عمر بن الخطاب- عبدالرحمن أحمد البكري
عمر بن الخطاب
عبدالرحمن أحمد البكري(1/)
من حياة الخليفة عمر بن الخطاب(1/1)
حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمؤلف(1/2)
عبد الرحمن أحمد البكري من حياة الخليفة عمر بن الخطاب الارشاد للطباعة والنشر بيروت - لندن(1/3)
الاهداء إلى الذين يسيرون على منهاجه وطريقته إلى الذين يرون فيه الجرأة والبطولة إلى عشاقه وعشاق طريقته والموالين له إلى جميع هؤلاء اقدم هذه اللمحات.
المؤلف(1/5)
بسم الله الرحمن الرحيم(1/7)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وأعظم المبعوثين لهداية الخلق وإصلاحهم إلى يوم الدين.
سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام ما دامت السموات والارضون آمين ثم آمين.
وبعد فهذه نتف يسيرة جمعتها وانتقيتها من كتب السير والتاريخ حول حياة عمر بن الخطاب واقتصرت في هذا الجمع على كتب اصحابنا من أهل السنة دون الكتب الاخرى.
راجيا من الله تعالى الاجر والقبول بلم هذه النتف وجمعها والله من وراء القصد.
- المؤلف -(1/8)
نسبه وكنيته قال ابن شبة: هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، ويكنى: أبا حفص (1).
وقال المسعودي: هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن قرط ابن رياح بن عبد الله بن رزاح بن عدي بن كعب.
(2).
وقال ابن سعد الواقدي: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب (3).
وأخرج الطبراني عن ابن اسحاق أنه قال: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب
ابن فهر بن مالك.
يكنى: أبا حفص، أمه: حنتمة (4).
أمه: قال ابن شبة أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم (5).
__________
(1) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 654 ط جده.
(2) مروج الذهب: 2 / 313 ط مصر.
(3) الطبقات الكبير: 3 / 190 ط ليدن.
(4) المعجم الكبير: 1 / 64، تاريخ الخلفاء: ص 108، صفة الصفوة: 1 / 268، شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 54.
(5) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 654 ط جده، مروج الذهب: 2 / 313.
صفة الصفوة: 1 / 268.
(*)(1/9)
وقال ابن الاثير: قال ابن مندة: ام عمر أخت أبي جهل.
وقال أبو نعيم: هي بنت هشام، اخت أبي جهل، وأبو جهل خاله (1).
وقال الشيخ جلال الدين السيوطي: وفي تاريخ ابن عساكر من طرق: أن ام عمر بن الخطاب حنتمة بنت هشام بن المغيرة، اخت أبي جهل بن هشام، فكان أبو جهل خاله (2).
وقال أبو عمرو: وقالت طائفة: في ام عمر: حنتمة بنت هشام بن المغيرة.
ومن قال ذلك فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت اخت أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام بن المغيرة، وليس كذلك، وإنما هي ابنة عمها، فإن هاشم بن المغيرة، وهشام بن المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة، وهشام والد الحارث، وأبي جهل، وهاشم بن المغيرة هذا جد عمر لامه، كان يقال له: ذو الرمحين (3).
سماته في اخلاقه: 1 - قال ابن أبي الحديد: وكان في اخلاق عمر، والفاظه جفاء وعنجهية (4) ظاهرة (5) 2 - قال الدميري: ثم قال [ عمر ] إن الناس قد هابوا شدتي، وخافوا غلظتي (6) وقالوا: قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ثم اشتد
__________
(1) أسد الغابة: 4 / 52.
(2) تاريخ الخلفاء: ص 131.
(3) الاستيعاب: 3 / 1144.
(4) العنجهية: الجفاء والكبر.
معجم متن اللغة: 4 / 217 ط بيروت.
(5) شرح النهج: 1 / 61.
(6) سيأتي هذا الاعتراف منه ضمن إحدى خطبه.
- المؤلف -.
(*)(1/10)
علينا، وأبو بكر (رض) والينا دونه، فكيف الآن، وقد صارت الامور إليه، ولعمري: من قال ذلك فقد صدق (1)...3 - روى الشيخ مؤمن الشبلنجي، عن سعيد بن المسيب أنه قال: حج عمر بضجنان (2) قال: لا آله إلا العظيم، المعطي لمن شاء.
كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف.
وكان فظا غليظا يتبعني - يتعبني - إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أصبحت وأمسيت ليس بيني وبين الله أحد (3).
4 - قال أبو عمرو: وروى عن عمر (رض) أنه قال في انصرافه من حجته التي لم يحج بعدها: الحمد لله، ولا آله إلا الله يعطي من يشاء ما يشاء.
لقد كنت بهذا الوادي يعني - ضجنان - أرعى إبلا للخطاب، وكان فظا غليظا يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وأصبحت، وأمسيت، وليس بيني وبين الله أحد أخشاه (4).
5 - أخرج أبو جعفر، عن سعيد بن المسيب أنه قال: حج عمر بضجنان قال: لا آله إلا الله العظيم، المعطي ما شاء من شاء.
__________
(1) حياة الحيوان الكبرى: 1 / 49 خلافة عمر.
(2) ضجنان: هو بالتحريك، ونونين: جبيل على بريد من مكة.
المحرر في الحديث: 1 / 242 نقلا عن معجم البلدان.
وفي هامش 2 / 655 من تاريخ المدينة المنورة لابن شبة ط.
جدة: ضجنان: بناحية مكة على طريق المدينة.
(معجم ما استعجم ص 618).
ويقال: جبل على بريد من مكة.
وقيل: بين مكة، وضجنان 25 كيلو متر وهو لاسلم، وهذيل وغاضرة.
انظر: مراصد الاطلاع: 2 / 865.
(3) نور الابصار ص 74، الكامل في التاريخ: 3 / 161، شرح النهج لابن أبي الحديد: 3 / 108.
(4) الاستيعاب في معرفة الاصحاب بهامش الاصابة: 2 / 472، تاريخ الخميس للديار بكري: 2 / 248.
(*)(1/11)
كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف، وكان فظا غليظا يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أمسيت (1)، وليس بيني، وبين الله أحد (2).
6 - أخرج ابن سعد عن سليمان بن يسار أنه قال: مر عمر بن الخطاب بضجنان، فقال:
لقد رأيتني وإني لارعى (على الخطاب) (3) في هذا المكان، وكان والله ما علمت فظا، غليظا ثم أصبحت ألي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال متمثلا: لا شئ فيما ترى إلا بشاشته * يبقى الاله، ويودي المال والولد (4) 7 - أخرج ابن سعد عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن راشد بن سعد أنه قال: أن عمر بن الخطاب اتي بمال فجعل يقسمه بين الناس فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم الناس حتى خلص إليه فعلاه بالدرة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الارض.
فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لا يهابك (5).
8 - وقال الشيخ مؤمن الشبلنجي:
__________
(1) وأورد هذا الحديث ابن سعد في الطبقات 3 / 191 ط ليدن ومكان أمسيت قال: ثم اصبحت اليوم يضرب الناس بجنباتي ليس فوقي أحد.
(2) تاريخ الامم والملوك: 5 / 59.
(3) الصواب: إبل الخطاب كما مر...- المؤلف -.
(4) الطبقات: 3 / 190.
(5) الطبقات: 3 / 206.
(*)(1/12)
وصعد [ عمر ] (1) يوما إلى المنبر فقال: الحمد لله الذي صيرني ليس فوقي أحد ثم نزل (2).
9 - أخرج الطبراني، عن زيد بن أسلم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير: أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه، ونفخ (3).
10 - قال ابن أبي الحديد: إن ابا بكر لما نزل به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: إخبرني عن عمر ؟ فقال: إن فيه غلظة (4).
11 - قال ابن أبي الحديد: كان عمر شديد الغلظة (5)، وعر الجانب، خشن (6) الملمس، دائم العبوس.
كان يعتقد إن ذلك هو الفضيلة، وإن خلافه نقص (7).
12 - وقال ابن أبي الحديد: وكان [ عمر ] سريعا إلى المساءة، كثير الجبه (8) والشتم، والسب (9).
13 - وقال محمد يوسف الكاندهلوي الهندي: وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن الحارث أن أبا بكر (رض) حين حضره
__________
(1) ما بين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(2) نور الابصار ص 60.
(3) المعجم الكبير: 1 / 66 رقم الحديث 54، تاريخ المدينة المنورة: 3 / 829 هامش ص 829.
(4) شرح النهج: 1 / 55.
(5) الغلظة: الشدة، والاستطالة، والعداوة.
والغليظ: الفظ، ذو القساوة.
(6) الخشونة: ضد اللين.
صحاح الجوهري: 5 / 2108.
(7) شرح نهج البلاغة: 2 / 115.
(8) جبهه جبها: صك جبهته وضربه عليها.
- ه: فاجأه - رده عن حاجته - بالمكروه: استقبله به.
المعجم العربي الحديث لاروس ص 378.
(9) شرح نهج البلاغة: 4 / 457.
(*)(1/13)
الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف علينا فظا غليظا فلو قد ولينا لكان أفظ، وأغلظ فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر ؟ فقال أبو بكر: أبربي تخوفونني ؟ أقول له: إستخلفت عليهم خير أهلك كذا في الكنز: 3 / 146 (1).
المؤلف: وستأتي بعض صفاته في خطبته، وتزويجه.
ألقابه: 1 - أخرج ابن شبة، عن صالح بن كيسان أنه قال: قال إبن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب أول من قال لعمر: - الفاروق - ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئا ولم يبلغنا أن ابن عمر قال ذلك (2)..2 - أخرج أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري عن الضحاك أنه قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لابي بكر (رض) خليفة رسول الله صلى عليه وسلم فلما مات أبو بكر (رض) قالوا لعمر: خليفة، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر (رض): أن هذا لكثير.
فإذا مت أنا فقام رجل مقامي قلتم: خليفة خليفة خليفة رسول الله.
أنتم المؤمنون، وأنا أميركم.
فهو سمى نفسه (3).
__________
(1) تاريخ المدينة ؟ المنورة: 2 / 678، الكامل في التاريخ: 3 / 58، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 138.
(2) حياة الصحابة: 2 / 22 - 23.
(3) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 663 الطبقات لابن سعد: 3 ق 1 / 192، تاريخ الطبري:
5 / 15.
(*)(1/14)
صفاته البدنية: قال الديار بكري: [ قال ] في الرياض النضرة قال ابن قتيبة: الكوفيون يرون أن عمر آدم (1) شديد الادمة.
وقال أبو عمرو: كان [ عمر ] كث اللحية أعسر يسر شديد الادمة.
وهكذا وصفه رزين بن حبيش وغيره يعني: شديد الادمة، وعليه الاكثر.
وقال أبو رجاء العطاردي: كان عمر طويلا جسيما أصلع، شديد الصلع..سبلته كثيرة الشعر في أطرافها صهبة.
وزاد في دول الاسلام: إذا حزبه أمر فتلها وكان أحول.
وعن سماك بن حرب قال: كان عمر أروح كأنه راكب والناس يمشون (2).
صفة جلوسه: أخرج ابن سعد عن الزهري أنه قال: كان عمر بن الخطاب يجلس متربعا، ويستلقي على ظهره، ويرفع إحدى رجليه على الاخرى (3).
__________
(1) الآدم من الناس: الاسمر، والجمع الادمان.
والادمة بضم الهمزة، وإسكان الدال: السمرة الامهق الذي يشبه لونه لون الجص لا يكون له دم ظاهر.
تاريخ الخميس: 2 / 240.
(2) تاريخ الخميس: 2 / 240، الاستيعاب: 2 / 461، بهامش الاصابة لابن حجر.
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 130.
(3) الطبقات: 3 / 210.
(*)(1/15)
تختمه باليسار: أخرج ابن سعد كاتب الواقدي عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال: إن عمر بن الخطاب كان يتختم باليسار (1).
طريقة تعامله في البيع والشراء: أخرج حسام الدين المتقي الهندي عن أنس بن مالك أنه قال: إن أعرابيا جاء بإبل له يبيعها فجعل عمر ينخس (2) بعيرا بعيرا يضربه برجله ليبعث البعير لينظر كيف قواده.
فجعل الاعرابي يقول: خل إبلي لا أبا لك فجعل عمر لا ينهاه قول الاعرابي أن يفعل ذلك ببعير بعير.
فقال الاعرابي لعمر: إني لاظنك رجل سوء.
فلما فرغ منها اشتراها فقال: سقها وخذ أثمانها.
فقال الاعرابي: حتى أضع عنها أحلاسها، وأقتابها.
فقال عمر: اشتريتها وهي عليها فهي لي كما اشتريتها.
فقال الاعرابي: إنك رجل سوء.
فبينما هما يتنازعان إذ أقبل علي.
فقال عمر: ترضي بهذا الرجل بيني وبينك.
فقال الاعرابي: نعم.
فقصا على علي قصتهما.
فقال علي: يا أمير المؤمين إن كنت اشترطت عليه أحلاسها، وأقتابها فهي لك كما اشترطت، وإلا فالرجل يزين سلعته بأكثر من ثمنها.
فوضع عنها أحلاسها، وأقتابها.
فساقها الاعرابي فدفع إليه عمر الثمن (3).
__________
(1) الطبقات: 3 / 239.
(2) نخس الدابة كنصر، وجعل غرز مؤخرها أو جنبها بعود ونحوه.
القاموس المحيط: 2 / 253.
(3) كنز العمال: 2 / 221 الطبعة الاولى حيدر آباد دكن - الهند.
الحديث برقم 4781.
(*)(1/16)
خطبته وتزويجه 1 - أخرج المحب الطبري: عن أنس بن مالك (رض) أنه قال: خطب أبو بكر (رض) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، لم ينزل القضاء بعد.
ثم خطبها عمر (رض) مع عدة من قريش كلهم يقول له: مثل قوله لابي بكر (1).
2 - قال ابن الاثير: وخطب ام كلثوم ابنة أبي بكر إلى عائشة فقالت أم كلثوم: لا حاجة لي فيه، إنه خشن العيش، شديد على النساء (2).
3 - أخرج ابن الاثير عن الحسن: أن عمر بن الخطاب خطب إلى قوم من قريش بالمدينة فردوه، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة فزوجوه (3).
4 - قال ابن عبد ربه: وقيل: إن عمر خطب أمرأة من ثقيف، وخطبها المغيرة، فزوجوها المغيرة (4)..5 - قال ابن الاثير: خطب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت: يغلق بابه، ويمنع خيره، ويدخل عابسا، ويخرج عابسا (5).
6 - قال ابن قتيبة:
__________
(1) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص 29 / 30.
(2) الكامل في التاريخ: 3 / 54.
(3) اسد الغابة في معرفة الصحابة: 4 / 65.
(4) عقد الفريد: 2 / 209.
(5) الكامل في التاريخ: 3 / 55 تاريخ الطبري 5 / 17.
(*)(1/17)
قال أبواليقضان: خطب عمر بن الخطاب أم أبان بنت عتيبة بن ربيعة بعد أن مات عنها يزيد بن أبي سفيان فقالت: لا يدخل إلا عابسا، ولا يخرج إلا عابسا، يغلق بابه، ويقل خيره (1).
7 - قال الطبري: قال المدائني وخطب ام كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة، وأرسل فيها إلى عائشة فقالت: الامر إليك.
فقالت أم كلثوم لا حاجة لي فيه.
فقالت لها عائشة.
ترغبين عن أمير المؤمنين ؟ قالت: نعم.
إنه خشن العيش، شديد على النساء.
فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته، فقال: أكفيك.
فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين بلغني خبر اعيذك بالله منه، قال: وما هو ؟ قال: خطبت ام كلثوم بنت أبي بكر قال: نعم.
أفرغبت بي عنها، أم رغبت بها عني قال: لا واحدة ولكنها حدثة نشأت تحت كنف ام المؤمنين في لين ورفق وفيك غلظة...(2).
زوجاته: 1 - زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح.
2 - ام كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب بن ربيعة.
3 - جميلة بنت ثابت بن أبي الافلح.
4 - لهية ام ولد [ امرأة من اليمن ] كما جاء في الكامل في التاريخ 3 / 54
ط بيروت.
5 - ام حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
__________
(1) عيون الاخبار: 4 / 17 ط.
(2) تاريخ الامم والملوك: 5 / 17 ط المطبعة الحسينية بالقاهرة.
(*)(1/18)
6 - فكهية - ام ولد.
7 - عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل (1).
أولاده: قال ابو زيد عمر بن شبة النميري البصري: وكان لعمر من الولد: عبد الله، وعبد الرحمن، وحفصة.
وامهم: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح.
وزيد الاصغر، وعبيد الله - قتلا يوم صفين مع معاوية -.
وامهما: ام كلثوم بنت جرول بن مالك بن مسيب بن ربيعة.
وكان الاسلام فرق بين عمر، وام كلثوم بنت جرول.
وعاصم، وامه جميلة بنت ثابت بن أبي الافلح، واسمه قيس بن عصمة ابن مالك بن أمة بن ضبيعة بن زيد.
من الاوس.
من الانصار.
وعبد الرحمن الاوسط - وهو أبو المجبر - وامه: لهية - ام ولد -.
وعبد الرحمن الاصغر، وامه: - ام ولد -.
وفاطمة، وامها: ام حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله ابن مخزوم.
وزينب - وهي أصغر ولد عمر - وامها فكهية - ام ولد -.
وعياض بن عمر، وامه: عاتكة: بنت زيد بن عمرو بن نفيل (2).
وقال المسعودي: وكان له من الولد: عبد الله، وحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
__________
(1) تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 2 / 654، نور الابصار للشبلنجي ص 62 ترجمة عمر.
(2) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 654 - 655، تاريخ الخميس للديار بكري: 2 / 249 - 250 ترجمة عمر صفة الصفوة لابن الجوزي: 1 / 275.
(*)(1/19)
وعاصم، وعبيد الله، وزيد، - من ام معبد - وعبد الرحمن، وفاطمة، وبنات اخر، وعبد الرحمن الاصغر - وهو المحدود في الشراب -، وهو المعروف: بأبي شحمة من ام ولد (1).
اسلامه: 1 - أخرج ابن سعد كاتب الواقدي، عن أنس بن مالك أنه قال: خرج عمر متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة قال: اين تعمد يا عمر: ؟ فقال: اريد أن أقتل محمدا، قال: وكيف تأمن في بني هاشم، وبني زهرة، وقد قتلت محمدا.
قال: فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي أنت عليه.
قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر ؟: إن ختنك، واختك قد صبوا، وتركوا دينك الذي أنت عليه.
قال: فمشى عمرا ذامرا حتى أتاهما، وعندهما رجل من المهاجرين يقال له: خباب قال: فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت فدخل عليهما فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم.
قال: وكانوا يقرؤن طه فقالا:
ما عدا حديثا تحدثناه بيننا قال: فلعلكما قد صبوتما.
قال: فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك.
قال فوثب عمر على ختنه فوطأه وطئا شديدا فجائت فدفعته عن زوجها.
فنفحها بيده نفحة فدمي وجهها فقالت وهي غضبى: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك: أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد
__________
(1) مروج الذهب: 2 / 320.
(*)(1/20)
أن محمدا رسول الله.
فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه.
وقال: وكان عمر يقرأ الكتب.
فقالت: اخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون.
فقم، واغتسل، أو توضأ.
قال: فقام عمر فتوضأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ: طه حتى انتهى إلى قوله: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني * وأقم الصلاة لذكري).
قال: فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال: أبشر يا عمر فإنني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب، أو بعمرو بن هشام.
قال: ورسول الله صلى عليه وسلم في الدار في أصل الصفا.
فانطلق عمر حتى أتى الدار قال: وعلى باب الدار حمزة، وطلحة، واناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر قال حمزة:
نعم.
فهذا عمر فإن يرد الله بعمر خيرا يسلم، ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن يرد غير ذلك قتله علينا هينا.
قال: والنبي عليه السلام، داخل يوحي إليه قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل السيف فقال: أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي، والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة (1)..2 - قالت: ام عبد الله بنت أبي حثمة، وكانت زوج عامر بن ربيعة:
__________
(1) الطبقات: 3 / 191 - 192.
صفة الصفوة لابن الجوزي: 1 / 269.
(*)(1/21)
إنا نرحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر لبعض حاجته، إذ أقبل عمر وهو على شركه حتى وقف علي.
وكنا نلقي منه البلاء أذى، وشدة فقال: أتنطلقون يا ام عبد الله ؟ قالت: قلت: نعم والله، لنخرجن في أرض الله فقد آذيتمونا، وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا فرجا.
قالت: فقال صحبكم الله..قالت: فلما عاد عامر أخبرته، وقلت له: لو رأيت عمر، ورقته، وحزنه علينا ! قال: أطمعت في إسلامه ؟ قلت: نعم.
فقال: لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب لما كان يرى من غلظته، وشدته على المسلمين، فهداه الله فأسلم..وكان سبب إسلامه أن اخته فاطمة بنت الخطاب كانت تحت سعيد بن يزيد بن عمرو العدوي، وكانا مسلمين يخفيان إسلامهما من عمر..وكان خباب بن الارت يختلف إلى فاطمة يقرأها القرآن فخرج عمر يوما ومعه سيفه يريد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين وهم مجتمعون في دار الارقم عند الصفا، وعنده من لم يهاجر من المسلمين في نحو أربعين رجلا، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: اين تريد يا عمر ؟ فقال: اريد محمدا الذي فرق أمر قريش، وعاب دينها فأقتله.
فقال نعيم: والله لقد غرتك نفسك، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الارض، وقد قتلت محمدا ؟ ! افلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم ؟ قال: وأي أهلي ؟ ! قال: ختنك، وابن عمك سعيد بن زيد، واختك فاطمة، فقد أسلما.
فرجع عمر إليهما وعندهما خباب بن الارت يقرئهما القرآن.
فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب، وأخذت فاطمة الصحيفة، وألقتها تحت فخذيها،(1/22)
وقد سمع عمر قراءة خباب.
فلما دخل قال: ما هذه الهينمة ؟ ! قالا: سمعت شيئا ؟ قال: بلى.
قد اخبرت أنكما تابعتما محمدا، وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه اخته لتكفه، فضربها فشجها، فلما فعل ذلك قالت له اخته: قد أسلمنا، وآمنا بالله، ورسوله، فاصنع ما شئت.
ولما رأى عمر ما باخته من الدم ندم وقال لها: اعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأون فيها الآن حتى أنظر إلى ما جاء به محمد.
قالت: إنا نخشاك عليها، فحلف أنه يعيدها.
قالت له: وقد طمعت في إسلامه.
إنك نجس على شركك، ولا يمسها إلا المطهرون.
فقام، واغتسل.
فأعطته الصحيفة وقرأ فيها: طه، وكان كاتبا فلما قرأ بعضها قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! ! فلما سمع خباب خرج إليه وقال يا عمر:..فقال عمر عند ذلك: فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم.
فدله خباب فأخذ سيفه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه فضرب عليهم الباب فقام رجل منهم فنظر من [ خلل ] الباب فرآه متوشحا سيفه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
فقال حمزة: إئذن له فإن كان يريد خيرا بذلناه له، وإن أراد شرأ قتلناه بسيفه.
فأذن له فنهض إليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى لقيه فأخذ بمجامع ردائه ثم جذبه جذبة شديدة وقال: ما جاء بك ؟ ما أراك تنتهي حتى ينزل الله عليك قارعة.
فقال عمر: يارسول الله جئت لاومن بالله، وبرسوله.
فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف من في البيت أن عمرا أسلم...(1/23)
قال عمر: لما أسلمت أتيت باب أبي جهل بن هشام فضربت عليه بابه فخرج إلي وقال: مرحبا يا بن أخي ! ما جاء بك ؟ قلت: جئت لاخبرك أني قد أسلمت، وآمنت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وصدقت ما جاء به.
قال: فضرب الباب في وجهي وقال: قبحك الله، وقبح ما جائت به.
وقيل في إسلامه غير هذا (1).
3 - أخرج ابن الاثير عن اسامة بن زيد عن أبيه عن جده أسلم أنه قال: قال لنا عمر بن الخطاب: أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدو إسلامي ؟ قلنا: نعم.
قال:
كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا أنا يوما في يوم شديد الحر بالهاجرة، في بعض طرق مكة، إذ لقيني رجل من قريش فقال: اين تذهب يابن الخطاب ؟ أنت تزعم أنك هكذا، وقد دخل عليك هذا الامر في بيتك قال: قلت: وما ذاك ؟ قال: اختك قد صبأت قال: فرجعت مغضبا.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل، والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة فيكونان معه، ويصيبان من طعامه، وقد كان ضم إلى زوج اختي رجلين.
قال: فجئت حتى قرعت الباب فقيل من هذا ؟ قلت: ابن الخطاب.
قال: وكان القوم جلوسا يقرؤن القرآن في صحيفة معهم، فلما سمعوا صوتي تبادروا، واختفوا، وتركوا، أو نسوا الصحيفة من أيديهم قال: فقامت المرأة ففتحت لي.
فقلت: يا عدوة نفسها قد بلغني أنك صبوت قال: فأرفع شيئا في يدي فأضربها به قال: فسال الدم: قال: فلما رأت المرأة الدم بكت ثم
__________
(1) الكامل في التاريخ: 2 / 84 - 85 - 86 - 87، نور الابصار: ص 54، الرياض النضرة: 1 / 272 - 276 ترجمة عمر.
(*)(1/24)
قالت: يابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد أسلمت.
قال: فدخلت وأنا مغضب فجلست على السرير فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت.
فقلت: ما هذا الكتاب ؟ أعطينيه.
فقالت: لا اعطيك لست من أهله.
أنت لا تغتسل (1) من الجنابة، ولا تطهر.
وهذا: { لا يمسه إلا المطهرون }.
قال: فلم أزل بها حتى أعطتنيه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم.
فلما مررت بالرحمن الرحيم، ذعرت، ورميت
بالصحيفة من يدي.
قال ثم رجعت إلي نفسي فإذا فيها: سبح لله ما في السموات والارض وهو العزيز الحكيم.
قال: فكلما مررت باسم من أسماء الله عزوجل ذعرت، ثم ترجع إلي نفسي حتى بلغت: آمنوا بالله ورسوله، وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه (حتى بلغت إلى قوله): إن كنتم مؤمنين قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله (2).
4 - لما أسلم عمر بن الخطاب قال: أي أهل مكة أنقل للحديث فقالوا: جميل بن معمر، فخرج عمر، وخرجت وراء أبي وأنا غليم، أعقل كل ما رأيت حتى أتاه فقال: يا جميل هل علمت أني أسلمت ؟ فو الله ما راجعه الكلام حتى قام يجر رداءه، وخرج عمر يتبعه، وأنا مع أبي حتى إذا قام على باب مسجد الكعبه صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش إن عمر قد صبا.
__________
(1) إنك رجس.
الطبقات: لابن سعد في ترجمة عمر.
(2) اسد الغابة 4 / 54 - 55، الرياض النضرة: 2 / 277.
(*)(1/25)
فقال: عمر: كذبت، ولكني أسلمت (1).
5 - أخرج ابن سعد عن محمد بن عمر أنه قال: حدثني محمد بن عبد الله عن أبيه أنه قال: ذكرت له حديث عمر فقال: أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال:
أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلا، وإحدى عشرة امرأة (2).
6 - قال أبو جعفر الطبري: حدثني الحارث قال: حدثنا ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن عبد الله، عن أبيه قال: أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: أسلم عمر بعد خمسة واربعين رجلا، وإحدى وعشرين امرأة (3)..7 - اخرج الامام أحمد عن شريح بن عبيدة أنه قال: قال عمر بن الخطاب (رض).
خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش.
قال: فقرأ: { إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } قال: فقلت: كاهن.
قال: { ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون.
تنزيل من رب العالمين، ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم
__________
(1) اسد الغابة في معرفة الصحابة: 4 / 56 - 57.
(2) الطبقات: 3 / 193، اسد الغابة: 4 / 53.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 17 وانظر: صفة الصفوة: 1 / 274.
(*)(1/26)
من أحد عنه حاجزين }.
إلى آخر السورة.
فوقع الاسلام في قلبي كل موقع (1).
8 - لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان عمر شديدا عليه وعلى
المسلمين.
ثم أسلم بعد رجال سبقوه.
قال هلال بن يساف: أسلم عمر بعد أربعين رجلا، وإحدى عشر إمرأة.
وقيل أسلم عمر بعد أربعين رجلا، وثلاث وعشرين امرأة.
فكمل الرجال به أربعين (2) رجلا (3).
9 - قال ابن الاثير: ثم أسلم عمر بعد تسعة وثلاثين رجلا، وثلاث وعشرين امرأة.
وقيل: أسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة.
وكان رجلا جلدا منيعا وأسلم بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة (4)...تعلمه لسورة البقرة: قال السيوطي: وأخرج الخطيب في رواة مالك، والبيهقي في شعب الايمان عن ابن عمر أنه قال: تعلم عمر البقرة في اثنتى عشر سنة فلما ختمها نحر جزورا (5) وذكر مالك في الموطأ أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثمان سنين يتعلمها.
(6)
__________
(1) مسند أحمد: 2 / 17، اسد الغابة: 4 / 54.
(2) كذا جاء في الاصل.
والصواب أربعون رجلا.
(3) اسد الغابة في معرفة الصحابة: 4 / 53، الاستيعاب: 2 / 459 بهامش الاصابة.
(4) الكامل في التاريخ 2 / 84 ذكر إسلام عمر بن الخطاب.
(5) الدر المنثور: 1 / 21، تاريخ الاسلام للذهبي: (عهد الخلفاء الراشدين ص 267).
(6) المصدر السابق: 1 / 21.
(*)(1/27)
عمر في غزوة حنين: البخاري: باب قول الله تعالى: { ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم
فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } (1).
أخرج البخاري عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني، وأضرب يده فقطعتها..وانهزم المسلمون، وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس.
فقلت له ما شأن الناس قال: أمر الله...الحديث (2).
عمر في واقعة احد: 1 - قال الفخر الرازي: ومن المنهزمين عمر، إلا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين، ولم يبعد بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهم: عثمان انهزم مع رجلين من الانصار يقال لهما: سعد، وعقبة.
إنهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام (3).
2 - يقول الدكتور مارسدن جونس في مقدمة تحقيق كتاب المغازي للواقدي: في المخطوطة التي اتخذناها أصلا لهذه النشرة قائمة بمن فر عن النبي يوم احد تبدأ بهذه الكلمات:
__________
(1) التوبة: 25.
(2) صحيح البخاري مشكول 3 / 67 طبع عيسى البابي الحلبي بمصر.
(3) مفاتيح الغيب: 9 / 52.
(*)(1/28)
" وكان ممن ولي فلان، والحارث بن حاطب، وثعلبة بن حاطب، وسواد ابن غزية، وسعد بن عثمان، وعقبة بن عثمان، وخارجة بن عامر، بلغ ملل،
وأوس بن قيظي في نفر من بني حارثة ".
بينما النص عند ابن أبي الحديد عمر، وعثمان بدلا من فلان، ويروي البلاذري عن الواقدي عثمان، ولا يذكر عمر (1).
ويظهر بوضوح أن النص في المخطوطة الام كان يذكر عثمان وعمر، أو عمر وحده، أو عثمان وحده ممن ولو الادبار يوم أحد، ولكن الناسخ لم يقبل هذا في حق عمر، أو عثمان فأبدل إسميهما أو إسم أحدهما بقوله: فلان (2).
3 - قال النسفي: { إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا } بتركهم المركز الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبات فيه..وكان أصحاب محمد عليه السلام تولوا عنه يوم احد إلا ثلاثة عشر رجلا منهم: أبو بكر، وعلي، وطلحة، وابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والباقون من الانصار (1).
4 - قال الالوسي: فقد ذكر ابو القاسم البلخي أنه لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد إلا ثلاثة عشر نفسا خمسة من المهاجرين: أبو بكر، وعلي، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص والباقون من الانصار..وأما سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل، وعمر بن الخطاب (رض) كان من هذا الصنف كما في خبر ابن جرير (4).
__________
(1) أنساب الاشراف 1 / 326 عن هامش كتاب المغازي: 1 / 18.
(2) كتاب المغازي للواقدي: 1 / 18.
(3) مدارك التنزيل وحقائق التأويل: 1 / 190.
(4) روح المعاني: 4 / 99.
(*)(1/29)
5 - قال النيسابوري: قال القفال: الذي تدل عليه الاخبار في الجملة إن نفرا قليلا تولوا، وأبعدوا فمنهم من دخل المدينة، ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب..ومن المنهزمين عمر (1)...6 - وقال الزمخشري: [ إنما ] (2) استزلهم [ الشيطان ] (3) طلب منهم الزلل، ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم، ومعناه.
إن الذين انهزموا يوم أحد كان السبب في توليهم أنهم كانوا أطاعوا: الشيطان فاقترفوا ذنوبا، فلذلك منعهم التأييد، وتقوية القلوب حتى تولوا.
وقيل: استزلال الشيطان إياهم هو التولي، وإنما دعاهم إليه بذنوب قد تقدمت لهم لان الذنب يجر إلى الذنب، كما أن الطاعة تجر إلى الاطاعة وتكون لطفا فيها.
7 - قال السيوطي: قال [ عمر ]: لما كان يوم أحد هزمناهم ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو (4) كأنني أروى.
ثم قال السيوطي: 8 - أخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كان الذين ولوا الدبر يومئذ: عثمان بن عفان، وسعد بن عثمان، وعقبة بن عثمان إخوان من الانصار من بني زريق (5).
9 - عن سعيد بن جبير، إن الذين تولوا منكم يعني: انصرفوا، عن القتال منهزمين يوم التقى الجمعان يوم أحد حين التقى الجمعان، جمع المسلمين، وجمع المشركين فانهزم المسلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم وبقي
__________
(1) تفسير غرائب القرآن: 4 / 112 - 113، بهامش تفسير الطبري.
(2 - 3) ما بين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(4) قال ابن الاثير: يقال نزوت على الشئ انزو نزوا.
إذا وثبت عليه.
النهاية في غريب
الحديث: 5 / 44.
(5) الدر المنثور: 2 / 88 - 89، تفسير الطبري جامع البيان: 4 / 95 - 96.
(*)(1/30)
في ثمانية عشر رجلا إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا.
يعني: تركوا المركز (1)...عمر في غزوة خيبر: أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي عن ابن عباس أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أحسبه قال: أبا بكر.
فرجع منهزما، ومن معه.
فلما كان من الغد بعث عمر، فرجع منهزما يجبن أصحابه، ويجبنه اصحابه (2).
* * *
__________
(1) الدر المنثور 2 / 88 - 89.
(2) مجمع الزوائد: 9 / 124، مستدرك الحاكم: 3 / 37، تلخيص المستدرك: 3 / 37.
(*)(1/31)
عمر في جيش اسامة(1/33)
عمر في جيش اسامة: 1 - أخرج المتقي الهندي تحت عنوان: بعث أسامة عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد قطع بعثا قبل موته وأمر عليهم أسامة بن زيد وفي ذلك البعث أبو بكر وعمر فكان اناس من الناس يطعنون في ذلك لتأمير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسامة عليهم...الحديث (1) 2 - أخرج ابن سعد، عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه
وسلم بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر فاستعمل عليهم اسامة بن زيد، وكان الناس طعنوا فيه، اي في صغره، فبلغ ذلك رسول الله صلى عليه وسلم فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن الناس قد طعنوا في امارة اسامة بن زيد وقد كانوا طعنوا في امارة أبيه من قبله وإنهما لخليقان لها، أو كانا خليقين لذلك فإنه لمن أحب الناس إلي، وكان أبوه من أحب الناس إلي الا فاطمة فاوصيكم باسامة خيرا (2).
3 - قال السيد أحمد بن زيني دحلان: فلما أصبح يوم الخميس عقد صلى الله عليه وسلم لاسامة لواء بيده ثم قال: اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف فلم يبق من المهاجرين الاولين والانصار إلا اشتد لذلك وتهيأ للخروج منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص (رض) فتكلم قوم وقالوا: يستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الغلام على المهاجرين
__________
(1) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 4 / 180.
(2) الطبقات 4 / 66 ط بيروت.
(*)(1/34)
الاولين والانصار هذا الغلام وكان سن اسامة سبع عشرة سنة...(1) 4 - أخرج المتقي الهندي عن عروة قال: كان اسامة بن زيد قد تجهز للغزو، وخرج ثقله إلى الحرب فأقام تلك الايام لوجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش عامتهم المهاجرين فيهم عمر بن الخطاب...5 - أخرج المتقي الهندي عن عروة عن اسامة بن زيد أن النبي أمره أن
يغير على أهل ابني صباحا، وأن يحرق...ولم يبق أحد من المهاجرين الاولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص، وأبو الاعور سعيد ابن زيد عمرو بن نفيل في رجال من المهاجرين والانصار...وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الاول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع اسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم عمر بن الخطاب ورسول الله يقول: أنفذوا بعث اسامة...(2) 6 - ذكر ابن الاثير اسامة بن زيد في كتابه وقال: وأما اسامة فإن النبي استعمله على جيش وأمره أن يسير إلى الشام أيضا وفيهم عمر بن الخطاب...(3).
7 - قال السيد أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة: لما كان يوم الاثنين لاربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشر من الهجرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اسامة بن زيد، فقال:
__________
(1) السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية: 2 / 339.
(2) كنز العمال: 5 / 571 - 573 ط بيروت.
(3) اسد الغابة: 1 / 64 - 66 ط مصر.
(*)(1/35)
سر إلى قتل موضع قتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحا على أهل ابني، وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الاخبار.
فإن ظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الادلاء، وقدم العيون، والطلائع معك.
فلما كان يوم الاربعاء بدأ به صلى الله عليه وسلم وجعه فحم، وصدع.
فلما أصبح يوم الخميس عقد صلى الله عليه وسلم لاسامة لواء بيده ثم قال: اغز باسم الله، وفي سبيل الله، قاتل من كفر بالله.
فخرج رضي الله عنه بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة، وعسكر بالجرف فلم يبق أحد بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والانصار إلا اشتد لذلك، منهم: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص (رض) فتكلم قوم، وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الاولين والانصار، أي لان أسامة رضي الله تعالى عنه كان عمره ثمان عشر سنة، وقيل: تسع عشرة سنة.
وقيل: سبع عشر سنة (1).
قد ذكرنا فيما مضى من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد لاسامة ابن زيد لواء بيده وقال: اغز باسم الله، وفي سبيل الله.
فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والانصار إلا اشتد لذلك، منهم: أبو بكر، وعمر.
8 - وقال الشهرستاني: الخلاف الثاني في مرضه أنه قال: " جهزوا جيش اسامة لعن الله من تخلف عنه ".
فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، واسامة قد برز من المدينة.
وقال قوم: قد اشتد مرض النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تسع
__________
(1) السيرة الحلبية: 3 / 207، تاريخ الطبري: 3 / 188، كتاب المغازي للواقدي: 3 / 1118.
تاريخ الخميس: 2 / 154، الكامل في التاريخ: 2 / 317.
(*)(1/36)
قلوبنا مفارقته، والحالة هذه، فنصبر حتى نبصر أي شئ يكون من أمره (1).
من امنياته:
أخرج المتقي الهندي، عن الضحاك أنه قال: قال عمر: ياليتني كنت كبش أهلي.
سمنوني مابدا لهم حتى إذا كنت أسمن زارهم بعض ما يحبون فجعلوا بعضي شواء، وبعضي قديدا (2) ثم أكلوني فأخرجوني عذرة، ولم أك بشرا (3).
وقال الشيخ جلال الدين السيوطي: أخرج البيهقي في شعب الايمان عن الضحاك أنه قال: قال أبو بكر: والله لوددت أني كنت شجرة إلى جنب الطريق، فمر علي بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم ازدردني (4)، ثم أخرجني بعرا، ولم اكن بشرا.
فقال عمر: ياليتني كنت كبش اهلي سمنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم من يحبون، فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديدا ثم أكلوني * ولم أكن بشرا (5).
* المؤلف: الشيخ السيوطي بتر من الحديث: (وأخرجوني عذرة) وقد
__________
(1) الملل والنحل: 1 / 23 تحقيق محمد سيد كيلاني ط مصر.
(2) القديد: اللحم المجفف في الشمس.
النهاية لابن الاثير: 4 / 22 ط مصر.
(3) كنز العمال: 6 / 365 حيدر آباد الهند رقم الحديث 5536، الفتوحات الاسلامية لمفتي مكة: 2 / 408، حياة الصحابة للكاندهلوي: 2 / 99، حلية الاولياء لابي نعيم: 1 / 52، نور الابصار شبلنجي: ص 60.
(4) ازدردها: ابتلعها، مصباح المنير للفيومي: ص 252.
(5) تاريخ الخلفاء: ص 142.
(*)(1/37)
ذكرها كل من صاحب كنز العمال ط حيدر آباد - الهند، والفتوحات الاسلامية
لزيني بن دحلان وحياة الصحابة للكاندهلوي، وحلية الاولياء لابي نعيم، ونور الابصار للشيخ مؤمن الشبلنجي وغيرهم وغيرهم.
وأخرج المتقي الهندي عن الحسن أنه قال: أبصر أبو بكر طائرا على شجرة قال: طوبى لك يا طائر، تأكل الثمرة، وتقع على الشجر.
لوددت أني ثمرة ينقرها الطائر وورد بلفظ آخر.
وعن الضحاك قال: رأى أبو بكر طيرا واقفا على شجرة فقال: طوبى لك يا طير.
والله لوددت أن كنت مثلك تقع على الشجر، وتأكل من الثمر، ثم تطير، وليس عليك حساب، ولا عذاب.
والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق مر علي جمل فأخذني فادخلني فاه فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني بعرا.
ولم أك بشرا (1).
* * *
__________
(1) منتخب كنز العمال: 4 / 361.
(*)(1/38)
عمر وشرب النبيذ: 1 - أخرج ابن سعد، عن أنس أنه قال: أحب الطعام إلى عمر: الثفل (1)، وأحب الشراب إليه النبيذ (2).
2 - أخرج الحاكم النيسابوري، عن أبي وائل، أنه قال: غزوت مع عمر (رض) الشام فنزلنا منزلا فجاء دهقان (3) يستدل على أمير المؤمنين حتى أتاه.
فلما رأى الدهقان عمر سجد.
فقال عمر: ما هذا السجود ؟ فقال: هكذا نفعل " بالملوك ".
فقال عمر: اسجد لربك الذي خلقك.
فقال يا أمير المؤمنين: إني قد صنعت لك طعاما فأتني.
فقال عمر:
هل في بيتك من تصاوير العجم، قال: نعم.
قال: لا حاجة لنا في بيتك.
ولكن إنطلق فابعث لنا بلون من الطعام ولا تزدنا عليه.
قال: فانطلق، فبعث إليه بطعام فأكل منه ثم قال عمر لغلامه: هل في إداوتك شئ من ذلك النبيد ؟ قال: نعم.
قال: فابعث لنا، فأتاه فصبه في إناء، ثم شمه فوجده منكر الريح فصب عليه ماء، ثم شمه فوجده منكر الريح فصب عليه الماء ثلاث مرات ثم شربه.
__________
(1) الثفل: مثل: قفل.
حثالة الشئ وهو الثخين الذي يبقى أسفل الصافي، مصباح المنير: (2) وقال ابن الاثير: يقال: نبذت التمر، والعنب، إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا.
فصرف من مفعول إلى فعيل...وسواء كان مسكرا، وغير مسكر فإنه يقال له نبيذ.
ويقال للخمر المعتصر من العنب: نبيذ، كما يقال: للنبيذ: خمر، النهاية في غريب الحديث: 5 / 7.
(3) الدهقان رئيس الامام عند الفرس - التاجر العظيم - جمع دهاقين لاروس: ص 55.
(*)(1/39)
ثم قال: إذا رابكم من شرابكم شئ فافعلوا به هكذا (1).
3 - عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، أن أسلم مولى عمر بن الخطاب أخبره، أنه زار عبد الله بن عياش المخزومي فرأى عنده نبيذا وهو بطريق مكة.
فقال له أسلم: إن هذا الشراب يحبه عمر بن الخطاب.
فحمل عبد الله بن عياش قدحا عظيما.
فجاء به إلى عمر بن الخطاب فوضعه في يديه.
فقربه عمر إلى فيه ثم رفع رأسه.
فقال عمر: إن هذا لشراب طيب.
فشرب منه ثم ناوله رجلا عن يمينه.
فلما أدبر عبد الله، ناداه عمر بن الخطاب فقال: أأنت القائل: لمكة خير من المدينة ؟ فقال عبد الله: فقلت هي حرم الله وأمنه، وفيها بيته.
فقال عمر: لا أقول في بيت الله، ولا في حرمه شيئا.
ثم قال عمر: أأنت القائل: لمكة خير من المدينة قال: فقلت: هي حرم الله، وأمنه، وفيها بيته.
فقال عمر: لا أقول في حرم الله، ولا في بيته شيئا.
ثم انصرف (2).
4 - أخرج ابن سعد عن عبد الله بن عبيد بن عمير: أن عمر بن الخطاب لما طعن (3) قال له الناس: يا أمير المؤمنين لو شربت شربة فقال: اسقوني نبيذا.
وكان من احب الشراب إليه فقال: فخرج النبيذ من جرحه مع صديد الدم فلم يتبين لهم ذلك أنه شرابه الذي شرب فقالوا: لو شربت لبنا، فاتى به، فلما شرب اللبن خرج من جرحه فلما رأى
__________
(1) الطبقات: 3 / 230.
(2) موطأ مالك: 2 / 894 ط مصر.
(3) قال الدميري: وأنه لما طعن قيل له: ما أحب الاشربة اليك يا أمير المؤمنين ؟ قال: النبيذ.
فسقوه نبيذا...حياة الحيوان الكبرى: 1 / 346 ترجمة عمر.
(*)(1/40)
بياضه بكى، وأبكى من حوله من أصحابه فقال: هذا حين.
لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع.
قالوا: وما أبكاك إلا هذا قال: ما أبكاني غيره (1).
قربة لعمر فيها نبيذ: قال أبو يوسف: حدثنا الشيباني عن حسان بن المخارق قال: ساير رجل عمر بن الخطاب في سفر وكان صائما، فلما أفطر الصائم أهوى إلى قربة لعمر (رض) معلقة فيها نبيذ فشرب منها فسكره، فضربه عمر
(رض) الحد.
فقال له الرجل.
إنما شربت من قربتك.
فقال له عمر (رض): إنما جلدتك لسكرك، لا على شرابك (2).
وقال ابن عبدربه: وقال الشعبي.
وشرب أعرابي من إدواة عمر فأغشى فحده عمر.
وإنما حده للسكر، لا للشرب (3).
عمر والخمر: 1 - وقال محمد الابشيهي المحلى المتوفي سنة 850 هجرية:
__________
(1) الطبقات: 3 / 257، الامامة والسياسة: 1 / 26 طبعة الحلبي، حياة الحيوان للدميري: 1 / 346 ط مصر، الاستيعاب في معرفة الاصحاب: 3 / 1154.
(2) كتاب الخراج ص 165 ط مصر.
(3) العقد الفريد: 1 / 341 (*)(1/41)
قد أنزل الله في الخمر ثلاث آيات: الاولى: في قوله تعالى: { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير، ومنافع للناس } (1).
فكان من المسلمين من شارب، ومن تارك إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر فنزل قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون }.
فشربها من شربها من المسلمين، وتركها من تركها حتى شربها عمر (رض) فأخذ بلحى بعير وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الاسود بن يعفر يقول:
وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام - أيوعدني ابن كبشة (2) أن سنحيا * وكيف حياة اصداء وهام - أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي - ألا من مبلغ الرحمن عني ؟ * بأني تارك شهر الصيام - فقل الله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده فضربه.
فقال: أعوذ بالله من غضبه، وغضب رسوله.
فأنزل الله تعالى: { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون }.
__________
(1) سورة البقرة: 219.
(2) يقصد به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(*)(1/42)
فقال عمر: انتهينا، انتهينا (1).
2 - قال اسماعيل حقي البرسوي في تفسيره: إتخذ عتبان بن مالك ضيافة ودعا رجالا من المسلمين فيهم: سعد بن أبي وقاص (رض) وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه، وشربوا الخمر حتى سكروا، وتناشدوا الاشعار فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء الانصار وفخر لقومه فأخذ رجل لحى البعير (2) فضرب به رأس سعد فشجه فانطلق سعد إلى رسول الله وشكا إليه الانصاري فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزل: { إنما الخمر والميسر } في المائدة إلى قوله { فهل انتم منتهون }.
فقال عمر: انتهينا يا رب.
وحرمت الخمر في السنة الثالثة من الهجرة بعد غزوة الاحزاب بأيام (3).
3 - قال ابن أبي أوفى لقومه حين نهوا عن الخمر: ألا يالقومي ليس في الخمر رفعة * فلا تقربوا منها فلست بفاعل - وإني رأيت الخمر شينا ولم يزل * أخو الخمر دخالا لشر المنازل وقال بعضهم: بلوت نبيذ الخمر في كل بلدة * فليس لاخوان النبيذ حفاظ - إذا دارت الارطال أرضوك بالمنى * وإن فقدوها فالوجوه غلاظ وقال حكيم: وإياك وإخوان النبيذ، فبينما أنت متوج عندهم، مخدوم، مكرم، معظم، إذ زلت بك القدم فجروك على شوك السلم فاحفظ قول القائل فيه:
__________
(1) المستطرف: 2 / 260، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 3 / 863.
(2) تقدم ان عمر شرب الخمر واخذ بلحى البعير وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف.
(3) روح البيان: 1 / 339.
(*)(1/43)
وكل اناس يحفظون حريمهم * وليس لاصحاب النبيذ حريم - فإن قلت هذا لم أقل عن جهالة * ولكنني بالفاسقين عليم (1) 4 - أخرج محمد بن جرير الطبري، عن أبي القموص زيد بن علي قال: أنزل الله في الخمر ثلاث مرات وأول ما أنزل قال الله: { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما }.
وقال فشربها من المسلمين ما شاء الله منهم على ذلك حتى شرب
رجلان فدخلا في الصلاة فجعلا يهجران كلاما لا يدري عوف ما هو فأنزل الله عزوجل فيهما: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون }.
فشربها من شربها منهم، وجعلوا يتقونها عند الصلاة حتى شربها فيما زعم رجل (2) فجعل ينوح على قتلى بدر: تحي بالسلامة ام عمرو * وهل لك بعد رهطك من سلام - ذريني أصطبح بكرا فإني * رأيت الموت نقب عن هشام - وود بنو المغيرة لو فدوه * بألف من رجال أو سوام - كأني بالطوي طوي بدر * من الشيزى يكلل بالسنام - كأني بالطوي طوي بدر * من الفتيان والحلل الكرام (3) * * *
__________
(1) ثمرات الاوراق: 2 / 261.
(2) اسقط الراوي اسم عمر وعبر عنه بالرجل راجع ما نقلناه عن محمد الابشيهي المحلى المتوفي سنة 850 هجرية.
(3) جامع البيان: 2 / 211.
(*)(1/44)
من مشتهياته (رض): 1 - أخرج ابن سعد، عن عبد الله بن عمر أنه قال: رأيت عمر بن الخطاب يتحلب فوه، فقلت له: ما شأنك ؟ قال: أشتهي جرادا مقليا.
2 - أخرج ابن سعد عن أبي الشعشاء، عن ابن عمر أنه قال: سمعت عمر يقول على المنبر: " وددت أن عندنا خصفة (1) أو خصفتين من جراد فأصبنا منها ".
3 - أخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه قال: ذكر لعمر جراد بالربذة فقال: لوددت أن عندنا منه قفعة (2) أو قفعتين (3).
* * *
__________
(1) قال الفيومي: الخصفة: الحلة من الخوص للتمر، والجمع (أخصاف) مثل: رقبة، ورقاب.
المصباح المنير: ص 171 ط مصر.
(2) قال ابن الاثير: هو شئ شبيه بالزنبيل من الخوص ليس له عرى وليس بالكبير.
وقيل: هو شئ كالقفة تتخذ واسعة الاسفل، ضيقة الاعلى، النهاية لابن الاثير 4 / 91 ط مصر.
(3) الطبقات: 3 / 229 - 230، النهاية لابن الاثير: 4 / 91.
(*)(1/45)
سيرته مع رسول الله(1/47)
سلوكه مع الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم: 1 - أخرج أبو نعيم، عن أبي عسيب أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، فانطلق حتى دخل حائطا لبعض الانصار فقال لصاحب الحائط: أطعمنا بسرا، فجاء بعذق (1) فوضعه فأكلوا، ثم بماء (2) فشرب فقال: " لتسألن عن هذا يوم القيامة ".
قال: وأخذ عمر العذق فضرب به الارض حتى تناثر البسر نحو وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله إنا (3) لمسؤلون عن هذا يوم القيامة ؟ قال: نعم (4)...2 - أخرج ابو يعقوب بن شيبة بن الصلت المتوفي سنة 262 ه، عن
ابن عباس، عن عمر بن الخطاب انه قال: لقد صالح نبي الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة يوم الحديبية على صلح وأعطاهم شيئا لو أن نبي الله أمر عليا أميرا فصنع الذي صنع نبي الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت له، ولا أطعت (5)...3 - أخرج البخاري عن أبي مليكة أنه قال: كاد الخيران، أن يهلكا: أبا بكر، وعمر (رض) رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالاقرع بن
__________
(1) العذق: النخلة نفسها، ويطلق العذق على أنواع من التمر، مصباح المنير: ص 399.
(2) بماء بارد كذا في مسند أحمد 15 / 8.
(3) ءإنا كذا في المسند 5 / 81.
(4) حلية الاولياء: 2 / 27 - 28، تفسير الطبري جامع البيان: 30 / 186.
(5) مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: ص 55.
(*)(1/48)
حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل لا احفظ إسمه، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت إلا خلافك.
فارتفعت أصواتهما.
فأنزل الله: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم } الآية.
4 - أخرج البخاري عن ابن جريج قال: أخبر بني ابن أبي مليكة: أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: ما أردت إلي، أو إلا خلافي.
فقال عمر: ما أردت خلافك فتماريا (1) حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك:
{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } حتى انقضت الآية { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم } الحجرات: 1 - 5 (2).
5 - أخرج البخاري، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر بن الخطاب عن شئ فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه.
فقال عمر بن الخطاب: ثكلت ام عمر.
نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك.
قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام (*) الناس، وخشيت أن ينزل
__________
(1) المراء: الجدال.
والتماري، والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة.
النهاية في غريب الحديث: 4 / 322.
(2) صحيح البخاري: 3 / 190 - 191 تفسير سورة الحجرات، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 2 / 523.
(*) أمام المسليمن في طبعة بولاق 5 / 126.
(*)(1/49)
في قرآن (1) (* *).
المؤلف: وقد جاء ذكر هذا الحديث في موضع آخر من هذا الكتاب.
6 - ذكر المتقي الهندي في تفسير سورة الفتح من مسند عمر بن الخطاب (رض) عن عمر أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن شئ ثلاث مرات فلم يرد علي، فقلت لنفسي: ثكلتك أمك يابن الخطاب، نزرت (2) رسول الله صلى
الله عليه وسلم فركبت راحلتي، فتقدمت مخافة أن يكون في شئ (2)...7 - أخرج البخاري، عن محمد بن سعد، عن أبيه، أنه قال: استأذن عمر بن الخطاب (رض) على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه، ويستكثرنه.
عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب.
فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك.
فقال: أضحك الله سنك يارسول الله، بأبي أنت وأمي.
فقال: عجبت من هولاء اللاتي كن عندي، لما سمعن صوتك تبادرن الحجاب.
فقال: أنت أحق أن يهبن يا رسول الله، ثم أقبل عليهن فقال: يا عدوات أنفسهن، أتهبنني، ولم تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! فقلن: إنك أفظ، وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(* *) جاء في صحيح البخاري طبع بولاق عام 1314 ه بعد كلمة قرآن فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن وجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال: لقد انزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ: إنا فتحنا لك فتحا مبينا.
وهذه الزيادة أوردها ابن كثير في السيرة النبوية: 3 / 337.
(1) صحيح البخاري: 3 / 189 - 229 السيرة النبوية لابي الفداء ابن كثير: 3 / 337.
(2) نزرت: أي ألححت عليه بالسؤال - من القاموس عن هامش الكتاب.
(3) كنز العمال: 2 / 308.
(*)(1/50)
(الحديث) (1) 8 - أخرج أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري عن ابن عباس أنه قال:
سمعت عمر بن الخطاب يقول: لما توفي عبد الله بن ابي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه فلما وقف عليه، يريد الصلاة عليه تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله بن ابي القائل يوم كذا، وكذا.
كذا، اعدد أيامه - ورسول الله يبتسم، حتى إذا كثرت (2) عليه قال: أخر عني يا عمر: إني خيرت فاخترت قد قيل لي: { استغفر لهم، أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } لو علمت أني زدت على السبعين غفر له لزدت.
قال: ثم صلى عليه صلى عليه وسلم ومشي معه، فقام على قبره حتى فرغ منه قال: فعجبت لي، وجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله ورسوله أعلم (1).
المؤلف: وأورد هذا الحديث ابن شبة بهذا اللفظ في تاريخ المدينة المنورة: 3 / 865.
9 - وأخرج البخاري، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب (رض) أنه قال: لما مات عبد الله بن أبي سلول دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت:
__________
(1) صحيح البخاري مشكول: 4 / 63 - 64، باب التبسم، والضحك شرح النهج لابن ابي الحديد: 1 / 60 - 61، الرياض النضرة: 1 / 299.
(2) أكثرت: بدل كثرت كذا في تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 3 / 865.
(*)(1/51)
يارسول الله أتصلي على ابن ابي وقد قال يوم كذا وكذا، كذا وكذا ؟ اعدد
عليه قوله.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر.
فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت، فاخترت.
لو أعلم أني زدت على السبعين فغفر له لزدت عليها قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف (3)...10 - وأخرج مسلم بن حجاج القشيري، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: لما توفي عبد الله بن أبي سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه.
فأعطاه.
ثم سأله أن يصلي عليه.
فقام رسول الله ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله ! أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما خيرني الله فقال: استغفر لهم، أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة، وسأزيده على سبعين " قال: إنه منافق.
فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأنزل الله عز وجل { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } (1).
11 - أخرج أحمد عن سلمان بن ربيعة أنه قال:
__________
(1) صحيح البخاري: 1 / 163.
(2) صحيح مسلم: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: 4 / 2141.
كنز العمال: 2 / 418 - - 419 ط بيروت.
(3) أسباب النزول ص 141، مسند الامام أحمد بن حنبل: 1 / 16.
(*)(1/52)
سمعت عمر بن الخطاب (رض) يقول: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة فقلت يارسول الله لغير هولاء أحق منهم أهل الصفة قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تخيروني، إنكم تسألوني بالفحش، وبين أن تبخلوني، ولست بباخل (1).
12 - قال ابن أبي الحديد: لما توفي عبد الله بن ابي رأس المنافقين في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء ابنه، وأهله، فسألوا رسول الله أن يصلي عليه فقام بين يدي الصف يريد ذلك فجاء عمر فجذبه من خلفه وقال: ألم ينهك الله أن تصلي على المنافقين فقال: إني خيرت، فاخترت فقيل لي: استغفر لهم، أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم، ولو أعلم أني إذا زدت على السبعين غفر له لزدت.
ثم صلى عليه، ومشى معه، وقام في قبره.
فعجب الناس من جرأة عمر على رسول الله (2).
* * *
__________
(1) مسند أحمد: 1 / 20 ط مصر.
(2) شرح النهج: 3 / 107 - 108.
(*)(1/53)
قراءة عمر التوارة أمام الرسول 1 - أخرج الدارمي، عن جابر أنه قال: أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من
التوراة فقال يارسول الله: هذه نسخة من التوراة فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغير فقال له أبو بكر: ثكلتك الثواكل ما ترى بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله من غضب الله، ومن غضب رسوله رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد نبيا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لو بدأ لكم موسى فاتبعتموه، وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ولو كان حيا وأدرك نبوتي لاتبعني (2).
2 - أخرج عبد الرزاق، عن جابر عن الشعبي، وعن عبد الله بن ثابت، وقال عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت (3) قال: جاء عمر بن الخطاب فقال: يارسول الله: إني مررت باخ لي من يهود
__________
(1 و 2) الطبقات 2 ق 2 / 41.
(3) جاء في الهامش، كذا في صلى الله عليه وآله والمعنى: ان جابرا رواه عن عبد الله بن ثابت بلا واسطة وبواسطة الشعبي، ورواه عن الشعبي موقوفا عليه.
المصنف: 10 / 313.
(*)(1/54)
[ من قريضة ] (1) فكتب لي [ وكتب لي ] (2) جوامع من التوراة قال: أفلا أعرضها عليك ؟ [ قال ] (3): فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله: مسخ الله عقلك، ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: عمر: رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد رسولا.
قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى فاتبعتموه، وتركتموني لضللتم.
إنكم حظى من الامم، وأنا حظكم من النبيين (4).
3 - أخرج الامام أحمد عن الشعبي، عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى
النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل - الكتب - الكتاب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: أمتهوكون (5) فيها يابن الخطاب.
والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به.
والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني (6).
4 - أخرج عبد الرزاق، عن أيوب، عن أبي قلابة:
__________
(1 و 2 و 3) ما بين المعقوفين ورد في حديث رقم 10164 راجع: المصنف: 6 / 113 وأورد الحديث الشيخ جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور: 2 / 48.
(4) المصنف: 10 / 313 - 314 وجاء في ص 314 تحت رقم (1) في الهامش قال: أخرج البزار من طريق جابر عن عبد الله بن ثابت أن عمر نسخ صحيفة من التوراة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ.
(كشف الاستار: 1 / 37 الف) وأخرج أيضا نحوا من هذه القصة من حديث جابر بن عبد الله.
- 1 / 36 ب.
(5) قال ابن الاثير: في مادة " هوك " فيه أنه قال لعمر في كلام: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ؟ لقد جئت بها بيضاء نقية ".
التهوك كالتهور، وهو الوقوع في الامر بغير روية.
والمتهولك: الذي يقع في كل أمر.
وفي حديث آخر " أن عمر أتاه بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب، فغضب وقال: امتهوكون فيها يابن الخطاب.
انظر: النهاية في غريب الحديث: 2825.
(6) مسند أحمد بن حنبل: 3 / 387، هذه نصيحتي لابي بكر الجزائري ط الرياض.
(*)(1/55)
أن عمر بن الخطاب مر برجل وهو يقرأ كتابا، فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال للرجل: أتكتب لي من هذا الكتاب ؟ قال: نعم.
فاشترى أديما فهناه ثم جاء به إليه فنسخه له في ظهره وبطنه ثم أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتلون فضرب رجل بيده الكتاب وقال: ثكلتك امك يابن الخطاب: ألا ترى وجه رسول الله منك اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب ؟.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إنما بعثت فاتحا، وخاتما، واعطيت جوامع الكلم وفواتحه فلا يهلكنكم المشركون (1).
5 - قال ابو الحجاج يوسف المزي: حديث أن عمر مر بقوم من اليهود فسمعهم يذكرون دعاء من التوراة فاستنسخه ثم جاء به إلى النبي...وذكر بقية الحديث برقم 18908 (2).
6 - أخرج إبن أبي شيبة، عن الشعبي، عن جابر: أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقال يا رسول الله: إني أصبت كتابا حسنا من بعض أهل الكتاب قال: فغضب وقال: أمتهوكون فيها يابن الخطاب: فوالذي نفسي بيده ! لقد جئتكم بها بيضاء نقية.
لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم به فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده ! لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني (3).
__________
(1) المصنف: 11 / 111 رقم الحديث 20062 وورد هذا الحديث أيضا بهذا اللفظ في مصنف عبد الرزاق في: 6 / 112 - 113 والحديث برقم 10163 إلا أنه زاد في آخره: فلا يهلكنكم المتهوكون.
(2) تحفة الاشراف: 13 / 254 رقم الحديث 18908 تحقيق عبد الصمد شرف الدين نشر المكتب الاسلامي بيروت.
(3) المصنف في الحديث والآثار: 9 / 47 رقم الحديث 6472 ط بومباي - الهند وأخرج هذا الحديث بهذا اللفظ علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد: 1 / 174 ط 2 بالقاهرة عام 1967 م.
(*)(1/56)
7 - قال العلامة محمد بن سليمان المغربي: أبو الدرداء: جاء عمر بجوامع من التوراة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق.
فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن زيد الذ الأذان: أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر: رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما.
فسرى عنه صلى الله عليه وسلم وقال: والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم تبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا.
أنتم حظي من الامم، وأنا حظكم من النبيين (1).
8 - أخرج الخطيب البغدادي، عن عبد الله بن ثابت الانصاري أنه قال: جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جوامع من التوراة فقال: مررت على أخ لي من قريضة فكتب لي جوامع من التوراة أفلا اعرضها عليك ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر.
رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم - " والذي نفسي بيده لو أن موسى أصبح فيكم ثم اتبعتموه، وتركتموني لضللتم ! أنتم حظي من الامم، وأنا حظكم من النبيين ! ".
وكذا رواه ورقاء عن محمد عن جابر عن الشعبي (2).
9 - أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي عن جابر أنه قال: نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال رجل من
__________
(1) جمع الفوائد من جامع الاصول ومجمع الزوائد: 1 / 42 رقم الحديث 150 ط مؤسسة علوم
القرآن بيروت.
(2) الاسماء المبهمة في الانباء المحكمة ص 188 - 189 ط مكتبة الخانجي بمصر عام 1984 م.
(*)(1/57)
الانصار: ويحك يابن الخطاب ؟ ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم...الحديث (1).
10 - عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب (رض) أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال أمتهوكون فيها يابن الخطاب...الحديث (2).
11 - أخرج أبو نعيم الاصبهاني، عن جابر، عن عمر بن الخطاب (رض).
أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي كتاب أصبته من بعض أهل الكتاب.
فقال: " والذي نفس محمد بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني " (3).
عمر وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم 1 - أخرج البخاري عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة (رض) زوج النبي صلى الله عيله وسلم قالت: كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: - إحجب نساءك -.
قالت: فلم يفعل.
وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن ليلا إلى ليل قبل المناصع.
خرجت سورة بنت زمعة - وكانت امرأة طويلة - فلما رآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس فقال:
__________
(1) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 1 / 174.
(2) المصدر السابق: 8 / 262.
(3) دلائل النبوة: 1 / 50 نشر مكتبة التراث الاسلامي حلب عام 1970 م.
(*)(1/58)
عرفتك يا سودة (1): 2 - أخرج البخاري عن عائشة إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع - وهو صعيد افيح - فكان عمر يقول للنبي: احجب نساءك.
فلم يكن رسول الله يفعل.
فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم من الليالي عشاء - وكانت امرأة طويلة - فناداها عمر قد عرفناك يا سودة (2)...عمر وابو هريرة: أخرج مسلم عن أبي هريرة أنه قال:..فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابو هريرة فقلت: نعم يارسول الله.
قال: ما شأنك ؟ قلت: كنت بين اظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي.
فقال يا أبا هريرة: وأعطاني نعليه، قال: إذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة.
فكان أول من لقيت عمر.
فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة.
فقلت: هاتان النعلان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثني بهما
من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة.
فضرب عمر
__________
(1) صحيح البخاري: 4 / 61.
(2) صحيح البخاري: 1 / 28 - 40 باب خروج النساء ط مصر عام 1932 م.
(*)(1/59)
بيده بين ثديي فخررت لاستي.
فقال: ارجع يا أبا هريرة.
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجهشت بكاء، وركبني عمر فإذا هو على أثري.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك يا أبا هريرة.
قلت ؟: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي قال: ارجع.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟ قال: يارسول الله، بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة.
قال: نعم.
قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلهم (1).
عمر وصفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم أخرج الهيثمي عن ابن عباس أنه قال: توفى ابن لصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت عليه، وصاحت.
فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: يا عمة ما يبكيك ؟ قالت: توفي إبني قال: يا عمة.
من توفي له ولد في الاسلام فصبر بنى الله له
بيتا في الجنة فسكتت.
ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال: يا صفية قد سمعت صراخك.
إن قرابتك
__________
(1) صحيح مسلم: 1 / 44 - 45 (باب من لقي الله تعالى بالايمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار).
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 103، الرياض النضرة: 1 / 334.
(*)(1/60)
من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغني عنك من الله شيئا فبكت.
فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان يكرمها، ويحبها.
فقال: يا عمة أتبكين.
وقد قلت لك ما قلت.
قالت: ليس ذلك أبكاني يارسول الله.
إستقبلني عمر بن الخطاب فقال: إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئا.
قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا بلال هجر بالصلاة.
فهجر بلال بالصلاة فصعد المنبر النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال قوم يزعمون أن قرابتي لا تنفع.
كل سبب، ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فإنه موصولة في الدنيا والآخرة (1).
رده على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السيد أحمد بن زيني بن دحلان: وجعل [ عمر ] يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام، حتى قال له أبو عبيده بن الجراح (رض): الا تسمع يابن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، ما يقول، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر: إني رضيت، وتأبى أنت الحديث (2).
نداؤه للرسول: أخرج مسلم بن حجاج القشيري، عن ابن شهاب، عن عروة بن
__________
(1) مجمع الزوائد: 8 / 216.
(2) السيرة الحلبية: 3 / 19.
(*)(1/61)
الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: اعتم (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي بصلاة العشاء.
وهي التي تدعى العتمة.
فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال عمر بن الخطاب: نام النساء، والصبيان (2).
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لاهل المسجد حين خرج عليهم " ما ينتظرها أحد من أهل الارض غيركم "...قال ابن شهاب: وذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وما كان لكم أن تنزروا (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة.
وذلك حين صاح عمر بن الخطاب (4).
ما اعترضه على النبي في مرضه: قال أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني: فأول تنازع وقع في مرضه عليه الصلاة والسلام فيما رواه الامام أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري باسناده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: " لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه قال: " ائتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده " فقال عمر (رض):
" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله "
__________
(1) أعتم: أخرها حتى اشتدت عتمة الليل، وهي ظلمته.
(2) نام النساء والصبيان، أي من ينتظر الصلاة منهم في المسجد.
(3) أن تنزروا: أي لا تلحوا عليه.
من هامش صحيح مسلم كتاب المساجد: 441 / 442.
(4) صحيح مسلم: 1 / 441 - 442.
(*)(1/62)
وكثر اللغط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع ".
قال ابن عباس: الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
1 - أخرج البخاري، عن ابن عباس أنه قال: لما اشتد بالنبي وجعه قال: ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده.
قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا.
فاختلفوا وكثر اللغط قال: قوموا عني، ولا ينبغي عند نبي تنازع.
فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه (2).
2 - أخرج البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال فيهم عمر ابن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده.
فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن.
حسبنا كتاب الله،
فاختلف أهل البيت فاختصموا.
منهم من يقول: ما قال عمر.
فلما أكثروا اللغوا والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا.
قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول: إن الرزية، كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
__________
(1) الملل والنحل: 1 / 22 ط مصر.
(2) صحيح البخاري: 1 / 32 - 33 باب كتاب العلم.
(*)(1/63)
أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (1).
3 - اخرج البخاري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس ثم بكي حتى خضب (2) دمعه الحصباء فقال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال: إئتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا.
فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: هجر (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (4).
المؤلف: وقال الامام أحمد في مسنده في آخر هذا الحديث فقالوا ما شأنه هجر.
قال سفيان يعني: هذى، استفهموه، فذهبوا يعيدون عليه فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه..4 - أخرج الامام أحمد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس ثم نظرت إلى دموعه على خديه تحدر
كأنها نظام اللؤلؤ، قال:
__________
(1) صحيح البخاري مشكول بحاشية السندي: 4 / 7 كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني وباب كراهية الخلاف: 4 / 271.
(2) وفي صحيح مسلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: 3 / 1257 حتى بل دمعه الحصى.
(3) قال الفيومي: هجر المريض في كلامة هجرا خلط، وهذى والهجر بالضم: الفحش.
مصباح المنير: ص 634.
وقال سبط ابن الجوزي: ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل وفاته بيسير إئتوني بدواة وبياض لاكتب لكم كتابا لا تختلفوا فيه بعدي فقال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر.
تذكرة الخواص: ص 65.
(4) صحيح البخاري: 2 / 178 بحاشية السندي صحيح البخاري: 6 / 9 باب مرض النبي، صحيح مسلم: 11 / 89 - 93 بشرح النووي، مسند أحمد: 1 / 222.
(*)(1/64)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أئتوني باللوح والدواة، أو الكتف اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فقالوا: رسول الله يهجر (1).
5 - أخرج مسلم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس ! ثم جعل تسيل دموعه.
حتى رأيت على خديه نظام اللؤلؤ.
قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم " أئتوني بالكتف والدواة (أو اللوح والدواة) (2) اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر (3).
6 - أخرج ابن سعد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان يقول: يوم الخميس، وما يوم الخميس قال: وكأني أنظر إلى دموع
ابن عباس على خده كأنها نظام اللؤلؤ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أئتوني بالكتف والدواة، اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا قال: فقالوا: إنما يهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
7 - أخرج ابن سعد عن ابن عباس أنه قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخميس فجعل يعني ابن عباس يبكي ويقول: يوم الخميس، وما يوم الخميس اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: أئتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا قال: فقال بعض من كان عنده:
__________
(1) مسند أحمد: 1 / 355.
(2) أو اللوح والدواة قال في المصباح: اللوح كل صفيحة من خشب، وكتف، إذا كتب عليه سمى لوحا.
والدواة هي التي يكتب فيها، عن هامش صحيح مسلم: 3 / 1259.
(3) صحيح مسلم: 3 / 1259 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
(4) الطبقات: 2 / 37.
(*)(1/65)
إن نبي الله ليهجر، قال: فقيل له: ألا نأتيك بما طلبت ؟ قال: أو بعد ما قال ؟ ! فلم يدع به (1).
8 - أخرج الامام أحمد، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده (2) قال: فخالف عليها عمر ابن الخطاب حتى رفضها (3).
وقال ابن الاثير: الهجر: بالضم هو الخنا والقبيح من القول، ولا تقولوا هجر: أي
فحشا.
وهجر يهجر هجرا بالفتح إذا اختلط في كلامه، وإذا هذى...ومنه حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ما شأنه أهجر...والقائل كان عمر (4).
ذكر ابن أبي الحديد نص كلام عمر وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يذكره للامر في مرضه فصددته عنه الخ (5).
* * *
__________
(1) الطبقات: 2 / 36.
(2) قال السندي في تعليقه على صحيح البخاري: قوله: لا تضلوا بعده جواب ثان للامر فمعناه: أنكم لا تضلون بعد الكتاب إن أتيتم به وكتبت لكم...صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 22.
(3) مسند أحمد: 3 / 346، الطبقات لابن سعيد: 2 / 36.
(4) النهاية في غريب الحديث والاثر: 5 / 245 - 446 ط مصر.
(5) شرح نهج البلاغة: 3 / 114.
(*)(1/66)
مصادر اعتراضه على الرسول في أكثر من مورد(1/67)
قال ابن أبي الحديد: قال النقيب: ومما جرأ عمر على بيعة أبي بكر، والعدول عن علي ما كان يسمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره.
أنه أنكر مرارا على الرسول صلى الله عليه وسلم امورا...من الامور التي كان يرى فيها المصلحة مما هي
خلاف النص وذلك نحو إنكاره: في الصلاة على عبد الله بن ابي المنافق، وإنكاره: وفد أسارى بدر، وإنكاره عليه: تبرج نسائه للناس، وإنكاره: قضية الحديبية، وإنكاره: أمان العباس لابي سفيان بن حرب، وإنكاره: واقعة أبي حذيفة بن عتبة، وإنكاره: أمره بالنداء من قال لا اله إلا الله دخل الجنة، وإنكاره أمره: بذبح النواضح.
وإنكاره: على النساء بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هيبتهن له دون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من امور كثيرة تشتمل عليها كتب الحديث، ولو لم يكن إلا إنكاره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ائتوني بدواة وكتف اكتب لكم ما لا تضلون بعدي، وقوله ما قال، وسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه.
وأعجب الاشياء أنه قال ذلك اليوم: حسبنا كتاب الله فافترق الحاضرون من المسلمين في الدار فبعضهم يقول القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول القول ما قال عمر فقال رسول وقد كثر اللغط، وعلت الاصوات: قوموا عني فما ينبغي لنبي أن يكون عنده هذا التنازع.
فهل بقي للنبوة مزية، أو فضل ؟ !...فمن بلغت قوته، وهمته إلى هذا كيف ينكر منه أن يبايع أبا بكر لمصلحة رآها، ويعدل عن النص، ومن الذي كان ينكر عليه ذلك، وهو في القول الذي قاله للرسول صلى الله عليه وسلم في وجهه غير خائف من الانصار ولا ينكر عليه أحد...وهو أشد من مخالفته النص في الخلافة وأفضع، وأشنع (1).
__________
(1) شرح نهج البلاغة: 3 / 117 - 118.
(*)(1/69)
ذكر المتقي الهندي حديثا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت في البيت شيئا يرد البصر إلا اهبة ثلاثة فقلت: ادع الله يارسول الله أن يوسع على امتك، فقد وسع الله على فارس، والروم، وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا، ثم قال: أفي شك أنت يا بن الخطاب ؟ اولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا...(1).
1 - وقال محمد بن عمر بن واقد:...فكان ابن عباس رضى الله عنه يقول: قال لي في خلافته [ يعني عمر ] وذكر القضية: إرتبت ارتيابا لم أرتبه منذ أسلمت إلا يومئذ، ولو وجدت ذاك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة عن القضية لخرجت.
ثم قال الواقدي: 2 - قال أبو سعيد الخدري: جلست عند عمر بن الخطاب (رض) يوما فذكر القضية فقال: دخلني يومئذ من الشك، وراجعت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ مراجعة ما رجعته مثلها قط...فينبغي للعباد أن يتهموا الرأي، والله دخلني من الشك (2) حتى قلت في نفسي: لو كنا مائة رجل على مثل رأي ما دخلنا فيه أبدا !...وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشكون في الفتح لرؤيا رسول صلى الله عليه وسلم أنه حلق رأسه، وأنه دخل البيت، فأخذ
__________
(1) كنز العمال: 2 / 527.
(2) أي بنبوة محمد رسول الله كما سيأتي.
(*)(1/70)
مفتاح الكعبة، وعرف مع المعرفين ! فلما رأوا الصلح دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون (1).
3 - قال الشيخ عبد الرحمن السيوطي في تفسير سورة الفتح: فقال عمر بن الخطاب: ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ (2) فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله (3) ؟ قال: بلى.
فقلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل ؟ قال: بلى.
قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن ؟ قال إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري.
قلت: أو ليس كنت تحدثنا: أنا سنأتي البيت، ونطوف به.
قال: بلى أفأخبرتك أنك تأتيه العام قلت: لا قال: إنك آتيه ومطوف به.
فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر: أليس هذا نبي الله ؟ قال: بلى.
قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل، قال: بلى.
قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن.
قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه (4) تفز حتى تموت.
فوالله إنه لعلى الحق.
__________
كتاب المغازي: 2 / 607.
(2) يقصد شكه بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3) جاء في تاريخ الاسلام السياسي للاستاذ حسن ابراهيم حسن: 1 / 246: ألست رسول الله ؟ وألسنا مسلمين وعلام نعطي الدنية...(4) قال ابن الاثير: ومنه حديث أبي بكر أنه قال لعمر: إستمسك بغرزه، أي اعتلق به، وأمسكه، واتبع قوله وفعله، ولا تخالفه.
النهاية: 3 / 359.
(*)(1/71)
قلت: أو ليس كان يحدثنا: أنا سنأتي البيت، ونطوف به.
قال: بلى.
أفأخبرك أنك تأتيه العام.
قلت: لا.
قال: فإنك آتيه، ومطوف به.
قال عمر: فعملت لذلك أعمالا (1).
وقال ابن ابي الحديد: قول عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: " ألم تقل لنا ستدخلونها ؟ " في ألفاط نكره حكايتها حتى شكاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر، وحتى قال له أبو بكر: إلزم بغرزه فوالله أنه رسول الله (شرح نهج البلاغة: 1 / 61 الطبعة الاولى بمصر).
وقال الديار بكري صاحب التاريخ: وفي معالم التنزيل قال: يرحم الله للمحلقين.
قالوا: والمقصرين يارسول الله.
قال: اللهم اغفر للمحلقين.
قالوا: والمقصرين يارسول الله قال: الهم اغفر للمحلقين.
قالوا: والمقصرين.
وفي الثالثة، أو الرابعة، قال والمقصرين.
لانهم لم يشكو (2).
4 - أخرج ابن سعد عن بريد بن أبي مريم، عن أبيه مالك بن ربيعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اغفر للمحلقين.
فقال رجل: وللمقصرين.
فقال في الثالثة، أو الرابعة.
وللمقصرين قال: وأنا محلوق يومئذ فما سرني حمر النعم، أو خطر
عظيم.
__________
(1) انظر: تفسير الدر المنثور: 6 / 77 - عمر بن الخطاب للاستاذ عبد الكريم الخطيب ص 63، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 43.
(2) تاريخ الخميس: 2 / 23، مسند أحمد: 3 / 89، تاريخ الطبري: حوادث السنة السادسة، تفسير الخازن: 4 / 157.
(*)(1/72)
5 - أخرج ابن سعد عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أصحابه حلقوا رؤسهم، عام الحديبية غير عثمان بن عفان، وأبي قتادة الانصاري فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات، وللمقصرين مرة.
6 - وأخرج ابن سعد عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم الحديبية فرأى رجلا من أصحابه قد قصروا فقال: يغفر الله للمحلقين.
قالوا يا رسول الله: وللمقصرين قال ذلك ثلاثا: وأجابوه بمثل ذلك فقال عند الرابعة: وللمقصرين (1).
* * * بقية: مصادر اعتراضه على الرسول في الصلاة على عبد الله ابن ابي المنافق: صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 163 - 3 / 137 - 4 / 25.
صحيح مسلم: 4 / 2141 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 3 / 865.
كنز العمال للمتقي الهندي: 2 / 418 - 419.
__________
(1) الطبقات: 2 / 75.
(*)(1/73)
اسباب النزول للواحدي: ص 141.
مسند الامام أحمد بن حنبل: 1 / 16.
سنن ابن ماجة القزويني: 1 / 487 - 488.
سنن أحمد بن شعيب النسائي: 4 / 67 - 68.
حلية الاولياء لابي نعيم: 1 / 43 - 44.
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 107 - 108.
السنن الكبرى للبيهقي: 3 / 402.
السيرة النبوية لابن هشام: 4 / 197.
الرياض النضرة للمحب الطبري: 1 / 294.
بقية مصادر اعتراضه على الرسول صلى الله عليه وسلم بتبرج نسائه: صحيح البخاري مشكول: 4 / 61.
تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 3 / 860.
الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: 1 / 21.
بقية مصادر اعتراضه على الرسول بقضية الحديبية.
شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 1 / 61.
تاريخ الطبري: 2 / 78 - 79.
الرياض النضرة: 1 / 372.
عمر بن الخطاب للاستاذ عبد الكريم الخطيب ص 63.
تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 43.
السيرة النبوية لابن هشام: 3 / 331.
الامام علي بن ابي طالب عبد الفتاح عبد المقصود: 1 / 165.
تفسير الخازن: 4 / 157.
تفسير ابن كثير: 4 / 196.(1/74)
السيرة الحلبية: 3 / 19.
الملل والنحل للشهرستاني: 1 / 57.
صحيح البخاري مشكول: 3 / 190.
عيون الاثر: 2 / 119.
بقية مصادر: اعتراضه على قول الرسول صلى الله عليه وآله في مرضه.
إيتوني بدواة وكتف اكتب لكم كتابا وقول عمر: حسبنا: كتاب الله.
صحيح البخاري: 1 / 32 - 33 باب كتاب العلم.
مسند أحمد بن حنبل: 1 / 324 - 326.
صحيح البخاري بحاشية السندي: 3 / 91 باب مرض النبي.
منتخب كنز العمال: 3 / 114.
تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 65.
وصية النبي صلى الله عليه وسلم:
أخرج المتقي الهندي عن عمر بن الخطاب أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وبيننا، وبين النسوة حجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوني بسبع قرب، وأتوني بصحيفة، ودواة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا.
فقال النسوة: إئتوا رسول صلى الله عليه وسلم بحاجته.
فقلت: اسكتن فإنكن صواحبه، إذا مرض عصرتن أعينكن، فإذا صح أخذتن بعنقه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هن خير منكم (1).
__________
(1) منتخب كنز العمال: 3 / 114.
(*)(1/75)
أخبار السقيفة(1/77)
إبعاد الامام علي من توليه للحكم: قال الاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود: ولقد اجتمعت طوائف من المسلمين فرقا تتشاور.
فاجتمع عمر بمسجد المدينة، يشاور أبا عبيدة بن الجراح.
واجتمع سعد بن عبادة بسقيفة بني ساعدة يشاور الاوس، والخزرج.
واجتمعت هنا أو هناك زمر تتحدث وهي لا تقطع برأى ثم ظل آل محمد...مشغولين بالجثمان (1)...لو أنصف الناس حق الانصاف لارجأوا البيعة حتى يتم لهم مواراة جثمان الرسول كان هذا أدنى إلى الصواب، إن لم يكن هو الصواب أن يتريث
القوم من المهاجرين والانصار لا يتنازعون سلطان محمد بينهم، ومحمد ما زال مسجى على فراشه لم يغيبه عن عيونهم مثواه...(2).
أتم علي جهاز الرسول بعد أن أتم غسله ووضع الجثمان الطاهر على فراشه، على شقة القبر في الحجرة النبوية، ثم بدأ هو بالصلاة وخلفه الرجال من آله حتى إذا فرغوا أدخل النساء (3)...ولعل أقسى محنة اجتازتها نفس بشرية كانت تلك الايام ألمت بعلي إذ وقف جوف ذلك الليل على حافة قبر الرسول بعد أن وسد الجثمان الكريم مرقده وخرج من القبر ليهيلوا التراب (4)...وقف علي إلى جوار القبر، شاخص العين، لا يطرف له هدب، ولا يهدأ
__________
(1) الامام علي بن أبي طالب: 1 / 154.
(2) الامام علي بن أبي طالب: 1 / 207.
(3) الامام علي بن أبي طالب: 1 / 200.
(4) الامام علي بن أبي طالب: 1 / 202.
(*)(1/78)
قلب، ولا يثوب لب، كالرائى وليس براء...حتى تعود به إلى انتباه أصوات المساحي تنطلق في جوف الليل، وهي تهيل التراب على المثوى، كأنها تعلن عن دفن محمد، وتخبر الناس أن شخصه الحبيب أصبح الآن من كيان الماضي عصيا على العيون، والآذان، حيا في الخواطر، والاذهان...طواه القبر، وإن نشره الذكر ومضى جسما ثابت إلى علي نفسه هنيهة.
ثم أكب على القبر بوجهه يرويه بماء عينيه.
وازدخرت في صدره لواعج حزنه، وثكله فود لو استطاع أن ينفس عنها بلسان لم يخنه قبل لحظته هذه في مقام.
ولكن بيانه المستفيض نبا عنه فيضه، ولم يخلف سوى كليمات قصار ندت عن شفتيه كمثل تردد أنفاس
الذي يعاني الاحتضار: " إن الصبر لجميل، إلا عنك يا رسول الله.
وإن اجزع لقبيح، إلا عليك.
وان المصاب بك لجليل.
وإنه قبلك، وبعدك لجلل...".
ثم قوم عوده وسار متمهلا..(1).
ثم قال الاستاذ عبد الفتاح: المبدأ الذي التزمته قريش في اختيار خلفاء رسول الله كان خروجها دائما على أهل رسول الله.
ونزعها حقهم من أيديهم..هذه حقيقة أيدتها دائما وقائع الحال كانت في البدء يحجبها - حديثا - في حلوق أصحابها ستار، وإن بدت في الافعال، ثم أخذت على الايام تخرج من نطاق الاسرار إلى المهاجرة والكلام (2)...إنكار عمر لوفاة رسول الله: 1 - أخرج أبو جعفر الطبري، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن
__________
الامام علي بن أبي طالب: 1 / 203.
(2) الامام علي بن أبي طالب: 1 / 154.
(*)(1/79)
أبي هريرة أنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فقال: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي، وإن رسول الله، والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليله ثم رجع بعد أن قيل قد مات.
والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال، وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات.
قال: وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه
الخبر، وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شئ حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، ورسول الله مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة فأقبل حتى كشف عن وجهه ثم أقبل عليه فقبله، ثم قال: بأبي أنت وأمي.
أما الموتة الاولى فقد ذقتها ثم لن يصيبك بعدها موتة أبدا.
ثم رد الثوب على وجهه ثم خرج وعمر يكلم الناس فقال: على رسلك يا عمر فأنصت فأبي إلا أن يتكلم فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه، وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } إلى آخر الآية.
قال: فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تلاها أبو بكر يومئذ.
قال: وأخذ الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم.
قال عمر: والله ما سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت (1)...
__________
(1) تاريخ الامم والملوك: 3 / 197 - 198، تفسير روح المعاني للالوسي: 4 / 74، الامام علي عبد الفتاح عبد المقصود: 1 / 153 الطبعة الاولى بمصر نشر مكتبة مصر بالفجالة.
(*)(1/80)
2 - أورد الامام أحمد حديث أنس يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقال:...فقال عمر فقال: إن رسول الله لم يمت، ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى فمكث عن قومه أربعين ليلة، والله إني لارجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين (1) وألسنتهم يزعمون، أو يقولون: إن رسول الله قد مات (2).
خالد محمد خالد: كان عمر يقول: ألا لا أسمع واحدا يقول: إن رسول الله مات إلا فلقت هامته بسيفي هذا.
وجاء أبو بكر: ص 90.
3 - قال ابن أبي الحديد: وروى جميع أصحاب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي كان ابو بكر بالسنح (3) فقام عمر بن الخطاب فقال: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال، وأرجلهم ممن أرجف بموته.
لا أسمع رجلا يقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ضربته بسيفي، فجاء أبو بكر، وكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بأبي أنت وامي طبت حيا، وميتا.
والله لا يذيقك الله الموتتين أبدا.
ثم خرج والناس حول عمر وهو يقول لهم: إنه لم يمت، ويحلف.
__________
(1) مناشدة عمر لحذيفة بن اليمانءأنا من المنافقين أوردها الشيخ محمود أبو رية في شيخ المضيرة ص 88.
(2) مسند الامام أحمد: 3 / 196 ط أولى، الامام علي عبد الفتاح عبد المقصود: 1 / 153.
(3) قال ابن الاثير: وفي حديث أبي بكر " كان منزله بالسنح " هي بضم السين والنون، وقيل بسكونها.
موضع بعوالي المدينة فيه منازل بني الحارث بن الخزرج.
النهاية في غريب الحديث: 2 / 407.
(*)(1/81)
فقال له أيها الحالف على رسلك ثم قال: من كان يعبد محمدا، فإن محمد قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله
حي لا يموت.
قال الله تعالى: { إنك ميت، وإنهم ميتون }.
وقال: { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم }.
قال عمر: فو الله ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الارض وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات (1).
وقال أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني: الخلاف الثالث في موته عليه الصلاة والسلام.
قال عمر بن الخطاب: من قال ان محمدا قد مات قتلته بسيفي هذا، وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى عليه السلام.
وقال أبو بكر بن أبي قحافة (رض): من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات.
ومن كان يعبد إله محمد فإن إله محمد حي لم يمت ولن يموت وقرأ قول الله سبحانه وتعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين } آل عمران: 143 فرجع القوم إلى قوله.
وقال عمر (رض): " كأني ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر " (2).
4 - أخرج البخاري عن سقيفة بني ساعدة، عن عمر أنه قال: فقلت لابي بكر، يا أبا بكر، إنطلق لالى اخواننا هؤلاء الانصار..وكنت
__________
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 128.
(2) الملل والنحل تحقيق محمد كيلاني: 1 / 23.
(*)(1/82)
قد زورت (1) مقالة أجبتني اريد أن اقدمها بين يدي أبي بكر ادارى منه بعض
الحد.
فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك.
فكرهت أن أغضبه (2).
5 - قال الشهرستاني: وقال عمر في حديث السقيفة: كنت ازور في نفسي كلاما في الطريق، فلما وصلنا إلى السقيفة أردت أن أتكلم فقال أبو بكر: مه يا عمر (3).
وكنت قد زورت في نفسي مقالة.
أقولها بين يدي أبي بكر، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك (4).
6 - قال الاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود: ونبدأ بموقف سعد بن عبادة، رأس الخزرج يوم السقيفة، لنرى كيف كانت صورته في سفر ابن جرير (5): تقول رواية مما أورد المؤرخ الكبير: "...فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطأون سعد ابن عبادة.
فقال الناس: من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطأوه !..فقال عمر: اقتلوه قتله الله !.." (6).
__________
(1) زور: زين الكذب، والشئ حسنه، وقومه.
القاموس المحيط: 2 / 42 ط مصر.
(2) صحيح البخاري: 4 / 122 باب رجم الحبلى من الزنا، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 67.
(3) الملل والنحل: 1 / 24 ط مصر (الخلاف الثاني في الامامة).
(4) الكامل في التاريخ: 2 / 327 ط بيروت، العقد الفريد: 5 / 11 ط بيروت تحقيق الدكتور عبد المجيد الترحيبي.
(5) هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وسفره هو: تاريخ الملوك والامم طبع لاول مرة بالمطبعة الحسينية المصرية بمصر والطبعة الثانية منه نشرته المكتبة التجارية بمصر والطبعة الثالثة دار المعارف بمصر بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم في عشر مجلدات.
(6) السقيفة والخلافة: ص 11.
(*)(1/83)
ماذا جرى في السقيفة ؟ 1 - قال الاستاذ عبد الكريم الخطيب.
ومع هذا فقد كان يوم السقيفة فلتة من فلتات الايام، كما قال بذلك كثير ممن شهده، أو علم بما جرى فيه من كبار الصحابة، والتابعين.
أما بعد أبي بكر، وقد بعد العهد شيئا بزمن النبوة وتدافعت في صدور الناس نزعات من العصبيات الجاهلية...فإن الخلاف في شأن الخلافة لن يأخذ صورة يوم السقيفة، ولن يقف عند حدود هذا اليوم.
بل سيكون خلافا عاصفا متسع الجوانب، مختلف الوجوه، إن سلم بها الانصار للمهاجرين فبحسب الخلاف شناعة، وسوء عاقبة أن يقع بين المهاجرين أنفسهم، وأن يتنازعوا " الخلافة " فيما بينهم، بيتا بيتا، وبطنا بطنا، وقبيلة قبيلة..إنهم لن يلتقوا أبدا إلا في ساحة الحرب، وميدان القتال (1).
2 - ذكر أبو جعفر الطبري في ضمن الحوار الذي جرى في السقيفة، عن عبد الرحمن قال: فقال ناس من أصحاب سعد، إتقوا سعدا لا تطؤه فقال عمر: اقتلوه (2) قتله الله.
ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك.
فأخذ سعد بلحية عمر فقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة...وقال سعد: لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها،
__________
(1) عمر بن الخطاب ص 72 - 73 ط مصر.
(2) قال ابن الاثير: وفي رواية: " إن عمر قال يوم السقيفة: اقتلوا سعدا قتله الله ".
ومنه حديث
السقيفة: " قتل الله سعدا فإنه صاحب فتنة وشر " أي دفع الله شره.
النهاية: 4 / 13.
(*)(1/84)
وسككها زئيرا يحجرك، وأصحابك.
وأما والله إذ الالحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع.
إحملوني من هذا المكان فحملوه، فأدخلوه في داره (1)..3 - قال ابن أبي الحديد: لما بايع اسيد، وحمل سعد بن عبادة.
وهو مريض فادخل إلى منزله فامتنع من البيعة في ذلك اليوم، وفيما بعده وأراد عمر أن يكرهه فأشير عليه أن لا يفعل...ثم لقى عمر في خلافته، وهو على فرس، وعمر على بعير فقال له عمر: هيهات يا سعد، فقال سعد: هيهات يا عمر.
فقال: أنت صاحب، من أنت صاحبه قال: نعم.
أنا ذاك، ثم قال لعمر: والله ما جاورني أحد هو أبغض إلي جوارا منك.
قال عمر: فإنه من كره جوار رجل تحول عنه (2).
اتفاق عمر وأبي بكر حول الخلافة: قال ابن قتيبة الدنيوري: (إباية علي كرم الله وجهه بيعة أبي بكر) ثم إن عليا كرم الله وجهه اتى به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله، واخو رسوله.
فقيل له: بايع أبا بكر، فقال: أنا أحق بهذا الامر منكم، لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الامر من الانصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ؟ ألستم زعمتم للانصار أنكم أولى بهذا الامر منهم لما كان محمد منكم،
__________
(1) تاريخ الطبري: 3 / 210.
(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 4.
(*)(1/85)
فاعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الامارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الانصار: نحن أولى برسول الله حيا، وميتا، فانصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع: فقال له علي: إحلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم أمره، يردده عليك غدا (1).
كيف كانت بيعة علي كرم الله وجهه: قال: إبن قتيبة: وان أبا بكر (رض) تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده.
لتخرجن أو لاحرقنها على من فيها، فقيل له يا أبا حفص: إن فيها فاطمة ؟ فقال: وإن.
فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج، ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضر منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقا.
فأتى عمر أبا بكر.
فقال: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟
فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له:
__________
(1) الامامة والسياسة 1 / 11.
(*)(1/86)
إذهب فادع لي عليا، قال: فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك ؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله.
فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلا.
فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.
فقال أبو بكر (رض) لقنفذ: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاء قنفذ، فأدى ما امر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان الله ؟ لقد ادعى ما ليس له، فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلا.
ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها، وبكاءها، إنصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، واكبادهم تتفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليا، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، فقال: إذا تقتلون عبد الله، وأخا رسوله.
قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما اخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم.
فقال له عمر:
ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال: لا اكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح، ويبكي، وينادي: يا ابن ام إن القوم استضعفوني، وكادوا يقتلونني.
فقال عمر لابي بكر(1/87)
إنطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعا، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدوا عندها، حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لاحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقي بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك، وأمنعك حقك، وميراثك من رسول الله.
إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا: نعم.
فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة إبنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا: نعم.
سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فإني اشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني، وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لاشكونكما إليه...(1).
* * *
__________
(1) الامامة والسياسة: 1 / 19 - 20 تحقيق طه الزيني - إمام المتقين: 1 / 70 للاستاذ عبد الرحمن الشرقاوي.
(*)(1/88)
استخلافه(1/89)
إستخلافه: وصية أبي بكر في استخلاف عمر قال أبو جعفر الطبري: وقال الواقدي: حدثني ابراهيم بن أبي النصر، عن محمد بن ابراهيم بن الحارث قال: دعا أبو بكر عثمان خاليا فقال له أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين.
أما بعد فإني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ولم الكم خيرا.
ثم أفاق أبو بكر فقال: إقرأ علي فقرأ عليه فكبر أبو بكر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن افتلتت نفسي في غشيتي قال: نعم.
قال: جزاك الله خيرا عن الاسلام وأهله.
وأقر أبو بكر (رض) من هذا الموضع (1).
وقال ابن قتيبة: [ قال أبو بكر ]: ثم دعا عثمان بن عفان فقال: اكتب عهدي فكتب عثمان، وأملى عليه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده في الدنيا، نازحا عنها، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها:
إني استخلفت عليكم: عمر بن الخطاب فلان تروه عدلا فيكم، فذلك ظني به، ورجائي فيه، وإن بدل، وغير فالخير أردت، ولا أعلم الغيب، { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }.
ثم ختم الكتاب، ودفعه (2).
__________
(1) تاريخ الطبري: 3 / 52.
(2) الامامة والسياسة: 1 / 19.
(*)(1/90)
نص وصية أبي بكر في استخلاف عمر بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوفق المرتاب الفاجر، ويصدق الشاك المكذب: إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب.
فاسمعوا له، وأطيعوا.
فإني لم آل الله ورسوله، ودينه، ونفسي، وإياكم خيرا، فإن عدل فذاك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، " وما يعلم الغيب إلا الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم أمر الكتاب فختم (1).
وقال الديار بكري:..فلما أيس [ أبو بكر ] من حياته، دعا عثمان، وأملى عليه كتاب العهد لعمر فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا عنها، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها، حين يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر أني إستخلفت.
وفي الاكتفاء: ولما انتهى أبو بكر إلى هذا الموضع، ورهقته غشية.
فكتب عثمان: وقد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فأمسك حتى أفاق أبو بكر
أكتبت شيئا ؟ قال: نعم.
كتبت عمر بن الخطاب.
قال: رحمك الله.
أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا.
فاكتب عمر بن الخطاب فإن عدل فذلك ظني به، ورأيي فيه، وذك أردت، وما توفيقي إلا بالله، وإن بدل فلكل
__________
(1) مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي: ص 393 - 394، تاريخ الاسلام السياسي: 1 / 212 (*)(1/91)
نفس ما كسبت، والخير أردت.
ولا علم لي بالغيب.
وفي رواية: ما أردت إلا الخير، ولا يعلم الغيب إلا الله " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " (1).
وقال ابن قتيبة: ثم ختم الكتاب ودفعه (2) فدخل عليه المهاجرون، والانصار حين بلغهم أنه استخلف عمر، فقالوا: نراك استخلفت علينا عمر، وقد عرفته، وعلمت بوائقه فينا (3) وأنت بين أظهرنا، فكيف إذا وليت عنا، وأنت لاق الله عزوجل فسألك، فما أنت قائل ؟ فقال أبو بكر: لئن سألني الله لاقولن: استخلفت عليهم خيرهم في نفسي (4).
وقال الديار بكري: وفي رواية قال لهم: أترضون بخلافة خليفة أعينه لكم، والله ما اعين لكم أحدا من أقربائي قالوا: قد رضينا من اخترت لنا فقال: قد اخترت لكم عمر.
فقال طلحة، والزبير: ما كنت قائلا لربك إذا وليته مع غلظته.
__________
(1) تاريخ الخميس: 1 / 241، عمر بن الخطاب ص 75.
(2) المراد من الكتاب هو كتاب عهد أبي بكر إلى عمر بن الخطاب (رض).
(3) قال ابن الاثير: فيه [ أي وفي الحديث ] " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " أي غوائله، وشروره.
النهاية في غريب الحديث: 1 / 162.
وقال محمد محي الدين عبد الحميد: أي ظلمه، وغشمه.
وقال الكسائي: غوائله وشره.
مختار الصحاح ص 50.
(4) الامامة والسياسة: 1 / 19.
(*)(1/92)
(وفي رواية): قال طلحة: أتولي علينا فظا غليظا، ما تقول لربك إذا لقيته (1).
وقال ابن قتيبة: وكان أهل الشام قد بلغهم مرض أبي بكر، واستبطؤ الخبر فقالوا: إنا لنخاف أن يكون خليفة رسول الله قد مات، وولى بعده عمر، فإن كان عمر هو الوالي فليس لنا بصاحب، وإنا لنرى خلعه (2).
وقال الشيخ عبد الله العلايلي: والذي نعلم من أمر الخلافة، أن المبايعة شرط ضروري فيها فهي إذن قائمة على الانتخاب، وأن الخلفاء الاربعة ليسوا من اسرة واحدة فهي إذن لا وراثية، ووجدت بينهم طبقة دعيت بأهل الحل، والعقد، ويظهر من اسمها أنها كانت ذات نفوذ كبير في الشؤون كافة، مما يجعلنا ننظر إليها كطبقة برلمانية.
فالخلافة من هذه الناحية ديموقراطية لها شكل الملكية، وديموقراطيتها كانت غير مباشرة أو نيابية بعبارة أكثر مجازية.
فإن طبقة أهل الحل والعقد كثيرة الشبه بطبقة النواب، لانهم كانوا موضع الثقة من الطبقات الاسلامية كلها (3).
المستنكرون على أبي بكر لاستخلافه عمر 1 - أخرج ابن سعد، عن عائشة أنها قالت: لما حضرت أبا بكر الوفاة، استخلف عمر فدخل عليه علي، وطلحة، فقالا: من استخلفت ؟ قال: عمر.
__________
(1) تاريخ الخميس: 1 / 241.
(2) الامامة والسياسة 1 / 20.
(3) الامام الحسين: ص 226.
(*)(1/93)
قالا: فماذا أنت قائل لربك ؟ قال: أبا لله تفرقاني.
لانا أعلم بالله، وعمر، منكما.
أقول: استخلفت عليهم خير أهلك (1).
المؤلف: وأخرج هذا الحديث الشيخ جلال الدين السيوطي مع اختلاف في اللفظ (2).
2 - عن اسماء بنت عميس، قالت: دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو يشتكي في مرضه فقال له: أتستخلف علينا عمر، وقد عتا علينا، ولا سلطان له، فكيف لو ملكنا كان أعتى، وأعتى، فكيف تقول لله إذا لقيته.
فقال أبو بكر: أجلسوني، فلما أجلسوه قال: أنا لله تعرفوني، فإني، أقول إذا لقيته: إستخلفت عليهم خير أهلك (3).
3 - أخرج ابو جعفر الطبري: عن اسماء ابنة عميس أنها قالت: دخل طلحة بن عبيدالله على أبي بكر فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقي الناس منه، وأنت معه فكيف إذا خلا بهم، وأنت لاق ربك، فسائلك عن رعيتك.
فقال أبو بكر: - وكان مضطجعا - أجلسوني، فأجلسوه فقال لطلحة: أبالله تفرقني أو: أبالله تخوفني إذا لقيت الله ربي فسألني قلت: استخلفت على أهلك، خير أهلك (4) (5).
4 - قال ابن أبي الحديد:
__________
(1) الطبقات: 3 / 196 عمر بن الخطاب للاستاذ عبد الكريم الخطيب ص 75.
(2) تاريخ الخلفاء: ص 120 مطبعة السعادة بمصر.
(3) الشرف المؤبد لال محمد: ص 123.
(4) وزاد السيوطي في تاريخ الخلفاء: أبلغ عني ما قلت من وراءك.
- المؤلف -.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 54، تاريخ الخلفاء: ص 82.
(*)(1/94)
..ودخل طلحة بن عبيدالله على أبي بكر فقال: إنه بلغني أنك يا خليفة رسول الله استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقي الناس منه، وأنت معه فكيف وأنت إذا خلا بهم، وأنت غدا لاق ربك فيسألك عن رعيتك فقال أبو بكر: أجلسوني.
ثم قال: أبا لله تخوفني.
إذا لقيت ربي فسألني قلت: استخلفت عليهم خير أهلك.
فقال طلحة: أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله ؟ (1)..وقال الديار بكري: وفي رواية قال طلحة لابي بكر: أتولي علينا فظا غليظا ما تقول ربك إذا لقيته (2).
بيعة عمر قال إبن سعد: توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادي الآخرة من السنة الثالثة، فاستقبل عمر الخلافة يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي
بكر (3).
وقال الشيخ مؤمن الشبلنجي: بويع [ لعمر ] بعد موت أبي بكر (رض) لثمان بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة (4).
كلامه بعد البيعة: روى الديار بكري، عن جامع بن شداد، عن أبيه، أنه قال: كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن قال:
__________
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 55.
(2) تاريخ الخميس: 2 / 241.
(3) الطبقات: 2 / 196، تاريخ الخمس: 2 / 241 صفة الصفوة 1 / 280.
(4) نور الابصار ص 69.
(*)(1/95)
اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني (1).
وقال الاستاذ عبد الكريم الخطيب: وبايع المسلمون عمر بالخلافة بين راض، ومتكره، ومطمئن، ومتخوف، وجميعهم ينظرون ما يكون من عمر في يوم الجديد.
وهل يحمل الناس على سياسته العمرية التي عرفوها فيه ؟ أم يحمله الناس على ما ألفوا من لين أبي بكر ورقته ؟ وأيا كان الامر فإنه بعد أن تمت البيعة لعمر طاف بالناس طائف من الوجوم، والانكسار، وخيم على المدينة جو من الركود، والسئآمة، لا يدري الناس ما يطلع به عليهم عمر من أمور ! !..صعد المنبر - لاول مرة بعد الخلافة - فجلس حيث كان أبو بكر يجلس ؟ قال: حسبي أن يكون مجلسي حيث كانت تكون قدما أبي بكر ؟ ! (2).
تقسيماته واعطياته: قال الاستاذ عبد الله العلائلي: وكان العمل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر جاريا على التسوية العامة إلا أن عمر رأى - وخالفه علي (3) - أن لا يجعل من قاتل رسول الله رسول الله كمن قاتل معه، فجعل الامتياز بحسب السابقة، فالذي قاتل يوم بدر يفضل من قاتل في فتوح العراق، والشام، ومن هنا حدث التفاوت الملموس في الاعطيات، وتشكل في طبقات، ومراتب فطائفة تأخذ عطاء كبيرا، وأخرى عطاء متوسطا، والاكثرية يأخذون عطاء ضئيلا.
وكانت الطبقات على هذه
__________
(1) تاريخ الخميس: 2 / 241 (2) عمر بن الخطاب: ص 76 - 77.
(3) راجع كتاب: الاحكام السلطانية للماوردي: ص 177.
(*)(1/96)
الشاكلة.
1 - زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأقرب الناس إليه في حياته، ولهم بضعة الآلاف من الدنانير سنويا.
2 - كبار المهاجرين.
كبار الانصار.
من اشترك في الغزوات حسب أهميتها.
كل من جاء من البادية واشترك في الحرب.
هذا التنظيم المالي أوجد تمايزا كبيرا، وأقام المجتمع العربي على قاعدة الطبقات.
بعد أن كانوا سواء في نظر القانون (الشريعة) (1).
وعن سعيد بن المسيب:
أن عمر فرض لاهل بدر من المهاجرين وقريش والعرب والموالي: خمسة الآف درهم (2).
وفرض لبني هاشم والحسن والحسين لكل واحد منهم: خمسة الآف درهم.
وللعباس بن عبد المطلب ولمن شهد بدرا من المهاجرين والانصار خمسة الآف درهم.
وللانصار ومواليهم ولمن شهد احد أربعة الآف درهم.
ولعمر بن أبي سلمة، ولاسامة بن زيد أربعة الآف درهم.
ولمن هاجر قبل الفتح، ولعبدالله بن عمر ثلاثة الآف درهم.
ولنساء مهاجرات لكل واحدة منهن ثلاثة الآف درهم.
واعترض ابن عمر لزيادة اسامة بن زيد عليه فقال عمر:
__________
(1) الامام الحسين: ص 232.
(2) الطبقات لابن سعد: 3 / 219.
(*)(1/97)
زدته لانه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك وكان أبوه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك (1).
وفرض لصفية بنت عبد المطلب [ عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ] ستة الآف درهم.
ولاهل بدر، والمهاجرين ستة الآف درهم.
وفرض لازواج النبي صلى الله عليه وسلم ففضل عليهن عائشة.
فرض لها في اثني عشرة ألف ولسائرهن عشرة الآف، عشرة الآف، غير: جويرية، وصفية فرض لهما في: ستة الآف.
وفرض لابناء البدريين ولمسلمة الفتح لكل رجل منهم ألفين درهم.
وفرض لاسماء بنت عميس، ولام كلثوم بنت عقبة.
ولام عبد الله بن مسعود: ألف درهم.
وفرض للمنفوس، واللقيط مائة درهم (2) وفرض للمترعرع مأتي درهم.
* * *
__________
(1) قال ابو نعيم: ان عمر فرض لاسامة بن زيد اكثر مما فرض لابن عمر وذكر باقي الحديث.
تاريخ اصبهان: 2 / 290.
(2) وفرض له رزقا يأخذه وليه كل شهر.
(*)(1/98)
أولياته(1/99)
من أولياته: 1 - قال الدميري: و [ عمر ] أول من ضرب الدرة وحملها، وهو الذي أخر المقام إلى موضعه اليوم وكان ملصقا بالبيت.
وهو أول من جمع الناس على إمام واحد في التراويح، وحج بالناس عشر سنين متوالية أخرها سنة 23 ه (1).
2 - قال ابن شبة: وأول من أتخذ بيت مال عمر بن الخطاب (رض) فقال ابن شهاب: عمر أول من دون الدواوين (2).
3 - قال الدميري: وعمر (رض) أول من أرخ التاريخ في سنة ست عشرة..وهو أول من دون الدواوين، ومصر الامصار (3).
4 - قال الطبري: قال الواقدي: هذه السنة أعني سنة عشرين دون عمر (رض) الدواوين (4).
5 - [ عمر ] أول من كتب التاريخ، وأول من حمل الدرة لتأديب الناس، وتعزيرهم، وأول من أشار على أبي بكر بجمع القرآن في المصحف (5).
وقال الديار بكري: 6 - عن مصعب بن سعد أن عمر أول من فرض الاعطية، وأول من سن قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك، وكتب به إلى البلدان وذلك في شهر رمضان سنة أربعة عشر، وجعل للناس قارئين.
قارئا يصلي بالرجال،
__________
(1) حياة الحيوان الكبرى: 1 / 51 خلافة عمر.
(2) تاريخ الطبري: 4 / 231 الطبعة الاولى بمصر.
(3) نور الابصار ص: 54 ط مصر عام 1312 ه.
(4) حياة الحيوان الكبرى: 1 / 346 ط مصر.
(5) تاريخ المدينة المنورة: 3 / 857.
(*)(1/100)
وقارئا يصلي بالنساء.
وأول من ضرب في الخمر ثمانين.
وأول من عس بالمدينة، وحمل الدرة وأدب بها.
وغرب ربيعة بن امية بن خلف إلى خيبر (1).
7 - قال ابن الاثير: وقد ورد في الصحيح حديث عمر في بيعة أبي بكر..وكان عمر بن الخطاب اول من بايعه وكانت بيعته في السقيفة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
* * *
__________
(1) تاريخ الخميس: 2 / 243، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 109، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص: 137، الاستيعاب: 3 / 1144 ترجمة عمر.
(2) اسد الغابة: 3 / 222.
(*)(1/101)
حجه وطلب موافاة عماله - له في موسم الحج(1/103)
حجه: قال ابن سعد: أول سنة استخلف فيها عمر - وهي سنة ثلاث عشرة - عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس تلك السنة.
ثم لم يزل عمر بن الخطاب يحج بالناس في كل سنة خلافته كلها فحج بهم عشر سنين ولاء..وهو أخر المقام إلى موضعه اليوم [ و ] كان ملصقا بالبيت (1).
مزاحمته الضعيف عند الركن: أخرج البيهقي، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب (رض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر إنك رجل قوي لا تؤذ الضعيف.
إذا أردت استلام الحجر.
فإن خلا لك فاستلمه، والا فاستقبله وكبر.
وأخرج البيهقي، عن ابي يعقوب، عن شيخ من خزاعة قال: وكان استخلفه الحجاج على مكة فقال: إن عمر (رض) كان رجلا شديدا وكان يزاحم عند الركن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر لا تزاحم عند الركن فإنك تؤذ الضعيف، فان رأيت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله، وكبر، وامض.
رواه الشافعي عن ابن عييننه، عن
أبي يعقوب، عن الخزاعي.
قال سفيان: وهو عبد الرحمن بن الحارث: كان الحجاج استعمله عليها منصرفه منها
__________
(1) الطبقات: 3 / 205.
(*)(1/104)
- وهو شاهد لرواية ابن المسيب - (1).
عماله في الحج: أخرج الطبري عن ابن عمر أنه قال: استعمل عمر على الحج عبد الرحمن بن عوف في السنة التي ولي فيها.
فحج بالناس.
ثم حج سنيه كلها بعد ذلك بنفسه، وكان عامل عمر في هذه السنة على ما ذكر على مكة: عتاب بن اسيد وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص.
وعلى اليمن: يعلى بن منية.
وعلى عمان واليمامة: حذيفة بن محضن.
وعلى البحرين: العلاء بن الحضرمي.
وعلى الشام: أبو عبيدة بن الجراح.
وعلى فرج الكوفة، وما فتح من أرضها: المثنى بن حارثة.
وكان على القضاء فيم ذكر: علي بن أبي طالب.
وقيل: لم يكن لعمر في أيامه قاض (2).
قال أبو يوسف: وحدثني عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء أنه قال: كتب عمر (رض) إلى عماله أن يوافوه بالموسم، فوافوه فقام فقال: " يا أيها الناس: إني بعثت عمالي هؤلاء ولاة بالحق عليكم، ولم أستعملهم
ليصيبوا من أبشاركم، ولا من دمائكم، ولا من أموالكم.
فمن كانت له مظلمة عند احد منهم فليقم " قال: فما قام من الناس إلا رجل واحد فقال:
__________
(1) السنن الكبرى: 5 / 80 باب الاستلام في الزحام.
(2) تاريخ الطبري: 4 / 82.
(*)(1/105)
يا أمير المؤمنين عاملك ضربني مائة سوط.
فقال عمر: أتضربه مائه سوط ؟ فاستقد منه.
فقام إليه عمرو بن العاص فقال له: يا أمير المؤمنين إنك إن تفتح هذا على عمالك كبر عليهم، وكانت سنة يأخذ من بعدك.
فقال عمر: الا اقيده منه، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيد من نفسه ؟ قم فاستقد.
فقال عمرو: دعنا إذا فلنرضه.
قال: فقال دونكم.
فأرضوه بأن اشتريت منه بمأتي دينار، كل سوط بدينارين (1).
__________
(1) الخراج: ص 115 - 116.
(*)(1/106)
علمه بالفقه(1/107)
تحريمه للمتعتين: 1 - قال الشيخ جلال الدين السيوطي: وأول من حرم المتعة: عمر (1).
2 - قال الاستاذ الفكيكي:
قال الامام القوشجي متكلم الاشاعرة، وحكيمهم في أواخر مبحث الامامة من شرح كتاب التجريد في علم الكلام: إن عمر (رض) قال وهو على المنبر: أيها الناس: ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أنهى عنهن، وأحرمهن، واعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل (2).
3 - قال السيوطي: أخرج اسحاق بن راهويه في مسنده، وأحمد عن الحسن أن عمر بن الخطاب هم أن ينهى عن متعة الحج فقام إليه ابي بن كعب فقال: ليس لك ذلك قد نزل بها كتاب الله، واعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل عمر (3).
4 - أخرج المتقي الهندي عن عمر أنه قال: إن أتم العمرة أن تفردوها من أشهر الحج { الحج أشهر معلومات } شوال وذو القعدة، وذو الحجة، فأخلصوا فيهن الحج، واعتمروا فيما سواهن (4).
__________
(1) تاريخ الخلفاء: ص 137.
(2) المتعة وأثرها في الاصلاح الاجتماعي: ص 71.
(3) الدر المنثور: 1 / 216.
(4) كنز العمال: 5 / 301 - 302.
(*)(1/108)
5 - أخرج ابن شبة عن جابر رضي الله عنه أنه قال: لما ولي عمر (رض) خطب الناس فقال:
إن القرآن هو القرآن، وإن الرسول هو الرسول، وإنها كانتا متعتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إحداهما متعة الحج، والاخرى متعة النساء فأفصلوا حجكم عن عمرتكم فإنه أتم لحجكم، وأتم لعمرتكم، والاخرى متعة النساء فلا اولي برجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته في الحجارة (1).
6 - أخرج الفخر الرازي، عن عمران بن الحصين أنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى، ولم ينزل بعدها آية تنسخها، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمتعنا بها، ومات، ولم ينهنا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء.
7 - روي محمد بن جرير الطبري في تفسيره، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلا شقي (2).
وقال الفخر الرازي: (الحجة الثانية) على جواز نكاح المتعة أن الامة مجمعة أن نكاح المتعة كان جائزا في الاسلام ولا خلاف بين أحد من الامة فيه، إنما الخلاف في طريان الناسخ فنقول: لو كان الناسخ موجودا لكان ذلك الناسخ، أما أن يكون معلوما بالتواتر، أو بالآحاد، فإن كان معلوما بالتواتر كان علي بن أبي طالب، وعبد الله ابن عباس، وعمران بن الحصين منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمد
__________
(1) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 720، مسند أحمد: 1 / 52.
(2) تفسير الفخر الرازي: 10 / 51.
(*)(1/109)
صلى الله عليه وسلم وذلك يوجب تكفيرهم وهو باطل قطعا، ولان كان ثابتا بالآحاد فهذا أيضا باطل، لانه لما كان إباحة المتعة معلوما بالاجماع، والتواتر، كان ثبوته معلوما قطعا فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون رافعا للمقطوع، وإنه باطل.
قالوا: ومما يدل على بطلان القول بهذا النسخ إن أكثر الروايات: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر، وأكثر الروايات أنه عليه السلام أباح المتعة في حجة الوداع، وفي يوم الفتح، وهذان اليومان متأخران عن يوم خيبر، وذلك يدل على فساد ما روى أنه عليه السلام نسخ المتعة يوم خيبر، لان الناسخ يمتنع تقدمه إلى المنسوخ، وقول من يقول: إنه حصل التحليل مرارا، والنسخ مرارا ضعيف لم يقل به أحد من المعتبرين، إلا الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الروايات (1).
وقال الفخر الرازي: " والقول الثاني أن المراد بهذه الآية { فما استمتعتم به منهن فأتوهن اجورهن } (2).
حكم المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم، إلى أجل معين فيجامعها.
واتفقوا: أنها كانت مباحة في ابتداء الاسلام.
وروى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة في عمرته.
تزين نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول طول العزوبة فقال: استمتعوا: من هذه النساء " (3).
__________
(1) نفس المصدر: 10 / 53 - 54.
(2) مابين المعقوفين لم يكن في الاصل وجدير بالذكر ان نذكر في هذا المقام فتاوى الصحابة في
مسألة المتعة.
(3) تفسير الفخر الرازي: 10 / 50.
(*)(1/110)
سيرته في الحكم(1/111)
قال الفخر الرازي: الحجة الثالثة * على جواز نكاح المتعة * ماروى أن عمر (رض) قال على المنبر: متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أنهي عنهما: متعة الحج، ومتعة النساء.
وهذا منه تنصيص على أن متعة النكاح كانت موجودة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: وأنا أنهي عنهما.
يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما نسخه، وإنما عمر هو الذي نسخه، وإذا ثبت هذا فنقول: هذا الكلام يدل على أن حل المتعة كان ثابتا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه السلام ما نسخه، وأنه ليس ناسخ إلا عمر، وإذا ثبت هذا وجب أن لا يصير منسوخا، لان ما كان ثابتا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما نسخه الرسول، يمتنع أن يصير منسوخا بنسخ عمر.
وهذا هو الحجة التي احتج بها عمران بن الحصين حيث قال: إن الله أنزل في المتعة آية، وما نسخه بآية اخرى، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة، وما نهانا عنها.
ثم قال رجل برأيه ما شاء.
يرد أن عمر نهى عنها.
فهذا جملة وجوه القائلين بجواز المتعة (1).
المتعة في القرآن: قال الله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن }.
1 - قال القسطلاني: (فرخص لنا بعد ذلك بالثوب) أي إلى أجل، وهو: نكاح المتعة.
__________
(1) تفسير مفاتيح الغيب: 10 / 54.
(*)(1/112)
وليس قوله بالثوب قيدا فيجوز بغيره، مما يتراضيان عليه.
ثم قرأ ابن مسعود: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم }.
قال النووي: في استشهاد ابن مسعود بالآية إنه كان يعتقد إباحة المتعة كابن عباس (1).
2 - أخرج البخاري، عن سعيد بن المسيب أنه قال: اختلف علي، وعثمان (رض) وهما بعسفان (2) في المتعة.
فقال علي ما تريد إلا أن تنهي عن أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما رأى علي ذلك أهل بهما جميعا (3).
3 - أخرج البخاري عن قتادة أنه قال: حدثني مطرف عن عمران (رض) قال: تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن.
قال رجل (4) برأيه ما شاء (5).
4 - أخرج المتقي الهندي، عن سعيد المسيب: أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في أشهر الحج.
وقال: فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا انهى عنها، وذلك:
أن أحدكم يأتي من افق من الآفاق شعثا نصبا معتمرا في أشهر الحج، وإنما شعثه، ونصبه وتلبيته في عمرته.
ثم يقدم فيطوف بالبيت، ويحل،
__________
(1) ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 7 / 107.
(2) قال الحموي: وقال السكري: عسفان على مرحلتين من مكة على طريق المدينة.
فتوح البلدان 4 / 122.
(3) صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 274.
(4) يقصد بالرجل: عمر بن الخطاب.
(5) صحيح البخاري: 1 / 274 باب التمتع على عهد النبي.
(*)(1/113)
ويلبس، ويتطيب، ويقع على أهله إن كانوا معه حتى إذا كان يوم التروية أهل بالحج، وخرج إلى منى يلبي بحجه، لا شعث فيها ولا نصب، ولا تلبية إلا يوما، والحج أفضل من العمرة لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقوهن تحت الاراك.
من أن أهل البيت ليس لهم ضرع، ولا زرع، وانما ربيعهم فيمن يطرأ عليهم (1).
5 - أخرج الطحاوي عن سعيد بن المسيب أنه قال: اجتمع علي وعثمان (رض) ب (عسفان) وعثمان (رض) ينهى عن المتعة.
فقال له علي: ما تريد إلى أمر قد فعله رسول الله تنهى عنه.
فقال: دعنا منك فقال: إني لا استطيع أن ادعك، ثم أهل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهما جميعا.
وعن سعيد بن المسيب ايضا قال: حج عثمان (رض) فقا له علي رضي الله عنه.
ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: بلى (2).
6 - قال السيوطي: وأخرج الحاكم وصححه من طريق مجاهد وعطاء عن جابر أنه قال: كثرت القالة من الناس فخرجنا حجاجا حتى إذا لم يكن بيننا، وبين أن نحل إلا ليالي قلائل أمرنا بالاحلال قلنا: أيروح أحدنا إلى عرفه، وفرجه يقطر منيا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقام خطيبا فقال:
__________
(1) شرح معاني الاثار: 2 / 140 - 141.
كنز العمال: 5 / 167، الدر المنثور: 1 / 216.
(2) كنز العمال: 5 / 164 رقم الحديث / 12477 (*).(1/114)
إبا لله تعلموني أيها الناس.
فأنا والله أعلمكم بالله، وأتقاكم له.
ولو اسقبلت من أمري ما استدبرت، ما سقت هديا، ولحللت كما أحلوا..(الحديث) (1).
7 - أخرج النسائي، عن ابن عباس أنه قال: سمعت عمر يقول: إني لانهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله.
يعني: العمرة في الحج (2).
8 - أخرج الامام أحمد، عن عبد الرحمن بن نعم، أو نعيم الاعرجي، شك أبو الوليد قال: سأل رجل ابن عمر عن المتعة، وأنا عنده، متعة النساء فقال: والله ما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زانين، ولا مسافحين، ثم قال:
ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال، وكذابون ثلاثون (3).
9 - قال الدكتور صلاح الدين المنجد حول تحريم عمر للمتعة: واتبع الناس قول ابن عباس، وسارت فتياه في الآفاق حتى دخلت في الشعر: قد قلت للشيخ لما طال مجلسه * يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس هل لك في رخصة الاطراف آنسة * تكون مثواك حتى مصدر الناس
__________
(1) الدر المنثور: 1 / 217.
(2) سنن النسائي: 5 / 153.
(3) مسند احمد: 2 / 95.
(*)(1/115)
وسار بعض التابعين فيما بعد على الترخيص في المتعة.
وكان أحد الاعلام الثقاة، وفقيه أهل مكة في زمانه تزوج نحوا من تسعين امرأة نكاح المتعة، وكان يرى الرخصة في ذلك.
ولاشك أن المتعة الحلال، باتفاق المرأة والرجل قد يسرت على الرجال، وخلصتهم من كثير من العسر.
فقد رخص بالمتعة للمضطر للحاجة إلى المرأة في الغزو، أو لعدم استطاعته الزواج في الحضر.
لان قيودها أخف من قيود الزواج.
فهي تكون إلى أجل مسمى، وهي لا توجب الميراث (1).
10 - ذكر الراغب الاصبهاني: أن عبد الله بن الزبير عير ابن عباس بتحليله المتعة فقال له ابن عباس: سل امك كيف سطعت المجامر بينها، وبين أبيك.
فسألها فقالت:
ما ولدتك إلا بالمتعة (2).
11 - أخرج الطحاوي عن ابن عباس أنه قال: (كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور) (3).
12 - عن أبي حمزة نصر بن عمران الضبعي أنه قال: تمتعت فنهاني ناس، فسألت ابن عباس رضي الله عنه فأمرني.
فرأيت كأن رجلا يقول لي: حج مبرور، وعمرة متقبلة.
فأخبرت ابن عباس فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: أقم عندي فأجعل لك سهما من
__________
(1) الحياة الجنسية عند العرب: ص 195.
(2) محاضرات الادباء: (3) أي من أعظم الذنوب.
شرح معاني الاثار: 2 / 158.
(*)(1/116)
مالي (1) (2).
13 - أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنها قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الارض، ويجعلون المحرم صفرا ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الاثر، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر.
قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة (3) مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة.
فتعاضم ذلك عندهم فقالوا يارسول الله: أي الحل قال: حل كله (4) (5).
14 - وأخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن
عنده الهدي فليحل الحل كله فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة (6).
15 - أخرج مسلم عن شعبة، عن مسلم القري أنه قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن متعة الحج فرخص فيها وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال: هذه ام ابن الزبير تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها
__________
(1) وأورد هذا الحديث البخاري في صحيحه وقال: قال شعبة: فقلت لم قال: للرؤيا التي رأيت.
(2) اللؤلؤ والمرجان: 2 / 778.
صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 273.
شرح معاني الاثار: 2 / 191.
(3) أي من شهر ذي الحجة.
(4) في صحيح مسلم: الحل كله: وفي السنن للبيهقي قال بعد الحل كله: يعني يحلون من كل شئ.
(5) صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 273.
صحيح مسلم: 4 / 56 كتاب الحج باب جواز العمرة في أشهر الحج.
السنن الكبرى للبيهقي 4 / 345 باب العمرة في اشهر الحج.
(6) الجامع الصحيح: 4 / 57.
(*)(1/117)
فادخلوا عليها فسألوها قال: فدخلنا عليها، فإذا إمرأة ضخمة عمياء، فقالت قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها (1).
16 - اخرج الامام أحمد، عن ابن شهاب عن سالم أنه قال: كان عبد الله بن عمر يفتي بالذي أنزل الله عزوجل من الرخصة في التمتع، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فيقول ناس لابن عمر: كيف تخالف أباك، وقد نهى عن ذلك.
فيقول لهم: ويلكم: ألا تتقون الله، إن كان عمر نهى عن ذلك...فلم تحرمون
ذلك وقد أحله الله، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أفرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبعوا، أم سنة عمر ؟ !...(2).
17 - أخرج الترمذي، عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله حدث أنه سمع رجلا من أهل الشام، وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال عبد الله بن عمر: هي حلال.
فقال الشامي: إن أباك قد نهى عنها.
فقال عبد الله بن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أأمر أبي نتبع، أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الرجل: بل أمر رسول الله.
فقال [ عبد الله بن عمر ] قد صنعها رسول الله.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (3).
__________
(1) الجامع الصحيح: 4 / 55.
(2) مسند احمد: 2 / 95.
(3) صحيح الترمذي: 2 / 159 رقم الحديث / 823.
(*)(1/118)
من أقوال الصحابة في المتعة(1/119)
1 - أخرج الطحاوي، عن سالم أنه قال:
(إني لجالس مع ابن عمر (رض) في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام، فسأله: عن التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال ابن عمر: (حسن جميل).
فقال: إن أباك كان ينهى عن ذلك.
فقال: ويلك، فإن كان أبي قد نهى عن ذلك، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به، فبقول أبي تأخذ، أم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !).
فقال: بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: (قم عني) (1).
2 - أخرج الطحاوي، عن نافع، عن ابن عمر (رض): أن عمر بن الخطاب (رض) قال: أفصلوا بين حجكم، وعمرتكم، فإنه أتم لحج أحدكم، وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج (2).
3 - أخرج ابن ماجة القزويني، عن أبي جعفر أنه قال: كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم يعده ولم يقصر دونه (3).
4 - أخرج الامام أحمد، عن جابر بن عبد الله أنه قال: تمتعنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: الحج، والنساء.
فنهانا عنها عمر، فانتهينا (4).
__________
(1) شرح معني الاثار: 2 / 147.
(2) شرح معاني الاثار: 2 / 147.
(3) سنن ابن ماجة: 1 / 4.
(4) مسند احمد: 3 / 356.
(*)(1/120)
5 - قال الشيخ جلال الدين السيوطي: وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب أنه قال: نهى عمر عن متعتين: متعة الحج، ومتعة النساء (1).
6 - وأخرج الامام أحمد، عن أبي موسى [ عن المتعة ] (2) أن عمر (رض) قال: هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: المتعة.
ولكني أخشى أن يعرسوا بهى تحت الاراك (3) ثم يروحون بهن حجاجا (4).
7 - وأخرج النسائي عن ابراهيم بن أبي موسى، عن ابي موسى أنه كان يفتي بالمتعة.
فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد حتى لقيته فسألته فقال عمر: قد علمت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الاراك، ثم يروحوا بالحج تقطر رؤوسهم (5).
8 - أخرج مسلم، عن زيد، عن أيوب، أنه قال: سمعت مجاهدا يحدث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: لبيك بالحج.
فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة (6).
__________
(1) الدر المنثور: 1 / 141.
(2) ما بين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(3) الاراك: بفتح الهمزة: شجرة معروف ولعله أريد هنا أراك كان بقرب عرفات.
هامش سنن النسائي: 5 / 153.
(4) مسند احمد: 1 / 49.
(5) سنن النسائي: 5 / 153.
كنز العمال: 5 / 165 رقم الحديث / 12478.
(6) صحيح مسلم: 2 / 886 كتاب الحج باب في المتعة بالحج والعمرة، تذكرة الحفاظ للذهبي: = (*)(1/121)
9 - أخرج الترمذي، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل أنه سمع سعد بن أبي وقاص، والضحاك بن قيس، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال الضحاك بن قيس لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يا اخي ! فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك.
فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصنعناها معه.
وقال الترمذي: هذا حديث صحيح (1).
10 - أخرج الطحاوي، عن أنس (رض) أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لبيك بعمرة وحجة " (2).
11 - أخرج النسائي، عن مطرف عن عمران: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج، وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب، ولم ينه عنهما النبي صلى الله عليه وسلم.
قال فيهما رجل (3) برأيه ما شاء (4).
12 - أخرج الطحاوي، عن عمران أنه قال: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيها القرآن، فلم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينسخها شئ ثم قال رجل برأيه ما شاء (1).
__________
= 1 / 115 - 116.
(1) صحيح الترمذي: 2 / 159.
رقم الحديث / 822.
(2) شرح معاني الآثار: 2 / 153.
(3) يقصد بالرجل: عمر بن الخطاب.
(4) سنن النسائي: 5 / 149 باب القران.
(5) شرح معاني الآثار: 2 / 143.
(*)(1/122)
13 - أخرج النسائي عن الحكم أنه قال: سمعت علي بن حسين يحدث عن مروان: أن عثمان نهى عن المتعة، وأن يجمع الرجل بين الحج والعمرة.
فقال علي: لبيك بحج، وعمرة معا.
فقال عثمان: أتفعلها وأنا أنهى عنها.
فقال علي: لم أكن لادع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحد من الناس (1).
14 - أخرج أحمد عن سعيد بن المسيب أنه قال: خرج عثمان (رض) حاجا حتى إذا كان ببعض الطريق قيل لعلي رضوان الله عليه إنه قد نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال علي رضي الله عنه لاصحابه: إذا ارتحل فارتحلوا، فأهل علي، وأصحابه بعمرة.
فلم يكلمه عثمان (رض) في ذلك.
فقال له علي رضى الله عنه: ألم اخبر أنك نهيت عن التمتع بالعمرة، فقال: بلى.
قال: فلم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع.
قال: بلى (2).
15 - أخرج أحمد عن سراقة بن جعشم أنه قال:
يارسول الله أرأيت عمرتنا هذه.
ألعامنا هذا ؟ أم للابد (3).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل للابد (4).
__________
(1) سنن النسائي: 5 / 148 باب القران.
(2) مسند احمد: 1 / 57، شرح معاني الآثار: 2 / 141، كنز العمال: 5 / 166.
(3) وزاد الطحاوي بعد أم للابد.
" بل لابد الابد ".
(4) مسند احمد: 4 / 157، شرح معاني الآثار: 2 / 191.
(*)(1/123)
اجتهاده في مقابل النص(1/125)
إجتهاده في مقابل النص: 1 - أخرج ابو عمر، عن اذينة بن مسلمة أنه قال: أتيت عمر بن الخطاب (رض) فسألته: من أين أعتمر ؟ فقال: إيت عليا فسله.
الحديث...وفيه قال عمر: ما أجد لك إلا ما قال علي (1).
2 - أخرج الطحاوي، عن إبراهيم بن عبد الاعلى، أنه قال: سمعت سويدا يقول: سمعت عمر (رض) يقول: أفردوا بالحج (2).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة (3).
3 - أخرج الطحاوي، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب (رض) قال: أفصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم، وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج (4).
4 - قال الاستاذ الفاضل الشيخ سيد سابق المصري:
قد اعترضت امرأة على عمر (رض) حينما نهى عن التغالي في المهر، وأراد أن يضع حدا فقالت أمرأة يا أمير المؤمنين أما سمعت الله يقول: { وإن آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا }.
__________
(1) الاستيعاب: 3 / 1103.
(2) شرح معاني الآثار: 2 / 147.
(3) مسند أحمد بن حنبل: 4 / 175.
(4) شرح معاني الآثار: 2 / 147، حلية الاولياء لابي نعيم: 5 / 205، الدر المنثور للسيوطي: 1 / 218، الموطأ: للامام مالك: 1 / 347 كتاب الحج تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
(*)(1/126)
فقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر (1).
5 - قال السيوطي: وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات، عن عبد الله بن مصعب، قال: قال عمر: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال.
فقالت امرأة: ما ذاك لك قال: ولم ؟ قالت: لان الله يقول: { وآتيتم إحداهن قنطارا } الآية.
قال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ (2).
6 - قال ابن أبي الحديد: قال عمر: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها نساء النبي، إلا ارتجعت ذلك منها.
فقالت له امرأة: ما جعل الله لك ذلك إنه تعالى يقول: { وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا }.
فقال: كل الناس أفقه من عمر، حتى ربات الحجال.
ألا تعجبون من إمام أخطأ، وامرأة أصابت، فأضلت إمامكم ففضلته (3).
المؤلف: وأورد هذا الحديث أبو الاعلى المودودي مع اختلاف في اللفظ انظر: (4).
7 - أخرج ابن كثير الدمشقي عن أبي العجفاء السلمي أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول:
__________
(1) اسلامنا: ص 125.
(2) الدر المنثور: 2 / 133.
(3) شرح النهج: 1 / 61.
(4) الخلافة والملك: ص 62.
(*)(1/127)
ألا لا تغلوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من إثني عشر أوقية (1).
وأورد الزمخشري هذا الحديث في تفسيره وقال: فقامت إليه امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين لم تمنعنا حقا جعله الله لنا، والله يقول: { وأتيتم إحداهن قنطارا } فقال عمر: كل أحد أعلم من عمر.
ثم قال لاصحابه: تسمعونني أقول هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست من أعلم النساء (2).
8 - أخرج السيوطي، عن مسروق أنه قال:
ركب عمر بن الخطاب المنبر ثم قال: أيها الناس، ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الاكثار في ذلك تقوى عند الله، أو مكرمة، لم تسبقوهم إليها.
فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم، ثم نزل.
فاعترضته امرأة من قريش فقالت له: يا أمير المؤمنين: نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم: قال: نعم.
فقالت: أما سمعت ما أنزل الله، يقول: { وآتيتم احداهن قنطارا } فقال:
__________
(1) تفسير العظيم: 1 / 466.
(2) تفسير الكشاف: 1 / 514.
(*)(1/128)
اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال: يا أيها الناس: إني قد نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي ماله ما أحب (1).
9 - قال الزمخشري وعن عمر (رض) أنه قام خطيبا فقال: يا أيها الناس: لا تغالوا بصداق النساء، لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه اكثر من اثني عشر أوقية.
فقامت إليه امرأة فقالت له: يا أمير المؤمنين لم تمنعنا حقا جعله الله لنا والله يقول: { وآتيتم احداهن قنطارا } فقال عمر كل أحد أعلم من عمر، ثم قال
لاصحابه: تسمعونني أقول مثل هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست من أعلم النساء (2).
10 - وقال ابن كثير الدمشقي: قال الحافظ ابو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يعقوب بن ابراهيم حدثنا أبي، عن أبي إسحاق، حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن خالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق أنه قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس: ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم، فما دون ذلك، ولو كان الاكثار في ذلك تقوى عند الله، أو كرامة لم تسبقوهم إليها.
فلاعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم.
قال: ثم نزل.
فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين: نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على اربعمائة
__________
(1) الدر المنثور: 2 / 133.
(2) تفسير الكشاف: 1 / 514.
(*)(1/129)
درهم ؟ قال: نعم.
فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال: وأي ذلك ؟ فقالت: أما سمعت الله يقول: { وآتيتم احداهن قنطارا }.
الآية.
قال: اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر (1).
* * *
__________
(1) تفسير القرآن العظيم: 1 / 467.
(*)(1/130)
غرائب في أحكامه وفتاويه(1/131)
فهمه للقضايا: 1 - قال ابن عبد البر، في ترجمة كعب بن سور الازدي (1): كان مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم..بعثه عمر بن الخطاب قاضيا على البصرة لخبر عجيب مشهور جرى له معه في امرأة شكت زوجها إلى عمر فقالت: إن زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار، وأنا أكره أن أشكوه اليك فهو يعمل بطاعة الله.
فكأن عمر لم يفهم عنها، وكعب بن سوار هذا جالس معه فأخبره: أنها تشكو أنها ليس لها من زوجها نصيب فأمره عمر بن الخطاب أن يسمع منها.
ويقضي بينهما.
فقضى للمرأة بيوم من أربعة أيام، وليلة من أربع ليال فسأله عمر عن ذلك فنزع بأن الله عزوجل أحل له أربع نسوة لا زيادة فلها الليلة من أربع ليال هذا معنى الخبر احتصرت لفظه، وجئت بمعناه وأما ما حكاه الشعبي في هذا الخبر فذكر أن كعب بن سور كان جالسا عند عمر بن الخطاب فجائت امرأة فقالت: ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي.
أنه ليبيت ليله قائما، ويظل نهاره صائما في اليوم الحار ما يفطر.
فاستغفر لها عمر وأثنى عليها.
وقال: مثلك اثني بالخير وقال: فاستحيت المرأة، وقامت راجعة.
فقال: كعب ابن سورة: يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأه على زوجها إذا جاءتك تستعديك فقال: أكذلك أرادت ؟ قال: نعم.
قال: ردوا علي المرأة.
فردت.
فقال لها:
لا بأس بالحق أن تقوليه.
__________
(1) كعب بن سوار.
في تاريخ الخلفاء للسيوطي.
(*)(1/132)
إن هذا يزعم أنك جئت تشتكين إنه يجتنب فراشك.
قالت: أجل: إني امرأة شابة، وإني ابتغي ما تبتغي النساء، فأرسل إلى زوجها فجاء.
فقال كعب: إقضي بينهما.
فقال: أمير المؤمنين أحق بأن يقضي بينهما فقالك عزمت عليك لتقضين بينهما، فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهم قال: فإني أرى أن لها يوما من أربعة أيام، إن كان زوجها له أربع نسوة فإذا لم يكن له غيرها فإني أقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر: والله ما رأيك الاول بأعجب من الآخر إذهب فأنت قاضي على أهل البصرة...قال أبو عمر رحمه الله فأعجب عمر ما قضى بينهما فبعثه قاضيا على البصرة.
وعن محمد بن سيرين قال: 2 - جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت: إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل.
فقال: ما تريدين ؟ فقالت: إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل.
قال: أتريدين أن أنهاه عن صيام النهار، وقيام الليل.
ثم جاءته الثالثة فقالت: إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل.
قال: أفتريدين أن أنهاه عن صيام النهار، وقيام الليل.
قال وكان عنده كعب بن سور قال كعب:
إنها امرأة تشتكي زوجها.
فقال عمر: أما إذا فطنت لها فقم، فاحكم بينهما.
فقام كعب، وجاءت بزوجها فقالت: يا أيها القاضي الفقيه أرشده * ألهي خليلي عن فراشي مسجده(1/133)
زهده في مضجعي وتعبده * نهاره وليله ما يرقده ولست في أمر النساء أحمده * فامضي القضا يا كعب لا تردده فقال الزوج: إني امرؤ قد شفني ما قد نزل * في سورة النور في السبع الطول وفي الحواميم الشفا وفي النحل * فردها عني وعن سوء الجدل فقال كعب: إن السعيد بالقضاء فصل * ومن قضى بالحق حقا وعدل إن لها حقا عليك يا بعل * من أربع واحدة لمن عقل أمض لها ذلك ودع عنك العلل ثم قال له: أيها الرجل إن لك أن تتزوج من النساء مثنى، وثلاث، ورباع فلك ثلاثة أيام، ولامرأتك هذه يوم، ومن أربع ليال ليلة فلا تصل في ليلتها إلا الفريضة.
فبعثه عمر قاضيا على البصرة (1).
* * *
__________
(1) الاستيعاب بهامش الاصابة: 3 / 303 - 307، الاصابة في تمييز الصحابة: 3 / 315، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 141، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 105.
(*)(1/134)
وضوء عمر:
قال السيد أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة المكرمة: وكان عمر كبقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم...يتساهلون في الطهارة الظاهرة حتى ان عمر توضأ من ماء في جرة نصرانية (1).
اسقاطه الصلاة عمن فقد الماء: أخرج الحافظ ابن كثير الدمشقي، عن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه ان رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء.
فقال عمر: لا تصلي.
قال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا، وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت.
فلما أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له.
فقال: إنما يكفيك، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الارض، ثم نفخ فيها، ومسح بها وجهه، وكفيه (2).
* * *
__________
(1) الفتوحات الاسلامية: 2 / 485 ط مصر عام 1354 ه.
(2) تفسير ابن كثير: 4 / 505، السنن الكبرى للبيهقي: 1 / 209، سنن النسائي: 1 / 169 باب نوع آخر من التيمم، شرح معاني الآثار للطحاوي: 1 / 112، سنن ابن ماجة: 1 / 188.
(*)(1/135)
تركه الصلاة عند فقدان الماء: أخرج النسائي عن عبد الرحمن بن أبزي أنه قال: كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ربما نمكث الشهر، والشهرين، ولا نجد الماء.
فقال عمر:
أما أنا فإذا لم أجد الماء لم أكن لاصلي حتى أجد الماء.
فقال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنت بمكان كذا وكذا نرعى الابل، فتعلم أننا أجنبنا، قال: نعم.
أما أنا فتمرغت في التراب.
فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك.
فقال: إن كان الصعيد لكافيك (1).
وضرب بكفيه إلى الارض ثم نفخ فيها، ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه فقال: إتق الله يا عمار فقال: يا أمير المؤمنين لان شئت لم أذكره قال: لا.
ولكن نوليك من ذلك ما توليت (2).
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتيمم عمن فقد الماء: أخرج البخاري، عن الاعمش، عن شقيق قال: كنت جالسا مع عبد الله، وأبي موسى الاشعري.
فقال له أبو موسى:
__________
(1) اخرج الامام احمد هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبزي وقال: كان الصعيد الطيب كافيك.
وضرب بكفيه الارض ثم نفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وبعض ذراعيه.
قال: اتق الله يا عمار.
قال: يا أمير المؤمنين.
إن شئت لم اذكره ما عشت أو ما حييت قال كلا.
(الحديث) مسند احمد: 4 / 319.
(2) سنن النسائي: 1 / 168 - 169، مسند احمد: 4 / 319، السنن الكبرى للبيهقي: 1 / 209.
(*)(1/136)
لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا، أما كان يتيمم ويصلي ؟ فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا }.
فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لاوشكوا إذا يرد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد.
قلت: وإنما كرهتم هذا لذا.
قال: نعم.
فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر ؟ ! بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة.
فأجنبت لم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما يكفيك أن تصنع هكذا: فضرب بكفه ضربة على الارض ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه.
فقال عبد الله أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار (1).
وأخرج البيهقي عن الاعمش، عن شقيق قال: كنت جالسا مع عبد الله، وأبي موسى.
فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن.
الرجل يجنب فلا يجد الماء يصلي ؟ قال: لا.
قال: ألم تسمع قول عمار لعمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني أنا، وأنت فأجنبت فتمعكت بالصعيد فأتينا رسول الله صلى الله علسه وسلم وأخبرناه فقال: إنما يكفيك هكذا: ومسح وجهه وكفيه واحدة فقال: إني لم أر عمر قنع بذلك قال: قلت: وكيف تصنعون بهذه الآية { فتيمموا صعيدا طيبا } قال: إنا لو رخصنا لهم في هذا كان أحدهم إذا وجد الماء البارد يمسح
__________
(1) صحيح البخاري مشكول: 1 / 73، سنن أبي داود: 1 / 81 كتاب الطهارة: التيمم.
(*)(1/137)
بالصعيد.
قال الاعمش: قلت لشقيق: فما كرههه إلا لهذا.
أخرجه البخاري ومسلم من أوجه عن الاعمش (1).
وقال النسائي: أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الحكم، عن ذر بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه أن رجلا سأل عمر عن التيمم فلم يدر ما يقول.
فقال عمار: أتذكر حيث كنا في سرية فأجنبت فتمعكت في التراب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما يكفيك هكذا: وضرب شعبة بيديه على ركبتيه ونفخ في يديه، ومسح بهما وجهه، وكفيه مرة واحدة (2).
وقال الشارح في هامش الصفحة: وجد في نسخة زيادة: أخبرنا اسماعيل بن مسعود، أنبأنا خالد، أنبأنا شعبة، عن الحكم [ قال ] (3): سمعت ذرا يحدث عن ابن أبزي عن أبيه قال، وقد سمعه الحكم من ابن عبد الرحمن قال: أجنب رجل فأتى عمر (رض) فقال: إني اجنبت فلم أجد ماء قال: لا تصلي.
قال له عمار أما تذكر: إنا كنا في سرية فأجنبنا.
فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فإني تمعكت، فصليت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما يكفيك.
وضرب شعبة بكفه ضربة، ونفخ فيها، ثم دلك إحداهما بالاخرى ثم مسح بهما وجهه.
__________
(1) السنن الكبرى: 1 / 211، صحيح البخاري مشكول: 1 / 72.
(2) سنن النسائي: 1 / 169، مسند أحمد: 4 / 320.
(3) مابين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(*)(1/138)
فقال عمر شيئا لا أدري ما هو فقال: إن شئت ؟ لاحدثته.
وذكر شيئا (1).
علمه بأحكام الشكوك في الصلاة: أخرج أحمد بن حنبل، عن مكحول، عن كريب، عن ابن عباس، أنه قال له عمر: يا غلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من أحد أصحابه ؟: إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع ؟ فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر، أواحدة صلى، أم ثنتين فليجعلها واحدة.
وإذا لم يدر ثنتين صلى، أم ثلاثا فليجعلها ثنتين.
وإذا لم يدر أثلاثا صلى، أم أربعا فليجعلها ثلاثا ثم يسجد - إذا فرغ من صلاته وهو جالس - سجدتين (2).
وأخرج أحمد بن حنبل، عن محمد بن اسحاق، عن مكحول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فشك في صلاته، فإن شك في الواحدة، والثنتين فليجعلهما واحدة، وإن شك في الثنتين، والثلاث، فليجعلهما ثنتين.
وإن شك في الثلاث، والاربع، فليجعلهما ثلاثا، حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم.
ثم يسلم.
قال محمد ابن اسحاق، وقال حسين بن عبد الله: هل أسنده مالك ؟
__________
(1) سنن النسائي: 1 / 169.
(2) مسند أحمد: 1 / 190.
(*)(1/139)
فقلت: لا فقال: لكنه حدثني أن كريبا مولى ابن عباس حدثه عن ابن عباس، قال: جلست إلى عمر بن الخطاب فقال: يابن عباس إذا اشتبه على الرجل في صلاته فلم يدر أزاد، أم نقص قلت: والله يا أمير المؤمنين ما أدري.
ما سمعت في ذلك شيئا.
فقال عمر: والله ما أدري.
قال: فبينا نحن على ذلك إذ جاء عبد الرحمن ابن عوف.
فقال: ما هذا الذي تذاكران ؟ فقال له عمر: ذكرنا الرجل يشك في صلاته كيف يصنع ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا الحديث (1).
تركه القراءة في الصلاة: قال الفخر الرازي: روى أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: صلى بنا عمر بن الخطاب (رض): المغرب فترك القراءة فلما انقضت الصلاة قيل له: تركت القراءة.
قال: كيف كان الركوع والسجود ؟ قال: حسنا.
قال: لا بأس.
قال الشافعي: فلما وقعت هذه الواقعة بمحضر من الصحابة كان ذلك إجماعا (2).
وأخرج أبو نصر عبد الوهاب السبكي، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ".
وأخرج السبكي عن أبي هريرة (رض) أنه قال:
__________
(1) مسند أحمد: 1 / 193.
(2) التفسير الكبير: 1 / 222.
(*)(1/140)
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بالمدينة أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (1).
قنوته بعد الركوع: قال السيوطي: وأخرج البيهقي من طريق سفيان الثوري عن ابن جريح، عن عطاء عن عبيد بن عمير، أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونثني عليك، ولا نكفرك، ونخلع، ونترك من يفجرك.
اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، واليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى نقمتك، إن عذابك بالكافرين ملحق (2).
تشهده: في الموطأ قال: حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدالقاري أنه سمع عمر بن الخطاب، وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
أشهد أن لا إله إلا الله.
وأشهد أن محمد عبيده ورسوله.
هذا الحديث رواه الشافعي في الرسالة 738 تحقيق محمد شاكر.
وقال عنه في الحاشية:
__________
(1) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 3 / 355.
(2) الاتقان في علوم القرآن: 1 / 65.
(*)(1/141)
وقال الزيلعي في نصب الراية: 1 / 422 " وهذا اسناد صحيح " 1 ه (1).
نسيانه في الصلاة: أخرج المتقي الهندي، عن محمد بن سيرين أنه قال: كان عمر بن الخطاب إعتراه نسيان في الصلاة فجعل رجل خلفه يلقنه فإذا أومأ أن يسجد سجد (2).
التكبير على الميت: 1 - أخرج عبد الرزاق عن عبد الرحمن بن أبزي قال: كبر عمر على زينب بنت جحش أربع تكبيرات، وسأل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من يدخلها قبرها ؟ فقلن: من [ كان ] يراها في حياتها (3).
المؤلف: وزاد البيهقي بعد حياتها: قال: صدقن.
2 - قال عبد الله بن يوسف الزيلعي: وكبر عمر على أبي بكر أربعا (4).
3 - أخرج الطحاوي عن أبي وائل: أن عمر بن الخطاب (رض) جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن التكبير على الجنازة، فأخبر كل واحد منهم بما رأى، وبما سمع، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات...(5).
__________
(1) الموطأ: 1 / 90 - 91 كتاب الصلاة باب التشهد.
(3) منتخب كنز العمال بهامش مسند الامام أحمد: 3 / 249.
(3) المصنف لعبد الرزاق: 3 / 480، السنن الكبرى للبيهقي: 4 / 37، نصب الراية
2 / 267 كتاب الصلاة، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 85.
(4) شرح معاني الآثار: 1 / 499، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 2 / 736.
(*)(1/142)
4 - قال الطحاوي: فهذا عمر قد رد الامر في ذلك إلى أربع تكبيرات...فكذلك ما أجمعوا عليه من عدد التكبير بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة فهو حجة، وان كانوا قد علموا من النبي صلى الله عليه وسلم خلافه.
وما فعلوا ذلك، وأجمعوا عليه بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة فهو حجة وان كانوا قد علموا من النبي صلى الله عليه وسلم خلافه.
وقال السيوطي: و [ عمر ] أول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات (1).
الكلالة: إعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئا (2).
الكلالة لغة: قال الفيومي: الكلالة: بنو العم الاباعد.
وتقول العرب هو: (ابن عم الكلالة) و (ابن عم كلالة) إذا كان من العشيرة ولم يكن لحا.
وقال الواحدي في التفسير: كل من مات ولا ولد له ولا والد فهو (كلالة ورثته): وكل وارث ليس بولد للميت، ولا والد فهو: (كلالة موروثه) (فالكلالة) إسم يقع على الوارث، والمورث إذا كانا بهذه الصفة (3).
__________
(1) تاريخ الخلفاء: ص 137.
(2) عمر بن الخطاب.
(3) مصباح المنير: ص 538.
(*)(1/143)
عمر والكلالة: 1 - أخرج أحمد عن معبد بن أبي طلحة اليعمري أنه قال: قال عمر (رض): وأيم الله، ما أغلظ لي نبي الله صلى الله عليه وسلم في شئ منذ صحبته أشد ما اغلظ لي في شأن الكلالة حتى طعن باصبعه في صدري وقال: تكفيك آية الصيف التي نزلت في آخر سورة النساء (1) وإني لان أعش فسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ ومن لا يقرأ...(2).
قال رسول الله من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والارض (3) 2 - أخرج المتقي الهندي، عن الحكم بن مسعود الثقفي أنه قال: قضى عمر بن الخطاب في امرأة توفيت، وتركت زوجها، وامها وإخواتها لامها، ولاخوتها لابيها وامها.
فأشرك عمر بين الاخوة للام، والاخوة للاب والام، في الثلث.
فقال له رجل (4).
إنك لم تشرك بينهما عام كذا، كذا.
فقال عمر:
__________
(1) قال الله تعالى: { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة: إن امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم } النساء: 176.
(2) مسند أحمد: 1 / 15.
(3) قال الشيخ عبد الرحمن السيوطي: حديث ابن عساكر عن علي حديث صحيح.
الجامع الصغير: 2 / 577.
(4) وفي السنن الكبرى للبيهقي قال له رجل قضيت في هذا عام أول بغير هذا.
قال كيف قضيت ؟ قال: جعلته للاخوة من الام، ولم تجعل للاخوة من الاب والام شيئا قال: تلك على ما قضينا وهذا على ما قضينا.
سنن البيهقي: 6 / 255.
(*)(1/144)
تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضيناه (1).
3 - أخرج الحاكم عن الزهري، عن أبي سلمة أنه قال: جاء ابن عباس (رض) رجل فقال: رجل توفي، وترك بنته، وأخته لامه، وأبيه فقال: لابنته النصف، وليس لاخته شئ.
قال الرجل: فإن عمر (رض) قضى بغير ذلك جعل للابنة: النصف، وللاخت، النصف.
قال ابن عباس.
أنتم أعلم ام الله، فلم ما وجه هذا.
حتى لقيت ابن طاؤس فذكرت له حديث الزهري فقال: أخبرني أبي أنه سمع ابن عباس يقول: قال الله عزوجل: { إن امرؤ هلك ليس له ولد، وله اخت فلها نصف ما ترك }.
قال ابن عباس: فقلتم أنتم لها النصف، وإن كان له ولد.
ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (2).
4 - أخرج المتقي الهندي، عن ابراهيم أن رجلا عرف اختا له سبيت في
الجاهلية فوجدها ومعها ابن لها لا يدري من أبوه فاشتراهما، وأصاب الغلام موئلا ثم مات فأتوا ابن مسعود فذكروا له ذلك فقال: آت أمير المؤمنين عمر فسله عن ذلك ثم ارجع فاخبرني بما يقول لك ! فأتى عمر فذكر ذلك له فقال:
__________
(1) كنز العمال: 11 / 25 - 26، السنن الكبرى للبيهقي: 6 / 255 ط الهند، فجر الاسلام احمد أمين المصري: ص 237، من فتاوى وأقضية عمر بن الخطاب ص 274.
(2) المستدرك على الصحيحين: 4 / 339، تلخيص المستدرك: 4 / 339.
(*)(1/145)
ما أراك عصبة، ولا بذي فريضة.
فرجع إلى ابن مسعود فأخبره، فانطلق ابن مسعود حتى دخل على عمر فقال: كيف أفتيت بهذا الرجل ؟ فقال: لم أره عصبة، ولا بذي فريضة.
فقال عبد الله: هذا لم تورثه من قبل الرحم، ولا ورثته من قبل الولاء.
قال: ما ترى ؟ قال: أراه ذا رحم، وولي النعمة، وأرى أن تورثه.
قال: فورثه (1).
من أقضية عمر: قال الشافعي: أخبرنا مالك، وسفيان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب (رض) قضى في الغزال بعنز.
وقال الشافعي: أخبرنا مالك، وسفيان عن أبي الزبير عن جابر: أن عمر بن الخطاب (رض) قضى في اليربوع (2) بجفرة (3) (4).
تنقيصه من الحد: أخرج البيهقي عن ثابت، عن أبي رافع، عن عمر (رض) إنه اتى بشارب
__________
(1) كنز العمال: 11 / 33 ط بيروت.
(2) اليربوع: دويبة نحو الفارة لكن ذنبه واذناه أطول من يديه عكس الزرافة المصباح المنير: ص 217.
(3) الجفرة: الانثى من ولد الضأن والذكر.
وقيل: (الجفر) من ولد المعز ما بلغ أربعة أشهر، والانثى: (جفرة).
انظر: المصباح المنير: ص 103.
(4) مسند الامام الشافعي: ص 134 ط بيروت.
(*)(1/146)
فقال لابعثنك إلى رجل لا تأخذه فيك هوادة فبعث به إلى مطيع بن الاسود العدوى فقال: إذا أصبحت غدا فاضربه الحد فجاء (رض) وهو يضربه ضربا شديدا قال: قتلت الرجل كم ضربته ؟ قال: ستين قال: أمضي عنه بعشرين (1).
قال أبو عبيد أمضى عنه بعشرين يقول: اجعل شدة ضربه هذا الضرب الذي ضربته قصاصا بالعشرين التي بقيت (2).
رجل وامرأة على فاحشة: قال السيد احمد بن زيني دحلان مفتي مكة المكرمة: روى أن عمر كان يعس ليلة بالمدينة فرأى رجلا، وامرأة على فاحشة، فلما أصبح قال للناس: أرأيتم لو كان إماما رأى رجلا، وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد ما
كنتم فاعلين ؟ قالوا: إنما أنت إمام.
فقال علي بن أبي طالب: ليس لك ذلك، إذن يقام عليك الحد.
إن الله لم يأمن على هذا الامر أقل من أربعة شهود، ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم.
ثم سألهم: فقال القوم مثل مقالتهم الاولى.
__________
(1) قال ابن ابي الحديد: قال معناه: إجعل شده هذا الضرب قصاصا بالعشرين التي بقيت من الحد فلا تضربه أياها شرح نهج البلاغة: 3 / 133.
(2) السنن الكبرى: 8 / 317، شرح النهج لابن أبي الحديد: 3 / 133.
(*)(1/147)
وقال علي مثل مقالته الاولى.
فكان عمر مترددا في أن الوالي هل له أن يقضي بعلمه في حدود الله تعالى ؟ فلذلك راجعهم في مقام التقرير، لا في مقام الاخبار خيفة من أن يكون ذلك فيكون قاذفا باخباره.
وقال علي رضي الله عنه.
إلى أنه ليس له ذلك فأخذ عمر (1).
المؤلف: أخرج أبو عمرو، عن ابن مسعود: [ ان صح نسبة هذا الحديث إليه ] (2) لو وضع علم أحياء العرب في كفة ميزان، ووضع علم عمر في كفة لرجح علم عمر.
ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجلس كنت أجلسه مع عمر أوثق في نفسي من عمل سنة (3).
مرافعة: قال أبو المظفر يوسف بن فرغلي الشهير بسبط ابن الجوزي:
وفي رواية: إن رجلين من قريش أودعا امرأة مائة دينار وقالا لها: لا تدفعيها إلى أحدنا حتى يحضر الآخر، وغابا، ثم جاء أحدهما فقال: إن صاحبي قد هلك، واريد المال فدفعته إليه.
ثم جاء الآخر فطلبه (4).
فقالت: أخذه صاحبك.
فقال: ما كان الشرط كذا.
فارتفعا إلى عمر، فقال للرجل: ألك بينة ؟ قال: هي.
فقال عمر: ما أراك إلا ضامنة فقالت: انشدك الله: إرفعنا إلى علي بن أبي طالب، فرفعهما إليه، فقصت المرأة
__________
(1) الفتوحات الاسلامية: 2 / 482.
(2) ما بين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(3) الاستيعاب: 3 / 1149 - 1150.
(4) فطالبها.
(*)(1/148)
القصة عليه فقال للرجل: ألست القائل: لا تسلميها إلى أحدنا دون صاحبه، فقال: بلى: فقال: ما لك عندنا، إحضر صاحبك، وخذ المال.
فانقطع الرجل وكان محتالا فبلغ ذلك عمر فقال: لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب (1).
إصدار حكم برجم إمرأة: أخرج المحب الطبري، عن ابي ظبيان أنه قال: شهدت عمر بن الخطاب (رض) اتى بامرأة قد زنت، فأمر عمر برجمها فانتزعها علي من أيديهم فردهم فرجعوا إلى عمر فقالوا: ردنا علي.
قال: ما فعل هذا علي [ إلا ] لشئ.
فأرسل إليه فجاءه فقال: مالك رددت هؤلاء ؟ ! قال: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل ".
فقال: بلى.
فقال: هذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهواها.
فقال عمر: لا أدري.
قال: أنا أدري.
فترك رجمها (2).
__________
(1) تذكرة الخواص: ص 137 - 138.
(2) ذخائر العقبي: ص 81.
(*)(1/149)
نقضه لحكمه: قال ابن أبي الحديد: وكان عمر يفتي كثيرا بالحكم، ثم ينقضه، ويفتي بضده، وخلافه.
قضى في الجد مع الاخوة قضايا كثيرة مختلفة ثم خاف من الحكم في هذه المسألة، فقال: من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه (1).
إمرأة وضعت لستة أشهر: أخرج السيوطي، عن أبي حرب بن أبي الاسود الدؤلي قال: رفع إلى عمر (رض) امرأة ولدت لستة أشهر فسأل عنها أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم فقال علي رضي الله عنه لا رجم عليه.
ألا ترى: إن الله يقول: { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وقال: وفصاله في عامين، وكان الحمل ها هنا سته أشهر فتركها عمر (رض) قال: ثم بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر (2).
إمرأة اخرى ولدت لستة أشهر: قال السيوطي: أخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال: إني لصاحب المرأة التي اتى بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس
__________
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 61.
(2) الدر المنثور: 6 / 40.
(*)(1/150)
ذلك، فقلت لعمر: لا تظلم، قال: كيف ؟ قلت إقرأ: { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين }.
كم الحول ؟ قال: سنة.
قلت: كم السنة ؟ قال: إثنا عشر شهرا.
قلت: فأربعة وعشرون حولان كاملان، ويؤخر الله من الحمل ما شاء، ويقدم.
قال: فاستراح عمر (رض) إلى قولي (1).
المجنونة التي أمر عمر برجمها: أخرج ابن عبد البر عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن وقال في المجنونة التي أمر عمر برجمها وفي التي وضعت لستة أشهر فأراد عمر رجمها فقال له علي:
إن الله تعالى يقول: { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا }...الحديث.
وقال له: إن الله رفع القلم عن المجنون...الحديث فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر (2).
حكمه لامرأة نكحت في عدتها: أخرج المحب الطبري، عن مسروق أن عمر اتي بامرأة قد نكحت في عدتها ففرق بينهما وجعل مهرها في بيت المال وقال: لا يجتمعان أبدا.
فبلغ ذلك عليا فقال: إن كانا جهلا فلها المهر بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب.
فخطب عمر وقال:
__________
(1) المصدر نفسه: 6 / 40.
(2) الاستيعاب: 3 / 1103.
(*)(1/151)
ردوا الجهالات إلى السنة.
فرجع إلى قول علي (1).
رجم المرأة التي فجرت: أخرج المتقي الهندي، عن ذهل بن كعب أنه قال: أراد عمر أن يرجم المرأة التي فجرت وهي حامل فقال له معاذ: إذا تظلم.
أرأيت الذي في بطنها ما ذنبه ؟ على ما تقتل نفسين بنفس واحدة.
فتركها حتى وضعت حملها فرجمها (2).
إعجابه في بدعته لصلاة التراويح: 1 - قال اليعقوبي: وفي هذه السنة - أي السنة الثالثة عشر -: سن عمر بن الخطاب قيام شهر رمضان، وكتب بذلك إلى البلدان، وأمر
ابي ابن كعب، وتميما الدارمي أن يصليا بالناس.
فقيل له في ذلك: إن رسول الله لم يفعله فقال: إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة (3).
2 - أخرج ابن شبة، عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن قالا: كان الناس يقومون رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر (رض) وبعض إمارة عمر (رض) فرادى، حتى جعل الرجل الذي معه القرآن إذا صلى جاء القوم يقفون خلفه حتى صاروا في المسجد زمرا، هاهنا
__________
(1) ذخائر العقبي: ص 81.
(2) كنز العمال: 5 / 431.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 1400.
(*)(1/152)
زمرة، وهاهنا زمرة، مع كل من يقرأ.
فكلم الناس ابي بن كعب فقالوا: لو جمعتنا فصليت بنا ؟ فلم يزالوا حتى تقدم وصلى الناس خلفه، فأتاهم عمر (رض) فقال: بدعة ونعمت البدعة (1).
3 - أخرج محمد بن اسماعيل البخاري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب (رض) ليلة في رمضان لى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه.
ويصلى الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على ابي بن كعب.
ثم خرجت معه ليلة اخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر:
نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون (2).
* * *
__________
(1) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 713، الرياض النضرة: 1 / 309.
(2) صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 342، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 179، تاريخ المدينة المنورة: 2 / 715.
(*)(1/153)
موقفه من العلم والعلماء(1/155)
إحراق عمرو بن العاص مكتبة الاسكندرية بأمر عمر: قال الاستاذ جرجي زيدان: والمؤرخون من العرب، وغيرهم مختلفون في كيفية ضياعها.
فمنهم: من ينسب إحراقها إلى عمرو بن العاص بأمر عمر بن الخطاب، ويستدلون على ذلك ببعض النصوص العربية، وأشهرها أقوال أبي الفرج الملطي، وعبد اللطيف البغدادي، والمقريزي، والحاج خليفة.
ومنهم: من يجل العرب عن ذلك ويطعن في تلك الروايات ويضعفها.
وقد كنا ممن جارى هذا الفريق في كتابنا " تاريخ مصر الحديث " منذ بضع عشر سنة، ثم عرض لنا بمطالعاتنا المتواصلة في تاريخ الاسلام، والتمدن الاسلامي ترجيح الرأي الاول، لاسباب نحن باسطوها فيم يلي إجلاء للحقيقة فنقول: أولا: قد رأيت فيما تقدم رغبة العرب في صدر الاسلام في محو كل كتاب غير القرآن، بالاسناد إلى الاحاديث النبوية، وتصريح مقدمي الصحابة.
ثانيا: جاء في تاريخ مختصر الدول لابي الفرج الملطي عند كلامه عن فتح مصر على يد عمرو بن العاص مانصه: " وعاش (يحيى الغراماطيقي) إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الاسكندرية، ودخل على عمرو، وقد عرف موضعه من العلوم فأكرمه عمرو، وسمع من الفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها انسة ما هاله، ففتن به.
وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع، صحيح الفكر، فلازمه وكان لا يفارقه.
ثم قال له يحيى يوما: " إنك قد أحطت بحواصل الاسكندرية، وختمت على كل الاصناف الموجودة بها، فمالك به انتفاع، فلا نعارضك به، وما لا انتفاع لك به فنحن(1/156)
أولى به ".
فقال له عمرو: " ما الذي تحتاج إليه ؟ ".
قال: " كتب الحكمة التي في الخزائن الملوكية ".
فقال عمرو: " هذا لا يمكنني أن آمر فيه إلا بعد استيذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ".
فكتب إلى عمر وعرفه قول يحيى فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: "...وأما الكتب التي ذكرتها، فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى، وان كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتقدم بإعدامها ".
فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الاسكندرية، وإحراقها في مواقدها، فاستنفدت في مدة ستة أشهر فاسمع ما جرى واعجب (1).
تحريقه لاحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج ابن سعد، عن عبد الله بن العلاء أنه قال: سألت القاسم أن يملي علي أحاديث فقال: إن الاحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد ان يأتوه بها، فلما أتوه بها، أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب.
قال: فمنعني القاسم يومئذ أن اكتب حديثا (2).
__________
(1) نقله جرجي زيدان عن كتاب مختصر الدول صفحة 180 من طبعة بوك (في اكسفورد) سنة 1663 م وأما النسخة المطبوعة في مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت فقد حذفت منها هذه الجملة لسبب لا نعلمه.
نقلناه من هامش ص 46 من تاريخ التمدن الاسلامي.
(2) الطبقات: 5 / 140.
(*)(1/157)
تقسيم عمر الكوفة على أساس قبلي(1/159)
تقسيم عمر الكوفة على أساس قبلي: أخرج الطبري عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد، قالوا: لما أجمعوا أن يضعوا بنيان الكوفة، ارسل سعد إلى أبي الهياج فأخبره بكتاب عمر في الطرق، أنه أمر بالمناهج أربعين ذراعا، وما يليها ثلاثين ذراعا، وبين ذلك عشرين، وبالازفه سبعة أذرع، ليس دون ذلك شئ، وفي القطائع ستين ذراعا إلا الذي لبني ضبة.
فاجتمع أهل الرأي للتقدير حتى إذا أقاموا على شئ قسم ابو الهياج عليه، فأول شئ خط بالكوفة وبنى حين عزموا على بناء المسجد، فوضع أصحاب الصابون والتمارين من السوق
فاختطوه، ثم قام رجل في وسطه، رام شديد النزع، فرمى عن يمينه فأمر من شأن أن يبني وراء موقع ذلك السهم، ورمى به بين يديه، ومن خلفه، وأمر من شاء أن يبني وراء السهمين، فترك المسجد في مربعة غلوة من كل جوانبه، وبنى ظلة في مقدمه، ليست لها مجنبات ولا مواخير، والمربعة لاجتماع الناس لئلا يزدحموا.
وكذلك كانت المساجد ما خلا المسجد الحرام، فكانوا لا يشبهون به المساجد تعظيما لحرمته، وكانت ظلته مأتى ذراع على أساطين رخام للاكاسرة، سماؤها كأسمية الكنائس الرومية.
وأعلموا على الصحن بخندق لئلا يقتحمه أحد ببنيان.
وبنو السعد (1) دارا بحيالة بينهما طريق منقب مأتى ذراع.
وجعل فيها بيوت الاموال، وهي قصر الكوفة اليوم.
بنى ذلك له روز به من آجر بنيان الاكاسرة بالحيرة، ونهج في الودعة
__________
(1) المراد منه، سعد بن أبي وقاص.
(*)(1/160)
من الصحن خمسة مناهج، وفي قبلته أربعة مناهج، وفي شرقيه ثلاثة مناهج، وفي غربيه ثلاثة مناهج، وعلمها، فأنزل في ودعة الصحن سليما، وثقيفا مما يلي الصحن على طريقين، وهمدان على طريق، وبجيلة على طريق آخر، وتيم اللات على آخرهم، وتغلب.
وأنزل في قبلة الصحن بني أسد على طريق، وبين بني أسد والنخع طريق، وبين النخع وكندة طريق، وبين كندة والازد طريق، وأنزل في شرقي الصحن: الانصار، ومزينة على طريق، وتميما ومحاربا على طريق، وأسدا وعامرا على طريق.
وأنزل في غربي الصحن بجالة وبجله على طريق، وجديلة وأخلاطا على طريق، وجهينة وأخلاطا على طريق.
فكان هؤلاء الذين يلون الصحن، وسائر الناس بين ذلك ومن وراء ذلك.
واقتسمت على السهمان، فهذه مناهجها العظمى.
وبنوا مناهج تحاذي هذه ثم تلاقيها، وأخر تتبعها، وهي دونها في الذرع والمحال من ورائها، وفيما بينها.
وجعل هذه الطرقات من وراء الصحن، ونزل فيها الاعشار من أهل الايام والقوادس.
وحمى لاهل الثغور والموصل أماكن حتى يوافوا إليها، فلما ردفتهم الروادف، البدء والثناء وكثروا عليهم، ضيق الناس المحال فمن كانت رادفته كثيرة شخص إليهم وترك محلته، ومن كانت رادفته قليلة أنزلوهم منازل من شخص إلى رادفته لقلته إذا كانوا جيرانهم، وإلا وسعوا على روادفهم، وضيقوا على أنفسهم، فكان الصحن على حالة زمان عمر كله لا تطمع فيه القبائل، ليس إلا المسجد والقصر، والاسواق في غير بنيان، ولا أعلام.
وقال عمر: الاسواق على سنة المساجد من سبق إلى مقعد فهو له،(1/161)
حتى يقوم منه إلى بيته أو يفرغ من بيعه، وقد كانوا أعدوا مناخا لكل رادف، فكان كل من يجئ سواء فيه - وذلك المناخ اليوم دور بني البكاء - حتى يأتوا بالهياج فيقوم في أمرهم حتى يقطع لهم حيث احبوا...(1).
وأخرج ابن جرير الطبري عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد وزياد، قالوا: ورجح الاعشار بعضهم إلى بعض رجحانا كثيرا فكتب سعد إلى عمر
تعديلهم فكتب إليه: أن عدلهم، فأرسل إلى قوم من نساب العرب، وذوي رأيهم.
وعقلائهم منهم سعيد بن نمران، ومشعلة بن نعيم فعدلوهم عن الاسباع، فجعلوهم أسباعا، فصارت: كنانة وحلفاؤها من الاحابيش وغيرهم، وجديلة - وهم بنو عمرو بن قيس عيلان - سبعا، وصارت قضاعة - ومنه يومئذ غسان بن شبام - وبجبلة وخثعم وكنده وحضرموت، والازد سبعا، وصارت مذحج، وحمير، وهمدان وحلفاؤهم سبعا، وصارت تميم وسائر الرباب وهوازن سبعا، وصارت أسد وغطفان ومحارب والنمر وضبيعة، وتغلب سبعا، وصارت إياد وعك، وعبد القيس وأهل هجر، والحمراء سبعا، فلم يزالوا بذلك زمان عمر وعثمان وعلي وعامة إمارة معاوية حتى ربعهم زياد (2).
ولما كان لهذا التقسيم القبلي السباعي اثره السئ، ترى أن زياد بن أبيه اضطر إلى تعديل هذه الاسباع تعديلا جذريا - سنة خمسين هجرية - حيث جعلها رباعية بدلا من السباعية التي كانت منذ تقسيم عمر لها.
وكان الهدف من هذه الارباع هو أن يخفف من حده العصبية بين القبائل المستقرة في الكوفة فأراد أن يجمع بين كل قبيلتين في ربع واحد
__________
(1) تاريخ الطبري: 2 / 479 - 480 ط بيروت.
(2) تاريخ الطبري: 2 / 481 ط المكتبة العلمية بيروت.
(*)(1/162)
بحيث تكون إحداهما نزارية والاخرى يمنية ولقد استطاع أن يحقق ذلك، فهو بعد أن جمع أهل المدينة في الربع الاول جمع بين تميم وهمدان في الربع الثاني، وبين بكر وكنده في الربع الثالث، وبين أسد ومذحج في الربع الرابع (1) و.
وقال الدكتور شكري فيصل:
ولكن لا تكاد تبنى الكوفة حتى نرى تخطيطا قائما على أساس من توزع القبائل...وقد كان المشرفون على تنظيم الكوفة جديري أن يوزعوا أرضها بين الناس من حيث هم أفراد في هذا المجتمع المدني الناشئ الذي يقبلون عليه [ ويراد منه المجتمع الاسلامي ] (2) لا من حيث هم أعضاء في المجتمع القبلي الذي جاؤا منه [ ويراد به الفكر الجاهلي (3) ] (4).
* * *
__________
(1) انظر: خطط الكوفة لماسنيون: 15 - 16.
(2، 3) مابين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(4) المجتمعات الاسلامية في القرن الاول: ص 102 ط دار العلم للملايين بيروت 1978 م.
(*)(1/163)
إجلاء عمر اليهود والنصارى من الحجاز وإسكانهم الكوفة(1/165)
اليهود استوطن اليهود الكوفة سنة (20 ه) (1) وقد قدم قسم كبير منهم من الحجاز بعد أن أجلاهم منه عمر بن الخطاب (2) وقد كانت لهم محلة تعرف باسمهم في الكوفة كما بنوا فيها معابد لهم ويذكر الرحالة بنيامين أن بالكوفة سبعة الاف يهودي.
وفيها قبر يسكنه اليهود وحوله كنيس لهم (3).
وقد زاولوا بعض الحرف التي كان العرب يأنفون منها كالصياغة وغيرها...وكانت اليهود تحقد على الرسول صلى الله عليه وسلم كأعظم ما يكون الحقد لانه أباد الكثيرين منهم وألحق بهم العار والهزيمة وقد قاموا بدور
فعال - فيما يقوله بعض المحققين في مجزرة كربلاء تشفيا من النبي صلى الله عليه وسلم بأبنائه وذريته.
النصارى: نصارى نجران نزلوا الكوفة في خلافة عمر، واستوطنوا في ناحية سميت محلة (النجرانية) (4) وقد شاركت النصارى مشاركة ايجابية في كثير من اعمال الدولة فقد اتخذ ابو موسى الاشعري أمير الكوفة كاتبا نصرانيا (5) كما ولى الوليدين عقبة والي عثمان رجلا مسيحيا لادارة شؤون مسجد قريب من الكوفة (6) وقد شغل المسيحيون في الكوفة اعمال الصيرفة، وكونوا أسواقا
__________
(1) عن نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق: 103 ليوسف رزق الله غنيمة.
(2) عن الحياة الاجتماعية والاقتصاديه في الكوفة: 105.
(3) عن رحلة بنيامين ترجمة عزار حداد: 146.
(4) عن حياة الشعر في الكوفة: 144.
(5) عن عيون الاخبار 1 / 43.
(6) عن الاغاني 4 / 184.
(*)(1/166)
لها (1) وكانت الحركة المصرفية بأيديهم كما كانوا يقومون بعقد القروض لتسهيل التجارة، وكانت تجارة التبادل والصيرفة بأيديهم (2) وقد مهروا في الصيرفة، ونظموها على شكل يشبه البنوك في هذا العصر.
صلح نجران: أخرج أبو الحسن البلاذري عن الزهري أنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم السيد والعاقب وفد أهل نجران اليمن فسألاه الصلح، فصالحهما عن أهل نجران على ألفي حلة في صفر،
وألف حلة في رجب، ثمن كل حلة أوقية والاوقية وزن أربعين درهما، فإن أدوا حلة بما فوق الاوقية حسب لهم فضل ذلك، وأن أدوها بما دون الاوقيه اخذ منهم النقصان، وعلى أن يأخذ منهم ما اعطوا من سلاح أو خيل أو ركاب أو عرض من العروض بقيمته خصاصا من الحلل، وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا فما دونه، ولا يحبسونهم فوق شهر، وعلى عليهم عاربة ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا.
إن كان باليمن كيد، وإن ما هلك من تلك العارية فالرسل ضامنون له حتى يردوه، وجعل لهم ذمة الله وعهده، وأن لا يفتنوا عن دينهم ومراتبهم فيه، ولا يحشروا، ولا يعشروا، واشترط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به (3).
وقال البلاذري: حدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم، قال: أخذت نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل نجران من كتاب عن الحسن بن صالح رحمه الله.
__________
(1) عن تاريخ الكوفة 146.
(2) عن خطط الكوفة: 146.
(3) فتوح البلدان: 75 تعليق رضوان محمد رضوان ط مصر.
(*)(1/167)
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ماكتب النبي رسول الله محمد لنجران إذ كان له عليهم حكمة في كل ثمرة وصفراء، وبيضاء وسوداء رقيق فأفضل عليهم وترك ذلك ألفي حلة حلل الاواقي في كل رجب ألف حلة، وفي كل صفر ألف حلة كل حلة أوقية، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم وعيرهم وبعثهم، وأمثلتهم لا يغير ما كانوا عليه، ولا يغير حق من حقوقهم.
وأمثلتهم لا يفتن أسقف من أسقفيته، ولا
راهب من رهبانيته، ولا واقه من وقاهيته على ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، وليس عليهم رهق ولا دم جاهلية، ولا يحشرون، ولا يعشرون، ولا يطأ أرضهم جيش.
من سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين بنجران.
ومن أكل منهم ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة.
ولا يؤخذ منهم رجل بظلم رجل آخر ولهم على ما في هذه الصحيفة جوار الله، وذمة محمد النبي أبدا حتى يأتي أمر الله.
ما نصحوا، وأصلحوا فيما عليهم غير مكلفين شيئا بظلم.
شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عمرو، ومالك بن عوف، والاقرع بن حابس الحنظلي والمغيرة وكتب.
وقال يحيى بن آدم وقد رأيت كتابا في يد النجرانيين كانت نسخته شبيهة بهذه النسخة وفي أسفله كتب علي بن ابي طالب ولا أدري ما أقول فيه.
وما زادت حلل الخراج أو نقصت عن الاواقي فبالحساب، وما نقصوا من درع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بالحساب وعلى نجران مثواة رسلي شهرا فدونه ولا يحبس رسلي فوق شهر وعليهم عارية ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا إذا كان كيد باليمن ذو مغدرة أي إذا كان كيد بغدر منهم - وما هلك مما(1/168)
أعاروا رسلي من خيل أو ركاب فهم ضمن حتى يردوه إليهم ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم.
وأرضهم، وقالوا: ولما استخلف أبو بكر الصديق (رض) حمله على ذلك فكتب لهم كتابا على نحو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخلف عمر
ابن الخطاب (رض) أصابوا الربا وكثر فخافهم على الاسلام فأجلاهم وكتب لهم: أما بعد فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الارض، وما اعتملوا من شئ فهو لهم مكان أرضهم باليمن فتفرقوا فنزل بعضهم الشام، ونزل بعضهم النجرانية بناحية الكوفة وبهم سميت ودخل يهود نجران مع النصارى في الصلح وكانوا كالاتباع لهم فلما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو عامله على الكوفة: أما بعد فإن العاقب والاسقف، وسراة نجران أتوني بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأروني شرط عمر وقد سألت عثمان بن حنيف عن ذلك فأنبأني أنه كان بحث عن أمرهم فوجده ضارا للدهاقين لردعهم عن أرضهم، وإني قد وضعت عنهم من جزيتهم مأتى حلة لوجه الله وعقبى لهم من أرضهم، وإني أوصيك بهم فإنهم قوم لهم ذمة.
وسمعت بعض العلماء يذكر أن عمر كتب لهم: أما بعد فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الارض، وسمعت بعضهم يقول: من جريب الارض (1).
* * *
__________
(1) فتوح البلدان: 76 - 78.
(*)(1/169)
منعه من تدوين الحديث(1/171)
منعه لنشر أحاديث رسول الله:
1 - أخرج ابن شبة، عن سعيد بن عبد العزيز أنه قال: قال سعيد: وقال لابي هريرة (رض) لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لالحقنك بأرض الطفيح - يعني أرض قومه -.
وقال لكعب: لتتركن الحديث، أو لالحقنك بأرض القرية (1).
2 - وأخرج المتقي الهندي: عن قرظه بن كعب الانصاري أنه قال: أردنا الكوفة فشيعنا عمر إلى صرار (2) فتوضأ فغسل مرتين، ثم قال: تدرون لم شيعتكم ؟ قلنا: نعم.
نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالاحاديث فتشغلوهم.
جردوا القرآن، واقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...(3).
3 - قال ابن أبي الحديد: وروى أبو جعفر الطبري في تاريخ أنه قال: كان عمر يقول: جردوا القرآن، ولا تفسروه، واقلوا الرواية عن رسول الله، وأنا شريككم (4).
__________
(1) تاريخ المدينة المنورة: 3 / 800.
(2) صرار بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة من طريق العراق، وقيل موضع.
النهاية في غريب الحديث لابن الاثير.
(3) كنز العمال: 2 / 285، تذكرة الحفاظ للذهبي: 1 / 7.
(4) شرح نهج البلاغة: 3 / 120.
(*)(1/172)
4 - أخرج ابن ماجة، عن قرظة بن كعب أنه قال: بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار فقال: أتدرون لم مشيت معكم ؟ قال: قلنا لحق صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحق الانصار.
قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم: إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز، كهزيز الرجل، فإذا رأوكم مدوا اليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد.
فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أنا شريككم (1).
المؤلف: وأورد هذا الحديث الحاكم - وزاد بعد أنا شريككم - قال: فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا.
قال: نهانا ابن الخطاب.
ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد له طرق تجمع، ويذاكر بها، قرظة بن كعب الانصاري صحابي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شرطنا في الصحابة ان لا نطويهم، وأما سائر روايته فقد احتجابه (2).
5 - أخرج الذهبي عن سعد بن ابراهيم، عن أبيه أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا مسعود الانصاري فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وأخرج الحاكم عن سعد بن ابراهيم عن أبيه: إن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود، ولابي الدرداء، ولابي ذر:
__________
(1) سنن ابن ماجة: 1 / 12، طبقات ابن سعد: 6 / 2.
(2) المستدرك على الصحيحين: 1 / 102.
(3) تذكرة الحفاظ: 1 / 7.
(*)(1/173)
ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى اصيب (1).
6 - أخرج ابن شبة، عن زاذان: أن عمر (رض) خرج من المسجد فإذا جمع على رجل فسأل: ما هذا ؟ قالوا: هذا ابي بن كعب، كان يحدث الناس في المسجد.
فخرج الناس يسألونه، فأقبل عمر (رض) حردا فجعل يعلوه بالدرة خفقا، فقال: يا أمير المؤمنين، انظر ما تصنع، قال: فإني على عمد أصنع، أما تعلم أن هذا الذي تصنع فتنة للمتبوع مذلة للتابع ؟ ! (2).
7 - أخرج المتقي الهندي، عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لابي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لالحقنك بأرض دوس، وقال كعب: لتتركن الحديث أو لالحقنك بأرض الغرة (3).
أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه قال: جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
وقال الشيخ محمود ابو رية: وعن الزهري أنه قال: قال عمر: أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...(5).
8 - قال الشيخ محمود أبو رية رحمه الله:
__________
(1) المستدرك 1 / 110، تلخيص المستدرك: 1 / 110.
(2) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 691.
(3) منتخب كنز العمال: 4 / 61.
(4) المصنف: 11 / 325.
(5) شيخ المضيرة أبو هريرة ط ثالثة ص 105 ط دار المعارف بمصر.
(*)(1/174)
وقد عقب الذهبي على نهي عمر عن التحدث فقال: هكذا كان عمر (رض) يقول: أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث.
وروى ابن علية عن جابر بن أبي سلمة قال: بلغني أن معاوية كان يقول: عليكم من الحديث بها كان في عهد عمر فإنه قد أخاف الناس في الحديث عن رسول الله.
وعن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه قال: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر، كنا نخاف السياط.
وكان يقول: أفكنت محدثكم بهذه الاحاديث وعمر حي ؟: أما والله لايقنت أن المخفقة ستباشر ظهري.
وفي رواية: لو كنت احدث في زمان عمر مثل ما احدثكم لضربني بمخفقته (1).
9 - أخرج ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم يملى علي أحاديث فقال: إن الاحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب.
قال فمنعني القاسم يومئذ أن اكتب
حديثا (2).
__________
(1) شيخ المضيرة ص 104 - 105 ط 3 دار المعارف بمصر.
(2) الطبقات: 5 / 188 ط بيروت.
(*)(1/175)
إستحداثه للسجن: قال الاستاذ حسن ابراهيم حسن: 1 - ولم يكن السجن بمعناه المعروف الآن موجودا في زمن الرسول، ولا في عهد أبي بكر، وإنما استحدث في عهد عمر بن الخطاب، إذ كان الحبس لا يتعدى في عهد الرسول منع المتهم من الاختلاط بغيره.
وذلك بوضعه في بيت، أو مسجد، وملازمة الخصم، أو من ينيبه عنه له فلم يكن السجن إذن مكانا يحبس فيه المجرم كما كانت عليه الحال في عهد عمر، ومن جاء من بعده من الخلفاء (1).
قال العلامة المغفور له الشيخ محمود أبوريه: 2 - قال أبو بكر بن العربي في: (العواصم من القواصم) وهو يدافع عن عثمان فيما نسبوه إليه من المناكير ما نصه: ومن العجيب أن يؤخذ عليه في أمر فعله عمر ! فقد روى أن عمر بن الخطاب (رض) سجن ابن مسعود في نفر من الصحابة سنة بالمدينة حتى استشهد فأطلقهم عثمان.
وقال أبو رية رحمه الله: 3 - روى الذهبي في تذكرة الحفاظ عن شعبة عن سعيد بن ابراهيم عن أبيه، أن عمر حبس إبن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا مسعود الانصاري (2).
شجرة الرضوان التي بايع الرسول تحتها:
1 - قال ابن أبي الحديد:
__________
(1) تاريخ الاسلام السياسي: 1 / 485 ط مصر.
(2) أضواء على السنة المحمدية ص 54.
(*)(1/176)
كان الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتون الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها.
فيصلون عندها.
فقال عمر.
أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزى.
ألا: لا اوتي منذ اليوم بأحد عاد لمثلها إلا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد.
ثم أمر بها فقطعت (1).
2 - أخرج ابن حجر العسقلاني عن طارق بن عبد الرحمن أنه قال: انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون قلت ما هذا المسجد ؟ قالوا: هذه الشجرة، حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان.
فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته.
فقال سعيد: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة.
قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها.
فلم نقدر عليها.
فقال سعيد: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها، وعلمتموها أنتم ؟ ! ! (2).
وقال السيوطي: 3 - أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن نافع (رض) أنه قال: بلغ عمر بن الخطاب (رض) إن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت (3).
4 - أخرج ابن سعد عن معقل بن يسار أنه قال:
__________
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 59 - 60.
(2) فتح الباري: 7 / 360.
(3) الدر المنثور: 6 / 73 فتح الباري: 7 / 361، شرح النهج لابن أبي الحديد: 3 / 122، صحيح البخاري: 5 / 124 ط بولاق عام 1314 ه.
(*)(1/177)
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع الناس عام الحديبية تحت الشجرة، ومعقل رافع غصنا من أغصان الشجرة بيده عن رأسه فبايعهم يومئذ على ان لا يفروا، قال: قلنا كم كنتم ؟ قال: الفا واربعمائة.
5 - وأخرج ابن سعد عن نافع أنه قال: كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها: شجرة الرضوان فيصلون عندها، قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأوعدهم فيها وأمر بها فقطعت.
6 - وأخرج ابن سعد عن عامر أنه قال: إن أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان أبو سنان الاسدي (1).
7 - وأخرج ابن سعد عن نافع أنه قال: خرج قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأعوام فما عرف أحد منهم الشجرة واختلفوا فيها.
قال ابن عمر: كانت رحمة من الله (2).
__________
(1) الاحاديث من رقم 4 - 6 من الطبقات ج 2 / 100 ط بيروت.
(2) المصدر نفسه: 2 / 105 ط بيروت.
(*)(1/178)
سيرته مع أهل البيت أهل البيت.
1 - الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وسلم.
2 - امير المؤمنين علي بن أبي طالب.
3 - فاطمة.
4 - الحسن.
5 - الحسين.(1/179)
من هم أهل البيت ؟ الذين أثنى عليهم الله تعالى في كتابه العزيز بقوله عز من قائل: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }.
الاحزاب: 33.
قال الالوسي في تفسيره: أخرج الترمذي، والحاكم وصححاه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، عن أم سلمة رضي الله عنها من طرق قالت: في بيتي نزلت { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } - وفي البيت فاطمة وعلي و الحسن والحسين فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا - ثم قال: وجاء في رواية أخرجها الطبراني عن ام سلمة أنها قالت: فرفعت الكساء لادخل معهم فجذبه صلى الله عليه وسلم من يدي
وقال: إنك على خير.
(وفي اخرى) رواها ابن مردويه أنها قالت: ألست من أهل البيت فقال صلى الله عليه وسلم: إنك إلى خير، إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمراد بهم [ يعني أهل البيت ] من شملهم الكساء، ولا يدخل فيهم ازواجه صلى الله عليه وسلم (1).
__________
(1) روح المعاني: 7 / 44 - 45 ط المطبعة الاميرية بمصر عام 1301 ه علي إمام الائمة: ص 379.
(*)(1/180)
1 - حديث إحراق الدار: 1 - قال ابن عبد ربه الاندلسي: الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر: علي: والعباس، و الزبير، وسعد بن عبادة فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس (1) من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة.
فقالت يابن الخطاب: أجئت لتحرق دارنا.
قال: نعم.
أو تدخلوا فيما دخلت فيه الامة (2).
2 - قال عمر رضا كحالة: وتفقد أبو بكر قوما تخلفوا عن بيعته عند علي بن ابي طالب كالعباس والزبير وسعد بن عبادة فقعدوا في بيت فاطمة.
فبعث أبو بكر عمر بن الخطاب فجاءهم عمر فناداهم وهم في دار فاطمة فأبوا أن يخرجوا.
فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لاحرقنها على من فيها.
فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة قال: وإن...(3).
3 - قال ابو الفتح أحمد بن عبد الكريم الشهرستاني: وقال النظام (4): إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين
__________
(1) قال الجوهري: القبس: شعلة من نار.
الصحاح: 3 / 960 وقال ابن الاثير: القبس: الشعلة من النار.
النهاية في غريب الحديث: 4 / 4.
وقال الاستاذ الشرتوني: القبس: محركة: مصدر.
و - شعلة نار تؤخذ من معظم النار، وقبس منه النار، قبسا: أخذها شعلة فهو (قابس).
و - النار: أوقدها.
أقرب الموارد: 2 / 958 - 959 وقال الشيخ احمد رضا: القبس: النار.
الشعلة تؤخذ من معظم النار.
واحده: قبسة.
معجم متن اللغة: 4 / 481.
(2) العقد الفريد: 2 / 205 ط المطبعة الازهرية المصرية الكائنة بخان جعفر بجوار الساحة الحسينية عام 1321 ه.
(3) اعلام النساء: 4 / 114.
(4) توفي النظام سنة 231 ه انظر: هامش الملل والنحل: 1 / 53.
(*)(1/181)
من بطنها (1).
وكان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها وما كان في الدار غير علي، وفاطمة، والحسن والحسين (3).
4 - أخرج البلاذري عن سليمان التميمي، وعن ابن عون: أن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع.
فجاء عمر، ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة: يابن الخطاب، أتراك محرقا علي بابي ؟ قال: نعم.
وذلك أقوى فيما جاء به أبوك (3).
5 - قال عبد الحميد بن أبي الحديد: ولما رأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت، وولولت، واجتمع معها نساء
كثير من الهاشميات، وغيرهن فخرجت إلى باب حجرتها وقالت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (4)، والله لا اكلم عمر حتى القي الله.
6 - قال الاستاذ الكبير عبد الفتاح عبد المقصود: "...أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة، والزبير، ورجال من المهاجرين، فقال: والله لاحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة..(5).
__________
(1) إلى هنا ذكره الصفدي في الوافي بالوفيات: 6 / 17.
وفيه: ألقت المحسن من بطنها.
(2) الملل والنحل: 1 / 57.
(3) أنساب الاشراف: 1 / 586.
(4) شرح نهج البلاغة: 2 / 119.
(5) قال ابن أبي الحديد: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الانصار، ونفر قليل من المهاجرين فقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن إلى البيعة أو لاحرقن البيت عليكم.
شرح النهج: 1 / 134 أنساب الاشراف للبلاذري: 1 / 278، تاريخ أبي الفداء: 1 / 156، شرح نهج البلاغة: 2 / 19، الامامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 20، عقد الفريد: 2 / 176، شهيرات = (*)(1/182)
ثم قال الاستاذ: ثم تطالعنا صحائف ما أورد المؤرخون بالكثير من أشباه هذه الاخبار المضطربة التي لا نعدم أن نجد من بينها من عنف عمر ما يصل به إلى الشروع في قتل علي، أو إحراق بيته على من فيه...فلقد ذكر أن أبا بكر أرسل عمر بن الخطاب، ومعه جماعة بالنار، والحطب إلى دار علي وفاطمة، والحسن، والحسين ليحرقوه بسبب الامتناع عن بيعته.
فلما راجع عمر بعض الناس قائلين: " إن في البيت فاطمة..." (1).
قال: " وان !.." (2).
المؤلف يقول: وقد نظم هذه الواقعة شاعر النيل حافظ ابراهيم فقال: وقوله (لعلي) قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها - حرقت دارك لا ابقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها - ما كان غير أبي حفص يفوه بها * امام فارس عدنان وحاميها (2)
__________
= النساء: 3 / 33، الامام علي للاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود: 1 / 266.
ذكروا هؤلاء جميعا أن عمر أتى بالحطب ليحرق باب فاطمة بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله على من فيه، وقيل لعمر: إن في البيت فاطمة.
قال: وإن.
وأخرج المحب الطبري عن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده، إتيان فاطمة، وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة عليه السلام.
خرجه أحمد.
وعن ثعلبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو، أو سفر، بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم أتى فاطمة ثم أتى أزواجه.
خرجه أبو عمر.
انظر: ذخائر العقبى: ص 37.
(1) السقيفة والخلافة: ص 14.
(2) ديوان حافظ ابراهيم: 1 / 75 تحت: عنوان: (عمر وعلي) طبع دار الكتب المصرية بالقاهرة.
(*)(1/183)
وقال ابن قتيبة:...ثم قام عمر فمشى ومعه جماعة حتى، أبوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا ابت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة (1).
1 - منع عمر قربى رسول الله من السهم الذي فرضه الله لهم:
أخرج أبو داود عن يزيد بن هرمز أن نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير ارسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى ويقول لمن تراه.
قال ابن عباس: لقربي رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان عمر عرض علينا من من ذلك فرأيناه دون حقنا، فرددناه عليه وأبينا أن نقبله (2).
وأخرج أحمد عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس يسأله عن أشياء فشهدت ابن عباس حين قرأ كتابه، وحين كتب جوابه.
فقال ابن عباس: والله لولا أرده عن شر يقع فيه ما كتبت إليه، ولا نعمة عين قال: فكتب إليه إنك تسألني عن سهم ذوي القربي الذي ذكره الله عزوجل من هم ؟ وإنا كنا نرى قرابه رسول الله هم فأبي ذلك علينا قومنا..(3).
__________
(1) الامامة والسياسة الطبعة الاخيرة عام 1969 بمصر.
(2) سنن أبي داود: 2 / 26 بيان موضع قسم الخمس، مسند أحمد: 1 / 320 ط مصر، السنن الكبرى للبيهقي: 6 / 344 - 345.
(3) مسند احمد: 1 / 488 وتجده بلفظ آخر: 1 / 292 - 294 - 308.
(*)(1/184)
منعه من الخمس الذي فرضه الله لهم: أخرج ابو نعيم، عن يزيد بن هرمز أن جدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خصال فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علما لما كتبت إليه.
فكتب إليه نجدة: اما بعد: فاخبرني: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو
بالنساء ؟ وهل كان يضرب لهن بسهم ؟ وهل كان يقتل الصبيان ؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم، وعن الخمس لمن هو ؟ فكتب إليه ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فيداوين الجرحى فيستجدين (1) من الغنيمة، فأما السهم فلم يضرب لهن، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل الصبيان.
وكتبت تسألني متى ينقضى يتم اليتيم.
ولعمري إن الرجل ليشيب (2) وإنه لضعيف الاخذ لنفسه، ضعيف الاعطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من أصلح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم.
وكتبت تسألني عن الخمس، وإنا نقول: هو لنا، وأبى علينا قومنا ذلك قال ابو نعيم: هذا حديث صحيح رواه مسلم عن القعني.
ورواه حاتم بن اسماعيل عن جعفر نحوه (3)..3 - منعه قربى الرسول مما أفاء الله على رسوله من بني النضير: أخرج البخاري، عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري:
__________
(1) كذا في الاصل.
(2) لتشيب لحيته.
كذا في الهامش من الحلية.
(3) حلية الاولياء: 3 / 205.
(*)(1/185)
أن عمر بن الخطاب (رض) دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان، وعبد الرحمن، والزبير وسعد يستأذنون فقال: نعم.
فأدخلهم.
فلبث قليلا ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعلي يستأذنان قال: نعم.
فلما دخلا قال: عباس.
يا أمير المؤمنين إقضي بيني، وبين هذا، وهما يختصمان في الذي أفاء الله
على رسوله صلى الله عليه وسلم من بني النضير...فقال جل ذكره: " وما أفاء الله على رسوله فهم فما أوجفتم عليه من خيل، ولا ركاب - إلى قوله -: قدير ".
فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم والله ما اختارها دونكم، ولا استأثرها عليكم.
لقد أعطاكموها، وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال منها.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: فأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضه أبو بكر فعمل فيه، بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم حينئذ.
فأقبل على علي، وعباس وقال: تذكران، أن أبا بكر فيه كما تقولان (1): والله يعلم إنه فه لصادق، بار، راشد، تابع للحق.
ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر فقبضته سنتين من إمارتي، أعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والله يعلم إني فيه: صادق، بار، راشد، تابع للحق ثم جئتماني كلاكما، وكلمتكما واحدة،
__________
(1) وفي بعض نسخ البخاري المطبوعة قديما جاء فيها: إنه غير صادق، وغير بار، وغادر، وهذه العبارة أسقطت من طبعات البخاري المطبوع في مصر - المؤلف -.
(*)(1/186)
وأمركما جميع فجئتني يعني عباسا فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا لي أن أدفعه اليكما قلت: إن شئتما دفعته إليكما.
على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر، وما عملت فيه منذ وليت، وإلا فلا تكلماني، فقلتما إدفعه إلينا بذلك فدفعته إليكما، أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض.
لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما فادفعا إلي فأنا أكفيكماه قال: فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال: صدق مالك بن أوس.
أما سمعت عائشة (رض) زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فكنت أنا أردهن فقلت لهن: ألا تتقين الله، ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا نورث ما تركنا صدقة " يريد بذلك نفسه، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال فانتهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما أخبرتهن.
قال: فكانت هذه الصدقة بيد علي، منعها علي عباسا فغلبه عليها، ثم كان بيد حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن حسن، وحسن ابن حسن كلاهما كان يتداولانها.
ثم بيد زيد بن حسن، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا (1).
__________
(1) صحيح البخاري: 5 / 113 - 115 طبعة كتاب الشعب، صحيح البخاري: 5 / 88، صحيح البخاري: 9 / 122.
(*)(1/187)
عمر أمام فضائل الامام علي: 1 - أخرج المحب الطبري، عن محمد بن الزبير قال:
دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه من الكبر فقلت يا شيخ: من أدركت ؟ قال: عمر (رض) فقلت: فما غزوت معه، قال: غزوت اليرموك.
قلت: فحدثني شيئا سمعته.
قال: خرجت مع فتية حاجا فأصبنا بيض نعام، وقد أحرمنا فلما قضينا نسكنا ذكرنا ذلك لامير المؤمنين عمر فأدبر وقال: أتبعوني.
حتى انتهى إلى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب حجرة منها فأجابته إمرأة فقال: أثم أبو حسن.
قالت: لا.
فمر في المقناة فأدبر وقال: أتبعوني.
حتى انتهى إليه، وهو يسوي التراب بيده فقال: مرحبا يا أمير المؤمنين فقال: إن هؤلاء أصابوا بيض نعام، وهم محرمون فقال: ألا أرسلت إلي قال: أنا أحق بإتيانك.
قال: يضربون الفحل قلائص (1) أبكارا بعدد البيض فما نتج منه أهدوه.
قال عمر: فإن الابل تخدج.
قال علي: والبيض يمرض فلما أدبر قال عمر: " اللهم لا تنزل بي شدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي " (2).
2 - أخرج المحب الطبري، عن عبد الله بن الحسن أنه قال: دخل علي على عمر، وإذا إمرأة حبلى تقاد ترجم قالت: يذهبون بي يرجموني.
فقال يا أمير المؤمنين: لاي شئ ترجم، لان كان لك سلطان عليها فما لك سلطان على ما في
__________
(1) قلائص: جمع قلوص.
وهي الناقة الشابة (عن هامش الكتاب).
(2) ذخائر العقبى: ص 82.
(*)(1/188)
بطنها.
فقال عمر (رض): كل أحد أفقه مني ثلاث مرات.
فضمنها علي حتى ولدت غلاما ثم ذهب بها إليه فرجمها (1).
3 - أخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي، عن جابر أنه قال: قال عمر: كانت لاصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثماني عشر سابقة فخص علي منها بثلاث عشرة، وشركنا في خمس (2).
4 - قال السيد احمد بن زيني دحلان مفتي مكة: فقالوا [ لعمر ] لو عهدت: فقال: كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أولى رجلا أمركم يحملكم على الحق، وأشار إلى علي بن أبي طالب.
ثم رأيت أن لا أتحمله حيا، وميتا (3).
5 - قال القندوزي الحنفي: كانت الصحابة (رض) يرجعون إليه - أي للامام علي - في أحكام الله ويأخذون عنه الفتاوى كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدة مواطن: لولا علي لهلك عمر (4).
6 - أخرج المحب الطبري، عن عمر (رض) وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعلي: إقض بينهما يا أبا الحسن، فقضى علي بينهما.
فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا ؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا.
هذا مولاي، ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
__________
(1) ذخائر العقبى: ص 81.
(2) مقتل الحسين: 1 / 45.
(3) الفتوحات الاسلامية: 2 / 427.
(4) ينابيع المودة: ص 70.
(*)(1/189)
أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة (1).
7 - أخرج السيوطي، عن أبي هريرة أنه قال: قال عمر بن الخطاب: لقد اعطي علي ثلاث خصال لان تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن اعطى حمر النعم.
فسئل وما هن ؟ قال: تزوجه ابنته، وسكناه المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر (2).
قال السيد أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة المكرمة 8 - وحكم علي مرة على أعرابي بحكم فلم يرض بحكمه، فتلببه عمر ابن الخطاب وقال له: ويلك انه مولاك، ومولى كل مؤمن، ومؤمنة (3).
9 - أخرج ان الاثير حديث المناشدة في الرحبة (4) وقال: وقد روى مثل هذا: البراء بن عازب وزاد فقال عمر بن الخطاب: يابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل مؤمن (5).
10 - قال السيد أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة المكرمة: أخرج الطبراني أنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي من التعظيم شيئا لا تصنعه مع أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه مولاي (6).
__________
(1) ذخائر العقبى: ص 68.
(2) تاريخ الخلفاء: ص 172.
(3) الفتوحات الاسلامية: 2 / 470.
(4) الرحبة: ناحية بين المدينة والشام من وادي القرى.
مراصد الاطلاع: 2 / 608.
(5) اسد الغابة في معرفة الصحابة: 4 / 28.
(6) الفتوحات الاسلامية: 2 / 470.
(*)(1/190)
11 - قال أبو المظفر يوسف بن قرغلي البغدادي: وفي رواية: اتى عمر بامرأة وضعت لستة أشهر فأمر برجمها.
فقال علي عليه السلام: ليس عليها رجم.
لان الله تعالى يقول: { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فخلى عنها وقال: اللهم لا تبقني لمعضلة (1) ليس لها ابن أبي طالب.
أقول: وأخرج الخوارزمي عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال: سمعت عمر يقول: اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب حيا (2).
12 - أخرج ابن الاثير، عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن (3).
وأورد هذا الحديث ابن سعد: وذكر بدل ليس لها: ليس فيها: (4).
وقال ابن الاثير: ومنه - أي عمر - حديثه الآخر: اعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو الحسن.
ويريد بأبي حسن: علي بن أبي طالب (5).
13 - وعن البراء بن عازب [ قال ] (6): كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلنا بغدير خم فنودي فينا: الصلاة
__________
(1) قال ابن الاثير: معضلة: أراد المسألة الصعبة، أو الخطة الضيقة المخارج.
النهاية في غريب الحديث: 3 / 254.
(2) تذكرة الخواص: ص 137.
(3) انظر: مقتل الحسين: 1 / 45.
(4) اسد الغابة: 4 / 23.
(5) راجع: الطبقات: 2 ق 2 / 100 ط ليدن.
(6) النهاية في غريب الحديث: 3 / 254.
(*)(1/191)
جامعة.
وكسح - بمعنى نظفها - لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة.
فصلى الظهر وأخذ بيد علي وقال: " ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ؟ قالوا: بلى.
فأخذ بيد علي وقال: " اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه.
اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
قال: فلقيه عمر بعد ذلك، وقال: هنيئا لك يابن أبي طالب أصبحت، وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
وعن زيد بن أرقم مثله (1).
14 - أخرج القندوزي الحنفي عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم ونودي فينا: الصلاة جامعة فصلى الظهر، وأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
قالوا: بلى.
قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه.
قالوا: بلى آخذا بيد علي فقال لهم:
من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
قال: فلقيه عمر بن الخطاب (رض) فقال: هنيئا لك يابن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن، ومؤمنة (2).
15 - أخرج المير سيد علي الهمداني عن البراء بن عازب (رض) في قوله تعالى: " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك ".
أي بلغ من فضائل علي.
نزلت في غدير خم.
فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
__________
(1) عمدة الاخبار في مدينة المختار ص 219 - 220.
(2) ينابيع المودة: 1 / 30 - 31.
(*)(1/192)
" من كنت مولاه فهذا علي مولاه " فقال عمر (رض).
بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي، ومولا كل مؤمن ومؤمنة.
رواه أبو نعيم: وذكره الثعالبي في كتابه (1).
16 - أخرج الحافظ الحسكاني عن أبي هريرة أنه قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله [ له ] صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم، لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يابن أبي طالب (2).
17 - أخرج الخطيب البغدادي، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة أنه قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا، وهو
يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب فقال: " ألست أولى بالمؤمنين " قالوا: بلى يارسول الله.
قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم.
فأنزل الله: " اليوم أكملت لكم دينكم " (3).
18 - قال أبو حامد محمد بن محمد الغزالي في كتابه في باب ترتيب الخلافة والمملكة:
__________
(1) كتاب السبعين في فضائل أمير المؤمنين ص 517 ط باكستان مركز تحقيقات فارسي ايران وباكستان.
(2) شواهد التنزيل: 1 / 157.
(3) تاريخ بغداد: 8 / 290.
(*)(1/193)
وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته [ صلى الله عليه وسلم ] في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول (1).
" من كنت مولاه فعلي مولاه ".
فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن لقد اصبحت مولاي، ومولى كل مولى.
فهذا تسليم، ورضى وتحكيم.
ثم بعد هذا غلب الهوى، لحب الرياسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود النبوة، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الامصار، وسقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الاول، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا (2).
19 - أخرج المحب الطبري، عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع عمر
يقول لعلي وقد سأله عن شئ فأجابه.
أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن (3).
20 - أخرج البيهقي، عن أبي سعيد الخدري قال: حججنا مع عمر بن الخطاب (رض) فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر، لا تضر، ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك، ما قبلتك، ثم قبله.
فقال له علي بن أبي طالب: بلى، يا أمير المؤمنين ! انه يضر، وينفع.
قال: بم ؟ قال: بكتاب الله عزوجل: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على
__________
(1) رواه الامام أحمد في مسنده، وابن ماجة عن البراء رضي الله عنه، والترمذي، والنسائي والضياء عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.
عن هامش سر العالمين 1 / 13 ط مصر.
(2) سر العالمين: 1 / 31 نشر مكتبة الجندي بمصر وتحقيق الاستاذ الشيخ محمد مصطفى أبوالعلا الشهير بحامد.
(3) ذخائر العقبى: ص 82.
(*)(1/194)
أنفسهم ألست بربكم }.
الاعراف: 172.
خلق الله آدم، ومسح على ظهره فقررهم بأنه الرب، وأنهم العبيد، وأخذ عهودهم، ومواثيقهم، وكتب ذلك في رق.
وكان لهذا الحجر عينان، ولسان.
فقال له: إفتح (فاك) قال: ففتح فاه، فألقمه ذلك الرق، فقال: إشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، وإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" يوتى يوم القيامة بالحجر الاسود، وله لسان ذلق يشهد لمن يستلمه بالتوحيد ".
فهو يا أمير المؤمنين يضر، وينفع.
فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن (1).
21 - قال أبو بكر ابن حجة الحموي في فتح بيت المقدس: عندما وصل كتاب أبي عبيدة بن الجراح إلى عمر، فرح، وقرأه على المسلمين وقال: ما ترون رحمكم الله فيما كتب إلينا أمين الامة.
فكان أول من تكلم به عثمان بن عفان.
فلما سمع عمر ذلك من عثمان جزاه خيرا وقال: هل عند أحد منكم غير هذا الرأي.
فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: نعم.
عندي غير هذا الرأي.
وأنا ابديه اليك..والصواب أن تسير إليهم.
ففرح عمر بمشورة علي وقال:..ولست آخذا إلا بمشورة علي، فما عرفناه إلا محمود المشورة، ميمون الطلعة (2).
22 - قال إبن أبي الحديد: وحدثني الحسين بن محمد السيني قال: قرأت على ظهر كتاب، أن عمر نزلت به نازلة، فقام لها، وقعد،
__________
(1) الجامع لشعب الايمان: 7 / 590.
(2) ثمرات الاوراق: 2 / 16 - 17.
(*)(1/195)
وترنح (1) لها، وتقطر.
وقال لمن عنده، معشر الحاضرين.
ما تقولون في هذا الامر فقالوا يا أمير المؤمنين: أنت المفزع، والمنزع فغضب وقال: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا لله وقولوا قولا سديدا " ثم قال:
أما والله إني وإياكم لنعلم ابن نجدتها (2)، والخبير بها قالوا كأنك أردت ابن أبي طالب ؟ قال: وأنى يعدل بي عنه، وهل طفحت حرة مثله ؟ قالوا: فلو دعوت به يا أمير المؤمنين.
قال: هيهات إن هناك شمخا من بني هاشم، واثرة من علم، ولحمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يؤتى، ولا يأتي فامضوا بنا إليه، فاقصفوا نحوه، وأفضوا إليه فألفوه في حائط له عليه تبان.
وهو يتركل على مسحاته ويقرأ: { أيحسب الانسان أن يترك سدى } إلى آخر السورة، ودموعه تهمي على خديه، فأجهش الناس لبكائه.
فبكوا ثم سكت، وسكتوا.
فسأله عمر عن تلك الواقعة فأصدر جوابها.
فقال عمر: أما والله لقد أرادك الحق، ولكن أبى قومك فقال يا أبا حفص: خفض عليك من هنا ومن هنا إن يوم الفصل كان ميقاتا.
فوضع عمر إحدى يديه على الاخرى وأطرق إلى الارض، وخرج وكأنما ينظر في رماد (3).
23 - أخرج الحافظ الكنجي الشافعي، عن حذيفة بن اليمان أنه قال: لقي عمر بن الخطاب فقال له عمر: كيف أصبحت يابن اليمان ؟
__________
(1) أراد عمر بهذا نفسه حيث أنه هو الذي صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابة الكتاب وقال: يهجر.
(2) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الاثير: 5 / 18.
(3) شرح النهج: 3 / 114 - 115.
(*)(1/196)
فقال: كيف تريدني أصبح ؟ أصبحت والله أكره الحق، واحب الفتنة، وأشهد بما لم أره، وأحفظ غير
المخلوق، واصلي على غير وضوء، ولي في الارض ما ليس لله في السماء.
فغضب عمر لقوله، وانصرف من فوره، وقد أعجله أمر، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك، فبينا هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب، فرأى الغضب في وجهه، فقال: ما أغضبك يا عمر ؟ فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته: كيف أصبحت ؟ فقال: أصبحت أكره الحق، فقال: صدق، يكره الموت وهو حق.
فقال: يقول: واحب الفتنة، قال: صدق، يحب المال، والولد، وقد قال الله تعالى: { إنما أموالكم، وأولادكم فتنة }.
الانفال: 28.
فقال يا علي: يقول: وأشهد بما لم أره، فقال: صدق يشهد لله بالوحدانية، والموت، والبعث، والقيامة، والجنة، والنار، والصراط.
ولم ير ذلك كله.
فقال يا علي: وقد قال: إني أحفظ غير المخلوق، قال: صدق.
يحفظ كتاب الله تعالى: القرآن وهو غير مخلوق.
قال: ويقول: اصلي على غير وضوء.
فقال: صدق.
يصلي على ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير وضوء، والصلاة عليه جائزة.
فقال يا أبا الحسن: قد قال أكبر من ذلك.
فقال: وما هو ؟ قال: قال إن لي في الارض ما ليس لله في السماء.
قال: يصدق.
له زوجة والولد.
فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب.(1/197)
وقال الحافظ الكنجي: قلت: هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السير.
(1).
قال الشيخ علوي بن طاهر الهدار الحداد العلوي: أخرج احمد في الناقب، والحافظ أبو سعيد اسماعيل بن علي السمان في الموافقة عن عروة بن الزبير: أن رجلا وقع في علي بمحضر من عمر فقال له عمر: أتعرف صاحب هذا القبر قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب.
فقال عمر: وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب.
لا تذكر عليا إلا بخير فإنك إن انتقصته آذيت صاحب هذا القبر في قبره صلى الله عليه وآله وسلم فعلل عمر (رض) تأذيه صلى الله عليه وآله وسلم بانتقاص علي كرم الله وجهه بأنه نسيبه وقريبه وكون راوي هذا الحديث عروة بن الزبير مما يزيده قوة.
وقال الشيخ علوي: وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في أمير المؤمنين كرم الله وجهه: من آذى عليا فقد آذاني هو في معنى ما سبق وذلك من جملة فضائله ومناقبه التي اقتضتها درجته الرفيعة من الدين، ومحله من الاسلام، والجهاد، والقرابة القريبة (2).
* * *
__________
(1) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ص 218 - 219.
(2) انظر: القول الفصل فيما لبني هاشم وقريش والعرب من الفضل: 2 / 9 ط مصر عام 1343 ه.
(*)(1/198)
24 - قال احمد بن علي بن حجر العسقلاني في ترجمة اسفنديار بن الموفق الواعظ:
إسفنديار بن الموفق بن محمد بن يحيى بن أبو الفضل الواعظ.
روى عن ابي الفتح بن البطي، ومحمد بن سليمان وروح بن أحمد الحديثي، وقرأ الروايات على أبي الفتح بن رزيق، وأتقن العربية، وولى ديوان الرسائل.
روى عنه الديثي وابن النجار وقال: برع في الادب وتفقه للشافعي وكان يتشيع وكان متواضعا عابدا كثير التلاوة، وقال ابن الجوزي حكى عنه بعض عدول بغداد أنه حضر مجلسه بالكوفة فقال: لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1): (من كنت مولاه فعلي مولاه) تغير وجه أبي بكر وعمر فنزلت: { فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا } (2).
__________
(1) لسان الميزان 1 / 387 ط حيدر آباد دكن - الهند عام 1330 هجري وانظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي: 6 / 217 - 218.
(2) قال الزمخشري: أي ساءت وجوههم بأن علتها الكآبة وغشيه الكسوف والقترة وكلحوا وكما يكون وجه من يقاد إلى القتل أو يعرض على بعض العذاب.
تفسير الكشاف: 4 / 139 (سورة الملك).
وقال علي بن محمد البغدادي المعروف بالخازن في تفسير هذه الآية { فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا }.
أي اسودت وعلتها الكآبة.
والمعنى.
قبحت وجوههم بالسواد.
تفسير الخازن: 4 / 292، معالم التنزيل للبغوي: 5 / 423 وقال محمد جمال الدين القاسمي في تفسيره قوله تعالى { سيئت وجوه الذين كفروا } أي ظهر عليها آثار الاستياء من الكآبة الغم، والانكسار والحزن.
محاسن التأويل 16 / 249.
وقال أحمد مصطفى المراغي في تفسير هذه الآية.
ساءهم ذلك وعلت وجوههم الكآبة والحزن وغشيها القترة والسواد إذ جاءهم من أمر الله ما لم يكونوا يحتسبون.
تفسير المراغي: 29 / 23.
وقال محمد علي الصابوني في تفسير هذه الآية: { سيئت وجوه الذين كفروا } أي ظهرت = (*)(1/199)
* * * *
__________
= على وجوهم آثار الاستياء فعلتها الكآبة والغم، والحزن وغشيها الذل والانكسار.
صفوة التفاسير: 3 / 421.
(*)(1/200)
سيرته مع الصحابة(1/201)
أبو بكر بن أبي قحافة: أخرج ابن أبي الحديد، عن الهيثم بن عدي، عن عبد الله بن عباس الهمداني، عن سعيد بن جبير أنه قال: ذكر أبو بكر، وعمر عند عبد الله بن عمر، فقال رجل، كانا والله شمس هذه الامة، ونورها.
فقال ابن عمر: وما يدريك، فقال الرجل: أو ليس قد أئتلفا ؟ فقال ابن عمر: بل اختلفا لو كنتم تعلمون.
أشهد أني كنت عند أبي يوما، وقد أمرني أن أحبس الناس عنه، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر.
فقال عمر: دويبة سوء، ولهو خير من أبيه.
فأوحشني ذلك منه.
فقلت: يا أبت: عبد الرحمن خير من أبيه ؟ فقال: ومن ليس بخير من أبيه.
لا ام لك.
إئذن لعبد الرحمن، فدخل عليه
فكلمه في الحطيئة الشاعر، أن يرضى عنه، وقد كان عمر حبسه في شعر قاله.
فقال عمر: إن في الحطيئة أودا (1) فدعني اقومه بطول حبسه.
فألح عليه عبد الرحمن فأقبل على أبي فقال: أفي غفلة أنت إلى يومك هذا عما كان من تقدم احيمق بني تيم، وظلمه لي.
فقلت: لا علم لي بما كان من ذلك.
قال يا بني فما عسيت أن تعلم.
فقلت: والله لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم.
__________
(1) الاود: العوج.
النهاية في غريب الحديث: 1 / 79.
(*)(1/202)
فقال: إن ذلك لكذلك على رغم أبيك، وسخطه.
فقلت: يا أبت أفلا تجلي عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم.
قال: وكيف لي بذلك مع ما ذكرت إنه أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم.
إذن يرضخ راس أبيك بالجندل (1).
قال ابن عمر: ثم تجاسر والله فجسر، فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا في الناس فقال: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، وقى الله شرها.
فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه.
ثم قال ابن أبي الحديد: وكان عند ابن عباس دفائن علم، يعطيها أهلها، ويصرفها عن غيرهم، فبينما نحن كذلك، إذ أقبل رجل من الازد، فجلس إلينا فأخذنا في ذكر أبي بكر، وعمر، فضحك الشعبي وقال: لقد كان في صدر عمر ضب (2) على أبي بكر.
فقال الازدي: والله ما رأينا، ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قياد الرجل، ولا أقول فيه بالجميل من عمر في أبي بكر.
فأقبل على الشعبي، وقال: يا أخا الازد: فكيف تصنع بالفتنة التي وقي الله شرها.
أترى عدوا يقول في عدو، يريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر، في أبي بكر.
فقال الرجل: سبحان الله أنت تقول ذلك يا أبا عمرو.
فقال الشعبي: أنا أقوله، قاله: عمر بن الخطاب على رؤس الاشهاد فلمه أودع.
فنهض الرجل مغضبا، وهو يهمهم في الكلام بشئ لم أفهمه.
قال مجالد: فقلت للشعبي:
__________
(1) الجندل: الحجارة.
المختار من صحاح اللغة: ص 71.
(2) " لم أزل مضبا " هو من الضب: الغضب والحقد.
النهاية: 3 / 70.
(*)(1/203)
ما أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويثبته فيهم.
قال: إذن والله لا أحفل به، وشئ لم يحفل به عمر حين قام على رؤس الاشهاد من المهاجرين والانصار أحفل به أنا وأذيعوه أنتم عني أيضا ما بدا لكم.
روى شريك بن عبد الله النخعي، عن محمد بن عمرو بن مرة، عن أبيه، عن عبد الله بن سلمة، عن أبي موسى الاشعري أنه قال: حججت مع عمر، فلما نزلنا، وعظم الناس خرجت من رحلي اريده، فلقيني المغيرة بن شعبة، فرافقني، ثم قال: اين تريد ؟ قلت: أمير المؤمنين.
فهل لك ؟ قال: نعم.
فانطلقنا نريد
رحل عمر...حتى انتهينا إلى رحل عمر فلم نجده فسألنا عنه، فقيل قد خرج آنفا فمضينا نقفوا أثره.
حتى دخلنا المسجد، فإذا عمر يطوف بالبيت فطفنا معه فلما فرغ دخل بيني، وبين المغيرة وقال: من أين جئتما ؟ فقلنا: خرجنا نريدك يا أمير المؤمنين.
فأتينا رحلك.
فقيل لنا خرج إلى المسجد فاتبعناك.
فقال: أتبعكما الخير.
ثم نظر المغيرة إلي وتبسم فرمقه عمر فقال: فيم تبسمت أيها العبد.
فقال: من حديث كنت أنا، وأبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك قال: وما ذاك الحديث: فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذكر حسد قريش، وذكر من أراد صرف أبي بكر عن استخلاف عمر.
فتنفس الصعداء ثم قال: ثكلتك امك يا مغيرة، وما تسعة أعشار الحسد، بل وتسعة أعشار العشر، وفي الناس كلهم عشر العشر بل وقريش شركاؤهم أيضا فيه، وسكت مليا وهو يتهادى بيننا ثم قال: ألا أخبركما بأحسد قريش كلها قلنا: بلى يا أمير المومنين.(1/204)
قال: وعليكما ثيابكما.
قلنا: نعم.
قال: وكيف بذلك، وأنتم ملبسان ثيابكما.
قلنا: يا أمير المؤمنين، وما بال الثياب ؟ قال: خوف الاذاعة منها.
قلنا: له أتخاف الاذاعة من الثياب أنت، وأنت من ملبس الثياب أخوف.
وما الثياب أردت ؟ ! قال: هو ذاك.
ثم انطلق، وانطلقنا معه حتى انتهينا إلى رحله فخلى أيدينا من يده ثم قال: لا تريما، ودخل.
فقلت للمغيرة: لا أبا لك لقد آثرنا بكلامنا معه، وما كنا فيه، وما نراه حبسا إلا ليذاكرنا إياها.
قال: فإنا لكذلك إذا أخرج إذنه الينا فقال: ادخلا.
فدخلنا.
فوجده مستلقيا على برذعة برحل.
فلما رآنا تمثل بقول كعب بن زهير: لا تفش سرك إلا عند ذي ثقة * أولى وأفضل ما استودعت أسرارا - صدرا رحيبا وقلبا واسعا قمنا * أن لا تخاف متى استودعت إظهارا فعلمنا إنه يريد كتمان حديثه.
فقلت أنا له: يا أمير المؤمنين ألزمنا، وخصنا، وصلنا.
قال: بماذا يا أخا الاشعريين.
فقلت: بإفشاء سرك، وأن تشركنا، في همتك.
فنعم المستشاران نحن لك.
قال: إنكما كذلك.
فأسألكما عما بدا لكما.
ثم قام إلى الباب ليغلقه فإذا الآذن الذي أذن لنا عليه في الحجرة فقال: إمض عنا لا ام لك.
فخرج، وأغلق الباب خلفه ثم أقبل علينا، فجلس معنا، وقال: سلا: تخبرا.
قلنا: نريد أن يخبرنا أمير المؤمنين بأحسد قريش الذي لم يأمن ثيابنا على ذكره لنا.
فقال: سألتما عن معضلة، وساخبركما.
فليكن عندكما في ذمة منيعة، وحرز ما بقيت، فإذا مت فشأنكما، وما شئتما من إظهار، أو كتمان.(1/205)
قلنا: فإن لك عندنا ذلك.
قال أبو موسى، وأنا أقول في نفسي ما يريد إلا الذين كرهو استخلاف أبي بكر له كطلحة، وغيره، فإنهم قالوا لابي بكر: أتستخلف علينا فظا غليظا ؟ وإذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي.
فعاد إلى التنفس ثم قال: من تريانه: قلنا: ما ندري إلا ظنا.
قال: ومن تظنان ؟
قلنا: عساك تريد القوم الذي أرادوا أبا بكر صرف هذا الامر عنك.
قال: كلا والله بل كان أبو بكر أعق (1)، وهو الذي سألتما عنه.
كان والله أحسد قريش كلها، ثم أطرق طويلا، فنظر المغيرة إلي، ونظرت إليه، وأطرقنا مليا لاطراقه، وطال السكوت منا، ومنه حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه ثم قال: والهفاء على ضئيل (2) بني تيم بن مرة لقد تقدمني ظالما، وخرج منه إلي آثما.
فقال المغيرة: أما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالما فقد عرفناه، كيف خرج اليك منها آثما ؟ ! قال: ذاك لانه لم يخرج إلي منها، إلا بعد يأس منها.
أما والله لو كنت أطعت يزيد بن الخطاب، وأصحابه لم يتلمظ (3) من حلاوتها بشئ أبدا، ولكني قدمت، وأخرت، وصعدت، وصوبت،
__________
(1) عقق: كعمر، وجمع عاق: عققه.
مثل كافر، وكفرة.
(وفي الحديث): ذو عقق.
أي: ذو جزاء فعلك يا عاق.
مختار الصحاح: مادة عقق.
(2) الضئيل: النحيف الدقيق.
النهاية في غريب الحديث: 3 / 69.
(3) قال ابن الاثير: وفي حديث انس " فجعل الصبي يتلمظ " ي يدير لسانه في فيه ويحركه يتتبع أثر التمر، واسم ما يبقي في الفم من أثر الطعام: لماظة النهاية: 4 / 271.
(*)(1/206)
ونقضت (1) وأبرمت 2) فلم أجد إلا إلاغضاء على ما نشب به (3) منها، والتلهف على نفسي، وأملت إنابته (4) ورجوعه، فوالله ما فعل حتى يغر بها لئيما.
قال المغيرة: فما منعك منها يا أمير المؤمنين ؟ وقد عرضك بها يوم السقيفة بدعائك إليها ثم أنت الآن تنقم، وتتأسف.
قال:
ثكلتك امك يا مغيرة، إني كنت اعدك من دهاة العرب كأنك كنت غائبا عما هناك.
إن الرجل ماكرني فماكرته، وألفاني أحذر من قطاة، إنه لما رأى شغف الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه أيقن أنهم لا يريدون به بدلا، فأحب لما رأى من حرص الناس عليه، وميلهم إليه، أن يعلم ما عندي، هل تنازعني نفسي إليها ؟ وأحب أن يبلوني بإطماعي، فيها، والتعريض لي بها، وقد علم، وعلمت لو قبلت ما عرضه علي لم يجب الناس إلي ذلك، فألفاني قائما على أخمصي، مستوفزا حذرا، ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلي ذلك، وأختبأها ضغنا على ما في قلبه، ولم آمن غائلته ولو بعد حين بعدما ما بدا لي من كراهة الناس لي.
أما سمعت ؟ نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي: لا نريد سواك يا أبا بكر أنت لها.
فرددتها إليه عند ذلك فلقد رأيته وجهه سرورا.
ولقد عاتبني مرة على كلام بلغه عني، وذلك لما قدم عليه بالاشعث أسيرا فمن علي، وأطلقه، وزوجه اخته ام فروة.
__________
(1) النقض: ضد الابرام.
قاموس المحيط 2 / 347.
(2) أبرمت الشئ، أي أحكمته.
صحاح اللغة: 5 / 1870.
(3) نشب منشب سوء، وقع فيما لا نجاة منه.
لا روس: المعجم العربي الحديث ص 1205.
(4) الانابة: الرجوع إلى الحق بالوفاء بعد التوبة.
لاروس: المعجم العربي الحديث ص 167.
(*)(1/207)
فقلت للاشعث وهو قاعد بين يديه: يا عدو الله: أكفرت بعد إسلامك، وارتددت ناكصا على عقبيك.
فنظر
إلي نظرا علمت أنه يريد أن يكلمني بكلام في نفسه، ثم لقيني بعد ذلك في سكك المدينة فقال لي: أنت صاحب الكلام يابن الخطاب.
فقلت: نعم يا عدو الله.
ولك عندي شر من ذلك.
فقال: بئس الجزاء هذا منك.
قلت: وعلام تريد مني حسن الجزاء.
قال: لانفتي (1) لك من أتباع هذا الرجل (2).
والله ما جرأتي على الخلاف عليه إلا تقدمه عليك، وتخلفك عنها، ولو كنت صاحبها لما رأيت مني خلافا عليك.
قلت: لقد كان ذلك فما تأمرني الآن ؟ ! قال: إنه ليس بوقت أمر، بل وقت صبر، ومضى، ومضيت.
ولقي الاشعث الزبرقان بن بدر فذكر له ما جرى بيني، وبينه فنقل ذلك إلى أبي بكر فأرسل إلي بعتاب مؤلم.
فأرسلت إليه.
إما والله لتكفن، أو لاقولن كلمة بالغة بي، وبك في الناس تحملها الركبان حيث ساروا، وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفوا، فقال: بل نستديمه، وإنها لصائرة اليك بعد أيام.
فظننت أنه لا يأتي عليه جمعة حتى يردها علي.
فتغافل والله ما ذكرني بعد ذلك حرفا حتى هلك.
__________
(1) أنف من الشئ يأنف انفا إذا كرهه، وشرفت نفسه عنه.
وأراد به هاهنا اخذته الحمية من الغيرة والغضب.
النهاية لابن الاثير: 1 / 76.
(2) يقصد بالرجل هاهنا: الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجه.
(*)(1/208)
ولقد مد في أمدها عاضا علي نواجذه (1) حتى حظره الموت، وأيس منها
فكان منه ما رأيتما.
فاكتما ما قلت لكما عن الناس كافة، وعن بني هاشم خاصة وليكن منكما بحيث أمرتكما.
قوما إذا شئتما على بركة الله.
فقمنا ونحن نعجب من قوله.
فو الله ما أفشينا سره حتى هلك (2).
* * *
__________
(1) العض بالنواجذ: عض بجميع الفم، والاسنان، وهي أواخر الاسنان.
النهاية لابن الاثير: 3 / 252.
(2) شرح نهج البلاغه: 1 / 124 - 125 - 126.
(*)(1/209)
عبد الله بن عباس: 1 - وقال ابن أبي الحديد: فأما ما كان يقوله عمرو بن العاص في علي عليه السلام لاهل الشام إن فيه دعابة يريد أن يعيبه بذلك عندهم.
فأصل ذلك كلمة قالها عمر فتلقفها منه من تلقفها حتى جعلها أعداؤه، عيبا له، وطعنا عليه.
قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في كتاب الامالي: كان عبد الله بن عباس، عند عمر، فتنفس عمر نفسا عاليا.
قال ابن عباس: حتى ظننت أن أضلاعه قد انفجرت فقلت له: ما هذا النفس منك يا أمير المؤمنين، ألا هم شديد.
قال: اي والله يابن عباس إني فكرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الامر بعدي.
ثم قال: لعلك ترى صاحبك لها أهلا.
قلت وما يمنعه من ذلك مع جهاده، وسابقته، وقرابته، وعلمه، قال: صدقت، لكنه امرؤ فيه دعابة..وقال:..ثم أقبل علي ثم قال: إن أحراهم أن يحملهم، على كتاب ربهم، وسنة نبيهم لصاحبك (1)
والله لئن وليها، ليحملنهم على المحجة البيضاء، والصراط المستقيم..ثم قال ابن أبي الحديد: وأنت إذا تأملت حال علي عليه السلام في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وجدته بعيدا عن أن ينسب إلى الدعابة، والمزاح، لانه لم ينقل عنه شئ من ذلك اصلا، لا في الشيعة ولا في كتب المحدثين.
وكذلك إذا تأملت حاله في أيام الخليفتين أبي بكر وعمر لم تجد في كتب
__________
(1) يقصد به: الامام أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه.
(*)(1/210)
السيرة حديثا واحدا يمكن أن يتعلق به متعلق في دعابته، ومزاحه (1)...2 - قال ابن أبي الحديد: وحدثنا أبو زيد عمر بن شبة باسناد رفعه إلى ابن عباس أنه قال: إني لاماشي عمر في سكة من سكك المدينة يده في يدي فقال: يابن عباس ما أظن صاحبك (2) إلا مظلوما.
فقلت في نفسي، والله لا يسبقني بها.
فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي ثم مر يهمهم ساعة، ثم وقف فلحقته.
فقال لي يابن عباس: ما أظن القوم منعهم من صاحبك (3) إلا انهم استصغروه - فقلت في نفسي هذه شر من الاولى - فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر.
(4).
3 - بين عمر وابن عباس: عمر: يابن عباس، أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم ؟
ابن عباس: فكرهت أن أجيبه.
فقلت: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدريني ! فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة، والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لانفسها فأصابت، ووقفت.
فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام، وتمط عني الغضب تكلمت.
__________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 114 - 115.
(2 و 3) يقصد به: الامام أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه.
(4) شرح نهج البلاغة: 2 / 18.
(*)(1/211)
قال: تكلم.
قلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: إختارت قريش لانفسها فأصابت.
ووفقت.
فلو أن قريشا اختارت لانفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.
وأما قولك: إنهم أبو أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عزوجل وصف قوما بالكراهة فقال: { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم }.
فقال عمر: هيهات والله يابن عباس، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن اقرك عليها فتزيل منزلتك مني.
فقلت: ما هي يا أمير المؤمنين ؟ فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلا فمثلي أمات الباطل عن نفسه.
فقال عمر: أنك تقول: إنما صرفوها عنك حسدا، وبغيا، وظلما (1).
فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: ظلما.
فقد تبين للجاهل، والحليم وأما قولك حسدا.
فإن آدم حسد.
ونحن ولده المحسدون.
فقال عمر: هيهات هيهات ! أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا (2) لا يزول.
فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين، لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، بالحسد، والغش، فلان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قلوب بني هاشم.
فقال عمر: إليك عني يابن عباس.
__________
(1) قال عمر بلغني انك تقول: إنما صرفوها عنا حسدا وظلما كذا في تاريخ الطبري 5 / 31.
(2) وقال الطبري: قال عمر: بعد حسدا: ما يحول وضغنا وغشا ما يزول.
(*)(1/212)
فقلت: أفعل.
فلما ذهبت اقوم [ استحيا مني ] (1)، فقال يابن عباس: مكانك ! فوالله إني لراع لحقك، محب لما سرك.
فقلت: يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقا، وعلى كل مسلم، فمن حفظه فحظه أصاب.
ومن أضاعه فحظه أخطأ.
ثم قام فمضى (3).
4 - أخرج المتقي الهندي، عن ابن عباس أنه قال: ذكر عند عمر بن الخطاب { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك }.
قال: انما كان ذلك في حفصة (3).
5 - أخرج المتقي الهندي، عن ابن عباس أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب من المرأتان اللتان تظاهرتا ؟ قال: عائشة، وحفصة، وكان بدء الحديث في شأن مارية ام ابراهيم القبطية، أصابها النبي
صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في يومها، فوجدت حفصة، فقالت: يا نبي الله لقد جئت إلي شيئا ما جئته إلى أحد من أزواجك، في يومي، وفي دوري، وعلى فراشي ؟ قال: ألا ترضين أن احرمها، فلا أقربها ؟ قلت: بلى، فحرمها (4)،
__________
(1) ما بين المعقوفتين في تاريخ الطبري أوردناها منه.
- المؤلف -.
(2) الكامل في التاريخ 3 / 63 - 64، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 107، تاريخ الطبري: 5 / 31.
(3) كنز العمال: 2 / 532 - 523 رقم الحديث 4666.
(4) وفي رواية: لا تخبري بهذا إمرأة منهن، فهي عندك أمانة فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة بالجدار الذي بينها، وبين عائشة، فقالت: ألا ابشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه أمته، وقد أراحنا الله تعالى منها: فأنزل الله: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } ثم قال: (وإن تظاهرا عليه) فهي عائشة وحفصة كانتا لا تكتم إحداهن الاخرى شيئا..كنز العمال: 2 - رقم الحديث 4670.
(*)(1/213)
وقال: لا تذكري ذلك لاحد فذكرته لعائشة، فأظهره الله عليه فأنزل الله تعالى: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك } الآيات كلها.
فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن يمينه، وأصاب جاريته (ابن جرير وابن المنذر) (1).
المؤلف: ذكر البخاري تآمر عائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه
وسلم في صحيحه 3 / 259 - 271 باب لم تحرم ما أحل الله لك وفي 4 / 158 - 205.
6 - وأخرج المتقي الهندي، عن ابراهيم التيمي أنه قال: خلا عمر بن الخطاب ذات يوم فجعل يحدث نفسه، فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الامة، وكتابها واحد، ونبيها واحد، وقبلتها واحدة ؟ قال ابن عباس يا أمير المؤمنين: إنا انزل علينا القرآن، فقرأناه، وعلمنا فيما نزل، وإنه يكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن لا يعرفون فيم نزل، فيكون لكل قوم رأي، فإذا كان لكل قوم رأي، اختلفوا، فإذا اختلفوا، اقتتلوا.
فزبره (2) عمر، وانتهره، وانصرف ابن عباس، ثم دعاه بعد فعرف الذي قال.
ثم قال إيها أعد (3).
7 - وأخرج أحمد عن ابن عباس أنه قال: أردت أن أسأل عمر (رض) فما رأيت موضعا فمكثت سنتين فلما كنا بمر
__________
(1) كنز العمال: 2 / 533 رقم الحديث 4668.
(2) زبره: إنتهره، وأغلظ له القول.
المعجم العربي الحدث لاروس ص 169.
(3) كنز العمال: 2 / 333 رقم الحديث 4167.
(*)(1/214)
الظهران وذهب ليقضي حاجته، فجاء، وقد قضى حاجته فذهبت أصب عليه من الماء قلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عائشة وحفصة (1).
وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:
لبثت سنة وأنا اريد أن أسأل عمر عن المرأيتن اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أهابه فنزل يوما منزلا فدخل الاراك فلما خرج سألته، قال: عائشة وحفصة (2).
8 - أخرج المتقي الهندي عن عمر أنه قال: اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة شهرا حتى أفشت حفصة إلى عائشة الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليكن شهرا، موجدة عليهن فلما مضت تسع وعشرون دخل على أم سلمة وقال: الشهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين (3).
* * *
__________
(1) مسند أحمد: 1 / 48.
(2) صحيح البخاري: 4 / 23 ط مصر 1932 م.
(3) كنز العمال: / 539 رقم الحديث 4673 صحيح البخاري: 3 / 259 - 206 حاشية السندي.
(*)(1/215)
خالد بن الوليد: 1 - قال ابن الاثير: ودخل [ خالد ] (1) المسجد، وعليه قباء، وقد غرز في عمامته أسهما، فقام إليه عمر فنزعها وحطمها وقال له: قتلت امرأ مسلما، ثم نزوت على امرأته، والله لارجمنك بأحجارك (2) ! 2 - قال ابن الاثير: ولما قدم خالد البطاح بث السرايا، وأمرهم بداعية الاسلام، وأن يأتوه
بكل من لم يجب، وإن امتنع أن يقتلوه.
وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلا، فإن أذن القوم فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا فاقتلوا، وانهبوا، وإن أجابوكم إلى داعية الاسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم، وإن أبوا فقاتلوهم.
قال: فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلبة من يربوع، فاختلفت السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة، فكان ممن شهد أنهم قد أذنوا، وأقاموا، وصلوا.
فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شئ.
فأمر خالد مناديا فنادى: أذفؤا اسراكم وفي لغة كنانة: القتل، فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء، فقتلوهم، فقتل ضرار بن الارز مالكا، وسمع خالد الواعية (3) فخرج وقد فرغوا منهم فقال: إذا أراد الله أمرا أصابه.
__________
(1) ما بين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(2) الكامل في التاريخ: 2 / 359.
(3) الواعية الجلية، والصراخ على الميت، ونعيه.
عن هامش الكتاب.
(*)(1/216)
وتزوج خالد ام تميم امرأة مالك.
فقال عمر لابي بكر: إن سيف خالد فيه رهق، وأكثر عليه في ذلك فقال: [ هيه ] يا عمر: تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد فإني لا اشيم سيفا سله الله على الكافرين.
وودى مالكا.
وكتب إلى خالد أن يقوم عليه ففعل، ودخل المسجد وعليه قباء غرز في عمامته أسهما، فقام إليه عمر فنزعها، وحطمها وقال له:
" قتلت امرأ مسلما ثم نزوت (1) على امرأته، والله لارجمنك بأحجارك ": وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله، ودخل على أبي بكر، وأخبره الخبر، واعتذر إليه فعذره، وتجاوز عنه، وعنفه في التزويج الذي كانت عليه العرب من كراهية أيام الحرب.
فخرج خالد وعمر جالس فقال: هلم إلي يا بن ام سلمة فعرف عمر إن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه (2).
خالد وقتله مالك بن نويرة: 3 - قال محمد بن يوسف الكاندهلوي الهندي: إن خالد بن الوليد ادعى أن مالك بن نويرة ارتد بكلام بلغه عنه فأنكر مالك وقال: أنا على الاسلام ما غيرت، ولا بدلت، وشهد له: أبو قتادة، وعبد الله إبن عمر.
فقدمه خالد وأمر ضرار بن الازور الاسدي فضرب عنقه، وقبض خالد امرأته ام متمم فتزوجها.
فبلغ عمر بن الخطاب قتله مالك بن نويرة، وتزويجه امرأته.
فقال لابي بكر (رض) إنه زنى فارجمه ! فقال ابو بكر:
__________
(1) قال ابن الاثير: وفي حديث علي: " امرنا أن لا ننزي الحمر على الخيل " أي نحملها عليها للنسل.
يقال: نزوت على الشئ، أنزوز، نزوا إذا وثبت عليه ".
النهاية: 5 / 44.
(2) الكامل في التاريخ: 2 / 358 - 359.
(*)(1/217)
ما كنت لارجمه تأول فأخطأ.
قال: فإنه قد قتل مسلما فاقتله ! قال: ما كنت لاقتله.
تأول فأخطأ.
قال: فاعزله: قال: ما كنت لاشيم - أي لاغمد - سيفا سله الله عليهم أبدا (1).
4 - قال الاستاذ عبد الكريم الخطيب:
ونحن لا نحب أن ننهي هذه اللمحات من سيرة عمر دون أن نعرض لموقفه من خالد بن الوليد، وعزله إياه من قيادة جيوش المسلمين في الشام، وتولية أبي عبيدة بن الجراح مكانه ! هذه مسألة كثر فيها القول، واختلف عليها الرأي، حتى لقد غمز فيها بعض الباحثين عمر، ونسب عزل خالد إلى أمور شخصية كانت بينه وبين عمر، بعضها في الجاهلية وبعضها في الاسلام...قالوا إنه كان بين عمر وخالد مشاحنة في الجاهلية، وأنهما تصارعا، ونال خالد من عمر وصرعه ! وقالوا: إن خالدا غلبت عليه طبيعته العسكرية، وهو يقود جيوش المسلمين في الجهاد، وأنه لم يستبرأ لدينه بالتروي، والتوقف عند ورود الشبهات.
ويعدون في هذا موقفه من (جزيمة) (2) لما بعثه الرسول الكريم إليهم ليخبر حالهم إن كانوا على الاسلام، أو على الشرك.
فقتلهم خالد، وأخذ أموالهم، لرأي رآه ! ! وقد فزع الرسول لهذا ورفع يديه إلى السماء وقال: " اللهم إني ابرأ إليك من خالد ! ! ".
ويعدون عليه أيضا - في خلافة أبي بكر - أنه قتل " مالك بن نويره " على وجه شبهة، وقتل كذلك " ضرار بن الازور " وتزوج امرأته وهي في عدتها، وكان ذلك في حرب الردة.
__________
(1) حياة الصحابة: 2 / 413 ط حيدر آباد - الهند.
(2) جزيمة: قبيلة عربية.
(*)(1/218)
ويذكرون أن عمر كان له رأي في هذه الهفوات، وكان يشير على أبي بكر بعزله، وإن أبا بكر هم بهذا، ولم يفعل، لانه كان لا يرى من يسد مكان خالد
- فلما ولي عمر الخلافة نفذ الرأي الذي كان يراه فيه ! هذا مجمل ما يذكر من أسباب لعزل خالد (1).
* * *
__________
(1) عمر بن الخطاب: ص 177 - 178.
(*)(1/219)
معاوية بن أبي سفيان: قال العلامة الشيخ محمود أبوريه: مما يدعو إلى الملاحظة هنا أننا لم نجد عمر (رض) قد اتبع هذه السنة في معاوية بن أبي سفيان فقد أبقاه عاملا على دمشق سنين طويلة، ولم يعجزه بالعزل كغيره - وكان ذلك مما أعان معاوية على طغيانه، وأن يحكم حكما قيصريا طوال أيامه وخاصة بعد ان استولى على الشام كله في عهد عثمان، ثم امتد هذا الطغيان الاموي إلى ما بعد معاوية حتى تسلم العباسيون الحكم.
وأمر آخر يستوجب الملاحظة، ذلك أن عمر لم يكن هو الذي ولى معاوية على دمشق، وإنما الذي ولاه أخوه يزيد بن أبي سفيان.
ذلك لما فتحت دمشق في عهد عمر أمر عليها يزيد بن أبي سفيان.
ولما احتضر يزيد (مات بالطاعون سنة 18 ه) استعمل أخاه معاوية، فكأنه من غير أن يستشير عمر فأقره عمر على ذلك.
هذان أمران يستوجبان الملاحظة على موقف عمر من معاوية، وبني أمية، ولم يأت لنا من أحد من المؤرخين في ذلك بيان نسكن إليه (1).
* * *
__________
(1) شيخ المضيرة: ص 86 - 87.
(*)(1/220)
وقال ابن عبدربه الاندلسي: ومن حديث زيد بن أسلم، عن أبيه قال: بعث معاوية إلى عمر بن الخطاب، وهو على الشام بمال، وأدهم، وكتب إلى أبي سفيان أن يدفع ذلك إلى عمر [ يعني: بالادهم: القيد ] وكتب إلى عمر يقول: إني وجدت في حصون الروم جماعة من اسارى المسلمين مقيدين بقيود حديد، أنفدت منها هذا ليراه أمير المؤمنين - وكانت العرب قبل ذلك تقيد بالقيد.
قال الفرزدق: أو لجدل الاداهم ].
فخرج الرسول حتى قدم على سفيان (1) بالمال، والادهم قال: فذهب أبو سفيان بالادهم والكتاب إلى عمر، واحتبس المال لنفسه.
فلما قرأ عمر الكتاب قال [ له ]: فاين المال يا ابا سفيان ؟ قال: كان علينا دين، ومعونة، ولنا في بيت المال حق، فإذا أخرجت لنا شيئا فما قاصصتنا به.
فقال عمر: اطرحوه في الادهم حتى يأتي بالمال.
قال: فأرسل أبو سفيان من أتاه بالمال.
فأمر عمر بإطلاقه من الادهم.
فلما قدم الرسول على معاوية، قال له: رأيت عمر بن الخطاب اعجب بالادهم، قال: نعم، وطرح فيه أباك.
قال: ولم ؟ قال: جاءه بالادهم، وحبس المال...الخ (2).
* * *
__________
(1) كذا ورد في الاصل والصواب: أبي سفيان.
(2) العقد الفريد: 1 / 48 - ط لجنة التاليف بمصر.
(*)(1/221)
سيرته في الرعية(1/223)
قال محمد يوسف الكاندهلوي الهندي: 1 - أخرج المنذر عن الشعبي عن عمر بن الخطاب (رض) قال: إني لابغض فلانا، فقيل للرجل: ما شأن عمر يبغضك ؟ فلما كثر القوم في الدار جاء فقال يا عمر: أفتقت في الاسلام فتقا ؟ قال: لا.
قال: فجنيت جناية.
قال: لا.
قال: أحدثت حدثا.
قال: لا.
قال فعلام تبغضني ؟ وقال الله.
{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا }.
الاحزاب: 58 فقد آذيتني.
فلا غفر الله لك.
فقال عمر: صدق والله..وقد اعترف عمر للرجل بأنه آذاه (1).
2 - قال السيد مؤمن شبلنجي: وكان [ عمر ] يأتي المجزرة، ومعه الدرة، فكل من رآه يشتري لحما يومين متتابعين يضربه بالدرة يقول له: هلا طويت بطنك يوما لجارك، وابن عمك (3).
* * *
__________
(1) حياة الصحابة: 2 / 419 ط حيدر آباد - الهند، كنز العمال: 2 / 480 رقم الحديث 4552.
(2) نور الابصار ص 60، مسند أحمد: 1 / 21.
(*)(1/224)
عمر ودرته: عمر بن شبة قال: حدثنا موسى بن اسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن زيد بن أسلم عن أبيه (1) قال: كان عمر (رض) إذا بعثني إلى أحد من ولده قال لي: لا تخبره لم بعثتك إليه، فلعل الشيطان يعلمه كذبة ! فجائت أم ولد لعبد الرحمن فقالت: إن أبا عيسى لا ينفق علي ولا يكسوني.
قال: ويحك، من أبو عيسى ؟ قالت: إبنك عبد الرحمن.
فقال: وهل لعيسى من أب ؟ ! قال: فأرسلني إليه وقال: قل له: أجب، ولا تخبره لاي شئ دعوته.
قال: فأتيته وعنده ديك، ودجاجة هنديان فقلت له: أجب أباك أمير المؤمنين، قال: وما يريد مني، قلت: لا أدري.
قال: إني اعطيك هذا الديك، والدجاجة على أن تخبرني ما يريد مني.
فاشترطت أن لا يخبر عمر (رض) وأخبرته، وأعطاني الديك، والدجاجة فلما جئت عمر (رض) قال لي: أخبرته ؟ فوالله ما استطعت أن أقول لا.
فقلت: نعم.
قال: أرشاك شيئا ؟ قلت: نعم.
قال: ما رشاك ؟
__________
(1) قال ابن حجر العسقلاني: زيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان بن حارثة بن صبيعة ابن حرام البلوي حليف بني العجلان وهو ابن عم ثابت بن أقوم..الاصابة في تمييز الصحابة 1 / 560.
وقال ابن عبد البر: زيد بن اسلم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان العجلاني [ ثم ] البلوي
ثم الانصاري حليف لبني عمرو بن عوف شهد بدرا فيما ذكر موسى بن عقبة، وشهد أحدا، هو ابن عم ثابت بن أقرم، الاستيعاب: 2 / 536.
(*)(1/225)
قلت: ديكا ودجاجة.
فقبض بيده اليسرى على يدي فجعل يضربني بالدرة، وجعلت أندو وجعل يضربني، وأنا أندو فقال: إنك لجدير.
ثم جاء عبد الرحمن، فقال: هل لعيسى من أب ؟ ! يكتني أبا عيسى ! ! هل لعيسى من أب ! ! (أما تدري ما كنى العرب: أبو سلمة، أبو حنظلة، أبوعرفطة، أبو مرة) (1).
3 - أخرج المتقي الهندي: عن محمد بن المنتشر أنه قال: قال رجل لعمر بن الخطاب: إني لاعرف أشد آية في كتاب الله تعالى، فأهوى فضربه بالدرة.
فقال: ما لك نقبت عنها: حتى علمتها..(2).
تجسس عمر على الرعية (3): 1 - قال السيد أحمد زيني دحلان مفتي مكة:..وكان عمر يعس بالمدينة فسمع رجل في بيت يتغنى فتسور عليه فوجد عنده امرأة، ودنا من خمر (4) فقال يا عدو الله: ظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته.
فقال وأنت يا أمير المؤمنين فلا تعجل، فإني إن كنت عصيت الله في
__________
(1) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 752 - 753.
(2) كنز العمال: 2 / 383 رقم الحديث 4315.
(3) قال الله تعالى: { ولا تجسسوا }.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أوكدت أن تفسدهم.
الفتوحات الاسلامية: 2 / 476.
(4) الدن: كهيئة الحب - المراد بالحب هنا: الجرة - إلا أنه أطول منه، وأوسع رأسا والجمع (دنا) مثل سهم وسهام.
(*)(1/226)
واحدة فقد عصيت الله ثلاثا.
قال الله تعالى: { ولا تجسسوا } وقد تجسست.
وقال الله تعالى: { وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها } وقد تسورت علي.
وقال تعالى: { لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها }.
وقد دخلت بيتي بغير إذن.
ولا سلام.
فقال عمر (رض): هل عندك من خير إن عفوت عنك قال: نعم والله يا أمير المؤمنين لئن عفوت عني لا أعود إلى مثلها أبدا فعفا عنه وخرج وتركه (1).
وقال ابن الاثير: قال بكر بن عبد الله: جاء عمر بن الخطاب إلى عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي في بيته ليلا، فقال له عبد الرحمن: ما جاء بك في هذه الساعة ؟ قال: رفقه نزلت في ناحية السوق خشيت عليهم سراق المدينة، فانطلق فلنحرسهم.
فأتيا السوق فقعدا على نشز من الارض يتحدثان، فرفع لهما مصباح.
فقال عمر: ألم أنه عن المصابيح بعد النوم ؟ فانطلقا فإذا قوم على شراب لهم.
قال: إنطلق فقد عرفته.
فلما أصبح أرسل إليه قال يا فلان:
كنت وأصحابك البارحة على شراب ! قال: وما أعلمك يا أمير المؤمنين ؟ قال: شئ شهدته.
قال: أولم ينهك الله عن التجسس ؟ فتجاوز عنه (2).
2 - قال محمد يوسف الكاندهلوي:
__________
(1) الفتوحات الاسلامية: 2 / 447 شرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 61، من كل واد حجر ص: 292 لحسن خير الدين العمري ط الموصل العراق.
(2) الكامل في التاريخ 3 / 57 ط بيروت.
(*)(1/227)
أخرج أبو الشيخ عن السدي أنه قال: خرج عمر بن الخطاب (رض) فإذا هو بضوء نار ومعه عبد الله بن مسعود (رض) فاتبع الضوء حتى دخل دارا فإذا سراج في بيت، فدخل وذلك في جوف الليل فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة (1) فلم يشعر حتى هجم عليه عمر.
فقال عمر: ما رأيت كالليلة منظرا أقبح من شيخ ينتظر أجله.
فرفع رأسه إليه، فقال بلى يا أمير المؤمنين: ! ما صنعت أنت أقبح.
تجسست وقد نهى عن التجسس، ودخلت بغير إذن ؟ فقال عمر: صدقت (2).
3 - قال ابن عبد ربه: ودخل عمر بن الخطاب (رض) على قوم يشربون [ الخمر ] ويوقدون في الاخصاص فقال: نهيتكم عن معاقرة الشراب فعاقرتم، وعن الايقاد في الاخصاص فأوقدتم.
وهم بتأديبهم فقالوا يا أمير المؤمنين:
نهاك الله عن التجسس، فتجسست، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت فقال: هاتان بهاتين فانصرف، وهو يقول: كل الناس أفقه منك يا عمر (3).
4 - قال محمد يوسف الكاندهلوي: أخرج الطبراني عن أبي قلابة أن عمر (رض) حدث أبا محجن الثقفي
__________
(1) القينة: الامة المغنية.
كذا جاء في هامش الصفحة.
(2) الرياض النضرة: 1 / 375 ط دار الكتب العلمية بيروت.
(3) عقد الفريد: 1 / 341 ط مصر عام 1321 ه.
(*)(1/228)
يشرب الخمر في بيته هو وأصحاب له، فانطلق عمر حتى دخل عليه فإذا ليس عنده إلا رجل.
فقال أبو محجن يا أمير المؤمنين ! إن هذا لا يحل لك.
قد نهاك الله عن التجسس، فقال عمر: ما يقول هذا ؟ فقال زيد بن ثابت، وعبد الرحمن بن الارقم (رض) صدق يا أمير المؤمنين ! هذا من التجسس.
فخرج عمر وتركه.
قال الكاندهلوي: كذا في الكنز 2 / 141 (1).
* * *
__________
(1) حياة الصحابة: 2 / 406.
(*)(1/229)
سيرته مع عماله(1/231)
مشاطرته لجماعة من عماله: قال العلامة الكبير الشيخ محمود أبو رية طاب ثراه: وكان من سنة عمر إذا بعث عاملا له على مدينة، أو ولاية كتب ماله لكي ينظر ما سيتصرف في ولايته، ومدى ما ينتفع منها، فإذا زاد هذا المال بعد توليته شاطره ما يزيد على أصل ماله.
وكان من وصيته ألا يقر عاملا في عمله أكثر من سنة (1).
وقال السيوطي: وأخرج ابن سعد عن ابن عمر أن عمر أمر عماله فكتبوا أموالهم، منه سعد بن أبي وقاص، فشاطرهم عمر في أموالهم، فأخذ نصف، وأعطاهم نصف (2).
أبو بكرة (3) أبو عبيدة الجراح على الشام أبو موسى الاشعري على البصرة أبو هريرة الدوسي (4) على البحرين الحارس بن كعب بن وهب على
__________
(1) شيخ المضيرة ص 85، سير أعلام النبلاء للذهبي: 2 / 218.
(2) تاريخ الخلفاء ص 141.
(3) إمتناع (أبو بكرة) من المشاطرة قال لعمر: والله لان كان هذا المال لله، فما يحل لك أن تأخذ بعضا وتترك بعضا.
وإن كان لنا فمالك أخذه.
فقال له عمر: إما أن تكون مؤمنا لا تغل، أو منافقا أفك.
فقال: بل مؤمن لا أغل.
شيخ المضيرة ص 86.
(4) قال العلامة الشيخ محمود أبوريه رحمه الله: وفي رواية أن عمر قال: هل علمت من حين استعملتك على البحرين، وأنت بلا نعلين، ثم بلغني أنك ابتعت
أفراسا بألف دينار وستمائة دينار.
قال: = (*)(1/232)
حذيفة بن اليمان (1) على المدائن
__________
= كانت لنا أفراس تناتجت، وعطايا تلاحقت.
قال: ليس ذلك لك.
قال له عمر: بلى والله وأوجع ظهرك.
ثم قام إليه بالدرة فضربه بها حتى أدماه.
ثم قال له: إيت بها.
قال: احتسبتها عند الله.
قال: ذلك لو أخذتها من حلال ! وأديتها طائعا.
أجئت من حجر البحرين يجبى الناس لك ؟ لا والله، ولا للمسلمين، ما رجعت بك اميمة (*) إلا لرعية الحمر (* *).
ثم قال أبو رية: وهذه الرواية أقرب إلى الصحة لانها تتفق مع حزم عمر وصرامته، وطبع أبي هريرة، ومهانته وقد ثبت أن عمر شاطره ماله كما شاطره غيره مثل: أبي موسى الاشعري، والحارس بن كعب بن وهب وغيرهما.
أبو هريرة شيخ المضيرة: ص 80 عن العقد الفريد: 1 / 153.
(*) اميمة هي ام أبي هريرة، والرجع والترجيع، والروث.
والمعني: ما ورثت بك أمك لتكون واليا، وأميرا، وإنما تغوطت بك لترعى الحمير.
عن هامش شيخ المضيرة: ص 80.
(* *) والحمر: هي الحمير.
عن هامش شيخ المضيرة: ص 80.
قال ابن كثير الدمشقي: إن عمر استعمل ابا هريرة على البحرين فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر: إستأثرت بهذه الاموال أي عدو الله وعدو كتابه ؟ فقال أبو هريرة: لست بعدو الله، ولا عدو كتابه، ولكن عدو من عادهما.
فقال فمن أين هي لك ؟ قال: خيل نتجت، وغلة، ورقيق لي، واعطيته تتابعت علي...فلما كان بعد ذلك دعاه ليستعمله فأبى...إن عمر غرمه في العمالة الاولى إثنى عشر ألفا فلهذا امتنع في الثانية.
البداية والنهاية: 8 / 116 - 117.
(1) حذيفة بن اليمان من نجباء الصحابة، وصاحب سر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] الذي أسر إليه بأسماء المنافقين.
ولاه عمر على المدائن، وكتب له عهدا قال فيه لاهل المدائن: اسمعوا له، وأطيعوا، واعطوه ما سألكم.
فخرج على حمار موكف، تحته زاده.
فلما قدم المدائن، استقبله أعاضم الدهاقين (التجار) وبيده رغيف، وعرق من لحم.
ولما قرأ عليهم عهده قالوا: سل ما شئت، قال: طعاما آكله، وعلف حماري هذا - مادمت فيكم - من تبن = (*)(1/233)
خالد بن الوليد على الشام سعد بن أبي وقاص (1).
على الكوفة سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي (2) على الطائف سلمان الفارسي على المدائن عتبة بن أبي سفيان (3) على الطائف عمرو بن العاص على مصر عمر بن سعيد (4) على حمص
__________
= فأقام ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر: أقدم، فلما بلغه قدومه، كمن له على الطريق - وكانت هذه عادته - فلما رآه على الحال التي خرج عليها، أتاه فالتزمه وقال: أنت أخي، وأنا أخوك.
شيخ المضيرة ط 3 ص 88 دار المعارف بمصر.
(1) قال ابن سعد: أن عمر أمر عماله فكتبوا أموالهم منهم سعد بن أبي وقاص.
فشاطرهم عمر، فأخذ نصفا وأعطاهم نصفا.
الطبقات: 3 / 221.
(2) قال ابن عبد البر: سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي معدود في أهل الطائف له صحبة، وسماع، ورواية كان عاملا لعمر بن الخطاب على الطائف..الاستيعاب: 2 / 66.
(3) قال ابن عبدربه الاندلسي: ولى عمر بن الخطاب عتبة بن أبي سفيان الطائف وصدقاتها ثم عزله.
تلقاه في بعض الطريق فوجد معه ثلاثين ألفا.
فقال: أنى لك هذا ؟ قال: والله ما هو لك، ولا للمسلمين، ولكنه مال خرجت به لضيعة أشتريها.
فقال عمر: عاملنا وجدنا معه مالا ما سبيله إلا بيت المال.
العقد الفريد: 1 / 49.
قال ابن عبد البر: عتبة بن أبي سفيان بن حرب امية أخو معاوية بن أبي سفيان ابن حرب.
ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى: أبا الوليد.
ولاه عمر بن الخطاب الطائف وصدقاتها.
الاستيعاب: 3 / 120.
(4) ذكر ابن حجر العسقلاني: عمر بن سعيد بن مالك وقال: ذكر الحسن بن علي الكرابيسي في كتاب أدب القضاء له: أن عمر بن الخطاب ولاه فيمن ولي على المغازي أيام الفتوح، الاصابة في تمييز الصحابة: 2 / 519.
(*)(1/234)
عياض بن غنم (1) على الشام قدامة بن مضعون (2) على بحرين
__________
(1) عياض بن غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن ضبة بن الحارث بن فهد القرشي.
أخرج ابن شبة عن هلال بن امية أن عمر بن الخطاب استعمل عياض بن غنم (*) على الشام فبلغه أنه اتخذ حماما، واتخذ نوابا فكتب إليه أن يقدم عليه فقدم، فحجبه ثلاثا، ثم أذن له، ودعا بجبة صوف فقال: إلبس هذه، واعطاه كنف (*) الراعي وثلاثمائة شاة وقال: انعق بها فنعق بها فلما جاوز هنيهة قال: أقبل، فأقبل يسعى فلما أتاه فقال: إصنع بها كذا، وكذا، إذهب فذهب حتى إذا تباعد ناداه يا عياض أقبل فلم يزل يرده حتى عرقه في جبته قال: أوردها علي
يوم كذا وكذا، فأوردها لذلك اليوم، فخرج عمر (رض) إليه فقال: انزع عليها فاستقى حتى ملا الحوض فسقاها ثم قال: إنعق بها فإذا كان يومك كذا فأوردها فلم يزل يعمل به حتى مضى شهران، قال: فاندس إلى إمراة عمر (رض) وكان بينه وبينها قرابة.
فقال: سلي أمير المؤمنين فيم وجد علي ؟ فلما دخل عليها قالت: يا أمير المؤمنين فيم وجدت على عياض ؟ قال: يا عدوة الله، وفيم أنت، وهذا، ومتى كنت تدخلين بيني وبين المسلمين ؟ إنما أنت لعبة يلعب بك.
ثم تتركين.
قال: فأرسل إليها عياض [ قال ]: ما صنعت ؟ فقالت: وددت أني لم أعرفك ما زال يوبخني حتى تمنيت أن الارض انشقت فدخلت فيها، قال: فمكث ما شاء الله ثم اندس إلى عثمان (رض) فقال سله فيم وجد علي ؟ فقال: يا أمير المؤمنين فيم وجدت على عياض فقال: شيخ من شيوخ قريش قال: فتركه بعد ذلك شهرين أو ثلاثة، ثم دعاه فقال: هيه، اتخذت نوابا، واتخذت حماما، أتعود ؟ قال لا قال: إرجع إلى عملك.
تاريخ المدينة المنورة: 3 / 817 - 818.
(*) كنف الراعي: وعاء طويل يكون فيه متاع الراعي، وادواته.
كذا في هامش ص 817 من تاريخ المدينة المنورة.
(2) قدامة بن مضعون: بن حبيب المتوفي (سنة 36 ه) كان من السابقين الاولين واستعلمه عمر بن الخطاب على البحرين قال ابن حجر العسقلاني: إستعمل عمر قدامة على البحرين، في خلافته وله معه قصة، قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب عن الزهري، أخبرني عبد الله بن عامر ابن ربيعة وكان من أكبر بني عدي وكان أبوه شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
إن عمر استعمل قدامة بن مضعون على البحرين، وكان شهد بدرا وهو خال عبيدالله بن عمرو وحفصة كذا اختصره البخاري لكنه موقوف وقد أخرجه عبد الرزاق بطوله قال: = (*)(1/235)
__________
= أنبأنا معمر عن ابن شهاب، أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة:
ان عمر استعمل قدامة بن مضعون على البحرين، وهو خال حفصة وعبد الله ابني عمر فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر من البحرين فقال يا أمير المؤمنين: إن قدامة شرب فسكر، وإني رأيت حدا من حدود الله حقا على أن أرفعه اليك.
قال من يشهد معك، قال أبو هريرة.
فدعا أبا هريرة فقال: بم تشهد قال: لم أره شرب الخمر، ولكني رأيته سكران يقئ فقال: لقد تنطعت في الشهادة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين فقدم، فقال الجارود: أقم على هذا كتاب الله.
فقال عمر: أخصم أنت أم شهيد ؟.
فقال شهيد.
فقال: قد أديت شهادتك.
قال: فصمت الجارود ثم غدا على عمر فقال: أقم على هذا حد الله.
فقال عمر: ما أراك إلا خصما، وما شهد معك إلا رجل واحد.
فقال الجارود: أنشدك الله.
فقال عمر: لتمسكن لسانك أو لاسوأنك.
فقال عمر: ما ذاك بالحق أن يشرب ان عمك الخمر وتسوؤني.
فقال أبو هريرة: يا أمير المؤمنين إن كنت تشك في شهادتنا، فأرسل إلى إبنة الوليد فاسألها - وهي امرأة قدامة - فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها فأقامت الشهادة على زوجها.
فقال عمر لقدامة.
إني حادك.
فقال قدامة.
لو شربت كما تقول ما كان لكم أن تحدوني.
فقال عمر: لم ؟
قال قدامة: قال الله عزوجل: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا...} الآية.
فقال عمر: أخطأت التأويل أنت إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله.
ثم أقبل عمر على الناس فقال: ما ترون في جلد قدامة: فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام مريضا، فسكت على ذلك أياما، ثم أصبح وقد عزم على جلده فقال: ما ترون في جلد قدامة ؟ فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وجعا.
(*)(1/236)
مجاشع بن مسعود السلمي على البصرة معاذ بن جبل على الاردن معاوية بن أبي سفيان على الشام المغيرة بن شعبة على الكوفة نافع بن عمرو الخزاعي على مكة النعمان بن عمرو الخزاعي على النعمان بن عدي على ميسان يعلى ابن امية (1) على صنعاء اليمن يعلى بن منبه على اليمن
__________
= فقال عمر: لان يلقي الله تحت السياط أحب إلي من أن ألقاه وهو في عنقي.
إئتوني بسوط تام فأمر به فجلد فغاضب عمر قدامة وهجره...أخرج ابن شبة عن منذر بن الاشرس: أن عمر (رض) لما ضرب قدامة بن مضعون وغشى
عليه في خمسة وستين، فقال عمر (رض): لو مات لجلدته بقيتها على قبره.
تاريخ المدينة المنورة: 3 / 844.
الاصابة في تمييز الصحابة: 3 / 228 - 229، الاستيعاب: 3 / 1278 - 1279.
قال ابن حجر: وقال عبد الرزاق، عن ابن جريج عن أيوب: لم يحد أحد من أهل بدر في الخمر الا قدامة بن مظعون يعني بعد النبي صلى الله عليه وسلم يقال ان قدامة مات سنة 36 في خلافة علي وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
الاصابة في تمييز الصحابة: 3 / 229، وترجمه ابن عبد البر في الاستيعاب 3 / 1278 وقال: توفي قدامة سنة ست وثلاثين، وهو ابن ثمان وستين سنة.
(1) قال المرحوم الشيخ محمود أبوريه يعلى بن امية أسلم يوم الفتح وشهد حنينا، والطائف، وتبوك.
استعمله عمر على بعض اليمن فحمى لنفسه حمى فاستدعاه عمر فمات قبل أن يصل إليه، وكان ذا منزلة عند عثمان، ومن أجل ذلك استعمله على صنعاء، ولما قتل عثمان كان من الذين يطالبون بدم عثمان، وأعان الزبير في محاربة علي بأربعمائة ألف، وسبعين من قريش - واشترى لعائشة الجمل الذي في حرب الجمل، ثم شهد وقعة الجمل، وجمل عائشة يقال له: (عسكر) اشتراه يعلى بثمانين دينارا، شيخ المضيرة ص 191.
(*)(1/237)
حواره مع أشخاص(1/239)
عمرو بن العاص: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: في حديث عمرو بن العاص حين قدم على عمر (رض) من مصر، وكان واليا عليها.
فقال: كم سرت ؟ فقال: عشرين.
فقال عمر: لقد سرت سير عاشق ! فقال عمرو: إني والله ما تأبطتني الاماء، ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي.
فقال عمر: والله ما هذا بجواب الكلام الذي سألتك عنه، وان الدجاجة لتفحص في الرماد فتضع لغير الفحل، وإنما تنسب البيضة إلى طرقها.
[ فقام عمرو مربد الوجه ] (1).
قوله: " ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي ".
أما البغايا: فإنها الفواجر، والمآلي: خرق (2) تمسكهن النوائح إذا نحن يشرن بها بأيدهن..واحدها: مئلاة.
وإنما أراد عمرو خرق المحيض فشبهها بتلك المآلي.
[ وأنكر عمر فخره بالامهات، وقال إن الفخر للاب الذي إليه النسب ] (3).
وأما الغبرات: فإنها البغايا.
واحدتها: غابر، ثم يجمع غبر، ثم، غبرات جمع الجمع (4) -.
__________
(1) ما بين المعقوفين من شرح النهج لابن أبي الحديد: 3 / 103.
(2) خرق سود يحملها النوائح ويسرن كذا في نهج البلاغة.
(3) ما بين المعقوفين من شرح النهج لابن أبي الحديد.
(4) غريب الحديث والاثر: 4 / 61 - 162، طبع حيدر آباد - الهند عام 1387 ه 1967 م.
(*)(1/240)
وأورد هذا الحديث ابن أبي الحديد في شرح النهج وقال: سألت النقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر، فقال: إن عمروا فخر على عمر، لان ام الخطاب زنجية، وتعرف بباطحلى،
تسمى: صهاك.
فقلت له: وام عمرو النابغة أمة من سبايا العرب.
فقال: أمة عربية من عنزة، سبيت في بعض الغارات، فليس يلحقها من النقص عندهم ما يلحق الاماء الزنجيات...(1).
المؤلف: وأورد هذا الحديث بتصرف كل من: الازهري: في تهذيب اللغة: 8 / 122 مادة غبر طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر بمصر.
والزبيدي: في تاج العروس: 13 / 188 طبع حكومة الكويت، وابن الاثير: في النهاية في غريب الحديث والاثر: 3 / 338 مادة (غبر) تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود الطناحي.
والزمخشري: في الفائق في غريب الحديث 1 / 19 ط عيسى البابي الحلبي بمصر، وابن منظور في لسان العرب: 10 / 8 طبع دار احياء التراث العربي - بيروت.
* * *
__________
(1) شرح نهج البلاغة 12 / 39، 3 / 103.
(*)(1/241)
الحطيئة: أخرج ابن شبة عن عبد العزيز بن أبي سلمة: أن عمر حبس الحطيئة فقال: ماذا تقول لافراخ بذي مرخ (1) * حمر الحواصل لا ماء ولا شجر - ألقيت كاسيهم في قعر مظلمة * فاغفر هداك مليك الناس يا عمر - أنت الامام الذي من بعد صاحبه * القى إليك مقاليد النهى البشر - لم يؤثروك بها إذ قدومك لها * لكن لانفسهم كانت بك الاثر وأخرج ابن شبة عن أبي عياش عن الشعبي قال:
شهدت زيادا أتاه عامر بن مسعود بأبي علاثة التيمي فقال: إنه هجاني فقال: وما قال لك ؟ قال: قال لي: وكيف ارجى ثروها ونماءها * وقد سار فيها خصية الكلب عامر فقال أبوعلاثة: ليس هكذا قلت قال: فكيف قلت ؟ قال: قلت: وإني لارجو ا ثروها ونماءها * وقد سار فيها ناجذ الحق عامر فقال (زياد قاتل الله الشاعر ينقل لسانه كيف يشاء) والله لولا أن تكون سنة لقطعت لسانه، فقام قيس بن فهد الانصاري فقال: أصلح الله الامير، والله لا أدري ممن الرجل، فإن شئت حدثتك ما
__________
(1) ذو مرخ: واد بالحجاز.
وعن مراصد الاطلاع: واد بين فدك، والوابشية كثير الشجر، عن هامش تاريخ المدينة المنورة: 3 / 785.
(*)(1/242)
سمعت عن عمر (رض) قال: وكان يعجب زيادا أن يسمع الحديث عن عمر (رض) فقال: هات.
فقال: شهدته وقد أتاه الزبرقان بن بدر بالحطيئة فقال إنه هجاني.
فقال: وما قال لك ؟ فقال: قال: دع المكارم لا ترحل لبغيتها * واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فقال: ما أسمع هجاء، ولكنه معاتبه جميلة.
فقال الزبرقان: وما تبلغ مروءتي إلا أن آكل، وألبس ! ! والله يا أمير المؤمنين ماهجيت ببيت قط أشد علي منه، سل ابن القريعة يعني - حسان بن ثابت -.
فقال عمر (رض) علي بحسان.
فجئ به فسأله عمر (رض) فقال: لم
يهجه ولكن سلح عليه..فأمر به عمر (رض) فجعل في نقير في بئر ثم ألقى عليه حفصة (1)..* * * *
__________
(1) الحفص: زبيل من جلود.
الصحاح للجوهري: 3 / 1034 تاريخ المدينة المنورة: 3 / 886.
(*)(1/243)
الاشعث بن قيس: أخرج ابن ماجة القزويني، عن الاشعث بن قيس أنه قال: ضفت عمر ليلة.
فلما كان في جوف الليل قام إلى امرأته يضربها فحجزت بينهما.
فلما آوى إلى فراشه قال لي: يا أشعث: احفظ عني شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يسأل الرجل فيم يضرب امرأته، ولا تنم إلا وتر، ونسيت الثالثة (1).
المغيرة بن شعبة: قال ابن أبي الحديد: وقد روى الزبير بن بكار في الموفقيات...عن المغيرة بن شعبة أنه قال: قال لي عمر يوما يا مغيرة: هل أبصرت بهذه عينك العوراء منذ اصيبت قلت: لا.
قال: أما والله ليعورن بنو امية الاسلام كما اعورت عينك هذه، ثم ليعمينه حتى لا يدري أين يذهب، ولا أين يجئ..(2).
* * *
__________
(1) سنن ابن ماجة 1 / 693، مسند أحمد: 1 / 20.
(2) شرح النهج: 3 / 115.
(*)(1/244)
ابن أبي حدرد: ذكر أبو جعفر الطبري تحت عنوان: غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن بحنين في السنة الثانية من الهجرة وقال: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة عن ابن اسحاق عن امية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أنه حدث ان مالك بن عوف بعث عيونا من رجاله لينظروا له ويأتوه بخبر الناس - إلى أن قال - ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد الاسلمي، وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يأتيهم بخبرهم، ويعلم من علمهم.
فانطلق ابن أبي حدرد فدخل عليهم وأقام معهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم ما أمر مالك، وأمر هوازن وما هم عليه.
ثم أتى رسول الله فأخبره الخبر.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فأخبره خبر ابن أبي حدرد فقال عمر: كذب.
فقال إبن أبي حدرد: إن تكذبني فطال ما كذبت يا عمر.
فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله إلى ما يقول: إبن أبي حدرد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كنت ضالا فهداك الله يا عمر (1).
المؤلف: لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على إبن أبي حدرد قوله في عمر، وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: عمر في الوقت بقوله: قد كنت ضالا فهداك الله يا عمر.
* * *
__________
(1) تاريخ الطبري: 2 / 127 الطبعة الاولى مصر.
(*)(1/245)
خولة بنت حكيم: قال الشبلنجي: خرج عمر (رض) من المسجد والجارود العبدي معه فبينما هما خارجان إذا امرأة على ظهر الطريق فسلم عليها عمر، فردت السلام ثم قالت: رويدك يا عمر: عهدي بك، وأنت تسمى عميرا في سوق عكاظ (1) تصارع الصبيان، فلم تذهب الايام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الايام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الموت خس الفوت.
فبكى عمر (رض) فقال الجارود: هيه قد اجترأت على أمير المؤمنين، وأبكيته.
فقال عمر: دعها.
أما تعرف هذه يا جارود ؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات فعمر والله أحرى أن يسمع كلامها (2).
المؤلف: وأوردنا محاولة خولة بنت حكيم مع عمر في المختار من كلمات عمر القصار تحت عنوان: اسكت أتدري من هذه ؟ وأورد ابن عبد البر هذا الحديث مع اختلاف في اللفظ: عمر وخويلة بنت ثعلبة (3)، لا خولة بنت حكيم واليك نصه: قال: حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير قال: سمعت أبي يقول:
__________
(1) قال ابن الاثير: هو موضع بقرب مكة.
النهاية في غريب الحديث: 3 / 284.
(2) نور الابصار ص 58 ط مصر عام 1312، شذرات الذهب: 1 / 19 ط مصر، الفتوحات الاسلامية 2 / 422 - 423، تاريخ المدينة المنورة: 2 / 774.
(3) قال ابن العماد الحنبلي: خولة بنت ثعلبة وفي لفظ خولة بنت خويلد..شذرات الذهب:
لابن العماد الحنبلي 1 / 17..(*)(1/246)
خويلة بنت ثعلبة زوج أوس بن الصامت وهي المجادلة.
وروينا من وجوه عن عمر بن الخطاب (رض) أنه خرج ومعه الناس فمر بعجوز فاستوقفته فوقف، فجعل يحدثها، وتحدثه فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه العجوز.
فقال ويلك: أتدري من هي: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها: { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله }.
والله لو أنها وقفت إلى الليل ما فارقتها إلا لصلاة، ثم أرجع إليها (1).
مع كعب الاحبار: قال الشيخ محمود أبو رية رحمه الله: لما قدم كعب إلى المدينة في عهد عمر، وأظهر إسلامه، أخذ يعمل بدهاء، ومكر لما أسلم من أجله، من إفساد الدين، وافتراء الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما أغراه بالرواية أن عمر بن الخطاب كان في أول أمره يسمع إليه على اعتبار أنه قد أصبح مسلما صادق الايمان فتوسع في الرواية الكاذبة ما شاء أن يتوسع.
قال ابن كثير: لما أسلم كعب في الدولة العمرية جعل يحدث عمر (رض) فربما استمع له عمر فترخص الناس في استماع ما عنده، ونقلوا ما عنده من غث وسمين (2).
__________
(1) الاستيعاب في معرفة الاصحاب: 4 / 291.
(2) أضواء على السنة المحمدية: ص 152 - 153.
(*)(1/247)
عمر وأسقف من نجران: أخرج عبد الرزاق، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه أنه قال: سمعت أسقفا من أهل نجران يكلم عمر بن الخطاب يقول: يا أمير المؤمنين ! إحذر قاتل الثلاثة قال عمر: ويلك وما قاتل الثلاثة ؟ قال: الرجل يأتي إلى الامام بالكذب فيقتل الامام ذلك الرجل يحدث ذلك الرجل يحدث هذا الكذب، فيكون قد قتل نفسه، وصاحبه وإمامه (1).
عمر وصبيغ الكوفي: 1 - أخرج المتقي الهندي، عن أنس أن عمر بن الخطاب جلد صبيغا الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اضطربت الدماء في ظهره (2).
2 - أخرج المتقي الهندي، عن أبي عثمان النهدي، عن صبيغ أنه سأل عمر بن الخطاب عن: المرسلات، والذاريات، والنازعات.
فقال عمر: ألق ما على رأسك فإذا له ضفيرتان فقال له: لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك.
ثم كتب إلى أهل البصرة أن لا تجالسوا صبيغا.
قال أبو عثمان: فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا عنه (3).
3 - أخرج المتقي الهندي، عن ابن العدبس قال: كنا عند عمر بن الخطاب فأتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين: " فالجوار الكنس " فطعن عمر بمخصره معه في عمامة الرجل، فألقاها
__________
(1) المصنف: 11 / 37.
(2) كنز العمال: 2 / 335 رقم الحديث 4172.
(3) كنز العمال: 2 / 335.
(*)(1/248)
عن رأسه، فقال عمر: أحروري ؟ والذي نفس عمر بن الخطاب بيده لو وجدتك محلوقا لانحيت القمل عن رأسك (1).
(الحاكم في الكنى).
4 - أخرج المتقي الهندي، عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني تميم يقال له: صبيغ بن عسل قدم المدينة، وكان عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر، فبعث إليه، وقد أعد له عراجين (2) النخل.
فلما ادخل عليه قال: من أنت ؟ قال: أنا عبد الله صبيغ: قال عمر: وأنا عبد الله عمر، وأوما إليه فجعل يضربه بتلك العراجين.
فما زال يضربه حتى شجه، وجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي أجد في رأسي (3).
(الدارمي ونصر والاصبهاني معا في الحجة، وابن الانباري واللالكاني كر).
5 - عن السائب بن يزيد أنه قال: أتى عمر بن الخطاب فقيل: يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلا يسأل عن تأويل مشكل القرآن.
فقال عمر: اللهم أمكني منه فبينما عمر ذات يوم جالس يغدي الناس إذ جاء وعليه ثياب، وعمامة صفراء حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين: { والذاريات ذروا فالحاملات وقرا } فقال عمر: أنت هو: فقام إليه، وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فقال:
والذي نفس عمر بيده: لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك، ألبسوه
__________
(1) كنز العمال: 2 / 334.
(2) قال ابن الاثير: " عراجين البيت ": الاعواد التي في سقف البيت.
النهاية: 3 / 204.
(3) كنز العمال: 2 / 334 رقم الحديث / 4170.
(*)(1/249)
ثيابا، واحملوه على قتب (1).
وأخرجوه إلى بلاده، ثم ليقم خطيب ثم يقول: إن صبيغا ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك، وكان سيد قومه (2).
6 - أخرج المتقي الهندي: عن مولى ابن عمر أن صبيغا العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين، حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه الرسول بالكتاب، فقرأه، فقال: أين الرجل ؟ قال: في الرحل، قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني العقوبة الموجعة فأتاه، فقال له عمر: عم تسأل ؟ فحدثه، فأرسل عمر إلي يطلب الجريد، فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة ثم تركه حتى برأ ثم عاد له ثم تركه حتى برأ، ثم دعا به ليعود له، فقال صبيغ: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا، وان كنت تريد أن تداويني، فقد والله برأت، فأذن له إلى أرضه، وكتب له إلى أبي موسى الاشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين، فاشتد ذلك على الرجل.
فكتب أبو موسى إلى عمر: أن قد حسنت هيئته، فكتب أن ائذن للناس في مجالسته (3).
7 - عن سعيد بن المسيب قال: جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن
الخطاب فقال يا أمير المؤمنين: اخبرني عن الذاريات ذروا فقال: هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فاخبرني عن الحاملات وقرا قال: هي السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله
__________
(1) كنز العمال: 2 / 333 - 334 رقم الحديث 4169.
(2) الاعواد في سقف البيت.
الانعراج: الانعطاف.
النهاية في غريب الحديث: 3 / 203.
(3) كنز العمال: 2 / 331 ط بيروت رقم الحديث / 4161 الدارمي وابن عبد الحكيم.
(*)(1/250)
عليه وسلم يقوله ما قلته قال: فاخبرني عن الجاريات يسرا قال: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته قال: فاخبرني عن المقسمات أمرا قال: هي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته ثم أمر به فضرب مائة وجعل في بيت فلما برأ دعاه فضربه مائة اخرى، وحمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الاشعري: امنع الناس من مجالسته، فلم يزالوا كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف له بالايمان المغلظة ما يجد في نفسه شيئا فكتب في ذلك إلى عمر فكتب عمر ما إخاله إلا وقد صدق فخل بينه وبين مجالسته الناس (1).
مع عبد الرحمن بن عوف: قال المتقي الهندي: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم نجد فيما انزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ؟ فإنا لم نجدها.
قال: اسقط فيما اسقط من القرآن (2).
مع الجارود: أخرج ابن شبة، عن الحسن البصري أن عمر (رض) كان قاعدا وفي
يده الدرة، والناس عنده فأقبل الجارود، فلما أتى عمر (رض) قال له رجل: هذا سيد ربيعة، فسمعها عمر (رض) وسمعها الجارود من عمر (رض) خفقه - عمر - بالدرة على رأسه.
فقال الجارود: بسم الله.
مه يا أمير المؤمنين، قال: ذلك.
__________
(1) كنز العمال: 2 (سورة الذاريات).
(2) كنز العمال: 2 / 567 ط مؤسسة الرسالة بيروت.
(*)(1/251)
قال: أما والله لقد سمعتها وسمعت ما قال الرجل، قال: فمه، قال: خشيت أن يخالط قلبك منها شئ (فأحببت أن اطاطا منك) (1).
مع رجل: أخرج ابن الاثير عن ابي صبيح التميمي أنه قال: قال الاحنف: كنت مع عمر بن الخطاب فلقيه رجل فقال يا أمير المؤمنين: إنطلق معي فأعدني على فلان فإنه قد ظلمني قال: فرفع عمر الدرة فخفق بها رأسه فقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم حتى إذا شغل في أمر من أمور المسلمين أتيتموه.
أعدني، أعدني.
قال: فانصرف الرجل وهو يتذمر...(2).
مع عجوز: قال السيد أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة المكرمة: ولما رجع [ عمر ] (3) من الشام ووصل إلى المدينة، وانفرد عن الناس يوما ليعرف أخبارهم.
فمر بعجوز في خبائها فقصدها فقالت: يا هذا: ما فعل عمر لما رجع من الشام قال: هو ذا قد أقبل من الشام ووصل إلى المدينة قالت:
لا جزاه الله عني خيرا.
قال: ويحك ؟ ! لم.
قالت:
__________
(1) قال المعلق في الهامش: ما بين الحاصرتين من مناقب عمر لابن الجوزي ص 202.
تاريخ المدينة المنورة: 2 / 690 - 691.
(2) اسد الغابة 4 / 61.
(3) ما بين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(*)(1/252)
إنه والله ما نالني من عطائه منذ ولى الخلافة إلى يومنا هذا دينارا ولا درهم.
قال: ويحك.
وما يدري عمر حالك، وأنت في هذا الموطن فقالت: سبحان الله ما ظننت أن أحدا ليلي على الناس، ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها، فصار يبكي ويقول: واعمراه، واخصوماه، كل أحد أفقه منك يا عمر...(1).
مع رجل عليه ثوب ملالا: قال محمد عبد العزيز الهلاوي: وروى عبد الرزاق أن رجلا دخل على عمر (رض) وعليه ثوب ملالا، فأمر به عمر فمزق عليه، فتطاير في أيدي الناس.
قال عمر: أحسبه حريرا (2).
مع ربيعة بن امية: قال الجصاص: وقد روى عن عمر، أنه غرب ربيعة بن امية بن خلف - في الخمر - إلى خيبر فلحق بهرقل (3) فقال عمر: لا اغرب بعدها أبدا (4).
__________
الفتوحات الاسلامية: 2 / 407، حياة الحيوان الكبرى للدميري: 1 / 50 خلافة عمر، نور الابصار شبلنجي ص 59.
(2) فتاوى وأقضية عمر بن الخطاب ص 279.
(3) قال ابن الاثير: في حديث عبد الرحمن بن أبي بكر " لما اريد على بيعة يزيد بن معاوية في حياة أبيه، قال: جئتم بها هرقلية، وقوقية " أراد أن البيعة لاولاد الملوك سنة ملوك الروم والعجم.
وهرقل: إسم ملك الروم.
وقد تكرر في الحديث.
النهاية في غريب الحديث: 5 / 260 (4) أحكام القرآن: 3 / 256، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 2 / 720، فيض الباري على صحيح البخاري: 4 / 454 ط مصر.
(*)(1/253)
متفرقات من آرائه(1/255)
1 - رأيه في الشعر.
2 - رأيه في أشعر الشعراء.
3 - رأيه في الغناء.
4 - رأيه في النصوص الدينية.
5 - رأيه في الزكاة.
6 - رأيه في تفسير بعض الآيات (*).(1/256)
رأيه في الشعر(1/257)
1 - رأيه في الشعر: قال ابن عبد ربه الاندلسي:
وقال عمر بن الخطاب (رض): أفضل صناعات الرجل: الابيات من الشعر، يقدمها في حاجاته، يستعطف بها قلب الكريم، ويستميل بها قلب اللئيم (1).
2 - رأيه في أشعر الشعراء: قال ابن عبد ربه الاندلسي: وقال عمر للولد الذين قدموا عليه من غطفان: من الذي يقول ؟ حلفت لهم فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب قالوا: نابغة بني ذبيان: قال لهم: * فمن الذي يقول هذا الشعر ؟: أتيتك عاريا خلقا ثيابي * على وجل تظن بي الظنونا - فألفيت الامانة لم تخنها * كذلك كان نوح لا يخون قالوا: هو النابغة.
قال: هو أشعر شعرائكم (2).
__________
(1) العقد الفريد: 5 / 274.
(2) العقد الفريد: 5 / 270 ط لجنة التأليف.
(*)(1/258)
رأيه في الغناء(1/259)
رأيه في الغناء: قال ابن حجر: 1 - روى الذهلي في الزهريات من حديث الزهري عن السائب بن يزيد أنه قال: بينا نحن مع عبد الرحمن بن عوف في طريق مكة، إذ قال عبد الرحمن لرياح بن المعترف غننا فقال له عمر:
لان كنت آخذا فعليك بشعر ضرار بن الخطاب (1).
وقال ابن حجر: 2 - روى السراج في تاريخه من طريق ضمرة بن سعيد، عن قيس بن أبي حذيفة، عن خوات بن جبير قال: خرجنا حجاجا مع عمر فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، فقال القوم غننا من شعر ضرار فقال عمر: دعوا أبا عبد الله فليغن من بنيات فؤاده فما زلت أغنيهم حتى كان السحر فقال عمر: إرفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا (2).
3 - أخرج البيهقي عن قيس بن أبي حذيفة، عن خوات بن حبير قال: خرجنا حجاجا مع عمر بن الخطاب (رض) قال: فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف (رض) قال: فقال القوم غننا يا خوات فغناهم، فقالوا: غننا من شعر ضرار.
فقال عمر (رض) إرفع لسانك يا خوات فقد اسحرنا.
__________
(1) الاصابة: 2 / 209 ترجمة ضرار.
(2) الاصابة: 1 / 457 ط مصر.
(*)(1/260)
فقال أبو عبيدة (رض): هلم إلى رجل أرجو أن لا يكون شرا من عمر (رض) قال: فتنحيت، وأبو عبيدة فما زلنا كذلك حتى صلينا الفجر (1).
4 - اخرج الحاكم، عن عبد الله بن أبي ربيعة: أن الحارث بن عبد الله ابن عياش أخبره:
أن عبد الله بن عباس أخبره، أنه بينا هو يسير مع عمر (رض) في طريق مكة في خلافته، ومعه المهاجرون، والانصار فترنم عمر (رض) ببيت فقال له رجل من أهل العراق ليس معه عراقي غيره: غيرك فليقلها يا أمير المؤمنين، فاستحيا عمر (رض) من ذلك، وضرب راحلته حتى انقطعت من الموكب (2).
طلبه لسماع الغناء.
1 - قال الاستاذ المحامي محمد كامل حسن: وكان عمر يحب الضرب على الدفوف حبا جما.
ويروي المؤرخون عن عمر بن الخطاب واقعة اخرى تظهر حبه للموسيقى والغناء..فقد كان مسافرا إلى مكة المكرمة ليلا، وسمع وهو في الطريق إليها صوت رجل يغني فاتجه ومن معه إلى مصدر الصوت فإذا هم جماعة من المسافرين أناخوا إبلهم ليستريحوا.
فلما شاهدوا عمر بن الخطاب عرفوه، فكف الرجل عن الغناء، فطلب منه عمر أن يعود إلى الغناء وقال له: أنا ما جئتكم إلا للاستماع إلى غنائك...وظل عمر بن الخطاب يسمع غناء الرجل ويستزيده حتى طلع
__________
(1) السنن الكبرى: 5 / 69.
(2) من الركب.
عن هامش السنن.
(*)(1/261)
الفجر (1).
2 - وقال الاستاذ محمد كامل حسن المحامي: كان عمر بن الخطاب رغم ما اشتهر به من قسوة، وخشونة، مولعا بالموسيقى، والغناء ولعا شديدا..ويؤكد بعض المؤرخين أنه كان جميل الصوت
إذا غنى، ويروون عنه أنه غنى بهذا البيت من الشعر: وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد وصار عمر يلون في نغمات الغناء، وينوع تلحينه حتى اجتمع حوله عدد كبير من الناس، وهم يستزيدونه.
وأراد عمر أن يختم هذه الجلسة الغنائية بتلاوة آيات من القرآن الكريم..فتفرق الناس وذهبوا عنه..إذ ذاك صاح فيهم عمر: ثكلتكم امهاتكم !..إذا أخذت في مزامر الشيطان اجتمعتم..وإذا أخذت في كتاب الله تفرقتم (2).
3 - وقال عبد الغني العطري: روى عبد الله بن عوف قال: أتيت عمر بن الخطاب (رض) فسمعته يغني بالركابية يقول: فكيف ثوائي بالمدينة بعدما * قضى وطرا منها جميل بن معمر وكان جميل بن معمر من أخصاء عمر.
قال: فلما استأذنت عليه قال: لي أسمعت ما قلت ؟ قلت: نعم.
قال: أنا إذا خلونا قلنا ما يقول الناس في منازلهم.
ويقول العطري بعد سرده قصة لابي حنيفة في التغني بالشراب:
__________
(1) عمر بن الخطاب: ص 92.
(2) عمر بن الخطاب: ص 89 - 90.
(*)(1/262)
وهذه الحادثة وما سبقها - أي تغني عمر بالركابية - دليل أي دليل على ما للغناء الحسن من أثر في نفس ثاني الخلفاء الراشدين وأحد كبار أئمة الدين (1).
* * *
__________
(1) أدبنا الضاحك ص 176 - 177 ط دار النهار للنشر - بيروت عام 1970 م.
(*)(1/263)
رأيه في النصوص الدينية(1/265)
4 - رأيه في النصوص الدينية.
قال الاستاذ خالد محمد خالد: لقد ترك عمر بن الخطاب النصوص الدينية المقدسة من القرآن والسنة عند ما دعته إلى ذلك المصلحة فلباها.
فبينما يقسم القرآن للمؤلفة قلوبهم حظا من الزكاة، ويؤديه الرسول، ويلتزمه أبو بكر.
يأتي عمر فيقول: إنا لا نعطي على الاسلام شيئا، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر (1).
* * *
__________
(1) الديموقراطية أبدا ص 155 ط المطبعة العمومية بدمشق.
(*)(1/266)
رأيه في الزكاة(1/267)
5 - رأيه في الزكاة: 1 - أخرج الحاكم عن حارثة بن مضرب أنه قال: جاء ناس من أهل الشام إلى عمر بن الخطاب فقالوا: أصبنا أموالا، وخيلا، ورقيقا نحب أن يكون لنا فيها زكاة، وطهور قال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله.
فاستشار عمر عليا رضي الله عنه في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال علي: هو حسن، إن لم يكن جزية (1) يؤخذون بها راتبة.
وقال الحاكم:
هذا حديث صحيح الاسناد إلا أن الشيخين لم يخرجاه عن حارثة، وانما ذكرته للمحدثات الراتبة (2).
2 - أخرج البيهقي عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لابي عبيدة بن الجراح (رض): خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر بن الخطاب (رض) فأبى فكلموه ايضا فكتب إليه عمر بن الخطاب إن احبوا فخذها منهم، وارددها عليهم وارزق رقيقهم.
قال مالك.
أي ارددها على فقرائهم (3).
* * *
__________
(1) وفي مسند أحمد إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها من بعدك.
(2) المستدرك: 1 / 400 - 401، السنن الكبرى للبيهقي: 4 / 118، مسند أحمد: 1 / 14.
(3) السنن الكبرى: 4 / 118.
(*)(1/268)
رأيه في تفسير بعض الآيات(1/269)
الفاكهة، والاب: قال الشيخ جلال الدين السيوطي: 1 - أخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن منذر، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الايمان والخطيب، والحاكم وصححه عن أنس، أن عمر قرأ على المنبر { فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا إلى قوله: وأبا }.
قال: كل هذا قد عرفناه.
فما الاب ؟ ثم رفض [ رفع ] (1) عصا كانت في يده فقال: هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الاب.
اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به، وما لم تعرفوه، فكلوه إلى ربه (2).
2 - أخرج السيوطي، عن عبد الرحمن بن يزيد أن رجلا سأل عمر عن قوله: وفاكهة وأبا، فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة.
ثم قال السيوطي: وأخرج عبد بن حميد، وابن الانباري في المصاحف، عن أنس، قال: قرأ عمر { وفاكهة وأبا } فقال: هذه الفاكهة فقد عرفناها، فما الاب ؟ ثم قال مه.
نهينا عن التكلف (3).
وفاكهة وأبا (4).
3 - عن أنس قال: قرأ عمر: { وفاكهة وأبا } فقال:
__________
(1) ما بين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(2) الدر المنثور: 6 / 317.
(3) المصدر نفسه: 6 / 317.
(4) عبس: 31.
(*)(1/270)
هذه الفاكهة فقد عرفناها.
فما الاب ؟ قال: مه.
نهينا عن التكلف وفي لفظ: ثم قال: إن هذا هو التكلف يا عمر، فما عليك ألا تدري ما الاب، إتبعوه ما بين لكم من هذا الكتاب، واعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى عالمه (1).
4 - عن أبي وائل، أن عمر سئل عن قوله { وأبا } ما الاب ؟ ثم قال: ما كلفنا هذا، وما أمرنا بهذا (2).
وفي هامش الصفحة قال المعلق: أورد ابن الاثير في جامع الاصول الحديث وعزاه للبخاري ولكن إذا أردت الايضاح راجع: جامع الاصول رقم [ 871 / 2 / 422 ] عند تفسير سورة عبس وقوله تعالى: { وفاكهة وابا } والشرح والتعليق حول هذا الحديث.
وأما الفاكهة: فكل ما يتفكه به من الثمار.
وقال ابن عباس: الفاكهة كل ما أكل رطبا.
والاب: ما أنبتت الارض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس (3).
5 - أخرج الحاكم عن ابن شهاب، أن أنس بن مالك (رض) أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب (رض) يقول: (فأنبتنا فيها حبا وعنبا، وقضبا وزيتونا، ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا).
قال: فكل هذا عرفناه فما الاب ؟ ثم نفض عصا كانت في يده فقال:
__________
(1) كنز العمال: 2 / 328.
(2) المصدر السابق: 2 / 328.
(3) تفسير ابن كثير: 6 / 216.
(*)(1/271)
هذا لعمر والله هو التكلف.
إتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب.
وقال الحاكم بعد ايراده لهذا الحديث.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (1).
6 - أخرج المحب الطبري عن أنس قال قرأ عمر: " وفاكهة وأبا " قال: فما الاب ؟ ثم قال:
ما كلفنا بهذا، خرجه البخاري.
وعنه قال: كنا مع عمر..فسئل عن هذه الآية " وفاكهة وأبا " فقال: ما الاب، ثم قال: مه ! قد نهينا عن التكلف.
ثم قال يا عمر: إن هذا لمن التكلف، وما عليك الا تدري ما الاب -.
خرجه البغوي والمخلص الذهبي (2).
* * *
__________
(1) المستدرك على الصحيحين: 2 / 514، تلخيص المستدرك: 2 / 514.
(2) الرياض النضرة: 1 / 379 (*).(1/272)
الجبت والطاغوت.
أخرج المتقي الهندي، عن عمر في قوله تعالى: { بالجبت والطاغوت } قال: الجبت: السحر، والطاغوت الشيطان (1).
الافجران من قريش.
قال المتقي الهندي: (من مسند عمر) عن عمر بن الخطاب (رض) قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا } قال: هما: الافجران من قريش: بنوا المغيرة، وبنوا امية (2).
حواره حول كلمة: والسابقون الاولون: أخرج المتقي الهندي، عن اسامة، ومحمد بن ابراهيم التيمي أنهما قالا: مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقرأ: { والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بإحسان }.
فوقف عمر فقال: إنصرف، فانصرف الرجل.
فقال: من أقرأك هدا ؟ قال: أقرأنيها: أبي بن كعب.
قال: فانطلق إليه، فانطلقا إليه.
فقال يا أبا المنذر: أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية.
قال: صدق.
تلقيتها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) كنز العمال: 2 / 385 رقم الحديث 4321.
(2) كنز العمال: 2 / 444 رقم الحديث 4452 (*).(1/273)
قال عمر: أنت تلقيتها من محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم.
فقال في الثالثة، وهو غضبان.
نعم: والله لقد أنزلها الله على جبريل، وأنزلها جبريل على قلب محمد، ولم يستأمر فيها: ابن الخطاب، ولا إبنه.
فخرج عمر رافعا يديه وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر (1).
__________
(1) كنز العمال: 2 / 605.
(*)(1/274)
رأيه في تفسير بعض السور(1/275)
سورة المائدة: عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال يا أمير المؤمنين: إنكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال: أي آية هي ؟ قال قوله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي }.
فقال عمر: والله إني لاعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها على الرسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة يوم جمعة (1).
وعن أبي العالية قال: كانوا عند عمر بن الخطاب فذكروا هذه الآية: { اليوم أكملت لكم دينكم } فقال رجل من اليهود: لو علمنا أي يوم نزلت هذه الآية لاتخذناه عيدا.
فقال عمر: الحمد لله الذي جعله لنا عيدا.
واليوم الاول نزلت يوم عرفة، واليوم الثاني يوم النحر فأكمل الله ذلك الامر فعرفنا أن الامر بعد ذلك في انتقاص.
سورة الفرقان: قال الامام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله، حدثني أبي حدثنا عبد الرحمن، عن مالك عن الزهري، عن عروة عبد الرحمن بن عبد، عن عمر ابن الخطاب (رض) أنه قال:
__________
(1) قال الشيخ المراغي: وقد روى في الصحيحين عن عمر: " أن قوله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم..} الخ نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع " تفسير المراغي 6 / 41 في تفسير المائدة.
(*)(1/276)
سمعت هشام بن حكيم يقرأ - سورة الفرقان - في الصلاة على غير ما أقرأها.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فأخذت بثوبه فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله.
إني سمعته يقرأ - سورة الفرقان - على غير ما أقرأنيها فقرأ القراة التي سمعته منه (1).
وروى المحب الطبري عن عمر أنه قال:
سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت اساوره في الصلاة فتربصت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله.
سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على أحرف لم تقرئنيها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، إقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت...(2).
* * *
__________
(1) مسند الامام أحمد: 1 / 40، صحيح مسلم: 3 / 1317 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
(2) الرياض النضرة: 1 / 347.
(*)(1/277)
سورة الجمعة (1).
قال الشوكاني: أخرج أبو عبيد في فضائله، وسعيد بن المنصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن الانباري في المصاحف عن خرشة بن الحر أنه قال: رأى عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه: { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } فقال: من أملي عليك هذا ؟ قلت: ابي (2).
قال:
لقد توفي رسول الله، وما نقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلا: { فامضوا إلى ذكر الله } (3) (4).
* * *
__________
(1) لم يرد في كنز العمال: رأي عمر في سورة الجمعة.
(2) ابي بن كعب.
كذا جاء في تاريخ المدينة المنورة لابن شبة.
- المؤلف -.
(3) وقال البخاري وقرأ عمر: (فامضوا إلى ذكر الله).
صحيح البخاري مشكول 3 / 201.
(4) فتح القدير: 5 / 228، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 2 / 711.
(*)(1/278)
رأيه حول القرآن(1/279)
رأيه في عدد حروف القرآن.
قال الشيخ عبد الرحمن السيوطي: أخرج الطبراني، عن عمر بن الخطاب مرفوعا: القرآن: ألف ألف حرف، وسبعة وعشرون ألف حرف.
فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين (1).
وقال الشيخ السيوطي: أخرج ابن الضريس من طريق عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس أنه قال: جميع آي القرآن ستة آلاف آية، وست عشر آية، وجميع حروف القرآن: ثلاثمائة ألف حرف، وثلاث وعشرون الف حرف، وستمائة حرف، وأحد وسبعون حرفا (2).
* * *
__________
(1) الاتقان في علوم القرآن: 1 / 70.
(2) الاتقان في علوم القرآن: 1 / 67.
(*)(1/280)
مما قاله عمر في نقص القرآن(1/281)
رأيه حول تحريف القرآن الكريم.
أخرج الشيخ عبد الرحمن السيوطي عن ابن عمر أنه قال: ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله، وما يدريك ما كله ؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر (1).
عمر وجمع القرآن.
أخرج المتقي الهندي، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس فقال: من تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف، والالواح، والعسب (2) وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان فقتل وهو يجمع ذلك إليه...(3).
وعن الحسن أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة.
فقال: إنا لله.
وأمر بالقرآن فجمع، وكان أول من جمعه في المصحف (4).
__________
(1) الاتقان في علوم القرآن: 2 / 25، الدر المنثور: 2 / 298، تفسير روح المعاني للالوسي: 1 / 25.
(2) العسب: جمع عسيب وهو جريد النخل كان يكشطون خوصه ويكتبون في الطرف العريض.
كذا في هامش منتخب كنز العمال المطبوع في هامش مسند الامام أحمد: 2 / 42.
(3) منتخب كنز العمال: 2 / 45.
(4) المصدر السابق: 2 / 45.
(*)(1/282)
ومما قاله في نقص القرآن: 1 - أخرج الامام احمد، عن أبن عباس أنه قال: جاء رجل إلى عمر فقال: أكلتنا الضبع قال مسعر: يعني السنة - قال: فسأله عمر ممن أنت فما زال ينسبه حتى عرفه فإذا هو موسى فقال عمر: لو أن لامرئ واديا، أو واديين لابتغى إليها ثالثا.
فقال ابن عباس: ممن سمعت هذا.
قال: من أبي قال: فإذا كان بالغداة فأغد علي.
قال: فرجع إلى أم الفضل فذكر ذلك لها، فقالت: وما لك وللكلام عند عمر (1).
2 - أخرج المتقي الهندي، عن بجالة أنه قال: مر عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وازواجه امهاتهم، وهو أب لهم.
فقال يا غلام: حكها.
قال: هذا مصحف ابي فذهب إليه فسأله فقال: إنه كان يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق بالاسواق.
3 - أخرج المتقي الهندي، عن ابن عباس أنه قال: كنت عند عمر فقرأت: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى
الثالث، ولا يملا جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب فقال عمر: ما هذا ؟ قلت:
__________
(1) مسند احمد بن حنبل: 5 / 117.
(*)(1/283)
هكذا أقرأنيها ابي فجاء إلى ابي وسأله عما قال ابن عباس.
فقال: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
4 - قال السيوطي، وأخرج احمد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى عمر يسأله فجعل عمر ينظر إلى رأسه مرة، وإلى رجليه اخرى هل يرى عليه من البؤس ثم قال له عمر: كم مالك.
قال: أربعون من الابل.
قال ابن عباس: قلت: صدق الله ورسوله لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغي الثالث ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب.
فقال عمر: ما هذا فقلت: هكذا أقرأني ابي قال: فمر بنا فجاء إلى ابي.
فقال: ما تقول هذا.
قال ابي.
هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أثبتها في المصحف قال: نعم (2).
5 - الحكم بن عتيبة عن عدي بن عدي أنه قال: قال عمر: كنا نقرأ: ألا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم.
ثم قال لزيد ابن ثابت: أكذلك ؟ (3) قال: نعم (4).
6 - قال الشيخ عبد الرحمن السيوطي: اخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق عدي بن عدي بن عمرة بن قزوة، عن أبيه، عن جده عمير بن قزوة: أن عمر بن الخطاب قال لابي:
أو ليس كنا نقرأ من كتاب الله ؟ أن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم.
فقال:
__________
(1) الحديث رقم 2 و 3 من منتخب كنز العمال: 2 / 43 بهامش مسند أحمد وانظر: كنز العمال: 2 / 569.
(2) الاتقان في علوم القرآن: 2 / 25.
(3) الدر المنثور في التفسير المأثور: 6 / 378.
(4) انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور: 1 / 106 - 2 / 298 منتخب كنز العمال: 2 / 42 الاتقان في علوم القرآن: 2 / 25.
(*)(1/284)
بلى ثم قال: أو ليس كنا نقرأ ؟ الوالد للفراش وللعاهر الحجر فيما فقدنا من كتاب الله.
فقال ابي: بلى (1).
7 - قال المتقي الهندي: قرأ ابي بن كعب: { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا، إلا من تاب فإن الله كان غفورا رحيما }.
فذكر ذلك لعمر فأتاه فسأله عنها فقال: أخذتها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
آية الرجم: والشيخ والشيخة إذا زنيا: أخرج البخاري: عن الزهري، عن عبيدالله بن عبد الله قال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أقرء عبد الرحمن بن عوف فلما كان آخر حجة حجها عمر فقال عبد الرحمن بمنى: لو شهدت أمير المؤمنين فلانا (3).
فقال عمر: لاقومن العشية فأحذر هؤلاء الرهط ؟ الذين يريدون أن يغصبوهم.
قلت لا تفعل: لان الموسم يجمع رعاع الناس يغلبون على مجلسك
فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها فيطار بها كل مطير، فأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة، ودار السنة فتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور: 1 / 106 - 2 / 298 منتخب كنز العمال: 2 / 42 الاتقان في علوم القرآن: 2 / 25.
(2) كنز العمال: 2 / 568 رقم الحديث 4744.
(3) قال ابن أبي الحديد: قال شيخنا أبو القاسم البلخي، قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: إن الرجل الذي قال: لو قد مات عمر لبايعت فلانا: عمار بن يسار.
انظر: (شرح نهج البلاغة: 1 / 123 طبعة مصر).
(*)(1/285)
من المهاجرين والانصار فيحفظوا مقالتك، وينزلوها على وجهها.
فقال: والله لاقومن به في أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس: فقدمنا المدينة فقال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل آية الرجم (1).
وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أقرئ رجال من المهاجرين منهم: عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلي عبد الرحمن بن عوف فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال: لو مات عمر لقد بايعت فلانا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة (2) فتمت، فغضب عمر ثم قال (3): إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم.
قال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس، وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم
__________
(1) صحيح البخاري مشكول 4 / 265 باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم.
شرح نهج البلاغة 1 / 122 طبعة مصر.
(2) قال ابن الاثير: ومنه حديث عمر (إن بيعة أبي بكر فلتة وقي الله شرها) ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة..والفلتة: كل شئ فعل من غير روية.
(النهاية في الحديث والاثر: 3 / 4678).
(3) أورد ابن الاثير هذا الحديث باختلاف يسير فيه: فقال عمر: إني لقائم العشية في الناس أحذرهم هؤلاء الرهط الذي يريدون أن يغتصبوا الناس أمرهم.
انظر: (الكامل في التاريخ 2 / 326 ط.
بيروت).
و (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 123 الطبعة الاولى بمصر).
(*)(1/286)
فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة، والسنة فتخلص بأهل الفقه، وأشراف الناس فتقول ما قلت، متمكنا فيعي أهل العام مقالتك ويضعونها على مواضعها.
فقال عمر: أما والله إن شاء الله لاقومن بذلك في أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة قال: عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته فلم أنشب (1) أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن
عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر علي وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله، فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد: فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين أجلي، فمن عقلها، ووعاها، فليحدث بها حيث انتهت إليه راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لاحد أن يكذب علي: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل آية الرجم فقرأناها، ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله.
__________
(1) نشب بعضهم في بعض: أي دخل وتعلق.
يقال: نشب في الشئ إذا وقع فيما لا مخلص منه، ولم ينشب أن فعل كذا: أي لم يلبث.
راجع: (النهاية لابن الاثير 5 / 52).
(*)(1/287)
والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال، والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.
ثم إنا كنا نقرا من كتاب الله: أن لا ترغبو عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم (1) أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ألا ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم، وقولوا عبد الله ورسوله...الخ (2).
وأخرج الزمخشري عن زر قال: قال لي ابي بن كعب (رض):
كم تعدو: سورة الاحزاب ؟ قلت: ثلاثا وسبعين آية.
قال: فو الذي يحلف به أبي بن كعب إن كانت لتعدل سورة البقرة، أو أطول، ولقد قرأنا منها آية الرجم " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم " (3).
قال الشيخ عبد الرحمن السيوطي: أخرج ابن مردويه عن حذيفة أنه قال:
__________
(1) إلى هنا ذكره الطبري في تاريخه: 3 / 199 ضمن حديث السقيفة في حوادث السنة الحادية عشر من الطبعة الاولى طبع المطبعة الحسينية بمصر عام 1326 ه وأورده الامام أحمد في المسند: 1 / 55 من الطبعة الاولى طبعة القاهرة.
(2) صحيح البخاري مشكول: 4 / 179 باب رجم الحبلى من الزنا إذا احصنت.
وأورده القسطلاني في (إرشاد الساري) في نفس الباب " 10 / 20، 21 من الطبعة السادسة مطبعة الاميرية ببولاق مصر (عام 1305 ه)، وأورده ابن الاثير الجزري في (جامع الاصول): 4 / 475، 478 رقم الحديث 2077 طبع مصر وأشرف على الكتاب الاستاذ الكبير الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الجامع الازهر (عام 1370 ه).
(3) تفسير الكشاف: 3 / 248 طبعة مصر، الدر المنثور: 5 / 179.
(*)(1/288)
قال لي عمر بن الخطاب: كم تعدون سورة الاحزاب.
قلت: ثنتين، أو ثلاث وسبعين.
قال: إن كانت لتقارب سورة البقرة وان كان فيها الرجم (1).
وأخرج البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل، لا نجد الرجم في
كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف (2).
وأخرج الحافظ ابن ماجة القزويني عن عائشة أنها قالت: لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشرا.
ولقد كان في صحيفة تحت سريري.
فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته.
دخل داجن فأكلها (3).
وأخرج مسلم عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيدالله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع ابن عباس يقول: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور: 5 / 180.
(2) صحيح البخاري مشكول: 4 / 179 باب الاعتراف بالزنا، صحيح مسلم: 3 / 1317 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مسند الامام أحمد 1 / 40 الطبعة الاولى بمصر (عام 1313 ه)، صحيح الترمذي بحاشية ابن العربي المالكي: 5 / 204 الطبعة الاولى بمصر (عام 1350 ه)، باب ما جاء في تحقيق الرجم.
وقال محمد فؤاد عبد الباقي في (الموطأ 2 / 623) هذا مختصر من خطبة لعمر طويلة، قالها في آخر عمره (رض) رواها البخاري بتمامها في 68 كتاب الحدود - 31 باب رجم الحبلى من الزنا إذا احصنت.
(3) سنن ابن ماجة: 1 / 625 - 626، الموطأ للامام مالك: 2 / 605، كتاب الرضاع الاصابة في تمييز الصحابة: 2 / 7، المحاضرات للراغب الاصبهاني: 2 / 250، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: ص 210.
(*)(1/289)
إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب.
فكان مما أنزل عليه آية الرجم (1) قرأناها، ووعيناها، وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده فأخشى، إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله.
وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف (2).
وقال الشيخ جلال الدين السيوطي: وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن عباس أنه قال: أمر عمر بن الخطاب مناديا فنادى: أن الصلاة جامعة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس لا تجزعن من آية الرجم إنها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد، وآية ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رجم وإن أبا بكر قد رجم، ورجمت بعدهما وانه سيجئ من هذه
__________
(1) قال الاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في هامش صحيح مسلم (فكان مما أنزل عليه آية الرجم) أراد بآية الرجم: الشيخ والشيخة، فارجموهما البتة.
(2) صحيح مسلم 3 / 1317 رقم الحديث 1691 باب الحدود تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي صحيح البخاري مشكول: 4 / 179، مسند الامام أحمد: 1 / 40 الطبعة الاولى المصرية صحيح الترمذي بحاشية ابن العربي المالكي: 5 / 204 الطبعة الاولى بمصر (عام 1350 ه) باب ما جاء في تحقيق الرجم، وأورده النووي في شرح صحيح مسلم 7 / 212، 213 بهامش (إرشاد الساري)، وأورده الحافظ ابن ماجة في السنن: 2 / 853 والحديث برقم 2553 من كتاب الحدود 9 باب الرجم طبعة مصر تحقيق الاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وأورده الامام مالك في الموطأ: 2 / 623 الحديث برقم 8 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي وأورده الدميري في
(حياة الحيوان 2 / 266 الطبعة الاولى (عام 1306 ه).
تفسير المنار: 5 / 26 طبع مصر).
(*)(1/290)
الامة يكذبون بالرجم (1).
المؤلف: وأورد هذا الحديث المتقي الهندي وزاد عليه: ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بالحوض، ويكذبون بالدجال، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعدما ادخلوها (2).
وأخرج النيسابوري عن عمر أنه قال: كنا نقرأ آية الرجم: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم (3).
قال السيوطي: وأخرج أحمد، والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف، أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول: ألا وإن أناسا يقولون ما بال الرجم، وفي كتاب الله الجلد، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائلون، ويتكلم متكلمون: أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه، لاثبتها كما نزلت.
وأخرج النسائي، وأبو يعلى عن كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان، وفينا زيد بن ثابت فقال زيد ما تقرأ: الشيخ والشيخة إذ زنيا فارجموهما البتة.
قال مروان: ألا كتبتها في المصحف قال: ذكر ذلك، وفينا عمر بن الخطاب قال: أشفيكم من ذلك قلنا فكيف ؟
__________
(1) الدر المنثور: 5 / 179.
(2) كنز العمال: 5 / 431 برقم 13518.
(3) تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري: 1 / 361، 362 ط بولاق.
(*)(1/291)
قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أنبئني آية الرجم قال: لا أستطيع الآن (1).
وقال الامام مالك: حدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه سمعه يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى، أناخ بالابطح.
ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه، واستلقى.
ثم مد يده إلى السماء فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي.
فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط.
ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة.
إلا أن تضلوا بالناس يمينا، وشمالا.
وضرب بإحدى يديه على الاخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا.
والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة ".
فإنا قد قرأناها.
قال مالك: قال يحيى بن سعيد، قال سعيد بن المسيب فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر: رحمه الله.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول:
قوله: الشيخ والشيخة، يعني الثيب، والثيبة فارجموهما البتة (2).
__________
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور: 5 / 180 طبعة مصر.
(2) موطأ الامام مالك: 2 / 824.
وأورد هذا الحديث المتقي الهندي عن سعيد بن المسيب مع اختلاف في اللفظ.
انظر كنز العمال: 5 / 432 ط بيروت الحديث برقم 13523.
(*)(1/292)
1 - عن عبد الرحمن بن عوف أن عمر قال: قد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، ولولا ان يقول قائلون: زاد عمر في كتاب الله لاثبتها كما انزلت.
2 - وعن ابن عباس أنه قال: خطب عمر فذكر الرجم فقال: لا تخدعن عنه فإنه حد من حدود الله، ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم، ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائلون: زاد عمر في كتاب الله ما ليس منه لكتبت في ناحية المصحف، شهد عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف، وفلان، وفلان أن رسول الله قد رجم، ورجمنا بعده.
ألا وإنه سيكون بعدكم قوم يكذبون بالرجم، وبالدجال والشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا (1).
3 - عن ابن عباس أنه قال: إن عمر بن الخطاب قام فينا فقال: ألا إن الرجم حد من حدود الله فلا تخدعن عنه فإنه في كتاب الله، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
قد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجم أبو بكر، ورجمت.
4 - عن سعيد بن المسيب عن عمر قال:
رجم رسول الله، ورجم أبو بكر، ورجمت.
ولولا أني أكره أن أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف، فإني قد خشيت أن تجئ أقوام لا يجدونه في كتاب الله فيكفرون به.
5 - عن سعيد بن المسيب أن عمر خطب فقال:
__________
(1) امتحشوا: أي احترقوا.
والمحش: احتراق الجلد، وظهور العظم 1 ه النهاية 4 / 302 عن هامش كنز العمال 5 / 429.
رقم الحديث 3513.
(*)(1/293)
إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم.
أن يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، وإني والذي نفسي بيده لولا أن يقول قائل: أحدث عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها.
المؤلف: هذه الاحاديث المرقمة من 1 - 5 تجدها في كنز العمال: 5 / 428 - 432.
وقال العلامة المغفور له الشيخ محمود أبوريه: ولم يقف فعل الرواية عند ذلك بل تمادت إلى ما هو أخطر من ذلك حتى زعمت أن في القرآن نقصا، ولحنا وغير ذلك مما أورد في كتب السنة، ولو شئنا أن نأتي به كله هنا لطال الكلام - ولكنا نكتفي بمثالين مما قالوه في نقص القرآن ولم نأت بهما من كتب السنة العامة، بل مما حمله: الصحيحان، ورواه الشيخان: البخاري، ومسلم.
6 - أخرج البخاري وغيره عن عمر بن الخطاب أنه قال - وهو على المنبر: إن الله بعث محمد بالحق نبيا، وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها.
رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب
الله فيضل بترك فريضة أنزلها الله - والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا احصن من الرجال، والنساء.
ثم إنا كنا نقرأ فيما يقرأ في كتاب الله، ألا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم (1).
7 - وأخرج مسلم عن أبي الاسود عن أبيه أنه قال: بعث أبو موسى الاشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القران فقال: أنتم خيار أهل البصرة، وقراؤهم، ولا يطولن عليكم الامد فتقسوا
__________
(1) وأورد هذا الحديث المتقي الهندي في كنز العمال: 5 / 428 برقم 13512 - المؤلف -.
(*)(1/294)
قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم - وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول، والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها: " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب ".
وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فانسيتها غير أني حفظت منها: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ".
نجتزئ بما أوردناه وهو كاف هنا لبيان كيف تفعل الرواية حتى في الكتاب الاول للمسلمين وهو القرآن الكريم ! ولا ندري كيف تذهب هذه الروايات التي تفصح بأن القرآن فيه نقص، وتحمل مثل هذه المطاعن مع قول الله سبحانه: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وأيها تصدق ؟ ! اللهم إن هذا أمر عجيب يجب أن يتدبره أولوا الالباب (1).
8 - أخرج الامام أحمد، عن ابن عباس انه قال:
خطب عمر بن الخطاب (رض) وقال هشيم مره، خطبنا فحمد الله تعالى، وأثنى عليه فذكر الرجم فقال: لا تخدعن عنه، فإنه حد من حدود الله تعالى.
إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد رجم، ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائلون: زاد عمر في كتاب الله عزوجل ما ليس منه لكتبته في ناحية من المصحف شهد عمر بن الخطاب (رض) (2).
9 - أخرج الشيخ جلال الدين السيوطي: أخرج ابن الضريس في فضائل القرآن، عن يعلى بن حكيم، عن زيد ابن أسلم أن عمر خطب الناس فقال:
__________
(1) أضواء على السنة المحمدية: ص 256 - 257.
(2) مسند الامام أحمد: 1 / 23.
(*)(1/295)
لا تشكوا في الرجم فإنه حق.
ولقد هممت أن أكتبه في المصحف فسألت ابي بن كعب، فقال: أليس أتيتني، وأنا استقرئها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعت في صدري وقلت: تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر (1).
10 - وقال السيوطي وقال في البرهان في قول عمر: لولا ان تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها يعني: آية الرجم.
ظاهره: أن كتابتها كانت جائزة، وإنما منعه قول الناس، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه، فإذا كانت جازة لزم أن تكون ثابتة لان هذا شأن المكتوب (2)...11 - اخرج محمد بن اسماعيل البخاري، عن عمر بن الخطاب أنه جلس على المنبر...وقال:
إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل آية الرجم فقرأناها وعقلناها، ووعيناها فلذا (3) رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله.
والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف.
ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم (4).
__________
(1) الاتقان في علوم القرآن: 2 / 26 - 27.
(2) الاتقان في علوم القرآن: 2 / 25.
(3) كلمة (فلذا) ساقطة من صحيح البخاري 4 / 179 ط عيسى البابي.
(4) صحيح البخاري: 8 / 26 ط استانبول باب رجم الحبلى من الزنا.
(*)(1/296)
12 - أخرج الترمذي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجم ابو بكر، ورجمت، ولولا أني أكره أن أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف، فإني خشيت أن تجيئ أقوام فلا يجدونه في كتاب الله فيكفرون به.
قال: وفي الباب عن على.
قال أبو عيسى: حديث عمر حسن صحيح وروى من غير وجه عن عمر (1).
13 - قال الشيخ محمد أنور: قوله: [ فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية من كتاب الله...الخ ].
وقد كان عمر أراد أن يكتبها في المصحف.
فإن قلت: إنها إن كانت من كتاب الله، وجبت أن تكتب، وإلا وجب أن لا تكتب.
فما معنى قول عمر ؟ قلت: أخرج الحافظ عنه: لكتبتها في آخر القرآن (2).
14 - وقال الشيخ السيوطي: وقال في البرهان في قول عمر لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها.
يعني: آية الرجم، ظاهره إن كتابتها جائزة، وإنما منعه قول الناس، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه فإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة لان هذا شأن المكتوب (3).
__________
(1) صحيح الترمذي: 5 / 204 المطبعة المصرية بالازهر الشريف عام 1350 ه - 1931 م باب ما جاء في تحقيق الرجم.
(2) فيض الباري على صحيح البخاري: 4 / 453 باب رجم الحبلى من الزنا إذا احصنت.
(3) الاتقان في علوم القرآن: 2 / 25.
(*)(1/297)
عمر والشورى(1/299)
قال اليعقوبي: وصير [ عمر ] الامر شورى بين ستة نفر من أصحاب رسول الله: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن أبي وقاص.
وقال: أخرجت سعيد بن زيد لقرابته مني.
فقيل له في ابنه عبد الله بن عمر قال: حسب آل الخطاب عبد الله بن عمر قال: حسب آل الخطاب ما تحملوا منها ! إن عبد الله لم يحسن أن يطلق امرأته.
وكانت الشورى بقية ذي الحجة سنة 23.
وأمر صهيبا أن يصلي بالناس حتى يتراضوا من الستة، بواحد.
واستعمل أبا طلحة زيد بن سهل الانصاري وقال: لان رضي أربعة، وخالف أثنان.
فاضرب عنق الاثنين، وإن رضي ثلاثة، وخالف ثلاثة، فاضرب أعناق الثلاثة الذي ليس فيهم عبد الرحمن.
وإن جازت الثلاثة أيام، ولم يتراضوا بأحد فاضرب أعناقهم جميعا (1).
سبب حصر عمر الشورى في ستة.
قال الاستاذ العلائلي: وقد انصرفنا هناك في مقدمة الحلقة المذكورة (سمو المعنى) إلى تعليل نشوء هذه الاحزاب الثانويه بحصر عمر الانتخاب في عدد مخصوص، (فإن هذا التعيين أوجد جزئية، وبيله، وهيأ لها أن تعمل أسوأ أعمالها، ولم تقف عند حدود النجاح، أو الفضل في الانتخاب فحسب، وإلا هان أمرها).
__________
(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 160.
(*)(1/300)
والذي يجب أن نفهمه أن حصر الترشيح في عدد جعل لكل مرشح حزبا يناصره بضرورة حصر دائرة الانتخاب.
وزاد في حرج الانتخاب أن ينص على الحكم الانتخابي (عبد الرحمن بن عوف مما يسهل سبيل الضفر لحزب بعينه إذا
استطاع أن يستميل الحكم، ولقد كان كذلك بالفعل) (1).
وقال الدميري: وذكر ابن خلكان وغيره: أن عمر (رض) لما طعن اختار من الصحابة ستة نفر، وهم المتقدم ذكرهم، وكان سعد بن أبي وقاص غائبا وجعل عبد الله ابنه مشيرا، وليس له في الامر شئ وأقام المسور بن مخرمة وثلاثين نفسا من الانصار وقال: إن اتفقوا على واحد إلى ثلاثة أيام، وإلا فاضربوا رقاب الكل فلا خير للمسلمين فيهم، وان افترقوا فرقتين، فالفرقة التي فيها عبد الرحمن ابن عوف...(2).
* * *
__________
(1) الامام الحسين 252.
(2) حياة الحيوان الكبرى: 1 / 346 ترجمة عمر.
(*)(1/301)
تردده في الاستخلاف.
قال الاستاذ العلائلي: إن عمر تردد بين أن يتبع طريقة أبي بكر، أو طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وخاف الاختلاف فجمع بين الطريقتين، غير أن الستة الذي حصر الانتخاب بهم (1) اختلفوا وهو حي، ولا شك أن هذا الاختلاف انتقل إلى أنصارهم في الخارج وعملت العصبية عملها، وتشكلت الاحزاب الثانوية.
وعبد الرحمن بن عوف لعب دورا مهما حين وسع دائرة الانتخاب، وانتقل به نحو الشعب حتى لم يتم مدة الشورى.
وذلك أن عليا عليه السلام كان الفائز لا محالة في الانتخاب التداولي الذي حصل بين الستة، فإن المؤهلات التي اجتمعت له لم تجتمع لواحد منهم،
على أنه خاض معركة الانتخاب للرئاسة ضد أبي بكر (رض) ولم يخضها سواه من سائر الستة المجتمعين.
ولا تنسى أن الزبير انحاز إلى علي ضد أبي بكر في المعركة الانتخابية الاولى، على ما ذكره ابن الوردي في التاريخ.
ويقول مؤلفي الفرنجة: إن عبد الرحمن لم يترك الانتخاب حرا بل استعمل فيه طريقة المداورة، والانتهازية كما لم يستشر عبد الله بن عمر وهو المستشار في وصية عمر.
ولما نقل عبد الرحمن الانتخاب إلى الشعب، ووسع دائرته، والحزب الاموي قد أعد القبائل لنصرته، ونحن نعلم أن كثرة من القبائل كانت صنايع لبني امية في القديم فتعيين الترشيح في ستة مهد السبيل لدى الامويين لاستغلال
__________
(1) الامام علي، عثمان بن عفان، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، طلحة، والزبير.
(*)(1/302)
الموقف (1).
طعنه بأصحاب الشورى قبل تعيينهم.
قال اليعقوبي: وروى عن ابن عباس أنه قال: طرقني عمر بن الخطاب بعد هدأة من الليل فقال: أخرج بنا نحرس نواحي المدينة: فخرج، وعلى عنقه درته، حافيا، حتى أتى بقيع الغرقد، فاستلقي على ظهره، وجعل يضرب أخمص قدميه بيده وتأوه صعدا.
فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما أخرجك إلى هذا الامر ؟ قال: غص غواص، إن كنت لتقول فتحس.
قال: ذكرت هذا الامر بعينه، وإلى من تصيره.
قال: صدقت ! قال: فقلت له: أين أنت عن عبد الرحمن بن عوف ! فقال: ذاك رجل ممسك، وهذا الامر لا يصلح إلا لمعط في غير سرف، ومانع من غير إقتار.
قال: فقلت: سعد بن أبي وقاص ؟ قال: مؤمن ضعيف !.
قال: فقلت: طلحة بن عبد الله ؟ قال: ذاك رجل يناول للشرف، والمديح، يعطي ماله حتى يصل إلى مال غيره وفيه بأو (2) وكبر.
قال: فقلت: فالزبير بن العوام ؟ فهو فارس الاسلام ؟ قال: ذاك يوم إنسان، ويوم شيطان، وعفة نفس، إن كان ليكادح على
__________
(1) الامام الحسين ص 266 - 267.
(2) قال ابن الاثير: في حديث عمر (رض) حين ذكر له طلحة لاجل الخلافة قال: " لولا بأو فيه " البأو: الكبر، والتعظيم.
النهاية في غريب الحديث: 1 / 91.
(*)(1/303)
المكيلة من بكرة إلى الظهر حتى يفوته الصلاة.
قال: فقلت عثمان بن عفان ؟ قال: إن ولي حمل ابن أبي معيط، وبني اميه على رقاب الناس، وأعطاهم مال الله، ولئن ولي ليفعلن والله، ولئن فعل لتسيرن العرب إليه حتى تقتله في بيته.
ثم سكت.
قال: فقال: امضها يابن عباس ! أترى صاحبكم لها موضعا ؟ قال: فقلت: واين يتبعد من ذلك مع فضله، وسابقته، وقرابته، وعلمه ؟ قالك هو والله كما ذكرت.
ولو وليهم تحملهم على منهج الطريق فأخذ
المحجة الواضحة إلا أن فيه خصالا: الدعابة (1) في المجلس، واستبداد الرأي، والتبكيت للناس مع حداثة السن.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين.
هلا استحدثتم سنه يوم الخندق إذ خرج عمرو بن ود، وقد كعم عنه الابطال وتأخرت عنه الاشياخ.
ويوم بدر إذ كان يقط الاقران قطا، ولا سبقتموه بالاسلام إذ كان جعلته السعب (2) وقريش يستوفيكم ؟ فقال: اليك يابن عباس ! أتريد أن تفعل بي كما فعل أبوك، وعلي بأبي بكر يوم دخلا عليه ؟ قال: فكرهت أن اغضبه فسكت.
فقال: والله يابن عباس: لان عليا ابن عمك لاحق الناس به، ولكن قريشا لا تحتمله، ولئن وليهم ليأخذنهم بمر الحق لا يجدون عنده رخصة، ولئن فعل لينكثن بيعته، ثم
__________
(1) الدعابة: المزاح: مختار الصحاح: (مادة دعب).
(2) كذا في الاصل دون نقط (عن الهامش).
(*)(1/304)
ليتحاربن (1).
وقال ابن أبي الحديد: (عند ذكره قصة الشورى).
وصورة هذه الواقعة: أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤة علم أنه ميت استشار فيمن يوليه الامر بعده فاشير عليه بابنه عبد الله فقال: لا ها لله إذا لا يليها رجلان من ولد الخطاب حسب عمر ما احتقب (2) لا ها لله لا أتحملها حيا، وميتا ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عن هذه الستة من
قريش: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لانفسهم ثم قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك منه خير مني - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ادعوهم لي فدعوهم فدخلوا عليه، وهو ملقي على فراشه يجود بنفسه فنظر إليهم فقال: أكلكم يطمع في الخلافة بعدي فوجموا.
فقال لهم ثانية فأجابه: الزبير وقال: وما الذي يبعدنا منها، وليتها أنت فقمت بها، ولسنا دونك في قريش، ولا في السابقة، ولا في القرابة.
قال الشيخ أبو عثمان الجاحظ: والله لولا علمه أن عمر يموت في مجلسه ذلك لم يقدم على أن يفوه من هذا الكلام بكلمة، ولا أن ينفس منه بلفظ.
فقال عمر: أفلا أخبركم عن أنفسكم قالوا: قل فإنا لو استعفيناك، ولم تعفنا.
__________
(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 158 - 159.
(2) احتقب الشئ إدخره.
أقرب الموارد: 2 / 213 مادة حقب.
(*)(1/305)
1 - الزبير.
فقال: أما أنت يا زبير فوعق، لقس (1)، مؤمن الرضا، كافر الغضب.
يوما إنسان، ويوما شيطان، ولعلها لو أفضت اليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير.
أفرأيت إن أفضت اليك.
فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا، ومن يكون يوم تغضب ؟ أما وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الامة
وأنت على هذه الصفة.
2 - طلحة.
ثم أقبل على طلحة، وكان له مبغضا منذ قال لابي بكر يوم وفاته ما قال في عمر (2) فقال له أقول: أم أسكت.
قال: قل: فإنك لا تقل من الخير شيئا.
قال: أما أني أعرفك منذ اصيبت إصبعك يوم احد والبأو الذي حدث لك، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب.
قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ رحمه الله: الكلمة المذكورة: إن طلحة لما انزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) الوعق: الضجر المتبرم، واللقس من لا يستقيم على وجه.
من هامش 1 / 184 من شرح النهج تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.
(2) قال الديار بكري: وفي رواية قال طلحة لابي بكر - في يوم وفاته -.
أتولي علينا فظا غليظا ما تقول لربك إذا لقيته.
تاريخ الخميس: 2 / 241.
المؤلف: وسيأتي كلام طلحة هذا في ضمن: (أقوال الصحابة في عمر).
(*)(1/306)
ما الذي يغنيه حجابهن اليوم، وسيموت غدا فننكحهن.
قال أبو عثمان أيضا: لو قال لعمر قائل: أنت قلت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عن الستة فكيف تقول الآن لطلحة إنه مات عليه السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصة (1) ولكن من الذي يجسر على عمر أن يقول له دون هذا، فكيف هذا.
3 - سعد بن أبي وقاص.
ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص فقال: إنما أنت صاحب مقنب (2) من هذه المقانب تقاتل به، وصاحب قنص، وقوس، وأسهم وما زهرة (3) والخلافة، وامور الناس.
4 - عبد الرحمن بن عوف.
ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال: وأما أنت يا عبد الرحمن بن عوف فلو وزن إيمان المسلمين بايمانك لرجح إيمانك به ولكن ليس يصلح هذا الامر فيه ضعف كضعفك، وما زهرة وهذا الامر ! 5 - علي كرم الله وجهه.
__________
(1) المشاقص: جمع مشقص، وهو نصل السهم إذا كان طويلا.
من هامش شرح النهج 1 / 186 تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم.
(2) المقنب: جماعة الخيل، كذا في هامش شرح النهج.
(3) زهرة: قبيلة سعد بن أبي وقاص من هامش شرح النهج تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم.
(*)(1/307)
ثم اقبل على علي عليه السلام فقال: لله أنت لولا دعابة فيك، أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء.
6 - عثمان بن عفان.
ثم اقبل على عثمان فقال: هيهات اليك كأني بك قد قلدتك قريش هذا الامر لحبها إياك فحملت بني امية، وبني أبي معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفئ فسارت اليك عصابة
من ذئبان [ ذؤبان ] العرب فذبحوك على فراشك ذبحا، والله لئن فعلوا لتفعلن، ولئن فعلت ليفعلن.
ثم أخذ بناصيته فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي فإنه كائن.
المؤلف: ثم قال ابن أبي الحديد: ذكر هذا الخبر كله شيخنا أبو عثمان في كتاب السفيانية وذكره جماعة غيره (1).
تزكية عمر للستة بعدما طعن عليهم.
قال المحب الطبري: وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته فقالت: يا أبت إن الناس يزعمون أن هؤلاء الستة ليسوا رضا.
فقال: أسندوني، فلما أسندوه قال: 1 - فما عسى أن يقولوا في علي بن أبي طالب ؟
__________
(1) شرح النهج: 1 / 62 و 1 / 185 - 186، الامام علي بن أبي طالب عبد الفتاح عبد المقصود 1 / 310 الطبعة الاولى.
(*)(1/308)
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا علي يدك في يدي تدخل - يعني يوم القيامة - حيث أدخل).
2 - ما عسى أن يقولون في عثمان ؟.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يموت عثمان يصلي عليه ملائكة السماء).
قلت يا رسول الله ؟ عثمان خاصة أم الناس عامة قال: (عثمان خاصة).
3 - ما عسى أن يقولوا في طلحة بن عبد الله ؟
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليلة - وقد سقط رحله - (من يسوي رحلي فهو الجنة) فبدر طلحة بن عبيد الله فسواه حتى ركب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا طلحة هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة حتى انجيك منها).
4 - ما عسى أن يقولوا في الزبير ؟ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نام فجلس الزبير يذب عن وجهه حتى استيقظ فقال له: (يا أبا عبد الله لم تزل ؟) فقال: لم أزل بأبي أنت وامي ! قال: (هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة حتى أذب عن وجهك شر جهنم).
5 - ما عسى أن يقولوا في سعد ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقد اوتر قويتة أربع عشر مرة فيدفعها له ويقول: (إرم فداك أبى وأمي).
6 - ما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوف ؟ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعا ويتضوران فقال صلى الله عليه وسلم: (من يصلنا بشئ ؟).
فطلع عبد الرحمن بصفحة فيها حيس، ورغيفان بينهما إهالة.(1/309)
فقال صلى الله عليه وسلم: (كفاك الله أمر دنياك، وأما أمر آخرتك، فأنا لها ضامن) (1).
شهادته بحق ولده عبد الله (2).
أخرج ابن سعد عن الاعمش عن ابراهيم أنه قال: قال عمر من أستخلف ؟
لو كان أبو عبيدة بن الجراح.
فقال له رجل، يا أمير المؤمنين: فأين أنت من عبد الله بن عمر فقال: قاتلك الله، ما أردت الله بهذا: استخلف رجلا ليس يحسن أن يطلق امرأته (3).
وقال السيوطي: وأخرج عن النخعي أن رجلا قال لعمر: ألا تستخلف عبد الله بن عمر ؟ فقال: قاتلك الله ! والله ما أردت الله بهذا، استخلف رجلا لم يحسن أن يطلق امرأته (4) ؟ * * *
__________
(1) الرياض النضرة: 1 / 413 - 414.
(2) قال العلامة المغفور له الشيخ محمود أبوريه: عبد الله بن حبيب [ قال ] إن عبد الله بن عمر قال: حين حضرته الوفاة: ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم اقاتل الفئة الباغية مع علي رضي الله عنه.
شيخ المضيرة ص 191.
(3) الطبقات: 3 / 248.
(4) تاريخ الخلفاء ص 145.
(*)(1/310)
وصاياه(1/311)
وصاياه 1 - وصيته لعبدالله بن عمر أن لا يشرب الخمر.
2 - من وصيته لعثمان بن عفان.
3 - استأذانه من عائشة ان يدفن مع النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر.
4 - وصيته لابنه بتسديد ثمانين استلفها من بيت مال المسلمين.
ماحق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسند أحمد 2 / 80 (*)(1/312)
وصية عمر لابنه أن لا يشرب الخمر (1).
أخرج ابن سعد، عن ليث، عن رجل من أهل المدينة قال: أوصى عمر بن الخطاب عبد الله ابنه عند الموت فقال يا بني: عليك بخصال الايمان قال: وماهي يا ابه ؟ قال: الصوم في شدة أيام الصيف، وقتل الاعداء بالسيف، والصبر على المصيبة، واسباغ الوضوء في اليوم الشاتي، وتعجيل الصلاة في يوم الغيم، وترك ردعة الخبال.
قال: ما ترك ردعة الخبال ؟ قال: شرب الخمر (2).
من وصيته لعثمان بن عفان.
ذكر العلامة الكبير الشيخ محمود أبوريه رحمه الله تحت عنوان: دولة بني امية وكيف نشأت ؟ قال: من وصية عمر بن الخطاب لعثمان بن عفان: إذا وليت أمر المسلمين فاتق الله ! ولا تحمل بني امية، وبني أبي معيط على رقاب المسلمين (3).
__________
(1) تقدم عن كتاب المستطرف: 2 / 260، لمحمد الابشيهي المحلى المتوفي سنة 850 هجرية أن عمر شرب الخمر وشج رأس عبد الرحمن بن عوف وكان يقول: اسقوني نبيذا.
وتقدم ايضا عن كتاب الخراج لابي يوسف ص 165 ان لعمر قربة فيها نبيذ وتقدم عن ابن عبدربه قول الشعبي شرب رجل من ادوة عمر فاغشى فحده عمر.
وإنما حده للسكر.
ونزل تحريم الخمر في سورة البقرة وبعد التحريم شرب عمر الخمر ونزل التحريم ثانية في المائدة عقد الفريد: 1 / 341، وشربه ايضا حتى نزلت الآية الثالثة { إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر } الآية فقال عمر: انتهينا إنتهينا.
(2) الطبقات: 3 / 261.
(3) شيخ المضيرة: ص 156.
(*)(1/313)
إستأذانه من عائشة أن يدفن مع النبي وأبي بكر.
أخرج محمد بن سعد عن ابن عمر، أن عمر قال: إذهب يا غلام إلى ام المؤمنين فقل لها: إن عمر يسألك أن تأذني لي أن ادفن مع أخوي، ثم ارجع إلي فاخبرني.
قال: فأرسلت أن، نعم.
قد أذنت لك.
قال: فأرسل فحفر له في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم دعا ابن عمر، فقال يا بني: إني قد أرسلت إلى عائشة أستأذنها أن ادفن مع أخوي فأذنت لي، وأنا أخشى أن يكون ذلك لمكان السلطان.
فإذا أنا مت، فاغسلني، وكفني، ثم احملني حتى تقف بي على باب عائشة فتقول: هذا عمر يستأذن يقول: الخ فإن أذنت لي فادفني معهما، وإلا فادفني في البقيع.
قال ابن عمر: فلما مات أبي حملناه حتى وقفنا به على باب عائشة فاستأذنتها في الدخول فقالت: أدخل بسلام.
ثم قال محمد بن سعد: لما أرسل عمر إلى عائشة فاستأذنها أن يدفن مع النبي، وأبي بكر فأذنت.
قال عمر: إن البيت ضيق فدعى بعصا فاتى به فقدر طوله ثم قال: إحفروا على قدر هذه.
وأخرج محمد بن سعد عن يحيى بن سعيد، وعبد الله بن أبي بكر وغيرهما عن عمرة بنت عبد الرحمن الانصاري عن عائشة أنها قالت: ما زلت أضع خماري، وأتفضل في ثيابي في بيتي حتى دفن عمر بن(1/314)
الخطاب فيه.
فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جدارا.
قالا: ووصفت لنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر أبي بكر، وقبر عمر.
وهذه القبور في سهوة (1) ببيت عائشة (2).
وقال محمد بن سعد: ثم قال - عمر - يا عبد الله إذهب إلى عائشة ام المؤمنين فقل لها: يقرأ عليك عمر السلام - ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم بأمير - يقول: تأذنين له أن يدفن مع صاحبه.
فأتاها ابن عمر فوجدها قاعدة تبكي فسلم عليها ثم قال: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه.
فقالت: قد والله كنت اريده لنفسي، ولاوثرنه به اليوم على نفسي.
فلما جاء قيل هذا ابن
عمر.
فقال عمر: إرفعاني فأسنده رجل إليه.
فقال: ما لديك، فقال: أذنت لك.
قال عمر: ما كان شئ أهم إلي من ذلك المضجع.
يا عبد الله بن عمر: انظر: إذا مت أنا فاحملني على سريري ثم قف بي على الباب.
فقل: يستاذن عمر بن الخطاب.
فلان أذنت لي فأدخلني، وإن لم تأذن فادفني، في مقابر المسلمين..قال: فأذنت له فدفن رحمه الله (3).
قبيل مقتله.
قال عمر بن ميمون شهدت عمر بن الخطاب يوم طعن فما منعني أن أكون في الصف الاول إلا هيبته، فكنت في الصف الذي يليه، وكان عمر لا
__________
(1) السهوة: الارض اللينة التربة.
النهاية في غريب الحديث: 2 / 430.
(2) الطبقات: 3 / 364 ط ليدن، الرياض النضرة: 1 / 409.
(3) الطبقات: 3 / 245.
(*)(1/315)
يكبر حتى يستقبل الصف المتقدم بوجهه.
فإن رأى رجلا متقدما من الصف، أو متأخرا ضربه بالدرة، فذلك الذي منعني من التقدم.
قال: فأقبل لصلاة الصبح، وكان يغلس (1) بها فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، فطعنه ثلاث طعنات فسمعت عمر وهو يقول: دونكم الكلب فإنه قد قتلني، وماج الناس، فجرح ثلاثة عشر رجلا، وصاح بعضهم ببعض: دونكم الكلب، فشد عليه رجل من خلفه فاحتضنه وماج الناس، فقال قائل: الصلاة عباد الله، طلعت الشمس.
فدفعت عبد الرحمن بن عوف، فصلى بأقصر سورتين في القرآن (2)، واحمل عمر، ومات من الذين جرحوا ستة،
أو سبعة.
وجرى الناس إلى عمر (3).
وأخرج ابن سعد عن ابن شهاب أنه قال: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا، ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول: إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس.
إنه: حداد، نقاش، نجار.
فكتب إليه عمر فأذن له أن يرسل به إلى المدينة.
وضرب عليه المغيرة مائه درهم فجاء إلى عمر يشتكي إليه شدة الخراج.
فقال له عمر: ما تحسن من العمل ؟ فذكر له الاعمال التي يحسن.
فقال له عمر: ما خراجك بكثير في كنه عملك.
فانصرف ساخطا يتذمر
__________
(1) الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
النهاية: 3 / 377.
(2) جاء في الاستيعاب بعد اقصر سورتين { إذا جاء نصر الله }.
{ وإنا أعطيناك الكوثر }.
(3) الامامة والسياسة: 1 / 26، الاستيعاب: 3 / 1153، الرياض النضرة: 1 / 409.
(*)(1/316)
فلبث عمر ليالي.
ثم إن العبد مر به فدعاه فقال له: ألم احدث أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح فالتفت العبد ساخطا، عابسا على عمر، ومع عمر رهط فقال: لاصنعن لك رحى يتحدث بها الناس.
فلما ولى العبد أقبل عمر على الرهط الذين معه فقال لهم: أوعدني العبد آنفا فلبث ليالي.
ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين.
نصابه في وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في غلس السحر فلم
يزل هناك حتى خرج عمر يوقظ الناس للصلاة، صلاة الفجر.
وكان عمر يفعل ذلك فلما دنا منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات: إحداهن في سرته قد خرقت الصفاق (1) وهي التي قتلته.
ثم انحاز أيضا على أهل المسجد فطعن من يليه حتى طعن سوى عمر أحد عشر رجلا ثم انتحر بخنجره.
فقال عمر حين أدركه النزف وانقصف الناس عليه: قولوا لعبد الرحمن بن عوف فليصل بالناس.
ثم غلب على عمر النزف حتى غشي عليه.
قال ابن عباس: فاحتملت عمر في رهط حتى أدخلته بيته.
ثم صلى بالناس: عبد الرحمن.
فأنكر الناس صوت عبد الرحمن فقال ابن عباس: فلم أزل عند عمر حتى أسفر الصبح، فلما أسفر أفاق فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس ؟ قال: قلت: نعم.
__________
(1) الصفاق: جلدة رقيقة تحت الجلد الاعلى وفوق اللحم.
النهاية في غريب الحديث: 3 / 39.
(*)(1/317)
فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاة.
ثم دعا بوضوء فتوضأ ثم صلى ثم قال: اخرج يا عبد الله بن عباس فسل من قتلني ؟ قال ابن عباس: فخرجت حتى فتحت باب الدار فإذا الناس مجتمعون جاهلون بخبر عمر قال: فقلت: من طعن أمير المؤمنين ؟ فقالوا: طعنه عدو الله: أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.
ثم طعن معه رهطا ثم قتل نفسه فقال:
الحمد الله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط ما كانت العرب لتقتلني.
قال سالم: فسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال عمر: أرسلوا إلي طبيبا ينظر إلى جرحي هذا قال: فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقى عمر نبيذا فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة.
قال فدعوت طبيبا آخر من الانصار، ثم من بني معاوية فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعنة يصلد أبيض قال: فقال له الطبيب: يا أمير المؤمنين أعهد فقال عمر: صدقني أخو بني معاوية، ولو قلت غير هذا لكذبتك.
قال: فبكى عليه القوم حين سمعوا فقال: لا تبكوا علينا.
من كان باكيا فليخرج.
ألم تسمعوا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! قال: يعذب الميت ببكاء أهله عليه (1).
فمن أجل ذلك كان عبد الله بن عمر لا يقر أن يبكي عنده على هالك من ولده ولا من غيرهم.
__________
(1) هذا الحديث كذبته عائشة وسيأتي تحت عنوان: مختارات من رواياته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(*)(1/318)
وكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقيم النوح على الهالك من أهلها فحدثت بقول عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يرحم الله عمر، وابن عمر فوالله ما كذبا (1) ولكن عمر وهل (2).
إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوح يبكون على هالك لهم فقال:
إن هؤلاء يبكون، وإن صاحبهم ليعذب، وكان قد اجترم ذلك (3).
وقال الديار بكري: روي أن عمر بعد أن قدم المدينة من حجته خرج يوما يطوف بالسوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة..فقال عمر: لقد توعدني العلج آنفا.
وفي رواية: ما يمنعك أن تأمر بدفعه قال: لا قصاص قبل القتل ثم انصرف عمر إلى منزله، فلما كان من الغد جاءه كعب الاحبار فقال يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام قال: وما يدريك قال: أجده في كتاب الله: التوراة..فلما كان من الغد جاءه كعب فقال يا أمير المؤمنين: ذهب يوم، وبقي يومان، ثم جاءه من بعد الغد فقال: ذهب يومان، وبقي يوم وليلة وهي لك إلى صبحها، فلما كان الصبح خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل الصفوف رجالا فإذا استوت أخبره، وكان قد دخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر في كمه له رأسان نصابه في وسطه فضرب عمر ضربات إحداهن تحت سرته هي التي قتلته فلما وجد عمر حد السلاح سقط وقال:
__________
(1) قال الله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر اخرى }.
(2) وهل: الوهلة: الفزعة.
مصباح المنير ص 674 ط مصر.
(3) الطبقات: 3 / 250 - 251، تاريخ الخميس: 2 / 448 - 449، تاريخ الطبري: 5 / 13، حياة الحيوان الكبرى للدميري: 1 / 52 ترجمة عمر، الرياض النضرة: 1 / 409.
(*)(1/319)
دونكم الكلب فإنه قتلني وماج الناس، وأسرعوا إليه فجرح منهم ثلاثة عشر رجلا حتى جاءه رجل منهم فاحتضنه من خلفه، وقيل ألقي عليه
برنسا (1).
وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمر أنه يقول: قال عمر: إرسلوا لي طبيبا ينظر إلى جرحي هذا قال: فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقى عمر نبيذا فشبه النبيذ بالدم حتى خرج من الطعنة التي تحت السرة قال: فدعوت طبيبا آخر من الانصار من بني معاوية فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعنة صلدا أبيض.
فقال له الطبيب: يا أمير المؤمنين أعهد.
فقال عمر: صدقني أخو بني معاوية.
ولو قلت غير ذلك كذبتك...الخ (2).
وقال ابن سعد - في ترجمة عمر - واحتمل عمر فدخل الناس عليه، فقال يا عبد الله بن عباس: أخرج فناد في الناس: أيها الناس إن أمير المؤمنين (3) يقول: أعن ملا منكم هذا فقالوا: معاذ الله ما علمنا، ولا اطعنا.
فقال: ادعوا لي طبيبا فدعي له الطبيب فقال: أي شراب أحب إليك قال: نبيذ.
فسقى نبيذا فخرج من بعض طعناته.
فقال الناس: هذا صديد، اسقوه لبنا، فسقى لبنا فخرج، فقال الطبيب ما أرى أن تمسى، فما كنت فاعل فافعل (4).
__________
(1) تاريخ الخميس: 2 / 248، الكامل في التاريخ: 3 / 49.
(2) مسند أحمد: 1 / 42.
(3) يقصد عمر بهذا نفسه.
(4) الطبقات: 3 / 346 - 354، الاستيعاب بهامش الاصابة: 2 / 469، اسد الغابة في معرفة الصحابة: 4 / 76، الامامة والسياسة: 1 / 26، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 134.
(*)(1/320)
وقال الديار بكري: ودخل في الناس كعب، فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول: وواعدني كعب ثلاثا اعدها * ولا شك أن القول ما قاله كعب - وما بي حذار الموت إني لميت * ولكن حذار الذنب يتبعه ذنب فقيل له: لو دعوت الطبيب: فدعى طبيب من بني الحارث بن كعب فسقاه نبيذا فخرج من جوفه مشكلا.
فقال: اسقوه لبنا، فخرج من جوفه ابيض فعرفوا أنه ميت.
فقال له الطبيب: لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلا فافعل (1).
عمر عند ما طعن.
قال اليعقوبي: ولما طعن عمر قال لابنه: إني كنت استلفت من بيت مال المسلمين ثمانين ألفا (2) فليرد من مالي ولدي، فلان لم يف مالهم.
فمال آل الخطاب، فلان لم يف، فمال بني عدي، وإلا قريش عامة ولا تعدوهم (3).
وقال الدميري: وإنه [ وإن عمر ] لما طعن قيل له: ما أحب الاشربة اليك يا أمير المؤمنين قال: النبيذ.
فسقوه نبيذا فخرج
__________
(1) تاريخ الخميس: 2 / 249، تاريخ الطبري: 5 / 13، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 3 / 893.
(2) وجاء في الرياض النضرة: قال عمر: يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه...الرياض النضرة: 1 / 407.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 159، الرياض النضرة: 1 / 407.
(*)(1/321)
من جرحه (1).
وقال ابن سعد بعد أن طعن عمر: فقال له الناس ليس عليك بأس فدعا بنبيذ فشربه فخرج من جرحه، ثم دعا بلبن فشربه فخرج من جرحه.
فلما ظن أنه الموت قال: يا عبد الله بن عمر: انظر كم علي من الدين قال: فحسبه فوجده ستة وثمانين ألف درهم.
قال: يا عبد الله إن وفي مال آل عمر فأدها عني من أموالهم، وإن لم يف أموالهم، فاسأل فيها بني عدي بن كعب، فإن لم تف من أموالهم فسأل فيها قريشا ولا تعدهم إلى غيرهم (2).
* * *
__________
(1) حياة الحيوان: 1 / 346، ترجمة عمر.
(2) الطبقات: 3 / 244، تاريخ الخميس للديار بكري: 2 / 249.
(*)(1/322)
مقتل عمر بن الخطاب(1/323)
تاريخ مقتله.
قال الديار بكري: وفي سيرة مغلطاي: [ كان قتل عمر ] لاربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.
وقال ابن قانع: غرة المحرم لتمام ثلاث وعشرين سنة وهو ابن ثلاث
وستين.
وتوفي بعد ذلك بثلاثة أيام، قاله الواقدي (1).
وقال الشيخ كمال الدين الدميري: توفي [ عمر ] في ذي الحجة لاربع عشرة ليلة مضت منه في السنة المذكورة - اي سنة ثلاث وعشرين - (2).
سني عمر عند قتله.
أخرج ابو عمرو عن نافع عن ابن عمر قال: توفى [ عمر ] وهو ابن بضع وخمسين.
وعن سالم بن عبد الله أن عمر قبض وهو ابن خمس وخمسين.
وقال الزهري: توفي وهو ابن أربع وخمسين سنة.
وقال قتادة: توفي وهو ابن إثنين وخمسين.
وقيل: مات وهو ابن ستين.
وقيل: مات وهو ابن ثلاث وستين (3).
__________
(1) تاريخ الخميس 2 / 249.
(2) حياة االحيوان 1 / 52.
(3) الاستيعاب: 2 / 471، الرياض النضرة: 1 / 418 (*).(1/324)
قال محمد بن سعد كاتب الواقدي: طعن عمر بن الخطاب يوم الاربعاء لاربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الاحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر، واحدى وعشرين ليلة من توفي أبي بكر الصديق على رأس اثنتين وعشرين سنة وتسعة أشهر، وثلاثة عشر يوما من الهجرة (1).
وقال أبو عمرو:
قتل عمر (رض) سنة ثلاث وعشرين من ذي الحجة طعنه أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة لثلاث بقين من ذي الحجة.
هكذا قال الواقدي.
ثم قال أبو عمرو: وروى سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أنه قال: قتل عمر يوم الاربعاء لاربع بقين من ذي الحجة وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر (2).
وقال المحب الطبري: قال ابن اسحاق: كانت ولايته عشر سنين، وستة أشهر، وخمس ليال (3).
من صلى على عمر ؟ قال أبو عمر: وروي معمر عن الزهري قال: صلى عمر على أبي بكر (رض) حين مات.
وصلى صهيب على عمر (رض) حين مات (2).
وقال الشيخ جلال الدين السيوطي: وصلى عليه صهيب في المسجد (3).
__________
(1) الطبقات: 3 / 365.
(2) الاستيعاب: 2 / 467.
(2) الاستيعاب: 2 / 472، الطبقات 3 / 147.
(3) تاريخ الخلفاء ص 136، الرياض النضرة: 1 / 418.
(*)(1/325)
أقوال الصحابة في عمر(1/327)
أقوال الصحابة في عمر.
أبو بكر بن أبي قحافة.
قال مفتي مكة السيد أحمد بن زيني دحلان: وكان بعض الصحابة استصغروا اسامة بن زيد أمير الجيش، وقالوا لعمر ابن الخطاب: إمضي إلى أبي بكر وأبلغه عنا واطلب منه أن يولي أمرنا أقدم سنا من اسامة، فلما أبلغه عمر ذلك، ووثب أبو بكر وكان جالسا وأخذ بلحية عمر وقال: ثكلتك امك يابن الخطاب.
إستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأمرني أن أعزله (1).
وقال مفتي مكة السيد أحمد بن زيني دحلان: ولما ارتد العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عظمت مصيبة المسلمين..فجادله - أي جادل الخليفة الاول - في كثير من الصحابة منهم: عمر، وأبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، وغيرهم من مجادلتهم له قول عمر (رض) له: تألف الناس، وارفق بهم، فإنهم بمنزلة الوحش.
فقال له أبو بكر: أجبار في الجاهلية، وخوار في الاسلام (2).
أبو عبيدة بن الجراح قال الاستاذ عبد الكريم الخطيب: روى أن عبيدة بن الجراح قال لعمر بن الخطاب:
__________
(1) الفتوحات الاسلامية: 2 / 377، تاريخ الطبري: 3 / 212.
(2) الفتوحات الاسلامية: 1 / 6، حياة الحيوان للدميري: 1 / 45.
(*)(1/328)
" دنست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي بتوليتهم
الاعمال..(1).
ام سلمة.
في البخاري قال - عمر - ثم خرجت حتى دخلت على ام سلمة لقرابتي منها فكلمتها فقالت ام سلمة: عجبا لك يابن الخطاب دخلت في كل شئ حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه.
فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد (2).
بلال الحبشي مؤذن الرسول صلى الله عليه وآله.
جاء بلال إلى عمر حين قدم الشام عنده امراء الاجناد فقال يا عمر ! يا عمر ! يا عمر ! فقال عمر: هذا عمر ؟ ! فقال: إنك بين هؤلاء (3) وبين الله، وليس بينك وبين الله أحد.
فانظر من بين يديك، ومن عن يمينك، ومن عن شمالك...(4).
الحباب بن المنذر (5).
__________
(1) عمر بن الخطاب ص 118.
(2) صحيح البخاري: 3 / 206 بحاشية السندي.
(3) يشير إلى عامة الناس هم: الرعية.
كذا في هامش الصفحة من كتاب عمر.
(4) عمر بن الخطاب ص 146.
(5) الحباب بن المنذر قال هذا الكلام في رده على عمر يوم السقيفة بعد قول عمر: هيهات لا يجتمع إثنان في قرن ولله لا ترض العرب أن يؤمروكم، ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمنع أن تولي = (*)(1/329)
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري عند ذكر عما جرى بين المهاجرين
والانصار في أمر الامارة في سقيفة بني ساعدة: فقام الحباب بن المنذر فقال: يا معشر الانصار أملكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا - يقصد عمر بن الخطاب - وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر، فإن أبوا عليكم ما سألتموه فاجلوهم عن هذه البلاد، وتولوا عليهم هذه الامور وأنتم أحق بهذا الامر منهم (1).
وأورد أبن أبي الحديد كلام الحباب بن المنذر وفيه اختلاف كثير في اللفظ (2).
خولى بنت حكيم.
قال السيد أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة: وخرج عمر يوما من المسجد ومعه الجارود العبدي، وهما يمشيان، وإذا بامرأة على ظهر الطريق فسلم عليها عمر فردت عليه السلام ثم قالت: رويدك يا عمر حتى اكلمك كلمات قليلة.
قال: لها قولي: قالت يا عمر: عهدي بك وأنت تسمى عميرا (3) في سوق عكاظ، وتصارع الصبيان فلم تذهب الايام حتى تسميت عمر، ثم لم تذهب الايام حتى تسميت: أمير المؤمنين.
__________
= أمرها من كانت النبوة فيهم، وولي أمورهم منهم ولنا بذلك على أن من أبى من العرب الحجة الظاهرة، والسلطان المبين.
من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ؟ ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل، أو متجانف لاثم، أو متورط في هلكه.
تاريخ الطبري 3 / 209.
(1) تاريخ الطبري: 3 / 209.
(2) انظر: شرح النهج 1 / 128.
(3) الصواب ما أثبتناه في المتن.
وفي الاصل أميرا وهو خطأ.
- المؤلف -.
(*)(1/330)
فاتق الله في الرعية، واعلم أن من خاف الموت، خشى الفوت (1).
الزبير بن العوام.
قال ابن أبي الحديد: الزبير العوام قال لعمر في الجلسة التي طعن بأصحاب الشورى الذي عينهم:..وما الذي يبعدنا منها، وليتها أنت فقمت بها، ولسنا دونك في قريش، ولا في السابقة، ولا في القرابة.
ثم قال ابن أبي الحديد: قال الشيخ أبو عثمان الجاحظ: والله لولا علمه أن عمر يموت في مجلسه ذلك لم يقدم على أن يفوه من هذا الكلام (2).
سعيد بن عامر.
قال سعيد بن عامر: ابتليت بالدنيا، وقد كنت صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ابتلي بها، وصحبت أبا بكر فلم أبتل بها، وابتليت بها في صحبة عمر.
ألا: فشر أيامي: أيام عمر (3).
عامر الشعبي.
قال عبد الحميد بن أبي الحديد:
__________
(1) الفتوحات الاسلامية: 2 / 422 - 423.
(2) شرح نهج البلاغة: (3) الفتوحات الاسلامية: 2 / 418.
(*)(1/331)
قال أبو جعفر: وروي عن عامر الشعبي أنه قال:
ما قتل عمر بن الخطاب حتى ملته قريش، واستطالت خلافته (1).
عمرو بن العاص.
لعن الله زمانا صرت فيه عاملا لعمر، والله لقد رأيت عمر، وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تجاوز مأبض (2) ركبتيه، وعلى عنقه حزمة حطب (3).
عيينة بن حصن (4) أخرج البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قدم عيينة بن حصين بن حذيفة فنزل على ابن أخيه: الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدينهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر، ومشاورته كهولا كانوا، أو شبانا.
فقال عيينة لابن أخيه: يابن أخي: لك وجه عند هذا الامير فاستأذن لي عليه.
قال: سأستأذن لك عليه.
__________
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 58.
(2) المأبض: الرسغ وهو موصل الكف بالذراع -: باطن الركبة.
لاروس ص 1051.
(3) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 1 / 58.
(4) أخرج ابن شبة عن ابن عباس أنه قال: دخل عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ابو بكر وعمر (رض) وهم جلوس على الارض جميعا فأمر لعيينة بنمرقة (*) فأجلسه عليها وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
تاريخ المدينة المنورة: 2 / 539.
(*) الوسادة الصغيرة يتكأ عليه وقيل: الطنفسة فوق الرحل.
(أقرب الموارد).
(*)(1/332)
قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال:
هي يابن الخطاب فو الله ما تعطينا الجزل (1) ولا تحكم بيننا بالعدل (2) فغضب عمر حتى هم به فقال له الحر: يا أمير المؤمنين: إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: { خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين } (3).
شهادة رجل من الصحابة.
قال ابن شبة: قال عبد الله بن جعفر بن برقان، قال: قال رجل لعمر (رض) أدنوا منك فإن لي إليك حاجة ؟ قال: لا.
قال: إذن أذهب فيغنيني الله عنك.
فولى ذاهبا.
فأتبعه عمر (رض) فأخذ بثوبه.
فقال: حاجتك ؟ فقال الرجل: أبغضك الناس، أبغضك الناس، كرهك الناس.
- ثلاثا -.
قال عمر (رض) له: (مم) ويحك ؟ ! قال: لسانك، وعصاك..(4).
الربيع بن زياد الحارثي: أخرج ابن شبة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه قال: كنت عند عمر (رض) فوضع يده على بطنه، فقلت:
__________
(1) الجزل: القطعة: اناء اللبن.
لاروس ص 392.
(2) ذكر ابن شبة هذا الحديث وقال بعد كلمة بالعدل، قال: فغضب عمر (رض) حتى هم أن يقع به.
تاريخ المدينة المنورة: 2 / 688.
(3) صحيح البخاري: 3 / 131 بحاشية السندي، الفتوحات الاسلامية: 2 / 455، تاريخ المدينة المنورة: 2 / 688، الرياض النضرة: 1 / 336.
(4) وذكر هذا الحديث ابن قتيبة وذكر بدل: مم ويحك، ولم ويحك وبدل: لسانك للسانك.
أنظر: الامامة والسياسة: 1 / 20 ط محمد محمود الحلبي بمصر.
(*)(1/333)
مالك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: طعام غليظ أكلته أذيت منه، قلت: يا أمير المؤمنين: إن أولى الناس بالمطعم اللين، والملبس اللين لانت.
قال: فتناول عصيه فقرع بها رأسي وقال: كنت أحسب فيك خيرا يا ربيع بن زياد قلت: مالك يا أمير المؤمنين ؟ ! قال: والله ما أردت إلا مقاربتي.
أتدري ما مثلي ومثلهم ؟ قال: ما مثلك، ومثلهم ؟ قال: مثل قوم أرادوا سفرا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل وقالوا: أنفق عليك، وعلينا.
أفله أن يستأثر عليهم ؟ قلت: لا.
قال: فكذلك (1).
سعد بن عبادة قال ابن أبي الحديد: [ سعد ] (2) لقى عمر في خلافته وهو على فرس، وعمر على بعير.
فقال له عمر: هيهات يا سعد.
فقال: سعد: هيهات يا عمر.
فقال: أنت صاحب من أنت صاحبه.
قال: نعم.
أنا ذاك.
ثم قال لعمر: والله ما جاورني أحد هو أبغض إلي جوارا منك.
قال عمر: فإنه من كره جوار رجل إنتقل عنه.
فقال سعد: إني لارجو أن أخليها لك عاجلا إلى جوار من هو أحب إلي جوارا منك ومن
__________
(1) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 697 - 698.
(2) مابين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(*)(1/334)
أصحابك...(1).
وقال ابن جرير الطبري: فقال عمر اقتلوه [ أي اقتلوا سعد بن عبادة ] (2) قتله الله.
ثم قام على رأسه.
فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك فأخذ سعد بلحية عمر فقال: والله لو حصصت منه (3) شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة...أما والله إذا لالحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع (4).
طلحة بن عبيد الله: قال ابن أبي الحديد: وطلحة هو الذي قال لابي بكر عند موته: ماذا تقول لربك، وقد وليت علينا فظا غليظا وهو القائل له: يا خليفة رسول الله إنا كنا لا نحتمل شراسته (5) وأن حي تأخذ على يديه فكيف يكون حالنا معه وأنت ميت...(6).
* * *
__________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 4 الطبعة الاولى بمصر.
(2) ما بين المعقوفين لم يكن في الاصل.
(3) كذا جاء في الاصل.
(4) تاريخ الامم والملوك: 3 / 210 مطبعة الحسينية بمصر.
(5) شرس الرجل شراسته، وشرسا، وشريسا.
كان سئ الخلق، وشديد الخلاق.
يقال فيه شراسة أقرب الموارد: 1 / 583.
وقال الشيخ أحمد رضا: شراسته: ساءت أخلاقه ونفر فهو شرس.
معجم متن اللغة:
3 / 303.
(6) شرح نهج البلاغة: 2 / 120 ط مصر عام 1329 ه.
(*)(1/335)
من روايات عمر عن رسول الله(1/337)
إن الميت يعذب بالنياحة عليه.
أخرج مسلم عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الميت يعذب بالنياحة عليه (1).
إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه.
أخرج مسلم عن عبد الله أن حفصة بكت على عمر فقال: مهلا يا بنية: ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه (2).
المعول عليه يعذب.
أخرج أحمد عن أنس أن عمر بن الخطاب (رض) لما عولت عليه حفصة فقال: يا حفصة أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: المعول عليه يعذب.
قال: وعول عليه صهيب فقال عمر (رض): يا صهيب أما علمت أن المعول عليه يعذب (3).
الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه.
أخرج البخاري عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان (رض) بمكة وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمر، وابن عباس (رض) وإني لجالس بينهما أو قال: جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن
عمر (رض) لعمرو بن عثمان.
__________
(1 - 2) صحيح مسلم: 2 / 638، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة 2 / 676 سنن الترمذي: 3 / 326 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
(3) مسند أحمد 1 / 39.
(*)(1/338)
ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه.
فقال ابن عباس (رض) قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث: فقال: صرت مع عمر من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل شجرة، فقال: إذهب فانظر من هؤلاء الركب ؟ قال: فنظرت فإذا هو صهيب فأخبرته فقال: ادعه لي فرجعت إلى صهيب.
فقلت: إرتحل فألحق بأمير المؤمنين فلما اصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: واأخاه، واصاحباه.
فقال عمر: يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه.
قال ابن عباس (رض) فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة (رض) فقالت: يرحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت: حسبكم القرآن: { ولا تزر وازرة وزر اخرى }.
قال ابن عباس عند ذلك: والله هو أضحك وأبكى.
قال ابن أبي مليكة: والله ما قال ابن عمر شيئا (1).
المؤلف يقول:
__________
(1) صحيح البخاري 1 / 154، تاريخ المدينة المنورة: 2 / 676 - 3 / 905.
(*)(1/339)
في هذا الحديث دلالة واضحة على أن حديث: " الميت يعذب ببعض بكاء أهل عليه لا أصل له بل إنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه مخالف لنص صريح القرآن الكريم: { ولا تزر وازرة وزر اخرى } كما قالت عائشة.
وعندما وقفنا على تكذيب القرآن الكريم لهذا الحديث الذي رواه عمر أعرضنا عن ذكر بقية الاحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ قد يكون حالها كحال هذا الحديث الذي مر - أي مفتعل ومكذوب عليه صلى الله عليه وسلم -.
أخرج البخاري عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير: إني لاسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تحدث فلان وفلان قال: أما أني لم أفارقه ولكن سمعته يقول: " من كذب على فليتبوأ مقعده من النار ".
وأخرج البخاري عن عبد العزيز قال: قال أنس: إنه ليمنعني أن احدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار ".
وأخرج البخاري عن سلمة الاكوع قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار " (1) (2).
__________
(1) أخرج هذا الحديث ابن سعد في الطبقات: 2 ق 2 ص 100 ط ليدن وفيه: (فقد تبوأ مقعده من النار).
(2) صحيح البخاري 1 / 21 ط عثمان خليفة بمصر عام 1932 م.
(*)(1/340)
من خطب عمر وكلماته(1/341)
مختارات من خطبه وكلامه.
1 - أول خطبة لعمر: أخرج ابن سعد عن الاشعث عن الحسن أنه قال: فيما يظن إن أول خطبة خطبها عمر حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فقد ابتليت بكم، وابتليتم بي، وخلفت فيكم بعد صاحبي فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا، ومهما غاب عنا ولينا أهل القوة، والامانة فمن يحسن نزده في إحسانه، ومن يسئ نعاقبه، ويغفر الله لنا ولكم (1).
2 - خطبة عمر عند افتتاحه لمجلس الشورى: قال أبو يوسف: أرسل عمر إلى عشرة من الانصار خمسة من الاوس، وخمسة من الخزرج، من كبرائهم، وأشرافهم.
فلما اجتمعوا حمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: إني لم ازعجكم إلا لان تشتركوا في أمانتي فيما حملت من اموركم، فإني
واحد كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ولست اريد أن تتبعوا هذا الذي هواى، معكم من الله كتاب ينطق بالحق، فوالله لان كنت نطقت بأمر اريده ما اريد به إلا الحق.
قالوا: نسمع يا أمير المؤمنين قال: قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذي زعموا أني أظلمهم حقوقهم.
وإني أعوذ بالله أن أركب ظلما، لئن كنت ظلمتهم شيئا هو لهم، وأعطيته غيرهم لقد شقيت.
ولكن رأيت أنه لم يبق شئ فيفتح بعد
__________
(1) الطبقات: 3 / 196، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 143، الرياض النضرة: 1 / 404.
(*)(1/342)
أرض كسرى، وقد غنمنا الله أموالهم، وأرضهم، وعلوجهم فقسمت ما غنموا من أموال بين أهل، وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه (1) (2) وأنا في توجيهه، وقد رأيت أن أحبس الارضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين: المقاتلة، والذرية ولمن يأتي من بعدهم.
أرأيتم: هذه الثغور لا بد لها من رجال يلزمونها.
أرأيتم: هذه المدن العظام - كالشام والجزيرة، والكوفة، والبصرة ومصر - لا بد لها من أن تشحن بالجيوش، وإدارة العطاء عليهم.
فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الارضون والعلوج ؟ فقالوا جميعا: الرأي رأيك.
فنعم ما قلت، وما رأيت، إن لم تشحن هذه الثغور، وهذه المدن بالرجال وتجري عليهم ما يتقوون به رجع أهل الكفر إلى مدنهم.
فقال: قد بان لي الامر فمن رجل له جزالة، وعقل يضع الارض مواضعها، ويضع على العلوج ما يحتملون ؟ فاجتمعوا له على عثمان بن حنيف وقالوا:
تبعثه إلى أهم ذلك، فإن له بصرا، وعقلا، وتجربة، فأسرع إليه عمر فولاه مساحة أهل السواد (3) فأدت جباية سواد الكوفة قبل أن يموت عمر (رض) بعام مائة ألف ألف درهم والدرهم يومئذ درهم ودانقان ونصف، وكان وزن الدرهم يومئذ وزن المثقال (4).
__________
(1) سيأتي تحت عنوان: سيرته مع اهل البيت (2) منع عمر قربى رسول الله من سهم ذوي القربى الذي فرضه الله لهم.
منع عمر قربى رسول الله من سهم الخمس ذوي القربى الذي فرضه الله لهم.
منع عمر قربى رسول الله من سهم أموال بني النضير.
راجع سنن أبي داود مواضع قسم الخمس، مسند أحمد: 1 / 248 - 320، السنن الكبرى للبيهقي: 6 / 344 - 345.
(3) في التيمورية: " مساحة أرض أهل العراق ".
(4) الخراج: ص 25 - 26.
(*)(1/343)
3 - خطبته عن شدته وغلظته: قال الدميري: لما بلغه (رض) هيبة الناس له جمعهم ثم قام على المنبر حيث كان أبو بكر (رض) يضع قدميه.
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: بلغني أن الناس قد هابوا شدتي، وخافوا غلظتي وقالوا: قد كان عمر يشتد علينا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر (رض) والينا دونه فكيف الآن وقد صارت الامور إليه.
ولعمري من قال ذلك فقد صدق (1).
4 - خطبته في طلب عكة سمن من بيت المال: أخرج ابن شبة عن قاسم أنه قال:
خطب عمر (رض) فقال: إن أمير المؤمنين يشتكي بطنه من الزيت، فإن رأيتم أن تحلوا له ثلاثة دراهم ثمن عكة (2) من سمن بيت مالكم فافعلوا (3).
5 - ومن خطبة له في الكلالة:...وإني لا أدع بعدي شيئا أهم إلي من الكلالة، وما اغلظ رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ منذ صاحبته ما أغلظ في الكلالة، وما راجعته في
__________
(1) حياة الحيوان الكبرى 1 / 49، علي بن أبي طالب للاستاذ عبد الكريم الخطيب ص 175 ط مصر مطبعة السنة المحمدية.
(2) العكة: زقيق صغير للسمن.
(لسان العرب، أقرب الموارد) كذا عن هامش الكتاب.
(3) تاريخ المدينة المنورة.
(*)(1/344)
الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال يا عمر: ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ؟ ! فإن أعش أقضى فيها قضية يقضى بها من يقرأ القرآن، ومن لا يقرأ القرآن (1).
6 - خطبته في تحريم المتعة: أخرج الطحاوي عن جابر بن عبد الله أنه قال: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ولي عمر، خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن، وإن الرسول هو الرسول وإنها كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: متعة الحج، فافصلوا بين حجكم، وعمرتكم، فإنه أتم لحجكم، وأتم لعمرتكم، والاخرى: متعة النساء، فأنهى عنها، واعاقب عليها (2).
7 - خطبته بالمدينة بعد رجوعه من الحج: أخرج مالك عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى..ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا.
وضرب بإحدى يديه على الاخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم.
أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب
__________
(1) شرح معاني الآثار: 2 / 144.
(2) مسند أحمد 1 / 26 - 27 - 28.
(*)(1/345)
الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى، لكتبتها: " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة " (1).
آخر خطبة لعمر: أخرج ابن الاثير عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: خطب عمر الناس فقال: رأيت كأن ديكا نقرني نقرتين، ولا أرى ذلك إلا لحضور أجلي فإن عجل بي أمرنا فإن الخلافة شورى في هؤلاء الرهط الستة الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض...(2).
وأخرج أحمد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري:
أن عمر (رض) قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر (رض) ثم قال: إني رأيت ديكا نقرني نقرتين ولا أرى ذلك إلا لحضور أجلي وإن ناسا يأمرونني أن أستخلف وأن الله عزوجل لم يكن ليضيع خلافته، ودينه، ولا الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى في هؤلاء الرهط الستة الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فأيهم بايعتم له فاسمعوا له، وأطيعوا...الخ (3).
__________
(1) الموطأ: 2 / 824 حديث رقم 10 كتاب الحدود، الطبقات: 3 / 242.
(2) اسد الغابة: 1 / 73.
(3) مسند أحمد: 1 / 48.
(*)(1/346)
أول ما تكلم به لما ولي: أخرج المحب الطبري عن الشعبي أنه قال: لما ولي عمر صعد المنبر فقال: ما كان الله ليراني أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر، فنزل مرقاة فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: اقرءوا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا يوم العرض الاكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية، إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله.
الا وإني نزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت، استعففت، وإن افتقرت اكلت بالمعروف.
خرجه الفضائلي.
وعن شداد بن أوس قال: كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن قال: اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني وإني بخيل فسخني (1).
* * *
__________
(1) الرياض النضرة: 1 / 404.
(*)(1/347)
خمسون كلمة من كلماته في مختلف المواضيع(1/349)
من قصار كلماته(1/351)
1 - أخطأت التأويل.
قال العلامة الكبير الشيخ محمود أبو رية رحمه الله: ولما أراد عمر أن يحد قدامه، قال قدامة.
ليس لك ذلك: يقول الله عزوجل: { ليس على الذين آمنوا، وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } المائدة: 93.
فقال له عمر: أخطأت التأويل، وبعد أن أورد هذا الحديث الشيخ محمود أبو رية قال: ولم يحد أحد من أهل بدر في الخمر إلا قدامة (1).
2 - أدركوا الكلب فقد قتلني.
أخرج ابن سعد، عن عمرو بن ميمون أنه قال: شهدت عمر حين طعن قال: أتاه أبو لؤلؤة، وهو يسوي الصفوف فطعنه، وطعن إثنى عشر معه هو: ثالث عشرة قال: فأنا رأيت عمر باسطا يده وهو يقول:
أدركوا الكلب فقد قتلني.
قال: فماج الناس، وأتاه رجل من ورائه فأخذه.
قال: فمات منهم سبعة، أو تسعة.
قال: فحمل عمر إلى منزله قال: فأتى الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك: قال: النبيذ (2).
__________
(1) شيخ المضيرة: ص 84 نقلا عن الاستيعاب: 2 / 548 ط الهند، فتح الباري: 7 / 255.
(2) أخرج الخطيب البغدادي، عن خلف بن هشام البزاز قال: [ أي خلف بن هشام ] كان من أصحاب السنة لولا بلية كانت فيه: شرب النبيذ.
= (*)(1/352)
3 - أساءك عزلنا إياك.
أخرج ابن سعد عن داود، عن عامر أنه قال: قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك ؟ قال: لئن قلت ذلك لقد ساءني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني (1).
4 - إذا أطال أحدكم الجلوس في المسجد أخرج ابن سعد، عن الزهري أنه قال: قال عمر بن الخطاب: إذا أطال أحدكم الجلوس في المسجد فلا عليه أن يضع جنبه فإنه أجدر أن لا يمل جلوسه (2).
* * *
__________
= ثم قال الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، حدثنا محمد بن الحسن بن زياد النقاش قال: سمعت ادريس بن عبد الكريم الحداد يقول: كان خلف بن هشام يشرب من الشراب على التأويل، فكان ابن اخته يوما يقرأ عليه سورة الانفال حتى بلغ: { ليميز الله الخبيث من الطيب }.
فقال يا خال: إذا ميز الله الخبيث من الطيب أين يكون الشراب ؟ قال: فنكس رأسه طويلا ثم قال: مع الخبيث.
قال فترضى أن تكون مع أصحاب الخبيث ؟ ! قال يا بني إمض إلى المنزل فأصبب كل شئ فيه، وتركه.
ثم قال الخطيب: حدثني أصحابنا أنهم ذكروا خلفا البزاز عند أحمد، فقيل يا أبا عبد الله: إنه يشرب ؟ فقال: قد انتهى إلينا علم هذا عنه، ولكن هو والله عندنا: الثقة الامين.
شرب أو لم يشرب.
تاريخ بغداد: 8 / 326.
(2) الطبقات: 3 / 182 ط ليدن.
(3) الطبقات: 3 / 212 ط ليدن.
(*)(1/353)
5 - إضرب ولا يرى ابطك..أخرج الجصاص، عن عاصم الاحول، عن أبي عثمان النهدي أنه قال: اتى عمر بسوط فيه شدة فقال: اريد أشد من هذا، فاتى بسوط فيه لين.
فقال: اريد أشد من هذا، فاتى بسوط بين السوطين فقال: اضرب ولا يرى ابطك، وأعط كل عضو حقه (1).
6 - أعوذ بالله أن أعيش في قوم...أخرج المتقي الهندي، عن أبي سعيد الخدري، عن عمر أنه قال: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن (2).
7 - اقتلوا سعدا قتله الله.
قال ابن الاثير: وفي رواية " ان عمر قال يوم السقيفة: اقتلوا سعدا قتله الله ".
أي اجعلوه كمن قتل، واحسبوه في عداد من مات وهلك، ولا تعتدوا بمشهده، ولا تعرجوا على قوله (3).
8 - أقضانا علي.
أخرج المحب الطبري عن عمر (رض) أنه قال: أقضانا علي.
وقال:
__________
(1) احكام القران: 3 / 261.
(2) كنز العمال: 5 / 178 ط بيروت.
(3) النهاية في غريب الحديث والاثر: 4 / 13.
(*)(1/354)
أخرجه الحافظ السلفي (1).
9 - الحبشية هذه، البحرية هذه ؟ أخرج البخاري عن سعيد بن المسيب أنه قال:..دخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها فقال عمر: حين رأى أسماء.
من هذه ؟ قالت: أسماء بنت عميس.
قال عمر: الحبشية هذه، البحرية قالت أسماء: نعم.
قال: سبقناكم بالهجرة.
فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم فغضبت وقالت كلا.
والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار، أوفى أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيم الله لا اطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نوذى، ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله.
والله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد عليه.
فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا.
قال: فما قلت له ؟ قالت: قلت له:
كذا وكذا.
قال: ليس هو بأحق بي منكم.
وله، ولاصحابه هجرة واحدة.
ولكم
__________
(1) ذخائر العقبى: ص 83، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة: 2 / 706 - الاستيعاب بهامش الاصابة لابن حجر: 3 / 38 - 39 - 41، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 17، حلية الاولياء لابي نعيم: 1 / 65، الطبقات لابن سعد 2 ق 2 / 102 ليدن.
(*)(1/355)
أنتم أهل السفينة هجرتان (1).
10 - الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك.
قال الجاحظ: وقال عمر بن الخطاب (رض) في بعض رسائله إلى قضاته: الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك (2).
11 - ألا من يأخذها بما فيها: قال الشيخ مؤمن شبلنجي: وكان - عمر - يقول: ألا من يأخذها بما فيها.
يعني: الخلافة (3).
12 - اللهم إنا كنا نتوسل اليك بنبيك فتسقينا.
عن أنس، أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس فقال: اللهم إنا كنا نتوسل بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل اليك بعم نبيك فاسقنا فسقوا (4).
المؤلف - من الغريب أن الوهابين يحكمون على المسلمين - الذين يتخذون الوسيلة - بالكفر مع العلم أن عمر بن الخطاب قد توسل بغير الله كما مر في
__________
(1) صحيح البخاري: 3 / 36 ط مصر عام 1932 م - صحيح البخاري: 5 / 137 ط بولاق عام
1314 ه.
(2) البيان والتبيين: 2 / 41 تحقيق عبد السلام محمد هارون.
(3) نور الابصار: ص 58.
(4) ضياء الصدور: ص 11 ط استانبول افست عام 1986 م صحيح البخاري: 1 / 179 صحيح البخاري 2 / 301.
(*)(1/356)
الحديث المتقدم وقد جاء ذكر الوسيلة في القرآن الكريم وقال تعالى: { وابتغوا إليه الوسيلة } المائدة: 35.
13 - اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب حيا.
أخرج الموفق الخوارزمي، عن سعيد بن المسيب أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب حيا (1).
14 - اللهم غفرا إني رجل قد دخل الناس مني هيبة.
أخرج ابن شبة، عن ميمون بن مهران، أنه قال: قرأ ابي (رض) { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات غير ما اكتسبوا }.
فقال عمر: هكذا تقرؤها يا ابي ؟ ثم أعاد عليه.
فقال: وهكذا أنزلها الله ؟ حتى غضب ابي فقال: نعم.
هكذا أنزلها.
لم يستامر فيها عمر، ولا إبنه.
فقال عمر (رض): اللهم غفرا إني رجل قد دخل الناس مني هيبة (2).
15 - اللهم لا تنزلي بي شدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي.
أخرج المحب الطبري، عن محمد بن الزبير أنه قال: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه من الكبر فقلت يا
شيخ: من أدركت ؟
__________
(1) مقتل الحسين: 1 / 45.
(2) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 682 - 683.
(*)(1/357)
قال: عمر (رض) فقلت: فما غزوت معه قال: غزوت اليرموك.
قلت: فحدثني شيئا سمعته.
قال: خرجت مع فتية حجاجا فأصبنا بيض نعام، وقد أحرمنا فلما قضينا نسكنا ذكرنا ذلك لامير المؤمنين عمر فأدبر وقال: أتبعوني.
حتى انتهى إلى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب حجرة منها فأجابته امرأة فقال: أثم أبو حسن.
قالت: لا.
فمر في المقتاة فأدبر وقال: أتبعوني حتى انتهي إليه، وهو يسوي التراب بيده فقال: مرحبا يا أمير المؤمنين.
فقال: إن هؤلاء أصابوا بيض نعام، وهم محرمون فقال: ألا أرسلت إلي.
قال: أنا أحق بإتيانك.
قال: يضربون الفحل قلائص (1) أبكارا بعدد البيض فما نتج منها أهدوه.
قال: عمر: فإن الابل تخدج.
قال: علي.
والبيض يمرض فلما أدبر قال عمر: اللهم لا تنزل بي شدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي (2).
16 - إن بيعة أبي بكر كانت فلتة.
قال ابن الاثير: حديث عمر: " إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقي الله شرها " (3).
أراد بالفلتة: الفجأة ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر
والفتنة...
__________
(1) قلائص: جمع قلوص.
وهي الناقة الشابة.
(عن هامش الكتاب).
(2) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ص 82.
(3) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 67 تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
(*)(1/358)
والفلتة: كل شئ فعل من غير روية (1).
وقال ابن ابي الحديد: إن الشيعة لم تسلم لعمر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة.
قال محمد بن هاني المغربي: ولكن أمرا كان ابرم بينهم * وإن قال قوم فلتة غير مبرم - زعموها فلتة فاجية لا * ورب البيت والقصر المشيد - إنما كانت امورا نسجت * بينهم أسبابها نسج البرود (2) 17 - إن مناديل آل عمر نعالهم.
أخرج ابن سعد، عن عاصم بن عبيدالله بن عاصم: أن عمر كان يمسح بنعليه ويقول: إن مناديل آل عمر نعالهم (3).
18 - انظر من طعنني.
أخرج ابن شبة، عن محمد بن سيرين أنه قال: قال ابن عباس رضي الله عنه قال لي عمر: انظر من طعنني ؟ فقلت: أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قال: نفذ القضاء على أصحابك.
قال مرة: فكان محمد يفسر قول عمر (رض) كان يقول: لا تدخلوا
المدينة من السبي إلا الوصفاء فقال العباس رضي الله عنه.
__________
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 127 طبعة الحلبي الاولى بمصر.
(2) النهاية في غريب الحديث والاثر: 3 / 467.
(3) الطبقات: 3 / 230 ط ليدن - الطبقات: 3 / 318 ط بيروت.
(*)(1/359)
إن عمل المدينة شديد لا يستقيم إلا بالعلوج (1).
19 - أنفشها فإنه أحسن لها.
قال ابن الاثير: ومنه حديث عمر " أنه أتى على غلام يبيع الرطبة، فقال: أنفشها فإنه أحسن لها ".
أي فرق ما اجتمع منها لتحسن في عين المشتري.
والتنفيش: المتاع المتفرق (2).
وأخرج ابن شبة، عن أبي موسى الاشعري (رض) أنه قال: قدمت على عمر بن الخطاب (رض) فخرجت معه إلى السوق فمر على غلام رطاب - يبيع الرطبة - فقال: كيف تبيع ؟ ! إنفش فإنه أحسن للسوق قال: قلت يا آل عمر: لا تغرو الناس.
فقال إنما هي السوق، فمن شاء أن يشتري إشترى (3).
20 - إني لخائف أن اسأل عما بك.
أخرج ابن سعد، عن سالم بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول: إني لخائف أن أسأل عما بك (4).
__________
(1) تاريخ المدينة المنورة: 3 / 904.
(2) النهاية في غريب الحديث والاثر: 2 / 748.
(3) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 748.
(4) الطبقات: 3 / 205 ط ليدن، الفتوحات الاسلامية لزيني دحلان: 2 / ذكر ما كان لعمر من الاقتصاد - تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 139.
الطبقات: 3 / 286 ط بيروت.
(*)(1/360)
21 - أية آية ؟ أخرج البخاري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، أنه قال: إن اناسا من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.
فقال عمر: أية آية ؟ فقالوا: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي }.
المائدة: 3.
فقال عمر: أي مكان انزلت ورسول الله واقف بعرفة (1).
22 - أيها الناس إن هذا ليس من السنة.
أخرج ابن سعد، عن العلاء بن أبي عائشة: أن عمر بن الخطاب دعا بحلاق فحلقه بموسى - يعني جسده - فاستشرف له الناس.
فقال أيها الناس: إن هذا ليس من السنة، ولكن النورة من النعيم (2) فكرهتها (3).
23 - بخ بخ لك يابن أبي طالب...أخرج الخطيب البغدادي، عن أبي هريرة أنه قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب فقال: " ألست ولي المؤمنين ؟ قالوا: بلى يارسول الله.
قال:
__________
(1) صحيح البخاري: 5 / 177 ط بولاق 1314 ه.
(2) وجه كراهية عمر النورة لكونها من النعيم وقد قال الله تعالى: " { ولتسألن يومئذ عن النعيم }
وسبب تركه استعمالها كي لا يسأل عنها يوم القيامة.
- المؤلف -.
(3) الطبقات: 3 / 209 ط ليدن - الطبقات: 3 / 291 ط بيروت.
(*)(1/361)
" من كنت مولاه فعلي مولاه ".
فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي، ومولى كل مسلم.
فأنزل الله: { اليوم أكملت لكم دينكم } (1).
24 - تألف الناس وارفق بهم.
قال الشيخ أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة المكرمة: - قال عمر لابي بكر -: تالف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش.
فأجابه أبو بكر: رجوت نصرتك، وجئتني بخذلانك (2).
25 - ذلك صهر رسول الله صلى الله عليه وآله أخرج المحب الطبري: عن عمر (رض) وقد ذكر عنده علي، قال: ذلك صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نزل جبريل فقال يا محمد: إن الله يأمرك ان تزوج فاطمة ابنتك من علي.
وقال المحب الطبري: اخرجه ابن السمان في الموافقة (3).
26 - رأيته قد أعجبته نفسه.
قال السيوطي وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عكرمة بن خالد أنه قال:
__________
(1) تاريخ بغداد: 8 / 290.
(2) الفتوحات الاسلامية: 1 /، 6 حياة الحيوان الكبرى للدميري: 1 / 84 ترجمة أبي بكر.
(3) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ص 31.
(*)(1/362)
دخل ابن لعمر بن الخطاب عليه، وقد ترجل، ولبس ثيابا حسانا، فضربه عمر بالدرة حتى أبكاه، فقالت له حفصة: لم ضربته ؟ ! قال: رأيته قد أعجبته نفسه، فأحببت أن أصغرها إليه (1).
27 - رغم أنف حفصة وعائشة.
أورد البخاري في تفسير قوله تعالى: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } وقال: قال عمر: وكان لي صاحب من الانصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت آتيه بالخبر، ونحن نتخوف ملكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا فقد امتلات صدورنا منه فإذا صاحبي الانصاري يدق الباب فقال: إفتح إفتح فقلت: جاء الغساني فقال: بل أشد من ذلك.
اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه.
فقلت: رغم أنف حفصة وعائشة (2).
28 - شر الكتابة المشق.
قال العلامة المحقق الشيخ احمد محمد شاكر: بلغنا عن ابن قتيبة أنه قال: قال عمر بن الخطاب (رض): شر الكتابة المشق، وشر القراءة الهذرمة، واجود الخط أبينه (3).
29 - صدق.
أخرج ابن شبة، عن أبي مجلز:
__________
(1) تاريخ الخلفاء: ص 142.
(2) صحيح البخاري مشكول: 3 / 206 ط دار إحياء الكتب العربية.
(3) الجامع الصحيح سنن الترمذي: 1 / 24 تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر.
(*)(1/363)
أن أعرابيا قرأ: { من الذين استحق عليهم الاوليان } المائدة: 107.
فقال عمر: كذبت فقال ابي: بل أنت أكذب.
فقال له رجل: أتكذب أمير المؤمنين ؟ فقال: أنا أشد تعظيما لامير المؤمنين منكم، ولكني.
اكذبه في تصديق الله، ولا اصدقه في تكذيب الله.
فقال عمر: صدق (1).
30 - ضاهيت اليهودية.
أخرج الامام أحمد بن حنبل، عن عبيد بن آدم أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب (رض) يقول لكعب: أين ترى أن اصلي ؟ فقال: إن أخذت عني، صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلها بين يديك.
فقال عمر (رض): ضاهيت اليهودية (2).
31 - قبحك الله لقد آذيت رسول الله في قبره قال أبو حامد ابن زوق، وعن عروة أنه قال: وقع رجل في علي عند عمر بن الخطاب (رض) فقال له عمر: قبحك الله لقد آذيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره (3).
__________
(1) تاريخ المدينة المنورة: 2 / 709.
(2) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 38.
(3) التوسل بالنبي وجهلة الوهابين ص 214 ط استانبول.
(*)(1/364)
32 - قضية ولا أبا حسن لها.
قال الاستاذ حسن ابراهيم حسن المصري: روى أن عمر كان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن ويقول: قضية ولا أبا حسن لها.
وأبو حسن كنية علي بن أبي طالب (1).
33 - لقد أرادك الحق يا أبا الحسن.
ذكر الشيخ احمد حسن الباقوري قضية لشريح القاضي أنه قال: كنت أقضي لعمر بن الخطاب، فأتاني يوما رجل فقال لي: يا أبا امية إن رجلا أودعني امرأتين..إحداهما حرة مهيرة، والاخرى سرية (2) فجعلتهما في دار، وأصبحت اليوم فإذا هما قد ولدتا غلاما وجارية، وكلتاهما تدعي الغلام لنفسها، وتنتفي من الجارية.
وقد جئتك أيها القاضي أطلب قضاءك بينهما.
يقول شريح: فلم يحضرني شئ فيهما أقضي به، فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقصصت عليه القصة.
فقال: فما الذي قضيت بينهما ؟...قلت: لو كان عندي قضاء فيهما ما أتيتك.
فجمع عمر جميع من حضره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمرني أن أقص عليهم ما جئت به.
وجعل عمر يشاور أصحاب رسول الل صلى الله عليه وسلم.
وكلهم يرد الرأي إليه.
فقال عمر: لكني أعرف مفزع القضية ومنتزعها.
قالوا: كأنك أردت ابن أبي طالب.
قال: نعم، وأين المذهب عنه ؟ قالوا: فابعث إليه يأتيك.
قال:
__________
(1) تاريخ الاسلام السياسي: 1 / 273.
(2) قال ابن الاثير: حديث ام زرع " فنكحت بعده سريا " أي نفيسا شريفا.
النهاية: 2 / 363.
(*)(1/365)
إن له شمخة من هاشم، واثرة من علم تقتضينا أن نسعي إليه، ولا تأذن له أن يسعى هو إلينا، فقوموا بنا إليه.
فلما جئناه وجدناه في حائط له يركل (1) فيه على مسحاة (2) ويقرأ قوله الله تعالى: { أيحسب الانسان أن يترك سدى }.
القيامة: 36، ثم يبكي بكاء شديدا.
ولم يجد القوم بدا من أن يجهلوه حتى تسكن نفسه، ويرقأ دمعه.
ثم استأذنوا عليه فخرج إليهم وعليه قميص قدت أكمامه إلى النصف منها، ثم قال كرم الله وجهه: ما الذي جاء بك يا شريح ؟ قلت: أمر عرض جئنا نسأل عنه.
فأمرني فقصصت عليه القصة فقال: فبم حكمت فيهما ؟ قلت: لم يحضرني حكم فيهما.
فأخذ بيده من الارض شيئا ثم قال: الحكم فيها أهون من هذا.
ثم أمر بإحضار المرأتين وأحضر قدحا..ثم دفعه إلى إحداهما قائلا لها احلبي فيه.
فامتثلت المرأة فحلبت..ثم وزنه.
ثم قال للاخرى: احلبي أنت أيضا قي قدح اخرى ثم وزنه أيضا.
ثم قال لصاحبة اللبن الخفيف: خذي ابنتك.
وقال لصاحبة اللبن الثقيل: خذي ابنك.
ثم التفت كرم الله وجهه إلى أمير المؤمنين عمر (رض) قائلا: أما علمت أن الله تعالى حط المرأة عن الرجل في ميراثها، فكذلك كان لبنها دون لبنه.
فقال عمر: لقد أرادك الحق يا أبا الحسن ولكن قومك أبوا.
فقال الامام: خفض عليك أبا حفص: { إن يوم الفصل كان ميقاتا }.
ولم يدع أهل العلم هذا القضاء دون تعليق حتى قال ثقة فاضل:
__________
(1) قال ابن الاثير: " فركله برجله " أي رفسه.
النهاية: 2 / 260.
(2) المساحي: جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديث انظر النهاية: 4 / 328.
(*)(1/366)
إن جعفرا الصادق رضي الله عنه كان يقول: " لبن أحد الثديين طعام، ولبن الثدي الآخر شراب.
فعلى الام أن ترضع ولدها من ثدييها كليهما فذلك أصح لجسده، وأحكم لقوته " (1) 43 - لماذا تشكو امك يا غلام على هذه الصورة ؟ قال الاستاذ الكبير الشيخ أحمد حسن الباقوري: ومن أقضيته - كرم الله وجهه - قضاءه في المرأة التي أنكرت ولدها قائلة: إنه ليس ولدي.
فذلك حيث يقول الثقة الذي روى هذه القصة: سمعت غلاما بالمدينة يقول: يا أحكم الحاكمين احكم بيني، وبين امي.
فقال له أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب.
لمذا تشكو امك يا غلام على هذه الصورة ؟ قال الغلام: يا أمير المؤمنين إنها حملتني في بطنها تسعة أشهر ثم ارضعتني حولين كاملين، فلما كبرت وعرفت الخير من الشر طردتني، وزعمت أنها لا تعرفني.
فاستدعى المرأة أمير المؤمنين عمر ثم سألها عما يقول الغلام.
فقالت: يا أمير المؤمنين.
والذي احتجب بالنور فلا عين تراه، إنني لا أعرف هذا الغلام، ولا أدري من أي الناس هو، وهو يريد أن يفضحني في عشيرتي، وأنا لا أزال بكرا لم أتزوج.
فسألها عمر: هل لك شهود على ما تقولين ؟ فأجابت: نعم.
هؤلاء إخوتي.
فاستدعاهم عمر فشهدوا عنده بأن الغلام كذاب، وأنه يريد أن يفضح أختهم في عشيرتها، وأنها جارية لم تتزوج.
__________
(1) علي امام الائمة: ص 216 - 217.
(*)(1/367)
فقال عمر: إنطلقوا بهذا الغلام إلى السجن حتى نسأل.
فأخذوا الغلام إلى السجن، وفيما هم في الطريق إلى السجن تلقاهم الامام كرم الله وجهه فناداه الغلام: يابن عم رسول الله، إني غلام مظلوم.
ثم قص عليه ما كان قد قصه على عمر.
فقال علي كرم الله وجهه: ردوه إلى أمير المؤمنين عمر.
فلما ردوه إليه قال لهم عمر: لقد أمرت به إلى السجن فلماذا رددتموه إلي ؟ فأجابوه: لقد سمعناك تقول: لا تعصوا لعلي أمرا، وقد أمرنا أن نرده إليك، وألا نذهب به إلى السجن.
ثم جاء علي كرم الله وجهه فقال: لاقضين اليوم بقضاء يرضى رب العالمين.
ثم أخذ يسأل المرأة: ألك شهود ؟ قالت: نعم.
ثم تقدم الشهود فشهدوا بأن المرأة ليست أما للغلام، وإنما هو يريد أن يفضحها في عشيرتها..فقال الامام علي كرم الله وجهه: اشهد الله وأشهد من حضر من المسلمين أني قد زوجت هذا الغلام من هذه الجارية بأربعمائة درهم، أدفعها من مالي الخاص.
ثم نادى قمبرا مولاه أن يحضر الدراهم فأتاه بها.
فصبها في يد الغلام قائلا له: صب هذا المال في حجر امرأتك، ولا أراك بعد ذلك إلا وبك أثر العرس.
فقام الغلام فصب الدراهم في حجر المرأة فقال لها: قومي معي إلى بيت
الزوجية.
فصاحت المرأة: النار، النار يا ابن عم رسول الله، أتريد أن تزوجني من ولدي ؟ هذا والله ولدي، وقد زوجني أخي هجينا فولدت منه هذا الغلام، فلما(1/368)
كبر أمروني أن انتفي منه، وأطرده مع أنه ولدي، وفؤادي يحترق أسفا على ولدي.
ثم أخذت بيد الغلام فانطلقت به.
فنادى عمر بأعلى صوته: واعمراه ! لولا علي لهلك عمر.
ثم قال الشيخ الباقوري بعد ذكره لهذه القضية: ففي هذه القصه يقضي الامام علي قضاء أيدته فيه عناية الله، فرد الولد إلى امه لانه ولدها وهي امه، ولكن العصبية العربية ضد الاعاجم هي التي صنعت هذا البلاء في القصة الاليمة.
ولكي يتضح لك الموضوع على ما ينبغي أن يتضح: إعلم رحمك الله أن العرب كان الولد عندهم إما أن يكون صريحا، واما أن يكون هجينا، وإما أن يكون مقرفا: فإن جاء الولد من أب عربي، وام عربية فهو الصريح، وإن جاء الولد من أب عربي وأم أعجمية فهو الهجين المحتقر عند العرب، وإن جاء الولد من أم عربية وأب أعجمي.
فهو المقرف وهو العار الذي لا عار بعده.
فهذه الجارية كانت قد تزوجت من شاب أبوه عربي وامه أعجمية فهو هجين محتقر ولذلك أمرها قومها بعد أن ولدت من هذا الهجين أن تتبرأ من ولدها فتبرأت منه.
فماذا يصنع الولد إلا أن يلجأ إلى أمير المؤمنين علي ليرده إلى امه، ولكنه لم يرده إليها كام بل رده كزوج لزوجة حتى يتبين حقيقة الامر.
فلما شعرت
المرأة أنها تغضب الله وأن مصيرها إلى النار إذا قبلت هذا الزوج، رفضت الولد زوجا واعترفت بأنها امه، وأخذت الدراهم من علي توسع بها على نفسها.
وهو قضاء كريم رفع من المجتمع الاسلامي منكرا، وقرر حقا، وجمع شمل ام بولدها.
ومثل الامام كرم الله وجهه يكون وسيلة إلى الخير: خير الدنيا والآخرة جميعا والله ولي التوفيق.(1/369)
35 - كيف أصبحت يا حذيفة ؟ قال الاستاذ الكبير الشيخ أحمد حسن الباقوري: ومن فقهه - كرم الله وجهه - ما يروي عن سعيد بن المسيب، عن حذيفة ابن اليمان أنه قال: لقي عمر بن الخطاب (رض) حذيفة رضي الله عنه فقال له عمر: كيف أصبحت يا حذيفة ؟ فقال حذيفة: كيف تريدني أصبح ؟ أصبحت أكره الحق، واحب الفتنة، وأشهد بما لم أره، واصلي على غير وضوء، ولي في الارض ما ليس لله في السماء..فغضب عمر غضبا شديدا حتى كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، ثم انصرف فمر بالامام علي كرم الله وجهه فقال له: فقال عمر: وقال حذيقة: إنه يحب الفتنة.
فقال الامام: صدق.
يحب المال والولد، والله تعالى يقول: { إنما أموالكم فتنة }.
التغابن: 15 فقال عمر: وقال حذيفة: أشهد بما لم أره.
فقال الامام: صدق.
يشهد بالوحدانية، والموت، والبعث.
والقيامة، والجنة، والنار،
والصراط، وهو لم ير ذلك كله.
وقال عمر: ما أغضبك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبح ؟ فقال: أصبحت أكره الحق.
فقال علي: صدق حذيفة.
أصبح يكره الموت، والموت حق.(1/370)
قال حذيفة: إنه يصلي على غير وضوء.
فقال الامام: صدق حذيفة.
إنه يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر: يا أبا الحسن إن حذيفة قال أكبر من ذلك، إن له في الارض ما ليس لله في السماء.
قال الامام: صدق حذيفة.
إن له في الارض زوجة، وله ولد، وتعالى الله عن الزوجية والولد.
فقال عمر: كاد يهلك ابن ام عمر، ولولا علي لهلك عمر.
ثم قال الاستاذ الباقوري: وأنت إذا تأملت في هذه النماذج من أقضية الامام كرم الله وجهه، فإنك لا ترى بدا من القول بأن عليا قد جمع الله له من الفقه في الدين، والبصر بروح الشريعة ما لم يجمعه لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
36 - لا أبقاني الله بعدك يا علي.
أخرج المحب الطبري، عن يحيى بن عقيل أنه قال: كان عمر يقول لعلي.
- إذا سأله ففرج عنه -: لا أبقاني الله بعدك يا علي (2).
37 - لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن.
قال الشيخ أحمد حسن الباقوري:
وقد توافر للامام علي - كرم الله وجهه - كل ذلك الفضل الذي لم يتوافر لغيره من الصحابة (رض) حتى كان أمير المؤمنين عمر يقول: " لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن " (3).
__________
(1) علي إمام الائمة: ص 245 - 246.
(2) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ص 28 (3) علي امام الائمة: ص 169 تحت عنوان: علي ومنصب القضاء.
(*)(1/371)
38 - لست أبالي إلى أي الناس نكحت وأيهم أنكحت أخرج ابن سعد، عن محمد بن سيرين أنه قال: قال عمر بن الخطاب: ما بقي في شئ من أمر الجاهلية إلا أني لست ابالي إلى أي الناس نكحت وأيهم أنكحت (1).
39 - ما أقول في يد الله فقأت عينا في حرم الله قال ابن أبي الحديد: قول عمر، وقد فقأ علي عين إنسان ألحد في الحرم: ما أقول في يد الله فقأت عينا في حرم الله (2).
40 - مر ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا قال ابن عبد ربه الاندلسي: كتب عمر بن الخطاب (رض) إلى أبي موسى الاشعري: مر ذوي القرابات ان يتزاوروا ولا يتجاوروا (3).
41 - ما رأيت مثل من يجلس ايما بعد هذا الآية قال الجصاص: وقال عمر بن الخطاب: ما رأيت مثل من يجلس أيما بعد هذه الآية:
__________
(1) الطبقات: 3 / 982 ط بيروت عام 7731 ه.
(2) شرح نهج البلاغة: 1 / 466 الطبعة الاولى.
(6) العقد الفريد: 2 / 326 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر.
(3) قال ابن الاثير: الايم في الاصل التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا.
النهاية في غريب الحديث: 1 / 84.
(*)(1/372)
{ وأنكحوا الايامى منكم } النور: 32 (1).
42 - ما سابقت أبا بكر إلى خير قط قال ابو عمر يوسف بن عبد البر: قال عمر (رض): ما سابقت أبا بكر إلى خير قط (2) إلا سبقني، ولوددت أني شعره في صدر أبي بكر (3).
43 - من دعا إلى إمارة نفسه قال ابن الاثير: ومنه حديث عمر: من دعا إلى إمارة نفسه، أو غيره من المسلمين فاقتلوه.
أي اجعلوه كمن قتل ومات، بأن لا تقبلو له قولا، ولا تقيموا له دعوة (4).
44 - ما هبت الصبا إلا وجدت نسيم زيد قال ابن عبد ربه الاندلسي: وقال عمر بن الخطاب (رض): ماهبت الصبا إلا وجدت نسيم زيد.
__________
(1) أحكام القرآن تفسير سورة النور.
(2) راجع شرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 124 - 125 - 126 الطبعة الاولى وفيها: نقد عمر
لابي بكر عند قوله لابي موسى الاشعري حينما يصف أبا بكر ويقول فيه: كان والله أحسد قريش كلها..والله كان أبو بكر اعق..ويقول فيه.
ولقد تقدمني ظالما، وخرج الي منها آثما ويقول فيه..ضئيل - أي حقير - بني تيم بن مرة...(3) الاستيعاب في معرفة الاصحاب: 3 / 1150 تحقيق على محمد البجاوي.
(4) النهاية في غريب الحديث والاثر: 4 / 13.
(*)(1/373)
وكان إذا أصابته مصيبة قال: قد فقدت زيدا فصبرت (1).
45 - واعجبا لك يابن عباس هما عائشة وحفصة أخرج البخاري عن ابن عباس (رض) قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } قال: واعجبا لك يا بن عباس، هما عائشة وحفصة (2).
وأخرج البخاري، عن اسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء (3).
46 - هذا منديل عمر وآل عمر أخرج ابن سعد، عن السائب بن يزيد أنه قال: ربما تعشيت عند عمر بن الخطاب فيأكل الخبز واللحم ثم يمسح يده على قدمه ويقول: هذا منديل عمر وآل عمر (4).
__________
(1) العقد الفريد: 3 / 235 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر.
وقال الحاكم في المستدرك:
كان عمر يصاب بالمصيبة فيقول: أصبت بزيد بن الخطاب فصبرت.
وأبصر عمر قائل أيه زيد فقال له: ويحك لقد قتلت لي أخا ما هبت الصبا إلا ذكرته.
المستدرك: 3 / 227، تلخيص المستدرك: 3 / 227.
(2) صحيح البخاري: 3 / 169 ط الاولى عام 1932 م بالقاهرة.
(3) المصدر السابق: 3 / 158 ط عثمان خليفة بمصر.
(4) الطبقات: 3 / 318 ط بيروت.
(*)(1/374)
47 - واها لابن عباس قال ابن أبي الحديد: إلتفت ابن عباس إلى [ عمر ] فقال: إن لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقا برسول الله صلى الله عليه وسلم فمن حفظه، فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه، فحق نفسه أضاع ثم مضى.
فقال عمر لجلسائه: واها لابن عباس ما رأيته لاحى أحد قط إلا خصمه (1).
48 - هششت إلى المرأة فقبلتها وأنا صائم أخرج أبو محمد بن حزم الظاهري، عن جابر بن عبد الله، عن عمر بن الخطاب أنه قال: هششت (2) إلى المرأة فقبلتها وأنا صائم.
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يارسول الله: أتيت أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم.
فقال رسول الله: " أرأيت لو مضمضت بماء وأنا صائم ؟ " قلت لا بأس.
قال: " ففيم " ؟
قال أبو محمد، لو لم يكن في إبطال القياس إلا هذا الحديث لكفى، لان عمر ظن أن القبلة تفطر الصائم قياسا على الجماع.
فأخبره صلى الله عليه وسلم أن الاشياء المماثلة، والمتقاربة لا تستوي أحكامها، وأن المضمضة لا تفطر الصائم، وهذا هو إبطال القياس (3).
__________
(1) شرح النهج: 3 / 107.
(2) هش الرجل هشاشة: إذا تبسم وارتاح.
مصباح المنير للفيومي ص 638.
(3) الاحكام في اصول الاحكام: 8 / 409، معاني الآثار للطحاوي: 2 / 89.
(*)(1/375)
49 - يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين: أخرج ابن سعد، عن عبد الله بن نافع عن أبيه، عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق ؟ فباتا يحرسانهم، ويصليان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لامه: إتقي الله وأحسني إلى صبيك، ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه فعاد إلى امه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه، فلما كان في آخر الليل سمع بكاءه فأتى امه فقال: ويحك، إني لاراك ام سوء، مالي أرى إبنك لا يقر منذ الليلة ؟ قالت: يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة، إني اريفه من الفطام فيأبى، قال: ولم ؟ قالت: لان عمر لا يفرض إلا للفطم، قال: وكم له ؟ قالت: كذا وكذا شهرا قال: ويحك لا تعجليه ! فصلى الفجر وما يستين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم قال: يا بؤسا لعمركم قتل من أولاد المسلمين: ثم أمر مناديا فنادى:
ألا لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الاسلام...(1).
* * *
__________
(1) الطبقات: 3 / 301 ط بيروت.
(*)(1/376)
50 - يارسول الله لو متعتنا بعامر: أخرج الطبراني، عن أياس بن سلمة أنه قال: خرجنا إلى خيبر وعامر يرتجز ويقول: والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا، ولا صلينا - ونحن عن فضلك ما استغنينا * وثبت الاقدام إن لاقينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من هذا ؟ " فقالوا عامر فقال: " غفر الله ذنبك يا عامر " وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل معه إذا استشهد.
فقال عمر (رض) يارسول الله لو متعتنا بعامر، فلما قدمنا خيبر خرج مرحب يخطر بسيفه وهو ملكهم ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب - إذا الحروب أقبلت تلتهب فبرز له عامر فقال: قد علمت خيبر أني عامر * شاكي السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يستقبل به فرجع سيفه إلى نفسه فقطع الحجفة، وكانت نفسه فيها، وإذا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بطل عمل عامر، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " من قال هذا ؟ " قلت: ناس من أصحابك قال:(1/377)
" كذب من قال ذلك بل له أجره مرتين ".
ثم أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب، فأتيته وهو أرمد، فقال: " لاعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله " فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فبسق في عينه فبرأ، ثم أعطاه الراية، ثم خرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب - إذا الحروب أقبلت تلتهب فقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: أنا الذي سمتني امي حيدره * كليث غابات كريه المنظره - اوفيهم بالصاع كيل السندرة فضربه ففلق رأس مرحب فقتله، وكان الفتح على يدي علي بن أبي طالب (1).
__________
(1) المعجم الكبير: 7 / 18.
(*)(1/378)
خاتمة الكتاب(1/379)
وفي ختام هذا المؤلف نقول: هذا ما استطعنا جمعه وترتيبه من حياه الخليفة (عمر بن الخطاب) (رض) في فترة غير قصيرة.
والمرجو من الباري عزوجل أن يهب لنا التوفيق بعنايته
به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فبسق في عينه فبرأ، ثم أعطاه الراية، ثم خرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب - إذا الحروب أقبلت تلتهب فقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: أنا الذي سمتني امي حيدره * كليث غابات كريه المنظره - اوفيهم بالصاع كيل السندرة فضربه ففلق رأس مرحب فقتله، وكان الفتح على يدي علي بن أبي طالب (1).
__________
(1) المعجم الكبير: 7 / 18.
(*)(1/380)
خاتمة الكتاب(1/379)
وفي ختام هذا المؤلف نقول: هذا ما استطعنا جمعه وترتيبه من حياه الخليفة (عمر بن الخطاب) (رض) في فترة غير قصيرة.
والمرجو من الباري عزوجل أن يهب لنا التوفيق بعنايته المقرونة بفراغ البال، ويرزقنا السعادة في الدارين ويأخذ بأيدينا إلى ما فيه خير الامة التي اخرجت للناس، ويهئ لنا وقتا واسعا لمواصلة البحث والكتابة عن شخصيات اخر مع الاستعانة بالله وحده.
تم ما أردنا إثباته في هذا المختصر والحمد لله وحده والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبة الميامين عبد الرحمن أحمد البكري(1/380)