طبقات الصوفية ويليه ذكرالنسوة المتعبدات الصوفيات
____________________
(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة
الحمد لله الذي أظهر آثار قدرته وأنوار عزته في كل وقت وزمان وحين وأوان وعمر كل عصر من الأعصار بنبي مبعوث يدل الخلق ويرشدهم إليه إلى أن ختم الأنبياء والرسل بالنبي الأشرف والرسول الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع أنبياء الله ورسله
وأتبع الأنبياء عليهم السلام بالأولياء يخلفونهم في سننهم ويحملون أمتهم على طريقتهم وسمتهم فلم يخل وقتا من الأوقات من داع إليه بحق أو دال عليه ببيان وبرهان
وجعلهم طبقات في كل زمان فالولي يخلف الولي باتباع آثاره والاقتداء بسلوكه فيتأدب بهم المريدون ويأتسي بهم الموحدون قال الله تعالى { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء } الآية الفتح 25
وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ) ثم الذين يلونهم الحديث
وقال صلى الله عليه وسلم ( مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره )
____________________
(1/20)
فعلم صلى الله عليه وسلم أن آخر أمته لا يخلو من أولياء وبدلاء يبينون للأمة ظواهر شرائعه وبواطن حقائقه ويحملونهم على آدابها ومواجبها إما بقول أو بفعل
فهم في الأمم خلفاء الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وهم أرباب حقائق التوحيد والمحدثون وأصحاب الفراسات الصادقة والآداب الجميلة والمتبعون لسنن الرسل صلوات الله عليهم أجمعين إلى أن تقوم الساعة
ولذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا يزال في أمتي أربعون على خلق إبراهيم الخليل عليه السلام إذا جاء الأمر قبضوا )
وقد ذكرت في كتاب الزهد من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين قرنا فقرنا وطبقة فطبقة إلى أن بلغت النوبة إلى أرباب الأحوال المتكلمين على لسان التفريد وحقائق التوحيد واستعمال طرق التجريد فأحببت أن أجمع في سير متأخري الأولياء كتابا أسميه طبقات الصوفية أجعله على خمس طبقات من أئمة القوم ومشايخهم وعلمائهم فأذكر في كل طبقة عشرين شيخا من أئمتهم الذين كانوا في زمان واحد أو قريب بعضهم من بعض وأذكر لكل واحد من كلامه وشمائله وسيرته ما يدل على طريقته وحاله وعلمه بقدر وسعى وطاقتي
وهذا بعد أن استخرت الله تعالى في ذلك وفي جميع أموري وبرئت فيه من حولي وقوتي وسألته أن يعينني عليه وعلى كل خير ويوفقني له ويجعلني من أهله و صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم كثيرا
____________________
(1/21)
الطبقة الأولى
1 منهم الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي ثم اليربوعي
خراساني من ناحية مرو من قرية يقال لها فندين كذلك ذكره إبراهيم ابن الأشعث صاحبه فيما أخبرنا به يحيى بن محمد العكرمي بالكوفة قال سمعت الحسين بن محمد بن الفرزدق بمصر قال سمعت أحمد بن حموك قال سمعت نصر بن الحسين البخاري قال سمعت إبراهيم بن الأشعث يذكر ذلك
وذكر إبراهيم بن شماس أنه ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد
____________________
(1/22)
كذلك سمعت أحمد بن محمد بن رميح يقول سمعت إبراهيم بن نصر الضبي بسمرقند يقول يقول سمعت محمدا بن علي بن الحسن بن شقيق يقول سمعت إبراهيم بن شماس قال سمعت الفضيل بن عياض يقول ولدت بسمرقند ونشأت بأبيورد ورأيت بسمرقند عشرة آلاف جوزة بدرهم
سمعت أبا محمد السمرقندي يقول سمعت السراج يقول سمعت الجوهري يقول حدثني أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض قال أبى فضيل ابن عياض بن مسعود بن بشر يكنى بأبي علي من بني تميم من بني يربوع من أنفسهم ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد والأصل من الكوفة
وقال عبد الله بن محمد بن الحارث فضيل بن عياض بخاري الأصل والله أعلم
مات في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة وأسند الحديث
أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال أخبرنا الحسين بن داود البلخي قال أخبرنا فضيل بن عياض قال أخبرنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقول الله تعالى للدنيا يا دنيا مري على أوليائي ولا تحلولي لهم فتفتنيهم )
____________________
(1/23)
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الرازي قال سمعت محمدا بن نصر بن منصور الصائغ قال سمعت مردويه الصائغ قال سمعت الفضيل بن عياض يقول من يجلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة
قال وسمعت الفضيل يقول في آخر الزمان أقوام يكونون إخوان العلانية أعداء السريرة
وبه قال سمعت الفضيل يقول أحق الناس بالرضا عن الله أهل المعرفة بالله عز وجل
قال وسمعت الفضيل يقول لا ينبغي لحامل القرآن أن يكون له إلى خلق حاجة لا إلى الخلفاء فمن دونهم ينبغي أن تكون حوائج الخلق كلهم إليه
قال وسمعت الفضيل يقول لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة وإنما أدرك بسخاء الأنفس وسلامة الصدر والنصح للأمة
قال وسمعت الفضيل يقول لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق وطلب الحلال
قال وسمعت الفضيل يقول أصل الزهد الرضا عن الله تعالى
____________________
(1/24)
قال وسمعته يقول من عرف الناس استراح
قال وسمعته يقول إني لا أعتقد إخاء الرجل في الرضا ولكني أعتقد إخاءه في الغضب إذا أغضبته
سمعت عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري قال حدثنا أبو محمد بن الراجيان قال حدثنا فتح بن شخرف قال حدثنا عبد الله بن خبيق قال قال الفضيل تباعد من القراء فإنهم إن أحبوك مدحوك بما ليس فيك وإن أبغضوك شهدوا عليك وقبل منهم
سمعت محمدا بن الحسن بن خالد البغدادي بنيسابور يقول سمعت أحمد بن محمد ابن صالح يقول حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إسماعيل بن يزيد حدثنا إبراهيم قال سألت الفضيل بن عياض عن التواضع فقال أن تخضع للحق وتنقاد له وتقبل الحق من كل من تسمعه منه
سمعت عبيد الله بن عثمان يقول سمعت محمدا بن الحسين يقول سمعت المروزي يقول سمعت بشرا بن الحارث يقول قال الفضيل بن عياض أشتهي مرضا بلا عواد
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني قال سمعت زنجويه ابن الحسن اللباد قال حدثنا علي بن الحسن الهلالي قال حدثنا إبراهيم بن
____________________
(1/25)
الأشعث قال سمعت الفضيل بن عياض يقول إن فيكم خصلتين هما من الجهل الضحك من غير عجب والتصبح من غير سهر
قال وسمعته يقول من أظهر لأخيه الود والصفاء بلسانه وأضمر له العداوة والبغضاء لعنه الله فأصمه وأعمى بصيرة قلبه
قال وسمعت الفضيل بن عياض يقول في قول الله تعالى { إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين } الآية { الأنبياء } لذين يحافظون على الصلوات الخمس
قال وسمعته يقول كان يقال جعل الشر كله في بيت وجعل مفتاحه الرغبة في الدنيا وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا
قال وسمعته يقول من كف شره فما ضيع ما سره
وبه قال الفضيل ثلاث خصال تقسي القلب كثرة الأكل وكثرة النوم وكثرة الكلام
قال وسمعت الفضيل يقول خير العمل أخفاه وأمنعه من الشيطان وأبعده من الرياء
قال وسمعته يقول إن من شكر النعمة أن نحدث بها
وبه قال الفضيل أبى الله إلا أن يجعل أرزاق المتقين من حيث لا يحتسبون
وبه قال الفضيل لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له
____________________
(1/26)
وبه قال طوبى لمن استوحش من الناس وأنس بربه وبكى على خطيئته
ومنهم ذو النون بن إبراهيم المصري أبو الفيض ويقال ثوبان ابن إبراهيم وذو النون لقب ويقال الفيض بن إبراهيم
سمعت عليا بن عمر بن أحمد بن مهدي الحافظ ببغداد يقول أخبرني الحسين بن أحمد بن الماذرائي قال قرأ علي أبو عمر الكندي في كتابه أعيان الموالي فذكر فيه ومنهم ذو النون بن إبراهيم الأخميمي مولى لقريش وكان أبوه إبراهيم نوبيا
توفي سنة خمس وأربعين ومائتين كذلك أخبرني علي بن عمر أخبرني الحسن بن رشيق المصري إجازة حدثني جبلة بن محمد الصدفي حدثنا عبد الله بن سعيد بن كثير ابن عفير بذلك
وقيل مات سنة ثمان وأربعين
____________________
(1/27)
وأسند الحديث أخبرنا عبد الله بن الحسين بن إبراهيم الصوفي أخبرنا محمد بن حمدون بن مالك البغدادي أخبرنا الحسن بن أحمد بن المبارك وأخبرنا أحمد بن صليح الفيومي أخبرنا ذو النون المصري عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت العباس بن عبد الله الواسطي قال سمعت إبراهيم بن يونس يقول سمعت ذا النون يقول إياك تكون بالمعرفة مدعيا أو تكون بالزهد محترفا أو تكون بالعبادة متعلقا
وبه قال سمعت ذا النون وسئل ما أخفى الحجاب وأشده قال رؤية النفس وتدبيرها
____________________
(1/28)
أخبرنا الحسن بن رشيق إجازة قال حدثنا علي بن يعقوب بن سويد الوراق حدثنا محمد بن إبراهيم البغدادي حدثنا محمد بن سعيد الخوارزمي قال سمعت ذا النون وسئل عن المحبة قال أن تحب ما أحب الله وتبغض ما أبغض الله وتفعل الخير كله وترفض كل ما يشغل عن الله وألا تخاف في الله لومة لائم مع العطف للمؤمنين والغلظة على الكافرين واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان الرازي يقول سمعت يوسف ابن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول قال الله تعالى ( من كان لي مطيعا كنت له وليا فليثق بي وليحكم علي فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها له )
أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب إجازة أن عبد الله بن محمد بن ميمون حدثهم قال سألت ذا النون عن الصوفي فقال من إذا نطق أبان نطقه عن الحقائق وإن سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق
وبه قال سمعت ذا النون يقول الأنس بالله من صفاء القلب مع الله والتفرد بالله الانقطاع من كل شيء سوى الله
سمعت أبا عثمان سعيد بن أحمد بن جعفر يقول سمعت محمد بن أحمد ابن محمد بن سهل يقول سمعت سعيد بن عثمان الخياط يقول سمعت ذا
____________________
(1/29)
النون يقول من أراد التواضع فليوجه نفسه إلى عظمة الله فإنها تذوب وتصفو ومن نظر إلى سلطان الله ذهب سلطان نفسه لأن النفوس كلها فقيرة عند هيبته
قال وسمعت سعيد بن عثمان يقول سمعت ذا النون يقول لم أر أجهل من طبيب يداوي سكران في وقت سكره لن يكون لسكره دواء حتى يفيق فيداوى بالتوبة
وبه قال سمعت ذا النون يقول لم أر شيئا أبعث لطلب الإخلاص من الوحدة لأنه إذا خلا لم ير غير الله تعالى فإذا لم ير غيره لم يحركه إلا حكم الله ومن أحب الخلوة فقد تعلق بعمود الإخلاص واستمسك بركن كبير من أركان الصدق
وبه قال سمعت ذا النون يقول من علامات المحبة لله متابعة حبيب الله في أخلاقه وأفعاله وأمره وسننه
وسمعته يقول إذا صح اليقين في القلب صح الخوف فيه
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت العباس بن يوسف يقول سمعت سعيد بن عثمان يقول أنشدني ذو النون
____________________
(1/30)
( أموت وما ماتت إليك صبابتي ** ولا قضيت من صدق حبك أوطاري )
( مناي المنى كل المنى أنت لي مني ** وأنت الغني كل الغنى عند إقتاري )
( وأنت مدى سؤلي وغاية رغبتي ** وموضع آمالي ومكنون إضماري )
( تحمل قلبي فيك ما لا أبثه ** وإن طال سقمي فيك أو طال إضراري )
( وبين ضلوعي منك ما لك قد بدا ** ولم يبد باديه لأهل ولا جار )
( وبي منك في الأحشاء داء مخامر ** وقد هدمني الركن وانبث إسراري )
( ألست دليل الركب إن هم تحيروا ** ومنقذ من أشفى على جرف هاري )
( أنرت الهدى للمهتدين ولم يكن ** من النور في أيديهم عشر معشار )
( فنلني بعفو منك أحيا بقربه ** اغثني بيسر منك يطرد إعساري )
قال وسمعت ذا النون يقول لئن مددت يدي إليك داعيا لطالما كفيتني ساهيا أأقطع منك رجاي بما عملت يداي حسبي من سؤالي علمك بحالي
وبه قال ذو النون كل مدع محجوب بدعواه عن شهود الحق لأن الحق شاهد لأهل الحق لأن الله هو الحق وقوله الحق ولا يحتاج أن يدعي إذا كان الحق شاهدا له فأما إذا كان غائبا فحينئذ يدعى وإنما تقع الدعوى للمحجوبين
____________________
(1/31)
وبه قال ذو النون من أنس بالخلق فقد استمكن من بساط الفراعنة ومن غيب عن ملاحظة نفسه فقد استمكن من الإخلاص ومن كان حظه في الأشياء هو لا يبالي ما فاته مما هو دونه
سمعت أبا الحسن علي بن محمد القزويني يقول سمعت علي بن أحمد ابن محمد البزناني يقول سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت فارسا يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول الصدق سيف الله في أرضه ما وضع على شيء إلا قطعه
وبإسناده قال ذو النون من تزين بعمله كانت حسناته سيئات
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت فارسا يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول بأول قدم تطلبه تدركه وتجده
____________________
(1/32)
وبإسناده قال سمعت ذا النون يقول أدنى منازل الأنس أن يلقى في النار فلا يغيب همه عن مأموله
سمعت أبا سعيد أحمد بن محمد بن رميح الحافظ يقول سمعت أبا يعلى ابن خلف يقول سمعت ابن البرقي يقول سمعت ذا النون يقول الأنس بالله نور ساطع والأنس بالخلق غم واقع
سمعت نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب العطار يقول سمعت أبا محمد البلاذري يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول لله عباد تركوا الذنب استحياء من كرمه بعد أن تركوه خوفا من عقوبته ولو قال لك اعمل ما شئت فلست آخذك بذنب كان ينبغي أن يزيدك كرمه استحياء منه وتركا لمعصيته إن كنت حرا كريما عبدا شكورا فكيف وقد حذرك
وبإسناده قال ذو النون الخوف رقيب العمل والرجاء شفيع المحن
وبإسناده قال ذو النون اطلب الحاجة بلسان الفقر لا بلسان الحكم
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت الحسن بن سهل بن عاصم يقول سمعت علي بن عبد الله الكرجي يقول سمعت ذا النون يقول مفتاح العبادة الفكرة وعلامة الهوى متابعة الشهوات وعلامة التوكل انقطاع المطامع
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت فارسا يقول سمعت
____________________
(1/33)
يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول كان لي صديق فقير فمات فرأيته في النوم فقلت له ما فعل الله بك قال قال لي قد غفرت لك بترددك إلى هؤلاء السفل أبناء الدنيا في رغيف قبل أن يعطوك
سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي يقول سمعت أبا الفضل العباس بن حمزة قال سمعت ذا النون يقول كان الرجل من أهل العلم يزداد بعلمه بغضا للدنيا وتركا لها واليوم يزداد الرجل بعلمه للدنيا حبا ولها طلبا وكان الرجل ماله على علمه واليوم تكسب الرجل بعلمه مالا وكان يرى على صاحب العلم زيادة في باطنه وظاهره واليوم يرى على كثير من أهل العلم فساد الباطن والظاهر
سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الفارسي يقول سمعت فارسا يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول العارف كل يوم أخشع لأنه كل ساعة أقرب
قال وسمعت ذا النون يقول يا معشر المريدين من أراد منكم الطريق فليلق العلماء بالجهل والزهاد بالرغبة وأهل المعرفة بالصمت
سمعت أبا جعفر الرازي يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت ذا النون يقول إن العارف لا يلزم حالة واحدة إنما يلزم ربه في الحالات كلها
____________________
(1/34)
3 ومنهم إبراهيم بن أدهم أبو إسحاق
من أهل بلخ كان من أبناء الملوك والمياسير خرج متصيدا فهتف به هاتف أيقظه من غفلته فترك طريقته في التزين بالدنيا ورجع إلى طريقة أهل الزهد والورع خرج إلى مكة وصحب بها سفيان الثوري والفضيل ابن عياض
ودخل الشام فكان يعمل فيه ويأكل من عمل يده وبها مات وأسند الحديث
أخبرنا عبد الله بن موسى بن الحسن السلامي بمرو قال حدثنا لاحق
____________________
(1/35)
ابن الهيثم اللاحقي قال حدثنا الحسن بن عيسى الدمشقي قال حدثنا محمد بن فيروز المصري قال حدثنا بقية قال حدثنا إبراهيم بن آدم عن أبيه أدهم بن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور العمامة
سمعت أبا العباس محمد بن الحسن بن الخشاب قال حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري قال حدثني أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز قال حدثنا إبراهيم بن بشار قال صحبت إبراهيم بن أدهم
____________________
(1/36)
بالشام أنا وأبو يوسف الغسولي وأبو عبد الله السنجاري فقلت يا ابا إسحاق خبرني عن بدء أمرك كيف كان قال كان أبي من ملوك خراسان وكنت شابا فركبت إلى الصيد فخرجت يوما على دابة لي ومعي كلب فأثرت أرنبا أو ثعلبا فبينا أنا أطلبه إذا هتف بي هاتف لا أراه فقال يا إبراهيم ألهذا خلقت أم بهذا أمرت ففزعت ووقفت ثم عدت فركضت الثانية ففعل بي مثل ذلك ثلاث مرات ثم هتف بي هاتف من قربوس السرج والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت قال فنزلت فصادفت راعيا لأبي يرعى الغنم فاخذت جبته الصوف فلبستها ودفعت إليه الفرس وما كان معي وتوجهت إلى مكة
فبينا أنا في البادية إذا أنا برجل يسير ليس معه إناء ولا زاد فلما أمسى وصلى المغرب حرك شفتيه بكلام لم أفهمه فإذا أنا بإناء فيه طعام وإناء فيه شراب فأكلت وشربت وكنت معه على هذا أياما وعلمني اسم الله الأعظم ثم غاب عني وبقيت وحدي فبينا أنا ذات يوم مستوحش من الوحدة دعوت الله به فإذا أنا بشخص آخذ بحجزتي وقال سل تعطه فراعني قوله
فقال لا روع عليك ولا بأس عليك أنا أخوك الخضر إن أخي داود علمك اسم الله الأعظم فلا تدع به على أحد بينك وبينه شحناء فتهلكه هلاك الدنيا والآخرة ولكن ادع الله أن يشجع به جنبك ويقوى به ضعفك ويؤنس به وحشتك ويجدد به في كل ساعة رغبتك ثم انصرف وتركني
____________________
(1/37)
وسمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول سمعت علي بن محمد بن أحمد المصري يقول سمعت أحمد بن عيسى الخراز قال حدثني غير واحد من أصحابنا منهم سعيد بن جعفر الوراق وهارون الأدمي وعثمان التمار قالوا حدثنا عثمان بن عمارة قال حدثني إبراهيم بن أدهم عن رجل من أهل إسكندرية يقال له أسلم بن يزيد الجهني قال لقيته بالإسكندرية فقال لي من أنت يا غلام قلت شاب من أهل خراسان قال ما حملك على الخروج من الدنيا قلت زهدا فيها ورجاء لثواب الله تعالى فقال إن العبد لا يتم رجاؤه لثواب الله تعالى حتى يحمل نفسه على الصبر فقال رجل ممن كان معه وأي شيء الصبر فقال إن أدنى منازل الصبر أن يروض العبد نفسه على احتمال مكاره الأنفس
قال قلت ثم مه قال إذا كان محتملا للمكاره أورث الله قلبه نورا قلت وما ذلك النور قال سراج يكون في قلبه يفرق به بين الحق والباطل والناسخ والمتشابه قلت هذه صفة أولياء رب العالمين قال أستغفر الله صدق عيسى ابن مريم عليه السلام حين قال لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها فتضيعوها ولا تمنعوها أهلها فتظلموها
فبصبصت إليه وطلبت إليه وطلب معي أصحابه إليه فقال عند ذلك يا غلام إياك إذا صحبت الأخيار أو حادثت الأبرار أن تغضبهم عليك فإن الله يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم وذلك أن الحكماء هم العلماء وهم الراضون عن الله عز وجل إذا سخط الناس وهم جلساء الله غدا بعد النبيين والصديقين
يا غلام احفظ عني واعقل واحتمل ولا تعجل فإن التأني معه الحلم والحياء وإن السفه معه الخرق والشؤم قال فسألت عيني وقلت والله
____________________
(1/38)
ما حملني على مفارقة أبوي والخروج من مالي إلا حب الأثرة لله ومع ذلك الزهد في الدنيا والرغبة في جوار الله تعالى
فقال إياك والبخل قلت ما البخل فقال أما البخل عند أهل الدنيا فهو أن يكون الرجل بخيلا بماله وأما الذي عند أهل الآخرة فهو الذي يبخل بنفسه عن الله تعالى ألا وإن العبد إذا جاد بنفسه لله أورث قلبه الهدى والتقى وأعطى السكينة والوقار والعلم الكامل ومع ذلك تفتح له أبواب السماء فهو ينظر إلى أبوابها بقلبه كيف تفتح وإن كان في طريق الدنيا مطروحا
فقال له رجل من أصحابه اضربه فأوجعه فإنا نراه غلاما قد وفق لولاية الله تعالى قال فتعجب الشيخ من قول أصحابه قد وفق لولاية الله تعالى فقال لي يا غلام أما إنك ستصحب الأخيار فكن لهم أرضا يطأون عليك وإن ضربوك وشتموك وطردوك وأسمعوك القبيح فإذا فعلوا بك ذلك ففكر في نفسك من أين أتيت فإنك إذا فعلت ذلك يؤيدك الله بنصره ويقبل بقلوبهم عليك اعلم أن العبد إذا قلاه الأخيار واجتنب صحبته الورعون وأبغضه الزاهدون فإن ذلك استعتاب من الله تعالى لكي يعتبه فإن أعتب الله عز وجل أقبل بقلوبهم عليه وإن تمرد على الله أورث قلبه الضلالة مع حرمان الرزق وجفاء من الأهل ومقت من الملائكة وإعراض من الرسل بوجوههم ثم لم يبال في أي واد يهلكه
قال قلت إني صحبت وأنا ماش بين الكوفة الكوفة ومكة رجلا فرأيته إذا أمسى يصلي ركعتين فيهما تجاوز ثم يتكلم بكلام خفي بينه وبين نفسه فإذا جفنة من ثريد عن يمينه وكوز من ماء فكان يأكل ويطعمني قال فبكى الشيخ عند ذلك وبكى من حوله ثم قال يا بني أو يا أخي ذاك أخي داود ومسكنه من وراء بلخ بقرية يقال لها الباردة الطيبة وذلك أن البقاع تفاخرت بكينونة داود فيها يا غلام ما قال لك وما علمك
____________________
(1/39)
قال قلت علمني اسم الله الأعظم فسأل الشيخ ما هو فقلت إنه يتعاظم علي أن أنطق به فإني سألت به مرة فإذا برجل آخذ بحجزتي وقال سل تعطه فراعني فقال لا روع عليك أنا أخوك الخضر إن أخي داود علمك إياه فإياك أن تدعو به إلا في بر ثم قال يا غلام إن الزاهدين في الدنيا قد اتخذوا الرضا عن الله لباسا وحبه دثارا والأثرة له شعارا فتفضل الله تعالى عليهم ليس كتفضله على غيرهم ثم ذهب عني فتعجب الشيخ من قولي
ثم قال إن الله سيبلغ بمن كان في مثالك ومن تبعك من المهتدين ثم قال يا غلام إنا قد أفدناك ومهدناك وعلمناك علما ثم قال بعضهم لا تطمع في السهر مع الشبع ولا تطمع في الحزن مع كثرة النوم ولا تطمع في الخوف لله مع الرغبة في الدنيا ولا تطمع في الأنس بالله مع الأنس بالمخلوقين ولا تطمع في إلهام الحكمة مع ترك التقوى ولا تطمع في الصحة في أمورك مع موافقة الظلمة ولا تطمع في حب الله مع محبة المال والشرف ولا تطمع في لين القلب مع الجفاء لليتيم والأرملة والمسكين ولا تطمع في الرقة مع فضول الكلام ولا تطمع في رحمة الله مع ترك الرحمة للمخلوقين ولا تطمع في الرشد مع ترك مجالسة العلماء ولا تطمع في الحب لله مع حب المدحة ولا تطمع في الورع مع الحرص في الدنيا ولا تطمع في الرضا والقناعة مع قلة الورع ثم قال بعضهم يا إلهنا احجبه عنا واحجبنا عنه قال إبراهيم فما أدري أين ذهبوا
سمعت أحمد بن علي بن الحسن المقرئ يقول سمعت محمد بن غالب التمتام يقول كتب إبراهيم بن أدهم إلى سفيان الثوري من عرف ما
____________________
(1/40)
يطلب هان عليه ما يبذل ومن أطلق بصره طال أسفه ومن أطلق أمله ساء عمله ومن أطلق لسانه قتل نفسه
سمعت أبا العباس البغدادي يقول حدثنا علي بن محمد بن أحمد المصري حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبد الله بن خبيق حدثني خلف بن تميم سمعت أبا الأحوص يقول رأيت خمسة ما رأيت مثلهم قط إبراهيم بن أدهم ويوسف بن أسباط وحذيفة بن قتادة وهشيم العجلي وأبو يونس القوي
أخبرنا علي بن بندار قال أخبرنا محمد بن شريك قال أخبرنا ابن أبي الدنيا قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني أبي قال قلت لإبراهيم بن أدهم أوصني فقال اتخذ الله صاحبا وذر الناس جانبا
____________________
(1/41)
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت محمد بن حامد يقول سمعت أحمد بن خضرويه يقول قال إبراهيم بن أدهم لرجل في الطواف اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقاب
أولاها أن تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة
والثانية أن تغلق باب العز وتفتح باب الذل
والثالثة أن تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد
والرابعة أن تغلق باب النوم وتفتح باب السهر
والخامسة أن تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر
والسادسة أن تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت
4 ومنهم بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله الحافي
____________________
(1/42)
كذلك ذكره عبد الرحمن بن علي بن خشرم فيما أخبرنا أحمد بن منصور النوشري عن ابن مخلد عنه كنيته أبو نصر أصله من مرو من قرية بكرد أو مابرسام سكن بغداد ومات بها وهو ابن عم علي بن خشرم وصحب الفضيل بن عياض وكان عالما ورعا
قال يحيى بن أكثم قال لي المأمون لم يبق في هذه الكورة أحد
____________________
(1/43)
يستحى منه غير هذا الشيخ بشر بن الحارث
سمعت أبا محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر يقول سمعت العباس بن عبد الله بن أحمد بن عصام البغدادي يقول سمعت جعفر بن عبد الله بن أحمد البرداني يقول قال يحيى بن أكثم هذا مات بشر بن الحارث يوم الأربعاء لعشر خلون من المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين وأسند الحديث
أخبرنا أبو عمرو سعيد بن القاسم بن العلاء البرذعي أخبرنا أبو
____________________
(1/44)
طلحة أحمد بن محمد بن عبد الكريم أخبرنا محمد بن محمد بن أبي الورد العابد قال سمعت بشر بن الحارث الحافي يقول أخبرنا المعافى بن عمران عن إسرائيل عن مسلم الملائي عن حبة العرني عن علي
____________________
(1/45)
رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كلوا الثوم نيئا فلولا أن الملك يأتيني لأكلته )
أخبرنا عبيد الله بن عثمان قال حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا الحسن بن عمرو السبيعي قال سمعت بشر بن الحارث يقول يأتي على الناس زمان ولا تقر فيه عين حكيم ويأتي عليهم زمان تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس
وبإسناده قال سمعت بشرا يقول النظر إلى الأحمق سخنة العين والنظر إلى البخيل يقسي القلب
____________________
(1/46)
وبه قال سمعت بشرا يقول اعمل في ترك التصنع ولا تعمل في التصنع
وبه قال سمعت بشرا يقول الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه إلى الناس
وبه قال سمعت بشرا يقول لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك وكيف يكون فيك خير وأنت لا يأمنك صديقك
وبه قال سمعت بشرا يقول لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات حائطا من حديد
وبإسناده قال سمعت بشرا يقول الدعاء ترك الذنوب
حدثنا أبو عباس محمد بن الحسن بن الخشاب قال أخبرنا أحمد بن محمد بن صالح قال حدثنا محمد بن عبدون قال حدثنا حسن المسوحي قال رآني بشر بن الحارث يوما باردا وأنا أرتعد من البرد
____________________
(1/47)
فنظر إلي وقال
( قطع الليالي مع الأيام في خلق ** والنوم تحت رواق الهم والقلق )
( أحرى وأجدر بي من أن يقال غدا ** إني التمست الغنى من كف مختلق )
( قالوا رضيت بذا قلت القنوع غنى ** ليس الغنى كثرة الأموال والورق )
( رضيت بالله في عسري وفي يسري ** فلست أسلك إلا واضح الطرق )
وبإسناده قال سمعت بشرا يقول المتقلب في جوعه كالمتشحط في دمه في سبيل الله وثوابه الجنة
وبه قال سمعت بشرا يقول هب أنك لا تخاف ويحك ألا تشتاق
أخبرنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا أحمد بن محمد الفزاري حدثنا عبد الله بن خبيق قال قال بشر أربعة رفعهم الله بطيب المطعم وهيب بن الورد وإبراهيم بن أدهم ويوسف ابن أسباط وسالم الخواص
أخبرنا عبيد الله بن عثمان حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا محمد بن حفص حدثنا محمد بن المثنى بن زياد قال سمعت بشرا يقول شاطر
____________________
(1/48)
سخي أحب إلي من قارئ لئيم
وأخبرنا عبيد الله حدثنا أبو عمرو حدثنا محمد بن العباس حدثنا أبو بكر ابن بنت معاوية قال سمعت أبا بكر بن عفان قال سمعت بشر ابن الحارث يقول إني لأشتهي الشواء منذ أربعين سنة فما صفا لي درهمه
وأخبرنا عبيد الله حدثنا أبو عمرو حدثنا عمر بن سعيد القراطيسي حدثنا ابن أبي الدنيا قال قال رجل لبشر لا أدري بأي شيء آكل خبزني فقال اذكر العافية واجعلها إدامك
____________________
(1/49)
وأخبرنا عبيد الله حدثنا أبو عمرو قال قال القاسم بن منبه سمعت بشرا يقول إن لم تطع فلا تعص
وبإسناده قال سمعت بشرا يقول أنا أكره الموت ولا يكره الموت إلا مريب
وبه قال بشر حبك لمعرفة الناس رأس محبة الدنيا
سمعت علي بن عمر الحافظ قال سمعت أبا سهل بن زياد قال قال إبراهيم الحربي سمعت بشر بن الحارث يقول بحسبك أن قوما موتى تحيا القلوب بذكرهم وأن قوما أحياء تقسو القلوب برؤيتهم
وبه قال الحلال لا يحتمل السرف
سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول سمعت أبا عمرو بن السماك يقول سمعت الحسن بن عمرو السبيعي يقول سمعت بشرا يقول بي داء ما لم أعالج نفسي لا أتفرغ لغيري فإذا عالجت نفسي تفرغت لغيري ما
____________________
(1/50)
أبصرني بموضع الداء وموضع الدواء إن أعانني منه بمعونة ثم قال أنتم الداء أرى وجوه قوم لا يخافون متهاونين بأمور الآخرة
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت حمزة البزار يقول سمعت عباس بن دهقان يقول كنت عند بشر وهو يتكلم في الرضا والتسليم فإذا هو برجل من المتصوفة فقال له يا أبا نصر انقبضت عن أخذ البر من يد الخلق لإقامة الجاه فإن كنت متحققا بالزهد منصرفا عن الدنيا فخذ من أيديهم ليمتحى جاهك عندهم وأخرج ما يعطونك إلى الفقراء وكن بعقد التوكل تأخذ قوتك من الغيب
فاشتد ذلك على أصحاب بشر فقال بشر اسمع أيها الرجل الجواب الفقراء ثلاثة فقير لا يسأل وإن أعطى لا يأخذ فذاك من الروحانيين إذا سأل الله أعطاه وإن أقسم على الله أبر قسمه
وفقير لا يسأل وإن أعطى قبل فذاك من أوسط القوم عقده التوكل والسكون إلى الله تعالى وهو ممن توضع له الموائد في حظيره القدس
وفقير اعتقد الصبر ومدافعة الوقت فإذا طرقته الحاجة خرج إلى عبيد الله وقلبه إلى الله بالسؤال فكفارة مسألته صدقه في السؤال فقال الرجل رضيت رضي الله عنك
5 ومنهم سري بن المغلس السقطي كنيته أبو الحسن
____________________
(1/51)
يقال إنه خال الجنيد وأستاذه صحب معروفا الكرخي وهو أول من تكلم ببغداد في لسان التوحيد وحقائق الأحوال وهو إمام البغداديين وشيخهم في وقته وإليه ينتمي أكثر الطبقة الثانية من المشايخ المذكورين في هذا الكتاب
سمعت أبا الحسن بن مقسم المقرئ ببغداد يقول مات سري السقطي سنة إحدى وخمسين ومائتين وأسند الحديث
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني بالكوفة حدثنا العباس بن يوسف الشكلي حدثنا سري السقطي حدثنا محمد بن معن الغفاري
____________________
(1/52)
حدثنا خالد بن سعيد عن أبي زينب مولى حازم بن حرملة عن حازم بن حرملة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( مررت يوما فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا حازم أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها من كنوز الجنة
سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول أعرف طريقا مختصرا قصدا إلى الجنة فقلت ما هو فقال لا تسأل أحدا شيئا ولا تأخذ من أحد شيئا ولا يكون معك شيء تعطي منه أحدا
وبإسناده قال سمعت السري يقول ما أرى لي على أحد فضلا قيل ولا على المخنثين قال ولا على المخنثين
وبه قال سمعت السري يقول إذا فاتني جزء من وردي لا يمكنني أن أقضيه أبدا
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان الرازي يقول سمعت أبا عمر
____________________
(1/53)
الأنماطي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول من أراد أن يسلم دينه ويستريح قلبه وبدنه ويقل غمه فليعتزل الناس لأن هذا زمان عزلة ووحدة
سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول حدثنا أحمد بن محمد بن صالح حدثنا محمد بن عبدون حدثنا عبد القدوس بن القاسم قال سمعت السري يقول كل الدنيا فضول إلا خمس خصال خبز يشبعه وماء يرويه وثوب يستره وبيت يكنه وعلم يستعمله
وبه قال وقال السري التوكل الانخلاع من الحول والقوة
وبإسناده قال سمعت السري يقول أربع من أخلاق الأبدال استقصاء الورع وتصحيح الإرادة وسلامة الصدر للخلق والنصيحة لهم
سمعت أبا العباس البغدادي يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول قال السري اللهم ما عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب
سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول سمعت علي بن عبد الله يقول سمعت أبا الحسن السيرواني يقول سمعت الجنيد يقول سئل السري عن العقل فقال ما قامت به الحجة على مأمور ومنهي
____________________
(1/54)
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول أربع خصال ترفع العبد العلم والأدب والأمانة والعفة
سمعت أبا الفضل أحمد بن محمد بن حمدون الشرمقاني يقول سمعت علي بن عبد الحميد الغضائري يقول سمعت السري يقول من لم يعرف قدر النعمة سلبها من حيث لا يعلم
وبإسناده قال السري من هانت عليه المصائب أحرز ثوابها
أخبرني أبو العباس أحمد بن عبد الله القرميسيني مشافهة ومناولة أن أباه حدثه قال حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري قال سمعت السري يقول قليل في سنة خير من كثير مع بدعة كيف يقل عمل مع التقوى
وبهذا الإسناد قال السري الأمور ثلاثة أمر بان لك رشده فاتبعه وأمر بان لك غية فاجتنبه وأمر أشكل عليك فقف عنده وكله إلى الله عز وجل وليكن الله دليلك واجعل فقرك إليه تستعن به عمن سواه
____________________
(1/55)
وبه قال السري الأدب ترجمان العقل
وبه قال السري ما أكثر من يصف الصفة وأقل من يوافق فعله صفته
وبه قال السري أقوى القوة غلبتك نفسك ومن عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز ومن أطاع من فوقه أطاعه من دونه
وبه قال السري من خاف الله خافه كل شيء
وبه قال السري لسانك ترجمان قلبك وجهك مرآة قلبك يتبين على الوجه ما تضمر القلوب
وبه قال السري القلوب ثلاثة قلب مثل الجبل لا يزيله شيء وقلب مثل النخلة أصلها ثابت والريح تميلها وقلب كالريشة يميل مع الريح يمينا وشمالا
وبه قال السري لا تصرم أخاك على ارتياب ولا تدعه دون الاستعتاب
وبه قال إن اغتممت لما ينقص من مالك فابك على ما ينقص من عمرك
وبه قال السري من علامة المعرفة بالله القيام بحقوق الله وإيثاره على النفس فيما أمكنت فيه القدرة
____________________
(1/56)
وبه قال السري من قلة الصدق كثرة الخلطاء
وبه قال السري حسن الخلق كف الأذى عن الناس واحتمال الأذى عنهم بلا حقد ولا مكافأة
وبه قال السري من علامة الاستدراج العمى عن عيوب النفس
وبه قال السري خير الرزق ما سلم من خمسة من الآثام في الاكتساب والمذلة والخضوع في السؤال والغش في الصناعة وأثمان آلة المعاصي ومعاملة الظلمة
وبه قال السري أحسن الأشياء خمسة البكاء على الذنوب وإصلاح العيوب وطاعة علام الغيوب وجلاء الرين من القلوب وألا تكون لكل ما تهوى ركوب
وبهذا الإسناد قال السري خمسة أشياء لا يسكن في القلب معها غيرها الخوف من الله وحده والرجاء لله وحده والحب لله وحده والحياء من الله وحده والأنس بالله وحده
سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن إبراهيم الفارسي يقول سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت علي بن عبد الحميد الغضائري بحلب يقول سمعت السري يقول أجلد الناس من ملك غضبه
وبهذا الإسناد قال السري من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله عز وجل
____________________
(1/57)
وبه قال السري لن يكمل رجل حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول قال رجل لسري السقطي كيف أنت فقال
( من لم يبت والحب حشو فؤاده ** لم يدر كيف تفتت الأكباد )
سمعت أبا الحسن بن مقسم ببغداد يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول إذا ابتدأ الإنسان بالنسك ثم كتب الحديث فتر وإذا ابتدأ بكتب الحديث ثم تنسك نفذ
6 ومنهم الحارث بن أسد المحاسبي وكنيته أبو عبد الله
من علماء مشايخ القوم بعلوم الظاهر وعلوم المعاملات والإشارات له التصانيف المشهورة منها كتاب الرعاية لحقوق الله وغيره وهو أستاذ أكثر البغداديين وهو من أهل البصرة مات ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين وأسند الحديث
____________________
(1/58)
حدثنا علي بن عمر بن أحمد الحافظ قال حدثنا أحمد بن القاسم أخو أبي الليث حدثنا الحارث بن أسد العنزي المحاسبي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن عطاء الكيخاراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أثقل ما يوضع في الميزان حسن الخلق
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا عمر لأنماطي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت الحارث المحاسبي يقول
____________________
(1/59)
الأنماطي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت الحارث المحاسبي يقول المحاسبة والموازنة في أربعة مواطن فيما بين الإيمان والكفر وفيما بين الصدق والكذب وبين التوحيد والشرك وبين الإخلاص والرياء
قال وقال الحارث من اجتهد في باطنه ورثه الله حسن معاملة معاملة ظاهرة ومن حسن معاملته في ظاهره مع جهد باطنه ورثه الله تعالى الهداية إليه لقوله عز وجل { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ( العنكبوت 29 )
سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت الخلدي يقول سمعت أبا عثمان البلدي يقول بلغني عن حارث المحاسبي أنه قال العلم يورث المخافة والزهد يورث الراحة والمعرفة تورث الإنابة
قال وقال الحارث خيار هذه الأمة الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم ولا دنياهم عن آخرتهم
قال وقال الحارث الذي يبعث العبد على التوبة ترك الإصرار والذي يبعثه على ترك الإصرار ملازمة الخوف
قال وقال الحارث لا ينبغي أن يطلب العبد الورع بتضييع الواجب
قال وقال الحارث أكثر شغل الحكيم فيما يوجبه عليه الوقت والذي هو أولى به فيه
____________________
(1/60)
قال وقال الحارث صفة العبودية لا ترى لنفسك ملكا وتعلم أنك لا تملك لنفسك ضرا ولا نفعا
قال وقال الحارث التسليم هو الثبوت عند نزول البلاء من غير تغير منه في الظاهر والباطن
قال وسئل الحارث عن الرجاء فقال الطمع في فضل الله تعالى ورحمته وصدق حسن الظن عند نزول الموت
قال وقال الحارث الحزن على وجوه حزن على فقد أمر يحب وجوده وحزن مخافة أمر المستقبل وحزن لما أحب من الظفر بأمر فيتأخر عن مراده وحزن يتذكر من نفسه مخالفات الحق فيحزن له
قال وقال الحارث حسن الخلق احتمال الأذى الأذى وقلة الغضب وبسط الوجه وطيب الكلام
قال وقال الحارث لكل شيء جوهر وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل الصبر
قال وقال الحارث العمل بحركات القلوب في مطالعات الغيوب أشرف من العمل بحركات الجوارح
قال وقال الحارث من طبع على البدعة متى يشيع فيه الحق
قال وقال الحارث إذا أنت لم تسمع نداء الله فكيف تجيب داعي الله
____________________
(1/61)
ومن استغنى بشيء دون الله جهل قدر الله
قال وقال الحارث الظالم نادم وإن مدحه الناس والمظلوم سالم وإن ذمه الناس والقانع غني وإن جاع والحريص فقير وإن ملك
قال وقال الحارث من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين الله ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا عثمان يقول أنشد قوال بين يدي الحارث المحاسبي هذه الأبيات
( أنا في الغربة أبكي ** ما بكت عين غريب )
( لم أكن يوم خروجي ** من بلادي بمصيب )
( عجبا لي ولتركي ** وطنا فيه حبيبي )
فقام يتواجد ويبكي حتى رحمه كل من حضره
قال وسئل الحارث من أقهر الناس لنفسه فقال الراضي بالمقدور
قال وقال الحارث الخلق كلهم معذورون في العقل مأخوذون في الحكم
قال وقال الحارث من لم يشكر الله على النعمة فقد استدعى زوالها
____________________
(1/62)
قال وقال الحارث أكمل العاقلين من أقر بالعجز أنه لا يبلغ كنه معرفته
7 ومنهم شقيق بن إبراهيم أبو علي الأزدي
من أهل بلخ حسن الجرى على سبيل التوكل وحسن الكلام فيه وهو من مشاهير مشايخ خراسان وأظنه أول من تكلم في علوم الأحوال بكورة خراسان كان أستاذ حاتم الأصم صحب إبراهيم بن أدهم وأخذ عنه الطريقة وأسند الحديث
أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم المستملي إجازة أن أحمد بن أحيد بن نوح بن أيوب البزاز البلخي حدثهم قال حدثنا أبو صالح مسلم بن عبد الرحمن البلخي قال حدثني أبو علي شقيق بن إبراهيم الأزدي حدثنا عباد يعني ابن كثير يقول عن هشام بن عروة قال قال لي عروة قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم إن الخير خير الآخرة )
____________________
(1/63)
أخبرنا محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال حدثنا الحسين بن داود البلخي قال حدثنا شقيق بن إبراهيم حدثنا أبو هاشم الأبلي عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أخذ من الدنيا من الحلال حاسبه الله به ومن أخذ من الدنيا من الحرام عذبه الله به أف للدنيا وما فيها من البليات حلالها حساب وحرامها عذاب )
سمعت أبا علي سعيد بن أحمد البلخي يقول سمعت أبي يقول سمعت محمد بن عبد يقول سمعت خالي محمد بن الليث يقول سمعت حامدا اللفاف يقول سمعت حاتما الأصم يقول سمعت شقيق بن إبراهيم يقول العاقل لا يخرج من هذه الأحرف الثلاثة
الأول أن يكون خائفا لما سلف منه من الذنوب
والثاني لا يدري ما ينزل به ساعة بعد ساعة
والثالث يخاف من إبهام العاقبة لا يدري ما يختم له
وبإسناده قال سمعت شقيقا يقول احذر ألا تهلك بالدنيا ولا تهتم فإن رزقك لا يعطى لأحد سواك
قال وسمعت شقيقا يقول استعد إذا جاءك الموت لا نسأل الرجعة
وبه قال سمعت شقيقا يقول التوكل أن يطمئن قلبك بموعود الله
وبه قال شقيق تعرف تقوى الرجل في ثلاثة اشياء في أخذه ومنعه وكلامه
وبه قال سمعت شقيقا وسئل بأي شيء يعرف الرجل أنه أصاب
____________________
(1/64)
القلة قال بأن كل شيء يأخذ من الدنيا يأخذه في حال يخاف إن لم يأخذه أن يأثم
قال وسمعت شقيقا وسئل بأي شيء يعرف الفقير أنه أصاب من الله تعالى حفظ الفقر قال بأن يخشى من الغنى ويغنم الفقر
قال وسمعت شقيقا يقول عملت في القرآن عشرين سنة حتى ميزت الدنيا من الآخرة فأصبته في حرفين وهو قول الله تعالى { وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى } ( القصص 60
وبه قال شقيق الزاهد الذي يقيم زهده بفعله والمتزهد الذي يقيم زهده بلسانه
وبإسناده قال شقيق من لم يعرف الله بالقدرة فإنه لا يعرفه قيل وكيف يعرفه بالقدرة فقال يعرف أن الله قادر إذا كان معه شيء أن يأخذ منه ويعطيه غيره وإذا لم يكن معه شيء أن يعطيه
وبه قال شقيق من أراد أن يعرف معرفته بالله فلينظر إلى ما وعده الله ووعده الناس بأيهما قلبه أوثق
قال وقال شقيق ميز بين ما تعطي وتعطى إن كان من يعطيك أحب إليك فإنك محب للدنيا وإن كان من تعطيه أحب إليك فإنك محب للآخرة
قال وقال شقيق من خرج من النعمة ووقع في القلة ولا تكون القلة
____________________
(1/65)
عنده أعظم من النعمة وقع في غمين غم في الدنيا وغم في الآخرة ومن خرج من النعمة ووقع في القلة وكانت القلة أعظم عنده من النعمة التي خرج منها كان في فرحين فرح في الدنيا وفرح في الآخرة
قال وقال شقيق اتق الأغنياء فإنك متى عقدت قلبك معهم وطمعت فيهم فقد اتخذتهم أربابا من دون الله عز وجل
قال وسئل شقيق بأي شيء يعرف بأن العبد اختار الفقر على الغنى قال يخاف أن يصير غنيا فيحفظ الفقر بالخوف كما كان من قبل يخاف أن يصير فقيرا فيحفظ الغنى بالخوف
قال وسئل بأي شيء يعرف بأن العبد واثق بربه قال يعرف بأنه إذا فاته شيء من الدنيا يحسبه غنيمة وإذا أبطأ عليه شيء من الدنيا يكون أحب إليه من أن يأتيه
قال وقال شقيق إن حفظ الفقر أن ترى الفقر منة من الله عليك حيث لم يضمنك رزق غيرك ولم ينقصك مما قسم لك
وبإسناده قال شقيق تفسير التوبة أن ترى جرأتك على الله وترى حلم الله عنك
وبإسناده قال شقيق ليس شيء أحب إلي من الضيف لأن رزقه ومؤنته على الله ولي أجره
وبإسناده قال شقيق طهر قلبك من حب عروض الدنيا حتى يدخل فيه حب الآخرة وثواب الله عز وجل
____________________
(1/66)
وبه قال من لم يكن معه ثلاثة أشياء لا ينجو من النار الأمن والخوف والاضطراب
وبه قال الصبر والرضا شكلان إذا تعمدت في العمل فإن أوله صبر وآخره رضا
وبه قال إذا أردت أن تكون في راحة فكل ما أصبت والبس ما وجدت وارض بما قضى الله عليك
قال وقال شقيق من دار حول العلو فإنما يدور حول النار ومن دار حول الشهوات فإنه يدور بدرجاته في الجنة ليأكلها وينقصها في الدنيا
وبإسناده قال شقيق جعل الله أهل طاعته أحياء في مماتهم وأهل المعاصي أمواتا في حياتهم
8 ومنهم أبو يزيد طيفور بن عيسى بن سروشان
وكان جده سروشان هذا مجوسيا فأسلم وهم ثلاثة إخوة آدم وطيفور وعلي وكلهم كانوا زهادا عبادا أرباب أحوال وهو من أهل بسطام
____________________
(1/67)
مات سنة إحدى وستين ومائتين على ما سمعت عبد الله بن علي يقول سمعت طيفور بن عيسى الصغير يقول سمعت عميا البسطامي يقول سمعت أبي يقول مات أبو يزيد سنة إحدى وستين ومائتين
وسمعت الحسين بن يحيى يقول مات أبو يزيد سنة أربع وثلاثين ومائتين وأسند الحديث
أخبرنا أبو الحسن منصور بن عبد الله الديمرتي ببغداد قال سأل أبو عمرو عثمان بن جحدة بن درامهم الكازروني بها قال أخبرنا أبو الفتح أحمد بن الحسن بن محمد بن سهل المصري المعروف بابن الحمصي الواعظ بالبصرة قال حدثنا علي بن جعفر البغدادي قال قال أبو موسى الديبلي حدثنا أبو يزيد البسطامي حدثنا أبو عبد الرحمن السدي عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/68)
( إن من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كره كاره إن الله بحكمته وجلاله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشكو السخط )
سمعت الحسن بن علي بن حيويه الدامغاني يقول سمعت الحسن بن علويه يقول قال أبو يزيد قعدت ليلة في محرابي فمددت رجلي فهتف لي هاتف من يجالس الملوك ينبغي أن يجالسهم بحسن الأدب
وبه قال سئل أبو يزيد عن درجة العارف فقال ليس هناك درجة بل أعلى فائدة العارف وجود معروفه
قال وقال أبو يزيد العابد يعبده بالحال والعارف الواصل يعبده في الحال
قال وسئل أبو يزيد بماذا يستعان على العبادة فقال بالله إن كنت تعرفه
____________________
(1/69)
قال وقال أبو يزيد أدنى ما يحب على العارف أن يهب له ما قد ملكه
قال وقال أبو يزيد من ادعى الجمع بابتلاء الحق يحتاج أن يلزم نفسه علل العبودية
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا عمران موسى بن عيسى المعروف بعمي يقول سمعت أبي يقول أذن أبو يزيد مرة ثم أراد أن يقيم فنظر في الصف فرأى رجلا عليه أثر سفر فتقدم إليه فكلمه بشيء فقام الرجل وخرج من المسجد فسأله بعض من حضر فقال الرجل كنت في السفر فلم أجد الماء فتيممت ونسيت ودخلت المسجد فقال لي أبو يزيد لا يجوز التيمم في الحضر فذكرت ذلك وخرجت
قال وقال أبو يزيد عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته ولولا اختلاف العلماء لبقيت واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد
قال وقال أبو يزيد لا يعرف نفسه من صحبته شهوته
قال وقال أبو يزيد الجنة لا خطر لها عند أهل المحبة وأهل المحبة محجوبون بمحبتهم
سمعت أبا عمرو محمد بن أحمد بن حمدان يقول وجدت بخط أبي سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل يقول قال أبو يزيد من سمع الكلام ليتكلم مع الناس رزقه الله فهما يكلم به الناس ومن سمعه ليعامل الله به في فعله رزقه الله فهما يناجي به ربه عز وجل
____________________
(1/70)
قال وقال أبو يزيد اطلع الله على قلوب أوليائه فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة صرفا فشغلهم بالعبادة
قال وقال أبو يزيد كفر أهل الهمة أسلم من إيمان أهل المنة
قال سئل أبو يزيد بماذا نالوا المعرفة قال بتضييع ما لهم والوقوف مع ما له
سمعت أبا نصر الهروي يقول سمعت يعقوب بن إسحاق يقول سمعت إبراهيم الهروي يقول سمعت أبا يزيد يقول هذا فرحي بك وأنا أخافك فكيف فرحي بك إذا أمنتك
وبهذا الإسناد قال سمعت أبا يزيد يقول يا رب أفهمني عنك فإني لا أفهم عنك إلا بك
____________________
(1/71)
قال وقال أبو يزيد عرفت الله بالله وعرفت ما دون الله بنور الله عز وجل
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت يعقوب بن إسحاق يقول سمعت إبراهيم الهروي يقول سمعت أبا يزيد البسطامي وسئل ما علامة العارف فقال ألا يفتر من ذكره ولا يمل من حقه ولا يستأنس بغيره
قال وقال أبو يزيد إن الله تعالى أمر العباد ونهاهم فأطاعوه فخلع عليهم خلعه فاشتغلوا بالخلع عنه وإني لا أريد من الله إلا الله
قال وقال أبو يزيد غلطت في ابتدائي في أربعة اشياء توهمت أني أذكره وأعرفه وأحبه وأطلبه فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكري ومعرفته تقدمت معرفتي ومحبته أقدم من محبتي وطلبه لي أولا حتى طلبته
سمعت أبا الفرج الورثاني عبد الواحد بن بكر يقول قال الحسن بن إبراهيم الدامغاني حدثنا موسى بن عيسى قال سمعت أبي يقول سمعت أبا يزيد يقول اللهم إنك خلقت هذا الخلق بغير علمهم وقلدتهم أمانة من غير إرادتهم فإن لم تعنهم فمن يعينهم
سمعت أبا الحسن علي بن محمد القزويني الصوفي يقول سمعت أبا الطيب العكي يقول سمعت ابن الأنباري يقول قال بعض تلامذة أبي يزيد قال لي أبو يزيد البسطامي إذا صحبك إنسان واساء عشرتك
____________________
(1/72)
فأدخل عليه بحسن أخلاقك يطيب عيشك وإذا أنعم عليك فابدأ بشكر الله عز وجل فإنه الذي عطف عليك القلوب وإذا ابتليت فأسرع الاستقالة فإنه القادر على كشفها دون سائر الخلق
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت القناد يقول قال أبو موسى الديبلي سمعت أبا يزيد البسطامي يقول إن الله يرزق العباد الحلاوة فمن أجل فرحهم بها يمنعهم حقائق القرب
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت الحسن بن علويه يقول قال أبو يزيد المعرفة في ذات الحق جهل والعلم في حقيقة المعرفة حيرة والإشارة من المشير شرك في الإشارة وأبعد الخلق من الله أكثرهم إشارة إليه
سمعت أبا الحسن الفارسي يقول سمعت الحسن بن علويه يقول سئل أبو يزيد بأي شيء وجدت هذه المعرفة فقال ببطن جائع وبدن عار
وبإسناده قال أبو يزيد المعارف همه ما يأمله والزاهد همه ما يأكله طوبى لمن كان همه هما واحدا ولم يشغل قلبه بما رأت عيناه وسمعت أذناه
وبإسناده قال أبو يزيد من عرف الله فإنه يزهد في كل شيء يشغله عنه
____________________
(1/73)
وبإسناده قال سئل أبو يزيد عن السنة والفريضة فقال السنة ترك الدنيا والفريضة الصحبة مع المولى لأن السنة كلها تدل على ترك الدنيا والكتاب كله يدل على صحبة المولى فمن تعلم السنة والفريضة فقد كمل
وبإسناده قال أبو يزيد النعمة أزلية يجب أن يكون لها شكر أزلي
9 ومنهم أبو سليمان الداراني وهو عبد الرحمن بن عطية ويقال عبد الرحمن بن أحمد بن عطية
وهو من أهل داريا قرية من قرى دمشق وهو عنسي أخبرني بذلك أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت أبا سليمان عبد الرحمن بن أحمد ابن عطية العنسي من أهل داريا قرية من قرى الشام
مات أبو سليمان سنة خمس عشرة ومائتين وأسند الحديث
____________________
(1/74)
أخبرنا عبد الرحمن بن علي البزاز الحافظ ببغداد قال حدثنا محمد بن عمر بن الفضل قال حدثنا علي بن عيسى قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا أبو سليمان الداراني حدثنا علي بن الحسن بن أبي الربيع الزاهد عن إبراهيم بن أدهم عن محمد بن عجلان يذكر عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من تواضع لله رفعه )
أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال سمعت العباس بن حمزة قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول إذا غلب الرجاء على الخوف فسد الوقت
وبه قال أبو سليمان ليت قلبي في القلوب كثوبي في الثياب وكانت ثيابه وسطا
____________________
(1/75)
وبه قال أبو سليمان من صارع الدنيا صرعته
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الرازي قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي قال سمعت أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول من أحسن في نهاره كوفي في ليله ومن أحسن في ليله كوفي في نهاره ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه والله أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة تركت له
حدثنا عبد الله قال حدثنا إسحاق قال حدثنا أحمد قال سمعت أبا سليمان يقول خير السخاء ما وافق الحاجة
وبه قال أبو سليمان إذا سكنت الدنيا في قلب ترحلت منه الآخرة
وبه قال سمعت أبا سليمان يقول الوارد الصادق أن يصدق ما في قلبه ما نطق به لسانه
وبه قال سمعت أبا سليمان يقول من صدق كوفئ ومن أحسن عوفي
سمعت الحسين بن يحيى يقول سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول سمعت الجنيد يقول قال أبو سليمان الداراني ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة
____________________
(1/76)
سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت المعمري يقول حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال حدثنا أبو سليمان يقول كل عمل ليس له ثواب في الدنيا ليس له جزاه في الآخرة
حدثنا عبد الله بن الحسين الصوفي حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا سهل ابن علي حدثنا أبو عمران الجصاص قال سمعت أبا سليمان يقول إذا جاع القلب وعطش صفا ورق وإذا شبع وروي عمى
سمعت أبا الفرج الورثاني يقول سمعت أبا الطيب العكي يقول قال أحمد بن أبي الحواري قلت لأبي سليمان صليت صلاة في خلوة فوجدت لها لذة فقال أي شيء لذك منها قلت حيث لم يرني أحد فقال إنك لضعيف حيث خطر بقلبك ذكر الخلق
وبإسناده قال أحمد سألت أبا سليمان فقلت له إذا خرجت الشهوات من القلب أي اسم يقع عليه زاهد ورع ماذا قال إذا سلا عن الشهوات فهو راض
____________________
(1/77)
أخبرنا علي بن أبي عمر البلخي قال حدثنا محمد بن علي بن القاسم قال حدثنا الحسن بن عبيد الله القطان حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال قال أبو سليمان اجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به بمنزلة مالم يخطر ببالك ولم تطلبه
حدثنا أحمد بن محمد بن زكريا حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب حدثنا محمد بن العباس بن الدرفس حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول العيال يضعفون يقين صاحب اليقين لأنه إذا كان وحده فجاع فرح وإذا كان له عيال فجاعوا طلب لهم وإذا جاء الطلب فقد ضعف اليقين
وبه قال أبو سليمان أبلغ الأشياء فيما بين الله وبين العبد المحاسبة
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول قال أبو سليمان آخر أقدام الزاهدين أول أقدام المتوكلين
وبه قال أبو سليمان من لطائف المعاريض قوله تعالى { ألا لله الدين الخالص } ( الزمر 3 ) تهديد بلطف
وبه قال أبو سليمان لكل شيء مهر ومهر الجنة ترك الدنيا بما فيها
وبه قال أبو سليمان لكل شيء حلية وحلية الصدق الخشوع
وبه قال أبو سليمان إذا ترك الحكيم الدنيا فقد استنار بنور الحكمة
وبه قال أبو سليمان لكل شيء معدن ومعدن الصدق قلوب الزاهدين
____________________
(1/78)
وبه قال أبو سليمان لكل شيء علم وعلم الخذلان ترك البكاء
وبه قال أبو سليمان من توسل إلى الله بتلف نفسه حفظ الله عليه نفسه وحكمه في جنته
وبه قال أبو سليمان أفضل الأعمال خلاف هوى النفس
وبه قال أبو سليمان من أراد واعظا بينا فلينظر إلى اختلاف الليل والنهار
وبه قال أبو سليمان علموا النفوس الرضى بمجاري المقدور فنعم فنعم الوسيلة إلى درجات المعرفة
وبه قال أبو سليمان إذا سكن الخوف القلب أحرق الشهوات وطرد الغفلة من القلب
وبه قال أبو سليمان لكل شيء صدأ وصدأ نور القلب شبع البطن
وبه قال أبو سليمان من أظهر الانقطاع إلى الله فقد وجب عليه خلع ما دونه من رقبته
وبه قال أبو سليمان من كان الصدق وسيلته كان الرضا من الله جائزته
وبه قال أبو سليمان لكل شيء صدق وصدق اليقين الخوف من الله تعالى
وبه قال أبو سليمان لو أن محزونا بكى في أمة لرحم الله تلك الأمة
____________________
(1/79)
10 ومنهم معروف الكرخي وهو أبو محفوظ معروف بن فيروز
سمعت محمد بن يعقوب الأصم يقول سمعت زكريا بن يحيى بن أسد يقول معروف بن فيروز أبو محفوظ الكرخي
ويقال معروف بن الفيرزان
سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول سمعت أبا العباس السراج يقول سمعت إبراهيم بن الجنيد يقول معروف الكرخي هو معروف بن الفيرزان ويقال معروف بن علي
أخبرنا يوسف بن عمر الزاهد ببغداد حدثنا عبيد الله بن جعفر الصغاني حدثنا عمر بن واصل قال قال سهل بن عبد الله أخبرني محمد بن سوار عن معروف بن علي الكرخي الزاهد
____________________
(1/80)
وهو من جلة المشايخ وقدمائهم والمذكورين بالورع والفتوة كان أستاذ سري السقطي صحب داود الطائي وقبره ببغداد ظاهر يستشفى به ويتبرك بزيارته
سمعت أبا الحسن بن مقسم المقرئ ببغداد يقول سمعت أبا علي الصفار يقول سمعت إبراهيم بن الجزري يقول قبر معروف الترياق المجرب
____________________
(1/81)
وكان معروف أسلم على يد علي بن موسى الرضا وكان بعد إسلامه يحجبه فازدحم الشيعة يوما على باب علي بن موسى فكسروا أضلع معروف فمات ودفن ببغداد وأسند الحديث
أخبرنا أبو الحسين علي بن الحسن بن جعفر الحافظ العطار ببغداد حدثنا أحمد بن الحسن المقرئ ديس حدثنا نصر بن داود حدثنا خلف ابن هشام قال سمعت معروفا الكرخي يقول اللهم إن نواصينا بيدك لم تملكنا منها شيئا فإذا فعلت ذلك بنا فكن أنت ولينا وأهدنا إلى سواء السبيل
فسألته فقال حدثني بكر بن خنيس قال حدثنا سفيان الثوري
____________________
(1/82)
عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء
أخبرنا عبد الله بن عثمان بن جعفر قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا أبي قال قال محمد بن نصر سمعت معروفا يقول ما أكثر الصالحين وأقل الصادقين في الصالحين
وأخبرنا عبد الله حدثنا أحمد حدثنا أبي حدثنا يوسف بن موسى أخبرنا ابن خبيق قال سمعت إبراهيم البكاء يقول سمعت معروفا الكرخي يقول إذا أراد الله بعبد خيرا فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الجدل وإذا أراد الله بعبد شرا أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل
وبهذا الإسناد سمعت معروفا وقلت له أوصني يقول توكل على الله حتى يكون هو معلمك ومؤنسك وموضع شكواك فإن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك
____________________
(1/83)
وأخبرنا عبد الله حدثنا أحمد حدثنا أبي حدثنا هاشم بن أبي عبد الله حدثنا أبو زكريا الحمال قال بال معروف على الشط ثم تيمم فقيل له يا أبا محفوظ الماء منك قريب فقال لعلي لا أبلغه
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا العباس الفرغاني يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول سمعت معروفا الكرخي يقول غضوا أبصاركم ولو عن شاة أنثى
وبه قال معروف حقيقة الوفاء إفاقة السر عن رقدة الغفلات وفراغ الهم عن فضول الآفات
وبه قال معروف السخاء إيثار ما يحتاج إليه عند الإعسار
وبه قال قال رجل لمعروف ما شكرت معروفي فقال كان معروفك من غير محتسب فوقع عند غير شاكر
سمعت أحمد بن محمد بن يعقوب الهروي بقرميسين يقول سمعت أحمد ابن عطاء يقول حدثنا عمر بن مخلد قال قال ابن أبي الورد قال معروف الكرخي علامة مقت الله العبد أن تراه مشتغلا بما لا يعنيه من أمر نفسه
قال وقال معروف طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق
____________________
(1/84)
وقال أبو سليمان الداراني سألت معروفا الكرخي عن الطائعين لله تعالى بأي شيء قدروا على الطاعة قال بإخراج الدنيا من قلوبهم ولو كان منها شيء في قلوبهم ما صحت لهم سجدة
وبه قال سئل معروف بم تخرج الدنيا من القلب قال بصفاء الود وحسن المعاملة
وبه قال سئل معروف عن المحبة فقال المحبة ليست من تعليم الخلق إنما هي من مواهب الحق وفضله
وبه قال معروف للفتيان علامات ثلاث وفاء بلا خلاف ومدح بلا جود وعطاء بلا سؤال
وبه قال كان معروف يعاتب نفسه ويقول يا مسكين كم تبكي وتندب أخلص تخلص
وبه قال سئل معروف ما علامة الأولياء فقال ثلاثة همومهم لله وشغلهم فيه وفرارهم إليه
وبه قال قال معروف ليس للعارف نعمة وهو في كل نعمة
سمعت أبا الفتح القواس الزاهد يقول سمعت أبا عمرو البزوري يقول قال معروف قلوب الطاهرين تشرح بالتقوى وتزهر بالبر وقلوب الفجار تظلم بالفجور وتعمى بسوء النية
____________________
(1/85)
وبه قال معروف إذا أراد الله بعبد خيرا فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الفترة والكسل
11 ومنهم حاتم الأصم وهو حاتم بن عنوان ويقال حاتم بن يوسف ويقال حاتم بن عنوان بن يوسف الأصم كنيته أبو عبد الرحمن
وهو من قدماء مشايخ خراسان من أهل بلخ صحب شقيق بن إبراهيم وكان أستاذ أحمد بن خضرويه وهو مولى للمثنى بن يحيى المحاربي ول ابن يقال له خشنام بن حاتم
مات بواشجرد عند رباط يقال له رأس سروند على جبل فوق واشجرد سنة سبع وثلاثين ومائتين وأسند الحديث
أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن أحمد المؤذن حدثنا محمد بن الحسين بن علي حدثنا محمد بن الحسين بن علويه حدثنا يحيى بن الحارث حدثنا حاتم بن عنوان الاصم حدثنا سعيد بن عبد الله الماهياني حدثنا إبراهيم بن طهمان بنيسابور حدثنا مالك عن الزهري عن أنس أن النبي
____________________
(1/86)
صلى الله عليه وسلم قال ( صل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار وسلم إذا دخلت بيتك يكثر خير بيتك )
سمعت نصر بن أبي نصر العطار يقول سمعت أحمد بن سليمان الكفرشيلاني يقول وجدت في كتابي عن حاتم الأصم أنه قال من دخل في مذهبنا هذا فليجعل في نفسه أربع خصال من الموت موت أبيض وموت أسود وموت أحمر وموت أخضر فالموت الأبيض الجوع والموت الأسود احتمال أذى الناس والموت الأحمر مخالفة النفس والموت الأخضر طرح الرقاع بعضها على بعض
قال وقال حاتم كان يقال العجلة من الشيطان إلا في خمس إطعام الطعام إذا حضر ضيف وتجهيز الميت إذا مات وتزويج البكر إذا أدركت وقضاء الدين إذا وجب والتوبة من الذنب إذا أذنب
سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول سمعت عبد الله بن بكر الطبراني قال حدثنا محمد بن أحمد البغدادي قال حدثنا عبد الله بن سهل قال سمعت حاتما الأصم يقول من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله أولها الثقة بالله ثم التوكل ثم الإخلاص ثم المعرفة والأشياء كلها تتم بالمعرفة
____________________
(1/87)
سمعت أبا علي سعيد بن أحمد البلخي يقول سمعت أبي يقول سمعت محمد بن عبد يقول سمعت خالي محمد بن الليث يقول سمعت حامدا اللفاف يقول سمعت حاتما الأصم يقول الواثق من رزقه من لا يفرح بالغنى ولا يهتم بالفقر ولا يبالي أصبح في عسر أو يسر
وبإسناده قال حاتم يعرف الإخلاص بالاستقامة والاستقامة بالرجاء والرجاء بالإرادة والإرادة بالمعرفة
وبه قال حاتم لكل قول صدق ولكل صدق فعل ولكل فعل صبر ولكل صبر حسبة ولكل حسبة إرادة ولكل إرادة أثرة
وبإسناده قال حاتم أصل الطاعة ثلاث أشياء الخوف والرجاء والحب وأصل المعصية ثلاثة اشياء الكبر والحرص والحسد
وبإسناده قال حاتم المنافق ما أخذ من الدنيا يأخذ بالحرص ويمنع بالشك وينفق بالرياء والمؤمن يأخذ بالخوف ويمسك بالسنة وينفق لله خالصا في الطاعة
وبإسناده قال حاتم اطلب نفسك في أربعة أشياء العمل الصالح بغير رياء والأخذ بغير طمع والعطاء بغير منة والإمساك بغير بخل
وبه قال حاتم النصيحة للخلق إذا رأيت إنسانا في الحسنة أن تحثه عليها وإذا رأيته في معصية أن ترحمه
وبه قال حاتم عجبت ممن يعمل بالطاعات ويقول إني أعمله ابتغاء مرضاة الله ثم تراه أبدا ساخطا على الله رادا لحكمه أتريد أن ترضيه
____________________
(1/88)
ولست براض عنه كيف يرضى عنك وأنت لم ترض عنه
وبه قال حاتم إذا أمرت الناس بالخير فكن أنت أولى به وأحق واعمل بما تأمر وكذا بما تنهى
وبه قال حاتم الجهاد ثلاثة جهاد في سرك مع الشيطان حتى تكسره وجهاد في العلانية في أداء الفرائض حتى تؤديها كما أمر الله وجهاد مع أعداء الله في غزو الإسلام
وبه قال حاتم الشهوة ثلاثة شهوة في الأكل وشهوة في الكلام وشهوة في النظر فاحفظ الأكل بالثقة واللسان بالصدق والنظر بالعبرة
وبإسناده قال حاتم من فتح عليه شيء من الدنيا فلم يتحر الخلاص منه ولم يعمل في إخراجه فقد أظهر حب الدنيا
سمعت أبا علي سعيد بن أحمد اللبخي يقول سمعت أبي يقول سمعت محمد بن عبد يقول سمعت خالي محمد بن الليث يقول سمعت حامدا اللفاف يقول سمعت حاتما الأصم يقول ما من صباح إلا والشيطان يقول لي ما تأكل وما تلبس وأين تسكن فأقول آكل الموت وألبس الكفن وأسكن القبر
وبإسناده قال رجل لحاتم ما تشتهي قال أشتهي عافية يومي إلى الليل فقيل له أليست الأيام كلها عافية فقال إن عافية يومي ألا أعصي الله فيه
وبه قال حاتم أربعة يندمون على أربعة المقصر إذا فاته العمل
____________________
(1/89)
والمنقطع عن أصدقائه إذا نابته نائبة والممكن منه عدوه بسوء رأيه والجريء على الذنوب
وبه قال حاتم العباء على من أعلام الزهد فلا ينبغي لصاحب العباء أن يلبس عباء بثلاثة دراهم ونصف وفي قلبه شهوة بخمسة دراهم أما يستحي من الله أن تجاوز شهوة قلبه عباءه
وبه قال حاتم الزم خدمة مولاك تأتك الدنيا راغمة والجنة عاشقة
وبه قال حاتم تعهد نفسك في ثلاثة مواضع إذا علمت فاذكر نظر الله إليك وإذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك وإذا سكنت فاذكر علم الله فيك
وبه قال حاتم القلوب خمسة قلب ميت وقلب مريض وقلب غافل وقلب متنبه وقلب صحيح سالم
وقال رجل لحاتم عظني فقال إن كنت تريد أن تعصي مولاك فاعصه في موضع لا يراك
وبه قال حاتم من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب من ادعى حب الله من غير ورع عن محارمه فهو كذاب من ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله فهو كذاب ومن ادعى حب النبي صلى الله عليه وسلم من غير محبة الفقر فهو كذاب
____________________
(1/90)
12 ومنهم أحمد بن أبي الحواري كنيته أبو الحسن وأبو الحواري اسمه ميمون
من أهل دمشق صحب أبا سليمان الداراني وغيره من المشايخ مثل سفيان بن عيينة ومروان بن معاوية الفزاري ومضاء بن عيسى وبشر بن السري وأبي عبد الله النباجي
وله أخ يقال له محمد بن أبي الحواري يجري مجراه في الزهد والورع وابنه عبد الله بن أحمد بن أبي الحواري من الزهاد وأبوه أبو الحواري كان من العارفين الورعين أيضا فبيتهم بيت الورع والزهد
مات أحمد سنة ثلاثين ومائتين وأسند الحديث
____________________
(1/91)
أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي حدثنا أبو الفضل العباس بن حمزة الزاهد حدثنا أحمد بن الحواري حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي حدثنا عفير بن معدان حدثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحتمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته )
سمعت الحاكم أبا أحمد محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ يقول سمعت سعيد بن عبد العزيز الحلبي يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب لها أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه
وبهذا الإسناد قال أحمد أفضل البكاء بكاء العبد على ما فاته من أوقاته على غير الموافقة أو بكاء على ما سبق له من المخالفة
وبهذا الإسناد سمعت أحمد يقول من عمل بلا اتباع السنة فباطل عمله
____________________
(1/92)
أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال حدثنا أبو الفضل العباس بن حمزة حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال من عرف الدنيا زهد فيها ومن عرف الآخرة رغب فيها ومن عرف الله آثر رضاه
وبهذا الإسناد قال أحمد علامة حب الله طاعة الله وقيل حب ذكر الله فإذا أحب الله العبد أحبه ولا يستطيع العبد أن يحب الله حتى يكون الابتداء من الله بالحب له وذلك حين عرف منه الاجتهاد في مرضاته
وبهذا الإسناد قال أحمد من لم يعرف نفسه فهو من دينه في غرور
وبهذا الإسناد قال أحمد ما ابتلى الله عبدا بشيء أشد من الغفلة والقسوة
وبهذا الإسناد قال أحمد في الرباط والغزو نعم المستراح إذا مل العبد من العبادة استراح إلى غير معصية
وبهذا الإسناد قال أحمد إن الله إذا أحب قوما أفادهم في اليقظة والمنام لأنهم طلبوا رضاه في اليقظة والمنام
وبهذا الإسناد قال أحمد كلما ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة إليه أسرع
وبهذا الإسناد قال أحمد إنما كره الأنبياء الموت لانقطاع الذكر عنهم
____________________
(1/93)
وبهذا الإسناد قال أحمد إذا مرض قلبك بحب الدنيا وكثرة الذنوب فداوه بالزهد فيها وترك الذنوب
وبهذا الإسناد قال أحمد إذا حدثتك نفسك بترك الدنيا عند إدبارها فهو خدعة وإذا حدثتك نفسك بتركها عند إقبالها فذاك
وبهذا الإسناد قال أحمد إذا رأيت من قلبك قسوة فجالس الذاكرين واصحب الزاهدين وأقلل مطمعك واجتنب مرادك وروض نفسك على المكاره
وبهذا الإسناد قال أحمد الدنيا مزبلة ومجمع الكلاب وأقل من الكلاب من عكف عليها فإن الكلب يأخذ منها حاجته وينصرف والمحب لها لا يزايلها بحال
وبهذا الإسناد قال أحمد من أحب أن يعرف بشيء من الخير أو يذكر به فقد أشرك في عبادته لأن من عبد على المحبة لا يحب أن يرى خدمته سوى محبوبه
وبهذا الإسناد قال أحمد إني لأقرأ القرآن فأنظر في آية فيحار عقلي فيها وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الرحمن أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحا بما رزقوا ووفقوا
____________________
(1/94)
13 ومنهم أحمد بن خضرويه البلخي كنيته أبو حامد
وهومن كبار مشايخ خراسان صحب أبا تراب النخشبي وحاتما الأصم ورحل إلى أبي يزيد البسطامي وهو من مذكوري مشايخ خراسان بالفتوة ودخل نيسابور في زيارة أبي حفص النيسابوري
قيل لأبي حفص من أجل من رأيت من هذه الطبقة قال ما رأيت أحدا أكبر همة ولا أصدق حالا من أحمد بن خضرويه
توفي سنة أربعين ومائتين
كذلك سمعت عبد الله بن علي قال سمعت محمد بن الفضل البلخي يذكر ذلك
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت محمد بن الفضل يقول سمعت أحمد بن خضرويه يقول ولي الله لا يسم نفسه بسيماء ولا يكون له اسم يتسمى به
____________________
(1/95)
قال قال أحمد القلوب جوالة إما أن تجول حول العرش وإما أن تجول حول الحش
قال وقال أحمد في الحرية تمام العبودية وفي تحقيق العبودية تمام الحرية
قال وقال أحمد لا تتم معاشرة متضادين في دين أو في دنيا
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي قال سمعت محمد بن الفضل يقول استقرض أحمد بن خضرويه من رجل مائة ألف درهم فقال له الرجل أليس أنتم الزهاد في الدنيا ما تصنع بهذه الدراهم قال أشتري بها لقمة فأضعها في فم مؤمن ولا أجترئ أن أسأل ثوابه من الله تعالى قال لم قال لأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة لو أخذتها فطلبت بها شيئا ما الذي تعطى بها والدنيا كلها لها هذا القدر
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت محمد بن حامد الترمذي يقول قال أحمد بن خضرويه الصبر زاد المضطرين والرضا درجة العارفين
قال وقال أحمد من صبر على صبره فهو الصابر لا من صبر وشكا
وبإسناده قال أحمد كنت في طريق مكة فوقعت رجلي في شكال فكنت أمشي فرسخين وهو متعلق بها فرآني بعض الناس فنزعه عني ثم دفعني فقدمت بسطام فابتدأني أبو يزيد فقال الحال الذي ورد عليك في طريق مكة كيف كان حكمك مع الله فيها قلت أردت ألا يكون لي في اختياره اختيار فقال لي يا فضولي قد اخترت كل شيء حيث كانت لك إرادة
قال وقال أحمد من خدم الفقراء أكرم بثلاثة أشياء التواضع وحسن الأدب وسخاوة النفس
____________________
(1/96)
قال وقال أحمد الطريق واضح والحق لائح والداعي قد أسمع فما التحير بعد هذا إلا من العمى
قال وقرئ بين يدي أحمد بن خضرويه قول الله عز وجل { ففروا إلى الله } [ الذاريات 50 ] قال أعلمهم بهذا أنه خير مفر
قال وقال أحمد حقيقة المعرفة المحبة له بالقلب والذكر له باللسان وقطع الهمة عن كل شيء سواه
قال وقال أحمد القلوب أوعية فإذا امتلأت من الحق أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح وإذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمتها على الجوارح
قال وقال رجل لأحمد بن خضرويه أوصني فقال أمت نفسك حتى يحيها
قال وقال أحمد أقرب الخلق إلى الله أوسعهم خلقا
قال وقال أحمد بلغني أنه استأذن بعض الأغنياء على بعض الزهاد فأذن له فرآه في رمضان يأكل خبزا يابسا بملح فرجع إلى منزله وبعث إليه بألف دينار فرده وقال إن هذا جزاء من أفشى سره إلى مثلك
قال وقال أحمد لا نوم أثقل من الغفلة ولا رق أملك من الشهوة ولولا ثقل الغفلة لما ظفرت بك الشهوة
قال وقال أحمد ليس من طالبه الحق بآلائه كمن طالبه الحق بنعمائه
____________________
(1/97)
قال وسئل أحمد أي الأعمال أفضل قال رعاية السر عن الالتفات إلى شيء سوى الله تعالى
14 ومنهم يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي الواعظ
تكلم في علم الرجاء وأحسن الكلام فيه
وكانوا ثلاثة أخوة يحيى وإسماعيل وإبراهيم وأكبرهم سنا إسماعيل ويحيى أوسطهم وأصغرهم إبراهيم وكلهم كانوا زهادا
وإبراهيم خرج مع يحيى إلى خراسان وتوفي فيما بين نيسابور وبلخ وقيل إنه مات في بعض بلاد جوزجان وخرج يحيى إلى بلخ وأقام بها مدة ثم رجع إلى نيسابور ومات بها سنة ثمان وخمسين ومائتين وروى الحديث
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال حدثنا علي بن محمد الأزرق حدثنا محمد بن عبدك قال سمعت يحيى بن معاذ الرازي الواعظ يذكر عن حمدان بن عيسى البلخي عن الزبرقان عن الشعبي عن ابن عباس قال ( التقوى كرم الخلق وطيب المطعم )
____________________
(1/98)
أخبرنا الحسين بن أحمد بن أسد الهروي قال حدثنا محمد بن علي بن الحسين البلخي حدثنا نصر بن الحارث حدثنا يحيى بن معاذ حدثنا عصمة ابن عاصم حدثنا سعدان الحليمي حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم التفكر طويل الأحزان قليل الضحك إلا أن يبتسم )
سمعت عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري بها قال سمعت أحمد بن محمد السري قال سمعت أبا محمد الاسكابي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول من استفتح باب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى المخلوقين
وبإسناده قال يحيى العبادة حرفة حوانيتها الخلوة ورأس مالها الاجتهاد بالسنة وربحها الجنة
وبه قال سمعت يحيى يقول الصبر على الخلوة من علامات الإخلاص
سمعت عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري يقول حدثني أبو الحسن السنجري يقول سمعت أبا يعقوب الدارمي يقول سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول الدنيا دار أشغال والآخرة دار أهوال ولا يزال العبد بين الأهوال والأشغال حتى يستقر به القرار إما إلى الجنة وإما إلى النار
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت الحسن بن علويه يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول جميع الدنيا من أولها إلى آخرها لا يساوي غم ساعة فكيف تغم عمرك فيها مع قليل يصيبك منها
____________________
(1/99)
قال وسمعت يحيى يقول ثلاث خصال من صفة الأولياء الثقة بالله في كل شيء والغنى به عن كل شيء والرجوع إليه في كل شيء
قال وسمعت يحيى يقول أولياؤه أسراء نعمه وأصفياؤه رهائن كرمه وأحباؤه عبيد مننه فهم عبيد محبة لا يعتقون ورهائن كرم لا يفكون وأسراء نعم لا يطلقون
سمعت عبيد الله بن محمد يقول سمعت أحمد بن محمد السري يقول سمعت أحمد بن محمد بن عيسى يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول كيف يكون زاهدا من لا ورع له تورع عما ليس لك ثم ازهد فيما لك
قال وسمعت يحيى يقول سقوط العبد من درجة ادعاؤها
وبه قال يحيى جوع التوابين تجربة وجوع الزاهدين سياسة وجوع الصديقين تكرمة
____________________
(1/100)
وبه قال يحيى طلب العاقل للدنيا أحسن من ترك الجاهل لها
وبه قال يحيى لا يزال العبد مقرونا بالتواني ما دام مقيما على وعد الأماني
سمعت عبد الله بن علي السراج يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت محمد بن الفضل العدوي قال حدثنا أحمد بن خلف البرساني حدثنا أحمد بن محمد بن شاهويه البلخي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول على قدر حبك لله تعالى يحبك الخلق وبقدر خوفك من الله تعالى يهابك الخلق وعلى قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق
سمعت أبا الفضل نصر بن أبي نصر يقول سمعت ابن الفضل القاضي البلخي يقول سمعت محمد بن إسماعيل بن موسى يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول ليس من تاه فيه كمن تاه بعجائب ما ورد عليه منه
قال وسمعت يحيى يقول الفوت أشد من الموت لأن الفوت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق
سمعت محمد بن علي النهاوندي يقول سمعت موسى بن محمد يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول الوحدة منية الصديقين والأنس بالناس وحشتهم
قال وسمعت يحيى يقول الزاهد صافي الظاهر مختلط الباطن والعارف صافي الباطن مختلط الظاهر
قال وسمعت يحيى يقول أهل المعرفة وحش الله في الأرض لا يأنسون إلى أحد والزاهدون غرباء في الدنيا والعارفون غرباء في الآخرة
____________________
(1/101)
قال وسمعت يحيى يقول ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت
سمعت عبد الواحد بن بكر الورثاني يقول حدثني أحمد بن محمد بن علي البرذعي قال حدثنا طاهر بن إسماعيل الرازي قال قيل ليحيى بن معاذ أخبرنا عن الله ما هو قال إله واحد قيل كيف هو قال ملك قادر قيل أين هو قال بالمرصاد قيل ليس عن هذا أسألك قال يحيى فذاك صفة المخلوق فأما صفة الخالق فما أخبرتك به
حدثنا أحمد بن محمد بن يعقوب قال حدثني أحمد بن محمد بن علي حدثنا علي الرازي قال قال يحيى بن معاذ من سر بخدمة الله سرت الأشياء كلها بخدمته ومن قرت عينه بالله قرت عيون كل شيء بالنظر إليه
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت الحسن بن علويه يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول الزهد ثلاثة اشياء القلة والخلوة والجوع
قال وقال يحيى عند نزول البلاء تظهر حقائق الصبر وعند مكاشفة المقدور تظهر حقائق الرضا
قال وقال يحيى محبوب اليوم يعقب المكروه غدا ومكروه اليوم يعقب المحبوب غدا
قال وقال يحيى اجتنبت صحبة ثلاثة أصناف من الناس العلماء الغافلين والقراء المداهنين والمتصوفة الجاهلين
____________________
(1/102)
قال وقال يحيى من لم يعتبر بالمعاينة لم يتعظ بالموعظة ومن اعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة
قال وقال يحيى العبرة بالأوتار والمعتبر بالمثقال
قال وقال يحيى أبناء الدنيا تخدمهم الإماء والعبيد وأبناء الآخرة يخدمهم الأبرار والأحرار
قال وقال يحيى لا تربح على نفسك بشيء أجل من أن تشغلها في كل وقت بما هو أولى بها
15 ومنهم أبو حفص النيسابوري واسمه عمرو بن سلم ويقال عمرو بن سلمة وهو الأصح إن شاء الله
فقد رأيت بخط جدي إسماعيل بن نجيد قال أبو عثمان بن إسماعيل سألت أستاذي أبا حفص عمر بن سلمة
وهو من أهل قرية يقال لها كورداباذ على باب مدينة نيسابور إذا خرجت إلى بخارى
صحب عبيد الله بن مهدي الأبيوردي وعليا النصراباذي ورافق أحمد بن
____________________
(1/103)
خضرويه البلخي وكان أحد الأئمة والسادة انتمى إليه شاه بن شجاع الكرماني وأبو عثمان سعيد بن إسماعيل
توفي سنة سبعين ومائتين ويقال سنة سبع وستين والله أعلم
قرأت بخط أبي عمرو بن حمدان قال سمعت أبي يقول قال أبو حفص المعاصي بريد الكفر كما أن الحمى بريد الموت
قال وقال مخمش الجلاب صحبت أبا حفص اثنتين وعشرين سنة ما رأيته ذكر الله تعالى على حد الغفلة والانبساط وما كان يذكره إلا على سبيل الحضور والتعظيم والحرمة فكان إذا ذكر الله تغيرت عليه حاله حتى كان يرى ذلك منه جميع من حضره
قال وقال مرة وقد ذكر الله تعالى وتغير عليه حاله فلما رجع قال ما أبعد ذكر المحققين فما أظن أن محقا يذكر الله عن غير غفلة ثم يبقى بعد ذلك حيا إلا الأنبياء فإنهم أيدوا بقوة النبوة وخواص الأولياء بقوة ولايتهم
قال وكان أبو حفص يقول من إهانة الدنيا أني لا أبخل بها على أحد ولا أبخل بها على نفسي لاحتقارها واحتقار نفسي عندي
____________________
(1/104)
قال وقال محمد بن بحر الشجيني أخو زكريا كنت أخاف الفقر مع ما كنت أملك من المال فقال لي يوما أبو حفص إن قضى الله عليك الفقر لا يقدر أحد أن يغنيك فذهب خوف الفقر من قلبي رأسا
قال قال أبو حفص الفقير الصادق الذي يكون في كل وقت بحكمه فإذا ورد عليه وارد يشغله عن حكم وقته يستوحش منه وينفيه
قال وقال أبو حفص ما أعز الفقر إلى الله وأذل الفقر إلى الاشكال وما أحسن الاستغناء بالله وأقبح الاستغناء باللثام
سمعت جدي رحمه الله يقول كان أبو حفص إذا غضب تكلم في حسن الخلق حتى يسكن غضبه ثم يرجع إلى حديثه
سمعت عبد الرحمن بن الحسين الصوفي يقول بلغني أن مشايخ بغداد اجتمعوا عند أبي حفص وسألوه عن الفتوة فقال تكلموا أنتم فإن لكم العبارة واللسان فقال الجنيد الفتوة إسقاط الرؤية وترك النسبة
فقال أبو حفص ما أحسن ما قلت ولكن الفتوة عندي أداء الإنصاف وترك مطالبة الإنصاف فقال الجنيد قوموا يا أصحابنا فقد زاد أبو حفص على آدم وذريته
وسمعت عبد الرحمن يقول بلغني أنه لما أراد أبو حفص الخروج من بغداد شيعه من بها من المشايخ والفتيان فلما أرادوا أن يرجعوا قال له بعضهم دلنا على الفتوة ما هي فقال الفتوة تؤخذ استعمالا ومعاملة لا نطقا فتعجبوا من كلامه
قال وسئل أبو حفص هل للفتى من علامة قال نعم من يرى الفتيان ولا يستحى منهم في شمائله وأفعاله فهو فتى
____________________
(1/105)
سمعت أبي يقول سمعت أبا العباس الدينوري يقول قال أبو حفص ما دخل قلبي حق ولا باطل منذ عرفت الله
سمعت محمد بن أحمد بن حمدان يقول سمعت أبي يقول سمعت أبا حفص يقول تركت العمل فرجعت إليه ثم تركني العمل فلم أرجع إليه
سمعت أبا أحمد بن عيسى يقول سمعت محفوظ بن محمود يقول سمعت أبا حفص يقول الكرم طرح الدنيا لمن يحتاج إليها والإقبال على الله لاحتياجك إليه
قال وقال رجل لأبي حفص إن فلانا من أصحابك أبدا يدور حول السماع فإذا سمع هاج وبكى ومزق ثيابه فقال أبو حفص أيش يعمل الغريق يتعلق بكل شيء يظن نجاته فيه
قال وقال أبو حفص حرست قلبي عشرين سنة ثم حرسني قلبي عشرين سنة ثم وردت حالة صرنا فيها محروسين جميعا
قال وقال أبو حفص من تجرع كأس الشوق يهيم هياما لا يفيق إلا عند المشاهدة واللقاء
قال وقال أبو حفص إذا رأيت المحب ساكنا هادئا فاعلم أنه وردت عليه غفلة فإن الحب لا يترك صاحبه يهدأ بل يزعجه في الدنو والبعد واللقاء والحجاب
قال وقال أبو حفص التصوف كله آداب لكل وقت أدب ولكل مقام أدب فمن لزم آداب الأوقات بلغ مبلغ الرجال ومن ضيع الآداب فهو بعيد من حيث يظن القرب ومردود من حيث يرجو القبول
____________________
(1/106)
سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول وجدت في كتاب أبي قال أبو حفص الحال لا يفارق العلم ولا يقارن القول
وذكر أبو عثمان الحيري النيسابوري عن أبي حفص أنه قال من يعطي ويأخذ فهو رجل ومن يعطي ولا يأخذ فهو نصف رجل ومن لا يعطي ولا يأخذ فهو همج لا خير فيه فسئل أبو عثمان عن معنى هذا الكلام فقال من يأخذ من الله ويعطي لله فهو رجل لأنه لا يرى فيه نفسهه بحال ومن يعطي ولا يأخذ فإنه نصف رجل لأنه يرى نفسه في ذلك فيرى أن له بأن لا يأخذ فضيلة ومن لا يأخذ ولا يعطي فهو همج لأنه يظن أنه الآخذ والمعطي دون الله تعالى
سمعت ابا الحسن بن مقسم ببغداد يقول سمعت أبا محمد المرتعش يقول سمعت أبا حفص يقول ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء أو لمحه بقلبه
قال وسئل أبو حفص عن قول الله عز وجل { وعاشروهن بالمعروف } [ النساء 19 ] قال المعاشرة بالمعروف حسن الخلق مع العيال فيما ساءك ومن كرهت صحبتها
قال وسئل أبو حفص عن البخل فقال ترك الإيثار عند الحاجة إليه
قال وسئل أيضا من الولي فقال من أيد بالكرامات وغيب عنها
قال وقال أبو حفص ما ظهرت حالة عالية إلا من ملازمة أصل صحيح
قال سئل عن أحكام الفقر وآدابها على الفقراء فقال حفظ حرمات المشايخ وحسن العشرة مع الإخوان والنصيحة للأصاغر وترك الخصومات في الأرزاق وملازمة الإيثار ومجانبة الادخار وترك صحبة من ليس من طبقتهم والمعاونة في أمور الدين والدنيا
____________________
(1/107)
قال وسئل أبو حفص من العاقل فقال المطالب نفسه بالإخلاص
قال سئل أبو حفص عن العبودية فقال ترك ما لك والتزام ما أمرت به
قال وقال أبو حفص من رأى فضل الله عليه في كل حال أرجو ألا يهلك
قال وقال أبو حفص لا تكن عبادتك لربك سببا لأن تكون معبودا
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت المرتعش يقول سمعت أبا حفص يقول إني لا أدعي الخلق لأني أحسن من نفسي سرعة الغضب وإن لم أظهره ولا أدعي السخاء لأني لست آمن من نفسي أن تلاحظ فعله أو تلتفت إليه أو تذكر عطاءه وقتا ما
قال وقال أبو حفص حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال لو خشع قلبه لخشعت جوارحه )
قال سئل أبو حفص ما البدعة فقال التعدي في الأحكام والتهاون بالسنن واتباع الآراء وترك الاقتداء والاتباع
قال وسئل أبو حفص من الرجال فقال القائمون مع الله تعالى بوفاء العهود قال الله تعالى { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } ( الأحزاب )
____________________
(1/108)
قال وقال أبو حفص الإيثار أن تقدم حظوظ الإخوان على حظك في أمر آخرتك ودنياك
16 ومنهم حمدون بن أحمد بن عمارة أبو صالح القصار النيسابوري
شيخ أهل الملامة بنيسابور ومنه انتشر مذهب الملامة
صحب سلم بن الحسن الباروسي وأبا تراب النخشبي وعليا النصراباذي وكان عالما فقيها يذهب مذهب الثوري وطريقته طريقة اختص هو بها ولم يأخذ عنه طريقته أحد من أصحابه كأخذ عبد الله بن محمد بن منازل صاحبه عنه
توفي أبو صالح حمدون سنة إحدى وسبعين ومائتين بنيسابور ودفن في مقبرة الحيرة وأسند الحديث
حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا عبد الله بن محمد بن منازل حدثنا حمدون بن أحمد القصار حدثنا إبراهيم الزراد حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن سعيد بن عبد الله عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وأين وضعه وعن علمه ما عمل فيه )
____________________
(1/109)
سمعت محمد بن أحمد الفراء يقول سمعت عبد الله بن محمد بن منازل يقول سئل حمدون القصار متى يجوز للرجل أن يتكلم على الناس فقال إذا تعين عليه أداء فرض من فرائض الله تعالى في علمه أو خاف هلاك إنسان في بدعة يرجو أن ينجيه الله تعالى منها بعلمه
قال وقيل لحمدون ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا قال لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن ونحن نتكلم لعز النفس وطلب الدنيا وقبول الخلق
قال وقال حمدون أصل رفع الألفة من بين الأخوان حب الدنيا
قال وتكلموا يوما بين يدي أبي صالح حمدون في حفظ الأمانات فقال قد تحملت من الأمانة ما لو اشتغلت به لشغلك عن كل أمانة بعدها
قال وقال له رجل من أصحابه كيف أعمل لا بد لي من معاملة هؤلاء الجند فماذا ترى لي قال إن كنت تعلم يقينا أنك خير منهم فلا تعاملهم
قال وسأله يوما أبو القاسم المنادي عن مسألة فقال له حمدون أرى في سؤالك قوة وعزة نفس أتظن أنك قد بلغت بهذا السؤال الحال الذي تخبر عنه أين طريقة الضعف والفقر والتضرع والالتجاء عندي أن من ظن نفسه خير من نفس فرعون فقد أظهر الكبر
وسمعت محمد بن أحمد الفراء يقول سمعت عبد الله الحجام يقول سمعت حمدون يقول مذ علمت أن للسلطان فراسة في الأشرار ما خرج خوف السلطان من قلبي
____________________
(1/110)
قال وقال عبد الله قال حمدون إذا رأيت سكران فتمايل لئلا تنعى عليه فتبتلى بمثل ذلك
وسمعت محمد بن أحمد الفراء يقول سمعت محمد بن أحمد بن منازل يقول قلت لأبي صالح حمدون أوصني فقال إن استطعت ألا تغضب لشيء من الدنيا فافعل
قال وقال حمدون من ضيع عهود الله عنده فهو لآداب شريعته أضيع لأن الله تعالى يقول { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا }
قال وقال حمدون استعانة المخلوق بالمخلوق كاستعانة المسجون بالمسجون
قال وقال رجل لحمدون أوصني بوصية فقال إن استطعت أن تصبح مفوضا لا مدبرا فافعل
قال وقال حمدون قعود المؤمن عن الكسب الحاف في المسألة
سمعت عبد الله بن محمد بن فضلويه المعلم يقول سمعت عبد الله بن محمد ابن منازل يقول سمعت حمدون يقول من أصبح وليس له هم إلا طلب قوت من حلال وهم ما جرى في سابق العلم وله وعليه فإنه يتفرغ إلى كل شيء
قال وقال حمدون من تحقق في حال لا يخبر عنه
قال وقال لأصحابه أوصيكم بشيئين صحبة العلماء والاحتمال عن الجهال
____________________
(1/111)
قال وقال حمدون من شغله طلب الدنيا عن الآخرة ذل إما في الدنيا وإما في الآخرة
قال وقال حمدون من نظر في سير السلف عرف تقصيره وتخلفه عن درجات الرجال
قال وقال حمدون كفايتك تساق إليك باليسر من غير تعب وإنما التعب في طلب الفضول
قال وسئل حمدون عن الزهد فقال الزهد عندي الا تكون بما في يدك أسكن قلبا منك بضمان سيدك
قال وقال حمدون من غفلة العبد أن يتفرغ من أمر ربه إلى سياسة نفسه
قال وقال حمدون لا يجزع من المصيبة إلا من يتهم ربه
قال وقال حمدون الكياسة تورث العجب
قال وقال حمدون لا أحد أدون ممن يتزين لدار فانية ويتجمل لمن لا يملك ضره ونفعه
قال وقال حمدون تهاون بالدنيا حتى لا يعظم في عينك أهلها ومن يملكها
قال وقال حمدون جمال الفقير في تواضعه فإذا تكبر بفقره فقد أربى على الأغنياء في التكبر
____________________
(1/112)
قال وقال حمدون لا تفش على أحد ما تحب أن يكون مستورا منك
قال وقال حمدون من رأيت فيه خصلة من الخير فلا تفارقه فإنه يصيبك من بركاته
سمعت محمد بن أحمد التميمي يقول سمعت أحمد بن حمدون يقول سمعت أبي وسئل عن طريق الملامة يقول خوف القدرية ورجاء المرجئة
قال وقال حمدون من استطاع منكم ألا يعمى عن نقصان نفسه فليفعل
17 ومنهم منصور بن عمار وكنيته أبو السري
من أهل مرو وأصله منها من قرية يقال لها دندانقان كذلك سمعت أبا العباس أحمد بن سعيد المعداني يذكر ذلك
ويقال إنه من أهل أبيورد كذلك ذكره لي أبو الفضل الشافعي الأخباري
ويقال إنه من أهل بوشنج كذلك ذكره لي محمد بن العباس العصمي
____________________
(1/113)
أقام بالبصرة وكان من أحسن الناس كلاما في الموعظة وكان من حكماء المشايخ وأسند الحديث
أخبرنا جدي إسماعيل بن نجيد السلمي قال حدثنا أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم بن سعيد العبدي حدثنا سليم بن منصور بن عمار ببغداد في رحبة أبيه حدثنا أبي عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه أن فتى من الأنصار يقال له قعلبة بن عبد الرحمن كان يحف برسول الله صلى الله عليه وسلم ويخدمه ثم إنه مر بباب رجل من الأنصار فاطلع فيه فوجد امرأة الأنصاري تغتسل فكرر النظر فخاف أن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع فخرج هاربا من المدينة استحياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى جبالا بين مكة والمدينة فولجها فسأل عنه رسول الله أربعين يوما وهي الأيام التي قالوا ودعه ربه وقلاه فنزل جبريل عليه السلام فقال إن ربك يقرئك السلام ويخبرك أن الهارب من أمتك بين هذه الجبال يعوذ بي من ناري
فبعث رسول الله عمر بن الخطاب وسلمان وقال انطلقا فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن فخرجا في أنقاب المدينة فلقيهما راع من رعاة المدينة يقال له ذفافة فقال له عمر يا ذفافة هل لك علم بشاب بين هذه الجبال فقال ذفافة لعلك تريد الهارب من جهنم فقال له عمر ما علمك أنه هارب من جهنم
____________________
(1/114)
قال إنه إذا كان نصف الليل خرج علينا من هذا الشعب واضعا يده على أم رأسه يبكي وينادي يا ليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد ولا تجردني لفصل القضاء فقال عمر إياه نريد
قال فانطلق بهما ذفافة حتى إذا كان في بعض الليل خرج عليهم وهو ينادي يا ليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد فعدا عليه عمر فأخذه فلما سمع حسه قال الأمان الأمان متى الخلاص من النار
قال له أنا عمر بن الخطاب فقال له ثعلبة أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنبي قال لا علم لي إلا أنه ذكرك بالأمس فينا وأرسلني إليك فقال يا عمر لا تدخلني عليه إلا وهو يصلي أو بلال يقول قد قامت الصلاة قال أفعل
قال فلما أتى به عمر المدينة وافى به المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فلما سمع قراءة رسول الله خر مغشيا عليه فدخل عمر وسلمان في الصلاة وهو صريع فلما سلم رسول الله قال يا عمر ويا سلمان ما فعل ثعلبة ابن عبد الرحمن قالا هو ذا يا رسول الله فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحركه ونبهه ثم قال ما الذي غيبك عني قال ذنبي
قال أفلا أعلمك آية تمحو الذنوب والخطايا قال بلى يا رسول الله قال قل اللهم { آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } ( البقرة 201 ) قال إن ذنبي أعظم من ذاك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بل كلام الله تعالى أعظم )
وأمره بالانصراف إلى منزله فانصرف ومرض ثلاثة أيام وأتى سلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن ثعلبة مرض لما به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قوموا بنا إليه ) فدخل رسول الله فأخذ برأسه فوضعه في حجره فأزال رأسه عن
____________________
(1/115)
حجر رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لم أزلت رأسك عن حجري ) قال لأنه ملآن من الذنوب فقال له رسول الله ( ما تجد )
قال أجد مثل دبيب النمل بين جلدي وعظمي قال فما تشتهي قال مغفرة ربي قال فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله فقال ( يا أخي إن ربي يقرأ عليك السلام ويقول لو لقيني عبدي بقراب الأرض خطيئة للقيته بقرابها مغفرة )
قال فأعلمه رسول الله ذلك فصاح صيحة فمات فقام رسول الله فغسله وكفنه وصلى عليه ثم احتمل إلى قبره فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف أنامله قالوا يا رسول الله رأيناك تمشي على أطراف أناملك قال ( لم أستطع أن أضع رجلي على الأرض من كثرة من شيعه من الملائكة )
قال منصور بن عمار سرورك بالمعصية إذا ظفرت بها شر من مباشرتك المعصية
وقال منصور من جزع من مصائب الدنيا تحولت مصيبته في دينه
وقال منصور من اشتغل بذكر الناس انقطع عن ذكر الله تعالى
وقال منصور لرجل عصى بعد توبته ما أراك رجعت عن طريق الآخرة إلا من الوحشة لقلة سالكيها
وقال منصور لرجل اترك نهمة الدنيا تسترح من الغم واحفظ لسانك تسترح من المعذرة
وقال منصور قلوب العباد كلها روحانية فإذا دخلها الشك والخبث امتنع منها روحها
____________________
(1/116)
وقال منصور إن الحكمة تنطق في قلوب العارفين بلسان التصديق وفي قلوب الزاهدين بلسان التفضيل وفي قلوب العباد بلسان التوفيق وفي قلوب المريدين بلسان التفكر وفي قول بالعلماء بلسان التذكر
وقال منصور الناس رجلان مفتقر إلى الله فهو في أعلى الدرجات على لسان الشريعة والآخر لا يرى الافتقار لما علم من فراغ الله من الخلق والرزق والأجل والسعادة فهو في افتقاره إليه واستغنائه به
وقال منصور سبحان من جعل قلوب العارفين أوعية الذكر وقلوب أهل الدنيا أوعية الطمع وقلوب الزاهدين أوعية التوكل وقلوب الفقراء أوعية القناعة وقلوب المتوكلين أوعية الرضا
وقال منصور الناس الناس رجلان عارف بنفسه فشغله في المجاهدة والرياضة وعارف بربه فشغله بخدمته وعبادته ومرضاته
وقال منصور بن عمار أحسن لباس العبد التواضع والانكسار وأحسن لباس العارفين التقوى قال الله تعالى { ولباس التقوى ذلك خير } ( الأعراف )
وقال منصور سلامة النفس في مخالفتها وبلاؤها في متابعتها
____________________
(1/117)
18 ومنهم أحمد بن عاصم الأنطاكي كنيته أبو علي ويقال أبو عبد الله وهو الأصح
من أقران بشر بن الحارث والسري والحارث المحاسبي ويقال إنه رأى الفضيل بن عياض
سمعت أبا العباس محمد بن الحسن الخشاب قال سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت ابن مسروق الجريري يقول قال أبو عبد الله أحمد بن عاصم الأنطاكي قرة العين وسعة الصدر وروح القلب وطيب النفس من أمور أربعة الاستبانة للحجة والأنس بالأحبة والثقة بالعدة والمعاينة للغاية
سمعت أبا القاسم إبراهيم بن محمد بن محمويه النصراباذي يقول سمعت أبا محمد عبد الرحمن بن إدريس الحنظلي الرازي يقول سمعت علي بن عبد الرحمن الزاهد يقول قال أحمد بن عاصم الأنطاكي أنفع العقل ما عرفك نعم الله تعالى عليك وأعانك على شكرها وقام بخلاف الهوى
قال وسئل أحمد بن عاصم عن الإخلاص فقال إذا عملت عملا صالحا فلم تحب أن تذكر به وتعظم من أجل عملك ولم تطلب ثواب عملك من أحد سواه فذلك إخلاص عملك
قال وقال أحمد أنفع التواضع ما نفى عنك الكبر وأمات منك الغضب
____________________
(1/118)
قال وقال أحمد أنفع الإخلاص ما نفى عنك الرياء والتزين والتصنع
قال وقال أحمد أنفع الفقر ما كنت به متجملا وبه راضيا
قال وقال أحمد أنفع الأعمال ما سلمت من آفاتها وكانت مقبولة منك
قال وقال أحمد من علامة قلة معرفة العبد بنفسه قلة الحياء وقلة الخوف
قال وقال أحمد أضر المعاصي عملك الطاعات بالجهل هو أضر عليك من المعاصي بالجهل
قال وقال أحمد العدل عدلان عدل ظاهر فيما بينك وبين الناس وعدل باطن فيما بينك وبين الله تعالى وطريق العدل طريق الاستقامة وطريق الفضل طريق الفضيلة
قال وقال أحمد اليقين نور يجعله الله في قلب العبد حتى يشاهد به أمور آخرته ويخرق بقوته كل حجاب بينه وبين ما في الآخرة حتى يطالع تلك الأمور كالمشاهد لها
____________________
(1/119)
قال وقال أحمد إذا طلبت صلاح قلبك فاستعن عليه بحفظ لسانك
قال وقال أحمد اعمل على أن ليس في الأرض أحد غيرك ولا في السماء أحد غيره
قال وقال أحمد العاقل من عقل عن الله عز وجل مواعظه وعرف ما يضره مما ينفعه
قال وقال أحمد إمام كل عمل علم وإمام كل علم عناية
أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي المكتب حدثنا أبو الفضل العباس بن حمزة حدثنا أحمد بن حمزة حدثنا أحمد بن أبي الحواري الدمشقي قال سمعت أحمد بن عاصم الأنطاكي يقول هذه غنيمة باردة أصلح ما بقي يغفر لك ما مضى
وبهذا الإسناد قال أحمد قال الله تعالى { أنما أموالكم وأولادكم فتنة } ( الأنفال 28 ) ونحن نستزيد من الفتنة
19 ومنهم عبد الله بن خببيق بن سابق الأنطاكي كنيته أبو محمد
صحب يوسف بن أسباط وهو من زهاد الصوفية والآكلين من الحلال والورعين في جميع أحواله
وأصله من الكوفة ولكنه من الناقلة إلى أنطاكية وطريقته في التصوف
____________________
(1/120)
طريقة النوري فإنه صحب أصحابه وأسند الحديث
حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ببغداد حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبد الله بن خبيق حدثنا يوسف بن أسباط حدثنا حبيب بن حسان عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ( إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ) وذكر الحديث
أخبرنا أبو عمرو بن مطر حدثنا أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر البحراني حدثنا عبد الله بن خبيق حدثنا يوسف بن أسباط حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن جحادة عن قتادة عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه هذه ثم هذه ثم يغتسل منهن غسلا واحدا
أخبرنا أبو الفرج عبد الواحد بن بكر الورثاني حدثنا أبو الأزهر الميافارقيني قال سمعت فتح بن شخرف يقول حدثني عبد الله بن خبيق الأنطاكي أبو محمد وأول ما لقيته بأذنة قال لي يا خراساني إنما هي أربع لا غير عينك ولسانك وقلبك وهواك فانظر عينك لا تنظر بها إلى ما لا تحل لك وانظر لسانك لا تقل به شيئا يعلم الله خلافه من قلبك وانظر قلبك لا يكن فيه غل ولا حقد على أحد من المسلمين وانظر هواك
____________________
(1/121)
لا تهو شيئا من الشر فإذا لم يكن فيك هذه الأربع الخصال فقد شقيت
قال وسمعته يقول إذا دنا الرجل القارئ من معصية يقول القرآن في جوفه ما لهذا حملتني
قال وسمعته يقول خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق
سمعت محمد بن علي بن الخليل يقول سمعت جعفر بن محمد بن سوار يقول سمعت عبد الله بن خبيق يقول لكل تاجر رأس مال ورأس مال صاحب الحديث الصدق
قال وقال عبد الله لا يستغنى حال من الأحوال عن الصدق والصدق مستغن عن الأحوال كلها ولو صدق العبد فيما بينه وبين الله حقيقة الصدق لاطلع على خزائن من خزائن الغيب ولكان أمينا في السموات والأرض
قال وقال عبد الله من أراد أن يعيش غنيا في حياته فلا يسكن الطمع قلبه
____________________
(1/122)
أخبرنا علي بن محمد لؤلؤ الوراق البغدادي إجازة قال حدثنا عمر ابن عبد الله البحراني قال سمعت عبد الله بن خبيق يقول إن استطعت ألا يسبقك أحد إلى مولاك فافعل ولا تؤثر على مولاك شيئا
قال وسمعته يقول لا تغتم إلا من شيء يضرك غدا ولا تفرح بشيء إلا بشيء يسرك غدا
قال سمعته يقول ما بقي على وجه الأرض أحد إلا مستوحش منه أولهم أنا
قال سمعته يقول علامة الألفة قلة الخلاف وبذل المعروف
قال سمعته وقال عبد الله أنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي وأطال منك الحزن على ما فاتك وألزمك الفكرة في بقية عمرك
قال وقال عبد الله وحشة العباد عن الحق أوحشت منهم القلوب ولو أنسوا بربهم ولزموا الحق لاستأنس بهم كل أحد
قال وقال عبد الله أنفع الرجاء ما سهل عليك العمل لإدراك ما ترجوا
قال وسئل عبد الله بماذا ألزم الحق في أحوالي فقال بإنصاف الناس من نفسك وقبول الحق ممن هو دونك
____________________
(1/123)
قال وقال عبد الله إخلاص العمل أشد من العمل والعمل يعجز عنه الرجال
قال وقال عبد الله طول الاستماع إلى الباطل يطفي حلاوة الطاعة من القلب
20 ومنهم أبو تراب النخشبي واسمه عسكر بن حصين ويقال عسكر بن محمد بن حصين
صحب أبا حاتم العطار البصري وحاتما الأصم البلخي وهو من جلة مشايخ خراسان والمذكورين بالعلم والفتوة والتوكل والزهد والورع
سمعت أبا الحسن القزويني يقول سمعت علي بن عبدك يقول سمعت ابا عمران الطبرستاني يقول سمعت ابن الفرجي يقول رأيت حول أبي
____________________
(1/124)
تراب من أصحابه عشرين ومائة صاحب ركوة قعود حول الأساطين ما مات منهم على الفقر إلا أبو عبيد البسري وابن الجلاء
سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت محمد بن داود الدقي الدينوري يقول سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول لقيت ستمائة شيخ ما لقيت فيهم مثل أربعة أولهم أبو تراب النخشبي
توفي في البادية قيل نهشته السباع سنة خمس وأربعين ومائتين وأسند الحديث
أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس الحافظ البغدادي بها قال حدثنا عبد الله ابن محمد بن جعفر الأصبهاني قال حدثنا محمد بن عبد الله بن مصعب حدثنا أبو تراب عسكر بن حصين حدثنا محمد بن نمير حدثنا محمد بن ثابت حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن ربهم يطعمهم ويسقيهم )
____________________
(1/125)
أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الأصبهاني إجازة بذلك قال سمعت منصور بن عبد الله الأصبهاني يقول سمعت أبا جعفر بن تركان يقول سمعت يعقوب بن الوليد يقول سمعت أبا تراب يقول يا أيها الناس أنتم تحبون ثلاثة وليست هي لكم تحبون النفس وهي لله وتحبون الروح والروح لله وتحبون المال والمال للورثة وتطلبون اثنين ولا تجدونهما الفرج والراحة وهما في الجنة
سمعت أبا نصر عبد الله بن علي يقول سمعت علي بن الحسين يقول قلت لأبي تراب وقد أخذ طريق البادية لا بد من قوت فقال لا بد ممن لا بد منه
قال وقال أبو تراب اشرف القلوب قلب حي بنور الفهم عن الله تعالى
قال وقال أبو تراب سبب الوصول إلى الله سبع عشرة درجة أدناها الإجابة وأعلاها التوكل على الله بحقيقته
قال وقال أبو تراب ليس من العبادات شيء أنفع من إصلاح خواطر القلوب
قال وقال أبو تراب الفقير قوته ما وجد ولباسه ما ستر ومسكنه حيث نزل
قال وقال أبو تراب إذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل مباشرة العمل
____________________
(1/126)
قال وقال أبو تراب من شغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت من ساعته
سمعت علي بن سعيد الثغري يقول سمعت عبد السلام بن محمد المخرمي يقول سمعت ابن أبي شيخ يقول سمعت علي بن الحسين التميمي يقول سمعت أبا تراب يقول التوكل طمأنينة القلب إلى الله عز وجل
قال وقال رجل لأبي تراب ألك حاجة فقال له يوم يكون لي إليك وإلى أمثالك حاجة لا يكون لي إلى الله حاجة
قال وقال أبو تراب حقيقة الغنى أن تستغني عمن هو مثلك وحقيقة الفقر أن تفتقر إلى من هو مثلك
قال وقال أبو تراب الذي منع الصادقين الشكوى إلى غير الله الخوف من الله عز وجل
سمعت أحمد بن محمد بن زكريا النسوي يقول سمعت علي بن إبراهيم الشقيقي يقول سمعت إبراهيم بن المولد يقول سمعت محمد بن أحمد
____________________
(1/127)
الرافعي يقول سمعت علي بن الحسين التميمي يقول سمعت أبا تراب النخشبي يقول الكيس من عمال الله من حفظ حده مع الله تعالى وترك العلم يجري مجاريه
قال وقال أبو تراب إن الله عز وجل ينطق العلماء في كل زمان بما يشاكل أعمال أهل ذلك الزمان
قال وقال أبو تراب احفظ همك فإنه مقدمة الاشياء فمن صح له همه صح له ما بعد ذلك من أفعاله وأحواله
قال وقال أبو تراب القناعة أخذ القوت من الله عز وجل
قال وقال أبو تراب من استفتح أبواب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى حوله وقوته فسئل ما مفاتيح الأقدار فقال الرضا بما يرد عليه في كل وقت من أسباب الغيب
____________________
(1/128)
الطبقة الثانية من أئمة الصوفية
21 ومنهم الجنيد بن محمد أبو القاسم الخزاز
وكان أبوه يبيع الزجاج فلذلك كان يقال له القواريري أصله من نهاوند ومولده ومنشؤه بالعراق كذلك سمعت أبا القاسم النصراباذي يقول وكان فقيها تفقه على أبي ثور وكان يفتي في حلقته وصحب السري السقطي والحارث المحاسبي ومحمد بن القصاب البغدادي وغيرهم وهو من أئمة القوم وسادتهم مقبول على جميع الألسنة
توفي سنة سبع وتسعين ومائتين يوم نيروز الخليفة يوم السبت وقيل توفي في آخر ساعة من يوم الجمعة ودفن يوم السبت سمعت أبا الحسن بن مقسم يذكر ذلك وأسند الحديث
حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا بكير بن أحمد الحداد الصوفي بمكة حدثنا الجنيد بن محمد أبو القاسم الصوفي حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا محمد بن كثير الكوفي عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية
____________________
(1/129)
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( احذروا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى وقرأ { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } قال للمتفرسين ) ( الحجر 75 )
سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول قال الجنيد القرب بالوجد جمع والغيبة بالبشرية تفرقة
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت همام بن الحارث يقول سمعت الجنيد يقول باب كل علم نفيس جليل بذل المجهود وليس من طلب الله ببذل المجهود كمن طلبه من طريق الجود
سمعت أبا الفتح يوسف بن عمر الزاهد ببغداد يقول سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول سمعت الجنيد يقول إن الله تعالى يخلص إلى القلوب من بره حسب ما خلصت القلوب به إليه من ذكره فانظر ماذا خالط قلبك
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله شاذان يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول يا ذاكر الذاكرين بما به ذكروه ويا بادئ العارفين بما به عرفوه ويا موفق العابدين لصالح ما عملوه من ذا الذي يشفع عندك إلا بإذنك ومن ذا الذي يذكرك إلا بفضلك
سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول سمعت الجنيد وسئل من العارف يقول من نطق عن سرك وأنت ساكت
____________________
(1/130)
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول سمعت الجنيد يقول ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات لأن التصوف هو صفاء المعاملة مع الله تعالى وأصله التعزف عن الدنيا كما قال حارث عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري
سمعت نصر بن أبي نصر العطار يقول سمعت أحمد بن العلاء يقول سمعت أبا بكر الملاعقي يقول سمعت الجنيد يقول إنما هذا الاسم يعني التصوف نعت أقيم العبد فيه فقلت يا سيدي نعت للعبد أم نعت للحق فقال نعت للحق حقيقة ونعت للعبد رسما
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا عمرو الأنماطي يقول سمعت الجنيد يقول إنك لن تكون له على الحقيقة عبدا وشيء مما دونه لك مسترق وإنك لن تصل إلى صريح الحرية وعليك من حقيقة عبوديته بقية فإذا كنت له وحده عبدا كنت مما دونه حرا
سمعت أبا بكر يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة فقال أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله تعالى فقال الجنيد إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال وهذه عندي عظيمة والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه رجعوا فيها ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها وإنه لأوكد في معرفتي وأقوى في حالي
____________________
(1/131)
سمعت أبا الحسن الفارسي يقول سمعت أبا إسحاق الدينوري يقول سئل الجنيد من العارف فقال من لم يأسره لحظه ولا لفظه
قال وقال الجنيد الغفلة عن الله تعالى أشد من دخول النار
سمعت أبا العباس محمد بن الحسن الخشاب يقول سمعت جعفر بن محمد يقول سمعت الجنيد يقول إن أمكنك ألا تكون آلة بيتك إلى خزفا فافعل وكذلك كانت آلة بيته
قال وقال الجنيد الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه
سمعت الحسين بن يحيى يقول سمعت جعفرا يقول سمعت الجنيد يقول حاجة العارفين إلى كلائته ورعايته قال تعالى { قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن } ( الأنبياء 42 )
قال وقال الجنيد نجح قضاء كل حاجة من الدنيا تركها
وبهذا الإسناد قال الجنيد إذا لقيت الفقير فلا تبدأه بالعلم وابدأه بالرفق فإن العلم يوحشه والرفق يؤنسه
سمعت أبا العباس البغدادي يقول سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول سمعت الجنيد يقول للشبلي يا ابا بكر إذا وجدت من يوافقك على كلمة مما تقول فتمسك به
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت أحمد بن عطاء يذكر عن خاله
____________________
(1/132)
أبي علي عن الجنيد أنه قال لا تقوم بما عليك حتى تترك ما لك ولا يقوى على ذلك إلا نبي أو صديق
قال وقال الجنيد الأنس بالمواعيد والتعويل عليها خلل في الشجاعة
قال وقال الجنيد الوقت إذا فات لا يستدرك وليس شيء أعز من الوقت
سمعت أبا الحسن علي بن محمد القزويني يقول سمعت أبا الطيب العكي يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول فتح كل باب شريف بذل المجهود
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا عمرو الأنماطي يقول سمعت الجنيد يقول لو أقبل صادق على الله ألف ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول أكثر الناس علما بالأوقات أكثرهم آفات
قال وقال الجنيد لرجل سأله من أصحب فقال من تقدر أن تطلعه على ما يعلمه الله منك
قال وقيل له مرة أخرى من أصحب فقال من يقدر أن ينسى ما له ويقضي ما عليه
قال وقال الجنيد الحياء من الله عز وجل أزال عن قلوب أوليائه سرور المنة
____________________
(1/133)
سمعت أحمد بن نصر بن عبد الله بن الفتح الذراع بالنهروان قال سمعت الجنيد يقول مقام الغريب ببغداد بعد خمسة أيام فضول
وسمعت أحمد يقول سمعت الجنيد يقول من نظر إلى ولي من أولياء الله تعالى فقبله وأكرمه أكرمه الله على رءوس الأشهاد
قال وقال الجنيد الرضا ثاني درجات المعرفة فمن رضي صحت معرفته بالله بدوام رضاه عنه
سمعت جعفرا الخلدي يقول رأيت الجنيد في المنام فقلت له أليس كلام الأنبياء إشارات عن مشاهدات فتبسم وقال كلام الأنبياء نبأ عن حضور وكلام الصديقين إشارات عن مشاهدات
سمعت أبا الحسن يقول سمعت جعفرا يقول كتب الجنيد إلى بعض إخوانه يقول من أشار إلى الله وسكن إلى غيره ابتلاه الله تعالى وحجب ذكره عن قلبه وأجراه على لسانه فإن انتبه وانقطع ممن سكن إليه كشف الله ما به من المحن والبلوى وإن دام على سكونه نزع الله تعالى من قلوب الخلق الرحمة عليه وألبس لباس الطمع فتزداد مطالبته منهم مع فقدان الرحمة من قلوبهم فتصير حياته عجزا وموته كمدا ومعاده أسفا ونحن نعوذ بالله من السكون إلى غير الله
____________________
(1/134)
قال وقال الجنيد قد مشى رجال باليقين على الماء ومن مات على العطش أفضل منهم يقينا
قال وقال الجنيد من عرف الله لا يسر إلا به
سمعت أبا علي محمد بن إبراهيم البزاز يقول سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول سألت الجنيد عن المحبة فقال تريد الإشارة قلت لا قال تريد الدعوى قلت لا قال فأيش تريد قلت عين المحبة فقال أن تحب ما يحب الله تعالى في عباده وتكره ما يكره الله تعالى في عباده
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا عمرو الأنماطي يقول وقال رجل للجنيد على ماذا يتأسف المحب من أوقاته قال على زمان بسط أورث قبضا أو زمان أنس أورث وحشة ثم أنشأ يقول
( قد كان لي مشرب يصفو برؤيتكم ** فكدرته يد الأيام حين صفا )
22 ومنهم أبو الحسين النوري واسمه أحمد بن محمد وقيل محمد ابن محمد وأحمد أصح
بغدادي المنشأ والمولد خراساني الأصل يعرف بابن البغوي
سمعت محمد بن الحسن بن خالد يقول سمعت ابن الأعرابي يقول كان أبو الحسين النوري خراساني الأصل من قرية بين هراة ومرو الروذ يقال لها بغشور لذلك كان يعرف بابن البغوي
____________________
(1/135)
وكان من أجل مشايخ القوم وعلمائهم لم يكن في وقته أحسن طريقة منه ولا ألطف كلاما
صحب سريا السقطي ومحمد بن علي القصاب ورأى أحمد بن أبي الحواري توفي سنة خمس وتسعين ومائتين كذلك سمعت محمد بن عبد الله ابن عبد العزيز الطبري يقول سمعت علي بن عبد الرحيم يقول ذلك وأسند الحديث
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحيم بن علي البزاز الحافظ ببغداد قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن عمر بن الفضل حدثنا محمد بن عيسى الدهقان قال كنت أمشي مع أبي الحسين أحمد بن محمد المعروف بابن البغوي الصوفي فقلت له ما الذي تحفظ عن سري السقطي فقال حدثنا السري عن معروف الكرخي عن ابن السماك عن الثوري عن الأعمش عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قضى لأخيه المسلم حاجة كان له من الأجر كمن خدم الله عمره )
قال محمد بن عيسى الدهقان فذهبت إلى سري السقطي فسألته عنه فقال سمعت معروف بن فيروز الكرخي يقول خرجت من الكوفة فرأيت رجلا من الزهاد يقال له ابن السماك فتذاكرنا العلم فقال حدثني الثوري عن الأعمش مثله
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت جعفر بن محمد يقال قال النوري الجمع بالحق تفرقة عن غيره والتفرقة عن غيره جمع به
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت علي بن عبد الرحيم يقول سمعت النوري يقول التصوف ترك كل حظ للنفس
____________________
(1/136)
قال وسمعت النوري يقول من وصل إلى وده انس بقربه ومن توسل بالوداد فقد اصطفاه من بين العباد
أنشدني منصور بن عبد الله قال سمعت الفرغاني ينشد لأبي الحسين النوري
( كم حسرة لي قد غصت مرارتها ** جعلت قلبي لها وقفا لبلواكا )
( وحق ما منك يبليني ويتلفني ** لأبكينك أو أحظى بلقياكا )
قال وسئل النوري عن الحبيب والخليل فقال ليس من طولب بالتسليم كمن بادر بالتسليم
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت القناد يقول سمعت أبا الحسين النوري يقول رأيت غلاما جميلا ببغداد فنظرت إليه ثم أردت أن أردد النظر فقلت له تلبسون النعال الصرارة وتمشون في الطرقات قال أحسنت أتجمش بالعلم ثم أنشأ يقول
( تأمل بعين الحق إن كنت ناظرا ** إلى صفة فيها بدائع فاطر )
( ولا تعط حظ النفس منها لما بها ** وكن ناظرا بالحق قدرة قادر )
قال وسئل النوري عن التصوف فقال ليس التصوف رسوما ولا علوما ولكنها أخلاق
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت عليا الفتى يقول سمعت أبا الحسين النوري يقول أهل الديانة موقوفون وأهل التوحيد يسيرون وأهل الرضا يستروحون وأهل الانقطاع يتحيرون ثم قال إن الحق إذا ظهر تلاشى كل ما حجب وستر
____________________
(1/137)
سمعت نصر بن أبي نصر العطار يقول سمعت علي بن عبد الله البغدادي يقول سمعت فارسا الحمال يقول لحق أبا الحسين النوري علة والجنيد علة فالجنيد أخبر عن وجده والنوري كتم فقيل له لم لم تخبر كما أخبر صاحبك فقال ما كنا لنبتلى ببلوى فتوقع عليه اسم الشكوى ثم أنشأ يقول
( إن كنت للسقم أهلا ** فأنت للشكر أهلا )
( عذب فلم يبق قلب ** يقول للسقم مهلا )
فأعيد ذلك على الجنيد فقال ما كنا شاكين ولكن أردنا أن نكشف عن عين القدرة فينا ثم بدأ يقول
( أجل ما منك يبدو ** لأنه عنك جلا )
( وأنت يا أنس قلبي ** أجل من أن تجلا )
( أفنيتني عن جميعي ** فكيف أرعى المحلا )
قال فبلغ ذلك الشبلي فبدأ يقول
( محنتي فيك أني ** لا أبالي بمحنتي )
( يا شفائي من السقام ** وإن كنت علتي )
( تبت دهرا فمذ عرفتك ** ضيعت توبتي )
( قربكم مثل بعدكم ** فمتى وقت راحتي )
____________________
(1/138)
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت إبراهيم بن فاتك يقول سمعت النوري يقول مقامات أهل النظر في النظر شتى فمنهم من كان نظره نظر التسلي ومنهم من كان نظره نظر استفادة ومنهم من كان نظره نظر عيان المكاشفة ومنهم من كان نظره نظر المنافسة في المشاهدة ومنهم من كان نظره نظر المشاكلة والمماثلة ومنهم من كان نظره نظر طيبة وملاحظة ومنهم من كان نظره نظر إشراف ومطالعة وكل واحد منهم أهل النظر
قال وقال النوري أعز الأشياء في زماننا شيئان عالم يعمل بعلمه وعارف ينطق عن حقيقته
قال وقال النوري من عقل الأشياء بالله فرجوعه في كل شيء إلى الله
قال وسئل النوري عن الفقير الصادق فقال الذي لا يتهم الله تعالى في الأسباب ويسكن إليه في كل حال
قال وأنشدنا النوري
( وكم رمت أمرا خرت لي في انصرافه ** فلا زلت بي مني أبر وأرحما )
( عزمت على ألا أحس بخاطر ** على القلب إلا كنت أنت المقدما )
( وألا تراني عند ما قد كرهته ** لأنك في قلبي كبيرا معظما )
قال وأحضر النوري مجلسا للسلطان فقال له من أين تأكلون فقال لسنا نعرف الأسباب التي تستجلب بها الأرزاق نحن قوم مدبرون
____________________
(1/139)
23 ومنهم أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور الحيري النيسابوري
وأصله من الري صحب قديما يحيى بن معاذ الرازي وشاه بن شجاع الكرماني ثم رحل إلى نيسابور إلى أبي حفص وصحبه وأخذ عنه طريقته
وهو في وقته من أوحد المشايخ في سيرته ومنه انتشر طريقة التصوف بنيسابور
سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرازي يقول لقيت الجنيد ورويما ويوسف بن الحسين ومحمد بن الفضل وأبا علي الجوزجاني وغيرهم من المشايخ فلم أر أحدا أعرف بالطريق إلى الله عز وجل من أبي عثمان
مات أبو عثمان بنيسابور سنة ثمان وتسعين ومائتين وكذلك سمعت محمد بن أحمد بن حمدان يذكر ذلك وقال صليت عليه وأسند الحديث
أخبرنا سعيد بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل قال وجدت في كتاب جدي أبي عثمان بخط يده حدثني أبو صالح حمدون القصار صاحبنا قال حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا قتيبة حدثنا عبثر عن أشعث عن محمد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من
____________________
(1/140)
مات وعليه صوم شهر رمضان أطعم عنه وليه كل يوم مسكينا ) ورأيت أنا هذا الحديث بخط أبي عثمان في كتابه
سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول وجدت في كتاب أبي سمعت أبا عثمان يقول أصل العداوة من ثلاثة أشياء من الطمع في المال والطمع في إكرام الناس والطمع في قبول الناس
قال وسمعت أبا عثمان يقول لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في أربعة اشياء في المنع والعطاء والعز والذل
قال وسمعت أبا عثمان يقول صلاح القلب في اربع خصال في التواضع لله والفقر إلى الله والخوف من الله والرجاء في الله
قال وسمعته يقول الموفق من لا يخاف غير الله ولا يرجو غيره فيؤثر رضاه على هوى نفسه
قال وسمعته يقول العجب يتولد من رؤية النفس وذكرها ورؤية الخلق وذكرهم
قال ووجدت بخط أبي قلت لأبي عثمان كنت أجد في قلبي حلاوة عند إقبال الليل وأنا لا أجدها الساعة فقال لعلك سررت بشيء من الدنيا فذهبت بحلاوة ذلك من قلبك وربما يعرفك الله ضعفك ويريك قدرك فيلبسك حلاوة مناجاة الليل حتى تتضرع إليه فيرده عليك لئلا تأمن مكره
قال وسمعت أبا عثمان يقول الخوف من الله يوصلك إلى الله والكبر
____________________
(1/141)
والعجب في نفسك يقطعك عن الله واحتقار الناس في نفسك مرض عظيم لا يداوى
قال وسمعت أبا عثمان يقول الناس على أخلاقهم ما لم يخالف هواهم فإذا خولف هواهم بان ذوو الأخلاق الكريمة من ذوي الأخلاق اللئيمة
سمعت أبا عمرو بن مطر يقول سمعت أبا عثمان يقول من جل مقداره في نفسه جل أقدار الناس عنده ومن صغر مقداره في نفسه صغر أقدار الناس عنده
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن يوسف يقول سمعت أبا عثمان يقول تعززوا بعز الله كي لا تذلوا
قال وقال أبو عثمان سرورك بالدنيا أذهب سرورك بالله من قلبك وخوفك من غيره أذهب خوفك منه عن قلبك ورجاؤك من دونه أذهب رجاءك إياه من قلبك
قال وقال أبو عثمان العاقل من تأهب للمخاوف قبل وقوعها
قال وقال أبو عثمان قطيعة الفاجر غنم
قال وقال أبو عثمان حق لمن أعزه الله بالمعرفة ألا يذله بالمعصية
قال وقال أبو عثمان كان يقال الأدب سند الفقراء وزين الأغنياء
قال وقال أبو عثمان أوجب الله على نفسه العفو عن المقصرين من عباده لذلك قال { كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم } ( الأنعام 54 )
____________________
(1/142)
قال وقال أبو عثمان الزهد في الحرام فريضة وفي المباح فضيلة وفي الحلال قربة
قال وقال أبو عثمان التفويض رد ما جهلت علمه إلى عالمه والتفويض مقدمة الرضا والرضا باب الله الأعظم
قال وقال أبو عثمان الصبر على الطاعة حتى لا تفوتك الطاعة والصبر عن المعصية حتى تنجو من الإصرار على المعصية
قال وقال أبو عثمان الفراسة ظن وافق الصواب والظن يخطئ ويصيب فإذا تحقق في الفراسة تحقق في حكمها لأنه إذ ذاك يحكم بنور الله تعالى لا بنفسه
قال وقال أبو عثمان أصل التعلق بالخيرات قصر الأمل
قال وقال أبو عثمان أنت في سجن ما تبعت مرادك وشهواتك فإذا فوضت وسلمت استرحت
قال وقال أبو عثمان الذكر الكثير أن تذكره في ذكرك له إنك لم تصل إلى ذكره إلا به وبفضله
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول سمعت أبا الحسين الوراق يقول سمعت أبا عثمان وسئل كيف يستجيز للعاقل أن يزيل اللائمة عمن يظلمه فقال ليعلم أن الله سلطه عليه
قال وقال أبو عثمان أصحب الأغنياء بالتعزز والفقراء بالتذلل فإن التعزز على الأغنياء تواضع والتذلل للفقراء شرف
____________________
(1/143)
سمعت محفوظا يقول سألت أبا عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بك منك ) فقال استعمل الصدق في اللفظتين المتقدمتين يبلغ فهمك إلى هذه الكلمة وهو قوله أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك
قال وسئل أبو عثمان ما علامة السعادة والشقاوة فقال علامة السعادة أن تطيع الله وتخاف أن تكون مردودا وعلامة الشقاوة أن تعصي الله وترجو أن تكون مقبولا
قال وقال أبو عثمان من صحب نفسه صحبه العجب ومن صحب أولياء الله وفق للوصول إلى الطريق إلى الله
24 ومنهم أبو عبد الله بن الجلاء واسمه أحمد بن يحيى ويقال محمد بن يحيى وأحمد أصح
كان أصله من بغداد أقام بالرملة ودمشق وكان من جلة مشايخ الشام
____________________
(1/144)
صحب أباه يحيى الجلاء وأبا تراب النخشبي وذا النون المصري وأبا عبيد البسري وكان أستاذ محمد بن داود الدقي
وكان عالما ورعا سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول كان يقال إن في الدنيا ثلاثة من أئمة الصوفية لا رابع لهم الجنيد ببغداد وأبو عثمان بنيسابور وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول الحق استصحب أقواما للكلام وأقواما للخلة فمن استصحبه الحق لمعنى ابتلاه بأنواع المحن فليحذر أحدكم طلب رتبة الأكابر
وبإسناده قال سمعت أبا عبد الله يقول من بلغ بنفسه إلى رتبة سقط عنها ومن بلغ به ثبت عليها
وبإسناده قال وقد سأله رجل على أي شرط أصحب الخلق فقال إن لم تبرهم فلا تؤذهم وإن لم تسرهم فلا تسؤهم
قال وقال أبو عبد الله لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه من المودة والصداقة فإن الله تعالى فرض لكل مؤمن حقوقا لا يضيعها إلا من لم يراع حقوق الله عليه
قال وسئل أبو عبد الله كيف تكون ليالي الأحباب فأنشأ يقول
( من لم يبت والحب حشو فؤاده ** لم يدر كيف تفتت الأكباد )
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت العباس بن عصام يقول
____________________
(1/145)
سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول يحتاج أن يكون للعبد شيء يعرف به كل شيء
قال وقال أبو عبد الله من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد ومن رأى الأفعال كلها من الله عز وجل فهو موحد
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أحمد بن علي يقول قال رجل لأبي عبد الله ما تقول في الرجل يدخل البادية بلا زاد فقال هذا من فعل رجال الله عز وجل قال فإن مات قال الدية على القاتل
قال وقال أبو عبد الله اهتمامك بالرزق يزيلك عن الحق ويفقرك إلى الخلق
قال وقال أبو عبد الله كل حق يشاركه باطل فقد خرج من قسمة الحق إلى قسمة الباطل فإن الحق غيور
قال وقال أبو عبد الله من غيرة الحق أن لم يجعل لأحد إليه طريقا ولم يؤيس أحدا من الوصول إليه وترك الخلق في مفاوز التحير يركضون وفي بحار الظن يغرقون فمن ظن أنه واصل فاصله ومن ظن أنه فاصل مناه فلا وصول إليه ولا مهرب عنه ولا بد منه
قال وقال أبو عبد الله الدنيا أوسع رقعة وأكثر زحمة من أن يجفوك
____________________
(1/146)
واحد فلا يرغب فيك آخر وأنشد
( تلقى بكل بلاد إن حللت بها ** أهلا بأهل وجيرانا بجيران )
قال وسئل أبو عبد الله عن الحق فقال إذا كان الحق واحدا يجب أن يكون وحداني الذات
قال وقال أبو عبد الله سمت همم العارفين إلى مولاهم فلم تعكف على شيء سواه وسمت همم المريدين إلى طلب الطريق إليه فأفنوا نفوسهم في الطلب
قال وقال أبو عبد الله من علت همته على الأكوان وصل إلى مكونها ومن وقف بهمته على شيء سوى الحق فاته الحق لأنه أعز من أن يرضى معه بشريك
25 ومنهم رويم بن أحمد بن يزيد كنيته أبو محمد ويقال رويم ابن محمد بن أحمد والأول أصح
وهو من أهل بغداد من جلة مشايخهم وجده رويم بن يزيد حدث عن ليث بن سعد وغيره وقيل كنيته أبو بكر
____________________
(1/147)
وكان فقيها على مذهب داود الأصبهاني وكان مقرئا فقرأ على إدريس ابن عبد الكريم الحداد مات سنة ثلاث وثلاثمائة
ووجدت بخط قديم حديثا مسندا ولم أسمعه من أحد وفيه مكتوب
حدثت عن رويم بن أحمد الصوفي ببغداد قال حدثنا يزيد بن سنان البصري حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا سويد أبو حاتم عن قتادة عن أنس بن مالك أن رجلا لعن برغوثا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي ( لا تلعنه فإنه أيقظ نبيا من الأنبياء للصلاة )
سمعت محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان يقول سمعت رويما وسئل عن أدب المسافر يقول لا يجاوز همه قدمه وحيثما وقف قلبه يكون منزله
وسمعت محمدا يقول سمعت رويم بن أحمد يقول لا يزال الصوفية بخير ما تنافروا فإن اصطلحوا هلكوا
قال وقال رويم بن أحمد من حكم الحكيم أن يوسع على إخوانه في الأحكام ويضيق على نفسه فيها فإن التوسعة عليهم اتباع العلم والتضييق على نفسه من حكم الورع
قال وقال رويم إن الله تعالى غيب أشياء في أشياء غيب مكره في حلمه وغيب خداعه في لطفه وغيب عقابه في كرامته
____________________
(1/148)
قال وقيل له هل ينفع الولد صلاح الوالدين فقال من لم يكن بنفسه لا يكون بغيره بل من لم يكن بربه لا يكون بنفسه وأنشد لابن الرومي
( إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة ** من المثمرات اعتده الناس في الحطب )
قال وسئل رويم عن الشاطر فقال من شطرت نفسه عن الباطل
قال وسئل رويم عن حقيقة الفقر فقال أخذ الشيء من جهته واختيار القليل على الكثير عند الحاجة
قال وقال رويم قعودك مع كل طبقة من الناس أسلم من قعودك مع الصوفية فإن كل الخلق قعدوا على الرسوم وقعدت هذه الطائفة على الحقائق وطالب الخلق كلهم أنفسهم بظواهر الشرع وطالبوا هم أنفسهم بحقيقة الورع ومداومة الصدق فمن قعد معهم وخالفهم في شيء مما يتحققون فيه نزع الله نور الإيمان من قلبه
قال وقال رويم لما عظمت فيهم البلية استحكمت عليهم الفتنة واستصغروا عند ذلك كل مقام وعزب عنهم التدبير والنظام
سمعت الحسين بن يحيى الشافعي يقول سمعت جعفر بن محمد الخواص يقول سمعت رويما يقول الإخلاص ارتفاع رؤيتك من الفعل
قال وسئل رويم عن الفتوة فقال أن تعذر إخوانك في زلاتهم ولا تعاملهم بما تحتاج أن تعتذر منه
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت محمد بن خفيف يقول سألت رويم بن أحمد فقلت له أوصني فقال أقل ما في هذا الأمر بذل الروح
____________________
(1/149)
فإن أمكنك الدخول مع هذا فيه وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت إبراهيم بن فاتك يقول قال رويم الصبر ترك الشكوى
قال وقال رويم الرضا استلذاذ البلوى
قال وقال رويم اليقين هو المشاهدة
قال وقال رويم يعاتب الخلق بالإرفاق ويعاتب المحب بالغلظة وأنشد لغيره
( لو كنت عاتبة لسكن عبرتي ** أملى رضاك وزرت غير مراقب )
( لكن مللت فلم تكن لي حيلة ** صد الملول خلاف صد العاتب )
قال وقال رويم التوكل إسقاط رؤية الوسائط والتعلق بأعلى العلائق
قال وسئل عن المحبة فقال الموافقة في جميع الأحوال وأنشد
( ولو قلت لي مت مت سمعا وطاعة ** وقلت لداعي الموت أهلا ومرحبا )
____________________
(1/150)
قال وقال رويم الأنس أن تستوحش مما سوى محبوبك
قال وقيل له كيف حالك فقال كيف يكون حال من دينه هواه وهمته شقاه ليس بصالح تقي ولا عارف نقي
قال وقال رويم من أحب لعوض بغض العوض إليه محبوبه
قال وسئل رويم عن الشوق فقال أن تشوقه آثار المحبوب وتفنيه مشاهدته
26 ومنهم يوسف بن الحسين أبو يعقوب الرازي
شيخ الري والجبال في وقته كان أوحد في طريقته في إسقاط الجاه وترك التصنع واستعمال الإخلاص
صحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشبي ورافق أبا سعيد الخراز في بعض أسفاره وكان عالما دينا
سمعت عبد الله بن عطاء يقول مات يوسف سنة أربع وثلاثمائة وروى الحديث
____________________
(1/151)
حدثنا أبو نصر عبد الله بن علي الطوسي قال حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين الراوي يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول حدثني بعض رفقائي عن أبي بكر بن داود الأصبهاني عن أبيه عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من عشق فعف وكتم ثم مات فهو شهيد )
وأخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد حدثنا يوسف حدثنا عبد الله بن حاضر حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا روح عن سعيد عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد الرازي يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول علم القوم بأن الله يراهم فاستحيوا من نظره أن يراعوا شيئا سواه
قال وقال يوسف من ذكر الله بحقيقة ذكره نسى ذكر غيره ومن نسى ذكر كل شيء في ذكره حفظ عليه كل شيء إذ كان الله له عوضا من كل شيء
قال وقال رجل ليوسف دلني على طريق المعرفة فقال أر الله الصدق
____________________
(1/152)
منك في جميع أحوالك بعد أن تكون موافقا للحق ولا ترق إلى حيث لم يرق بك فتزل قدمك فإنك إذا رقيت سقطت وإذا رقي بك لم تسقط وإياك أن تترك اليقين لما ترجوه ظنا
قال وقال يوسف إذا رأيت الله قد أقامك لطلب شيء وهو يمنعك ذلك فاعلم أنك معذب
قال وسئل يوسف بماذا يقطع الطريق إلى الله قال به وبخطاب كراماته ولطائف جذبه إلى ساحات توحيده ومروج كراماته
قال وقال يوسف يتولد الإعجاب بالعمل من نسيان رؤية المنة فيما يجري الله لك من الطاعات
قال وقال يوسف خفة المعدة من الشهوات والفضول قوة على العبادة
قال وسئل يوسف عن الفقير الصادق فقال من آثر وقته فإن كان فيه تطلع إلى وقت ثان لم يستحق اسم الفقر
قال وقال يوسف من تفتت عذاره وانقطع حزامه وساح في مفاوز المخاطرات تجرى عليه أحكام السعايات وهو يقول في تيهه
( كيف السبيل إلى مرضاة من غضبا ** من غير جرم ولم أعرف له سببا )
قال وقال يوسف أرغب الناس في الدنيا أكثرهم ذما لها عند أبنائها لأن المذمة لها حرفة عندهم
قال وقال يوسف اصل العقل الصمت وباطن العقل كتمان السر وظاهر العقل الاقتداء بالسنة
____________________
(1/153)
قال وقال يوسف كل ما رأيتموني أفعله فافعلوه إلا صحبة الأحداث فإنهم أفتن الفتن
قال وقال يوسف أذل الناس الفقير الطموع والمحب لمحبوبه
قال وقال يوسف الخير كله في بيت ومفتاحه التواضع والشر كله في بيت ومفتاحه التكبر ومما يدلك على ذلك أن آدم عليه السلام تواضع في ذنبه فنال العفو والكرامة وأن إبليس تكبر فلم ينفعه معه شيء
قال وقال يوسف بالأدب تفهم العلم وبالعلم يصح لك العمل وبالعمل تنال الحكمة وبالحكمة تفهم الزهد وتوفق له وبالزهد تترك الدنيا وبترك الدنيا ترغب في الآخرة وبالرغبة في الآخرة تنال رضى الله
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول بلغني أن يوسف بن الحسين كان يقول إذا أردت أن تعرف العاقل من الأحمق فحدثه بالمحال فإن قبل فاعلم أنه أحمق
قال وقال يوسف إن عين الهوى عوراء
سمعت أبا بكر الرازي يقول قال يوسف بن الحسين عارضني بعض الناس في كلام وقال لي لا تستدرك مرادك من علمك إلا أن تتوب فقلت مجيبا لو أن التوبة طرقت بابي ما أذنت لها على أني أنجو بها من ربي ولو أن الصدق والإخلاص كانا لي عبدين لبعتهما زهدا مني فيهما لأني إن كنت عند الله في علم الغيب سعيدا مقبولا لم أتخلف باقتراف الذنوب والمآثم وإن كنت عنده شقيا مخذولا لم تسعدني توبتي وإخلاصي وصدقي وإن الله خلقني إنسانا بلا عمل ولا شفيع كان لي إليه وهداني لدينه الذي ارتضاه لنفسه فقال { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }
____________________
(1/154)
) ( آل عمران : 85 ) فاعتمادي على فضله وكرمه أولى بي إن كنت حرا عاقلا من اعتمادي على أفعالي المدخولة وصفاتي المعلولة لأن مقابلة فضله وكرمه بأفعالنا من قلة المعرفة بالكريم المتفضل
قال وقال يوسف لولا أني مستعبد بترك الذنوب لأحببت أن ألقاه بذنوب العباد أجمع فإن هو عذبني كان أعذر له في عذابي مع أنه لو عذب الخلق جميعا كان عدلا منه وإن عفا عني كان أظهر لكرمه عندهم في عفوي مع أنه لو لم يعف عن أحد من خلقه لكان ذلك منه فضلا وكرما وكانت له الحجة البالغة وذلك أن الملك ملكه والسلطان سلطانه والخلق مترددون بين عدله وفضله بل الكل كرم وإفضال فقد أحسن مع الكل حيث قال { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } ( غافر 46 ) فمن عفا عنه فبفضله ومن عذبه فبعدله وهو إلى الفضل أقرب { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } ( الأنبياء : 23 )
قال وقال يوسف نظرت في آفات الخلق فعرفت من أين أتوا ورأيت آفة الصوفية في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد وأرفاق النسوان
قال وقال يوسف عاهدت ربي أكثر من مائة مرة ألا أصحب حدثا ففسخها علي حسن الخدود وقوام القدود وغنج العيون وما سالني الله تعالى معهم عن معصية وأنشد لصريع الغواني
( إن ورد الخدود والحدق النجل ** وما في الثغور من أقحوان )
( واعوجاج الأصداغ في ظاهر الخد ** وما في الصدر من رمان )
( تركتني بين الغواني صريعا ** فلهذا أدعى صريع الغواني )
____________________
(1/155)
قال وقال يوسف في الدنيا طغيانان طغيان العلم وطغيان المال فالذي ينجيك من طغيان العلم العبادة والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه
قال وسئل يوسف عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أرحنا بها يا بلال ) فقال معناه أرحنا بها من اشغال الدنيا وحديثها لأنه كان صلى الله عليه وسلم قرة عينه في الصلاة
27 ومنهم شاه الكرماني وهو شاه بن شجاع أبو الفوارس
كان من أولاد الملوك صحب أبا تراب النخشبي وأبا عبد الله بن الذراع البصري وأبا عبيد البسري
وكان من أجلة الفتيان وعلماء هذه الطبقة وله رسالات مشهورة والمثلثة التي سماها مرآة الحكماء
ورد نيسابور في زيارة أبي حفص ومعه أبو عثمان الحيري ومات قبل الثلاثمائة ويقال إن أصله من مرو
____________________
(1/156)
رأيت بخط جدي أبي عمرو إسماعيل بن نجيد قال شاه بن شجاع الكرماني شغل العارف بثلاثة أشياء بالنظر إلى معبوده مستأنسا به والملاحظة لمننه وفوائده شاكرا له والتذكر لذنبه معترفا به ومنيبا تائبا إليه
قال وقال شاه من صحبك ووافقك على ما يحب وخالفك فيما تكره فإنما يصحب هواه ومن صحب هواه فهو طالب راحة الدنيا
قال وقال شاه اعملوا الطاعات أنزه ما يكون وانظروا إليها أقذر ما يكون
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا علي الأنصاري باصطخر يقول سمعت شاه بن شجاع الكرماني يقول لأهل الفضل فضل ما لم يروه فإذا رأوه فلا فضل لهم ولأهل الولاية ولاية ما لم يروها فإذا رأوها فلا ولاية لهم
قال وقال شاه الفتوة من طباع الأحرار واللوم من شيم الأنذال وما تعبد متعبد بأكثر من التحبب إلى أولياء الله بما يحبون
قال وقال شاه محبة أولياء الله تعالى دليل على محبة الله عز وجل
قال وقال شاه الإعراض عن الحق هو السخط
قال وقال شاه علامة الركون إلى الباطل التقرب من المبطلين
____________________
(1/157)
قال وقال شاه من عرف ربه طمع في عفوه ورجا فضله
قال وقال شاه علامة الحكمة معرفة أقدار الناس
قال وقال شاه علامة التقوى الورع وعلامة الورع الوقوف عند الشبهات وعلامة الخوف الحزن وعلامة الرخاء حسن الطاعة وعلامة الزهد قصر الأمل
قال وقال شاه ما أعجب عبد بنفسه حتى يكون محجوبا عن ربه
قال وقال شاه من عرف ربه نسي كل ما دونه ومن جهل ربه تعلق بكل شيء دونه ومن اعتز بالعلم فاز ومن اعتز بالجهل خاب وخسر
قال وقال شاه الجاهل في ظلمة جهله فكيف يكون إذا كان العالم في ظلمة علمه وظلمة العلم أشد
28 ومنهم سمنون بن حمزة ويقال سمنون بن عبد الله أبو الحسن الخواص ويقال كنيته أبو القاسم
سمى نفسه سمنون الكذاب لكتمه عسر البول بلا تضرر صحب سريا
____________________
(1/158)
السقطي ومحمد بن علي القصاب وأبا أحمد القلانسي وسوس وكان يتكلم في المحبة بأحسن كلام وهو من كبار مشايخ العراق مات بعد الجنيد
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت محمد بن عبد العزيز يقول سمعت أبا الحسن بن زرعان يقول كنت عند سمنون فشهق شهقة ثم قال لو صاح إنسان لشدة وجده بحبه لملأ ما بين الخافقين صياحا
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر العجان يقول سمعت سمنون يقول إذا بسط الجليل غدا بساط المجد دخل ذنوب الأولين والآخرين في حاشية من حواشيه وإذا أبدى عينا من عيون الجود ألحق المسيء بالمحسن
سمعت علي بن سعيد الثغري يقول سمعت علي بن إبراهيم الثقفي يقول سمعت عمر بن رفيل يقول سمعت أبا القاسم الهاشمي يقول سمعت سمنون يقول كنت ببيت المقدس وكان برد شديد وعلي جبة وكساء وأنا أجد البرد والثلج يسقط فإذا شب مار في الصحن عليه خرقتان فقلت يا
____________________
(1/159)
حبيبي لو استترت ببعض هذه الأروقة فيكنك من البرد فقال لي يا أخي سمنون
( ويحسن ظني أنني في فنائه ** وهل أحد في كنه يجد القرا )
سمعت علي بن سعيد يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول قال إبراهيم بن المولد قال سمنون المحب لا يعبر عن الشيء إلا بما هو أرق منه ولا شيء أرق من المحبة فبم يعبر عنها
أنشدني أبو بكر الرازي قال أنشدي أبو بكر الحربي قال أنشدني سمنون
( أنت الحبيب الذي لا شك في خلدي ** منه فإن فقدتك النفس لم تعش )
( يا معطشي بوصال أنت واهبه ** هل فيك لي راحة إن صحت واعطشي )
سمعت أبا العباس أحمد بن محمد زكريا يقول سمعت علي بن الحسين بن طفان يقول أنشدني بعض أصحابنا لسمنون
( أمسى بخدي للدموع رسوم ** أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم )
( والصبر يحسن في المصائب كلها ** إلا عليك فإنه مذموم )
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت أبا الطيب العكي يقول ذكر لي أن سمنون كان جالسا على شاطئ الدجلة وبيده قضيب يضرب به فخذه حتى بان عظم فخذه وساقه وتبدد لحمه وهو يقول
____________________
(1/160)
( كان لي قلب أعيش به ** ضاع مني في تقلبه )
( رب فاردده علي فقد ** ضاق صدري في تطلبه )
( وأغث ما دام بي رمق ** يا غياث المستغيث به )
أنشدنا محمد بن عبد الله بن عبد العزيز قال أنشدنا أبو جعفر الفرغاني قال أنشدني سمنون
( يعاتبني فينبسط انقباضي ** وتسكن روعتي عند العتاب )
( جرى في الهوى مذ كنت طفلا ** فما لي قد كبرت عن التصابي )
وأنشدنا محمد قال أنشدنا أبو جعفر قال أنشدنا سمنون
( أحن بأطراف النهار صبابة ** وفي الليل يدعوني الهوى فأجيب )
( وأيامنا تفنى وشوقي زائد ** كأن زمان الشوق ليس يغيب )
أنشدني علي بن أحمد بن جعفر قال أنشدني ابن فراس لسمنون
( وكان فؤادي خاليا قبل حبكم ** وكان بذكر الخلق يلهو ويمزح )
( فلما دعا قلبي هواك أجابه ** فلست أراه عن فنائك يبرح )
( رميت ببين منك إن كنت كاذبا ** وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح )
( وإن كان شيء في البلاد بأسرها ** إذا غبت عن عيني بعيني يملح )
( فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل ** فلست أرى قلبي لغيرك يصلح )
قال وسئل سمنون عن الفقير الصادق فقال الذي يأنس بالعدم كما
____________________
(1/161)
يأنس الجاهل بالغنى ويستوحش من الغنى كما يستوحش الجاهل من الفقر
أنشدنا محمد بن عبد الله قال أنشدني أبو جعفر قال أنشدني سمنون
( بكيت ودمع العين للنفس راحة ** ولكن دمع الشوق ينكى به القلب )
( وذكري لما ألقاه ليس بنافعي ** ولكنه شيء يهيج به الكرب )
( فلو قيل لي ما أنت قلت معذب ** بنار مواجيد يضرمها العتب )
( بليت بمن لا أستطيع عتابه ** ويعتبني حتى يقال لي الذنب )
29 ومنهم عمرو المكي وهو عمرو بن عثمان بن كرب بن غصص وكنيته أبو عبد الله
كان ينتسب إلى الجنيد في الصحبة ولقي أبا عبد الله النباجي وصحب أبا سعيد الخراز وغيره من المشايخ القدماء
وهو عالم بعلوم الاصول وله كلام حسن روى عن محمد بن إسماعيل
____________________
(1/162)
ويونس بن عبد الأعلى وسليمان بن سيف الحراني وغيرهم
مات ببغداد سنة إحدى وتسعين ومائتين ويقال سبع وتسعين والأول أصح وروى الحديث
حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن شاذان قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الأصبهاني العقيلي حدثنا عمرو بن عثمان المكي حدثنا أبو بكر العائذي المخزومي حدثنا أبو عبد الله المخزومي وأبو يعقوب البويطي قالا حدثنا ابن عيينة عن الأعمش عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله ابن مسعود قال كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله السلام على فلان
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا بكر محمد بن أحمد القناديلي يقول قال عمرو بن عثمان المكي التوبة فرض على جميع المذنبين والعاصين صغر الذنب أو كبر وليس لأحد عذر في ترك التوبة بعد ارتكاب المعصية لأن المعاصي كلها قد توعد الله عليها أهلها ولا يسقط عنهم الوعيد إلا بالتوبة وهذا مما يبين أن التوبة فرض
وبهذا الإسناد قال عمرو اعلم أن كل ما توهمه قلبك أو سنح في
____________________
(1/163)
مجاري فكرك أو خطر لك في معارضات قلبك من حسن أو بهاء أو جمال أو قبح أو نور أو شبح أو شخص أو خيال فالله تعالى ذكره بعيد من ذلك كله بل هو أعظم وأجل وأكبر ألا تسمع إلى قوله تعالى { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) وإلى قوله { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } ( الأخلاص 34 )
وبهذا الإسناد قال عمرو المروءة التغافل عن زلل الإخوان
وبهذا الإسناد قال عمرو لا يقع على كيفية الوجد عبارة لأنه سر الله تعالى عند المؤمنين الموقنين
وبهذا الإسناد قال عمرو لقد علم الله نبيه صلى الله عليه وسلم ما فيه الشفاء وجوامع النصر وفواتح العبادة فقال { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } ( فصلت 36 )
وبهذا الإسناد قال عمرو المعرفة دوام محبة الله تعالى ودوام مخافته ودوام الإقبال عليه ودوام انتصاب القلب بذكره وهي علم القلوب بفسخ العزوم وخلع الإرادات وإحياء الفهوم
وبه قال عمرو المعرفة صحة التوكل على الله تعالى
وبه قال عمرو لقد وبخ الله تعالى التاركين للصبر على دينهم بما أخبرنا عن الكفار أنهم قالوا { امشوا واصبروا على آلهتكم } ( ص 6 ) فهذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على دينه
وبهذا الإسناد قال عمرو اعلم أن العلم قائد والخوف سائق والنفس حرون بين ذلك جموح خداعة رواغة فاحذرها وراعها بسياسة العلم وسقها بتهديد الخوف يتم لك ما تريد
____________________
(1/164)
وبه قال عمرو اعلم أن الرعاية مصحوبة لك في كل الأحوال من العبادة إلى أن تلقى ربك كذلك التقوى
وبه قال عمرو الصدق في الورع مفترض كافتراض الصبر في الورع ومعنى الصدق الاعتدال والعدل
وبه قال عمرو اعلم أن رأس الزهد وأصله في القلوب هو احتقار الدنيا واستصغارها والنظر إليها بعين القلة وهذا هو الأصل الذي يكون منه حقيقة الزهد
وبهذا الإسناد قال عمرو إذا كان أنين العبد إلى ربه عز وجل فليس بشكوى ولا جزع
وبه قال عمرو اعلم أن المحبة داخلة في الرضا ولا محبة إلا بالرضا ولا رضا إلا بمحبة لأنك لا تحب إلا ما رضيت وارتضيت ولا ترضى إلا ما أحببت
وبهذا الإسناد قال عمرو الرجاء داخل في تحقيق الرضا
قال وقال عمرو واغماه من عهد لم نقم له بوفاء ومن خلوة لم نصحبها بحياء ومن مسألة ما الجواب فيها غدا ومن أيام تفنى ويبقى ما كان فيها أبدا
سمعت محمد بن جعفر البغدادي يقول سمعت أبا علي الاصفهاني يقول سمعت عمرو بن عثمان المكي يقول ما صحبت أحدا كان أنفع لي صحبته ورؤيته من أبي عبد الله النباجي
سمعت محمد بن جعفر يقول بلغني أن عمرا المكي دخل أصفهان
____________________
(1/165)
فصحبه حدث وكان والده يمنعه من صحبته فمرض الصبي فدخل عليه عمرو مع قوال فنظر الحدث إلى عمرو وقال له قل له يقول شيئا فقال القوال
( ما لي مرضت فلم يعدني عائد ** منكم ويمرض عبدكم فأعود )
فتمطى الحدث على فراشه وقعد فقال للقوال زدني بحقك فقال القوال
( وأشد من مرضي علي صدودكم ** وصدود عبدكم علي شديد )
فزاد به البرء حتى قام وخرج معهم فسئل عمرو عن ذلك فقال إن الإشارة إذا كانت قبل السماع كانت من فوق فالقليل منها يشفي وإذا كانت بعد السماع كانت من تحت والقليل منها يهلك
30 ومنهم سهل بن عبد الله التستري وهو سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع وكنيته أبو محمد
أحد أئمة القوم وعلمائهم والمتكلمين في علوم الرياضات والإخلاص وعيوب الأفعال
____________________
(1/166)
صحب خاله محمد بن سوار وشاهد ذا النون المصري سنة خروجه إلى الحج بمكة
توفي سنة ثلاث وثمانين وقيل سنة ثلاث وتسعين ومائتين وأظن أن ثلاثا وثمانين أصح والله أعلم وأسند الحديث
أخبرنا يوسف بن عمر بن مسرور الزاهد ببغداد قال حدثنا عبيد الله أبو القاسم الصنعاني حدثنا عمر بن واصل حدثنا سهل بن عبد الله التستري حدثنا خالي محمد بن سوار عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو ومعه عدة من نساء الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى ) وذكر الحديث
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت أبا صالح البصري يقول سمعت سهل بن عبد الله يقول الناس نيام فإذا انتهبوا ندموا وإذا ندموا لم تنفعهم ندامتهم
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان قال سمعت المالكي البصري قال سمعت سهل بن عبد الله يقول ما طلعت شمس ولا غربت على أحد على وجه الأرض إلا وهم جهال بالله إلا من يؤثر الله على نفسه وزوجه ودنياه وآخرته
وبه قال سهل أدنى الأدب أن تقف عند الجهل وآخر الأدب أن تقف عند الشبهة
وبه قال سهل شكر العلم العمل وشكر العمل زيادة العلم
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت محمد بن أحمد بن سالم يقول سمعت
____________________
(1/167)
سهل بن عبد الله يقول ما من قلب ولا نفس إلا والله مطلع عليها في ساعات الليل والنهار فأيما قلب أو نفس رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه إبليس
قال وقال سهل بن عبد الله الذي يلزم الصوفي ثلاثة أشياء حفظ سره وأداء فرضه وصيانة فقره
قال وقال سهل الله قبلة النية والنية قبلة القلب والقلب قبلة البدن والبدن قبلة الجوارح والجوارح قبلة الدنيا
قال وقال سهل ليس في الضرورة تدبير فإذا صار إلى التدبير خرج من الضرورة
قال وقال سهل من لم تكن ضرورته لربه فهو مدع لنفسه
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت محمد بن أحمد بن سالم يقول سمعت سهل بن عبد الله يقول من أراد أن يسلم من الغيبة فليسد على نفسه باب النون فمن سلم من الظن سلم من التجسس ومن سلم من التجسس سلم من الغيبة ومن سلم من الغيبة سلم من الزور ومن سلم من الزور سلم من البهتان
وبهذا الإسناد قال سهل لا يستحق إنسان الرياسة حتى يجتمع فيه أربع خصال يصرف جهله عن الناس ويحمل جهلهم ويترك ما في أيديهم ويبذل ما في يده لهم
سمعت أبا العباس محمد بن الحسن البغدادي قال حدثنا جعفر بن محمد
____________________
(1/168)
الخلدي قال سمعت أبا محمد الجريري يقول سمعت سهل بن عبد الله يقول من أخلاق الصدقين ألا يحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين ولا يغتابون ولا يغتاب عندهم ولا يشبعون بطونهم وإذا وعدوا لم يخلفوا ولا يتكلمون إلا والاستثناء في كلامهم ولا يمزحون أصلا
وبإسناده قال سهل ذروا التدبير والاختيار فإنهما يكدران على الناس عيشهم
وبإسناده قال سهل اعلموا أن هذا زمان لا ينال أحد فيه النجاة إلا بذبح نفسه بالجوع والصبر والجهد لفساد ما عليه أهل الزمان
سمعت أبا نصر عبد الله بن علي يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول سمعت محمد بن الحسن بن الصباح قال قال سهل أعمال البر يعملها البر والفاجر ولا يجتنب المعاصي إلا صديق
وبهذا الإسناد قال سهل من ظن حرم اليقين ومن تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق ومن شغل جوارحه بغير ما أمره الله به حرم الورع
وسمعت أبا نصر يقول سمعت الدقي يقول سمعت أبا بكر الفرغاني يحكي عن سهل بن عبد الله قال الفتن ثلاثة فتنة العامة من إضاعة العلم وفتنة الخاصة من الرخص والتأويلات وفتنة أهل المعرفة من أن يلزمهم حق في وقت فيؤخروه إلى وقت ثان
____________________
(1/169)
وبه قال سهل أصولنا سبعة أشياء التمسك بكتاب الله تعالى والاقتداء بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام والتوبة وأداء الحقوق
وبه قال سهل من أحب أن يطلع الخلق على ما بينه وبين الله فهو غافل
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا يعقوب البلدي يقول سمعت سهل بن عبد الله يقول لقد أيس العلماء والحكماء من هذه الثلاث خلال ملازمة التوبة ومتابعة السنة وترك أذى الخلق
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت العباس بن عصام قال سمعت سهل بن عبد الله يقول البلوى من الله على وجهين بلوى رحمة وبلوى عقوبة فبلوى الرحمة يبعث صاحبه على إظهار فقره إلى الله وترك التدبير وبلوى العقوبة يبعث صاحبه على اختياره وتدبيره
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت محمد بن الحسين يقول قال سهل من خلا قلبه من ذكر الآخرة تعرض لوساوس الشيطان
وسمعته يقول سمعت ابن عاصم يقول سمعت سهل بن عبد الله يقول لا معين إلا الله ولا دليل إلا رسول الله ولا زاد إلا التقوى ولا عمل إلا الصبر
____________________
(1/170)
قال وقال سهل الآيات لله والمعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء والمغوثات للمريدين والتمكين لأهل الخصوص
قال وقال سهل العيش على أربعة أوجه عيش الملائكة في الطاعة وعيش الأنبياء في العلم وانتظار الوحي وعيش الصدقين في الاقتداء وعيش سائر الناس عالما كان أو جاهلا زاهدا كان أو عابدا في الأكل والشرب
قال وقال سهل الضرورة للأنبياء والقوام للصدقين والقوت للمؤمنين والمعلوم للبهائم
قال وقال سهل الأعمال بالتوفيق والتوفيق من الله ومفتاحها الدعاء والتضرع
31 ومنهم محمد بن الفضل البلخي وهو محمد بن الفضل بن العباس بن حفص وكنيته أبو عبد الله
ساكن سمرقند وأصله من بلخ ولكنه أخرج منها بسبب المذهب فدخل سمرقند ونزلها وبها مات سنة تسع عشرة وثلاثمائة
____________________
(1/171)
صحب أحمد بن خضرويه وغيره من المشايخ وهو من أجلة مشايخ خراسان ولم يكن أبو عثمان يميل إلى أحد من المشايخ ميله إليه
سمعت محمد بن علي الحبري يقول سمعت أبا عثمان يقول لو وجدت من نفسي قوة لرحلت إلى أخي محمد بن الفضل فاستروح سري برؤيته وأسند محمد الحديث
حدثنا أبو الحارث علي بن القاسم الخطابي بمرو إملاء قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي الزاهد الصوفي بسمرقند حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة )
سمعت منصور بن عبد الله يقول قال محمد بن الفضل أعرف الناس بالله أشدهم مجاهدة في أوامره وأتبعهم لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت محمد بن الفضل يقول الرحمن هو الذي يحسن إلى البر والفاجر
سمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت محمد بن الفضل يقول ذهاب
____________________
(1/172)
الإسلام من أربعة أولها لا يعملون بما يعلمون والثاني يعملون بما لا يعلمون والثالث لا يتعلمون ما لا يعلمون والرابع يمنعون الناس من التعلم
قال وقال محمد بن الفضل الدنيا بطنك فبقدر زهدك في بطنك زهدك في الدنيا
قال وسمعت محمد بن الفضل يقول العجب ممن يقطع الأودية والقفار والمفاوز حتى يصل إلى بيته وحرمه لأن فيه آثار أنبيائه كيف لا يقطع نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه فإن فيه آثار مولاه
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت الحسن بن علويه يقول قال محمد بن الفضل العلم حرز والجهل غرر والصديق مؤنة والعدو هم والصلة بقاء والقطيعة مصيبة والصبر قوة والجرأة عجز والكذب ضعف والصدق قوة والمعرفة صداقة والعقل تجربة
وبه قال محمد بن الفضل أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها فإن من ملك نفسه عز ومن ملكته نفسه ذل
وبهذا الإسناد قال محمد بن الفضل ست خصال يعرف بها الجاهل الغضب في غير شيء والكلام في غير نفع والعطية في غير موضعها
____________________
(1/173)
وإفشاء السر والثقة بكل أحد وألا يعرف صديقه من عدوه
قال وقال محمد بن الفضل خطأ العالم أضر من عمد الجاهل
قال وقال محمد بن الفضل من ذاق حلاوة العلم لا يصبر عنه
قال وقال محمد بن الفضل من ذاق حلاوة المعاملة أنس بها
قال وقال محمد بن الفضل من عرف الله اكتفى به بعد قوله تعالى { أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } ( فصلت 53 )
قال وقال محمد بن الفضل العلوم ثلاثة علم بالله وعلم من الله وعلم مع الله فالعلم بالله معرفة صفاته ونعوته والعلم من الله علم الظاهر والباطن والحلال والحرام والأمر والنهي في الأحكام والعلم مع الله علم الخوف والرجاء والمحبة والشوق
قال وقال محمد البكاء بكاءان بكاء الزاهدين بعيونهم وبكاء العارفين بقلوبهم
وبهذا الإسناد قال محمد بن الفضل العارف يدافع عيشه يوما بيوم ويأخذ من عيشه يوما ليوم
وبهذا الإسناد قال سئل محمد بن الفضل ما ثمرة الشكر فقال الحب لله والخوف منه
وبهذا الإسناد قال محمد بن الفضل ذكر اللسان كفارات ودرجات وذكر القلب زلف وقربات
وبهذا الإسناد قال محمد بن الفضل إذا رأيت المريد يستزيد من الدنيا فذاك من علامات إدباره
____________________
(1/174)
وبه قال محمد الموافقة أصل المحبة وأصل الوصال ترك القرار وأصل الفقر معرفة التقصير وأصل الثبات على الحق دوام الفقر إلى الله تعالى
وبه قال محمد من استوى عنده ما دون الله نال المعرفة بالله
سمعت أبا الفرج عبد الواحد بن بكر يقول سمعت أبا علي الخمي يقول سمعت محمد بن الفضل يقول وسئل ما الفتوة فقال حفظ السر مع الله على الموافقة وحفظ الظاهر مع الخلق بحسن العشرة واستعمال الخلق
وسمعته يقول سمعت أبا علي يقول سئل محمد عن الزهد فقال النظر إلى الدنيا بعين النقص والإعراض عنها تعززا وتظرفا فمن استحسن من الدنيا شيئا فقد نبه عن قدرها
32 ومنهم محمد بن علي الترمذي وهو محمد بن علي بن الحسن وكنيته أبو عبد الله
لقي أبا تراب النخشبي وصحب يحيى الجلاء وأحمد بن خضرويه وهو من كبار مشايخ خراسان وله التصانيف المشهورة كتب الحديث الكثير ورواه
حدثنا القاضي أبو محمد يحيى بن منصور قال حدثنا أبو عبد الله محمد ابن علي الترمذي حدثنا محمد بن رزام الأبلي حدثنا محمد بن عطاء
____________________
(1/175)
الهجيمي حدثنا محمد بن نصر عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس ( قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { رب أرني أنظر إليك } ( الأعراف 143 ) فقال قال يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده ولا رطب إلا تفرق وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم )
سمعت منصور بن عبد الله يقول قال محمد بن علي الترمذي ليس الفوز هناك بكثرة الأعمال إنما الفوز هناك بإخلاص الأعمال وتحسينها
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي من شرائط الخدام التواضع والاستسلام
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي الناس في استماع الحكمة رجلان عاقل وعامل فالعاقل يتعجب وهو لما يسمعه يشتهي والعامل يتقلب كأن قلبه منه حية تلتوي
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي ليس في الدنيا حمل أثقل من البر لأن من برك فقد أوثقك ومن جفاك فقد أطلقك
وبهذا الإسناد قال محمد كفى بالمرء عيبا أن يسره ما يضره
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت الحسن بن علي يقول سمعت محمد بن علي الترمذي يقول دعا الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم فهيأ لهم فيها ألوان الضيافات لينال العبد من كل قول وفعل شيئا من عطاياه فالأفعال كالأطعمة والأقوال كالأشربة وهي عرس الموحدين
____________________
(1/176)
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي العاقل من اتقى ربه وحاسب نفسه
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي من جهل أوصاف العبودية فهو بنعوت الربانية أجهل
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي صلاح خمسة أصناف في خمسة مواطن صلاح الصبيان في الكتاب وصلاح القطاع في السجن وصلاح النساء في البيوت وصلاح الفتيان في العلم وصلاح الكهول في المساجد
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي ضمن الله تعالى للعباد الرزق وفرض عليهم التوكل
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي حقيقة محبة الله دوام الأنس بذكره
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه والمنافق حزنه في وجهه وبشره في قلبه
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي الدنيا عروس الملوك ومرآة الزهاد أما الملوك فتجملوا بها وأما الزهاد فنظروا إلى آفتها فتركوها
وبهذا الإسناد قال سئل محمد بن علي عن الخلق فقال ضعف ظاهر ودعوى عريضة
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي اجعل مراقبتك لمن لا يغيب عن نظره إليك واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه
____________________
(1/177)
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي ملاك القلوب بكمال الخشية وملامك النفوس بكمال التقوى
وبهذا الإسناد قال محمد بن علي المكلم والمحدث إذا تحققا في درجتهما لم يخافا من حديث النفس وكما أن النبوة محفوظة بالنسخ لإلقاء الشيطان كذلك محل المكالمة والمحادثة مصونة من الإلقاء النفس وفتنتها محروسة بالحق والسكينة لأن السكينة حجاب المكلم والمحدث عن نفسه
وبهذا الإسناد قال سئل محمد بن علي هل يخاف المحدثون سوء العاقبة فقال خوف هول وقلق يكون كالخطرات ثم يمضي فإن الله تعالى لا يحب أن يكدر عليهم مننه
33 ومنهم أبو بكر الوراق وهو محمد بن عمر الحكيم
أصله من ترمذ وأقام ببلخ لقي أحمد بن خضرويه وصحبه وصحب محمد بن سعد بن إبراهيم الزاهد ومحمد بن عمر بن خشنام البلخي
له الكتب المشهورة في أنواع الرياضات والمعاملات والآداب وأسند الحديث
أخبرنا علي بن الحسين البلخي قال حدثنا محمد بن محمد بن حاتم حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الوراق البلخي في درب النسوة قال أخبرنا أبو
____________________
(1/178)
عمران موسى بن حزام حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة عن عبد الرحمن ابن أبي سعيد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من أعظم الأمانة عند الله الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها )
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت محمد بن يعقوب الترمذي يقول سمعت أبا ذر الترمذي يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول الناس ثلاثة العلماء والأمراء والقراء فإذا فسد الأمراء فسد المعاش وإذا فسد العلماء فسدت الطاعات وإذا فسد القراء فسدت الأخلاق
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا بكر أحمد بن سعيد يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول شكر النعمة مشاهدة المنة وحفظ الحرمة
وسمعته يقول سمعت أحمد بن مزاحم يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول للقلب ستة أشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة ونوم فحياته الهدى وموته الضلالة وصحته الطهارة والصفاء وسقمه الكدورة والعلاقة ويقظته الذكر ونومه الغفلة
ولكل واحد من ذلك علامة فعلامة الحياة الرغبة والرهبة والعمل بهما والموت بخلاف ذلك وعلامة الصحة القوة واللذة والسقم بخلاف ذلك وعلامة اليقظة السمع والبصر والنوم بخلاف ذلك
قال وقال أبو بكر الاشتغال بالخلق والتزين لهم حجاب عن المنة ومن لم يعرف النة لم يعرف الخذلان
____________________
(1/179)
قال وقال أبو بكر صاحب العقلاء بالاقتداء والزهاد بحسن المداراة والحمقى بجميل الصبر
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا عمرو البيكندي يقول سمعت محمد بن حامد يقول قلت لأبي بكر الوراق علمني شيئا يقربني إلى الله تعالى ويقربني من الناس فقال أما الذي يقربك إلى الله فمسألته وأما الذي يقربك إلى الناس فترك مسألتهم
وسمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت غيلان السمرقندي يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول من اكتفى بالكلام من العلم دون الزهد والفقه تزندق ومن اكتفى بالزهد دون الفقه والكلام تبدع ومن اكتفى بالفقه دون الزهد والكلام تفسق ومن تفنن في هذه الأمور كلها تخلص
قال ودخل رجل على أبي بكر فقال إني أخاف من فلان فقال لا تخف منه فإن قلب من تخافه بيد من ترجوه
سمعت محمد بن محمد أبا نصر الزاهد يقول سمعت إسحاق بن محمد الحليم يقول كتب أبو بكر الوراق إلى صديق له فكان فيما كتب راحة الدنيا تؤدي إلى عناء عقابها وتعب الدنيا بالحق يؤدي إلى راحة ثوابها وتارك الشهوات هو المصيب للشهوات والمصيب للشهوات هو التارك للشهوات والسلام
قال وقال أبو بكر الأدب للعارف كالتوبة للمستأنف
____________________
(1/180)
قال وقال أبو بكر خضوع الفاسقين أفضل من صولة المطيعين
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا بكر بن أحيد البلخي يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول لو قيل للطمع من أبوك لقال الشك في المقدور ولو قيل ما حرفتك لقال اكتساب الذل ولو قيل ما غايتك لقال الحرمان
قال وقال أبو بكر الناس كلهم في أحوال الدنيا أربعة مرحوم ومخدوع ومعاقب ومكره
وسمعته يقول سمعت الحسن بن علويه يقول قال أبو بكر الوراق من صحت معرفته بالله ظهرت عليه الهيبة والخشية
قال وقال أبو بكر عوام الخلق هم الذين سلمت صدورهم وحسنت أعمالهم وطهرت ألسنتهم فإذا خلوا من هذا فهم الغوغاء لا العوام
قال وقال أبو بكر إذا فسدت العامة غلبت الفساق على أهل الصلاح وولاة الجور على ولاة العدل والكفار على المسلمين
قال وقال أبو بكر الخاصة هم الذين فقهت قلوبهم وحسنت أخلاقهم وكانوا أئمة يدعون الناس إلى الخير والعمل به وسالموا السلطان على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعلماء على صدق الخبر والعلماء على ظاهر الأمور فإذا خلوا من ذلك فهم المفترون وإذا فسدت الخاصة غلبت الكذبة على الصادقين والكهنة على الموقنين والموسوسون على المخلصين
قال وقال أبو بكر أصل غلبة الهوى مقارفة الشهوات فإذا غلب الهوى أظلم القلب وإذا أظلم القلب ضاق الصدر وإذا ضاق الصدر ساء الخلق وإذا ساء الخلق أبغضه الخلق وإذا أبغضه الخلق أبغضهم وإذا أبغضهم جفاهم وإذا جفاهم صار شيطانا
____________________
(1/181)
قال وقال أبو بكر الحكماء خلف الأنبياء وليس بعد النبوة إلا الحكمة وهي أحكام الأمور وأول علامات الحكمة طول الصمت والكلام على قدر الحاجة
قال وقال أبو بكر احذر صحبة السلطان إبقاء على نفسك والملوك إبقاء على عيشك والأغنياء إبقاء على ملكك والسوقة إبقاء على خلقك والنساء والصبيان إبقاء على قلبك والفساق والمبتدعين إبقاء على دينك والفقراء إبقاء على مالك والعلماء إبقاء على إيمانك وإسلامك والإخوان في مخالفتهم إبقاء على فضلك ومروءتك
قال وقال أبو بكر الوراق للمؤمن أربع علامات كلامه ذكر وصمته تفكر ونظره عبرة وعمله بر
قال وقال أبو بكر الخلاف يهيج العداوة والعداوة تستنزل البلاء
قال وقال أبو بكر العبد لا يستحق اليقين حتى يقطع كل سبب بينه وبين العرش إلى الثرى حتى يكون الله مراده لا غيره ويؤثر الله على كل ما سواه
قال وقال أبو بكر من عشق نفسه عشقه الكبر والحسد والذل والمهانة
قال وقال أبو بكر لا تصحب من يمدحك بخلاف ما أنت عليه أو بغير ما فيك فإنه إذا غضب عليك ذمك بما ليس فيك
قال وقال أبو بكر ازهد في حب الرياسة والعلو في الناس إن أحببت أن تذوق شيئا من سبل الزاهدين
____________________
(1/182)
قال وقال أبو بكر اليقين نور يستضيء به العبد في أحواله فيبلغه إلى درجات درجات المتقين
34 ومنهم أبو سعيد الخراز واسمه أحمد بن عيسى
وهو من أهل بغداد صحب ذا النون المصري وأبا عبد الله النباجي وأبا عبيد البسري وصحب أيضا سريا السقطي وبشر بن الحارث وغيرهم
وهو من أئمة القوم وجلة مشايخهم قيل إنه أول من تكلم في علم الفناء والبقاء مات سنة تسع وسبعين ومائتين وأسند الحديث
____________________
(1/183)
أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عمر بن مسرور الزاهد ببغداد قال حدثنا علي بن محمد المصري حدثنا أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز البغدادي الصوفي حدثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري حدثنا جابر بن سليم عن يحيى ابن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سوء الخلق شؤم وشراركم أسوأكم أخلاقا )
سمعت عمر بن عبد الله الفرغاني يقول سمعت ابن الكاتب يقول سمعت ابا سعيد الخراز يقول إن الله تعالى عجل لأرواح أوليائه التلذذ بذكره والوصول إلى قربه وعجل لأبدانهم النعمة بما نالوه من مصالحهم وأجزل نصيبهم من كل كائن فعيش أبدانهم عيش الجنانيين وعيش أرواحهم عيش الربانيين لهم لسانان لسان في الباطن يعرفهم صنع الصانع في المصنوع ولسان في الظاهر يعلمهم علم المخلوقين فلسان الظاهر يكلم أجسامهم ولسان الباطن يناجي أرواحهم
قال وسئل أبو سعيد عن الأنس ما هو فقال استبشار القلوب بقرب الله تعالى وسرورها به وهدوها في سكونها إليه وأمنها معه من حيث الروعات وإعفاؤه لها من كل ما دونه أن يشير إليه حتى يكون هو المشير لأنها ناعمة به ولا تحمل جفاء غيره
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر الزقاق يقول كان أبو سعيد الخراز نائما فانتبه وقال اكتبوا ما وقع لي في هذا النوم إن الله تعالى جعل العلم دليلا عليه ليعرف وجعل الحكمة رحمة منه عليهم ليؤلف فالعلم دليل إلى الله والمعرفة دالة على الله فبالعلم تنال المعلومات وبالمعرفة تنال
____________________
(1/184)
المعروفات والعلم بالتعلم والمعرفة بالتعرف فالمعرفة تقع بتعريف الحق والعلم يدرك بتعريف الخلق ثم تجري الفوائد بعد ذلك
حدثنا أحمد بن محمد بن يعقوب الهروي قال حدثني أحمد بن عطاء قال حدثني أبو صالح قال قال أبو سعيد الخراز مثل النفس مثل ماء واقف طاهر صاف فإن حركته ظهر ما تحته من الحمأة وكذلك النفس تظهر عند المحن والفاقة والمخافة ومن لم يعرف ما في نفسه كيف يعرف ربه
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ( جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ) واعجبا ممن لم ير حسنا غير الله كيف لا يميل بكليته إليه
سمعت نصر بن أبي نصر يقول سمعت قاسما غلام الزقاق يقول سمعت أبا سعيد السكري يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول كل باطن يخالف ظاهرا فهو باطل
وسمعت نصرا يقول سمعت أبا الطيب بن فرخان يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول إذا كانت العين واحدة فمن
____________________
(1/185)
أي حال تلونت عليك فاجر فيها فإن التغيير من جهتك لأن عين الحق لا تتقلب
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت محمد بن علي الكتاني يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول للعارفين خزائن أودعوها علوما غريبة وأنباء عجيبة يتكلمون فيها بلسان الأبدية ويخبرون عنها بعبارة الأزلية
قال وقال أبو سعيد لولا أن الله عز وجل أدخل موسى عليه السلام في كنفه لأصابه مثل ما أصاب الجبل
سمعت أبا عبد الله الرازي يقول سمعت أبا العباس الصياد بمصر يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول رأيت إبليس في النوم وهو يمر عني ناحية فقلت له تعال فقال أيش أعمل بكم أنتم طرحتم من نفوسكم ما أخادع به الناس قلت ما هو قال الدنيا فلما ولى عني التفت إلي وقال غير أن لي فيكم لطيفة قلت ما هي قال صحبة الأحداث قال أبو سعيد وقل من يتخلص من هذا من الصوفية
سمعت علي بن عبد الله يقول سمعت أبا العباس الطحان يقول قال أبو سعيد الخراز المحب يتعلل إلى محبوبه بكل شيء ولا يتسلى عنه بشيء ويتبع آثاره ولا يدع استخباره وأنشد
( أسائلكم عنها فهل من مخبر ** فما لي بنعم مذ نأت دارها علم )
( فلو كنت أدري أين خيم أهلها ** وأي بلاد الله إذ ظعنوا أموا )
( إذا لسلكنا مسلك الريح خلفها ** ولو أصبحت نعم ومن دونها النجم )
____________________
(1/186)
35 ومنهم علي بن سهل الأصبهاني وهو علي بن سهل بن الأزهر وكنيته أبو الحسن
وهو من قدماء مشايخ أصبهان كان يكاتب الجنيد ويراسله وهو من أقرانه قصده عمرو بن عثمان المكي في دين كان عليه بمكة فكتب بديونه سفاتج إلى مكة ولم يعلمه بذلك وهو ثلاثون ألف درهم صحب محمد ابن يوسف بن معدان ولقي أبا تراب النخشبي
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الطبري يقول سمعت علي بن سهل بن الأزهر يقول المبادرة إلى الطاعات من علامات التوفيق والتقاعد عن المخالفات من علامات حسن الرعاية ومراعاة الأسرار من علامات التيقظ وإظهار الدعاوي من رعونات البشرية ومن لم يصحح مبادئ إرادته لا يسلم في منتهى عواقبه
وسمعت محمدا يقول سمعت عليا يقول الغافلون يعيشون في حلم الله والذاكرون يعيشون في رحمة الله والعارفون يعيشون في لطف الله والصادقون يعيشون في قرب الله والمحبون يعيشون في الأنس بالله والشوق إليه
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت أبا جعفر الأصبهاني يقول سمعت
____________________
(1/187)
علي بن سهل يقول الحضور أفضل من اليقين لأن الحضور وطنات واليقين خطرات
سمعت أبا نصر يقول سمعت أبا سلم الأصبهاني يقول سمعت علي بن سهل يقول حرام على من عرف الله أن يسكن إلى شيء غيره
وسمعت أبا نصر يقول سمعت أبا سلم يقول سمعت أبا جعفر الحداد يقول سمعت علي بن سهل يقول من وقت آدم إلى قيام الساعة الناس يقولون القلب القلب وأنا أحب أن أرى رجلا يصف لي أيش القلب وكيف القلب فلا أرى
وبإسناده قال علي الأنس بالله أن تستوحش من الخلق إلا من أهل ولاية الله فإن الأنس بأهل ولاية الله هو الأنس بالله
وبإسناده قال علي لا يغرنك من الأحمق كثرة الالتفات وسرعة الجواب
وبإسناده قال علي العقل مع الروح يدعوان إلى الآخرة ومخالفة الهوى والشهوات فلذلك سمي روحا
وبإسناده قال علي المستهتر السالي بالله عن كل شيء
وبإسناده قال علي من فقه قلبه أورثه ذلك الإعراض عن الدنيا وأبنائها فإن من جهل القلب متابعة سرور لا يدوم
وأنشد
( ليتني مت فاسترحت فإني ** كلما قلت قد قربت بعدت )
وبإسناده قال علي الفقيه من لا يدخل تحت المنسوبات إليه
____________________
(1/188)
وبإسناده قال علي أعاذنا الله وإياكم من غرور حسن الأعمال مع فساد بواطن الأسرار
وبإسناده قال علي التصوف التبري عمن دونه والتخلي عمن سواه
وبإسناده قال علي العقل والهوى متنازعان فمعين العقل التوفيق وقرين الهوى الخذلان والنفس واقفة بينهما فأيهما ظفر كانت في حيزه
وبإسناده قال علي التمست الغنى فوجدته في العلم والتمست الفخر فوجدته في الفقر والتمست العافية فوجدتها في الزهد والتمست قلة الحساب فوجدتها في الصمت والتمست الراحة فوجدتها في الإياس
وبإسناده قال علي رأيت الناس قد أسرهم تعظيم نفوسهم وتحسين ألفاظهم فلا يتفرغون منهما إلى من عظمهم بتخصيص الخلقة وأنطق ألسنتهم بتوحيده
وبإسناده قال سئل علي عن حقيقة التوحيد فقال قريب من الظنون بعيد من الحقائق وأنشد لبعضهم
( فقلت لأصحابي هي الشمس ضوءها ** قريب ولكن في تناولها بعد )
36 ومنهم أبو العباس بن مسروق واسمه أحمد بن محمد بن مسروق
____________________
(1/189)
من أهل طوس سكن بغداد ومات بها صحب الحارث بن اسد المحاسبي والسري بن المغلس السقطي ومحمد بن منصور الطوسي ومحمد ابن الحسين البرجلاني
وهو من قدماء مشايخ القوم وجلتهم توفي ببغداد سنة تسع وتسعين ومائتين وأسند الحديث
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الشعراني الصوفي قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي حدثنا محمد بن الحسين البرجلاني حدثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن زياد ابن نعيم عن ورقاء بن عمرو الحضرمي عن رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/190)
قال ( من صلى علي وقال اللهم أنزله المقام المحمود المقرب عندك يوم القيامة كان في شفاعتي )
سمعت يحيى بن يحيى الشافعي يقول سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول سئل أبو العباس بن مسروق ما التوكل فقال اعتماد القلب على الله
وبهذا الإسناد أيضا سئل عن التوكل فقال اشتغالك عما لك بما عليك وخروجك مما عليك لمن ذلك له وإليه
وبهذا الإسناد أيضا سئل عن التصوف فقال خلو الأسرار مما عنه بد وتعلقها بما ليس منه بد
وبهذا الإسناد سئل عن سماع الرباعيات فقال إن قلوبنا قلوب لم تألف الطاعات طبعا وإنما ألفتها تكلفا فأخشى إن أبحنا لها رخصة أن تتخطى إلى رخص ولا أرى سماع الرباعيات إلا لمستقيم الظاهر والباطن قوي الحال تام العلم
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول سألت أبا العباس بن مسروق مسألة في العقل فقال لي يا أبا محمد من لم يحترز بعقله من عقله لعقله هلك بعقله
وبهذا الإسناد سئل أبو العباس من الزاهد فقال الذي لا يملكه مع الله سبب
وبه قال أبو العباس كثرة النظر في الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب
وبهذا الإسناد قال أبو العباس علم الحال أقرب إلى اليقين من علم القيام وعلم القيام أعلى وأشرف
____________________
(1/191)
وبهذا الإسناد قال أبو العباس من كان مؤدبه ربه لا يغلبه أحد
وبهذا الإسناد قال أبو العباس من راقب الله تعالى في خطرات قلبه عصمه الله في حركات جوارحه
وبه قال إن الله تعالى وسم الدنيا بالوحشة لئلا يكون أنس المطيعين إلا بالله عز وجل
وبه قال أبو العباس مررت مع الجنيد في بعض دروب بغداد فإذا مغن يغني ويقول
( منازل كنت تهواها وتألفها ** أيام أنت على الأيام منصور )
فبكى الجنيد بكاء شديدا ثم قال لي يا أبا العباس ما أطيب منازل الألفة والأنس وأوحش مقامات المخالفات لا أزال أحن إلى بدء إرادتي وحدة سعي وركوبي الأهوال طمعا في الوصول وها أنذا في أيام الفترة أتلهف على أوقاتي الماضية
وبه قال أبو العباس أنت في هدم عمرك منذ خرجت من بطن أمك
وبهذا الإسناد قال أبو العباس المؤمن يقوى بذكر الله والمنافق يقوى بالأكل
وبهذا الإسناد قال أبو العباس من تحقق بالتقوى هان عليه الإعراض عن الدنيا
وبهذا الإسناد قال أبو العباس تعظيم حرمات المؤمنين من تعظيم
____________________
(1/192)
حرمات الله تعالى وبه يصل العبد إلى مجمل حقيقة التقوى
وبهذا الإسناد قال أبو العباس التقوى ألا تمد عينيك إلى زهرة الدنيا ولا تتفكر بقلبك فيها
وبهذا الإسناد قال أبو العباس أكثر ما يخاف منه العارف فوت الحق
وبهذا الإسناد قال أبو العباس شجرة المعرفة تسقى بماء الفكرة وشجرة الغفلة تسقى بماء الجهل وشجرة التوبة تسقى بماء الندامة وشجرة المحبة تسقى بماء الاتفاق والمراقبة والإيثار
وبهذا الإسناد قال أبو العباس من يكن سروره بغير الحق فسروره يورث الهموم ومن لم يكن أنسه في خدمة ربه فهو من أنسه في وحشة
وبهذا الإسناد قال أبو العباس متى ما طمعت في المعرفة ولم تحكم قبلها مدارج الإرادة فأنت في جهل ومتى ما طلبت الإرادة قبل تصحيح مقام التوبة فأنت في غفلة مما تطلبه
أنشدني الحسين بن أحمد بن موسى قال أنشدني ابن مخلد لأبي العباس ابن مسروق
( وإني لأهواه مسيئا ومحسنا ** وأقضي على قلبي له بالذي يقضى )
( فحتى متى روح الرضا لا ينالني ** وحتى متى أيام سخطك لا تمضي )
____________________
(1/193)
37 ومنهم أبو عبد الله المغربي واسمه محمد بن إسماعيل
كان أستاذ إبراهيم الخواص وإبراهيم بن شيبان صحب علي بن رزين وعاش كما قيل مائة وعشرين سنة ومات على جبل طور سيناء وقبره عليه مع قبر أستاذه علي بن رزين مات سنة تسع وسبعين ومائتين وقيل تسع وتسعين وهذا أصح إن شاء الله وأسند الحديث
أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الطبري قال حدثنا إبراهيم بن شيبان حدثنا أبو عبد الله المغربي حدثنا عمرو بن أبي غيلان حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا زار أخا له في قرية فأرصد الله على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال أين تريد قال أريد أخا لي في هذه القرية قال هل لك عليه من نعمة تربها قال لا غير أني أحببته في الله قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول سمعت أبا عبد الله المغربى يقول الأبدال بالشام والنجباء باليمن والأخبار بالعراق وسمعت أبا بكر يقول سمعت جعفرا يقول سمعت أبا عبد الله المغربي يقول الفقير المجرد من الدنيا وإن لم يعمل شيئا من أعمال الفضائل ذرة منه أفضل من هؤلاء المتعبدين المجتهدين ومعهم الدنيا
وبهذا الإسناد قال أبو عبد الله ما رأيت أنصف من الدنيا إن خدمتها خدمتك وإن تركتها تركتك
____________________
(1/194)
وبهذا الإسناد قال أبو عبد الله أفضل الأعمال عمارة الأوقات بالموافقات
وبهذا الإسناد قال أبو عبد الله أعظم الناس ذلا فقير داهن غنيا وتواضع له وأعظم الناس عزا غني تذلل لفقير وحفظ حرمته
أنشدني أبو الفرج الورثاني قال أنشدني أبو علي الموصلي لأبي عبد الله المغربي
( يا من يعد الوصال ذنبا ** كيف اعتذاري ولي ذنوب )
( إن كان ذنبي إليك حبي ** فإنني منه لا أتوب )
سمعت عبد الله بن علي بن يحيى يقول سمعت أبا عبد الله المغربي يقول أهل الخصوص مع الله تعالى على ثلاث منازل قوم يضن بهم عن البلاء لئلا يستغرق الجزع صبرهم فيكرهون حكمه أو يكون في صدورهم حرج من قضائه وقوم يضن بهم عن مساكنة أهل المعاصي لئلا تغتم قلوبهم فمن أجل ذلك سلمت صدورهم للعالم وقوم صب عليهم البلاء صبا وصبرهم وارتضاهم فما ازدادوا بذلك إلا حبا له ورضا لحكمه وله عباد منحهم نعما تجدد عليهم وأسبغ عليهم باطن العلم وظاهره وأحمل ذكرهم
وبهذا الإسناد قال أبو عبد الله من ادعى العبودية وله مراد باق فيه فهو كاذب في دعواه إنما تصح العبودية لمن أفنى مراداته وقام بمراد سيده
____________________
(1/195)
يكون اسمه ما سمى به ونعته ما حلى به إذا سمى باسم أجاب عن العبودية فلا اسم له ولا وسم لا يجيب إلا لمن يدعوه بعبودية سيده ثم بكى أبو عبد الله وأنشأ يقول
( لا تدعني إلا بيا عبدها ** فإنها أصدق أسمائي )
وبهذا الإسناد قال أبو عبد الله الفقراء الراضون هم أمناء الله في أرضه وحجته على عباده بهم يندفع البلاء عن الخلق
وبهذا الإسناد قال أبو عبد الله الفقير الذي لا يرجع إلى مستند في الكون غير الالتجاء إلى من إليه فقره ليغنيه بالاستغناء به كما عززه بالافتقار إليه
وبهذا الإسناد قال أبو عبد الله ما فطنت إلى هذه الطائفة واحترقت بما فطنت
38 ومنهم أبو علي الجوزجاني واسمه الحسن بن علي
من كبار مشايخ خراسان له التصانيف المشهورة تكلم في علوم الآفات والرياضات والمجاهدات وربما تكلم أيضا في شيء من علوم المعارف والحكم
صحب محمد بن علي الترمذي ومحمد بن الفضل وهو قريب السن منهم
____________________
(1/196)
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا علي الجوزجاني يقول ثلاثة أشياء من عقد التوحيد الخوف والرجاء والمحبة فزيادة الخوف من كثرة الذنوب لرؤية الوعيد وزيادة الرجاء من اكتساب الخير لرؤية الوعد وزيادة المحبة من كثرة الذكر لرؤية المنة فالخائف لا يستريح من الهرب والراجي لا يستريح من الطلب والمحب لا يستريح من ذكر المحبوب فالخوف نار منورة والرجاء نور منور والمحبة نور الأنوار
سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الرازي يقول سمعت أبا علي الجوزجاني يقول في البخل هو ثلاثة أحرف الباء وهو البلاء والخاء وهو الخسران واللام وهو اللوم فالبخيل بلاء في نفسه وخاسر في سعيه وملوم في بخله
وبهذا الإسناد سمعت أبا علي يقول السابقون هم المقربون بالعطيات والمرتفعون في المقامات وهم العلماء بالله من بين البرية عرفوا الله حق معرفته وعبدوه بإخلاص العبادة وآووا إليه بالشوق والمحبة وهم الذين قال الله عز وجل فيهم { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار } ( ص : 47 )
وبهذا الإسناد سمعت أبا علي يقول من علامات السعادة على العبد تيسير الطاعة عليه وموافقته للسنة في أفعاله وصحبته لأهل الصلاح وحسن خلقه مع الإخوان وبذل معروفه للخلق واهتمامه للمسلمين ومراعاته لأوقاته
وبهذا الإسناد سمعت أبا علي يقول الشقي من أظهر ما كتم الله عليه من معاصيه
وبهذا الإسناد سأله بعض أصحابه كيف الطريق إلى الله فقال الطرق إليه كثيرة وأصح الطرق وأعمرها وأبعدها عن الشبه اتباع السنة قولا
____________________
(1/197)
وفعلا وعزما وعقدا ونية لأن الله تعالى يقول { وإن تطيعوه تهتدوا } ( النور : 54 )
فسأله كيف الطريق إلى اتباع السنة فقال مجانبة البدع واتباع ما اجتمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام والتباعد عن مجالس الكلام وأهله ولزوم طريق الاقتداء والاتباع بذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله عز وجل { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } ( النحل : 23 )
وبهذا الإسناد سمعت أبا علي وسئل عن أبي يزيد البسطامي وهذه الألفاظ التي تحكى عنه فقال رحم الله أبا يزيد له حاله وما نطق به ولعله تكلم بها على حد الغلبة أو حال سكر كلامه له ولمن تكلم عليه وليس لمن يحكى عنه فالزم أنت يا أخي أولا مجاهدة أبي يزيد وتقطعه ومعاملاته ولا ترتق إلى المقام الذي بلغ به بعد تلك المجاهدات فإن بلغ بك إلى شيء من ذلك فاحك إذ ذاك كلامه فليس بعاقل من ضيع الأدنى من المقامات وادعى الأعلى منها
وبهذا الإسناد سمعت أبا علي يقول الخلق كلهم في ميادين الغفلة يركضون وعلى الظنون يعتمدون وعندهم أنهم في الحقيقة يتقلبون وعن المكاشفة ينطقون
39 ومنهم محمد وأحمد ابنا أبي الورد
____________________
(1/198)
وهما من كبار مشايخ العراقيين وجلتهم وكانا من جلساء الجنيد وأقرانه صحبا سريا السقطي وأبا الفتح الحمال وحارثا المحاسبي وبشرا الحافي وطريقتهما في الورع قريبة من طريقة بشر وأسند محمد الحديث
أخبرنا سعيد بن القاسم بن العلاء البرذعي قال حدثنا أبو طلحة أحمد ابن محمد بن عبد الكريم القارئ بالبصرة قال سمعت محمد بن أبي الورد قال سمعت بشر بن الحارث يقول حدثنا المعافى بن عمران عن إسرائيل عن مسلم عن حبة عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا علي كل الثوم نيا فلولا أن الملك يأتيني لأكلته )
سمعت أبا الفرج الورثاني عبد الواحد بن بكر يقول سمعت أبا العباس الدمشقي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت محمد بن أبي الورد يقول في ارتفاع الغفلة ارتفاع العبودية ثم الغفلة غفلتان غفلة رحمة وغفلة نقمة فأما التي هي رحمة فلو كشف الغطاء وشهد القوم العظمة ما انقطعوا عن العبودية ومراعاة السر وأما التي هي نقمة فهي الغفلة التي تشغل العبد عن طاعة الله بمعصيته
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول قال أحمد ابن أبي الورد بسط بساط المجد للأولياء ليأنسوا به وليرفع عنهم حشمة بديهة المشاهدة وبساط الهيبة بسط للأعداء ليستوحشوا من قبائح أفعالهم فلا يشاهدوا ما يستروحون منه إليه في المشهد الأعلى
وبهذا الإسناد سمعت أحمد بن أبي الورد يقول وصل القوم بخمس بلزوم الباب وترك الخلاف والنفاذ في الخدمة والصبر على المصائب وصيانة الكرامات
____________________
(1/199)
وبهذا الإسناد سمعت محمد بن أبي الورد وسئل من الولي فقال من يوالي أولياء الله ويعادي أعداءه
وبهذا الإسناد قال محمد بن أبي الورد من كانت نفسه لا تحب الدنيا فأهل الأرض يحبونه ومن كان قلبه لا يحب الدنيا فأهل السماء يحبونه
وبهذا الإسناد سمعت أحمد بن أبي الورد يقول إذا زاد الله في الولي ثلاثة أشياء زاد منه ثلاثة أشياء إذا زاد جاهه زاد تواضعه وإذا زاد ماله زاد سخاؤه وإذا زاد عمره زاد اجتهاده
وبهذا الإسناد سمعت محمد بن أبي الورد وسئل عن قول تعالى { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } ( فاطر : 8 ) فقال من ظن في إساءته أنه محسن
وبهذا الإسناد سمعت أحمد بن أبي الورد يقول العالم كله في حاشية من حواشي الملك والملك في ناحية
وبهذا الإسناد سمعت محمد بن أبي الورد يقول طرح الدنيا إلى من أقبل عليها والإعراض عنها وعمن أقبل عليها من عمل الأكياس
وبهذا الإسناد سمعت بن أبي الورد يقول من آداب الفقير في فقره ترك الملامة والتعبير لمن ابتلى بطلب الدنيا والرحمة والشفقة عليه والدعاء له ليريحه من تعبه فيها
أخبرنا علي بن أحمد بن واصل قال حدثنا عبد الخالق بن الحسن البغوي قال حدثنا محمد بن هارون الهاشمي قال حدثنا محمد بن أبي الورد قال سمعت بشر بن الحارث يقول رحلت إلى عيسى بن يونس على قدمي ماشيا فأكرمني وأدناني وقال لي ما الذي أقدمك قلت أحببت
____________________
(1/200)
لقاءك والنظر إليك فبكى وقال يا أخي ومن أنا وأي شيء أحسن أنا ثم قال معك شيء تسأل فقلت حدثني حديث عبد الله بن عراك ابن مالك وحديث الحسن عن عائشة أم المؤمنين فقال عيسى نعم حدثنا عبد الله بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة )
ثم قال عيسى وحدثنا عمرو بن عبيد المحدث المذموم عن الحسن عن عائشة أنها قالت يا رسول الله هل على النساء جهاد ( قال نعم جهاد بلا قتال الحج والعمرة )
40 ومنهم أبو عبد الله السجزي
صحب أبا حفص وهو من كبار مشايخ خراسان وفتيانهم قطع البادية مرارا على التوكل
سمعت محمد بن أحمد الفراء يقول قال أبو عبد الله السجزي من لم يقدس علمه لم يقدس فعله ومن لم يقدس فعله لم يقدس بدنه ومن لم يقدس بدنه لم يقدس قلبه ومن لم يقدس قلبه لم يقدس نيته والأمور كلها مبنية على النية
وسمعت محمدا يقول قال أبو عبد الله العبرة أن تجعل كل حاضرا غائبا والفكرة أن تجعل كل غائب حاضرا
سمعت جدي يقول دخل رجل على أبي عبد الله السجزي فقال له معي دينار أريد أن أدفعه إليك فما ترى قال إن دفعته إلي فهو خير لك وإن لم تدفعه إلي فهو خير لي وأنت أبصر
____________________
(1/201)
وسمعت جدي يقول سمعت أبا عبد الله يقول علامة الأولياء ثلاثة تواضع عن رفعة وزهد عن قدرة وإنصاف عن قوة
قال وسمعت أبا عبد الله يقول كل واعظ لا يقوم الغنى من مجلسه فقيرا والفقير من مجلسه غنيا فليس بواعظ
قال وسمعت أبا عبد الله يقول بئس العبد عبد عصى الله بقلبه وجوارحه واعتذر إليه بلسانه من غير رجوع عما سلف
قال وسمعت أبا عبد الله يقول أنفع شيء للمريدين صحبة الصالحين والاقتداء بهم في أفعالهم وأخلاقهم وشمائلهم وزيارة قبور الأولياء والقيام بخدمة الأصحاب والرفقاء
قال وسمعت أبا عبد الله يقول لا تعير أحدا بذنب حتى تتيقن أن ذنوبك مغفورة
قال وسمعت أبا عبد الله وقيل له لم لا تلبس المرقعة فقال من النفاق أن تلبس لباس الفتيان ولا تدخل في حمل أثقال الفتوة إنما يلبس لباس الفتيان من يصبر على حمل أثقال الفتوة فقيل له ما الفتوة فقال رؤية أعذار الخلق وتقصيرك وتمامهم ونقصانك والشفقة على الخلق كلهم برهم وفاجرهم وكمال الفتوة هو ألا يشغلك الخلق عن الله عز وجل
____________________
(1/202)
الطبقة الثالثة من أئمة الصوفية
41 ومنهم أبو محمد الجريري يقال إن اسمه أحمد بن محمد بن الحسين وكنية والده أبو الحسين
كذلك سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت أبا بكر محمد بن داود الدقي يذكر ذلك
وسمعت عبد الله بن أحمد البغدادي يقول سمعت أبا الحسين السيرواني يقول اسم الجريري الحسن بن محمد ويقال إن اسمه عبد الله بن يحيى ولا يصح هذا
وكان من كبار أصحاب الجنيد وصحب أيضا سهل بن عبد الله التستري وهو من علماء مشايخ القوم أقعد بعد الجنيد في مجلسه لتمام حاله وصحة علمه
مات سنة إحدى عشرة وثلاثمائة سمعت أبا الحسن بن مقسم يذكر ذلك ببغداد وأسند الحديث
أخبرنا علي بن محمد القزويني الصوفي قال حدثنا أحمد بن نصر بن علي القزويني قال أخبرني أبو محمد الجريري الصوفي حدثنا أحمد بن محمد بن
____________________
(1/203)
شاكر حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن أو أخراهن بالتراب )
قال أحمد بن محمد بن شاكر كان معنا في المسجد إبراهيم بن أورمة الإصبهاني فقال لنصر بن علي يا أبا عمرو لا يحدث به فإنه ليس له أصل فلا أدري أحديث أم لا
سمعت أبا نصر عبد الله بن علي السراج قال أخبرني أبو الطيب العكي عن أبي محمد الجريري قال التسرع إلى استدراك علم الانقطاع وسيلة والوقوف على حد الانحسار نجاة واللياذ بالمهرب من علم الدنو وصلة واستفتاح فقد ترك الجواب ذخيرة والاعتصام من قبول دواعي استماع الخطاب تلطف وخوف فوت علم ما انطوى من فصاحة الفهم في حين الإقبال مساءة والإصغاء إلى تلقي ما يفضل من معدنه بعد والاستسلام عند التلاقي جرأة والانبساط في محل الأنس غرة
سمعت أبا محمد الراسبي ببغداد يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول رأيت في النوم كأن قائلا يقول لي لكل شيء عند الله حق وإن أعظم الحقوق عند الله حق الحكمة فمن جعل الحكمة في غير أهلها طالبه الله بحقها ومن طالبه بحقها خصم
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا محمد الجريري وسئل عن القراء فقال هو الذي طلب الآخرة وسعى لها سعيها وأعرض عن الدنيا والاشتغال بها
سمعت علي بن سعيد الثغري يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول سمعت
____________________
(1/204)
ابا صالح يقول قيل لأبي محمد الجريري متى يسقط عن العبد ثقل المعاملة فقال هيهات ما بد منها ولكن يقع الحمل فيها
وبهذا الإسناد قال الجريري أدل الأشياء على الله تعالى ثلاثة ملكه الظاهر ثم تدبيره في ملكه ثم كلامه الذي يستوفي كل شيء
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول من استولت عليه النفس صار أسيرا في حكم الشهوات محصورا في سجن الهوى وحرم الله على قلبه الفوائد فلا يستلذ كلامه ولا يستحليه وإن كثر ترداده على لسانه لأن الله تعالى يقول { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } ( الأعراف : 8 ) أي حتى لا يفهمونه ولا يجدون له لذة لأنه تكبرون بأحوال النفس والخلق والدنيا فصرف الله عن قلوبهم فهم مخاطباته وأغلق عليهم سبيل فهم كتابه وسلبهم الانتفاع بالمواعظ وحبسهم في عقولهم وآرائهم فلا يعرفون طريق الحق ولا يسلكون سبيله
وسمعت أبا الحسين يقول سمعت أبا محمد يقول قوام الأديان ودوام الإيمان وصلاح الأبدان في خلال ثلاث الاكتفاء والاتقاء والاحتماء
فمن اكتفى بالله صلحت سريرته ومن اتقى ما نهي عنه استقامت سيرته ومن احتمى ما لم يوافقه ارتاضت طبيعته فثمرة الاكتفاء صفو المعرفة وعاقبة الاتقاء حسن الخليقة وغاية الاحتماء اعتدال الطبيعة
وبهذا الإسناد قال أبو محمد غاية همة العوام السؤال وبلوغ درجة الأوساط الدعاء وهمة العارفين الذكر
____________________
(1/205)
وبهذا الإسناد قال أبو محمد من توهم أن عملا من أعماله يوصله إلى مأموله الأعلى والأدنى فقد ضل عن طريقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لن ينجي أحدا منكم عمله ) فما لا ينجي من المخوف كيف يبلغ إلى المأمول ومن صح اعتماده على فضل الله فذلك الذي يرجى له الوصول
وبهذا الإسناد قال أبو محمد ذكرك منوط بك إلى أن يتصل ذكرك بذكره إذ ذاك يرفع ويخلص من العلل فما قارن حدث قدما إلا تلاشى وبقي الأصل وذهبت الفروع كأن لم تكن
وبهذا الإسناد قال أبو محمد رؤية الاصول باستعمال الفروع وتصحيح الفروع بمعارضة الأصول ولا سبيل إلى مقام مشاهدة الأصول إلا بتعظيم ما عظم الله من الوسائط والفروع
وبهذا الإسناد قال أبو محمد الرجاء طريق الزهاد والخوف سلوك الأبطال
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الطبري يقول قال رجل لأبي محمد الجريري كنت على بساط الأنس وفتح لي طريق إلى البسط فزللت زلة فحجبت عن مقامي فكيف السبيل إليه دلني على الوصول إلى ما كنت عليه فبكى أبو محمد وقال يا أخي الكل في قهر هذه الخطة لكني أنشدك أبياتا لبعضهم فيها جواب مسألتك
( قف بالديار فهذه آثارهم ** تبكي الأحبة حسرة وتشوقا )
( كم قد وقفت بها أسائل مخبرا ** عن أهلها أو صادقا أو مشفقا )
( فأجابني داعي الهوى في رسمها ** فارقت من تهوى فعز الملتقى )
____________________
(1/206)
42 ومنهم أبو العباس بن عطاء واسمه أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي
من ظراف مشايخ الصوفية وعلمائهم له لسان في فهم القرآن يختص به
صحب إبراهيم المارستاني والجنيد بن محمد ومن فوقهما من المشايخ كان أبو سعيد الخراز يعظم شأنه
سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم المقرئ يقول سمعت ابن مروان النهاوندي يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول التصوف خلق وليس إنابة وما رأيت من أهلة إلا الجنيد وابن عطاء مات سنة تسع وثلاثمائة أو إحدى عشرة وثلاثمائة وأسند الحديث
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد الهاشمي ببغداد قال حدثنا أبو نعيم أحمد ابن عبد الله بن أحمد حدثنا محمد بن علي بن حبيش المقرئ الصوفي حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء حدثنا يوسف بن موسى حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عبد الآخر بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يجبون أسنمة الإبل ويقطعون إليات الغنم فقال صلى الله عليه وسلم ( ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة )
____________________
(1/207)
سمعت عبد الله بن علي العكبري يقول سئل ابن عطاء ما المروءة فقال ألا تستكثر لله عملا
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت محمد بن عبد العزيز يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول في البيت مقام إبراهيم وفي القلب آثار الله تعالى وللبيت أركان وللقلب أركان وأركان البيت من الصخر وأركان القلب معادن أنوار المعرفة
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول خلق الله الأنبياء للمشاهدة لقوله تعالى { أو ألقى السمع وهو شهيد } ( ق : 5 ) وخلق الأولياء للمجاورة لقوله صلى الله عليه وسلم ( عز جارك ) وخلق الصالحين للملازمة قال الله تعالى { وألزمهم كلمة التقوى } ( الفتح : 48 ) وخلق العوام للمجاهدة قال الله تعالى { والذين جاهدوا فينا } ( العنكبوت 291 )
سمعت أبا سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا العباس بن عطاء يقول العلم
____________________
(1/208)
الأكبر الهيبة والحياء فمن عرى منهما عري عن الخيرات
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت العباس بن عطاء يقول ثلاثة مقرونة بثلاثة الفتنة مقرونة بالمنية والمحبة مقرونة بالاختيار والبلوى مقرونة بالدعوى
وسمعته يقول سمعت ابن عطاء وسئل إلى ما تسكن قلوب العارفين فقال إلى قوله تعالى { بسم الله الرحمن الرحيم } لأن في { بسم الله } هيبته وفي اسمه { الرحمن } عونه ونصرته وفي اسمه { الرحيم } محبته ومودته ثم قال سبحان من فرق بين هذه المعاني في لطافتها في هذه الأسامي في غوامضها وأنشد
( إذا ما وجود الناس فات علومهم ** فعلمي لوجدي صاحب وقرين )
وسمعت أبا الحسين يقول سمعت ابن عطاء يقول
( أسامي بنفسي ذلة واستكانة ** إلى الخلة العلياء من جانب الكبر )
( إذا ما أتاني الذل من جانب الغنى ** سموت إلى العلياء من جانب الفقر )
قال وسمعت أبا العباس بن عطاء يقول من عامل الله تعالى على رؤية ما سبق منه إليه لم يكن بعجيب أن يمشي على الماء أو في الهواء وكل أمر الله عجب وليس شيء منه بعجب
وسمعت أبا الحسين يقول سمعت أبا العباس يقول الإنصاف فيما بين الله وبين العبد في ثلاثة في الاستعانة والجهد والأدب
فمن العبد الاستعانة ومن الله القربة ومن العبد الجهد ومن الله التوفق ومن العبد الأدب ومن الله الكرامة
قال وقال أبو العباس بن عطاء من تأدب بآداب الصالحين فإنه يصلح
____________________
(1/209)
لبساط الكرامة ومن تأدب بآداب الأولياء فإنه يصلح لبساط القربة ومن تأدب بآداب الصديقين فإنه يصلح لبساط المشاهدة ومن تأدب بآداب الأنبياء فإنه يصلح لبساط الأنس والانبساط
وأنشدت لأبي العباس بن عطاء لابن الرومي
( غموض الحق حين يذب عنه ** يقلل ناصر الخصم المحق )
( تضل عن الدقيق فهوم قوم ** فتقضي للمجل على المدق )
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا العباس بن عطاء ينشد
( ذكرك لي مؤنس يعارضني ** يوعدني عنك منك بالظفر )
( فكيف أنساك يا مدى هممي ** وأنت مني بموضع النظر )
وسمعت أبا بكر يقول سمعت ابن عطاء يقول لما عصى آدم بكى عليه كل شيء في الجنة إلا الذهب والفضة فأوحى الله تعالى إليهما لم لم تبكيا على آدم فقالا ما كنا نبكي على من يعصيك فقال عز وجل وعزتي وجلالي لأجعلن قيمة كل شيء بكما ولأجعلن ابن آدم خادما لكما
أنشدني عبد الواحد بن بكر الورثاني قال أنشدني أبو علي النهاوندي لأبي العباس بن عطاء
( إذا ضد من أهوى صددت عن الصد ** وإن حال عن عهدي أقمت على العهد )
( فما الوجد إلا أن تذوب من الوجد ** وتصبح في جهد يزيد على الجهد )
____________________
(1/210)
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول أنشدني إبراهيم بن فاتك لابن عطاء
( أجلك أن أشكو الهوى منك إنني ** أجلك أن تومي إليك الاصابع )
( وأصرف طرفي نحو غيرك عامدا ** على أنه بالرغم نحوك راجع )
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت ابن عطاء يقول إن الشفقة لم تزل بالمؤمن حتى أوفدته على خير أحواله وإن الغفلة لم تزل بالفاجر حتى أوفدته على شر أحواله
قال وقال ابن عطاء أعظم الغفلة غفلة العبد عن ربه وغفلته عن أوامره وغفلته عن آداب معاملته
قال وقال ابن عطاء أصح العقول عقل وافق التوفيق وشر الطاعات طاعة أورثت عجبا وخير الذنوب ذنب أعقب توبة وندما
قال وقال ابن عطاء السكون إلى مألوفات الطبائع يقطع بصاحبها عن بلوغ درجات الحقائق
قال وقال ابن عطاء من وحشة القلوب عن مصادر الحق أنسها بالأجناس ومن أنس قلبه بالله استوحش مما سواه
قال وقال أبو العباس بن عطاء أدن قلبك من مجالسة الذاكرين لعلة ينتبه غفلته وأقم شخصك في خدمة الصالحين لعله يتعود ببركتها طاعة رب العالمين
قال وقال أبو العباس بن عطاء السكون إلى الأسباب اغترار والوقوف
____________________
(1/211)
مع الأحوال يقطع بك عن محولها
43 ومنهم محفوظ بن محمود
من أصحاب أبي حفص النيسابوري وهو من قدماء مشايخ نيسابور وجلتهم وكان بعد موت أبي حفص يصحب أبا عثمان ويلازمه طول عمره وكان من أورع المشايخ وألزمهم لطريقتهم وكان قد صحب أيضا حمدونا القصار وسلما الباروسي وعليا النصراباذي وغيرهم من المشايخ
مات سنة ثلاث أو أربع وثلاثمائة بنيسابور ودفن بجنب أبي حفص
رأيت بخط أبي جعفر بن حمدان قال محفوظ بن محمود التوكل أن تأكل بلا طمع ولا شره
وقال التائب الذي يتوب من غفلاته وطاعاته
وقال لا تزن الخلق بميزانك وزن نفسك بميزان المؤمنين لتعلم فضلهم وإفلاسك
وقال من ظن بمسلم فتنة فهو المفتون
وقال أكثر الناس خيرا أسلمهم صدرا للمسلمين
قال وسئل محفوظ عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بك منك ) فقال سمعت
____________________
(1/212)
أبا صالح حمدونا يقول لا يجوز هذا الدعاء إلا للنبي صلى الله عليه وسلم أو من دعا به متبعا له
وقال من أبصر محاسن نفسه ابتلي بمساوئ الناس ومن رأى عيب نفسه سلم من رؤية مساوئ الناس
وقال صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبري من الحول والقوة
وقال من أراد أن يبصر طريق رشده فليتهم نفسه في الموافقات فضلا عن المخالفات
44 ومنهم طاهر المقدسي
وهو من جلة مشايخ الشام وقدمائهم رأى ذا النون المصري وصحب يحيى الجلاء وكان عالما وهو الذي يسميه الشبلي حبر أهل الشام
سمعت أبا القاسم الدمشقي يقول سمعت طاهرا المقدسي وسئل لم سميت الصوفية بهذا الاسم فقال لاستتارها عن الخلق بلوائح الوجد وانكشافها بشمائل القصد
قال وقال طاهر حد المعرفة التجرد من النفوس وتدبيرها فيما يجل أو يصغر
قال وقال طاهر لا يطيب العيش إلا لمن وطئ بساط الأنس وعلا على
____________________
(1/213)
سرير القدس وغيبه الأنس بالقدس والقدس بالأنس ثم غاب عن مشاهدتهما بمطالعة القدوس
أنشدني عبد الله بن محمد الدمشقي قال أنشدني طاهرا المقدسي لبعضهم
( أراعي النجوم ولا علم لي ** بعد النجوم بجنب الظلام )
( وكيف ينام فتى لا ينام ** إذا نام عنه عيون الحمام )
( أسير يسير إليه هواه ** فيضحى الأسير قتيل الغرام )
( فلم يبق منه سوى أنه ** يقال له عاشق والسلام )
( لفرط النحول وحر الغليل ** وحزن مذيب لطول السقام )
قال وقال طاهر المفاوز عنه منقطعة والطرق إليه منطمسة توق من علالاته واحذر أماكن الاتصال فإنها خدع وقف حيث وقف العوام تسلم وأنشد
( وكذبت طرفي فيك والطرف صادق ** وأسمعت أذني منك ما ليس تسمع )
( ولم أسكن الأرض التي تسكنونها ** لكيلا يقولوا إنني بك مولع )
( فلا كبدي تهدي ولا لك رحمة ** ولا عنك إقصار ولا فيك مطمع )
____________________
(1/214)
45 ومنهم أبو عمرو الدمشقي
وهو من أجل مشايخ الشام بل واحدها عالم بعلوم الحقائق صحب أبا عبد الله بن الجلاء وأصحاب ذي النون المصري وهو من أفتى المشايخ رد على من تكلم في قدم الأرواح والشواهد
مات أبو عمرو سنة عشرين وثلاثمائة
سمعت أبا بكر الرازي محمد بن عبد الله يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول كما فرض الله على الأنبياء إظهار الآيات والمعجزات ليؤمنوا بها كذلك فرض على الأولياء كتمان الكرامات حتى لا يفتتن الخلق بها
سمعت أبا القاسم عبد الله بن محمد الشامي يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول خواص خصال العارفين أربعة أشياء السياسة والرياضة والحراسة والرعاية فالسياسة والرياضة ظاهران والحراسة والرعاية باطنان
فبالسياسة يصل العبد إلى التطهير وبالرياضة يصل إلى التحقيق والسياسة حفظ النفس ومعرفتها والرياضة مخالفة النفس ومعاداتها والحراسة معاينة بر الله في الضمائر والرعاية مراعاة حقوق المولى بالسرائر وميراث السياسة القيام على وفاء العبودية وميراث الرياضة الرضا عند الحكم وميراث الحراسة الصفوة والمشاهدة وميراث الرعاية المحبة والهيبة ثم الوفاء متصل بالصفاء والرضا متصل بالمحبة علمه من علمه وجهله من جهله
____________________
(1/215)
سمعت منصور بن عبد الله يقول قال أبو عمرو الدمشقي التصوف رؤية الكون بعين النقص بل غض الطرف عن كل ناقص ليشاهد من هو منزه عن كل نقص
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي وسئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) فقال اشار إلى استواء الحال أي لا ترجعوا عن الحق بإفطار ولا تقبلوا عليه بصوم ليكن صومكم كإفطاركم وإفطاركم كصومكم عند دوام حضوركم
قال وقال أبو عمرو مقام الخطرات بعيد من مقام الوطنات لأن الخواطر تلمع ثم تختفي والوطنات تبدو وتثبت ثم تتحقق والدعاوي تتولد من الخواطر فإن المدعي يظن أن ما لاح ثبت ولا دعوى لصاحب الوطنات محال
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أحمد بن علي يقول سمعت أبا الخير الديلمي يقول قال أبو عمرو الدمشقي حقيقة الخوف ألا تخاف مع الله أحدا
قال وقال أبو عمرو علامة قساوة القلب أن يكل الله العبد إلى تدبيره فيألفه ولا يسأله حسن الكلاءة والرعاية والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( اكلاني كلاءة الطفل الوليد )
قال وقال أبو عمرو استحسان الكون على العموم دليل على صحة المحبة واستحسانه على الخصوص يؤدي إلى فتن وظلمات
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول
____________________
(1/216)
الأشخاص بظلمها أظلم عليه وقته ومن شاهد الأرواح بأنوارها دلته على منورها
قال وقال أبو عمرو الدمشقي إذا صفت الأرواح أثر على الهياكل أنوار الموافقات
46 ومنهم محمد بن حامد الترمذي وهو محمد بن حامد بن محمد ابن إسماعيل بن خالد وكنيته أبو بكر
وهو من أعيان مشايخ خراسان وأطهرهم خلقا وأحسنهم سياسة لقي المشايخ ببلخ مثل أحمد بن خضرويه ومن دونه وله أصحاب ينتمون إليه
نسبه وكناه إلى ابنه أبو نصر محمد بن محمد بن حامد وكان أبو نصر أحد فتيان خراسان وأسند أبو بكر الحديث
حدثنا أبو نصر محمد بن محمد بن حامد قال حدثنا أبي قال حدثنا أبو بكر عمر بن عبد الرحيم حدثنا فهد بن سلام حدثنا سويد أبو حاتم عن غالب القطان عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء )
أخبرنا الحسين بن محمد بن محمد بن شيظم حدثنا محمد بن حامد حدثنا إسحاق بن حمدان الوراق حدثنا محمد بن زيد النيسابوري حدثنا زيد بن أبي موسى المروزي حدثنا محمد بن الفضل عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( طلب الحلال جهاد وإن الله يحب المؤمن
____________________
(1/217)
المحترف )
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت محمد بن حامد يقول الفكرة على خمسة أوجه
فكرة في آيات الله وعلاماته يتولد منها المعرفة
وفكرة في آلاء الله ونعمائه يتولد منها المحبة
وفكرة في وعد الله وثوابه يتولد منها الرغبة في الطاعة والموافقة
وفكرة في وعيد الله وعقابه يتولد منها الرهبة من المخالفة
وفكرة في جفاء النفس في جنب إحسان الله إليه يتولد منها الفكرة فيما سلف والحياء من الله تعالى ذكره
قال وقال محمد بن حامد إذا تمكنت الأنوار في السر نطقت الجوارح بالبر
قال وسئل محمد بن حامد عن قوله تعالى { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } ( فاطر 35 ) فقال أنتم فقراء إلى رحمته وهو غني عن أفعالكم وأنتم محتاجون إلى رحمته
قال وقال محمد بن حامد لم يجد أحد تمام الهمة بأوصافها إلا أهل المحبة وإنما وجدوا ذلك من اتباع السنة ومجانبة البدعة فإن رسول الله كان أعلى الخلق همة وأقربهم زلفة
قال وقال محمد بن حامد إنكار ولاية الأولياء في قلوب الجهال من ضيق صدورهم عن المصادر وبعد علومهم عن موارد القدرة
قال وقال محمد بن حامد الولي في ستر حاله أبدا والكون كله ناطق عن ولايته والمدعي ناطق به والكون ينكر عليه
____________________
(1/218)
قال وقال محمد بن حامد أقرب القلوب إلى الله قلب رضي بصحبة الفقراء وآثر الباقي على الفاني وشهد سوابق القضاء فأيس من أفعاله
قال وقال محمد بن حامد الترمذي ما عجزت عن شيء فلا تعجز عن رؤية ضعفك
قال وقال محمد بن حامد الاستهانة بالأولياء من قلة المعرفة بالله تعالى
قال وقال محمد بن حامد إذا أوصلك الله إلى مقام ومنعك حرمة أهله والالتذاذ بما أوصلك إليه فاعلم أنك مغرور مستدرج قال وقال محمد بن حامد العلماء با لله هم الواقفون معه على حدود الآداب لا يتجاوزونهاإلا بإذن
قال وقال محمد بن حامد ما استصغرت أحدا من المسلمين إلا وجدت نقصا في إيماني ومعرفتي
قال وقال محمد بن حامد من لم ترضه أوامر المشايخ وتأديبهم فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة
قال وقال محمد بن حامد الطريق واضح والدليل عالم والزاد تام والمركب قوي ولكن منع القوم من الوصول الاستدلال بغير الدليل والركض في الطريق على حد الشهوة وأخذ الزاد من غير وجهه وإضعاف المركب بقلة تعهده
قال وقال محمد بن حامد إذا سلم لك وقت من أوقاتك عن الغفلة فغر على ذلك الوقت أن تتبعه بما يخالفه فإن مخالفة الأوقات على المرور من اعوجاج الباطن
قال وقال محمد بن حامد رأس مالك قلبك ووقتك وقد شغلت قلبك بهواجس الظنون وضيعت أوقاتك بارتكاب ما لا يعنيك فمتى يربح من خسر رأس ماله
____________________
(1/219)
قال وقال محمد بن حامد أسوأ الناس خلقا من لا يعيش بعيشة أهل صحبته ومن لا يظهر صديقه من عدوه
قال وقال محمد بن حامد الإنسان في خلقه أحسن منه في جديد غيره
47 ومنهم إبراهيم الخواص وهو إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل كنيته أبو إسحاق
وهو أحد من سلك طريق التوكل وكان أوحد المشايخ في وقته ومن أقران الجنيد والنوري له في السياحات والرياضات مقامات يطول شرحها
مات في جامع الري سنة إحدى وتسعين ومائتين إن صح وتولى أمره في غسله ودفنه يوسف بن الحسين
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول مرض إبراهيم الخواص بالري في المسجد الجامع وكان به علة القيام وكان إذا قام يدخل الماء ويغتسل ويعود إلى المسجد ويركع ركعتين فدخل الماء ليغتسل فخرجت روحه وهو في وسط الماء
سمعت محمد بن الحسين البغدادي يقول سمعت جعفر بن محمد الخلدي يقول سمعت إبراهيم الخواص يقول من لم يصبر لم يظفر
قال وسمعته يقول من لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه
____________________
(1/220)
سمعت أبا نصر محمد بن أحمد بن يعقوب الطوسي يقول سمعت جعفر ابن محمد يقول بت ليلة مع إبراهيم فانتبهت فإذا هو يناجي إلى الصباح ويقول
( برح الخفاء وفي التلاقي راحة ** هل يشتفي خل بغير خليله )
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت إبراهيم الخواص يقول ليس العلم بكثرة الرواية إنما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا عثمان الأدمي قال سمعت إبراهيم الخواص وسئل عن الورع فقال ألا يتكلم العبد إلا بالحق غضب أم رضي ويكون اهتمامه بما يرضي الله تعالى
قال وقال إبراهيم العلم كله في كلمتين لا تتكلف ما كفيت ولا تضيع ما استكفيت
قال وقال إبراهيم المتاجر برأس مال غيره مفلس
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا عبد الله الرملي يقول سمعت الخواص يقول ليكن لك قلب ساكن وكف فارغة وتذهب النفس حيث شاءت
وسمعت أبا بكر يقول سمعت أبا الحسين الزنجاني يقول سمعت إبراهيم يقول رأيت شيخا من أهل المعرفة عرج بعد سبعة عشر يوما على سبب في البرية فنهاه شيخ كان معه فأبى أن يقبل فسقط ولم يرتفع عن حدود الأسباب
____________________
(1/221)
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت الأدمي يقول سمعت إبراهيم يقول دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين
قال وقال إبراهيم على قدر إعزاز المؤمن لأمر الله يلبسه الله من عزه ويقيم له العز في قلوب المؤمنين وذلك قوله تعالى { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } المنافقين 29
قال وقال إبراهيم عقوبة القلب أشد العقوبات ومقامها أعلى المقامات وكرامتها أفضل الكرامات وذكرها اشرف الأذكار وبذكرها تستجلب الأنوار وعليها وقع الخطاب وهو المخصوص بالتنبيه والعتاب
قال وقال إبراهيم اختار من اختار من عباده لا لسابقة لهم إليه بل لإرادة له فيهم ثم علم ما يخرج منهم وما يبدو عليهم فقال عز وجل { اخترناهم على علم } الدخان 44 أي منا بما فيهم من أنواع المخالفات لأن من اشترى سلعة يعلم عيوبها لا يردها
48 ومنهم عبد الله بن محمد الخراز وهو أبو محمد عبد الله بن محمد
من كبار مشايخ الرازيين جاور بالحرم سنين كثيرة وهو من الورعين القائلين بالحق والطالبين قوتهم من وجه حلال
____________________
(1/222)
صحب أبا عمران الكبير ولقي أبا حفص النيسابوري وأصحاب أبي يزيد وكانوا جميعا يعظمونه ويعظمون شأنه
حكى عن أبي حفص أنه قال نشأ بالري فتى إن بقي على طريقته وسمته صار أحد الرجال مات قبل العشر وثلاثمائة
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي يقول دخلت على عبد الله الخراز ولي أربعة أيام لم آكل فقال يجوع أحدكم أياما فيصبح ينادي عليه الجوع ثم قال أيش يكون لو أن كل نفس منفوسة تلفت فيما نؤمله من الله أترى يكون ذلك كثيرا
قال وقال عبد الله الجوع طعام الزاهدين والذكر طعام العارفين
قال وقال عبد الله العبودية ظاهرا والحرية باطنا من أخلاق الكرام
قال وقال عبد الله من تكرم عن الشغل بالدنيا اشتغل بما هو مأمور به
قال وقال عبد الله العبارة يعرفها العلماء والإشارة يعرفها الحكماء واللطائف واللطائف يقف عليها السادة من الشيوخ
قال وقال عبد الله الهمم تختلف في الدارين وليس من همته في المشهد الأعلى الحور والقصور والاشتغال بنعيم الجنان وزخرفها كمن همته مجالسة مولاه والنظر إلى وجهه الكريم
قال وسئل عبد الله عن علامة الصبر فقال ترك الشكوى وإخفاء الضر والبلوى
قال وقال عبد الله العبد هو العاجز عن درك منيته إلا من جهة سيده
قال وقال عبد الله صيانة الأسرار عن الالتفات إلى الأغيار من علامات الإقبال على الله تعالى
____________________
(1/223)
قال وقال عبد الله أحسن العبيد حالا من أبصر نعم الله عليه بأن أهله لمعرفته وأذن له في قربه وأباح له سبيل مناجاته وخاطبه على لسان أعز السفراء محمد صلى الله عليه وسلم وعرف تقصيره عن القيام بمواجب أداء شكره إذ شكره يستوجب شكرا إلى مالا نهاية
وأخس العبيد عبد عد تسبيحه وصلاته وظن أنه يستحق بها على ربه شيئا فلولا الفضل والرحمة لعاينت الأنبياء عليهم السلام في مقام الإفلاس كيف وأجلهم حالا وأقربهم منزلة والقائم بمقام الصدق حيث عجز عنه الرسل يقول ( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ) فمن رأى بعد هذا لنفسه مقاما فهو لبعده عن طريق المعارف
49 ومنهم بنان الحمال وهو بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد وكنيته أبو الحسن
واسطي الأصل سكن مصر وأقام بها وبها مات في شهر رمضان سنة ست عشرة وثلاثمائة
وهو من جلة المشايخ والقائلين بالحق والآمرين بالمعروف له المقامات المشهورة والآيات المذكورة صحب أبا القاسم الجنيد بن محمد وغيره من مشايخ وقته وكان أستاذ أبي الحسين النوري وأسند الحديث
____________________
(1/224)
أخبرنا الحسن بن رشيق إجازة أن بنان بن محمد الحمال الزاهد الواسطي أبا الحسن حدثهم قال حدثنا بكار بن قتيبة القاضي حدثنا أبو داود عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد عن عبد الرحمن بن شبل قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الفجار هم أصحاب النار قالوا يا رسول الله من هم قال النساء قالوا يا رسول الله أليسوا أمهاتنا وأخواتنا وأزواجنا قال بلى ولكنهم إذا أعطوا لم يشكروا وإذا ابتلوا لم يصبروا )
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت بنانا الحمال يقول إن الله تعالى خلق سبع سموات في كل سماء له خلق وجنود وكل له مطيعون وطاعتهم على سبع مقامات
فطاعة أهل السماء الدنيا على الخوف والرجاء
وطاعة أهل السماء الثانية على الحب والحزن
وطاعة أهل السماء الثالثة على المنة والحياء
وطاعة أهل السماء الرابعة على الشوق والهيبة
وطاعة أهل السماء الخامسة على المناجاة والإجلال
وطاعة أهل السماء السادسة على الإنابة والتعظيم
وطاعة أهل السماء السابعة على المنة والقربة
سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول سمعت الحسن بن عبد الله القرشي يقول سمعت بنانا الحمال يقول من كان يسره ما يضره متى يفلح
سمعت أبا الفضل العطار يقول سمعت ابن أبي محمد الصائغ وهو عبد
____________________
(1/225)
الواحد بن بكر يقول سمعت بنانا الحمال يقول إن أفردته بالربوبية أفردك بالعناية والأمر بيدك إن نصحت صافوك وإن خلطت جافوك
قال وسئل بنان عن أجل أحوال الصوفية فقال الثقة بالمضمون والقيام بالأوامر ومراعاة السر والتخلي عن الكونين بالتشبث بالحق
قال وقال بنان من ألبس ذل العجز فقد مات من شاهده ومن ألبس عز الاقتدار فقد حي بشاهده وجعل سببا لحياة الهياكل فهذا هو الفرق بين النفس والروح
قال وقال بنان رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبب والإعراض عن الأسباب جملة يؤدي بصاحبه إلى ركوب البواطل
قال وسمعت بنانا يقول ليس بمتحقق في الحب من راقب أوقاته أو تحمل في كتمان حبه حتى يتهتك فيه فيفتضح ويخلع العذار ولا يبالي عما يرد عليه من جهة محبوبه أو بسببه ويتلذذ بالبلاء في الحب كما يتلذذ الأغيار بأسباب النعم وأنشد على إثره
( لحاني العاذلون فقلت مهلا ** فإني لا أرى في الحب عارا )
( وقالوا قد خلعت فقلت لسنا ** بأول خالع خلع العذارا )
____________________
(1/226)
50 ومنهم أبو حمزة البغدادي البزاز
صحب السري بن المغلس السقطي وبشرا الحافي كان يتكلم ببغداد في مسجد الرصافة قبل كلامه في مسجد المدينة وكان ينتمي إلى حسن المسوحي وكان عالما بالقراءات
وتكلم يوما في جامع المدينة فتغير عليه حاله وسقط عن كرسيه ومات في الجمعة الثانية ومات قبل الجنيد
وكان من رفقاء أبي تراب النخشبي في أسفاره وهو من أولاد عيسى بن أبان وكان أحمد بن حنبل إذا جرى في مجلسه شيء من كلام القوم يقول لأبي حمزة ما تقول فيها يا صوفي
ودخل البصرة مرارا توفي سنة تسع وثمانين ومائتين
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الطبري قال سمعت إبراهيم بن علي المريدي قال سمعت أبا حمزة يقول من المحال أن تحبه ثم لا تذكره ومن المحال أن تذكر ثم لا يوجدك طعم ذكره ثم يشغلك بغيره
____________________
(1/227)
سمعت أبا بكر يقول سمعت أبا إسحاق بن الأعمش قال قال رجل لي سألت أبا حمزة فقلت اسأل فقال سل فقلت لم أسأل فقال لأنك تسأل أن تسأل
وسمعت أبا بكر يقول سمعت خيرا النساج يقول سمعت أبا حمزة يقول خرجت من بلاد الروم فوقفت على راهب فقلت له عندك من خبر من قد مضى قال نعم { فريق في الجنة وفريق في السعير } الشورى 42
قال وسمعت أبا حمزة يقول استراح من أسقط عن قلبه محبة الدنيا وإذا خلا القلب من محبة الدنيا دخله الزهد وإذا دخله الزهد أورثه ذلك التوكل
قال وسمعت أبا حمزة يقول من رزق ثلاثة أشياء مع ثلاثة اشياء فقد نجا من الآفات بطن خال مع قلب قانع وفقر دائم مع زهد حاضر وصبر كامل مع ذكر دائم
سمعت نصر بن أبي نصر يقول سمعت محمد بن عبد الله بن المتأنق البغدادي يقول سمعت الجنيد يقول وافى أبو حمزة من مكة وعليه وعثاء السفر فسلمت عليه وشهيته فقال سكباج وعصيدة تخليني بهما فأخذت مكوك دقيق وعشرة أرطال لحم وباذنجان وخلا وعشرة أرطال دبس وعملنا له عصيدة وسكباجة ووضعناها في حير لنا وأسبلت الستر فدخل وأكله كله فلما فرغ دخلت عليه وقد أتى على كله فقال لي يا أبا القاسم لا تعجب فهذا من مكة الأكلة الثالثة
قال وسمعت أبا حمزة يقول ليس السخاء أن يعطى الواجد المعدم إنما السخاء أن يعطي المعدم الواجد
____________________
(1/228)
قال وسمعت أبا حمزة يقول حب الفقر شديد ولا يصبر عليه إلا صديق
قال وسمعت أبا حمزة يقول إذا فتح الله عليك طريقا من طرق الخير فالزمه وإياك أن تنظر إليه وتفتخر به ولكن اشتغل بشكر من وفقك لذلك فإن نظرك إليه يسقطك عن مقامك واشتغالك بالشكر يوجب لك منه المزيد لأن الله تعالى يقول { لئن شكرتم لأزيدنكم } إبراهيم 7
قال وسمعت أبا حمزة يقول من علم طريق الحق سهل عليه سلوكها وهو الذي علمها بتعليم الله إياه ومن علمها بالاستدلال فمرة يخطئ ومرة يصيب ومن تبع فيه أثر الدليل الصادق الناصح بلغ عن قريب إلى مقصده ولا دليل على الطريق إلى الله تعالى إلا متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله وأفعاله وأقواله
قال وسمعت أبا حمزة يقول إذا سلمت منك نفسك فقد أديت حقها وإذا سلم منك الخلق فقد أديت حقوقهم
51 ومنهم أبو الحسين الوراق واسمه محمد بن سعد
وهو من كبار مشايخ نيسابور ومن قدماء أصحاب أبي عثمان وله كلام على سنن كلام أبي عثمان وكان عالما بعلوم الظاهر ويتكلم في دقائق علوم المعاملات وعيوب الأفعال مات قبل العشرين وثلاثمائة
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول سمعت أبا الحسين الوراق يقول الكرم في العفو ألا تذكر جناية صاحبك بعد أن عفوت عنه
____________________
(1/229)
قال وسمعته يقول اللئيم لا يوفق للعفو من ضيق صدره
قال وقال أبو الحسين حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت والعيش الهنيء مع الله لا غير
قال وقال أبو الحسين لا يصل العبد إلى الله إلا بالله وبموافقة حبيبه صلى الله عليه وسلم في شرائعه ومن جعل الطريق إلى الوصول في غير الاقتداء يضل من حيث يظن أنه مهتد ومن وصل اتصل وما رجع من رجع من الطريق إلا من الإشفاق على النفس وطلب الراحة لأن الطريق إلى الله صعب لمن لم يدخل فيه بوجد غالب وشوق مزعج فيهون عليه إذ ذاك حمل الأثقال وركوب الأهوال فإذا انقادت له النفس على ذلك وهان عليه ما يلقى في طلب المحبوب سهل الله عليه سبيل الوصول
قال وسمعت أبا الحسين يقول أجل شيء يفتح الله تعالى به على عبده التقوى فإن منه يتشعب جميع الخيرات وأسباب القربة والتقرب وأصل التقوى والإخلاص وحقيقته التخلي عن كل شيء إلا ممن إليه تقواك
قال وسمعت أبا الحسين يقول الصدق استقامة الطريقة في الدين واتباع السنة في الشرع
قال وسمعت أبا الحسين يقول الشهوة أغلب سلطان على النفس ولا يزيلها إلا الخوف المزعج
قال وسمعت أبا الحسين يقول اليقين ثمرة التوحيد فمن صفا في التوحيد صفا له اليقين
قال وسمعته يقول من لم يفن عن نفسه وسره ورؤية الخلق لا يحيا سره لمشاهدة الخيرات والمنن
قال وسمعته يقول مخافة خوف القطيعة أذبلت نفوس المحبين وأحرقت
____________________
(1/230)
أكباد العارفين وأسهرت ليل العابدين وأظمأت نهار الزاهدين وأكثرت بكاء التائبين ونغصت حياة الخائفين
قال وسمعته يقول التوكل استواء الحال عند العدم والوجود وسكون النفس عند مجاري المقدور
قال وسمعته يقول علامة محبة الله تعالى متابعة حبيبه صلى الله عليه وسلم
قال وسمعته يقول أصل الفتوة خمس خصال أولها الحفاظ والثاني الوفاء والثالث الشكر والرابع الصبر والخامس الرضا
قال وسمعته يقول في رؤية النفس نسيان منن الله تعالى عليك
قال وسمعته يقول أنفع العلم العلم بأمر الله ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وأعلى العلوم العلم بالله وصفاته وأسمائه
قال وسمعته يقول الأنس بالخلق وحشة والطمأنينة إليهم حمق والسكون إليهم عجز والاعتماد عليهم وهن والثقة بهم ضياع وإذا أراد الله بعبد خيرا جعل أنسه به وبذكره وتوكله عليه وصان سره عن النظر إليهم وظاهره عن الاعتماد عليهم
قال وسمعته يقول من غض بصره عن محرم أورثه الله تعالى بذلك حكمة على لسانه ينتفع بها سامعوه ومن غض بصره عن شبهة نور الله قلبه بنور يهتدي به إلى طرق مرضاته
قال وقال أبو الحسين من أسكن نفسه محبة شيء من الدنيا فقد قتلها بسيف الطمع ومن طمع في شيء ذل وبذله هلك وقديما قيل
( أتطمع في ليلى وتعلم أنما ** يقطع أعناق الرجال المطامع )
قال وقال أبو الحسين لا يصل العبد إلى شيء من التقوى وعليه بقية
____________________
(1/231)
من الزهد والورع والتقوى مقرونة بالراحة قال الله تعالى { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } الطلاق 3
52 ومنهم أبو بكر الواسطي واسمه محمد بن موسى وأصله من فرغانة وكان يعرف بابن الفرغاني
من قدماء أصحاب الجنيد وأبي الحسين النوري وهو من علماء مشايخ القوم لم يتكلم أحد في أصول التصوف مثل ما تكلم هو وكان عالما بالأصول وعلوم الظاهر
دخل خراسان واستوطن كورة مرو ومات بها بعد العشرين وثلاثمائة وكلامه عندهم ولم أر بالعراق من كلامه شيئا وذلك أنه خرج من العراق وهو شاب ومشايخه في الأحياء فتكلم بخراسان بأبيورد ومرو وأكثر كلامه بمرو
سمعت محمد بن عبد الله الواعظ يقول سمعت أبا بكر محمد بن موسى ابن الفرغاني الواسطي بمرو يقول شاهد بمشاهدة الحق إياك ولا تشهده بمشاهدتك له
قال وسمعته يقول ابتلينا بزمان ليس فيه آداب الإسلام ولا أخلاق الجاهلية ولا أحلام ذوي المروءة
قال وسمعته يقول الأسراء على وجوه أسير نفسه وشهوته وأسير شيطانه وهواه وأسير ما لا معنى له لفظه أو لحظه هم الفساق وما دام
____________________
(1/232)
للشواهد على الأسرار أثر وللأعراض على القلب خطر فهو محجوب بعيد من عين الحقيقة وما تورع المتورعون ولا تزهد المتزهدون إلا لعظم الأعراض في أسرارهم فمن أعرض عنها أدبا أو تورع عنها ظرفا فذلك الصادق في ورعه والحكيم في أدبه
قال وسمعته يقول أفقر الفقراء من ستر الحق حقيقة حقه عنه
قال وسمعته يقول الحب يوجب شوقا والشوق يوجب أنسا فمن فقد الشوق والأنس فليعلم أنه غير محب
قال وسمعته يقول كيف يرى الفضل فضلا من لا يأمن أن يكون ذلك مكرا
قال وسمعته يقول الموحد لا يرى إلا ربوبية صرفا تولت عبودية محضا وفيه معالجة الأقدار ومغالبة القسمة
قال وسمعته يقول الخوف والرجاء زمامان يمنعان من سوء الأدب
سمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت أبا بكر الواسطي يقول الخوف حجاب بين العبد وبين الله تعالى والخوف هو الإياس والرجاء هو الطمع فإن خفته بخلته وإن رجوته اتهمته
قال وقال الواسطي من حال به الحال كان مصروفا عن التوحيد ومن انقطع به انقطع ومن وصل به وصل وفي الحقيقة لا فصل ولا وصل ولذلك قيل
____________________
(1/233)
( ولا عن قلي كان القطيعة بيننا ** ولكنه دهر يشب ويجمع )
سمعت عبد الواحد بن علي النيسابوري يقول سمعت أبا العباس السياري يقول سمعت أبا بكر الواسطي يقول كائنات محتومة بأسباب معروفة وأوقات معلومة اعتراض السريرة لها رعونة
وسمعته يقول سمعت الواسطي يقول الرضا والسخط نعتان من نعوت الحق يجريان على الأبد بما جريا في الأزل يظهران الوسمين على المقبولين والمطرودين فقد بانت شواهد المقبولين بضيائها عليهم كما بانت شواهد المطرودين بظلمها عليهم فأنى تنفع مع ذلك الألوان المصفرة والأكمام المقصرة والأقدام المنتفخة
قال وسمعته يقول التعرض للحق والسبيل إليه تعرض للبلاء ومن تعرض للبلاء لا يسلم منه ومن أراد السلامة فليتباعد من مراتع الأهوال وأنشد
( ذريني تجئني ميتتي مطمئنة ** ولم أتجشم هول تلك الموارد )
( فإن عليات الأمور مشوبة ** بمستودعات في بطون الأساود )
قال وسمعته يقول الوقاية للأشباح والرعاية للأرواح
سمعت أبا عثمان سعيد بن أبي سعيد يقول سمعت أحمد بن محمد بن حاتم الدرابجردي يقول سمعت الواسطي يقول الوقت أقل من ساعة فما أصابك من نعمة أو شدة قبل ذلك الوقت فأنت عنه خال إنما ينالك منه ما في ذلك الوقت وما كان بعد ذلك فلا تدري أيصل إليك أم لا
سمعت الشيخ أبا عبد الله الحضرمي الفقيه يقول سمعت أبا العباس
____________________
(1/234)
السياري يقول سمعت أبا بكر الواسطي يقول الذاكرون في ذكره أكثر غفلة من الناسين لذكره لأن ذكره سواه
وبهذا الإسناد قال سمعت الواسطي يقول حياة القلب بالله تعالى بل بقاء القلوب مع الله بل الغيبة عن الله بالله
وبهذا الإسناد قال سمعت الواسطي يقول أربعة أشياء لا تليق بالمعرفة الزهد والصبر والتوكل والرضا لأن كل ذلك من صفة الأشباح
قال وسمعته يقول مطالعة الأعواض على الطاعات من نسيان الفضل
سمعت أبا أحمد الحسنويي يقول قال أبو بكر الواسطي الناس على ثلاث طبقات
الطبقة الأولى من الله عليهم بأنوار الهداية فهم معصومون من الكفر والشرك والنفاق
والطبقة الثانية من الله عليهم بأنوار العناية فهم معصومون من الصغائر والكبائر
والطبقة الثالثة من الله عليهم بالكفاية فهم معصومون عن الخواطر الفاسدة وحركات أهل الغفلة
____________________
(1/235)
53 ومنهم الحلاج وهو الحسين بن منصور وكنيته أبو مغيث
وهو من أهل بيضاء فارس ونشأ بواسط والعراق وصحب الجنيد وأبا الحسين النوري وعمرا المكي والفوطي وغيرهم
والمشايخ في أمره مختلفون رده أكثر المشايخ ونفوه وأبو أن يكون له قدم في التصوف وقبله من جملتهم أبو العباس بن عطاء وأبو عبد الله محمد بن خفيف وأبو القاسم إبراهيم بن محمد النصراباذي وأثنوا عليه وصححوا له حاله وحكوا عنه كلامه وجعلوه أحد المحققين حتى قال محمد بن خفيف الحسين بن منصور عالم رباني
قتل ببغداد بباب الطاق يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة سنة
____________________
(1/236)
تسع وثلاثمائة
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت أحمد بن فارس يقول سمعت الحسين بن منصور يقول حجبهم بالاسم فعاشوا ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا ولو كشف لهم الحجاب عن الحقيقة لماتوا
قال وكان الحلاج يقول إلهي أنت تعلم عجزي عن مواضع شكرك فاشكر نفسك عني فإنه الشكر لا غير
قال وسمعت الحلاج يقول من لاحظ الأعمال حجب عن المعمول له ومن لاحظ المعمول له حجب عن رؤية الأعمال
وسمعت عبد الواحد يقول سمعت أحمد بن فارس يقول سمعت الحسين ابن منصور يقول أسماء الله تعالى من حيث الإدراك اسم ومن حيث الحق حقيقة
قال وسمعت الحسين يقول خاطر الحق هو الذي لا يعارضه شيء
قال وسمعت الحسين يقول إذا تخلص العبد إلى مقام المعرفة أوحى الله تعالى إليه بخاطره وحرس سره أن يسنح فيه خاطر غير الحق
قال وسئل الحسين لم طمع موسى عليه السلام في الرؤية وسألها فقال لأنه انفرد للحق وانفرد الحق به في جميع معانيه وصار الحق
____________________
(1/237)
مواجهه في كل منظور إليه ومقابله دون كل محصور لديه على الكشف الظاهر إليه لا على التغيب فذلك الذي حمله على سؤال الرؤية لا غير
سمعت أبا الحسين الفارسي قال أنشدني ابن فاتك للحسين بن منصور
( أنت بين الشغاف والقلب تجري ** مثل جري الدموع من أجفاني )
( وتحل الضمير جوف فؤادي ** كحلول الأرواح في الأبدان )
( ليس من ساكن تحرك إلا ** أنت حركته خفي المكان )
( يا هلالا بدا لأربع عشر ** لثمان وأربع واثنتان )
سمعت عبد الواحد السياري يقول سمعت فارسا البغدادي يقول سألت الحسين بن منصور عن المريد فقال هو الرامي بقصده إلى الله عز وجل فلا يعرج حتى يصل
وبه قال سمعت الحسين بن منصور يقول المريد الخارج عن أسباب الدارين أثرة بذلك على أهلها
سمعت محمد بن محمد بن غالب يقول قال الحسين بن منصور إن الأنبياء عليهم السلام سلطوا على الأحوال فملكوها فهم يصرفونها لا الأحوال تصرفهم وغيرهم سلطت عليهم الأحوال فالأحوال تصرفهم لا هم يصرفون الأحوال
وبه قال سمعت الحسين بن منصور يقول الحق هو المقصود إليه بالعبادات والمصمود إليه بالطاعات لا يشهد بغيره ولا يدرك بسواه بروائح مراعاته تقوم الصفات وبالجمع إليه تدرك الراحات
وبه قال سمعت الحسين بن منصور يقول لا يجوز لمن يرى أحدا أو يذكر أحدا أن يقول إني عرفت الأحد الذي ظهرت منه الآحاد
وبه قال سمعت الحسين بن منصور يقول ألسنة مستنطقات تحت
____________________
(1/238)
نطقها مستهلكات وأنفس مستعملات تحت استعمالها مستهلكات
وبه قال سمعت الحسين بن منصور يقول حياء الرب أزال عن قلوب أوليائه سرور المنة بل حياء الطاعة أزال عن قلوب أوليائه شهود سرور الطاعة
وبه قال أنشدت للحسين بن منصور
( مواجيد حق أوجد الحق كلها ** وإن عجزت عنها فهوم الأكابر )
( وما الوجد إلا خطرة ثم نظرة ** تثير لهيبا بين تلك السرائر )
( إذا سكن الحق السريرة ضوعفت ** ثلاثة أحوال لأهل البصائر )
( فحال يبيد السر عن كنه وجده ** ويحضره للوجد في حال حائر )
( وحال به زمت ذرى السر فانثنت ** إلى منظر أفناه عن كل ناظر )
وبه قال سمعت الحسين بن منصور يقول من أسكرته أنوار التوحيد حجبته عن عبارة التجريد بل من أسكرته أنوار التجريد نطق عن حقائق التوحيد لأن السكران هو الذي ينطق بكل مكتوم
وبه قال سمعت الحسين بن منصور يقول من التمس الحق بنور الإيمان كان كمن طلب الشمس بنور الكواكب
وبه قال سمعت الحسين بن منصور يقول لرجل من أصحاب الجبائي لما كان الله تعالى أوجد الأجسام بلا علة كذلك أوجد فيها صفاتها بلا علة وكما لا يملك العبد أصل فعله كذلك لا يملك فعله
وبه قال سمعت الحسين بن منصور يقول ما انفصلت البشرية عنه ولا اتصلت به
____________________
(1/239)
54 ومنهم أبو الحسن بن الصائغ الدينوري واسمه علي بن محمد ابن سهل
كان من كبار المشايخ أقام بمصر ومات بها
سمعت أبا عثمان المغربي يقول لم أر فيمن رأيت من المشايخ أنور من أبي يعقوب النهرجوري ولا أكبر همة من أبي الحسن بن الصائغ الدينوري
سألت الشيخ أبا عثمان هل كان أبو الحسن من السالكين فقال كان من المعاملين المخلصين في المعاملة
توفي بمصر سنة ثلاثين وثلاثمائة وأسند الحديث
أخبرني عمر بن محمد بن عراك المصري إجازة أن علي بن سهل الزاهد الدينوري حدثهم قال حدثني عبد الله بن محمد بن بشار قال حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن عقبة عن صهبان عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } الواقعة 39 40 قال ( هما في هذه الأمة )
أخبرني عمر بن محمد بن عراك قال سئل أبو الحسن عن صفة المريد
____________________
(1/240)
فقال صفته ما قال الله عز وجل { ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه } التوبه 118
وبهذا الإسناد قال أبو الحسن من توالت عليه هموم الدنيا فليذكر هما لا يزول ليستريح منها
وبهذا الإسناد قال أبو الحسن وسئل ما الذي يجب على الإخوان إذا اجتمعوا فقال التواصي بالحق والتواصي بالصبر قال الله تعالى { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } ( العصر 3 )
سمعت عبد الله بن علي يقول سمعت الدقي يقول قال أبو الحسن بن الصائغ ينبغي للمريد أن يترك الدنيا مرتين يتركها مرة بنضارتها ونعيمها وألوان مطاعمها ومشاربها وجميع ما فيها
ثم إذا عرف بترك الدنيا ويبجل ويكرم بها فينبغي أن يستر إذ ذاك حاله بالإقبال على أهلها لئلا يكون ذكره في تركه الدنيا ذنبا هو أعظم من الإقبال على الدنيا وطلبها أو فتنة أعظم منها
وبهذا الإسناد قال أبو الحسن من فساد الطبع التمني والأمل
وبهذا الإسناد قال كان بعض مشايخنا يقول من تعرض لمحبته جاءته المحن والبلايا بالأوقار
____________________
(1/241)
وبهذا الإسناد قال أبو الحسن أهل المحبة في لهيب شوقهم إلى محبوبهم يتنعمون في ذلك اللهيب أحسن مما يتنعم أهل الجنة فيما أهلوا له من النعيم
وبهذا الإسناد قال أبو الحسن محبتك لنفسك هي التي تهلكها
وبهذا الإسناد سئل أبو الحسن ما المعرفة فقال رؤية المنة في كل الأحوال والعجز عن أداء شكر النعم من كل الوجوه والتبري من الحول والقوة في كل شيء
وبهذا الإسناد سئل أبو الحسن بماذا يتسلى المحب في المحبة وبماذا يروح فؤاده عن هيجانه فأنشأ يقول
( لو أشرب السلوان ما سليت ** ما بي غنى عنك وإن غنيت )
وبهذا الإسناد قال أبو الحسن الأحوال كالبروق فإذا ثبتت فهو حديث النفس وملائمة الطبع
وبهذا الإسناد سئل أبو الحسن عن الاستدلال بالشاهد على الغائب فقال كيف يستدل بصفات من يشاهد ويعاين وهو ذو مثل على صفة من لا يشاهد في الدنيا ولا يعاين ولا مثل له ولا نظير
55 ومنهم ممشاذ الدينوري
وهو من كبار مشايخهم صحب يحيى الجلاء ومن فوقه من المشايخ
____________________
(1/242)
عظيم المرمى في هذه العلوم أحد فتيان الجبال كبير الحال ظاهر الفتوة
ذكر أبو زرعة أنه مات سنة تسع وتسعين ومائتين إن كان حفظه
سمعت ابا بكر الرازي يقول سمعت ممشاذ يقول طريق الحق بعيد والصبر مع الحق شديد
وبهذا الإسناد قال ممشاذ جماع المعرفة صدق الافتقار إلى الله تعالى
وبهذا الإسناد قال ممشاذ لو جمعت حكمة الأولين والآخرين وادعيت أحوال السادة من الأولياء فلن تصل إلى درجات العارفين حتى يسكن سرك إلى الله تعالى وتثق به فيما ضمن لك
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت فارس الدينوري يقول خرج ممشاذ من باب الدار فنبح عليه كلب فقال ممشاذ لا إله إلا الله فمات الكلب مكانه
وبهذا الإسناد قال ممشاذ ما أقبح الغفلة عن طاعة من لا يغفل عن برك وما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك
وبهذا الإسناد قال ممشاذ فراغ القلب في التخلي مما تمسك به أهل الدنيا من فضول دنياهم
سمعت ابا بكر الرازي يقول سمعت ممشاذ يقول للعارف مرآة إذا نظر فيها تجلى له مولاه
وبهذا الإسناد قال ممشاذ ما كتب صحيح إلى صحيح وما لقي صحيح صحيحا وما افترقا في الحقيقة
وبهذا الإسناد قال ممشاذ من يكن الله تعالى همته لم تستقطعه الأقدار ولم تملكه الأخطار
____________________
(1/243)
وبهذا الإسناد قال ممشاذ ما دخلت قط على أحد من شيوخي إلا وأنا خال من جميع ما لي انظر بركات ما يرد علي من رؤيته أو كلامه فإن من دخل على شيخ بحظه انقطع بحظه عن بركات رؤيته ومجالسته وأدبه وكلامه
وبهذا الإسناد قال ممشاذ رأيت في بعض أسفاري شيخا توسمت فيه الخير فقلت يا سيدي كلمة تزودني بها فقال همتك فاحفظها فإن الهمة مقدمة الأشياء ومن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراءها من الأعمال والأحوال
وبهذا الإسناد قال ممشاذ أدب المريد في أربعة اشياء التزام حرمات المشايخ وخدمة الإخوان والخروج عن الأسباب وحفظ آداب الشرع على نفسه
وبهذا الإسناد قال ممشاذ الأسباب علائق وفي التعريج موانع والاستثناء إلى مسبوق القضاء فراغة وأحسن الناس حالا من أسقط عن نفسه رؤية الخلق ورعى سره في الخلوات واعتمد على الله تعالى في جميع أموره
وبهذا الإسناد قال ممشاد صحبة أهل الصلاح تورث في القلب الصلاح وصحبة أهل الفساد تورث فيه الفساد
وبهذا الإسناد قال سئل ممشاذ عن التوكل فقال التوكل حسم الطمع عن كل ما يميل إليه قلبك ونفسك
____________________
(1/244)
وبهذا الإسناد قال ممشاذ أرواح الأنبياء في حال الكشف والمشاهدة وأرواح الصديقين في القربة والاطلاع
56 ومنهم إبراهيم القصار وهو إبراهيم بن داود الرقي أبو إسحاق
من جلة مشايخ الشام من أقران الجنيد وابن الجلاء إلا أنه عمر وصحبه أكثر مشايخ الشام وكان لازما للفقر مجردا فيه محبا لأهله توفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة
سمعت أبا عبد الله الحسين بن أحمد يقول سمعت إبراهيم القصار الرقي يقول قيمة كل إنسان بقدر همته فإن كانت همته الدنيا فلا قيمة له وإن كانت همته رضاء الله تعالى فلا يمكن استدراك غاية قيمته ولا الوقوف عليها
سمعت أبا الفضل نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب العطار قال سمعت إبراهيم بن أحمد بن المولد يقول سأل رجل إبراهيم القصار الرقي فقال هل يبدي المحب حبه أو هل ينطق به أو يطيق كتمانه فأنشأ يقول متمثلا
( ظفرتم بكتمان اللسان فمن لكم ** بكتمان عين دمعها الدهر يذرف )
( حملتم جبال الحب فوقي وإنني ** لأعجز عن حمل القميص وأضعف )
سمعت أبا بكر بن شاذان يقول سمعت إبراهيم القصار يقول التوكل السكون إلى مضمون الحق
____________________
(1/245)
وبهذا الإسناد قال إبراهيم الراضي لا يسأل وليس من شرط الرضا المبالغة في الدعاء
وبهذا الإسناد قال إبراهيم المعرفة إثبات الرب أو قال الحق عز وجل خارجا عن كل موهوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله
وبهذا الإسناد قال إبراهيم حسبك من الدنيا صحبة فقير وخدمة ولي
وبهذا الإسناد قال إبراهيم القدرة ظاهرة والأعين مفتوحة ولكن أنوار البصائر قد ضعفت
وبهذا الإسناد قال إبراهيم الأبصار قوية والبصائر ضعيفة
وبهذا الإسناد قال إبراهيم من اكتفى بغير الكافي افتقر من حيث استغنى
وبهذا الإسناد قال إبراهيم الكفايات تصل إليك بلا تعب والاشتغال والتعب كلها في الفضول
وبهذا الإسناد قال إبراهيم كفايات الفقراء هي التوكل وكفايات الأغنياء هي الاستناد إلى الأملاك
وبهذا الإسناد قال إبراهيم أضعف الخلق من ضعف عن رد شهواته وأقوى الخلق من قوي على ردها
وبهذا الإسناد قال إبراهيم ما دام لأغراض الكون في قلبك خطر فاعلم أنه لا خطر لك عند الله
____________________
(1/246)
وبهذا الإسناد قال إبراهيم من تعزز بشيء غير الله فقد ذل في عزه
وبهذا الإسناد قال إبراهيم الأولياء مرتبطون بالكرامات والدرجات والأنبياء مكشوف لهم عن حقائق الحق فالكرامات والدرجات عندهم وحشة
وبهذا الإسناد قال إبراهيم علامة محبة الله تعالى إيثار طاعته ومتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم
وبهذا الإسناد قال إبراهيم الأنبياء منبسطون على بساط الأنس والأولياء على درجات الكرامة
57 ومنهم خير النساج وكنيته أبو الحسن
كان أصله من سامرا وأقام ببغداد صحب أبا حمزة البغدادي وسأل السري السقطي عن مسائل وكان إبراهيم الخواص تاب في مجلسه وكذلك الشبلي تاب في مجلسه عمر طويلا وكان من أقران النوري وطبقته
وكان اسمه محمد بن إسماعيل السامري وإنما سمي خيرا النساج لأنه خرج إلى الحج فأخذه رجل على باب الكوفة فقال أنت عبدي واسمك
____________________
(1/247)
خير وكان أسود فلم يخالفه فأخذه الرجل واستعمله في نسخ الخز سنين
وكان يقول له يا خير فيقول لبيك ثم قال له الرجل بعد سنين أنا غلطت لا أنت عبدي ولا اسمك خير
فلذلك سمي خير النساج وكان يقول لا أغير اسما سماني به رجل مسلم عاش مائة وعشرين سنة
سمعت أبا الحسن القزويني يقول سمعت أبا الحسين المالكي يقول سألت من حضر موت خير النساج عن أمره فقال لما حضرته صلاة المغرب غشي عليه ثم فتح عينيه وأومأ إلى ناحية باب البيت وقال قف عافاك الله إنما أنت عبد مأمور وأنا عبد مأمور وما أمرت به لا يفوتك وما أمرت به يفوتني فدعني أمضي فيما أمرت به ثم امض لما أمرت به فدعا بماء فتوضأ وصلى ثم تمدد وغمض عينيه وتشهد ومات
وأخبرني بعض أصحابنا أنه رآه في النوم فقال له ما فعل الله بك قال لا تسالني عن هذا ولكني استرحت من دنياكم الوضرة
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت خيرا النساج يقول من عرف من الدنيا قدرها وجد من الآخرة حقها ومن جهل من الآخرة حقها قتله من الدنيا نزرها
قال وقال خير النساج الصبر من أخلاق الرجال والرضا من أخلاق الكرام
____________________
(1/248)
قال وقال خير شرح صدور المتقين وكشف بصائر المهتدين بنور حقائق الإيمان
قال وقال خير من لاحظ شكره استصغر نعمه
قال وقال خير من سبق بخطوة لا يدرك إذا كان صادقا مجتهدا
قال وقال خير الإخلاص هو الذي لا يقبل عمل عامل إلا به
قال وقال خير العمل الذي يبلغ الغايات هو رؤية التقصير والعجز والضعف
قال وقال خير لا نسب اشرف من نسب من خلقه الله تعالى بيده فلم يعصمه ولا علم أشرف من علم من علمه الله الأسماء كلها فلم ينفعه في وقت جريان القدر والقضاء عليه ولا عبادة أتم ولا أكثر من عبادة إبليس لم ينجه ذلك من المسبوق عليه
قال وقال خير توحيد كل مخلوق ناقص لقيامه بغيره وحاجته إلى غيره قال الله تعالى { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله } أي المحتاجون إليه في كل نفس { والله هو الغني } عنكم وعن توحيدكم وأفعالكم { الحميد } سورة فاطر الأيه 10 الذي يقبل منك مالا يحتاج إليه ويثيبك عليه ما تحتاج إليه
قال وقال خير ميراث أفعالك ما يليق بأفعالك فاطلب ميراث فضله فإنه أتم وأحسن قال الله تعالى { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } يونس 58
قال وقال خير الخوف سوط الله في الأرض يقوم به أنفسا قد
____________________
(1/249)
تعودت سوء الأدب ومتى ما أساءت الجوارح الأدب فهو من غفلة القلب وظلمة السر
58 ومنهم أبو حمزة الخراساني
وكان أصله من نيسابور من محلة ملقاباذ صحب مشايخ بغداد وهو من أقران الجنيد سافر مع أبي تراب النخشبي وأبي سعيد الخراز وهو من أفتى المشايخ وأورعهم
سمعت أبا العباس البغدادي يقول سمعت أبا جعفر الفرغاني يقول قال أبو حمزة الخراساني من نصح نفسه كرمت عليه ومن تشاغل عن نصيحتها هانت عليه
وبهذا الإسناد قال سئل أبو حمزة الخراساني عن الأنس فقال ضيق الصدر عن معاشرة الخلق
وبهذا الإسناد قال أبو حمزة الخراساني الغريب المستوحش من الإلف
وبهذا الإسناد قال أبو حمزة الخراساني من استشعر ذكر الموت حبب إليه كل باق وبغض إليه كل فان
وبهذا الإسناد قال أبو حمزة الخراساني العارف يخاف زوال ما أعطى والخائف يخاف نزول ما وعد والعارف يدافع عيشه يوما ليوم ويأخذ عيشه يوما ليوم
وبهذا الإسناد سئل أبو حمزة الخراساني عن الصوفي فقال من صفى من كل درن فلم يبق فيه وسخ المخالفات بحال
____________________
(1/250)
سمعت أبا العباس يقول سمعت أبا جعفر الفرغاني يقول قال أبو حمزة من استوحش من نفسه أنس قلبه بموافقة مولاه
وبهذا الإسناد سمعت أبا حمزة وقد سأله رجل فقال أوصني
فقال أبو حمزة هيئ زادك للسفر الذي بين يديك فكأني بك وأنت في جملة الراحلين عن منزلك وهيئ لنفسك منزلا تنزل فيه إذا نزل أهل الصفوة منازلهم لئلا تبقى متحسرا
وبهذا الإسناد قال أبو حمزة لبعض أصحابه خف سطوة العدل وارج رأفة الفضل ولا تأمن من مكره وإن أنزلك الجنان ففي الجنة وقع لأبيك آدم ما وقع وقد يقطع بقوم فيها فيقال لهم { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } الحاقه 24 فشغلهم عنه بالأكل والشرب ولا مكر فوق هذا ولا حسرة أعظم منه
وبهذا الإسناد قال أبو حمزة الخراساني من خصه الله تعالى بنظرة شفقة فإن تلك النظرة تنزله منازل أهل السعادة وتزينه بالصدق ظاهرا وباطنا
وبهذا الإسناد سئل أبو حمزة الخراساني هل يتفرغ المحب إلى شيء سوى محبوبه فقال لا لأنه بلاء دائم وسرور متقطع وأوجاع متصلة لا يعرفها إلا من باشرها
وأنشد
( يقاسي المقاسي شجوه دون غيره ** وكل بلاء عند لاقيه أوجع )
وبهذا الإسناد قال سمع أبو حمزة بعض أصحابه وهو يلوم بعض إخوانه على إظهار وجده وغلبة الحال عليه وإظهار سره في مجلس فيه
____________________
(1/251)
بعض الأضداد فقال أبو حمزة أقصر يا أخي فالوجد الغالب يسقط التمييز ويجعل الأماكن كلها مكانا واحدا والأعيان عينا واحدة ولا لوم لمن غلب عليه وجده فاضطره إلى أن يبديه وما أحسن ما قال ابن الرومي
( فدع المحب من الملامة إنها ** بئس الدواء لموجع مقلاق )
( لا تطفئن جوى بلوم إنه ** كالريح يغري النار بالإحراق )
59 ومنهم الصبيحي وهو الحسين بن عبد الله بن بكر وكنيته أبو عبد الله
كان من أهل البصرة وقيل إنه لم يخرج من سرب في داره ثلاثين سنة يجتهد فيه ويتعبد أخرجه أهل البصرة منها فخرج إلى السوس فمات بها وبها قبره وكان عالما بعلوم القوم وبالاصول صنف كتبا للقوم وكان صاحب لسان وورع
سمعت أبا الفتح القواس يقول قال أبو عبد الله الصبيحي السماع بالتصريح جفاء والسماع بالإشارة تكلف وألطفت السماع ما يشكل إلا على مستمعه
وبهذا الإسناد سمعت الصبيحي وسئل عن اصول الدين فقال إثبات صدق الافتقار إلى الله تعالى وحسن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
وفروعه أربعة أشياء الوفاء بالعهود وحفظ الحدود والرضا بالموجود والصبر على المفقود
وبهذا الإسناد قال أبو عبد الله الصبيحي الربوبية سبقت العبودية وبالربوبية ظهرت العبودية وتمام وفاء العبودية مشاهدة الربوبية
____________________
(1/252)
سمعت أبا الفتح القواس يقول سمعت أبا عبد الله الصبيحي وسئل عن التسلي والانقطاع فقال لا يقطعك عن الشيء ما هو مثله أو دونه وإنما يقطعك عنه ما هو أتم وأعلى والنظر في عواقب الأمور من أحوال العاجزين والتقحم على الموارد من أحوال الرجال والخمود بالرضاء تحت موارد القضاء من أحوال العارفين
وبهذا الإسناد سمعت أبا عبد الله الصبيحي يقول يجب أن يكون الواجد إذا كان وجده صحيحا أن يكون في حال وجده محفوظا لا يجري عليه لسان الذم بحال
وبهذا الإسناد سمعت أبا عبد الله الصبيحي يقول المبقي في أوصافه يحوم حول الشرك لفرحه ببقائه فإنه أبدا يشاهد شاهده
وبهذا الإسناد سمعت أبا عبد الله الصبيحي يقول الغريب هو البعيد عن وطنه وهو مقيم فيه
وبهذا الإسناد سمعت أبا عبد الله الصبيحي يقول الغريب الذي لا جنس له
وبهذا الإسناد سمعت أبا عبد الله الصبيحي مرة أخرى يقول الغريب من صحب الأجناس
وبهذا الإسناد سمعت أبا عبد الله الصبيحي يقول أتم الخوف ما كان على صفة الوجد لا على فقد ما يرجو أو يتمنى
وبهذا الإسناد سمعت أبا عبد الله الصبيحي يقول ابتلى الخلائق بأسرهم بالدعاوي العريضة في المغيب فإذا أظلتهم هيبة المشهد خرسوا وانقمعوا وصاروا لا شيء ولو صدقوا في دعاواهم لبرزوا عند المشاهدة كما برز نبينا صلى الله عليه وسلم وتقدم الخلائق بقدم الصدق حين طلب إليه الشفاعة
____________________
(1/253)
فقال أنا لها لم ترعه هيبة الموقف لما كان عليه من قدم الصدق وما أشبه هذه الدعاوي الباطلة إلا بقول بعضهم حيث يقول
( ينوي العتاب له من قبل رؤيته ** فإن رآه فدمع العين مسكوب )
( لا يستطيع كلاما حين يبصره ** كل اللسان وفي الأحشاء تلهيب )
وليس تخرس الألسنة في المشاهدة إلا لبعدها من الصدق فمن صدق في المحبة تكلم عنه الضمير إذا سكت عن النطق اللسان
60 ومنهم أبو جعفر بن سنان وهو أحمد بن حمدان بن علي بن سنان
من كبار مشايخ نيسابور صحب أبا عثمان ولقي أبا حفص وهو أحد الخائفين الورعين
وبيته بيت الزهد والورع إلى أن انتهى الأمر وختم بحفيده ابن بنته أبي بشر محمد بن أحمد الحلاوي المقيم بمكة المجاور بها في آخر سفره عشرين سنة متوالية نعى إلينا أبو بشر في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وكان مات في سنة ست بمكة وهو كان أوحد مشايخ الحرم في وقته ومات أبو جعفر سنة إحدى عشرة وثلاثمائة
____________________
(1/254)
كتب الحديث الكثير ورواه
أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان حدثنا أبي حدثنا أبو الأزهر حدثنا أسباط عن الشيباني قال سألت ابن أبي أوفى أرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قلت بعد ما نزلت سورة النور أم قبلها قال لا أدري
سمعت محمد بن أحمد بن حمدان أبا عمرو يقول سمعت أبي يقول من لزم العزلة والخلوة يكون أقل لفضيحته في الدنيا إلى أن يبلغ إلى فضيحة الآخرة
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان سئل بعض الحكماء من أين معاشك فقرأ { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا } الإسراء 3
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان لو أمرك بمعرفته ولم يتعرف إليك كنت أجهل به ممن أنكره
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان تكبر المطيعين على العصاة بطاعتهم شر من معاصيهم وأضر عليهم
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان غفلتك عن توبة من ذنب ارتكبته شر من ارتكابه
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان جمال الرجل في حسن مقاله وكماله في صدق فعاله
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان علامة من انقطع إلى الله على الحقيقة ألا يزد عليه ما يشغله عنه
سمعت أبا عمرو يقول قال أبي أنت تبغض العاصي بذنب واحد تظنه
____________________
(1/255)
ولا تبغض نفسك مع ما تتيقنه من ذنوبك
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان ذمك لأخيك بعيوبه يوقعك فيما تذمه وشر منه ولو وفقت لدعوت له ورحمته وخفت على نفسك من مثله وشكرت الله تعالى حيث لم يبلك بما بلاه به
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان من علم من نفسه ما يعلم ثم يحبها بعد ذلك فقد أحب ما أبغض الله تعالى
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان كبير الإساءة مع التوبة والندامة أصغر من صغيرها مع الإصرار لأن الله تعالى يقول { ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } آل عمران 135 وقليل الإحسان مع الإخلاص أكثر من كثير الإحسان مع الرياء والعجب والآفات
وبهذا الإسناد قال أبو جعفر بن سنان لا يعظم حرمات الله إلا من عظم الله ولا يعظ الله إلا من عرفه ومن عرفه خضع له وانقاد في خضوعه وخضوعه يتولد من تعظيمه لربه فاذا عظمه صغر كل ما سواه عنده فيتولد له من ذلك تعظيم حرمات المؤمنين وذلك لعظيم حرمة الله في قلبه أن يعظم كل من يطيع ربه أو يعرفه
____________________
(1/256)
الطبقة الرابعة من أئمة الصوفية
61 ومنهم أبو بكر الشبلي واسمه دلف يقال ابن جحدر ويقال ابن جعفر ويقال اسمه جعفر بن يونس
سمعت الحسين بن يحيى الشافعي يذكر ذلك وكذلك رأيته ببغداد مكتوبا على قبره
وهو خراساني الأصل بغدادي المنشأ والمولد وأصله من أسروشنة ومولده كما قيل سامرا
تاب في مجلس خير النساج وصحب الجنيد ومن في عصره من المشايخ وصار أوحد وقته حالا وعلما وكان عالما فقيها على مذهب مالك عاش سبعا وثمانين سنة ومات في ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ودفن في مقبرة الخيزران وقبره اليوم ظاهر
كتب الحديث الكثير ورواه
حدثنا عبد الواحد بن العباس حدثنا علي بن الجمال قال سمعت أبا بكر الشبلي يقول حدثنا محمد بن مهدي المصري حدثنا عمرو بن أبي سلمة حدثنا صدقة بن عبد الله عن طلحة بن زيد عن أبي فروة الرهاوي عن عطاء عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال ( الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا ) قال يا رسول الله كيف لي بذلك قال ( ما سئلت فلا
____________________
(1/257)
تمنع وما رزقت فلا تخبأ ) قال يا رسول الله كيف لي بذاك قال ( هو ذاك وإلا فالنار )
سمعت منصور بن عبد الله الهروي يقول سمعت الشبلي وقيل له إن أبا تراب ذكر أنه جاع في البادية فرأى البادية كلها طعاما فقال عبد رفق ولو بلغ إلى محل التحقيق لكان كمن قال إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت عمر المزوق يقول سمعت الشبلي وسئل عن الوفاء فقال هو الإخلاص بالنطق واستغراق السرائر بالصدق
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت الشبلي يقول ما ظنك بعلم علم العلماء فيه تهمة
وسمعته يقول كان الشبلي إذا نظر إلى أصحابه يسافرون ويرى تقطعهم في أسفارهم يقول ويلكم أبد مما ليس منه بد بل بد ممن ليس منه بد
وسمعته يقول سمعت الشبلي يقول الأرواح تلطفت فتعلقت عند لذعات الحقيقة فلم تر غير الحق معبودا يستحق العبادة فأيقنت أن المحدث لا يدرك القديم بصفات معلولة فإذ صفاه الحق أوصله إليه فيكون الحق أوصله إليه ولا وصل هو
سمعت أبا القاسم النصراباذي يقول سمعت الشبلي يقول التصوف ضبط حواسك ومراعاة أنفاسك
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت الشبلي يقول التصوف
____________________
(1/258)
التآلف والتعاطف
وسمعته يقول سمعت محمد بن الفضل يقول سمعت الشبلي وسئل متى يكون الرجل مريدا فقال إذا استوت حاله في السفر والحضر والمشهد والمغيب
سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول سمعت الشبلي يقول أنتم منكم مخفوضة وأنا مني منصوبة
سمعت أبا القاسم عبد الله بن محمد الدمشقي يقول كنت واقفا يوما على حلقة الشبلي فجعل يبكي ولا يتكلم فقال رجل يا أبا بكر ما هذا البكاء كله فأنشأ يقول
( إذا عاتبته أو عاتبوه ** شكا فعلي عدد سيئاتي )
( أيا من دهره غضب وسخط ** أما أحسنت يوما في حياتي )
سمعت أبا سعيد الرازي يقول سمعت الشبلي وسئل عن الزهد فقال تحويل القلب من الأشياء إلى رب الأشياء
قال وسمعت الشبلي يقول من عرف الله خضع له كل شيء لأنه عاين أثر ملكه فيه
وبهذا الإسناد قال سمعت الشبلي وسئل ما الدنيا فقال قدر تغلي وكنيف يملأ
وبهذا الإسناد قال سمعت الشبلي وسئل بم يقمع الهوى فقال برياضات الطباع وكشف القناع
وبهذا الإسناد قال سمعت الشبلي يقول ليس يخطر الكون ببالي
____________________
(1/259)
وكيف يخطر الكون ببال من عرف المكون
سمعت أبا العباس محمد بن الحسن بن الخشاب يقول سمعت بعض أصحاب الشبلي يقول رأيت الشبلي في المنام فقلت له يا أبا بكر من أسعد أصحابك بصحبتك فقال أعظمهم لحرمات الله وألهجهم بذكر الله واقومهم بحق الله وأسرعهم مبادرة في مرضاة الله وأعرفهم بنقصانه وأكثرهم تعظيما لما عظم الله من حرمة عباده
وسمعت أبا سعيد الرازي يقول قال رجل للشبلي ادع الله لي فأنشأ يقول
( مضى زمن والناس يستشفعون بي ** فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع )
وسمعته يقول قيل للشبلي نراك جسيما بدينا والمحبة تضني فأنشأ يقول
( أحب قلبي وما درى بدني ** ولو درى ما أقام في السمن )
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت عمر بن عبد الله يقول سمعت الشبلي يقول لو قبلني العالم بمن فيه لكانت مصيبة علي إذ لو لم يكن شربهم شربي وذوقهم ذوقي لم يقبلوني
وسمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت الحصري يقول سمعت الشبلي يقول أعمى الله بصرا يراني ولا يرى في آثار القدرة فأنا أحد آثار القدرة وأحد شواهد العزة لقد ذللت حتى عز في ذلي كل ذل وعززت حتى ما تعزز أحد إلا بي أو بمن تعززت به وما افترقنا وكيف نفترق ولم يجر علينا حال الجمع أبدا
____________________
(1/260)
سمعت أبا العباس النسوي يقول سمعت السيرواني يقول سمعت الشبلي يقول ليكن همك معك لا يتقدم ولا يتأخر
وسمعته يقول سمعت أبا علي الجعفري يقول سمعت بعض المشايخ يقول سمعت إبراهيم بن ظريف يقول قال الجنيد للشبلي لو رددت أمرك إلى الله لاسترحت فقال الشبلي يا أبا القاسم لو رد الله أمرك إليك لاسترحت فقال الجنيد سيوف الشبلي تقطر دما
سمعت عبد الله بن علي البغدادي يقول سمعت الشبلي يقول سهو طرفة عين عن الله لأهل المعرفة شرك بالله
وبهذا الإسناد قال سمعت الشبلي الفرح بالله أولى من الحزن بين يدي الله
وبهذا الإسناد قال سمعت الشبلي يقول قلوب أهل الحق طائرة إليه بأجنحة المعرفة ومستبشرة إليه بموالاة المحبة
وبهذا الإسناد قال سمعت الشبلي يقول الحرية هي حرية القلب لا غير
وبهذا الإسناد قال سمعت الشبلي يقول ليس من احتجب بالخلق عن الحق كمن احتجب بالحق عن الخلق وليس من جذبته أنوار قدسه إلى أنسه كمن جذبته أنوار رحمته إلى مغفرته
سمعت الحسين بن عبد الله يقول سمعت أحمد الخلقاني يقول كثيرا ما كان الشبلي يقول
( ولي فيك يا حسرتي حسرة ** تقضي حياتي وما تنقضي )
____________________
(1/261)
سمعت الشيخ أبا سهل محمد بن سلمان يقول سمعت الشبلي يقول أحبك الخلق لنعمائك وأنا أحبك لبلائك
وبهذا الإسناد قال سمعت الشبلي يقول من كان بالحق تلفه كان الحلق خلقه
سمعت أبا القاسم عبد الله بن محمد الدمشقي قال كنا يوما في بيت الشبلي فأخر العصر ونظر إلى الشمس وقد تدلت للغروب فقال الصلاة يا سادتي وقام فصلى ثم أنشأ يقول ملاعبة وهو يضحك ما أحسن قول من قال
( نسيت اليوم من عشقي صلاتي ** فلا أدري غداتي من عشائي )
( فذكرك سيدي أكلي وشربي ** ووجهك إن رأيت شفاء دائي )
وبهذا الإسناد قال رؤى الشبلي في يوم عيد خارجا من المسجد وهو يقول
( إذا ما كنت لي عيدا ** فما أصنع بالعيد )
( جرى حبك في قلبي ** كجري الماء في العود )
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت الشبلي يقول ما أحوج الناس إلى سكرة فقلت يا سيدي أي سكرة فقال سكرة تغنيهم عن ملاحظة أنفسهم وأفعالهم وأحوالهم وأنشأ يقول
( وتحسبني حيا وإني لميت ** وبعضي من الهجران يبكي على بعض )
وأنشدنا أبو بكر الرازي قال أنشدنا أبو بكر الشبلي
( إني وإياه لفي الحب صادق ** نموت بما نهوى جميعا ولا ندى )
____________________
(1/262)
وبهذا الإسناد قال الشبلي
( ومن أين لي أين وإني كما ترى ** أعيش بلا قلب وأسعى بلا قصد )
سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت أبا الطيب العكي يقول جاء رجل إلى الشبلي فقال كم تهلك نفسك بهذه الدعاوي ولا تدعها فأنشأ يقول متمثلا
( إني وإن كنت قد أسأت بي اليوم ** لراج العطف منك غدا )
( أستدفع الوقت بالرجاء وإن ** لم أر منك ما أرتجي أبدا )
( أعز نفسي بكم وأخدعها ** نفس ترى الغي فيكم رشدا )
سمعت أبا القاسم عبد الله بن محمد الدمشقي يقول كنت واقفا على حلقة الشبلي في جامع المدينة فوقف سائل على حلقته وجعل يقول يا الله يا جواد فتأوه الشبلي وصاح فقال كيف يمكنني أن أصف الحق بالجود ومخلوق يقول في شكله
( تعود بسط الكف حتى لو أنه ** ثناها لقبض لم تجبه أنامله )
( تراك إذا ما جئته متهللا ** كأنك تعطيه الذي أنت سائله )
( ولو لم يكن في كفه غير روحه ** لجاد بها فليتق الله سائله )
( هو البحر من أي النواحي أتيته ** فلجته المعروف والجود ساحله )
ثم بكى وقال بلى يا جواد فأنك أوجدت تلك الجوارح وبسطت تلك الهمم ثم مننت بعد ذلك على أقوام بعز الاستغناء عنهم وعما في أيديهم بك فإنك الجواد كل الجواد لأنهم يعطون عن محدود وعطاؤك لا حد له ولا صفة فيا جواد يعلو كل جواد وبه جاد كل من جاد
____________________
(1/263)
قال وسمعته يقول رفع الله قدر الوسائط بعلو هممهم فلو أجرى على الأولياء ذرة مما كشف للأنبياء لبطلوا وتقطعوا
قال أبو القاسم وكنت يوما في حلقته فسمعته يقول الحق يفنى بما به يبقى ويبقى بما به يفنى يفنى بما فيه بقاء ويبقى بما فيه فناء
فإذا أفنى عبدا عن إياه أوصله به وأشرفه على أسراره وبكى وأنشد على أثره
( لها في طرفها لحظات سحر ** تميت بها وتحيي من يريد )
( وتسبي العالمين بمقلتيها ** كأن العالمين لها عبيد )
( ألاحظها فتعلم ما بقلبي ** وألحظها فتعلم ما أريد )
قال وسأله سائل هل يتحقق العارف بما يبدو له فقال كيف يتحقق بما لا يثبت وكيف يطمئن إلى ما لا يظهر وكيف يأنس بما يخفى فهو الظاهر الباطن الباطن الظاهر ثم أنشأ يقول
( فمن كان في طول الهوى ذاق سلوة ** فإني من ليلي لها غير ذائق )
( وأكثر شيء نلته من وصالها ** أماني لم تصدق كلمحة بارق )
قال وقال الشلبي كيف يصح لك التوحيد وكلما أبصرت شيئا اسرك
قال وقال رجل للشبلي هل شاهده أحد بحقيقته فقال الحقيقة بعيدة ولكن ظنون وأماني وحسبان وأنشد
( وكذبت طرفي فيك والطرف صادق ** وأسمعت أذني منك ما ليس تسمع )
( ولم أسكن الأرض التي تسكنونها ** لكيلا يقولوا إنني بك مولع )
( فلا كبدي تهدا ولا لك رحمة ** ولا عنك إقصاء ولا فيك مطمع )
فإذا تراءى له تحقيق حال شوشه بالتلبيس والإشكال
____________________
(1/264)
سمعت ابا القاسم عبد الله بن علي البصري يقول قال رجل للشبلي إلى ماذا تستريح قلوب المشتاقين قال إلى سرور من اشتاقوا إليه وموافقته وأنشد
( أسر بمهلكي فيه لأني ** أسر بما يسر الألف جدا )
( ولو سئلت عظامي عن بلاها ** لأنكرت البلى وسمعت جحدا )
( ولو أخرجت من سقمي لنادي ** لهيب الشوق بي يسأله ردا )
وسمعت عبد الله يقول سئل الشبلي وأنا حاضر إلى ماذا تحن قلوب أهل المعارف فقال إلى بدايات ما جرى لهم في الغيب من حسن العناية في الحضرة بغيبتهم عنها وأنشأ يقول
( سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن ** ما كان قلبي للصبابة معهدا )
62 ومنهم المرتعش وهو أبو محمد عبد الله بن محمد المرتعش النيسابوري
من محلة الحيرة صحب أبا حفص الحداد وأبا عثمان الحداد ولقي الجنيد وصحبه وأقام ببغداد حتى صار أحد مشايخ العراق وأئمتهم حتى قال أبو عبد الله الرازي كان مشايخ العراق يقولون عجائب بغداد في التصوف ثلاث إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات جعفر الخلدي
____________________
(1/265)
وكان يقيم في مسجد الشونيزية مات ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا محمد المرتعش يقول سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدنيا
قال وقال المرتعش ذهبت حقائق الأشياء وبقيت أسماؤها فالأسماء موجودة والحقائق مفقودة والدعاوي في السرائر مكنونة والألسنة بها فصيحة والأمور عن حقوقها مصروفة وعن قريب تفقد هذه الألسنة وهذه الدعاوي فلا يوجد لسان ناطق ولا مدع مطنب
سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول سمعت المرتعش يقول ما توجهت إلى الله تعالى بسر خاصي إلا في ظاهر عامي
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول كنت عند المرتعش قاعدا فقال رجل قد طال الليل وطاب الهواء فنظر إليه المرتعش وسكت ساعة ثم قال لا أدري ما تقول غير أني أقول ما سمعت بعض القوالين في بعض هذه الليالي يغني ويقول
( لست أدري أطال ليلي أم لا ** كيف يدري بذاك من يتلقى )
( لو تفرغت لاستطالة ليلي ** ولرعى النجوم كنت مخلى )
( إن للعاشقين عن قصر الليل ** وعن طوله من الوجد شغلا )
قال فبكى من حضره واستدلوا بذلك على عمارة أوقاته
وبهذا الإسناد قال المرتعش الوسوسة تؤدي إلى الحيرة والإلهام يؤدي إلى زيادة فهم وبيان
____________________
(1/266)
وبهذا الإسناد قال المرتعش أصول التوحيد ثلاثة اشياء معرفة الله تعالى بالربوبية والإقرار له بالوحدانية ونفي الأنداد عنه جملة
وبهذا الإسناد قال المرتعش أفضل الأعمال تصحيح العبودية على المشاهدة وملازمة الخدمة على السنة
وبهذا الإسناد قال سئل المرتعش بماذا ينال العبد حب الله تعالى فقال ببغض ما أبغض الله وهي الدنيا والنفس
وبهذا الإسناد قال سئل المرتعش مرة أخرى بماذا ينال العبد المحبة قال بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه ثم نظر إلى بعض جلسائه فقال أنشدني الأبيات التي كنت أنشدتنيها أمس فأنشأ الرجل يقول
( أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ** إذ كان حظي منك حظي منهم )
( وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا ** ما من يهون عليك ممن يكرم )
وبهذا الإسناد قال المرتعش تصحيح المعاملات كلها بشيئين وهما الصبر والإخلاص الصبر عليها والإخلاص فيها
وبهذا الإسناد قال المرتعش الإرادة حبس النفس عن مراداتها والإقبال على أوامر الله والرضا بموارد القضاء عليه
وبهذا الإسناد قال رجل للمرتعش إن فلانا يمشي على الماء فقال عندي أن من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء وفي الهواء
____________________
(1/267)
وبهذا الإسناد قال المرتعش المسلم محبوب إلى الخلق والمؤمن غني عن الخلق
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سئل المرتعش عن التصوف فقال الإشكال والتلبيس والكتمان ثم أنشأ يقول
( سري وسرك لم يعلم به أحد ** إلا الجليل ولم ينطق به نطق )
سمعت الشيخ أبا سهل محمد بن سليمان الفقيه يقول قال رجل للمرتعش أوصني فقال اذهب إلى من هو خير لك مني ودعني إلى من هو خير لي منك
وبهذا الإسناد قال جاء رجل إلى المرتعش فقال أي الأعمال أفضل فقال رؤية فضل الله وأنشأ يقول
( إن المقادير إذا ساعدت ** ألحقت العاجز بالحازم )
سمعت ابا الفرج بن الصائغ يقول رؤى المرتعش في العشر الأواخر خارجا من المسجد الجامع فقيل له ما الذي أخرجك من المسجد فقال مشاهدة القراء وتعظيم طاعاتهم عندهم
وبهذا الإسناد قال المرتعش من ظن أن أفعاله تنجيه من النار أو تبلغه الرضوان فقد جعل لنفسه ولفعله خطرا ومن اعتمد على فضل الله بلغه الله إلى اقصى منازل الرضوان قال الله تعالى { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } يونس 58
____________________
(1/268)
وبهذا الإسناد قال المرتعش اعتمد على ضمان الله لك في رزقك واجتهد في أداء ما افترضه عليك تكن من خواصه
وبهذا الإسناد قال المرتعش السكون إلى الأسباب يقطع القلوب عن الاعتماد على المسبب
63 ومنهم أبو علي الروذباري واسمه أحمد بن محمد بن القاسم ابن منصور بن شهريار بن مهرذاذاز بن فرغدد بن كسرى
____________________
(1/269)
كذا ذكره لي عبد الله بن علي قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري يقول ذلك
وهو من أهل بغداد سكن مصر وصار شيخها ومات بها صحب أبا القاسم الجنيد وأبا الحسين النوري وأبا حمزة وحسنا المسوحي ومن في طبقتهم من مشايخ بغداد وصحب بالشام ابن الجلاء وكان عالما فقيها عارفا بعلم الطريقة حافظا للحديث
توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة كذلك ذكره لي الحسين بن أحمد الرازي وأسند الحديث
أخبرنا أبو الفضل نصر بن محمد بن يعقوب الطوسي قال حدثنا قسيم بن أحمد غلام الرقاق حدثنا أبو علي الروذباري الصوفي حدثنا يوسف حدثنا الحسين بن نصر عن ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى { يخافون ربهم من فوقهم } النحل 50 ذاك مخافة الإجلال
أخبرنا أبو الفضل قال حدثنا قسيم قال حدثنا أبو علي الروذباري حدثنا مسعود بن محمد بن مسعود الرملي حدثنا عمران بن هارون الصوفي حدثنا سليم بن حيان عن داود عن أبي هند عن الشعبي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى ليعمر بالقوم الديار ويكثر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا قيل يا رسول الله وكيف ذلك قال بصلتهم أرحامهم
سمعت عبد الله بن محمد الدمشقي يقول سمعت أبا علي الروذباري وسئل عن الإشارة فقال الإشارة الإبانة عما يتضمنه الوجد من المشار
____________________
(1/270)
إليه لا غير وفي الحقيقة إن الإشارة تصحبها العلل والعلل بعيدة من عين الحقائق
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا علي الروذباري وسئل عن المريد والمراد فقال المريد الذي لا يريد لنفسه إلا ما اراد الله له والمراد لا يريد من الكونين شيئا غيره
سمعت ابا القاسم الدمشقي يقول سمعت أبا علي الروذباري يقول الصول على من دونك ضعف وعلى من فوقك قحة
وسمعته يقول سئل أبو علي عمن يسمع الملاهي ويقول هي لي حلال لأني قد وصلت إلى درجة لا يؤثر في اختلاف الأحوال فقال نعم قد وصل لعمري ولكن إلى سقر
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا علي الروذباري وسئل عن التصوف يقول هذا مذهب كله جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا علي الروذباري يقول فضل المقال على الفعال منقصة وفضل الفعال على المقال مكرمة
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت أبا سعيد الكازروني يقول سمعت أبا علي الروذباري يقول لا رضى لمن لا لا يصبر ولا كمال لمن لا يشكر وبالله وصل العارفون إلى محبته وشكروه على نعمته
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت أبا عبد الله الروذباري يقول قال لي خالي أبو علي لو تكلم أهل التوحيد بلسان التجريد لما بقي محق إلا مات
____________________
(1/271)
سمعت أبا العباس النسوي يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول حدثنا محمد الزقاق قال سألت أبا علي الروذباري عن التوبة فقال الاعتراف والندم والإقلاع
أنشدني أحمد بن علي بن جعفر قال أنشدني إبراهيم بن فاتك لأبي علي الروذباري
( روحي إليك بكلها قد أجمعت ** لو أن فيك هلاكها ما أقلعت )
( تبكي إليك بكلها عن كلها ** حتى يقال من البكاء تقطعت )
( فانظر إليها نظرة بتعطف ** فلطالما متعتها فتمتعت )
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا علي الروذباري يقول والاهم قبل أفعالهم وعاداهم قبل أفعالهم ثم جازاهم بأفعالهم
وبهذا الإسناد قال أبو علي الروذباري المشاهدات للقلوب والمكاشفات للأسرار والمعاينات للبصائر والمراعات للأبصار
وبهذا الإسناد قال أبو علي من نظر إلى نفسه مرة عمي عن النظر بالاعتبار إلى شيء من الأكوان
وبهذا الإسناد قال أبو علي الروذباري ما ادعى أحد قط إلا لخلوه عن الحقائق ولو تحقق في شيء لنطقت عنه الحقيقة وأغناه عن الدعاوي
سمعت علي بن سعيد يقول سمعت عبد السلام المخرمي يقول أنشدني أبو علي الروذباري لنفسه
بك كتمان وجده بك عنه ** لك منه وعنه ما لك منه )
( من إذا لاح لائح لمشوق ** هام وجدا إن لم تكنه )
( وإذا أفل الأفول ببين ** بان عنه فبان إن لم تبنه )
____________________
(1/272)
( يا فتى الحب بل يا فتى الحق سري ** عنك مستودع لديك فصنه )
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت ابا علي الروذباري يقول أنفع اليقين ما عظم الحق في عينيك وصغر ما دونه عندك وأثبت الخوف والرجاء في قلبك
قال وسمعت أبا علي يقول ما أظهر من نعمه دليل على ما أبطن من كرمه
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا علي يقول من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك فتترك الإنابة والتوبة توهما أنك تسامح في الهفوات وترى أن ذلك في بسط الحق لك
وبهذا الإسناد قال أبو علي كيف تشهده الاشياء وبه فنيت بذواتها عن ذواتها أم كيف غابت الأشياء عنه وبه ظهرت وبصفاته فسبحان من لا يشهده شيء ولا يغيب عنه شيء
وبهذا الإسناد قال أبو علي تشوقت القلوب إلى مشاهدة ذات الحق فألقيت إليها الأسامي فركنت إليها والذات مستترة إلى أوان التجلي وذلك قوله تعالى { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } أي وقفوا معها عن إدراك الحقائق
وبهذا الإسناد قال أبو علي أظهر الحق الاسامي وأبداها للخلق ليسكن بها شوق المحبين إليه وتأنس بها قلوب العارفين له
وبهذا الإسناد قال أبو علي أستاذي في التصوف الجنيد وأستاذي في
____________________
(1/273)
الفقه أبو العباس بن سريج وأستاذي في الأدب ثعلب وأستاذي في الحديث إبراهيم الحربي
64 ومنهم أبو علي الثقفي واسمه محمد بن عبد الوهاب
لقي أبا حفص وحمدونا القصار وكان إماما في أكثر علوم الشرع مقدما في كل فن منه عطل أكثر علومه واشتغل بعلم الصوفية وتكلم فيه أحسن كلام
وكان أبو عثمان الحيري يقول إنه لينفعني في نفسي إذا نظرت إلى خشوع هذا الفتى يعني أبا علي الثقفي
وكان أبو علي أحسن المشايخ كلاما في عيوب النفس وآفات الأعمال
سمعت أبي رحمه الله يقول مات أبو علي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وأسند الحديث
اخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب الثقفي قال حدثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم حدثنا ابن عفير قال حدثنا الفضل بن المختار البصري عن هشام بن حسان عن الحسن عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ( من جاء منكم الجمعة فليغتسل )
أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الحسن الكارزي قال حدثنا أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن سلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
____________________
(1/274)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة )
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا علي الثقفي يقول كمال العبودية هو العجز والقصور عن تدارك معرفة علل الأشياء بالكلية
وبهذا الإسناد قال أبو علي الثقفي لكل شيء حد وكمال فمن صحب الاشياء على حدودها فقد أفلح وأنجح ومن قصر عن حدودها فقد ضيع حقها ومن تجاوز حدها فقد اشرف على هلاك نفسه
وبهذا الإسناد قال أبو علي الثقفي لبعض أصحابه ينبغي ألا تفارق هذه الخلال الأربعة صدق القول وصدق العمل وصدق المودة وصدق الأمانة
وبهذا الإسناد قال أبو علي الثقفي لا يقبل الله من الأعمال إلا ما كان صوابا ومن صوابها إلا ما كان خالصا ومن خالصها إلا ما وافق السنة
وبهذا الإسناد قال أبو علي الثقفي من صحب الأكابر على غير طريق الحرمة حرم فوائدهم وبركات نظرهم ولا يظهر عليه من أنوارهم شيء
وبهذا الإسناد قال أبو علي الثقفي تمام العلم انقطاع الرجاء عن بلوغ كنهه
وبهذا الإسناد قال أبو علي أف من اشغال الدنيا إذا أقبلت وأف من حسراتها إذا أدبرت والعاقل من لا يركن إلى شيء إذا أقبل كان شغلا وإذا أدبر كان حسرة
وبهذا الإسناد قال أبو علي لا تلبس تقويم ما لا يستقيم ولا تأديب من لا يتأدب
____________________
(1/275)
وبهذا الإسناد قال أبو علي العلم حياة القلب من الجهل ونور العين من الظلمة
وبهذا الإسناد قال أبو علي يا من باع كل شيء بلا شيء واشترى لا شيء بكل شيء
وبهذا الإسناد قال أبو علي الفروع الصحيحة لا تتفرع إلا من أصل صحيح فمن أراد أن تصح له أفعاله على السنة فليصحح الإخلاص من قلبه فإن تصحيح ظواهر الأعمال بصحة بواطن الإخلاص
سمعت أبا بكر الرازي يقول حضرت مجلس أبي علي الثقفي فتكلم في المحبة وأحوال المحبين وأنشد في خلال تلك الأحوال هذه الأبيات
( إلى كم يكون الصد في كل ساعة ** وكم لا تملين القطيعة والهجرا )
( رويدك إن الدهر فيه كفاية ** لتفريق ذات البين فارتقبي الدهر )
وبهذا الإسناد قال أبو علي الثقفي من غلبه هواه توارى عنه عقله
وبهذا الإسناد قال أبو علي الغفلة وسعت على الخلق الطرق في معايشهم وأفعالهم والورع واليقظة ضيقت عليهم ذلك
وبهذا الإسناد قال ابو علي المعروف كنز لا يبعد من بر ولا فاجر
وبهذا الإسناد قال أبو علي الثقفي أربعة اشياء لا بد للعاقل من حفظهن الأمانة والصدق والأخ الصالح والسريرة
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت ابا علي الثقفي يقول لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا
____________________
(1/276)
بالرياضة من شيخ أو إمام أو مؤدب أو ناصح ومن لم يأخذ أدبه من آمر له وناه يريه عيوب أعماله ورعونات نفسه لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات
وبهذا الإسناد قال أبو علي ليس شيء أولى بأن تمسكه من نفسك ولا شيء أولى بأن تغلبه من هواك
وبهذا الإسناد قال أبو علي يأتى على هذه الأمة زمان لا تطيب المعيشة فيه لمؤمن إلا بعد استناده إلى منافق
65 ومنهم عبد الله بن منازل وهو أبو محمد عبد الله بن محمد ابن منازل
من أجل مشايخ نيسابور له طريقة يتفرد بها صحب أبا صالح حمدون ابن أحمد القصار وأخذ عنه طريقته وكان عالما بعلوم الظاهر كتب الحديث الكثير ورواه وكان أبو علي الثقفي يحترمه ويبجله ويرفع من مقداره ومحله مات بنيسابور سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وأسند الحديث
____________________
(1/277)
حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن منازل قال حدثنا جعفر بن محمد بن سوار قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الواحد عن إسماعيل بن سميع قال حدثنا أبو رزين قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من اتخذ كلبا ليس بكلب صيد ولا غنم نقص من عمله كل يوم قيراط )
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت عبد الله بن محمد بن منازل يقول لا خير فيمن لم يذق ذل المكاسب وذل السؤال وذل الرد
قال وسمعته يقول من رفع ظل نفسه عن نفسه عاش الناس في ظله
سمعت عبد الله بن محمد بن فضلويه يقول سمعت عبد الله بن محمد بن منازل يقول عبر بلسانك عن حالك ولا تكن بكلامك حاكيا أحوال غيرك
قال وسمعته يقول من ألزم نفسه شيئا لا يحتاج إليه ضيع من أحوال مثله مما يحتاج إليه ولا بد له منه
قال وسمعته يقول وسأله إنسان عن مسألة فأجاب فقال له أعد علي فقال أنا في ندامة ما جرى
قال وسمعته يقول من عظم قدره عند الناس يجب أن يحتقر نفسه عنده ألا ترى أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما اتخذه الله خليلا قال { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } إبراهيم 35
قال وسمعته يقول من دخل في هذا الأمر بضعف قوي فيه ومن دخله بقوة ضعف وافتضح
قال وسمعته وسئل عن العبودية يقول هي اضطرار لا اختيار فيه
____________________
(1/278)
قال وسمعته يقول لا يجتمع التسليم والدعوى بحال
قال وسمعته يقول اترك التكلف والتدبير وانظر إلى الحال والتحويل
قال وسمعته يقول لو صح لعبد في عمره نفس من غير رياء ولا شرك لأثرت بركات ذلك عليه إلى آخر الدهر
قال وسمعته يقول الإنسان عاشق على شقاوة
قال وسمعته يقول يموت الإنسان ولا يخلف بعده شيئا أكثر من التدبير
قال وسمعته يقول ذكر الله تعالى أنواع العبادات فقال { الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار } آل عمران 17 فختم المقامات كلها بمقام الاستغفار ليرى العبد تقصيره في جميع أفعاله وأحواله فيستغفر منها
قال وسمعته يقول كيف ينظر الإنسان إلى أمامه وورائه وهو غائب عن مقامه ووقته
وسمعت عبد الله بن محمد بن فضلويه يقول سمعت عبد الله يقول لم يضيع أحد فريضة من الفرائض إلا ابتلاه الله بتضييع السنن ولم يبتل أحد بتضييع السنن إلا أوشك أن يبتلى بالبدع
قال وسمعت عبد الله يقول التفويض مع الكسب خير من خلوه عنه
قال وسمعته يقول كان الواجب على أبي علي الثقفي أن يتكلم لنفسه لا للخلق لذلك لا يصل إليه بركات كلامه
قال وسمعت عبد الله يقول أحكام الغيب لا تشاهد في الدنيا ولكن تشاهد فضائح الدعوى
قال وسمعت عبد الله يقول لبعض أصحابه قد عشقت نفسك وعشقت من يعشقك
____________________
(1/279)
قال وسمعته يقول العبودية الرجوع في كل شيء إلى الله تعالى على حد الاضطرار
قال وسمعته يقول لا ينبغي أن يتفرغ العبد إلى السنن إلا بعد فراغه من أداء الفرائض
قال وسمعته يقول أنت تظهر دعوى العبودية وتضمر أوصاف الربوبية
قال وسمعته يقول كل فقر لا يكون عن ضرورة لا يكون فيه فضيلة
قال وسمعته يقول من احتجب إلى شيء من علومه فلا تنظر إلى عيوبه فإن نظرك يحرمك بركة الانتفاع بعلمه
66 ومنهم أبو الخير الأقطع
وأصله من المغرب سكن التينات وله آيات وكرامات يطول ذكرها
صحب أبا عبد الله بن الجلاء وغيره من المشايخ وكان أوحد في طريقته
____________________
(1/280)
في التوكل كان يأنس إليه السباع والهوام وكان حاد الفراسة مات سنة نيف وأربعين وثلاثمائة
سمعت منصور بن عبد الله الإصفهاني يقول سمعت أبا الخير الأقطع يقول دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بفاقة فأقمت خمسة ايام ما ذقت ذواقا فتقدمت إلى القبر وسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقلت أنا ضيفك الليلة يا رسول الله وتنحيت ونمت خلف المنبر فرأيت في المنام النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله وعلي بن أبي طالب بين يديه رضي الله عنهم فحركني علي وقال قم قد جاء رسول الله قال فقمت إليه وقبلت بين عينيه فدفع إلي رغيفا فأكلت نصفه وانتبهت فإذا في يدي نصف رغيف
سمعت أبا بكر الرازي يقول أنشدني أبو الخير الأقطع
( أنحل الحب قلبه والحنين ** ومحاه الهوى فما يستبين )
( ما تراه الظنون إلا ظنونا ** وهو أخفى من أن تراه الظنون )
وبهذا الإسناد قال أبو الخير الأقطع القلوب ظروف فقلب مملوء إيمانا فعلامته الشفقة على جميع المسلمين والاهتمام بما يهمهم ومعاونتهم بما يعود صلاحه إليهم وقلب مملوء نفاقا فعلامته الحقد والغل والغش والحسد
سمعت أبا الحسن محمد بن زيد يقول سمعت أبا الخير الأقطع يقول لن يصفو قلبك إلا بتصحيح النية لله تعالى ولن يصفو بدنك إلا بخدمة أولياء الله تعالى
____________________
(1/281)
وبهذا الإسناد قال أبو الخير ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة ومعانقة الأدب وأداء الفرائض وصحبة الصالحين وحرمة الفقراء الصادقين
وبهذا الإسناد قال أبو الخير الأقطع حرام على قلب مأسور بحب الدنيا أن يسيح في روح الغيب
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا الخير الأقطع يقول إن الذاكر لله تعالى لا يقوم له في ذكره عوض فإذا قام له العوض خرج من ذكره
قال وقال أبو الخير الأقطع من لم لم يكن له مع الله صحبة دائمة بمعرفة إطلاعه عليه ومراعاته لتصريف الموارد به ومشاهدة منه قاطعة اعترضت عليه الأحزان من ظهور المحن وتغيير الزمان
قال وقال أبو الخير الدعوى رعونة لا يحتمل القلب إمساكها فيلقيها إلى اللسان فتنطق بها ألسنة الحمقى ولا يعرف الأعمى ما يبصره البصير من محاسنه وقبائحه
67 ومنهم الكتاني وهو محمد بن علي بن جعفر الكتاني وكنيته أبو بكر ويقال أبو عبد الله وأبو بكر اصح
____________________
(1/282)
أصله من بغداد صحب الجنيد وأبا سعيد الخراز وأبا الحسين النوري وأقام بمكة مجاورا بها إلى أن مات
وكان أحد الأئمة حكى عن أبي محمد المرتعش أنه كان يقول الكتاني سراج الحرم
مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة كذلك ذكره لي أبو عبد الله الحسين ابن محمد بن جعفر الرازي
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت محمد بن علي الكتاني يقول إن لله ريحا تسمى الصبيحة مخزونة تحت العرش تهب عند الأسحار تحمل الأنين والاستغفار إلى الملك الجبار
قال وسمعته يقول إذا سألت الله تعالى التوفيق فابدأ بالعمل
قال وسأله بعض المريدين فقال له أوصني فقال كن كما ترى الناس وإلا فأر الناس ما تكون
قال وقال الكتاني كن في الدنيا ببدنك وفي الآخرة بقلبك
قال وسمعته يقول الشكر في موضع الاستغفار ذنب والاستغفار في موضع الشكر ذنب
قال وسمعت الكتاني يقول روعة روعة عند انتباه عن غفلة وانقطاع عن حظ النفسانية وارتعاد من خوف قطيعة أفضل من عبادة الثقلين
قال وسمعته يقول وجود العطاء من الحق شهود الحق بالحق لأن الحق دليل على كل شيء ولا يكون شيء دونه دليلا عليه
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت الكتاني يقول الشهوة زمام الشيطان فمن أخذ بزمامه كان عبده
____________________
(1/283)
قال وسئل الكتاني عن حقيقة الزهد فقال فقد الشيء والسرور من القلب بفقده وملازمة الجهد إلى الموت واحتمال الذل صبرا والرضا به حتى تموت
قال وقيل للكتاني من العارف فقال من يوافق معروفه في أوامره ولا يخالفه في شيء من أحواله ويتحبب إليه بمحبة أوليائه ولا يفتر عن ذكره طرفة عين
قال وسمعت الكتاني يقول الصوفية عبيد الظواهر أحرار البواطن
قال وسمعته يقول سماع العوام على متابعة الطبع وسماع المريدين رغبة ورهبة وسماع الأولياء رؤية الآلاء والنعم وسماع العارفين على المشاهدة وسماع أهل الحقيقة على الكشف والعيان ولكل واحد من هؤلاء مصدر ومقام
قال وسمعت الكتاني يقول الموارد ترد فتصادف شكلا أو موافقة فأي وارد صادف شكلا مازجه وأي وارد صادف موافقا ساكنه
قال وسمعت الكتاني يقول المستمع يجب أن يكون في سماعه غير مستروح إليه يهيج منه السماع وجدا أو شوقا أو غلبة وارد عليه يفنيه عن كل مسكون ومألوف وأنشد على أثره
( فالوجد والشوق في مكاني ** قد منعاني من القرار )
( هما معي لا يفارقاني ** فذا شعاري وذا دثاري )
قال وقال أبو بكر الكتاني إن الله نظر إلى عبيد من عبيده فلم يرهم أهلا لمعرفته فشغلهم بخدمته
سمعت أبا بكر الرازي يقول نظر محمد بن علي الكتاني إلى شيخ كبير
____________________
(1/284)
أبيض الرأس واللحية يسأل فقال هذا رجل أضاع أمر الله في صغره فضيعه الله في كبره
سمعت أبا الحسن القزويني يقول سمعت أبا بكر الكتاني يقول إذا صح الافتقار إلى الله صح الغنى به لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بصاحبه
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت الكتاني يقول الغافلون يعيشون في حلم الله والذاكرون يعيشون في رحمة الله والعارفون يعيشون في لطف الله والصادقون يعيشون في قرب الله
وسمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سئل الكتاني عن السنة التي لم يتنازع فيها أحد من أهل العلم فقال الزهد الزهد في الدنيا وسخاوة النفس ونصيحة الخلق
قالك وسمعت أبا بكر الكتاني يقول من كان الله همه لا يستقطعه من الكون شيء ولا يأسره من زينتها قليل ولا كثير
قال وسئل الكتاني عن المتقي فقال من اتقى ما لهج به العوام من متابعة الشهوات وركوب المخالفات ولزم باب الموافقة وأنس براحة اليقين واستند إلى ركن التوكل وأتته الفوائد من الله عز وجل في كل حال فلم يغفل عنها
قال وسئل أبو بكر الكتاني عن الصوفي فقال من عزفت نفسه عن الدنيا تظرفا وعلت همته عن الآخرة وسخت نفسه بالكل طلبا وشوقا إلى من له الكل
قال وقال محمد بن علي على الكتاني حقائق الحق إذا تجلت لسر أزالت
____________________
(1/285)
عنه الظنون والأماني لأن الحق إذا استولى على سر قهره ولا يبقى للغير معه أثر
قال وقال الكتاني العلم بالله أتم من العبادة له
68 ومنهم النهرجوري وهو أبو يعقوب إسحاق بن محمد
من علماء مشايخهم صحب الجنيد وعمرو بن عثمان المكي وأبا يعقوب السوسي وغيرهم من المشايخ
أقام بالحرم سنين كثيرة مجاورا وبه مات وكان أبو عثمان المغربي يقول ما رأيت في مشايخنا أنور من النهر جوري مات سنة ثلاثين وثلاثمائة
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول في الفناء والبقاء هو فناء رؤية قيام العبد لله وبقاء رؤية قيام الله في الأحكام
قال وسمعت النهرجوري يقول الصدق موافقة الحق في السر والعلانية وحقيقة الصدق القول بالحق في مواطن التهلكة
قال وسمعت النهرجوري يقول العابد يعبد الله تحذيرا والعارف يعرفه تشويقا
وسمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت النهرجوري يقول في قول
____________________
(1/286)
القائل احترسوا من الناس بسوء الظن فقال بسوء الظن بأنفسكم لا بالناس
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت النهرجوري يقول مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب
قال وسمعته يقول من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا ومن كان غناه بالمال لم يزل مفتقرا ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل محروما ومن استعان في أمره بغير الله لم يزل مخذولا
وسمعت أبا الحسين يقول سمعت أحمد بن علي يقول سمعت ابا يعقوب يقول الذي حصل أهل الحقائق في حقائقهم أن الله تعالى غير مفقود فيطلب ولا ذو غاية فيدرك ومن أراد موجودا فهو بالموجود مغرور وإنما الموجود عندنا معرفة حال وكشف علم بلا حال
وسمعت أبا الحسين يقول سمعت إبراهيم بن فاتك يقول سمعت النهرجوري يقول الدنيا بحر والآخرة ساحل والمركب التقوى والناس سفر
وبإسناده قال سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول لا زوال للنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت
وبإسناده قال سمعت النهرجوري يقول في قوله تعالى { وشروه بثمن بخس } يونس 20 قال لو جعلوا ثمنه الكونين لكان بخسا في مشاهدته وما خص به
____________________
(1/287)
وبإسناده قال سمعت النهرجوري يقول مشاهدة الأرواح تحقيق ومشاهدة القلوب تعريف
وبإسناده قال سمعت النهرجوري يقول إذا اقتضاني ربي بعض حقه الذي له قبلي فذاك أوان حزني وإذا أذن في اقتضاء بره فذاك أوان سروري ونعمتي إذا كان بالجود والفضل والوفاء موصوفا والعبد بالعجز والضعف موصوفا
وبهذا الإسناد قال سمعت النهرجوري يقول أعرف الناس بالله أشدهم تحيرا فيه
وسمعت أبا الحسين يقول سمعت إبراهيم بن فاتك يقول سمعت النهرجوري يقول اليقين مشاهدة الإيمان بالغيب
قال وسمعت النهرجوري يقول من عرف الله لم يغتر بالله
قال وسمعت النهرجوري يقول الجمع عين الحق الذي قامت به به الأشياء والتفرقة صفوة الحق من الباطن
وسمعت النهرجوري ينشد ويقول
( العلم بي منك وطأ العذر عندك لي ** حتى اكتفيت فلم تعذل ولم تلم )
( أقام علمك لي فاحتج عندك لي ** مقام شاهد عدل غير متهم )
قال وسمعت النهرجوري يقول لا يصل العارف إلى ربه إلا بقطع القلب عن ثلاثة أشياء العلم والعمل والخلق
قال وسمعت النهرجوري يقول لرجل يا دنيء الهمة فقال لم تقول
____________________
(1/288)
هذا أيها الشيخ قال لأن الله تعالى يقول { قل متاع الدنيا قليل } النساء 77 فانظر كم نصيبك من ذلك القليل وكم في يدك منها وأنت تبخل بها وتريد أن يكرمك الناس بسببها لو بذلتها كنت قد بذلت قليلا ولو منعتها كنت قد منعت قليلا فلا أنت بالمنع ملوم ولا أنت بالبذل محمود
69 ومنهم المزين وهو أبو الحسن علي بن محمد
من أهل بغداد صحب الجنيد وسهل بن عبد الله ومن في طبقتهما من البغداديين واقام بمكة مجاورا ومات بها
وكان من أورع المشايخ وأحسنهم حالا توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة كذلك سمعت أبا عبد الله الرازي يذكر ذلك
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا الحسن المزين يقول الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة
قال وسئل المزين عن المعرفة فقال أن تعرف الله تعالى بكمال الربوبية وتعرف نفسك بالعبودية وتعلم أن الله تعالى أول كل شيء وبه يقوم كل شيء وإليه مصير كل شيء وعليه رزق كل شيء
سمعت عبد الواحد بن بكر الورثاني يقول سمعت محمد بن أحمد النجار يقول سمعت أبا الحسن المزين يقول الطرق إلى الله تعالى بعدد النجوم وأنا مفتقر إلى طريق إليه فلا أجده
____________________
(1/289)
قال وسمعت المزين يقول من طلب الطريق إليه بنفسه تاه في أول قدم ومن أريد به الخير دل على الطريق وأعين على بلوغ المقصد فطوبى لمن كان قصده إلى ربه دون عرض من أعراض الأكوان
قال وسمعت أبا الحسن المزين يقول من استغنى بالله أحوج الله الخلق إليه
سمعت أبا بكر بن شاذان يقول سمعت أبا الحسن المزين يوما وهو بالتنعيم يريد أن يحرم بعمرة يبكي طول طريقه وينشد
( أنافعي دمعي فأبكيك ** هيهات ما لي طمع فيك )
فلم يزل كذلك حتى بلغ باب مكة
وسمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت المزين يقول متى ظهرت الآخرة فنيت فيها الدنيا ومتى ظهر ذكر الله فنيت فيه الدنيا والآخرة فإذا تحققت الأذكار فني العبد وذكره وبقي المذكور بصفاته
قال وسمعت المزين يقول للقلوب خواطر يشوبها شيء من الهوى لكن العقول المقرونة بالتوفيق تزجر عنها وتنهى
قال وسئل أبو الحسن المزين عن التوحيد فقال أن توحد الله بالمعرفة وتوحده بالعبادة وتوحده بالرجوع إليه في كل ما لك وعليك وتعلم أن ما خطر بقلبك أو أمكنك الإشارة إليه فالله تعالى بخلاف ذلك وتعلم أن أوصافه مباينة لأوصاف خلقه باينهم بصفاته قدما كما باينوه بصفاتهم حدثا
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت محمد بن أحمد النجار يقول
____________________
(1/290)
سمعت أبا الحسن المزين يقول من افتقر إلى الله تعالى وصحح فقره إليه بملازمة آدابه أغناه الله به عن كل ما سواه
قال وسمعت المزين يقول ملاك القلب في التبري من الحول والقوة
قال وسمعت المزين يقول من أعرض عن مشاهدة ربه شغله الله بطاعته وخدمته ولو بدا له نجم الاحتراق لغيبه عن وساوس الافتراق
قال ورؤى أبو الحسن يوما متفكرا ثم اغرورقت عيناه فقيل له ما لك أيها الشيخ قال ذكرت أيام تقطعي في إرادتي وقطعي المنازل يوما فيوما وخدمتي لأولئك السادة من اصحابي وتذكرت ما أنا فيه من الفترة عن شريف الأحوال وأنشأ يقول
( منازل كنت تهواها وتألفها ** أيام أنت على الأيام منصور )
قال وسمعت أبا الحسن المزين يقول المعجب بعمله مستدرج والمستحسن لشيء من أحواله ممكور به والذي يظن أنه موصول فهو مغرور وأحسن العبيد حالا من كان محمولا في أفعاله وأحواله لا يشاهد غير واحد ولا يأنس إلا به ولا يشتاق إلا إليه
قال وسئل المزين عن الفقير الصادق فقال الذي يسكن إلى مضمون الله له ويزعجه دخول الأرفاق عليه من أي وجه كان
____________________
(1/291)
70 ومنهم أبو علي بن الكاتب واسمه الحسن بن أحمد
من كبار مشايخ المصريين صحب أبا بكر المصري وأبا علي الروذباري وغيرهما من المشايخ
وهو أوحد مشايخ وقته وكان أبو عثمان المغربي يقول كان أبو علي ابن الكاتب من السالكين وكان يعظمه ويعظم شأنه مات سنة نيف وأربعين وثلاثمائة
سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت ابا علي بن الكاتب يقول إذا انقطع العبد إلى الله بكليته فأول ما يفيده الله الاستغناء به عن سواه
سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن زكريا يقول سمعت معاذ بن محمد التنيسي يقول سمعت أبا علي بن الكاتب يقول المعتزلة نزهوا الله تعالى من حيث العقول فأخطأوا والصوفية نزهوه تعالى من حيث العلم فاصابوا
قال وسمعت أبا علي بن الكاتب يقول يقول الله تعالى وصل إلينا من صبر علينا
قال وسمعت أبا علي بن الكاتب يقول إذا سمع الرجل الحكمة فلم يقبلها فهو مذنب وإذا سمعها ولم يعمل بها فهو منافق
قال وسمعت أبا علي يقول صحبة الفساق داء ودواؤها مفارقتهم
وبهذا الإسناد قال أبو علي إذا سكن الخوف في القلب لم ينطق اللسان إلا بما يعنيه
____________________
(1/292)
سمعت أبا القاسم البصري يقول قيل لأبي علي بن الكاتب إلى أي الجنبتين أنت أميل إلى الفقر أو إلى الغنى فقال إلى أعلاهما رتبة وأسناهما قدرا ثم أنشأ يقول
( ولست بنظار إلى جانب الغنى ** إذا كانت العلياء في جانب الفقر )
( وإني لصبار على ما ينوبني ** وحسبك أن الله أثنى على الصبر )
وبهذا الإسناد قال أبو علي إن الله تعالى يرزق العبد حلاوة ذكره فإن فرح به وشكره آنسه بقربه وإن قصر في الشكر أجرى الذكر على لسانه وسلبه حلاوته
وبهذا الإسناد قال أبو علي بن الكاتب روائح نسيم المحبة تفوح من المحبين وإن كتموها وتظهر عليهم دلائلها وإن أخفوها وتدل عليهم وإن ستروها وأنشد على أثره
( إذا ما أسرت أنفس الناس ذكرها ** تبينه فيهم ولم يتكلموا )
( تطيب به أنفاسهم فيذيعها ** وهل سر مسك أودع الريح يكتم )
وبهذا الإسناد قال أبو علي بن الكاتب الهمة مقدمة الأشياء فمن صحح همته بالصدق أتت عليه توابعه على الصحة والصدق فإن الفروع تتبع الاصول ومن أهمل همته أتت عليه توابعه مهملة والمهمل من الأحوال والأفعال لا يصلح لبساط الحق
____________________
(1/293)
71 ومنهم أبو الحسين بن بنان
وهو من جلة مشايخ مصر صحب أبا سعيد الخراز وإليه ينتمي مات في التيه
سمعت أبا عثمان المغربي يقول كان أبو الحسين يتواجد وأبو سعيد الخراز يصفق له
وحكى أبو عثمان أيضا قال كان أبو الحسين يقول الناس يعطشون في البراري وأنا عطشان وأنا على شط النيل
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله يقول سمعت أبا بكر الزقاق يقول سمعت أبا الحسين بن بنان يقول كل صوفي يكون هم الرزق قائما في قلبه فلزوم العمل أقرب له إلى الله وعلامة ركون القلب والسكون إلى الله أن يكون قويا عند زوال الدنيا وإدبارها عنه وفقده إياها ويكون بما في يد الله أقوى وأوثق منه بما في يده
قال وقال أبو الحسين اجتنبوا دناءة الأخلاق كما تجتنبون الحرام
قال وقال أبو الحسين الحرية أن يكون السر حرا إلا من عبودية سيده يصح له بذلك العبودية للحق والحرية عن الخلق
قال وقال أبو الحسين ذكر الله باللسان يورث الدرجات وذكره بالقلب يورث القربات
____________________
(1/294)
قال وقال أبو الحسين والوحدة جليس الصديقين
قال وسمعت أبا الحسين يقول آثار المحبة إذا بدت ورياحها إذا هاجت أماتت قوما وأحيت قوما وأفنت اسرارا وأبقت أسرارا تؤثر آثارا مختلفة وتبدي سرائر مكنونة وتكشف عن أحوال مستترة
وأنشد على أثره
( وإذا الرياح مع العشي تناوحت ** نبهن حاسدة وهجن غيورا )
قال وسمعت أبا الحسين يقول لا يعظم أقدار الأولياء إلا من كان عظيم القدر عند الله تعالى
72 ومنهم أبو بكر طاهر الأبهري اسمه عبد الله بن طاهر بن حاتم الطائي
كان من أجل المشايخ بالجبل وهو من أقران الشبلي كان عالما ورعا صحب يوسف بن الحسين ورافق مظفرا القرميسيني وغيرهما من المشايخ
سمعت عبد الله بن علي يقول سمعت مهلب بن أحمد المصري يقول ما نفعني صحبة شيخ من المشايخ الذين لقيتهم كما نفعني صحبة أبو بكر عبد الله بن طاهر الأبهري
مات قرب الثلاثين وثلاثمائة وأسند الحديث
____________________
(1/295)
أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن عامر الأبهري المقرئ المعروف بالشافعي قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن طاهر الأبهري الصوفي قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن المطعم بن المقدام وعنبسة بن سعيد الكلاعي عن نصيح العنسي عن ركب المصري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذل في نفسه في غير مسكنة وأنفق مالا جمعه في غير معصية وخالط أهل الفقه والحكمة ورجم أهل الذل والمسكنة طوبى لمن ذل نفسه وطاب كسبه وصلحت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله )
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا بكر بن طاهر يقول الجمع جمع المتفرقات والتفرقة تفرقة المجموعات فإذا جمعت قلت الله ولا سواه وإذا فرقت نظرت إلى الكون
قال وسمعته يقول جمعهم في آدم وفرقهم في ذريته
سمعت عبد الواحد بن محمد يقول سمعت بندار بن الحسين يقول استحسنت لأبي بكر بن طاهر قوله في الإغانة إن الله أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما يكون في أمته من بعده من الخلاف وما يصيبهم فيه فكان إذا ذكر ذلك وجد إغانة في قلبه منه فاستغفر لأمته صلى الله عليه وسلم
سمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت أبا بكر بن طاهر يقول احتياج الاشرار إلى الأخيار صلاح الطائفتين واحتياج الأخيار إلى الأشرار فتنة الطائفتين
قال وسمعته وسئل ما بال الإنسان يحتمل من معلمه ما لا يحتمل من أبويه فقال لأن أبويه سبب حياته الفانية ومعلمه سبب حياته الباقية
____________________
(1/296)
وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ( اغد عالما أو متعلما ولا تكن فيما بين ذلك فتهلك )
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا بكر بن طاهر يقول من حكم الفقير ألا يكون له رغبة فإن كان ولا بد فلا تجاوز رغبته كفايته
وسمعته يقول سمعت أبا بكر يقول إذا أحببت أخا في الله فأقل مخالطته في الدنيا
سمعت علي بن سعيد الثغري يقول سمعت أحمد بن علي الواسطي يقول سمعت أبا بكر بن طاهر ينشد
( كل العذاب الذي في الناس مسترق ** مما بقلبي من شوق وتذكار )
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر بن طاهر يقول في المحن ثلاثة أشياء تطهير وتكفير وتذكير فالتطهير من الكبائر والتكفير من الصغائر والتذكير لأهل الصفاء
سمعت الحسين بن أحمد يقول سألت أبا بكر بن طاهر عن الحقيقة فقال الحقيقة كلها علم فسألته عن العلم فقال العلم كله حقيقة
قال وقال أبو بكر رأيت رجلا يودع الكعبة ويبكي وينشد
( ألا رب من يدنو ويزعم أنه ** يحبك والنائي أود وأقرب )
قال وقال أبو بكر من خاف على نفسه شق عليه ركوب الأهوال ومن شق عليه ركوب الأهوال لا يرتقي إلى سمو المعالي في الأحوال
____________________
(1/297)
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية )
قال وقال أبو بكر التوكل ألا تعجز عن حكم وقتك والمعرفة ألا تضيع وقتك
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت بعض أصحابنا يقول حضرت مع أبي بكر بن طاهر جنازة فرأى إخوان الميت يكثرون البكاء فنظر إلى أصحابه وأنشد
( ويبكي على الموتى ويترك نفسه ** ويزعم أن قد قل عنهم عزاؤه )
( ولو كان ذا عقل ورأي وفطنة ** لكان عليه لا عليهم بكاؤه )
73 ومنهم مظفر القرميسيني
وهو من كبار مشايخ الجبل وجلتهم ومن الفقراء الصادقين صحب عبد الله الخراز ومن فوقه من المشايخ وكان أوحد المشايخ في طريقته
قال مظفر القرميسيني الصوم ثلاثة صوم الروح بقصر الأمل وصوم العقل بخلاف الهوى وصوم النفس بالإمساك عن الطعام والمحارم
وقال التواضع قبول الحق ممن كان
وقال إذا صحت لك مودة أخيك فلا تبال متى يكون الالتقاء
وسئل عن التصوف فقال الأخلاق المرضية
وقال مظفر من صحب الأحداث على شرط السلامة والنصيحة أداه
____________________
(1/298)
ذلك إلى البلاء فكيف بمن صحبهم على غير شروط السلامة
وقال مظفر أخس الأرفاق أرفاق النسوان على أي وجه كان
وقال مظفر من عامل الله بالصدق استوحش من صحبة المخلوقين
وقال مظفر العارف قلبه لمولاه وجسده لخلقه
وقال مظفر من أفقره الله إليه أغناه به ليعرفه بالفقر عبوديته وبالغنى ربوبيته
وقال مظفر من قتله الحب أحياه القرب
وقال مظفر الجوع إذا ساعدته القناعة مزرعة الفكرة وينبوع الحكمة وحياة الفطنة ومصباح القلب
وقال مظفر يحاسب الله المؤمنين يوم القيامة بالمنة والفضل ويحاسب الكفار بالحجة والعدل
وقال مظفر أفضل ما يلقى به العبد ربه نصيحة من قلبه وتوبة من ربه
وقال مظفر ليكن نظرك إلى الدنيا اعتبارا وسعيك فيها اضطرارا ورفضك لها اختيارا
وقال مظفر خير الأرفاق ما فتح الله لك به من وجه حلال من غير طلب ولا سعي
____________________
(1/299)
وقال مظفر في قوله تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا } ( الكهف 110 ) قال عملا يصلح أن يلقى به ربه
وقال مظفر من آواه الله إلى قربه أرضاه بمجاري المقدور عليه فإنه ليس على بساط القربة تسخط
وقال مظفر بصحة الإيمان وكمال التقوى يفتح الله تعالى على العبد خير الدنيا والآخرة قال الله عز وجل { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } الأعراف : 96
وسئل مظفر ما خير ما أعطي العبد قال فراغ القلب عما لا يعنيه ليتفرغ إلى ما يعنيه
وقال مظفر ليس لك من عمرك إلا نفس واحدة فإن لم تفنها فيما لك فلا تفنها فيما عليك
وقال مظفر أفضل أعمال العبيد حفظ أوقاتهم وهو ألا يقصروا في أمر ولا يتجاوزوا عن حد
وقال مظفر من تأدب بآداب الشرع تأدب به متبعوه ومن تهاون بالآداب هلك وأهلك
وقال مظفر من لم يأخذ الأدب عن حكيم لا يتأدب به مريد
____________________
(1/300)
74 ومنهم أبو الحسين بن هند وهو علي بن هند الفارسي القرشي
من كبار مشايخ الفرس وعلمائهم صحب جعفرا الحذاء ومن فوقه من المشايخ بفارس وصحب أيضا الجنيد وعمرا المكي ومن في طبقتهم وكان له الأحوال العالية والمقامات الزكية
سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول سمعت أبا الحسين علي بن هند القرشي يقول ليس حكم ما وصفنا حكم ما نازلنا
وقال سمعت أبا الحسين بن هند يقول المتمسك بكتاب الله هو الملاحظ للحق على دوام الأوقات والمتمسك بكتاب الله لا يخفى عليه شيء من أمور دينه ودنياه بل يجري في أوقاته على المشاهدة لا على الغفلة يأخذ الأشياء من معدنها ويضعها في معدنها
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا الحسين بن هند يقول استرح مع الله ولا تسترح عن الله فإن من استراح مع الله نجا ومن استراح عن الله هلك والاستراحة مع الله تروح القلب بذكره والاستراحة عن الله مداومة الغفلة
قال وسمعته يقول أصلو الخيرات أربعة السخاء والتواضع والنسك وحسن الخلق
قال وسمعته يقول أصل كل خير ملازمة الأدب في جميع الأحوال والأفعال
قال وسمعته يقول عمارة القلب في أربعة أشياء في العلم والتقوى
____________________
(1/301)
والطاعة وذكر الله وخرابه من أربعة أشياء من الجهل والمعصية والاغترار وطول الغفلة
قال وسمعته يقول دم على الصفاء إن كنت تطمع في الوفاء
قال وسمعته يقول في قوله تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا } الكهف 110 قال عملا يصلح أن يلقى به ربه عز وجل
قال وسمعته يقول من آواه الله إلى قربه أرضاه بمجارة المقدور عليه فإنه ليس على بساط القربة تسخط
قال وسمعته يقول الاستقامة تقوم العبيد في أحوالهم لا الأحوال تقومهم
قال وسمعته يقول من أكرمه الله تعالى بمعرفة الحرمة والاحترام للأكابر أوقع حرمته في قلوب الخلق ومن حرم ذلك نزع الله حرمته من قلوبهم فلا تراه إلا ممقوتا وإن حسنت أخلاقه وصلحت أحواله لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من تعظيم جلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم )
قال وسمعت أبا الحسين بن هند يقول من عظم قدر الخلق كلهم عنده فذاك لعلمه بتخصيص خلقهم من بين الحيوانات وذلك من تعظيم الله في أن يعظم ما خصصه الله عز وجل
قال وسمعته يقول حسن الخلق على معان ثلاثة مع الله بترك الشكوى ومع أوامره بالقيام إليها بنشاط وطيب نفس ومع الخلق بالبر والحلم
قال وسمعت أبا الحسين بن هند يقول القلوب أوعية وظروف وكل وعاء وظرف يصلح لنوع من المحمولات فقلوب الأولياء أوعية المعرفة وقلوب العارفين أوعية المحبة وقلوب المحبين أوعية الشوق وقلوب المشتاقين
____________________
(1/302)
أوعية الأنس ولكل من هذه الأحوال آداب من لم يستعملها في أوقاتها هلك من حيث يرجو النجاة
قال وسمعته يقول اجتهد ألا تفارق باب سيدك بحال فإنه ملجأ الكل فمن فارق تلك السدة لا يرى بعدها لقدميه قرارا ولا مقاما
قال وسمعت أبا الحسين بن هند يقول منشدا
( كنت من كربتي أفر إليهم ** فهم كربتي فأين المفر )
75 ومنهم إبراهيم بن شيبان وهو أبو إسحاق القرميسيني
شيخ الجبل في وقته له مقامات في الورع والتقوى يعجز عنها الخلق إلا مثله صحب أبا عبد الله المغربي وإبراهيم الخواص وكان شديدا على المدعين متمسكا بالكتاب والسنة لازما لطريقة المشايخ والأئمة
سمعت عبد الله بن محمد المعلم يقول سئل عبد الله بن محمد بن منازل عن
____________________
(1/303)
إبراهيم بن شيبان فقال إبراهيم حجة الله تعالى على الفقراء وأهل الآداب والمعاملات وأسند الحديث
حدثنا الشيخ أبو زيد محمد بن أحمد الفقيه المروزي قال حدثنا إبراهيم ابن شيبان الزاهد بقرميسين قال حدثنا علي بن الحسن بن أبي الغمر قال حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال حدثنا أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال ( نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنظلة الراهب وحمزة تغسلهما الملائكة )
وسمعت الشيخ أبا زيد يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول من أراد أن يتعطل ويتبطل فليلزم الرخص
سمعت أبا بكر الرازي يقول يقول سمعت إبراهيم يقول إن الخوف إذا سكن القلب أحرق مواضع الشهوات فيه وطرد عنه رغبة الدنيا وبعده عنها فإن الذي قطعهم وأهلكهم محبة الراكنين إلى الدنيا
قال وسمعت إبراهيم يقول علم الفناء والبقاء يدورعلى إخلاص الوحدانية وصحة العبودية وما كان غير هذا فهو المغاليط والزندقة
قال وسمعت إبراهيم يقول السفلة من لا يخاف الله تعالى
قال وسمعته مرة أخرى يقول السفلة من يعصي الله تعالى
قال وسمعته مرة يقول السفلة من يعطي لعوض
____________________
(1/304)
قال وسمعته مرة أخرى يقول السفلة من يمن بعطائه على آخذه
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول التوكل سر بين الله وبين العبد فلا ينبغي أن يطلع على ذلك السر أحد
قال وسمعت إبراهيم يقول من أراد أن يكون حرا من الكون فليخلص في عبادة ربه فمن تحقق في عبادة ربه صار حرا مما سواه
سمعت أبا علي محمد بن إبراهيم القصري يقول سمعت إسحاق بن إبراهيم بن شيبان يقول قال لي أبي يا بني تعلم العلم لآداب الظاهر واستعمل الورع لآداب الباطن وإياك أن يشغلك عن الله شاغل فقل من أعرض عنه فأقبل عليه
قال وسمعت إسحاق يقول قلت يا أبي بماذا أصل إلى الورع فقال لي بأكل الحلال وخدمة الفقراء فقلت له من الفقراء فقال الخلق كلهم فقراء فلا تميز في خدمة من يمكنك من خدمته واعرف فضله عليك في ذلك
قال وسمعت إسحاق يقول سمعت أبي يقول التواضع من تصفية الباطن تلفى بركاته على الظاهر والتكبر من كدورة الباطن تظهر ظلمته على الظاهر
____________________
(1/305)
قال وسمعت إبراهيم يقول أهل المشاهدة لا يغيبون عنه قياما ولا قعودا ولا نائمين ولا منتبهين ولهم أحوال يشتمل عليهم أنوار قربه فيغرقون فيها ولا يتفرغون إلى الخلق وما هم فيه وتلك أحوال الدهشة تراهم دهشين متحيرين غائبين حاضرين غائبين بأسرارهم حاضرين بأبدانهم
سمعت الشيخ أبا زيد الفقيه يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول عوض الله المؤمنين في الدنيا مما لهم في الآخرة بشيئين عوضهم عن الجنة بالجلوس في المساجد وعوضهم عن النظر إلى وجهه تعالى النظر إلى إخوانهم من المؤمنين
قال وسمعت إبراهيم يقول من ترك حرمة المشايخ ابتلي بالدعاوي الكاذبة وافتضح بها
قال وسمعت إبراهيم يقول من تكلم في الإخلاص ولم يطالب نفسه بذلك ابتلاه الله بهتك ستره عند إخوانه وأقرانه
76 ومنهم ابن يزدانيار وهو أبو بكر الحسين بن علي بن يزدانيار
من أهل أرمية له طريقة في التصوف يختص بها وكان ينكر على بعض مشايخ العراق أقوالهم وكان عالما بعلوم الظاهر وعلوم المعاملات والمعارف وأسند الحديث
____________________
(1/306)
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان الرازي قال أخبرنا أبو بكر الحسين بن علي بن يزدانيار الصوفي قال حدثنا محمد بن يونس بن موسى البصري قال حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل قال حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء )
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر بن يزدانيار يقول إياك أن تطمع في الأنس بالله وأنت تحب الأنس بالناس وإياك أن تطمع في حب الله وأنت تحب الفضول وإياك أن تطمع في المنزلة عند الله وأنت تحب المنزلة عند الناس
سمعت أبا الفرج الورثاني يقول سمعت أبا عبد الرحمن الموصلي يقول رأيت ابن يزدانيار في القوم وهو يحدث أصحابه ويقول وردت القيامة فرأيت آدم عليه السلام والناس يسلمون عليه ويصافحونه فذهبت لأصافحه وأسلم فقال أغرب عني أنت الذي وقعت في أولادي الصوفية لقد قرت عيناي بهم فجاء قوم فحالوا بيني وبينه
سمعت أبا الفرج يقول سمعت علي بن إبراهيم الأرموي يقول سمعت ابن يزدانيار يقول تراني تكلمت بما تكلمت به إنكارا على التصوف والصوفية والله ما تكلمت إلا غيرة عليهم حيث أفشوا أسرار الحق وأبدوها إلى غير أهلها فحملني ذلك على الغيرة عليهم والكلام فيهم وإلا فهم السادة وبمحبتهم أتقرب إلى الله تعالى
وسمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر بن يزدانيار وسئل ما
____________________
(1/307)
الفرق بين المريد والعارف فقال المريد طالب والعارف مطلوب والمطلوب مقتول والطالب مرعوب
قال وسمعت ابن يزدانيار يقول المحبة أصلها الموافقة والمحب هو الذي يؤثر رضا محبوبه على كل شيء
قال وسمعت ابن يزدانيار يقول الروح مزرعة الخير لأنها معدن الرحمة والنفس والجسد مزرعة الشر لأنها معدن الشهوة والروح مطبوعة بإرادة الخير والنفس مطبوعة بإرادة الشر والهوى مدبر الجسد والعقل مدبر الروح والمعرفة حاضرة فيها بين العقل والهوى والمعرفة في القلب والهوى والعقل يتنازعان ويتحاربان والهوى صاحب جيش النفس والعقل صاحب جيش القلب والتوفيق من الله مدد العقل والخذلان مدد الهوى والظفر لمن أراد الله سعادته والخذلان لمن اراد الله شقاوته
قال وسمعت ابن يزدانيار يقول رضا الخلق عن الله رضاهم بما يفعله ورضاه عنهم أن يوفقهم للرضا عنه
قال وسمعت ابن يزدانيار يقول المعرفة صحة العلم بالله واليقين النظر بعين القلب إلى ما عند الله تعالى مما وعده وادخره
قال وسمعت ابن يزدانيار يقول المعرفة تحقق القلب بوحدانية الله تعالى
قال وسمعت ابن يزدانيار يقول أيضا المعرفة ظهور الحقائق وتلاقي الشواهد
____________________
(1/308)
قال وسمعت ابن يزدانيار يقول من استغفر الله وهو ملازم للذنب حرم الله والإنابة تعالى عليه التوبة والإنابة إليه
77 ومنهم إبراهيم بن المولد وهو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن المولد
من كبار مشايخ الرقة وفتيانهم صحب أبا عبد الله بن الجلاء الدمشقي وإبراهيم بن داود القصار الرقي وكان من أفتى المشايخ وأحسنهم سيرة وأسند الحديث
أخبرنا نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب العطار بطوس قال حدثنا إبراهيم بن المولد الصوفي بالرقة قال حدثنا محمد بن يوسف بدمشق قال حدثنا سلمان بن العباس بن الوليد الحمصي قال حدثنا عبد الرحمن بن أيوب بن سعيد السكوني قال حدثنا العطاف بن خالد عن نافع عن ابن
____________________
(1/309)
عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو أذن الله لأهل الجنة في التجارة لا تجروا بالبز والعطر )
سمعت علي بن سعد يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول سمعت إبراهيم ابن المولد يقول من كانت بدايته نهايته ونهايته بدايته في الاجتهاد يلزمه في البداية النهاية
قال وسمعت إبراهيم يقول من تولاه رعاية الحق أجل ممن تؤدبه سياسة العلم
قال وسمعت إبراهيم يقول القيام بآداب العلم وشرائعه يبلغ بصاحبه إلى مقام الزيادة والقبول
قال وسمعت إبراهيم يقول إن العبد إذا أصبح كان مطالبا من الله بالطاعة ومن نفسه بالشهوة ومن الشيطان بالمعصية لكن الله تعالى رفق به حيث أمره في ابتداء صباحه بأمر وبعث إليه مناديا يناديه ويندبه إلى أمر الله وهم المؤذنون يؤذنون ويكبرون في أذانهم تكبيرات مكررات يقولون له الله أكبر الله أكبر فيكبر في قلبه أمر سيده فيبادر إلى طاعته ويخالف هوى نفسه وشيطانه فإن بادر إليه أكرمه الله بالظفر على نفسه وغلبته لشهوته وأعانه على عدوه بقطع الوساوس من قلبه فإن من بادر إلى بابه ودخل في حرزه صار غالبا لا مغلوبا
قال وسمعت إبراهيم يقول حلاوة الطاعة بالإخلاص تذهب بوحشة العجب
قال وسمعت إبراهيم يقول عجبت لمن عرف أن له طريقا إلى ربه كيف
____________________
(1/310)
يعيش مع غير الله تعالى والله يقول { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له } الزمر 54
قال وسمعت إبراهيم يقول جبلت الأرواح من الأفراح فهي تعلو أبدا إلى محل الفرح من المشاهدة والأجساد خلقت من الأكماد فهي لا تزال ترجع إلى كمدها من طلب هذه الفانية والاهتمام بها ولها
قال وسمعت إبراهيم يقول من قال به أفناه عنه ومن قال منه أبقاه له
أنشدني منصور بن عبد الله قال أنشدني إبراهيم بن المولد لبعضهم
( لولا مدامع عشاق ولوعتهم ** لبان في الناس عز الماء والنار )
( فكل نار فمن أنفاسهم قدحت ** وكل ماء فمن دمع لهم جاري )
قال وسمعت إبراهيم بن المولد يقول ثمن التصوف فناؤك فيه فإذا فنيت فيه بقيت بقاء الأبد لأن من فني عن حسوسه بقي بمشاهدة المطلوب وذلك بقاء الأبد
قال وسمعت إبراهيم بن المولد يقول الأدب في الأكل ألا يمدوا أيديهم إلى الارفاق إلا في أوقات الضرورات ثم على قدر إمساك الرمق
قال وسمعت إبراهيم يقول من قام إلى أوامر الله كان بين قبول ورد ومن قام إليها بالله كان مقبولا لا شك
قال وسمعت إبراهيم يقول السياحة بالنفس لآداب الظواهر علما
____________________
(1/311)
وخلقا والسياحة بالقلب لآداب البواطن حالا ووجدا وكشفا
قال وسمعت إبراهيم يقول الفترة بعدد المجاهدة من فساد الابتداء والحجب بعد الكشف من السكون إلى الأحوال
قال وسمعت إبراهيم يقول نفسك سائرة بك وقلبك طائر بك فكن مع أسرعهما وصولا
78 ومنهم ابن سالم البصري وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سالم
صاحب سهل بن عبد الله التستري وراوي كلامه لا ينتمي إلى غيره من المشايخ وهو من أهل الاجتهاد وطريقته طريقة أستاذه سهل وله بالبصرة أصحاب ينتمون إليه وإلى ابنه أبي الحسن
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سأل رجل أبا عبد الله بن سالم وأنا أسمع أنحن مستعبدون بالكسب أم بالتوكل فقال التوكل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم والكسب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما استن الكسب لمن ضعف عن حال التوكل وسقط عن درجة الكمال التي هي حال صلى الله عليه وسلم فمن أطاق التوكل فالكسب غير مباح له بحال إلا كسب معاونة لا كسب اعتماد عليه ومن ضعف عن حال التوكل التي هي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيح له طلب المعاش والكسب لئلا يسقط عن درجة سنته حيث سقط عن درجة حاله
____________________
(1/312)
قال وسمعت أبا عبد الله بن سالم يقول من عامل الله تعالى على رؤية السبق ظهرت عليه الكرامات
قال وسمعت أبا عبد الله بن سالم يقول يزول عن القلب ظلم الرياء بنور الإخلاص وظلم الكذب بنور الصدق
قال وسمعت أبا عبد الله بن سالم ويقول من صبر على مخالفة نفسه أوصله الله إلى مقام أنسه
قال وسمعت ابن سالم وسئل بماذا يعرف الأولياء في الخلق فقال بلطف لسانهم وحسن أخلاقهم وبشاشة وجوههم وسخاء أنفسهم وقلة اعتراضهم وقبول عذر من اعتذر إليهم وتمام الشفقة على جميع الخلائق برهم وفاجرهم
قال وسمعت ابن سالم يقول من توكل على الله أسكن الله قلبه نور الحكمة وكفاه كل هم وأوصله إلى كل محبوب فإنه عز وجل يقول { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } الطلاق : 3 أي هو القائم له بكل كفاية
قال وسمعت ابن سالم يقول التوكل على الله فريضة لقوله تعالى { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } ( المائدة 23 ) والحركة في طلب الرزق مباح لمن عجز عن التوكل فإن الله تعالى يقول { كلوا من طيبات ما رزقناكم } البقرة 217 فما يفتح بالطلب والكسب منه طيب وخبيث وما يفتح بالتوكل لا يكون إلا طيبا لأن ذلك من معدن طيب
____________________
(1/313)
قال وسمعت ابن سالم يقول رؤية المنة مفتاح التودد
قال وسمعت ابن سالم يقول يستر عورات المرء عقله وحلمه وسخاؤه ويقومه في كل أحواله الصدق
قال وسمعت ابن سالم يقول اجتهد في المراعاة لتلحقك الرعاية فإن من كان في رعاية الحق في حصن حصين
قال وسمعت ابن سالم يقول من توحد ببثه وتفرد بهمه أورده ذلك إلى رياض تكشف عنه بثه وتزيل عنه همه ومن شكا بثه كان مترددا في الشكوى إلى أن يحكم الله فيه حكمه
قال وسمعت ابن سالم يقول العاقل من تبرم بعشرة المخالفين وزهد في صحبة أبناء الدنيا فإنهم إن لم يشغلوه بها شغلوه عما هو فيه
قال وسمعت ابن سالم يقول ارفع قدرك عن ملازمة الطباع الدنيئة تدس بين ربع الكرم وتعش في محل النعم فإن ألفتها قطعت بك وإن سئمتها بلغ بك إلى ما لا أين ولا حد ولا خبر ولا استخبار إذ ذاك إن حصلت ثم حصلت لك قيمة وكنت إذ ذاك
79 ومنهم محمد بن عليان النسوي وهو محمد بن علي
من كبار مشايخ نسا من قرية بيسمة من جلة أصحاب أبي عثمان وكان محفوظ يقول محمد بن عليان إمام أهل المعارف
____________________
(1/314)
كان يخرج من نسا قاصدا إلى أبي عثمان في مسائل واقعات فلا يأكل ولا يشرب في الطريق حتى يرد نيسابور فيسأله عن تلك المسائل وهو من أعلى المشايخ همة له الكرامات الظاهرة
سمعت محمد بن أحمد الفراء يقول سمعت محمد بن عليان يقول الزهادة في الدنيا مفتاح الرغبة في الآخرة
قال وسمعت ابن عليان يقول من لم يتحقق في وداد ربه ومحبته جعل مكان الوفاء في المحبة غدرا ومكان الألفة نفارا
قال وسمعت ابن عليان يقول كيف لا تحب من لم تنفك من بره طرفة عين وكيف تدعي محبة من لم توافقه طرفة عين
قال وسمعت ابن عليان وسئل ما علامة رضا الله عن العبد فقال نشاطه في الطاعات وتثاقله عن المعاصي
قال وسمعت ابن عليان يقول من أظهر كراماته فهو مدع ومن ظهرت عليه الكرامات فهو ولي
قال وسمعت محمد بن عليان يقول الفقر لباس الأحرار والغنى لباس الأبرار
قال وسمعت محمد بن عليان يقول من صحب الفقراء فليصحبهم على سلامة السر وسخاء النفس وسعة الصدر وقبول المحن بالنعم
قال وسمعت محمد بن عليان يقول أفقر الفقراء من لا يهتدي إلى من يقدر على أن يغنيه
قال وسمعت محمد بن علي يقول آيات الأولياء وكراماتهم رضاهم بما يسخط العوام عن مجاري المقدور
____________________
(1/315)
قال وسمعت محمد بن علي يقول لا يصفو للسخي سخاؤه إلا بتصغيره ورؤية فضل من يقبل منه
قال وسمعت محمد بن علي يقول البر والمروءة حفظ الدين وصيانة النفس وحفظ حرمات المؤمنين والجود بالموجود وقصور الرؤية عنه وعن جميع أفعالك
قال وسمعت محمد بن عليان يقول الخوف له أثر في القلب يؤثر على ظاهر صاحبه الدعاء والتضرع والانكسار
قال وسمعت محمد بن عليان يقول علامة الأولياء خوف الانقطاع عنه لشدة في قلوبهم من الإيثار له والشوق إليه
قال وسمعت ابن عليان يقول من خدم الله تعالى لطلب ثواب أو خوف عقاب فقد أظهر خسته وأبدى طمعه فقبيح بالعبد أن يخدم سيده لعوض
قال وسمعت محمد بن عليان يقول من سكن إلى غير الله تعالى أهمله تعالى وتركه ومن سكن إلى الله تعالى قطع عليه طريق السكون إلى شيء سواه
80 ومنهم أبو بكر بن أبي سعدان وهو أحمد بن سعدان
بغدادي من أصحاب الجنيد والنوري وهو أعلم مشايخ الوقت بعلوم هذه الطائفة وكان عالما بعلوم الشرع مقدما فيه ينتحل مذهب الشافعي وكان أحد أستاذي الشيخ أبي القاسم المغربي ويعرف من علوم الصنعة وغير ذلك وكان ذا لسان وبيان وبلغني أنه كان بطرسوس فطلب من يرسل
____________________
(1/316)
إلى الروم فلم يجدوا مثله في فضله وعلمه وفصاحته وبيانه ولسانه
سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد الرازي يقول سمعت أبا الحسن بن حديق وأبا العباس الفرغاني يقولان لم يبق في هذا الزمان لهذه الطائفة إلا رجلان أبو علي الروذباري بمصر وأبو بكر بن أبي سعدان بالعراق وأبو بكر أفهمهما
سمعت أبا القاسم الرازي يقول سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول من صحب الصوفية فليصحبهم بلا نفس ولا قلب ولا ملك فمتى نظر إلى شيء من اسبابه قطعه ذلك عن بلوغ مقصده
قال وسمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول من علم بعلم الرواية ورث علم الدراية ومن عمل بعلم الدراية ورث علم الرعاية ومن عمل بعلم الرعاية هدي إلى سبيل الحق
قال وسمعت ابن أبي سعدان يقول الشكر أن يشكر على البلاء شكره على النعماء
قال وسمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول من سمع بأذنه حكى ومن سمع بقلبه وعى ومن عمل بما يسمع هدى واهتدى
سمعت ابا بكر الرازي يقول قال ابن أبي سعدان الانقطاع عن الأحوال سبب الوصول إلى الله تعالى
قال لو سمعت ابن أبي سعدان يقول من قابله بأفعاله قابله بعدله ومن قابله بإفلاسه قابله بفضله ولا عمل أتم من الصدق ولا أنور ولا أبلغ منه وقد قال الله عز وجل { ليسأل الصادقين عن صدقهم } الأحزاب : 8
____________________
(1/317)
تراه يقوم بحقيقة صدقه أو بالجواب عن سؤاله والأنبياء عجزوا حيث سألوا { ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا } المائدة 109
قال وسمعته يقول الصابر على رجائه لا يقنط من فضله
قال وسمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول الاعتصام بالله هو الامتناع به من الغفلة والمعاصي والبدع والضلالات
قال وسمعته يقول من جلس للمناظرة على الغفلة لزمته ثلاثة عيوب
أولها جدال وصياح وهو المنهي عنه وأوسطها حب العلو على الخلق وهو المنهي عنه وآخرها الحقد والغضب وهو المنهي عنه ومن جلس للمناصحة فإن أول كلامه موعظة وأوسطه دلالة وآخره بركة
قال وسمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول من لم ينظر في التصوف فهو غبي
قال وسمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول إذا بدت الحقائق سقطت آثار الفهوم والعلوم وبقي لها الرسم الجاري لمحل الأمر وسقط منه حقائقها
قال وسمعت ابن أبي سعدان يقول خلقت الأرواح من النور وأسكنت ظلم الهياكل فإذا قوى الروح جانس العقل وتواترت الأنوار وأزالت عن الهياكل ظلمتها فصارت الهياكل روحانية بأنوار الروح والعقل فانقادت ولزم طريقتها ورجعت الأرواح إلى معدنها من الغيب تطالع مجاري الأقدار فهذه تطالع الجاري من الأقدار وهذه ترضي بموارد القضاء والقدر وهذا من لطائف الأحوال
قال وسمعت ابن أبي سعدان يقول الصوفي هو الخارج عن النعوت
____________________
(1/318)
والرسوم والفقير هو الفاقد للأسباب ففقد السبب أوجب له اسم الفقر وسهل له الطريق إلى المسبب وصفاء الصوفي عن النعوت والرسوم ألزمه اسم التصوف فصفى عن ممازجة الأكوان كلها بمصافاة من صافاه في الأزل بالأنوار والمبار
قال وسمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول أول قسمة قسمت للنفس من الخيرات الروح ليتروح به من مساكنة الأغيار ثم العلم ليدله على رشده ثم العقل ليكون مشيرا للعلم إلى درجات المعارف ومشيرا للنفس إلى إلى قبول العلم وصاحبا للروح في الجولان في الملكوت
____________________
(1/319)
الطبقة الخامسة من ائمة الصوفية
81 ومنهم سعيد بن الأعرابي واسمه أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم العنزي
بصري الأصل سكن بمكة وكان في وقته شيخ الحرم ومات بها صنف للقوم كتبا كثيرة وصحب أبا القاسم الجنيد بن محمد وعمرو بن عثمان المكي وأبا الحسين النوري وحسنا المسوحي وأبا جعفر الحفار وأبا الفتح الحمال وكان من جلة مشايخهم وعلمائهم مات سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة واسند الحديث ورواه وكان ثقة
أخبرنا محمد بن الحسن بن الخشاب البغدادي قال أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي الصوفي بمكة قال أخبرنا أبو يحيى محمد ابن سعيد بن غالب الضرير قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تسبوا
____________________
(1/320)
أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول إن الله تعالى طيب الدنيا للعارفين بالخروج منها وطيب الجنة لأهلها بالخلود فيها فلو قيل للعارف إنك تبقى في الدنيا لمات كمدا ولو قيل لأهل الجنة إنكم تخرجون منها لماتوا كمدا فطابت الدنيا بذكر الخروج منها وطابت الجنة بذكر الخلود فيها
قال وسمعت ابن الأعرابي يقول أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد
سمعت محمد بن الحسن بن الخشاب يقول سمعت ابن الأعرابي يقول المعرفة كلها الاعتراف بالجهل والتصوف كله ترك الفضول والزهد كله أخذ ما لا بد منه وإسقاط ما بقي والمعاملة كلها استعمال الأولى فالأولى من العلم والتوكل كله طرح الكنف والرضا كله ترك الاعتراض والمحبة كلها إيثار المحبوب على الكل والعافية كلها إسقاط التكلف والصبر كله تلقي البلاء بالرحب والتفويض كله الطمأنينة عند الموارد واليقين كله ترك الشكوى عندما يضاد مرادك والثقة بالله علمك أنه بك وبمصالحك أعلم منك بنفسك
سمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت أبا سعيد يقول إن الله تعالى أعار بعض أخلاق أوليائه أعداءه ليستعطف بهم على أوليائه
قال وسمعت أبا سعيد يقول القلوب إذا أقبلت روحت بالأرفاق وإذا
____________________
(1/321)
أدبرت ردت إلى المشاق
قال وسمعت أبا سعيد يقول من أصلح الله همته لا يتبعه بعد ذلك ركوب الأهوال ولا مباشرة الصعاب وعلا بعلو همته إلى أسنى المراتب وتنزه عن الدناءة أجمع
قال وسمعت أبا سعيد يقول اشتغالك بنفسك يقطعك عن عبادة ربك واشتغالك بهموم الدنيا يقطعك عن هموم الآخرة ولا عبد أعجز من عبد نسي فضل ربه وعد عليه تسبيحه وتكبيره الذي هو إلى الحياء منه أقرب من طلب ثواب عليه أو افتخار به
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا سعيد بن الأعرابي بمكة يقول ثبت الوعد والوعيد من الله تعالى فإن كان الوعد قبل الوعيد فالوعيد تهديد وإن كان الوعيد قبل الوعد فالوعيد منسوخ وإذا اجتمعا معا فالغلبة والثبات للوعد لأن الوعد حق العبد والوعيد حقه عز وجل والكريم يتغافل عن حقه ولا يهمل ويترك ما عليه
قال وسمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول إن الله تعالى جعل نعمته سببا لمعرفته وتوفيقه سببا لطاعته وعصمته سببا لاجتناب معصيته ورحمته سببا للتوبة والتوبة سببا لمغفرته والدنو منه
قال وسمعت أبا سعيد يقول إن الله تعالى خلق ابن آدم من الغفلة وركب فيه الشهوة والنسيان فهو كله غفلة إلا أن يرحم الله عبدا فينبهه وأقرب الناس إلى التوفيق من عرف نفسه بالعجز والذل والضعف وقلة الحيلة مع التواضع لله وقل من ادعى في أمره قوة إلا خذل ووكل إلى قوته
سمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت أبا سعيد يقول مدارج العلوم بالوسائط ومدارج الحقائق بالمكاشفة
____________________
(1/322)
قال وسمعت أبا سعيد يقول من طلب الطريق إليه وصل إلى الطريق بجهد واجتهاد ومجاهدة ومن طلبه استغنى عن الطريق والأدلة وكان الحق دليله إليه وموصله لا غير
قال وسئل أبو سعيد ما الذي ترضى من أوقاتك فقال الأوقات كلها لله تعالى وأحسن الأوقات وقت يجري الحق فيه علي ما يرضيه عني
قال وسئل أبو سعيد عن أخلاق الفقراء فقال أخلاقهم السكون عند الفقر والاضطراب عند الوجود والأنس بالهموم والوحشة عند الأفراح
قال وسمعت أبا سعيد يقول العارفون بين ذائق وشائق ووامق فالمقة شاقتهم والشوق ذوقهم فمن ذاق في شوق فروى سكن وتمكن ومن ذاق فيه من غير ري أورثه الإنزعاج والهيمان
82 ومنهم أبو عمرو الزجاجي واسمه محمد بن إبراهيم بن يوسف ابن محمد
نيسابوري الأصل صحب أبا عثمان والجنيد والنوري ورويما وإبراهيم الخواص دخل مكة وأقام بها وصار شيخها والمنظوم إليه فيها حج قريبا من ستين حجة
سمعت جدي رحمه الله يقول كنت بمكة وكان بها الكتاني والنهرجوري والمرتعش وغيرهم من المشايخ فكانوا يعقدون حلقة وصدر
____________________
(1/323)
الحلقة لأبي عمرو وإذا تكلموا في شيء رجع جميعهم إلى ما يقول أبو عمرو
وسمعت ابا عثمان المغربي يقول كان أبو عمرو من السالكين
وآياته وفضائله أكثر من أن تحصى وتعد وقيل إنه لم يبل ولم يتغوط في الحرم أربعين سنة وهو مقيم به توفي بمكة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول المعرفة على ستة أوجه معرفة الوحدانية ومعرفة التعظيم ومعرفة المنة ومعرفة القدرة ومعرفة الأزل ومعرفة الأسرار
سمعت جدي يقول سئل أبو عمرو الزجاجي ما بالك تتغير عن التكبيرة الأولى في الفرائض فقال لأني افتتح فريضتي بخلاف الصدق فمن يقل الله أكبر وفي قلبه شيء أكبر منه أو قد كبر شيئا سواه على مرور الأوقات كذب نفسه على لسانه
قال وسمعت أبا عمرو الزجاجي يقول من تكلم على حال لم يصل إليه كان كلامه فتنة لمن يسمعه ودعوى تتولد في قلبه وحرمه الله الوصول إلى ذلك الحال وبلوغه
سمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت أبا عمرو يقول قسم الله الرحمة لمن اهتم بأمر دينه
قال وسئل أبو عمرو عن الحمية فقال الحمية في القلوب تصحيح الإخلاص وملازمته والحمية في النفوس ترك الدعوى ومجانبتها
قال وسمعت أبا عمرو يقول الحمية ترك الشكوى من البلوى بل
____________________
(1/324)
استلذاذ البلوى إذ الكل منه فمن أسخطه وارد من محبوبه يبين عليه نقصان محبته
قال وسئل أبو عمرو عن السماع فقال ما أدون حال من يحتاج إلى مزعج يزعجه إليه السماع من ضعف الحال ولو قوي لاستغنى عن السماع والأوتار
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا عمر الزجاجي يقول من جاور بالحرم وقلبه متعلق بشيء سوى الله تعالى فقد أظهر خسارته
قال وسمعت أبا عمرو الزجاجي يقول من تشوف بالحرم رفقا من غير من جاوره بعده الله تعالى عن جواره ووكل بقلبه الشح وأطلق لسانه بالشكوى ومسح قلبه عن المعارف وأظلمه عن أنوار اليقين ووكله إلى حوله وقوته ومقته عند خلقه
قال وسمعت أبا عمرو الزجاجي يقول الضرورة ما تمنع صاحبها عن القال والقيل والخبر والاستخبار وتشغله بالاهتمام بوقته عن التفرغ إلى أوقات غيره
سمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول كان الناس في الجاهلية يتبعون ما تستحسنه عقولهم وطبائعهم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فردهم إلى الشريعة والاتباع فالعقل الصحيح هو الذي يستحسن محاسن الشريعة ويستقبح ما تستقبحه
سمعت أبا عبد الله الكرماني يقول قال رجل لأبي عمرو الزجاجي كيف الطريق إلى الله تعالى فقال له أبو عمرو أبشر فشوقك إليه أزعجك لطلب دليل يدلك عليه
____________________
(1/325)
قال قال أبو عمرو قلبك أعرف أدلتك إذا ساعده التوفيق فدع ما أنكره قلبك فقل قلب يسكن إلى المخالفة على دوام الأوقات
83 ومنهم جعفر الخلدي وهو جعفر بن محمد بن نصير أبو محمد الخواص
بغدادي المنشأ والمولد صحب الجنيد بن محمد وعرف بصحبته وصحب أبا الحسين النوري ورويما وسمنون وأبا محمد الجريري وغيرهم من مشايخ الوقت وكان المرجع إليه في علوم القوم وكتبهم وحكاياتهم وسيرهم
سمعت الحسين بن محمد بن جعفر الرازي يقول سمعت جعفر بن محمد ابن نصير يقول عندي مائة ونيف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية قال فقلت له عندك من كتب محمد بن علي الترمذي شيئا فقال لا ما عددته في الصوفية
كان من أفتى المشايخ وأجلهم وأحسنهم قولا حج قريبا من ستين حجة
وتوفي ببغداد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وقبره بالشونيزية عند قبر
____________________
(1/326)
سري السقطي والجنيد وأسند الحديث ورواه
أخبرنا يوسف بن عمر بن مسرور الزاهد ببغداد قال حدثنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي إملاء قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا أزهر بن سنان القرشي قال حدثنا محمد بن واسع قال قدمت مكة فلقيت بها سالم بن عبد الله بن عمر فحدثني عن أبيه عن جده عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة أو قال بنى له بيتا في الجنة ) شك يزيد
قال فقدمت خراسان فلقيت قتيبة بن مسلم فقلت أتيتك بهدية فحدثته بالحديث فكان قتيبة يركب في موكبه فيأتي السوق فيقولها ثم ينصرف
سمعت أبا الفتح القواس الزاهد ببغداد يقول سمعت جعفر بن محمد الخلدي يقول لا يجد العبد لذة المعاملة مع لذة النفس لأن أهل الحقائق قطعوا العلائق التي تقطعهم عن الحق قبل أن تقطعهم العلائق
قال وقال جعفر الفرق بين الرياء والإخلاص أن المرائي يعمل ليرى والمخلص يعمل ليصل
قال قال جعفر الفتوة احتقار النفس وتعظيم حرمة المسلمين
سمعت أبا القاسم العباس بن محمد بن العباس الخلال بمرو يقول سمعت
____________________
(1/327)
جعفر الخلدي يقول سمعت الجنيد وسئل عن التصوف يقول العلو إلى كل خلق شريف والعدول عن كل خلق دنيء فسأله السائل فقال ما تقول أنت فقال مثل قوله ثم قال المتناهي في حاله يتوقى كل شيء ويدخل في كل شيء ويأخذ من كل شيء ولا يسترقه شيء ولا يأخذ منه شيء واستدل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم في أوليته إذا رأى نزول الوحي عليه يقول دثروني دثروني حتى تمكن
قال وسمعت جعفر الخلدي يقول كن لله عبدا خالصا تكن عن الأغيار حرا
سمعت الحسين بن يحيى الشافعي يقول سمعت جعفر الخلدي وسئل عن التوكل فقال استواء القلب عند الوجود والعدم بل الطرب عند العدم والخمول عند الوجود بل الاستقامة مع الله تعالى على الحالين
قال وسمعت بعض أصحاب جعفر يقول مررت معه بمقبرة الشونيزية وامرأة تبكي بكاء وتندب على قبر فقال لها جعفر ما لك فقالت ثكلى بولدي فأنشد جعفر يقول
( يقولون ثكلى ومن لم يذق ** فراق الأحبة لم يثكل )
( لقد جرعتني ليالي الفراق ** شرابا أمر من الحنظل )
سمعت أبا القاسم الخلال بمرو يقول سمعت جعفر يقول لرجل كن شريف الهمة فإن الهمم تبلغ بالرجال لا المجاهدات
قال وسمعت جعفر يقول سعي الأحرار لإخوانهم لا لأنفسهم
قال قال جعفر لبعض أصحابه اجتنب الدعاوي والتزم الأوامر فكثيرا
____________________
(1/328)
ما كنت أسمع سيدنا الجنيد يقول من لزم طريقة المعاملة على الإخلاص أراحه الله من الدعاوي الكاذبة
سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت جعفر الخلدي يقول إن ما بين العبد وبين الوجود أن تسكن التقوى قلبه فإذا سكن التقوى قلبه نزل عليه بركات العلم وطردت رغبة الدنيا عنه
قال وسئل جعفر عن الزهد فقال من أراد أن يزهد فليزهد أولا في الرياسة ثم ليزهد في قدر نصيب نفسه ومراداتها
قال قال جعفر المجاهدات في السياحات والسياحة سياحتان سياحة النفس ليجول في الملكوت فيورد على صاحبه بركات بركات مشاهدات الغيوب فيطمئن القلب عند الموارد لمشاهدة الغيوب وتطمئن النفس عن المرادات لبركة آثار القدرة عليه
قال وسئل جعفر عن العقل فقال العقل ما يبعدك عن مراتع الهلكة
قال وقال جعفر المحب يجهد في كتمان حبه وتأبى المحبة إلا الاشتهار وكل شيء ينم على الحب حتى يظهره
قال وأنشدنا جعفر في خلال كلام لبعضهم
( زائر نم عليه حسنه ** كيف يخفى الليل بدرا طلعا )
( راقب الغفلة حتى أمكنت ** ورعا الحارس حتى هجما )
( ركب الأهوال في زورته ** ثم ما سلم حتى ودعا )
قال وسئل عن قوله تعالى { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله }
____________________
(1/329)
المائدة 5 فقال من لا يجتهد في معرفته لا يقبل خدمته
قال وقال جعفر من ألقى إليه الصلاح التزم الحرمة للخلق ومن ألقى إليه روح الصديقية طالب نفسه بالصدق في أحواله ومن ألقى إليه روح المعرفة عرف موارد الأمور ومصادرها ومن ألقى إليه روح المشاهدة أكرم بالعلم اللدني
84 ومنهم أبو العباس السياري واسمه القاسم بن القاسم بن مهدي ابن بنت أحمد بن سيار
كان من أهل مرو وشيخهم وأول من تكلم عندهم من أهل بلدهم في حقائق الأحوال صحب أبا بكر محمد بن موسى الفرغاني الواسطي وإليه ينتمي في علوم هذه الطائفة وكان أحسن المشايخ لسانا في وقته يتكلم في علوم التوحيد على لسان الجبر وجميع من بكورته من أهل السنة فهم أصحابه كان فقيها عالما كتب الحديث الكثير ورواه توفي سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وأسند الحديث
أخبرنا عبد الواحد بن علي السياري قال حدثنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري حدثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه أخبرنا عبد الله بن عثمان قال قرأت على أبي حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر )
____________________
(1/330)
وأخبرنا عبد الواحد بن علي قال أخبرنا خالي أبو العباس قال حدثنا أحمد بن عباد بن سليمان وكان من الزهاد قال حدثنا محمد بن عبيدة النافقاني قال حدثنا عبد الله بن عبيد بن العامري حدثنا سورة بن شداد الزاهد عن سفيان الثوري عن إبراهيم بن أدهم عن موسى بن يزيد عن أويس القرني عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد ما من عبد يدعو بهذه الأسماء إلا وجبت له الجنة إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرءوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الرشيد الصبور مثل حديث الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه
سمعت عبد الواحد بن علي السياري يقول سمعت خالي أبا العباس السياري يقول كيف السبيل إلى ترك ذنب كان عليك في اللوح
____________________
(1/331)
المحفوظ محفوظا أو إلى صرف قضاء كان به العبد مربوطا
قال وسمعته يوما وقيل له بم يروض المريد نفسه وكيف يروضها فقال بالصبر على الأوامر واجتناب النواهي وصحبة الصالحين وخدمة الرفقاء ومجالسة الفقراء والمرء حيث وضع نفسه ثم تمثل وأنشد يقول
( صبرت على اللذات حتى تولت ** وألزمت نفسي هجرها فاستمرت )
( وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ** فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت )
( وكانت على الأيام نفس عزيزة ** فلما رأت عزمي على الذل )
قال وقال أبو العباس الأغنياء أربعة غني بالله وغني بغنى الله قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الغني غني القلب ) وغني باليقين قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كفى باليقين غنى ) وغني لا يذكر غنى ولا فقرا لما ورد على سره من هيبة القدرة
سمعت عبد الواحد بن علي قال سئل أبو العباس عن المعرفة فقال حقيقة المعرفة الخروج عن المعارف
قال وقال أبو العباس ايضا حقيقة المعرفة ألا يخطر بالقلب ما دونه
قال وقال أبو العباس ما التذ عاقل بمشاهدة قط لأن مشاهدة الحق فناء ليس فيه لذة ولا التذاذ ولا حظ ولا احتظاظ
قال وقال أبو العباس من عرف الله خضع له كل شيء لأنه عاين أثر ملكه فيه
____________________
(1/332)
قال وقال أبو العباس ما نطق أحد عن الحق إلا من كان محجوبا
قال وقال أبو العباس الحق إذا لاحظ عبدا ببره غيبه عن كل مكروه في وقته وإذا لاحظه بسخطه أظهر عليه من الوحشة ما يهرب منه كل أحد
قال وقال أبو العباس من حفظ قلبه مع الله بالصدق أجرى الله على لسانه الحكمة
قال قال أبو العباس الخطرة للأنبياء والوسوسة للأولياء والفكرة للعوام والعزم للفتيان
قال وسئل أبو العباس عن قوله تعالى { وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها } الفتح 26 فقال أهلهم في الأزل للتقوى فأظهر عليهم في الوقت كلمة الإيمان والإخلاص
قال وقال أبو العباس ما استقام إيمان عبد حتى يصبر على الذل مثل ما يصير على العز
قال وقال أبو العباس حسوس قصرت عن أوائلها فتخلفت عن أواخرها وغذيت بما لا خطر له كيف يمر بها ذكر بارئها
قال وقال أبو العباس ظلم الأطماع تمنع أنوار المشاهدات
سمعت عبد الواحد بن علي يقول قال أبو العباس الربوبية نفاذ الأمر والمشيئة والتقدير والقضية والعبودية معرفة المعبود والقيام بالعهود
قال وسمعت أبا العباس يقول في قوله تعالى { كل يوم هو في شأن } الرحمن 29 قال إظهار غائب وتغييب ظاهر
____________________
(1/333)
قال وقال له رجل أوصني فقال كن شريف الهمة قريب المنظر بعيد المأخذ عزيزا غريبا
قال وقال أبو العباس لباس الهداية للعامة ولباس الهيبة للعارفين ولباس الزينة لأهل الدنيا ولباس اللقاء للأولياء ولباس التقوى لأهل الحضور قال الله تعالى { ولباس التقوى ذلك خير } الأعراف 26
قال وقال أبو العباس قيل لبعض الحكماء من أين معاشك قال من عند من ضيق المعاش على من شاء من غير علة ووسع على من شاء من غير علة
قال وقال أبو العباس من دقق النظر في أمر دينه وسع عليه الصراط في وقته ومن وسع النظر في أمر دينه ضيق عليه الصراط في وقته ومن غاب عن حقوقه بحقوقه تعالى غاب عن كل شدة وعقوبة
سمعت عبد الواحد بن علي السياري يقول سمعت أبا العباس السياري يقول لو جاز أن يصلي ببيت من الشعر لجاز أن يصلي بهذا البيت
( أتمنى على الزمان محالا ** أن ترى مقلتاي طلعة حر )
قال وسمعت أبا العباس السياري يقول ما أظهر الله تعالى شيئا إلا تحت ستره وستر سيئة الأشياء عن الاشياء حتى لا يستوي علمان ولا معرفتان ولا قدرتان
قال وكثيرا ما كان أبو العباس ينشد هذين البيتين
____________________
(1/334)
( فلما استنار أدرج ضوؤه ** بأسفاره أنوار ضوء الكواكب )
( يجرعهم كأسا لو ابتلى اللظى ** يتحريقه طارت كأسرع ذاهب )
85 ومنهم أبو بكر الدقي وهو أبو بكر محمد بن داود الدينوري
أقام بالشام وعمر فوق مائة سنة وكان من أقران أبي علي الروذباري إلا أنه عمر صحب أبا عبد الله بن الجلاء وإليه كان ينتمي وكان من أجل مشايخ وقته وأحسنهم حالا وأقدمهم صحبة للمشايخ وصحب أيضا أبا بكر الزقاق الكبير وأبا بكر المصري مات بعد الخمسين وثلاثمائة
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت محمد بن داود الدقي وسئل عن الفرق بين الفقر والتصوف فقال الفقر حال من أحوال التصوف
فقيل له ما علامة الصوفي فقال أن يكون مشغولا بكل ما هو أولى به من غيره ويكون معصوما عن المذمومات
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر الدقي يقول علامة القرب الانقطاع عن كل شيء سوى الله تعالى
____________________
(1/335)
سمعت أبا عبد الله الرازي يقول سمعت الدقي يقول كم من مسرور سروره بلاؤه وكم من مغموم غمه نجاته
قال وسمعت الدقي يقول الفقير هو الذي عدم الأسباب من ظاهره وعدم طلب الأسباب من باطنه
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت الدقي يقول من عرف ربه لم ينقطع رجاؤه ومن عرف نفسه لم يعجب بعلمه ومن عرف الله لجأ إليه ومن نسي الله لجأ إلى المخلوقين والمؤمن لا يسهو حتى يغفل فإذا تفكر حزن واستغفر
وسمعته يقول سمعت أبا بكر الدقي يقول كلام الله تعالى إذا اضاء على السرائر بإشراقه أزال البشرية برعوناتها
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سئل الدقي عن سوء أدب الفقراء مع الله تعالى في أحوالهم فقال ذاك انحطاطهم عن حقيقة العلم إلى ظاهر العلم
قال وسمعت الدقي يقول المعدة موضع لجمع الأطعمة فإذا طرحت فيها الحلال صدرت الأعضاء الصالحة وإذا طرحت فيها الشبهة اشتبه عليك الطريق إلى الله تعالى وإذا طرحت فيها الحرام كان بينك وبين الله حجاب
سمعت أبا عبد الله الرازي يقول سمعت أبا بكر الدقي يقول إن القلوب التي نزهت عن العيوب لتأييد ورد عليها من الغيوب
قال وسمعت أبا بكر الدقي يقول الإخلاص أن يكون ظاهر الإنسان وباطنه وسكونه وحركاته خالصا لله لا يشوبه حظ نفس ولا هوى ولا خلق ولا طمع
____________________
(1/336)
قال وسمعته يقول خلق الله تعالى الخلائق كلهم متحركين يدبون على الأرض وجعل الحياة منهم لأهل المعرفة فالخلق متحركون في أسبابهم وأهل المعرفة أحياء بحياة معروفهم فلا حياة حقيقة إلا لأهل المعرفة لا غير
86 ومنهم عبد الله الرازي وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الرازي الشعراني
رازي الاصل ومولده ومنشأه بنيسابور صحب الجنيد بن محمد وأبا عثمان ومحمد بن الفضل ورويما وسمنون ويوسف بن الحسن وأبا علي الجوزجاني ومحمد بن حامد وغيرهم من مشايخ القوم وهو من جلة أصحاب أبي عثمان وكان أبو عثمان يكرمه ويجله ويعرف له محله
وهو من أجل مشايخ نيسابور في وقته له من الرياضات ما يعجز عنها إلا أهلها وكان عالما بعلوم الطائفة وكتب الحديث الكثير ورواه وكان ثقة مات سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وأسند الحديث
أخبرنا عبد الله الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الرازي الصوفي قال حدثنا يحيى بن أحمد بن جبلة قال حدثنا أبي قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة
سمعت أبا علي بن جمشاد الصائغ يقول سمعت عبد الله الرازي يقول وسئل أو سألته ما بال الناس يعرفون عيوبهم وعيوب ما هم فيه ولا ينتقلون من ذلك ولا يرجعون إلى طريق الصواب فقال لأنهم اشتغلوا بالمباهاة بالعلم ولم يشتغلوا باستعماله بآداب الظواهر وتركوا آداب
____________________
(1/337)
البواطن فأعمى الله قلوبهم عن النظر إلى الصواب وقيد جوارحهم عن العبادات
سمعت عبد الله بن محمد المعلم يقول سمعت عبد الله الرازي يقول العارف لا يعبد الله على موافقة الخلق بل يعبده على موافقته عز وجل
سمعت أبا نصر محمد بن أحمد يقول سمعت عبد الله الرازي يقول دلائل المعرفة العلم والعمل بالعلم والخوف على العمل
قال وقال عبد الله المعرفة تهتك الحجب بين العبيد وبين مولاهم والدنيا هي التي تحجبهم عن مولاهم
قال وقال عبد الله الرازي الخلق كلهم يدعون المعرفة ولكنهم عن صدق المعرفة بمعزل وصدق المعرفة خص بها الأنبياء صلوات الله عليهم والسادة من الأولياء رضي الله عنهم
سمعت عبد الله بن محمد المعلم يقول سمعت عبد الله الرازي يقول من أراد أن يعرف محل نفسه ومتابعتها للحق أو مخالفتها له فلينظر إلى من يخالفه في مراد له كيف يجد نفسه عند ذلك فإن لم تتغير فليعلم أن نفسه متابعة للحق
قال وسمعت عبد الله الرازي يقول قيل لبعض العارفين ما الذي حبب إليك الخلوة ونفى عنك الغفلة قال وثبة الأكياس من فخ الدنيا
قال وسمعت عبد الله الرازي يقول من لم يغتنم السكوت فإنه إذا نطق نطق بلغو
سمعت أبا نصر الحراني يقول قلت لعبد الله الرازي علمني دعاء أدعو
____________________
(1/338)
به فقال لي قل اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة وهب لنا تصحيح المعاملة بيننا وبينك على السنة وصدق التوكل عليك وحسن الظن بك وامنن علينا بكل ما يقربنا منك مقرونا بالعوافي في الدارين
87 ومنهم أبو عمرو بن نجيد وهو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن سالم بن خالد السلمي جدي لأمي رحمه الله
صحب أبا عثمان الحيري وهو من كبار أصحابه وهو آخر من مات من أصحاب أبي عثمان ولقي الجنيد وكان من أكبر مشايخ وقته له طريقة ينفرد بها من تلبيس الحال وصون الوقت سمع الحديث ورواه وأسند الحديث وكان ثقة مات سنة ست وستين وثلاثمائة
حدثنا جدي إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن فضيل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها
وسمعته يقول من لم تهذبك رؤيته فأعلم أنه غير مهذب
وسمعت جدي وسئل ما التصوف فقال الصبر تحت الأمر والنهي
وسمعته وسئل ما التوكل فقال أدناه حسن الظن بالله عز وجل
____________________
(1/339)
وسمعته يقول من أراد أن يعرف قدر معرفته بالله تعالى فلينظر قدر هيبته له وقت خدمته له
وسمعته يقول إنما تتولد الدعاوي من الاغترار وتستوطن الاسرار
سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول كل حال لا يكون عن نتيجة علم وإن جل فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه
وسمعته يقول من كرمت عليه نفسه هان عليه دينه
وسمعته يقول من ضيع في وقت من أوقاته فريضة افترضها الله تعالى عليه في ذلك الوقت حرم لذة تلك الفريضة إلا بعد حين
وسمعته يقول المتوكل الذي يرضى بحكم الله تعالى فيه
وسمعته يقول تربية الإحسان خير من الإحسان
وسمعته يقول لا يصفو لأحد قدم في العبودية حتى تكون أفعاله كلها عنده رياء وأحواله كلها عنده دعاوى
وسمعته يقول وسئل ما الذي لا بد للعبد منه فقال ملازمة العبودية على السنة ودوام المراقبة
سمعت أبا القاسم الحوزي يقول سمعت أبا عمرو بن نجيد يقول إذا أراد الله بعبد خيرا رزقه خدمة الصالحين والأخيار ووفقه لقبول ما يشيرون به عليه وسهل عليه سبل الخير وحجبه عن رؤيتها
وسمعت جدي حين سئل من أين تتولد الدعاوي يقول إنما تتولد
____________________
(1/340)
الدعاوي من فساد الابتداء فمن صحت بدايته تصح له النهاية ومن فسدت بدايته فإنه يهلك في أرجاء أحواله وقتا ما قال الله تعالى { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار } التوبة 109
وسمعته يقول التهاون بالأمر من قلة المعرفة بالآمر
وسمعته يقول لا يكون لملامتي دعوى لأنه لا يرى لنفسه شيئا فيدعى به قال تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء } فاطر 28
سمعت عبد الواحد بن علي السياري بمرو يقول قلت لأبي عمرو بن نجيد آخر ما فارقته أوصني فقال لي الزم مواجب العلم واحترم لجميع المسلمين ولا تضيع أيامك فإنها أعز شيء لك ولا تتصدر ما أمكنك وكن خاملا فيما بين الناس فبقدر ما تتعرف إليهم وتشتغل بهم تضيع حظك من أوامر ربك
وسمعت عبد الواحد يقول سمعت أبا عمر بن نجيد يقول من قدر على إسقاط جاهه عند الخلق سهل عليه الإعراض عن الدنيا وأهليها
وسمعت عبد الواحد يقول سمعت أبا عمرو يقول من أظهر محاسنه لمن لا يملك ضره ولا نفعه فقد أظهر جهله
قال وقال أبو عمرو الهمم توصل النفوس إلى سني الرتب
قال وقال أبو عمرو من استقام لا يعوج به أحد ومن اعوج لا يستقيم به أحد
قال وقال أبو عمرو الأنس بغير الله تعالى وحشة
قال وقال أبو عمرو من صح تفكره صدق نطقه وخلص عمله
قال وقال أبو عمرو الطمأنينة إلى الخلق عجز
____________________
(1/341)
88 ومنهم أبو الحسن البوشنجي واسمه علي بن أحمد بن سهل
كان أوحد فتيان خراسان لقي أبا عثمان وصحب بالعراق ابن عطاء والجريري وبالشام طاهرا وأبا عمرو الدمشقي وتكلم مع الشبلي في مسائل
وهو من أعلم مشايخ وقته بعلوم التوحيد وعلوم المعاملات وأحسنهم طريقة في الفتوة والتجريد وكان ذا خلق متدينا متعهدا للفقراء مات سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وأسند الحديث
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ قال حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن سهل البوشنجي الصوفي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن الشامي قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا من الأوجاع كلها أن نقول ( بسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شر عرق نعار ومن شر حر النار )
سمعت أبا العباس محمد بن الحسن الخشاب يقول سمعت أبا الحسن البوشنجي وسألته عن السنة فقال البيعة تحت الشجرة وما وافق ذلك من الأفعال والأقوال
____________________
(1/342)
قال وسألته عن التصوف فقال اسم ولا حقيقة وقد كان قبل حقيقة ولا اسم
قال وسألته عن المروءة فقال ترك استعمال ما هو محرم عليك مع الكرام الكاتبين
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا الحسن البوشنجي يقول الناس على ثلاث منازل الأولياء وهم الذين باطنهم أفضل من ظاهرهم والعلماء وهم الذين سرهم وعلانيتهم سواء والجهال وهم الذين علانيتهم تخالف أسرارهم لا ينصفون من أنفسهم ويطلبون الإنصاف من غيرهم
قال وسئل أبو الحسن عن التصوف فقال هو الحرية والفتوة وترك التكلف في السخاء والتظرف في الأخلاق
سمعت أبا عثمان سعيد بن أبي سعيد يقول سئل أبو الحسن البوشنجي من الظريق فقال الخفيف في ذاته وأخلاقه وأفعاله وشمائله من غير تكلف
قال وقال أبو الحسن ليس في الدنيا أسمج من محب لسبب أو عوض
قال وسئل أبو الحسن البوشنجي ما المروءة فقال فقال حسن السر والبشر
قال وقال أبو الحسن السراج يوما للبوشنجي ادع الله لي فقال
____________________
(1/343)
أعاذك الله من فتنتك وبلائك لأن الفتنة والبلاء ليسا إلا من نفسه
قال وسئل عن المحبة فقال بذلك مجهودك مع معرفة محبوبك لأن محبوبك مع بذل مجهودك يفعل ما يشاء
قال وقال البوشنجي التوحيد حقيقة معرفته كما عرف نفسه إلى عباده ثم الاستغناء به عن كل ما سواه
قال وقال أبو الحسن البوشنجي أول الإيمان منوط بآخره ألا ترى أن عقد الإيمان لا إله إلا الله والإسلام منوط بأداء الشريعة بالإخلاص قال الله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } البنية 5
سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله قال سمعت أبا الحسن البوشنجي وسئل عن الفتوة يقول حسن المراعاة ودوام المراقبة وألا ترى من نفسك ظاهرا يخالفه باطنك
قال وسمعته يقول الخير منا زلة لأن الشر لنا صفة
قال وقال أبو الحسن البوشنجي من ذل في نفسه رفع الله قدره ومن عز في نفسه أذله الله في أعين عباده
____________________
(1/344)
89 ومنهم أبو عبد الله بن خفيف واسمه محمد بن خفيف بن إسفكشاذ الضبي المقيم بشيراز
كانت أمه نيسابورية وكان شيخ المشايخ في وقته
صحب رويما والجريري وأبا العباس بن عطاء وطاهرا المقدسي وأبا عمرو الدمشقي ولقي الحسين بن منصور وكان عالما بعلوم الظاهر وعلوم الحقائق أوحد المشايخ في وقته حالا وعلما وخلقا مات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة واسند الحديث
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن خفيف إجازة قال حدثنا أحمد بن سمعان قال حدثنا الفضل بن حماد قال حدثنا عبد الكريم بن معالي بن عمران قال حدثنا صالح بن موسى الطلحي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما أعطى كافرا منها شربة )
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن خفيف إجازة قال أخبرنا محمد بن أحمد ابن شاذ هرمز قال حدثنا زيد بن أخزم عن أبي داود عن شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لما عرج بي إلى السماء سمعت تذمرا فقلت يا جبريل من هذا قال
____________________
(1/345)
موسى يتذمر على ربه فقلت ولم ذلك قال عرف ذلك منه فاحتمله )
أخبرني محمد بن خفيف إجازة أنه سئل عن التصوف فقال تصفية القلب عن موافقة البشرية ومفارقة أخلاق الطبيعة وإخماد صفات البشرية ومجانبة دعاوي النفسانية ومنازلة صفات الروحانية والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ما هو أولى على السرمدية والنصح لجميع الأمة والوفاء لله على الحقيقة واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الشريعة
وقال ابن خفيف لما خلق الله تعالى الملائكة والجن والإنس خلق العصمة والكفاية والحيلة فقال للملائكة اختاروا فاختاروا العصمة
ثم قال للجن اختاروا فاختاروا العصمة فقال قد سبقتم فاختاروا الكفاية ثم قال للإنس اختاروا فقالوا نختار العصمة فقال قد سبقتم فقالوا نختار الكفاية فقال قد سبقتم فأخذوا الحيلة فبنو آدم يحتالون بجهدهم
وقال محمد بن خفيف السكر غليان القلب عند معارضات ذكر المحبوب
وقال ابن خفيف الرياضة كسر النفوس بالخدمة ومنعها عن الفترة
وقال ابن خفيف الانبساط سقوط الاحتشام عند السؤال
وقال محمد بن خفيف قدم علينا بعض أصحابنا فاعتل وكانت به علة البطن فكنت أخدمه وآخذ منه الطست طول الليل فغفوت عنه مرة
____________________
(1/346)
فقال لي نمت لعنك الله فقيل له كيف وجدت نفسك عند قوله لعنك الله فقال كقوله رحمك الله
وقال محمد بن خفيف الإيمان تصديق القلب بما أعلمه الحق من الغيوب
وقال محمد بن خفيف الخوف اضطراب القلوب بما علمت من سطوة المعبود
وقال محمد بن خفيف التقوى مجانبة ما يبعدك عن الله تعالى
وقال محمد بن خفيف التوكل هو الاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة عن قضائه
وقال أبو عبد الله محمد بن خفيف حقيقة الإرادة استدامة الكد وترك الراحة
وقال أبو عبد الله المطالبات شتى فمطالبة الإيمان ما حداك عليه من صحة التصديق بوعده ووعيده ومطالبة العلم ما تبين به أحكامه فظهرت دلائله وطالبك الحق باستعماله ومطالبة الحق وهو الذي إذا بدا قهرك وجذبك إلى ما أراد بصولته
وقال أبو عبد الله ليش شيء أضر بالمريد من مسامحة النفس في ركوب الرخص وقبول التأويلات
____________________
(1/347)
وقال أبو عبد الله بن خفيف اليقين تحقق الاسرار بأحكام المغيبات
وقال أبو عبد الله المشاهدة اطلاع القلوب بصفاء اليقين إلى ما أخبر الحق عن الغيوب
وقال أبو عبد الله القرب طي المسافات بلطيف المداناة
وسئل أبو عبد الله محمد بن خفيف عن القرب فقال قربك منه بملازمة الموافقات وقربه منك بدوام التوفيق
وقال أبو عبد الله الواصل من اتصل بمحبوبه دون كل شيء سواه وغاب عن كل شيء سواه
وقال أبو عبد الله الدنف من احترق في الأشجان ومنع من بث الشكوى
وقال أبو عبد الله الهمة جذب شواهد المهموم بالذهاب إليه
وسئل محمد بن خفيف لم صار بلاء المحبين أعظم من سائر الأحوال فقال لأنهم آثروه على أرواحهم فابتلاهم بحبه لهم فقال { يحبهم } المائدة 54 ومن يطيق سماع هذا الكلام إلا أن يبدو له فيه الحقائق
وكل هذه الحكايات أخبرنيه أبو عبد الله محمد بن خفيف رضي الله عنه إجازة لي بخطه
____________________
(1/348)
90 ومنهم بندار بن الحسين وهو بندار بن الحسين بن محمد بن المهلب كنيته أبو الحسين
من أهل شيراز سكن أرجان وكان عالما بالأصول له اللسان المشهور في علم الحقائق وكان أبو بكر الشبلي يكرمه ويعظم قدره وبينه وبين أبي عبد الله بن خفيف مفاوضات في مسائل شتى مات سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وغسله أبو زرعة الطبري
سمعت عبد الواحد بن محمد الإصبهاني يقول سمعت بندار بن الحسين وسألته عن الفرق بين المتصوفة والمتقرية يقول إن الصوفي من اختاره الله لنفسه فصافاه وعن نفسه براه ولم يرده إلى تعمل وتكلف بدعوى وصوفي
____________________
(1/349)
على زنة عوفي أي عافاه الله وكوفي أي كافأه الله وجوزي أي جازاه الله ففعل الله تعالى ظاهر على اسمه
وأما المتقرى فهو المتكلف بنفسه المظهر لزهده مع كمون رغبته وتربيته لبشريته فاسمه مضمر في فعله لرؤية نفسه ودعواه
قال وسمعت بندار بن الحسين يقول البكاء شتى بكاء فرح لوجود حال عدمها فيما قيل وبكاء أسف لفقد حال كان مقرونا بها قال الله تعالى في بكاء الفرح { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق } المائدة 83
وقال الله تعالى في بكاء الاسف { تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا } التوبة 92
سمعت عبد الواحد بن محمد يقول سمعت بندار يقول الجمع ما كان بالحق والتفرقة ما كان للحق
قال وسمعت بندار يقول لا تخاصم لنفسك فإنها ليست لك دعها لمالكها يفعل بها كل ما يريد
قال وقال بندار ليس من الأدب أن تسأل رفيقك إلى أين وفي ايش
قال وسمعت بندار يقول اترك ما تهوى لما تأمل
قال وسمعت بندار وسألته عن الفرق بين المحبة والحياء يقول المحبة
____________________
(1/350)
رغبة وهي مزعجة والحياء خجلة والمحب طالب غائب والمستحي حاضر وبينهما فرقان لأن المحبة تصح مع الغيبة والحياء يصح مع المشاهدة فشتان بين غائب غريب وحاضر قريب
قال وسمعت بندار يقول الإغانة ثقل مطالبة الحق عز وجل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان مطالبا بالأوامر فكان إذا أمر بأمر التزمه وكان يثقل عليه إلى أن يدخل فيه قال الله تعالى { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } المزمل 5
قال وسمعت بندار يقول الصوفية متفقون في الوحدانية في الجملة قولا متفرقون في الوصول إليها معاينة ومنازلة وكل واحد يستحق اسم ما ظهر عليه من حاله الذي هو به موصوف بعد اتفاقهم في الوحدانية قولا فمن بين مجتهد وزاهد وعابد وخائف وراج وغني وفقير ومريد ومراد وصابر وراض ومتوكل ومحب ومستهتر ومستأنس ومشتاق وواله وهائم وواجد ويسمى بما عليه من الجميع
قال وسمعت بندار يقول صحبة أهل البدع تورث الإعراض عن الحق
قال وسمعت بندار يقول من لم يجعل قبلته على الحقيقة ربه فسدت عليه صلاته
قال وسمعت بندار يقول من لم يترك الكل رسما في جنب الحق ويحصل له الكل حقيقة وهو الحق عز وجل
أنشدني محمد بن عبد الله الرازي قال أنشدني بندار
( نوائب الدهر أدبتني ** وإنما يوعظ الأريب )
____________________
(1/351)
( قد ذقت حلوا وذقت مرا ** كذاك عيش الفتى ضروب )
( ما مر بؤس ولا نعيم ** إلا ولي فيهما نصيب )
91 ومنهم أبو بكر الطمستاني الفارسي
وهو من أجل المشايخ وأعلاهم حالا متفرد بحاله ووقته لا يشاركه فيه أحد من المشايخ ولا يدانيه وكان أبو بكر الشبلي يبجله ويعرف له محله
صحب إبراهيم الدباغ وغيره من مشايخ الفرس وكان مشايخ وقته يحترمونه ورد نيسابور ومات بها بعد سنة أربعين وثلاثمائة
قال أبو بكر الطمستاني الدنيا كلها كلمة واحدة وكل واحد منهم أصاب على قدر ما كشف له
وقال أبو بكر ما الحياة إلا في الموت أي ما حياة القلب إلا في إماتة النفس
وقال أبو بكر اليقظة في أهل اليقظة لعمارة الآخرة كما أن الغفلة في أهل الغفلة لعمارة الدنيا
وقال أبو بكر الطمستاني لا يمكن الخروج من النفس بالنفس وإنما يمكن الخروج من النفس بالله تعالى وذلك بصحة الإرادة لله عز وجل
وقال أبو بكر الطريق إلى الله تعالى بعدد الخلق ثم قال الطريق له ولا طريق إليه
____________________
(1/352)
وكان أبو بكر الطمستاني يقول كيف أصنع والكون كله عدو لي
وقال أبو بكر الوصل بلا فصل فإذا جاء الفصل فلا وصل
وقال أبو بكر من فضل الفقر على الغنى والغنى على الفقر فهو مربوط بهما وهما محلا علل
وقال أبو بكر إياك أن تغتر بلعل وعسى
وقال أبو بكر النعمة العظمى الخروج من النفس لأن النفس أعظم حجاب بينك وبين الله تعالى
وقال أبو بكر ما الحقيقة إلا في موت النفس
وقال أبو بكر كل من فر من إماتة النفس فقد رجع إلى تأويل العلم
وقال أبو بكر الطمستاني الموت باب من أبواب الآخرة ولن يصل العبد إلى الله تعالى إلا بدخوله
وقال أبو بكر جالسوا الله كثيرا وجالسوا الناس قليلا
وقال أبو بكر الطمستاني خير الناس من يرى أن الخير في غيره ويعلم أن السبيل إلى الله كثير غير السبيل الذي هو عليه لكي يرى تقصير نفسه فيما هو عليه
وقال أبو بكر الطمستاني ينبغي أن تكون حركات المرء وسكونه لله تعالى أو ضرورة يضطر إليها وما كان غير ذلك فلا شيء
وقال أبو بكر الطريق واضح والكتاب والسنة قائمان بين أظهرنا
____________________
(1/353)
وفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بشيئين اثنين بصحبتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الظواهر وهجرتهم إلى الله تعالى في السرائر وغربتهم مع أنفسهم ألا ترى أن الله تعالى يقول { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } النساء 100
فمن صحب منا الكتاب والسنة وغرب عن نفسه والخلق والدنيا وهاجر إلى الله بقلبه فهو الصادق المصيب المتبع لآثار الصحابة إلا أن الصحابة سبقوه بصحبتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم
وقال أبو بكر الطمستاني من أحب من العقلاء البقاء في الدار الفانية فإنما أحبه للتلذذ بمناجاة سيده والإقبال على الطاعة بحسب طاقته وأن يكون تحت أمره ونهيه فالعاقل لهذا أحب البقاء وكر الفناء
وقال أبو بكر الطمستاني من علامة المريد أن يتنافر عن غير أبناء جنسه ويطلب الجنس
وقال أبو بكر الطمستاني العاقل يتكلم على قدر الحاجة ويدع ما فضل عنه
وقال أبو بكر كل من استعمل الصدق بينه وبين ربه شغله صدقه مع الله عن الفراغ إلى خلق الله
____________________
(1/354)
وقال أبو بكر الطمستاني من لم يكن الصمت وطنه فهو في فضول وإن كان ساكنا
وقال أبو بكر الطمستاني من صحب العلم فليس له بد من مشاهدة الأمر والنهي
وقال أبو بكر الطمستاني العلم قطعك عن الجهل فاجتهد ألا يقطعك عن الله تعالى
وقال أبو بكر الطمستاني التصوف اضطراب فإذا وقع سكون فلا تصوف
وقال أبو بكر النفس كالنار إذا أطفئ من موضع تأجج من موضع كذلك النفس إذا هدأت من جانب ثارت من جانب
وقال رجل لأبي بكر الطمستاني أوصني فقال الهمة الهمة فإنها مقدمة الاشياء وعليها مدارها وإليها رجوعها
وقال أبو بكر الطمستاني ما أبرز الحق للخلق إلا اسما أو رسما وما تكلم به إلا كل من لم يوفق
92 ومنهم أبو العباس الدينوري واسمه أحمد بن محمد
صحب يوسف بن الحسين وعبد الله الخراز وأبا محمد الجريري وأبا
____________________
(1/355)
العباس بن عطاء ولقي رويما وهو من أفتى المشايخ وأحسنهم طريقة واستقامة
ورد نيسابور وأقام بها مدة وكان يعظ الناس ويتكلم على لسان المعرفة بأحسن كلام ثم رحل من نيسابور إلى سمرقند
ومات بها بعد الأربعين وثلاثمائة
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول دخلت على أبي العباس الدينوري حين أراد الخروج إلى سمرقند وقلت له ما الذي يحملك على الخروج إليها مع ميل أهل نيسابور إليك ومجبتهم لك فأنشأ يقول
( إذا عقد القضاء عليك عقدا ** فليس يحله غير القضاء )
( فما لك قد أقمت بدار ذل ** ودار العز واسعة الفضاء )
وسمعته يقول قال أبو العباس الدينوري اعلم أن طلب الله تعالى ترك الطلب واستحياء من الهيبة في الطلب فإذا فني العبد في الطلب اختطفه الحق في الطلب عن الطلب
سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول قال أبو العباس الدينوري مكاشفات الأعيان بالأبصار ومكاشفات القلوب بالاتصال
ورأيت بخط عبد الله بن محمد المعلم قال أبو العباس الدينوري العالم متفاوتون في ترتيب مشاهدات الأشياء فقوم رجعوا من الأشياء إلى الله تعالى فشاهدوا الأشياء من حيث الأشياء ثم رجعوا عنها إلى الله عز وجل وقوم رجعوا من الله تعالى إلى الأشياء من غير غيبتهم عنه فلم يروا شيئا إلا ورأوا الحق قبله وقوم بقوا مع الأشياء لأنهم لم يكن لهم طريق منها إلى الله ليجتازوا بها عليها
____________________
(1/356)
وبه قال أبو العباس الدينوري اعلم أن الله تعالى في خلقه رياضات ليتجلى لهم بربوبيته يراضون لهم في مشاهدات الأشياء ليتحققوا بحقيقة الأشياء كما راض إبراهيم خليله صلوات الله عليه حين رأى النجوم فقال في بدايته هذا ربي وإنما هي عين الجمع من فرط البلاء وغلبة الشوق وحصول الجمع في الجمع من حيث ما ورد عليه من الحق للحق حتى قال { هذا ربي } راضه ليحوله إلى ما هو من ورائه ألم تسمع إلى قوله { فلما أفل قال لا أحب الآفلين } الأنعام 76
وبه قال أبو العباس الدينوري اعلم أن أدنى الذكر أن ينسى ما دونه ونهاية الذكر أن يغيب الذاكر في الذكر عن الذكر ويستغرق بمذكوره عن الرجوع إلى مقام الذكر وهذا حال فناء الفناء
وبه قال أبو العباس الدينوري العلم علمان علم قيام العبد بقيامه مع الله وعلم بعلم الله في العبد وهو العلم المغيب عن العباد إلا من كشف له طرف من ذلك من نبي أو خاص ولي
وبه قال أبو العباس الدينوري اعلم أن لباس الظاهر لا يغير حكم الباطن
ورأيت بخط أبي رحمه الله قال أبو العباس الدينوري إن لله عبادا لم يستصلحهم لمعرفته فشغلهم بخدمته وله عباد لم يستصلحهم لخدمته فأهملهم
وبه قال أبو العباس الدينوري من عطش إلى حال دهش فيه ومن وصل إليه لم يستقر فيه
____________________
(1/357)
وبه قال أبو العباس ليس يبلغ بالإنسان إلى مراتب الأخيار إلا الصدق وكل وقت وحال خلا عن الصدق فباطل وأنشد
( ما أحسن الصدق في مواطنه ** والصدق في كل موطن حسن )
وبه قال أبو العباس المحب يختار كراهيته لرضاء حبيبه طالبا بذلك رضاه وهو غاية المنى وأنشد
( رأيتك يدنيني إليك تباعدي ** فباعدت نفسي لابتغاء التقرب )
93 ومنهم أبو عثمان المغربي وهو سعيد بن سلام
من ناحية قيروان من قرية يقال لها كركنت أقام بالحرم مدة وكان شيخه
صحب أبا علي بن الكاتب وحبيبا المغربي وأبا عمرو الزجاجي ولقي أبا يعقوب النهرجوري وأبا الحسن بن الصائغ الدينوري وغيرهم من المشايخ
وكان أوحد في طريقته وزهده بقية المشايخ وتاريخهم لم ير مثله في علو الحال وصون الوقت وصحة الحكم بالفراسة وقوة الهيبة ورد نيسابور ومات بها سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة
سمعت أبا عثمان يقول الاعتكاف حفظ الجوارح تحت الأوامر
____________________
(1/358)
وسمعته يقول لا يعرف الشيء من لا يعرف ضده لذلك لا يصح لمخلص إخلاصه إلا بعد معرفته الرياء ومفارقته له
وسمعته وقيل له إن فلانا مسافر فقال يجب أن يسافر من عند هواه وشهوته ومراده فإن السفر غربة والغربة ذلة وليس لمؤمن أن يذل نفسه
وسمعته وذكر بين يديه قول الشافعي رضي الله عنه العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان فقال رحم الله الشافعي ما أحسن ما قال علم الأديان علم الحقائق والمعارف وعلم الأبدان علم السياسات والرياضات والمجاهدات
وسمعت أبا عثمان المغربي يقول العاصي خير من المدعي لأن العاصي أبدا يطلب طريق توبته والمدعي يتخبط في حبال دعواه
وسمعت أبا عثمان يقول من مد يده إلى طعام الأغنياء بشره وشهوة لا يفلح أبدا وليس يعذر فيه إلا المضطر
وسمعت أبا عثمان يقول الصوفي من يملك الاشياء اقتدارا ولا يملكه شيء اقتهارا
وسمعت أبا عثمان يقول من اشتغل بأحوال الناس ضيع حاله
وسمعته يقول ابى المليك إلا اختبارا لأوليائه ومتعرضا لهم بأعدائه وإنما اختبرك في قربه بعدوه لينظر كيف صبرك على عدوه فإن صبرت على بلوى عدوه جللك بعلمه وحباك بوصله وأسكنك في جواره ونعمك بمشاهدته ولذذك بذكره وأوصلك بمعرفته وجعلك إماما يقتدى به ونجاة لعباده ورحمة لهم في أرضه وجعل محبتك في قلوبهم وجعل أنسهم في رؤيتك وجعل لك حلاوة في قلوبهم
____________________
(1/359)
وسمعت أبا عثمان وسئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أكثر أهل الجنة البله ) فقال الأبلة في دنياه الفقيه في دينه
وسمعت أبا عثمان سعيد بن سلام المغربي يقول التقوى هي الوقوف مع الحدود لا يقصر فيها ولا يتعداها قال الله تعالى { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } الطلاق 1
وسمعت أبا عثمان يقول من آثر على التقوى شيئا حرم لذة التقوى
وسمعت أبا عثمان يقول من تحقق في العبودية طهر سره بمشاهدة الغيوب وأجابته القدرة إلى كل ما يريد
سمعت أبا عثمان يقول ليكن تدبرك في الخلق تدبر عبرة وتدبرك في نفسك تدبر موعظة وتدبرك في القرآن تدبر حقيقة ومكاشفة قال الله تعالى { أفلا يتدبرون القرآن } ( النساء 82 ) جرأك به على تلاوة خطابه ولولا ذاك لكلت الألسن عن تلاوته
وسمعت أبا عثمان في مرضه يقول إنما مثلي ومثل أطبائي كإخوة يوسف ويوسف كان يوسف مدبرا بالقدرة وإخوته يدبرون فيه وأنى يغني تدبير الخلق من تدبير القدرة
وسمعت أبا عثمان يقول الساكت بعلم أحمد أثرا من الناطق بجهل
وسمعت أبا عثمان المغربي يقول لا تصحب إلا أمينا أو معينا فإن الأمين يحملك على الصدق والمعين يعينك على الطاعة
وسمعت عبد الله المعلم يقول سألت أبا عثمان ما عقدة الورع فقال الشريعة تأمره وتنهاه فيتبع ولا يخالف
____________________
(1/360)
وسمعت أبا عثمان يقول لما بذل المحبون مجهودهم في طاعة ربهم عطف عليهم الحق بالإحسان ومرة بعد أخرى حتى أحبوه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( جبلت القلوب على حب من أحسن إليها )
وسمعت أبا عثمان يقول قلوب أهل الحق قلوب حاضرة وأسماعهم أسماع مفتوحة
وسمعته يقول من حمل نفسه على الرجاء تعطل ومن حمل نفسه على الخوف قنط ولكن ساعة وساعة ومرة ومرة
وسمعت أبا عثمان يقول بدايات المقامات أرفاق وغنى وكفاية ولكن إذا تمكن أتته البلايا لذلك قال بعض المريدين ما زالوا يرفقون بي حتى وقعت فلما وقعت قالوا لي استمسك كيف أستمسك إن لم يمسكني
وسمعت أبا عثمان يقول الحكمة هي النطق بالحق
وسمعت أبا عثمان يقول الغني الشاكر يكون كأبي بكر الصديق رضي الله عنه شكر فقدم ماله وآثر الله عليه فأورثه الله غنى الدارين وملكهما والفقير الصابر مثل أويس القرني ونظرائه صبروا فيه حتى ظهرت لهم براهينه
وسمعت أبا عثمان المغربي يقول من أعطى نفسه الأماني قطعها بالتسويف والتواني
وسمعته يقول علم اليقين يدل على الأفعال فإذا فعلها وأخلص فيها وظهرت له بينات ذلك صار له علم اليقين عين اليقين
وسمعته يقول التقوى تتولد من الخوف
____________________
(1/361)
وسمعت أبا عثمان يقول أفواه قلوب العارفين فاغرة لمناجاة القدرة
وسمعت أبا عثمان يقول سألني سائل متى يقوم الحق بالحق فقلت إذا بلغ الميقات حينه واستوفى الحق مجاري أحكامه من ظاهر هيكله أوقد سرج الإيمان في قلبه واكتسى ظاهر هيكله بنور حقه وانتصر له من ظالمه فتعجب السائل وسكت
94 ومنهم أبو القاسم النصراباذي واسمه إبراهيم بن محمد بن محمويه
شيخ خراسان في وقته نيسابوري الأصل والمنشأ والمولد
يرجع إلى أنواع من العلوم من حفظ السير وجمعها وعلوم التواريخ وما كان مختصا به من علم الحقائق وكان أوحد المشايخ في وقته علما وحالا
وصحب أبا بكر الشبلي وأبا علي الروذباري وأبا محمد المرتعش وغيرهم من المشايخ
أقام بنيسابور ثم خرج في آخر عمره إلى مكة وحج سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وأقام بالحرم مجاورا ومات سنة سبع وستين وثلاثمائة كتب الحديث الكثير ورواه وكان ثقة
حدثنا إبراهيم بن محمد بن محمويه النصراباذي الصوفي قال حدثنا أحمد
____________________
(1/362)
ابن محمد بن فضالة الطوسي قال حدثنا أحمد بن ثقيف قال حدثنا حفص بن يحيى عن خارجة بن مصعب عن أيوب عن يحيى بن أبي كثير عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم ( حديث السكنى والنفقة )
سمعت أبا القاسم النصراباذي يقول إذا بدا لك شيء من بوادي الحق فلا تلتفت معه إلى جنة ولا إلى نار ولا تخطرهما ببالك وإذا رجعت عن ذلك الحال فعظم ما عظمه الله تعالى
وسمعت النصراباذي يقول إذا أخبر عن آدم بصفة آدم قال { وعصى آدم ربه فغوى } ( طه 121 ) وإذا أخبر عنه بفضله عليه قال { إن الله اصطفى آدم } ( آل عمران 33 )
وسمعت أبا القاسم النصراباذي يقول موافقة الأثر حسن وموافقة الأمر أحسن ومن وافق الحق في لحظة أو خطرة فإنه لا تجري عليه بعد ذلك مخالفة بحال
وسمعت أبا القاسم النصراباذي يقول من عمل على رؤية الجزاء كانت أعماله بالعدد والإحصاء ومن عمل على المشاهدة أذهلته المشاهدة عن التعداد والعدد ومن عمل بالعدد كان ثوابه بالعدد قال الله تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ( الأنعام 16 ) من عمل على المشاهدة كان أجره بلا عدد قال الله عز وجل { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ( الزمر 10 )
وسمعت النصراباذي يقول الراحة ظرف مملوء من العتاب
وسمعت النصراباذي يقول الراغب في العطاء لا مقدار له والراغب في المعطي عزيز
وسمعت النصراباذي يقول أنت بين نسبتين نسبة إلى الحق ونسبة إلى
____________________
(1/363)
آدم فإذا انتسبت إلى الحق دخلت في مقامات الكشف والبراهين والعظمة وهي نسبة تحقق العبودية قال الله تعالى { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } الفرقان 36 وقال { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } الحجر 42 وقال { فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما } الكهف 65 وإذا انتسبت إلى آدم ودخلت في مقامات الظلم والجهل قال الله تعالى { وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } الأحزاب 72
وسمعت أبا القاسم وسئل أليست الأنفس والأموال لله عز وجل فكيف يشتري ما هو له فقال إنه عز اسمه اشترى منهم ما هو له نظرا لهم كشراء الأب للطفل نظرا له ملكت نفسك ثم أسقط عنها ملكك لئلا يقع لك بتمليكه إياك غبن بأن تشتري به ما لا يعارضه أو تبيعه بما لا يوازنه
وسمعت أبا القاسم وقيل له إن بعض الناس يجالس النسوان ويقول أنا معصوم في رؤيتهن فقال ما دامت الأشباح باقية فإن الأمر والنهي باق والتحليل والتحريم مخاطب بهما ولن يجترئ على الشبهات إلا من يتعرض للمحرمات
سمعت أبا القاسم النصراباذي يقول الاشياء أدلة منه ولا دليل عليه سواه
وسمعته يقول سر يسلم من رعونة البشرية سر رباني
وسمعته يقول العبادات إلى طلب الصفح والعفو عن تقصيرها أقرب منها إلى طلب الأعواض والجزاء بها
وسمعت أبا القاسم النصراباذي يقول دماء الأقرباء تتحرك عند الالتقاء ودماء المحبين تجيش وتغلي
____________________
(1/364)
وسمعت أبا القاسم يقول أهل المحبة واقفون مع الحق على مقام إن تقدموا غرقوا وإن تأخروا احجبوا
وسمعت أبا القاسم يقول أثقال الحق لا يحملها إلا مطايا الحق
وسمعت أبا القاسم يقول جذبة من جذبات الحق تربي على أعمال الثقلين
وسمعت أبا القاسم النصراباذي يقول أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع وتعظيم حرمات المشايخ ورؤية أعذار الخلق وحسن صحبة الرفقاء والقيام بخدمتهم واستعمال الأخلاق الجميلة والمداومة على الأوراد وترك ارتكاب الرخص والتأويلات وما ضل أحد في هذا الطريق إلا بفساد الابتداء فإن فساد الابتداء يؤثر في الانتهاء
95 ومنهم الحصري وهو أبو الحسن علي بن إبراهيم
بصري الأصل سكن بغداد وكان شيخ العراق ولسانها لم نر فيمن رأينا من المشايخ أتم حالا منه ولا أحسن لسانا منه ولا أعلى كلاما
كان أوحد المشايخ ولسان الوقت وكان أوحد في طريقته من أجل المشايخ وأظرفهم وألطفهم له لسان في التوحيد يختص هو به ومقام في التفريد والتجريد مسلم له لم يشاركه فيه أحد بعده
وهو أستاذ العراقيين وبه تأدب من تأدب منهم صحب أبا بكر الشبلي وغيره من المشايخ مات ببغداد في يوم الجمعة في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة
____________________
(1/365)
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت علي بن إبراهيم يقول الصوفي لا ينزعج في انزعاجه ولا يقر في قراره
سمعت الشيخ أبا الحسن الحصري يقول آدم في محله كان محلا للعلل فخوطب على حسب العلل { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } طه 118 وإلا فما مقام المجاورة مما يؤثر فيه الجوع والعري
وسمعته يقول علمنا الذي نحن فيه يوجب إنكار كل معلوم مرسوم ومحو كل معلوم معلول وما بان شيء فيمتحى
وسمعته يقول لا أحد أقل قدرا ممن يشتغل بالفضائل فيقدم ذا ويؤخر ذا في الدنيا يكون ناسا بناس مع ناس وفي الآخرة { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم } فصلت 32 من المطاعم والمشارب والمناكح ليت الجنة على قفا أهلها لعلنا إذا نجونا منها ومن طالبيها تفرغنا إلى مشاهدة من أكرمنا بمعرفته وبدأنا بأنواع مباره بل لو عرفناه ما شهدنا سواه
وسمعته في الجامع يقول دعوني وبلائي هاتوا ما لكم ألستم من أولاد آدم الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته ثم أمره بأمر فخالفه إذا كان أول الدن درديا كيف يكون آخره
قال وسمعته يقول من ادعى في شيء من الحقيقة كذبته شواهد كشف البراهين
سمعت أبا نصر عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت الحصري يقول نظرت في كل ذي ذل فزاد ذلي على ذلهم ونظرت في عز كل ذي عز فزاد عزي عزهم ثم قرأ { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا } فاطر 10
سمعت أبا الفرج الورثاني يقول سمعت الحصري يقول الصوفي الذي لا يوجد بعد عدمه ولا يعدم بعد وجوده
____________________
(1/366)
قال سمعته يقول الصوفي وجده وجوده وصفاته حجابه
قال وسمعته يقول الصوفي إن وصف جحد وإن تجلى كشف
قال وقال الحصري الخوف من الله علة وحجاب لأنه إذا كان خوفي منه لا يزيل مراده في ورجائي لا يوصلني إلى مرادي منه فقد تعطل عندي حكم الخوف والرجاء للمتحققين وأما أرباب الرسوم والعلوم فعليهم واجب التزام الأدب
قال وسمعت الحصري يقول ربط الكل بالحدود وقطع طريق الحق عن الكل فلا ترى إلا واقفا مع نفسه أو مع رسمه لبينونة القدم إن لم يلحقه شيء من الحوادث إذا زفرت جهنم زفرة فإن الكل يقول نفسي نفسي والأجل الأدنى يرجع إلى حد الشفقة فيقول أمتي أمتي فلا يبقى في أحد نفس بلا علة فيقول ربي ربي ليعلم أن محل الحوادث لا يخلو عن العلل
قال وقال الحصري كنت زمانا إذا قرأت القرآن لا أستعيذ من الشيطان وأقول من الشيطان حتى يحضر كلام الحق عز وجل
سمعت عبد الله بن علي يقول سئل الحصري هل يحتشم المحب أو يفزع فقال الحب استهلاك لا يبقى معه صفة وأنشأ يقول
( قالت لقد سؤتنا في غير منفعة ** بقرعك الباب والحجاب ما هجعوا )
( ماذا يريبك في الظلماء تطرقنا ** قلت الصبابة هاجت ذاك والطمع )
( قالت لعمري لقد خاطرت ذا جزع ** حتى وثلت فهلا عاقك الجزع )
( فقلت ما هو إلا القتل أو ظفر ** بما يزول به عن مهجتي الهلع )
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت الحصري يقول في مجلسه هو أعز من أن يعز على سواه وأعز من أن يذل له غيره وأعز من أن يذل
____________________
(1/367)
لغيره بل هو أذل ما له لما له وعزز ما له على ما له وليس لمن أعز معنى عز به ولا لمن أذل معنى ذل به بل هو أظهر الجميع ورسم بأنهم عزوا وذلوا وذلك هو العز الذي لا يرام
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول سمعت الحصري يقول ضاقت على أوقاتي وأنفاسي فلست أستروح إلا أن تذكر أنفاس جرت مني بأنس البسط بصفاء الود مصونة عن شوب الأكدار وأنشد هذا البيت
( إن دهرا يلف شملي بسلمى ** لزمان يهم بالإحسان )
96 ومنهم أبو عبد الله التروغبذي واسمه محمد بن محمد بن الحسن
كذلك سمعت أبا ناصر الطوسي يقول
كان من جلة مشايخ طوس صحب أبا عثمان الحيري ومن في طبقته من المشايخ وصار أوحد في طريقته ظهرت له آيات وكرامات وكان مجردا عالي الحال كبير الهمة مات بعد الخمسين وثلاثمائة
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت أبا عبد الله التروغبذي يقول من بذل نفسه لهواه وشغل عمره بمناه استبعده هواه واسترقه مناه
قال أبو نصر هذه ترجمة كلامه أنا ترجمته
وقال أبو عبد الله التروغبذي طوبى لمن لم يكن له وسيلة إلى الله سواه فإنه لا وسيلة إليه غيره
قال وقيل لأبي عبد الله التروغبذي ما صفة المريد فقال المريد في تعب ولكن تعبه سرور وطرب لا عناء ولا نصب
____________________
(1/368)
قال وقال التروغبذي الكبر سمة الأغنياء والتذلل والتواضع من أخلاق الفقراء
قال وقال التروغبذي ترك الدنيا للدنيا من علامات حب الدنيا
قال وقال أبو عبد الله التروغبذي ليس في اجتماع الإخوان أنس لوحشة الفراق
قال وقال أبو عبد الله من ضيع أمر الله في صغره أذله الله في كبره
سمعت نصر بن أبي نصر العطار يقول سمعت أبا عبد الله التروغبذي يقول لو خدم رجل في جميع عمره يوما فتى من الفتيان للحقته بركة خدمته فكيف بمن أفنى في خدمتهم عمره
قال وسألته عن الصوفي والزاهد فقال الصوفي بربه والزاهد بنفسه
سمعت ابا الفضل العطار يقول سمعت أبا عبد الله يقول الأسماء مكشوفة والمعاني مستورة
وسمعته يقول قال لي أبو عبد الله إياك والتمييز في الخدمة فإن أرباب التمييز قد مضوا اخدم الكل ليحصل لك المراد ولا يفوتك المقصود
قال وسمعته يقول إن الله تعالى وهب لكل عبد من معرفته مقدارا وحمله من البلاء على مقدار ما وهب له من المعرفة لتكون معرفته عونا له على حمل بلائه
قال وسمعته يقول ما جزع النبي صلى الله عليه وسلم قط إلا لأمته فإنه بعث بالرأفة والرحمة فإذا كشف له من أمور أمته عن مخالفة جزع لهم وعليهم قال الله تعالى { عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } التوبة 128
قال وسمعت أبا عبد الله التروغبذي يقول العلم يورث الخوف والعلم
____________________
(1/369)
يورث الوجل والعلم يورث السكينة والطمأنينة وذلك على قدر أحوال العبيد ومقاماتهم مقام أوجب العلم فيه الوجل والخوف ومقام أوجب فيه السكون والطمأنينة والأحوال تصح إذا كانت عن نتائج العلوم
97 ومنهم أبو عبد الله الروذباري واسمه أحمد بن عطاء بن أحمد الروذباري
ابن أخت أبي علي الروذباري شيخ الشام في وقته يرجع إلى أحوال يختص بها وأنواع من العلوم من علم القراءات في القرآن وعلم الشريعة وعلم الحقيقة وأخلاق وشمائل يختص بها وتعظيم للفقر وصيانة له وملازمة لآدابه ومحبة للفقراء وميل إليهم ورفق بهم
مات بصور في ذي الحجة سنة تسع وستين وثلاثمائة وأسند الحديث
أخبرني أحمد بن عطاء الروذباري إجازة قال حدثنا علي بن عبد الله العباسي قال حدثنا الحسن بن سعد قال قال محمد بن أبي عمير قال هشام بن سالم قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه ( اللحم بالبر مرقة الأنبياء ) كذلك حدثني أبي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يذكر ذلك
أخبرنا أبو علي محمد بن سعيد قال سمعت أحمد بن عطاء الروذباري يقول الذوق أول المواجيد فأهل الغيبة إذا شربوا طاشوا وأهل الحضور إذا شربوا عاشوا
____________________
(1/370)
قال وسمعته يقول ما من قبيح إلا وأقبح منه صوفي شحيح
وأنشدي أحمد بن محمد بن نصر لنفسه في هذا المعنى
( أشرت إلى الحبيب بلحظ طرفي ** فأعرض عن إجابتي المليح )
( فقلت أضاع مذهبه المرجي ** وحرمة ذلك العهد الصحيح )
( ألم تسمع بألا قبح إلا ** وأقبح منه صوفي شحيح )
سمعت ابا نصر عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت أبا عبد الله الروذباري يقول رأيت في المنام كأن قائلا يقول لي أيش أصح ما في الصلاة فقلت صحة القصد فسمعت هاتفا يقول رؤية المقصود بإسقاط رؤية القصد أتم
قال وقال أبو عبد الله الخشوع في الصلاة علامة فلاح المصلين قال الله تعالى { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } المؤمنون 12
قال وقال أبو عبد الله الروذباري من خدم الملوك بلا عقل أسلمه الجهل إلى القتل
قال وقال أبو عبد الله الروذباري من قلت آفاته اتصلت بالحق أوقاته
قال وقال أبو عبد الله مجالسة الاضداد ذوبان الروح ومجالسة الأشكال تلقيح العقول
قال وقال أبو عبد الله ليس كل من يصلح للمجالسة يصلح للمؤانسة وليس كل من يصلح للمؤانسة يؤتمن على الأسرار ولا يؤتمن على الأسرار إلا الأمناء فقط
____________________
(1/371)
سمعت علي بن سعيد يقول سمعت أحمد بن عطاء الروذباري وسئل عن القبض والبسط وعن حال من قبض ونعمته وعن حال من بسط ونعمته فقال إن القبض أول أسباب الفناء والبسط أول أسباب البقاء فحال من قبض الغيبة وحال من بسط الحضور ونعت من قبض الحزن ونعت من بسط السرور
قال وقال أبو عبد الله من عطش إلى حالة أتم ممن دهش بها وليس من دهش بها أتم ممن عطش إليها وهذا شأن قبض الحق بالفناء وبسطه بالبقاء
سمعت أبا نصر يقول سمعت أبا عبد الله يقول التصوف ينفي عن صاحبه البخل وكتب الحديث ينفي عن صاحبه الجهل فإذا اجتمعا في شخص فناهيك به نبلا
أنشدني علي بن سعيد الثغري قال أنشدني أحمد بن عطاء الروذباري لنفسه
( فما مل ساقيها وما مل شارب ** عقار لحاظ كأسه يسكر اللبا )
( يطوف بها طرف من السحر فاتر ** على جسم نور ضوؤه يخطف القلبا )
( يقول بلفظ يخجل الصب حسنه ** تجاوزت يا مشغوف في حالك الحبا )
( فسكرك من لحظي هو الوجد كله ** وصحوك من لفظي يبيح لك الشربا )
سمعت علي بن سعيد يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول سر السماع ثلاثة اشياء بلاغة الفاظه ولطف معانيه واستقامة منهاجه وسر النغمة ثلاثة طيب الخلق وتأدية الألحان وصحة الإيقاع وسر الصادق في السماع ثلاثة العلم بالله والوفاء بما عليه وجمع الهم والوطن الذي يسمع فيه يحتاج أن يجمع فيه ثلاث خصال طيب الروائح وكثرة الأنوار وحضور الوقار ويعدم ثلاث رؤية الأضداد ورؤية من يحتشم ورؤية من يتلهى
____________________
(1/372)
ويسمع من ثلاث الصوفية والفقراء والمحبين لهم ويسمع على ثلاثة معان على المحبة والوجد والخوف والحركة في السماع على ثلاث الطرب والخوف والوجد والطرب له ثلاث علامات الرقص والتصفيق والفرح والخوف له ثلاث علامات البكاء واللطم والزفرات والوجد له ثلاث علامات الغيبة والاصطلام والصرخات
98 ومنهم أبو الحسن الصيرفي وهو علي بن بندار بن الحسين الصيرفي
ومحمد بن أحمد بن جعفر أبو بكر الشبهي
ومحمد بن أحمد بن حمدون الفراء أبو بكر
وعلي بن بندار من جلة مشايخ نيسابور ورزق من رؤية المشايخ وصحبتهم ما لم يرزق غيره صحب بنيسابور أبا عثمان ومحفوظا وبسمرقند محمد بن الفضل وببلخ محمد بن حامد وبجوزجان أبا علي وبالري يوسف بن الحسين وببغداد الجنيد بن محمد ورويما وسمنون وأبا العباس بن عطاء وأبا محمد الجريري وبالشام طاهرا المقدسي وأبا عبد الله ابن الجلاء وأبا عمرو والدمشقي وبمصر أبا بكر المصري والزقاق وأبا علي الروذباري
كتب الحديث الكثير ورواه وكان ثقة مات سنة تسع وخمسين وثلاثمائة
أخبرنا علي بن بندار قال حدثنا داود بن سليمان بن خزيمة قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي قال حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا
____________________
(1/373)
سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( نعم الإدام الخل )
سمعت علي بن بندار يقول دخلت بدمشق على أبي عبد الله بن الجلاء فقال متى دخلت دمشق قلت منذ ثلاثة أيام فقال لي ما لك لم تجئني قلت ذهبت إلى ابن جوصاء وكتبت عنه الحديث فقال لي شغلتك السنة عن الفريضة
سمعت أبا نصر الطوسي قال سألت علي بن بندار ما التصوف فقال إسقاط رؤية الخلق ظاهرا وباطنا
قال وقال علي بن بندار فساد القلوب على حسب فساد الزمان وأهله
سمعت ابنه أبا القاسم يقول كثيرا ما كنت أسمع أبي رحمه الله يقول دار أسست على البلوى بلا بلوى محال
قال وسمعته يقول يا بني إياك والخلاف على الخلق فمن رضي الله به عبدا فارض به أخا
قال وكان يقول إياك والاشتغال بالخلق فقد عدم عليهم الربح اليوم
قال ورأى مرة في يدي كتابا فقال ما هذا قلت كتاب المعرفة فقال ألم تكن المعرفة في القلوب فقد صارت في الكتب
سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت علي بن بندار يقول ليس الفقير من يظهر فقره إنما الفقير من يكتم فقره ويأنس به ويفرج
سمعت علي بن بندار يقول زمان يذكر فيه بالصلاح زمان لا يرجى فيه صلاح
____________________
(1/374)
وسمعت علي بن بندار يقول كنت يوما أماشي أبا عبد الله محمد بن خفيف فقال لي أبو عبد الله تقدم يا أبا الحسن فقلت بأي عذر قال بأنك لقيت الجنيد وما لقيته
وسمعت ابنه أبا القاسم يقول كان أبي يقول ثوب أستجيز فيه الصلاة أكره أن أبدله للقاء الناس بخير منه
قال وقال لبعض أصحابه إلى أين قال أخرج إلى النزهة فقال من عدم الأنس من حاله لم يزده التنزه إلا وحشة
قال وسمعته يقول الحق أمر عظيم يطلبه الخلق إنما الحق بطرح الدنيا والآخرة
99 وأما محمد بن أحمد بن جعفر أبو بكر الشبهي
فهو من أفتى مشايخ وقته صحب أبا عثمان الحيري مات قبل الستين وثلاثمائة وأسند الحديث
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر الشبهي قال حدثنا جعفر بن أبي نصر الحافظ قال حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن ثابت البناني عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ( زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )
سمعت محمد بن أحمد بن جعفر الشبهي يقول يكفيك من حسن الخلق ألا تحزن بريئا
____________________
(1/375)
سمعت أبا الحسن الخباز يقول سمعت محمدا الشبهي يقول ودخل عليه بعض أصحابه فقال أنا إذا مشيت في السوق يقول الناس انظروا إلى خشوع هذا المنافق فقال اتق الله وخف على نفسك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسلمين ( أنتم شهداء الله في الأرض )
وسمعت أبا الحسن يقول سمعت أبا بكر الشبهي يقول الفتوة حسن الخلق وبذل المعروف
قال وسمعته يقول العارفون يقوون بمعروفهم وسائر الناس يقوون بالأكل والشرب
100 وأما محمد بن أحمد بن حمدون الفراء أبو بكر
فهو من كبار مشايخ نيسابور صحب أبا علي الثقفي وعبد الله بن منازل وصحب أيضا أبا بكر الشبلي وأبا بكر بن طاهر وغيرهم من المشايخ وكان أوحد المشايخ في طريقته مات سنة سبعين وثلاثمائة وأسند الحديث
حدثنا محمد بن أحمد بن حمدون الفراء قال حدثنا محمد بن علي العطار يقرأ قال حدثنا عباس الدوري قال حدثنا محمد بن يوسف الأشيب قال حدثنا عاصم قال حدثنا عبد السلام بن حرب عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل في صحن الدار فقال ( إذا اغتسل أحدكم فليستتر ولو بجدار )
____________________
(1/376)
سمعت محمد بن أحمد بن حمدون الفراء يقول من لم يؤثره الله على كل شيء لا يصل إلى قلبه نور المعرفة بحال
وسمعته يقول يصح للمرء عمله على قدر اهتمامه بالدخول فيه وحزنه على تقصيره وجهده في الخروج منه على السنة
وسمعته يقول كتمان الحسنات أولى من كتمان السيئات فإنك بذلك ترجو النجاة
وسمعت أبا بكر بن حمدون الفراء يقول الآمر بالمعروف يجب عليه أن يبدأ نفسه ويصبر على ما يلحقه في ذلك ويكون عالما بما يأمر به وما ينهى عنه
وسألت أبا بكر الفراء عن الأبرار فقال هم المتقون
101 ومنهم أبو عبد الله وأبو القاسم محمد وجعفر ابنا أحمد ابن المقرئ
فأما أبو عبد الله فإنه صحب يوسف بن الحسين الرازي وعبد الله الخراز الرازي ومظفرا القرميسيني ورويما والجريري وابن عطاء
وكان من أفتى المشايخ وأسخاهم وأحسنهم خلقا وأعلاهم همة وأتمهم دينا وورعا مات سنة ست وستين وثلاثمائة
102 وأما أبو القاسم
فهو من جلة مشايخ خراسان وكان أوحد المشايخ في وقته وطريقته
____________________
(1/377)
عالي الحال شريف الهمة لم نلق أحدا من المشايخ في سمته ووقاره
صحب أبا العباس بن عطاء وأبا محمد الجريري وأبا بكر بن أبي سعدان وأبا بكر بن ممشاذ وأبا علي الروذباري مات بنيسابور سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وأسند الحديث
أخبرنا أبو القاسم جعفر بن أحمد بن محمد المقرئ الرازي قال أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال حدثنا عمار بن خالد الواسطي ومحمد بن سعيد بن غالب قالا حدثنا إسحاق الأزرق عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء )
سمعت أبا منصور الصابوني يقول سمعت ابا عبد الله المقرئ الرازي يقول الفقير الصادق الذي يملك كل شيء ولا يملكه شيء
وسمعته يقول سمعت أبا عبد الله يقول الفتوة حسن الخلق مع من تبغضه وبذل المال لمن تكرهه وحسن الصحبة مع من ينفر قلبك منه
سمعت الشيخ أبا القاسم المقرئ الرازي يقول الفتوة رؤية فضل الناس بنقصانك
وسمعته يقول الحرية موافقة الإخوان فيما هم فيه ما لم تكن خلافا للعلم
وسمعته يقول التصوف استقامة الأحوال مع الحق
سمعت أبا الفرج الورثاني يقول سمعت أبا عبد الله المقرئ يقول ما قبل مني أحد شيئا إلا رأيت له منة علي لا يمكنني القيام بواجبها أبدا
____________________
(1/378)
أنشدني الشيخ أبو القاسم الرازي لبعضهم
( أقلني عثرتي واسمع دعائي ** فأنت اليوم في الدنيا رجائي )
( لقد أعيا الأطبة ما دوائي ** وعندك يا عزيز دواء دائي )
( دوائي نظرة فيها شفائي ** شفائي في لقائك يا منائي )
وسمعته يقول ليس السخي من طالع ما بذله أو ذكره وإنما السخي من إذا تسخى استحى من ذلك واستصغره وأنف من ذكره
وسمعت الشيخ أبا القاسم يقول سمعت أخي أبا عبد الله يقول أول ما صحبت عبد الله الخزاز قلت له بماذا تأمرني أيها الشيخ قال بثلاثة أشياء بالحرص على أداء الفرائض بأتم جهدك والاحترام لجماعة المسلمين واتهام خواطرك إلا ما وافق الحق
قال وسمعته يقول أوائل بركة الدخول في التصوف أن تصدق الصادقين في الأخبار عن أنفسهم وعن مشايخهم
سمعت أبا نصر عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت جماعة من مشايخ الري يقولون ورث أبو عبد الله المقرئ عن أبيه خمسين ألف دينار سوى الضياع والعقار فخرج عن جميع ذلك وأنفقها على الفقراء فسألت أبا عبد الله عن ذلك فقال أحرمت وأنا غلام حدث وخرجت إلى مكة على الوحدة والتقطع حين لم يبق لي شيء أرجع إليه فكان اجتهادي أن أزهد في الكتب وما جمعته من الحديث والعلم أشد علي من الخروج إلى مكة والتقطع في الأسفار والخروج من ملكي
سمعت الشيخ أبا القاسم الرازي يقول السماع على ما فيه من اللطافة فيه خطر عظيم إلا لمن يسمعه بعلم غزير وحال صحيح ووجد غالب من غير حظ له فيه
____________________
(1/379)
وسمعته يقول العارف من شغله معروفه عن النظر إلى الخلق بعين القبول والرد
وسمعت أبا علي الرازي يقول سمعت أبا عبد الله المقرئ يقول من تعزز عن خدمة إخوانه أورثه الله ذلا لا انفكاك له منه
103 ومنهم أبو محمد الراسبي وهو عبد الله بن محمد
من أهل بغداد من جلة مشايخهم صحب أبا العباس بن عطاء والجريري رحل إلى الشام ثم رجع إلى بغداد ومات بها سنة سبع وستين وثلاثمائة
سمعت أبا محمد الراسبي يقول القلب إذا امتحن بالتوقي نزع عنه حب الدنيا وحب الشهوات وأوقف على المغيبات
وسمعت أبا محمد يقول أعظم حجاب بينك وبين الحق اشتغالك بتدبير نفسك واعتمادك على عاجز مثلك في أسبابك
وسمعته يقول لا يكون الصوفي صوفيا حتى لا تقله أرض ولا تظله سماء ولا يكون له قبول عند الخلق ويكون مرجعه في كل أحواله إلى الحق عز وجل
وسمعته يقول الهموم عقوبات الذنوب
سمعت علي بن سعيد الثغري يقول كنت عند أبي محمد الراسبي فجرى عنده ذكر المحبة فقال المحبة إذا ظهرت افتضح فيها المحب وإذا كتمت قتلت المحب كمدا وأنشدنا على إثر ذلك
____________________
(1/380)
( ولقد أفارقه بإظهار الهوى ** ليستر سره إعلانه )
( ولربما كتم الهوى إظهاره ** ولربما فضح الهوى كتمانه )
( عي المحب لدى الحبيب بلاغة ** ولربما قتل البليغ لسانه )
( كم قد رأينا قاهرا سلطانه ** للناس ذل لحبه سلطانه )
وسمعت الراسبي يقول خلق الله الأنبياء للمجالسة والعارفين للمواصلة والصالحين للملازمة والمؤمنين للعبادة والمجاهدة
وسمعت أبا محمد يقول في قوله عز وجل { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } الأنفال 67 جمع بين إرادتين فمن أراد الدنيا دعاه الله إلى الآخرة ومن أراد الآخرة دعاه إلى قربه قال الله عز وجل { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا } الأسراء 20 والسعي المشكور هو البلوغ إلى منتهى الآمال من القرب والدنو
وسمعت ابا محمد يقول البلاء أو الحيرة هو صحبتك مع من لا يوافقك ولا تستطيع تركه
104 ومنهم أبو عبد الله الدينوري وهو محمد بن عبد الخالق
من جلة المشايخ وأكبرهم حالا وأعلاهم همة وأفصحهم في علوم هذه الطائفة مع ما كان يرجع إليه من صحبة الفقر والتزام آدابه ومحبة أهله أقام بوادي القرى سنين ثم رجع إلى دينور ومات بها
سمعت أبا الفضل نصر بن أبي نصر يحكى عن أبي عبد الله الدينوري أنه قال صحبة الصغار مع الكبار من التوفيق والفطنة ورغبة الكبار في صحبة الصغار خذلان وحمق
____________________
(1/381)
وسمعته يقول قال أبو عبد الله الدينوري لبعض أصحابه لا يعجبنك ما ترى من هذه اللبسة الظاهرة عليهم فما زينوا الظواهر إلا بعد أن خربوا البواطن
سمعت ابا علي الدينوري يقول سمعت أبا عبد الله الدينوري يقول اختيار الله تعالى لعبده مع علمه بعبده خير من اختيار العبد لنفسه مع جهله بربه
وقال أنشدنا أبو عبد الله الدينوري لنفسه أو لغيره
( أيا من صفاء الود شرب فؤاده ** فأصبح ريانا لتلك المشارب )
( أغثني فما لي عنك بالصبر طاقة ** وجد لي فقد ضاقت علي مذاهبي )
قال وقال أبو عبد الله تعب الزهد على البدن وتعب المعرفة على القلب
سمعت عبد الله بن علي يقول دخل رجل على أبي عبد الله الدينوري فقال له كيف أمسيت فأنشأ يقول
( إذا الليل ألبسني ثوبه ** تقلب فيه فتى موجع )
وأنشدنا الحسين بن أحمد بن سعيد الواسطي ببغداد قال أنشدني أبو عبد الله الدينوري
( بقلبي من نفى عني نعاسي ** وأرقني وبات ولم يواسي )
( ومن حبي له أبدا جديد ** وثوب صدوده أبدا لباسي )
( يسيء فلا أؤاخذه بذنب ** وألزم ذنبه كلا يراسي )
قال وقال أبو عبد الله أرفع العلوم في التصوف علم الأسماء والصفات وتمييز الخلاف من الاختلاف وإخلاص أعمال الظاهر وتصحيح أحوال الباطن
قال وقال أبو عبد الله رأيت في بعض أسفاري رجلا يقفز بإحدى
____________________
(1/382)
رجليه فقلت له ما لك والسفر مع فقدان الآلة فقال لي أمسلم أنت قلت نعم قال اقرأ قوله تعالى { وحملناهم في البر والبحر } الأسراء 70 إذا كان هو الحامل حمل بلا آلة
____________________
(1/383)
الخاتمة
قال الشيخ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي رضي الله عنه
قد ذكرت في هذا الكتاب خمس طبقات من طبقات أئمة الصوفية في كل طبقة عشرين شيخا عن كل شيخ عشرين حكاية أقل أو أكثر وشرطت ألا أعيد في هذا الكتاب حكاية جرت لي في بعض مصنفاتي إلا بإسناد آخر أو عن غفلة
وأنا أسأل الله تعالى أن ينفعنا وجميع المسلمين بذلك وألا يجعله علينا وبالا وأن يبلغنا ما بلغهم من سني الدرجات وأن يوفقنا لما يقربنا إليه في كل الأوقات وألا يجعلنا من المفتونين ولا يجعل حظنا من هذا جمعه وحفظه دون المجاهدة فيه بفضله وسعة رحمته إنه ولي ذلك
____________________
(1/384)
= ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات =
____________________
(1/385)
____________________
(1/386)