بسم الله الرحمن الرحيم
أهميته ، وفائدته
إعداد الدكتور : إبراهيم بن حماد الريس
أستاذ الحديث المساعد بقسم الثقافة الإسلامية
كلية التربية
جامعة الملك سعود
الرياض
1422هـ = 1423 هـ .
المقدمة
المقدمة
الحمد لله الذي خلق الناس من ذكر وأنثى وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا ، وهو الذي جعل الإنسان خليفة في الأرض واستعمره فيها ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد
فإن الله تعالى خلق الخلق لعمارة الأرض بطاعته ، وإدارتها وفق إرادته وأمره سبحانه ، وقد مر بهذه الحياة أجيال وأجيال ، واندرس ذكر أكثرهم ، بل لم يبق ممن له ذكر منهم إلا قلة لا تكاد تساوي شيئاً مقابل من نسي ، وهؤلاء الأعلام الذين حفروا لهم في ذاكرة التاريخ مكاناً ، وأسسوا لهم بين العالمين ذكراً ؛ هم موضوع علم التراجم ، وهم هدف الدراسات حوله على اختلاف مشاربهم وتنوع مقاصدهم وتباين أثرهم وتأثيرهم ، وافتراق حالهم عند ذكرهم ما بين مذكور بخير وصلاح ومُتْبَع ذكره بالثناء والدعاء ، أو مذكور بشر وضر ومُتْبَع ذكره بالنقمة و الدعاء عليه، و قد أردت أن أجمع بحثاً يتناول هذا العلم بالدراسة والنظر ، ويعرض لذكر أهمية هذا العلم وثمراته وسبل الوصول للتحقيق فيه ، ووسمته بعنوان رأيته له مناسباً وبه موائما هو : " علم التراجم ، أهميته وثمراته " .
وسرت في هذا البحث وفق الخطة التالية :
? المقدمة ، ثم التمهيد .
? الباب الأول : علم التراجم ؛ وفيه مباحث :
? المبحث الأول : المراد به ، ونشأته .
? المبحث الثاني : أهمية دراسته .
? المبحث الثالث : من ثمار وفوائد دراسة تراجم الأعلام .
? الباب الثاني :مصادر المعلومات في علم التراجم والسير . وفيه مبحثان :
? المبحث الأول : كيف تجمع الأخبار عن الأعلام ؟
? المبحث الثاني :مصادر التراجم ، وأهم المصنفات فيه .(1/1)
? الباب الثالث :وقفة مختصرة مع عناية المحدثين بعلم التراجم ؛وفيه مباحث :
? المبحث الأول:تعريف علم معرفة الرواة ، أو الجرح و التعديل . وتاريخ نشأته ، وحكم تعلمه والعمل به ، و أقوالهم في بيان شرفه وأهميته .
? المبحث الثاني :ما تتميز به كتب الرواة عن كتب التراجم عامة .
? الخاتمة .
? ثم ختمت ذلك بالفهارس العلمية التالية : فهرس المصادر والمراجع .
? فهرس الآيات القرآنية . فهرس الأحاديث النبوية .
? فهرس الموضوعات .
وقد حرصت على أن لا أسهب في مباحث هذا الموضوع ، حتى لا يكون مملاً ، كما راعيت عدم البتر والاختصار الشديد لئلا يكون مخلاً . وإني أسأل الله جل وعلا أن ينفع بهذا البحث من كتبه ومن قرأه ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعله مساهمة مباركة في خدمة سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، كما آمل من كل من قرأه وتأمله أن لا يبخل علي بما لديه من ملحوظات ومرئيات ، وما يراه من مقترحات وتوجيهات ، فإن المسلم ضعيف بنفسه ، قوي بإخوانه ، و" رحم الله امروءً أهدى إليَّ عيوبي (1) " . وقد بذلت فيما عملت جهدي ، واستغرقت وسعي ،وحرصت على تحري الإصابة حسب الجهد والطاقة ، فما كان فيه من صواب فمن توفيق الله عز وجل وتسديده ، وما كان فيه من زلل أو تقصير فمن نفسي والشيطان ، والله ورسوله منه براء ، وأسأل الله عفوه ومغفرته .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .وكتبه :
الدكتور : إبراهيم بن حماد السلطان الريس
alraiys@ksu.edu.sa
التمهيد
التمهيد
__________
(1) ورد ذلك عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عند الدارمي 1/168 رقم 654 .(1/2)
إن مدار التراجم والسير هو الإنسان بطبائعه وسلوكياته ودوره في الحياة ، وقد أبان الله تعالى في كتابه كثيراً من خصائص البشر وطباعهم ، مما لا يسع المقال لعرضه ، ولكن نلمح إلى ذلك بهذا الاعتبار ، فنقول : ينبغي أن نتذكر أن كل صاحب ترجمة من البشر ، ينظر حاله من خلال الوصف العام الذي هو الطبيعة البشرية والجبلة الإنسانية ، فلا يطالب بأكثر من طاقته كما هو الأصل في التكاليف الشرعية ، ولا ينعت بما لا يتناسب مع طبيعته وفطرته ؛ فلا يوصف بما لا يصلح إلا للملائكة أو ما قد يبالغ فيه بعض من ضل حالهم من نعت المخلوق بشيء من صفات الخالق العظيم سبحانه وتعالى ، وقد استعرضت كتاب الله تعالى فألفيت أوصاف الله للإنسان كثيرة ، ولعلي لا أفصِّل القول كثيراً في ذلك كما أسلفت فأقول موجزاً لذلك :
إن الاستعراض السريع لبعض ما ذكره الله تعالى أو ذكره نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- عن الإنسان وطبائعه يرينا أوصافاً كثيرة ، لعلي أعرض لذكر بعضها من خلال الآيات والأحاديث الذاكرة ذلك :(1/3)
فمن فضل الله على الناس ، ومن إيضاح الله لكرامة الإنسان ومنزلته عند الله تعالى ، أن الله عز وجل أثنى على الإنسان وبيَّن أنه فضَّله وأكرمه على كثير من خلق الله ، وأنه تعالى أعلى من شأنه فكلفه ، كما في قوله سبحانه (1) : " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً " ، بل ذكر الله تعالى أن الإنسان في أصله الذي خلقه الله عليه مفطور على الهداية ، وأن من إكرام الله له أن جعله شاهداً على نفسه حين خلقه ، وذكر الله ما قد يحتج به الإنسان ويتعلل به في بعده عن الهداية، وردَّ عليه ، فقال جل وعلا (2) : " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ {173} وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ "
__________
(1) سورة الإسراء 70 .
(2) سورة الأعراف .(1/4)
بل إنه لمن فضل الله على الإنسان أن سمى سورتين في القرآن العظيم باسمه ؛ هما سورة الإنسان وسورة الناس ، وبين فيهما شيئاً من طبعه كما في سورة الإنسان ، وذكَّره بأنه ليس بشيء وأنه مر به دهر لم يكن له ذكر ولا أثر ، وأن الله أنعم عليه بالخلق ، وأن حاله إما أن يكون شاكراً أو أن يكون كفورا . " بسم الله الرحمن الرحيم ، هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا {1} إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا {2} إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا " (1) .
ومن إعلاء الله للإنسان ما رواه مسلم في صحيحه (2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَقُولُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبّ الْعَالَمِينَ. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ. أَمَا عَلِمْتَ أَنّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبّ الْعَالَمِينَ. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبّ الْعَالَمِينَ. قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ. أَمَا إِنّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي" .
__________
(1) سورة الإنسان .
(2) صحيح مسلم ، كتاب كتاب البر والصلة والآداب ، باب فضل عيادة المريض، 4/1990 ، رقم 2569 .(1/5)
وقد جاء وصف الله تعالى للإنسان بجملة بأوصاف تناولتها الآيات القرآنية بالذكر والتأكيد والتذكير ، ليتدارك الإنسان حاله ، ويعرف طبيعته ومقدرته .
فأصل خلقة الإنسان مفصلة في كتاب الله عز وجل ومراحل خلقه وتنقله في أيام عمره قبل ظهوره للحياة مبيّنة في القرآن العظيم أجمل بيان وأوضحه ، وفي ذلك إلماحات كثيرة لتذكير الإنسان بأن لا يستعلي ولا يستكبر ، لأن أصل خلقته مهين ، وفيها إشارات صريحة تذكر الإنسان بضعفه وعجزه وقلة حيلته وهوانه ، ولهذا نقف على آيات كثيرة تبين هذه المراحل وأصل هذا الإنسان وضعفه ، بل بين الله تعالى أنه لا تفاضل في الخلقة وإنما التفاضل في العمل ؛ كما قال تعالى (1) : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء " .
__________
(1) سورة النساء 1 .(1/6)
فأصل خلقة آدم عليه السلام من طين مهين ، ولهذا فكل الناس سواء في الماهية وأصل الخلقة ، يقول الله تعالى (1) : "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ " وقال جل وعلا (2) : " خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ " . بل هذا ذكر لسيرة متكاملة لكل إنسان ، فيها ذكر الله لأصل الخلقة وتدرج الخلق وقدرة الخالق ، وفيها يظهر ضعف الإنسان ومهانة أصله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (3) .
__________
(1) سورة الحجر 26 .
(2) سورة الرحمن 14 .
(3) سورة الحج 5-6 .(1/7)
وبين الله ذلك في قوله (1) سبحانه وتعالى : " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14} ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ {15} ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ " .
بل إن الله تبارك وتعالى يذكِّر الإنسان بمهانة أصل خلقته ، وضعفه وفضل الله تعالى عليه ومع ذلك قليل من يشكر الله على فضله ، كما قال (2) : " الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ {7} ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ {8} ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ "
والله سبحانه يذكر ضعف الإنسان وعجزه وحاجته ، ويذكِّره بذلك كما في قوله (3) : " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا " . ويقول جل وعلا (4) : " فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ {5} خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ {6} يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ". بل بين الله رأفته بالإنسان ورحمته به ، وأنه ضعيف فقال سبحانه (5) : " يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا " .
__________
(1) سورة المؤمنون .
(2) سورة السجدة .
(3) سورة الأحقاف 15 .
(4) سورة الطارق .
(5) سورة النساء 28 .(1/8)
وورد وصف الإنسان بأنه كفور جاحد لنعمة الله تعالى عليه ، وأنه كفور لا يؤمن باليوم الآخر وما فيه ، وأنه كفور لا يشكر ، ولا يعترف بفضل الله تعالى ونعمته وإحسانه ، كما في قوله تعالى (1) : إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ " . بل كرر الله بيان أن أكثر الناس لا يشكرون في خمس آيات . وكرر سبحانه ذكر جحود الإنسان وكفرانه لنعمة الله تعالى وفضله في أكثر من ست آيات كما في قوله تعالى (2) :" وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا " . بل لننظر في مبالغة الله تعالى في وصف جحود الإنسان وكفرانه لنعمة الله عليه في الخلق والإحياء . بل وكفره بالله الذي خلقه ، مع ما مرّ به من مراحل مهينة ضعيفة في قوله تعالى (3) : " قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ {17} مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ {18} مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ {19} ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ {20} ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ {21} ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ {22} كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ " .
__________
(1) سورة البقرة 243 وسورة غافر 61 .
(2) سورة الإسراء 89 .
(3) سورة عبس .(1/9)
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ضلال الإنسان وطغيانه وسبب ذلك : فعن أم المؤمنين صفية بنت حُيَي رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني، فمر رجلان من الأنصار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فلما رأيا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أسرعا، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "على رسلكما إنها صفية بنت حيي" ، فقالا: سبحان اللَّه يا رَسُول اللَّه. فقال: " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال شيئاً " مُتَّفَقٌ عَلَيْه (1) ِ.
ومع بيان الله تعالى لذلك ، وأن الإنسان جحود كفور ، وأن الخسارة هي الأصل فيه ؛ إلا أن الله استثنى في بيانه ذلك كما في سورة العصر ، استثنى من أنعم الله عليه بالهداية للحق والإيمان كما في قوله سبحانه : " بسم الله الرحمن الرحيم ، وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ " ثم قال سبحانه : " {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الاعتكاف ، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه 2/717 ، رقم 1933 ، و باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه 2/717 ، رقم 1934 . وكتاب بدء الخلق ، باب باب صفة إبليس وجنوده ، 3/1195 رقم 3107 ، وكتاب الأحكام ، باب الشهادة تكون ثم الحاكم في ولايته القضاء أو قبل ذلك للخصم ، 6/2623 رقم 6750 . وصحيح مسلم ، كتاب السلام ، باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خاليا بامرأة وكانت زوجة أو محرما له أن يقول هذه فلانة ليرفع ظن السوء به ، 4/1712 رقم 2175 .(1/10)
وأيضاً ورد نعت الإنسان بالجهل ، وأن أكثر الناس لا يعلمون ، ومع ذلك يستكبرون عن الحق ويعرضون عن الهداية ، وأن مبلغ علم الإنسان لا يتعدى معرفة مادية دنيوية قليلة ، فقد تكرر ذكر جهل الإنسان و أن أكثر الناس لا يعلمون قرابة أربع عشرة مرة . وفصل الله في بيان جهل الإنسان ؛ كما في قوله تعالى (1) : " وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6} يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {7} أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ " . فالإنسان جاهل ، محدود المعرفة والعلم لا يعلم إلا قليلاً مما يظهر له من أمور الحياة المادية ، ولكنه جاهل بكثير منها وغافل عن أمر الآخرة .
ووصف الله تعالى الإنسان بالعجلة وعدم الأناة ، مما يوقعه في المزالق والمهالك ، وأيضا مما يستدعي قنوطه ويأسه ، وأيضا مما يؤدي إلى تحسره وندامته ، كما في قوله جل وعلا (2) : " وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً " . ويقول سبحانه (3) : " خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ " .
ووصف الله الاختلاف بين بني الإنسان بأنه طارئ وأن الله خالقهم وأنه لو شاء لجعلهم متفقين أمة واحدة : " كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ " (4) .
__________
(1) سورة الروم .
(2) سورة الإسراء 11 .
(3) سورة الأنبياء 37 .
(4) سورة البقرة 213 .(1/11)
وبين سبحانه أن أهل الفساد والإفساد في الأرض كثير ، وأنهم لا يسمعون للحق وإنما ينشرون الضلال ، وأن أكثر الناس لا يؤمنون بالله تعالى الإيمان الحق ، كما في قوله تعالى (1) : " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ". وأن على المسلم الحذر من إضلالهم : " وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ " (2) .
وأكد سبحانه على ذلك وأن أكثر الناس لا يؤمنون في مرات عديدة بلغ عدها أزيد من ثلاث مرات ، كما في قوله تعالى (3) : " المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ " .
إلى غير ذلك من أوصاف كثيرة تحتاج إلى وقفات يستشف منها طبع الإنسان وفضل الله تعالى عليه ، فالإنسان مخلوق في كبد وعناء وشدة من مكابدة الدنيا وأشغالها وهمومها ، ومع ذلك يستكبر ويرى أنه كل شيء وأنه لن يقدر عليه أحد ، ولكن الله تعال يذكره بنفسه وبفضل الله عليه كما في قوله سبحانه (4) : " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ {5} يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا {6} أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ {7} أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ " .
والإنسان كثير الغفلة والسهو ، ولا يعتبر بالأحداث ولا بالوقائع ، ولا يتصفح الكون ويعتبر بما فيه كما في قوله جل وعلا (5) : " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ " .
__________
(1) سورة المائدة 49 .
(2) سورة الأنعام 116 .
(3) سورة الرعد 1 .
(4) سورة البلد .
(5) سورة يونس 92 .(1/12)
والإنسان بخيل مقتر على نفسه وعلى غيره ؛ حتى لو ملك كل شيء فإنه يمسك ولا ينفق كما بين الله تعالى ذلك في قوله (1) : " قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا " . وعن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَىَ وَادِياً ثَالِثاً. وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاّ التّرَابُ. وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَىَ مَنْ تَابَ". متفق عليه (2) .
والإنسان جدلي بطبعه ، وممار في الكلام ، كثير الخصومة كما بين الله تعالى (3) : " وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا " . وكما في قوله جل وعلا (4) : " أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ " .
__________
(1) سورة الإسراء 100 .
(2) صحيح البخاري ، كتاب الرقاق ،باب ما يتقى من فتنة المال ، 5/2364 –2365 ، رقم 6071 ، ورقم 6075 . وصحيح مسلم ، كتاب الزكاة ، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا ، 2/725 ،رقم 1048 .
(3) سورة الكهف 54 .
(4) سورة يس 77 .(1/13)
والإنسان يطلب الخير ويحرص عليه ، ولكنه سريع اليأس والقنوط ، وأيضاً متى ما أحس الغنى نسي الله تعالى وأعرض عن طاعته ، واستعلى عن الحق كما بين الله تعالى ذلك في قوله (1) : " لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ {49} وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ {50} وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيض " . وكما في قوله جل وعلا (2) : " كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى {6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى " .
ولهذا فإننا ندرك أن أكثر الناس لا يعلمون ، وفيهم النقص وهو من طبيعتهم التي أخبر الله تعالى عنها ، ولذلك كان عدد من يُعرف من البشر في كل الأمم ، لا يساوي شيئاً مقابل من مرت بهم الليالي والأيام وتجاوزتهم دون أن يبقى لهم أثر أو معرفة ، وليس لهم في صفحة التاريخ ذكراً ولا إشارة ؛ سواء كان ذلك ذكراً حسناً أو سيئاً .
__________
(1) سورة فصلت .
(2) سورة العلق .(1/14)
وعلم التراجم علم يعنى بأخبار أولئك القلة الذين خرجوا عن الوصف العام لبني الإنسان ، فصار لهم ذكر وأثر ؛ ولهذا تقف في كتب التراجم على أصناف من البشر ؛ فإن شئت الوقوف على سير الصالحين ، وأخبار المتقين وجدت ، وإن أردت الوقوف على ذكر أصحاب الطبائع الشريرة والأثر السيئ وجدت ، وقد ذكر الله جل وعلا في كتابه العظيم شيئاً من ذلك ، فهذا ذكر فرعون وهامان وقارون وأعيان من أهل الكفر والطغيان في القديم قبل العهد النبوي ، أو ممن عاصروا نشأة الدعوة الإسلامية وعاندوا وكابروا ، ولقد ذكر الله طبيعة عامة ، وهي أن الإنسان إذا لم يتصف بالتقى والإيمان ؛ فإنه يضل ويطغى ، فقد قال الله سبحانه (1) : " كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى " ، وهذا وإن كان سنة وطبيعة بشرية إلا أنهم لا يذكرون ، فلا يذكر كل طاغية وجبار وإنما يذكر البعض منهم ، أما الصالحون المؤثرون خيراً للعالمين فإنهم على كثرتهم أيضاً لا يذكر منهم إلا القليل كذلك ، ومع أنهم أقل من الطالحين عدداً فيما يظهر من كلام الله تعالى عن الإنسان ، إلا أن من يذكر منهم أكثر ممن ينسى ؛ لأن الله تعالى رفع ذكرهم وأعلى شأنهم وجعل محبتهم في القلوب وذكرهم على الألسن ، وثواب الله عز وجل لهم متصل .
وعلم التراجم علم عام يعنى بالإنسان كفرد ، ويفرض ذكرَه أثرُه النافع أو الضار ، وصلاحه أو فساده ، وإن كان الغالب على من يترجم لهم أنهم من أهل الصلاح أو النفع العام ، أو المكانة الاجتماعية أو السياسية ونحو ذلك .
الباب الأول :
علم التراجم ؛ وفيه مباحث :
المبحث الأول :
المراد به ، ونشأته .
المبحث الثاني :
أهمية دراسته .
المبحث الثالث :
من ثمار وفوائد دراسته .
المبحث الأول :
علم التراجم ؛ المراد به ، ونشأته
__________
(1) سورة الفجر /6-7(1/15)
لا شك أن علم التراجم علمٌ مرتبط ارتباطاً قوياً بعلم التاريخ ، ولعل تسمية بعض المتقدمين لمصنفاتهم في علم الرجال بالتأريخ دليل على ذلك ؛ كما كان من الإمام البخاري في تواريخه ، وقبله الليث بن سعد وعبدالله بن المبارك والوليد بن مسلم كما ذكر عنه ذلك الذهبي (1) - رحمه الله - ، فكل هؤلاء صنفوا كتباً باسم التاريخ ؛ وموضوعها التراجم والسير ، يقول الجبرتي (2) - رحمه الله - :وفن التاريخ علم تندرج فيه علوم كثيرة ؛ لولاه ما ثبتت أصولها ، ولا تشعبت فروعها ؛ منها طبقات القراء والمفسرين والمحدثين وسير الصحابة والتابعين ، وطبقات المجتهدين وطبقات النحاة والحكماء والأطباء ، وأخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وأخبار المغازي وحكايات الصالحين ، ومسامرة الملوك من القصص والأخبار والمواعظ والعبر والأمثال ، وغرائب الأقاليم وعجائب البلدان ، ومنها كتب المحاضرات ومفاكهة الخلفاء وسلوان المطاع ومحاضرات الراغب .ا.هـ .
__________
(1) تذكرة الحفاظ 2751 .
(2) كتاب عجائب الآثار 1/10 .(1/16)
فالتاريخ علم قديم يعتني بأحداث الزمان ويؤرخ لها وبها ، وهو من العلوم التي لقيت عناية ظاهرة في تأريخ الإسلام ، وقد عرفه العلماء بتعريفات منها : ما قاله الجبرتي في كتابه عجائب الآثار (1) : اعلم أن التاريخ علم يبحث فيه عن معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائعهم وأنسابهم ووفياتهم .ا.هـ وقال السيوطي - رحمه الله - في الشماريخ (2) : وقال القرماني في مقدمة كتابه أخبار الدول وأثار الأول في التاريخ عن معرفة علم التأريخ ؛ هو الإخبار عن الكائنات السابقة في العالم والحادثات ، سواء عهد حالها أو تقادم ، فهو السبيل إلى معرفة أخبار من مضى من الأمم ، وكيف حل بالمعاند السخط والغضب ، فآل أمره إلى التلف والعطب ، وكشف عورات الكاذبين وتمييز حال الصادقين .ا.هـ .
وعرف السخاوي - رحمه الله - التاريخ بأنه : " في الاصطلاح التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال، من مولد الرواة والأئمة ، ووفاة وصحة، وعقل وبدن، ورحلة وحج، وحفظ وضبط، وتوثيق وتجريح، وما أشبه هذا مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم ) .
وقال ابن خلدون (3) : (ذكر الأخبار الخاصة بعصر أو جيل) .
وقال حاجي خليفة (4) : علم التاريخ عرفاً : هو تعيين وقت لينسب إليه زمان، يأتي عليه، أو مطلقا، يعني: سواء كان ماضياً أو مستقبلاً.
وقيل: تعريف الوقت، بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع، من ظهور ملة، أو دولة، أو أمر هائل، من الآثار العلوية، والحوادث السفلية، مما يندر وقوعه، جعل ذلك مبدأ لمعرفة ما بينه، وبين أوقات الحوادث والأمور التي يجب ضبط أوقاتها، في مستأنف السنين . وقيل: عدد الأيام والليالي، بالنظر إلى ما مضى من السنة والشهر، وإلى ما بقي.
__________
(1) كتاب عجائب الآثار 1/6 . وانظر : كتابه الشماريخ في علم التاريخ للسيوطي 1/10 .
(2) كتاب الشماريخ في علم التاريخ 1/11 .
(3) المقدمة 1/32 .
(4) كشف الظنون1-271 .(1/17)
وعلم التاريخ: هو معرفة أحوال الطوائف، وبلدانهم، ورسومهم، وعاداتهم، وصنائع أشخاصهم، وأنسابهم، ووفياتهم،... إلى غير ذلك . .ا.هـ .
وهناك علوم أخرى تتناول التراجم منها علم السير وعلم الطبقات ، وقد لقيت عناية ظاهرة في مؤلفات سلف هذه الأمة ، فهناك العدد الكثير من كتب السير ومثلها من كتب الطبقات ، وعلم الطبقات كما قال القنوجي في أبجد العلوم (1) : علم الطبقات : أي طبقات كل صنف من أهل العلم كالأدباء والأصوليين والأطباء والأولياء والبيانيين والنابغين والحفاظ والحكماء والحنفية والحنابلة والمالكية والشافعية والمفسرين والمحدثين والخطاطين والرواة والخواص والشعراء والصحابة والمجتهدين والصوفية والطالبين والأمم والعلوم والفرسان والعلماء والفرضيين والفقهاء ورؤساء الزمن والقراء والنحاة واللغويين والمتكلمين والمعبرين والمعتزلين والممالك والنسابين والنساك إلى غير ذلك ..ا.هـ .
أما علم التراجم فلعل أقرب تعريف له بشكله العام أن يعرف بأنه العلم الذي يعنى ببيان سير الأعلام عامة وذكر حياتهم الشخصية ، ومواقفهم وأثرهم في الحياة وتأثيرهم .
__________
(1) أبجد العلوم 2-362 .(1/18)
أما تأريخ نشأة هذا العلم فلا بد أن نعرف أولاً بأن الأمم منذ القدم تعنى بتخليد ذكر كبرائها وأعيانها ، وما قصة أولئك الأعلام الذين كانوا مثالاً للصلاح والاستقامة ، والذين ذكر الله خبرهم مع أقوامهم في القرآن العظيم ، وما كان من وضع تماثيل لهم ليتذكروهم بها إلا صورة من صور علم التراجم ، يقول الله تعالى (1) : " قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا {21} وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا {22} وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا {23} وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا " .
روى الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه (2) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال : صَارَتْ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ ، أَمَّا وَدٌّ فكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَإٍ ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الْكَلَاعِ ، وكانوا أَسْمَاء رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ ، فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ " .
__________
(1) سورة نوح 21-24 .
(2) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن العظيم ، باب وَدًّا وَلَا سُواعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ ، 4/1873 ، رقم4636.(1/19)
ونقل القرطبي (1) : عن محمد بن كعب ومحمد بن قيس - رحمهما الله تعالى - قالا : كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم تبع يقتدون بهم، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم، وليتسلوا بالنظر إليها؛ فصورهم . فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا: ليت شعرنا هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها؟ فجاءهم الشيطان فقال: كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر. فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت .
وصورة أخرى نحوٌ من هذه ، من صور تخليد الذكر لبعض الأعلام ؛ وردت في ما رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَة ".
ومع اختلافنا مع ما كان من عمل أولئك الأقوام في هذا النوع من التعظيم والذكر ؛ إلا أنا نقول بأن هذه الوقفة فيها دلالة قوية على قدم هذا النوع من التخليد والجمع والتعريف بالأعلام والأعيان . وكتاب الله تعالى ؛ القرآن العظيم مليء بذكر أخبار أعلام صالحين ، وآخرين من الطغاة والمفسدين .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن 18/308 .(1/20)
أما علم التراجم الذي اعتنى به أهل الإسلام وأهل الحديث خاصة فهو علم كانت نشأته ، منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما أنزل الله تعالى قرآناً يتلى إلى يوم القيامة وفيه التنبيه على ضرورة معرفة الناقل للأنباء والأخبار والتأكد من معرفة صلاحه واستقامته وتدينه ، كما في قول الله جل وعلا (1) : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين " .
ثم بعد عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بزمن يسير ، وحينما أحس علماء الإسلام بما قد يلحق المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام من الدس والتلفيق والكذب والزور ؛ نشأ هذا العلم كما قال محمد بن سيرين حينما وقعت الفتنة ؛ وسواء كان المراد بالفتنة هنا مقتل الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- أم كان المراد بها فتنة المختار بن أبي عبيد الثقفي ، الذي قتل على يد مصعب بن الزبير سنة " 76هـ " ؛ فهما متقاربتان في الزمان .
واستمر العمل على هذا ، وظهرت المصنفات في جمع سير الأعلام عامة ورواة الحديث النبوي خاصة ؛ وذلك لما يحتاجه أهل العلم من معرفة حال نقلة الأخبار النبوية ، وذلك لما ينبني على هذه المعرفة من قبول الأخبار ، والتعبد بما فيها لله تعالى ، أو رد تلك الأخبار والحذر من اعتبارها دينا ، وسيرد تفصيل للقول في ذلك في حينه في ثنايا هذا البحث .
المبحث الثاني :
أهمية دراسة علم التراجم
__________
(1) سورة الحجرات -6 .(1/21)
هذا العلم كما تقدم هو جزء أساس من علم التأريخ ، وعلم التأريخ علم له مكانته وأثره ، فبالإضافة لما لهذا العلم من الثمار والفوائد العديدة إلا أن هناك دلائل كثيرة تؤكد على أهمية العناية به والتصنيف فيه والاستقراء لمؤلفاته والاهتمام بها ، ولعلي أسوق هنا بعضاً من كلام العلماء المتقدمين في أهمية علم التأريخ ، وهي أقوال تدل على أنهم يعنون به ، وبما يذكر في التأريخ من أعمال الناس ومواقفهم وآثارهم وتأثيراتهم في الحياة .ولله در القائل :
إذا عرف الإنسان أخبار من مضى ... تخيلته قد عاش حيناً من الدهر
فقد عاش كل الدهر من كان عالماً ... كريماً حليماً فاغتنم أطول العمر
ويقول أحدهم :
كتابٌ أطالعه مؤنس ... أحبُّ إلي من الآنِسَه
و أدرسُهُ فيُريني القرون ... حضوراً و أعظمُهم دَارِسه
قال ابن العماد (1) رحمه الله: إن حفظ التاريخ أمر مهم ، ونفعه من الدين بالضرورة قد علم ، لا سيما وفيات المحدثين والمتحملين لأحاديث سيد المرسلين . اهـ. وقال الجبرتي (2) : علم التاريخ علم شريف فيه العظة والاعتبار وبه يقيس العاقل نفسه على من مضى من أمثاله في هذه الدار ... وقد قال الشافعي رضي الله عنه : من علم التاريخ زاد عقله .ا.هـ .
ويبين عناية العلماء به الإمام شهاب الدين عبدالرحمن المقدسي في كتابه الروضتين (3) فيقول : قلَّ إمامٌ من الأئمة إلا و يحكى عنه من أخبار من سلف فوائد جمة ، منهم إمامنا أبو عبد الله الشافعي رضي الله عنه ؛ قال مصعب الزبيري رحمه الله : ما رأيت أحداً أعلم بأيام الناس من الشافعي . و يروى عنه أنه قام على تعلم أيام الناس و الأدب عشرين سنة ، و قال : ما أردت بذلك إلا الاستعانة على الفقه .ا.هـ .
__________
(1) شذرات الذهب : 1/8 .
(2) كتاب عجائب الآثار 1/9 .
(3) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ( 1/22) .(1/22)
قال الناصري في مقدمة كتابه الاستقصاء (1) : اعلم أن علم التاريخ من أجل العلوم قدرا ، وأرفعها منزلة وذكرا ، وأنفعها عائدة وذخرا ، وكفاه شرفاً أن الله تعالى شحن كتابه العزيز ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ من أخبار الأمم الماضية والقرون الخالية ، بما أفحم به أكابر أهل الكتاب ، وأتى من ذلك بما لم يكن لهم في ظن ولا حساب ، ثم لم يكتف تعالى بذلك حتى امتن به على نبيه الكريم ، وجعله من جملة ما أسداه إليه من الخير العميم ؛ فقال جل وعلا (2) : " تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا " وقال جل وعلا (3) : " وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {120} " . وقال (4) جل وعلا : " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ " . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يحدث أصحابه بأخبار الأمم الذين قبلهم ، ويحكي من ذلك ما يشرح به صدورهم ، ويقوي إيماناهم ، ويؤكد فضلهم ؛ وكتاب بدء الخلق من صحيح البخاري رحمه الله كفيل بهذا الشأن ، وآت من القدر المهم منه ما يبرد غلة العطشان .ا.هـ .
ويقول (5) أيضا : وبالجملة ففضيلة علم التاريخ شهيرة ، وفائدته جليلة خطيرة ، ومادحه محمود غير ملوم ، والحديث بفضله حديث بمعلوم ، ولله در ابن الخطيب إذ يقول :
وبعد فالتاريخ والإخبار ... فيه لنفس العاقل اعتبار
وفيه للمستبصر استبصار ... كيف أتى القوم وكيف صاروا
يجري على الحاضر حكم الغائب ... فيثبت الحق بسهم صائب
وينظر الدنيا بعين النبل ... ويترك الجهل لأهل الجهل
وقال آخر :
ليس بإنسان ولا عاقل ... من لا يعي التاريخ في صدره
__________
(1) كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى 1/59 .
(2) سورة الأعراف 101 .
(3) سورة هود .
(4) سورة يوسف 111 .
(5) كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى 1/62 .(1/23)
ومن روى أخبار من قد مضى ... أضاف أعماراً إلى عمره .
قال ابن خلدون رحمه الله في المقدمة (1) : أما بعد ؛ فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال ، وتشد إليه الركائب والرحال ، وتسموا إلى معرفته السوقة والأغفال ، وتتنافس فيه الملوك والأقيال ، وتتساوى في فهمه العلماء والجهال . وقال (2) : اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب ، جم الفوائد ، شريف الغاية .ا.هـ .
إلى غير ذلك من عبارات كثيرة للعلماء في الدلالة على أهمية علم التأريخ ، ويلحظ من خلال العبارات المتقدمة أن كلامهم يؤكد على المعنى الذي أسلفنا ذكره ؛ من أن علم التراجم جزء أساس من علم التأريخ ؛ بل هو الركيزة الأولى فيه ، إن لم يكن هو التأريخ نفسه .
وإن من دلائل أهمية دراسة علم التراجم بشتى صورة بالإضافة لما تقدمت الإشارة إليه ما يلي :
أولاً : ذكر الله تعالى في القرآن لأخبار بعض الأمم السابقة . قال الجبرتي في كتابه عجائب الآثار (3) : وقد قص الله تعالى أخبار الأمم السالفة في أم الكتاب ؛ فقال تعالى (4) : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ . .ا.هـ .
__________
(1) مقدمة ابن خلدون 3 .
(2) المرجع السابق 9 .
(3) كتاب عجائب الآثار 1/9 .
(4) سورة يوسف 111 .(1/24)
وقال شهاب الدين عبدالرحمن المقدسين (1) : و في كتاب الله تعالى و سنة رسوله من أخبار الأمم السالفة ، و أنباء القرون الخالفة ما فيه عبر لذوي البصائر ، و استعداد ليوم تبلى السرائر ، قال الله عز وجل و هو أصدق القائلين (2) : " وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " ، وقال سبحانه وتعالى (3) : " وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ {4} حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُر" .
بل قد وردت كلمة القصص في كتاب الله تعالى "25" مرة . وعقب الله تعالى على ذكرها - في أكثر المواضع - بلزوم أخذ العظة والعبرة منها ، وأن على العاقل أن يدرك سنة الله تعالى في الحياة ، وحكمته في تدبير الكون . ومما ورد ذكره من ذلك ما يلي :
( أ ) – أخبار أنبياء الله تعالى ورسله ومواقف أقوامهم ، بل قد تكرر ذكر بعض أخبارهم وتفصيلها ، وكل ذلك لحكم أرادها الله تعالى ، وما إكثار هذه الأخبار عنهم إلا دلالة على أهمية معرفة مثل هذه الأخبار ، ودور ذلك في زيادة الإيمان وترسيخ الدين والقيم ، ومن أمثلة ذلك ما ورد من أخبار نبي الله موسى -صلى الله عليه وسلم- مع فرعون ومع بني إسرائيل ، وأخبار نبي الله عيسى -صلى الله عليه وسلم- مع قومه ، وأخبار نبي الله يوسف -صلى الله عليه وسلم- مع قومه ، إلى غير ذلك كما في أخبار نوح وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم -صلوات الله عليهم- ، ممن قال الله عنهم في كتابه مذكراً بأنه سبحانه قد قص خبرهم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال سبحانه (4) : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ " .
__________
(1) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ( 1/23 ):
(2) سورة هود 120 .
(3) سورة القمر 4- 5 .
(4) سورة غافر 78 .(1/25)
( ب ) - أخبار بعض عباد الله الصالحين الذين ليسوا رسلاً ، ولكنهم عباد كان لهم دورهم في الدعوة ورفع راية الحق ، والدفاع عن القيم والمثل ، ومناصرة الأنبياء والرسل ؛ ومن أمثلة ذلك :
1 - الرجل المؤمن من قوم فرعون الذي كان يكتم إيمانه ، وقد فصّل الله تعالى موقفه وشهادته ومناصرته لنبي الله موسى عليه السلام تفصيلاً دقيقاً، كما في قوله سبحانه (1) :
__________
(1) سورة غافر ..(1/26)
" وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ {28} يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ {29} وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ {30} مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ {31} وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ {32} يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {33 ) وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ {34} الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ {35} وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ {36} أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا(1/27)
كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ {37} وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ {38}يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ {39} مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ {40} وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ {41} تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ {42} لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ {43} فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {44} فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ {45} النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46} .
2 - ومن ذلك خبر الفتية ؛ أصحاب الكهف ، وفيه يقول الله تعالى (1) : " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {13} وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا {14} ... الآيات .
__________
(1) سورة الكهف 13- 26 .(1/28)
(ج) – أخبار بعض الطغاة والظالمين والجبابرة والمستكبرين ؛ كفرعون وهامان والنمرود ، ومواقفهم من أنبياء الله تعالى ورسله ، وما كان من عنادهم واستكبارهم ، وعظيم حلم الله تعالى بهم ، وشدة حكمه فيهم جل وعلا ، و مثل قصة ابني آدم - صلى الله عليه وسلم - ، وخبر الفتنة بينهما ، وقتل أحدهما لآخر ، وحيرة القاتل في أمر جثة أخيه ، وهداية الله للإنسان للاعتبار والاستفادة من غيره ؛ حتى من الطيور ، يقول الله جل وعلا (1) : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {27} لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ {28} إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ {29} فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ {30} فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ {31} ... الآيات . فهو خبر لقوم غبروا ؛ لكن دلالاته عظيمة ، ولعل من أظهرها ، ما ينبئ عن طبيعة إنسانية ؛ أن الإنسان جبار مستعل ، وأن الجريمة والقتل والطغيان موجود معه منذ بداية وجوده على هذه البسيطة .
__________
(1) سورة المائدة .(1/29)
(د) – أخبار الغزوات التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ومواقف الإيمان التي كانت في عهد النبوة الزاهر، وبيان مواقف الصادقين ، ومدح الله تعالى لهم ، ومواقف المبطلين ، وفضح الله تعالى لهم ، فمن ذلك ما كان من ذكر الله تعالى لمواقف غزوة بدر كما في سورة الأنفال وغيرها ، ومواقف غزوة أحد كما في سورة آل عمران وغيرها ، ومواقف غزوة الأحزاب كما في سورة الأحزاب ، ومواقف غزوة حنين كما في سورة الأنفال ، ومواقف فتح مكة كما في سورة الفتح وغيرها .
بل وكما كان من خبر المخلّفين ، وحكم الله تعالى فيهم ، واختباره وتمحيصه سبحانه وتعالى لهم ، كما في سورة التوبة ، و كذلك خبر البكّائين ؛ وثناء الله تعالى عليهم ، كما في السورة نفسها ، إلى غير ذلك من القصص القرآني ، عن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ، وعن الغزوات التي كانت في صدر الإسلام ، وكذا ما كان من آيات فيها ثناء الله تعالى على أعمال لبعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد وفي غيره ؛ كثناء الله تعالى على الصديق وإنفاقه ، إلى غير ذلك من هذه الأخبار .
( هـ ) – أخبار عن مواقف أهل النفاق والضلال ، ومكرهم وكيدهم ، وما توعدهم الله تعالى به ، ومآل النفاق وأهله ، وحكم الله تعالى فيهم ؛ ومن ذلك :(1/30)
قول الله تعالى (1) : " إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) . ومنه قوله سبحانه (2) : " يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ {64} وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ {66} . ومنه قوله سبحانه وتعالى (3) : " الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {79} . ومنه قوله سبحانه (4) :
__________
(1) سورة الأنفال 49 .
(2) سورة التوبة .
(3) سورة التوبة .
(4) سورة التوبة ..(1/31)
" فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ {81} فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {82} فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ {83} وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ {84} وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ {85} . ويقول جل وعلا عنهم (1) : " هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ {7} . إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في كتاب الله تعالى عن أعلام من المنافقين والعصاة المجرمين .
__________
(1) سورة المنافقون .(1/32)
( و ) – أخبار عن مواقف الكافرين والمعاندين من كفار قريش وغيرهم ، فمن ذلك ؛ ما حكاه الله تعالى عن كفار قريش خاصة ، ومواقفهم من الدعوة ، ومواقفهم من النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان مؤتمناً عندهم قبل أن يبعثه الله تعالى ، ثم كيف تنكبوا عنه ، واتهموه - صلى الله عليه وسلم - ، بعد أن أوحى الله إليه بهذا الدين ، فمن ذلك (1) ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل، ففتَّه بيده، فقال يا محمد، أيحيي الله هذا بعد ما أرم؟ قال: " نعم. يبعث الله هذا، ثم يميتك ، ثم يحييك ، ثم يدخلك نار جهنم . وساق عدداً من الروايات في ذلك ، منها أن ذلك الموقف كان من أبي بن خلف ، وورد عن غيره . فعندها أنزل الله تعالى قوله سبحانه (2) : أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79} الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ {80} أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ {81} إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {82} فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {83} .ذكر الله عز وجل ذلك ؛ ليُذكِّر بقول هذا الضال ، ويرد عليه وعلى أمثاله إلى قيام الساعة .
__________
(1) تفسير الطبري 9/205 ، و 23/30 –31 ،وفي المستدرك 2/466 رقم 3606 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
(2) سورة يس .(1/33)
إلى غير ذلك من المواقف والأنباء الكثيرة التي امتلأ بها كتاب الله تعالى ، لحكم عظيمة لعل من أهمها بيان أهمية التذكير بسير الغابرين وأخبار السالفين ، وأن ذلك أساس قوي تعتمد عليه الدعوة إلى الدين الحق ؛ وهو أن ينطلق الناس في إيمانهم وقناعاتهم من خلال مثل حية ، ومواقف حادثة عبر الزمان .
ثانياً : ومن دلائل الأهمية أنه جاء الأمر في كتاب الله تعالى لنبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- أن يستعمل القصص والأخبار في دعوة الناس إلى الحق والإيمان كما في قوله سبحانه وتعالى (1) : " فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {176} . وقوله تعالى (2) : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ " . وقوله جل وعلا (3) : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ " جاء في أربع آيات مباركات ، فهو توجيه رباني للاستفادة من هذا العلم في التربية والتوجيه .
__________
(1) سورة الأعراف176 .
(2) سورة المائدة 27 .
(3) سورة المائدة 27 . سورة الأعراف 175 . سورة يونس 71 . سورة الشعراء 69 .(1/34)
ثالثاً : ومنها ما كان من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يذكره من سير بعض الأمم السابقة ، كبني إسرائيل وقوم إبراهيم وقوم صالح وغيرهم .يقول الجبرتي (1) : وجاء من أحاديث سيد المرسلين كثير من أخبار الأمم الماضين ؛ كحديثه عن بني إسرائيل ، وما غيروه من التوراة والإنجيل ، وغير ذلك من أخبار العجم والعرب مما يفضى بمتأمله إلى العجب .ا.هـ . فمن أمثلة ذلك ما ذكره -صلى الله عليه وسلم- من خبر النفر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار (2) ، وخبر التائب قاتل المائة (3) ، وخبر الغلام المؤمن (4) ؛
__________
(1) كتاب عجائب الآثار 1/9 .
(2) فيه حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في صحيح البخاري ، كتاب البيوع ، باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي ، 2/771 ، رقم ( 2102 ) . وفي كتاب المزارعة، باب إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لَهُم ، 2/821 ، رقم ( 2208 ) ، وفي كتاب الإجارة ، باب من استأجر أجيراً فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد أو من عمل في مال غيره فاستفضل، 2/ 793 ، رقم (2152 ) . وكِتَاب أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ. باب حَدِيثُ الْغَار 6// 3/1278 ، رقم ( 3278 ) .وكِتَاب الْأَدَبِ. باب إِجَابَةِ دُعَاءِ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ ، 5/2228 ، رقم ( 5629 ) . وأخرجه مسلم ، كتاب الرقاق. باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال ، 4/2099، رقم ( 2743 ) .
(3) في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، في صحيح البخاري ، كِتَاب أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ. باب حَدِيثُ الْغَارِ. 3/1280 ، رقم (3283 ) . وأخرجه مسلم ، كتاب التوبة. باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله ، 4/2118 ، رقم ( 2766 ) .
(4) في حديث صهيب رضي الله عنه ، في صحيح مسلم ، كتاب الزهد والرقائق. باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام ، 4/2299 ، رقم ( 3005 ) . وأحمد في المسند ( 6/17 ) ..(1/35)
غلام الأخدود ، وخبر الأقرع والأبرص (1) ، وغير ذلك من القصص النبوي الذي ظهر أثره في الدعوة إلى الله تعالى ، واستبان اعتناء النبي -صلى الله عليه وسلم- به ؛ من خلال ما نراه من مصنفات في ذكر القصص النبوي ؛ يقول الإمام شهاب الدين المقدسي (2) : حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث أم زرع و غيره ، مما جرى في الجاهلية و الأيام الإسرائيلية ، و حكى عجائب ما رآه ليلة أسري به و عرج ، و قال فيما رواه البخاري وغيره (3) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " .
__________
(1) في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، في صحيح البخاري ، كِتَاب أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ. باب حَدِيثُ أَبْرَصَ وَأَعْمَى وَأَقْرَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، 3/1276 ، رقم ( 3277 ) . وأخرجه مسلم ، كتاب الزهد والرقائق. باب حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ ، 4/2275 ، رقم ( 2964 ) .
(2) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ( 1/25 ) .
(3) صحيح البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، 3/1275 ، رقم 3275 ، وفي جامع الترمذي ، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل ، 5/40 ، رقم 2669 ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ، وفي صحيح ابن حبان ، ذكر الإباحة للمرء أن يحدث عن بني إسرائيل وأخبارهم ، 14/149 ، رقم 6256 ، .(1/36)
و في صحيح مسلم وغيره (1) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبِ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. كَثِيراً. كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاّهُ الّذِي يُصَلّي فِيهِ الصّبْحَ أَوِ الْغَدَاةَ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ. فَإِذَا طَلَعَتِ الشّمْسُ قَامَ. وَكَانُوا يَتَحَدّثُونَ. فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ. فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسّمُ ... قال : قلت : ولم يزل الصحابة و التابعون فمن بعدهم يتفاوضون في حديث من مضى ، ويتذاكرون ما سبقهم من الأخبار و انقضى ، ويستنشدون الأشعار ، ويتطلبون الآثار والأخبار ، وذلك بيّن من أفعالهم لمن اطلع على أحوالهم ، وهم السادة القدوة فلنا بهم أسوة .ا.هـ . وما القصص النبوي إلا صورة من صور التراجم للأعلام والتعريف بأصحاب السير والأخبار ، ولن أطيل بتفصيل المقال في هذا بأزيد مما ذكرت .
__________
(1) صحيح مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد ، 1/463 ، رقم 670 ، وكتاب الفضائل ، باب تبسمه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته ، 1810 ، رقم2322 ، وفي جامع الترمذي ، كتاب الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء في إنشاد الشعر ، 5/140 ، رقم 2850 ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ، وفي صحيح ابن حبان كما في الإحسان ، ذكر الإباحة للمرء أن يتحدث بأسباب الجاهلية وأيامها ، 14/153 ، رقم 6259 .(1/37)
رابعاً : ومن دلائل الأهمية عناية علماء الأمة بهذا الفن خاصة ، وبكتب التأريخ عامة ، وإن ما سطرته أيدي علماء الأمة من مصنفات متنوعة في هذا الباب ؛ لدليل واضح على أهميته ، وعظم الحاجة إليه ، ويكفي في بيان ذلك ما أسلفت ذكره عند بيان أقوال الأئمة في أهمية هذا العلم أول هذا المبحث ، يقول الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى – : من علم التاريخ زاد عقله .ا.هـ . ولعل نظرة سريعة إلى مدونات الإسلام ، تبين لنا مكانة هذا العلم ، ومدى العناية به من خلال النظر فيما دوِّن من كتب في التواريخ والتراجم والسير، وأنواع التصنيف في ذلك . منها ما الخاص ومنها العام ، ومنها ما كان ترجمة لعلم أو لأعلام ، ومنها ما كان مختصاً بأهل تخصص أو طبقة أو بلد ، وغير ذلك من أنواع التصنيف الكثيرة التي سيأتي العرض لجوانب منها في مباحث لاحقة .
المبحث الثالث
من فوائد وثمار دراسة تراجم الأعلام
علم التراجم والسير علم له قيمته وقدره ، وله من الثمار والفوائد الشيء الكثير ، ولعلنا نعرض لذكر بعض من ثماره وفوائده ، إذ فوائده لا تحصر ؛ كما قال الإمام ابن الأثير - رحمه الله - في مطلع كتابه الكامل في التاريخ (1) ؛ عندما عرض لذكر فوائد الكتابة في التأريخ فقال : إن فوائدها كثيرة ومنافعها الدنيوية والأخروية جمة غزيرة ، وها نحن نذكر شيئا مما ظهر لنا فيها ، ونكل إلى قريحة الناظر فيه معرفة باقيها ا.هـ . وقال الناصري - رحمه الله - في مقدمة كتابه الاستقصاء (2) : فائدة التاريخ ليست محصورة فيما ذكرناه ، بل له فوائد أخر جليلة لو قيل بعدم حصرها ما بعد .ا.هـ .
__________
(1) كتاب الكامل في التاريخ 1/ 9-10 .
(2) كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ص /60 .(1/38)
فهو علم غزير الفائدة عظيم العائدة ، بين المولى العظيم سبحانه وتعالى في كتابه شيئاً من فوائده ، وأكد النبي المصطفى الكريم -صلى الله عليه وسلم- في سنته على عدد من ثمرات عوائده ، ولسنا نستقصي كل ما له من فائدة ، ولكنا نسعى لجمع ما يسعف به الذهن والخاطر ، وما يعرض له ذكر في دواوين الإسلام وغيرها من المصادر .
فمن الفوائد والثمار :
الأولى : الوقوف على بعض المرويات عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن غيره ، مما يرد في تراجم الصحابة وغيرهم من الرواة ، وأعني بذلك أن من الأحاديث والآثار ما لا يمكن الوقوف عليه إلا في كتب التراجم والمسانيد ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - أن كتب المسانيد ، من المصادر المهمة في معرفة الرواة والأعلام ، وخاصة حين تكون الرواية لها تعلق قوي وظاهر بحياة العَلَم من الصحابة خاصة أو غيرهم ؛ ولعل الناظر في كتاب مثل كتاب الاستيعاب لابن عبدالبر ، أو المعجم الكبير (1) للإمام الطبراني ، يدرك معنى ما أردت هنا .
__________
(1) صدَّر الإمام الطبراني في معجمه الكبير أحاديث كل راوٍ من الرواة غالبا بمرويات تتعلق بسيرة الراوي من الصحابة -رضي الله عنهم- وفضله .(1/39)
الثانية : معرفة حال الرواة ، قوة وضعفاً ، واستقامة وبعداً ، وديانة وخبثاً ، وقبولاً وردّاً ، وما ينبني على ذلك من معرفة الأدلة النبوية ، ودرجتها من حيث القبول والرد ، وهذا بابه واسع جداً ومصنفاته كثيرة كذلك ، وسيكون للحديث عن علم التراجم عند المحدثين ، وقيمته في باب الرواية – إن شاء الله تعالى –مبحث مستقل . قال أبو نعيم (1) : الاجتهاد في التمييز بين صحيح الأخبار وسقيم الآثار ...وذلك متعذر إلا بمعرفة الرواة ، والفحص عن أحوالهم وأديانهم ، والكشف والبحث عن صدقهم وكذبهم ، وإتقانهم وضبطهم ، وضعفهم ووهائهم وخطئهم ؛ وذلك أن الله عز وجل جعل أهل العلم درجات ، ورفع بعضهم على بعض ، ولم يرفع بعضهم إلا وخص من رفعه عن من دونه بمنزلة سنية ، ومرتبة بهية، فالمراتب والمنازل منه مواهب ، اختصهم بها دون الآخرين ، فلذلك وجب التمييز بينهم ، والبحث عن أحوالهم ، ليعطى كل ذي فضل فضله ، وينزل كل واحد منهم منزلته التي أنزله بها الممتن عليه والمنعم لديه .ا.هـ .
ويقول الإمام السيوطي (2) - رحمه الله تعالى – في أثناء ذكره لفوائد علم التأريخ : معرفة الأجيال وحلولها وإنقضاء الأجل ، وأوقات التعاليق ، ووفيات الشيوخ ومواليدهم ، والرواة عنهم ؛ فيعرف بذلك كذب الكاذبين ، وصدق الصادقين .ا.هـ .
وفي تأريخ بغداد (3) للخطيب قال : قال أبو حسان الزيادي : سمعت حماد بن زيد يقول :لم يستعن على الكذابين بمثل التاريخ ؛ نقول للشيخ سنة كم ولدت ؟ فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه ، قال أبو حسان : فأخذت في التاريخ ، فأنا أعلمه من ستين سنة .ا.هـ .
__________
(1) كتاب الضعفاء 45 .
(2) كتاب الشماريخ 1/26 .
(3) تاريخ بغداد للخطيب 7/357 .(1/40)
قال ابن حبان (1) في معرض كلامه حول حديث (2) : "مَنْ حَدّثَ عَنّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ " ، قال : فكل شاك فيما يرفع أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر ، ولو لم يتعلم التاريخ وأسماء الثقات والضعفاء ، ومن يجوز الاحتجاج بأخبارهم ممن لا يجوز ، وكان الواجب على كل من ينتحل السنن أن لا يُقَصِّر في حفظ التاريخ حتى لا يدخل في جملة الكذبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .ا.هـ .
وذكر ابن عدي (3) : عن سفيان الثوري قوله : لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ .ا.هـ . وفي الشماريخ (4) للسيوطي قال : وقال حفص بن غياث : إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين ، يعني سنَّه وسنَّ من كتب عنه .ا.هـ إلى غير ذلك من النقول والأقوال الدالة على أهمية هذه الخطوة الرئيسة عند أهل الحديث .
الثالثة : ومن فوائد هذا العلم معرفة آثار بعض الأئمة وتأثيرهم ، وذلك من خلال النظر في مصنفاتهم وأقوالهم ، ومدى تأثرهم بشيوخهم وتأثيرهم في تلاميذهم . قال عبدالقادر القرشي في طبقات الحنفية (5) : الفائدة الثانية في معرفة مناقبهم وأحوالهم فنتأدب بآدابهم ونقتبس من محاسن آثارهم .ا.هـ فآثار أولئك الأعلام ثروة للاستفادة والاقتباس ، ومدرسة للاعتبار والخبرة بالحياة .
__________
(1) كتاب المجروحين 1 / 7 .
(2) أخرجه مسلم في صحيحه ، المقدمة ، باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين، والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ، 1/8 ، من حديث المغيرة بن شعبة ، وسمرة بن جندب رضي الله عنهما . وأخرجه الترمذي ، كتاب العلم ، باب ما جاءَ في مَنْ رَوَى حدِيثاً وَهُوَ يُرَى أَنّهُ كَذِب . 5/36 ، رقم ( 2662 ) ، وقال : هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ . وأحمد في المسند ( 4/250 و 252 و255 ) عن المغيرة .
(3) كتاب الكامل في الضعفاء 1/164 .
(4) كتاب الشماريخ 1/28 .
(5) كتاب الجواهر المضية في طبقات الحنفية 1/6 .(1/41)
الرابعة : ومنها أهمية القصص وأخبار الغابرين في تأسيس العقيدة في النفوس ، حيث إن الله تعالى خاطب نبيه -صلى الله عليه وسلم- في القرآن العظيم ، وما نزل منه بمكة -شرفها الله تعالى - خاصة ، بكثير من القصص ، وأخبار الأمم السالفة ، يقول الله تعالى : " وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ {4} حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ {5} (1) . وذلك لما للقصة من الأثر ، وتبدو أهمية القصة بشكل أكبر في تربية الناشئة وخطابهم ؛ والمواقف والآثار المذكورة في التراجم ، ما هي إلا قصص تشتاق النفوس لسماعها ، وتطرب القلوب لمعرفة انتهائها ، فتتضمن تلك التراجم سير الصالحين وأخبار المنتجين ، ومواقف المجاهدين ، والحاجة لمثل هذه الأمثلة والنماذج والقدوات ظاهرة ؛ إذ يعاني شباب المسلمين اليوم وفتياتهم ، من غياب القدوة الصالحة ، فيحرص المربون على حكاية أخبار الصالحين ، لمحاكاتها ، و التأسي بهم فيها ، والإقتداء بهم ، ويكفينا دلالة على عظم ذلك وفائدته ، قول الحق تبارك وتعالى (2) : " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {111} . وقوله سبحانه (3) : " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ {102} إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ {103} " ويقول جل وعلا (4) :" وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ {4} حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ {5} . يقول الإمام القرطبي (5) :
__________
(1) سورة القمر .
(2) سورة يوسف .
(3) سورة هود .
(4) سورة القمر .
(5) الجامع لأحكام القرآن 17/128 ..(1/42)
اقتص علينا ما علم أن بنا إليه حاجة ، وسكت عما سوى ذلك؛ وذلك قوله تعالى: "ولقد جاءهم من الأنباء" أي جاء هؤلاء الكفار من أنباء الأمم الخالية "ما فيه مزدجر" أي ما يزجرهم عن الكفر لو قبلوه .اهـ .
ولهذا وجَّه الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى ضرورة استعمال القصص وأخبار السالفين ، في دعوة الناس ، فقال جل وعلا (1) : " فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {176} .
__________
(1) سورة الأعراف .(1/43)
ولنستعرض بعضاً من أقوال العلماء في هذه المسألة ؛ يقول الإمام ابن الجوزي (1) - رحمه الله تعالى - ، في معرض ذكره لفوائد علم التاريخ : أنه إن ذكرت حازم ووصفت عاقبة حاله ، علمت حسن التدبير واستعمال الحزم ، وإن ذكرت سيرة مفرط وعاقبته ، خويت من التفريط ، فيتأدب المتسلط ، ويعتبر المتذكر . اهـ ويقول ابن الأثير - رحمه الله تعالى - في مقدمة تاريخه (2) : ومنها أن الملوك ومن إليهم الأمر والنهي ، إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور والعدوان ، ورأوها مدونة في الكتب يتناقلها الناس ، فيرويها خلف عن سلف ، ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذكر ، وقبيح الأحدوثة ، وخراب البلاد وهلاك العباد، وذهاب الأموال وفساد الأحوال ، استقبحوها وأعرضوا عنها واطرحوها ، وإذا رأوا سيرة الولاة العادلين وحسنها ،وما يتبعها من الذكر الجميل بعد ذهابهم ، وأن بلادهم وممالكم عمرت ، وأموالها درت ، استحسنوا ذلك ورغبوا فيه ، وثابروا عليه وتركوا ما ينافيه ، هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة ، التي دفعوا بها مضرات الأعداء ، وخلصوا بها من المهالك ، واستصانوا نفائس المدن ، وعظيم الممالك ، ولو لم يكن فيها غير هذا لكفى به فخرا . ويقول بعد ذلك : ومنها ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث ، وما تصير إليه عواقبها ، فإنه لا يحدث أمر ، إلا وقد تقدم هو أو نظيره ، فيزداد بذلك عقلا .
__________
(1) المنتظم في التاريخ ، 1/115 .
(2) الكامل في التاريخ 1/ 9 .(1/44)
وفي كتاب الروضتين (1) للمقدسي - رحمه الله - : و قد اختار الله سبحانه لنا أن نكون آخر الأمم ، و أطلعنا على أنباء من تقدم ؛ لنتعظ بما جرى على القرون الخالية ، وتعيها أذن واعية ، فهل ترى لهم من باقية ،و لنقتدي بمن تقدمنا من الأنبياء و الأئمة الصلحاء .اهـ . وفي الطبقات (2) قال القرشي : الفائدة الثانية فى معرفة مناقبهم وأحوالهم فنتأدب بآدابهم ونقتبس من محاسن آثارهم . اهـ .
يقول المؤرخ ابن خلدون (3) رحمه الله : اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب ، جم الفوائد ، شريف الغاية ؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ، والأنبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم وسياستهم ؛ حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا .ا.هـ وقال ابن تغري بردي (4) : ليقتدي كل ملك يأتي بعدهم بجميل الخصال ويتجنب ما صدر منهم من اقتراح المظالم وقبيح الفعال .ا.هـ . وفي عجائب الآثار (5) : يعتبر المطلع على الخطوب الماضية ، فيتأسى إذا لحقه مصاب ، ويتذكر بحوادث الدهر ؛ إنما يتذكر أولو الألباب ... وقال : وفائدته العبرة بتلك الأحوال ، والتنصح بها ، وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تغلبات الزمن ، ليتحرز العاقل عن مثل أحوال الهالكين من الأمم المذكورة السالفين ، ويستجلب خيار أفعالهم ، ويتجنب سوء أقوالهم ، ويزهد في الفاني ، ويجتهد في طلب الباقي . اهـ . إلى غير ذلك من أقوال للعلماء كثيرة في هذا المعنى ، فهو صفحة الأيام لمن حرص على قراءتها والاستفادة منها .
__________
(1) الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ( 1/25 ) .
(2) كتاب طبقات الحنفية 1/6 .
(3) المقدمة 9 .
(4) كتاب النجوم الزاهرة 1 / 2 .
(5) كتابه عجائب الآثار 1/5-6 .(1/45)
الخامسة : ومن الفوائد ، ما يحصل بذلك من تذكر الأعلام الصاحين ، ومعرفة سيرهم وأخبارهم ومواقفهم ، وأثرهم في حفظ دين الأمة ومكانتهم التي حازوها في هذه الحياة ، بسبب عملهم بطاعة الله تعالى ، وعند ذلك تلهج الألسن بالدعاء لهم ، وشكر صنيعهم ، وفاء لهم ، واعترافاً بفضلهم ، يقول السخاوي (1) - رحمه الله تعالى - : من المعلوم المقرر عند أولي العقول الصحيحة وثاقب الفهوم ، أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ، وبتتبع آثارهم يندفع كل بلاء ونقمة ، وأن الثناء على المدرج فيهم من الأموات رحمة للأحياء من أهل المودات ، والاشتغال بنشر أخبار الأخيار ولو بتواريخهم من علامات سعادات الدارين ؛ لأولي العرفان والاختبار ، بل يرجى إسعافهم للمقصر الذاكر لهم ، بالشفاعة وإتحافهم من المولى بمرافقة أهل السنة والجماعة . اهـ . وأيضاً يعرف قدرهم ومنزلتهم وفضلهم ، يقول عبدالقادر القرشي - رحمه الله - في كتاب الطبقات (2) : الفائدة الثالثة معرفة مراتبهم وأعصارهم ؛ فينزلون منازلهم ، ولا يقصر بالمعالي في الجلالة عن درجته ، ولا يرفع غيره عن مرتبته . وقال أيضاً : الفائدة الرابعة أنهم أئمتنا وأسلافنا كالوالدين لنا ، وأجدر منا في مصالح آخرتنا التي هي دار قرارنا ، وأنصح لنا فيما هو أعود علينا ، وأقبح علينا أن نجهلهم وأن نهمل معرفتهم . قال موضحاً بعضاً مما يستفاد من معرفتهم: الفائدة الخامسة أن يكون العمل والترجيح بقول أعلمهم وأورعهم إذا تعارضت أقوالهم .اهـ
__________
(1) التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة 1/ 4 .
(2) كتاب طبقات الحنفية 1/6 .(1/46)
السادسة : ومنها دراسة حياتهم ودقائق سيرهم ، ومواقفهم في حماية الدين ، والدفاع عن حياض الإسلام والمسلمين ، فعند ذلك يتذكر الناظر في ذلك عظم المسؤولية الملقاة على عاتق الأمة في تحمل التركة التي تحملوها ، وفي سد الثغرة التي ذهبوا وتركوها ، وفي دراية الطريقة التي سلكوها ، للتأسي بهم في القيام بهذه المسؤولية ، والاضطلاع بهذه المهام الجليلة . . يقول الإمام ابن الأثير (1) - رحمه الله تعالى - : فأما فوائدها – أي كتب التاريخ - الدنيوية فمنها : أن الإنسان لا يخفي أنه يحب البقاء ، ويؤثر أن يكون في زمرة الأحياء ، فيا ليت شعري أي فرق بين ما رآه أمس أو سمعه ، وبين ما قرأه في الكتب المتضمنة أخبار الماضين ، وحوداث المتقدمين ، فإذا طالعها فكأنه عاصرهم ، وإذا علمها فكأنه حاضرهم .اهـ
__________
(1) الكامل في التاريخ 1/ 10 .(1/47)
السابعة : ومنها دراسة المواقف التربوية من حياتهم ، لتربية النفس وترقيق القلب وزيادة المعرفة وتوجيه الناس ، فيعتني المربون والأدباء والكتاب والمصنفون في إبراز المواقف التربوية من حياتهم ، وتسليط الضوء على الدروس المستقاة من دراسة أخبارهم ، وتوجيه ذلك للناشئة بأسلوب ميسر وواضح ، فيكون أقوى في التوجيه ، وأبلغ في النصح والتربية . وقد أكد ابن خلدون على أهمية استنطاق الأحداث عبرها ، واستمطار المواقف دروسها ، فقال في مقدمته (1) عن بعض الإخباريين : فيجلبون الأخبار عن الدول ، وحكايات الوقائع في العصور الأول ، صوراً قد تجردت عن موادها ، ومعارف تستنكر للجهل بطارفها وتلادها ...ويغفلون أمر الأجيال الناشئة في ديوانها ، بما أعوز عليهم من ترجمانها .... لا يتعرضون لبدايتها ، ولا يذكرون السبب الذي رفع من رايتها ، وأظهر من آيتها ، ولا علة الوقوف عند غايتها ، فيبقى الناظر متطلعاً بعد إلى افتقاد أحوال مبادىء الدول ومراتبها ، مفتشاً عن أسباب تزاحمها أو تعاقبها ، باحثاً عن المقنع في تباينها أو تناسبها.ا.هـ . إنه توجه عظيم لو حرصت الأمة على تبنيه ، لكان لها من سجل التاريخ سجلات عظيمة من الحكمة والدروس ، ومن العبرة والوضوح .
__________
(1) المقدمة 5 .(1/48)
الثامنة : ومنها تذكر سنة الله في هذا الكون ، وأن ما مر بهم ، سيمر بمن بعدهم ، والفطن من وعظ بغيره ، نعم سنة الموت والنقلة من هذه الحياة ، هذه السنة الجارية ؛ فكل مخلوق إلى الموت سائر ، وكل من على وجه البسيطة من الخلائق مودع وبائد ، مهما امتدت به السنون ، أو حاز من نعم الدنيا وخيراتها ودورها وأموالها ما حاز ، فإن الموت لا بد منه والفطن من وعظ بغيره ، وليس من كان عظة لغيره ، وعبرة لمن بعده ، فكل هؤلاء الأعلام عاشوا على وجه الأرض ، ومهما كان حالهم ومكانتهم ، وممالكهم وقوتهم ؛ فكلهم إلى الموت سائرون ، ولموقف الجزاء والحساب في الدار الآخرة ينتظرون . يقول الله سبحانه (1) : " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ {27} . يقول ابن الأثير (2) - رحمه الله تعالى - : وأما الفوائد الأخروية فمنها : أن العاقل اللبيب إذا تفكر فيها ، ورأى تقلب الدنيا بأهلها ، وتتابع نكباتها إلى أعيان قاطنيها ، وأنها سلبت نفوسهم وذخائرهم ، وأعدمت أصاغرهم وأكابرهم ، فلم تبق على جليل ولا حقير ، ولم يسلم من نكدها غني ولا فقير ؛ زهد فيها ، وأعرض عنها ، وأقبل على التزود للآخرة منها ، ورغب في دار تنزهت عن هذه الخصائص ، وسلم أهلها من هذه النقائص ، ولعل قائلا يقول : ما نرى ناظراً فيها زهد في الدنيا وأقبل على الآخرة ورغب في درجاتها العليا؟ ، فياليت شعري كم رأى هذا القائل قارئاً للقرآن العزيز ، وهو سيد المواعظ ، وأفصح الكلام ، يطلب به اليسير من هذا الحطام فإن القلوب مولعة بحب العاجل . ويقول بعد ذلك أيضاً : ومنها التخلق بالصبر والتأسي ، وهما من محاسن الأخلاق ، فإن العاقل إذا رأى أن مصاب الدنيا لم يسلم منه نبي مكرم ولا ملك معظم ، بل ولا أحد من البشر ، علم أنه يصيبه ما أصابهم ، وينوبه ما نابهم ...
__________
(1) سورة الرحمن .
(2) الكامل في التاريخ 1/ 10 .(1/49)
ولهذه الحكمة وردت القصص في القرآن المجيد ...فإن ظن هذا القائل أن الله سبحانه أراد بذكرها الحكايات والأسمار ، فقد تمسك من أقوال أهل الزيغ بمحكم سببها ، حيث قالوا هذه أساطير الأولين اكتتبها . اهـ
وكما قيل :
ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها ... لكان رسول الله حياً مخلدا
وكما قيل أيضا :
الموت باب وكل الناس داخله ... فليت شعري بعد الباب ما الدار ؟
ويقول أبو العتاهية رحمه الله:
تُحاذِرُ نفسي منك ما سيصيبها ... أيا هادم اللذات ما منك مهربٌ
ولذلك قالوا :
والقبر مسكنه والبعث مخرجه ... من كان يعلم أن الموت مدركه
يوم القيامة أو نار ستنضجه ... وأنه بين جنات ستبهجه
وما أقام عليه منه أسمجه ... فكل شيء سوى التقوى به سمج
لم يدر أن المنايا سوف تزعجه ... ترى الذي اتخذ الدنيا له وطنا
وقال طرفة :
لمن الموت عليه قد قُدِر ... وكفى بالموت فاعلم واعظا
إن في الموت لذي اللب عبر ... فاذكر الموت وحاذر ذكره
في مقام أو على ظهر سفر ... كل شيء سوف يلقى حتفه
ليس ينجيه من الموت الحذر ... والمنايا حوله ترصده
التاسعة : ومن الفوائد أننا بدراسة هذه السير والتراجم والنظر في صفحات التاريخ نتذكَّر أن هناك أجيالاً من الأمم عظاماً ، بادت أخبارهم ، واندثرت آثارهم ، واندرس ذكرهم ، ولم يبق إلا ما خلفوه ومن الذكر تركوه ، فعني هذا العلم بإبراز أولئك الأعلام ، الذين وضعوا لهم في سجل التاريخ موطئ قدم .
يقول أبو فراس ، بعد أن أسره أعداؤه ، مذكراً بأن الإنسان تعرض له أحداث الحياة ، وينتقل منها جسده ، ولكن بصماته وبطولاته وآثاره تبقى من بعده حياة جديدة له ، فيقول:
و هَلْ يَتَجافى عَنّيَ المَوْتُ سَاعَةً ... إِذا ما تَجافَى عَنَي الأَسْرُ و الضُّرُّ
هُوَ المَوْتُ فَاخْتَرْ ما عَلا لَكَ ذِكْرُهُ ... فَلَمْ يَمُتِ الإِنسانُ ماحَيِيَ الِذّكْرُ
سَيَذْكُرُني قومي إِذا جَدَّ جِدُّهُمْ ... و في الليلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ(1/50)
فَإِنْ عِشْتُ فالطَّعْنُ الذي يَعْرِفونَهُ ... و تلكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّرُ الشُّقْرُ
وَ إِنْ مُتُّ فَالإِنْسانُ لا بُدَّ مَيِّتٌ ... و إِنْ طالَتِ الأيامُ و انْفَسَح العُمْرُ
فأصحاب التراجم والسير ؛ هم صنعة التأريخ ، وهم أبطال المسيرة ، هم من حفظت بسببهم الأخبار ، وانطبعت في عقول الناس عنهم المآثر والآثار ، فلولا أولئك ما ذكر التأريخ وما دوِّن ، وبسبب أخبارهم ارتقت الأمم الحية ، مستنطقة مواقفهم عبراً ، ومستمطرة أخبارهم دروساً .
إن هذه السير والتراجم تذكرنا بأن ما مر بالأجيال قبلنا مارٌّ بنا ، وأن جموع العالم التي نعايشها ؛ ستندرس أخبارها ، وتمحى آثارها إلا من أبدع ونفع ، وسما وارتفع ، وجعل له في سجل الحياة والتاريخ مكاناً وموقفا .
العاشرة : ومن الفوائد أيضاً التسلية ؛ وذلك بذكر بعض القصص والطرائف والعجائب والنوادر ، وقد كانت الأخبار والسير ، فاكهة مجالس الأمراء والسلاطين والكبراء ، وكانت سمرهم وترفيههم ، وهي أيضاً سلوة للمغمومين ، وتفريج لهمِّ المهمومين ، إذ من عرف مواقف الحياة ولأواء الأيام ، ومن تذكر أخبار من باد ومضى من الأقوام ؛ فإن في ذلك ما يسليه ، ويقشع عن خاطره الانغلاق والحزن ، ويدعمه بقوة الصبر ومتانة التحمل ، ويدعوه للاعتبار بما مضى من الأخبار .(1/51)
فالله سبحانه وتعالى بيَّن لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أنه يقص عليه من أنباء السابقين تسلية له وتثبيتا ، كما في قوله سبحانه وتعالى (1) : وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {120} . وذكر المولى الرحيم سبحانه أخبار الأنبياء لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم قال له سبحانه وتعالى (2) : " تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ {49} " .
يقول الإمام ابن الأثير (3) - رحمه الله - : ومنها ما يتجمل به الإنسان في المجالس والمحافل ، من ذكر شيء من معارفها ، ونقل طريفة من طرائفها ، فترى الأسماع مصغية إليه ، والوجوه مقبلة عليه ، والقلوب متأملة ما يورده ويصدره ، مستحسنة ما يذكره .ا.هـ . وقال السيوطي (4) : والداعي إلى تأليف هذا الكتاب أمور منها أن الإحاطة بتراجم أعيان الأمة مطلوبة ، ولذوي المعارف محبوبة . ا.هـ
ولا شك أن أبلغ القطع الأدبية تأثيراً في مجموع الناس ، هي ما كانت صياغتها بالأسلوب القصصي المؤثر ، ولهذا فإن أسلوب القرآن في التوجيه والتنبيه والتسلية والتأثير، جاء مجتمعاً فيما ذكره الله تعالى من سير الأمم السالفة .
قال ابن الجوزي (5) - رحمه الله تعالى - : فإني رأيت النفوس تشرئب إلى معرفة بدايات الأشياء ، وتحب سماع أخبار الأنبياء ، وتحن لمطالعة سير الملوك والحكماء ، وترتاح إلى ذكر ما جرى للقدماء .اهـ
__________
(1) سورة هود .
(2) سورة هود .
(3) كتاب الكامل في التاريخ 1/10 .
(4) كتاب تاريخ الخلفاء1/3 .
(5) المنتظم في التاريخ 1/115 .(1/52)
الحادية عشرة : أن بعض كتب التراجم والأعلام ، عنيت بالنقد لبعض المناهج والملل والأفكار ، وذلك من خلال اللّمز برموزها وأعلامها ، ودراسة هذه الكتب تستدعي أن يتناولها الدارس بالتمحيص والتحقيق ، والنقد والمناقشة ، ودراسة الروايات المشبوهة والملصقة بأعلام الأمة ورموزها ، وتحقيقها ، ودحض ما يثيره أولئك حولها ، وتنقية كتب السير والتاريخ من ذلك ، وتصحيح الصورة التي يسعى أعداء الأمة لإلصاقها بها وبتاريخها وأعلامها ، وبيان واقع الأمة من حيث الإنتاج والحضارة ، ورموز العلم والمعرفة ، وقيادتها الأمم للرقي الحق ، وذلك من خلال القراءة المتأنية للتاريخ وسير الأعلام .وكم شوَّه بعض المؤرخين من تواريخ الأمم الكثير ، وكم لطخت سير الصالحين من بعض المؤرخين بالتشويه والدس والتهجم والتهكم ، وكم زينت سير أشخاص ضالين ومفسدين ، وأبرزت سيرهم نماذج للمثل التي تحتذى والقدوات التي تقتفى؟ ! وهذا الأسلوب أسلوب فرعوني قديم ، سلكه فرعون مع نبي الله موسى -صلى الله عليه وسلم- ، كما حكى الله تعالى ذلك في القرآن العظيم ، في قوله جل وعلا (1) : " وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ {26} ". وقوله تبارك وتعالى (2) : " وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ".
__________
(1) سورة غافر .
(2) سورة الأعراف 127 .(1/53)
وهذا الأسلوب قد سلكته كل الأمم مع أنبيائها ، فقد اتهم كفار قريش نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- بتهم باطلة يعرفون بطلانها وجورها ، ولكن العداوة جعلتهم يصفون من كان عندهم الصادق الأمين قبل البعثة ؛ يصفونه -صلى الله عليه وسلم- بالكاذب (1) ، والساحر (2) ؛ والمجنون وغيرها (3) .
__________
(1) كما في قوله تعالى : " وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ، أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ {5}سورة ص .
(2) كما قال جل وعلا : " كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ سورة الذاريات 51 . وفي سورة يونس : " قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ {2} .
(3) يقول الله عز وجل : " وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ {36}سورة الصافات .وكما في قوله تعالى: " أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ {13} ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ {14} . وفي سورة الدخان . وقوله : " فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ {29} أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ {30} قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ {31} ، سورة الطور .وفي سورة القلم ؛ يقول سبحانه وتعالى : " وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ {51} . وفي سورة التكوير : " وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ {22}(1/54)
ولا يزال أعداء الأمة حتى هذا الزمان يصطنعون المواقف ، ويحيكون القصص ، ويخترعون الكذب لتشويه صورة الصالحين ، لينفروا الناس من الحق وأهله ، وليصنعوا عقول الناس وفق ما تريده أهواؤهم ورغباتهم ، فكم تنكبت وسائل التثقيف بشتى صورها وعلى اختلاف مستوياتها وأشكالها ، طريق الحق والعدل والصواب ، فوصمت العبَّاد والمصلحين ، والدعاة والمجاهدين ، والأخيار والحريصين على سنة نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم - ، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، ينعتونهم بأقذع الأوصاف ، وأقبح النعوت ، وكم شوهت صور النساء الطاهرات ، والعفيفات المتحجبات ، بأوصاف قذرة ، ورسوم تفوح منها رائحة الفرعنة والحقد والغيظ والتهكم ، ولكنا نقول كما قال ربنا سبحانه وتعالى (1) : " فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {137} " .
__________
(1) سورة البقرة .(1/55)
ولهذا فليس كل كلام ورد في كتاب التأريخ مما تتلقاه العقول بالقبول ، ولكن لا بد أن يعرف الناظر فيها مناهج أصحابها وتوجهات مؤلفيها ، وأهداف تصنيفها ، فإن كثيراً من سير العلماء والدعاة والخلفاء قد شوهت ، ونسب لهم من المواقف ما هم منه براء ؛ كما هو مشتهر من سيرة الخليفة هارون الرشيد - رحمه الله تعالى – ، فقد امتلأت الكتب المترجمة له بذكر أخباره مع الجواري والقيان ، ومعاقرة الخمور وممازحة المردان ، وهو من ذلك براء كما حققه العلماء ، وبيَّن عواره ومواطن وضعه أهل التحقيق المخلصين ، وأكبر كتاب من هذا الصنف ؛ في تراجم أهل فن مخصوص ، ولقي عناية من الأدباء ظاهرة ، بل عده بعضهم العمدة التي لا يستغني عنه أي أديب ، هو كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، فهو وإن احتوى على علوم ومعارف ؛ إلا أنه سم فيه دسم وليس العكس ، لأن أصل وضع الكتاب على أساس محرم في دين الله تعالى وهو الغناء ، وأصوات المغنين وألحانهم ، وهذا الكتاب قد قرأته ، وعلقت عليه في مواطن كثيرة منه ، ووقفت فيه على كفريات وفحش وسفالة في مواطن كثيرة ، وحوى تنقصاً ظاهراً لأمور من الدين رئيسة، وقد بينت عواره وسمَّه ، وبذاءته ، وضرره في تاريخ الأمة ، في بحث بدأته حوله ، أسأل الله أن ييسر ظهوره ، وأن ينفع به .(1/56)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستقامة (1) ، بعدما ذكر موقفاً ينسب للإمام أبي عبدالله الشافعي - رحمه الله - ، مبيناً ضرر هذه المصنفات ودسها ، وأنها ليست مظنة للعلم ولا محلاً للثقة : فهذه الحكاية يعلم أنها مفتراة من له أدنى معرفة بالناس ، ولو صحت عمن صحت عنه لم يكن فيها إلا ما هو مدرك بالإحساس ، من أن الصوت الطيب لذيذ مطرب ، وهذا يشترك فيه جميع الناس ؛ ليس هذا من أمور الدين حتى يستدل فيه بالشافعي ، بل ذِكرُ الشافعي في مثل هذا غض من منصبه ، وأهل المواخر أعلم بهذه المسألة من أئمة الدين ، ولو حكي مثل هذا عن إسحاق بن إبراهيم النديم ، وأبي الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني ؛ لكان أنسب من أن يحكيها عن الشافعي .ا.هـ .
وفي التاريخ (2) للخطيب بسنده عن : أبي محمد الحسن بن الحسين النوبختي - رحمه الله - قال : كان أبو الفرج الأصبهاني أكذب الناس ؛ كان يدخل سوق الوراقين وهي عامرة ، والدكاكين مملوءة بالكتب ، فيشتري شيئاً كثيراً من الصحف ، ويحملها إلى بيته ثم تكون رواياته كلها منها .اهـ
وقد يكون الدافع لذلك التشويه الحقد على أولئك الأعلام في أشخاصهم ، أو بسبب ما يعتنون به من علم ودراية ، أو بسبب ما يكون بين الأقران والمتعاصرين من الحسد ، أو بسبب العداء للمنهج الذي يدعون له ، والمعتقد الذي يحملونه ، أو سبب ذلك التعصب الأعمى الذي هو من أعظم الأدواء وأخطرها . يقول ابن خلدون (3) : وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها ، وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها ، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وَهَّموا فيها وابتدعوها ، وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها ، واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم واتبعوها وأدوها إلينا كما سمعوها .اهـ
__________
(1) كتاب الاستقامة 1/338 .
(2) تاريخ بغداد 11/398 .
(3) المقدمة 4 .(1/57)
الثانية عشرة : ومن الفوائد : أنها من تاريخ الأمم " والتاريخ يصل الماضي بالحاضر، وكما قيل : من لا ماضي له فليس له حاضر ، فما من أمة حية ، إلا ولها صفحات تاريخ تعتز بها ، وتقتات عند الضعف على تذكرها ، وتتلمس فيها مواقف الاعتبار ومواطن الاعتزاز ، وترى أنها شخصيتها التي تؤكد هويتها ووجودها . ...
الثالثة عشرة : ومنها : أن القراءة في كتب التراجم ، تطلعنا على صور لجوانب كثيرة من الحركة الفكرية في بلاد الإسلام وتطورها عبر السنين ، لأن الإنسان هو محور الحركة وهو العامل المؤثر في تطور الفكر سلباً وإيجابا (1) ، فالنظر في كتب التراجم يبرز هذا الجانب ، ويظهر الواقع الذي كانت عليه الأمة ، فتعرف مواطن الضعف والقوة ، ومراحل الرفعة والدونية ، وإدراك أسبابها ، للاعتبار بها والاستفادة منها .
الرابعة عشرة : ومنها : أن يدرس علم التراجم للإفادة منه في جانب من جوانب علوم الحديث النبوي خاصة ؛ من التفرقة و التمييز بين الأسماء المتشابهة ، وما يترتب على الجهل بها من ضرر يلحق بالناظر في الحديث أو يلحق صاحب الترجمة ؛ كما حصل للإمام محمد بن جرير الطبري - رحمه الله تعالى – ؛ حيث تشابه في اسمه مع آخر هو : محمد بن جعفر بن رستم الطبري ، صاحب كتاب دلائل الإمامة ، وهو رافضي ، تشابه مع ابن جرير المفسر في الاسم واسم الأب والنسبة والوفاة مكاناً وزماناً ، مما أدى لاتهام المفسر ابن جرير باتهامات هو منها براء ، كما قال د . محمد الزحيلي في ترجمته للمفسر أبي جعفر - رحمه الله - : فالقراءة في كتب التراجم تعين على تصحيح هذا الفهم الخاطئ (2) .
__________
(1) تهذيب سير أعلام النبلاء 1/7 .
(2) الإمام الطبري /58 دار القلم ، دمشق ، 1420هـ .(1/58)
الخامسة عشرة : ومن فائدته كذلك ما ذكره الإمام السخاوي - رحمه الله - في مقدمة كتابه الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ، قال : وأما فائدته – أي علم التأريخ – فمعرفة الأمور على وجهها .اهـ. أي أنا نعرف حال الراوي على حقيقته ، أو في أقل الأحوال على الصورة الأقرب في التعريف به . وأيضاً نتمكن من معرفة من أحدث من الأعلام توبة بعدما كان عليه من معصية وإعراض ، وبعد أن يكون قد خاض فيما خاض فيه من إعراض ، فيترحم عليه ويعلم براءته ، وأنه قد تبرأ من بعض ما ترك من كتبه مخالفاً فيه الصواب . . . فيذكر له رجوعه ، وما ذهب إليه من التحقيق أو التوبة .
السادسة عشرة : ومنها الإطلاع على تأثير النواحي السياسية والاجتماعية والعقدية والاقتصادية على أعلام كل عصر ، ومدى تأثيرهم فيها وتأثرهم بها ، ويؤخذ من ذلك ضرورة الاحتراز من المؤثرات الخارجية ، وأن يحرص العاقل على الاعتزاز بما لديه من ا لحق ، وعدم الانبهار بمؤثرات الواقع ، ولا بالصوارف عن الحق والنور ، وما أحوج الأمة اليوم وفي إعلامها خاصة ، إلى دراية هذه القضية ، وتحمل هذه المسؤلية .(1/59)
السابعة عشرة : ومنها إدراك سنن الله تعالى في الكون ، وذاك مهم وضروري لمعرفة الحاضر واستشراف المستقبل، واكتشاف السنن والقوانين الفاعلة في العمران البشري ، وما لله جل وعلا من حكم بالغة وسنن سائرة ، وتدبير حكيم ، وأن سنته سبحانه لا تتخلف ، وإنما هي سائرة وفق إرادته ، سواء كان ذلك في نصرته لمن ينصر دينه ، أم كان ذلك في انتقامه ممن كذب وطغى ، وأعرض واستكبر ، يقول الله تعالى (1) : قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ {138) . قال الإمام الطبري (2) - رحمه الله تعالى - : {قد خلت من قبلكم سنن} مضت وسلفت مني فيمن كان قبلكم يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به ، من نحو قوم عاد وثمود وقوم هود وغيرهم من سلاف الأمم قبلكم سنن يعني مثلات ، سير بها فيهم وفيمن كذبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم، بإمهالي أهل التكذيب بهم، واستدراجي إياهم، حتى بلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم ، ثم أحللت بهم عقوبتي ، ونزلت بساحتهم نقمتي، فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرا. { فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ } ...انظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي، وما الذي آل إليه عن خلافهم أمري، وإنكارهم وحدانيتي، فتعلموا ثمَّ ذلك أن إدالتي من أدلت من المشركين على نبيي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بأُحد، إنما هي استدراج وإمهال، ليبلغ الكتاب أجله الذي أجلت لهم ، ثم إما أن يئول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الذين سلفوا قبلهم ؛ من تعجيل العقوبة عليهم ، أو ينيبوا إلى طاعتي وإتباع رسولي.اهـ
__________
(1) سورة آل عمران .
(2) تفسير الطبري 4/99 .(1/60)
الثامنة عشرة : ومنها إدراك أن العلم بهذا الدين ، والفقه في شريعة رب العالمين ، واستنباط الأحكام من الأصلين ، كل ذلك ممكن في كل العصور ، وأن إدراك ذلك قائم لدى الأولين والآخرين ، وأن الأول ترك للآخر الكثير ، وذلك مهم حتى لا تخور الهمم ، وحتى لا تعرض الأمة عن الأخذ بأقوال معاصريها من الأئمة والعلماء ، الذين فاقوا الكثيرين من علماء القرون الأولى ، بعلمهم وصلاحهم واجتهادهم ، وقوة حجتهم ، وبليغ أثرهم في العلم أو الدعوة أو الجهاد ونحو ذلك ، يقول الإمام الشوكاني (1) - رحمه الله تعالى - : وبعد فإنه لما شاع على ألسن جماعة من الرعاع ، اختصاص سلف هذه الأمة بإحراز فضيلة السبق في العلوم دون خلفها ، حتى اشتهر عن جماعة من أهل المذاهب الأربعة تعذر وجود مجتهد بعد المائة السادسة ، كما نقل عن البعض أو بعد المائة السابعة ، كما زعمه آخرون ، وكانت هذه المقالة بمكان من الجهالة لا يخفى على من له أدنى حظ من علم ، وأنزر نصيب من عرفان ، وأحقر حصة من فهم ؛ لأنها قصر للتفضل الإلهي والفيض الرباني على بعض العباد دون البعض ، وعلى أهل عصر دون عصر وأبناء دهر دون دهر ، بدون برهان ولا قرآن ، على أن هذه المقالة المخذولة ، والحكاية المرذولة ، تستلزم خلو هذه الأعصار المتأخرة ، عن قائم بحجج الله ومترجم عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومبين لما شرعه لعباده ، وذلك هو ضياع الشريعة بلا مرية ، وذهاب الدين بلا شك ، وهو تعالى قد تكفل بحفظ دينه ، وليس المراد حفظه في بطون الصحف والدفاتر ؛ بل إيجاد من يبينه للناس في كل وقت ، وعند كل حاجة ، حداني ذلك إلى وضع كتاب يشتمل على تراجم أكابر العلماء ...
__________
(1) كتاب البدر الطالع 1 / 2-3 .(1/61)
صاحب تلك المقالة أن الله وله المنة ، قد تفضل على الخلف كما تفضل على السلف ، بل ربما كان في أهل العصور المتأخرة من العلماء المحيطين بالمعارف العلمية ، على اختلاف أنواعها ؛ من يقل نظيره من أهل العصور المتقدمة .ا.هـ .
الباب الثاني
مصادر المعلومات في علم التراجم والسير . وفيه مبحثان :
المبحث الأول :
كيف تُجْمع الأخبار عن الأعلام ؟
المبحث الثاني :
مصادر التراجم ، وأهم المصنفات فيه .
المبحث الأول :
كيف تجمع الأخبار عن الأعلام ؟
لاشك بأن للمعرفة بالعَلَم والترجمة له مصادر كثيرة ، يستطيع المترجِم أن يستقي معلوماته عنه من خلالها ، فالتاريخ بصفحاته الواسعة ، قد جعل مآثر وبصمات لبعض أولئك الأعلام ، تدل عليهم وترشد إلى ذكرهم ، وللتعريف بالعَلَم وسائل عديدة تُعين الباحث على ذلك ، أذكرها إرشاداً وبياناً للباحثين والمنقبين عن سير الأعلام وتراجم أصحاب السير ، ولنقف معها بشيء من الإيضاح ؛ وذلك على النحو التالي :
1. أقوالهم عن أنفسهم ، وتعريفهم بذواتهم . سواء كان ذلك في كتب لهم خاصة في التعريف بأنفسهم ، أو ما يدونونه من مذكراتهم أو ذكرياتهم ، أو ما يكتبونه لخواصهم من طلابهم أو أبنائهم ، لإيضاح مواقف من حياتهم ، أو ما يسطرونه من أحداث خاصة تتعلق بأشخاصهم ، أو ما يسطرونه من مواقف تجاه أحداث في أعصارهم ، أو ما يرد من ذلك في مصنفاتهم الأخرى ، أو ما ينقله عنهم غيرهم مشافهة ؛ ممن يوثق بنقله عنهم .(1/62)
2. من خلال معايشة صاحب الترجمة ومعرفته ،كمن يكتب عنه أهله وأبناؤه ، أو طلابه ، أو بعض أهل عصره ؛ من محبيه أو من مناوئيه . ويجب التثبت منها ، وخاصة في كلام الأقران بعضهم عن بعض . وأما من بَعُد عنه التهمة كالابن والزوج فيتثبت من صحة النقل عنهم ، ولا شك أن هذا المصدر مصدر مهم للتعريف ؛ لأنه يعطي صورة واقعية غالباً عن المترجَم له ، غير الصورة التي يضعها لنفسه ؛ إذ تعريف العَلَم بنفسه لا يخلو غالباً من أحد أمرين : إما أن يعرف بنفسه تعريفاً ، يصنع لشخصه من خلاله بطولة ومواقف ومآثر يصطنعها ، فلا يخلو قوله عن كلمات التبجيل المصطنع ، والآثار الموهومة ، والنفخ المتضمن لإبراز أعماله ، التي قد لا تكون شيئاً متميزاً عن أعمال كثيرة يؤديها غالب الناس ، وكما قال أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني (1) :
مما يزهدني في أرض أندلس ... أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
أو أن يكون في كتابته عن شخصه ، وذكره لسيرته ؛ متواضعاً أو زاهداً أو تاركاً لذكر مآثره ، فيحط من قدر نفسه ، ويظهر في كتابته عنها ، مربياً لها على الإخلاص والاحتساب وطلب المثوبة من المولى العظيم سبحانه وتعالى ، فهو يبتغي بعمله الله والدار الآخرة .
فكلا الصورتين تحتاج إلى نظرة خارجية ، تزن المقال وتبين الحال ، وهو ما يستفاد من خلال هذه الوسيلة ، التي هي نقل معاصريه وتعريفهم به .
__________
(1) سير أعلام النبلاء 17/144 ، وانظر : مقدمة ابن خلدون : 155 ، 229 ، نفح الطيب 1/214 .(1/63)
ومع أن هذه الوسيلة أيضاً لا تخلوا من وصف محب وإطرائه ، أو من كلام مناوئٍ وحطه ولمزه ، ولكن الأخبار تستقى من هؤلاء وتمحص بالنظر فيها والدراسة لأحوال نقلتها ، مع أن ميزان المؤرخين في النقد دون منهج المحدثين ، وأيسر منه ، إلا أنه مقياس له قوته وله ضوابطه ، يقول الشيخ الألباني (1) رحمه الله تعالى : ( وقد يظن بعضهم أن كل ما يروى في كتب التاريخ والسيرة ، أن ذلك صار جزء لا يتجزأ من التاريخ الإسلامي الرائع ، الذي يتميز عن تواريخ الأمم الأخرى ؛ بأنه هو وحده الذي يملك الوسيلة العلمية لتمييز ما صح منه مما لم يصح، وهي نفس الوسيلة التي يميز بها الحديث الصحيح من الضعيف ، ألا وهو الإسناد الذي قال فيه بعض السلف : لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، ولذلك لما فقدت الأمم الأخرى الوسيلة العظمى ، امتلأ تاريخها بالسخافات والخرافات.).
3. من خلال النقل بالإسناد عن طلابهم ومعاصريهم ، فيورد أخبارهم مَن عايش معاصريهم أو من بعده ، بالسند إلى معاصريهم ، وهذا مصدر شفوي للترجمة ، يتوقف قبوله على حال نقلته .
4. من خلال النقل عن المصادر التي ورد فيها شيءٌ من خبرهم ، سواء كانت هذه المصادر مفقودة في عصرنا ، ونُقِل الخبر عنها في غيرها ، أو كانت موجودة متوفرة ؛ مطبوعة كانت أم مخطوطة ، وهذا هو الذي عليه عمل أكثر المتأخرين ، وسيأتي بيان أنواع هذه المصادر وتقسيماتها ، في المبحث التالي .
5. ما سبق من الوسائل ، تشمل الكلام عن الأعلام بالتعريف المباشر لهم ، وهناك طرق أخرى لجمع المعلومات عن الأعلام منها : معرفة معاصريهم من شيوخهم وتلاميذهم وأقرانهم ، أو من خلال معرفة مواطنهم وبلدانهم ، ومعرفة مدى تأثيرهم في ذلك وتأثرهم به ، فبمعرفة الشيوخ والتلاميذ تتضح بصمات الشيخ وآثاره على الطالب وتأثر طلابه به .
__________
(1) السلسلة الصحيحة 5/331 .(1/64)
6. من خلال معرفة العصر الذي عاشوا فيه ، وأحداثه ، ودورهم في توجيه هذه الأحداث ، أو صنعها أو معالجة آثارها ، أو عدم ظهور دور لهم في ذلك ، وسلبيتهم تجاه ما وقع من مواقف ، أو تورعهم عن الدخول فيها ، أو انشغالهم عنها بجهاد أو رحلة أو حج أو مرض ، إن كانت تلك الأحداث مما حصل في بلادهم ، ولم يكن لهم وجود أثناء ذلك ، إلى غير ذلك من المعلومات التي تقتبس من خلال أمثال هذه الأمور .
7. من خلال الاستقراء لأقوالهم أو مؤلفاتهم أو مواقفهم ، فقد لا يقف الباحث على المعلومة التي يريدها من خلال الوسائل السابقة ، لكنه يقف على أثر المترجَم وشيءٌ من شخصيته ودوره وتأثره وتفاعله واهتماماته ورؤاه ، إلى غير ذلك من معالم شخصيته التي تستشف من خلال ذلك الاستقراء .
وكم من النتائج يتوصل إليها الباحثون في جمع المعلومات عن الأعلام من خلال ذلك ؛ كمعرفة عقائدهم ، ومذاهبهم الفقهية ، وأفكارهم ومناهجهم ، وتوجهاتهم السياسية ، بل وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، وذلك من خلال النظر في آرائهم واجتهاداتهم واهتماماتهم ونحوها ، وهذه تعتبر من أثبت الوسائل في التعريف بالأعلام ، والحكم عليهم عند من لم يعايشهم .
هذه أهم الوسائل التي يستطيع الباحث من خلالها الوقوف على أحوال الأعلام وسيرهم ، وأخبارهم وشخصياتهم .
المبحث الثاني
مصادر تراجم الأعلام وسيرهم ، وأهم المصنفات فيه .
هذه المسألة مرتبطة ارتباطاً ظاهراً بالمبحث السابق ، إذ هي كالتمثيل لما قبلها ، والإيضاح له ، ومصادر التراجم والسير متنوعة ، والمؤلفات في ذلك كثيرة جداً ، ومن الممكن وضع تقسيمات عامة لهذه المصادر ، وسأذكر نماذج من ذلك مع التمثيل له أحياناً ، ولكن ليس المراد هنا إلا الإرشاد إلى نوع المصدر ، وكيفية الاستفادة منه ، دون التفصيل في كيفية ذلك ، أو بيان منهجه ونحو ذلك ؛ فمن التقسيمات لأنواع هذه المصادر ما يلي :(1/65)
1. مصادر تعنى بالرواية ، فموضوعها الأصلي جمع الروايات والأخبار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة ، أو عن غيره ، وقد قدمتها لعظم شأن ما ينقل فيها من الأخبار ، ولسمو مكانة أصحابها – ممن هم مدار البحث والنظر - وهم رواة الحديث النبوي غالباً ، من الصحابة أو التابعين ؛ ككتب المسانيد خاصة، ومعجم الإمام الطبراني ، ونحوها .
2. مصادر تعنى بالرواة ( نقلة الأخبار ) ؛ سواء كانوا من رواة الحديث النبوي ، أم كانوا من الإخباريين والقصاص ، فتعرِّف بهم وتبين حالهم ، وشيوخهم وتلاميذهم ، وتسوق شيئاً من أخبارهم وسيرتهم ، والأنواع في هذا الباب كثيرة ومتنوعة ؛ منها كتب الجرح والتعديل ، وتواريخ الرواة ، ومعرفة الرجال ، مما سيأتي إيضاحه ، في الباب الثالث من هذا البحث .
3. مصادر تعنى بالأخبار والمواقف . فموضوعها جمع مواقف في باب معين أو حول خلق أو عمل ، أو مسألة معينة ، فيورد تحتها أخبار الأعلام ، وينتقي من سيرهم ما يتناسب مع ما اختاره جامعها من عناوين للمواقف التي عناها ، وقصد للجمع فيها ، وهذا النوع من التصنيف يغلب على المعتنين به ، بيان الجوانب الإيجابية من السير ، وإبرازها ليقتدي الناس بها ، ويتأسوا بأصحابها ، وتكون في الغالب من المصنفات المعروفة لدى عامة الناس .
4. مصادر تعنى بالتاريخ وأحداثه ووقائعه ، فتجمع فيها أحداث الزمان متسلسلة غالباً وفق التسلسل التاريخي ، وقد يعتني صاحب الكتاب بالوفيات ؛ فيذكر في رأس كل سنة من مات فيها من الأعلام ويعرف بهم ، مع ذكر شيءٍ من أخبارهم وسيرهم ، أو ترد أخبارهم أثناء سرد أحداث عصرهم الذي عاشوا فيه .
5. ومن مصادر التراجم للأعلام : كتب الأدب والشعر وغيرها ، فهذا النوع من المؤلفات يحوي الكثير من الأخبار والمواقف ، والسير والتراجم ، كما أنها تتضمن ذكر لفتات من مواقف وروايات واختيارات الأدباء والشعراء و غيرهم .(1/66)
6. ومنها المؤلفات المصنفة في جمع الأعلام عامة ، أو الأعلام من أهل علم معين ، وهذه من أكثر المصنفات وجوداً ، وأغزرها مادة في التعريف بالأعلام ، وهي المرجع الأول الذي يتناوله بالنظر من أراد المعرفة عن علم من الأعلام في أي علم كان .
7. ومنها : مؤلفات العَلَم ورواياته إن كان محدثاً أو إخبارياً ، أو ما يروى عنه من الأقوال مشافهة من صدور الرجال ، أو مسطورة في نقل الأئمة والأعلام عنه ، فمآثر العلم مدار الدراسة والبحث هذه ونحوها ، يستفاد منها في معرفة شيءٍ من سيرته ، وهي مرجع لمعرفة شخصيته .
هذه أظهر أنواع المصادر في التعريف بالأعلام ؛ وهذه الأنواع تتوزع إلى أقسام كثيرة ، بحسب موضوعها وما تحتويه ، والهدف الذي صنفت من أجله .
أصناف المؤلفات في باب التراجم والسير :
سأحرص على الإيجاز في هذا الباب لكثرة ما فيه من الأقسام ، ولكني سآتي منها على أهمها ، وأجعلها مندرجة تحت تقسيم عام ؛ إما أنه يتعلق بالرواية والأخبار ، أو الرواة والأعلام .
1. منها : مؤلفات يستفاد منها في الترجمة لعلم واحد ، سواء كان هذا المصدر في باب الرواية والأخبار ، أو باب الرواة والسير والتعريف بالأعلام ، ومن أمثلة ذلك ما يلي :
- في باب الرواية مثاله ، المسانيد المصنفة في جمع مرويات بعض الأئمة في كتاب واحد ، سواءٌ كان من الصحابة كمسانيد الصحابة ؛ مثل : مسند عبد الله بن أبي أوفى – مسند عبد الله بن عمر – مسند الصديق رضي الله تعالى عنهم جميعاً أو كان من الأئمة الأعلام من التابعين وأتباعهم ، ممن جمعت مروياته كمسند الإمام أحمد ومسند عبدالله بن المبارك ومسند أبي داود الطيالسي ، وغير ذلك .(1/67)
_ وفي باب الرواة والأعلام ، ككتاب يتناول تحقيق القول في ترجمة راو ؛ كترجمة الإمام أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي رحمهم الله تعالى ، وكسيرة الفاروق عمر رضي الله عنه ، وسيرة عمر بن عبد العزيز وغيرها ، أو أنه يتناول بالدراسة والتحقيق علمين أو أكثر بينهم تشابه في الاسم والطبقة ونحوها ، كحال السفيانين؛ الثوري وابن عيينة ، والحمادين ، وغير ذلك . والمصنفات في هذا الباب كثيرة .
2. ومنها : مؤلفات تحوي الترجمة لعددٍ من الأعلام يجمعهم وصف واحد ، وتتعدد هذه المصنفات بتعدد الأوصاف : وهذا النوع من المؤلفات كثير الأنواع والتقسيمات ؛ فقد يكون الوصف متعلقاً بـ : بالبلدان كالمصريين والشاميين والبصريين وغيرهم . أو المذاهب العقدية ، كالرافضة والخوارج وأهل السنة ، أو الفقهية ، كالحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، أو بحسب التخصص والاهتمامات ؛ كالأطباء والنحاة والفقهاء عامة ، والشعراء والأدباء والمؤرخين ، والمحدثين ككتب الجرح والتعديل ، أو بحسب المناصب والمكانة الاجتماعية أو السيلسية ؛ كالخلفاء والسلاطين والوزراء والكتَّاب ، أو رجال كتب مخصوصة ، أو يجمعهم وصف خاص ؛ كالمختلطين من الرواة أو المدلسين ، أو الحفاظ والثقات، أو الوضاعين والضعفاء ...إلى غير ذلك من أنواع كثيرة من هذا الضرب . ومن أمثلة ذلك :
ففي باب الرواية : من أمثلة ذلك : مسند الشاميين للطبراني .و( مسند المكيين ، والكوفيين والبصريين والعشرة المبشرين بالجنة ؛ كل هذه جاءت ضمن مسند الإمام أحمد ) .(1/68)
- وفي باب الرواة :رجال الكتب الستة ، ككتاب الكمال للمقدسي ، وتهذيباته ومختصراته والتتمات عليه . ومنها : كتب الثقات ؛ لابن حبان وللعجلي ولابن شاهين ، وكتب الضعفاء للعقيلي وابن عدي والبخاري والنسائي وغيرهم ، وكتاب الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ، لبرهان الدين الحلبي ، أو كتاب بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم ، أو تاريخ بغداد ، أو تاريخ واسط ، تاريخ جرجان ، أو تاريخ سمرقند . أو الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الثقات . لابن الكيال .إلى غير ذلك من المصنفات في هذا الباب .
وفي باب السير والأعلام : ما جمع فيه أهل وصف معين : كتذكرة الحفاظ ، وطبقات الحفاظ ، وطبقات المفسرين ، وطبقات القراء ، وطبقات الأطباء ، والأدباء . و إنباه الرواة بأنباه النحاة ، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ، وصفة الصفوة لابن الجوزي ، والأغاني للأصفهاني .
3. ومنها مؤلفات لأهل فترة زمنية ، يجمع فيها العالم أعيان تلك الحقبة من التاريخ ، ويعرف بهم : ككتاب الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر . وكتاب الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع للسخاوي . والبدر الطالع، بمحاسن من بعد القرن السابع ؛ للشوكاني . وكتاب إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر ، وغيرها .
4. ومنها مؤلفات مصنفة في جمع الأعلام عامة : ففي باب الرواية : مثل : مسند الإمام أحمد ، مسند أبي يعلى الموصلي ، مسند الطيالسي ، معجم الطبراني الكبير .
وفي باب الرواة :مثل : كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، وكتاب التاريخ الكبير للبخاري .
وفي تراجم الأعلام والسير ؛ مثل : كتاب سير أعلام النبلاء ، وكتاب وفيات الأعيان ، وكتاب شذرات الذهب ، والأعلام للزركلي ، وغيرها .
5. ومن المؤلفات التي تستقى منها التراجم : كتب التاريخ والأدب والشعر وغيرها .(1/69)
- فكتب التاريخ العام ، حيث يذكر المؤرخ في كل سنة أشهر من مات فيها من الأعلام ككتاب البداية والنهاية ، وكتاريخ الأمم والملوك للإمام الطبري ، وككتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير ، وغيرها .
- وكتب الأدب والأخبار التي يتناقلها الأدباء ، وما يرد فيها من مواقف لأصحاب التراجم ، ككتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، وكتاب المستطرف في كل فن مستظرف ، والعقد الفريد ، وبهجة المجالس ، وغيرها .
إلى غير ذلك من المصنفات المهمة في هذا الباب ، والتي يعجز عن الحصر لها تصنيف وتقسيم . ...
الباب الثالث
وقفة مختصرة مع عناية المحدثين بعلم التراجم ؛
وفيه مباحث :
المبحث الأول:
تعريف علم معرفة الرواة ، أو الجرح والتعديل. وتاريخ نشأته ، وحكم تعلمه والعمل به ، و أقوالهم في بيان شرفه وأهميته .
المبحث الثاني :
ما تتميز به كتب الرواة عن كتب التراجم عامة
الباب الثالث :
علم التراجم وعناية أهل الحديث به
مدخل :
لعلم التراجم عند المحدثين منزلة خاصة ومكانة مرموقة ، فهم قد عنوا به عناية تختلف عن سواهم ممن صنف في علم التراجم ، والناظر في المؤلفات التي عنيت بذكر رواة الحديث النبوي يرى منهجاً مختلفاً عما سواه من المناهج الأخرى ، ولعلنا نلمح في عجالة إلى شيء من ذلك ، ونترك التفصيل في بيان منهج أهل الحديث بهذا العلم في بحث آخر إنشاء الله تعالى ، لأن المقال فيه سيتناول قضايا عديدة مهمة ، ولهذا أعرض هنا لبعض مما يتعلق بعلم التراجم عند المحدثين ، وسأتناول بالنظر المباحث التالية :
المبحث الأول : تعريف علم معرفة الرواة ، أو ما يعرف عند المحدثين بعلم الجرح و التعديل . وتاريخ نشأته ، حكم تعلمه والعمل به ، و أقوالهم في بيان شرفه وأهميته
المبحث الثاني : ما تتميز به كتب الرواة عندهم ، عن كتب التراجم عامة .
المبحث الأول :(1/70)
تعريف علم معرفة الرواة ،أو الجرح و التعديل . وتاريخ نشأته ، وحكم تعلمه والعمل به ، و أقوالهم في بيان شرفه وأهميته .
عرّف حاجي خليفة (1) هذا العلم بقوله: هو علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة . وقال القنوجي (2) : علم الثقات والضعفاء من رواة الحديث. هو: من أجل نوع، وأفخمه من أنواع علم الأسماء، والرجال، فإنه المرقاة إلى معرفة صحة الحديث، وسقمه.وإلى الاحتياط في أمور الدين، وتمييز مواقع الغلط ، والخطأ في بدء الأصل الأعظم الذي عليه مبنى الإسلام، وأساس الشريعة . وقال (3) : علم الجرح والتعديل : هو: علم يبحث فيه عن جرح الرواة، وتعديلهم، بألفاظ مخصوصة، وعن مراتب تلك الألفاظ.وهذا العلم: من فروع علم رجال الأحاديث .ا.هـ .
وعرَّف الدكتور أكرم العمري (4) هذا العلم بقوله : هو علم يتعلق ببيان مراتب الرواة ، من حيث تضعيفهم أو توثيقهم ، بتعابير فنية كتعارف عليها عند علماء الحديث ، وهي دقيقة الصياغة ومحددة الدلالة ، مما له أهمية في نقد إسناد الحديث .اهـ
فمن هذا يتضح لنا أن هذا العلم علم مختص ببيان أحوال أعلام مخصوصين ؛ هم رجال الحديث ورواة السنة النبوية ، وأيضاً دراسة أحوالهم بصيغة مخصوصة ومنهج مختلف ، في التعريف والترجمة ، تختلف كما سنذكر عن المنهج الذي سار عليه غيرهم ممن صنف في هذا الباب .
__________
(1) كشف الظنون 1/582 .
(2) أبجد العلوم 2/203 .
(3) أبجد العلوم 2/211 .
(4) بحوث في تاريخ السنة 83 .(1/71)
وهذا العلم ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم : فهناك وقائع وأحداث ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تدل على أنه عليه الصلاة والسلام جرَّح وعدَّل بالمعنى العام ، قال يحيى بن معين (1) : أربعة لا تؤنس منهم رشداً ، حارس الدرب ، ومنادى القاضي ، وابن المحدث ، ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث ، ويقول القنوجي (2) رحمه الله : والكلام في الرجال جرحاً وتعديلاً ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم عن كثير من الصحابة، والتابعين.ا.هـ .
بل في كتاب الله تعالى ما يؤكد على هذا الأمر ويؤصله ؛ كما في قول الله تعالى (3) : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {6} " . ثم وجد التمييز لحال النقلة للحديث النبوي وبيان من يقبل حاله منهم ممن يرد نقله ، كما قال الإمام محمد بن سيرين - رحمه الله تعالى – فيما تقدم نقله عنه .
__________
(1) انظر : معرفة علوم الحديث 1/9 ، الرحلة في طلب الحديث 89 ، التدريب 2/144 .
(2) أبجد العلوم 2/211 .
(3) سورة الحجرات .(1/72)
وأول من عني بالتأليف في ذلك من الأئمة الحفاظ شعبة بن الحجاج، ثم تبعه يحيى بن سعيد ، ولكن قال الإمام الذهبي (1) : أول من جمع في ذلك الإمام يحيى بن سعيد القطان، وتكلم فيه بعده تلامذته يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي القلانسي، وأبوخيثمة زهير، وتلامذتهم كأبي زرعة، وأبي حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبي إسحاق الجوزجاني، والنسائي، وابن خزيمة، والترمذي، والدولابي، والعقيلي، وابن عدي، وأبي الفتح الأزدي، والدارقطني، والحاكم، إلى غير ذلك .ا.هـ . وهذا الاختلاف يسير لا يضر ؛ إذ سواءً كان شعبة أو كان يحيى فالأمر يسير ، إنما دل كل ذلك على تقدم العصر في التصنيف في هذا الباب . وقد فصل الإمام ابن حبان (2) - رحمه الله - القول في نشأة هذا العلم بما يسعد الناظر بالوقوف عليه ، فما أحببت نقله لطوله ، ولكني أحيل إليه لمن أراده لأهميته في ذلك .
وقد كثرت المصنفات في هذا الباب ، وتعددت الأنواع وتفنن العلماء والأئمة في التأليف ؛ خدمة للسنة النبوية ، وحياطة للدين ، وحفظاً لمكانة أولئك الأعلام من رواة الحديث النبوي .
حكم تعلمه والعمل به :
أما حكم العلم والعمل بهذا النوع من التصنيف ، فيكفي في الدلالة على ذلك أن نعرف بأن كبار العلماء من أئمة الإسلام ورموز الحضارة الإسلامية ، قد ساهموا فيه ، بين متخصص فيه ومعتن به ، عناية تفوق عنايته بغيره من العلوم الأخرى ، كما كان من الإمام يحيى بن معين ، والإمام يحيى بن سعيد القطان - رحمهما الله تعالى - ، وبين مصنف فيه تصنيفاً مستقلا كما كان من الإمام البخاري، وأحمد وغيرهما - رحمهم الله تعالى - ، وبين متكلم في الرواة جرحاً وتعديلاً ، كما هو شأن جل علماء الحديث - رحمهم الله تعالى - .وقد وردت عبارات الأئمة الكبار في الأمر بالعمل بهذا العلم ، فمن ذلك :
__________
(1) ميزان الاعتدال 1/110 .
(2) كتاب المجروحين ، المقدمة 1/38 فما بعدها .(1/73)
قال يحيى بن سعيد (1) - رحمه الله -: سألت شعبة وسفيان بن سعيد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس ، عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ ؟ ، فقالوا لي جميعا بيِّن أمره .
وجاء في طبقات الحنابلة (2) ؛ عن محمد بن بندار السباك الجرجاني أنه قال : قلت لأحمد بن حنبل رضي الله عنه : إني ليشتد عليَّ أن أقول : فلان ضعيف فلان كذاب . قال أحمد : إذا سكتَ أنت وسكتُ أنا ، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟ .
وقال إبراهيم بن أدهم (3) : إن الله يرفع البلاء عن هذه الأمة ، برحلة أصحاب الحديث ، ولا يحملنه الشره والحرص ، على التساهل في التحمل ، فيخل بشيء من شروطه ، فإن شهوة السماع لا تنتهي ، ونهمة الطلب لا تنقضي ، والعلم كالبحار التي يتعذر كيلها ، والمعادن التي لا ينقطع نيلها .
يقول الإمام الذهبي (4) - رحمه الله - : معرفة الرجال نصف العلم .
وعند استعراض أقوال الأئمة في ذلك نجد أنهم يوجبون العمل به ، ويعدونه من فروض الكفايات ، يقول الإمام قال أبو نعيم (5) - رحمه الله - بعد أن بيّن أن على العالم : أن يبذل مجهوده في معرفة ذلك ، واقتباس سنته وشريعته من الطرق المرضية والأئمة المهدية ، وكان الوصول إلى ذلك متعذر إلا بمعرفة الرواة ، والفحص عن أحوالهم وأديانهم ، والكشف والبحث عن صدقهم وكذبهم وإتقانهم وضبطهم وضعفهم ووهائهم وخطئهم ، وذلك أن الله عز وجل جعل أهل العلم درجات ، ورفع بعضهم على بعض ، ولم يرفع بعضهم إلا وخص من رفعه من دونه بمنزلة سنية ومرتبة بهية ؛ فالمراتب والمنازل منه مواهب اختصهم بها دون الآخرين ، فلذلك وجب التمييز بينهم والبحث عن أحوالهم ، ليعطى كل ذي فضل فضله ، وينزل كل واحد منهم منزلته ، التي أنزله بها الممتن عليه والمنعم لديه .ا.هـ .
__________
(1) العلل ومعرفة الرجال 3/154 .
(2) طبقات الحنابلة 1/287 .
(3) انظر تدريب الراوي 2/144 ، الرحلة في طلب الحديث 89 .
(4) سير أعلام النبلاء 11/48 .
(5) كتاب الضعفاء : 1 / 45 .(1/74)
وقال الحافظ ابن حجر (1) - رحمه الله - معلقاً على ذلك : فامتثل أصحابه -صلى الله عليه وسلم- أمره ، فنقلوا أقواله وأفعاله ونومه ويقظته وغير ذلك ، ثم إن مَن بعد الصحابة تلقوا ذلك منهم ، وبذلوا أنفسهم في حفظه وتبليغه ، وكذلك مَن بعدهم ، إلا أنه دخل فيمن بعد الصحابة في كل عصر قوم ممن ليست له أهلية تبلغه ذلك ، فأخطأوا فيما تحملوا ونقلوا ، ومنهم من تعمد ذلك ، فأقام الله طائفة كثيرة من هذه الأمة للذب عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فتكلموا في الرواة على قصد النصيحة ، ولم يعد ذلك من الغيبة المذمومة ، بل كان ذلك واجبا عليهم وجوب كفاية ، ثم ألف الحفاظ في أسماء المجروحين كتباً كثيرة ، كل منهم على مبلغ علمه ، ومقدار ما وصل إليه اجتهاده .ا.هـ . وفي أبجد العلوم (2) : فمن بعدهم جوز ذلك تورعاً ، وصوناً للشريعة ؛ لا طعناً في الناس ، وكما جاز الجرح في الشهود ، جاز في الرواة ، والتثبت في أمر الدين أولى من التثبت في الحقوق والأموال ، فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلام في ذلك .ا.هـ .
__________
(1) لسان الميزان 1/3 .
(2) 2/211 .(1/75)
وأطال ابن حزم (1) - رحمه الله - في بيان فضل هذه الأمة ، وما خصت به من العناية بمعرفة الرجال ، فكان مما قاله : ما نقله الثقة عن الثقة كذلك حتى يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يخبر كل واحد منهم باسم الذي أخبره ونسبه ، وكلهم معروف الحال والعين والعدالة والزمان والمكان ، على أن أكثر ما جاء هذا المجيء فإنه منقول نقل الكواف إما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، وإما إلى الصاحب ، وأما إلى التابع ، وإما إلى إمام أخذ عن التابع ... وهذا نقل خص الله تعالى به المسلمين ؛ دون سائر أهل الملل كلها ، وبناه عندهم غضا جديدا على قديم الدهور ، منذ أربعمائة عام وخمسين عاما ؛ في المشرق والمغرب والجنوب والشمال ، يرحل في طلبه من لا يحصي عددهم إلا خالقهم إلى الآفاق البعيدة ، ويواظب على تقييده من كان الناقد قريبا منه ، قد تولى الله تعالى حفظه عليهم ، والحمد لله رب العالمين . ثم قال عن اليهود : أنهم لا يقربون فيه – أي نقلهم - من موسى - صلى الله عليه وسلم - كقربنا فيه من محمد صلى الله عليه وسلم ، بل يقفون ولا بد حيث بينهم وبين موسى عليه السلام أزيد من ثلاثين عصرا ، في أزيد من ألف وخمسمائة عام .... قال : وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق وحده فقط ، على أن مخرجه من كذاب قد صح كذبه .اهـ .
وقد بيَّن الإمام المزي (2) - رحمه الله تعالى - صفة من يستحق لقب " الحافظ " فقال : أقل ما يكون ؛ أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم ، أكثر من الذين لا يعرفهم ؛ ليكون الحكم للغاب . اهـ
إن هذه العبارات التي اقتبستها من كلام الأئمة ، تنبئ عن أهمية العناية بهذا العلم والعمل به ، وتدل على شرفه وعظم شأنه ، وقد دللت عباراتهم - رحمهم الله تعالى - على ذلك .
المبحث الثاني :
__________
(1) الفصل في الملل 2/68-69 .
(2) تدريب الراوي 1/30 .(1/76)
ما تتميز به كتب الرواة عن كتب التراجم عامة .
لا شك أن المقارنة بين نوعين من التصنيف تحتاج إلى دراسة تفصيلية استقرائية فاحصة شمولية ، ولكن كما أسلفت بأنني سأشير إلى ذلك مختصراً ؛ لأني سأؤجل التفصيل في ذلك لبحث مستقل إن شاء الله تعالى ، وسبب الاختلاف بينها هو السبب الذي صنف من أجله كل نوع ، فكتب التراجم العامة والوفيات تعنى بسير الأعلام وحياتهم ، بينما كتب تراجم الرواة تعنى ببيان حال الرواة ، ومقدار الاطمئنان لنقلهم من عدمه ، فلذا كان الاختلاف ظاهراً .
فمن أهم ما تتميز به كتب الرواة عن كتب الأعلام العامة ، عنايتها ببيان شخصية الراوي ، والتدقيق في تمييزه عن غيره ممن قد يشابهه ؛ وذلك بذكر الاسم رباعياً أو أزيد من ذلك ، وذكر الكنى والأنساب والألقاب التي ورد ذكرها مصاحبة لروايته في كتب السنة ، والعناية كذلك بذكر شيوخه وتلاميذه مع محاولة الاستيعاب لكل راوٍ منهم ، مع التمييز لنوع التحمل بينهما ، وكذا العناية بأقوال النقاد ، من أئمة الحديث المختصين بذلك ، في بيانهم لحال الراوي من حيث العدالة في الدين والسلوك ، والضبط في الصدر أو الكتاب ، ثم يعنون أيضاً بذكر رحلاته وتنقلاته ، وحاله آخر حياته من ؛ حيث الضبط وعدمه ، ثم يوردون التحقيق في زمن وفاته ومكانها ، ويذكرون غالباً كتب السنة التي وردت روايات له فيها .
وهذه الأوجه التي ذكرنا ، على الغالب وليست مطردة في كل مصنف لأهل الحديث .(1/77)
ومن ناحية ثانية يغفل المصنفون في تراجم الرواة ، ما يرد في سيرة الراوي من المواقف والبطولات والشجاعة والزهد والعبادة ، وما برز فيه من أعمال ، وغيرها مما تمتلئ به كتب التراجم العامة ؛ بل قد يكون عمدة تلك الكتب وأساس تصنيفها ، ولنقف متدبرين لكلام الحافظ ابن حجر في مقدمته لكتابه الحافل تهذيب التهذيب (1) ، حيث قال بعدما بين أهمية تهذيب الكمال للإمام المزي ، وما كان من عمل للإمام الذهبي ، وأنه لم ير أن المراد من التصنيف في باب النقد للرواة محتاج لبعض ما ذكروه ، فقال : ثم رأيت للذهبي كتابا سماه تذهيب التهذيب أطال فيه العبارة ، ولم يعد ما في التهذيب غالباً ، وإن زاد ففي بعض الأحايين ، وفيات بالظن والتخمين ، أو مناقب لبعض المترجمين ، مع إهمال كثير من التوثيق والتجريح ، الذين عليهما مدار التضعيف والتصحيح ، ... فاستخرت الله تعالى في اختصار التهذيب على طريقة أرجو الله أن تكون مستقيمة ؛ وهو أنني اقتصر على مايفيد الجرح والتعديل خاصة ، وأحذف منه ما أطال به الكتاب ، من الأحاديث التي يخرجها من مروياته العالية ، من الموافقات والأبدال ، وغير ذلك من أنواع العلو ؛ فإن ذلك بالمعاجم والمشيخات أشبه منه بموضوع الكتاب ، وإن كان لا يلحق المؤلف من ذلك عتاب ، حاشا وكلا ، بل هو والله العديم النظير ، المطلع النحرير ، لكن العمر يسير ، والزمان قصير ، فحذفت هذا جملة ، وهو نحو ثلث الكتاب .ا.هـ .
فلعلي بهذا المقال الموجز قد بينت على وجه الإجمال الاختلاف بين النوعين ، والفرق بين المنهجين ، والله تعالى أعلى وأعلم .
الخاتمة :
ونختم هذا البحث بالتذكير بأهمية مثل هذه المقالات ، والحاجة المعاصرة لإيضاح هذه الجهود المباركة لعلماء الأمة ، وقد خلصت إلى نتائج مهمة حول ذلك أحببت إيجازها في خاتمة المقال ؛ فمن ذلك :
__________
(1) تهذيب التهذيب 1 / 3-4 .(1/78)
1. أن علوم الإسلام مترابطة ، وعناية الأمة بها كانت موزعة بين أصنافها ، بل كان العلماء يعتنون بأن يكون لدى الواحد منهم دراية بجل العلوم ، فتجد أنهم في بدايات حياتهم العلمية يحرصون على دراسة عدد منها بدأً من القرآن العظيم وحفظه ، ودراية شيءٍ من تفسيره ، ومروراً بالسنة والعناية بها وبأصولها ، وأخذاً بجوانب من العلوم الأخرى كالقراءات والنحو والتاريخ والسير والأدب وغيرها .
ولهذا فإن هذا الترابط هو الذي جعل علم التراجم ، وهو جزءٌ من التاريخ خادم لعلم السنة ومعرفة الحديث النبوي ، ولا يستغني عنه عالم بالشريعة كالفقه والتفسير وغيرها .
2. لعل ما تقدم من الكلام عن نشأة علم التراجم ، وأنه قديم قدم الإنسان في هذه الأرض ، من دلائل قيمته العلمية ومكانته الإنسانية ، وأنه ليس قاصراً على أمة العرب ولا الإسلام ، وإنما هو علم إنساني قديم قدم الإنسان ، ولم أقف على من أشار إلى هذه الحقيقة ، فيما أعلم .
3. ينبغي أن لا يغيب عن ذهن الناظر في حياة البشر ، وفي كتب التراجم الطبيعة البشرية والإنسانية للمترجمين ، فلا يطلب منهم أكثر من طاقتهم البشرية ، ولا يظن بهم العجز والضعف لقدم العهد أو قلة ذات اليد أو ضعف الإمكانيات ؛ ولهذا لا يقدس بشرٌ بسبب قوته أو صلاحه ، ولا يرفع فوق منزلته البشرية ، وأيضاً لا يحتقر إنسان لأي سبب كان ، وذلك لأنه بشر يتصف بخواص البشر من القوة والضعف ، ومن العجز والهمة ، ومن العلو والنزول ، ومن التوفيق أو الخذلان .
4. عناية القرآن الكريم بهذا العلم ظاهرة من خلال الآيات القرآنية الكثيرة التي تحكي سير أعلام صالحين وآخرين من الطغاة والمفسدين ، وما احتواه الكتاب العزيز من حياة أمم ودور صالحيها في ذلك ، ومن هلاك أمم وسبب الهلاك الذي أصابها بسبب مترفيها وطغاتها .(1/79)
ولعلي أختم ذلك بهذه القصة التي ذكرها الإمام أبو العباس الناصري (1) مبيناً أهمية هذا العلم وقيمته ، ومعالجته لإشكالات في تاريخ الأمة كثيرة قال : قال الجلال السيوطي رحمه الله : من فوائد التاريخ واقعة رئيس الرؤساء المشهورة مع يهود ببغداد ؛ وحاصلها أنهم أظهروا رسماً قديماً ، يتضمن أن رسول الله أمر بإسقاط الجزية عن يهود خيبر ، وفيه شهادة جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فرفع الرسم إلى رئيس الرؤساء ، وعظمت حيرة الناس في شأنه ، ثم عرض على الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي رحمه الله ، فتأمله وقال : هذا مزور . فقيل له : بم عرفته ؟ . قال : فيه شهادة معاوية ، وهو إنما أسلم عام الفتح ، سنة ثمان من الهجرة ، وخيبر فتحت سنة سبع ، وفيه شهادة سعد بن معاذ رضي الله عنه ، وهو مات يوم بني قريظة ، وذلك قبل فتح خيبر ، فسرَّ الناس بذلك ، وزالت حيرتهم .ا.هـ .
إنه موقف نباهة وحذق وفطنة من الإمام الخطيب - رحمه الله - ، ولا ضير في ذلك ، فهو إمام عصره في علو الحديث والتثبت من الأخبار النبوية ، ومصنفاته في هذا العلم كثيرة ومتنوعة ، حتى قيل بأن علماء علوم الحديث عيال عليه في هذا الفن . وهي حادثة قد يتكرر مثلها ، وقد يستغفل الناس بمثلها ، فهل يا ترى يكون لمثل هذه الحادثة في الأمة ، مثل أبي بكر الخطيب ؟!! .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
فهرس المصادر والمراجع
1. القرآن العظيم .
2. تذكرة الحفاظ ، لأبي عبد الله الذهبي ، الناشر ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، تحقيق : عبدالرحمن المعلمي .
3. سلسلة الأحاديث الصحيحة ، لمحمد ناصر الدين الألباني ، الناشر مكتبة المعارف ، الرياض .
4. الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التوريخ ، لشمس الدين السخاوي ، دار الكتاب العربي ، بيروت .
__________
(1) كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ص /60 .(1/80)
5. بحوث في تاريخ السنة ، للدكتور أكرم ضياء العمري ، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت ، الطبعة الرابعة .
6. طبقات الحنابلة ، لمحمد بن أبي يعلى أبي الحسين ، الناشر : دار المعرفة ، بيروت، تحقيق : محمد حامد الفقي .
7. كتاب الاستقامة ، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبي العباس ، الناشر : جامعة الإمام محمد بن سعود، المدينة المنورة ، 1403 ، الطبعة الأولى ، تحقيق : د. محمد رشاد سالم .
8. كتاب الأغاني ، لأبي الفرج الأصفهاني ، الناشر : دار الفكر ، بيروت ، الطبعة: الثانية ، تحقيق : سمير جابر .
9. المعجم الكبير ، لأبي القاسم الطبراني ، الناشر : مكتبة العلوم والحكم ، الموصل، 1404 - 1983 ، الطبعة: الثانية ، تحقيق : حمدي بن عبدالمجيد السلفي .
10. الفصل في الملل والأهواء والنحل ، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الطاهري أبي محمد ، الناشر : مكتبة الخانجي ، القاهرة .
11. أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم، لصديق بن حسن القنوجي، دار الكتب العلمية،بيروت ،1978 ، تحقيق :عبد الجبار زكار .
12. البداية والنهاية ، لابن كثير القرشي أبو الفداء ، مكتبة المعارف ، بيروت .
13. البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، لمحمد بن علي الشوكاني ،دار المعرفة ،بيروت .
14. تاريخ الأمم والملوك ، لمحمد بن جرير الطبري ، دار الكتب العلمية ،بيروت ،1407 ، الطبعة :الأولى .
15. تاريخ الخلفاء ، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، مطبعة السعادة ،مصر ،1371هـ - 1952م ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :محمد محي الدين عبد الحميد .
16. تاريخ بغداد ، لأحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي ، دار الكتب العلمية ،بيروت .
17. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ، لعبد الرحمن بن حسن الجبرتي ، دار الجيل ،بيروت .(1/81)
18. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ، لشمس الدين السخاوي ، دار الكتب العلمية ،بيروت ،1993 ، الطبعة :الأولى .
19. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ، للسيوطي ،مكتبة الرياض الحديثة، الرياض ، تحقيق :عبد الوهاب عبد اللطيف .
20. تذكرة الحفاظ ، لمحمد بن طاهر بن القيسراني ،دار الصميعي ،الرياض ،1415 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :حمدي عبد المجيد إسماعيل السلفي .
21. تهذيب التهذيب ، لأحمد بن علي بن حجر أبي الفضل العسقلاني الشافعي ، دار الفكر ،بيروت ،1404 – 1984 ، الطبعة :الأولى .
22. تهذيب الكمال ، لأبي الحجاج المزي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،1400 – 1980 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :د. بشار عواد معروف .
23. جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، للطبري ،دار الفكر ،بيروت ،1405 .
24. الجامع الصحيح المختصر ، لمحمد بن إسماعيل أبي عبدالله البخاري الجعفي ،دار ابن كثير , اليمامة ،بيروت ،1407 – 1987 ، الطبعة :الثالثة ، تحقيق :د. مصطفى ديب البغا .
25. الجامع الصحيح ؛ سنن الترمذي ، لمحمد بن عيسى أبي عيسى الترمذي السلمي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ، تحقيق :أحمد محمد شاكر وآخرون .
26. الجامع لأحكام القرآن ، لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي ،دار الشعب ، القاهرة ،1372 ، الطبعة :الثانية ، تحقيق :أحمد عبد العليم البردوني .
27. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، للخطيب البغدادي ، مكتبة المعارف، الرياض ،1403 ، تحقيق :د. محمود الطحان .
28. الجواهر المضية في طبقات الحنفية ، لعبد القادر بن أبي الوفاء محمد بن أبي الوفاء القرشي أبي محمد ،مير محمد كتب خانه ،كراتشي .
29. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،1405 ، الطبعة :الرابعة .
30. الرحلة في طلب الحديث ، للخطيب البغدادي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،1395 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :نور الدين عتر .(1/82)
31. الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المصنفة ، لمحمد بن جعفر الكتاني، دار البشائر الإسلامية ،بيروت ،1406 – 1986 ، الطبعة :الرابعة ، تحقيق : محمد المنتصر محمد الزمزمي الكتاني .
32. سنن أبي داود ، لسليمان بن الأشعث أبي داود السجستاني الأزدي ،دار الفكر ، تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد .
33. سنن ابن ماجه ، لمحمد بن يزيد أبي عبدالله القزويني ، دار الفكر ،بيروت ، تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي .
34. سنن الدارمي ، لعبدالله بن عبدالرحمن أبي محمد الدارمي ،دار الكتاب العربي، بيروت ،1407 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :فواز أحمد زمرلي , خالد السبع العلمي .
35. سير أعلام النبلاء ، لمحمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي أبي عبد الله ، مؤسسة الرسالة ،بيروت ،1413 ، الطبعة :التاسعة ، تحقيق :شعيب الأرناؤوط, محمد نعيم العرقسوسي .
36. شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، لعبد الحي بن أحمد العكري الدمشقي ، دار الكتب العلمية ،بيروت .
37. الشماريخ في علم التاريخ ، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ،الدار السلفية، الكويت ،1399 ، تحقيق :محمد بن إبراهيم الشيباني .
38. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ، لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،1414 – 1993 ، الطبعة :الثانية ، تحقيق :شعيب الأرنؤوط .
39. صحيح ابن خزيمة ، لمحمد بن إسحاق بن خزيمة أبي بكر السلمي ، المكتب الإسلامي ،بيروت ،1390 – 1970 ، تحقيق :د. محمد مصطفى الأعظمي .
40. صحيح مسلم ، لمسلم بن الحجاج أبي الحسين القشيري النيسابوري ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ، تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي .
41. الضعفاء ، لأحمد بن عبد الله بن أحمد أبي نعيم الأصبهاني الصوفي ،دار الثقافة، الدار البيضاء ،1405 – 1984 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :فاروق حمادة .(1/83)
42. طبقات الحفاظ ، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي أبي الفضل ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،1403 ، الطبعة :الأولى .
43. العلل ومعرفة الرجال ، لأحمد بن حنبل أبي عبدالله الشيباني ،المكتب الإسلامي, دار الخاني ،بيروت , الرياض ،1408 – 1988 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :وصي الله بن محمد عباس .
44. فتح الباري شرح صحيح البخاري ، لأحمد بن علي بن حجر أبي الفضل العسقلاني الشافعي ،دار المعرفة ،بيروت ،1379 ، تحقيق :محمد فؤاد عبدالباقي, محب الدين الخطيب .
45. الفهرست ، محمد بن إسحاق أبو الفرج النديم ،دار المعرفة ،بيروت ،1398 – 1978 .
46. الكامل في التاريخ ، لمحمد بن محمد بن عبد الواحد الشيباني ، دار الكتب العلمية ،بيروت ،1415 – 1995 ، الطبعة :الثانية ، تحقيق :أبي الفداء عبد الله القاضي .
47. الكامل في ضعفاء الرجال ، لعبدالله بن عدي الجرجاني ،دار الفكر ،بيروت ،1409 – 1988 ، الطبعة :الثالثة ، تحقيق :يحيى مختار غزاوي .
48. كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ، لأبي العباس أحمد بن خالد الناصري ،دار الكتاب ،الدار البيضاء ،1997 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :جعفر الناصري و محمد الناصري .
49. كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ، لشهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،1997 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :إبراهيم الزيبق .
50. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، لمصطفى بن عبدالله القسطنطيني الرومي الحنفي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،1413 – 1992 .
51. الكفاية في علم الرواية ، للخطيب البغدادي ،المكتبة العلمية ،المدينة المنورة ، تحقيق :أبو عبدالله السورقي , إبراهيم حمدي المدني .
52. لسان الميزان ، لا بن حجر العسقلاني ،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ،بيروت 1406 – 1986 ، الطبعة :الثالثة ، تحقيق :دائرة المعرف النظامية - الهند .(1/84)
53. المجتبى من السنن ، لأحمد بن شعيب أبي عبد الرحمن النسائي ،مكتب المطبوعات الإسلامية ،حلب ،1406 – 1986 ، الطبعة :الثانية ، تحقيق عبدالفتاح أبو غدة .
54. المجروحين ، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي ، دار الوعي ،حلب ، تحقيق محمود إبراهيم زايد .
55. المستدرك على الصحيحين ، لمحمد بن عبدالله أبي عبدالله الحاكم النيسابوري ، دار الكتب العلمية ،بيروت ،1411 – 1990 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا .
56. مسند الإمام أحمد بن حنبل ، لأحمد بن حنبل أبي عبدالله الشيباني ،مؤسسة قرطبة ،مصر .
57. معرفة علوم الحديث ، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،1397هـ - 1977م ، الطبعة :الثانية ، تحقيق السيد معظم حسين .
58. المقدمة ، لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي ،دار القلم ،بيروت ،1984 ، الطبعة :الخامسة .
59. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، لعبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبي الفرج ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،1412 – 1992 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :محمد و مصطفى عبد القادر عطا .
60. موطأ الإمام مالك ، لمالك بن أنس أبي عبدالله الأصبحي ،دار إحياء التراث العربي ،مصر ، تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي .
61. ميزان الإعتدال في نقد الرجال ، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،1995 ، الطبعة :الأولى ، تحقيق :الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبدالموجود .
62. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، لجمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغرى بردى الأتابكي ،المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، مصر .
63. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، لأحمد بن محمد المقري التلمساني ، دار صادر ،بيروت ،1968 ، تحقيق :د.إحسان عباس .
فهرس الآيات القرآنية .
الآية ... السورة ورقم الآية ... الصفحة(1/85)
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ... البقرة 137 ... 47
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ... البقرة 213 ... 12
إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... البقرة 243 ... 10
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ ... آل عمران 137-138 ... 50
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم ... النساء 1 ... 9
يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ... النساء 28 ... 10
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ ... المائدة 27 ... 31
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ ... المائدة 27-31 ... 27
وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ... المائدة 49 ... 13
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ ... الأنعام 116 ... 13
تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا ... الأعراف 101 ... 23
وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ ... الأعراف 127 ... 46
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ... الأعراف 175 ... 31
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ... الأعراف 176 ... 31
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ... الأعراف 176 ... 38
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... الأعراف172-174 ... 8
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ... الأنفال 49 ... 29
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ ... التوبة 64-66 ... 29
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... التوبة 79 ... 29
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ ... التوبة 81-85 ... 29
وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ... يونس 92 ... 13
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى ... هود 102-103 ... 37
وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ ... هود 120 ... 23
وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ ... هود 120 ... 25
وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ ... هود 120 ... 44(1/86)
تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ... هود 49 ... 44
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ... يوسف 111 ... 23
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ... يوسف 111 ... 25
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ ... يوسف 111 ... 37
المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ... الرعد 1 ... 13
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ ... الحجر 26 ... 9
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ... الحجرات 6 ... 20
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ... الحجرات 6 ... 66
قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ... الإسراء 100 ... 13
وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ ... الإسراء 11 ... 12
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ... الإسراء 70 ... 7
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ... الإسراء 89 ... 11
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ... الكهف 13-14 ... 27
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ... الكهف 54 ... 14
خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ... الأنبياء 37 ... 12
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ ... الحج 5-6 ... 9
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ... المؤمنون12-16 ... 10
وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ... الروم 6-8 ... 12
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ... السجدة 7-9 ... 10
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ ... يس 77 ... 14
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ ... يس 77-83 ... 30
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ... غافر 26 ... 45
وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ... غافر 28-46 ... 26
إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... غافر 61 ... 10
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ ... غافر78 ... 26(1/87)
لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ ... فصلت49-51 ... 14
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ... الأحقاف 15 ... 10
وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ... القمر 4-5 ... 25
وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ... القمر 4-5 ... 37
وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ... القمر 4-5 ... 37
خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ... الرحمن 14 ... 9
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ... الرحمن 26-27 ... 42
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ ... المنافقون 7 ... 29
قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي ... نوح 21-24 ... 19
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ... الإنسان 1-3 ... 8
قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ... عبس 17-23 ... 11
فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ... الطارق 5-7 ... 10
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ... البلد 4-10 ... 13
كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ... العلق 6-7 ... 14
كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ... العلق 6-7 ... 15
وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ... العصر ... 12
فهرس الأحاديث والآثار
الحديث أو الأثر ... الراوي ... الصفحة
إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ ... عائشة ... 20
إن الشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم ... صفية ... 11
إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَقُولُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ ... أبو هريرة ... 8
جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم ... عبدالله بن عباس ... 30
حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ... عبدالله بن عمرو ... 32
خبر الأقرع والأبرص ... أبو هريرة ... 32
خبر التائب ؛ قاتل المائة ... أبو سعيد الخدري ... 32
خبر الغلام المؤمن ؛ غلام الأخدود ... صهيب ... 32
خبر النفر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار ... عبدالله بن عمر ... 31
رحم الله امروءً أهدى إليَّ عيوبي ... عمر بن الخطاب ... 5(1/88)
صَارَتْ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ ... عبدالله بن عباس ... 19
على رسلكما إنها صفية بنت حيي ... صفية ... 11
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم معتكفاً فأتيته أزوره ... صفية ... 11
كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاّهُ الّذِي يُصَلّي فِيهِ الصّبْحَ ... جابر بن سمرة ... 33
لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ ... أنس ... 14
مَنْ حَدّثَ عَنّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنّهُ كَذِبٌ ... سمرة بن جندب ... 36
مَنْ حَدّثَ عَنّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنّهُ كَذِبٌ ... المغيرة ... 36
نعم. يبعث الله هذا، ثم يميتك ، ثم يحييك ... عبدالله بن عباس ... 30
فهرس الموضوعات .
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 4
التمهيد ... 7
الباب الأول : علم التراجم ؛ وفيه مباحث : ... 16
المبحث الأول :المراد به ، ونشأته . ... 17
المبحث الثاني : أهمية دراسته . ... 22
المبحث الثالث : من ثمار وفوائد دراسته . ... 34
الباب الثاني : مصادر المعلومات في علم التراجم والسير . وفيه مبحثان : ... 53
المبحث الأول : كيف تُجْمع الأخبار عن الأعلام ؟ ... 54
المبحث الثاني : مصادر التراجم ، وأهم المصنفات فيه . ... 58
أصناف المؤلفات في باب التراجم والسير : ... 60
الباب الثالث : وقفة مختصرة مع عناية المحدثين بعلم التراجم ... 63
المبحث الأول: مدخل ... 64
تعريف علم معرفة الرواة ، أو الجرح و التعديل . وتاريخ نشأته ، وحكم تعلمه والعمل به ، و أقوالهم في بيان شرفه وأهميته . ... 65
حكم تعلمه والعمل به : ... 67
المبحث الثاني : ما تتميز به كتب الرواة عن كتب التراجم عامة . ... 71
الخاتمة ... ... 73
الفهارس العلمية ... 76
المصادر والمراجع ... 77
فهرس الآيات القرآنية ... 83
فهرس الأحاديث والآثار ... 86
فهرس الموضوعات ... 87(1/89)