءة هذا الكتاب لا إله إلا الله، هذا الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة فكيف عبد الرحمان أشتهي أن يهديني الله بهذا الأمر فاقرأه له فلما مر ذلك اليوم وكان الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة أربع وثلاثمائة دخل عبد الرحمن وسلم عليه، فقال له اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك فقرأه فلما بلغ إلى موضع النعي به رمى الكتاب من يده وقال للقاسم:يا أبا محمد اتق الله فإنك رجل فاضل في دينك متمكن من عقلك، إن الله يقول " وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت " ويقول " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً " فضحك القسم وقال: أتم الآية " إلا من ارتضى من رسول " ومولاي هذا المرتضى من رسول، قد علمت أنك تقول هذا ولكن أرخ هذا اليوم(1/103)
فأنا إن عشت بعد هذا اليوم المؤرخ في الكتاب فاعلم أني لست على شيء وإن أنا مت فانظر لنفسك، فأرخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا ،فلما كان اليوم من ورود الكتاب، حم القاسم واشتدت به العلة واستند في فراشة إلى الحائط وكان ابنه الحسن بن القاسم كان مدمناً على شراب الخمر وكان متزوجاً إلى أبي عبد الله بن أبي حمدون الهمداني كان بن أبي حمدون الهمداني جالساً في ناحية من الدار ورداؤه على وجهه وأبو حامد في ناحية وأبو علي بن محمد وجماعة من أهل البلد يبكون إذ اتكأ القاسم على يديه إلى خلف وجعل يقول: يا محمد يا علي يا حسن يا حسين إلى آخر الأئمة يا موالي كونوا شفعائي إلى الله عز وجل ثم قالها ثانية ثم قالها ثالثة فلما وصل إلى يا موسى يا علي تفرقعت أجفان عينيه كما تفرقع الصبيان شقائق النعمان، وانفتحت حدقتاه وجعل يمسح بكمه عينيه وخرج من عينه شيئاً يشبه ماء اللحم ثم مد طرفه إلى ابنه فقال: يا حسن إلي يا أبا حامد إلي يا أبا علي إلي، فاجتمعوا حوله ونظر إلى حدقتيه صحيحين، فقال أبو حامد تراني، فجعل يده على كل واحد منا وشاع في الناس هذا فاتاه الناس ينظرون إليه وركب إليه القاضي وهو عينيه بن عبيد الله أبو ثابت المسعودي قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه وقال: يا أبا محمد ما هذا الذي بيدي وأراه خاتماً فصه فيروز وقربه منه وقال خاتم فصه فيروزج عليه ثلاثة أسطر فتناوله القاسم فلم يمكنه قراءته وخرج الناس متعجبين يتحدثون بخبره فالتفت القسم إلى ابنه الحسن فقال: يا بني إن الله عز اسمه جعل منزلتك منزلتي ومرتبتك مرتبتي فأقبلها بشكر فقال الحسن قد قبلتها قال القاسم على ماذا قال: على ما تأمرني به قال: أن تنزع عما أنت عليه عما أنت عليه من شرب الخمر فقال يا أبه وحق من أنت في ذكره لأنزعن عن شرب الخمر ومع الخمر أشياء لا تعرفها، فرفع القاسم يده إلى السماء وقال: اللهم ألهم الحسن طاعتك وجنبه معصيتك " ثلاث مرات " ثم دعا بدرج وكتب وصيته بيده، وكانت الضياع التي بيده لمولانا عليه السلام وقفها له أبوه فكان فيما أوصى الحسن أن قال له أنك إن أهلت الأمر يعني الوكالة لمولانا عليه السلام تكون مؤونتك من نصف ضيعتي المعروفة بفر جند وسائرها ملك لمولاي وإن لم تؤهل فاطلب خيرك من حيث يبعث الله لك فقبل الحسن وصيته على ذلك فلما كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر فمات القسم فوافاه عبد الرحمن بن محمد يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح وا سيداه فاستعظم الناس منه ذلك وجعلوا يقولون ما الذي تفعل بنفسك فقال اسكتوا فإني رأيت ما لم تروا وشيعه ورجع عما كان عليه ووقف أكثر ضياعه ،فتجرد أبو علي بن محمد وغسل القاسم وأبو حامد يصب عليه الماء ولف في ثمانية أثواب على بدنه قميص مولانا وما يليه السبعة أثواب التي جاءت من العراق فلما كان بعد مدة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن من مولانا صلوات الله عليه ودعا له في آخره ألهمه الله طاعة وجنبه معصيته، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه وكان في آخره قد جعلنا أباك لك إماماً وفعاله مثلاً، وروينا هذا الحديث الذي ذكرناه أيضاً عن أبي جعفر الطوسي رضوان الله عليه،ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ بن هبة الله الراوندي في الجزء الأول من كتاب الخرائج و الجرائح قال روي عن أبي الحسن المسترق الضرير قال كنا يوماً في مجلس الحسن بن عبيد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكرنا أمر الناحية فقال كنت أزري عليها حتى حضرت مجلس عمي الحسين فأخذت أتكلم بذلك فقال يا بني كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت إلى ولاية قم حين إستصعبت على السلطان وكان كل من ورد إليها يحاربه أهلها فسلم إلي الجيش فخرجت نحوها فلما بلغت إلى ناحية نهر خرجت إلى الصيد ففاتتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في طلبها وأثرها حتى بلغت إلى نهر فسرت فيه وكلما سرت اتسع ذلك النهر فبينا أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء وهو معم بعمامة خز أخضر لا أرى منه سوى عينيه وفي رجليه خفان أحمران فقال لي يا حسين لا هو لقبني ولا كناني قلت ماذا تريد قال كم تزري على الناحية ولم تمنع أصحابي خمس مالك قال وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئاً، فأرعدت وتهيبته وقلت افعل يا سيدي ما تأمر به قال فإذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه ودخلته وكسبت ما كسبت فيه فاحمل إلى من يستحق خمسه فقلت السمع(1/104)
والطاعة قال فامض راشداً ولوى عنان دابته وانصرف فلم أدري أي طريق سلك فطلبته يميناً وشمالاً فخفى علي أثره، فازددت رعباً وانفلت راجعاً إلى عسكري وتناسيت الحديث حتى بلغت قم، وعندي أني محارب القوم فخرج إلي أهلها وقالوا كنا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا فإذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ادخل البلد ودبرها كما ترى، فدخلت البلد وأقمت فيها زماناً واكتسبت أموالاً زائدة على ما كنت أقدر ثم وشى القواد بي إلى السلطان وحدثوه بطول مقامي وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلى بغداد فابتدأت ال فامض راشداً ولوى عنان دابته وانصرف فلم أدري أي طريق سلك فطلبته يميناً وشمالاً فخفى علي أثره، فازددت رعباً وانفلت راجعاً إلى عسكري وتناسيت الحديث حتى بلغت قم، وعندي أني محارب القوم فخرج إلي أهلها وقالوا كنا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا فإذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ادخل البلد ودبرها كما ترى، فدخلت البلد وأقمت فيها زماناً واكتسبت أموالاً زائدة على ما كنت أقدر ثم وشى القواد بي إلى السلطان وحدثوه بطول مقامي وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلى بغداد فابتدأت 2
بدار السلطان فسلمت وأقبلت إلى منزلي فجاءني فيمن جاءني محمد بن عثمان العمري فتخطى الناس حتى اتكأ على متكلي فاغتظت من ذلك ولم يزل قاعداً ما يبرح والناس داخلون وخارجون وأنا أزداد غيظاً فلما تصرم المجلس دنا إلي وقال بيني وبينك سر فاسمعه قلت ماذا قال صاحب الشهباء والنهر يقول هلا وفيت بما وعدتنا فذكرت الحديث وارتعت وقلت السمع والطاعة وقمت ففتحت الخزائن له ولم يزل يخمس إلى أن خمس شيئاً كثيراً كنت أنسيته مما جمعته فذكرنيه وأخذ الخمس وانصرف ، فلم أشك بعد ذلك وتحققت الأمر قال فأنا منذ سمعت هذا الحديث من عمي أبي عبد الله زال ما كان عرض لي من شك بحمد الله، ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا عن الشيخ سعيد الراوندي في كتابه المذكور قال ومنها ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله قال لما وصلت بغداد سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة أردت الحج، وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، لأنه يمضي في الكتب قصة أخذه وأنه ينصبه في مكانه الحجة في ذلك الزمان كما وضعه في مكانه زين العابدين عليه السلام في زمن الحاج فاستقر في مكانه، فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيأ لي ما قصدت ابن هشام وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري وهل تكون الميتة في هذه العلة أو لا وقلت له همي إيصال هذه الرقعة إلى من يضع الحجر في مكانه ويستقر وأخذ جوابه، فإنما أندبك لهذا فقال الرجل المعروف بابن هشام لما وصلت مكة وعزم أهلها على إعادة الحجر مكانه بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الوقوف بحيث أرى واضع الحجر في مكانه وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام ولم يزل عن مكانه فعلت لذلك الأصوات وانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عني يميناً وشمالاً حتى ظن الاختلاط بي في العقل، والناس يفرجون له وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس، وكنت أسرع المسير خلفه وهو يمشي على توأدة، فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إلي وقال:هات ما معك، فناولته الرقعة فقال: من غير أن ينظر إليها قل له لا خوف عليك في هذه العلة وسيكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة، قال: فوقع على الزمع حتى لم أطق حراكاً وتركني وانصرف قال أبو القاسم: فحضر وأعلمني هذه الجملة فلما كانت سنة الثلاثين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره بتحصيل هذه جهازه في قبره وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك فقيل له: ماذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضل الله عليك بالسلامة، فما علتك مما يخاف فقال: هذه السنة التي خوفت فيها ومات في علته رحمه الله .(1/105)
فيما نرويه عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي محمد عبد الله الحذاء الدعلجي " منسوب إلى موضع خلف باب الكوفة ببغداد يقال لأهله الدعالجة " وكان فقيهاً عارفاً ذكره النجاشي في كتابه بما ذكرناه قال: وعليه تعلمت المواريث وله كتاب الحج، قال الشيخ سعيد بن عبد الله الراوندي في الجزء الأول من كتابه الخرائج والجرائح ما هذا لفظه أن أبا محمد الدعلجي كان له ولدان وكان من خيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة وهو أبو الحسن وكان يغسل الأموات والولد الآخر يسلك مع الفساق فدفع إلي أبي محمد حجة تحج بها عن صاحب الزمان صلوات الله عليه، وكان ذلك عادة الشيعة في ذلك الوقت وتركت بعد ذلك، فدفع منها شيئاً إلى ولده المذكور بالفساد وخرج إلى الحج ولما عاد حكى أنه كان واقفاً بالموقف رأى شخصاً إلى جانبه حسن الوجه أسمر اللون ذا ذوابتين مقبلاً على شأنه في الابتهال والدعاء، حسن العمل والتضرع قال: فلما نفر الناس التفت إلي وقال: يا شيخ أما تستحي قلت: من أي شيء يا سيدي قال: تدفع إليك حجة عمن تعلم فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر يوشك أن تذهب عينك هذه وأومأ إلى عيني فأنا من ذلك علي وجل ومخافة،وسمع منه أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ذلك فما مضى عليه إلا أربعون يوماً من بعد ملاقاته مولانا عليه السلام حتى خرجت في عينه التي أومأ إليها قرحة فذهبت بها، ومن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتابه " الخرائج والجرائح " في الجزء الثاني منه قال: ومنها ما روي عن أحمد بن أبي روح قال: وجهت إلي امرأة من أهل الدينور فأتيتها فقالت: يابن أبي روح أنت أوثق من في ساحتنا ديناً وورعاً وإني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك فتأديها وتقوم بها قلت: أفعل إن شاء الله قالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله ولا تنظر إليه حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير وفيه ثلاث حبات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير ولي إلى صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها قلت: وما الحاجة؟ قالت: عشرة دنانير اقترضتها ولا أدري إلى من أدفعها فإن أخبرك فأدفعها إلى من يأمرك،فأتيت سامراء فقيل لي:إن جعفر بن علي يدعي الإمامة فقلت ابدأ بجعفر ثم تفكرت فقلت: ابدأ بهم فإن كانت الحجة عندهم وألا أتيت جعفراً،فدنوت من باب دار أبي محمد عليه السلام فخرج إلي خادم وقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم فقال: فهذه الرقعة اقرأها فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم أودعتك بنت الدينوري كيساً فيه ألف درهم بزعمك وهو خلاف ما تظن وقد أديت الأمانة ولم تفتح الكيس ولم تدر ما فيه ألف درهم وخمسون ديناراً صحاحاً ومعك قرطان زعمت المرأة أنها تساوي عشرة دنانير،وهي تساوي ثلاثين ديناراً فادفعها إلى جاريتنا فلانة فإنا قد وهبناها لها، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك. فأتيت بغداد ودفعت المال إليه فأعطاني شيئاً منه فأخذته وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه فإذا بفيج فاجأني من المنزل يخبرني بأن حموي قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو مات وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم،ومن ذلك ما ذكره الراوندي رحمه الله أيضاً في الجزء الأول من كتاب الخرائج والجرائح قال:أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته ابنة عمه ولم ترزق منها ولداً فكتبت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح أن يسأل الحضرة ليدعو الله أن يرزقه أولاداً فجاء الجواب أنك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية ترزق منها ولدين فقيهين ماهرين،فرزق منها محمداً والحسين وكان لهما أخ أوسط مشتغل بالزهد لا فقه له،ومن الكتاب المذكور ما روي عن علي بن ابراهيم الفدكي قال: قال لأولادي: بينما أنا في الطواف طفت ستة أشواط وأريد أن أطوف السابع فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه طيب الرائحة هيوب مع هيبته متقرب إلى الناس وقالوا هذا ابن رسول الله يظهر للناس في كل سنة لخواصه يوماً فيحدثهم،فجئته وقلت مسترشداً فأرشدني هداك الله عز وجل فناولني حصاة فحولت وجهي فقال لي بعض خدامه: ما الذي دفع إليك قلت: حصاة فقال: هولي قد تبينت لك الحجة وظهر الحق وذهب عنك العمى أتعرفني قلت: اللهم لا قال: أنا المهدي أنا(1/106)
قائم الزمان أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، إن الأرض لا تخلو من حجة ولا تبقي الناس في فترة من تيه بني إسرائيل فقد ظهر أيام خروجي فهذه أمانة في رقبتك تحدث بها إخوانك من أهل الحق . الزمان أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، إن الأرض لا تخلو من حجة ولا تبقي الناس في فترة من تيه بني إسرائيل فقد ظهر أيام خروجي فهذه أمانة في رقبتك تحدث بها إخوانك من أهل الحق . 2
يقول علي بن موسى بن جعفر بن حمد بن محمد الطاوس الحسني قد اقتصرت على هذه الأحاديث اليسيرة على ما كان ولو ذكرت ما في معناها كانت عدة مجلدات واقتصرت على طريقين في الرواية من غير زيادة، إلا ما استثنيته منهم عليهم السلام لأجل السعادة، وإني أرويه بعدة طرق من أهل المعرفة والسيادة، وإنما ذكرت من هذه الأحاديث في هذا الكتاب، المتعلق في أحاديث النجوم من خطأ وصواب،لأني لما ذكرت أخباراً في صدق دلالات النجوم على الحادثات وصدق المخبرين بذلك فيما أوردناه من الحكايات اقتضى وجوب الاستظهار لنبوة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولحرمة مقامه الشريف، وبما دعا إليه من التكليف، أن أبادر إلى التعريف، لمن يقف على هذا التصنيف،أن رسول الله صلى الله عليه،ومن أكرمه الله جل جلاله من خاصته المنسوبة إليه كان منهم من أخبر عنه بالغائبات وشرف لأجله بالكرامات،وبلغ ما بلغ الذين نقلوا عنه الأحكام المذكورات، وما كانوا معروفين بعلم النجوم وما فيها من الدلالات على الكائنات،ولأعرف لهم أستاذ من غيرهم تعلموا ذلك عليه،ولا وجد لهم كتاب في علم النجوم ينظرون إليه،ولأعرف أن ذاكر أذكر أنهم افتقروا إلى الآلات من اضطراب ولا تقويم ولا زائجة ولا رمل ولا زجر ولا قيافة،بل كان ذلك من فضل الله عليهم والرحمة والرأفة كما قال سبحانه في محكم الآيات: " أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " وهذا آخر ما ورد على خاطري أن أذكره في كتاب فرج المهموم في علم النجوم، بما رجوت أن يكون صادراً عن رضا الله جل جلاله فاتح أبواب العلوم، وأن يجعله ذخيرة ووسيلة إلى رحمته في اليوم المعلوم، وكان الفراغ من تأليفه يوم الثلاثاء لعشرين من شهر المحرم سنة خمسين وستمائة هلالية بمشهد مولانا الشهيد المعظم الحسين صلوات الله عليه إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين وصلاته على محمد وآله الطاهرين، وفرغ من كتابته على نسخة كتبت بأصفهان لأمر السيد علي نظام الدين المكي الشيرازي سنة ألف ومائة وثمان عشرة وقوبلت أقل العباس محاسن وأكثرهم مساوي محمد بن الشيخ طاهر السماوي في النجف سنة1366 من الهجرة الموصوفة بأكرم وصف، حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً..(1/107)