وقال أحمد بن حنبل: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، والحسن بن شجاع البلخي.
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري - وفي رواية - أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعرف به من محمد بن إسماعيل البخاري.
وسمع عدة مشايخ يحكون: أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا، وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين. فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن الآخر، فقال: لا أعرفه. فما زال يلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم. ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم. ثم انتدب رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه. فلم يزل يلقي عليه واحداً بعد آخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. ثم انتدب إليه الثالث والرابع، إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم البخاري أنهم(22/25)
قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وكان ابن صاعد إذا ذكر محمد بن إسماعيل يقول: الكبش النطاح.
قال أبو حامد أحمد بن حمدون:
سمعت مسلم بن الحجاج، وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فقبل بين عينيه وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، ويا طبيب الحديث في علله! وحدث أبو عيسى الترمذي قال: لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل.
وحدث محمد بن أبي حاتم الوراق قال: كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد، إلا في القيظ أحياناً، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري ناراً بيده، ويسرج، ثم يخرج أحاديث، فيعلم عليها، ثم يضع رأسه. وكان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، وكان لا يوقظني في كل ما يقوم. فقلت: إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني! قال: أنت شاب، فلا أحب أن أفسد عليك نومك.
قال محمد بن إسماعيل البخاري: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.(22/26)
وقال: صنفت كتابي الصحاح ست عشرة سنة، خرجته من ست مئة ألف حديث، وجعلته حجة بيني وبين الله تعالى.
حدث محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال: سمعت البخاري يقول: لو نشر بعض أستاذي هؤلاء، لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ، ولا عرفوه. ثم قال: صنفته ثلاث مرات.
وقال أيضاً: دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه، فلما حضرت صلاة الظهر صلى بالقوم. ثم قام للتطوع، فأطال القيام، فلما فرغ من صلاته، رفع ذيل قميصه فقال لبعض من معه: انظر، هل ترى تحت قميصي شيئاً؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعاً، وقد تورم من ذلك جسده، وكان آثار الزنبور في جسده ظاهرة، فقال له بعضهم: كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما أبرك؟! فقال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها.
قال محمد بن منصور: كنا في مجلس بي عبد الله محمد بن إسماعيل، فرفع إنسان من لحيته قذاة، فطرحها على الأرض. قال: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس رأيته مد يده، فرفع القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه. فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها فطرحها على الأرض.(22/27)
حدث أبو سعيد بكر بن منير قال: كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد أبو حفص، فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية، فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة. فجاءه من الغد تجار آخرون، فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم، فردهم وقال: إني نويت البارحة أن أدفع إليهم بما طلبوا - يعني الذين طلبوا أول مرة - ودفع إليهم بربح خمسة آلاف درهم، وقال: لا أحب أن أنقض نيتي.
وقال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً.
وثقه علماء الحجاز والعراق والشام وخراسان وسائر الأمصار وأقروا له بالفضل.
حدث إسحاق بن أحمد بن خلف قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: ما تصاغرت إلي نفسي إلا عند علي بن المديني. قال إسحاق: وسمعت أحمد بن عبد السلام يقول: ذكرنا قول محمد بن إسماعيل هذا لعلي بن المديني فقال: دعوا هذا فإن محمد بن إسماعيل لم ير مثل نفسه.
وقال يحيى بن جعفر: لو قدرت أن أزيد - يعني من عمري - في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمد بن إسماعيل ذهاب العلم.
قال محمد بن يوسف بن عاصم: رأيت لمحمد بن إسماعيل ثلاث مستملين ببغداد، وكان اجتمعوا في مجلسه زيادة على عشرين ألف رجل.(22/28)
قال محمد بن جابر: سمعت محمد بن يحيى لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور قال: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح فاسمعوا منه. قال: فذهب الناس إليه، وأقبلوا على السماع منه، حتى ظهر الخلل في مجالس محمد بن يحيى، فحسده بعد ذلك، وتكلم فيه.
وقال مسلم بن الحجاج:
لما قدم محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور، ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا بمحمد بن إسماعيل؛ استقبلوه مرحلتين وثلاث مراحل! وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً، فليستقبله، فإني أستقبله. فاستقبله محمد بن يحيى وعامة من أهل نيسابور، فدخل البلد، فنزل دار البخاريين. قال: فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه، وقع بيننا وبينه، ثم شمت بنا كل حروري وكل رافضي وكل جهمي وكل مرجئ بخراسان. قال: فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل، حتى امتلأ الدار والسطوح. قال: فلما كان اليوم الثاني أو الثالث، قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا. قال: فوقع بين الناس اختلاف؛ فقال بعضهم: قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال بعضهم: لم يقل. فوقع بينهم اختلاف، حتى تواثب بعضهم إلى بعض. فاجتمع أهل الدار، فأخرجوا الناس من الدار.
قال أبو حامد الأعمشي: رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان، ومحمد بن يحيى فسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث.. ومر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم، كأنه يقرأ " قل هو الله أحد " فما أتى على هذا شهر، حتى قال محمد بن يحيى: ألا من يختلف إلى مجلسه لا يختلف إلينا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ. ونهيناه فلم(22/29)
ينته. ولا تقربوه، ومن يقربه فلا يقربنا. فأقام محمد بن إسماعيل ههنا مدة، وخرج إلى بخارى.
وحدث أبو عمرو أحمد بن نصر النيسابوري المعروف بالخفاف، ببخارى، قال: كنا يوماً عند أبي إسحاق القرشي، ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذاب، فإني لم أقله. فقلت له: يا أبا عبد الله فقد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه. فقال: ليس إلا ما أقول. واحكي له عني. قال أبو عمرو الخفاف: فأتيت محمد بن إسماعيل، فناظرته في شيء من الحديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله، ههنا رجل يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة، فقال لي: يا أبا عمرو، احفظ ما أقول، من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذاب، فإني لم أقل هذه المقالة. إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة.
حدث أبو سعيد بكر بن منير قال: بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي، والي بخارى، إلى محمد بن إسماعيل أن أحمل إلي كتاب الجامع والتاريخ وغيرهما لأسمع منك. فقال محمد بن إسماعيل لرسوله: أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس. فإن كنت لك إلى شيء منه حاجة، فاحضرني في مسجدي أو في داري. وإن لم يعجبك هذا، فأنت سلطان، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة، لأني لم أكتم العلم، لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار ". قال: فكان سبب الوحشة بينهما هذا.(22/30)
قال عبد القدوس بن عبد الجبار المرقندي: جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك، قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم. قال: فسمعته ليلة من الليالي، وقد فرغ من صلاة الليل، يدعو، ويقول في دعائه: اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك. قال: فما تم شهر حتى قبضه الله تعالى. وقبره بخرتنك.
توفي محمد بن إسماعيل البخاري ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسي حدث عن أبي هاشم وريزة بن محمد بسنده إلى عمر بن الخطاب، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الإدام الخل ".
كان أبو عبد الله الفارسي ثقة فاضلاً. ولد سنة ثمان أو تسع وأربعين ومئتين، وتوفي سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل بن زياد أبو عبد الله - ويقال أبو بكر - البغدادي الدولابي حدث محمد بن إسماعيل الدولابي، عن أبي مسهر بسنده إلى أبي سعيد الخدري
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قال: " سمع الله لمن حمده " قال: " ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، كلنا لك عبد. لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".
كان الدولابي ثقة، وتوفي سنة أربع وسبعين ومئتين.(22/31)
محمد بن إسماعيل بن علي أبو علي الأيلي حدث بدمشق سنة ست وعشرين وثلاث مئة، عن إسحاق بن إبراهيم، بسنده إلى أنس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنة عمران، وخديجة بنة خويلد، وفاطمة بنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآسيا امرأة فرعون ".
محمد بن إسماعيل بن القاسم بن إبراهيم بن طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله العلوي الحسني المدني الرسي قدم دمشق في صحبة أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون حين توجه للقاء جيش ابن أبي الساج، فالتقيا بثنية العقاب من أرض دمشق.
حدث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل قال: لما تراءى الجيشان أمر بإلقاء حصير الصلاة، فألقيت، ونزلت معه، فصلى ركعتين، فلما استتمهما أدخل يده في خفه، فأخرج منه خط ابن أبي الساج الذي حلف فيه بوكيد الأيمان أنه لا يحاربه، فقال: اللهم إني رضيت بما أعطانيه من الأيمان بك، ووثقت بكفايتك إياي غدره بحلفه. واجترأ على الحنث بما أكده لي اغتراراً بحلمك عنه، فأدلني عليه. فرأيت ميمنة خمارويه قد انهزمت، وتبعتها ميسرته، فحمل في شرذمة يسيرة على جيش أبي الساج، وهو في غاية من الوفور، فانهزموا بأسرهم. فوقف على نشز، وأطفت ومن حضر به. فاستأمنت إلينا عدة كبيرة. فقلت له: أيها الأمير، إن مقامنا مع هذه الجماعة خطر، فأمرني بالمسير بهم إلى مستقر سواء، فسرت معهم، وأنا على(22/32)
رقبة مطمع فيه، أو كيد له. فبلغوا نهراً احتاجوا إلى عبوره، فرأيتهم قد خلعوا الخفاف، وحطوا الرحال، وسلكوا سلوك المطمئنين، فأنست إليهم.
قال سعيد بن يونس: محمد بن إسماعيل بن القاسم، مديني، كان يسكن الرس، قرية نحو المدينة. قدم مصر قديماً روى عن أبيه عن جده حديثاً في فضل حضور موائد آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان كريماً سخياً، وكانت له بمصر منزلة عند السلطان والعامة. توفي بمصر سنة خمس عشرة وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل بن القاسم بن الحسن أبو عبد الله الحداد البانياسي حدث عن أصل كتاب أحمد بن بكر، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال العبد في الصلاة، ما دام ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ".
محمد بن إسماعيل بن محمد بن يحيى بن يزيد بن دينار أبو حصين التميمي والد أبي الدحداح.
حدث أبو حصين محمد بن إسماعيل التميمي، عن أبيه، بسنده إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي بهما جميعاً: " لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً ".(22/33)
وحدث عن أبيه أيضاً بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصادق المصدوق: " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة.. " فذكر الحديث.
توفي أبو الحصن محمد بن إسماعيل الدمشقي سنة تسع ومئتين.
محمد بن إسماعيل بن محمد بن سلام أبو بكر الخشني، مولاهم، المعروف بابن البصال المعدل أصلهم من خراسان، وكان خليفة القاضي أبي محمد بن زبر على قضاء دمشق.
حدث أبو بكر المعروف بابن البصال عن أبي الوليد محمد بن أحمد، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة من خير، ما سقى كافراً منها شربة ".
كتب أبو الحسين الرازي بخطه في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن سلام الخشني ويعرف بابن البصال، شيخ جليل معدل، وكان أبوه محدثاً. مات في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل بن محمد أبو عبد الله البخاري قدم دمشق لزيارة القدس وسماع الحديث.
حدث عن أبي بكر أحمد بن علي، بسنده إلى سعد بن ابي وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أيمنع أحدكم أن يكبر في دبر كل صلاة عشراً، ويسبح عشراً، ويحمد عشراً، فذلك في خمس صلوات خمسون ومئة باللسان، وألف وخمس مئة في الميزان، وإذا أوى إلى(22/34)
فراشه كبر أربعاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مئة باللسان وألف في الميزان قال: ثم قال: وأيكم يعمل في يوم وليلة ألفين وخمس مئة سيئة؟! ".
قال الحافظ ابن عساكر: ذكر لي عن هذا البخاري عجائب ببغداد من الفسوق والكذب، وأنه غير اسمه وكنيته، وتكنى بمحمد بن إسماعيل تشبهاً بالبخاري. هلك ببغداد في البيمارستان، وكان قد حد في الشراب.
محمد بن إسماعيل بن مهران بن عبد الله أبو بكر النيسابوري المعروف بالإسماعيلي أحد الثقات الرحالين.
حدث عن علي بن ميمون العطار، بسنده إلى معاوية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل مسكر على كل مؤمن حرام ".
وحدث عن سوار بن عبد الله العنبري، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ولغ الكلب في الإناء، غسل سبع مرات، أولهن - أو أولاهن - بالتراب. وإذا ولغ الهر غسل مرة ".
توفي أبو بكر الإسماعيلي سنة خمس وتسعين ومئتين.(22/35)
محمد بن إسماعيل بن يوسف أبو إسماعيل السلمي الترمذي حدث عن الحسن بن سوار، بسنده إلى أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يتوارث أهل ملتين، المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ".
وعن سعيد بن أبي مريم، بسنده إلى العباس بن عبد المطلب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سجد العبد، سجد معه سبعة آراب: الجبهة وكفاه وركبتاه وقدماه ".
وعن محمد بن عبد الله الأنصاري، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن ".
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن إسماعيل بن يوسف كان فهماً متقناً مشهوراً بمذهب السنة، روى عنه أبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي في صحيحهما.
وقال الدارقطني: أبو إسماعيل الترمذي ثقة صدوق، تكلم فيه أبو حاتم.
توفي أبو إسماعيل الترمذي سنة ثمانين ومئتين.(22/36)
محمد بن إسماعيل أبو بكر المرثدي القاضي ولي قضاء دمشق نيابة عن عبد الله بن محمد بن الخصيب تسعة اشهر حتى مات الخصيبي. وكان محموداً على ما قيل. ثم ولي قضاء صيدا حتى توفي سنة تسع وأربعين وثلاث مئة.
محمد بن إسماعيل أبو بكر الفرغاني أحد مشايخ الصوفية، من أستاذي أبي بكر الدقي، وكان من مجتهدي أهل التصوف في العبادة وخلو اليد من العلوم.
حدث محمد بن إسماعيل الفرغاني قال: سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول: دخلت مسجد طرطوس، فرأيت فتيين جلوساً يتكلمان في علم الألفة، وسوء أدب الخلق، وحسن صنيع الله تعالى إليهم، وندمان نفوسهما فيما يجب لله تعالى عليهما. فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي، قد تحدثنا في العلم، فتعال حتى نعامل الله تعالى به، فيكون لعلمنا فائدة ومنفعة. فعزما على ألا يتناولا شيئاً مسته أيدي بني آدم، ولا ما للخليقة فيه صنع. قال أبو الحارث: فقلت: وأنا معكما. فقالا: إن شئت. فخرجنا من طرطوس، وجئنا إلى جبل لكام، فأقمنا فيه ما شاء الله. قال أبو الحارث: أما أنا فضعفت نفسي، وقام العلم بين عيني؛ لئن مت على ما أنت عليه، مت ميتة جاهلية. فتركت صاحبي، ورجعت إلى طرطوس، ولزمت ما كنت أعرفه من صلاح نفسي. وأقام صاحباي باللكام سنة، فلما كان بعد مدة دخلت المسجد، فإذا أنا بأحد الفتيين جالساً في المسجد، فسلمت عليه، فقال: يا أبا الحارث، خنت الله تعالى في عهدك، ولم تف به! أما إنك لو صبرت(22/37)
معنا، أعطيت ثلاثة أحوال، وقد أعطينا. فقلت: وما الثلاثة؟ قال: طي الأرض، والمشي على الماء، والحجبة إذا أردنا. واحتجب عني عقيب كلامه. فقلت: بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلا ظهرت لي حتى أسألك عن مسألة. فظهر لي وقال: سل يا أبا الحارث، وأوجز. فقلت: كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال: هيهات يا أبا الحارث! بعد الخيانة لا تقبل الأمانة. فكوى قلبي بكية لا تخرج من قلبي حتى ألقى الله، جل وعز.
قال أحمد بن علي الرستمي:
كان أبو بكر الفرغاني من أجل الصوفية، وكان من رسمه أنه يسيح، وكان معه كوز ضيق الرأس، فيه قميص نظيف رقيق. فإذا اشتهى دخول مدينة، تنظف، وتطهر، وأخرج ذلك القميص فلبسه. وكان يسافر بمفتاح منقوش، فإذا دخل المدينة، عمد إلى مسجد يصلي، فطرح المفتاح بين يديه. فكل من يراه، توهم أنه تاجر قد ترك بعض الخانات. فلا يفطن له إلا الخلصان من أولياء الله عز وجل. فدخل مصر مرة على هذا الزي، فعرف بها، واجتمع إليه الصوفية. فكان يوماً يتكلم عليهم، إذ عرض له خاطر السفر، فقام من مجلسه، وخرج معه نحو سبعين رجلاً من الصوفية فمشى في يومه فراسخ، لا يعرج إلى أحد، فيقطع من كان خلفه، وبقي منهم قليل، فالتفت إليهم فقال: كأني بكم وقد جعتم وعطشتم. فقالوا: نعم. فعدل إلى دير فيه صومعة لراهب، فلما دخلوا، أشرف الراهب على أصحابه فناداهم فقال: أطعموا رهبان المسلمين، فإن بهم قلة صبر على الجوع. فغضب من ذلك غضباً شديداً، ورفع رأسه إليه وقال: أيها الكافر، هل لك إلى خطة يتبين فيها الصابر من الجازع. قال: وما ذاك؟ قال: تنزل من صومعتك فتتناول من الطعام ما أحببت، ثم تدخل معي بيتاً، ونغلق علينا الباب، ويدلى إلينا من الماء قدر ما يتطهر به فأول من يظهر جزعه، ويستغيث من جوعه، ويستفتح الباب، يدخل في دين صاحبه كائناً من كان، على أني لم أذق من ثلاث ذواقاً. قال الراهب:(22/38)
لك ذلك. فنزل من صومعته، فأكل ما أحب، وشرب، ثم دخل مع أبي بكر بيتاً، وغلق الباب عليهما، والصوفية والرهبان يرصدونهما لا يسمعون لهما بحس أربعين يوماً. فلما كان في اليوم الحادي والأربعين سمعوا خشخشة الباب وقد تعلق بحده، ففتحوا الباب، فإذا الراهب قد تلف جوعاً وعطشاً، وإذا هو يستغيث بهم إشارة، فسقوه، واتخذوا له حريرة، فصبوها في حلقه، وأبو بكر الفرغاني ينظر ليهم. فلما رجعت إليه نفسه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ففرح أبو بكر، وجعل يتكلم على من في الدير من النصارى، حتى أسلموا عن آخرهم، وقدم بغداد، ومعه الراهب ومن أسلم من أولئك النصارى.
حدث أبو بكر الدقي قال: كان أبو بكر الفرغاني يأكل المنبوذ إلى أن ضعفت قوته. قال: فقال لنا: كنت جالساً يوماً بين الظهر والعصر، والناس يتنفلون، وليس يمكنني الصلاة قائماً، فأبكاني ذلك بكاءً شديداً أسفاً على الصلاة. ثم حملتني عيني، فإذا شخصان دخلا علي، فقال أحدهما لصاحبه: إن أبا بكر يبكي على الصلاة. فقال الآخر لي: يا أبا بكر لم تبكي؟ فقلت: أسفاً على الصلاة. قال: لا تبك فإن هذا الأمر ليس على هذا أسس. فقلت: يرحمك الله، فعلى ماذا أسس؟ فقال: على من أين؟ ولمن؟ يعني الورع.
مات أبو بكر الفرغاني سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن الأشعث بن قيس بن معد يكرب
ابن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية أبو القاسم الكندي الكوفي وأمه أم فروة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر.(22/39)
حدث عن عائشة أنها قالت: بينا أنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ استأذن رجل من اليهود، فأذن له، فقال: السام عليك. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك " قالت: فهممت أن أتكلم. قالت: ثم دخل الثانية فقال مثل ذلك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك " قالت: ثم دخل الثالثة فقال: السام عليكم، قالت: قلت: بل السام عليكم وغضب الله إخوان القردة والخنازير، تحيون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لم يحيه به الله! قالت: فنظر إلي فقال: " إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولاً فرددناه عليهم، فلم يضرنا شيئاً، ولزمهم إلى يوم القيامة. إنهم لا يحسدونا على شيء كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين ".
قال يزيد بن سويد: أذن معاوية للأحنف، وكان يبدأ بإذنه، ثم دخل محمد بن الأشعث، فجلس بين معاوية والأحنف. فقال معاوية: إنا لم نأذن له قبلك فتكون دونه، وقد فعلت فعال من أحس من نفسه ذلاً، إنا كما نملك أموركم، نملك إذنكم، فأريدوا منا ما نريد منكم، فإنه أبقى لكم.
قال محمد بن سعد في الطبقة الأولى من أهل المدينة:
محمد بن الأشعث بن قيس بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندي بن عفير. وأمه أم فروة بنت أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم.(22/40)
قال يحيى بن معين: أربعة محمد أبو القاسم: محمد بن الحنفية، ومحمد بن طلحة، ومحمد بن حاطب، ومحمد بن الأشعث.
وقال إبراهيم: كان محمد بن الحنفية يكنى أبا القاسم، وكان محمد بن الأشعث يكنى أبا القاسم، وكان يدخل على عائشة فكانت تكنيه به.
حدث سليمان بن يسار: أن محمد بن الأشعث أخبره أن عمة له يهودية أو نصرانية توفيت، وأن محمد بن الأشعث ذكر ذلك لعمر بن الخطاب، وقال له: من يرثها؟ فقال له عمر: يرثها أهل دينها. ثم إنه سأل عثمان بن عفان عن ذلك، فقال له عثمان بن عفان: أتراني نسيت ما قال لك عمر؟! ثم قال: يرثها أهل دينها.
قتل محمد بن الأشعث سنة سبع وستين.
قال الزبير بن بكار في تسمية ولد علي بن أبي طالب: عبيد الله بن علي، قدم على المختار بن أبي عبيد الثقفي حين غلب المختار على الكوفة، فلم ير عند المختار ما يحب.. فخرج من عنده فقدم البصرة، فجمع جماعة، فبعث إليه مصعب بن الزبير من فرق جماعته، وأعطاه الأمان، فأتاه عبيد الله، فأكرمه مصعب، فلم يزل عبيد الله مقيماً عنده، حتى خرج مصعب بن الزبير إلى المختار، فقدم بين يديه محمد بن الأشعث، فضم عبيد الله إليه، فكان مع محمد في مقدمة مصعب، فبيته أصحاب المختار، فقتلوا محمداً، وقتلوا عبيد الله تحت الليل. فلما قتل المختار، قال مصعب للأحنف بن قيس: يا أبا بحر، إنه ليتنغص علي هذا الفتح أن لم يكن عبيد الله بن علي ومحمد بن الأشعث حيين فيسرا به. أما إنه قتل عبيد الله شيعة أبيه، وهم يعرفونه. وكان قتلهما في سنة سبع وستين.(22/41)
محمد بن أشعث بن يحيى
الخزاعي الخراساني أحد قواد بني هاشم. ولاه المنصور دمشق بعد صالح بن علي، وكان ممن حضر حصار دمشق في أول سلطان بني هاشم.
قال خليفة بن خياط: وفيها - يعني سنة ثلاث وأربعين ومئة - وجه محمد بن الأشعث، وهو على مصر، أبا الأحوص العبدي في ستة آلاف إلى إفريقية، فنزل برقة، فلقي أبا الخطاب الإباضي قريباً من برقة، فهزم أبو الأحوص، ورجع إلى برقة، ومضى أبو الخطاب إلى طرابلس، فلقيه محمد بن الأشعث بلبدة، فقتل أبو الخطاب، ودخل ابن الأشعث القيروان.
ذكر الواقدي أن محمد بن الأشعث هذا مات بآمد مجتازاً سنة تسع وأربعين ومئة أو بعدها. وذكر الطبري أنه مات سنة تسع وأربعين ومئة.
محمد بن أصبغ
أبو بكر المصري قاضي دمشق خلافة عن القاضي أبي القاسم عبد الله بن محمد قاضي القضاة الملقب بالعزيز. قدم دمشق سنة ثلاث وسبعين وثلاث مئة.(22/42)
محمد بن أمية بن عبد الملك
أبو عبد الرحمن القرشي الأسيدي حدث عن عباس بن الوليد بن صبح، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، ومات لا يشرك بالله شيئاً، كان حقاً على الله أن يغفر له، هاجر أو مات في مولده " فقلنا: يا رسول الله، ألا نخبر بها الناس فليستبشروا بها؟ قال: " إن في الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله. ولولا أن أشق على المؤمنين، ولا أجد ما أحملهم عليه، ولا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا بعدي، ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل ".
محمد بن إياس بن عمرو
ابن المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي المؤملي سكن دمشق، له ذكر.
حدث ابن شهاب قال: كانت أم حبيب بنت قيس بن عمرو بن المؤمل ذات ميسم وجمال، فتزوجها محمد بن عمرو بن العاص ابن خالها، ففارقها. فخطبها غير واحد، فقالت: لا أنكح إلا المحمدين. فخطبها محمد بن أبي حذيفة بن عتبة، فتزوجته، فقتل عنها، فخطبها محمد بن أبي بكر الصديق، فتزوجته، فقتل عنها، فنكحت محمد بن جعفر بن أبي طالب، فمات عنها، فقدم عليها ابن عمها محمد بن إياس بن عمرو بن المؤمل، وكان بدمشق، فخطبها، فنكحته، فخرج بها إلى دمشق، فماتت عنده.(22/43)
محمد بن أيوب بن إسحاق
ابن عيسى بن إبراهيم بن يوسف بن تميم بن بحير أبو بكر الرافقي
قدم دمشق حاجاً سنة عشرين وثلاث مئة.
وحدث بها عن أبي العباس محمد بن علي، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فقه الرجل في دينه تعجيل فطره وتأخير سحوره. وتسحروا، فإنه الغداء المبارك ".
محمد بن أيوب بن حبيب بن يحيى
أبو الحسين - ويقال أبو عبد الله - المعروف بالصموت، الرقي نزيل مصر.
حدث عن هلال بن العلاء، بسنده إلى عمران بن الحصين قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطرف عمامتي من ورائي فقال: " يا عمران، إن الله يحب الإنفاق، ويبغض الإقتار. أنفق، وأطعم، ولا تصر صراً، فيعسر عليك الطلب، واعلم أن الله يحب النظر النافذ عند الشبهات، والعقل الكامل عند نزول الشهوات، ويحب السماحة، ولو على تمرات، ويحب الشجاعة، ولو على قتل حية أو عقرب ".
محمد بن أيوب بن الحسن
أبو بكر من أهل داريا.(22/44)
حدث عن الحسن بن علي بن خلف الصيدناني، بسنده إلى أني بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن الملائكة قالوا: ربنا خلقتنا، وخلقت بني دم، فجعلتهم يأكلون الطعام، ويشربون الشراب، ويلبسون الثياب، ويأتون النساء، ويركبون الدواب، وينامون، ويستريحون، ولم تجعل لنا من ذلك شيئاً، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة. فقال عز وجل: لا أجعل من خلقته بيدي، ونفخت فيه من روحي كمن قلت له: كن، فكان ".
محمد بن أيوب بن مشكان
أبو عبد الله النيسابوري حدث بدمشق، وببيت المقدس.
روى عن المستحر بن الصلت، بسنده إلى حبيب بن مسلمة قال: نفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثلث بادئاً، والربع راجعين. أو قال: الربع بادئاً والثلث راجعين.
محمد بن أيوب بن ميسرة بن حلبس
أبو بكر الجبلاني دمشقي.
حدث عن أبيه، عن بسر بن أرطاة قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ".(22/45)
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لا بأس به، هو صالح الحديث، وليس بمشهور.
محمد بن أيوب الجسراني
قال الحافظ ابن عساكر: أظنه من أهل جسرين، قرية بالغوطة.
حدث محمد بن أيوب الجسراني عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى ابن مسعود، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط، فيكبو مرة، ويمشي مرة، وتسفعه النار مرة. فإذا جاوزها، التفت إليها فقال: الحمد لله الذي نجاني منك، لقد أعطاني شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين. فترفع له شجرة، فيقول: يا رب، أدنني منها أستظل بظلها. فيقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم، لعلي إن أعطيتك تسألني غيرها.. " وذكر الحديث، كذا فيه لم يزد عليه.
محمد بن بركات بن محمد
أبو عبد الله المقدسي، الدهان المفصص سكن دمشق.
روى عن عبد الله بن الحسن التنيسي، بسنده إلى ابن عباس قال: استدبرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ساجد، فرأيت بياض إبطيه.
قال الحافظ ابن عساكر: كان أبو عبد الله شيخاً مستوراً، مواظباً على صلاة الجماعة. توفي بعد العشرين وخمس مئة.(22/46)
محمد بن بركة بن الحكم بن إبراهيم
ابن الفرداج أبو بكر الحافظ الحميري اليحصبي القنسريني، المعروف ببرداغس سكن حلب، ثم قدم دمشق.
وحدث بها عن أحمد بن محمد بن أبي رجاء، بسنده إلى أم الدرداء قالت: دخل علي أبو الدرداء مغضباً، فقلت: ما لك؟ فقال: ما أعرف مع الناس شيئاً مما كنا فيه على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذه الصلاة في جماعة.
وحدث عن أبي داود، بسنده إلى عامر بن ربيعة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العجماء جرحها جبار ".
قال ابن ماكولا: محمد بن بركة بن الفرداج القنسريني، يعرف ببرداغس، كان حافظاً.
وضعفه الدارقطني. توفي محمد بن بركة برداغس سنة سبع وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن بزال
أبو عبد الله القائد المعروف بقائد الجيوش مختار الدولة ولي إمرة دمشق بعد أبي المطاع بن حمدان في أيام الملقب بالحاكم، قدمها لعشر خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وأربع مئة، وسار عنها معزولاً سلخ المحرم من سنة ست وأربع مئة، فكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر وثمانية عشر يوماً.(22/47)
محمد بن بشر بن موسى بن مران
أبو بكر القراطيسي أصله من أنطاكية، وسكن دمشق.
حدث أبو بكر الأنطاكي القراطيسي، عن الحسن بن عرفة، بسنده إلى ابن عمر أنه كان يكره الاشتراط في الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ سمع أبو بكر سنة عشرين وثلاث مئة.
محمد بن بشر بن يوسف بن إبراهيم بن حميد بن نافع
أبو الحسن القرشي القزاز، يعرف بابن ماموية مولى عثمان بن عفان، من سكان المربعة، قرأ القرآن بحرف ابن عامر.
حدث محمد بن بشر مولى عثمان بن عفان، عن هشام بن خالد، بسنده إلى ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما خلق الله عز وجل جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلمي. فقالت: قد افلح المؤمنون - زاد في رواية - ثم قالت: أنا حرام على كل بخيل ومراء ".
وحدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في صلاة الصبح من يوم الجمعة " ألم. تنزيل " السجدة، و" هل أتى على الإنسان ".(22/48)
سئل الدارقطني عن محمد بن بشر، ابن ماموية القزاز، بدمشق فقال: صالح.
توفي محمد بن بشر القزاز بدمشق سنة إحدى وثلاث مئة.
محمد بن بشر الأسدي الحريري الكوفي
حدث عن زنبور، بسنده إلى عائشة قالت: مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرنا أن نصب عليه ماءً من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن. فوضعناه في مخضب لحفصة، ثم شتا عليه الماء، حتى أشار بيده أن كفوا. قالت: قم صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد، فسدوا هذه الشوارع كلها في المسجد إلا خوخة أبي بكر، فإنه ليس امرؤ أمن علينا في إخائه وذات يده من ابن أبي قحافة ".
مات محمد بن بشر الحريري سنة سبع وعشرين ومئتين.
محمد بن بكار
وفد على هشام.
وحدث عن الزهري، بسنده إلى عبد الله بن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما ترك عبد لله أمراً، لا يتركه إلا له، إلا عوضه الله ما هو خير له في دينه ودنياه ".
محمد بن بكار بن بلال
أبو عبد الله العاملي قاضي دمشق.(22/49)
حدث محمد بن بكار، عن سعيد بن بشر، بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلى الصبح قبل أن تطلع الشمس، فليمض في صلاته ".
وعنه أيضاً، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الملك في قريش، ولهم عليكم حق، ولكم عليهم مثله، ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا. وعاهدوا فوفوا. فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ".
وعنه أيضاً، بسنده إلى سمرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لكل نبي حوضاً يتباهون به أنهم أكثر واردة. وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة ".
وثقوه.
قال الحسن بن محمد بن بكار: توفي أبي أبو عبد الله محمد بن بكار بن بلال العاملي في سنة ست عشرة ومئتين، وكان مولده في سنة اثنتين وأربعين ومئة، فكانت وفاته وهو ابن أربع وسبعين سنة.
محمد بن بكار بن يزيد بن بكار
ابن يزيد بن المرزبان بن مران بن أوس بن وداعة بن ضمام بن سكسك أبو الحسن السكسكي من أهل بيت لهيا، وكان قاضيها.(22/50)
حدث أبو الحسن السكسكي عن العباس بن الوليد، بسنده إلى أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا يزال بدمشق عصابة يقاتلون على الحق، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون ".
وحدث عن محمد بن إسماعيل، بسنده إلى عائشة قالت: " سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل طلق امرأته، فتزوجت زوجاً غيره، فدخل بها، ثم طلقها قبل أن يواقعها، أتحل لزوجها الأول؟ قال: " لا، حتى يذوق عسليتها، وتذوق عسليته ".
توفي أبو الحسن محمد بن بكار بن يزيد السكسكي سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن بكران بن أحمد بن عبد الله
أبو بكر الطرسوسي نزيل الرملة.
حدث عن أبي سهل محمد بن مران الطرزي، بسنده إلى أم سلمة قالت: أنشأ - تعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الخندق، وهو يعاطيهم اللبن، وقد اغبر شعر صدره، وهو يقول: من الرجز
اللهم إن الخير خير الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره
وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب إغاثة اللهفان ".(22/51)
قال علي بن محمد الحنائي: أبو بكر الطرسوسي الشيخ النبيل، كان من عباد الله الصالحين.
محمد بن بكر بن إلياس بن بيان
أبو جعفر الخوارزمي الحافظ، المعروف بمحمد بن أبي علي ختن أبي الأذان عمر بن إبراهيم.
حدث بدمشق عن يزيد بن عبد الصمد الدمشقي، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا وضع العشاء، وحضرت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء ".
قال أبو نعيم: محمد بن بكر بن إلياس صاحب غرائب، كثير الحديث.
محمد بن بكير بن واصل بن مالك
ابن قيس بن جابر بن ربيعة أبو الحسين الحضرمي البغدادي حدث عن عبد الرحمن بن زيد، بسنده إلى أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار ".
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن محمد بن بكير الحضرمي فقال: صدوق عندي، يغلط أحياناً.(22/52)
وقال أبو نعيم الحافظ: محمد بن بكير بن واصل، قدم أصبهان سنة ست عشرة ومئتين، وتوفي بعد العشرين، وهو صاحب غرائب.
وثقه محمد بن غالب، ويعقوب بن شيبة.
محمد بن بوري بن طغتكين
أبو المظفر، المعروف بجمال الدين كان أبوه قد ولاه بعلبك في حياته، فأقام واليها سنين، ثم ولي أمر دمشق في شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة. وكان ضعيف السيرة، ولم تطل مدته، فمات في ثامن شعبان سنة أربع وثلاثين.
محمد بن بيان بن محمد
أبو عبد الله الكازروني الفقيه الشافعي قدم دمشق حاجاً.
حدث عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: جمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنت آخر من أتاه، ونحن أربعون رجلاً، فقال: " إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم. فمن أدرك ذلك، فليتق الله عز وجل، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، وليصل الرحم. ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ".(22/53)
محمد بن تمام اللخمي
من أهل دمشق حدث عن منبه بسنده إلى فضالة بن عبيد وتميم الداري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرأ عشر آيات في ليلة، كتب من المصلين، ولم يكتب من الغافلين. ومن قرأ خمسين آية، كتب من الحافظين. ومن قرأ مئة آية، كتب من القانتين. ومن قرأ ثلاث مئة آية، لم يحاجه القرآن في تلك الليلة، ويقول ربك عز وجل: لقد نصب عبدي في. ومن قرأ ألف آية، كان له قنطار؛ القيراط منه خير من الدنيا وما فيها. فإذا كان يوم القيامة قيل له: اقرأ وارقه. فكلما قرأ آية، صعد درجة، حتى ينتهي إلى ما معه، ويقول الله عز وجل له: اقبض بيمينك على الخلد، وشمالك على النعيم ".
مات محمد بن تمام بعد الستين ومئتين.
محمد بن تمام بن صالح
أبو بكر النهراني، الحمصي ثم السلماني من أهل سلمية.
حدث عن المسيب بن واضح، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المجاهد في سبيل الله كالقانت الصائم الذي لا يفتر، حتى يرجع إلى أهله بما رجع من أجر أو غنيمة، أو يتوفاه فيدخله الجنة ".
وحدث عن عمرو بن عثمان، بسنده إلى ابن عباس وأبي هريرة قالا: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن شريطة الشيطان. يعني التي لا تقطع أوداجها.
توفي أبو بكر محمد بن تمام سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة.(22/54)
محمد بن توبة
أبو بكر الطرسوسي الزاهد سكن دمشق.
حدث محمد بن توبة، عن روح، عن عمر بن سعيد قال: أهدى عبد الله بن عامر بن كريز إلى عائشة هدية، فظنت أنه عبد الله بن عمرو، فردتها، وقالت: يتتبع الكتب، وقد قال الله عز وجل: " أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم "، فقيل لها: إنه عبد الله بن عامر، فقبلتها.
محمد بن ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرئ القيس
ابن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي ولد على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحنكه بريقه، وكانت له بدمشق دار، على ما قيل.
قال ابن منده: محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، ولد في زمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تصح له صحبة.
حدث محمد بن ثابت بن قيس: أن أباه ثابتاً فارق أمه جميلة، وهي حاملة بمحمد، فلما وضعت، حلفت ألا تلبنه من لبنها، فجاء به ثابت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خرقة، فأخبره بالقصة. فقال: أدنه مني. قال: فأدنيته منه. فبزق في فيه، وسماه محمداً، وحنكه بتمرة عجوة، وقال: اذهب به فإن الله عز وجل رازقه.(22/55)
وحدث عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه دخل عليه فقال: " اكشف الباس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس " ثم أخذ تراباً من بطحان، فجعله في قدح ماء، ثم صبه عليه.
وأخبر قال: لما انكشف المسلمون يوم اليمامة، قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحفر لنفسه حفرة، وقام فيها، ومعه راية المهاجرين يومئذ، فقاتل حتى قتل، رحمه الله، يوم اليمامة شهيداً سنة اثنتي عشرة. وذلك في خلافة أبي بكر.
ذكر أبو الحسين الرازي، بأسانيده عن شيوخه الدمشقيين: أن الدار المعروفة بدار البراد الكبيرة، كانت دار ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الصحابي، ثم كانت لعبد الله ومحمد ابني ثابت بن قيس بن شماس. وهي حبس كان عبد الله ومحمد ابني ثابت حبساها على أولادهما. ومن ولدهما في الغوطة في قرية يقال لها عربيل.
وفي هذا نظر؛ فإن ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر قبل فتح دمشق، بلا خلاف بين أهل السيرة، فكيف تكون له بدمشق دار؟ ولعل الدار كانت لابنيه. والله أعلم. وقد روي أن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس كان غازياً بالشام، وأرسله يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة قبل الحرة.
قال خليفة بن خياط: محمد بن ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. وأمه جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول. قتل هو وأخواه يحيى وعبد الله بنو ثابت يوم الحرة.(22/56)
محمد بن جابر بن حماد
أبو عبد الله المروزي الفقيه الحافظ حدث عن كثير بن محمد التميمي، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من آتاه الله وجهاً حسناً، واسماً حسناً، وجعله في موضع فير شائن له، فهو من صفوة الله في خلقه ". قال ابن عباس: قال الشاعر:
أنت شرط النبي إذ قال يوماً ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه
قال أبو عبد الله محمد بن جابر: رأيت من لا يحصى كثرة من الأئمة المقتدى بهم يرفعون أيديهم إذا كبروا لافتتاح الصلاة حذو مناكبكم، وإذا ركعوا، وإذا رفعوا رؤوسهم من الركوع. فإن قال قائل: فإن مالك بن أنس لم يكن يرفع يديه إلا عند الافتتاح، وهو أحد أعلامكم الذين تقتدون بهم، قيل له: صدقت، هو من كبار من يقتدى به، ويحتج به، وهو أهل لذلك، رحمة الله عليه، ولكنك لست من العلماء بقوله: حدثنا حرملة بن عبد الله التجيبي، أنبأنا عبد الله بن وهب قال: رأيت مالك بن أنس يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع من الركوع. قال أبو عبد الله: فذكرت ذلك لمحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهو ناب أصحاب مالك بمصر والعالم بقوله وما مات مالك عليه، فقال: هذا قول مالك وفعله الذي مات عليه، وهو السنة، وأنا عليه، وكان حرملة على هذا.
مات أبو عبد الله الحافظ سنة سبع وسبعين ومئتين، وهو في حد الكهولة.
محمد بن جبير بن مطعم بن عدي
ابن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو سعيد القرشي ثم النوفلي من أهل مكة، وفد دمشق على معاوية وعلى عبد الملك بن مروان.(22/57)
حدث محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بالطور في المغرب.
وكان يحدث: أنه بلغ معاوية - وهو عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدث أنه سيكون ملك من قحطان. فغضب معاوية، فقام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث - وفي رواية: بأحاديث - ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأولئك جهالكم. فإياكم والأماني التي تضل أهلها. فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن هذا الأمر في قريش. لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ".
حدث محمد بن سعد قال: في الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ويكنى أبا سعيد. توفي بالمدينة زمن عمر بن عبد العزيز.
قال إبراهيم بن الحارث التيمي:
قدم محمد بن جبير بن مطعم على عبد الملك بن مروان، وكان من علماء قريش، فقال له عبد الملك: يا أبا سعيد، ألم نكن - يعني بني عبد شمس - وأنتم - يعني بني نوفل - في حلف الفضول؟ قال: أنت أعلم يا أمير المؤمنين. قال: لتخبرني بالحق من ذلك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، لقد خرجنا نحن وأنتم منه، وما كانت يدنا ويدكم إلا جميعاً في الجاهلية والإسلام.
روي عن محمد بن جبير بن مطعم أنه احتسب بعلمه، وجعله في بيت، وأغلق عليه باباً، ودفع المفتاح إلى مولاة له، وقال لها: من جاءك يطلب منك مما في هذا البيت شيئاً، فادفعي إليه المفتاح. ولا تذهبي من الكتب شيئاً.(22/58)
قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: وكان محمد بن جبير وأخوه نافع بن جبير ينزلان دار أبيهما بالمدينة. وتوفي محمد في خلافة سليمان بن عبد الملك. وكان محمد ثقة قليل الحديث.
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب
أبو جعفر الطبري الإمام، صاحب التصانيف المشهورة، قرأ القرآن العظيم على العباس بن الوليد ببيروت.
حدث محمد بن جرير الطبري، عن أحمد بن منيع، بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لضباعة: " حجي، واشترطي أن محلي حيث حبستني ".
وحدث عن بشر بن دحية، بسنده إلى جابر بن عبد الله، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ختم له عند موته بلا إله إلا الله، دخل الجنة ".
وحدث عن أبي زرعة الرازي، بسنده إلى ابن عباس قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجل مكشوفة فخذه، فقال له: " غط فخذك. فإن فخذ الرجل من العورة ".
قال أبو بكر الخطيب: استوطن الطبري بغداد، وأقام بها إلى حين وفاته. وكان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد(22/59)
من أهل عصره. وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين من الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم. وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، وكتاب في التفسير، لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه تهذيب الآثار، لم أر سواه في معناه إلا أنه لم يتمه. وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه.
ذكر أبو محمد عبد اللطيف بن أحمد بن جعفر الفرغاني: أن مولد الطبري بآمل سنة أربع وعشرين ومئتين.
حدث أبو علي هارون بن عبد العزيز: أن أبا جعفر لما دخل بغداد، وكانت معه بضاعة يتقوت منها، فسرقت، فأفضت به الحال إلى بيع ثيابه وكمي قميصه. فقال له بعض أصدقائه: تنشط لتأديب ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان؟ قال له: نعم. فمضى الرجل، فأحكم له أمره، وعاد إليه، فأوصله إلى الوزير بعد أن أعاره ما يلبسه. فلما رآه عبيد الله قربه ورفع مجلسه، وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر، فاشترط عليه أوقات طلبه العلم والصلوات والأكل والشرب والراحة في حينها، وسأل إسلافه رزق شهر ليصلح به حاله. ففعل ذلك به، وأدخل في حجرة التأديب، فأجلس فيها. وكان قد فرش له. وخرج إليه الصبي، وهو أبو يحيى، فلما جلس، بين يديه كتبه، فأخذ الخادم اللوح، ودخلوا مستبشرين؛ فلم تبق جارية إلا أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير، فرد الجميع وقال: قد شورطت على شيء، وما هذا لي بحق، وما آخذ غير ما شورطت عليه. فعرف الجواري الوزير ذلك، فأدخله إليه، وقال له: يا أبا جعفر، سررت أمهات الأولاد في ولدهن، فبررنك، فغممتهن بردك ذلك! فقال له: ما أريد غير ما وافقتني عليه. وهؤلاء عبيد، والعبيد لا يملكون شيئاً. فعظم ذلك في نفسه. وكان ربما أهدى إليه بعض أصدقائه الشيء(22/60)
من المأكول فيقبله اتباعاً للسنة ويكافئه لعظم مروءته أضعافاً، وربما يجحف به. فكان أصدقاؤه يجتنبون مهاداته.
وروى الخطيب أيضاً من طريقه:
أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة. وأنه قيل: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً. وأنه قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة. فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه. فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال: هل تنشون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحواً مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله، ماتت الهمم. فاختصره في نحو ما اختصر التفسير.
كتب المراغي إلى الفرغاني يقول: لما تقلد الخاقاني الوزارة، وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير، فامتنع من قبوله، فعرض عليه القضاء، فامتنع، فعرض عليه المظالم، فأبى، فعاتبه بعض أصحابه وقالوا: لك في هذا ثواب، وتحيي سنة قد درست. فطمعوا في قبوله المظالم، فباكروه، ليركب معهم لقبول ذلك، فانتهرهم، وقال: كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه، ولامهم. قال: فانصرفنا من عنده خجلين.
وقال أبو علي الطوماري: كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر بن مجاهد إلى المسجد لصلاة التراويح. فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره، واجتاز على مسجده، فلم يدخله، وأنا معه، وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش، فوقف بباب مسجد محمد بن جرير، ومحمد يقرأ سورة الرحمن، فاستمع قراءته طويلاً، ثم انصرف، فقلت له:(22/61)
يا أستاذ، تركت الناس ينتظرونك، وجئت تسمع قراءة هذا؟! قال: يا أبا علي دع هذا عنك. ما ظننت أن الله تعالى خلق بشراً يحسن يقرأ هذه القراءة. أو كما قال.
وقال محمد بن علي بن محمد بن سهل، المعروف بابن الإمام، صاحب محمد بن جرير الطبري: سمعت أبا جعفر محمد بن جرير الطبري الفقيه، وهو يكلم المعروف بابن صالح الأعلم، وجرى ذكر علي بن أبي طالب، فجرى خطاب، فقال له محمد بن جرير: من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدىً، أيش هو؟ قال: مبتدع. فقال له الطبري إنكاراً عليه: مبتدع، مبتدع! هذا يقتل، من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدىً يقتل يقتل! حدث عثمان بن أحمد الدينوري قال: حضرت مجلس محمد بن جرير الطبري، وحضر الوزير الفضل بن جعفر بن الفرات، وكان سبقه رجل للقراءة، فالتفت إليه محمد بن جرير فقال: ما لك لا تقرأ؟ فأشار الرجل إلى الوزير. فقال له: إذا كانت لك النوبة، فلا تكترث لدجلة ولا الفرات! أنشد محمد بن جرير الطبري: من الوافر
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي ... وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مطالبتي رفيقي
ولو أني سمحت ببذل وجهي ... لكنت إلى الغنى سهل الطريق
وأنشد أيضاً: من الكامل
خلقان لا أرضى طريقهما ... بطر الغنى ومذلة الفقر
فإذا غنيت فلا تكن بطراً ... وإذا افتقرت فته على الدهر
قال أحمد بن كامل القاضي: توفي أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في وقت المغرب من عشية الأحد ليومين بقيا من شوال، سنة عشر وثلاث مئة، ودفن وقد أضحى النهار من يوم الاثنين غد ذلك(22/62)
اليوم، في داره برحبة يعقوب، ولم يغير سيبه، وكان السواد في شعر رأسه ولحيته كثيراً. وأخبرني أن مولده في آخر سنة أربع - أو أول سنة خمس - وعشرين ومئتين. وكان أسمر إلى الأدمة أعين نحيف الجسم مديد القامة فصيح اللسان. ولم يؤذن به أحد، واجتمع عليه من لا يحصيهم عدداً إلا الله، وصلي على قبره عدة شهور ليلاً ونهاراً، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب، فقال ابن الأعرابي في مرثية له طويلة: من الخفيف
حدث مفظع وخطب جليل ... دق عن مثله اصطبار الصبور
قام ناعي العلوم أجمع لما ... قام ناعي محمد بن جرير
فهوت أنجم لها زاهرات ... مؤذنات رسومها بالدثور
وغدا روضها الأنيق هشيماً ... ثم عادت سهولها كالوعور
يا أبا جعفر مضيت حميداً ... غير وان في الجد والتشمير
بين أجر على اجتهادك موفو ... ر وسعي إلى التقى مشكور
مستحقاً به الخلود لدى جن ... نة عدن في غبطة وسرور
محمد بن جعفر بن إبراهيم بن عيسى
أبو جعفر النسوي الرامراني الفقيه أنبأنا أبو عبد الله الحافظ قال: محمد بن جعفر بن إبراهيم بن عيسى النسوي أبو جعفر الفقيه، من أهل الرامران، وهي قرية على أقل من فرسخ من مدينة نسا. وكان أبو جعفر من الفقهاء الثقات المعدلين. وكان حسن الحديث، صحيح الأصول. توفي سنة ستين وثلاث مئة.
محمد بن جعفر بن الحسن بن سليمان
ابن علي بن صالح أبو الفرج، يعرف بابن صاحب المصلى، البغدادي حدث محمد بن جعفر البغدادي، عن إبراهيم بن مروان المرواني، بسنده إلى أم كرز قالت:(22/63)
سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العقيقة فقال: " عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة ".
ضعفه أبو بكر الخطيب وغيره، لكثرة أوهامه وسوء ضبطه.
محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد
أبو بكر البغدادي، الحافظ المفيد، يلقب غندراً رحال جماع.
حدث محمد بن جعفر غندر الحافظ، عن الحسن بن شبيب المعمري، بسنده إلى أبي هريرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالمضمضة والاستنشاق.
حدث أبو عبد الله الحافظ قال: محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد المفيد أبو بكر البغدادي الملقب بغندر. وكان يحفظ سؤالات شيوخه، ويعرف رسوم هذا العلم. أقام بنيسابور سنين، وكان يفيدنا، وخرج لي أفراد الخراسانيين من حديثي. ثم إنه خرج إلى مرو، وبقي بها.
سمع ببغداد وبالجزيرة وبالشام، ثم دخل البصرة والأهواز وخوزستان وأصبهان والجبال ودخل خراسان وما وراء النهر إلى الترك، وعلى طريق بلخ إلى سجستان، وكتب من الحديث ما لم يتقدمه فيه أحد كثرة. ثم استدعي إلى الحضرة ببخارى، ليحدث بها، من مرو، فتوفي رحمه الله في المفازة سنة سبعين وثلاث مئة.
محمد بن جعفر بن خالد الدمشقي
صنف كتاباً في فتوح الشام.(22/64)
محمد بن جعفر بن عبيد الله
ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي كان مع بني العباس الذين خرجوا من الحميمة إلى الكوفة في أول أمر بني العباس. له ذكر. وكان المنصور معجباً به، وكان كريماً يسأله حوائج الناس، فيقضيها له.
محمد بن جعفر بن عبيد الله بن صالح
أبو عبد الله الحميري الكلاعي الحمصي حدث عن أبي سهل محمد بن هارون الطرزي، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً ".
وحدث عن أبي علي يونس بن أحمد، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده ".
محمد بن جعفر بن علي بن محمد بن جعفر بن جبارة
أبو جعفر الجوهري حدث عن أبي القاسم عبد الجبار بن أحمد بن محمد السمرقندي، بسنده إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "(22/65)
من عزى أخاه المؤمن في مصيبته، كساه الله حلة خضراء يحبر بها " قيل: يا رسول الله، ما " يحبر بها "؟ قال: " يغبط بها ".
محمد بن جعفر المتوكل بن محمد
المعتصم بن هارون الرشيد ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو أحمد الناصر لدين الله، المعروف بالموفق قدم دمشق مع أبيه جعفر المتوكل.
قال الموفق: صدق المأمون حيث يقول: الفلك أدق من أن يبقى على حال. فانتهزوا أوقات فرص الزمان من السرور، واعتقدوا المنن في أعناق الرجال، فتكونوا قد جمعتم الأمرين: أخذ الحظ من السرور قبل فوته، وبقيتم لأنفسكم الذكر الجميل، ولأعقابكم الصنائع المحمودة، فإن السرور في الدنيا لمع، والعوارض بالغموم والمكروه لا تعدم فيها، وليس تدوم لا على السراء ولا على الضراء.
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بالله، يكنى أبا أحمد، ولقبه الموفق بالله. كان أخوه المعتمد قد عقد له ولاية العهد بعد ابنه جعفر، فمات الموفق قبل موت المعتمد بسنة وأشهر. ويقال إن اسمه كان طلحة.
حدث عبد الله الألوسي قال: لما صار جيش الدعي بالبصرة إلى النعمانية، طرحت رقعة في دار الناصر مختومة، فجاؤوا بها إلى الموفق فقال: فيها عقرب لا شك. ففتحوها، فإذا فيها: من الوافر
أرى ناراً تأجج من بعيد ... لها في كل ناحية شعاع(22/66)
وقد نامت بنو العباس عنها ... وأضحت وهي غافلة رتاع
كما نامت أمية ثم هبت ... لتدفع حين ليس لها دفاع
فأمر الموفق ساعته بالارتحال إلى البصرة.
قال إسماعيل بن علي: كان المعتمد على الله عقد العهد بعده لابنه جعفر، وسماه المفوض إلى الله، وعقد العهد بعد ابنه جعفر لأخيه أبي أحمد، وسماه الموفق بالله. وكان هذا العقد يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة إحدى وستين ومئتين. وكان جعفر يومئذ صغيراً، فشرط في العهد: إن حدث به حدث الموت، ولم يبلغ جعفر ويكمل الأمر، أن يكون الأمر لأبي أحمد أولاً، ثم لجعفر من بعده. فلم يزل أمر أبي أحمد يقوى ويزيد، حتى صار الجيش كله تحت يده، والأمر كله إليه، وكان قتل صاحب الزنج بالبصرة على يديه، فملك الأمر، وأحبه الناس، وأطاعوه. وتسمى بعد قتل البصري الخارجي بالناصر لدين الله مضافاً إلى الموفق بالله، فكان يخطب له على المنابر بلقبين يقال: اللهم أصلح الأمير الناصر لدين الله أبا أحمد الموفق بالله ولي عهد المسلمين أخا أمير المؤمنين.
وفي رواية: ولما غلب الموفق على الأمر حظر على المعتمد، واحتاط عليه وعلى ولده، وجمعهم في موضع واحد، ووكل بهم، وأجرى الأمور في مجاريها، فلم يزل على ذلك إلى أن توفي ليلة الخميس لثمان بقين من صفر سنة ثمان وسبعين ومئتين في القصر المعروف بالحسني، على شاطئ دجلة، ودفن في الرصافة ليلاً، وله من السن يومئذ تسع وأربعون سنة تنقص شهراً وأياماً. وأمه أم ولد.
محمد بن جعفر بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد
ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبو عيسى بن المتوكل الهاشمي قدم مع أبيه دمشق.(22/67)
كتب أبو محمد عبد الله بن محمد الخطابي الشاعر بخطه: أنه لما عزم المعتمد على الخروج إلى الشام، والموفق إذ ذاك يحارب الخائن بالبصرة، والدنيا مضطربة، أشار عليه أبو عيسى بن المتوكل أخوه ألا يفعل، وحرص به، فأبى عليه. فقال أبو عيسى، وعمل فيه لحناً: من المتقارب
أقول له عند توداعه ... وكل بعبرته مبلس
لئن قعدت عنك أجسامنا ... لقد سافرت معك الأنفس
وقال، وقد أمر بالركوب لينحدر من سر من رأى: من مجزوء الخفيف
سيكون الذي قضي ... سخط العبد أو رضي
ليس هذا بدائم ... كل هذا سينقضي
ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد بن القواس الوراق: أن أبا عيسى بن المتوكل وعبد الله وحمزة ابني المعتز حملوا من سر من رأى، فأدخلوا بغداد يوم الجمعة مستهل شعبان سنة تسع وسبعين ومئتين.
حدث عبد الله بن عبد الملك المعروف بالهدادي الشاعر قال:
كان السبب في قتل أبي عيسى بن المتوكل أن أبا عيسى كاتب أبا الجيش في أمر ضيعته، وكان النهيكي وكيله في ضياعه بدمشق، فتخلف عن أبي عيسى من مالها ستة عشر ألف دينار، فاستأذن أبا القاسم بن سليمان في مكاتبة أبي الجيش، ليستعين به على النهيكي، واستأذن المعتضد، وهو إذ ذاك ولي العهد، فأذن لأبي عيسى في مكاتبة أبي الجيش، فاتصلت بهذا السبب بينهما المكاتبة، وأهدى إلى أبي الجيش هدايا لها قيمة. فلما علم النهيكي بمكاتبته أبا الجيش، خاف أبا الجيش على نفسه، وكتب إلى السلطان: إن أردتم دولتكم وخلافتكم، فاستوثقوا من أبي عيسى بن المتوكل، فإنه قد كاتب أبا الجيش، وقد مال إليه أهل مصر جميعاً. فوجه المعتضد جنى الصغير، فأقام بسر من رأى شهرين قبل أن يحدث على أبي عيسى ما حدث، فلما أن أفضت الخلافة إلى المعتضد، وجه إلى جنى أن يحمل أبا عيسى إليه، فوجه بإنسان من المستأمنة، يعرف بالشعراني في حمل(22/68)
أبي عيسى إلى بغداد، وتقدموا إليه في قتله في الطريق، وأن يحمل رأسه إليهم. قال الهدادي: وكنت قاعداً بين يدي أبي عيسى بعد صلاة الغداة، ودخل الغلمان فقالوا: جنى بالباب. فقال لي: الحجرة. فقمت. وأذن له، فدخل إليه فقال: لأي شيء قصدتني، وما تريد؟ قال: تركب معي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، نبايع لأمير المؤمنين المعتضد. فقال له: إني قد أمرت بإصلاح حراقة، وقد فرشت، وقد كتبت استأذن في الانحدار إلى أمير المؤمنين، فإن كنت أمرت بشيء فأعلمني، فحلف له أنه ما أمر فيه بشيء، وإنما يريد منه أن يبايع. فركب، وكان آخر العهد به. فلما كان في بعض الطريق، قال له: اعدل إلى دار الموفق، فقال له: أليس حلفت أنك إنما قصدت لأن أبايع في دار إسحاق؟ قال له جنى: يا سيدي، اعذرني، فإني عبد مأمور. ومضى به إلى دار سيما صاحب الشرطة بسر من رأى، ثم سلم إلى المستأمن البصري الشعراني، فقتله بالبردان؛ غرقه وأخذ رأسه. وقبل ذلك دلي في الماء، وقد ثقل بالحديد، ثم أخرج، وهم يظنون أنه قد قضى، فوجدوا به رمقاً، فردوه، فلما قضى، أخرجوه، وأخذ رأسه، ورمي ببدنه في الماء، وكان في إصبعه خاتم ياقوت فأخذه منه الشعراني. وكانت بيعة المعتضد في رجب سنة تسع وسبعين ومئتين.
محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر
أبو بكر الخرائطي السامري من أهل سامراء، صاحب المصنفات، قدم دمشق.
حدث أبو بكر الخرائطي، عن علي بن حرب، بسنده إلى أبي حميد الساعدي: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل رجلاً يقال له ابن اللتبية على الصدقة. فلما جاء، قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي. فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، فحمد الله، ثم قال: " ما بال من يستعمل على بعض العمل من أعمالنا، فيجيء فيقول: هذا لكم، وهذا(22/69)
أهدي إلي؟ ألا جلس في بيت أمه أو بيت أبيه، فينظر أيهدى له أم لا! والذي نفسي بيده، لا يؤتى أحد منكم بشيء، إلا جاء به يوم القيامة على عنقه؛ إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر " ثم رفع يديه وقال ثلاثاً: " اللهم هل بلغت ".
قال ابن ماكولا: أما الخرائطي: أوله خاء معجمة وبعد الألف ياء معجمة باثنتين من تحتها، فهو أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السامري، صنف الكثير، وحدث، وكان من الأعيان الثقات.
توفي أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي سنة سبع وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس بن قسيم
أبو العباس النميري، مولاهم حدث عن أبي جعفر محمد بن عمرو السوسي، بسنده إلى عبد الله قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن شباب، فقلنا: يا رسول الله، ألا نستخصي؟ فنهانا. ثم رخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل. ثم قرأ عبد الله: " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ".
كتب أبو الحسين الرازي بخطه، في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس بن قسيم النميري، وكانوا أهل بيت علم، كان أبوه محدثاً، وجده محدثاً، وعم أبيه، وابن عم أبيه، وجماعة من أهل بيته، روي عنهم العلم، وابن عم له كتبت أنا عنه يقال له قسيم. مات أبو العباس في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.(22/70)
محمد بن جعفر بن محمد بن أبي كريمة
أبو علي - ويقال: أبو بكر - الصيداوي
حدث عن أبي جعفر محمد بن سيف العطار، بسنده إلى أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا قدم أحدكم من سفر، فليقدم معه هدية، ولو يلقي في مخلاته حجراً ".
محمد بن جعفر بن عبد الكريم بن بديل
أبو الفضل الخزاعي الجرجاني المقرئ قرأ القرآن.
وحدث عن أبي الحسن أحمد بن محمد، بسنده إلى محمد بن الحسن الشيباني قال: صلى بنا أبو حنيفة في شهر رمضان، وقرأ حروفاً اختارها لنفسه من الحروف التي قرأهن الصحابة والتابعون؛ قرأ أبو حنيفة: " ملك يوم الدين " على مثال فعل، ونصب اليوم، جعله مفعولاً، وقرأ في سورة الأنعام " لا تنفع نفس " بالتاء والرفع. قال أبو الفضل: ولست أعرف الرفع مع التاء. وقرأ في سورة يوسف " قد شغفها حباً " بالعين. وقرأ في سورة يس " فأعشيناهم " بالعين غير معجمة، وقرأ في سورة الفلق " من شر ما خلق " بالتنوين، وذكر حروفاً كثيرة سوى هذه.
وحدث عن أبي العباس الحسن بن سعيد البصري، بسنده إلى الشافعي قال: كتب حكيم إلى حكيم: يا أخي قد أوتيت علماً، فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب، فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم.(22/71)
قال أبو بكر الخطيب: كان أبو الفضل الخزاعي شديد العناية بعلم القرآن، ورأيت له مصنفاً تشتمل أسانيد القراءات المذكورة فيه على عدة من الأجزاء قد عظمت. واستنكرته، حتى ذكر لي بعض من يعتني بعلوم القراءات أنه كان يخلط تخليطاً قبيحاً، ولم يكن على ما يرويه مأموناً.
مات أبو الفضل بآمد، سنة ثمان وأربع مئة، ودفن بها.
محمد بن جعفر بن يحيى بن رزين
أبو بكر العقيلي العطار الحمصي حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اثنان فما فوقهما جماعة ".
وحدث عن إبراهيم بن العلاء الزبيدي، بسنده إلى أبي كبشة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خياركم خياركم لأهله ".
قال الدارقطني: محمد بن جعفر أبو بكر العطار ليس به بأس.(22/72)
محمد قيل ابن جعفر
أبو جعفر المدني المعروف بابن عائشة ذكر أبو الفرج الاصفهاني: أنه لم يكن يعرف له أب. وكان يزعم ن اسم أبيه جعفر. وأمه عائشة مولاة لكثير بن الصلت الكندي حليف قريش، وقيل إنها مولاة لآل طالب بن أبي وداعة السهمي.
قدم ابن عائشة على الوليد بن يزيد.
قال الفرزدق: حضرت الوليد، وعنده ندماؤه، وقد اصبح، فقال لابن عائشة يغني بشعر ابن الزبعرى: من الرمل
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
فقتلنا الصيد من ساداتهم ... وعدلنا مثل بدر فاعتدل
فقال ابن عائشة: لا أغني هذا يا أمير المؤمنين. فقال: غنه، وإلا جرعت لهواتك الأمرين! قال: فغناه، فقال: أحسنت والله. أنا على دين ابن الزبعرى يوم قال هذا الشعر.
قال الحافظ بن عساكر: بلغني أن ابن عائشة لما انصرف من عند الوليد بن يزيد، نزل بذي خشب، فلحقه طرب، فغنى على قصر ذي خشب، ومشى على الشرفات، فسقط، فمات.(22/73)
محمد بن جعفر أبو جعفر بن أبي الحسين السمناني
حدث عن عبد الله بن يزيد المقرئ، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قدر الله المقادير، قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ".
وحدث عن أبي توبة الربيع بن نافع، بسنده لى أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة، أهلها يحفون بها، كالعروس تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضاً، وريحهم تسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان، ما يطرفون تعجباً، حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون ".
قال أبو نصر البخاري: محمد بن أبي الحسين هو محمد بن جعفر السمناني، سمع عمر بن حفص بن غياث. روى عنه البخاري في غزوة خيبر.
محمد بن جعفر
حدث عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، بسنده إلى أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأدخل في الصلاة، وأريد أن أطول، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في الصلاة ".(22/74)
محمد بن الجنيد
أبو عبد الله النيسابوري ثم الأسفرائيني الزاهد
حدث عن عبد الله بن يوسف التنيسي، بسنده إلى أبي خلاد، وكان من الصحابة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم الرجل المؤمن قد أعطي زهداً في الدنيا وقلة منطق، فاقتربوا منه، فإنه يلقى الحكمة ".
وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى عبد الله بن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: " اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض. ولك الحمد، أنت قيام السموات والأرض. ولك الحمد، أنت رب السموات والأرض ومن فيهم. أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت. فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت. إلهي لا إله إلا أنت ".
قال أبو عوانة: كان محمد بن الجنيد من الزهاد. كتب إلى بعض الأمراء: أكرمك الله وأسعدك.. فغضب الأمير، ورمى بكتابه، وقال: لا يخاطب السلطان بهذا. فكتب إليه: أطال الله بقاءك، ثم أطال الله بقاءك. ولو أكرمك وأسعدك، لكان خيراً لك. فإن عاقبة ما أنت فيه ليست بمحمودة.
محمد بن الجهم الشامي
ولي دمشق في أيام المعتصم.(22/75)
محمد بن حاتم بن زنجويه
أبو بكر البخاري الفقيه الفرائضي حدث عن عتيق بن عبد الرحمن الأسدي، بسنده إلى أبي رافع، عن العباس بن عبد المطلب: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا عم، ألا أصلك، ألا أحبوك، ألا أنفعك؟ " قال: بلى يا رسول الله. قال: " فصل أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا انقضت القراءة، فقل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة قبل أن تركع، ثم اركع، فقلها عشراً، ثم ارفع، فقلها عشراً، ثم اسجد، فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، وهي ثلاث مئة في أربع ركعات. فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج، غفرها الله لك، قلت: يا رسول الله، من يستطيع أن يقولها في كل يوم؟! فقال: " قلها في كل جمعة، فإن لم تستطع، ففي كل شهر، حتى قال: قلها في سنة ".
قال الحافظ: كذا قال: عن العباس. وإنما هو من رواية أبي رافع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحدث عن أبي القاسم زكريا بن يحيى، بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أخوف ما أخاف على أمتي طول الأمل واتباع الهوى. فإن طول الأمل ينسي الآخرة، واتباع الهوى، يصد عن الحق. وإن الدنيا مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحد منهما بنين، فكونوا بني آخرة، ولا تكونوا بني الدنيا. اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل. فرحم الله من تكلم بخير، أو سكت، فسلم. وبروا القرابة، كانت مقبلة أو مدبرة ".
توفي أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري بدمشق سنة تسع وخمسين وثلاث مئة.(22/76)
محمد بن حاتم بن محمد بن عبد الرحمن
أبو الحسن الطائي الطوسي الفقيه الصوفي حدث عن سهل بن بشر، وأبي نصر الطريثيثي، بسندهما إلى عبد الله بن عمر قال: كان من دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحويل عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك وغضبك ".
محمد بن الحارث الجبيلي
من أهل جبيل حدث عن صفوان بن صالح، بسنده إلى ابن عباس: في قول الله تعالى " واذكر ربك إذا نسيت " قال: إذا نسيت الاستثناء، فاستثن إذا ذكرت. قال: هي لرسول الله خاصة. وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه.
وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى المقدام بن معديكرب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاث مرات، إن الله يوصيكم بآبائكم مرتين، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب ".
محمد بن حامد بن السري
أبو الحسين البغدادي المروزي، يعرف بخال السني حدث عن نصر بن علي، بسنده إلى علي بن شيبان قال: صلينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة، ورجل يصلي فرداً خلف الصف، فوقف عليه(22/77)
نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى قضى صلاته، ثم قال: " استقبل صلاتك، لأنه لا صلاة لمن صلى خلف الصف ".
قال أبو سليمان بن زبر: وفيها - يعني سنة تسع وسبعين ومئتين - مات أبو الحسين محمد بن حامد بن السري المروزي خال السني.
محمد بن حامد بن عبد الله
ويقال: ابن حامد بن أحمد
أبو عبد الله اليحياوي القرشي من أهل دمشق.
حدث عن نصر بن علي الجهضمي، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلمتان قالهما فرعون: " ما علمت لكم من إله غيري " إلى قوله " أنا ربكم الأعلى " كان بينهما أربعون عاماً، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ".
وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى سعد قال: قلت يا رسول الله، من خيار أمتك؟ قال: " أنا وأقراني " قلنا: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: " القرن الثاني " قال: قلنا: ثم ماذا؟ قال: " القرن الثالث " قلنا: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: " ثم يكون قوم يشهدون، ولا يستشهدون، ويحلفون، ولا يستحلفون، ويؤتمنون، ولا يؤدون ".
وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عصابتان من أمتي أجارهما الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى بن مريم ".(22/78)
قال أبو سليمان الربعي: توفي أبو عبد الله محمد بن حامد بن عبد الله القرشي اليحياوي في جمادى الآخرة، يعني: سنة ست عشرة وثلاث مئة.
محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد
ابن سعيد بن شهيد - ويقال: ابن معبد بن هدبة بن مرة - بن سعد بن يزيد بن مرة ابن يزيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ابن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو حاتم التميمي البستي أحد الأئمة الرحالين والمصنفين المحسنين.
حدث عن محمد بن عبيد بن فياض، بسنده إلى معاوية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما العمل كالوعاء، إذا طاب أعلاه، طاب أسفله. وإذا خبث أعلاه، خبث أسفله ".
قال عبد الرحمن بن محمد الإدريسي الحافظ في كتاب سمرقند: كان أبو حاتم البستي على قضاء سمرقند مدة طويلة. وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار والمشهورين في الأمصار والأقطار، عالماً بالطب والنجوم وفنون العلوم. ألف المسند الصحيح، والتاريخ، والضعفاء، والكتب الكثيرة في كل فن، وفقه الناس بسمرقند. وبنى بها الأمير المظفر بن أحمد بن نصر بن أحمد بن سامان صفة لأهل العلم، خصوصاً لأهل الحديث. ثم تحول أبو حاتم من سمرقند إلى بست، ومات بها.
وثقه أبو بكر الخطيب، وعبد الغني بن سعيد، والحاكم، وابن ماكولا وغيرهم.(22/79)
قال أبو حاتم بن حبان: ولعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ من أسبيجاب إلى الإسكندرية.
قال الحاكم: أبو حاتم كبير في العلوم، وكان يحسد بفضله وتقدمه.
قال الإمام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري: سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان البستي؛ قلت له: رأيته؟ قال: وكيف لم أره؟! نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحد لله عز وجل، فأخرجناه من سجستان.
مات أبو حاتم محمد بن حبان البستي سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.
قال البيهقي: ودفن بقرب داره التي هي اليوم مدرسة لأصحابه، ومسكن الغرباء الذين يقيمون بها من أهل الحديث والمتفقهة منهم، وله جرايات يستنفقونها دارة، وفيها خزانة كتبه في يدي وصي سلمها إليه ليبذلها لمن يريد نسخ شيء منها، من غير أن يخرجها منها. شكر الله له عنايته في تصنيفها، وأحسن مثوبته على جميل نيته في أمرها، بفضله ورأفته.
محمد بن حبيب بن أبي حبيب
من أهل دمشق.
حدث عن أبيه قال: شهدت خالد بن عبد الله القسري خطب الناس بواسط يوم أضحى، فقال: ضحوا، تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم؛ زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً. ثم نزل فذبحه.(22/80)
محمد بن الحجاج بن أبي قتلة
الخولاني الداراني حدث عن الزهري قال: خرجت أنا ومكحول نريد دابق، فلما كنا بحمص قال: فإن بها أبا أمامة الباهلي، لو أتيناه أحدثنا به عهداً، ونظرنا إليه. فأتينا منزله، فاستدعينا عليه، فخرج علينا شيخ قد سقط حاجباه على عينيه، فلما تكلم، فإذا هو في كلامه أجلد منه في مرآته، قال: إن موقفكم هذا من حجة الله عليكم يوم القيامة.. وذكر الحديث إلى آخره.
وحدث محمد بن أبي قتلة
أن رجلاً كتب إلى ابن عمر يسأله عن العلم، فكتب إليه ابن عمر: إنك كتبت تسألني عن العلم، والعلم أكثر من أن أكتب به إليك، ولكن إن استطعت أن تلقى الله، وأنت خفيف الظهر من دماء المسلمين، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازماً لجماعتهم - يعني - فافعل.
وحدث عن عبد الرحمن بن أبي هلال المصري، عن أبي هريرة قال: ويل للعرب من هرج قد اقترب. الأجيجة وما الأجيجة؟ الويل الطويل في الأجيجة. ويل للعرب من بعد الخمس والعشرين والمئة من القتل الذريع والموت السريع والجوع الفظيع. ويسلط عليهم البلاء بذنوبها، فتكفر صدورها، وتهتك ستورها، ويغير سرورها؛ فبذنوبها تنزع أوتادها، وتقطع أطنابها، ويتحير قرارها. ويل لقريش من زنديقها، يحدث أحداثاً تهتك ستورها، وتنتزع هيبتها، وتهدم عليها جذورها، حتى تقوم النائحات الباكيات، فباكية تبكي على دنياها، وباكية تبكي من ذلها بعد عزها، وباكية تبكي من استحلال فروجها، وباكية تبكي شوقاً إلى قبورها، وباكية تبكي من جوع أولادها، وباكية تبكي من انقلاب جنودها عليها.(22/81)
قال ابن سميع: في الطبقة الخامسة محمد بن الحجاج بن أبي قتلة الخولاني.
وقال أبو نصر علي بن هبة الله: وأما قتلة بتاء معجمة باثنتين من فوقها: محمد بن أبي قتلة ... ومحمد بن الحجاج بن أبي قتلة الخولاني.
قال الحافظ ابن عساكر: كذا فرق بينهما. وهما واحد.
محمد بن الحجاج بن يوسف بن الحكم
أبو كعب الثقفي حدث أبان بن عياش قال: لما بنى الحجاج واسطاً، ووضعت الحرب أوزارها، كتب إلى أنس بن مالك، فشخص وشخصنا معه. فانتهينا إليه، والناس معه حيث يسمعون الصوت. فنادى الحاجب أنس بن مالك، فأمر بنا فأنزلنا. ثم عدنا إليه من الغد، وهو على مثل تلك الحال، فنادى الحاجب أنس بن مالك، قال: فدنا، حتى صار معه على فراشه. قال أبان: وقمت حيث أسمع الكلام. قال: فدعا بالخيل على أنسابها: القرح والثني والربع والجذع، عليها الغلمان، عليهم ثياب الحرير مختلفة ألوانها، ثم قال: أيها الشيخ، ارفع رأسك، انظر ماذا أعطينا بعد نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هل رأيت مع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ذلك الخيل؟ قال: قال أنس: وبم هذه الخيل؟! رأيت مع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيلاً عدوها ورواحها في سبيل الله! إنما هذه الخيل ثلاثة: فما كان منها في سبيل الله، ففيها من الأجر كذا(22/82)
وكذا، حتى أرواثها في موازين أهلها. وما كان للعجلة فهي في سبيل الله. وشرها وأخبثها ما كان للفخر ولكذا ولكذا. قال الحجاج: لقد عبتني فما تركت شيئاً، ولولا خدمتك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتاب أمير المؤمنين فيك كان لي ولك شأن. قال: قال أنس: أيهات أيهات، إني لما غلظت أرنبتي، وأنكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوتي، علمني كلمات لن يضرني معهن عتو جبار ولا عنوته، مع تيسير الحوائج ولقائي المؤمنين بالمحبة. قال: فلما سمع ذلك الحجاج، قال: يا عماه لو علمتنيهن. قال: لست لذاك بأهل. قال: فلما رأى أنه لا يظفر بالكلمات، دس إليه ابنيه محمداً وأبان ومعهما مئتا ألف درهم، وقال لهما: ألطفا الشيخ، عسى أن تظفرا بالكلمات. وإن أنفدتما فاستمدا. قال: فمات وماتا قبل أن يظفروا بالكلمات. قال: فلما كان قبل أن يهلك بثلاث قال: يا أحيم عبد القيس، خدمتنا فأحسنت خدمتنا، رأيناك - أو رأيتك - حريصاً على طلب العلم. دونك هذه الكلمات، ولا تضع السلعة إلا في موضعها. فذكر أبان ما أعطاه الله مما أعطى أنساً: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على كل شيء أعطاني، بسم الله خير الأسماء، بسم الله رب الأرض ورب السماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء. بسم الله افتتحت، وعلى الله توكلت، الله الله ربي، لا أشرك به أحداً. أسألك اللهم بخيرك من خيرك الذي لا يعطيه غيرك. عز جارك - وفي الروايات الأخرى: وجل ثناؤك - ولا إله إلا أنت. اجعلني في عياذك وجوارك من كل سوء، ومن الشيطان الرجيم. اللهم إني أستجيرك من جميع كل شيء خلقت، وأحترس بك منهن، وأقدم بين يدي: بسم الله الرحمن الرحيم " قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد " من خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي. تقرأ في هذه الست " قل هو الله أحد " إلى آخر السورة.(22/83)
قال أنس بن مالك: أتيت الحجاج، أتعرض لمعروفه، فإذا محمد بن الحجاج يقع في علي، فأطنب في سبه، فقلت: لا تفعل، ثم ذكر حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضائل علي، يقول في آخره: " يا أنس، إن الرجل قد يحب قومه، إن الرجل قد يحب قومه، إن الرجل قد يحب قومه ".
حدث بلال بن جرير بن عطية في خبر طويل: أن الحجاج بن يوسف أوفد ابنه محمداً مع الشاعر جرير إلى عبد الملك بن مران ليدخله عليه، ويشفع له عنده، فقبل شفاعته فيه، بعد لأي، وسمع شعره، وأجازه.
حدث محمد بن عمرو الثقفي قال: لما مات محمد بن الحجاج، جزع عليه جزعاً شديداً، فقال: إذا غسلتموه، فآذنوني به. فأعلموه به. فدخل البيت، فنظر إليه، فقال: من الكامل
الآن لما كنت أكمل من مشى ... وافتر نابك عن شباب القارح
وتكاملت فيك المروءة كلها ... وأعنت ذلك بالفعال الصالح؟!
فقيل له: اتق الله، واسترجع. فقال: إنا لله، وإنا إليه راجعون. وقرأ: " الذين إذا أصابتهم مصيبة " الآية.
وأتاه موت محمد بن يوسف، وكان بينهما جمعة، فقال: من الطويل
حسبي حياة الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالك
إذا ما لقيت الله ربي مسلماً ... فإن نجاة النفس فيما هنالك
وجلس للمعزين يعزونه، ووضع بين يديه مرآة، وولى الناس ظهره، وقعد في مجلسه، فكان ينظر ما يصنعون. فدخل الفرزدق، فلما نظر إلى فعل الحجاج تبسم. فلما رأى الحجاج ذلك منه، قال: أتضحك، وقد هلك المحمدان؟! فأنشأ الفرزدق يقول:(22/84)
من الطويل
لئن جزع الحجاج، ما من مصيبة ... تكون لمحزون أجل وأوجعا
من المصطفى، والمصطفى من خيارهم ... جناحيه لما فارقاه فودعا
أخ، كان أغنى أيمن الأرض كلها ... وأغنى ابنه أمر العراقين أجمعا
جناحا عقاب، فارقاه كلاهما ... ولو قطعا من غيره، لتضعضعا
سميا نبي الله، سماهما به ... أب لم يكن عند النوائب أخضعا
وقال الفرزدق أيضاً: من الكامل
إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمد ومحمد
فلكان قد خلت المنابر منهما ... أخذ المنون عليهما بالمرصد
محمد بن الحجاج بن يوسف القرشي
من هل دمشق.
حدث عن يونس بن ميسرة بن حلبس، بسنده إلى أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن ".
محمد بن أبي حذيفة هشيم
ويقال: هشام ويقال: مهشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو القاسم القرشي العبشمي ولد بأرض الحبشة، وكان أبوه حذيفة من السابقين الأولين. وأمه سهلة بنت سهيل، فقتل أبو حذيفة يوم اليمامة، وكان محمد في حجر أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فرباه، فأحسن تربيته. ومحمد هو الذي ألب أهل مصر على قتل عثمان، وغلب على(22/85)
أمرها. فأخذه معاوية في الرهن، وحمله إلى دمشق - ويقال: إلى فلسطين - يسجنه بها، فهرب، فأدرك، فقتل.
قال محمد بن سعد في الطبقة الأولى من أهل بدر: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، واسمه هشيم، وأمه أم صفوان، واسمها فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني. وكان لأبي حذيفة من الولد: محمد، وأمه سهلة بنت سهيل بن عمرو، من بني عامر بن لؤي، وهو الذي وثب بعثمان بن عفان، وأعان عليه، وحرض أهل مصر، حتى ساروا إليه. وكان أبو حذيفة من مهاجرة الحبشة في الهجرتين جميعاً، ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو، وولدت له هناك بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة.
حدث خليفة بن خياط قال: في تسمية عمال علي في مصر: ولى محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مصر، ثم عزله، وولى قيس بن سعد بن عبادة، ثم عزله، وولى الأشتر مالك بن الحارث النخعي، فمات قبل أن يصل إليها، فولى محمد بن أبي بكر، فقتل بها، وغلب عمرو بن العاص على مصر.
حدث عبد الملك بن مليل السليحي - وهم إلى قضاعة - قال:
كنت مع عقبة بن عامر جالساً قريباً من المنبر يوم الجمعة، فخرج محمد بن أبي حذيفة، فاستوى على المنبر، فخطب الناس، ثم قرأ عليهم سورة من القرآن - وكان من أقرأ الناس - فقال عقبة بن عامر: صدق الله ورسوله؛ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليقرأن القرآن رجال لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية " فسمعها ابن أبي حذيفة فقال: والله لئن كنت صادقاً - وإنك ما علمت لكذوب - إنك منهم.(22/86)
قال محمد بن أبي حذيفة، فيما حكاه أبو زيد عمر بن شبة بن عبيدة النميري له: من البسيط
من كان من قتله عثمان معتذراً ... فلست منه طوال الدهر أعتذر
لا بأس بالقتل عن قتل ومظلمة ... ولا انتصارك منه حين تنتصر
ألقى الإمام كذئب الشاء ينهشها ... لا تسلم الشاء فيها الذئب والنمر
قال يزيد بن حبيب: كان رجال من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثون ن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقتل في جبل الجليل والقطران من أصحابي - أو من أمتي - ناس " فكان أولئك النفر الذين قتلوا مع محمد بن أبي حذيفة وأصحابه بجبل الجليل والقطران.
قال محمد بن إسماعيل البخاري: قتل محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي بمصر بعد عثمان.
وذكر أبو عمر محمد بن يوسف المصري: أن قتله كان في ذي الحجة من سنة ست وثلاثين.
محمد بن حرب
أبو عبد الله الخولاني الحمصي، المعروف بالأبرش حدث عن الزبيدي، بسنده إلى عائشة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كل مصيبة تصيب المسلم، يكفر الله عنه بها، حتى الشوكة يشاكها ".(22/87)
قال محمد بن سعد في الطبقة السادسة من أهل الشام: محمد بن حرب الأبرش الخولاني، ويكنى أبا عبد الله، وقد ولي قضاء دمشق.
وثقه أهل العلم. وتوفي سنة أربع وتسعين ومئة.
محمد بن حسان أبو مروان الأسدي
والد مروان بن محمد الطاطري روى عنه ابنه أنه قال: رأيت في أيام زامل رأس عمير بن هانئ العبسي، وقد أدخل به محمولاً على رمح، فقلت: ويلك - لحامله - لو تدري رأس من تحمل! قال أبو زرعة: وأيام زامل هي بعد موت يزيد بن الوليد في سنة سبع وعشرين ومئتين.
محمد بن حسان أبو عبيد الغساني
البسري الزاهد من أهل قرية بسر من حوران، صاحب كرامات.
حدث عن سعيد بن منصور المكي، بسنده إلى عمرو بن دينار قال: رأيت جابر بن عبد الله، وبيده السيف والمصحف، وهو يقول: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نضرب بهذا من خالف ما في هذا.(22/88)
قال أبو عبد الله بن الجلاء: لقيت ست مئة شيخ، ما رأيت فيهم مثل أربعة: ذا النون المصري، وأبا تراب، وأبا عبيد البسري، وأبي.
قال بعض إخوان أبي عبيد أن أبا عبيد البسري - رحمه الله - قال: سألت الله عز وجل ثلاث حوائج، فقضى لي اثنتين، ومنعني الثالثة: سألته أن يذهب عني شهوة الطعام، فما أبالي أكلت أم لا. وسألته أن يذهب عني شهوة النوم، فما أبالي نمت أم لا. وسألته أن يذهب عني شهوة النساء فما فعل. قيل: فما معنى ذلك؟ قال: إن الله تبارك وتعالى قد قضى في مبدأ خلقه أن يكون، فشيء قدره وقضاه، فلا راد لقضائه.
حدث أبو زرعة الحاجب قال: حدثني أبو عبيد البسري قال: رأيت في منامي كأن القيامة قامت، فقمت من قبري، فأتيت بدابة، فركبتها، ثم عرج بي إلى السماء، فإذا فيها جنة، فأردت أنزل، فقيل لي: ليس هذا مكانك، فعرج بي إلى سماء سماء؛ كل سماء فيها جنة، حتى صرت إلى أعلى عليين، فنزلت في أعلى عليين. ثم أردت القعود، فقيل لي: أتقعد قبل أن ترى ربك، تبارك وتعالى؟ فقلت: لا. فقمت، فساروا بي، فإذا أنا بالله عز وجل، قدامه آدم يحاسبه، فلما رني آدم، خلسني بعينه خلسة مستغيث، فقلت: يا رب قد فلجت الحجة على الشيخ، فعفوك. فسمعت الله يقول: قم يا آدم، قد عفونا عنك. وكان الشيخ أبو أحمد بكر - رحمه الله - حاضراً، وهو يسمعني، فكأني استعظمت الحال لأبي عبيد. فقال لي الشيخ ومن حضر: القدر والفضل يرجع إلى آدم، إذ أبو عبيد من ولده.(22/89)
قال أبو القاسم القشيري:
وكان أبو عبيد البسري إذا كان أول شهر رمضان، يدخل بيتاً، ويقول لامرأته: طيني علي الباب وألقي إلي كل ليلة من الكوة رغيفاً. فإذا كان يوم العيد، فتح الباب ودخلت امرأته البيت، فإذا بثلاثين رغيفاً في زاوية البيت، فلا أكل، ولا شرب ولا نام، ولا فاتته ركعة من الصلاة.
عن ابن أبي عبيد البسري قال: رأيت - يعني أباه - في بعض الليالي، قد اضطرب، وبكى بكاء كثيراً، ولم نكن نجترئ عليه إذا أصابه سبب، وهو بين يدي ربه، أن نكلمه. فلما أصبحنا، قلت له: يا أبه، رأيت الليلة منك شيئاً لم أكن أراه فيما مضى. فقال: وما هو؟ قلت: رأيتك، وقد بكيت، وأكثرت البكاء، واضطربت اضطراباً كثيراً. فقال: يا بني، لا تلمني؛ كنت واقفاً بين يدي الله عز وجل، أصلي، وأنعس، ثم انتبه، فأرجع إلى القراءة، فأنعس، فأصابني ذلك مراراً، فلم أعلم إلا بإنسان قد أخذ بعضدي، ثم قال لي: انظر بين يدي من أنت قائم! واستفرغ علي من البكاء ما رأيت.
حدث أبو عبيد البسري قال: رأيت في منامي كأن منادياً ينادي: يا أبا عبيد قم - رحمك الله - إلى الصلاة، فذهب بي النوم. فناداني مرة أخرى، فذهب بي النوم، فانتبهت، ويده على رأسي، وهو يقول: قم يا حبيبي، فقد رحمك الله.
ورأيت كأن القيامة قد قامت، وقد اجتمع الناس، وإذا المنادي ينادي: يا أيها الناس، من كان من أصحاب الجوع في دار الدنيا، فليقم إلى الغداء. فقام ناس من الناس واحد بعد واحد، ثم نوديت: يا أبا عبيد، قم. فقمت، وقد وضعت الموائد. فقلت لنفسي: ما يسرني أني ثم.(22/90)
قال بخيت بن أبي عبيد البسري: كان والدي أبو عبيد في المحرس الغربي بعكا في ليلة النصف من شعبان، في الطاقة الغربية من الرواق القبلي، وأنا في الرواق الشامي في طاقة، أنظر إلى البحر. فبينا أنا أنظر إلى البحر، إذا بشخص يمشي على الماء، ثم بعد الماء مشى على الهواء، حتى جاء إلى والدي أبي عبيد، فدخل في طاقته التي هو فيها ينظر إلى البحر، فجلس معه ملياً يتحادثان. ثم قام والدي، فودعه. ورجع الرجل من حيث جاء، يمشي في الهواء. فقمت إلى والدي، فقلت له: يا أبه، من هذا الذي كان عندك يمشي على الماء، ثم من بعد الماء على الهواء؟ فقال: يا بني، وهل رأيته؟ قلت: نعم، يا أبه. قال: الحمد لله رب العالمين الذي سرني بك، وبنظرك له. يا بني، هذا أبو العباس الخضر عليه السلام. يا بني، نحن في الدنيا سبعة؛ ستة يجيئون إلى أبيك، وأبوك ما يمضي إلى واحد منهم.
وحدث عن أبيه: أنه غزا سنة من السنين، فخرج في السرية، فمات المهر الذي كان تحته، وهو في السرية، فقال: يا رب، أعرنا إياه، حتى نرجع إلى بسرى، يعني قريته. قال: فإذا المهر قائم. قال: فلما غزا، ورجع إلى بسرى، قال: يا بني، خذ السرج عن المهر. فقلت: هو عرق، وإن أخذنا، داخله الريح. فقال: يا بني، هو عارية. فلما أخذت السرج، وقع المهر ميتاً.
حدث أبو زرعة قال: كان أبو عبيد البسري جالساً بعرفة، وإلى جانبه ابنه، فقال له: يهنك الفارس. فقال له: يا أبه، وأي فارس؟ فقال: ولد لك الساعة غلام. فلما صرنا إلى بسر، وجدت زوجتي قد ولدت غلاماً في يوم عرفة!(22/91)
حدث أبو بكر الهلالي قال: كان لأبي عبيد ولد صغير يخرج مع صبيان القرية في الشتاء، يتحطبون من يابس الكروم والتين وغير ذلك. ففي بعض الأيام راح بجرزة حطب، ومعه تين أخضر، فقالت له والدته: يا ولدي، من أين لك تين أخضر في هذا الشتاء؟ فقال: قلت لرفقتي من الصبيان: تحبون أطعمكم تيناً أخضر؟ فقالوا: نعم. فتوضأت للصلاة، وصليت ركعتين، ثم دعوت بالدعاء الذي دعا به والدي البارحة، وسألت الله أن يطعمنا من تينة كنا عندها تيناً أخضر، فأطعمت لوقتها، فأكلنا منها، وحملنا. ووالده يسمع مقالته لأمه. فقال أبو عبيد لوالدته: أعظم الله أجرك فيه! فقالت: بالله إن فعلت! فإذا بالصبي ميت. فأخذوا في جهازه، وواروه في حفرته. فقيل له في ذلك، فقال: خشيت أن يدعو به على القرية فتهلك.
حدث أبو زرعة الجنبي قال: كان أبو عبيد البسري يوماً على جرجر يدرس قمحاً له، وبينه وبين الحج ثلاثة أيام. إذ أتاه رجلان فقالا له: يا أبا عبيد، تنشط للحج؟ فقال: لا. ثم التفت إلي وقال: شيخك على هذا أقدر منهما، يعني نفسه.
قال ابن أبي حسان:
جاء ابن لأبي عبيد البسري إلى أبيه، فقال له: يا أبه، إني خرجت بجرار فيها سمن، فوقعت، فتكسرت، وذهب رأس مالي. فقال له أبوه: يا بني اجعل رأس مالك رأس مال أبيك، فوالله ما لأبيك رأس مال في الدنيا والآخرة غير الله.(22/92)
قال أبو عبيد البسري: النعم طرد، فمن أحب النعم فقد رضي بالطرد. والبلاء قربة، فمن ساءه البلاء، فقد أحب ترك القربة والتقرب إلى الله عز وجل.
وقال بخيت بن أبي عبيد البسري: رأيت ملك الموت في النوم، وهو يقول: قل لأبيك يصلي علي، حتى أرفق به عند قبض روحه. قال: فحدثت أبي بما رأيت، فقال: يا بني لأنا بملك الموت آنس مني بأمك.
محمد بن حسان
قال الحافظ ابن عساكر: أظنه غير أبي عبيد البسري.
قال محمد بن حسان: بينا أنا أدور في جبل لبنان، إذ خرج علي رجل شاب، قد أحرقته الشموس والرياح، وعليه طمر رث، وقد سقط شعر رأسه على حاجبيه. فلما نظر إلي، ولى هارباً مستوحشاً، فقلت: يا أخي، كلمة موعظة، فلعل الله أن ينفعني بها. قال: فالتفت إلي، وهو فار، فقال: يا أخي احذره، فإنه غيور. وأشار إلي: الله لا يحب أن يرى في قلب عبده سواه.
محمد بن الحسن بن أحمد بن الصباح بن عبد الحميد
أبو بكر المعروف بابن أبي الذبال الثقفي الأصبهاني الجواربي الزاهد سكن دمشق في جوار ابن سيد حمدويه. وكان إمام مسجد الصاغة بدمشق.(22/93)
حدث عن أبي عبد الله محمد بن إسحاق الشعار، بسنده إلى عبد الله بن عباس، أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" إن الجنة لتنجد وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان؛ فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان، هبت ريح من تحت العرش، يقال لها المثيرة، تصفق ورق أشجار الجنة وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه. فتزين الحور العين، ويقفن بين شرف الجنة، فينادين: هل من خاطب إلى الله، فيزوجه؟ ثم يقلن: يا رضوان، ما هذه الليلة؟ فيجيبهم بالتلبية فيقول: يا خيرات حسان، هذه أول ليلة من شهر رمضان، فتحت أبواب الجنان للصائمين، قال: ويقول الله: يا رضوان، افتح أبواب الجنان، يا مالك أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من أمة أحمد. يا جبريل اهبط إلى الأرض، فصفد مردة الشيطان، وغلهم بالأغلال، ثم اقذف بهم في لجج البحار، حتى لا تفسدوا على أمة حبيبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صيامهم. قال: يقول الله في كل ليلة من شهر رمضان ثلاث مرات: هل من سائل، فأعطيه سؤله؟ هل من تائب، فأتوب عليه؟ هل من مستغفر، فأغفر له؟ من يقرض المليء غير المعدم الوفي غير الظلوم؟ قال: والله في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار فإذا كان ليلة الجمعة، أعتق في كل ساعة منها ألف ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا العذاب. فإذا كان في آخر يوم من شهر رمضان، أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره. فإذا كان ليلة القدر، يأمر الله جبريل فيهبط في كبكبة من الملائكة إلى الأرض، ومعه لواء أخضر، فيركزه على ظهر الكعبة، وله ست مئة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر، فينشرهما تلك الليلة، فيجاوزان المشرق والمغرب، ويبعث جبريل الملائكة في هذه الأمة، فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر ويصافحونهم، ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر. فإذا طلع الفجر، نادى جبريل: يا معشر الملائكة: الرحيل الرحيل، فيقولون: يا جبريل: ما صنع الله في(22/94)
حوائج المؤمنين من أمة أحمد؟ فيقول: إن الله نظر إليهم، وعفا عنهم، وغفر لهم إلا أربعة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هؤلاء الأربعة؟ فقال: رجل مدمن الخمر، وعاق والديه، وقاطع رحم، ومشاحن. قيل: يا رسول الله، وما المشاحن؟ قال: هو المصارم. فإذا كان ليلة الفطر، سميت تلك الليلة ليلة الجائزة. فإذا كان غداة الفطر، يبعث الله الملائكة في كل البلاد، فيهبطون إلى الأرض، ويقومون على أفواه السكك، فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس، فيقولون: يا أمة أحمد، اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر العظيم. فإذا برزوا في مصلاهم، يقول الله للملائكة: يا ملائكتي، ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قال: تقول الملائكة: إلهنا وسيدنا، جزاؤه أن توفيه أجره. قال: فيقول: فإني أشهدكم، ملائكتي، أني جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضاي ومغفرتي، ويقول: يا عبادي سلوني، فوعزتي وجلالي، لا تسألوني اليوم شيئاً في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم. وعزتي لأسترن عليكم عثرتكم ما راقبتموني، وعزتي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود. انصرفوا مغفوراً لكم، قد أرضيتموني، ورضيت عنكم. قال: فتفرح الملائكة، وتستبشر بما يعطي الله هذه الأمة، إذا أفطروا، لصيامهم شهر رمضان ".
وحدث عن الحسن بن سهل العسكري، بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العدة دين. ويل لمن وعد ثم أخلف، ويل لمن وعد ثم أخلف. قالها ثلاثاً ".
توفي أبو بكر الجواربي في طريق مكة وهو راجع من الحج.
محمد بن الحسن بن أحمد بن عمر
أبو عبد الله الرحبي القاضي(22/95)
حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم، بسنده إلى ابن مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان " قيل: يا رسول الله إن كان شيئاً يسيراً؟ قال: " وإن كان سواكاً من أراك ".
محمد بن الحسن بن إسماعيل
ابن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبو العباس الهاشمي حدث عن جده إسماعيل بن عبد الصمد، بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " للمملوك على مولاه ثلاث خصال: لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، ويبيعه إذا استباعه ".
قال أحمد بن محمد الرشيدي:
سمعت أبا العباس محمد بن الحسن يقول: ولدت سنة ثمانين ومئتين، ومات عبد الصمد بن علي سنة خمس ومئتين.
محمد بن الحسن بن الحسين
أبو عبد الله الدمشقي الأديب، المعروف بالنظامي شاعر.
أنشد من قصيدة له: من الطويل
فإن غرم العذال يوم لقائنا ... وما لهم عندي وعندك من ثار(22/96)
وشنوا على أسماعنا وتكاثروا ... وقل جنودي عند ذاك وأنصاري
لقيناهم من ناظريك ومهجتي ... وأدمعنا بالسيف والسيل والنار
محمد بن الحسن بن الحسين بن علي
ابن عبد الله بن عباس بن علي أبو الفضل السلمي المعير الموازيني أخو أبي الحسن الأصغر.
حدث عن أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان، بسنده إلى أبي سلمة قال: قلت لعائشة: أكنت تغتسلين مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد؟ قالت: نعم.
سئل أبو الفضل الموازيني عن مولده فقال: بدمشق في النصف من ربيع الآخر من سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة. وذكر ابن أخيه محمد بن حمزة أن أبا الفضل توفي يوم الاثنين العشرين من رجب سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، ودفن من الغد بباب الصغير.
محمد بن الحسن بن الخليل
أبو عبد الله السنوي حدث عن إبراهيم بن يوسف الصيرفي، بسنده إلى عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بولي. والسلطان ولي من لا ولي له ".
وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى سهل بن سعد، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ".(22/97)
محمد بن الحسن بن داود
أبو الحسين ولي قضاء دمشق خلافة لأبي عمران موسى بن القاسم بن موسى الأشيب إلى أن توفي سنة ثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن الحسن بن ذكوان
أبو المضاء البعلبكي حدث عن محمد بن هاشم البعلبكي، بسنده إلى أبي عثمان النهدي أن إبراهيم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سأل الله عز وجل خيراً، فأصبح، وقد ابيض ثلثا شعره. قال: وكان أول شيب كان. قال: فساءه ذلك، فأوحى الله إليه أنه عبرة في الدنيا، ونور في الآخرة.
محمد بن الحسن بن صقلاب
حدث عن محمد بن جعفر بن ملاس؛ بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن رجلاً لم عمل خيراً قط. فقال لأهله: إذا أنا مت، فأحرقوني، فاذروا نصفي في البر، ونصفي في البحر. فوالله لئن وجدني الله عز وجل ليعذبني أشد عذاب عذبه أحد قط! فلما مات، فعلوا ذلك. قال: فأمر الله البر، فجمع ما فيه، وأمر البحر، فجمع ما فيه، ثم خلقه خلقاً سوياً، ثم قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك أي رب، فغفر الله له ".(22/98)
محمد بن الحسن بن طريف
ويقال: محمد بن طريف أبو بكر بن أبي عتاب الأعين حدث عن سعيد بن أبي مريم، بسنده إلى جابر بن عبد الله، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا به المجالس. فمن فعل ذلك، فالنار النار ".
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن أبي عتاب، أبو بكر الأعين، واسم أبي عتاب الحسن، كذلك أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي قال: سمعت أبا بكر الجوزقي يقول: أنبأنا مكي بن عبدان قال: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: أبو بكر بن أبي عتاب محمد بن الحسن بن طريف الأعين، وهكذا قال عبد الرحمن بن أبي حاتم. وقيل: إن اسم أبي عتاب طريف. كذلك اخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر قال: أنبأنا أحمد بن إبراهيم البزار قال: نبأنا عبد الله بن محمد البغوي قال: أبو بكر الأعين محمد بن طريف. قال الخطيب: هكذا قال محمد بن عبد الله الحضرمي الكوفي، ومحمد بن إسحاق السراج النيسابوري.
وحدث الخطيب أيضاً بإسناده قال: سئل يحيى بن معين عن أبي بكر الأعين فقال: ليس هو من أصحاب الحديث. قال الخطيب: عنى بذلك أنه لم يكن من الحفاظ لعلله، والنقاد لطرقه مثل علي بن المديني ونحوه. فأما الصدق والضبط لما سمعه، فلم يكن مدفوعاً عنه.
مات أبو بكر الأعين ببغداد سنة أربعين ومئتين.(22/99)
محمد بن الحسن بن علي التميمي
حدث عن إسماعيل بن محمد بن قيراط، بسنده إلى الحارث الغامدي قال:
قلت لأبي: يا أبه، ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء قوم قد اجتمعوا على صابئ لهم. قال: فتشوفوا، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل والإيمان به، يردون عليه، ويؤذونه، حتى ارتفع النهار، وانصدع عنه الناس. وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تبكي، تحمل قدحاً ومنديلاً، فتناوله منها، فشرب، فتوضأ، ثم رفع رأسه إليها فقال: " يا بنية، خمري عليك نحرك، ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلاً ". قلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب ابنته.
محمد بن الحسن بن علي البزاز
ابن محمد بن عيسى بن يقطين أبو جعفر اليقطيني البغدادي البزاز حدث عن أبي عبد الله أحمد بن عبد الله بن يزيد، بسنده إلى ابن عباس قال: كان أول ما أنزل الله تعالى على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة " اقرأ ".
وروى عن معاذ بن العباس، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ " قل هو الله أحد " مئة مرة، غفر الله له خطيئته خمسين عاماً، ما اجتنب خصالاً أربعاً: الدماء والأموال والفروج والأشربة ".
نقل الخطيب عن أبي طالب عمر بن إبراهيم الفقيه قوله: توفي اليقطيني في يوم الأربعاء، ودفن يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الآخر، سنة سبع وستين وثلاث مئة.(22/100)
محمد بن الحسن بن علي أبو طاهر
الأنطاكي المقرئ حدث عن عتيق بن عبد الرحمن، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تسحروا، فإن في السحور بركة ".
وروى عن أبي عمران القدسي، بسنده إلى أبي عمر حفص بن سليمان قال: إنه لم يخالف عاصماً في شيء من قراءته إلا في حرف في الروم: " الله الذي خلقكم من ضعف " بضم الضاد، وذكره عن الفضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد، وذكر أبا طاهر المقرئ: أحسبه توفي قبل سنة ثمان وثلاث مئة بيسير.
محمد بن الحسن بن علي القاضي بن محمد بن يحيى
أبو عبد الله المصري الدقاق القاضي سمع بدمشق، وانتقى عليه أبو الحسن الدارقطني.
قال إبراهيم بن سعيد الحبال: سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة؛ أبو عبد الله محمد بن الحسن بن يحيى الدقاق في صفر، والد جعفر. يعني: مات.(22/101)
محمد بن الحسن بن علي بن يوسف
أبو عبد الله الخولاني الأندلسي البلغي قدم دمشق.
روى عن أبي القاسم خلف بن إبراهيم بن محمد الطليطلي، بسنده إلى قتادة قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كان يمد صوته مداً ".
قال الحافظ ابن عساكر: قرأت بخط أبي عبد الله البلغي: ولد سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة بمدينة بلغي في الأندلس.
محمد بن الحسن بن علي الملحي
ابن أحمد بن جعفر بن أحمد أبو طاهر الحلبي البزاز، المعروف بابن الملحي حدث عن أبي الحسن رشأ بن نظيف، بسنده إلى حذيفة قال: لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، إني جنب. قال: " المؤمن لا ينجس ".
ذكر أبو القاسم النسيب: أن مولد أبي طاهر في ربيع الأول سنة عشرين وأربع مئة.
وقال أبو محمد بن الأكفاني: سنة ثمانين وأربع مئة، فيها توفي أبو طاهر محمد بن الحسن بن علي الحلبي المعروف(22/102)
بابن الملحي في العشرين من شهر ربيع الآخر، بدمشق زاد أبو محمد بن صابر: أنه دفن في مقابر باب الفراديس، وأنه ثقة.
محمد بن الحسن بن عون الوحيدي القيسي
حدث عن عبد الله بن يزيد البكري، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عشرة من قريش في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ".
وحدث عن مران بن معاوية الفزاري، بسنده إلى قيس بن حازم قال: سمعت علي بن بي طالب على منبر الكوفة وهو يقول: ألا لعن الله الأفجرين من قريش: بني أمية وبني مغيرة. أما بنو المغيرة، فقد أهلكهم الله بالسيف يوم بدر، وأما بنو أمية فهيهات هيهات أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو كان الملك من وراء الجبال، لنقبوا إليه حتى يصلوا إليه.
محمد بن الحسن بن الفضل بن العباس
أبو يعلى البصري الصوفي من الرحالين.
حدث عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن الحكم السلمي، بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "(22/103)
إذا ضرب أحدكم، فليجتنب الوجه، ولا يقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته ".
وثقه الخطيب وقال: سألت أبا يعلى عن مولده، فقال: في سنة ثمان وستين وثلاث مئة. وكان قدومه علينا في سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وخرج في ذلك الوقت إلى الشام، وغاب عنا خبره. وكان شيخاً مليحاً ظريفاً من أهل الفضل والأدب حسن الشعر. ومن مليح قوله: من الخفيف
يا أبا القاسم الذي قسم الرح ... من من راحتيه رزق الأنام
أنا في الشعر مثل مولاي في الجو ... د حليفا مكارم ونظام
وإذا ما وصلتني فأمير ال ... جود أعطى المنى أمير الكلام
محمد بن الحسن بن القاسم بن درستويه
أبو الحسن القرشي حدث عن محمد بن أيوب بن مشكان، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة من كنوز البر: إخفاء الصدقة، وكتمان الشكوى، وكتمان المصيبة. يقول الله عز وجل: " إذا ابتليت عبدي بلاء، فصبر، ولم يشكني إلى عواده، أبدلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه. وإن أرسلته، أرسلته ولا ذنب له، وإن توفيته، فإلى رحمتي ".(22/104)
محمد بن الحسن بن القاسم
ابن عبد الرحمن بن إبراهيم أبو زرعة بن دحيم من أهل بيت حديث.
روى عن عمه عبد الرحمن، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقوم الساعة، حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانك ".
قال أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري: توفي أبو زرعة محمد بن الحسن بن دحيم في ذي الحجة من سنة أربع وستين وثلاث مئة.
محمد بن الحسن بن قتيبة بن زيادة بن الطفيل
أبو العباس اللخمي العسقلاني شيخ عسقلان. قدم دمشق قديماً.
حدث عن عبد الوهاب بن عبد الرحيم، من أهل غوطة دمشق، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل قسم بينكم أخلاقكم، كما تقسم بينكم أرزاقكم. وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب. والذي نفس محمد بيده، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه. قلنا: يا رسول الله، ما بوائقه؟ قال: غشمه وظلمه، ولا يكتسب عبد مالاً من حرام، فينفق منه، فيبارك(22/105)
له فيه، ولا يتصدق منه، فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن. إن الله عز وجل لا يمحو الخبيث بالخبيث ".
وحدث عن أبي عمير بن النحاس، بسنده إلى أبي سلمة قال: رؤي عبادة بن الصامت على سور بيت المقدس وهو يبكي، فقلت: يا أبا الوليد، ما يبكيك؟ قال: من هذا أرانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رأى مالكاً يقلب الجمر كالقطف.
وثقه الدارقطني وغيره.
محمد بن الحسن بن محمد بن زياد
ابن هارون بن جعفر بن سند أبو بكر المقرئ البغدادي المعروف بالنقاش حدث عن عدد من شيوخه، بإسنادهم إلى عائشة قالت: قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن يدعون من دونه إلا أثناً ".
وحدث عن أبي الجهم عمرو بن خازم القرشي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شفاء عرق النسا ألية شاة أعرابية؛ تذاب ثم تقسم ثلاثة أجزاء، يشربه ثلاثة أيام على الريق، كل يوم جزء ".
حدث أبو بكر النقاش، عن أبي غالب ابن بنت معاوية بن عمرو، بسنده إلى ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت الله9 ألا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه ".(22/106)
وحدث عن يحيى بن محمد بن صاعد بحديث إبراهيم والحسن والحسين، فأنكرهما عليه أبو الحسن علي بن عمر الحافظ لما فيهما من وضع وتركيب وتدليس.
قال أبو بكر الخطيب: وأقل مما شرح في هذين الحديثين تسقط به عدالة المحدث، ويترك الاحتجاج به.
وقال الخطيب أيضاً:
محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن عفر بن سند أبو بكر المقرئ النقاش. نسبه أبو حفص بن شاهين، وهو موصلي الأصل، ويقال إنه مولى أبي دجانة سماك بن خرشة الأنصاري. وكان عالماً بحروف القرآن، حافظاً للتفسير، صنف فيه كتاباً سماه شفاء الصدور، وله تصانيف في القراءات وغيرها من العلوم. وكان سافر الكثير شرقاً وغرباً.. قال الخطيب وفي حديثه مناكير بأسانيد مشهورة.
توفي محمد بن الحسن النقاش في سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن
ابن القاسم بن درستويه أبو عبد الله حدث عن أبي علي الحسن، بسنده إلى معاذ بن جبل قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه.
قال أبو محمد الكتاني: توفي شيخنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن درستويه في المحرم سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة.(22/107)
محمد بن الحسن بن محمد أبو الفتح
ابن أبي علي الاسدآباذي الصوفي حدث عن أبي عبد الله الحسين بن محمد الحلبي البزار المعروف بابن المنيقير، بسنده إلى بريدة قال: لما زوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة عليها السلام، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بد للعرس من وليمة " ثم أمر بكبش، فجمعهم عليه.
وروى عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: كنت أرعى غنماً لعقبة، فمر بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، فقال: " يا غلام، هل من لبن؟ " فقلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: " فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ " قال: فأتيته، فمسح ضرعها، فنزل اللبن، فشرب، وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: " اقلص " فقلص. فتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول. قال: فمسح يده على رأسي فقال: " يرحمك الله إنك لغليم معلم ".
كتب أبو الفرج بخطه: سألت أبا الفتح عن مولده فقال: في سنة أربع مئة. قال غيث: سكن صور، وكتبت عنه، وكان ثقة ديناً، من أهل الستر، مقبلاً على شأنه، رحمه الله.
وحدث ولده حمزة: أنه خرج من صور طالباً للقدس، فأقام بالرملة مدة يسيرة، وتوفي بها في دويرة الفقراء في سنة سبع وستين وأربع مئة.(22/108)
محمد بن الحسن بن منصور
أبو عبد الله الموصلي المعروف بابن الأقفاصي، الشاعر النقاش الضرير قدم دمشق، وامتدح بها جماعة من المتقدمين.
قال المصنف: كتبت عنه شيئاً من شعره، وكنت قد رأيته ببغداد في رحلتي الأولى، وقدمها ممتدحاً لابن صدقة، وزير الخليفة المسترشد بالله.
أنشد أبو عبد الله بن الأقفاصي، لنفسه: من مجزوء الكامل
أحبابنا لا تهجروا ... فتهاجر الأحباب هجر
وصلوا، ففي طي الوصا ... ل للوعتي طي ونشر
أبديتم ما كنت من ... وجد بكم أبداً أسر
وأعدتم بصدودكم ... بيض المدامع وهي حمر
وحياتكم، وكفى بها ... لمتيم قسماً يبر
ما عاينت عيناي بع ... د فراقكم شيئاً يسر
وهي طويلة.
وأنشد لنفسه أيضاً: من الكامل
لولا مغازلة الغزال الأكحل ... ما بعت عز نباهتي بتذلل
ووصلت حبل صبابة بكآبة ... قطعت رجائي من ديار الموصل
فترحلت روحي ولم أشعر بها ... في إثر ذاك الشادن المترحل
قمر تكامل حسنه وجماله ... فتجملي في حبه لم يجمل
حلت مباسمه عقود تجلدي ... فيه، وعقد وصاله لم يحلل
وثنت معاطفه قضيب أراكة ... ورنت لواحظه بمقلة مطف(22/109)
فللحظه وللفظه في مهجتي ... عضب يفصل مفصلاً عن مفصل
ولى فأولى كل قلب ترحة ... وسرى بقلبي في الركاب الأول
فتهللت وجداً سحائب أدمعي ... كندى شجاع الدولة المتهلل
وأنشد لنفسه في البراغيث: من البسيط
ما للبراغيث أشباه تقاس بها ... إلا أفاع بقيعان الفلا رقش
ورب ليل طويل بت ساهره ... حتى الصباح وعقلي طائر دهش
فلو رأيت انفرادي في الظلام وما ... فيهن إلا ظلوم واثب هرش
حسبتني ملكاً للروم أوقعه ... صرف الزمان بأرض أهلها حبش
فأنكروا منه لوناً غير لونهم ... فكلما مكنوا من لحمه نهشوا
انظر إلى مقلتي من طول ما سهرت ... منهن كيف اعترى أجفانها العمش
محمد بن الحسن بن الوليد بن موسى
ابن سعيد بن راشد بن يزيد بن قندس بن عبد الله أبو العباس الكلابي أخو تبوك وعبد الوهاب.
روى عن أبي صالح القاسم بن الليث الرسعني، بسنده إلى أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفية، وجعل ذلك لها صداقاً.(22/110)
كتب أبو الحسين الميداني بخطه: أنبأنا أبو العباس محمد بن الحسن بن الوليد بن موسى الكلابي في سنة خمس وخمسين وثلاث مئة بحديث ذكره.
محمد بن الحسن الخشني
حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى أبي موسى، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قوله: " يوم يكشف عن ساق " قال: " عن نور عظيم يخرون له سجداً ".
محمد بن الحسن أبو الحارث الرملي
حدث عن صفوان بن صالح الدمشقي، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قول الله عز وجل: " كل يوم هو في شأن ": " من شأنه يغفر ذنباً، ويكشف كرباً، ويجيب داعياً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين ".
محمد بن الحسن بن معية الحسني
شاعر سكن أطرابلس.
أنشد لنفسه ارتجالاً في صديق له ركب البحر إلى الإسكندرية من أطرابلس: من الخفيف
قربوا للنوى القوارب كيما ... يقتلوني ببينهم والفراق
شرعوا في دمي بتشديد شرع ... تركوني من شدها في وثاق(22/111)
ليتهم حين ودعوني وساروا ... رحموا عبرتي وطول اشتياقي
هذه وقعة الفراق فهل ... أحيا ليوم يكون فيه التلاقي؟
محمد بن الحسن أبو الحسن
الكفرطابي الأديب كتب أبو الفرج غيث بن علي بخطه: أبو الحسن الدمشقي المعروف بابن الكفرطابي، من أهل الأدب، مليح الشعر، حسن الحفظ، ذو مروءة. حدثني هو، وحدثني جماعة عنه أنه أنفق في المعاشرة على الأصدقاء وفي الصلات والكسى والمركوب أكثر من خمسة آلاف دينار كان خلفها له أبوه. وكان أحد الشهود زمن القاضي الزيدي، ثم ترك ذلك فيما بعد. اجتمعت به بدمشق، وذاكرته من شعره شيئاً لا بأس به، ورأيت رأيه - على ما ظهر لي منه - رأي الفلاسفة والميل إليهم. أنشدني محمد بن الحسن لنفسه: من الكامل
أظننتني من سلوة أنساك ... أعصي الهوى وأطيع فيك عداك
لا تحسبي قلبي يقلبه الهوى ... أبداً، ولا يصفي هوىً لسواك
غادرتني حيران أذرف دمعتي ... وأعالج الزفرات من ذكراك
قد بث سلطان الفراق جيوشه ... في مهجتي، وأظن فيه هلاكي
إن صح عزمك في الفراق فإنني ... يوم الفراق أعد من قتلاك
وكتب أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن صابر بخطه، أنشدنا أبو الحسن لنفسه: من الطويل
ودوح نزلناه فمد ستائراً ... وناب عن القينات فيه حمام
مددنا شراع اللهو في كل روضة ... وطنب فيه للسرور خيام
عجبت له أنى تشيب غصونه ... أوان شباب والزمان غلام(22/112)
وأيامنا بالنيربين كأنها ... إذا ما ذكرنا طيبهن منام
وقد سالمتني في الزمان صروفه ... وبيني وبين الحادثات ذمام
وعيش نعمنا فيه صاف من القذى ... وأعين ريب الدهر عنه نيام
ذكر أبو محمد بن الأكفاني: أن أبا الحسن الكفرطابي الشاعر كانت وفاته بدمشق سنة ثمان وتسعين وأربع مئة.
محمد بن الحسن أبو عبد الله القرشي
المعروف بابن السمين له قصائد مدح ببعضها أبا الحسن علي بن طاهر بن جعفر السلمي النحوي، ورثى ببعضها تلميذاً له اسمه أبو الحسن علي بن جعفر بن مسادة الأديب، منها: من الكامل
قصرت خطا أملي وأخفق مطلبي ... وبعدت عما رمت بعد تقرب
بفراق من فارقت عيشي بعده ... وفقدت في طول المسرة مذهبي
قد كنت أحذر يومه فرأيته ... والقلب في يد طائر ذي مخلب
ومضوا به حملاً على أعواده ... فكأنه ملك مشى في موكب
وأتوا به جدثاً فغيب شخصه ... من بعد أن قد كان غير مغيب
لو كان وحي الله ناجاني به ... لظللت بين مصدق ومكذب(22/113)
محمد بن الحسين بن أحمد بن بكر بن محمد
أبو علي الطبراني ثم البانياسي حدث عن عمه أبي أحمد عبد الله بن بكر بن محمد، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى أربعين يوماً صلاة الفجر وعشاء الآخرة في جماعة، أعطاه الله براءتين؛ براءة من النار وبراءة من النفاق ".
محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن إسحاق
أبو منصور الجعبري الكوفي القاضي الخطيب الأمين قدم دمشق في صحبة والده، وأقام بها مدة، وتولى بها القضاء والخطابة، نيابة عن الشريف أحمد الزيدي. ثم خرج بعد ذلك إلى أطرابلس، فأقام بها، وبلغه أن أهله وابنه أبا القاسم قد توجهوا إلى أطرابلس، فخرج لتلقيهم، فأدركه أجله بحصن المنيطرة، فمات في آخر سنة ثمان وستين وأربع مئة.
محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم بن عبد الله
أبو الحسن الآبري ثم السجستاني محدث مشهور.
روى عن أبي عروبة الحسين بن أبي معشر الحراني، بسنده إلى جابر قال: " لا ألوم أحداً ينتمي عند خصلتين؛ عند إجرائه فرسه، وعند قتاله. وذلك أني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجرى فرسه، فسبق، فقال: " إنه لبحر "، ورأيته يوماً ضرب بسيفه في سبيل الله، فقال: " خذها، وأنا ابن العواتك " انتمى إلى جداته من بني سليم.(22/114)
محمد بن الحسين بن الحسن النيسابوري
أبو بكر بن أبي علي النيسابوري روى أبو بكر بن أبي علي البردعي، عن أبي هريرة، بسنده إلى ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله ليقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".
محمد بن الحسين بن أبي الدرداء
روى عن إبراهيم بن عبد الحميد الجرشي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " " طلب العلم فريضة على كل مسلم ".
محمد بن الحسين بن سعيد بن أبان
أبو جعفر الهمذاني حدث عن أبي عبد الملك أحمد بن إبراهيم، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تعلموا ما شئتم، فإن الله لن ينفعكم به، حتى تعملوا ".
روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى علي بن عمر الحافظ قال: سألت أبا محمد بن غلام الزهري وأبا بكر بن زهر المنقري، عن محمد بن الحسين الهمذاني فقال: ليس هو بالمرضي.
قال المصنف: ورأيت له أحاديث منكرة المتن.(22/115)
محمد بن الحسين بن عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم
ابن علي بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله العلوي الحسيني النصيبي ولي القضاء والصلاة والخطابة والنقابة بدمشق في أيام المتلقب بالحاكم. وكان عفيفاً طاهراً حافظاً لكتاب الله أديباً شاعراً. وكان له ديوان شعر، فمما قاله في الزهد: من السريع
في الشيب ما ألهاه عن نومه ... وعن سرور الغد أو يومه
يكفيك ما أبليت من جدة ... فاعمل لأمر أنت من سومه
عصيت لوامك عند الصبا ... والشيب ما يعصيه في لومه؟
قال عبد العزيز الكتاني: توفي القاضي الشريف أبو عبد الله محمد بن الحسين الحسيني النصيبي في جمادى الآخرة من سنة ثمان وأربع مئة.
محمد بن الحسين بن علي بن أبي هشام
أبو بكر روى عن أبي بكر الميانجي، بسنده إلى سهل بن سعد الساعدي قال: مسح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخفين، وأمر بالمسح على الخفين.(22/116)
محمد بن الحسين بن علي الترجمان
ابن محمد بن هارون بن الترجمان أبو الحسين القري الصوفي شيخ أهل التصوف بالشام.
روى عن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي، بإسناده إلى أبي هريرة قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل يسوق بدنة، فقال: " اركبها " فقال: إنها بدنة. قال في الثالثة أو الرابعة: " ويحك اركبها ".
وروى عن أبي بكر محمد بن أحمد الجندري، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ".
توفي الشيخ أبو الحسين محمد بن الحسن بن الترجمان بمصر يوم السبت الثامن عشر من جمادى الأولى، سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، ودفن بالقرافة عند قبر ذي النون المصري. وكان عمره خمساً وتسعين سنة على ما قيل.
محمد بن الحسين بن علي المروزي بن الحسين
أبو عبد الله المروزي المقرئ حدث عن أبي الفتح أحمد بن عبيد الله بن ودعان الموصلي، بإسناده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من اغتسل يوم الجمعة، فأحسن غسله، ولبس من صالح ثيابه، ومس من طيب بيته، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها ".(22/117)
قال أبو محمد الكتاني: سنة أربع وستين وأربع مئة، فيها توفي أبو عبد الله محمد بن الحسين المروزي المقرئ.
محمد بن الحسين بن علي البتلهي بن عبد الأعلى بن سيف
أبو عبد الله البتلهي قاضي بيت لهيا.
سئل عن مولده فقال: في سنة أربعين وأربع مئة في بيت لهيا. وتوفي.
محمد بن الحسين بن عمر بن حفص
أبو بكر القرشي مولاهم، المعروف بابن مزاريب من ساكني قنطرة سنان.
حدث عن أبي علي إسماعيل بن محمد العذري، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ضرب أحدكم خادمه، فذكر الله، فارفعوا أيديكم ".
كتب أبو بكر بن إبراهيم السكسكي الفقيه قاضي بعلبك بخطه: توفي أبو بكر بن مزاريب، رحمه الله، لخمس عشرة ليلة مضت من شوال سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن الحسين بن محمد بن خلف
ابن أحمد أبو خازم بن الفراء البغدادي قدم دمشق، وحدث بها.(22/118)
روى عنه الخطيب البغدادي، بإسناده إلى عمير الليثي قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة.
قال الخطيب: غريب لم أكتبه إلا بهذا الإسناد.
حدث أبو خازم محمد بن الحسين، عن أبي عمر محمد بن العباس، بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء ".
قال أبو بكر الخطيب: رأيت له أصولاً سماعه فيها صحيح، ثم بلغنا عنه أنه خلط في التحديث بمصر، واشترى من الوراقين صحفاً، فروى منها. وكان يذهب إلى الاعتزال.
وقال: مات أبو خازم بتنيس في يوم الخميس السابع عشر من المحرم في سنة ثلاثين وأربع مئة ودفن بدمياط.
محمد بن الحسين بن محمد بن جعفر
أبو الفتح الشيباني البغدادي العطار المعروف بقطيط حدث عن محمد بن النضر بن محمد النخاس، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار ".
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر أبو الفتح الشيباني العطار، يعرف بقطيط، أحد(22/119)
من تغرب وسافر الكثير.. واكن شيخاً ظريفاً، مليح المحاضرة، يسلك طريق التصوف. وسمعته يقول: ولدت ببغداد في سنة خمس وخمسين وثلاث مئة.
وقال أيضاً: توفي أبو الفتح قطيط بالأهواز في سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد
أبو يعلى بن الفراء الفقيه الحنبلي أخو أبي خازم.
قال المصنف: بلغني أن البساسيري لما غلب على بغداد، ولاه القضاء تقرباً إلى العامة، فدخل على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وهو في اعتقال البساسيري، فاستأذنه في النيابة عنه، فأذن له، فقضى حينئذ.
حدث أبو يعلى بن الفراء، عن أبي الحسن علي بن عمر الحربي، بسنده إلى أبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صدقة حتى يرجع ".
وثقه الخطيب، وقال: سألته عن مولده فقال: ولدت لسبع وعشرين، أو ثمان وعشرين، ليلة خلت من المحرم، سنة ثمانين وثلاث مئة. وحدثني أبو القاسم الأزهري قال: كان أبو الحسين المحاملي يقول: ما تحاضرنا أحد من الحنابلة أعقل من أبي يعلى بن الفراء.(22/120)
مات القاضي أبو يعلى بن الفراء في ليلة الاثنين التاسع عشر من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وأربع مئة، ودفن في مقبرة باب حرب.
محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم
ابن الحسين بن عبد الرحمن أبو طاهر بن أبي القاسم الحنائي من أهل بيت حديث وعدالة واشتهار بمذهب السنة، وكان ثقة.
حدث عن أبي علي بن أحمد وأبي الحسين محمد، بإسنادهما إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر ".
ذكر أبو طاهر بن الحنائي أن مولده سنة ست وثلاثين وأربع مئة، وذكر أخوه أبو الحسين أن مولده في سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.
كتب أبو محمد بن صابر بخطه: توفي شيخنا أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد الحنائي، رحمه الله، الثالث من جمادى الآخرة سنة عشر وخمس مئة، ودفن في مقابر باب الصغير من يومه. ثقة في روايته، خلف بنتين.
محمد بن الحسين بن موسى بن إسحاق
أبو التريك السعدي أصله من حمص، وسكن أطرابلس.
حدث عن أبي عتبة أحمد بن الفرج، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(22/121)
من صام يوماً في سبيل الله عز وجل، جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق، كل خندق كما بين سبع سماوات وسبع أرضين ".
وحدث في المسجد الحرام بمكة، عن أحمد بن ميمون بن الحكم، بإسناده إلى عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل " قاله ثلاث مرات.
قال ابن جميع: حدثنا أبو التريك محمد بن الحسن بن موسى بن إسحاق الأطرابلسي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة بحديث ذكره.
محمد بن الحسين الفارسي
روى عن محمد بن جعفر بن ملاس، بسنده، عن أنس.
أنه ذكر الدجال، قال: يخرج معه - يعني - سبعون ألفاً من يهودية أصبهان، عليهم الطيالسة.
محمد بن حصن بن خالد بن سعيد بن قيس
أبو عبد الله الألوسي البغدادي حدث بدمشق، عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الصواف البصري، بسنده إلى جابر بن عبد الله فذكر حديث مواقيت الصلاة، بطوله.(22/122)
حدثنا محمد بن حصن الطرسوسي، عن علي بن الحسن الدرهمي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ".
محمد بن حفص بن عمر البعلبكي
ابن عبد الله بن عمر بن رستم بن سنان أبو صالح الفارسي البعلبكي حدث عن محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري، بسنده إلى عائشة قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " تخيروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن ".
وحدث عن محمد بن عوف، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتم اليوم في زمان من ترك عشر ما أمر به هلك. وسيأتي على الناس زمان من عمل منهم عشر ما أمر به نجا ".
محمد بن حفص أبي مكرم
أبو الحسين حدث عن حماد بن بسطام، بسنده إلى واثلة بن الأسقع أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على عثمان بن مظعون، ومعه صبي له صغير يلثمه، فقال: " أتحبه يا عثمان؟ " قال: إي والله يا رسول الله إني لأحبه. قال: " أفلا أزيدك له حباً؟ " قال: بلى. فداك أبي وأمي. قال: " إنه من ترضى صغيراً له من نسله حتى يرضى، ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضى ".(22/123)
محمد بن حماد الطهراني
روي عنه أنه قال: أشخصني هشام بن عبد الملك من أرض الحجاز إلى أرض الشام، فاجتزت بالبلقاء، فوجدت بها حبلاً أسود مكتوباً عليه ما لم أدر ما هو، فدخلت إلى عمان، فسألت عمن يقرأ ما على القبور والجبال، فأرشدت إلى شيخ قد كبرت سنه، فلما خرج إلي حدثته بما شاهدت، وأردفته معي على راحلتي، حتى انتهينا إلى الموضع، فلما أن قرأ ما عليه قال: ما أعجب ما عليه! أمعك شيء تنقله إليه؟ فأخرجت ما كان معي، فقال لي: عليك، مكتوب بالعبراني: باسمك اللهم. جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله. وكتب موسى بن عمران بيده.
قال المضنف: هذا حديث منكر، وإسناده مظلم.
محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد بن زياد
أبو بكر بن أبي حاتم النيسابوري البيلي من الرحالين.
روى عن يزيد بن عبد الصمد، بإسناده إلى أبي الدرداء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" خلق الله آدم عليه السلام، فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذريته بيضاً كأنهم اللبن، ثم ضرب كتفه اليسرى، فخرج ذريته سوداً كأنهم الحمم. قال: هؤلاء في الجنة، ولا أبالي، وهؤلاء في النار، ولا أبالي ".
قال الحسن بن أحمد المخلدي: توفي أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد بن زياد، رحمه الله، ليلة الأربعاء في وقت عشاء الآخرة، لست عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الآخر، سنة عشرين(22/124)
وثلاث مئة ودفن يوم الأربعاء، وصلى عليه أبو القاسم المذكر. وذكر الحاكم أنه مات وهو ابن سبع وثمانين سنة.
محمد بن حمد بن عبد الله
أبو نصر الأصبهاني الوزان المعروف بالكبريتي وبالفواكهي قال المصنف: كتبت عنه بأصبهان، وذكر لي أنه قدم دمشق، وكان لا بأس به.
روى سنة سبع وخمسين وأربع مئة عن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن المقرئ، بسنده إلى جابر قال: قلت: يا رسول الله، مم أضرب يتيمي؟ قال: " مما كنت ضارباً منه ولدك، غير واق مالك بماله، ولا متأثل من ماله مالاً ".
محمد بن حمزة بن عبد الله
ابن سليمان بن أبي كريمة أبو الحسن الصيداوي حدث عن جده بإسناده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غار.. " فذكر الحديث بطوله.
محمد بن حمزة بن محمد بن حمزة
ابن محمد ويقال: ابن المغلس - بن قعنب أبو عبد الله - ويقال: أبو الحسين - التميمي الدارمي الحراني القطان دمشقي.(22/125)
حدث عن أبي القاسم المظفر بن حاجب الفرغاني، بسنده إلى جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين والعمامة.
قال عبد العزيز الكتاني: توفي شيخنا أبو عبد الله محمد بن حمزة الحراني القطان يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة خمس عشرة وأربع مئة.. وكان ثقة، ويذهب إلى التشيع.
محمد بن حمزة بن موسى
أبو عبد الله الشيباني المعروف بابن الغسال المعدل ولي القضاء بدمشق نيابة.
محمد بن أبي حمزة بن محمد
ابن منصور بن القاسم بن عبدان أبو بكر إمام مسجد باب الجابية.
قرأ القرآن بحرف ابن عامر، وقرئ عليه.
محمد بن حميد بن محمد بن سليمان
ابن معاوية ابن عبيد الله - ويقال: ابن معاوية - ابن خالد أبو الطيب بن الحوراني الكلابي حدث عن أبي بدر عباد بن الوليد، بسنده إلى عمران بن الحصين: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رجم امرأة، ثم صلى عليها.
مات ابن الحوراني سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة.(22/126)
محمد بن حميد بن معيوف بن بكر بن أحمد
ابن معيوف بن يحيى بن معيوف أبو بكر الهمذاني من أهل بيت سوا.
روى عن أبي بكر محمد بن علي بن أحمد، بسنده إلى جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له تور من حجارة.
وروى عن المضاء بن مقاتل، بسنده إلى أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام يوم الجمعة إلا بيوم قبله أو بيوم بعده.
محمد بن حميد
قال محمد بن حميد الدمشقي: عوتب رجل في التزويج فقال: مكابدة العفة أهون من سؤال الرجال ما في أيديهم.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: محمد بن حميد من أهل دمشق من قدماء مشايخ الشام وعظمائهم. كان أستاذ أبي حمزة الصوفي.
محمد بن حويت بن أحمد بن أبي حكيم
أبو عبد الرحمن بن أبي سليمان القرشي(22/127)
روى عن أبيه بإسناده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يكتب إلى بعض العجم كتاباً فقيل له: إنه لا يكون كتاب إلا بخاتم، فاتخذ خاتماً من فضة، فصه منه، ونقش عليه: محمد رسول الله فلبس الخاتم حياته. فلما توفي لبسه أبو بكر حياته، فلما توفي أبو بكر، لبسه عمر، فلما توفي عمر، لبسه عثمان، فسقط منه في بئر بالمدينة، فطلب، فلم يقدر عليه.
محمد بن حيان بن محمد بن نصر
ابن محمد بن قائد أبو البركات البغدادي الأديب قدم دمشق، وروى بها كتاب الحماسة لأبي تمام في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وأربع مئة.
محمد بن أبي حيي الأذرعي
حدث عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب ذات يوم، أو ذات ليلة، لابن عباس: حدثني بحديث يعجبني، فقال: حدثني خريم بن الفاتك الأسدي قال:
خرجت في بغاء إبل لي، فأصبتها بأبرق العزاف، فعقلتها، وتوسدت ذراع بعير منها وذلك حدثان خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... وروى خبر إسلامه بعد أن سمع هاتفاً من الجن يعلمه ببعثة النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال المصنف: هذا حديث غريب. وقد تقدم في ترجمة خريم بن فاتك.(22/128)
محمد بن خازم بن عبد الله بن ماهان
أبو عبد الله البغوي حدث عن إبراهيم بن إسماعيل، بسنده إلى عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه ".
محمد بن خالد بن أمة
أبو جعفر الهاشمي حدث عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الندم توبة ".
وروى عن محمد بن سعيد بن المغيرة الشيباني، عن عبد الملك بن عمير قال: لما دخل معاوية الكوفة، صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: أيها الناس! إني والله ما قاتلتكم على الصوم والصلاة، وإني لأعلم أنكم تصومون وتصلون وتزكون، ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم. أما بعد ذلكم، فإنه لم تختلف أمة بعد نبيها، إلا غلب باطلها على حقها، إلا ما كان من هذه الأمة، فإن حقها غلب باطلها. ألا وإن كل دم أصيب في هذه الفتنة تحت قدمي. ألا وإن الناس لا يصلحها إلا ثلاث: خروج العطاء عند محله، وإقفال الجيوش عند إبان قفلها، وانتياب العدو في بلادهم؛ فإنكم إن لم تنتابوهم في بلادهم ينتابوكم في بلادكم. والمستعان الله على أهل كل بلد؛ إن جهد أهله حربوا، وإن حرموا فتنوا. فقوموا فبايعوا. فبايعه الناس. فمر به شيخ فقال:(22/129)
أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه. فقال: لا شرط لك. فقال: لا بيعة لك. فلما خاف معاوية أن يفسد عليه الناس قال: اجلس. فتركه، حتى إذا رأى أنه قد عقل، قال: أيها الشيخ! لا خير في أمر لا يعمل فيه بكتاب الله وسنة نبيه، فبايع أيها الشيخ، فبايعه. فقام حتى مر بهمدان، فبايعت فأتاه رجل، فقال: والله إني لأبايعك وإني لك لكاره. فقال معاوية: بايع؛ فإن الله قد جعل في الكره خيراً كثيراً. فبايع. وأقبل يبايع همدان، فمر به رجل منهم آخر، فقال: أعوذ بالله من شرك يا معاوية. فقال له معاوية: تعوذ بالله من شر نفسك، فشر نفسك أذم لك من شر نفسي. ثم تقدم رجل آخر فقال: أبايعك على سيرة أبي بكر وعمر بن الخطاب. فكف معاوية يده، ثم قال: وأين رجال ابن الخطاب؟! بايع على دهماء جامعة. فبايعه الرجل. وأقبل يبايع حتى فرغ من بقية الناس كلهم.
وروى عن المغيرة بن عمر، بسنده، إلى العلاء بن سعد، وكان ممن بايع يوم الفتح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوماً لجلسائه: " هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا: وما تسمع يا رسول الله؟ قال: " أطت السماء، وحق لها أن تئط، ليس منها موضع قدم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد ". ثم قرأ " وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون ".
قال ابن أبي حاتم: محمد بن خالد الدمشقي.. سألت أبي عنه، قال: كان يكذب. سمعت منه حديثاً ...(22/130)
محمد بن خالد بن العباس بن زمل
أبو عبد الله السكسكي البتلهي روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بقيام الليل، فإنها دأب الصالحين قبلكم، وتوبة إلى الله، ومرضاة للرب، ومطردة للداء عن الجسد ".
وروى عن بقية بن الوليد، بسنده إلى عرباض بن سارية قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قال الله عز وجل: إذا قبضت من عبدي كريمتيه، وهو بهما ضنين، لم أرض له ثواباً دون الجنة، إذا حمدني عليهما ".
وثقوه.
محمد بن خالد بن عبد الله
ابن يزيد بن أسد بن كرز القسري غلب على الكوفة، ودعا إلى بني العباس حين ظهروا، ثم أمر على المدينة للمنصور أيام خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن.
قال يعقوب بن سفيان: في هذه السنة، يعني سنة إحدى وأربعين ومئة، عزل زياد بن عبيد الله عن المدينة ومكة، واستعمل على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري، فقدمها في رجب.
وقال الحارث بن إسحاق:
استعمل أبو جعفر على المدينة محمد بن خالد بعد زياد، وأمره بالجد في طلب محمد،(22/131)
يعني ابن عبد الله بن الحسن، وبسط يده في النفقة في طلبه، فأغذ السير، حتى قدم المدينة هلال رجب سنة إحدى وأربعين ومئة، ولم يعلم به أهل المدينة حتى جاء رسوله من الشقرة وهي بين الأعوص والطرف، على ليلتين من المدينة. فوجد في بيت المال سبعين ألف دينار، وألف ألف درهم، فاستغرق ذلك، ورفع في محاسبته أموالاً كثيرة في طلب محمد، فاستبطأه أبو جعفر واتهمه، فكتب إليه أبو جعفر يأمره بكشف المدينة وأعراضها، فأمر محمد بن خالد أهل الديوان أن يتجاعلوا لمن يخرج، فتجاعلوا، وخرج إلى الأعراض لكشفها عن محمد، وأمر القسري أهل المدينة، فلزموا بيوتهم سبعة، وطافت رسله والجند بيوت الناس يكشفونها، لا يحسون شيئاً. وكتب القسري لأعوانه صكاكاً يتعززون بها لئلا يعرض لهم أحد. فلما استبطأه أبو جعفر، ورأى ما استغرق من الأموال، عزله.
حدث محمد بن خالد القسري قال: لما خرج محمد بن عبد الله بالمدينة، وأنا في حبس ابن حيان، أطلقني، فلما سمعت دعوته التي دعا إليها على المنبر، قلت: هذه دعوة حق. والله لأبلين الله فيها. فقلت: يا أمير المؤمنين! إنك قد خرجت بهذا البلد. والله لو وقف على نقب من أنقابه، مات أهله جوعاً وعطشاً. فانهض معي، فإنما هي عشر، حتى أضربه بمئة ألف سيف. فأبى علي. قال: فإني لعنده يوماً إذ قال: ما وجدنا من حر المتاع شيئاً أجود من شيء وجدناه عند ابن أبي فروة ختن أبي الخصيب، وكان انتقبه. قال: قلت: لا أراك قد أبصرت حر المتاع! قال: فكتبت إلى أبي جعفر، فأخبرته بقلة من معه. قال: فعطف علي فحبسني، حتى أطلقني عيسى بن موسى بعد قتله محمداً ودخوله المدينة.(22/132)
حدث يعقوب قال: وفيها - يعني سنة أربع وأربعين ومئة - عزل محمد بن خالد بن عبد الله القسري عن المدينة وولي مكانه رياح بن عثمان المري، وأمر بحبس محمد بن خالد وكاتبه وعماله واستخراج ما قبلهم من الأموال.
محمد بن خالد بن الوليد بن المغيرة
ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي ذكر أنه خرج مع مسلمة بن عبد الملك من دمشق غازياً إلى القسطنطينية، وأنه جعل أميراً بعد مسلمة، إن استشهد.
قال عبد الله بن سعيد بن قيس الهمداني: قام - يعني عبد الملك - خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: قد أمرت عليكم مسلمة بن عبد الملك، فاسمعوا له، وأطيعوا أمره، ترشدوا، وتوفقوا. فإن استشهد، فالأمير من بعده محمد بن خالد بن الوليد المخزومي، فإن استشهد، فالأمير من بعده محمد بن عبد العزيز ...
محمد بن خالد بن يحيى بن محمد
ابن يحيى بن حمزة أبو علي الحضرمي البتلهي قاضي بيت لهيا.
حدث عن جده لأمه أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، بسنده إلى أبي هريرة قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاءه رجل، فقال: يا رسول الله! هلكت! قال: " ويحك! وما شأنك؟ " قال: وقعت على أهلي، في رمضان يعني، قال: " أعتق(22/133)
رقبة " قال: لا أجد. قال: " فصم شهرين متتابعين " قال: لا أطيقه. قال: " فأطعم ستين مسكيناً " وذكر الحديث، ثم قال في آخره: ما بين ظهري المدينة أحوج إليه مني. قال: فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى بدت أنيابه، ثم قال: " خذه، واستغفر ربك ".
كتب أبو الحسين الرازي بخطه: أبو علي محمد بن خالد بن يحيى بن حمزة الحضرمي. من أهل بيت لهيا. وكان على قضاء بيت لهيا، مات سنة سبع وعشرين وثلاث مئة.
وقال أبو سليمان الربعي: وفي ذي الحجة - يعني من سنة أربع وعشرين وثلاث مئة - توفي أبو علي محمد بن خالد بن يحيى بن حمزة.
قال المصنف: وأظن أن هذا أصح.
محمد بن خالد بن يزيد أبو بكر
الشيباني القلوصي الرازي القاضي سمع بدمشق، وسكن نيسابور.
حدث عن يحيى بن أبي الخطيب، بسنده إلى عطاء بن يزيد، أنه حدثه، أن بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ قال: " من جاهد بنفسه وماله في سبيل الله "، قالوا: ثم من يا رسول الله؟ قال: " مؤمن في شعب من الشعاب، يتقي الله، ويدع الناس من شره ".
وثقه ابن أبي حاتم.(22/134)
محمد بن خالد
حدث محمد بن خالد الدمشقي عن مران بن محمد، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من عمله، وأجله، وأثره، ومضجعه، ورزقه. لا يتعداهن عبد ".
محمد بن خالد الفزاري الدمشقي
قرابة مطر بن العلاء.
حدث عنه، بإسناده إلى البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كفر بالله العظيم، جل وعز، عشرة من هذه الأمة: الغال، والساحر، والديوث، وناكح المرأة في دبرها، وشارب الخمر، ومانع الزكاة، ومن وجد سعة ومات ولم يحج، والساعي في الفتن، وبائع السلاح أهل الحرب، ومن نكح ذات محرم منه ".
محمد بن أبي خالد أبو جعفر
القزويني الصوفي حدث بدمشق - سنة سبع وأربعين ومئتين - عن عبد الرزاق، بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال، كتب له صيام سنة ".(22/135)
محمد بن خداش الأذرعي
من أهل أذرعات.
حدث عن مسلمة بن عبد الله القيسراني، بسنده إلى الوليد بن عبادة، أن عبادة لما حضرته الوفاة، قال له عبد الرحمن بن عبادة: أوصني. قال: أجلسوني، نعم، يا بني. اتق الله، ولن تتقي الله حتى تؤمن بالله، ولن تؤمن بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " القدر على هذا. من مات على غير هذا دخل النار ".
محمد بن خراشة
حدث عن عروة بن محمد السعدي، عن أبيه، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من أشراط الساعة إخراب العامر، وإعمار الخراب، وأن يكون الغزو فداء، وأن يتمرس الرجل بأمانته تمرس البعير بالشجرة ".
وروى عنه أيضاً: أن رجلاً من الأنصار أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني أريد أن أتزوج امرأة، فادع(22/136)
لي. فأعرض عنه، ثلاث مرات كل ذلك يقول. ثم التفت غليه فقال: " لو دعا لك إسرافيل وجبريل وميكائيل وحملة العرش وأنا فيهم، ما تزوجت إلا المرأة التي كتبت لك ".
ذكره ابن سميع في الطبقة الرابعة، وقيد خراشة بالضم. وضبطه أبو بكر الخطيب وابن ماكولا بالكسر.
محمد بن خريم بن محمد
ابن عبد الملك بن مران أبو بكر العقيلي حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم.
مات محمد بن خريم بن محمد بن عبد الملك العقيلي أبو بكر سنة ست عشرة وثلاث مئة.
محمد بن خريم أبو قهطم المري
من فقهاء أهل دمشق وأهل الفتوى بها.
قال أبو هشام عبد الصمد بن عبد الله: وجهني أبو قهطم محمد بن خريم إلى أبي العميطر حين ذكر أنه يريد الخروج.(22/137)
فأتيته وهو في قرية قرحتا، فقلت: إن أخاك محمد بن خريم يقرئك السلام، ويقول لك: يا أبا الحسن، قد كبرت سنك، وقد حملنا عنك علماً كثيراً، فلا تفسد نفسك. فلم يرد علي جواباً. وكان في مجلسه محمد بن معيوف الكلبي، فوثب علي وقال: ارجع إلى صاحبك، فقل له: علي بن عبد الله الخليفة، وقد استوثق أمره، وبايعه الناس، فادخل فيما دخلوا فيه، ودع عنك ما لا يعنيك. قال: فرجعت إلى محمد بن خريم، فأخبرته، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم دعا غلاماً له فقال: ائتني بذلك القمطر، فأتاه بقمطر ملئ كتباً، فأخرجها ثم أمر بإحراقها. وكان كلها مما كتبه عن أبي العميطر.
محمد بن خزيمة بن مخلد بن محمد
ابن موسى أبو بكر حدث عن ابن أبي السري، بسنده إلى أنس بن مالك قال: كنا جلوساً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل علي بن أبي طالب، ومعه شيء مغطى دفعه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا هو لبن، فجرع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أداره علينا، ثم أقبل على علي فقال: " جزاك الله خيراً. أما إن العبد إذا قال لأخيه المسلم جزاك الله خيراً، فقد بالغ في الدعاء ".
محمد بن خشنام بن بشر بن العنبر
أبو عبد الله بن أبي محمد النيسابوري حدث عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، بسنده إلى أبي جحيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رآني في المنام، فقد رآني، فإن الشيطان لا يتشبه بي ".(22/138)
محمد بن الخضر بن الحسن بن القاسم
أبو اليمن التنوخي المعري يعرف بابن مهزول الشاعر المعروف بالسابق قدم دمشق.
أنشد أبو اليمن محمد بن الخضر بن الحسن التنوخي لنفسه: من الوافر
حلمت عن السفيه فزاد بغياً ... وعاد، فكفه سفهي عليه
وفعل الخير من شيمي، ولكن ... أتيت الشر مدفوعاً إليه
وأنشد لنفسه أيضاً: من الكامل
ولقد عصيت عواذلي وأطعته ... رشأ يقتل عاشقيه ولا يدي
إن تلق شوك اللوم فيه مسامعي ... فبما جنت من ورد وجنته يدي
قال ابن الملحي: وكان فخر المعالي وزير تاج الدولة صرف همته إلى عمارة الجامع وأعطى عمالته لأبي علي بن أبي سواد، وجعل السابق عليه مشاهرة، توقف فيها أبو علي، فكتب السابق إلى فخر المعالي: من السريع
المسجد الجامع في جلق ... إليك بعد الله يستعدي
صار السوادي له عاملاً ... وكان لا يصلح للبد
نهاره لا كان مستهتراًيلعب بالشطرنج والنرد
وليله يشربها قهوة ... صفراء أو حمراء كالورد
بالكاس والطاس ولا يرعوي ... مع البغايا ومع المرد(22/139)
وهي تلحق أربعين بيتاً يصف فيها آكل مال الجامع والمساجد ويتفنن في الفحش. فصرف أبو علي عن الجامع، وصار أبو علي عند فخر المعالي كما ذكره السابق.
محمد بن الخضر بن عمر أبو الحسين
الحمصي القاضي الفرضي ولي القضاء بدمشق نيابة عن أبي عبد الله محمد بن الحسين بن النصيبي.
حدث عن أبي طاهر محمد بن عبد العزيز الإسكندراني، بسنده إلى عبادة بن الصامت أنه سأل نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الأعمال أفضل؟ قال له: " الإيمان بالله وتصديق به، وجهاد في سبيله، وحج مبرور. وأهون عليك من ذلك إطعام الطعام ولين الكلام وحسن الخلق. وأهون عليك من ذلك ألا تتهم الله في شيء قضاه عليك ".
قال أبو محمد بن الأكفاني: توفي أبو الحسين محمد بن الخضر الفارض يوم السبت لإحدى عشرة خلت من جمادى الأولى سنة أربع عشرة وأربع مئة.
محمد بن خفيف بن أسفكشاذ
أبو عبد الله الضبي الشيرازي الصوفي شيخ بلاد فارس في وقته، وواحد أهل طريقته في عصره. قدم دمشق.
حدث عن التريكاني محمد بن أحمد، بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قلب الشيخ شاب في حب اثنتين؛ طول الأمل، وحب المال ".(22/140)
سمع أبو عبد الله بن خفيف يقول: دخلت دمشق، فقصدت الفقراء، وسلمت عليهم، وأحضر طعام، فمددت يدي معهم، وكان علي صوف مصري وعمامة كحلي، كان قد فتح علي قبل دخولي إلى دمشق بأيام، فتوهم واحد منهم أن معي معلوماً ولي يسار، فقال لي: ألا تستحي من الله؟ تأكل خبز الفقراء وأنت غني! قال: فقلت: ما علمت أن للفقراء خبزاً، ولو علمت ما أكلت. ثم أمسكت يدي. فسمع الدقي، فاستخف بالرجل استخفافاً شديداً، ثم عرفني إليهم، فجاء الرجل معتذراً، فقلت: يا أخي، إن خبز الفقراء لا مالك له، وإنما هو لمن يأكل، لأن الفقير لا يملك.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: محمد بن خفيف بن أسفكشاذ الضبي أبو عبد الله المقيم بشيراز كانت أمه نيسابورية، هو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان. لم يبق للقوم أقدم منه سناً، ولا أتم حالاً ووقتاً. صحب رويماً والجريري وأبا العباس بن عطاء، ولقي الحسين بن منصور. وهو اعلم المشايخ بعلوم الظاهر، متمسكاً بعلوم الشريعة من الكتاب والسنة، وهو فقيه على مذهب الإمام الشافعي..
وقال أبو نعيم الحافظ: ومنهم أبو عبد الله بن خفيف الحنيف الظريف، له الفصول في الأصول، والتحقق والتثبت في الوصول. لقي الأكابر والأعلام، صحب رويماً وأبا العباس بن عطاء وطاهر المقدسي وأبا عمر الدمشقي، وكان شيخ الوقت حالاً وعلماً. توفي سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة.(22/141)
وقال أبو المظفر بن القشيري: أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي صحب رويماً والجريري وابن عطاء وغيرهم. مات سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة شيخ الشيوخ وواحد وقته. قال ابن خفيف: الإرادة استدامة الكد، وترك الراحة. وقال: ليس شيء أضر بالمريد من مسامحة النفس في قبول الرخص وقبول التأويلات. وسئل عن القرب فقال: قربك منه بملازمة الموافقات، وقربك منه بدوام التوفيق.
سمع أبو عبد الله يقول: كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهراً أفطر كل ليلة بكف باقلى. فمضيت يوماً، واقتصدت، فخرج من عرقي شبيه ماء اللحم، وغشي علي، فتحير الفصاد، وقال: ما رأيت جسداً بلا دم إلا هذا! وسمع أيضاً يقول:
كنت في حال حداثتي استقبلني بعض الفقراء، فرأى في أثر الضر والجوع، فأدخلني داره، وقدم إلي لحماً طبخ بالكشك، واللحم متغير، فكنت آكل الثريد، وأتجنب اللحم لتغيره. ولقمني لقمة فأكلتها بجهد، ثم لقمني ثانية، فبلغته مشقة، فرأى ذلك مني؛ وخجل، وخجلت لأجله. فخرجت وانزعجت في الحال للسفر، فأرسلت إلى والدتي من يحمل إلي مرقعتي، فلم تعارض الوالدة، ورضيت بخروجي. فارتحلت من القادسية مع أحياء العرب، ولم نجد شيئاً، واضطررنا إلى أن اشترينا منهم كلباً بدنانير، وشووه، وأعطوني قطعة من لحمه. فلما أردت أكله، فكرت في حالي، فوقع لي أنه عقوبة خجل ذلك الفقير فتبت في نفسي، وسكت. ودلونا على الطريق، فمضيت، وحججت. ثم رجعت معتذراً إلى الفقير.(22/142)
قال أبو الحسن علي الديلمي: سمعت الشيخ - يعني - ابن خفيف يقول: كنت في البادية، فأصابني السموم، ولم يكن معي ماء ولا زاد، فطرحت نفسي، ونمت كالسكران قال: فانتبهت، وإذا عند رأسي قطعة تمر، وركوتي ملأى ماء، ففرحت، وتوهمت أنها آية ظهرت لي، فكنت أستقل بها حتى دخلت المدينة. ففي بعض الأيام كنت جالساً عند القبر، فإذا ببدويين دخلا المسجد، فقصدا القبر، فقال أحدهما للآخر: هذا صاحبنا، فجاءا وسلما علي، وقالا: رأيناك في موضع كذا وكذا، وقد ضربك السموم، فحركناك فلم تنتبه، فتركنا عندك الماء والتمر. قال: فقلت في نفسي: ما اصطدنا شيئاً، وخاب ظننا. فكان يمزح إذا حكى هذه الحكاية، ويقول: هذه كانت من آياتي! روى أبو القاسم بن القشيري بإسناده أن أبا عبد الله بن خفيف قال: دخلت بغداد قاصداً إلى الحج، وفي رأسي نخوة الصوفية، ولم آكل الخبز أربعين يوماً.. ولم أشرب إلى زبالة، وكنت على طهارتي. فرأيت ظبياً على رأس البئر، وهو يشرب، وكنت عطشان، فلما دنوت من البئر، ولى الظبي، وإذا الماء في أسفله، فمشيت، فقلت: يا سيدي، ما لي محل هذا الظبي؟! فسمعت من خلفي: جربناك فلم تصبر! ارجع وخذ الماء. فرجعت وإذا البئر ملأى ماء، فملأت ركوتي، وكنت أشرب منه وأتطهر إلى المدينة ولم ينفد. ولما استقيت، سمعت هاتفاً يقول: إن الظبي جاء بلا ركوة ولا حبل، وأنت جئت مع الركوة! فلما رجعت من الحج دخلت الجامع، فلما وقع بصر الجنيد علي قال: لو صبرت لنبع الماء من تحت رجلك، لو صبرت صبر ساعة، صبر ساعة! قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي: نظر أبو عبد الله بن خفيف يوماً إلى أبي مكتوم وجماعة من أصحابه يكتبون شيئاً،(22/143)
فقال: ما هذا؟ فقالوا: اشتغلوا بتعلم شيء، ولا يغرنكم كلام الصوفية فإني كنت أخبئ محبرتي في جيب مرقعتي، والكاغد في حجزة سراويلي، وكنت أذهب خفياً إلى أهل العلم، فإذا علموا بي خاصموني، وقالوا: لا يفلح. ثم احتاجوا إلي بعد ذلك.
قال ابن خفيف وهو يعظ أصحابه: كنت في بدايتي ربما كنت أقرأ في ركعة واحدة عشرة آلاف مرة " قل هو الله أحد " وربما كنت أقرأ في ركعة واحدة القرآن كله، وربما كنت أصلي من الغداة إلى العصر ألف ركعة.
قال بعض المشايخ: كان بالشيخ قديماً وجع الخاصرة، فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة، فكان إذا أقيمت الصلاة، يحمل على الظهر إلى المسجد ليصلي. فقيل له في ذلك: لو خففت على نفسك لكان لك سعة في العلم. فقال: إذا سمعتم حي على الصلاة ولا تروني في الصف، فاطلبوني في المقابر! قال أبو أحمد الصغير: أمرني أبو عبد الله بن خفيف أن أقدم إليه كل ليلة عشر حبات زبيب لإفطاره. فليلة أشفقت عليه، فحملت خمس عشرة حبة، فنظر إلي وقال: من أمرك بهذا؟ فأكل عشر حبات، وترك الباقي.
وقال أبو أحمد الكبير: كان أبو عبد الله إذا أراد أن يخرج إلى صلاة الجمعة يقول لي: هات ما عندنا، فأحمل ما قد فتح من الذهب والفضة وغيره، فيفرقه كله، ثم يخرج إلى صلاة الجمعة. وكان كل سنة في أوان يخرج جميع ما عنده من الثياب حتى لا يبقي لنفسه ما يخرج به إلى برا.(22/144)
قال أبو أحمد الصغير:
كنت أخدم الشيخ، وليس معي في داره أحد، ولا يتقدم إليه أحد غيري، أو من أقدمه. فأصبحت يوماً، وصليت الصبح في الغلس، وجلست على الباب أقرأ في المصحف، وقد أخرجت رأسي من الباب أستضيء بالغلس، قال: فجاء أبو أحمد الكاغدي البيضاوي، وقال: أيها الشيخ، أريد الخروج، فادع لي. فدعا له. ومضى خطوات، فدعاه الشيخ، فرجع إليه، وناوله أرغفة حارة، وقال: كل هذا في الطريق. قال أبو أحمد: فتحيرت، وعلمت أنه لا يدخل إليه إلا من أدخلته، فعدوت وراء الكاغدي وقلت: أرني هذا الخبز، فأراني، فإذا هو رقاق حار! فمما أدركني من الوسواس لم أصبر، فلما كان العصر قلت: أيها الشيخ، ذاك الخبز من أين؟ قال: فقال: لا تكن صبياً أحمق! ذاك جاء به إنسان. فهبته أن أستزيده وسكت.
حدث أبو نصر الطرسوسي قال: مات لأبي عبد الله بن خفيف ابن يقال به عبد السلام، فما بقي بشيراز من الخاص والعام والجند والأمراء أحد إلا حضروا جنازته، فلم يجسر أحد أن يعزيه لما كان في نفوسهم أن مثله لا يعزى.
سمع أبو عبد الله يقول: كنت بالبصرة في جماعة من أصحابنا، فوقف علينا صاحب مرقعة أعور، فقال: من منكم ابن خفيف؟ فأشاروا إلي. فقال: تأذن لي أن أسألك مسألة؟ فقلت: لا. قال: ولم؟ فقلت: لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خير بين أمرين إلا اختار أيسره، وأيسره ألا تسألني، ولا أحتاج أجيبك. فقال: لا بد. فقلت: هذا غير ذاك. فقل الآن ما شئت.(22/145)
قال أبو عبد الله بن خفيف: حقيقة القناعة ترك الشرف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود. وقال أيضاً: القناعة الاكتفاء بالبلغة.
وقال: سألت الله أن ألقاه، ولا يكون لي شيء، ولا لأحد علي شيء، ولا يكون على بدني من اللحم شيء. فمات - رحمه الله - وهو كذلك.
مات ابن خفيف ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة وصلى عليه كثير من الأفاضل. واجتمع في جنازته خلق كثيرون فيهم اليهود والنصارى والمجوس، ومشى حولها فرسان الديلم والأتراك والحاشية بالعصي والدبابيس يمنعون الناس عنه وعن السرير. وقيل: كان له من العمر مئة وأربع سنين.
محمد بن خلف بن طارق الداري
حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد، بسنده إلى أنس قال: قيل: يا رسول الله، متى ندع الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم: الملك في صغاركم، والعلم في رذالكم، والفاحشة في خياركم " وفي نسخة أخرى " في كباركم ".
قال عبد الجبار: محمد بن خلف بن طارق. ولده بداريا إلى اليوم.(22/146)
قال أحمد بن عمير بن جوصا: حدثنا محمد بن خلف بن طارق الداري ببيروت، سنة تسع وأربعين، حدثنا أبو عامر الليثي بحديث ذكره.
محمد بن الخليل بن حماد بن سليمان
أبو عبد الله الخشني البلاطي حدث عن إسماعيل بن عياش، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: ما كان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام، حتى يقرأ " ألم. تنزيل " السجدة، و" تبارك الذي بيده الملك ".
وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس فيما دون ثلاثين من البقر صدقة، فإذا بلغت ثلاثين، ففيها تبيع جذع أو جذعة. وفي كل أربعين من البقرة بقرة مسنة، وما زاد فعلى حساب ذلك ".
ذكره أبو حاتم، وعده النسائي في شيوخه وقال: دمشقي لا بأس به.
قال أبو نصر بن ماكولا: أما الخشني أوله خاء معجمة بعدها شين معجمة مفتوحة ثم نون: محمد بن الخليل الخشني..(22/147)
محمد بن الخليل أبو بكر المقرئ
الأخفش الصغير حدث بعض أصحابه أنه كان يحفظ ثلاثين ألف بيت شعر شاهد في كتاب الله عز وجل.
أنشد أبو بكر محمد بن الخليل المقرئ: من الكامل
وجبت علي زكاة ما ملكت يدي ... وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا
فإذا ملكت فجد، فإن لم تستطع ... فاحرص بجهدك في الورى أن تنفعا
قال حسن بن الحسن الهاشمي الدمشقي: إن الأخفش الصغير قديم الموت - فيما أحسبه - مات بعد سنة ستين وثلاث مئة. وكان له ابن نبيل عالم باللغة والعربية.
محمد بن داود بن سالم
أبو عمرو مولى عثمان بن عفان حدث عن يزيد بن هارون، بسنده إلى معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله، أين تأمرني؟ فقال: " ها هنا " ونحا بيده نحو الشام، ثم قال: " إنكم محشورون رجالاً وركباناً، وتخرون على وجوهكم ".
وحدث عن يزيد، بسنده إلى واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: دخلت على أنس بن مالك - وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم - فقال: من أنت؟ قال: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ. قال: يرحم الله سعداً؛ كان سعد من أعظم الناس وأطولهم. ثم قال:(22/148)
بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً إلى أكيدر دومة، فبعث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبة من ديباج منسوجة فيها الذهب، فلبسها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل الناس يمسحونها وينظرون إليها، فقال: " أتعجبون من هذه الجبة؟ " قالوا: يا رسول الله ما رأينا ثوباً قط هو أحسن منه. قال: " فوالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منه ".
محمد بن داود بن سليمان
أبو عبد الله المعروف بالساقي حدث عن مران الطاطري بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استبرأ صفية بحيضة.
محمد بن داود بن سليمان أبو العباس
البغدادي حدث بدمشق عن مصعب بن عبد الله الزبيري، بسنده إلى أنس أن رجلاً كان يصلي بأصحابه، فيقرأ مع كل سورة " قل هو الله أحد " قال: فشكاه قومه، أو أصحابه، إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يحملك على ذلك؟ قال: إني أحبها، قال: حبها الذي أدخلك الجنة.
محمد بن داود بن سليمان أبو بكر
النيسابوري الزاهد الصوفي.(22/149)
حدث عن محمد بن المعافى الصيداوي وعبد الله بن محمد بن سلم، بسندهما إلى بسر بن أرطاة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا، ومن عذاب القبر ".
قال أبو عبد الرحمن السلمي: محمد بن داود بن سليمان النيسابوري أبو بكر المعروف بابن الفتح أقام ببغداد مدة طويلة، وكان جليساً لجعفر الخلدي والمرتعش ويحيى العلوي وطبقتهم. كتب الحديث الكثير، ودخل الشام. مات بنيسابور سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة.
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن داود بن سليمان بن جعفر أبو بكر الزاهد النيسابوري، قدم بغداد قبل سنة ثلاث مئة وأقام بها.. وكان ثقة فهماً، صنف أبواباً وشيوخاً.. ورجع آخر عمره إلى نيسابور، فتوفي بها.
وثقه الحاكم والدارقطني وغيرهما.
سمع أبو بكر بن داود الزاهد يقول: كنت بالبصرة أيام القحط، فلم آكل في أربعين يوماً إلا رغيفاً واحداً. فكنت إذا جعت قرأت سورة يس على نية الشبع، فكفاني الله الجوع.
قال أبو منصور بن عبد الله بن محمد الحافظ النيسابوري: توفي أبو بكر محمد بن داود بن سليمان الزاهد يوم الجمعة لعشر بقين من ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة، وكان من المقبولين بالحجاز ومصر والشام والعراقين وبلاد خراسان.(22/150)
محمد بن داود بن صبيح
حدث عن محمد بن عيسى، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال عمر: يا رسول الله، سمعت فلاناً - يثني خيراً ويذكر خيراً - زعم أنك أعطيته دينارين. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكن فلان قد أعطيته من عشرة إلى مئة فما يقول ذلك ولا يثني به. والله إن أحدهم ليخرج بمسلته من عندي متأبطها، فما هي له إلا نار " قال عمر: يا رسول الله، فلم تعطيه إياها وهي له نار؟ قال: " فما أصنع؟ يأبون إلا يسألوني، وأنا أكره، فأعطيهم، ويأبى الله لي البخل ".
محمد بن داود بن عبد الرحمن بن زياد بن بنوس
أبو السري الفارسي البعلبكي حدث ببعلبك سنة عشرين وثلاث مئة عن حميد بن محمد بن النضير، بسنده إلى ابن عباس قال: بينما هو ذات يوم قاعد، إذ أتاه رجل، فوقف عليه، فقال له: يا بن عباس، سمعت العجب من كعب الحبر. وكان ابن عباس متكئاً، فاحتفز ثم قال: وما ذاك؟ قال: زعم أنه يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران، فيقذفان في النار ... الحديث بطوله.
محمد بن داود أبو الخير الرحبي
دمشقي.(22/151)
حدث عن الهيثم بن حميد، بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من فاتته صلاة العصر في جماعة، فكأنما وتر أهله وماله ".
محمد بن داود أبو بكر الدينوري
الصوفي المعروف بالدقي سكن الشام، وقرأ القرآن.
ذكر أبو عبد الرحمن السلمي
أنه عمر فوق مئة سنة، وقال: كان من أجل مشايخ وقته وأحسنهم مالاً وأقدمهم صحبة للمشايخ. صحب أبا عبد الله بن الجلاء وأبا بكر الزقاق الكبير. مات بعد الخمسين وثلاث مئة.
حدث محمد بن داود الدقي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن الجلاء يقول: كنت بذي الحليفة، وأنا أريد الحج، والناس يحرمون، فرأيت شاباً قد صب عليه الماء يريد الإحرام، وأنا أنظر إليه، فقال: يا رب، أريد أن أقول: لبيك اللهم، فأخشى أن تجيبني: لا لبيك ولا سعديك! وبقي يردد هذا القول مراراً كثيرة، وأنا أتسمع عليه. فلما أكثر، قلت له: ليس لك بد من الإحرام. فقال: يا شيخ أخشى إن قلت: لبيك أجابني بلا لبيك ولا سعديك، فقلت له: أحسن ظنك، وقل معي: لبيك اللهم لبيك، فقال: لبيك اللهم، وطولها، وخرجت نفسه مع قوله اللهم، وسقط ميتاً.
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن داود أبو بكر الصوفي، يعرف بالدقي، وهو دينوري الأصل، أقام ببغداد مدة، ثم انتقل إلى دمشق فسكنها، وكان من كبار شيوخ الصوفية، له عندهم قدر كبير،(22/152)
ومحل خطير. وكان أحد حفاظ القراءات؛ قرأ على أبي بكر بن مجاهد، وسمع منه محمد بن جعفر الخرائطي.
قال أبو بكر الدقي: المعدة موضع يجمع الأطعمة، فإذا طرحت فيها الحلال، صدرت بالأعمال الصالحة. وإذا طرحت فيها الشبهة اشتبه عليك الطريق إلى الله. فإذا طرحت فيها التبعات كان بينك وبين أمر الله حجاب.
وقال: سألت الزقاق أبا بكر: لمن أصحب؟ فقال: لمن تسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ. ثم سألته مرة أخرى: لمن أصحب؟ فقال: من يعلم منك ما يعلمه الله منك فتأمنه على ذلك.
وسمع يقول: كنت إذا فتح لي بشيء لا أبيته لغد، ومهما فتح لي من النهار، أخرجه قبل الليل. فدفع إلي ذات يوم ثلاثة دراهم بالعشي، فقلت: أخرجه إذا أصبحنا، فجعلته في وسطي، ونمت فرأيت في المنام كأني قد حشرت، وفي وسطي ثلاثة دنانير، فاغتممت، وجعلت أحلها وأتعجب من ذلك. فقال لي قائل: هذه الثلاثة دراهم التي ادخرتها، فانتبهت فزعاً، فقمت، ودفعتها للوقت إلى الفقراء.
وروى أبو المظفر بن القشيري بإسناده إليه أنه قال: كنت بالبادية، فوافيت قبيلة من قبائل العرب، فأضافني رجل منهم، فرأيت غلاماً أسود مقيداً هناك، ورأيت جمالاً ماتت بفناء البيت. فقال لي الغلام: أنت الليلة(22/153)
ضيف، وأنت على مولاي كريم، فتشفع لي، فإنه لا يردك. فقلت لصحاب البيت: لا آكل طعامك حتى تخلي هذا العبد. فقال: هذا الغلام قد أفقرني وأتلف مالي! فقلت: فما فعل؟ فقال: له صوت طيب، وكنت أعيش من ظهر هذه الجمال، فحملها أحمالاً ثقيلة، وحدا لها حتى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في يوم، فلما حط عنها ماتت كلها! ولكن قد وهبته لك، وحل عنه القيد. فلما أصبحنا، أحببت أن أسمع صوته، فسألته ذلك، فأمر الغلام أن يحدو على جمل كان على بئر هناك يستقي عليه. فحدا، فهام الجمل على وجهه،، وقطع حباله. ولم أظن أني سمعت صوتاً أطيب منه. ووقعت لوجهي حتى أشار عليه السكوت.
قال علي بن عبد الله الصوفي: سمعت الدقي وقد سئل عن سوء أدب الفقراء مع الله في أحوالهم فقال: انحطاطهم من الحقيقة إلى العلم.
وقال محمد بن زكريا النسوي: مات أبو بكر الدقي بدمشق سنة تسع وخمسين وثلاث مئة.
وقال أبو الحسين الميداني: توفي أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي لسبع خلون من جمادى الأولى سنة ستين وثلاث مئة.
محمد بن أبي داود الأزدي
قال أحمد بن أبي الحواري: محمد بن أبي داود الأزدي من الثقات.(22/154)
محمد بن أبي الدرداء
قال المصنف: عندي أن هذا محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، إلا أن البخاري فرق بينهما في تاريخه. ولم يذكر ابن أبي حاتم إلا محمد بن سليمان وحده.
محمد بن دلويه بن منصور
أبو بكر النيسابوري الفقيه الزاهد رحل وسمع واجتاز بدمشق أو بساحلها في رحلته.
قال علي بن الحسن الداربجردي: أبو بكر بن دلويه بن منصور عندي ثقة، يستأهل السماع منه.
وكتب أبو عمر المستملي بخطه: مات محمد بن دلويه بن منصور الفقيه يوم الثلاثاء بعد الظهر لعشرين ليلة خلت من صفر سنة خمس وستين ومئتين.
محمد بن دينار العرقي
من أهل عرقة من أعمال دمشق.
روى عن هشيم، بسنده إلى أنس بن مالك قال:
بينا أنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ غشيه الوحي، فلما سري عنه قال: " هل تدري ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ " قلت: لا. قال: " إن ربي أمرني أن أزوج فاطمة(22/155)
من علي بن أبي طالب. انطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، وبعددهم من الأنصار " فانطلقت، فدعوتهم. فلما أخذوا المقاعد، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، كرمهم بنبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم إن الله جعل المصاهرة نسباً لا حقاً، وأمراً مفترضاً، وشج به الأرحام، وألزمها الأنام، فقال تبارك وتعالى: " وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً " فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب؛ " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " ثم إن ربي أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب، فأشهدكم أني قد زوجته إياها على أربع مئة مثقال فضة، إن رضي بذلك علي " - وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بعثه في حاجة - ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بطبق فيه بسر، فوعه بين أيدينا، وقال: " انتهبوا " فبينا نحن ننتهب إذ أقبل علي، فتبسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه وقال: " يا علي، إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، وقد زوجتكها على أربع مئة مثقال فضة، إن رضيت " فقال علي: رضيت يا رسول الله. ثم خر لله ساجداً. فلما رفع رأسه، قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بارك الله فيكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما الكثير الطيب ". قال أنس: فوالله لقد أخرج منهما الكثير الطيب.
قال المصنف: غريب لا أعلمه يروى إلا بهذا الإسناد.
قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتاب تكملة الكامل في معرفة الضعفاء: محمد بن دينار من الساحل ... والراوي عنه فيه جهالة.(22/156)
محمد بن ذكوان
من أهل دمشق.
روى عن مسلمة بن هشام بن عبد الملك القرشي، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب قال: جاء قوم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله إنا نتنبذ النبيذ، ونشربه على غدائنا وعشائنا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انتبذوا. وكل مسكر حرام ". قالوا: يا رسول الله إنا نكسره بالماء. فقال: " حرام ما أسكر كثيره ".
قال المصنف: كذا في الأصل، والصواب سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك، فإنه هو الذي يروي عن الأوزاعي. فأما أبوه مسلمة بن هشام، فهو قديم لم يدركه محمد بن ذكوان.
وروى عن عراك بن خالد، بسنده إلى ابن عباس قال: لما عزي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان قال: " الحمد لله! دفن البنات من المكرمات ".
محمد بن راشد أبو يحيى
ويقال أبو عبد الله الخزاعي المكحولي من أهل دمشق، سكن البصرة.
حدث عن عمران القصير، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الملائكة تصلي على العبد ما دام في مصلاه، لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه ".(22/157)
وحدث عن سليمان بن موسى، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا ينبغي لأحد له مال يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا وعنده وصيته ".
وعنه أيضاً بسنده إلى جد عمرو بن شعيب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت، وأجازها لغيرهم.
قال البخاري: محمد بن راشد الخزاعي الشامي.. ما رأيت رجلاً في الحديث أورع منه. كنيته أبو يحيى، كناه عارم.
وقال أبو عبد الله المقدمي: محمد بن راشد صاحب مكحول يكنى أبا عبد الله.
وقال أبو بكر الخطيب: محمد بن راشد أبو يحيى الخزاعي الشامي من أهل دمشق، يعرف بالمكحولي.. وكان قد انتقل إلى البصرة فنزلها، وقدم بغداد وحدث بها.
وثقه عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وعبد الرزاق ويحيى بن معين وغيرهم. وقيل إنه كان شيعياً واتهم بالقدر.
حدث سليمان بن أحمد الواسطي قال:
قلت لعبد الرحمن بن مهدي: سمعتك تحدث عن رجل أصحابنا يكرهون الحديث(22/158)
عنه قال: من هو؟ قلت: محمد بن راشد الدمشقي. قال: ولم؟ قلت: كان قدرياً. فغضب وقال: ما يضره؟!.
وحدث إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال: محمد بن راشد كان مشتملاً على غير بدعة، وكان فيما سمعت متحرياً للصدق في حديثه.
قال محمد بن العلاء بن زهير: مات محمد بن راشد بعد سنة ستين ومئة.
محمد بن رافع الغزنوي
قدم دمشق.
وحدث بها عن القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما حلف عند منبري هذا من عبد ولا أمة يميناً آثمة، ولو على سواك رطب، إلا وجبت له النار ".
محمد بن رائق
أبو بكر قدم دمشق في ذي الحجة سنة سبع وعشرين وثلاث مئة، وذكر أن التقي لله ولاه إمرة دمشق، وأخرج عنها بدر بن عبد الله الإخشيدي المعروف ببدير، وأقام بها أشهراً من سنة ثمان وعشرين، ثم توجه إلى مصر، واستخلف على دمشق محمد بن يزداد الشهرزوري،(22/159)
فلقي محمد بن طغج الإخشيد صاحب مصر، فهزمه الإخشيد، ورجع ابن رائق إلى دمشق، وبقي أميراً عليها باقي سنة ثمان وعشرين وأشهراً من سنة تسع وعشرين، ثم خرج إلى بغداد، واستخلف الشهرزوري. وقتل محمد بن رائق بالموصل سنة ثلاثين. فلما بلغ قتله الإخشيد جاء من الرملة إلى دمشق، فاستأمن إليه محمد بن يزداد، فاستخلفه على دمشق.
قال المصنف: ذكر ذلك كله أبو الحسين الرازي فيما قرأت في كتابه. وبلغني أن ابن رائق قتله بنو حمدان بالموصل.
محمد بن رجاء السختياني
حدث عن منبه بن عثمان الدمشقي، بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد يتوجه الرجلان إلى المسجد وينصرف أحدهما وصلاته أفضل من الآخر إذا كان أفضلهما عقلاً، وينصرف الآخر وصلاته لا تعدل مثقال ذرة ".
محمد بن رزق الله بن عبيد الله
أبو بكر - ويقال: أبو الحسن - المعروف بأبي عمرو الأسود المنيني المقرئ إمام قرية منين.
حدث عن أبي عمر محمد بن موسى بن فضالة، بسنده إلى عائشة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وانتجى عثمان ليلة فيما بين المغرب والعشاء في منزله - وهو يقول: "(22/160)
يا عثمان، إن الله قمصك قميصاً، فأرادك الناس المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتى تلقاني ".
قال أبو محمد الصوفي: قال لي شيخنا أبو بكر محمد بن رزق الله: كان أبي قد سمعني كتباً كثيرة، وكتب حمل جمل كتباً ولكن احترق، ولم يبق إلا ما وجد فيه سماعي مع الناس. قال الصوفي: وكان يكتب خطاً حسناً ويحفظ القرآن بأحرف حفظاً حسناً، رحمه الله، وكان يذكر أن مولده سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة.
قال علي بن محمد الحنائي: توفي شيخنا أبو بكر محمد بن رزق الله المعروف بابن أبي عمرو الأسود يوم الثلاثاء التاسع عشر من جمادى الأولى سنة ست وعشرين وأربع مئة.
محمد بن رزين بن يحيى بن سحيم
أبو عبد الله البعلبكي قدم بغداد، وحدث بها.
روى عن موسى بن محمد المقدسي، بسنده إلى مجاهد في قوله: " ويخلق ما لا تعلمون " قال: السوس في الثياب.
محمد بن رواحة بن محمد بن النعمان
ابن بشير أبو معن الأنصاري الصرفندي حدث بدمشق سنة ست وستين ومئتين.(22/161)
محمد بن روح الجزري الرسعني القاضي
قاضي رأس العين.
حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد، بسنده إلى هشام بن الغاز قال: قدمت أنا وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر على أبي جعفر المنصور وافدين.
محمد بن روضة الجمحي
أحد الشعراء والفرسان الذين شهدوا صفين مع معاوية وقتلوا يومئذ.
قال جابر - يعني الجعفي -: خرج إليه - يعني الأشتر - محمد بن روضة الجمحي وهو يقول: من الرجز
يا ساكني الكوفة يا أهل الفتن ... يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن
أورث قلبي قتله طول الحزن ... أضربكم وإن زعم أبو حسن
فشد عليه الأشتر وهو يقول: من الرجز
لا يبعدن غيركم إنسانا ... ولا يسلي عنكم الأحزانا
في أبيات له، فضربه الأشتر، فقتله.
محمد بن زاهر بن حرب بن شداد
أبو جعفر ابن أخي أبي خيثمة زهير بن حرب النسائي سكن دمشق.
حدث أن يحيى بن يمان قال: سمعت الثوري يقول:
أبغض ما يكون إلي إذا رأيتهم قياماً يضلون! قال: ورأى سفيان على رجل قلنسوة سوداء، وذكر له أمر الحج فقال: وضعك هذا يعدل حجة!(22/162)
وحدث عن أحمد بن إبراهيم، بسنده إلى سفيان أيضاً أنه قال: إني لأعرف حب الرجل للدنيا بتسليمه على أهل الدنيا.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: سألت أبي عنه فقال: كان بدمشق. توفي هناك، وأنا صليت عليه، وكان من أقراني، ولم يكن به بأس.
محمد بن الزبير التميمي الحنظلي البصري
روى عن الحسن، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين ".
وفي رواية: " لا نذر في غضب ".
حدث محمد بن الزبير قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا أنا بشيخ قد التقت ترقوتاه من الكبر، فقلت له: يا شيخ، من أدركت؟ قال: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: فما غزوت؟ قال: اليرموك. قلت: حدثني بشيء سمعته، قال: خرجت مع فتية من عك والأشعريين حجاجاً، فأصبنا بيض نعام، وقد أحرمنا، فلما قضينا نسكنا، وقد في أنفسنا منه شيء، فذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فأدبر وقال: اتبعوني حتى أنتهي إلى حجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضرب في حجرة منها، فأجابته امرأة فقال: أثم أبو حسن؟ قالت: لا، هو في المقثأة. فأدبر وقال: اتبعوني، حتى انتهى إليه، فإذا معه غلامان أسودان، وهو يسوي التراب بيده، فقال: مرحباً يا أمير المؤمنين. قال: إن هؤلاء فتية من عك والأشعريين أصابوا بيض نعام وهم محرمون. قال: ألا أرسلت إلي؟ قال: إني(22/163)
أحق بإتيانك. قال: يضربون الفحل قلائص أبكاراً بعدد البيض، فما نتج منها أهدوه. قال عمر: فإن الإبل تخدج، قال علي: والبيض يمرق، فلما أدبر قال عمر: اللهم لا تنزلن شديدة إلا وأبو الحسن جنبي.
قال محمد بن الزبير الحنظلي: دخلت على عمر بن عبد العزيز ليلة وهو يتعشى كسراً وزيتاً. قال: فقال: ادن فكل. قال: بئس طعام المقرور. قال: فأنشدني من الوافر
إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجئ بزاد
بخبز أو بلحم أو بتمر ... أو الشيء الملفف في البجاد
وأنشدنا بيتاً ثالثاً قافيته:
ليأكل رأس لقمان بن عاد
قال: قلت: يا أمير المؤمنين، ما كنت أرى هذا البيت فيها. قال: بلى هو فيها.
قال عبيد الله بن محمد القرشي التيمي: وصدر هذا البيت:
تراه ينقل البطحاء شهراً ... ليأكل رأس لقمان بن عاد
قال البخاري: محمد بن الزبير الحنظلي فيه نظر، حديثه في البصريين.(22/164)
وقال أبو عبد الرحمن النسائي:
محمد بن الزبير الحنظلي بصري ضعيف.
محمد بن الزبير
أبو بشر القرشي، مولى آل أبي معيط الحراني إمام مسجد حران، وكان يؤدب ولد هشام بن عبد الملك.
حدث عن حجاج الرقي، بسنده إلى ابن عباس قال: كان مما ينزل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحي بالليل، وينساه بالنهار، فأنزل الله عز وجل: " ما تنسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ".
وحدث عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل لرجل أن ينظر إلى سوأة أخيه ".
قال ابن عدي: وهذا الحديث ليس يرويه إلا محمد بن الزبير هذا.
حدث البخاري قال: محمد بن الزبير إمام مسجد حران ... لا يتابع في حديثه.
ضعفه ابن عدي وأبو حاتم وأبو زرعة.
محمد بن زرعة بن روح الرعيني
حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي عبد الله الأشعري أنه قال: نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل يصلي لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده، فقال: " لو مات هذا على هذه الحال، مات على غير ملة محمد " صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا(22/165)
صلى أحدكم، فليتم ركوعه، ولا ينقر في سجوده، فإنما مثل ذلك مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين، وكمثل الديك ينقر في الدم، فماذا يغنيان عنه؟! ".
قال أحمد العجلي: محمد بن زرعة الرعيني دمشقي ثقة.
مات محمد بن زرعة الرعيني سنة ست عشرة ومئتين.
محمد بن زريق بن إسماعيل بن زريق
أبو منصور البلدي المقرئ قدم دمشق، وحدث بها، وكان يقرئ بطرسوس.
حدث محمد بن زريق بن إسماعيل، عن أبي يعلى أحمد بن علي الموصلي، بسنده إلى ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" طلب العلم فريضة على كل مسلم ".
قال أبو نصر بن ماكولا: أما زريق بتقديم الزاي على الراء: محمد بن زريق بن إسماعيل بن زريق أبو بكر المقرئ البلدي. سكن دمشق وحدث بها.
محمد بن أبي الزعيزعة واسمه سالم
مولى بني أمية من أهل أذرعات.
حدث عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال علي كذباً، ليضل به الناس بغير علم، فإنه بين عيني جهنم يوم القيامة ".(22/166)
قال الراوي: وهو حديث غريب.
وحدث عن عطاء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البلاء موكل بالقول ".
وحدث عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تصافحوا، فإن المصافحة تذهب بالشحناء، وتهادوا، فإن الهدية تذهب الغل ". وفي رواية: " تذهب بالسخيمة ".
ضعفه ابن سميع وابن عدي وأبو نعيم الحافظ.
وقال البخاري: محمد بن أبي الزعيزعة منكر الحديث جداً.
محمد بن زفر بن خير
ويقال: جبر أو جبير - بن مران بن سيف بن يزيد بن سريج بن شقيق بن عامر أبو بكر الأزدي المازني الفقيه أخو أبو الهيدام عيلان بن زفر.
حدث عن عبد الرحمن بن جبير، بسنده إلى النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ".(22/167)
كتب أبو الحسين الرازي بخطه: أبو بكر محمد بن زفر مات في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن زكريا أبو عبد البعلبكي
روى عن العباس بن وليد بن مزيد البيروتي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هلكت أمة قط حتى تشرك بالله، وما أشركت أمة بالله حتى يكون أول شركها التكذيب بالقدر ".
محمد بن زهير بن محمد
أبو الحسن الكلابي الفقيه، المعروف بابن الزعق روى عن أبي جعفر محمد بن عبد الحميد الفرغاني، بسنده إلى سعد بن عبادة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يسقي عن أمه الماء.
محمد بن زيادة اللخمي
من أهل فلسطين.
روى محمد بن عائذ بإسناده أن عبد الكبير بن عبد الحميد غزا الصائفة سنة أربع وستين ومئة في خلافة المهدي بأربعين ألفاً من أهل الشام والجزيرة والموصل، فكان على أهل فلسطين محمد بن زيادة اللخمي، وعلى أهل الأردن عاصم بن محمد.. إلى آخر الحديث.(22/168)
محمد بن زياد بن زبار
أبو عبد الله الكلبي الدمشقي روى عن الشرقي بن قطامي، عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوفوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ".
وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أهدي إلي كراع لقبلته، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت ".
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استنجى من الريح فليس منا ".
قال الحسن بن عبد الله بن سعيد: وأما زبار، أول الاسم زاي، وبعدها باء مشددة، وآخره راء، فمنهم محمد بن زياد بن زبار الكلبي، أخباري صاحب نسب، روى عن شرقي بن قطامي ولم يسمع منه.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: أتينا محمد بن زياد بن زبار ببغداد، وكان شاعراً، فقعدنا في دهليزه ننتظره، فجاءنا، وذكر أنه قد ضجر، فلما نظرنا إلى قده علمنا أنه ليس من البابة، فذهبنا ولم نرجع إليه. قال: وذكر أبي عن إسحاق الكوسج قال: محمد بن زياد لا أحد.
وروى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى أبي علي صالح بن محمد قال: ومحمد بن زياد بن زبار قال يحيى بن معين: لا شيء. قال أبو علي: وكان يكون ببغداد يروي الشعر وأيام الناس، ليس بذاك.(22/169)
محمد بن زيد بن عبد الله
ابن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي وفد على هشام بن عبد الملك.
حدث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان ".
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما الحلف حنث أو ندم ".
حدث علي بن محمد قال: أتى هشاماً محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، فقال: ما لك عندي شيء. ثم قال: إياك أن يغرك أحد فيقول: لم يعرفك أمير المؤمنين! إني قد عرفتك، أنت محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فلا تقيمن، فتنفق ما معك، فليس لك عندي صلة، فالحق بأهلك! قال خليفة بن خياط:
في الطبقة الرابعة من أهل المدينة محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل. وأمه أم حكيم بنت عبيد الله بن عمر بن الخطاب.
وثقه أبو زرعة.(22/170)
محمد بن أبي الساج
أحد الأمراء الذين كانوا ببغداد. قدم دمشق لمحاربة أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فالتقوا عند ثنية العقاب، فظفر خمارويه بعسكره، وهرب ابن أبي الساج، وأتبعه جيش إلى الفرات.
محمد بن أبي سدرة الحلبي
حدث محمد بن أبي سدرة قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز ليلة، وهو يتلوى من بطنه. فقال: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: عدس أكلته فأوذيت منه. قال: ثم قال: بطني بطني ملوث في الذنوب.
وقال: إن عمر بن عبد العزيز كان يدعو في الموقف: اللهم متعني بالإسلام والسنة، وبارك لي فيهما.
قال ابن ماكولا: أما سدرة، بكسر السين المهملة: محمد بن أبي سدرة، سمع عمر بن عبد العزيز.
محمد بن السري أبو الحسن الرازي
حدث بدمشق عن محمد بن أحمد بن عبد الصمد، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ".(22/171)
محمد بن أبي السري البغدادي القطان
سمع بدمشق.
وحدث عن يونس بن عبد الأعلى، بسنده إلى السري بن يحيى قال: كتب وهب بن منبه إلى مكحول: إنك قد أصبت بما ظهر من علم الإسلام عند الناس محبة وشرفاً، فاطلب بما بطن من علم الإسلام عند الله محبة وزلفى، واعلم أن إحدى المحبتين سوف تمنعك الأخرى.
حدث محمد بن أبي السري قال: قال لي هشام بن الكلبي: حفظت ما لم يحفظ أحد، ونسيت ما لم ينس أحد: كان لي عم يعاتبني على حفظ القرآن، فدخلت بيتاً، وحلفت لا أخرج منه حتى أحفظ القرآن! فحفظته في ثلاثة أيام. ونظرت يوماً في المرآة، فقبضت على لحيتي، لآخذ ما دون القبضة، فأخذت ما فوق القبضة!
محمد بن سعدون بن مرجى بن سعدون
ابن مرجى أبو عامر القرشي العبدري الميورقي الأندلسي الحافظ قال المصنف: كان فقيهاً على مذهب داود بن علي الظاهري، وكان أحفظ شيخ لقيته، وذكر لي أنه دخل دمشق في حياة أبي القاسم بن أبي العلاء وغيره، ولم يسمع منهم، وسمع من أبي الحسن بن طاهر النحوي بدمشق. ثم سكن بغداد، وسمع بها.. كتبت عنه.
حدث أبو عامر العبدري، عن أبي عبد الله مالك بن أحمد البانياسي، بسنده إلى المغيرة بن شعبة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في دبر كل صلاة: " لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".(22/172)
حكى المصنف عنه ما يدل على سوء أدبه وقلة احترامه للأئمة، مما دعاه إلى هجره، ثم قال: وكان سيء الاعتقاد؛ يعتقد من أحاديث الصفات ظاهرها، بلغني أنه قال يوماً في سوق باب الأزج: " يوم يكشف عن ساق " فضرب على ساقه وقال: ساق كساقي هذه! وبلغني عنه أنه قال: أهل البدع يحتجون بقوله: " ليس كمثله شيء " أي في الإلهية، فأما في الصورة، فهو مثلي ومثلك، فقد قال الله تعالى: " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء " أي في الحرمة، لا في الصورة.
وسألته يوماً عن مذهبه في أحاديث الصفات، فقال: اختلف الناس في ذلك؛ فمنهم من تأولها، ومنهم من أمسك عن تأولها، ومنهم من اعتقد ظاهرها. ومذهبي أحد هؤلاء الثلاثة مذاهب. وكان يفتي على مذهب داود.
توفي أبو عامر سنة أربع وعشرين وخمس مئة، ودفن بباب الأزج، وكنت إذ ذاك ببغداد ولم أشهده.
محمد بن سعد بن عبد الله
ابن الحسن بن محمد بن علي ابن سعد بن نصر بن عصام بن علكوم بن حبيب بن سويد بن عوف ابن ياسرة بن سواد بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار أبو عبد الله البغدادي(22/173)
قال المصنف: قدم دمشق مراراً، وكان قارئاً للقرآن بالحروف السبعة لغوياً من كتاب العراق. اجتمعت به، وتذاكرنا أشياء، وكان حسن المحاضرة، ولم أكتب عنه شيئاً.
أنشد أبو عبد الله من نظمه: من السريع
أفدي الذي وكى حبه ... بطول إعلال وإمراض
ولست أدري بعد ذا كله ... أساخط مولاي أم راضي
وقرأت بخطه: من السريع
رأيت ظبياً حسناً وجهه ... أبدعه الرحمن إنشاء
فقيل لي: هل تشتهي وصله ... قلت: نعم والله إن شاء
حدث ابن أخيه أبو النجم أنه توفي في رابع المحرم من سنة ستين وخمس مئة بحلب.
محمد بن سد بن منيع
أبو عبد الله، كاتب الواقدي سمع بدمشق، وصنف كتاب الطبقات، فأحسن تصنيفه، وأكثر فائدته، وأتى فيه بما لم يوجد في غيره، وروى فيه عن الكبار والصغار.
حدث عن أنس بن عياض، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عباد الله! انظروا كيف يصرف الله عني شتمهم ولعنهم " - يعني قريشاً - قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: " يسبون مذمماً، ويلعنون مذمماً، وأنا محمد ".
قال ابن أبي حاتم: محمد بن سعد صاحب الواقدي كاتبه، مات سنة ثلاثين ومئتين.. سألت أبي عنه، فقال: صدوق.(22/174)
وقال أبو بكر الخطيب: محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله مولى بني هاشم، وهو كاتب الواقدي.. كان من أهل الفضل والعلم، وصنف كتاباً كبيراً في طبقات الصحابة والتابعين والخالفين إلى وقته، فأجاد فيه وأحسن.. وروى أن مصعباً الزبيري روى عنه حديثاً ليحيى بن معين فكذبه.
قال الخطيب: ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته، ولعل مصعباً الزبيري ذكر ليحيى عنه حديثاً من المناكير التي يرويها الواقدي، فنسبه إلى الكذب.
توفي محمد بن سعد ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة، سنة ثلاثين ومئتين، ودفن في مقبرة باب الشام، وهو ابن اثنتين وستين سنة.
محمد بن سعد الشاشي
روى عن أحمد بن داود وعبدوس بن ديزويه، بإسنادهما إلى سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة، فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة. فقال سعيد: أوفيها سوق؟ قال: نعم؛ أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أن الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم ... " وذكر الحديث بطوله.
محمد بن سعد أبو المنذر العامري
شاعر محسن.(22/175)
قال أبو المنذر محمد بن سعد العامري يمدح دمشق من قصيدة له تقع في اثنين وثمانين بيتاً: من المنسرح
يا بلداً طاب منه مورده ... بين المغاني وطاب مصدره
تاهت دمشق، وتاه ساكنها ... مفتخراً حين عز مفخره
انظر، تأمل، أراق عينك ما ... راق عيون العباد منظره
فالأرض كالخود زان جوهرها ال ... حلي وزان الحلي جوهره
والماء ماء الحياة من بردى ... يصعد تياره ويحدره
والغوطتان اللتان ما لهما ... قدر ولا مبلغ نقدره
بدائع الله جل فاطرها ... يبدع ما شاء ويفطره
تيك الفراديس لا كفاء لها ... طاب ثناها وطاب محضره
مدينة المكرمات معقلها ... ورد الندى داره ومصدره
عزت وجلت وجل ساكنها ... وعز أفعاله ومتجره
والمسجد الجامع المنيف بها ... يشهرها بالتقى وتشهره
تبارك الله كيف دبره ... بانيه واختطه مدبره
كل خفي فمنه نعلمه ... وكل علم ففيه نأثره
فالعلم والفقه منه أثمنه ... والنسك والدين منه أيسره
إياك لا تنكرن فضيلته ... لم تر شيئاً إن كنت لم تره
واستوسق المجد في دمشق على ... ما ضمه فرعه وعنصره
عشائر أصبحت على سنن ال ... حق معالحق لا تغيره
أهل الرياسات ليس يجحد ما ... قلت لبيب وليس ينكره
أثني بما قدموا، وأنشره، ... إلي من صالح وأشكره
سر حيث شئت تلق لي مثلاً ... فيهم وبيتاً بهم أسيره(22/176)
محمد بن سعيد بن أحمد
أبو زرعة القرشي، المعروف بابن التمار روى عن علي بن عمرو بن عبد الله، بسنده إلى عبد الله بن بسر المازني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير ".
وبه قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تناول أمراً بمعصيتي كان ذلك أفوت لما رجا وأقرب لمجيء ما اتقى ".
محمد بن سعيد بن حسان بن قيس
ويقال: ابن أبي قيس ويقال: محمد بن حسان، ويقال: ابن أبي حسان أبو عبد الرحمن - وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو قيس - الأسدي ويقال: مولى بني هاشم الأزدي، ويقال: الدمشقي، ويقال: ابن الطبري المصلوب من أصحاب مكحول.
حدث محمد بن سعيد، عن عبادة بن نسي، عن أوس بن أوس الثقفي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من اغتسل، وغسل رأسه يوم الجمعة، ثم راح وابتكر، ثم دنا وأنصت واستمع، كان له بعدد كل خطوة كأجر قيام سنة وصيام سنة ".
حدث محمد بن أبي قيس عن سليمان بن موسى، بسنده إلى أبي رزين العقيلي قال: قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأشربن أنا وأنت من لبن لم يتغير لونه ". قلت: كيف يحيي الله الموتى؟ قال: " أما مررت بأرض مجدبة، ثم مررت بها مخصبة، ثم مررت بها(22/177)
مجدبة، ثم مررت بها مخصبة؟ " قلت: بلى. قال: " كذلك النشور " قال: قلت: كيف لي بأن أعلم أني مؤمن؟ قال: " ليس أحد من هذه الأمة - أو قال: من أمتي - عمل حسنة، وعلم أنها حسنة، وأن الله جازيه بها خيراً، أو عمل سيئة، وعلم أنها سيئة، وأن الله جازيه بها سوءاً أو يغفرها، إلا مؤمن ".
قال البخاري: محمد بن سعيد الشامي - ويقال: ابن أبي قيس، ويقال: ابن الطبري، ويقال: ابن حسان - أبو عبد الرحمن.
وقال محمد بن عمرو بن موسى العقيلي: محمد بن سعيد المصلوب، يغيرون اسمه إذا حدثوا عنه؛ فمروان الفزاري يقول: محمد بن حسان، ومحمد بن أبي قيس، ويقول: محمد بن أبي زينب، ومحمد بن سليمان: محمد بن سعيد بن حسان بن قيس، وبعضهم يقول: عن أبي عبد الرحمن الشامي، ولا يسميه، ويقولون: محمد بن حسان الطبري، وربما قالوا: عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم، وغير ذلك على معنى التعبد لله، وينسبونه إلى جده، ويكنون منه الجد حتى يتسع الأمر جداً في هذا.
قال مسلم: أبو عبد الرحمن محمد بن سعيد - ويقال: ابن حسان، ويقال: ابن أبي قيس - متروك الحديث يقال: صلب في الزندقة.
جرحه كثيرون، وروي عنه أنه قال: إذا كان الكلام حسناً، لم أبال أن أجعل له إسناداً.(22/178)
قال أبو مسهر: وقتله - يعني محمد المصلوب - أبو جعفر في الزندقة، وقيل: إنه صلبه لوضعه الحديث على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
محمد بن سعيد بن الحسن
أبو الحسن الفارقي، المعروف بابن المحور أملى في شرح قصة رفعها أمير المؤمنين القائم بأمر الله، لما اعتقل بحديثة عانة، لتعلق على الكعبة، ولم تحط عنها حتى ورد الخبر بخروجه وعوده إلى بغداد.
عنوانها: إلى الله العظيم من المسكين عبدك. بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم إنك العالم بالسرائر، والمحيط بمكنون الضمائر. اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على أمور خلقك عن إعلامي. هذا عبد من عبيدك قد كفر بنعمتك وما شكرها، وألغى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك، وتجبر بأناتك، حتى تعدى علينا بغياً، وأساء إلينا عتواً وعدواً. اللهم قل الناصر، واعتز الظالم، وأنت المطلع العالم، والمنتصف الحاكم. بك يعتز عليه، وإليك يهرب من يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين، ونحن نعتز برب العالمين. اللهم إنا حاكمناه إليك. وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، ورفعنا ظلامتنا إلى حرمك، ووثقنا في كشفها بكرمك، فاحكم بيننا بالحق، وأنت خير الحاكمين، وأظهر اللهم قدرتك فيه، وأرنا فيه ما نرتجيه، فقد أخذته العزة بالإثم. اللهم فاسلبه عزه، وملكنا بقدرتك ناصيته، يا أرحم الراحمين. وصل يا رب على محمد خاتم النبيين، وسلم، وكرم.(22/179)
محمد بن سعيد بن راشد
أبو عبد الله حدث عن أبي مسهر الغساني، بسنده إلى مكحول قال: قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد من الأشعريين، فقال لهم: " أمنكم وحرة؟ " قالوا: نعم يا رسول الله. قال: " فإن الله أدخلها الجنة ببرها أمها وهي كافرة - الجنة؛ أغير على حيها في الجاهلية، فتركوها وأمها، فحملتها على ظهرها، وجعلت تسير بها، فإذا اشتد عليها الحر، جعلتها في حجرها، وحنت عليها، فلم تزل كذلك حتى استنقذتها من العدا ".
محمد بن سعيد بن عبد الملك الأموي
ابن مران بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي له ذكر. وكان له عقب من بنيه؛ الأصبغ والوليد وهشام بنو محمد، كانوا بالأندلس.
محمد بن سعيد بن عبد الملك السلمي
ابن عبد الله بن يزيد بن تميم أبو جعفر بن أبي قفيز السلمي حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يقول: أحب عبادة عبدي إلي النصيحة ".
وحدث عن معروف الخياط قال: كنت في مجلس واثلة بن الأسقع، إذ أتاه رجل يشهد على شراء بضاعة اشتراها، فأشهده ومن معه، ثم ولى الرجل. فقال واثلة لبعض جلسائه: ردوا علي المشتري، فلما رجع قال له واثلة: خذ مالك، فإنه دلس عليك. فرجع الرجل، فأخذ ماله. فقال(22/180)
رجل للبائع: تدري من أفسد عليك؟ فقال: من هو؟ فقال: واثلة. فرجع الرجل، فجاء حتى وقف على واثلة، فقال له: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثلك يسعى؟! فرفع رأسه، فنظر إليه، فقال له: كذبت؛ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يحل لرجل مسلم، يطلع على دلسة على رجل منكم إلا أخبره بها، وأطلعه طلعها ".
قال ابن ماكولا: أما قفيز؛ أوله قاف وآخره زاي، محمد بن سعيد بن أبي قفيز.
محمد بن سعيد بن عبدان بن سهلان
ابن مهران - وسعيد يكنى أبا عثمان - أبو الفرج الفارسي ثم البغدادي نزيل طبرية، قدم دمشق.
وحدث بها عن محمد بن يحيى بن الحسن البزاز، بسنده إلى أبي بكرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أنا فرطكم على الحوض ".
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن سعيد بن عبدان بن سهلان بن مهران أبو الفرج البغدادي ترك الشام، وسكن طبرية، وحدث بدمشق وبمصر.. وذكر أبو الفتح بن مسرور البلخي أنه سمع منه(22/181)
في سنة خمس وخمسين وثلاث مئة. قال: وسألته عن مولده، فقال: ولدت ببغداد، في ذي الحجة من سنة سبع وثمانين ومئتين. قال أبو الفتح: وكان ثقة.
محمد بن سعيد بن عبيد الله
ابن أحمد بن محمد بن سعيد بن أبي مريم أبو العباس القرشي، المعروف بابن فطيس حدث عن جعفر بن محمد بن مسعدة، بسنده إلى علي بن أبي طالب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المغبون لا محمود ولا مأجور ".
محمد بن سعيد بن عقبة المرادي الطبراني
مولى بني الحارث بن كعب من كبار أمراء دمشق في ولاية الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
قال أبو سعيد بن يونس: محمد بن سعيد بن عقبة المرادي، مولى لبني الحارث بن كعب من مراد كان عامل مصر على الخراج.. توفي يوم الأحد، لعشر من جمادى الآخرة، سنة ثمان وخمسين ومئة، وكان موته في عذاب مطر مولى أبي جعفر، وكان على الخراج يعني مطراً.
محمد بن سعيد بن عمرو أبي مسعود
ابن خريم بن أبي يحيى أبو يحيى الخريمي المري روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية؛ فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة ".(22/182)
قال أبو نصر بن ماكولا: أما الخريمي، بضم الخاء والراء، فهو محمد بن سعيد بن عمرو بن خريم، أبو يحيى الخريمي الدمشقي.
قال أبو سليمان بن أبي محمد: وفي المحرم - يعني من سنة ست وثلاث مئة - توفي أبو يحيى محمد بن سعيد بن أبي مسعود الخريمي.
محمد بن سعيد بن الفضل
أبو الفضل القرشي المقرئ من أهل دمشق.
حدث عن الهيثم بن حميد، عن العلاء بن الحارث، عن عبد الله بن الحارث أنه خرج في جنازة فيها ابن عباس، فصلى عليها، فانصرف رجل من القوم لحاجة، فضرب ابن عباس منكبي قال: أتدري بكم انصرف هذا؟ قلت: لا أدري. قال: انصرف بقيراط. فقلت: يا بن عباس، وما القيراط؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صلى على جنازة، فانصرف قبل أن يفرغ منها، كان له قيراط، فإن انتظر حتى يفرغ منها، كان له قيراطان، والقيراط مثل أحد في ميزانه يوم القيامة " ثم قال: أتعجب من قولي مثل أحد؟ حق لعظمة ربنا أن يكون قيراطه مثل أحد، ويومه كألف سنة.(22/183)
قال ابن أبي حاتم: محمد بن سعيد بن الفضل القرشي ابن المقرئ أبو الفضل دمشقي، ذكره أبي.. حدثنا محمود بن إبراهيم بن سميع قال: سمعت سليمان بن شرحبيل حين مات محمد بن سعيد بن الفضل يقول: قد مات رجل ممن سمع العلم، أو قال: رجل من أهل العلم.
محمد بن سعيد بن محمد
يقال: محمد بن جعفر بن سعيد أبو بكر الترخمي الحمصي الحافظ حدث عن الحسن بن علي، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال:
أتى رجل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، متى أكون محسناً؟ قال: " إذا أثنى عليك جيرانك أنك محسن، فأنت محسن " قال: فمتى أكون مسيئاً؟ قال: " إذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء فأنت مسيء ".
وحدث عن عبد الرحمن بن الأعلم، بسنده إلى زيد بن ثابت، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خطب فقال: " الصدقة نصف صاع حنطة، أو صاع تمر ".
قال أبو نصر بن ماكولا: أما الترخمي، أوله تاء معجمة باثنتين من فوقها، وبعد الراء خاء معجمة: سعيد بن محمد الترخمي، وابنه محمد بن سعيد، حمصيان، قيل: هم بطن من يحصب بن مالك.(22/184)
محمد بن سعيد بن هناد
أبو غانم الخزاعي البوسنجي سكن بغداد.
حدث عن هشام بن عمار والحكم بن هشام العقيلي، بإسنادهما إلى أبي خلاد - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم رجلاً مؤمناً قد أعطي زهداً في الدنيا وقلة منطق، فاقتربوا منه، فإنه يلقى الحكمة ".
وحدث عن يحيى بن خلف بن الربيع الطرسوسي قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس، وأنا شاهد، فقال له: يا أبا عبد الله، ما تقول في رجل يقول: القرآن مخلوق؟ قال: كافر زنديق، خذوه فاقتلوه! قال: إنما أحكي لك كلاماً سمعته! قال: لم أسمعه من أحد، إنما سمعته منك.
كتب أبو نصر القشيري، بسنده إلى أبي غانم قال: محمد بن سعيد البوسنجي، ورد نيسابور، فاستوطنها حتى مات بنيسابور سنة سبع وستين ومئتين.
وذكر أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الهروي أنه مات سنة تسع وستين.
محمد بن سعيد بن ياسين
أبو بكر الكلاعي الحمصي روى عن الحسين بن محمد بن إبراهيم، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية، ولا ذي غمر على أخيه في الإسلام ".(22/185)
محمد بن سعيد العوذي
ولي إمرة البصرة للحجاج في أيام الوليد بن عبد الملك، له ذكر.
قال خليفة في تسمية عمال الوليد والحجاج على البصرة: الحكم بن أيوب في ولاية الوليد، ثم عزله، وولى طلحة بن سعيد الجهني من أهل دمشق، ثم عزله، وولى محمد بن سعيد العوذي من أهل دمشق.
محمد بن سعيد الخادم
مولى سليمان بن عبد الملك، حكى عهد سليمان ببيعة عمر بن عبد العزيز.
قال: كان أبي من أكرم موالي سليمان عليه. قال: أصاب سليمان ذات الجنب وهو بدابق، فدخل عليه رجاء بن حيوة الكندي وأنا معه، فكتب العهد لعمر بن عبد العزيز فقال: أي أمير المؤمنين، ألم تعلم أن أباك حين جعل العهد لأخيك الوليد ولك أخذ عليكما أن تجعلا الخلافة لرجل من ولد عاتكة؟ قال: صدقت. اكتب: يزيد من بعده. فكتب وفرغ، ودخل الناس فقال: إني عهدت عهداً، وجعلته في يد رجاء بن حيوة، فاسمعوا وأطيعوا لمن جعلت له ذلك من بعدي. ثم دخل عليه رجاء من الغد وبعده، فإذا الرجل في السوق عند انتصاف النهار من يوم الجمعة، فغمضاه وسجيا عليه وخرجا. فقال رجاء: يا معشر المسلمين، اجلسوا حتى أعلمكم عهد خليفتكم. فحمد الله وأثنى عليه، ففض الكتاب فقال:(22/186)
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله سليمان أمير المؤمنين إلى أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سلام عليكم. فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإني استخلفت عليكم من بعدي عمر بن عبد العزيز، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا لهما وأطيعوا وأحسنوا مؤازرتهما، فإني لم آلكم ونفسي نصيحة. والسلام عليكم ورحمة الله. وعمر جالس، فأتاه رجاء وخالد بن الريان صاحب الحرس، فقالا: قم يا أمير المؤمنين، فتلكأ، فاحتمله الحرس، حتى أجلسوه على المنبر، فقال: " عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " ثم خطب. فلما فرغ أخذ خالد بن الريان يشترط عليهم أن يسمعوا ويطيعوا، ليس في ذلك عتق ولا طلاق، ثم يصعد كل رجل حتى يصافح عمر. فما كلم غير هشام، فقال له عمر: عليك عهد الله وميثاقه لتسمعن ولتطيعن. قال: نعم، وأكون عند ما يحب أمير المؤمنين.
محمد بن سعيد
حدث عن خالد بن يزيد الدمشقي أبي الهيثم، بسنده إلى أبي جعفر محمد بن علي أن العرب كانت تلبي بتلبية مختلفة في الجاهلية - وروى تلبية كل قبيلة وقال: - وكانت تلبية قريش: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك.
محمد بن السفر بن السري
أبو بكر الختلي الخراساني
قدم دمشق سنة خمس عشرة وثلاث مئة.
وحدث بها عن عمار بن الحسن، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله عبداً أصلح من لسانه ".(22/187)
وبإسناده عن أنس قال: قال أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله، ما لك أفصحنا لساناً وأبيننا بياناً؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن العربية اندرست، فجاءني بها جبريل عليه السلام غضة طرية كما شق على لسان إسماعيل عليه السلام ".
محمد بن سفيان بن المنذر
أبو المنذر الرملي روى عن صفوان بن صالح، بسنده إلى أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قوله: " وكان تحته كنز لهما " قال: " ذهب وفضة ".
محمد بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية
أبو بكر، ويقال: أبو عمران الثقفي من أهل دمشق.
روى عن يوسف بن الحكم أن سع بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من يرد هوان قريش أهانه الله ".
وروى أن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي حدثه عن بلال أنه قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الناس يتجرون، ويبتغون معايشهم، ويمكثون في بيوتهم، ولا نستطيع أن نفعل ذلك! فقال: " ألا ترضى يا بلال؟! المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة ".(22/188)
وروى أنه سمع أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: " رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صلى في ثوب علي وعليه، وفيه كان ما كان.
محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس
ابن محمد بن المرتضى بن محمد بن الهيثم بن عثمان أبو المكارم الغنوي، الفقيه الفرضي القاضي روى عن عبد الرحمن بن عثمان، بسنده إلى أبي سعيد وأبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ينادي مناد - يعني في أهل الجنة - إن لكم أن تحيوا، فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا، فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا، فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا، فلا تبأسوا أبداً؛ قول الله عز وجل " ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ".
قال محمد بن الأكفاني: كان مولد القاضي أبي المكارم بن حيوس في سنة أربع مئة.
قال أبو نصر بن ماكولا: أما حيوس، بياء معجمة باثنتين من تحتها، فهو أبو المكارم محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس الغنوي الدمشقي، فرضي.. كتبت عنه بدمشق.
قال أبو محمد بن الأكفاني: سنة ست وستين وأربع مئة، فيها توفي القاضي أبو المكارم محمد بن سلطان بن حيوس الفرائضي، رحمه الله، في يوم الخميس سلخ شهر ربيع الآخر.(22/189)
محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس
أبو الفتيان الشاعر أخو المذكور آنفاً، أحد شعراء الشاميين المحسنين وفحولهم المجيدين، له ديوان كبير ومدح جماعة من الفحول.
روى عن خاله القاضي أبي نصر بن الجندي، بسنده إلى علي بن طلق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يستحي من الحق؛ لا تأتوا النساء في أدبارهن ".
قال أبو نصر بن ماكولا: أما حيوس بياء معجمة باثنتين من تحتها: القاضي أبو المكارم وأخوه الأمير أبو الفتيان محمد شاعر مجيد لم أدرك بالشام أشعر منه.
كتب أبو الفرج غيث بن علي بخطه: ذكر لي الشريف النسيب أن مولد أبي الفتيان في سنة أربع وتسعين وثلاث مئة بدمشق، وقرأته بخطه أيضاً. قال: وذكر لي - يعني أبا تراب علي بن الحسين الربعي - عن أبي الفتيان أنه مات وقد بلغ التسعين، وأنه قال: كنت في سنة أربع مئة وحدودها غلاماً مشتداً أقاتل مع صالح، أو نحواً من هذا الكلام.
قال أبو الفتيان من قصيدة طويلة له يمدح بها أمير الجيوش الدزبري: من البسيط
إن لم أقل فيك ما يردي العدا كمداً ... فلا بلغت مدى أسعى له أبدا
وكيف أصبح في الإحسان مقتصداً ... وما وجدتك فيه قط مقتصدا
لأوردنك بالنعمى التي غمرت ... من المحامد بحراً قط ما وردا
فاسحب ذيول برود لا فناء لها ... منسوجة من مديح يسبق البردا
لا زلت زينة دنيانا ولا برحت ... أيام ملكك أعياداً لنا جددا(22/190)
ولا خلت منك أوطان بك اعتصمت ... لولاك ما استوطنت روح بها جسدا
فلا بلغت مدى يعلو الملوك به ... إلا أجد لك الجد السعيد مدى
وله: من الطويل
أسكان نعمان الأراك تيقنوا ... بأنكم في ربع قلبي سكان
ودوموا على حفظ الوداد فطالما ... بلينا بأقوام إذا حفظوا خانوا
سلوا الليل عني مذ تناءت دياركم ... هل اكتحلت بالنوم لي فيه أجفان
وهل جردت أسياف برق دياركم ... فكانت لها إلا جفوني أجفان
قال أبو محمد بن الأكفاني: وفيها - يعني سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة - توفي أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس، وكان شاعراً مجيداً.
محمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن ذكوان
أبو طاهر البعلبكي المؤدب سكن صيدا، وقرأ القرآن الكريم على هارون بن موسى الأخفش.
روى عن أبي الحسن أحمد بن نصر، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بنى فوق ما يكفيه كلف يوم القيامة بحمله على عنقه ".
قال حمزة بن عبد الله بن الحسين الأديب: ومولد أبي طاهر سنة أربع وستين، ومات سنة ستين ومئة. وذكر عبد الباقي بن الحسن بن السقاء المقرئ قال: لم يكن أبو طاهر في نفسه أخذ القرآن من أحد، فلما كان(22/191)
قبل موته بيسير احتاج إلى تعليم الصبيان، فكان يعلم بباب الجامع بصيدا، فقرأت عليه، وختمت القرآن، بعد مداراتي له، ولولا ما لحقه من الإقلال، لكان على الامتناع من الأخذ.
وذكر الحسن بن جميع أنه مات سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن سليمان بن بلال
ابن أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس أبو سليمان الأنصاري من أهل دمشق.
روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عباس أنه أوصى رجلاً فقال: لا تتكلم بما لا يعنيك، فإن ذلك فضل، ولست آمن فيه عليك من الوزر. ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعاً؛ فرب متكلم في غير موضعه قد عنت. لا تمارين حليماً ولا سفيهاً؛ فإن الحليم يغلبك، وإن السفيه يؤذيك. واذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب إذا تواريت عنه. ودعه مما يحب أن يدعك منه، فإن ذلك العدل. واعمل عمل امرئ يعلم أن مجزي بالإحسان مأخوذ بالإجرام.
وروى عن أمه عن جدتها قالت: قالوا: يا رسول الله، هل يضر الغبط؟ قال: " نعم كما يضر الشجرة الخبط ".(22/192)
قال ابن أبي حاتم: محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء أبو سليمان.. سألت أبي عنه فقال: ما بحديثه بأس.
محمد بن سليمان بن الحر بن سليمان
ابن هزان بن سليمان بن حيان بن حيدرة أبو علي الأطرابلسي أخو خيثمة.
روى عن أبي سليم إسماعيل بن حصن، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أغاث ملهوفاً، أعانه، غفر الله له ثلاثاً وسبعين مغفرة؛ واحدة في الدنيا، واثنتين وسبعين في الدرجات العلى من الجنة. ومن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحداً صمداً، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد، كتب الله له بها أربعين ألف ألف حسنة ".
محمد بن سليمان بن الحسين بن سليمان
ابن بلال بن أبي الدرداء عويمر أبو علي الأنصاري الصرفندي، المعروف بالجوعي روى عن عبد السلام بن عتيق، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البركة من الأكابر ".(22/193)
وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: طول الحياة وكثرة المال ".
قال ابن عدي: وأبو علي الجوعي هذا شيخ صالح من ولد أبي الدرداء ولم أكتب هذا الحديث إلا عنه: " البركة مع الأكابر " ورأيت في حاشية الأصل أن الجوعي كان يتصوف فلقب بالجوعي.
محمد بن سليمان بن داود البصري
أبو جعفر المنقري البصري قدم دمشق، وحدث بها.
روى عن محمد بن كثير العبدي، بسنده إلى أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ".
محمد بن سليمان بن داود الشاهد
أبو عمر اللباد الشاهد روى عن أبي الطيب طاهر بن علي الطبراني، بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير الكفن الحلة، وخير الضحية الكبش الأقرن ".(22/194)
محمد بن سليمان بن أبي داود
واسم أبي داود سالم أبو عبد الله المعروف بالبومة الحراني مولى محمد بن مروان بن الحكم.
روى عن حفص بن غيلان، بإسناده إلى عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " قال الله عز وجل: عباد لي يلبسون للناس مسوك الضأن، وقلوبهم أمر من الصبر، ولسنتهم أحلى من العسل، يختلون الناس بدينهم؛ أبي يغترون، أم علي يجترئون؟! فبي أقسمت لألبسنهم فتنة تذر الحكيم فيها جيران ".
قال ابن أبي حاتم: محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني.. سألت أبي عنه فقال: منكر الحديث.
روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى أبي فروة يزيد بن محمد بن يزيد الرهاوي قال: لقيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ببغداد، فقال لي فيما يقول: ما فعل الرجل الذي عندكم بحران، الجوهري عنده علم؟ فقلت له: ما أعرف بحران جوهرياً يكتب عنه! فقال: بلى، صاحب أبي معبد حفص بن غيلان. قلت: ما أعرفه. قال: يغفر الله لك له نبز، قلت له: لعلك تريد البومة. قال: إياه أعني، اكتب عنه، فإنه ثقة.
وروى بإسناده إلى أبي غروبة الحسين بن محمد الحراني قال: محمد بن سليمان بن أبي داود أبو عبد الله، كان يلقب بالبومة. حدثني محمد بن يحيى بن كثير أنه مات سنة ثلاث عشرة ومئتين. وقال أبو غروبة في ترجمة أبيه سليمان بن أبي داود: وأبو داود اسمه سالم مولى محمد بن مروان، وكنيته أبو أيوب. كان ينزل حران، وبها عقبه وسالم أبو داود، ذكروا أنه شهد جنازة ابن عباس بالطائف.(22/195)
محمد بن سليمان بن أبي ضمرة
أبو ضمرة بن أبي جميلة السلمي النصري الحمصي حدث عن عبد الله بن أبي قيس عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال لي جبريل: يا محمد، ما غضب ربك عز وجل على أحد غضبه على فرعون إذ قال: " ما علمت لكم من إله غيري " وإذ " حشر فنادى فقال: أنا ربكم الأعلى " فلما أدركه الغرق استغاث، وأقبلت أحشو فاه مخافة أن تدركه الرحمة ".
قال البخاري: محمد بن سليمان أبو ضمرة النصري، إن لم يكن محمد بن أبي جميلة، فلا أدري.
قال المصنف: وفرق ابن أبي حاتم بينه وبين ابن أبي جميلة، وما صنع شيئاً.
وقال ابن ماكولا: وأما النصري أوله نون.. محمد بن سليمان أبو ضمرة النصري الحمصي عن عبد الله بن أبي قيس - وقيل هو ابن أبي جميلة - روى عنه يحيى بن صالح الوحاظي.
قال أبو زرعة: محمد بن سليمان شيخ من شيوخ أهل حمص قديم. أخبرني محمد بن بكار بن بلال أنه كان عاملاً لأبي جعفر أمير المؤمنين على مصر، واستعمله المهدي بعد، وهو محدث.(22/196)
قال عبد الوهاب بن نجدة الحوطي: مات محمد بن سليمان الضمري سنة ثمانين ومئة، قبل إسماعيل بن عياش بسنة.
محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي
كان مع عبد الله بن علي حين دخل دمشق.
قال محمد بن سليمان النوفلي: كنت مع عبد الله بن علي أول ما دخل دمشق، فدخلها بالسيف ثلاث ساعات من النهار، وجعل مسجد جامعها سبعين يوماً اصطبلاً لدوابه وجماله، ثم نبش قبور بني أمية، فنبش قبر معاوية، فلم يجد فيه إلا خيطاً أسود مثل الهباء، ونبش قبر عبد الملك بن مروان، فوجد فيه جمجمته، وكان يوجد في القبر العضو بعد العضو، غير هشام بن عبد الملك، فإنه وجد صحيحاً لم يبل منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط وهو ميت، وصلبه أياماً، ثم أمر به، فأحرق بالنار، ودق رماده، ونخل، وذري في الريح. ثم تتبع بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم، فطلبهم، فأخذ منهم اثنين وتسعين نفساً، لم يفلت منهم إلا صبي صغير يرضع، أو من هرب إلى الأندلس، فلم يقدر عليه، فقتلهم على نهر بالرملة، وجمعهم، وبسط عليهم الأنطاع، وجعل فوق الأنطاع موائد عليها الطعام، وجلس يأكل ويأكلون فوقهم، وهم يتحركون من تحت الأنطاع، واستصفى كل شيء كان لهم من الضياع والدور والعقار.
وكان السبب فيما عمل بجثة هشام بن عبد الملك أنه لما تحدث الناس أن الخلافة تصير إلى ولد العباس، كتب هشام إلى عامله على المدينة أن يشخص محمد بن علي بن عبد الله بن عباس إلى حضرته إلى دمشق، فأشخصه، وأمره بلزوم الباب، فاشترى محمد بن علي بها جارية، فجاءت بابن، فأنكر محمد الابن، فاختصما إلى هشام بن عبد الملك، فأمر قاضيه أن يحكم بينهما، فاستحلفه، فحلف أنه ليس بابنه، وفرق بينهما.(22/197)
ثم إن محمد بن علي لما أن بلغ الصبي سبع سنين دس إليه من سرقه، فأتاه به، فقتله، فاستعدت أمه عليه إلى هشام، فحلف أنه ما قتله، ولا دس إليه من قتله، ولا يعلم له قاتلاً. ثم إن هشاماً أمر أصحاب الأبواب أن يتجسسوا في الغوطة هل عندهم من ذلك خبر؟ فجاءه رجل من أهل المزة، فذكر أنه كان يسقي أرضاً له بالليل، وأنه رأى رجلاً راكباً على فرس، وقد أردف خلفه آخر، ومعه آخر يمشي، فقتلوا واحداً منهم، ودفنوه، ولم يعلموا بي، وقد علمت على الموضع الذي فيه القتيل، وتتبعت أثرهم حتى دخلوا المدينة، وعرفت الدار التي دخلوها. فقال هشام: لله درك، فرجت عنا! ثم وجه معه بأقوام إلى الدار التي ذكر، فإذا دار محمد بن علي، فأحضره، وسأله، فأنكر، فوجه، فنبش الصبي، ووضع بين يديه مقتولاً، فقال هشام: لولا أن الأب لا يقاد بالابن لأقدتك به. ثم أمر به فضرب سبع مئة سوط، ونفاه إلى الحميمة. فكان الذي حمل عبد الله بن علي على أن عمل بجثة هشام ما عمل بأخيه محمد بن علي. ثم دفع عبد الله امرأة هشام إلى قوم من الخراسانية، حتى مروا بها إلى البرية ماشية حافية حاسرة، فما زالوا يزنون بها، ثم قتلوها، وهي عبدة بنة عبد الله بن يزيد بن معاوية صاحبة الخال.
محمد بن سليمان بن عبد الله
روى عن أبي الحسن محمد بن نوح الجنديسابوري، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوتروا يا أهل القرآن، إن الله وتر يحب الوتر " فقال أعرابي: ما تقول يا رسول الله؟ قال: " ليست لك ولا لأصحابك ".(22/198)
محمد بن سليمان بن عبد الملك
ابن مران ابن الحكم بن أبي العاص بقي إلى ولاية عمه الوليد بن يزيد.
محمد بن سليمان بن علي
ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي ولد بالحميمة من أرض البلقاء، وكان ذا جلالة، وولي الكوفة والبصرة للمنصور، ثم البصرة للمهدي مرتين، ووليها للهادي وللرشيد.
حدث عن أبيه عن جده الأكبر - يعني ابن عباس - أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " امسح رأس اليتيم هكذا إلى مقدم رأسه، ومن له أب هكذا إلى مؤخر رأسه ".
قال خليفة: وفيها - يعني سنة اثنتين وعشرين ومئة - ولد محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي بالحميمة من أرض الشام.
قال البخاري: محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه عن جده، في مسح رأس الصبي، منقطع سمع منه صالح الناجي.
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أخو جعفر وإسحاق؛ كان عظيم أهله، وجليل رهطه، وولي إمارة البصرة في عهد المهدي، ثم قدم بغداد على الرشيد لما أفضت الخلافة إليه.(22/199)
قال خليفة: وفيها - يعني سنة ست وأربعين ومئة - ولى أبو جعفر سالم بن قتيبة البصرة يسيراً، ثم عزله، وولى محمد بن سليمان وعزله، وفيها عزل عيسى بن موسى عن الكوفة، ووليها محمد بن سليمان بن علي. وقال: أقر أبو جعفر - يعني على الكوفة - موسى بن عيسى بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم عزله، وولى محمد بن سليمان بن علي سنة تسع وأربعين ومئة، فوليها ثمان سنين ثم عزله.. قال: وفيها - يعني سنة ستين - عزل المهدي عبد الملك بن أيوب عن البصرة، وولاها محمد بن سليمان، ثم عزل محمد بن سليمان عن البصرة يعني سنة خمس وستين ومئة، وولاها صالح بن داود، ومات المهدي وعليها روح بن حاتم، فعزله موسى وولى محمد بن سليمان حتى مات.
قال يعقوب: وفيها - يعني سنة ست وأربعين ومئة - ولي محمد بن سليمان البصرة، فطلب كل من كان مع إبراهيم، فقتلهم، وهدم منازلهم، وعقر نخلهم، قال يعقوب: وفيها - يعني سنة سبع وأربعين - عزل محمد بن سليمان عن البصرة، وولي عليها محمد بن أبي العباس، وفيها - يعني سنة اثنتين وخمسين - توجه أبو جعفر حاجاً بغتة، فقدم الكوفة، ولم يعلم به ابن سليمان وهو والي الكوفة!(22/200)
حدث مقاتل بن صالح الخراساني صاحب الحميدي قال:
دخلت على حماد بن سلمة، فإذا ليس في البيت إلا حصير، وهو جالس عليه، ومصحف يقرأ فيه، وجراب فيه علمه، ومطهرة يتوضأ فيها. فبينا أنا عنده جالس ذ دق داق الباب، فقال: يا صبية، اخرجي فانظري من هذا؟ قالت: هذا رسول محمد بن سليمان. قال: قولي له يدخل وحده. فدخل، فسلم وناوله كتابه، فقال: اقرأه. فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة. أما بعد، فصبحه الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته. وقعت مسألة، فائتنا نسألك عنها. قال: يا صبية هلمي الدواة. ثم قال لي: اقلب الكتاب واكتب: أما بعد، وأنت فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته. إنا أدركنا العلماء، وهم لا يأتون أحداً، فإن وقعت مسألة، فائتنا، فسلنا عما بدا لك. وإن أتيتني، فلا تأتيني إلا وحدك، ولا تأتني بخيلك ورجلك فلا أنصحك ولا أنصح نفسي، والسلام.
فبينا أنا عنده إذ دق داق الباب، فقال: يا صبية اخرجي فانظري من هذا؟ قالت: هذا محمد بن سليمان. قال: قولي له يدخل وحده، فدخل، فسلم، ثم جلس بين يديه، ثم ابتدأ فقال: ما لي إذا نظرت إليك امتلأت رعباً؟! فقال حماد: سمعت ثابتاً البناني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء ". فقال: ما تقول - يرحمك الله - في رجل له ابنان، وهو عن أحدهما أرضى، فأراد أن يجعل له في حياته ثلثي ماله؟ قال: لا يفعل رحمك الله، فإني سمعت ثابتاً البناني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله إذا أراد أن يعذب عبده بماله، وفقه عند مرضه لوصية جائرة " قال: فحاجة إليك. قال: هات إن لم تكن رزية في دين. قال: أربعين ألف درهم تأخذها(22/201)
تستعين بها على ما أنت عليه. قال: ارددها على من ظلمته بها. قال: والله ما أعطيك إلا ما ورثته. قال: لا حاجة لي فيها، ازوها عني زوى الله عنك أوزارك. قال: فغير هذا. قال: هات ما لم تكن رزية في دين. قال: تأخذها تقسمها. قال: فلعلي إن عدلت في قسمها أن يقول بعض من لم يرزق منها: إنه لم يعدل في قسمتها، فيأثم، ازوها عني زوى الله عنك أوزارك.
قال محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي: كان لمحمد بن سليمان الهاشمي مولى يقال له منصور، له منه منزلة، وكان موسراً، وكان ظلوماً شديد التعدي على الناس، فاغتصب منصور هذا رجلاً من بني سليم أرضاً على حد أرض له، وكان بين الأرضين حائط، فقلع الحائط وخلطهما، فجاء السلمي إلى حماد بن زيد، وكان يجالسه، ويسمع العلم منه، فاشتكى ذلك غليه، وسألته معونته على حقه، فقال له حماد: إذا وقفت على صحة ذلك، فعلت. فأتاه برجلين ثقتين عنده، فصدقا قول السلمي، وكان حماد لا يزال يسمع من يشتكي منصوراً هذا ويتظلم منه كثيراً، فقال حماد للسلمي: اكتب إلى الأمير - يعني محمد بن سليمان - قصة تصف فيها ظلامتك، وتستظهر بمعرفتي، ففعل، وتلطف في رفعها، فلما قرأها محمد بعث إلى حماد يستدعيه، فأتاه، فحادثه قليلاً، ثم دفع القصة إليه، فقرأها، فقال: ما عندك فيما ذكر هذا الرجل؟ فقال: هو حق وصدق، قد غصبه مولاك هذا أرضه، ولا أزال أسمع كثيراً من الناس ينسبونه إلى التعدي والظلم، وأمسك. فعاد محمد إلى محادثته ملياً. ثم نهض حماد فانصرف، فبعث محمد إلى منصور، فأتى به، فقال له: لولا أن لحماد بن زيد في أمر سبباً لضربت عنقك. ثم أمر به، فأثقل حديداً، وطرح في السجن حياة محمد بن سليمان كلها إلى أن مات، فأطلق بعد موته.
قال موسى بن داود: دخل محمد بن سليمان بن علي المسجد الحرام، فرأى أصحاب الحديث يمشون خلف(22/202)
رجل من المحدثين ملازمين له. فالتفت إلى من معه، فقال: لأن يطأ هؤلاء عقبي كان أحب إلي من الخلافة.
قال سعيد بن عامر:
كان والي البصرة محمد بن سليمان، فكان كلما صعد المنبر أمر بالعدل والإحسان، فاجتمع قوم من نساك أهل البصرة فقالوا: ما ترون ما نحن فيه من هذا الظلم الجائر، وما يأمر به؟! فأجمعوا على أن ليس له إلا أبو سعيد الضبعي. فلما كان يوم الجمعة احترشوا أبا سعيد الضبعي، فكان يصلي ولا يتكلم حتى يحرك. فلما تكلم محمد بن سليمان حركوه فقالوا له: يا أبا سعيد، محمد بن سليمان يتكلم على المنبر يأمر بالعدل والإحسان! فقام، فقال: يا محمد بن سليمان، إن الله يقول في كتابه: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " يا محمد بن سليمان، إنه ليس بينك وبين أن تتمنى أن لم تخلق إلا أن يدخل ملك الموت من باب بيتك. قال: فخنقت محمد بن سليمان العبرة، فلم يقدر أن يتكلم. فقام جعفر بن سليمان إلى جنب المنبر فتكلم عنه. قال: فأحبه النساك حين خنقته العبرة، وقالوا: مؤمن مذنب.
حدث إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: ولما بويع الرشيد بالخلافة، قدم عليه محمد بن سليمان وافداً، فأكرمه، وأعظمه، وبره، وصنع به ما لم يصنع بأحد؛ زاده فيما كان يتولاه من أعمال البصرة كور دجلة والأعمال المفردة والبحرين والفرض وعمان واليمامة وكور الأهواز وكور فارس، ولم يجمع هذا لأحد غيره. فلما أراد الخروج، شيعه الرشيد إلى كلواذى.(22/203)
قال يعقوب بن جعفر: دخلت مع أبي على عمي محمد، وبين يديه صبي، وهو يمسح رأسه بيده من مقدمه إلى مؤخره. ثم أقبل على أبي فقال: هكذا يفعل بالولد إذا كان أبوه في الأحياء. فقال له أبي: إنهم والله يتمنون موتي وموتك، حتى يرثوني، ويرثوك. فقال عمي: فبلغهم الله ذلك - ثلاثاً - أما سمعت قول الشاعر: من البسيط
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها
والنفس تحرص الدنيا وقد علمت ... أن السلامة منها ترك ما فيها
حدث الحسين بن محمد بن سلام مولى آل سليمان بن علي قال: لما احتضر محمد بن سليمان بن علي، كان رأسه في حجر أخيه جعفر بن سليمان، فقال جعفر: وا انقطاع ظهراه! فقال محمد: وا انقطاع ظهر من يلقى الحساب غداً! والله ليت أمك لم تلدني، وليتني كنت حمالاً، وأني لم أكن فيما كنت فيه! وحدث محمد بن سهل قال: وقف جعفر بن سليمان على قبر أخيه محمد لما دفن، فقال: اللهم إنا نخافك عليه، ونرجوك له. فحقق رجاءنا، وآمن خوفنا، إنك على كل شيء قدير.
مات محمد بن سليمان سنة ثلاث وسبعين ومئة.
روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى ابن عرفة قال: ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين - يعني ومئة - ففيها توفي محمد بن سليمان، وسنه إحدى وخمسون سنة وخمسة أشهر. وأمر الرشيد بقبض أموال محمد بن سليمان، فأخذ له ودائع وأموالاً من منزله كانت نيفاً وخمسين ألف ألف درهم.(22/204)
محمد بن سليمان بن أبي كريمة
البيروتي روى عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكل قلب وسواس، فإذا فتق الوسواس حجاب القلب، نطق به اللسان، وأخذ به العبد، وإذا لم يفتق القلب، ولم ينطق به اللسان، فلا حرج ".
قال ابن أبي حاتم: محمد بن سليمان بن أبي كريمة، سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث.
محمد بن سليمان بن مهران
أبو بكر النيسابوري روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما أحسن الله خلق رجل ولا خلقه فتطعمه النار ".
محمد بن سليمان بن هشام
ابن عبد الملك بن مران بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي قتل مع أبيه سليمان بن هشام في أيام السفاح.
محمد بن سليمان بن هشام بن عمرو
الوراق المعروف بابن بنت مطر قدم دمشق، وحدث بها.(22/205)
روى عن أبي أسامة حماد بن أسامة، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لزوال الدنيا أيسر علي - وفي رواية: على الله - من قتل مؤمن ".
وعن وكيع، بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نام حتى نفخ، ثم قام، فصلى.
وعن أبي معاوية الضرير، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسلاخ، وهو يسلخ شاة، وهو ينفخ فيها، فقال: " ليس منا من غشنا " ودحس بين جلدها ولحمها، ولم يمس ماء.
وعن وكيع، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما أسري بي إلى السماء، فصرت إلى السماء الرابعة، فسقط في حجري تفاحة، فأخذتها بيدي، فانفلقت، فخرج منها حوراء تقهقه، فقلت لها: تكلمي، لمن أنت؟ قالت: للمقتول الشهيد عثمان بن عفان ".
قال الخطيب: هذا الحديث منكر بهذا الإسناد، وكل رجاله ثقات سوى محمد بن سليمان بن هشام، والحمل فيه عليه والله أعلم.(22/206)
قال أبو أحمد بن عدي: محمد بن سليمان بن هشام بن عمرو، ابن بنت مطر الوراق يوصل الحديث، ويسرقه، ويكنى أبا جعفر ضعيف.
قال محمد بن العباس: قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع أن محمد بن بن سليمان، ابن بنت مطر الخزاز توفي بالكرخ سنة خمس وستين ومئتين.
محمد بن سليمان بن يوسف بن يعقوب
أبو بكر الربعي البندار روى عن أحمد بن غانم الأزدي، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا، لم يشربها في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة، لم يشرب بها في الآخرة " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لباس أهل الجنة، وشراب أهل الجنة، وآنية أهل الجنة ".
قال أبو محمد الكتاني: رأيت على ظهر كتاب عتيق بخط أبي نصر بن الجبان: توفي أبو بكر محمد بن سليمان الربعي البندار يوم الاثنين لأربع خلون من ذي الحجة سنة أربع وسبعين. قال:.. وكان ثقة.
محمد بن سليمان أبو بكر الداراني
المعروف بالقبي روى عن إبراهيم بن دحيم، بسنده إلى عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من الناس، ولكن يقبض العلماء، فإذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا ".(22/207)
محمد بن سماعة
أبو الأصبغ القرشي الرملي مولى سليمان بن عبد الملك. ذكر العقيلي أنه دمشقي، فلعل أصله من دمشق وسكن الرملة.
روى عن عبد الرزاق، بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بين العبد والكفر - أو قال: والشرك - ترك الصلاة ".
قال أبو بشر الدولابي: أبو الأصبغ محمد بن سماعة الرملي، بلغني أنه مات سنة ثمان وثلاثين ومئتين، وقد بلغ نيفاً وستين سنة.
محمد بن سنان بن سرج بن إبراهيم
أبو جعفر التنوخي الشيرزي القاضي قرأ القرآن بحرف شيبة بن نصاح، وسمع بدمشق.
روى عن هوبر بن معاذ الكلبي، بسنده إلى نافع قال: خرجت مع طاوس إلى رافع بن خديج، فسأله طاوس عن كراء الأرض، فقال: كنا نعطي الأرض بالنصف والثلث على ما في الربيع وعلى ما في الفصيل، فنهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. فلما انصرف، ضرب طاوس على يدي فقال: إن كانت لك أرض فأكرها.(22/208)
وعن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من أيام العمل فيهن أفضل من عشر ذي الحجة " قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: " ولا الجهاد في سبيل الله إلا من عقر جواده وأهريق دمه ".
وعن عيسى بن سليمان بسنده إلى أنس قال: قرأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مالك يوم الدين " وقرأ أبو بكر وعمر.
قال عبد الغني بن سعيد: محمد بن سنان بن سرج الشيرزي.. ذكره في باب سرج بالجيم.
كتب أبو الحسن علي بن المهذب بخطه: وفيها - يعني سنة ثلاث وتسعين ومئتين - توفي محمد بن سنان الشيرزي، وهو ابن إحدى وثمانين سنة، وكان مسنداً.
محمد بن سنان بن عبد الله
ابن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي قتل بأعمال دمشق، بقرب عذراء في عسكر أهل حمص الذين توجهوا للطلب بدم الوليد بن يزيد. ويقال: إن المقتول عبد الله بن سنان.(22/209)
محمد بن سويد بن كلثوم
ابن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر القرشي أمير دمشق من قبل سليمان بن عبد الملك.
روى عن الضحاك بن قيس بنحو حديث أبي أمامة في الصلاة على الميت فقال: السنة في الصلاة على الجنائز أن تقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم تكبر ثلاثاً، والتسليم عند الآخرة.
وروى عن حذيفة بن اليمان أنه قال:
لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العتمة، فذكر الحديث، قال: ثم كبر وركع، فسمعته يقول في ركوعه: " سبحان ربي العظيم " ويردد شفتيه، وأظنه يقول: " وبحمدك " فمكث في ركوعه قريباً من قيامه، ثم رفع رأسه، ثم كبر، فسجد، فسمعته يقول في سجوده: " سبحان ربي الأعلى " ويردد شفتيه، وأظنه يقول: " وبحمده ".
وعنه قال: لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العتمة، فصليت معه، فأقامني عن يمينه، ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم استفتح البقرة، ولا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا آية خوف إلا استعاذ، ولا مثل إلا فكر، حتى ختمها.
قال ابن أبي حاتم: محمد بن سويد القهري أمير دمشق، روى عن الضحاك بن قيس الفهري، روى عنه ابن شهاب الزهري. سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: ماتت أمه وهو يرتكض في بطنها، فبقر بطنها وأخرج حياً، وولي دمشق.(22/210)
قال محمد بن عمر الواقدي: وفيها - يعني سنة ست وتسعين - أمر محمد بن سويد القهري على دمشق وأرضها، ونزع عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك.
وقال الزهري: حدثني محمد بن سويد، وكان على الطائف في زمان عمر بن عبد العزيز.
محمد بن سهل بن أبي حثمة
واسمه عبد الله، ويقال: عامر - بن ساعدة بن عامر بن عدي بن عدي بن جشم بن مجدعة ابن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو النبيت بن مالك بن أوس أبو عفير الأنصاري الحارثي الأوسي روى عن محيصة بن مسعود الأنصاري أنه كان له غلام حجام، يقال له: نافع أبو ظبية، فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله عن خراجه، فقال: " لا تقربه " فردد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اعلف به الناضج، اجعلوه في كرشه ".
وعن رافع بن خديج قال: كان بالرحال بن عثمويه من الخشوع واللزوم لقراءة القرآن والخير فيما يرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء عجب. فخرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً، والرحال معنا جالس في نفر، فقال: " أحد هؤلاء النفر في النار ". قال رافع: فنظرت في القوم، فإذا بأبي هريرة الدوسي وأبي أروى الدوسي، والطفيل بن عمرو الدوسي، ورحال بن عثمويه، فجعلت أنظر، وأتعجب، وأقول: من هذا الشقي؟! فلما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجعت بنو حنيفة، فسألت ما فعل الرحال بن عثمويه، فقيل: افتتن، هو الذي شهد(22/211)
لمسيلمة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أشركه في أمر من بعده، فقال: ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو حق. وسمع الرحال يقول: كبشان انتطحا، فأحبهما إلينا كبشنا.
قال المصنف: كذا كان في الأصل في المواضع لها. والصواب ابن عنفرة، والرجال بالجيم، ويقال بالحاء، وهو لقب، واسمه نهار.
قال ابن سعد: وأبو عفير، واسمه محمد بن سهل بن أبي حثمة - واسمه عبد الله - بن ساعدة بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث من الأوس، وأمه تحيا بنت البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث، فولد محمد بن سهيل عفيراً وجعفراً والبراء.. تابعي ثقة.
محمد بن سهل بن عثمان بن سعيد
أبو بكر القنسريني التنوخي القطان، المعروف ببكير قدم دمشق، وحدث بها.
روى عن عبد الرحمن بن معدان اللاذقي، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أسكر كثيره، فقليله حرام ".
محمد بن سهل بن عسكر بن عمارة
ابن دويد - ويقال: ابن عسكر - بن حسنون أبو بكر التميمي، مولاهم، البخاري روى عن علي بن عياش، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(22/212)
من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الفضيلة والوسيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلا وجبت له شفاعتي يوم القيامة ".
وعن يسرة بن صفوان، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ".
حدث محمد بن سهل بن عسكر قال:
كنت أمشي في طريق مكة، إذ سمعت رجلاً مغربياً على بغل، وبين يديه مناد ينادي: من أصاب همياناً له ألف دينار، قال: وإذا إنسان أعرج عليه أطمار رثة خلقان يقول للمغربي: أيش علامة الهميان؟ فقال: كذا وكذا، وفيه بضائع لقوم، وأنا أعطي من مالي ألف دينار. فقال الفقير: من يقرأ الكتابة؟ قال ابن عسكر، فقلت: أنا أقرأ. قال: اعدلوا بنا ناحية من الطريق، فعدلنا، فأخرج الهميان، فجعل المغربي يقول: حبتين لفلانة ابنة فلان مئة دينار، وحبة لفلان بمئة دينار، وجعل يعد، فإذا هو كما قال. فحل المغربي هميانه وقال: خذ ألف دينار الذي وعدت على وجادة الهميان. فقال الأعرج: لو كان قيمة الهميان الذي أعطيتك عندي بعرتين، ما كنت تراه، فكيف آخذ منك ألف دينار على ما هذا قيمته؟! وقام، ومضى، ولم يأخذ شيئاً.
وقال: أتيت سلم الخواص، فقال لي: بت عندي. قال: فبت عنده، قال: فجمع بقل البرية والشعير، وطبخه، ثم وضعه بين يدي. قال: ثم رأيته يوم الثاني يقاد إلى الجمعة. قلت: أما كنت بصيراً؟ قال: بلى، ولكني أخاف إن أرى منكراً ألا أغيره. قال: وكان سلم يكسب في اليوم قيراطاً يتصدق به، وقيراطاً ينفق على عياله، وقيراطاً يشتري به الخوص.
وثقوه، وقالوا: توفي سنة إحدى وخمسين ومئتين.(22/213)
محمد بن سهل بن عبد الله
أبو بكر المعروف بأبي تراب الطوسي روى عن إسحاق بن إبراهيم بن يحيى، بسنده إلى علي أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الغريق شهيد، والحريق شهيد، والغريب شهيد، والملدوغ شهيد، والمبطون شهيد، ومن يقع عليه البيت، فهو شهيد، ومن يقع فوق البيت، فيندق رجله أو عنقه، فيموت، فهو شهيد، ومن تقع عليه الصخرة، فهو شهيد، والغيرى على زوجها كالمجاهد في سبيل الله، فلها أجر شهيد، ومن قتل دون ماله، فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه، فهو شهيد، ومن قتل دون أخيه، فهو شهيد، ومن قتل دون جاره، فهو شهيد، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فهو شهيد ".
وروى عن محمد بن المغيرة الحراني، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخلن رجل على امرأة، ولا يسافر معها، إلا ومعها ذو محرم ".
محمد بن سلامة بن جعفر بن علي
ابن حكمون بن إبراهيم بن محمد بن مسلم أبو عبد الله القضاعي الفقيه الشافعي قاضي مصر الذي ألف كتاب الشهاب، قدم دمشق.
روى عن أبي الحسن أحمد بن عبد العزيز البغدادي، بسنده إلى كعب بن عجرة قال: وقف علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية قال: ورأسي يتهافت قملاً، فقال: أيؤذيك هوامه؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فأمرني أن أحلق رأسي، ثم دعاني، فقرأ علي هذه الآية، وفي نزلت هذه الآية " فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه، ففدية(22/214)
من صيام أو صدقة أو نسك " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صم ثلاثة أيام، أو صدق بفرق بين ستة، وانسك ما شئت ".
قال أبو نصر بن ماكولا: القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون القضاعي المصري؛ كان فقيهاً على مذهب الشافعي متفنناً في عدة علوم، وصنف، وحدث.. ولم أر بمصر من يجري مجراه.
وقال غيث بن علي: أبو عبد الله القضاعي القاضي مصري.. وله تصانيف منها كتاب مختصر نحو من خمس كراريس من ابتداء الخليقة إلى زمانه، سماه كتاب الإنباء على الأنباء وتواريخ الخلفاء، وكتاب الشهاب، وكتاب جمع فيه أخبار الشافعي - رحمه الله - ومناقبه.
أنشد أبو شجاع فارس بن الحسين لنفسه في كتاب الشهاب: من البسيط
إن الشهاب شهاب يستضاء به ... في العلم والحلم والآداب والحكم
سقى القضاعي غيث كلما لمعت ... هذي المصابيح في الأوراق والظلم
مات محمد بن سلامة القضاعي القاضي سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة.
محمد بن سلامة بن أبي زرعة
ويقال: المعلى بن سلامة أبو زرعة الكناني الدمشقي الشاعر ذكره أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح في كتاب الورقة في تسمية الشعراء، وذكر أنه دمشقي محسن، وهو والديك شاعرا الشام، وقال ابن أبي طاهر: اسمه المعلى، وأنشد من شعره قوله في أبي الجهم أحمد بن سيف: من المتقارب(22/215)
أيا سلم أخت بني راسب ... أقلي عتابي أو عاتبي
فلست بصارف صرف الزمان ... ولا غالب القدر الغالب
وإن يكو صرف من الدهر جب ... سنامي وأسرع في غاربي
فلم ينسني ذاك بذلي التلاد ... للضيف والجار والصاحب
ولكن أبو الجهم إن جئته ... لهيفاً، حجبت عن الحاجب
وإن جئته عائذاً هارباً ... إليه، دفعت إلى الطالب
وإن جئته راغباً مادحاً ... رجعت بجائزة الخائب
وليس بذي موعد صادق ... ويبخل بالموعد الكاذب
فيا لك من منظر شاحب ... هناك ومن خلق شاجب
ولست أرى راغباً في سواك ... فتى ليس في المجد بالراغب
ولمحمد بن سلامة: من المتقارب
إذا كنت في بلد راحلاً ... وحل الشتاء حلول الغريم
فلا تذكر الرزق حتى ترى ... من الصحو يوماً نقي الأديم
فكم غدوة في هبوب الجنوب ... تردي الوجوه ببرد صميم
وكم زلقة في حواشي الطريق ... ترد الثياب بخزي عظيم
إذا ما رأيت سحاب الشتاء ... تغشت فؤادي سحاب الهموم
أظل نهاري مقاسي الهموم ... حبيس الغموم أسير الغيوم
وله: من الخفيف
كيف يخفى نحول من ليس يخفى ... هل ترى لي إلا لساناً وطرفا
إن عيني رمت فؤادي بنار ... سوف أطفأ وحرها ليس يطفا
كيف أبقى والشوق يزداد ضعفاً ... كل يوم والنفس تزداد ضعفا
فسقى الله كأس كل سرور ... من سقاني كأس المنية صرفا(22/216)
محمد بن سلامة أبو بكر البعلبكي
روى عن ابن أبي غيلان، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لن يجزي ولد والداً، إلا أن يجده مملوكاً، فيشتريه، ويعتقه. ومن كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً ".
محمد بن سيرين
أبو بكر بن أبي عمرة مولى الأنصار البصري الفقيه حدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو آمن بي عشرة من اليهود، ما بقي على ظهرها يهودي إلا أسلم ".
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ".
قال أيوب: أما محمد بن سيرين، فكان يراد على القضاء، فيفر إلى الشام مرة، ويفر إلى اليمامة مرة. وكان إذا قدم البصرة كان كالمستخفي حتى يخرج.
قال عباد بن عباد: قدم ابن سيرين دمشق، فأقام أربع سنين لا يعرف بها.
وذكر أبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي أن ابن سيرين ولد سنة إحدى وثلاثين في خلافة عثمان.(22/217)
قال خليفة بن خياط: في الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك. أمه امرأة من المدينة، يكنى أبا بكر، مات سنة عشر ومئة بعد الحسن - يقال - بمئة يوم. صلى عليه النضر بن عمرو المقرائي.
وقال محمد بن سعد: محمد بن سيرين يكنى أبا بكر مولى أنس بن مالك. وكان ثقة مأموناً عالياً رفيعاً فقيهاً إماماً كثير العلم ورعاً، وكان به صمم.
روى ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نسي، فأكل أو شرب، فليتم صومه ".
وعنه أيضاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من استقاء فعليه القضاء ".
قال أبو نصر البخاري: محمد بن أبي عمرة، واسمه سيرين، أبو بكر، قال الواقدي: وكان سيرين من سبي عين التمر، مولى أنس بن مالك، وهو الأنصاري البصري أخو أنس وخالد ويحيى ومعبد وحفصة.
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن سيرين أبو بكر البصري، مولى أنس بن مالك.. كان أحد الفقهاء من أهل البصرة والمذكورين بالورع في وقته.(22/218)
قال سعيد بن عامر: كان سيرين أبو محمد قيناً حداداً.
وروى أبو بكر بإسناده قال: كان سيرين أبو محمد بن سيرين من أهل جرجرايا، وكان يعمل قدور النحاس، فجاء إلى عين التمر يعمل بها، فسباه خالد بن الوليد.. وكان خالد بن الوليد وجد بها أربعين غلاماً مختفين فأنكرهم فقالوا: إنا كنا أهل مملكة، ففرقهم في الناس، فكان سيرين منهم، فكاتبه أنس، فعتق في الكتاب.
قال عبيد الله بن أبي بكر بن أني بن مالك: هذه مكاتبة سيرين عندنا: هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه سيرين على كذا وكذا ألفاً، وعلى غلامين يعملان عنده.
روي عن أيوب عن ابن سيرين: أنه كتب في وصيته: هذا ما أوصى به محمد بن أبي عمرة، وأوصى أن الأنصار إخواننا في الدين وموالينا. وذلك أنه بلغه أن ناساً من أهله أرادوا أن يدعوا في العرب، فلذلك قال هذا القول.
سمع أحمد بن حنبل يقول: إنما العلم خزائن، إنما العلم خزائن، يقسم الله لمن أحب، لو كان يخص بالعلم أحداً، لكان أهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى. كان عطاء بن أبي رباح حبشياً، وكان يزيد بن أبي حبيب نوبياً أسود، وكان الحسن البصري مولى الأنصار، وكان محمد بن سيرين مولى الأنصار.
حدث بكار بن محمد عن أبيه قال: إن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة، طيبها ثلاث من أزواج(22/219)
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعون لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدرياً، منهم أبي بن كعب، وهم يؤمنون. وقال بكار بن محمد: ولد لمحمد بن سيرين ثلاثون ولداً من امرأة واحدة، لم يبق منهم غير عبد الله.
روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى محمد بن سيرين قال: حج بنا أبو الوليد، ونحن سبعة ولد سيرين، فمر بنا على المدينة، فلما دخلنا على زيد بن ثابت قيل له: هؤلاء بنو سيرين. قال: فقال زيد: هذان لأم، وهذان لأم، وهذان لأم، وهذا لأم. قال: فما أخطأ. وكان معبد أخا محمد لأمه.
حدث يوسف بن عطية الصفار قال: رأيت محمد بن سيرين، وكان قصيراً، عظيم البطن، له وفرة، يفرق شعره، كثير المزاح، كثير الضحك، يخضب بالحناء، وافر اللحية.
قال الفضيل بن عياض: قلت لهشام بن حسان: كم أدرك الحسن من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: عشرين ومئة. قلت: فابن سيرين؟ قال: ثلاثين.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: ومحمد بن سيرين يكنى أبا بكر، بصري تابعي ثقة. وهو من أروى الناس عن شريح وعبيدة وإنما تأدب بالكوفيين أصحاب عبد الله. زاد آخرون: وأخوه معبد بن سيرين بصري تابعي ثقة. وأخوهم أنس بن سيرين بصري تابعي ثقة، وأختهم حفصة بنت سيرين أم الهديل بصرية تابعية ثقة، سمعت من أم عطية.
قال عاصم: أتيت ابن سيرين بكتاب فقلت: انظر فيه. فقلت: يبيت عندك؟ فأبى. كأنه كان يكره أن يكون عنده كتاب.(22/220)
قال علي بن المديني: أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب وأبو سلمة والأعرج وأبو صالح ومحمد بن سيرين وطاووس، وكان همام بن منبه يشبه حديثه بحديثهم إلا أحرفاً.
وثقه أحمد بن حنبل وابن أبي حاتم وسوار بن عبد الله ويونس وابن عون وغيرهم كثير.
قال أحمد بن حنبل: محمد بن سيرين في أبي هريرة لا يقدم عليه أحد.
وقال ابن عون: كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقي شيئاً، كأنه يحذر شيئاً، وقال: كان محمد يحدث بالحديث على حروفه.
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: محمد بن سيرين ويحيى بن سيرين ومعبد بن سيرين وأنس بن سيرين وحفصة بنت سيرين، هؤلاء الإخوة كلهم ثقات.
وقال مالك بن أنس: ما بالعراق أحد أقدمه على أيوب ومحمد بن سيرين في زمانهما.
وقال عمرو بن مرة: إني لأغبط أهل البصرة بذينك الشيخين: الحسن ومحمد.
وقال مورق العجلي: ما رأيت رجلاً أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من ابن سيرين.
وقال البتي: ما رأيت بهذه النقرة - يعني البصرة - أحداً أعلم بقضاء من ابن سيرين.(22/221)
قال عوف: كان محمد حسن العلم بالتجارة، حسن العلم بالقضاء، حسن العلم بالفرائض.
قال ابن عون: كان بصر محمد بالعلم كبصر التاجر الأريب بتجارته.
حدث سليمان بن حرب، بسنده إلى محمد بن سيرين قال: رحم الله شريحاً، كان يدني مجلسي. قال سليمان: كان أصم، يعني محمداً.
وكان عامر الشعبي يقول: عليكم بذاك الأصم، يعني محمد بن سيرين.
حدث الأشعث عن محمد قال: كان إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان.
قال ابن شبرمة: دخلت على محمد بن سيرين بواسط، فلم أر أجبن عن فتيا على رؤيا منه.
وقال عاصم الأحول: كان محمد بن سيرين إذا سئل عن الشيء قال: ليس عندي فيه إلا رأي أتهمه. فيقال له: قل فيه على ذلك برأيك. فيقول: لو أعلم أن رأيي يثبت لقلت فيه، ولكن أخاف أن أرى اليوم رأياً، وأرى غداً غيره، فلا بد حينئذ أتبع الناس في بيوتهم.
وقال: لم يكن ابن سيرين يترك أحداً يمشي معه يسأله عن شيء.(22/222)
قال أبو قلابة:
وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين؟ يركب مثل حد السنان.
روي عن بعض أهل محمد بن سيرين أنه قال: ما رابه شيء إلا تركه، منذ نشأ. يعني محمداً.
قال رجاء بن أبي سلمة: وصف يونس بن عبيد الحسن وابن سيرين، قال: أما الحسن، فلم أر رجلاً أقرب قولاً من فعل منه. وأما ابن سيرين، فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما.
قال بكر بن عبد الله المزني: من سره أن ينظر إلى أورع من أدركنا في زماننا، فلينظر إلى ابن سيرين، فإنه كان يدع الحلال تأثماً.
حدث ميمون بن مهران قال: قدمت الكوفة، وأنا أريد أن أشتري البز، فأتيت محمد بن سيرين، وهو يومئذ بالكوفة، فساومته، فجعل إذا باعني صنفاً من أصناف البز قال: هل رضيت؟ فأقول: نعم. فيعيد ذلك علي ثلاث مرات، ثم يدعو رجلين، فيشهدهما على بيعنا، ثم يقولك انقل متاعك. وكان لا يبيع بهذه الدراهم الحجاجية، فلما رأيت ورعه، ما تركت شيئاً من حاجتي أجده عنده إلا اشتريته حتى لفائف البز.
قال هشام بن حسان: ترك محمد بن سيرين أن يفتي في شيء ما ترون به بأساً. قال: وكان يتجر، فإذا ارتاب بشيء في تجارته تركه، حتى ترك التجارة.(22/223)
قال: وقال محمد بن سيرين: ما أتيت امرأة في نوم ولا يقظة إلا أم عبد الله، يعني زوجته. قال: وقال ابن سيرين: إني أرى المرأة في المنام، فأعرف أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها.
حدث عبد الرحمن بن فروخ القطان قال: كان ابن سيرين يذكر أوزانه، لكي لا تنقص إذا احتكت.
قال ابن عون: كان محمد من أرجى الناس لهذه الأمة، وأشد الناس إزراء على نفسه.
حدث حسين المعلم قال: كان محمد بن سيرين يتحدث، فيضحك، فإذا جاء الحديث، خسع.
قال الأشعث: أنا أصفهما لكم - يعني الحسن وابن سيرين - كنا ندخل على الحسن، فإنما هو النار، وأمر الآخرة والموت. وكنا ندخل على ابن سيرين، فكان يمزح ويضحك ويتحدث، فإذا أردته على شيء من أمر دينه، كنت إلى أن تنال السماء أقرب منك إلى ما تريد.
حدثت أم عباد امرأة هشام بن حسان قالت: كنا نزولاً مع محمد بن سيرين في الدار. فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار.
روى ابن سعد بإسناده إلى أنس بن سيرين قال: كانت لمحمد سبعة أوراد؛ فكان إذا فاته شيء من الليل قرأه بالنهار.
وإلى خالد الحذاء قال: كان محمد بن سيرين يصوم يوماً، ويفطر يوماً، فإذا وافق صومه اليوم الذي يشك فيه أنه من شعبان أو من رمضان صامه.(22/224)
وإلى قرة بن خالد قال: رأيت محمد يكنس مسجده بثوبه.
روى الخطيب بإسناده إلى الصقر بن حبيب قال: مر ابن سيرين برواس، قد أخرج رأساً من التنور، فغشي عليه! وإلى ابن عوانة قال: رأيت ابن سيرين مر في أصحاب السكر، فجعل لا يمر بقوم، إلا سبحوا، وذكروا الله عز وجل.
وإلى أبي بكر صاحب القواريري قال: جاء رجل إلى محمد بن سيرين، فادعى عليه درهمين، فأبى أن يعطيه، فقال له: تحلف؟ قال: نعم. قال: فقيل له: يا أبا بكر، تحلف على درهمين؟! قال: لا أطعمه حراماً، وأنا أعلم.
قال ابن عون: جاء قوم إلى ابن سيرين، فقالوا: إنا نلنا منك، فاجعلنا في حل. قال: لا أحل ما حرم الله! حدث طوق بن وهب قال: دخلت على محمد بن سيرين، وقد اشتكيت، فقال: كأني أراك شاكياً. قال: قلت: أجل. قال: اذهب إلى فلان الطبيب، فاستوصفه. ثم قال: اذهب إلى فلان، فإنه أطب منه. ثم قال: أستغفر الله، أراني قد اغتبته!(22/225)
قال محمد بن سيرين: التقي عن الخطائين مشغول، وإن أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكراً لخطايا الناس.
وقال أيضاً: ما حسدت أحداً قط على شيء؛ إن كان من أهل النار، فكيف أحسده على شيء من الدنيا ومصيره إلى النار؟! وإن كان من أهل الجنة، فكيف أحسد رجلاً من أهلها أوجب الله له رضوانه؟! قال ابن عون: كلموا محمد بن سيرين في رجل يحدثه فقال: لو كان رجل من الزنج وعبد الله بن محمد هذا، كانوا عندي سواء.
وقال أيضاً: كان ابن سيرين يكره إذا اشترى شيئاً أن يستوضع من ثمنه بعد البيع، ويقول: هذا من المسألة.
روى ابن سعد، بإسناده إلى حفصة بنت سيرين أنها قالت:
كانت أم محمد امرأة حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوباً اشترى ألين ما يجد، لا ينظر في بقائه، فإذا كان كل يوم عيد، صبغ لها ثيابها. قالت: وما رأيته رافعاً صوته عليها قط. وكان إذا كلمها كلمها كالمصغي إليها بالشيء.
وبسنده إلى ابن عون: أن محمداً كان إذا كان عند أمه، ورآه رجل لا يعرفه، ظن أن به مرضاً، من خفضه كلامه عندها.
قال ابن عون: كان محمد يكون عند المصيبة كما كان قبل ذلك؛ يتحدث، ويضحك، إلا يوم ماتت حفصة، فإنه جعل يكشر، وأنت تعرف في وجهه. وكان محمد يعزي عند المصيبة: أعظم الله أجركم، وأعقبكم من مصيبتكم عقبى نافعة لآخرتكم ودنياكم.(22/226)
قال أيوب: كان ابن سيرين إذا اخبر بموت أحد من إخوانه كأنه سقط منه عضو من أعضائه وركن من أركانه، أو نحو ذلك.
وقال زهير: كان ابن سيرين، إذا ذكر عنده الموت، مات كل عضو منه على حياله، أو على حدته.
حدث عبد الله بن محمد بن سيرين قال: سألت ابن عون عن القدر فقال: سألت جدك محمداً عن القدر، فقال: " لو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ".
وحدث صالح المري قال: دخل رجل على ابن سيرين، وأنا شاهد، ففتح باباً من أبواب القدر، فتكلم فيه، فقال محمد بن سيرين: إما أن تقوم، وإما أن أقوم.
روي عن يونس بن عبيد أنه قال: تكلم الحسن احتساباً، وسكت محمد احتساباً.
حدث ضمرة عن رجاء قال: كان الحسن يجيء إلى السلطان، ويعيبهم. وكان ابن سيرين لا يجيء إلى السلطان، ولا يعيبهم.
حدث ابن عون عن محمد أنه كان إذا تلى هذه الآية " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " قال: اللهم محصنا، ولا تجعلنا كافرين.(22/227)
قال محمد بن سيرين: إذا أراد الله بعبد خيراً، جعل له واعظاً من قلبه - وفي رواية: من نفسه - يأمره وينهاه.
وقال: كان يقال: لا تكرم صديقك فيما يشق عليه. قال: وكان يقال: أكرم ولدك، وأحسن أدبه.
حدث عمارة بن مهران قال: قال إسماعيل المعولي لمحمد بن سيرين، وأنا شاهد: تأمرنا بالصلاة في جماعة، ولا تصلي في جماعة؟! قال: فقال: ما كل أمري أحمده.
قال قرة بن خالد: سأل رجل محمد بن سيرين عن حديث، وقد أراد أن يقوم، فقال: من الرجز
إنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرك مني من خلق
قال أيوب: رأيت الحسن في النوم مقيداً، ورأيت ابن سيرين مقيداً في النوم. قال أحمد بن علي: روي في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه عبر القيد في النوم ثباتاً في الدين.
حدث عبد ربه القصاب قال: واعدت محمد بن سيرين أن أشتري له أضاحي، فنسيت موعده بشغل، ثم ذكرت بعد، فأتيته قريباً من نصف النهار، وإذا محمد ينتظرني، فسلمت عليه، فرفع رأسه، فقال: أما إنه قد نقبل أهون ديناً منك، فقلت: شغلت، وعنفني أصحابي في المجيء إليك، وقالوا: قد ذهب، ولم يقعد إلى الساعة. فقال: لو لم تجئ حتى تغرب الشمس، ما قمت من مقعدي هذا، إلا إلى صلاة أو حاجة لا بد منها.
قال عبد الله بن عون:(22/228)
ما أتينا محمداً في يوم عيد قط إلا أطعمنا خبيصاً أو فالوذقاً. وكان لا يخرج يوم الفطر حتى يأمر بزكاة رمضان، فتطيب، ويرسل بها إلى المسجد الجامع، ثم يخرج إلى العيد.
حدث حبيب بن الشهيد قال: دخلت على محمد بن سيرين في يوم حار، فوجد في وجهي التعب، فقال: يا جارية، هاتي لحبيب غداء، هاتي، هاتي، هاتي حتى قال ذلك مراراً. قلت: لا أريده. قال: هاتي. فلما جاءت به، قلت: لا أريده. قال: كل لقمة، وأنت بالخيار. فلما أكلت لقمة، نشطت، فأكلت.
قال يزيد النحوي: دخلت على ابن سيرين بيته، وهو جالس في الأرض، فألقى لي وسادة، فقلت: أرضى لنفسي ما رضيت لنفسك. قال: إني لأرضى لك في بيتي ما أرضاه لنفسي، فاجلس حيث تجلس، ولا تجلس مقابل باب أو شيء يكرهون أن تستقبله.
حدث جرير بن حازم قال: قلت بيت شعر، فمررت بمسجد الجهاضم، فقالوا: ما أراك إلا قد أحدثت، فتوضأ، فذعرت من قولهم، فأتيت محمد بن سيرين، وهو قائم في مسجده في بيته، وقد رفع يديه ليكبر، فلما رآني قال: حاجتك؟ فأخبرته، فقال: أفلا رددت عليهم: أما سمعتم قول القائل: من المتقارب
ديار لرملة إذا عيشنا ... بها عيشة الأنعم الأفضل
وإذ ودها فارغ للصدي ... ق لم يتغير، ولم يشغل(22/229)
وإذ هي كالغصن في حائر ... من الماء طال ولم يعضل
كأن الثلوج وماء السحاب ... والقرقفية بالفلفل
يعل به برد أنيابها ... قبيل الصباح ولم ينجل
ثم قال: الله أكبر، ودخل في الصلاة.
حدث أحمد بن أبي الحواري، عن عبد الله بن السري قال: قال محمد بن سيرين: إني لأعرف الذي حمل علي الدين ما هو؛ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس! فحدثت به أبا سليمان، فقال لي: يا أحمد، قلت ذنوبهم، فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك، فليس ندري من أين نؤتى.
حدث المدائني قال: كان سبب حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتاً بأربعين ألف درهم، فوجد في زق منه فأرة، فقال: الفأرة كانت في المعصرة، فصب الزيت كله. وكان يقول: عيرت رجلاً بشيء من ثلاثين سنة، أحسبني عوقبت به. وكانوا يرون أنه عير رجلاً بالفقر، فابتلي به.
حدث ابن سعد قال: سألت محمد بن عبد الله الأنصاري عن سبب الدين الذي ركب محمد بن سيرين حين حبس له، فقال: كان اشترى طعاماً بربعين ألف درهم، فأخبر عن أصل الطعام بشيء كرهه، فتركه أو تصدق به، وبقي المال عليه، فحبس به، حبسته امرأة. وكان الذي حبسه مالك بن المنذر.
وقال ابن سعد: أخبرنا بكار بن محمد، قال: حدثني أبي أن محمد بن سيرين كان باع من أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي جارية، فرجعت إلى محمد، فشكت أنها تعذبها،(22/230)
فأخذها محمد، وكان قد أنفق ثمنها. فهي التي حبسته. وهي التي تزوجها سلم بن زياد، وأخرجها إلى خراسان، وكان أبوها يلقب كركرة.
حدث عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال: لما حبس ابن سيرين في السجن، قال له السجان: إذا كان الليل، فاذهب إلى أهلك، فإذا أصبحت فتعال. فقال ابن سيرين: لا والله، لا أعينك على خيانة السلطان.
قال هشام بن حسان: ترك محمد بن سيرين أربعين ألف درهم في شيء ما ترون به اليوم بأساً.
حدث ابن عون قال: لما توجه محمد بن سيرين إلى ابن هبيرة، دعا بوصيته، فنظر فيها، فلما أتى على ذكر دينع بكى! حدث ضمرة عن ابن شوذب قال: جاء رجل يسأل الحسن عن رؤيا، فقال: أخطأ قريباً، ذاك ابن سيرين الذي يعر الرؤيا كأنه من آل يعقوب.
حدث معمر قال: جاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: رأيت كأن حمامة التقمت لؤلؤة، فخرجت منها مثل الذي دخلت، ثم جاءت حمامة أخرى، فالتقمت لؤلؤة، فخرجت منها أحسن مما دخلت، ثم جاء حمامة أخرى، فالتقمت لؤلؤة، فخرجت أنقص مما دخلت. فقال ابن سيرين: أما التي خرجت مثل الذي دخلت فهو قتادة، وأما التي خرجت أحسن مما دخلت. فهو الحسن بن أبي الحسن، بسمع الحديث فيزينه بمنطقه، وأما التي خرجت أنقص مما دخلت، فهو ابن سيرين يزيد وينقص!(22/231)
حدث عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن سلم، وهو رجل من أهل مرو قال: كنت أجالس ابن سيرين، فتركت مجالسته، وجالست قوماً من الإباضية، فرأيت فيما يرى النائم كأني مع قوم يحملون جنازة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيت ابن سيرين، فذكرت له ذلك، فقال: ما لك جالست أقواماً يريدون أن يدفنوا ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال هشام بن حسان: قص رجل على ابن سيرين قال: رأيت كأن بيدي قدحاً من زجاج فيه ماء، فانكسر القدح وبقي الماء. فقال له: اتق الله، فإنك لم تر شيئاً. فقال له الرجل: سبحان الله، أقص عليك الرؤيا، وتقول: لم تر شيئاً؟! فقال له ابن سيرين: إنه من كذب، فليس علي من كذبه شيء. إن كنت رأيت هذا، فستلد امرأتك، وتموت، ويبقى ولدها. فلما خرج قال الرجل: والله ما رأيت هذه الرؤيا. قال: وقد عبرها. قال هشام: فما لبث الرجل غير قليل حتى ولدت امرأته غلاماً، وماتت، وبقي الغلام.
قال: وجاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: إني رأيت كأني، وجارية لي سوداء، نأكل في قصعة من صدر سمكة. قال: فقال له ابن سيرين: يخف عليك أن تهيئ لي طعاماً وتدعوني إلى منزلك؟ قال: نعم. قال: فهيأ له طعاماً، ودعاه، فلما وضعت المائدة، إذا جارية له سوداء ممتشطة. قال: فقال له ابن سيرين: هل أصبت من جاريتك هذه شيئاً؟ قال: لا. قال: فإذا وضعت القصعة، فخذ بيدها، فأدخلها المخدع. فأخذ بيدها، فأدخلها المخدع، فصاح: يا أبا بكر، رجل والله! قال ابن سيرين: هذا الذي كان يشاركك في أهلك.
قال مغيرة بن حفص:
سئل ابن سيرين، فقال: رأيت كأن الجوزاء تقدمت الثريا. فقال: هذا لحسن يموت، فبكى، ثم أتبعه، وهو أرفع مني.(22/232)
قال ابن عون: كان محمد بن سيرين إذا اشتكى، لم يكد يشكو ذلك إلى أحد. قال: وربما اطلع على الشيء.
أخبر ابن عون عن محمد بن سيرين: أنه أوصى: ذكر ما أوصى به، أو هذا ما أوصى به محمد بن أبي عمرة بنيه وأهل بيته أن " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " وأوصاهم بما أوصى به " إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وأوصاهم ألا يرغبوا أن يكونوا موالي الأنصار وإخوانهم في الدين، وأن العفة والصدق خير وأتقى من الزناء والكذب، وإن حدث به حدث في مرضي هذا قبل أن أغير وصيتي هذه ... ثم ذكر حاجته.
روي عن ابن شوذب وعن هشام ومنصور وغيرهم أن محمد بن سيرين مات بعد الحسن بمئة يوم.
قال هشام بن حسان: ومات محمد لثمان ليال خلون من شوال، سحراً، سنة عشر ومئة، ليلة الجمعة.
روى محمد بن سعد عن بكار بن محمد قال: توفي محمد بن سيرين وقد بلغ نيفاً وثمانين سنة.(22/233)
حدث الحجاج بن دينار عن الحكم بن حجل، وكان صديقاً لمحمد بن سيرين، فلما مات محمد بن سيرين حزن عليه حتى جعل يعاد كما يعاد المريض، قال: فحدث بعد قال: رأيت أخي محمد بن سيرين في المنام في حال كذا وكذا، فقلت: أي أخي قد أراك في حال تسرني، فما صنع الحسن؟ قال: رفع فوقي بسبعين درجة. قلت: ولم ذاك، وقد كنا نرى أنك أفضل منه؟ قال: ذاك بطول حزنه.
حدثت حفصة بنة راشد قالت: كان مران المخملي لي جاراً، وكان ناصباً مجتهداً، قالت: فمات، فوجدت عليه وجداً شديداً، فرأيته فيما يرى النائم، فقلت: أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: أدخلني الجنة. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى أصحاب اليمين. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى المقربين. قلت: فمن رأيت ثم من إخوانك؟ قال: رأيت ثم الحسن ومحمد بن سيرين وميمون بن سياه.
وقال حماد، وكان من خيار الناس، وكان مؤذن سكة الموالي، قال: اشتكيت شكاة، فأغمي علي، فأريت كأني أدخلت الجنة، فسألت عن الحسن بن أبي الحسن، فقيل لي: هيهات، ذلك يسجد على شجر الجنة. قال: وسألت عن ابن سيرين، فقيل لي فيه قولاً حسناً مما قيل في الحسن.
محمد بن شافعي بن محمد بن طاهر
أبو بكر النيسابوري المعروف بالصنوبري الفقيه قدم دمشق، وأقام بها مدة، وحدث بها بكتاب السنن لابن ماجه.
روى عن محمد بن الحسين بن أحمد المقومي، بإسناده إلى سعد قال: لقد رد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له، لاختصينا.(22/234)
محمد بن شباب بن نهار بن سليمان
ابن داود بن الفيض أبو بكر السلمي الجلاب حدث عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.
محمد بن شريح بن ميمون المهري
مصري، قدم دمشق في وفد أهل مصر الذين قدموا لبيعة يزيد بن الوليد الناقص. له ذكر في تاريخ ابن يونس.
قال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد: محمد بن شريح بن ميمون المهري، قتله حوثرة بن سهيل سنة ثمان وعشرين ومئة.
محمد بن شعيب بن شابور القرشي مولاهم
جده شابور كان مولى الوليد بن عبد الملك، كانت له بدمشق دار بباب توما عند الشلاحة، وكان محمد أحد الأئمة الثقات. قرأ القرآن بحرف ابن عامر.
روى عن عيسى بن عبد الله، بسنده إلى جابر بن عبد الله، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " خللوا لحاكم، وقصوا أظافيركم، فإن الشيطان يجري ما بين اللحم والظفر ".
حدث خليفة بن خياط قال: في الطبقة الخامسة من أهل الشامات محمد بن شعيب بن شابور.
وحدث البخاري قال: محمد بن شعيب بن شابور، مولى بني أمية قرشي شامي.(22/235)
قال عبد الغني بن سعيد: محمد بن شعيب بن سابور، بسين غير معجمة.
كذا قال، ووهم فيه.
قال ابن ماكولا: أما شابور، بشين معجمة: محمد بن شعيب بن شابور بن شامي، يروي عن الأوزاعي..
قال يعقوب بن سفيان: سمعت عبد الرحمن بن إبراهيم يقول: مولد ابن شعيب سنة ست عشرة ومئة.
روى ابن أبي حاتم، بسنده إلى مروان بن محمد قال:
كان محمد بن شعيب يفتي في مجلس الأوزاعي، وهو الرابع من العشرة الذين كانوا أعلم الناس بالأوزاعي وبحديثه وفتياه.
روى ابن المبارك، عن محمد بن شعيب بن شابور فقال: أخبرنا الثقة من أهل العلم: محمد بن شعيب كان يسكن بيروت.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: محمد بن شعيب ما أرى به بأساً، وكان رجلاً عاقلاً. وسألته مرة أخرى فقال: ما علمت إلا خيراً.
قال يحيى بن معين: محمد بن شعيب كان مرجئاً، وليس به في الحديث بأس.
وثقه أبو حاتم وابن عدي وغيرهما.(22/236)
توفي أبو عبد الله محمد بن شعيب بن شابور القرشي سنة مئتين، وقيل: سنة تسع وتسعين ومئة، وقيل: سنة ثمان وتسعين ومئة، وقيل: سنة ست أو سبع وتسعين ومئة، ببيروت من ساحل دمشق.
محمد بن شقيق بن ضبارة
ابن مسعود بن حميد بن نصير بن الشماخ بن ضبارة بن فهيرة بن شقيق أبو الأسد اللخمي المؤدب ذكره أبو الحسين الرازي في تسمية من كتب عنه بدمشق، وكان من أهل اللغة والنحو، مات سنة ست وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن الشماخ
حدث عن أحمد بن أبي الحواري قال: بت عند أبي سليمان الداراني، فسمعته في ليلة وهو يقول: وعزتك وجلالك لئن طالبتني بذنوبي، لأطالبنك بعفوك، ولئن أمرت بي إلى النار، لأخبرنهم أني كنت أحبك.
محمد بن شهريار النيسابوري
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أعان باطلاً ليدحض حقاً، فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله. ومن ولى ولياً من المسلمين شيئاً من أمور المسلمين، وهو يعلم أن في المسلمين من هو خير للمسلمين منه، وأعلم بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد خان الله ورسوله، وخان جماعة المسلمين. ومن ولي شيئاً من أمور المؤمنين، لم ينظر في شيء من أموره حتى يقوم(22/237)
بأمورهم، ويقضي حوائجهم. ومن أكل درهماً من رباً فهو كإثم ستة وثلاثين زنية. ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ".
محمد بن شيبة بن الوليد
ابن سعيد بن خالد بن يزيد بن تميم بن مالك أبو عبد الله من أهل الراهب. وتميم بن مالك جده قتل مع عثمان بن عفان يوم الدار.
حدث محمد بن شيبة الراهبي، عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة ".
وروى عن أحمد بن أبي الحواري بإسناده إلى صالح بن عبد الجليل قال: ذهب المطيعون لله بلذيذ العيش في الدنيا والآخرة؛ يقول الله لهم يوم القيامة: رضيتم بي في الدنيا بدلاً من خلقي، فلكم اليوم عندي حبوتي وكرامتي، وآثرتموني في الدنيا على شهواتكم، فعندي اليوم فباشروها، فوعزتي ما خلقت الجنان إلا من أجلكم.
محمد بن صالح بن بيهس
ابن نفيل بن عمرو بن هبيرة بن زفر بن عامر بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابي المتغلب على دمشق أيام أبي العميطر، والمقاوم له، من وجوه قيس وشجعانهم وشعرائهم. كتب إليه المأمون بولاية دمشق، فلم يزل عليها حتى قدم عبد الله بن طاهر والياً على الشام ومصر.(22/238)
قال خليفة: وفيها - يعني سنة أربع وثمانين ومئة - وجه هارون بن صالح بن بيهس الكلابي إلى غصة ملك الروم في الفداء.
روى النضر بن يحيى في خبر طويل
أن أبا العميطر كتب إلى محمد بن صالح بن بيهس الكلابي كتاباً يعجب فيه لتخلفه عن بيعة أمير المؤمنين، ويتوعده إن تأخر ليبعثن إليه ما لا قبل له به من الزحوف. فلم يجبه محمد بن صالح بن بيهس على كتابه، وأقبل أبو العميطر على طلب القيسية، فكتبوا إلى محمد بن صالح، فأقبل إليهم في ثلاث مئة فارس من الضباب ومواليه، واتصل الخبر بأبي العميطر، فوجه إليه يزيد بن هشام في اثني عشر ألفاً، فقوي ابن بيهس واشتدت شوكته، وتوهن أمر أبي العميطر السفياني، فجعل ابن بيهس يغير كل يوم على ناحية فيقتل ويأسر. ثم كتب أبو العميطر إلى السواحل والبقاع، وبعلبك وحمص، فأتاه خلق عظيم، وعقد للقاسم ابنه على الجيش ومعه المعتمر بن موسى، واجتمع إلى ابن بيهس أصحابه، وأكثرهم من الضباب، فالتقى الجيشان بين الشبعا وقرحتا فاقتتلوا قتالاً طويلاً شديداً، وقتل القاسم. ثم إن المعتمر بن موسى كمن لابن بيهس - وكان قد اعتل - قرب قرحتا، وحاربه، فانهزم المعتمر وأصحابه، وغنم أصحاب ابن بيهس غنيمة كثيرة، فضعف أمر أبي العميطر. ثم اشتدت العلة بابن بيهس، فانصرف إلى حوران، وأوصى أصحابه أن يبايعوا مسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، ففعلوا. وأدنى مسلمة القيسية، ولبس الثياب الحمر، وجعل أعلامه حمراء.. وخرج ابن بيهس من العلة، فجمع جماعة وأقبل يريد دمشق، فخرج مسلمة للقائه ومعه القيسية فقاتلوا ذلك اليوم مع مسلمة قتالاً شديداً، وكثرت الجراحات في الفريقين، وانصرف ابن بيهس وقد ساء ظنه بقيس، فهابت القيسية على أنفسها، فغدرت بمسلمة وأعانت ابن بيهس حتى دخل دمشق يوم الثلاثاء لعشر خلون من المحرم سنة ثمان وتسعين ومئة، وفر منها مسلمة وابن أبي العميطر، وأقام ابن بيهس أميراً بدمشق إلى أن قدم(22/239)
عبد الله بن طاهر دمشق سنة ثمان ومئتين، وخرج إلى مصر، ورجع إلى دمشق سنة عشر ومئتين، وحمل ابن بيهس معه إلى العراق، ومات بها، ولم يرجع إلى دمشق.
قال عبد الله بن عوف: كان يقال: يسود السيد من قيس بالفروسية، ويسود السيد من ربيعة بالجود، ويسود السيد من تميم بالحلم.
وروي عن أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم أذل قيساً، فإن ذلهم عز الإسلام، وعزهم ذل الإسلام ".
محمد بن صالح بن سهل
أبو عبد الله الترمذي روى عن هشام بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، وأداء الأمانة، كفارات لما بينهما " قلت: وما أداء الأمانة؟ قال: " الغسل من الجنابة، فإن تحت كل شعرة جنابة ".
وعنه، بسنده إلى أبي أمامة قال: كنا لا ندع الركعتين قبل المغرب في زمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
محمد بن صالح بن عبد الرحمن
أبو بكر البغدادي الأنماطي المعروف بكيلجة حدث عن أبي الجماهر، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب ".(22/240)
وعن العباس بن عثمان المعلم، بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتنور في كل شهر، ويقلم أظفاره في كل خمس عشرة.
قال جعفر بن محمد بن كزال: كان يحيى بن معين يلقب أصحابه، فلقب محمد بن إبراهيم بمربع، ولقب عبيد بن حاتم بالعجل، ولقب صالح بن محمد بجزرة، ولقب الحسين بن إبراهيم، بشخصة، ولقب محمد بن صالح بكيلجة، ولقب علي بن عبد الصمد بعلان ما غمه، وهؤلاء كلهم من كبار أصحابه وحفاظ الحديث.
روى أبو بكر الخطيب بإسناده أن محمد بن صالح بغدادي ثقة صدوق. وقال: وهو محمد بلا شك. وقد كان محمد بن مخلد الدوري يسميه أيضاً أحمد في بعض رواياته عنه.
مات محمد بن صالح كيلجة بمكة سنة إحدى وسبعين ومئتين.
محمد بن صالح بن عبد الرحمن التميمي
ابن حماد بن سالم المعروف بابن أبي عصمة أبو العباس التميمي جار هشام بن عمار.
روى عنه، بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب لبناً، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر، فأعطى الأعرابي وقال: " الأيمن فالأيمن ".(22/241)
قال أبو سعيد بن يونس: محمد بن صالح بن عبد الرحمن بن أبي عصمة يكنى أبا العباس دمشقي، قدم مصر ينة أربه وثلاث مئة، وكتبنا عنه.
محمد بن صالح بن محمد
ابن سعد بن نزار بن عمرو بن ثعلبة
أبو عبد الله القحطاني المعافري الأندلسي الفقيه المالكي روى عن أبي يزن الحميري، بسنده إلى أبي زرعة بن سيف بن ذي يزن قال: كتب إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً، هذا نسخته، فذكرها، وفيها: " ومن يكن على يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يغير عنها، وعليه الجزية، على كل حالم ذكر وأنثى، حر أو عبد دينار، أو قيمته من المغافر " لم يزد على هذا.
توفي محمد بن صالح بن محمد بن سعد، ببخارى، في رجب من سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة.
محمد بن صالح بن معاوية
أبي عبيد الله بن عبد الله بن يسار الأشعري أخو معاوية بن صالح.
حدث عن أبيه قال: قرأت في دواوين هشام بن عبد الملك إلى عامله بخراسان نصر بن سيار: أما بعد فقد نجم قبلك رجل من الدهرية من الزنادقة، يقال له الجهم بن صفوان، فإن ظفرت به، فاقتله وإلا فادسس إليه الرجال غيلة ليقتلوه.(22/242)
محمد بن صالح أبو نصر
العسقلاني الأديب روى عن أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله مكحول، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح لا يهم بظلم أحد، غفر له ما اجترم ".
محمد بن صالح ويقال صبح بن يوسف
ابن عبد ربه أبو الحسين الصيداوي ثم الطالقاني أصله من الطالقان. قدم دمشق سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة.
حدث عن إسماعيل بن محمد بن عبد الله، بسنده إلى عائشة أنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليؤمنكم أحسنكم وجهاً، فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقاً ".
قال المصنف: وقع في الأصل ابن صالح والصواب ابن صبح.
محمد بن صبيح بن رجاء
أبو طالب الثقفي روى عن محمد بن عبد الله بن سليمان، بسنده إلى علي عليه السلام أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرقه هو وفاطمة عليهما السلام. قال: ألا تصلون؟ قلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله عز وجل، فإذا شاء يبعثها بعثنا. فانصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قلت ذلك. فسمعته يقول، وهو مدبر: " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ".(22/243)
محمد بن صخر
أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي أخو معاوية بن أبي سفيان، وفد على أخيه معاوية. له ذكر.
قال عبد الله بن ثعلبة: جاء يزيد بن معاوية في مرض معاوية، فوجد عمه محمد بن أبي سفيان قاعداً على الباب لم يؤذن له، فأخذ بيده، فأدخله. قال: فاطلع في وجه معاوية، وقد أغمي عليه، فقال: من المنسرح
لو أن حياً يفوت فات أبو ... حيان لا عاجز ولا وكل
الحول القلب الأريب وهل ... يدفع وقت المنية الحيل
قال: ففتح معاوية عينيه، وقال: أي شيء تقول يا يزيد؟ قال: خيراً يا أمير المؤمنين، أنا مقبل على عمي أحدثه. قال: فقال معاوية: نعم
لو أن حياً يفوت فات أبو ... حيان لا عاجز ولا وكل
الحول القلب الأريب وهل ... يدفع وقت المنية الحيل
إن أخوف ما أخاف على شيء عملته في أمرك! شهدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً يقلم أظفاره وأخذ من شعره، فجمعت ذلك فهو عندي، فإذا أنا مت، فاحش به فمي وأنفي، فإن نفع شيء، نفع.
محمد بن صهيب
أخو موسى بن صهيب.(22/244)
قال محمد بن شعيب: أخبرني محمد بن صهيب أنه سأل بعض علماء أهل الجزيرة بإرمينية عن قول الله عز وجل " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فأخبره عن بعض علماء الجزيرة أنه كان يقول: هذه خاصة ولم يعمم، كقوله: " ويوم يحشرهم جميعاً " " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم؟ " قال: فهذه خاصة. وقد قال جميعاً: قال ابن شعيب: فلقيت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فسألته عن قول الله: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وأخبرته بقول ابن صهيب عن الجزري، فقال: هو كذلك؛ إن الله ربما ذكر الواحد وهو لجميع الناس، وربما ذكر الناس، وهو واحد؛ يقول الله عز وجل: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم " وإنما قال لهم ذلك رجل واحد. وقال: " يا أيها الناس ما غرك بربك الكريم " فهذا لجميع الناس، وإنما قال: يا أيها الإنسان.
محمد بن الضحاك بن قيس التميمي
وهو محمد بن الأحنف ذكر عبد الله بن سعيد بن قيس الهمذاني أنه كان بدمشق، وخرج منها غازياً مع مسلمة بن عبد الملك إلى القسطنطينية، وجعل أميراً على بني تميم.
روى الأصمعي عن أبيه قال:
قيل لابن الأحنف بن قيس: ما يمنعك أن تكون كأبيك؟ قال: وأيكم كان؟ قيسوني بأبنائكم!(22/245)
محمد بن الضحاك بن قيس القهري
وهو عبد الرحمن بن الضحاك قال المصنف: يدعى بالاسمين، أو كان يكنى بأبي محمد، فيحذف بعض كنيته، ويقال: محمد. فقد رويت له قصتان من وجهين، يسمى في كلتيهما، من وجهين، عبد الرحمن ومحمداً، فالله أعلم.
ثم روى خبر حوار جرى بينه وبين هشام بن عبد الملك، كان قدمه في ترجمة عبد الرحمن بن الضحاك في باب العين.
محمد بن طاهر بن علي أبو يعلى
الأصبهاني رحال، سمع بدمشق وغيرها.
روى عن أبي حية، بسنده إلى الثوري أنه قال: اصحب من شئت، ثم استغضبه، ثم دس إليه من يسأله عنك.
وعن حمزة بن سعيد البصري أنه قال: لما حدث أبو مسلم الكجي أول يوم حدث، قال لابنه: كم حصل عندنا من أثمان غلاتنا؟ قال: ثلاث مئة دينار. قال: ففرقها على أصحاب الحديث والفقراء شكراً. إن أباك اليوم شهد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبلت شهادته.
توفي أبو يعلى الأصبهاني في غرة ذي الحجة سنة تسع وخمسين وثلاث مئة.(22/246)
محمد بن طاهر بن علي بن أحمد
أبو الفضل المقدسي الحافظ، المعروف بابن القيسراني طاف في طلب الحديث، وسمع بالشام وغيرها، وكانت له مصنفات كثيرة، إلا أنه كان كثير الوهم، وله شعر حسن، مع أنه كان لا يحسن النحو، وصنف كتاباً في المختلف والمؤتلف فيما اتفق لفظه واختلف أصله.
قال محمد بن طاهر المقدسي: بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، ومرة بمكة، وذلك أني كنت أمشي حافياً في حر الهواجر بهما، فلحقني ذلك. وما ركبت قط دابة في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري إلى أن استوطنت البلاد، وما سألت في حال الطلب أحداً، وكنت أعيش على ما بي من غير مسألة، والله ينفعنا به ويجعله خالصاً لوجهه.
أنشد أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي لنفسه: من الطويل
إلى كم أمني النفس بالقرب واللقا ... بيوم إلى يوم وعشر إلى عشر
وحتام لا أحظى بوصل أحبتي ... وأشكو إليهم ما لقيت من الهجر
فلو كان قلبي من حديد أذابه ... فراقكم أو كان من أصلب الصخر
ولما رأيت البين يزداد والنوى ... تمثلت بيتاً قيل في سالف الدهر
متى يستريح القلب والقلب متعب ... ببين على بين وهجر على هجر
كتب أبو المعمر الأنصاري بخطه: مات أبو الفضل المقدسي يوم الجمعة خامس عشر من ربيع الأول سنة سبع وخمس مئة، وكان حافظاً متقناً، ودفن في المقبرة العتيقة بالجانب الغربي.(22/247)
محمد بن طاهر بن علي بن عيسى
أبو عبد الله الأنصاري الأندلسي الداني النحوي قدم دمشق سنة أربع وخمس مئة، وأقام بها مدة، وكان يقرئ النحو، وكان شديد الوسواس في الوضوء.
قال المصنف: بلغني أنه كان لا يستعمل من ماء ثورة ما يخرج من تحت الربوة لأجل السقاية التي بالربوة، وخرج إلى بغداد، فأقام بها إلى أن مات، وبلغني أنه كان يبقى الأيام لا يصلي لأنه لم يكن يتهيأ له الوضوء على الوجه الذي يريده، فقد رأيته، وأنا صغير، ولم أسمع منه شيئاً.
توفي أبو عبد الله النحوي سنة تسع عشرة وخمس مئة.
محمد بن طغج بن جف
أبو بكر الفرغاني المعروف بالإخشيد ولي دمشق في خلافة المقتدر سنة ثمان عشرة وثلاث مئة. وولي مصر من قبل القاهر في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة، فكانت ولايته على دمشق اثنين وثلاثين يوماً، دعي له بها، ولم يدخلها هذه المرة. ثم وليها مرة أخرى من قبل الراضي في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة ودخلها.
قال ابن ماكولا: أما جف بضم الجيم، فهو الإخشيد محمد بن طغج بن جف الفرغاني أمير مصر. روى عن عمه ...(22/248)
قال المصنف: وقرأت في كتاب عتيق جف بفتح الجيم، ومعنى الإخشيد بلسان أهل فرغانة ملك الملوك.
ذكر أبو محمد الفرغاني أن محمد بن طغج توفي في ذي الحجة من سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة، وسنه يوم توفي ستون سنة وستة أشهر، ومولده في رجب سنة ثمان وستين ومئتين بمدينة السلام، وأنه مات بدمشق، وحمل تابوته إلى بيت المقدس، فدفن بها.
محمد بن طلحة بن محمد
أبو سعيد النيسابوري الجنابذي التاجر
رحل وسمع الحديث بدمشق وببغداد. ولد سنة اثنتين وأربع مئة، وتوفي سنة ست وسبعين وأربع مئة.
محمد بن أبي طيفور أبو عبد الله
الجرجاني صنف جزءاً يشتمل على فضل دمشق، وصحة هوائها، وعذوبة مائها، يحض به المتوكل على الخروج إليها، حين عزم على قصدها. وذكر أنه أقام بدمشق سنين.
محمد بن عائذ بن عبد الرحمن بن عبيد الله
ويقال: ابن عائذ بن أحمد، ويقال: ابن عائذ بن سعيد أبو عبد الله القرشي الكاتب صاحب المصنفات، ألف المغازي والفتوح والصوائف وغيرها. ولي خراج الغوطة في أيام المأمون.(22/249)
روى عن الهيثم بن حميد بسنده إلى أبي أمامة أن رجلاً استأذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السياحة فقال: " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ".
وعنه، بسنده إلى يزيد بن مزيد قال: ذكر الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء، فقال نوف البكالي: لغير الدجال أخوف مني من الدجال. فقال: وما هو؟ فقال نوف: أخاف أن أسلب إيماني ولا أشعر. فقال أبو الدرداء: ثكلتك أمك يا بن الكندية، وهل في الأرض مئة يتخوفون ما تتخوف؟! ثكلتك أمك يا بن الكندية، وهل في الأرض خمسون يتخوفون ما تتخوف؟ ثم قال: وثلاثون؟ ثم قال: عشرون، ثم قال: عشرة، ثم قال: خمسة، ثم قال: ثلاثة.. كل ذلك يقول: ثكلتك أمك. ثم قال أبو الدرداء: والذي نفسي بيده ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه، أو انتزع منه بعقده، والذي نفسي بيده ما الإيمان إلا كالقميص يتقمصه مرة، ويضعه أخرى.
حدث أبو داود قال: سمعت رجلاً من أهل دمشق من حملة العلم يحدث محمود بن خالد أن مولد ابن عائذ سنة خمسين ومئة.
وثقوه، وذكره أبو زرعة في أهل الفتوى بدمشق، وقال: سألت أبا يحيى بن معين، يعني عن محمد بن عائذ، تراه موضعاً للأخذ عنه؟ قال: نعم. قلت: وهو يعمل على الخراج؟ قال: نعم.
مات محمد بن عائذ القرشي الكاتب في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: سنة أربع وثلاثين.(22/250)
محمد بن أبي عائشة
ويقال ابن عبد الرحمن بن أبي عائشة مولى بني أمية مدني، خرج مع بني أمية حين أخرجهم ابن الزبير من المدينة، فسكن دمشق.
روى عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن شر فتنة المسيح الدجال، ومن شر فتنة المحيا والممات ".
وعنه أيضاً قال: قال أبو الدرداء: يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يتصدقون بها، وليس لنا ما نتصدق به. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أعلمك كلمات إذا أنت قلتهن، أدركت من سبقك، ولم يلحقك أحد من بعدك، إلا من عمل بمثل عملك؟ " قلت: بلى يا رسول الله. قال: " تسبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتكبره ثلاثاً وثلاثين. وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ".
روى الأحوص بن المفضل عن أبيه قال: محمد بن أبي عائشة انتقل من البصرة إلى الشام.
قال ابن أبي حاتم: محمد بن أبي عائشة مولى لبني أمية، شامي، روى عن أبي هريرة، روى عنه حسان بن عطية وأبو قلابة الجرمي. سمعت أبي يقول ذلك. وسألته عنه فقال: ليس به بأس.(22/251)
حدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع محمد بن أبي عائشة يقول: كان يقال: لا تكن ذا وجهين وذا لسانين، تظهر للناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر.
وروى ابن جابر عن ابن أبي عائشة قال: إذا أراد المتكلم بكلامه غير الله، زل عن قلوب جلسائه، كما يزل الماء عن الصفا.
وثقوه.
محمد بن العباس بن الحسن
أبو النمر الغساني الخشاب حدث عن حاجب بن ركين الفرغاني، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اختتن إبراهيم، وهو ابن عشرين ومئة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ".
محمد بن العباس بن الفرج
الدمشقي القطان روى عن محمد بن المبارك الصوري، بسنده إلى أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنتم والساعة كهاتين " وأشار بإصبعيه.(22/252)
محمد بن العباس بن الفضل
أبو بكر، المعروف بابن البردعي، الأطرابلسي
روى عن سعيد بن عمرو السكوني، بسنده إلى سليمان بن أكيمة الليثي قال: أتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، إنا نسمع منك الحديث، ولا تقدر على تأديته كما سمعناه منك! قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا لم تحلوا حراماً، ولم تحرموا حلالاً، وأصبتم المعنى، فلا بأس ".
محمد بن العباس بن محمد
ابن عبيد الله بن زياد بن عبد الرحمن بن شبيب بن دبيس ويقال: ابن عبيد الله بن عبد الرحمن بن زياد بن شبيب بن دبيس أبو جعفر المروزي يسكن بغداد. قدم دمشق سنة اثنتين وثمانين ومئتين.
وحدث بها عن الوليد بن شجاع، بسنده إلى أم سلمة قالت: قيل: يا رسول الله، ألا تخطب ابنة حمزة؟ قال: " إن حمزة أخي من الرضاعة ".
محمد بن العباس بن محمد بن عمرو بن الحارث
الجمحي القاضي أصله من البصرة، ولي قضاء دمشق بعد التسعين والمئتين.
حدث أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر قال: بلغني عن القاضي الجمحي أنه كان من الديانة والفضل على حال. وكان إذا جاءه(22/253)
سلطان أو أحد في معناه، دخل إلى موضع في الدار، فإذا استقر بهم المجلس، خرج إليهم. فجاء يوماً من الأيام إما ابن كيغلغ وإما تكين، أحد هؤلاء، وأبو زنبور الوزير، فدخلا، فلما استقر بهم المجلس، خرج إليهما، فقال له أبو زنبور: للأمير حكومة، ويشتهي أن تقضي له على اختلاف الفقهاء، ولا تخرج عن الاختلاف، فغمض القاضي عينيه وقال: والله لا أفتحهما وهو جالس - يعني الأمير - فقام وهو مغمض عينيه، يعني - والله أعلم - أراد ألا يفتحهما على من يطلب ظلماً.
وبلغني أن أبا الحسن محمد بن علي بن الشيخ الماذرائي الكاتب، كتب إلى محمد بن العباس بن محمد الجمحي القاضي رسالة يعاتبه على ولاية القضاء، ويذكر فيها أن قدره أكبر منها. وضمنها أبياتاً.
قال أبو عبد الله بن مروان: ثم ولي - يعني بعد أبي زرعة محمد بن عثمان قاضي دمشق - محمد بن العباس الجمحي على قضاء دمشق، فأقام بها على خلافته إلى أن قدم الجمحي وصار المري إلى طبرية خلافة الجمحي، وخرج محمد بن العباس في المراكب، ثم رجع إلى دمشق، ثم نفذ إلى طرطوس، فحضر الفداء، ثم رجع في سنة ست وتسعين ومئتين ونفذ إلى صور لإغزاء المراكب غزاة المنصور، فكانت غزاة النصر المذكورة على يديه. ثم نفذ إلى الرملة، واد إلى دمشق، وكان خليفته على دمشق عبد الله بن محمد القزويني، وقبله عبد الله بن الشاهد الفرغاني في آخر أيامه، وعاد إلى دمشق، فأقام بها أربعين ليلة، ثم توفي ليلة الأحد لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومئتين، فأقام البلد لا قاضي فيه مدة. ثم تقلد القضاء محمد بن عثمان وهو أبو زرعة، يعني دفعة أخرى.(22/254)
محمد بن العباس بن معن
أبو طاهر الكرجي حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان، بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تبارك وتعالى بنى الفردوس بيده، وحظرها عن كل مشرك وعن كل مدمن الخمر سكير ".
محمد بن العباس بن الوليد
أبو سعيد المري الخياط سكن جرجان.
وحدث بها عن هشام بن عمار، بسنده إلى المقدام بن معديكرب الكندي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كسب رجل كسباً أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه، فهو صدقة ".
وعنه أيضاً، بسنده إلى أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرزق يطلب العبد كما يطلبه أجله ".
وعنه، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق لله صدقة تطوعاً أن يجعلها عن والديه إذا كانا مسلمين، فيكون لوالديه أجرها، وله مثل أجورهما، بعد أن لا ينقص من أجورهما شيئاً ".(22/255)
قال حمزة بن يوسف: محمد بن العباس بن الوليد الدمشقي الخياط، نزل جرجان، ومات بها بعد التسعين ومئتين.
محمد بن العباس بن الوليد بن محمد
ابن عمر بن الدرفس أبو عبد الرحمن الغساني الشيخ الصالح.
حدث عن كثير بن عبيد، بسنده إلى أم مبشر امرأة أبي معروف قالت:
سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنتزاور يا رسول الله؟ إذا متنا، يزور بعضنا بعضاً؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون النسم طيراً يعلق شجرة، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت في جثتها ".
وعن محمد بن الوليد بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتلى عائشة في أهلها قبل أن يدخل بها.
وعن هشام بن عمار، بسنده إلى عائشة قالت: قال أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله أمرنا أن نكثر الصلاة عليك في الليلة الغراء واليوم الأزهر، وأحب ما صلينا عليك كما تحب. قال: " قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وارحم محمداً وآل محمد كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد، وأما السلام فقد عرفتم كيف هو ".(22/256)
وثقوه. وقال ابن زبر: وفي هذه السنة - يعني سنة ثلاث وثلاث مئة - توفي محمد بن العباس بن الدرفس المحدث بدمشق.
محمد بن العباس بن الوليد بن صالح
ابن عمر بن كوذك أبو عمر العبسي مولى القعقاع بن خليد العبسي، ويقال: القرشي حدث سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة عن أبي بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الرواس، بسنده إلى الصعب بن جثامة الليثي: أنه أهدى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حماراً وحشياً، وهو بالأبواء، فرده عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بوجهه، قال: " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ".
حدث أبو الحسين الميداني قال: توفي أبو عمر محمد بن العباس بن كوذك يوم الاثنين لثلاث خلون من ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن العباس بن يحيى
ابن العباس بن عبد الله بن سعيد بن العباس بن عبد الملك بن عبد العزيز بن سعيد بن عبد الله أبو الحسين الحلبي مولى هشام بن عبد الملك قدم الأندلس على أمير المؤمنين المستنصر بالله الأموي، وكان يجري عليه النزل مع الأضياف، وكان عنده إسناد الشام.(22/257)
قال المصنف: كتبت عنه أجزاء من حديثه وأخباره، وكان قد كف بصره، وكان أديباً حسن الأخلاق.. وتوفي - رحمه الله - سنة ست وسبعين وثلاث مئة، ودفن في مقبرة باب ليهود.
محمد بن العباس بن يونس
أبو بكر المحاربي، المعروف بابن زلزل يقال إن جدهم كان قسيساً بجوبر.
حدث عن جعفر بن محمد، بسنده إلى أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار إقامة، فإن جار البادية يتحول ".
مات أبو بكر المحاربي سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن العباس أبو بكر الصيدلاني
العطار حدث بدمشق عن محمد بن خالد المعروف بابن أمة، بسنده إلى ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الندم توبة ".
محمد بن العباس الهيتي
أحد الصالحين، له ذكر.(22/258)
حدث الحسن بن حبيب عن أبيه قال: دعانا محمد بن عباس الهيتي، وكان من الصالحين، وكان عنده جماعة فيهم أحمد بن عبد الرزاق، فقدم إلينا خبيص، فأخذ أحمد لقمة من القصعة، فناولني إياها، وقال لي: اجعلها أنت بيدك في فمي، ففعلت، فقال لي: أتدري لم فعلت هذا؟ إنه يروى في الحديث: " من لقم أخاه المسلم لقمة حلوة، وقاه الله مرارة يوم القيامة " فأحببت أن تلقمني إياها، حتى يوقيك الله مرارة يوم القيامة.
محمد بن عبد الله بن أحمد بن خالد
أبو بكر السامري الفقيه الحافظ حدث عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، بإسناده إلى جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم، كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء. وأبو بكر وعمر منهم وأنعما ".
قال المصنف: وهذا حديث غريب بهذا الإسناد.
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن عبد الله بن أحمد بن خالد السامري يسكن بلاد الشام.. روى عنه تمام بن محمد الرازي، وذكر أنه كان حافظاً.
محمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ
ابن ربيعة بن سليمان بن خالد بن عبد الرحمن بن زبر أبو سليمان بن أبي محمد الربعي الحافظ رحل في طلب الحديث، وصنف، وروى.(22/259)
حدث عن عبد الله بن محمد البغوي، بسنده إلى أسامة بن شريك قال:
كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءت الأعراب من كل مكان، فقالوا: يا رسول الله، أعلينا حرج في كذا أو كذا؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عباد الله، وضع الحرج إلا من اقتضى امرأ مسلماً ظلماً، فذلك هلك، أو حرج وهلك " قالوا: يا رسول الله، أفنتداوى؟ قال: " نعم، يا عباد الله، إن الله لم ينزل داء - أو يضع داء - إلا أنزل له شفاء، غيرداء واحد: الهرم " قالوا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي الإنسان، أو المسلم؟ قال: " الخلق الحسن ".
قال علي بن هبة الله: أما زبر، بفتح الزاي وسكون الراء: أبو سليمان محمد بن عبد الله، دمشقي ثقة حافظ نبيل ...
قال ابن الجبان: سمعت أبا سليمان محمد بن عبد الله بن زبر - رحمه الله - يقول: رأيت في السنة التي كتبت فيها العلم في المنام، كأني في مسجد، وأنا في حلقة، فيها اثنان وثلاثون رجلاً، وأنا أقول: هذا آدم، وهذا شيث، وهذا إدريس.. حتى عددت تسعة وعشرين نبياً. ثم قلت: كل هؤلاء أنبياء إلا أنا، وهذا الذي عن يميني وعن يساري، وهما الحسن والحسين، ورأيت بعد ذلك وقد جئت إلى باب عظيم مغلق، ففتح لي، فخرجت منه إلى نور عظيم، وبلد فسيح، ورجل قائم، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقصدت النور، فنوديت منه، يا محمد بن زبر. فوقفت، وقلت: أنت السلام ومنك السلام، وإليك يرجع السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وانتبهت، وخيل إلي في النوم أن القائم جبريل عليه السلام.
قال أبو سليمان بن زبر: كان الطحاوي قد نظر في أشياء كثيرة من تصنيفي، وباتت عنده، وتصفحها، فأعجبته، وقال لي: يا أبا سليمان، أنتم الصيادلة ونحن الأطباء.(22/260)
قالوا: مات أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن زبر الربعي الحافظ يوم السبت، وأخرج كالغد لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاث مئة.
محمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي الخطاب
أبو عبد الله الحراني الملطي قاضي حمص. رحل وسمع.
حدث عن أبي طالب محمد بن أحمد بن أبي معشر، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ".
محمد بن عبد الله بن أحمد الجوهري
أبو بكر البغدادي الجوهري قدم دمشق وسمع بها.
وروى بها عن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي، بسنده إلى الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم أنت باركت لأمتي في صحابتي، فلا تسلبهم البركة. وباركت لأصحابي في أبي بكر، فلا تسلبه البركة، واجمعهم عليه، ولا تنشر أمره، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره. اللهم، وأعز عمر بن الخطاب، وصبر عثمان بن عفان، ووفق علياً، واغفر(22/261)
لطلحة، وثبت الزبير، وسلم سعيداً، ووقر عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين وال، صار والتابعين بإحسان ".
قال أحمد بن محمد العتيقي: أبو بكر الجوهري كان شيخاً ثقة صالحاً، ينزل دار كعب، ويؤم بالناس في مسجد أبي القاسم بن حبابة. ويقال إنه مستجاب الدعوة منذ أربعين سنة. ولم يكن عنده غير جزء واحد عن خيثمة حسب.
محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي
ابن راشد بن شعيب بن الوليد أبو عبد الله القاضي قدم من مصر، وولي قضاء دمشق نيابة عن أبيه عبد الله قاضي مصر.. ووردها يوم السبت لليلتين خلتا من شعبان سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة وكان شاباً.
محمد بن عبد الله بن أحمد
أبو الفرج بن أبي طالب المتعبد، المعروف بابن المعلم الذي بنى كهف جبريل في جبل قاسيون.
حدث عن علي بن الحسن بن طعان، بسنده إلى جد موسى بن جعفر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين ".
وعن أبي العباس البردعي، بسنده إلى السري بن المغلس السقطي قال:
كنت في مسجدي ذات يوم وحدي، بعدما صليت العصر، وكنت قد وضعت ماء لأبرده لإفطاري في كوة المسجد، فغلب علي النوم، فرأيت كأن جماعة من الحور العين قد دخلن المسجد، وهن يسفقن أيديهن، فقلت لواحدة منهم: لمن أنت؟ قالت:(22/262)
لثابت البناني، وقلت للأخرى: وأنت؟ قالت: لعبد الواحد، وقلت للأخرى: وأنت؟ فقالت: لعتبة، وقلت للأخرى، فقالت: لفرقد. حتى بقيت واحدة. فقلت: لمن أنت؟ فقالت: أنا لمن لا يبرد الماء لإفطاره! فقلت لها: إن كنت صادقة، فاكسري الكوز. فقلبت الكوز، ووقع من الكوة، وانتبهت بكسر الكوز من منامي.
روى أبو محمد بن الأكفاني عن أبي محمد الكتاني قال: توفي شيخنا أبو الفرج بن المعلم صاحب الكهف، وكان شيخاً صالحاً عابداً مجاب الدعوة، لتسع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وربع مئة. وقيل: سنة ثلاث عشرة، وقيل: سنة إحدى عشرة. وقبره بالكهف، على رأسه بلاطة مذكور فيها اسمه.
محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عمير
أبو العباس الكناني اليافوني من أهل يافا. سمع بدمشق.
روى عن صفوان بن صالح، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي، أو شفاعتي، فاخترت شفاعتي، ورجوت أن يكون أعم لأمتي. ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح، لعجلت دعوتي؛ إن الله لما فرج عن إسحاق كرب الذبح، قيل له: يا أبا إسحاق، سل، تعطه. قال: أما والله لا تعجلتها قبل نزغات الشيطان. اللهم من مات لا يشرك بك شيئاً وأحسن، فاغفر له، وأدخله الجنة ".(22/263)
وعن أبي عبد الله محمد بن مخلد المقدسي، بسنده إلى عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله عز وجل " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات " فأين الناس حينئذ؟ فقال: " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي. قال: إذاً الناس على جسر جهنم ".
محمد بن عبد بن إبراهيم بن ثابت
أبو بكر العنبري الأشناني البغدادي كان غير ثقة.
روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى جابر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هبط علي جبريل، فقال: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام ويقول: حبيبي، إني كسوت حسن يوسف من نور الكرسي، وكسوت حسن وجهك من نور عرشي، وما خلقت خلقاً احسن منك يا محمد ". ورواه من طريقين آخرين.
وعن أبي خيثمة، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صافح المؤمن المؤمن، نزلت عليهما مئة رحمة؛ تسعة وتسعون لأبشهما وأحسنهما خلقاً ". ورواه بإسناد آخر.
وعن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليلة ولد أبو بكر الصديق تباشرت الملائكة، واطلع الله إلى جنة عدن، فقال: وعزتي وجلالتي لا أدخلها إلا من أحب هذا المولود الذي ولد الليلة ".(22/264)
وعن يحيى بن معين، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من جمع مالاً من مأثم، فوصل به رحماً، أو تصدق به، أو جاهد في سبيل الله، جمع جمعاً، فقذف به في جهنم ". ورواه بغير هذا الإسناد.
قال الخطيب: محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن ثابت أبو بكر الأشناني حدث أحاديث باطلة، وكان كذاباً، يضع الحديث.
وقال الدارقطني: محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن ثابت الأشناني كذاب دجال.
محمد بن عبد الله بن الأزرق
روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ينبغي لرجل، يمشي إليه أخوه، يطلبه قرضاً، هو عنده، يعلم أنه يرده إليه، فيرده، حتى يقرضه ".
محمد بن عبد الله بن بكار
ابن عبد الملك بن الوليد بن بسر بن أبي أرطاة أبو بكر - ويقال: أبو عبد الله القرشي البسري حدث عن مروان بن محمد الطاطري، بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليم وسلم يقول: " من رأى مبتلى، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به هذا، وفضلني عليه وعلى كثير ممن خلق تفضيلاً، عافاه الله من ذلك البلاء كائناً ما كان ".(22/265)
وعن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن لله تسعة وتسعين اسماً، مئة إلا واحداً، لأنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة ".
وعنه بإسناده إلى عائشة قالت:
إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى ما يسر به قال: " الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات " وإذا رأى شيئاً مما يكره قال: " الحمد لله على كل حال ".
مات محمد بن عبد الله بن بكار سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وصلى عليه مالك بن طوق.
محمد بن عبد الله بن بكار السلمي
أبو بكر - ويعرف بأبي هريرة - السلمي حدث سنة ست وتسعين ومئتين، عن ابن مصفى، بسنده إلى بريدة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حلف بالأمانة، فليس منا ".
محمد بن عبد الله بن بندار
ابن عبد الله بن محمد بن كاكا أبو عبد الله المرندي قدم دمشق حاجاً سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.
وحدث بها عن علي بن أحمد بن مهدي، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من طلب الشهادة صادقاً أعطيها، وإن لم تنله ".(22/266)
محمد بن عبد الله بن بلال
أبو جعفر الجوهري المقرئ حدث عن شعيب بن عمرو، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً " قال: قلت: يا رسول الله، أعينه مظلوماً، فكيف أعينه ظالماً؟ قال: " ترده إلى الحق، فذلك عون له ".
محمد بن عبد الله بن جبلة
ابن الرواد أبو بكر المصري البغدادي ثم الطرطوسي قدم دمشق.
وحدث بها عن حفص بن عمر بن الصباح الرقي، بسنده إلى جرير بن عبد الله، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أول الأرض خراباً يسراها ثم يمناها ".
وعن عثمان بن خرزاد، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القرآن لا فقر بعده ".
قال عبد العزيز بن أحمد الكتاني: محمد بن عبد الله بن جبلة كان شيخاً فيه نظر.
محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي
ابن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازي والد تمام بن محمد، يعرف بالري بابن الرستاقي. كان أحد المكثرين الثقات.(22/267)
روى عن أبي عبد الله محمد بن أيوب بن يحيى بن ضريس، بسنده إلى جابر بن سمرة قال: من حدثك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب على المنبر جالساً، فكذبه، فأنا شهدته كان يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، فيخطب خطبة أخرى. قيل له: فكيف كانت خطبته؟ قال: كلام يعظ به الناس، ويقرأ آيات من كتاب الله، ثم ينزل. وكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً، بنحو " والشمس وضحاها " و" والسماء والطارق " إلا صلاة الغداة. قال: وصلاة الظهر، كان بلال يؤذن حين تدحض الشمس، فإن جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أقام، وإلا مكث حتى يخرج. والعصر نحو ما تصلون، والمغرب نحو ما تصلون، والعشاء الآخرة، يؤخرها عن صلاتكم قليلاً.
وعن أبي عاصم محمد بن إسحاق الرازي، بسنده إلى مسلم النحات قال: خرجت من مسجد البصرة، فإذا شيخ متوكئ على عصا، فقلت: من هذا؟ فقال: أنس بن مالك. فقلت: ما الواصلة والمستوصلة؟ فقال: هي التي تزني في شبابها، ثم تصلها بالقيادة إذا كبرت.
حدث تمام بن محمد بن عبد الله الرازي أن والده أبا الحسين محمد بن عبد الله توفي في سنة سبع وأربعين وثلاث مئة. قال عبد العزيز: وكان ثقة نبيلاً مصنفاً.
محمد بن عبد الله بن أبي الحسن بن الحسن
أبو عبد الله الأصبهاني الديلمي الصوفي قدم دمشق، وحدث بها، بدار أبي بكر السميساطي.(22/268)
حدث عن أحمد بن إبراهيم بن فراس، بسنده إلى عبد الله بن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر على رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعه، فإن الحياء من الإيمان ".
محمد بن عبد الله بن الحسين
ابن إسحاق بن إبراهيم بن زكريا بن أيوب بن يحيى أبو بكر - ويقال: أبو الحسن - النحوي الشاعر، المعروف بابن الدوري روى عن أبي عمر محمد بن موسى بن فضالة القرشي، بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سددوا وقاربوا وأبشروا، فإن أحدكم لن ينجيه عمله " قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ".
وعن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي، بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تسأل الإمارة، فإن من سألها، وكل إليها، ومن ابتلي بها، ولم يسألها، أعين عليها ".
قال عبد العزيز الكتاني:
توفي شيخنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن الحسين الدوري في سنة إحدى وعشرين وأربع مئة، كتب شيئاً كثيراً بخط حسن ومعرفة..(22/269)
محمد بن عبد الله بن الحسين
ابن محمد بن جمعة حدث عن سعيد بن منصور، بسنده إلى أنس بن مالك قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة، فمررت بصبيان، فجلست إليهم، فلما استبطأني، خرج، فمر بالصبيان، فسلم عليهم.
محمد بن عبد الله بن الحسين الحمصي
ابن هارون بن يحيى أبو بكر الحمصي المقرئ الزاهد، يلقب أبوه بالجرمي نزيل دمشق.
روى عن محمد بن عبد الله بن أحمد بن زبر، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تحاب رجلان في الله، إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه ".
روى عبد العزيز الكتاني بإسناده توفي أبو بكر محمد بن الجرمي بن الحسين المقرئ في صفر سنة ست وثلاثين وأربع مئة. وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري، رحمه الله.
محمد بن عبد الله بن حفص الرازي
نزل دمشق.(22/270)
وحدث عن أبي نعيم عبد الرحمن بن قريش، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة، نادى مناد على رؤوس الأولين والآخرين: ألا من كان خادماً للمسلمين في دار الدنيا فليقم، وليمض على الصراط من غير خوف، وليدخل الجنة، وليس عليه حساب ولا عذاب ".
محمد بن عبد الله بن حماد
وهو أبو مالك ابن مالك بن بسطام بن درهم أبو مالك الأشجعي الحرستاني روى عن أبيه، بسنده إلى عبد الرحمن بن عبيد بن نفيع أنه كان في مسجد الكوفة ينتظر ركوع الضحى وممتع النهار، قال: فبينا هو جالس، إذ أجفل الناس في ناحية المسجد، قال: فأجفلت فيمن أجفل، فإذا برجل جاث على ركبتيه، عليه إزار له وملاءة، وهو يقول: أنا المصعب بن سعد بن أبي وقاص. سمعت أبي يأثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " أربع من كن فيه فهو مؤمن، فمن جاء بثلاث، وكتم واحدة فقد كفر؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأنه مبعوث من بعد الموت، وإيمان بالقدر خيره وشره. من جاء بثلاث وكتم واحدة فقد كفر ".
كتب الرازي بخطه في تسمية من كتب عنه في قرى دمشق: أبو مالك محمد بن عبد الله بن حماد بن مالك بن بسطام الأشجعي، من أهل قرية حرستا. مات سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة.(22/271)
محمد بن عبد الله بن أبي ذر
ويقال: عبد الله بن محمد بن أبي ذر - السوسي حدث عن أنس بن سلم أبي عقيل، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رجل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خير البرية. قال: " ذاك أبي إبراهيم عليه السلام ".
محمد بن عبد الله بن زكريا بن يحيى
ويلقب يحيى حيويه أبو الحسن النيسابوري نزيل مصر، سمع بدمشق ومصر وغيرها.. وذكر أبو نصر الوائلي أنه ثقة ثبت شافعي المذهب، وكان قد نظر في الفرائض، وضعف فيها.
حدث عن أبي بكر محمد بن جعفر بن أعين، بسنده إلى أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو وقول الزور ".
وعن أحمد بن عمير بن يوسف الدمشقي، بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده بخمسة وعشرين جزءاً مثل ذلك ".
قال أبو نصر بن ماكولا: أما حيويه، بياء قبل الواو معجمة باثنتين من تحتها: أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه.. كان ثقة نبيلاً.(22/272)
حدث أبو الحسن أحمد بن محمد بن مرزوق قال: توفي أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري ليلة الاثنين، ودفن يوم الاثنين لثماني عشرة ليلة خلت من رجب، يعني سنة ست وستين وثلاث مئة. وقال غيره: لخمس عشرة ليلة خلت منه.
محمد بن عبد الله بن زنجويه
حدث عن محمد بن عبد الرحمن الجعفي، بسنده إلى ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فارق الروح الجسد، وهو بريء من ثلاث، دخل الجنة: الكبر والغلول والدين ".
محمد بن عبد الله بن سليمان
ويقال: ابن عبد الله بن محمد بن سليمان - بن محمد بن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي. يلقب زبراً من أهل دمشق. ولاه هارون الرشيد مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة ثلاث وسبعين ومئة.
له ذكر.
محمد بن عبد الله بن سليمان
أبو عبد الله الخراساني الزاهد حدث عن موسى بن إبراهيم المروزي، بسنده إلى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عمل الأبرار من الرجال الخياطة، وعمل الأبرار من النساء المغزل ".(22/273)
وحدث سنة اثنتين وأربعين ومئتين عن عبد الله بن يحيى، بسنده إلى ابن عمر قال: لما طعن عمر، فأمر بالشورى، فقال: ما عسى أن يقولوا في علي؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا علي يدك في يدي يوم القيامة، تدخل معي حيث أدخل ".
محمد بن عبد الله بن سليمان المسفر
أبو سليمان السعدي المفسر صنف كتاباً في التفسير، منها كتاب مجتنى التفسير، جمع فيه الصغير والكبير، والقليل مما أمكنه والكثير، ومنها الجامع الصغير في مختصر علم التفسير، ومختصر آخر لقبه بالمهذب.. وكان شافعي الفروع أشعري الأصول كثير الاتباع للسنة حسن الكلام على التفسير.
أنشد أبو سليمان الدمشقي السعدي المفسر لابن طباطبا العلوي الأصبهاني: من الطويل
حسود مريض القلب يخفي أنينه ... ويضحي كئيب البال عندي حزينه
يلوم على أن رحت في العلم طالباً ... أجمع من عند الرواة فنونه
وأنظم أبكار الكلام وعونه ... وأحفظ مما أستفيد عيونه
إذا ما رأى الراؤون نطقي وصمته ... رأوا حركاتي قد قهرن سكونه
ويزعم أن العلم لا يجلب الغنى ... ويحسن بالجهل الذميم ظنونه
فيما لائمي دعني أغالي بقيمتي ... فقيمة كل الناس ما يحسنونه
محمد بن عبد الله بن عبد الله
أبي دجانة ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان أبو زرعة النصري(22/274)
حدث عن إبراهيم بن عبد الرحمن، بسنده إلى جندب البجلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى الغداة، فهو في جوار الله " قال: وضرب على فخذي فقال: " فاتق الله لا يطلبك بشيء من ذمته ".
محمد بن عبد الله بن عبد الأعلى بن مسهر
أبو عبد الرحمن الغساني روى عن أبي النضر إسحاق بن إبراهيم، بسنده إلى عمر بن هانئ قال: أتيت ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أرشدني أرشدك الله، فإني رجل من أهل الشام، وإني جئت في وفد الحجاج. قال: ما أنا لكم بحامد. ثم قلت: فأصحابنا الذين حاربونا؟ قال: ما أنا لهم بعاذر، أنتم قوم تتهافتون في النار تهافت الذبان في المرق. قال: قلت: أرأيت أصلحك الله؟ قال: مه، إني رأيت مولى لشيطان. قلت: اسمع مني: قال: ألك رحل؟ قلت: نعم. قال: فارحل رحلك.
وعن أبي الجماهر محمد بن عثمان، بسنده إلى ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب ".
وعنه أيضاً، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجل نسي، فأكل وهو صائم، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتم صومك، فإن الله أطعمك وسقاك ".
ذكر عمرو بن دحيم أن أبا عبد الرحمن ولد سنة ثمانين ومئة، ومات يوم الجمعة بدمشق لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين ومئتين.(22/275)
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين
أبو عبد الله المصري صاحب الشافعي.
روى عن أنس بن عياض، بسنده إلى بسرة بنت صفوان - وكانت صحبت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا مس أحدكم ذكره، فلا يصلين حتى يتوضأ ".
قال ابن أبي حاتم: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم مصري.. روى عن أبي، وكتبت عنه، وهو صدوق ثقة، أحد فقهاء مصر، من أصحاب مالك.
قال أبو سعيد بن يونس: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين، يكنى أبا عبد الله.. توفي يوم الأربعاء للنصف من ذي القعدة سنة ثمان وستين ومئتين، وصلى عليه بكار بن قتيبة. وكان مولده سنة اثنتين وثمانين ومئة، وكان المفتي بمصر في أيامه.
قال أبو إسحاق الشيرازي في كتاب طبقات الفقهاء من الشافعيين: ومنهم أبو عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري.. صحب الشافعي، وتفقه به، وحمل في المحنة إلى بغداد، إلى ابن أبي دؤاد، ولم يجب إلى ما طلب منه، ورد إلى مصر، وانتهت إليه الرئاسة بمصر، ومات في سنة نيف وستين ومئتين.
قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم:
قال لي الشافعي: ما كنيتك؟ فقلت: أبو جعفر، فقال: جاع، ففر! فكناني أبا عبد الله.(22/276)
وقال: كنت أتردد إلى الشافعي، فاجتمع قوم من أصحابنا إلى أبي، فقالوا: يا أبا محمد، إن محمداً ينقطع إلى هذا الرجل، ويتردد إليه، فيرى الناس أن هذا رغبة عن مذهب أصحابه. فجعل أبي يلاطفهم فيقول: هو حدث، وهو يحب النظر في اختلاف أقاويل الناس ومعرفة ذلك. ويقول في السر: يا بني الزم هذا الرجل، فإنه عسى أن تخرج يوماً من هذا البلد، فتقول: ابن القاسم، فيقال لك: من ابن القاسم؟ وقال: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولوا لمحمد إذا جاء يأتينا المنزل، فإني لست أتغدى حتى يجيء، فربماجئته، فإذا قعدت معه على الغداء، قال: يا جارية اضربي لنا فالوذج. فلا تزال المائدة بين يديه حتى نفرغ منه ونتغدى.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق: سمعت سعد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: كان الشافعي ربما جاء راكباً إلى الباب، فيقول: ادع لي محمداً، فأدعوه، فيذهب معه إلى منزله، فيبقى عنده، ويقيل عنده.
قال أبو بكر: وهم أربعة إخوة: عبد الحكم وعبد الرحمن ومحمد وسعد، وكان محمد أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك بن أنس وأحفظهم، سمعته يقول: كنت أتعجب ممن يقول في المسائل: لا أدري. قال أبو بكر: أما الإسناد، فلم يكن يحفظه، وكان أعبدهم وأكثرهم اجتهاداً وصلاة سعد بن عبد الله. وكان محمد من أصحاب الشافعي، وممن يتعلم منه، فوقعت وحشة بينه وبين يوسف بن يحيى البويطي في مرض الشافعي الذي توفي فيه. فحدثني أبو جعفر السكري صديق الربيع قال: لما مرض الشافعي مرضه الذي توفي فيه جاء محمد بن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي، فقال البويطي: أنا أحق به منك، وقال ابن عبد الحكم: أنا أحق به منك. فجاء الحميدي، وكان في تلك الأيام بمصر، فقال: قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، فليس أحد من أصحابي أعلم منه. فقال له ابن عبد الحكم: كذبت! فقال له الحميدي: كذبت أنت(22/277)
وكذب أبوك وكذبت أمك. وغضب ابن عبد الحكم، فترك مجلس الشافعي، وتقدم فجلس في الطاق الثالث، وترك طاقاً بين مجلس الشافعي ومجلسه. وجلس البويطي في مجلس الشافعي في الطاق الذي كان يجلس، وهو الطاق الذي كان يجلس فيه الربيع أيامنا، إلا أن الشافعي - رحمه الله - كان يجلس مستقبل القبلة، وكان الربيع يجلس مستدبر القبلة.
وقال: وقال لي ابن عبد الحكم: كان الحميدي معي في الدار نحواً من سنة، وأعطاني كتاب ابن عيينة، ثم أبوا إلا أن يوقعوا بيننا ما وقع.
قال عبد الرحمن بن عيسى المعروف بابن القابلة: سمعت المزني يقول: كنا نأتي الشافعي، فنسمع منه، فنجلس على باب داره، فيأتي محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، فيصعد إليه، فيطيل المكث، وربما تغدى معه، ثم نزل، فيقرأ علينا الشافعي، فإذا فرغ من قراءته، قرب إلى محمد دابته، فركبها، وأتبعه الشافعي بصره، فإذا غاب شخصه قال: وددت أن لي ولداً مثله وعلي ألف دينار دين لا أجد لها قضاء.
قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: قال لي أبي: يا بني، كان مالك بن أنس يشبه بالسلف الماضين. وإني لأرجو أن تكون له خلفاً. فالزم العلم تسد في الدنيا والآخرة.
وثقه كثيرون، وعده النسائي في فقهاء أهل مصر.
حدث أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي قال: رأيت رجلاً من أهل مصر، وهو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يصلي الضحى، فكان كلما صلى ركعتين سجد سجدتين. فسأله من سأله ممن يأنس به عن السجدتين اللتين يسجدهما بين كل ركعتين، ماذا تريد بهما؟ قال: شكراً لله على ما نعم به علي من صلاة الركعتين.(22/278)
حدث أبو الليث بن الأعلى قال:
سألنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن تقرأ عليه كتب الشافعي، فأجابنا إلى ذلك على أن تكون قراءتنا في منزله. قال: فجئنا. فابتدأنا بالقراءة عليه. وكان رجل ممن يتفقه بقول المدنيين - يقال له محمد بن المعيد - عنده مجلس. قال: فجاء فوجدنا، ونحن نقرأ عليه، فقال لنا: روحوا، فإن لنا مجلساً، وأي شيء يصنع بهذه الكتب؟! قال: فقلت له أنا، ومحمد يسمع: ليس يمنعك أنت من هذه الكتب إلا أنك لا تحسن تقرأ فيها. فقال: أنا لا أحسن أن أقرأها؟ أنا أقرأ كتب عبد الملك بن الماجثون، ولا حسن أن أقرأ بكتب الشافعي؟! قال: وكان محمد متكئاً، فجلس إنكاراً لقوله، فقال: يا عبد الله، والله ما عبد الملك بن الماجثون عند محمد بن إدريس الشافعي إلا بمنزلة الفطيم عند الكبير! قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: قال الشافعي: يا محمد، لا تحدث عن حي، فإن الحي لا يؤمن عليه أن ينسى. قال محمد: وذلك أني سمعت من الشافعي حكاية، فحكيتها عنه، فنميت إليه، فأنكرها، فاغتم أبي لذلك غماً شديداً، وكنا بجنبه، فمضيت، فوقفته على الكلمة، فذكرها، فقال لي: لا تحدث عن حي، فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان.
روى أبو سليمان بن زبر، عن الطحاوي قال: سنة ثمان وستين ومئتين، فيها مات محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، في ذي القعدة، وصلى عليه بكار بن قتيبة، وهو ابن ست وثمانين سنة.
وقيل: مات سنة تسع وستين ومئتين.
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبيد الله
أبو بكر الأسدي الحلبي، المعروف بالأسير، أخو الإمام قدم دمشق.(22/279)
وحدث بها عن جده، بسنده إلى أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبطية مما هدى دحية الكلبي، قال: فكسوتها امرأتي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما لم لا تلبس القبطية؟ " قلت: يا رسول الله، إني كسوتها امرأتي. قال: " فأمرها أن تجعل تحتها غلالة، فإني أخشى أن تصف عظامها ".
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن
ويقال: ابن عبد الرحيم، ويقال: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الواحد - أبو الأصيد الأزدي الإمام روى عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن العمطريق بسنده إلى أبي سلمة قال: رأيت أبا هريرة يسجد في " إذا السماء انشقت " فذكرت ذلك له. فقال: لو لم أر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد فيها لم أسجد.
محمد بن عبد الله العجائز الأزدي
ابن عبد الرحمن بن علي بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعيد بن خالد بن حميد ابن صهيب بن طليب بن النجيب بن علقمة بن الصبر أبو الحسن بن أبي العجائز الأزدي من أنفسهم، ويقال: من مواليهم.
روى عن محمد بن أبي نصر، بسنده إلى جد بهز بن حكيم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبس رجلاً في تهمة ساعة من نهار، ثم خلى عنه.(22/280)
قال أبو محمد بن الأكفاني: سنة سبع وستين وأربع مئة، فيها توفي أبو الحسين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علي أبي العجائز الخطيب على ما بلغني.. وكان قد انتقل إلى بيروت، فتوفي بها، رحمه الله.
محمد بن عبد الله بن عبد السلام بن أبي أيوب
أبو عبد الرحمن البيروتي، المعروف بمكحول الحافظ روى عن أبي الحسين أحمد بن سليمان الرهاوي، بسنده إلى إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر خديجة ببيت من قصب؟ قال: نعم. بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
قال أبو سليمان بن زبر: سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة توفي أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام مكحول، يوم الجمعة مستهل جمادى الآخرة.
وقيل: مات سنة عشرين وثلاث مئة.
محمد بن عبد الله بن عبد القاري
من القارة من حلفاء بني زهرة من أهل المدينة، وفد على عمر بن عبد العزيز.
قال عبد الرحمن بن عبد القاري: رآني عمر بن عبد العزيز، وأنا أمشي إلى جنب أبي، فقال: لا تمش إلى جنب أبيك، إنما ينبغي لك أن تمشي وراءه. قال أبي: إني أتوكأ على يده. قال: فهاه.(22/281)
قال المصنف: كذا نسبه إلى جد أبيه.
قال ابن أبي حاتم: محمد بن عبد الله بن عبد القاري، وهو جد يعقوب بن عبد الرحمن المديني الإسكندراني.
محمد بن عبد الله بن عبيد الله
ابن أحمد بن باكويه أبو عبد الله الشيرازي الصوفي سمع بدمشق.
روى عن علي بن محمد الحضرمي البصري، بسنده إلى أبي هريرة، رفعه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس ".
وحدث عن أبي أحمد الصغير أنه قال: سألت أبا عبد الله بن خفيف: فقير يجوع ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام، يخرج، ويسأل مقدار كفايته، أيش يقال فيه؟ قال: مكد. كلوا واسكتوا، فلو دخل فقير من هذا الباب، لفضحكم كلكم.
قال أبو عبد الله الحسين بن محمد الكتبي الحاكم بهراة: سنة ثمان وعشرين وأربع مئة ورد الخبر بوفاة أبي عبد الله بن باكويه، وأبي إسحاق الأرموي الحافظ وأحمد الأصبهاني الحافظ بنيسابور.(22/282)
محمد بن عبد الله بن علي
ابن عياض بن أحمد بن أبي عقيل أبو الحسن القاضي الصوري قدم دمشق مع أبيه.
حدث عن أبي مسعود صالح بن أحمد، بسنده إلى أبي قتادة السلمي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس ".
توفي محمد بن عبد الله القاضي سنة أربع وستين وأربع مئة، وقيل: سنة خمس وستين.
محمد بن عبد الله بن عمار بن سوادة
أبو جعفر الموصلي روى عن الحجاج بن فرافصة، بسنده إلى سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر منها في الله اختلف، إذا ظهر القول وخزن العمل، وائتلفت الألسن وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه فعند ذلك " لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم " ".
وعن المعافى بن عمران، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أهل البدع شر الخلق والخليقة ".(22/283)
وعن عفيف بن سالم، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حبذا المتخللون من أمتي ".
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن عبد الله بن عمار بن سوادة أبو جعفر المخرمي نزيل الموصل كان أحد أهل الفضل والمتحققين بالعلم، حسن الظن، كثير الحديث.. وكان تاجراً، قدم بغداد غير مرة، وجالس بها الحفاظ وذاكرهم وحدثهم.
وروى الخطيب بإسناده أن ابن عمار قال: ولدت سنة اثنتين وستين ومئة. ونقل أنهم وثقوه.
روى غير واحد، قالوا: انحدر محمد بن عبد الله بن عمار إلى سر من رأى في شكاية الزبيري القاضي بالموصل، وكثر الناس عليه في الحديث جداً، فبلغ الخليفة أمره، فقال: أي شيء أقدم هذا الرجل؟ قالوا: يتظلم من الزبيري القاضي بالموصل. فقال: اعزلوه له.
توفي محمد بن عبد الله القاضي سنة اثنتين وأربعين ومئتين.
محمد بن عبد الله بن عمرو
ابن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الله القرشي الأموي، المعروف بالديباج سمي بذلك لحسن وجهه. وهو من أهل المدينة، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي. قدم الشام غير مرة على خلفاء بني أمية.(22/284)
روى عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تديموا النظر إلى المجذمين ".
حدث مصعب بن عثمان الزبيري قال: كان محمد الذي يقال له الديباج، وهو ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، يفد على أمراء بني أمية، فإذا انصرف، مر بابن عمه سعيد بن خالد بن عمرو، بالفدين، فأقام عنده بعض المقام، فعوتب محمد على ذلك، فقال: إنه يصلني كلما مررت به بألف دينار، وهي تقع مني موقعاً.
قال يحيى بن معين في تسمية تابعي أهل المدينة ومحدثيهم: عبد الله بن حسن بن حسن، وأخوه حسن بن حسن بن حسن، وأخوهما لأمهما محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان.
وقال محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة: محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمه فاطمة بنت حسين بن علي بن أبي طالب. كان يقال لمحمد الديباج لجماله. وكان أبوه عبد الله بن عمرو يدعى المطرف لجماله. قال محمد بن عمر: كان محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أصغر ولد فاطمة بنت حسين، وكان إخوته من أمه يخافون عليه ويحبونه، وكان مائلاً إليهم لا يفارقهم. وكان فيمن أخذ مع إخوته بني حسن بن حسن، فوافوا بهم أبا جعفر المنصور بالربذة، فضربه من بينهم مئة سوط، وحبسه معهم بالهاشمية، فمات في حبسه. وكان كثير الحديث عالماً.(22/285)
قال الزبير بن بكار في تسمية ولد عبد الله بن عمرو بن عثمان:
ومحمد بن عبد الله، كان يقال له الديباج من حسن وجهه، مات أو قتل في حبس أمير المؤمنين المنصور في أمر محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن، والقاسم ورقية ابني عبد الله بن عمرو، وأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، وإخوتهم لأمهم عبد الله والحسن وإبراهيم بنو حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب.
قال البخاري: محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أبو عبد الله القرشي، مدني. قال لي إبراهيم بن المنذر: نا محمد بن معين قال: أخذ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان في سنة خمس وأربعين، وزعموا أنه قتله ليلة جاءه خروج محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة، وهو أخوه لأمه.
ضعفوه في رواية الحديث.
قال البخاري: كنية محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أبو عبد الله القرشي المدني الأموي، كناه يحيى بن سليم. لا يكاد يتابع في حديثه.
قال أبو بكر أحمد بن علي: محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الله القرشي ثم الأموي، من أهل مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يعرف بالديباج لحسن وجهه، وهو أخو القاسم بن عبد الله.. قيل إنه قدم على المنصور ببغداد، وليس يثبت ذلك عندي.
وروى بإسناده إلى عبد الله بن موسى قال: كان عبد الله بن الحسن يقول: أبغضت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أيام ولد بغضاً ما أبغضته أحداً قط. ثم كبر وتربى، فأحببته حباً ما أحببته أحداً قط.(22/286)
روى ابن سعد بإسناده إلى داود بن عبد الرحمن العطار قال: رأيت عبد الله بن حسن بن حسن أتى أخاه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فوجده نائماً فأكب عليه، فقبله، ثم انصرف، ولم يوقظه! وبإسناده إلى أبي السائب قال: احتجت إلى لقحة، فكتبت إلى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أسأله أن يبعث إلي بلقحة، فإني لعلى بابي، فإذا بزجر إبل، وإذا فيها عبد يزجر بها، فقلت له: يا هذا، ليس ها هنا الطريق. فقال: أردت أبا السائب. فقلت: فأنا أبو السائب، فدفع إلي كتاب محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فإذا فيه: أتاني كتابك تطلب لقحة، وقد جمعت ما كان بحضرتنا منها، وهي تسع عشرة لقحة، وبعثت فيها بعبد راع، وهن بدن وهو حر إن رجع مما بعثت به شيء في مالي أبداً. قال: فبعت منهن بثلاث مئة دينار سوى ما احتبست لحاجتي.
وبإسناده إلى أبي وجزة السعدي قال يمدح محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: من الوافر
وجدنا المحض أبيض من قريش ... فتى بين الخليقة والرسول
أتاك المجد من هنا وهنا ... وكنت له بمعتلج السيول
فما للمجد دونك من مبيت ... وما للمجد دونك من مقيل
ولا ممضى وراءك تبتغيه ... وما هو قابل بك من بديل(22/287)
فدى لك من يصد الحق عنه ... ومن ترضي أخاه بالقليل
فلولا أنت ما حملت ركابي ... مؤثلة وما حمدت رحيلي
قال عبد الرحمن بن أبي الموال: جد رياح بن عثمان في طلبهما يعني محمداُ وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن، ولم يدهن، واشتد في ذلك كل الشدة، حتى خافا، وجعلا يتنقلان من موضع إلى موضع، واغتم أبو جعفر بتغيبهما، فكتب إلى رياح بن عثمان أن يأخذ أباهما عبد الله بن حسن وإخوته حسن بن حسن وداود بن حسن وإبراهيم بن حسن ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو أخوهم لأمهم فاطمة بنت حسين، في عدة منهم..
قال عبد الرحمن بن أبي الموال:
وسجنت مع عبد الله بن حسن وأهل بيته، ووافى أبو جعفر الربذة منصرفاً من الحج، فسأل عبد الله بن حسن أبا جعفر أن يأذن له في الدخول عليه، فأبى أبو جعفر، فلم يزل حتى فارق الدنيا. قال: ثم دعاني أبو جعفر من بينهم، فأدخلت عليه، وعنده عيسى بن علي، فلما رآني عيسى، قال: نعم هو هو يا أمير المؤمنين، وإن أنت شددت عليه أخبرك بمكانهم، فدنوت، فسلمت، فقال أبو جعفر: لا سلم الله عليك ابن الفاسقين ابني الفاسق، الكذاب بن الكذاب. قلت: يا أمير المؤمنين، هل ينفعني الصدق عندك؟ قال: وما ذاك؟ قال: قلت امرأته طالق، وعلي وعلي إن كنت أعرف مكانهما، قال: فلم يقبل ذاك مني، وقال: السياط. فأتي بالسياط، وأقمت بين العقابين، فضربني أربع مئة سوط، فما عقلت بها حتى رفع عني. ثم وصل إلى أصحابي على تلك الحال. ثم بعث إلى الديباج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وكانت ابنته تحت إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، فلما أدخل عليه، قال: أخبرني عن الكذابين(22/288)
ما فعلا، وأين هما؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما لي بهما علم. قال: لتخبرني. قال: لقد قلت لك، وتالله إني لصادق. ولقد كنت أعلم علمهما قبل اليوم، فأما اليوم، فلا والله ما لي بهما علم. قال: جردوه، فجرد، فضربه مئة سوط، وعليه جامعة حديد في عنقه، فلما فرغ من ضربه، أخرج فألبس قميصاً له قوهياً على الضرب، فأتي به غلينا، فوالله ما قدر على نزع القميص من لصوقه بالدم، حتى حلب عليه شاة، ثم انتزع القميص، ودووي. فقال أبو جعفر: أحدروهم إلى العراق. فقدم بنا إلى الهاشمية، فحبسنا بها، فكان أول من مات عبد الله بن حسن في الحبس، فجاء السجان، فقال: ليخرج أقربكم منه فليصل عليه، فخرج أخوه حسن بن حسن بن علي، فصلى عليه. ثم مات حسن بن حسن بعده، فأخرج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فصلى عليه، ثم مات محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فأخذ رأسه، فبعث به مع جماعة من الشيعة إلى خراسان، فطافوا به في كور خراسان وجعلوا يحلفون بالله إن هذا رأس محمد بن عبد الله بن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يوهمون الناس أن هذا رأس محمد بن عبد الله بن حسن الذي كانوا يجدون في الرواية خروجه على أبي جعفر.
قال عبد الرحمن بن أبي الموال: وكان معنا في الحبس علي بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، وهو أبو حسين بن علي صاحب خبرهم، وكان من أفضل أهل زمانه عبادة ونسكاً وورعاً، لم يأكل لأحد من أهل بيته طعاماً، تمرة فما فوقها، من القطائع التي أقطعهم أبو العباس وأبو جعفر، ولا يتوضأ من تلك العيون، ولا يشرب من مائها. وكانت تحته بنت عمه زينب بنت عبد الله بن حسن، وكانت متعبدة، فكان يقال: ليس بالمدينة زوج أعبد منهما، يعنون علي بن حسن وامرأته زينب بنت عبد الله بن حسن، وكان السجان بالهاشمية يحبه ويكرمه ويلطفه، لما يرى من اجتهاده وعبادته، فأتاه بمخدة، فقال: ضع رأسك عليها، توطأ بها، فأعطاها أباه حسن بن حسن بن حسن، فقال له أبوه: يا بني عمك عبد الله بن حسن أحق بها، فبعث بها إليه. فقال له عبد الله بن(22/289)
حسن: يا أخي أخونا هذا البائس الذي ابتلي بسببنا وصار إلى ما صار إليه من الضرب أحق بها، يعني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فأرسل بها إليه، وقال: إنك رجل أحق أن تكون هذه المخدة تحت رأسك، فأخذها، فكانت تحت رأسه.
وروى البخاري بإسناده إلى محمد بن معن قال: أخذ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان سنة خمس وأربعين - يعني ومئة - وزعموا أنه قتله ليلة جاءه خروج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة، وبعث برأسه إلى خراسان.
محمد بن عبد الله بن عمير بن عبد السلام
أبو جعفر الرملي روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما خلق الله الرحم، قامت، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: أما ترضين أن أقطع من قطعك، وأصل من وصلك؟ قالت: بلى. قال: فذلك بك " ثم تلى: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله، فأصمهم، وأعمى أبصارهم ".
محمد بن عبد الله بن علاثة
ابن علقمة بن مالك بن عمرو بن عويمر بن ربيعة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أبو اليسير العقيلي الجزري الحراني القاضي دخل دمشق، وسمع بها.(22/290)
روى عن خصيف بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً فيما ينفعهم من أمر دينهم، بعثه الله يوم القيامة من العلماء، وفضل العالم على العابد سبعين درجة، الله أعلم بما بين كل درجتين ".
قال خليفة بن خياط في الطبقة الرابعة من أهل الجزيرة: محمد بن عبد الله بن علاثة ولي القضاء للمهدي.
وقال ابن سعد: محمد بن عبد الله بن علاثة الكلابي، ويكنى أبا اليسير، وكان ثقة، إن شاء الله، وكان من أهل حران، فقدم بغداد، فولاه المهدي القضاء بعسكر المهدي، ثم ولى عافية بن يزيد الأودي أيضاً القضاء معه. فأخبرني علي بن الجعد قال: رأيتهما جميعاً يقضيان في المسجد الجامع بالرصافة، هذا في أدناه، وهذا في أقصاه، وكان عافية أكثرهما دخولاً على المهدي.
قال البخاري: محمد بن عبد الله بن علاثة، ويقال محمد بن علاثة القاضي.. هو أبو اليسير، في حفظه نظر.
قال الخطيب: محمد بن عبد الله بن علاثة بن علقمة بن مالك بن عمرو بن عويمر بن ربيعة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أبو اليسير العقيلي، من أهل حران، وهو أخو سليمان وزياد.(22/291)
وقال: استقضى المهدي محمد بن عبد الله بن علاثة الكلابي، وعافية بن يزيد جميعاً على الجانب الشرقي من مدينة السلام. وكان زياد بن عبد الله بن علاثة يخلف أخاه على القضاء بعسكر المهدي.
قال الخطيب: وكان محمد بن عبد الله بن علاثة صديقاً لسفيان الثوري، فلما ولي القضاء، أنكر عليه سفيان ذلك. فأخبرني علي بن المحسن أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر، حدثني عبد الباقي بن قانع قال: حدثني بعض شيوخنا قال: استأذن ابن علاثة على سفيان الثوري، بعد أن ولي القضاء، فدخل عمار بن محمد، ابن أخت سفيان، يستأذن له على سفيان، فلم يأذن له، وكان سفيان يعجن كسباً للشاة، فلم يزل به عمار حتى أذن له، فدخل ابن علاثة، فلم يحول سفيان وجهه إليه، ثم قال: يا بن علاثة، ألهذا كتبت العلم؟! لو اشتريت صبراً بدرهم - يعني سميكات - ثم درت في سكك الكوفة، لكان خيراً من هذا.
وروى الخطيب بإسناده إلى علي بن سراج قال: محمد بن عبد الله بن علاثة، يقال له: قاضي الجن، وذلك أن بئراً كانت بين حران وحصن مسلمة، فكان من يشرب منها خبطته الجن. قال: فوقف عليها، فقال: أيها الجن، إنا قد قضينا بينكم وبين الإنس، فلهم النهار، ولكم الليل. قال: فكان الرجل إذا استقى منها بالنهار لم يصبه شيء.
مات محمد بن عبد الله بن علاثة سنة ثمان وستين ومئة.(22/292)
محمد بن عبد الله بن فرن
أبو عبد الله الفرغاني الوراق، المعروف بأخي أزغل سكن دمشق.
وحدث بها عن علي بن حرب، بسنده إلى أبي طليق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عمرة في رمضان تعدل حجة ".
قال ابن ماكولا: وأما فرن، بفتح الفاء وسكون الراء، فهو محمد بن عبد الله بن فرن، يعرف بأخي أزغل، كان بدمشق بعد الثلاث مئة.
قال ابن زبر: وفي ذي القعدة - يعني من سنة ثلاثين وثلاث مئة - توفي أبو عبد الله محمد بن فرن الفرغاني أخو أزغل.
محمد بن عبد الله بن القاسم
أبو الحسن البغدادي سمع بدمشق.
روى عن علي بن يعقوب، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلم الله موسى ببيت لحم ".(22/293)
محمد بن عبد الله بن لبيد الأسدي
ويقال: الأسلمي قاضي دمشق في خلافة مروان بن محمد. ثم عزل، وولي القضاء بعده كلثوم بن زياد ثالثة، ثم عزل وولي ابن لبيد ثانية في دولة بني العباس، فهلك أيام السفاح، وولي سالم بن عبد الله. ويقال: إن ابن لبيد عزل بعد سالم. وكان ابن لبيد من حملة القرآن، وممن يحضر دراسته في جامع دمشق.
قال أبو زرعة في ذكر قضاء دمشق: محمد بن عبد الله بن لبيد الأسدي.
محمد بن عبد الله بن محمد
ابن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف ويقال: عبد الله بن محمد - أبو جراب القرشي قدم الشام غازياً.
روى عن غطاء في الصبي والمعتوه يقتلان قتيلاً، أنهما لا يرثانه، لأنهما قاتلان.
قال الزبير بن بكار:
فولد أمية الأصغر بن عبد شمس الحارث، فولد الحارث بن أمية عبد الله، وولد عبد الله بن الحارث علياً والوليد ومحمداً. ومن ولد عبد الله بن الحارث أبو جراب، قتله داود بن علي، وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس. وأمه رملة بنت العلاء بن طارق بن المرقع من كنانة.(22/294)
قال ابن ماكولا: أبو جراب عبد الله بن محمد القرشي، سمع غطاء، روى عنه إسحاق بن سعيد. قاله مسلم.
محمد بن عبد الله أبي العباس السفاح
ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ولد بأرض البلقاء، من أعمال دمشق، وخرج مع أبيه السفاح منها إلى الكوفة، وولاه عمه المنصور البصرة، وكان غير محمود الطريقة.
قال خليفة: ولى أبو جعفر - يعني المنصور - سلم بن قتيبة - يعني البصرة - فولي شهرين ثم عزله - يعني سنة ست وأربعين ومئة - وولى محمد بن أبي العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فلقبه أهل البصرة أبا الدبس، ثم شخص محمد بن أبي العباس عن البصرة فيها - يعني سنة سبع وأربعين ومئة - واستخلف عقبة بن سلم الهنائي.
وقال يعقوب: وفيها - يعني سنة سبع وأربعين ومئة - عزل محمد بن سليمان عن البصرة، وولي عليها محمد بن أبي العباس.
وقال أبو جعفر الطبري: وفيها - يعني سنة سبع وأربعين ومئة - ولى أبو جعفر محمد بن أبي العباس ابن أخيه البصرة، فاستعفى منها، فأعفاه، فانصرف عنها إلى مدينة السلام، فمات.(22/295)
وقال: وذكر علي بن محمد قال: حدثني أبي قال: وجه أبو جعفر مع محمد بن أبي العباس بالزنادقة والمجان، فكان فيهم حماد عجرد، فأقاموا معه بالبصرة يظهر منهم المجون. وإنما أراد بذلك أن يبغضه إلى الناس، فأظهر محمد أنه يعشق زينب بنت سليمان بن علي، فكان يركب إلى المربد فيتصدى لها، يطمع أن تكون في بعض المناظر تنظر إليه، فقال محمد لحماد: قل لي فيها شعراً، فقال أبياتاً يقول فيها: من السريع
يا ساكن المربد قد هجت لي ... شوقاً فما أنفك بالمربد
قال: فحدثني أبي قال: كان المنصور نازلاً على أبي سنتين، فعرفت الخصيب المتطيب لكثرة إتيانه إياه، وكان الخصيب يظهر النصرانية، وهو زنديق معطل، لا يبالي من قتل، فأرسل إليه المنصور رسولاً يأمره أن يتوخى قتل محمد بن أبي العباس، فاتخذ سماً قاتلاً، ثم انتظر علة تحدث بمحمد. فوجد حرارة، فقال له الخصيب: خذ شربة دواء، فقال: هيئها لي، فهيأها، وجعل فيها ذلك السم، ثم سقاه إياها، فمات منها. فكتبت بذلك أم محمد بن أبي العباس إلى المنصور، تعلمه أن الخصيب قتل ابنها، فكتب المنصور يأمر بحمله إليه. فلما صار إليه ضربه ثلاثين سوطاً ضرباً خفيفاً، وحبسه أياماً، ثم وهب له ثلاث مئة درهم، وخلاه.
ذكر أحمد بن كامل بن حنف قال: سنة تسع وأربعين ومئة، فيها مات محمد بن أبي العباس السفاح ببغداد. وكان قدم مع أمه أم سلمة من البصرة.
محمد بن عبد الله بن محمد
ابن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو عبد الله المهدي بن المنصور بويع له بالخلافة عند موت أبيه بالحجاز، وقدم دمشق في خلافته، ومضى إلى بيت المقدس.(22/296)
قال يحيى بن حمزة: صليت خلف المهدي المغرب، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عبد الله بن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر بسم الله الرحمن الرحيم. فقلت: يا أمير المؤمنين، نأثره عنك؟ قال: نعم.
قال يعقوب: وفي سنة ثلاث وستين ومئة أقام الحج للناس علي بن المهدي، وأتى المهدي بيت المقدس، فصلى فيه.
وفي هذه السنة دخل دمشق.
قال أبو بكر الطيب: محمد أمير المؤمنين المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا عبد الله. وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية. ولد بإيذج في سنة سبع وعشرين ومئة. واستخلف يوم مات المنصور بمكة، وقام بأمر بيعته الربيع بن يونس، وأتاه بالخبر منارة البربري مولاه يوم الثلاثاء لست عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، والمهدي إذ ذاك ببغداد، فأقام بعد قدوم منارة يومين لم يظهر الخبر، ثم خطب الناس يوم الخميس، ونعى لهم المنصور، وبويع بيعة العامة. وذلك في سنة ثمان وخمسين ومئة.
روي عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المهدي من ولد العباس عمي ".(22/297)
روى الخطيب البغدادي، بإسناده إلى عبد الله، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي ".
وعن ابن عباس قال: منا ثلاثة؛ منا المنصور، ومنا السفاح، ومنا المهدي.
وعن كعب أنه قال: ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم، غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن.
قال يعقوب: سنة ثلاث وخمسين ومئة حج بالناس المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
وقال: وفي سنة ستين ومئة حج بالناس المهدي محمد بن عبد الله. وتوفي سنة ثلاث وستين.
قال خليفة: بويع المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أمه أم موسى بنت منصور امرأة من حمير، في أول سنة تسع وخمسين ومئة. ومات أمير المؤمنين المهدي لثمان بقين من المحرم - يعني سنة تسع وستين - بالحمى، فصلى عليه ابنه هارون بن المهدي، وهو ابن ثمان وأربعين. قال: ورأيت في نسخة: سمعت من ابن عمران: ولد بالحميمة من أرض الشام سنة إحدى وعشرين ومئة. ويقال: مات وهو(22/298)
ابن ثلاث وأربعين. قال: وقال عبد العزيز: ابن إحدى وأربعين. وكانت ولايته عشر سنين وشهراً ونصف.
قال أبو حسان الزيادي: سنة ثمان وخمسين ومئة، بها بويع المهدي محمد بن عبد الله بن محمد.. بويع يوم مات أبو جعفر بمكة وكان مولده سنة سبع وعشرين ومئة. وكان طويلاً أسمر جعداً، بعينه اليمنى نكتة بياض.
وقال يعقوب: وبايع الناس المهدي محمد بن عبد الله بن أبي جعفر أمير المؤمنين وولي عهدهم من بعد أبيه أبي جعفر، بمكة، يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، من سنة سبع وأربعين ومئة. وفيها - يعني سنة إحدى وخمسين ومئة - جدد أبو جعفر البيعة لنفسه وابنه المهدي ولعيسى بن موسى بعد المهدي على أهل بيته بمحضر منه في مجلسه، وذلك يوم جمعة عمهم بالإذن.
روى الخطيب بإسناده إلى المعاذي قال: لما جدد المهدي البيعة لنفسه بعد وفاة المنصور، كان أول من هنأه بالخلافة، وعزاه، أبو دلامة، فقال: من المتقارب
عيناي واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى، وأخرى تذرف
تبكي وتضحك تارة، ويسوءها ... ما أنكرت، ويسرها ما تعرف
فيسوءها موت الخليفة محرماً ... ويسرها أن قام هذا الأرأف
ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى ... شعراً أرجله وآخر ينتف
هلك الخليفة يا لأمة أحمد ... وأتاكم من بعده من يخلف
أهدى لهذا الله فضل خلافة ... ولذاك جنات النعيم تزخرف(22/299)
قال: فأمر المهدي بالنداء بالرصافة: إن الصلاة جامعة، وخطب، فنعى المنصور، وقال: إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب، وأمر فأطاع، واغرورقت عيناه فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بكى عند فراق الأحبة، ولقد فارقت عظيماً، وقلدت جسيماً، وعند الله احتسبت أمير المؤمنين، وبه - عز وجل - أستعين على خلافة المسلمين.
قال الأصمعي: كان نقش خاتم المهدي الله ثقة محمد وبه يؤمن.
وقال بعض أهل العلم: كان نقش خاتمه القوة لله.
روى الخطيب بإسناده إلى أبي العباس المنصوري قال: لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال وذخائر المنصور، أخذ في رد المظالم، وإخراج ما في الخزائن، ففرقه، حتى أكثر من ذلك، وبر أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به، وأخرج لأهل بيته أرزاقاً لكل واحد منهم في كل شهر خمس مئة درهم، لكل رجل ستةآلاف درهم في السنة، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة آلاف درهم، وزاد بعضهم، وأمر ببناء مسجد الرصافة، وحاط حائطها، وخندق خندقها. وذلك كله في السنة التي قدم فيها مدينة السلام.
وبسنده إلى الربيع أنه قال: مات المنصور، وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليفة قط قبله: مئة ألف ألف درهم وستون ألف ألف درهم. فلما صارت الخلافة إلى المهدي، قسم ذلك وأنفقه. وقال الربيع: نظرنا في نفقة المنصور، فإذا هو ينفق في كل سنة ألفي درهم مما يجيء من مال الشراة.
وبسنده إلى أبي عمرو الشغافي قال:
صلينا مع المهدي المغري، ومعنا العوفي - يعني الحسين بن الحسن بن عطية - وكان(22/300)
على مظالم المهدي، فلما انصرف المهدي من المغرب، جاء العوفي، حتى قعد في قبلته، فقام يتنفل، فجذب ثوبه، فقال: ما شأنك؟ فقال: شيء أولى بك من النافلة. قال: وما ذاك؟ قال: سلام مولاك - قال: وهو قائم على رأسه - أوطأ قوماً الخيل، وغصبهم على ضيعتهم، وقد صح ذلك عندي، تأمر بردها، وتبعث من يخرجهم. فقال المهدي: يصح إن شاء الله. فقال العوفي: لا، إلا الساعة! فقال المهدي: فلان القائد، اذهب الساعة إلى موضع كذا وكذا، فأخرج من فيها، وسلم الضيعة إلى فلان. قال: فما أصبحوا، حتى ردت الضيعة على صاحبها.
وروى أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق قال: دخل محمد بن طلحة بن مصرف على المهدي في حاجة. قال: فجلس مع الناس أمام القصر والمهدي في بهو له قاعد مع أصحابه. قال: فجاء المطر. قال: فقام محمد بن طلحة على رجليه، فقال: يا أمير المؤمنين، أمن العدل هذا، أن تكون في الكن، ونحن في المطر؟! قال: فقال المهدي: من هذا؟ فقالوا: هذا محمد بن طلحة بن مصرف رجل فيه غفلة. قال: فقال المهدي: ها هنا يا عم، ها هنا يا عم اقعد. فجعل يدنو. قال: والمهدي يقول له: ها هنا يا عم. قال: حتى جاء محمد بن طلحة فوقف بجنب المهدي قال: فقال له: ها هنا يا عم. فقال له محمد بن طلحة: إنما أردت أن أستكن من المطر. فقال المهدي: أدركت، فحاجتك؟ قال: فسأل حاجته، فقال له المهدي: لم لا تقول لأخيك سفيان الثوري؟ قال: خشيت أن تكون له الحجة علي. قال: فقال له المهدي: كيف تكون له الحجة عليك؟ قال: يقول: قد عملوا بما علموا، فجاءهم ما لا يعلمون، فاحتاجوا إلي. قال: فقال له: فقل لنا أنت. قال: نعم، تقوم المحتسبات ببيتك، فترد على كل ذي حق حقه. قال: وغير هذا؟ قال: نعم، تأمر بالصلاة جامعة، واصعد المنبر، فاسأل الناس أن(22/301)
يسوغوك ما في يديك، ثم تستقبل فيهم العدل الآن. فقال: مقبول منك يا عم. قال: فانصرف. فقال المهدي لجلسائه: هذا الذي قلتم إنه ما يعقل؟! قال صالح المري: دخلت على المهدي ها هنا بالرصافة، فلما مثلت بين يديه، قلت: يا أمير المؤمنين، احمل لله ما أكلمك به اليوم، فإن أولى الناس بالله - عز وجل - أحملهم لغلظة النصيحة فيه، وجدير بمن له قرابة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرث أخلاقه، ويأتم بهديه، وقد ورثك الله من فهم العلم وإنارة الحجة ميراثاً قطع به عذرك، فمهما ادعيت من حجة، أو ركبت من شبهة لم يصح له برهان من الله - عز وجل -، حل بك من سخط الله - عز وجل - بقدر ما تجاهلته من العلم، أو أقدمت عليه من شبهة الباطل. واعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصم من خالفه في أمته يبتزها أحكامها. ومن كان محمد خصمه، كان الله - عز وجل - خصمه. فأعد لمخاصمة الله عز وجل ولمخاصمة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حججاً تضمن لك النجاة، أو استسلم للهلكة. واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله - عز وجل - قربة، وأن أثبت الناس قدماً يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فمثلك لا يكابر بتجريد المعصية، ولكن تمثل له الإساءة إحساناً، ويشهد له عليها خونة العلماء، وبهذه الحبالة تصيدت الدنيا نظراءك. فأحسن الحيل، فقد أحسنت إليك الأداء. قال: فبكى المهدي.
قال أبو همام: فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوباً في دواوين المهدي.
حدث الواقدي قال:
دخلت يوماً على المهدي، فدعا بمحبرته ودفتره، وكتب عني أشياء حدثته بها. ثم نهض وقال: كن بمكانك حتى أعود إليك، فدخل إلى دور الحرم، ثم خرج متنكراً ممتلئاً غيظاً، فلما جلس، قلت: يا أمير المؤمنين، خرجت على خلاف الحال التي دخلت(22/302)
عليها! فقال: نعم، دخلت على الخيزران، فوثبت علي، ومدت يدها إلي، وخرقت ثوبي، وقالت: يا قشاش، وأي خبر رأيت منك؟! وإنها اشتريتها من نخاس، ورأت مني ما رأت، وعقدت لابنيها ولاية العهد، ويحك وأنا قشاش؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنهن يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام " وقال: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي " وقال: " خلقت المرأة من ضلع أعوج، إن قومته كسرته " وحدثته في هذا الباب بما حضرني. فسكن غضبه، وأسفر وجهه، وأمر لي بألفي دينار، وقال: أصلح بهذه من حالك. وانصرفت. فلما وصلت إلى منزلي وافاني رسول الخيزران، فقال: تقرأ عليك ستي السلام، وتقول لك: يا عمي قد سمعت جميع ما كلمت به أمير المؤمنين، فأحسن الله جزاءك، وهذه ألفا دينار إلا عشرة دنانير، بعثت بها إليك، لأني لا أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين؛ ووجهت إلي بأثواب.
قال محمد بن جعفر الخرائطي نا عمران بن موسى أو غيره قال: أهدر المهدي دم رجل من أهل الكوفة، كان سعى في فساد الدولة، وبذل لمن ذل عليه مئة ألف درهم، فاستخفى الرجل حيناً، ثم خرج إلى مدينة السلام، فكان كالمستخفي، فإنه لفي بعض طرقات المدينة إذ بصر به رجل قد كان عرف حاله، فأهوى إلى مجامع ثوبه وصاح: هذا فلان طلبة أمير المؤمنين، فبينما الرجل على تلك الحال، إذ سمع وقع حوافر الدواب، فالتفت، فإذا بموكب كثير الغاشية، فقال: من هذا؟ فقالوا: معن بن زائدة. قال: وما يكنى؟ قالوا: يكنى بأبي الوليد، فلما حاذاه،(22/303)
قال: يا أبا الوليد، خائف فأجره، وميت فأحيه. فوقف معن في موكبه، وسأل عن حاله، فقال صاحبه: هذا طلبة أمير المؤمنين، قد جعل لمن جاء به مئة ألف درهم. قال: فاعلم أمير المؤمنين أني قد أجرته. وقال لبعض غلمانه: انزل عن دابتك، واركب أخانا. فركب، وانطلق به إلى منزله، ومضى الرجل إلى باب المهدي، فإذا سلام الأبرش يريد الدخول عليه، فقص عليه القصة، فدخل سلام المهدي، فأخبره. فقال: يحضر معن، فجاءته الرسل، فركب، وأوصى به حاشيته، ومن ببابه من مواليه، قال: لا يخلص إليه، وفيكم عين تطرف، فإن رامه أحد فموتوا دونه. ودخل معن على المهدي يسلم، فلم يرد عليه، وقال: يا معن، وتجير علي أيضاً؟! قال: نعم. قال: ونعم أيضاً؟! قال: نعم، يا أمير المؤمنين، قتلت في طاعتكم وعن دولتكم أربعة آلاف مصل في يوم واحد، ولا يجار لي رجل واحد استجار بي؟! فأطرق المهدي طويلاً، ثم رفع رأسه وقال: قد أجرنا من أجرت. قال: يا أمير المؤمنين، إن الرجل ضعيف الحال. قال: قد أمرنا له بثلاثين ألف درهم. قال: إن جنايته عظيمة، وصلات الخلفاء على حسب جناية الرعية. قال: قد أمرنا له بمئة ألف درهم. قال: أهنأ المعروف أعجله. قال: يتقدمه ما أمرنا له به. فانصرف معن، وقد سبقه المال، فأحضر الرجل، وقال: ادع الله لأمير المؤمنين، فقد حقن دمك، وأجزل صلتك. وأصلح نيتك فيما تستقبل.
روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى الضحاك قال: قدم المهدي علينا البصرة، فخرج يصلي العصر، فقام إليه أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين، مر المؤذن لا يقيم حتى أتوضأ. فضحك المهدي وقال للمؤذن: لا تقم حتى يتوضأ الأعرابي.
قال الأصمعي: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمر بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته، فقال: " إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه(22/304)
وسلموا تسليماً " آثره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها من بين الرسل، واختصكم بها من بين الأمم، فقابلوا نعمة الله بالشكر.
وقال المهدي أمير المؤمنين: ما توسل أحد إلي بوسيلة، ولا تذرع بذريعة، هي أقرب إلى ما نحب من تذكيري يداً سلفت مني إليه، أبعها أختها، وأحسن ربها، لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.
حدث المدائني قال:
دخل على المهدي رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إن المنصور شتمني، وقذف أبي، فإما أمرتني أن أحلله، وإما عوضتني فاستغفرت له. قال: ولم شتمك؟ قال: شتمت عدوه بحضرته فغضب. قال: ومن عدوه الذي غضب لشتمه؟ قال: إبراهيم بن عبد الله بن حسن. قال: إن إبراهيم أمس به رحماً وأوجب عليه حقاً، فإن كان شتمك كما زعمت، فعن رحمه ذب، وعن عرضه دفع، وما أساء من انتصر لابن عمه. قال: إنه كان عدواً له. قال: فلم ينتصر للعداوة، إنما انتصر للرحم. فأسكت الرجل فلما ذهب ليتولى، قال: لعلك أردت أمراً، فلم تجد له ذريعة عندك أبلغ من هذه الدعوى! قال: نعم. فتبسم، ثم أمر له بخمسة آلاف درهم.
روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى العتابي قال: دخل أبو دلامة على المهدي، فطلب كلباً، فأعطاه، ثم قائده، فأعطاه، ثم دابة، ثم جارية تطبخ الصيد، فأعطاه ذلك، فقال: من يعولها؟ أقطعني ضيعة أعيش فيها(22/305)
وعيالي. قال: قد أقطعك أمير المؤمنين مئة جريب من العامر، ومئة جريب من الغامر. قال: وما الغامر؟ قال: الخراب الذي لا ينبت. فقال أبو دلامة: قد أقطعت أمير المؤمنين خمس مئة جريب من الغامر من أرض بني أسد. قال: فهل بقيت لك من حاجة؟ قال: نعم، تأذن لي أن أقبل يدك. قال: ما إلى ذلك سبيل. قال: والله ما رددتني عن حاجة أهون علي فقداً منها! روى الخطيب بإسناده أن الربيع قال: فتح المنصور يوماً خزانة مما قبض من خزائن مروان بن محمد، فأحصى فيها اثني عشر ألف عدل خز فأخرج منها ثوباً، وقال: يا ربيع، اقطع من هذا الثوب جبتين: لي واحدة، ولمحمد واحدة، فقلت: لا يجيء منه هذا. قال: اقطع لي منه جبة وقلنسوة. وبخل بثوب آخر يخرجه للمهدي. فلما أفضت الخلافة إلى المهدي، أمر بتلك الخزانة بعينها، ففرقت على الموالي والغلمان والخدم.
حدث الزبير بن بكار قال: حدثني شيخ من أهل المدينة قال: لما دق أمير المؤمنين المهدي المقصورة، وجلس لأشراف قريش، فأجازهم، وكساهم، وكان فيمن وصل عبد الأعلى بن عبيد الله بن محمد بن صفوان، فأجازه، وكساه. وتظلم إليه عبد الأعلى من زفر بن عاصم فيما له عنده من الأرزاق، فأمر زفر بدفع ذلك إليه. فقال له عبد الأعلى: وصلك الله يا أمير المؤمنين، وجعلني فداك، فقد وصلت الرحم، ورددت الظلامة، وعندي بنت عم أحب الناس إلي، غدوت اليوم وأنا مغاضب لها، فإن رأيت أن تجعل للصلح بيني وبينها موضعاً، فافعل. فأعطاه ألف دينار وخمسين ثوباً، وقال: هذا يصلح ما بينك وبينها؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال له أمير المؤمنين المهدي: والله لو قلت: لا، ما زلت أزيدك إلى الليل.
قال عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله: دخل أبي وأصحابه على المهدي بالمدينة، فدخل عليه المغيرة بن عبد الرحمن(22/306)
المخزومي وأبو السائب والعثماني وابن أخت الأحوص، فقال لهم: أنشدوني، فأنشده عبد العزيز الماجشون: من الطويل
وللناس بدر في السماء يرونه ... وأنت لنا بدر على الأرض مقمر
فبالله يا بدر السماء وضوءه ... تراك تكافي عشر ما لك أضمر
وما البدر إلا دون وجهك في الدجى ... يغيب، فتبدو حين غاب فتقمر
وما نظرت عيني إلى البدر طالعاً ... وأنت تمشى في الثياب فتسحر
وأنشده ابن أخت الأحوص: من البسيط
قالت كلابة: من هذا؟ فقلت لها: ... هذا الذي أنت من أعدائه زعموا
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بكيت وحتى شفني السقم
وأنشده المغيرة بن عبد الرحمن: من الطويل
رمى البين من قلبي السواد فأوجعا ... وصاح فصيح بالرحيل، فأسمعا
وغرد حادي البين وانشقت العصا ... وأصبحت مسلوب الفؤاد مفجعا
كفى حزناً من حادث الدهر أنني ... أرى البين لا أسطيع للبين مدفعا
وقد كنت قبل البين بالبين جاهلاً ... فيا لك بين ما أمر وأفظعا
وأنشده أبو السائب: من الطويل
أصيخا لداعي حب ليلى فيمما ... صدور المطايا نحوها فتسمعا
خليلي إن ليلى أقامت فإنني ... مقيم وإن بانت فبينا بنا معا
وإن أثبتت ليلى بربع غدوها ... فعيذا لنا بالله أن تتزعزعا
قال: والله لأغنينكم. فأجاز أربعة بعشرة آلاف دينار، عشرة آلاف دينار.(22/307)
وروى أيضاً عن أبيه قال: سألني المهدي أمير المؤمنين: يا ماجشون، ماذا قلت حين فقد أصحابك؟ - يعني الفقهاء - قال: قلت: من البسيط
أيا باك على أحبابه جزعاً ... قد كنت أحذر ذا من قبل أن يقعا
إن الزمان رأى إلف السرور بنا ... فدب بالهجر فيما بيننا وسعى
ما كان والله شؤم الدهر يتركني ... حتى يجرعني من غيظه جرعا
فليصنع الدهر بي ما شاء مجتهداً ... فلا زيادة شيء فوق ما صنعا
فقال: والله لأغنينك، فأجازه بعشرة آلاف دينار، فقدم بها المدينة، فأكلها ابنه في السخاء والكرم.
روى أبو بكر الحافظ بإسناده إلى فائقة بنت عبد الله أم عبد الواحد بن جعفر بن سليمان قالت: أنا يوماً عند المهدي أمير المؤمنين، وكان قد خرج متنزهاً إلى الأنبار إذ دخل عليه الربيع، ومعه قطعة من جراب، فيه كتابة برماد وخاتم من طين قد عجن بالرماد، وهو مطبوع بخاتم الخلافة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أعجب من هذه الرقعة، جاءني بها رجل أعرابي، وهو ينادي: هذا كتاب أمير المؤمنين المهدي، دلوني على هذا الرجل الذي يسمى الربيع، فقد أمرني أن أدفعها إليه، وهذه الرقعة. فأخذها المهدي وضحك، وقال: صدق؛ هذا خطي، وهذا خاتمي، أفلا أخبركم بالقصة كيف كانت؟ قلنا: أمير المؤمنين أعلى عيناً في ذلك. قال: خرجت أمس إلى الصيد في غب سماء، فلما أصبحت، هاج علينا ضباب شديد، وفقدت أصحابي، حتى ما رأيت منهم أحداً، وأصابني من البرد والجوع والعطش ما الله به أعلم، وتحيرت عند ذلك، فذكرت دعاء سمعته من أبي يحكيه عن أبيه عن جده عن ابن عباس، رفعه، قال: من قال إذا أصبح(22/308)
وإذا أمسى: بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اعتصمت بالله، وتوكلت على الله، حسبي الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقي وكفي وشفي من الحرق والغرق والهدم وميتة السوء. فلما قلتها رفه لي ضوء نار، فقصدتها فإذا بهذا الأعرابي في خيمة له، وإذا هو يوقد ناراً بين يديه، فقلت: أيها الأعرابي، هل من ضيافة؟ قال: انزل، فنزلت، فقال لزوجته: هاتي ذاك الشعير، فأتت به، فقال: اطحنيه، فابتدأت تطحنه، فقلت له: اسقني ماء، فأتاني بسقاء فيه مذقة من لبن أكثرها ماء، فشربت منها شربة، ما شربت قط شيئاً إلا هي أطيب منه. قال: وأعطاني حلساً له، فوضعت رأسي عليه، فنمت نومة، ما نمت نومة أطيب منها وألذ. ثم انتبهت، فإذا هو قد وثب إلى شويهة، فذبحها، وإذا امرأته تقول له: ويحك قتلت نفسك وصبيتك إنما كان معاشكم من هذه الشاة، فذبحتها، فبأي شيء نعيش؟! قال: فقلت: لا عليك، هات الشاة، فشققت جوفها، واستخرجت كبدها بسكين كانت في خفي، فشرحتها، ثم طرحتها على النار، فأكلتها. ثم قلت: هل عندك شيء أكتب لك فيه؟ فجاءني بهذه القطعة جراب وأخذت عوداً من الرماد الذي كان بين يديه، فكتبت له هذا الكتاب، وختمته بهذا الخاتم، وأمرته أن يجيء، ويسأل عن الربيع، فيدفعها إليه. فإذا في الرقعة خمس مئة ألف درهم. فقال: والله ما أردت إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمس مئة ألف درهم، لا أنقص والله منها درهماً واحداً، ولو لم يكن في بيت المال غيرها. احملوها معه. فما كان إلا قليلاً حتى كثرت إبله وشاؤه. وصار منزلاً من المنازل ينزله الناس، ممن أراد الحج من الأنبار إلى مكة. وسمي منزل مضيف أمير المؤمنين المهدي.
وروى بإسناده إلى إبراهيم بن محمد بن عرفة قال:
وخرج المهدي يوماً إلى الصيد، فانقطع عن خاصته، فدفع إلى أعرابي، وهو يريد(22/309)
البول، فقال: يا أعرابي احفظ علي فرسي حتى أنزل، فسعى نحوه وأخذ بركابه، فنزل المهدي، ودفع الفرس إليه، فأقبل الأعرابي على السرج، يقلع حليته، وفطن المهدي، وقد أخذ حاجته، فقدم إليه فرسه. وجاءت الخيل نحوه، وأحاطت به، ونذر بها الأعرابي، فولى هارباً، فأمر برده، فقال - وخاف أن يكون قد غمز به، فقال -: خذوا ما أخذنا منكم، ودعونا نذهب إلى خزي الله وناره. فقال المهدي، وصاح به: تعال لا بأس عليك. فقال: ما تشاء، جعلني الله فداء فرسك؟ فضحك من حضره، وقالوا: ويلك، هل رأيت إنساناً قد قال هذا؟! قال: فما أقول؟ قالوا: قل جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين. قال: وهذا أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم. قال: والله لئن أرضاه هذا مني، ما يرضيني ذاك فيه، ولكن جعل الله جبريل وميكائيل فداءه وجعلني فداءهما. فضحك المهدي، واستطابه، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فأخذها، وانصرف.
وبالإسناد نفسه قال: وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيسى باذ، ركب في جماعة، يسير، لينظر، فدخله مفاجأة، وأخرج من كان هناك من الناس، وبقي رجلان تخفيا عن أبصار الأعوان، فرأى المهدي أحدهما، وهو دهش ما يعقل، فقال: من أنت؟ قال: أنا أنا أنا. قال: ويلك، من أنت؟ قال: لا أدري. قال: ألك حاجة؟ قال: لا، لا. قال: أخرجوه، أخرج الله نفسه! فدفع في قفاه، فلما خرج، قال لغلام له: اتبعه من حيث لا يعلم، فسل عن أمره ومهنته، فإني إخاله حائكاً. فخرج الغلام يقفوه. ثم رأى الآخر، فاستنطقه، فأجابه بقلب جريء ولسان بسيط. فقال: من أنت؟ فقال: رجل من أبناء رجال دعوتك. قال: ما جاء بك إلى ها هنا؟ قال: جئت لأنظر إلى هذا البناء الحسن، فأتمتع بالنظر، وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة، وتمام النعمة، ونماء العز والسلامة. قال: أفلك حاجة؟ قال: نعم؛ خطبت ابنة عمي، فردني أبوها، وقال:(22/310)
لا مال لك، والناس يرغبون في الأموال. وأنا بها مشغوف، ولها وامق. قال: قد أمرت لك بخمسين ألف درهم. قال: جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين، قد وصلت، فأجزلت الصلة، ومننت، فأعظمت المنة، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيراً من أولها، وأمتعك بما أنعم به، وأمتع رعيتك بك. فأمر أن يعجل له في صلته، ووجه بعض خاصته معه، وقال: سل عن مهنته، فإني إخاله كاتباً. فرجع الرسولان معاً، فقال الأول: وجدت الأول حائكاً، وقال الآخر: وجدت الرجل كاتباً. فقال المهدي: لم يخف علي مخاطبة الكاتب والحائك.
قال الأصمعي: حدثني حسن الوصيف الحاجب حاجب المهدي قال: كنا بزبالة، إذا أعرابي يقول: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداءك، إني عاشق. قال: وكان يحب ذكر العشاق والعشق. فدعا الأعرابي، فلما دخل عليه، قال: سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قعد، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو مياس. قال: يا أبا مياس، من عشيقتك؟ قال: ابنة عمي، وقد أبى أن يزوجنيها. قال: لعله أكثر منك مالاً. قال: لا، بل أنا أكثر منه مالاً. قال: فما القصة؟ قال: أدن مني رأسك. فجعل المهدي يضحك، وأصغى إليه رأسه، فقال: إني هجين. قال: ليس يضرك ذاك، إخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجن، يا غلام، علي بعمه. قال: فأتي به، فإذا أشبه خلق الله بأبي مياس، كأنهما باقلاة فلقت، فقال المهدي: ما لك لا تزوج أبا مياس، وله هذا اللسان والأدب، وقرابته منك قرابته؟ قال: إنه هجين. قال: فإخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجين، فليس هذا مما ينقصه، زوجها منه، فقد أصدقتها عنه عشرة آلاف درهم. قال: قد فعلت. فأمر له بعشرين ألف درهم. فخرج أبو مياس، وهو يقول: من الكامل
ابتعت ظبية بالغلاء وإنما ... يعطي الغلاء بمثلها أمثالي
وتركت أسواق القباح لأهلهاإن القباح وإن رخصن غوال(22/311)
قال المفضل بن محمد الضبي:
كنت يوماً جالساً على باب منزلي، أحتاج إلى درهم، وعلي دين عشرة آلاف درهم، إذ جاءني رسول المهدي، فقال: أجب أمير المؤمنين، فقلت في نفسي: وما بغية أمير المؤمنين؟ لعل ساعياً سعى بي إليه! ثم دخلت منزلي، ولبست ثيابي، وصرت إليه، فلما مثلت بين يديه، سلمت عليه، فقال: وعليك السلام، وأومأ لي بالجلوس. فجلست. فلما سكن جأشي، قال لي: يا مفضل، ما أفخر بيت قالته العرب؟ فأرتج علي ساعة، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، بيت الخنساء، فاستوى جالساً، وكان متكئاً، ثم قال: أي بيت؟ قلت: قولها: من البسيط
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
فقال: قد قلت له، وأبى علي! وأومأ إلى إسحاق بن بزيع. قلت: الصواب مع أمير المؤمنين. ثم قال: يا مفضل، حدثني. فحدثته حتى انتصف النهار. وقال: يا مفضل، كيف حالك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، كيف يكون حال من عليه عشرة آلاف درهم، وليس معه درهم؟! فقال: يا إسحاق، أعطه عشرة آلاف درهم قضاءً لدينه، وعشرة آلاف درهم يستعين بها على دهره، وعشرة آلاف درهم يصلح بها من شأنه.
روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى يونس بن عبد الله الخياط قال: دخل ابن الخياط المكي على أمير المؤمنين المهدي، وقد مدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم. فلما قبضها، فرقها على الناس، وقال: من الطويل
أخذت بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت، وأعداني فبددت ما عندي(22/312)
فنمي إلى المهدي، فأعطاه بدل كل درهم ديناراً.
وروى بإسناده إلى محمد بن زياد قال: دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي، وعنده جماعة، فأنشده: من الطويل
صحا بعد جهل واستراحت عواذله
قال: فقال: ويحك، كم هي بيتاً؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سبعون بيتاً. قال: فإن لك عندي سبعين ألفاً. قال: فقلت في نفسي: بالنسيئة، إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، اسمع مني أبياتاً حضرت، فما في الأرض أنبل من كفيلي. قال: هات. فاندفعت، فأنشدته: من الطويل
كفاكم بعباس أبي الفضل والداً ... فما من أب إلا أبو الفضل فاضله
كأن أمير المؤمنين محمداً ... أبو جعفر في كل أمر يحاوله
إليك قصرنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله
فلا نحن نخشى أن يخيب مسيرنا ... إليك، ولكن أهنأ الخير عاجله
قال: فتبسم، وقال: عجلوها له. فحملت إلي من وقتها.
وروى الخطيب بإسناده إلى جماعة قال: خرج المؤمل بن أميل المحاربي إلى المهدي، وهو أمير على الري، ممتدحاً له، فأمر له بعشرين ألف درهم، ورفع الخبر إلى المنصور، قال: فلما اتصل به قربي من العراق، أنفذ لي قاعداً على جسر النهروان يستقري القوافل، فلما مررت به قال: من أنت؟(22/313)
قلت: المؤمل بن أميل مادح الأمير المهدي وشاعره. قال: إياك طلبت. فأخذ بيدي، فأدخلني على المنصور، وهو بقصر الذهب، فقال لي: أتيت غلاماً عراً، فخدعته؟! قال: بل أتيت غلاماً كريماً، فخدعته، فانخدع. قال: فأنشدني ما قلت فيه. فأنشدته: من الوافر
هو المهدي إلا أن فيه ... مشابه صورة القمر المنير
تشابه ذا وذا، فهما إذا ما ... أنارا يشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج نار ... وهذا بالنهار سراج نور
ولكن فضل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز، فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير
ونقص الشهر يخمد ذا، وهذا ... منير عند نقصان الشهور
فيا بن خليفة الله المصفى ... به تعلو مفاخرة الفخور
لقد فت الملوك وقد توافوا ... إليك من السهولة والوعور
لقد سبق الملوك أبوك حتى ... بقوا من بين كاب أو حسير
وجئت وراءه تجري خبيباً ... وما بك حين تجري من فتور
فقال الناس ما هذان إلا ... كما بين الفتيل إلى النقير
فإن سبق الكبير فأهل سبق ... له فضل الكبير على الصغير
وإن بلغ الصغير مدىً كبيراً ... فقد خلق الصغير من الكبير
فقال: ما أحسن ما قلت، ولكن لا يساوي ما أخذت. يا ربيع حط ثقله، وخذ منه ستة عشر ألفاً، وخله والبقية. قال: فحط الربيع ثقلي، وأخذ مني ستة عشر ألفاً، فما(22/314)
بقيت معي إلا نفيقة يسيرة، لأني كنت اشتريت لأهلي طرائف من طرائف الري، فشخصت، وآليت ألا أدخل بغداد، وللمنصور بها ولاية! فلما مات المنصور، واستخلف المهدين قدمت بغداد، فألفيت رجلاً، يقال له: ابن ثوبان، قد نصبه المهدي للمظالم، فكتبت قصة أشرح فيها ما جرى علي، فرفعها ابن ثوبان إلى المهدي، فلما قرأها، ضحك، حتى استلقى، ثم قال: هذه مظلمة أنا بها عارف. ردوا عليه ماله الأول، وضموا إليه عشرين ألفاً.
روى الزبير بن بكار عن بعض أصحابه قال: كان المهدي مستهتراً بالخيزران لا يكاد أن يفارقها في مجلس يلهو به، فجلس يوماً مع ندمائه، فاشتاق إليها، فكتب إليها بهذه الأبيات: من الخفيف
نحن في أطيب السرور ولكن ... ليس إلا بكم يطيب السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غبتم ونحن حضور
فأغذوا المسير، بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح، فطيروا
فأجابته الخيزران بهذه الأبيات:
قد أتانا الذي قد ذكرت من ال ... شوق فكدنا وما فعلنا نطير
ليت أن الرياح كن يؤد ... ين إليكم بما يجن الضمير
لم أزل صبة فإن كنت بعدي ... في سرور فطاب ذاك السرور
وقال عمر بن شبة: كانت للمهدي جارية يحبها حباً شديداً، وكانت شديدة الغيرة عليه في سائر(22/315)
جواريه، فتعتاص عليه وتؤذيه، فقال فيها: من الوافر
أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود
أراح الله من بدني فؤادي ... وعجل لي إلى دار الخلود
أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الرضا أحسنت زيدي
وقال: أهدت جارية للمهدي إليه تفاحة مطيبة، فأخذها المهدي، وأنشأ يقول: من السريع
تفاحة من عند تفاحة ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد
والله إن أدري أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرقاد
قال علي بن يقطين: خرجنا مع المهدي، فقال لنا يوماً: إني داخل ذاك البهو، فنائم فيه، فلا يوقظني أحد، حتى أستيقظ. قال: فنام، ونمنا، فما أنبهنا إلا بكاؤه، فقمنا فزعين، فقلنا: ما شأنك يا أمير المؤمنين؟ قال: أتاني الساعة آت في منامي، والله لو كان في مئة ألف شيخ لعرفته، فأخذ بعضادتي الباب وهو يقول: من الطويل
كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وأوحش منه ركبه ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجة ... وملك إلى قبر عليه جنادله(22/316)
حدث محمد بن إدريس الشافعي أنه أخبر أن المهدي لما فرغ من بنيان قصر بناه، تحول إليه هو وحشمه، فبينا هو ذات ليلة نائم، إذ سمع صوتاً من زاوية القصر، وهو يهتف: من الطويل
كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وقد درست أعلامه ومنازله
قال: فأجابه المهدي، وكان ذكياً:
كذاك أمور الناس يبلى جديدها ... وكل فتىً يوماً ستبلى فعائله
فأجابه الهاتف وهو يقول:
تزود من الدنيا فإنك ميت ... وإنك مسؤول، فما أنت قائله؟
فأجابه المهدي وهو يقول:
أقول بأن الله حق شهدته ... فذلك قول ليس تحصى فضائله
فأجابه الهاتف وهو يقول:
تزود من الدنيا فإنك راحل ... وقد أزف الأمر الذي بك نازله
فأجابه المهدي وهو يقول:
متى ذاك خبرني، هديت، فإنني ... سأفعل ما قد قلت لي وأعاجله
فأجابه الهاتف وهو يقول:
تلبث ثلاثاً بعد عشرين ليلة ... إلى منتهى شهر وما أنت كامله
قال: فقالت ريطة سرية المهدي: فوالله ما لبث إلا تسعة وعشرين يوماً حتى فارق الدنيا، رحمه الله.(22/317)
حدث بعض أهل العلم قال: كان آخر ما تكلم به محمد بن عبد الله، وهو المهدي الحمد لله يحيي ويميت، وهو حي لا يموت.
قال أبو معشر السندي:
استخلف محمد بن عبد الله المهدي يوم الخميس، لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، سنة ثمان وخمسين ومئة. قال: وتوفي لأربع عشرة مضت من المحرم، سنة تسع وستين ومئة.
وقال أبو معشر في رواية أخرى: توفي محمد بن عبد الله، وهو المهدي، في المحرم سنة تسع وستين ومئة، فكانت خلافته عشر سنين وخمسة وأربعين ليلة.
وقال ابن أبي السري: كانت خلافته عشر سنين وشهراً وثلاثة عشر يوماً، ومات بماسبذان، وكان خروجه إلى قرية يقال لها الرذ، بها قبره، ومات وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، وصلى عليه ابن هارون. وكان طويلاً أسمر معتدل الخلق جعد الشعر، بعينه اليمنى نكتة بياض، رحمه الله، ومبلغ سنه على حساب مولده اثنتان وأربعون سنة وسبعة أشهر وأيام.
وقال أبو سليمان بن زبر: وفيها - يعني سنة تسع وستين ومئة - خرج المهدي إلى ماسبذان، في المحرم، فتوفي بها، ليلة الخميس، لثمان بقين من المحرم، وبويع ابنه موسى بن محمد الهادي.(22/318)
محمد بن عبد الله بن محمد
ابن عثمان بن حماد بن سليمان بن الحسن بن أبان بن النعمان بن بشير الأنصاري روى عن عبد القدوس بن عبد السلام، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد ".
محمد بن عبد الله بن محمد الحمصي
ابن أعين أبو بكر الطائي الحمصي قدم دمشق، وسمع بها.
روى عن عمر بن مضر العبسي، بسنده إلى قتادة عن أنس أنه قال له: أي شيء تعرف من حالنا يشبه حال أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا إله إلا الله، وقد خرجتم بها! وثقوه.
محمد بن عبد الله بن محمد الرهاوي
ابن عبد الملك بن أيوب بن هلال بن كعب بن العرس بن عميرة أبو عبد الله الكندي الرهاوي، المعروف بالمنجم سكن دمشق.
وحدث بها عن أحمد بن عبد الرحمن، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عباداً اختصهم بحوائج الناس، يهرع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله ".(22/319)
كتب أبو الحسين الرازي بخطه في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد، وكان من أهل الرها، سكن دمشق، ويعرف بالمنجم، مات سنة أربع وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن عبد الله بن محمد القرشي
ابن إبراهيم بن ثابت بن يزيد بن أيمن أبو بكر القرشي، مولاهم، المعروف بابن شلحويه روى عن أبي النضر إسماعيل بن عبيد الله البجلي بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً.. " الحديث.
قال أبو سليمان بن زبر: وفي جمادى الآخرة - يعني من سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة - توفي أبو بكر بن شلحويه.
محمد بن عبد الله بن محمد التيمي
ابن معاذ بن عبد الحميد بن حريث بن أبي حريث أبو بكر التيمي، مولى أبي بكر الصديق روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي، لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً، فقدر أن ينصره، فلم ينصره ".
كتب الرازي في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد.. مات في رجب سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة.(22/320)
محمد بن عبد الله بن محمد القرطبي
ابن عبد البر بن عبد الأعلى ابن سالم بن عبد الله بن محمد بن سالم بن عيلان بن أبي مرزوق أبو عبد الله التجيبي القرطبي من علماء الأندلس، رحل إلى المشرق مرتين، وأدركه أجله في رحلته الثانية في طرابلس الشام، فمات بها.
روى عن عبيد الله بن يحيى أبي مروان الأندلسي بإسناده إلى عائشة قالت: كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحرمه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
وعنه أيضاً بإسناده إليها قالت: كنت أرجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا حائض.
قال أبو نصر الحميدي في تاريخ الأندلس:
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد البر أبو عبد الله من العلماء المذكورين والحفاظ المؤرخين، ألف في القضاة والفقهاء بقرطبة والأندلس كتباً، رحل إلى المشرق، ثم انصرف إلى الأندلس فكانت له وجاهة عند الخاصة والعامة بالعلم والزهد، ورحل رحلة ثانية في آخر عمره، فحج، وتوفي بأطرابلس الشام سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة.
محمد بن عبد الله بن محمد بن الخصيب
ولي قضاء دمشق، نيابة عن أبيه عبد الله بن محمد، وكان أبوه يلي القضاء عليها من قبل المطيع لله أبي القاسم الفضل بن جعفر.(22/321)
قال المصنف: كذا قال ابن الأكفاني. وبلغني من وجه آخر أن محمد بن عبد الله هذا، كان يقضي بمصر، خليفة لأبيه في حياته، وأبوه يحضر معه، إلى أن مات في يوم الأربعاء لسبع خلون من شهر ربيع الأول من سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة، بعد وفاة أبيه عبد الله بن محمد بخمسة وأربعين يوماً.
محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح
ابن عمر بن حفص بن عمر ابن مصعب بن الزبير بن سعد بن مشمت بن عمرو بن كعب بن عباد بن النزال ابن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ابن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ويقال: مصعب بن الزبير بن سعد بن كعب بن عباد - أبو بكر التميمي الأبهري الفقيه المالكي سكن بغداد، وقدم دمشق قديماً.
وحدث بها عن أبي بكر محمد بن خزيم بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم.
وعن أبي الدحداح أحمد بن محمد التميمي، بسنده إلى أبي بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب ".
قال الخطيب: محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح أبو بكر الفقيه المالكي الأبهري، سكن بغداد، وحدث بها، وله تصانيف في شرح مذهب مالك بن أنس، والاحتجاج له، والرد على من(22/322)
خالفه، وكان إمام أصحابه في وقته.. ذكره محمد بن أبي الفوارس فقال: كان ثقة أميناً مشهوراً، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب مالك.
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي في كتاب طبقات الفقهاء من أصحاب مالك: ومنهم أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهري التميمي، من نفسهم، تفقه ببغداد، وجمع بين القراءات وعلو الإسناد والفقه الجيد، وشرح مختصر عبد الله بن عبد الحكم، وانتشر عنه مذهب مالك في البلاد، ومولده قبل السبعين ومئتين، ومات سنة خمس وسبعين وثلاث مئة.
روى أبو بكر أحمد بن علي بإسناده أن أبا بكر الأبهري توفي في يوم السبت لسبع خلون من شوال سنة خمس وسبعين وثلاث مئة. ودفن من يومه، وصلى عليه أبو حفص بن الآجري، ومولده سنة تسع وثمانين ومئتين، وإليه انتهت الرئاسة في مذهب مالك.
محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني
ابن عبيد الله بن همام أبو المفضل الشيباني الكوفي الحافظ قدم دمشق.
وحدث بها عن محمد بن عبد الله الطائي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان ذا لسانين في الدنيا، جعل الله له لسانين في النار ".
وعن عبد الله بن محمد البغوي، بسنده إلى صخر الغامدي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم بارك لأمتي في بكورها ".(22/323)
وعن أبي جعفر أحمد بن محمد الضبعي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ذرعه القيء في شهر رمضان، فلا يفطر، ومن تقيأ عامداً فقد أفطر ".
وعن محمد بن عبد الحي بن سويد الحربي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أن الدنيا كلها بحذافيرها بيد رجل من أمتي، ثم قال: الحمد لله، لكانت الحمد لله أفضل من ذلك كله ".
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله أبو المفضل الشيباني الكوفي، نزل بغداد، وحدث بها، وكان يروي غرائب الحديث وسؤالات الشيوخ، فكتب الناس عنه، بانتخاب الدارقطني، ثم بان كذبه، فمزقوا حديثه، وأبطلوا روايته. وكان بعد يضع الأحاديث للرافضة، ويملي في مسجد الشرقية.
توفي أبو المفضل في شهر ربيع الآخر من سنة سبع وثمانين وثلاث مئة.
محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الدبس
أبو عبد الله
خلف أباه على القضاء بدمشق عقيب مضيه إلى مصر لما استدعي منها، وكان صبياً حينئذ. ثم ولي القضاء بها بعد موت أبيه.
كتب عبد المنعم بن علي بن النحوي بخطه: سار القاضي أبو محمد بن أبي الدبس إلى الحضرة بسجل ورد إليه في يوم السبت لتسع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة أربع وتسعين وثلاث مئة، واستخلف ابنه محمداً على القضاء بدمشق وهو صبي له ثمانية عشرة سنة، ورجع ودخل دمشق يوم الأربعاء لليلتين(22/324)
خلتا من المحرم سنة خمس وتسعين، وقدم القاضي أبو عبد الله بن أبي الدبس من مصر والياً للقضاء بدمشق بعد موت أبيه يوم الأحد لثمان عشرة ليلة خلت من شعبان سنة ست وتسعين.
قال القاسم: كان أبي يقول فيه: " ابن أبي الدبي بالسين المهملة، ويحكي ذلك عن أبي محمد بن الأكفاني، وكان عمي - رحمه الله - يقول: ابن أبي الدبش بالشين المعجمة، فالله أعلم. وسمعت أبا عبد الله بن أبي الصقر يقولك كان بدمشق قوم يرفون ببني أبي الدبش بالشين المعجمة يسكنون بباب الشرقي.
محمد بن عبد الله بن محمد الطرسوسي
ابن يحيى بن إبراهيم أبو الفرج السلمي الطرسوسي سكن بانياس.
روى عن أبي بكر محمد بن عيسى بن عبد الكريم، بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس. ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس ".
محمد بن عبد الله بن محمد الزوزني
أبو جعفر الزوزني القاضي قدم دمشق حاجاً.(22/325)
وحدث بها عن زاهر بن أحمد بسنده إلى سهل بن سعد الساعدي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " روحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ".
محمد بن عبد الله بن محمد
ابن جيجون بن خاقان ويقال: محمد بن نصر بن جيجون بن خاقان ويقال: محمد بن أبي نصر - المروروذي الصوفي حدث بجامع دمشق عن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد التميمي بسنده إلى ابن عمر قال: غدونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عرفات، فمنا الملبي، ومنا المكبر.
قال أبو محمد الكتاني: وفيها - يعني سنة ثلاث وستين وأربع مئة - توفي أبو بكر محمد بن أبي نصر المروذي الصوفي في يوم السبت الخامس من رجب.
محمد بن عبد الله بن محمد الأندلسي بن عبد الله
أبو بكر بن العربي الأندلسي الإشبيلي قدم دمشق، وسمع بها، وحدث بها. ولما عاد إلى بلده، صنف كتاباً في شرح جامع أبي عيسى سماه عارضة الأحوذي في شرح كتاب الترمذي.(22/326)
محمد بن عبد الله بن مخلد
أبو الحسين الأصبهاني روى عن قتيبة بن سعيد، بسنده إلى عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جامعها، فلم ينزل، فاغتسلا.
وعن بشار أبي بشر بسنده إلى ابن أبي أوفى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في ابنه إبراهيم: " لو عاش لكان نبياً ".
وعن داود بن رشيد بسنده إلى عبيد بن جريج أنه رأى ابن عمر يخضب بالصفرة، ويخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخضب بها.
قال أبو نعيم الحافظ: محمد بن عبد الله بن مخلد أبو الحسين، خال محمد بن عبد الله بن رستة، يعرف بصاحب الشافعي، وراق الربيع بن سليمان. توفي قبل التسعين ومئتين.
وقال ابن يونس: محمد بن عبد الله بن مخلد الأصبهاني، يكنى أبا الحسين، قدم مصر، وحدث بها، وكانت وفاته في رجب سنة اثنتين وسبعين ومئتين.
محمد بن عبد الله بن المستورد
أبو بكر البغدادي الحافظ، المعروف بأبي سيار رحال، سمع بدمشق.
روى عن محمد بن عبد الله بن نمير، بسنده إلى علي قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر وعمر. وقد كانت من أشياء، فإن يعف الله، فبرحمته، وإن يعذب، فبذنوبنا.(22/327)
وعن محمد بن مخلد بن يزيد، بإسناده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في الليل ساعة، لا يسأل الله فيها عبد مسلم خيراً، إلا أعطاه، وذلك كل ليلة ".
قال أبو نصر بن ماكولا: أما سيار، أوله سين مهملة، ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها، وآخره راء، فهو أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد، أحد الحفاظ.
حدث أبو بكر الخطيب بسنده إلى أبي العباس محمد بن إسحاق الثقفي السراج وذكر أبا سيار فقال:
ثقة مأمون. قال الخطيب: قال لي أبو نعيم الحافظ: قدم أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد البغدادي أصبهان، فقال إبراهيم بن أورمة: ما قدم عليكم مثل أبي سيار.
وحدث بإسناده إلى محمد بن مخلد العطار قال: ومات أبو سيار سنة ثنتين وستين في شوال.
محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله
ابن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب أبو عبد الله الزهري، ابن أخي ابن شهاب حدث عن أبيه وعمه.. وكان مع عمه الزهري بالشام.
روى عن عمه ابن شهاب بسنده إلى ابن عمر قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة.(22/328)
وعنه عن سالم قال: سمعت أبا هريرة يقولك سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً، ثم يصبح، وقد ستره ربه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه! فيبيت يستره ربه، ويكشف ستر الله عنه ".
وكان زعموا يقول إذا خطب: " كل ما هو آت قريب، لا بعد لما يأتي، لا يعجل الله لعجلة أحد، ولا يخاف لأمر الناس، ما شاء الله لا ما شاء الناس، يريد الناس أمراً، ويريد الله أمراً، ما شاء الله كان، ولو كره الناس. لا مبعد لما قرب الله، ولا مقرب لما بعد الله، لا يكون شيء إلا بإذن الله ".
وكان يأمر عند الرقاد وخلف الصلاة بأربع وثلاثين تكبيرة، وثلاث وثلاثين تسبيحة، وثلاث وثلاثين تحميدة، فتلك مئة. وزعم سالم بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك لابنته فاطمة.
وروى عن امرأته أم الحجاج بنة محمد بن مسلم قالت: كان أبي يأكل بكفه كلها، فقلت له: لو أكلت بثلاث أصابع. قال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل بكفه كلها.
قال الزبير بن بكار: وابن أخي ابن شهاب محمد بن عبد الله بن مسلم - يعني ابن عبد الله الأصغر بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة - روى الحديث عن عمه محمد بن مسلم.
وقال محمد بن عمر: سألت محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري، كيف سمعت هذا الحديث من عمك؟ فقال: كنت معه حيث أمره هشام بن عبد الملك أن يكتب له حديثه، وأجلس له(22/329)
كتاباً، يملي عليهم الزهري، ويكتبون. فكنت أحضر ذلك، فربما عرضت لي الحاجة، فأقوم فيها، فيمسك عمي عن الإملاء، حتى أعود إلى مكاني. وكان محمد يكنى أبا عبد الله، قتله غلمانه بأمر ابنه في أمواله بناحية شغب وبدا. وكان ابنه سفيهاً شاطراً، قتله للميراث، وذلك في آخر خلافة أبي جعفر، ثم وثب غلمانه عليه بعد سنتين فقتلوه أيضاً، وليس له عقب. وكان محمد كثير الحديث صالحاً.
روى ابن أبي حاتم بإسناده أن أحمد بن حنبل سئل عن ابن أبي الزهري، فقال: لا بأس به. وأن يحيى بن معين سئل عنه، فقال: ليس بذاك القوي، وقال مرة أخرى: صالح. قال: وقيل لأبي: ما حال ابن أخي الزهري؟ فقال: ليس بقوي، يكتب حديثه.
قال محمد بن عمر: وابن أخي الزهري رواية عن عمه، مات سنة اثنتين وخمسين ومئة.
محمد بن عبد الله بن المسلم
ابن علي بن الحسن بن علي بن أبي سراقة أبو المجد الهمذاني تولى عمالة أوقاف الجامع مدة، وتولى عمالة المواريث الحشرية والجزية بدمشق. ومات ليلة السبت السابع والعشرين من شعبان سنة ستين وخمس مئة، ودفن بعد صلاة الظهر في جبل قاسيون، بظاهر دمشق، في مقبرة الكهف.(22/330)
محمد بن عبد الله بن معاذ
أبو بكر روى عن بكار بن قتيبة، بسنده إلى علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي بكر يوم بدر: " مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل. وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، ويكون في الصف ".
محمد بن عبد الله بن مكرز
أبو بكر القرشي حدث، بصيدا، في سنة اثنتين وستين وثلاث مئة، عن أحمد بن عمير بن جوصا، بسنده إلى ابن عمر قال: انطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعه عمر بن الخطاب، في نفر من أصحابه، قبل ابن صائد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان، عند أظهر بني مغالة، وهو يومئذ قد راهق الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده على صدره.. فذكر الحديث.
محمد بن عبد الله بن منصور
أبو إسماعيل الشيباني العسكري، المعروف بابن البطيخي الفقيه من أصحاب أبي حنيفة.
روى عن سليمان ابن بنت شرحبيل، بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإنك إن تسألها ثم تعطها، توكل إليها، وإن تجعل عليها، تعن عليها، وإذا حلفت على يمين، فرأيت خيراً منها، فأت الذي هو خير، ثم كفر عن يمينك. وإنه لا نذر في يمين ولا قطيعة رحم، ولا فيما لا تملك ".(22/331)
روى أبو بكر الخطيب بإسناده أن أبا إسماعيل البطيخي مات في سنة ثلاث وثمانين ومئتين.
محمد بن عبد الله بن مهاجر
أبو عبد الله الشعيثي النصري، ويقال: العقيلي من أهل دمشق.
روى عن العباس بن عبد الرحمن، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقام الحدود في المساجد، ولا يستقاد فيها ".
قال خليفة بن خياط: في الطبقة الرابعة من أهل الشامات: محمد بن عبد الله شعيثي دمشقي.
قال ابن أبي حاتم: محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعيثي العقيلي أبو عبد الله الدمشقي روى عن الحارث بن بدل، وله صحبة، ومكحول وأبيه ...
قال أبو زرعة الدمشقي في تسمية الأصاغر من أصحاب واثلة بن الأسقع: ومحمد بن عبد الله الشعيثي، قالوا إنه أدركه ولا نعلم له حديثاً.
قال أبو بكر الخطيب: محمد بن عبد الله بن المهاجر النصري، يعرف بالشعيثي من أهل دمشق حدث عن أبيه ... وكان ممن قدم بغداد، وحدث بها.(22/332)
قال أبو نصر علي بن هبة الله: الشعيثي بثاء معجمة بثلاث فهو محمد بن عبد الله بن المهاجر الشعيثي.
وقال في باب النصري بالنون والصاد المهملة: محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعيثي النصري، وروى بسنده إلى ابن أبي نصر قال: قلت لمحمد بن عبد الله: متى لقيت الحارث بن بدل؟ قال: في زمن عبد الملك بن مروان، قلت: وابن كم أنت يومئذ؟ قال: ابن عشرين سنة. قلت: وابن كم كان الحارث بن بدل يومئذ؟ قال: ابن ثمانين سنة. قلت: وكم لقيت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أربعة.
روى أبو بكر الخطيب بسنده إلى معاذ بن معاذ قال: لقيت محمد بن عبد الله الشعيثي، وكان أبو جعفر قد ولاه بيت المال، وقال: إنه كان ولينا في زمن بني أمية، فأحسن الولاية. قال معاذ: وكان معه ابن له، لقي مكحولاً.
قال ابن أبي حاتم حدثني أبي قال: سألت دحيماً عن الشعيثي فقال: كان ثقة، وكان قديماً، يروي عن مكحول.
وروي عن أبي حاتم الرازي أنه سئل عن محمد بن عبد الله الشعيثي فقال: يكتب حديثه ولا يحتج به.
قال أبو سليمان بن زبر: وفيها - يعني سنة خمس وخمسين ومئة - مات محمد بن عبد الله الشعيثي.(22/333)
محمد بن عبد الله بن ميمون
أبو الحواري أخو أحمد الزاهد.
روى عن أخيه قال: قال علي بن الفضيل لأبيه: يا أبت، ما أحلى كلام أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: يا بني، وتدري لم حلا؟ قال: لا. قال: لأنهم أرادوا به الله عز وجل.
وعنه قال: تعبد رجل من بني إسرائيل في غيضة في جزيرة في البحر أربع مئة سنة، فطال شعره، حتى كان إذا مر في الغيضة تعلق بأغصانها بعض شعره. فبينا هو ذات يوم يدور، إذ مر بشجرة فيها وكر طير، فنقل موضع مصلاه إلى قريب منها. قال: فنودي؛ أنست بغيري؟! وعزتي لأحطنك مما كنت فيه درجتين!
محمد بن عبد الله بن نمران الذماري
روى عن أبي عمرو العنسي بسنده إلى ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سمعه يقول: " من حافظ على الأذان سنة، وجبت له الجنة ".
وعن زيد بن أبي أنيسة بسنده إلى جابر قال: رفع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل طعن رجلاً على فخذه بقرن، فقال الذي طعنت فخذه: أقدني يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " داوها، واستأن حتى ننظر إلى ما تصير " فقال الرجل: يا رسول الله أقدني منه، فقال له مثل ذلك، فقال الرجل: أقدني يا رسول الله، فأقاده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيبست رجل الذي استقاده، وبرئ الذي استقيد منه. فأبطل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ديتها.
ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان والدارقطني.(22/334)
محمد بن عبد الله بن نمير
ابن خرشة بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن مالك بن حطيط ابن جشم بن قسي - وهو ثقيف - الثقفي الطائفي، المعروف بالنميري
شاعر غزل، كان يشبب بزينب بنت يوسف بن الحكم أخت الحجاج بن يوسف، فلما ولي الحجاج الحجاز هرب النميري إلى عبد الملك بن مروان، فاستجار به، وقد ذكر بصرى في شعره فقال: من الوافر
أهاجتك الظعائن يوم بانوا ... بذي الزي الجميل من الأثاث
تؤمل أن تلاقي أهل بصرى ... فيا لك من لقاء مستراث
كأن على الحدائج يوم بانوا ... نعاجاً ترتعي بقل البراث
حدث أبو سلمة الغفاري قال: هرب النميري من الحجاج إلى عبد الملك، واستجار به. فقال له عبد الملك: ما قلت في زينب؟ فأنشده، فلما انتهى إلى قوله: من الطويل
فلما رأت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات(22/335)
قال له عبد الملك: وما كان ركبك يا نميري؟ قال: أربعة أحمرة كنت أجلب عليها القطران، وثلاثة أحمرة صحبتي تحمل البعر. فضحك عبد الملك، حتى استغرب، وقال: لقد عظمت أمرك وأمر ركبك. وكتب إلى الحجاج أن لا سبيل له عليه. فلما أتاه الكتاب، وضعه، ولم يقرأه. ثم أقبل على يزيد بن أبي مسلم، وقال: أنا بريء من بيعة أمير المؤمنين، لئن لم ينشدني ما قال في زينب لآتين على نفسه، ولئن أنشدني لأعفون عنه، وهو إذا أنشدني آمن. فقال له يزيد: ويلك! أنشده، فأنشده: من الطويل
تضوع مسكاً بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات
قال: فقال: كذبت، والله ما كانت تتعطر إذا خرجت من منزلها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
ولما رأت ركب النميري راعها ... وكن من أن يلقينه حذرات
فقال له: حق لها أن ترتاع، لأنها من نسوة خفرات. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
مررن بفخ رائحات عشية ... يلبين للرحمن معتمرات
فقال: صدقت، لقد كانت صوامة حجاجة ما علمتها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله:
يخمرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات
قال له: صدقت، هكذا كانت تفعل، وهكذا تفعل المرأة الحرة الصالحة المسلمة. ثم قال له: ويحك! إني أرى ارتياعك ارتياع مريب، وقولك قول بريء، وقد امتثلت فيك أمر أمير المؤمنين. ولم يعرض له.(22/336)
روى إبراهيم بن محمد: أن سعيد بن المسيب مر ببعض أزقة مكة، فسمع الأخضر الحربي يتغنى في دار العاص بن وائل:
تضوع مسكاً بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات
ولما رأت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات
فضرب سعيد برجله الأرض، وقال: هذا - والله - يلتذ بسماعه. ثم قال: من الطويل
وليست كأخرى وسعت جيب درعها ... وأبدت بنان الكف بالجمرات
وغلت فتات المسك وحفاً مرجلاً ... على مثل بدر لاح في الظلمات
فقامت تراءى يوم جمع فأفتنت ... برؤيتها من راح من عرفات
فكانوا يرون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيب.
قال الزبير بن بكار: وقال محمد بن عبد الله النميري أيضاً:
تهادين ما بين المحصب من منىً ... وأقبلن لا شعثاً ولا غبرات
خرجن إلى البيت العتيق لعمرة ... نواجب في سجف ومختمرات
فلم تر عيني مثل سرب رأيته ... خرجن من التنعيم معتجرات
مررن بفخ ثم رحن عشية ... يلبين للرحمن معتمرات(22/337)
ومما قاله محمد بن عبد الله بن نمير الثقفي: من الطويل
أمن أن نأت دار الأحبة تجزع ... وكل هوىً لا بد يوماً مودع
لقد لبث القلب البعيد ذهوله ... من البين قبل البين حيناً يروع
فقلت لقلبي: كيف إذ شطت النوى ... وعلقت ما علقت منهن تصنع؟
وبانت بذاك القلب شمس لقيتها ... بمكة بين المشعرين تطوع
فما برح المسعى لدن أن مشت به ... إلى الحول ريا المسك فيه تضوع
وإن يكو أمسى اليوم في الجسم حبها ... سريعاً جواه فهو في النفس أسرع
تمسك بحبل الود لا تقطعنه ... وشر حبال الود ما يتقطع
وحافظ على سر الأمين فلا يضع ... لديك، وماذا بعد سرك تمنع؟!
ومما قاله أيضاً: من الطويل
أمن رسم دار عهدها متقادم ... غراماً وجهداً دمع عينيك ساجم؟
فحتى متى لله درك فاستفقتهيم بذكراها كأنك حالم؟
نأت بعد إسعاف بليلى ديارها ... وقلبي لليلى في المودة لائم
وكنا، ولكن الليالي دولة، ... كلانا قرير العين، بالعيش ناعم
فتبدي صدوداً ظاهراً وخيانة ... وفي السر ود بيننا وتكاتم
ويعصمنا من كل سوء وريبةوفاحشة والحمد لله عاصم
ومن شعره قوله:
خليلي عوجا نقض أسباب حاجة ... ونشك الذي قد شفنا ونسائل
وأم بريه هم قلبي لو أنها ... تلين لود أو تجود بنائل
بذلت لها ودي وضنت بودها ... وكم من مسول وده غير باذل
وعلقتها يوم المعرف إنني ... كذاك مشوق بالحسان العقائل(22/338)
وقلت لها عند الجمار، فأعرضت: ... صلي حبلنا يا زين أهل المنازل
تشوب بياضاً ناصعاً وصباحة ... بمعتدل فعم من الخلق كامل
أسيلة مجرى الدمع صاف جبينها ... هضيم حشاها، جيدها غير عاطل
تروق على النسوان حيث لقيتها ... إذا خرجت في حفلة أو مباذل
محمد بن عبد الله بن ياسر
أبو عبد الله روى عن محمد بن بكار، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر وعمر: " والله إني لأحبكما كما يحب الله إياكما، إن الملائكة لتحبكما كحب الله لكما، أحب الله من أحبكما، وصل الله من وصلكما، قطع الله من قطعكما، أبغض الله من أبغضكما في دنياكما وآخرتكما ".
محمد بن عبد الله العامري
من أهل دمشق.
روى عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر ". ثم قرأ: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ".(22/339)
محمد بن عبد الله أبو عبد الله
البجي من أهل بج حوران، قرية كانت على باب دمشق.
قال: سمعت الأوزاعي يقول: يجتنب - أو يترك - من أقاويل أهل العراق خمس، ومن أقاويل أهل الحجاز خمس؛ يترك من قول أهل العراق شرب النبيذ المسكر، والأكل في الفجر في شهر رمضان، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار، وتأخير العصر حتى يكون ظل كل شيء أربعة أمثاله، والفرار يوم الزحف. ومن أقاويل أهل الحجاز استماع الملاهي، والجمع بين الصلاتين من غير عذر، والمتعة بالنساء، والدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين يداً بيد، والخامسة إتيان النساء في أدبارهن.
محمد بن عبد الله
قاضي أذرعات مدينة من نواحي دمشق.
روى عن خالد بن يزيد، بسنده إلى فاطمة قالت: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر، ثم صعد المنبر، وثار الناس إليه.. فذكر حديث الجساسة بطوله.
محمد بن عبد الله الكاتب
المعروف بابن عبدكان صاحب الرسائل المعروفة، من كتاب الدولة الطولونية. كان أول أمره أنه ولي البريد بجندي دمشق وحمص، ثم صار كاتب أبي الجيش خمارويه بن أحمد.(22/340)
محمد بن عبد الله النهرديري
روى عن محمد بن المعافى الصيداوي، بسنده إلى عبد الله بن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كان في الصلاة رفع يديه.
محمد بن عبد الله الفرغاني
أبو عبد الله الفرغاني من شيوخ الصوفية.
قال: حدثني أبو جعفر الحداد قال: كنت في طريق مكة، فجلست أستريح، فإذا إلى جانبي عصفور على حجر، فلم يبرح، ولم يستوحش فجعلت أبصر إليه؛ يجيء الذباب، فيضرب منقاره، ويرم حواليه، فيفتح فاه، فيدخل الذباب فيه! فرأيت هذا منه مراراً، فقمت غليه، فإذا هو أعمى، والذباب الذي يجيء إليه رزقه.
قال أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمذاني: رأيت أبا عبد الله الفرغاني يحمل الخبز والأدم للفقراء، وهو شيخ من مشايخ الدمشقيين.
محمد بن عبد الله أبو بكر النيسابوري
المقرئ الحاجبي قدم دمشق.(22/341)
وحدث بها عن أبي علي محمد بن عبد الرحمن بن علي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ما من مولود إلا يولد على الفطرة " ثم يقول: اقرؤوا " فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ".
محمد بن عبد الله أبو بكر السنجاري
روى عن حمزة بن محمد الشاشي، بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه ".
سئل أبو بكر السنجاري عن مولده فقال: لي تسع وخمسون سنة، ولدت سنة ثلاث وأربع مئة.
محمد بن عبد الأعلى بن محمد
ابن عبد الأعلى بن عبد الرحمن بن يزيد بن ثابت بن أبي مريم بن أبي عطاء أبو هاشم الأنصاري مولى سهيل بن الحنظلية، المعروف بابن عليل. إمام جامع دمشق.
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر الدعاء بهؤلاء الكلمات: " اللهم إني أسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضا بالقدر ".(22/342)
وعنه بسنده إلى سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة، فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة.. وذكر الحديث بطوله.
قال أبو سليمان بن زبر: في ربيع الآخر - يعني من سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة - توفي أبو هاشم ابن عليل الإمام.
محمد بن عبد الباقي بن جعفر بن مجالد
أبو منصور الثقفي الكوفي روى عن الشريف أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن، بسنده إلى أبي الأحوص عن أبيه قال: يا رسول الله مررت برجل، فلم يضيفنين ولم يقرني، ثم مر بي، فأجزيه أم أقريه؟ فقال: " بل اقره ".
محمد بن عبد الباقي بن محمد بن موسى
أبو الحسن بن القاطوع التنوخي أصله من قنسرين كان يقدم دمشق، وله صدقات جارية على أهل القرآن والمستورين وأوقاف كثيرة.
روى عن عبد الرحمن بن بي نصر، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(22/343)
لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ".
حدث في منزله بدمشق بحديث، في ربيع الآخر من سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
محمد بن عبد الباقي بن محمد
ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة ابن الحارث بن عبد الله بن كعب بن مالك شاعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر بن أبي طاهر الأنصاري السلمي البغدادي البابشامي النصري البزاز المعدل، المعروف بقاضي البيمارستان كان دخل دمشق عند اجتيازه إلى مصر، وكان يعرف الفقه على مذهب أحمد والفرائض والحساب والهندسة، وينظر في وقوف البيمارستان العضدي، ويشهد عند القضاة.
روى عن أبي إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار ".
وعن أبي محمد الجوهري، بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها.(22/344)
قال المصنف: سألت أبا بكر عن مولده، فقال: في صفر سنة اثنتين وأربعين.. وأخبرنا أبو سعد بن السمعاني أنه توفي يوم الأربعاء الرابع، أو الخامس من رجب، سنة خمس وثلاثين وخمس مئة.
محمد بن عبد الحميد
أبو جعفر الفرغاني العسكري الكفيف الضرير سكن لؤلؤة محلة خارج باب الجابية، وكان يلقب زريقاً.
روى عن محمد بن إسماعيل بن البحتري بسنده إلى علي بن أبي طالب أنه قال لابن عباس: وهو يرخص في متعة النساء: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية.
وعن أحمد بن بديل، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التائب من الذنب كما لا ذنب له، والمستغفر من الذنب، وهو مقيم عليه، كالمستهزئ بربه، ومن آذى مسلماً كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل ".
قال أبو سليمان بن زبر: سنة سبع عشرة وثلاث مئة، في شهر ربيع الأول توفي محمد بن عبد الحميد، زريق المعلم.(22/345)
محمد بن عبد الرحمن بن أحمد
ابن محمد بن إسحاق بن إسماعيل بن منصور بن معاوية بن عفيف أبو جعفر المري المقرئ حدث بدمشق عن أحمد بن محمد بن يحيى بسنده إلى عبد الله
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه التلبية: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ".
محمد بن عبد الرحمن بن أحمد النسوي
أبو عمرو النسوي القاضي روى عن علي بن موسى بن السمسار، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل عليه، فقال: " ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ " قال: قلت: بلى. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تفعل، ولكن صم وأفطر، وقم وارقد، فإن لعينيك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإنه عسى أن يطول بك عمر، وإن حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن بكل حسنة عشر أمثالها، فإذا ذلك الدهر كله ". قال: فشددت، يعني فشدد علي. قال: قلت: أطيق غير ذلك. قال: " فصم صوم نبي الله داود " قلت: كيف صوم نبي الله داود؟ قال: " تصوم يوماً، وتفطر يوماً ".
أنشد أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن لنفسه: من الخفيف
اتخذ طاعة الإله سبيلا ... تجد الفوز بالجنان وتنجو
واترك الإثم والفواحش طراً ... يؤتك الله ما تروم وترجو(22/346)
محمد بن عبد الرحمن دحيم بن إبراهيم
ابن عمرو بن ميمون المعروف بالراقود أنشد في أبيه لرجل من ولد أبي عبيد الله الأشعري: من البسيط
قالت مقالاً أبانت فيه لي غضبا: ... إخال رأي بني العباس قد عزبا
فقلت: من حادث جاء الزمان به؟ ... قالت: دحيم تولى الحكم، يا عجبا!
ضاع القضاء، وضاع الآمرون به ... وأصبح الدهر منه الوجه منقلبا
قالت أمية: هذا وقت دولتنا ... ردت إلينا، وإن الأمر قد قربا
منا القضاة على الأمصار قد علمت ... عليا معد بأنا لم نقل كذبا
فلست مستوجباً حكماً تقلده، ... أبا سعيد، ولم تستوجب النسبا
قال المصنف: أبو سعيد هو عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وكان جده ميمون من موالي عثمان بن عفان، وكان دحيم شديد الميل إلى بني أمية، فعرض به هذا الشاعر - وهو من أهل طبرية - حين ولي القضاء بها وبسائر مدن فلسطين والأردن، ليعزله الخليفة عن القضاء.
/(22/347)
محمد بن عبد الرحمن بن الأشعث ابن نافع بن عبد الله أبو بكر الربعي العجلي إمام جامع دمشق.
حدث عن أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ألفين ما نوزعت أحداً منكم على الحوض فأقول: هذا من أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك " قال أبو الدرداء: يا نبي الله ادع الله أن لا يجعلني منهم، قال: " لست منهم ".
وحدث عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر، بسنده إلى عمر بن الخطاب، أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الغسل من الجنابة واتسقت الأحاديث على هذا سواء فيفرغ على يده اليمنى مرتين أو ثلاثاً، ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيصب بها على فرجه بيده اليسرى فيغسل ما هنالك حتى ينقيه، ثم يضع يده اليسرى على التراب إن شاء، ثم يصب على يده اليسرى حتى ينقيها، ثم يغسل يديه ثلاثاً ويستنشق ويمضمض، ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، حتى إذا بلغ رأسه لم يمسحه وأفرغ عليه الماء؛ فهكذا كان غسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما ذكر أو ذكر.
توفي محمد بن عبد الرحمن سنة ست وستين ومئتين.(23/5)
محمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن علي
أبو بكر الجعفي الكوفي ابن ابن أخي حسين بن علي الجعفي سكن دمشق.
حدث بدمشق عن أبي أسامة، بسنده إلى ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدرك عمر وهو يحلف بأبيه فلما سمعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مهلاً فإن الله قد نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من حلف فليحلف بالله أو ليسكت ".
وحدث عن حسين، بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لن يلج النار من شهد بدراً والحديبية ".
توفي ابن أخي حسين بدمشق سنة ستين ومئتين.
محمد بن عبد الرحمن بن زمل
حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ظهرت البدع ولعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فلينثره فإن كان كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
محمد بن عبد الرحمن بن زياد
أبو جعفر الأصبهاني الأرزناني الحافظ حدث عن أبي ميمون أيوب بن محمد بن أبي سليمان بسنده إلى ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعل الله الحسنة بعشر أمثالها، الشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة ".(23/6)
توفي أبو جعفر سنة اثنين وعشرين وثلاث مئة، وقيل: سنة سبع عشرة وثلاث مئة وهو ابن نيفٍ وستين سنة.
محمد بن عبد الرحمن بن السندي
ابن موسى أبو بكر الهمذاني الطرائفي قال أبو بكر: حضرت بدمشق عند ابن جوصا فجعلت أتملقه فقلت: أيها الشيخ مثلك مثل ما قال كثير عزة: من الخفيف
وإذا الدر زان حسن وجوهٍ ... كان للدر حسن وجهك زينا
وتزيدين أطيب الطيب طيباً ... أن لمستيه أين مثلك أينا
فقال: هون عليك؛ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: لا يغر المدح من عرف نفسه.
قال وسمعته يقول: وأي عقوبةٍ على أهل الجهل أشد من موت أهل العلم؟
محمد بن عبد الرحمن بن سهل
ابن مخلد أبو عبد الله الأصبهاني الغزال سمع بدمشق.
وحدث عن محمد بن موسى بن النعمان، بسنده إلى أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سرح رأسه ولحيته بالمشط في كل ليلةٍ عوفي من أنواع البلاء وزيد في عمره " أنكر هذا الحديث.
توفي أبو عبد الله الغزال سنة تسع وستين وثلاث مئة.(23/7)
محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله
ابن عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة الأنصاري المدني وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته.
حدث عن محمد بن عمرو بن الحسين، عن جابر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في سفرٍ فرأى رجلاً عليه زحام قد ظلل عليه فقال: " ما هذا؟ " قالوا: صائم، قال: " ليس من البر أن تصوموا في السفر ".
وحدث عن عمرة، عن عائشة قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخفف الركعتين اللتين قبل الصبح حتى إني لأقول هل قرأ فيها بأم القرآن أو بفاتحة الكتاب؟ توفي محمد بن عبد الرحمن من بني مالك بن النجار سنة أربع وعشرين ومئة، وأمه هند بنت زيد بن عامر بن أبي الراهب.
وكان محمد ثقةً.
محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله
ابن يحيى بن يونس الطائي الداراني المعروف بابن الخلال حدث عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي، بسنده إلى عائشة قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل عثمان بن مظعون عند موته حتى سالت دموعه على وجهه.
وحدث عنه بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني تارك فيكم الثقلين ألا وأحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من(23/8)
السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ". قال أبو سعيد: فما حفظ ذلك ابن مرجانة.
وحدث عن أبي الحسن أحمد بن سليمان بن أيوب بن حذلم، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: كنا لا نقصر السبال إلا في حج أو عمرة.
توفي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن سنة ست عشرة وأربع مئة، وكف بصره في آخر عمره، وكان ثقةً مأموناً نبيلاً.
محمد بن عبد الرحمن بن عثمان
ابن سعيد أبو بكر المؤذن حدث عن أبي العباس عبد الله بن عتاب الزفتي، بسنده إلى بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليلة القدر ليلة أربع وعشرين ".
محمد بن عبد الرحمن بن عثمان التميمي
ابن القاسم بن حبيب بن أبان أبو الحسين بن أبي محمد بن أبي نصر التميمي المعدل حدث عن القاضي أبي بكر يوسف الميانجي، بسنده إلى أنس بن مالك، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ".
قال شعبة: لم يمنعني أن أسأل قتادة، سمعه من أنس إلا أن يفسده علي.
توفي أبو الحسين سنة ست وأربعين وأربع مئة.(23/9)
محمد بن عبد الرحمن بن عمرو
ابن يحمد الأوزاعي حدث عن أبيه، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله فيه حاجة ".
قال ابن الأوزاعي: وسمعت أبي يقول: ما من امرئٍ يشاور من هو دونه في النبل والرأي تواضعاً لله عز وجل واستكانة إلا عزم الله له الرشد، قال: فربما رأيته يشاور الخادم الذي يخدمه.
سئل ابن الأوزاعي عن الخشوع فقال: الحزن.
وحدث عن أبيه قال: يا بني لو كنا نقبل من الناس كل ما يعرضون علينا لأوشك بنا أن نهون عليهم.
كان ابن الأوزاعي من أعبد خلق الله.
محمد بن عبد الرحمن أبي زرعة
ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري الدمشقي حدث عن هشام بن خالد، بسنده إلى معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ ".
ومن مستجاد شعره: من الخفيف
لا ملوم مستقصىً أنت في البر ... ر ولكن مستعطفٌ مستزاد
قد يهز الهندي وهو حسامٌ ... ويحث الجواد وهو جواد(23/10)
محمد بن عبد الله بن عمرو
ابن عبد الرحمن ويقال: عبد الرحيم أبو بكر الرحبي الحمصي القاضي حدث عن أبي بكر محمد بن جعفر بن زريق الحمصي، بسنده إلى أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من بدأ بالسلام فهو أولى بالله ورسوله ".
حدث سنة ثماني وستين وثلاث مئة.
محمد بن عبد الرحمن بن محمد الصيداوي
ابن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله ابن سليمان بن أبي كريمة أبو عبد الله الصيداوي حدث بصيدا سنة إحدى وأربعين وأربع مئة، عن أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بسنده إلى ابن عباس، قال: دخل عمر بن الخطاب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على حصيرٍ قد أثر في جنبه فقال: يا رسول الله، لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا: فقال: " ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكبٍ سار في يومٍ صائفٍ فاستظل تحت شجرةٍ ساعةً من نهارٍ ثم راح وتركها ".
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن طلحة
أبو العلاء بن أبي محمد الصيداوي حدث بصور سنة أربع وثمانين وأربع مئة، عن القاضي أبي مسعود صالح بن أحمد بن القاسم بن يوسف الميانجي، بسنده إلى أبي هند الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول: قال الله عز وجل: " من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي فليلتمس له رباً سواي ".
ولد أبو العلاء الصيداوي سنة اثنتي عشرة وأربع مئة.(23/11)
محمد بن عبد الرحمن بن أبي نزار
أبو عبيد الله الرافقي القاضي قدم دمشق.
وحدث عن محمد بن أحمد بن الجنيد، بسنده إلى ابن عباس قال: فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين.
محمد بن عبد الرحمن بن هشام
ابن يحيى ابن هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو خالد المخزومي المكي القاضي المعروف بالأوقص قدم الشام غازياً.
حدث عن ابن جريح بن عطاء عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل من مصلاه.
وحدث عن خالد بن سلمة قال: لما كان يوم الفتح جاء هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكشف ثوبه عن ظهره، ثم وضع يده على خاتم النبوة؛ قال: فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده فأجاله فأقعده بين يديه، ثم ضرب في صدره ثلاثاً ثم قال: " اللهم أذهب عنه الغل والحسد ثلاثاً " فكان الأوقص يقول: نحن أقل أصحابنا حسداً.
قال الأوقص المخزومي: خرجت مع الرشيد إلى الغزو فنزلنا في ظل قصرٍ بالشام فأشرفت جاريةٌ فقالت:(23/12)
هل فيكم من أهل مكة أحد؟ فسكتنا فقالت: هل فيكم من بني مخزوم أحد؟ قال: فقلت للغلام: قل لها: ما حاجتك؟ قالت: ما فعل محمد بن عبد الرحمن الأوقص؟ قال: فقلت لها: حي في عافية، من أين تعرفينه؟ قالت: كنت لابنة عمه فباعتني، فقلت لها: أي بنات عمه؟ قالت: فاخته كيف هي؟ قلت سالمةٌ؛ وسألت عن ولدها النساء والرجال فقلت له: سلها من أبوها وأمها؟ فأخبرته وعرفتها؛ ثم تنفست الصعداء وأنشدت: من البسيط
من كان ذا شجنٍ بالشام يحبسه ... فإن في غيرها أمسى لي الشجن
وإن ذا القصر حقاً ما به شجنٌ ... لكن بمكة أمسى الأهل والوطن
فدعوت مولىً لي فقلت: اذهب إلى صاحب هذا القصر فأعلمه بموضعي واشتر لي منه هذه الجارية، فذهب فأعلمه فقال: أنا أصير إليه، فإذا هو شاب من بني أمية، فأتى إلي وسلم علي، وقال: لم أعلم بموضعك، وذكر الجارية، فأخبرته بالذي كان منها، فذهب إلى منزله وقال: لا آخذ لها ثمناً.
قال: ثم مضيت بها إلى مكة فأقامت عندنا حيناً.
كان الأوقص قصيراً دميماً قبيحاً، وكانت أمه عاقلةً فقالت له: يا بني إنك خلقت خلقةً لا تصلح فيها لمعاشرة الفتيان، فعليك بالدين فإنه يتم النقيصة ويرفع الخسيسة؛ فنفعني الله بقولها، فتعلمت الفقه فصرت قاضياً.
كان الأوقص عنقه داخلاً في بدنه، وكان منكباه خارجين كأنهما زجان فقالت له أمه: يا بني لا تكون في قومٍ إلا كنت المضحوك منه، المسخور به، فعليك بطلب العلم فإنه يرفعك؛ فطلب العلم فولي قضاء مكة عشرين سنةً؛ فكان الخصم إذا جلس بين يديه يرعد حتى يقوم.(23/13)
وأتاه الدارمي في شيءٍ فتحامل عليه، فبينا الأوقص يوماً في المسجد الحرام ينادي ربه، ويقول: يا رب أعتق رقبتي من النار؛ فقال له الدارمي: أو لك رقبةٌ تعتق لا والله ما جعل الله لك وله الحمد من عتقٍ ولا رقبةٍ فقال له الأوقص: من أنت؟ قال: أنا الدارمي قتلتني وجرت علي؛ قال: لا تقول ذلك ائتني أحكم لك.
وتوفي الأوقص القاضي سنة تسع وستين ومئة.
محمد بن عبد الرحمن بن يونس
أبو العباس الرقي قدم دمشق.
حدث عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى ابن عباس، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لا حياء له فلا غيبة له ".
ولد أبو العباس محمد بن عبد الرحمن بن يونس السراج الرقي سنة مئتين، ومات سنة ثمانٍ وسبعين ومئتين.
محمد بن عبد الرحمن القرشي
حدث عن واثلة بن الأسقع، قال: كنت من أصحاب الصفة، وكان رجلٌ من الأنصار لا يزال يأتيني فيأخذ بيدي ويد صاحبٍ لي إلى منزله، وإنه احتبس عنا ليلةً من الليالي لم يأتنا، فقلت لصاحبي: إن أصبحنا غداً صياماً هلكنا، ولكن انطلق بنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسى نصيب عنده طعاماً، فأتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكونا إليه حاجتنا إلى الطعام، وأعلمناه أن صاحبنا(23/14)
الأنصاري الذي كان يأتينا كل ليلةٍ لم يأتنا؛ فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نسائه امرأةً امرأةً كل ذلك تقول: والله ما أمسى عندنا طعامٌ يا رسول الله.
قال: فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه إلى السماء، فقال: " اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك، وإنا إليك راغبون ". فما ضم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه إلا ورجلٌ من الأنصار معه قصعةٌ عظيمةٌ فيها ثريدٌ ولحمٌ؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا فضل الله قد أتاكم وأنا أرجو أن يكون الله قد أوجب لكم رحمته ".
محمد بن عبد الرحمن السلمي
كان ببيروت حدث عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلال: " الغداء يا بلال " فقال: إني صائم؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نأكل أرزاقنا، وفضل رزق بلالٍ في الجنة، شعرت يا بلال أن الصائم تسبح عظامه وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده ".
محمد بن عبد الرحمن الحرشي
قال: كان علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وكنيته أبو الحسن يجالسنا، فكنا يوماً نتحدث إلى أن ذكرنا كنى البهائم، فقلا لنا علي بن عبد الله: أي شيءٍ كنية الحرذون؟ فقلنا: ما ندري؛ فقال: كنيته أبو العميطر؛ قال: فلقبناه بذلك، فكان يغضب؛ فقال لنا شيخ من القدماء: ترون هذا اللقب سيخرجه إلى أمرٍ عظيم.(23/15)
محمد بن عبد الرحمن السلمي البيروتي
كان من أهل الفضل.
قال: كان للأوزاعي ابن يقال له: محمد، وكان من أعبد خلق الله؛ قال: فحدثني أنه رأى أباه يوماً مسروراً فبعث فاشترى رقبةً فأعتقها، فقلت له: يا أبه إني رأيت منك في هذا اليوم شيئاً ما عهدته فيما مضى فقال: ما هو إلا خير والحمد لله؛ فأعدت عليه السؤال وألححت عليه، وهو لا يزيدني على جوابه الأول، إلى أن قلت له: أقسمت عليك بالله لما سررتني بسرورك؛ فقال: أنا أخبرك ولا تخبر به أحداً ما دمت في الدنيا، فقلت: نعم فقال: رأيت في هذه الليلة فيما يرى النائم كأني قد انتهيت إلى باب الجنة، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر فعالجوا بابها وكأنه قد زال فردوه إلى مكانه ثم زال أيضاً فعالجوه ليردوه فأقبل علي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا عبد الرحمن ألا تعيننا على هذا الباب؟ " فقلت: بلى يا رسول الله فأعنتهم عليه فاستوى.
محمد بن عبد الرحمن أبو الحسين
القاضي الجوهري
حدث عن أبي سعيد بن علي بن عمر البغدادي الفقيه، بسنده إلى عائشة أن أبا بكر دخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأراد أن يكلمه بشيءٍ يخفيه من عائشة، وعائشة تصلي فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عائشة عليك بالكوامل " وكلمة أخرى؛ فلما انصرفت عائشة سألته عن ذلك فقال لها: " قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، أسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ أو عملٍ، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأستعيذك مما استعاذ منه عبدك ورسولك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسألك ما قضيت لي من أمرٍ أن تجعل عاقبته رشداً " الكلمة الأخرى: الجوامع.(23/16)
محمد بن عبد الرحمن أبو بكر النهاوندي
سمع بدمشق حدث عن أبي عبد الله لحسين بن محمد الحلبي، بسنده إلى أبي صالح عبد الله بن صالح الصوفي، قال: رؤي بعض أصحاب الحديث في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي؛ فقيل له: بأي شيءٍ؟ فقال: بصلاتي في كتبي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
محمد بن عبد الرحيم أبو عبد الله
التريكي المعروف بحمش النيسابوري الزاهد المطوعي حدث عن أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت أبا سليمان يقول: مر موسى عليه السلام على رجلٍ في متعبدٍ له، قم مر بعد ذلك وقد مزقت السباع لحمه، فرأسٌ ملقى، وفخذٌ ملقى وكبد ملقى فقال موسى: يا رب، عبدك كان يطيعك فابتليته بهذا فأوحى الله إليه: يا موسى إنه سألني درجةً لم يبلغها بعمله فابتليته بهذا لأبلغه تلك الدرجة.
وحدث عنه قال: سمعت أبا سليمان يقول: قال موسى: يا رب خر لي؛ قال: يا موسى لو لم أخلقك لكان خيراً لك؛ قال: يا رب قد خلقتني فخر لي؟ فقال: يا موسى لو أمتك صبياً لكان خيراً لك؛ قال: يا رب فلم تمتني صبياً فخر لي؛ قال: يا موسى لعلك تكبر فأرحمك.
توفي حمش التريكي سنة خمس وسبعين ومئتين.(23/17)
محمد بن عبد الرحيم البغدادي
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: ذكرت مصر عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " السوداء تربتها، المنتنة أرضها، الحلفاء نباتها، القبط أهلها، من دخل فيها وسكن فيها وأكل من آنيتها وغسل رأسه بطينها، ألبسه الله الذل والهوان، وأذهب عنه الغيرة؛ وإن كان ولا بد من السكنى فيها، فعليكم بجبلٍ يقال له المقطم فإنه مقدس، أو بقريةٍ يقال لها: الإسكندرية فإنها أحد العروسين يوم القيامة.
قال: هذا حديث منكر.
محمد بن عبد الرزاق بن عبد الله
ابن أبي حصين بن الحسن بن عمرو أبو البيان بن أبي غانم المعري سكن دمشق حدث عن أبيه أبي غانم، بسنده إلى أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان حب المال وطول العمر ".
ولد محمد بن عبد الرزاق سنة أربع وستين وأربع مئة بمعرة النعمان.
محمد بن عبد الرزاق بن محمد
أبو الفضل الهاشمي الشاهد حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: " خياركم أحاسنكم أخلاقاً ".(23/18)
محمد بن عبد السلام بن عبد الرحمن
ابن عبيد بن سعدان أبو عبد الله بن عمرو قال: أرسل إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقرأ القرآن في سبع ولا تزد على ذلك ".
توفي أبو عبد الله يوم عرفة سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة.
محمد بن عبد الصمد الدويلي الدمشقي
حدث عن أبي أسلم الحمصي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: " لا تحملوا دينكم عن مسالمة أهل الكتاب فإنهم قد ضلوا وأضلوا من كان قبلكم ضلالاً مبيناً ".
محمد بن عبد الصمد بن أبي الجراح
ويقال: ابن الجراح المصيصي المقرئ حدث عن محمد بن الوزير الدمشقي، بسنده إلى أبي هريرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن نكاح اليمين.
محمد بن عبد الصمد بن محمد
ابن لاو ويقال: لاوي أبو عبد الله الزرافي الأطرابلسي مولى المقتدر بالله حدث عن خيثمة بن سليمان بن حيدرة، بسنده إلى ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة وهو محرم.
قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس وإن كانت خالته، إنما تزوجها حلالاً.(23/19)
وحدث عنه بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لم يسبقها عمل ولم تبق معها سيئةً ".
محمد بن عبد العزيز بن حسنون
أبو طاهر الإسكندراني الفقيه الشافعي حدث عن صالح بن شعيب البصري، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل ليبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يخفف عنه كل ذنبٍ ".
توفي أبو طاهر الإسكندري سنة تسع وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن عبد العزيز بن عبد الملك
أبو بكر العثماني حدث عن عبد الرحمن بن سهيل العقيلي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ غفر الله له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبدٍ البحر ".
محمد بن عبد العزيز بن موسى
أبو الفتح بن أبي القاسم البغدادي المقرئ، المعروف أبوه ببدهن حدث عن جحظة البرمكي النديم، عن أبي عبد الله المسمعي، قال: رأيت دلامة بن عمار بالبصرة واقفاً بمقبرة المربد فوقفت أنظر إليه، فلما رآني أنشأ(23/20)
يقول: من مجزوء الرمل
بغتات الدهر تأتي ... ك بما غيب عنكا
والذي لا بد منه ... دائباً سيقرب منكا
كل من تبصره لا ... بد أن يسكن ضنكا
فشغل قلبي ما سمعته، فلما رآني كالواجد مما قال أنشأ يقول: من الطويل
تعيش معافى دائماً ألف حجةٍ ... وتكفى صروف الحادثات سليما
ثم ولى وهو يقول: أولا تغضب.
قال: وأنشدني جحظة البرمكي النديم، قال: أنشدني ابن المعتز لنفسه: من الطويل
وما زلت مذ شدت يدي عقد مئزري ... غنائي لغيري وافتقاري على نفسي
ودل علي الخير جودي وعفتي ... كما ذل إشراق الصباح على الشمس
محمد بن عبد العزيز أبو الفرج
الجرجاني، الصوفي حدث عن أبي صادق الدلال، بسنده إلى عقبة بن عامر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيمٌ على معصيته فإنما ذلك استدراجٌ؛ ثم نزع بهذه الآية " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيءٍ " الآيتين.(23/21)
محمد بن عبد القادر
حدث عن إبراهيم بن يعقوب، بسنده إلى عبد الله، قال: الشمس والقمر وجوههما إلى السماء وأقفاهما إلى الأرض تضيئان في السماء كما تضيئان في الأرض.
محمد بن عبد الكريم بن أحمد
ابن عبد الكريم بن علي بن سعد أبو بكر الكازروني، الصوفي حدث عن عمه الخطيب الإمام أبي نصر محمود بن أحمد بن عبد الكريم، بسنده إلى زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فطر صائماً كتب الله له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر الصائم شيءٌ، ومن جهز غازياً في سبيل الله أو خلفه في أهله كتب الله له مثل أجر الغازي من غير أن ينتقص من أجر الغازي شيءٌ ".
محمد بن عبد الكريم بن سليمان
أبو الحسين المصيصي، القاضي الجوهري قاضي الرملة حدث بدمشق سنة ثلاث وستين وثلاث مئة؛ وحدث عن أبي سعيد الحسن بن علي بن عمر، بسنده إلى عثمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات وهو يعلم أن الله حق دخل الجنة ".(23/22)
محمد بن عبد المتكبر بن الحسن
ابن عبد الودود ابن عبد المتكبر بن هارون بن محمد بن عبيد الله بن المهتدي أبو جعفر الهاشمي الخطيب قاضي البصرة.
حدث عن أبي القاسم بن البزي، بسنده إلى سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " غدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما فيها، وموضع سوطٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها ".
ولد أبو جعفر سنة ثلاثٍ وستين وأربع مئة، وتوفي سنة ثلاثٍ وثلاثين وخمس مئة.
محمد بن عبد المجيد أبو جعفر التميمي
البغدادي المفلوج حدث عن عبد الرحمن بن مهدي، بسنده إلى العرباض بن سارية السلمي قال:
سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو إلى صيام شهر رمضان وهو يقول: " هلموا إلى الغداء المبارك ".
محمد بن عبد الملك بن أبان
ابن أبي حمزة أبو جعفر بن الزيات الوزير كان قد اتصل بالمعتصم وخص به فرفع من قدره ووسمه بالوزارة، وكذلك الواثق(23/23)
بالله استوزره والمتوكل، وكان ابن الزيات أديباً فاضلاً بليغاً عالماً بالنحو واللغة؛ ولما قدم أبو عثمان المازني بغداد في أيام المعتصم كان أصحابه وجلساؤه يخوضون في علم النحو فإذا اختلفوا فيما يقع فيه شك يقول لهم المازني: ابعثوا إلى هذا الفتى الكاتب، يعني محمد بن عبد الملك، فاسألوه وأعرفوا جوابه فيفعلون، فيصدر الجواب من قبله بالصواب الذي يرتضيه المازني ويقفهم عليه.
سأل محمد بن عبد الملك الزيات أبا دلف القاسم بن عيسى العجلي عرض رقعةٍ على الحسن بن سهل، فعرضها عليه، فقال له الحسن: نحن في شغل عن هذا فقال له أبو دلف: مثلك لا يشتغل عن محمد بن عبد الملك؛ فقال لخازنه: احمل مع أبي دلف إليه عشرين ألف درهم فلما وصلت إلى محمد كتب إليه: من البسيط
أعطيتني يا ولي الحمد مبتدئاً ... عطيةً كافأت جهدي ولم ترني
ما شمت برقك حتى نلت ريقه ... كأنما كنت بالجدوى تبادرني
فعرضها أبو دلف على الحسن بن سهل فقال: يا غلام احمل إلى محمد خمسة آلاف دينار.
وعن أبي حفص الكرماني من كتاب عمرو بن مسعدة: أنه كتب إلى محمد بن عبد الملك الزيات: أما بعد: فإنك ممن إذا غرس سقى، وإذا أسس بنى ليستتم بناء أسه ويجتني ثمر غرسه، وبناؤك في ودي قد وهى وشارف الدروس، وغرسك عندي قد عطش وأشفى على اليبوس، فتدارك بناء ما أسست وغرس ما زرعت.
فحدث أبو عبد الرحمن العطوي بذلك، فقال في هذا المعنى أبياتاً يمدح بها محمد بن عمران بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك: من الكامل
إن البرامكة الكرام تعلموا ... فعل الكرام فعلموه الناسا
كانوا إذا غرسوا سقوا وإذا بنوا ... لم يهدموا لبنائهم أساسا(23/24)
وإذا هم صنعوا الصنائع في الورى ... جعلوا لها طول البقاء لباسا
فعلام تسقيني وأنت سقيتني ... كأس المودة من جفائك كاسا
آنستني متفضلاً أفلا ترى ... أن القطيعة توحش الإيناسا؟
ومن بارع مديح البحتري قوله يصف بلاغة محمد بن عبد الملك: من الخفيف
في نظامٍ من البلاغة ما شك ... ك امرؤٌ أنه نظام فريد
ومعانٍ لو فصلتها القوافي ... هجنت شعر جرولٍ ولبيد
حزن مستعمل الكلام اختياراً ... وتجنن ظلمة التعقيد
وركبن اللفظ القريب فأدرك ... ن به غاية المراد البعيد
وأرى الخلق مجمعين على فض ... لك من بين سيدٍ ومسود
عرف العالمون فضلك بالعل ... م وقال الجهال بالتقليد
صارم العزم حاضر الحزم ساري ال ... فكر ثبت المقام صلب العود
دق فهماً وجل حلماً فأرضى ال ... لة فينا والواثق بن الرشيد
لا يميل الهوى به حيث يمضي ال ... أمر بين المقلي والمودود
سؤددٌ يصطفى ونيلٌ يرجى ... وثناءٌ يحيى ومالٌ يودي
قد تلقيت كل يومٍ جديدٍ ... يا أبا جعفرٍ بمجدٍ جديد
وإذا استطرفت سيادة قومٍ ... بنت بالسؤدد الطريف التليد
كان لمحمد بن عبد الملك دابةٌ أشهب أحم لم ير مثله في الفراهة والوطاء والحسن، فذكر المعتصم يوماً الدواب فقال: أشتهى دابةً في نهاية الوطاء تصلح للسرايا؛ فقال له أحمد بن خالد حيلويه: قد عرفته لك يا أمير المؤمنين على أن لا تعلم صاحبه أني ذكرته قال: لك ستر ذلك؛ قال: عند كاتبك محمد بن عبد الملك دابةً لم ير مثله؛ فوجه المعتصم فأخذه من محمد فقال فيه أبياتاً: من الكامل(23/25)
قالوا جزعت فقلت إن مصيبتي ... حلت رزيتها وضاق المذهب
كيف العزاء وقد مضى لسبيله ... عنا فودعنا الأحم الأشهب
دب الوشاة فباعدوك وربما ... بعد الفتى وهو الحبيب الأقرب
لله يوم غدوت عني ظاعناً ... وسلبت قربك أي علقٍ أسلب
نفسي مقسمةٌ أمام فريقها ... وغدا لطيتها فريقٌ يجنب
منها:
وكأن سرجك فوق متن غمامةٍ ... وكأنما تحت الغمامة كوكب
ورأى علي بك الصديق مهابةً ... وغدا العدو وصدره يتلهب
أنساك لا برحت إذاً منسيةً ... نفسي ولا زالت بمثلك تنكب
أضمرت منك اليأس حين رأيتني ... وقوى حبالك من قواي تقضب
ورجعت حين رجعت عنك بحسرةٍ ... لله ما صنع الأصم الأشيب
فليعلمن أن لا تزال عداوةٌ ... مني مربضةٌ وثارٌ أطلب
في أبيات تغالى فيها والأصم الأشيب: أحمد بن خالد حيلويه.
قال مصنف الأصل: وهذه الحكاية أظهرت من خلائقه المستعجمعة الكاشفة لما كان فيه من الآداب المستحسنة، وما الذي بلغ من قدر دابةٍ حتى يضن بها عن المعتصم؟ وهو الخليفة المبرز في فضله وجوده وشرفه وشرف خلائقه وقد استكتبه ونوله وشرفه وخوله، أو ما كان قمناً أن يبتدئ بقمد الدابة إليه عند علمه برغبته فيها ويغتبط بقبوله إياها، ويرى ذلك من المآثر التي يغتبط بها ويفتخر بحيازتها؟ ولكن " أي الرجال المهذب ".
ومن شعر محمد بن عبد الملك ويروى لغيره: من الرجز
قام بعلمي وقعد ... ظبيٌ نفى عنه الجلد(23/26)
يا صاحب الظرف الذي ... أرق عيني ورقد
واعطشي إلى فمٍ ... يمج خمراً من برد
إن قسم الرزق فحس ... بي بك من كل أحد
ولإبراهيم بن العباس في محمد بن عبد الملك الزيات: من الطويل
أبا جعفر خف نبوةً بعد دولةٍ ... وقصر قليلاً من مدى غلوائكا
فإن يك هذا اليوم يوماً حويته ... فإن رجائي في غدٍ كرجائكا
قال يحيى بن أكثم القاضي: كنت مع المتوكل فقال له الواثق: في قلبي من قتل أحمد بن نصر الخزاعي شيءٌ؛ فقال له الزيات: قتلني الله وأحرقني بالنار إن قتلته إلا كافراً، وقال ابن أبي دواد: ضربني الله بالفالج إن قتلته إلا كافراً، وقال ثمامة: قتلني الله إن لم يكن قتلته إلا كافراً؛ فقال المتوكل: فأنا أحرقت الزيات بالنار، وأما ابن أبي دواد فضربه الله بالفالج فمات من ذلك، وأما ثمامة فإنه قتلته خزاعة بدم صاحبهم أحمد بن نصر، وجعل المتوكل يتعجب من ذلك.
قال أحمد الأحول: لما قبض على محمد بن عبد الملك الزيات تلطفت في الوصول إليه، فرأيته في حديدٍ ثقيلٍ فقلت: أعزز علي بما أرى فقال: من الرمل
سل ديار الحي ما غيرها ... وعفاها ومحا منظرها
وبي الدنيا إذا ما انقلبت ... صيرت معروفها منكرها
إنما الدنيا كظل زائلٍ ... نحمد الله كذا قدرها
لما حصل ابن الزيات في التنور الذي مات فيه كتب هذه الأبيات بفحمة: من مجزوء الرمل(23/27)
من له عهدٌ بنومٍ ... يرشد الصب إليه
رحم الله رحيماً ... دل عيني عليه
سهرت عيني ونامت ... عين من هنت عليه
وفي سنة ثلاث وثلاثين ومئتين أخذ المتوكل محمد ابن عبد الملك الزيات، وكان ابن أبي دواد أغراه به، فقبض عليه، وطالبه بالأموال، وكان محمد صنع تنوراً من الحديد فيه مسامير إلى داخله ليعذب به من كان في حبسه من المطالبين فأدخله المتوكل فيه وعذب حتى مات.
محمد بن عبد الملك بن الحسين
ابن عبوديه أبو منصور ويقال: أبو عبد الله الأصفهاني المقرئ العطار قدم الشام.
وحدث سنة سبع وستين وأربع مئة عن الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " وفي رواية " ولا يشتمه " بدل " ولا يسلمه " وحدث عن أبيه بسنده إلى أبي عمرو بن العلاء قال: إني لأحب أن أرى الرجل من أهل مودتي في كل يومٍ مرتين.
محمد بن عبد الملك بن مروان
ابن الحكم ابن أبي العاص بن أمية الأموي أمه أم ولد، كان يسكن الأردن، وغلب عليه حين قتل الوليد بن زيد، ثم بايع ليزيد بن الوليد، وكان محمد ناسكاً.(23/28)
حدث عن أبيه عن أم سلمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به الفقهاء فهو في النار ".
وحدث محمد بن عبد الملك قال: سمع عبد الله بن مسعود أعرابياً يبادر بالصلاة فأتاه ابن مسعود فقرأ بأم الكتاب ثم قال: نحج بيت ربنا ونقضي الدين، وهن يهوين بنا بخطوات يهوين؛ قال ابن مسعود: " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ".
قال الأوزاعي: حدثني محمد بن عبد الملك عن المغيرة بن شعبة، أنه سمع عثمان بن عفان يقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب العالم ". يقال عن أبي مسهر: يقال: إنه ابن عبد الملك بن مروان.
قتل بنهر أبي فطرس سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
محمد بن عبد المنعم بن محمد
أبو الحسن المخرمي حدث عن أبي القاسم المظفر بن حاجب بن أركين الفرغاني، بسنده إلى أبي أمامة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأذنان من الرأس ".
توفي أبو الحسن المخرمي سنة خمس عشرة وأربع مئة.(23/29)
محمد بن عبد الواحد بن عبود
أخو أحمد بن عبد الواحد إن كان محفوظاً.
حدث عن الوليد بن الوليد القلانسي، بسنده إلى ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسبق بين الخيل فيدفع ما ضمر منها من الحفياء إلى ثنية الوداع، ويدفع ما لم يضمر منها من الثنية إلى مسجد بني زريق.
محمد بن عبد الواحد بن قيس
أبو بكر الأفطس السلمي أخو عمر بن عبد الواحد.
حدث عن أبيه، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لامرئٍ ما احتسب، وعليه ما اكتسب، والمرء مع من أحب، ومن مات على ذنابى الطريق فهو من أهله ".
محمد بن عبد الواحد بن محمد المكي
ابن عبد الله ابن محمد بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام أبو البركات القريشي، الأسدي، الزبيري، المكي سمع بدمشق، وولد سنة سبع وخمسين وثلاث مئة، ودخل الأندلس، وحدث بها عن جماعة.(23/30)
قال أبو البركات: حدثني أبو علي حسن بن الأشكري المصري قال: كت من جلاس تميم بن أبي تميم، وممن يخف عليه جداً، فأرسل إلى بغداد فابتيعت له جاريةً رائعة فائقة الغناء، فلما وصلت إليه دعا جلساءه فكنت فيهم، ومدت الستارة وأمرها بالغناء فغنت: من الكامل
وبدا له من بعدما اندمل الهوى ... برقٌ تألق موهناً لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنعٌ أركانه
فمضى لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظراً إليه وصده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه
فأحسنت ما شاءت، وطرب تميم وكل من حضر ثم غنت: من الطويل
سيسليك عما فات دولة مفضلٍ ... أوائله محمودةٌ وأواخره
ثنى الله عطيفه وألف شخصه ... على البر مذ شدت عليه مآزره
فطرب تميم ومن حضر طرباً شديداً ثم غنت: من البسيط
أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
فاشتد طرب تميم وأفرط جداً ثم قال لها: تمني، فلك مناك؛ فقالت: أتمنى عافية الأمير وسعادته. فقال: والله لا بد لك أن تتمني؛ فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟ فقال لها: نعم؛ فقالت: أتمنى أن أغني بهذه النوبة ببغداد قال: فاستنقع لون تميم وتغير وجهه وتكدر المجلس، وقام وقمنا.
قال ابن الأشكري: فلحقني بعض خدمه وقال: ارجع فالأمير يدعوك؛ فرجعت فقال: ويحك أرأيت ما امتحنا به؟ فقلت: نعم فقال: لا بد من الوفاء لها وما(23/31)
أثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها إلى بغداد، فإذا غنت هنالك فاصرفها؟ فقمت وتأهبت وأصحبها جاريةً سله سوداء تعاد لها وتخدمها، وصرت إلى مكة مع القافلة فقضينا حجنا ثم دخلنا في قافلة العراق، فلما وصلنا القادسية أتتني السوداء فقالت: تقول لك سيدتي: أين نحن؟ فقلت لها: نحن نزول بالقادسية؛ فأخبرتها فسمعت صوتها تغني: من مجزوء الكامل
لما وردنا القادسي ... ية حيث مجتمع الرفاق
وشممت من أرض الحجا ... ز نسيم أنفاس العراق
أيقنت لي ولمن أحب ... ب بجمع شملٍ واتفاق
وضحكت من فرح اللقا ... ء كما بكيت من الفراق
فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيدي بالله، أعيدي بالله؛ فما سمع لها كلمة، ثم نزلنا الياسرية وبينها وبين بغداد خمسة أميال في بساتين متصلة، ينزل الناس بها فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول بغداد؛ فلما كان قرب الصباح إذا بالسوداء قد أتتني مذعورةً فقلت: ما لك؟ فقالت: إن سيدتي ليست بحاضرة؛ فقلت: وأين هي؟ قالت: فما أدري؛ فلم أحس لها أثراً بعد؛ ودخلت بغداد وقضيت حوائجي وانصرفت إلى تميم، فأخبرته خبرها، فعظم ذلك عليه واغتم له وما زال واجماً عليها.
محمد بن عبد الواحد بن محمد الكسائي
أبو الحسام الطبري الكسائي قدم دمشق.
وحدث عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد الأسدي الطبري، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح وهمه التقوى ثم أصاب فيما بين ذلك ذنباً غفر الله له ".(23/32)
محمد بن عبد الواحد بن محمد الدارمي
ابن عمر الميمون أبو الفرج الدارمي الفقيه الشافعي.
ولد سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة، وتوفي بدمشق سنة تسع وأربعين وأربع مئة. كان فقيهاً حاسباً شاعراً متأدباً ما رؤي أفصح منه لهجةً.
فمن شعره: من المنسرح
أعراض قلبي غدت معرفةً ... فاجتمعت في الحبيب أعراضي
لا بد منه ومن هواه ولو ... قرضني سيدي بمقراض
توده مهجتي فإن تلفت ... توده في التراب أبعاضي
محمد بن عبد الواحد بن مزاحم
أبو الفضل الصوري، القاضي أنشد بأطرابلس شعراً لخطيب دمياط في سنة أربع وستين وأربع مئة: من مجزوء الرمل
جعلت تنظر ستي ... في ثيابي يوم عيد
وتناديني بشجوٍ: ... يا خليعاً في جديد
لا تغالطني فما ... تصلح إلا للصدود
محمد بن عبد الوهاب بن أبي ذر
أبو عمر، البغدادي القاضي الضرير حدث عن إبراهيم بن شريك الكوفي، بسنده إلى أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثل الصلاة الخمس كمثل نهرٍ على باب أحدكم يغتسل منه في كل يوم خمس مرات، فماذا يبقى من درنه؟ ".(23/33)
محمد بن عبد الوهاب بن هشام
ابن الغاز ابن ربيعة الحرشي حدث عن أبيه، بسنده إلى ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان ذا وصلةٍ لأخيه المسلم إلى ذي سلطانٍ لمنفعة بر أو تيسر عسيرٍ أعين على إجازة السراط يوم دحض الأقدام ".
محمد بن عبد الوهاب
حدث عن محمد بن حمير عن النجيب بن السري قال: كان يقال: لا يبيت الرجل مع المرد في البيت.
وحدث عن عتبة بن الوليد، بسنده عن المشيخة: أنهم كانوا يكرهون أن يحدوا النظر إلى الغلام الجميل الوجه.
محمد بن عبدك أبو جعفر الرازي
حدث بأطرابلس.
وروى عن يحيى بن إسماعيل الواسطي، بسنده إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال: بينا أنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حيرٍ لأبي طالب، أشرف علينا أبو طالب فنظر إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا عم ألا تنزل، فتصلي معنا " فقال: يا بن أخي إني لأعلم أنك على الحق ولكني أكره أن أسجد فيعلو استي، ولكن انزل يا جعفر فصل جناح ابن عمك؛(23/34)
فنزل فصلى على يساري؛ فلما قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته التفت إلى جعفر بن أبي طالب فقال: " أما إن الله قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة كما وصلت جناح ابن عمك ".
محمد بن عبده بن عبد الله
ابن زيد أبو بكر المصيصي حدث عن عصام، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام يوماً من رمضان فسلم من ثلاثٍ ضمنت له الجنة " فقال أبو عبيدة بن الجراح: يا رسول الله أعلى ما فيه سوى الثلاثة؟ قال: " على ما فيه سوى الثلاثة: لسانه وبطنه وفرجه ".
وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عمه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أهل البيت إذا تواصلوا أجرى الله عليهم الرزق وكانوا في كنف الله عز وجل ".
حدث في سنة ثمانٍ وثمانين ومئتين.
محمد بن عبود
وهو أحمد بن عبد الواحد بن عبود أخطأ فيه بعض الرواة.
حدث عن محمد بن كثير المصيصي بسنده إلى بلال بن سعد قال: واحزنا على أني لا أحزن.(23/35)
محمد بن عبيد الله بن أحمد
ابن أبي عمرو أبو الحسن ويقال أبو بكر المنيني المعروف أبوه بأبي عمرو الأسود حدث بقرية منين عن أبي طاهر محمد بن عبد العزيز بن حسنون الإسكندراني، بسنده إلى أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا نودي للصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء " قال الرقاشي: والله ما كذبت على أنس ولا كذب أنس على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
محمد بن عبيد الله بن الأشعث الدمشقي
كان من خيار عباد الله؛ نظر يوماً إلى غلامٍ جميلٍ فغشي عليه واعتاده السقم حتى أقعد من رجليه، فكان لا يقوم عليهما زمناً طويلاً، فكنا نعوده ونسأله عن حاله ولا يخبرنا بقصته ولا بسبب مرضه، وكان الناس يتحدثون بحديث نظره، فبلغ ذلك الغلام فأتاه عائداً فهش إليه وتحرك وضحك في وجهه واستبشر برؤيته، فما زال يعوده حتى قام على رجليه وعاد إلى حالته، فسأله الغلام يوماً المصير معه إلى منزله فأبى أن يفعل، وكلمني أن أسأله أن يتحول إليه فسألته فأبى فقلت: وما تكره من ذلك؟ فقال: لست بمعصومٍ من البلاء ولا آمن من الفتنة وأخاف أن يقع علي من الشيطان محنةً في وقت خلوةٍ أو عند ظفرٍ بفرصةٍ فيجري بيني وبينه معصيةٌ فيحتجب الله عني يوم تظهر فيه الأسرار ويكشف فيه عن ساقٍ فأكون من الخاسرين.(23/36)
محمد بن عبيد الله بن الفضل
المعروف بابن الفضيل أبو الحسين الكلاعي، الحمصي حدث بحمص عن محمد بن مصفى، بسنده إلى أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وإن الصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار والصلاة نور والصوم جنته من النار ".
توفي أبو الحسين بن الفضيل سنة تسع وثلاث مئة.
محمد بن عبيد الله بن محمد الجمحي
ابن عبد الكريم بن أهيب بن عمارة بن عبد الرحمن أبو سلمة بن أبي حكيم القرشي الجمحي حدث عن أبي أمية، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من شرب الخمر من الدنيا لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب ".
وحدث عنه بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزق في ثوبه وذلك بعضه ببعض.
وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مات مريضاً مات شهيداً ".
توفي أبو سلمة سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن عبيد الله بن محمد القري
ابن الحكم أبو الحسين ويقال: أبو معد بن أبي معاوية القري حدث عن أبي الفضل العباس بن الفضل بن جعفر الدباح بسنده إلى البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وددت أني لقيت إخواني " فقلنا: يا رسول الله لسنا إخوانك؟ قال: " أنتم(23/37)
أصحابي، وإخواني قوم يجيئون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر ألا تحب قوماً بلغهم أنك تحبني فأحبوك بحبك إياي فأحبهم أحبهم الله ".
وحدث عن أبيه، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عج حجرٌ إلى الله عز وجل فقال: إلهي وسيدي عبدتك منذ كذا وكذا سنةً ثم جعلتني في أس كنيفٍ فقال: أما ترضى أن عدلت بك عن مجالس القضاة ".
قال أبو معد محمد بن عبيد الله المؤدب بدمشق: صليت خلف أبي إبراهيم المزني بمصر فسمعته يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
محمد بن عبيد الله بن محمد الشيرازي
ابن عبيد الله ابن جعفر بن أحمد بن خرجوش أبو الفرج الشيرازي، المعروف بالخرجوشي قدم دمشق.
حدث عن أبي العباس الحسن بن سعيد المطوعي بسنده إلى أبي سعيد أن ماعز بن مالك أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني أصبحت فاحشةً؛ فردده مراراً، فسأل قومه: " أبه بأسٌ؟ " قيل: ما به بأسٌ، فأمرنا فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد فلم نحفر ولم نوثقه، فرميناه بجندل وخزف فسعى وابتدرنا خلفه فأتى الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد حتى سكت.
وحدث عنه أيضاً، بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه.
توفي الخرجوشي سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة، وكان شيخاً صالحاً ديناً ثقةً.(23/38)
محمد بن عبيد الله بن مروان
ابن محمد بن هشام بن محمد بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن مروان بن الحكم أبو النضر السليماني الضرير قدم دمشق.
حدث عن أبيه، قال: دخلت على المأمون وهو يأكل جبناً وجوزاً، فقلت: يا أمير المؤمنين تأكل هذا وهما داءان فقال: اسكت، حدثني أبي الرشيد، عن أبيه المهدي، عن جده المنصور، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجبن داء والجوز دواءٌ فإذا اجتمعا صارا شفاءين ".
محمد بن عبيد الله أبو جعفر البغدادي
المعروف بأخي كاجويه خوارزمي الأصل، وهو ختن أبي الآذان الحافظ.
سمع بدمشق.
وحدث عن أبي زرعة الدمشقي، بسنده إلى أنس، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصحب الملائكة رفقةً فيها جرسٌ ولا بيتاً فيه جرس ".
محمد بن عبيد الله الكفرسوسي
حدث عن هشام بن خالد، بسنده إلى عبد الله بن حسين، عن أبيه عن جده، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(23/39)
أربعٌ من سعادة المرء: أن تكون زوجته موافقةً وأولاده وإخوانه صالحين وأن يكون رزقه في بلده ".
محمد بن عبيد الله أبو نصر بن الخشني
شاعرٌ، من شعره: من الكامل
أفدي مودعتي وقد خلط الأسى ... عند النوى منها التشاجي بالشجا
لما رأت إبلي تشد رحالها ... في حال توديعي وطرفي مسرجا
جعلت بلؤلؤ ثغرها بلور را ... حتها علي بعضها فيروزجا
وأعاد عناب الأنامل لطمها ... بلحاً وورد الوجنتين بنفسجا
محمد بن عبيد ويقال ابن عامر
أبي الجهم بن حذيفة بن غانم بن عامر القرشي، العدوي من أهل المدينة.
وفد على يزيد بن معاوية ورجع إلى المدينة فخرج مع أهل الحرة، وقتل معهم في حياة أبيه غانم سنة ثلاث وستين.
حدث عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: " يا حارث كيف أصبحت؟ " قال: أصبحت مؤمناً حقاً؛ قال: " انظر ما تقول، إن لكل حق حقيقة " قال: ألست قد عزفت الدنيا(23/40)
عن نفسي وأظمأت نهاري وأسهرت ليلي وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً. وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، ولكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، يعني يصيحون؟ قال: " يا حارث عرفت فالزم " ثلاث مرات.
وكان معقل بن سنان ومحمد بن أبي الجهم في قصر العرصة فأرسل إليهما مسلم انزلا بأمان: فنزلا فأمر بقتلهما فقال محمد بن أبي الجهم: ناولني سيفي ولا ذمة لي عندكم؛ وكان مروان عمل فيه، فقال له مسلم: أنت الذي وفدت على أمير المؤمنين فوصل رحمك وأحسن جائزتك ثم رجعت إلى المدينة تشهد عليه بشرب الخمر؟ والله لا تشهد بعدها شهادة زورٍ أبداً؛ وأمر بقتله، فجزع وجعل يشق جبةً عليه فقال له معقل بن سنان: ما هذا الجزع؟ قال: لو كنت بلغت من السن ما بلغت لم أجزع ولكني شاب حديث السن؛ فقتل وأمر برأسه فوضع بين يدي أبيه قال له: تعرفه؟ قال: نعم، هذا ابن سيد فتيان قريش، ويقال: أمر بالرأس فوضع بين يدي أخيه لأمه موسى بن طلحة، أمهما خولة بنت القعقاع بن معبد بن زرارة؛ فقال: هذا رأس سيد فتيان العرب؛ ولمحمد بن أبي الجهم يقول بعض التميميين: من الطويل
نحن ولدنا من قريشٍ خيارها ... أبا الحارث المطعام وابن أبي الجهم
أبو الحارث: يعني عبد الله بن أبي ربيعة، وهو أبو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وأم عبد الله أسماء بنت مخرمة من بني نهشل؛ فلما قتل محمد بن أبي الجهم قال أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص وعنده بنت أبي الجهم بن حذيفة: أيها الأمير إن الميت عورة الحي، وقد عرفت الصهر بيني وبينه فائذن لي في دفنه، فأذن له.
وكان مسرف بن عقبة بعدما أوقع بأهل المدينة يوم الحرة في إمرة يزيد بن(23/41)
معاوية وأنهبها ثلاثاً أتي بقومٍ من أهل المدينة فكان أول من قدم إليه محمد بن أبي الجهم فقال له: تبايع أمير المؤمنين يزيد على أنك عبدٌ قن، إن شاء أعتقك وإن شاء استرقك فقال: بل أبايع علي أني ابن عم كريمٌ حر؛ فقال: اضربوا عنقه.
وعن ابن شهاب قال:
قال أبو الجهم ليلة أتي بممد بن أبي جهم يحمل حين قتله مسرف: لا والله ما وترت قط قبل الليلة وعنده آل سعيد ويزيد بن عبيد الله بن شيبة بن ربيعة يشهدون محمداً وكان أمية بن عمرو بن سعيد عنده سعدى بنت أبي جهم أخت حميد لأمه فسأل مسرف بن عقبة أن يعطيه محمداً فيجنه فأعطاه إياه فجاءه به فقال أبو الجهم: إنكم يا بني أمية تظنون أن دمي في بني مرة، لا والله ما دمي هناك، وما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال القائل: من الطويل
ونحن لأفراسٍ أبوهن واحدٌ ... عتاقٌ جيادٌ ليس فيهن محمر
وما لكم فضلٌ علينا بعده سوى ... أنكم قلتم لنا: نحن أكثر
ولستم بأقران العديد لأننا ... صغارٌ وقد يربو الصغير فيكبر
قال وحميد بن أبي جهم أخو محمد أيضاً.
وعن أيوب بن بشير أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في سفرٍ من أسفاره فلما قرة بحرة زهرة وقف فاسترجع، فساء ذلك من معه وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ما الذي رأيت؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إن ذلك ليس من سفركم هذا " قالوا: فما هو يا رسول الله؟ قال: " يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي ".
قال المدائني: لما قتل أهل الحرة هتف هاتف بمكة على أبي قبيس مساء تلك الليلة وابن الزبير جالسٌ يسمع: من مجزوء الكامل(23/42)
قتل الخيار بنو الخيا ... ر ذوو المهابة والسماح
والصائمون القائمو ... ن التائبون أولو الصلاح
المهتدون المتقو ... ن السائقون إلى الفلاح
ماذا بواقم والبقي ... ع من الجحاجح والصباح
وبقاع يثرب ويحه ... ن من النوادب والصياح
فقال ابن الزبير لأصحابه: يا هؤلاء قد قتل أصحابكم، فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ وكان محمد بن أبي الجهم ممن قتل بالحرة قتل صبراً وكانت الحرة سنة ثلاث وستين؛ وقتل يومئذٍ من حملة القرآن سبع مئة
محمد بن عبيد بن سعد
أبو سعد الجمحي حدث عن أبي مسهر، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم أر للمتحابين مثل النكاح ".
محمد بن عبيد بن أبي عامر المكي
قال: لقيت غيلان بدمشق مع نفرٍ من قريش فسألوني أن أكلمه، فقلت له: اجعل لي عهد الله وميثاقه أن لا تغضب ولا تجحد ولا تكتم؛ فقال: ذلك لك، فقلت: نشدتك بالله، هل في السموات والأرض شيءٌ قط وخيرٌ أو شر لم يشأه الله، ولم يعلمه حتى كان؟ قال غيلان: اللهم لا؛ قلت: فعلم الله بالعباد كان قبل أو أعمالهم؟ قال غيلان: بل علمه كان قبل أعمالهم؛ قلت: فمن أين كان علمه بهم؟ من دارٍ كانوا فيها قبله، جبلهم في تلك الدار غيره وأخبره الذي جبلهم في الدار عنهم غيره؟ أم دارٍ هو جبلهم فيها وخلق لهم القلوب التي يهوون بها المعاصي؟ قال غيلان: بل من دار جبلهم هو فيها، وخلق لهم(23/43)
القلوب التي يهوون بها المعاصي؛ قلت: فهل كان الله يحب أن يطيعه جميع خلقه؟ قال غيلان: نعم؛ قال: انظر ما تقول؛ قال: هل معها غيرها؟ قلت: نعم، فهل كان إبليس يحب أن يعصي الله جميع خلقه؟ قال: فلما عرف الذي أردت سكت فلم يرد علي شيئاً.
محمد بن عبيد بن وردان أبو عمرو
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عياض بن حمار المجاشعي حديثاً مختصراً رواه غيره كاملاً، هو عن عياض
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم في خطبته: " ألا وإن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا، كل مالٍ نحلته عبدي حلالٌ وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاحتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ثم إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عجمهم وعربهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال: إنما بعثتك لأبتليك وابتلي بك وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرأه نائماً يقظاناً، وإن الله أمرني أن أحرق قريشاً، فقلت: يا رب، إذاً يثلغوا رأسي فيدعوه خبزةً؛ فقال: استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشاً نبعث خمسة أمثاله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك؛ وأهل الجنة ثلاثةٌ: ذو سلطان مقسطٌ متصدق موفق، ورجلٌ رحيمٌ رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجلٌ فقيرٌ عفيف متصدقٌ؛ وأهل النار خمسةٌ: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعٌ أو تبعاء يحيى لا يبتغون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، ورجلٌ لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل والكذب والشنظير الفحاش ".(23/44)
محمد بن أبي عتاب المؤذن
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عبد الله بن أبي مطرف، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تخطى الحرمتين فخطوا أوسطه بالسيف ".
محمد بن عتبة أبي خليد بن حماد الحكمي
حدث عن أحمد بن خالد بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خمسٌ لا جناح على أحدٍ في قتلهن وهو محرمٌ: الفأرة والحدأة والعقرب والكلب العقور ".
محمد بن عتيق أبي بكر بن محمد
ابن أبي نصر هبة الله بن علي بن مالك أبو عبد الله التميمي، القيرواني، المتكلم الأشعري، المعروف بابن أبي كدية قدم دمشق مجتازاً إلى العراق. قتل سنة ثمانين وأربع مئة.
أنشد أبو عبد الله لأبي العلاء المعري الأعمى: من الطويل
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهةً ... وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاجٌ ولكن لا يعاد لنا السبك
فرد عليه أبو عبد الله محمد الطائي البجائي المتكلم فقال: من الطويل(23/45)
كذبت وبيت الله حلفة صادقٍ ... سيسبكنا بعد الثوى من له الملك
ونرجع أجساماً صحاحاً سليمةً ... تعارف في الفردوس ما بيننا شك
توفي سنة اثنتي عشرة وخمس مئة خارج الكرخ، بالجانب الغربي، رحمه الله.
محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة
ابن أبي زرعة بن إبراهيم أبو زرعة الثقفي مولاهم قاضي دمشق ومصر كان عفيفاً حسن المذهب شديد التوقف عن إنفاذ الحكم وكان جد جده إبراهيم يهودياً فأسلم.
قال أبو زرعة القاضي: عرض يحيى بن خالد القضاء على عبد الله بن وهب المصري فكتب إليه: إني لم أكتب العلم أريد أن أحشر به في زمرة القضاة، ولكني كتبت العلم أريد أن أحشر به في زمرة العلماء.
لما اتصل الخبر بأبي أحمد الموفق أن أحمد بن طولون خلعه بدمشق، أمر الموفق بلعن أحمد بن طولون على المنابر بالعراق، فلما بلغ ذلك أحمد بن طولون أمر بلعن الموفق على المنابر بالشام ومصر، فكان أبو زرعة محمد بن عثمان القاضي الدمشقي ممن خلع الموفق ولعنه، فوقف قائماً عند المنبر بدمشق يوم الجمعة حين خطب الإمام ولعن الموفق؛ فقال أبو زرعة محمد بن عثمان: نحن أهل الشام، نحن أصحاب صفين، وقد كان فينا من حضر الجمل، ونحن القائمون بمن عاند أهل الشام، وأنا أشهد الله وأشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق يريد أبا أحمد كما يخلع الخاتم من الإصبع، فالعنوه لعنه الله.
ولما رجع أحمد بن الموفق من وقعة الطواحين إلى دمشق من الحرب الذي كان بينه وبين أبي الحسن بن طولون بعد موت أحمد بن طولون سنة إحدى وسبعين ومئتين، قال لأبي عبد الله أحمد بن محمد الواسطي: انظر من انتهى إليك ممن كان يبغض دولتنا من أهل دمشق فليحمل إلى الحضرة؛ فحمل يزيد بن محمد بن عبد الصمد، وأبو(23/46)
زرعة عبد الرحمن بن عمرو، وأبو زرعة محمد بن عثمان القاضي، حتى صاروا بهم إلى أنطاكية مقيدين محمولين إلى بغداد، فبينا أحمد بن الموفق وهو المعتضد يسير يوماً إذ نظر إلى محامل الشاميين، وهم المحمولون يزيد بن عبد الصمد وأصحابه فالتفت إلى أبي عبد الله الواسطي فقال: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أهل دمشق؛ فقال: وفي الأحياء هم؟ إذا نزلت فأذكرني بهم.
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: فلما نزل أحمد بن الموفق أحضر أبا عبد الله الواسطي وأحضرنا بعد أن فكت قيودنا، فأوقفنا بين يديه ونحن مذعورون، فقال: أيكم القائل: قد نزعت أبا أحمق يعني أبا أحمد من هذا الأمر كنزعي لخاتمي من إصبعي؟ قال: فربت ألسنتنا في أفواهنا حتى خيل لنا أننا مقتولون. قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: أما أنا فأبلست، وأما يزيد بن عبد الصمد فخرس، وكان تمتاماً؛ وكان أبو زرعة محمد بن عثمان أحدثنا سناً فتكلم فقال: أصلح الله الأمير؛ فالتفت إليه أبو عبد الله الواسطي فقال: أمسك حتى يتكلم أكبر منك سناً؛ ثم عطف إلينا فقال: ماذا عندكم؟ فقلنا: هذا رجل متكلم يتكلم عنا؛ فقال: تكلم؛ فقال: أصلح الله الأمير، والله ما فينا هاشمي صريح ولا قرشي صحيح ولا عربي فصيح، ولكنا قوم ملكنا يعني قهرنا وروى أحاديث كثيرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السمع والطاعة في المنشط والمكره، ثم روى أحاديث في العفو والإحسان، وكان هو المتكلم بالكلمة التي كنا نطالب بجرتها؛ قال: أصلح الله الأمير إني أشهدك أن نسائي طوالق، وعبيدي أحرار ومالي علي حرام إن كان في هؤلاء القوم أحدٌ قال هذه الكلمة، ووراءنا حرمٌ وعيال، وقد تسامع الناس بهلاكنا، وقد قدرت، وإنما العفو بعد المقدرة؛ فالتفت المعتضد إلى الواسطي فقال: يا أبا عبد الله أطلقهم لا كثر الله في الناس مثلهم.
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: فأطلقنا قال: فاشتغلت أنا ويزيد بن عبد الصمد عند عثمان بن حرزاد في(23/47)
ترهة أنطاكية وطينها وحماماتها، وسبق أبو زرعة محمد بن عثمان إلى حمص، ورحلنا نحن من أنطاكية نريد حمص، فهو خارجٌ من بلد ونحن نازلون حتى ورد دمشق قبلنا بأيام كثيرة.
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: فنعينا على أبي زرعة محمد بن عثمان ونعي عليه أهل دمشق فوضعوا عليه كتاباً وذكروا له مثالب وأن أباه كان مجنوناً، وقد كان خرج إلى مصر إلى أبي الجيش يخبره بالسلامة، فدفع أبو الجيش إليه كتاب أهل دمشق بمثالبه؛ فقال: أعز الله الأمير، ما هذا الكتاب بصحيحٍ عن أهل بلدي وإنه لمختلق؛ وذكر دمشق وأهلها بجميل فكتب له بولاية القضاء على دمشق، ورجع أبو زرعة محمد بن عثمان إلى دمشق ووضع يده يشتفي من كل من تكلم فيه من شيوخهم حتى أفضى به الأمر إلى شيخين يعرف أحدهما بابن إياد والآخر بابن نجيح وكانا يلبسان الطويلة فمدا في خضراء دمشق وضربا بالدرة.
قال أبو زرعة محمد بن عثمان القاضي: لما حملنا ابن سليمان إلى العراق قال لي الوزير: ألست من أهل الشام؟ ما ذنبك؟ قلت: ذنبي ما قال أيوب السختياني؛ قال: وما قال أيوب؟ قلت: قال: من أحب أبا بكر الصديق فقد أقام الدين، ومن أحب عمر بن الخطاب فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان بن عفان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد برئ من النفاق؛ قال: فأعجبه ذلك.
توفي أبو زرعة محمد بن عثمان سنة اثنتين وثلاث مئة، وقيل: سنة ثلاث وثلاث مئة. وقيل: سنة إحدى وثلاث مئة.
وكان حافظاً للحديث وهو من موالي بني أمية وكان يرمي بالنصب.(23/48)
محمد بن عثمان بن الحسن
ابن عبد الله أبو الحسين النصيبي القاضي حدث عن أبي عمرو عثمان بن أحمد بن يزيد بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصادق الصدوق:
" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً أو قال: أربعين ليلةً ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيدٌ، ثم ينفخ فيه الروح؛ قال: فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيكون من أهلها ".
توفي أبو الحسين النصيبي سنة ست وأربع مئة.
محمد بن عثمان بن حماد
ويقال: ابن حملة الأنصاري الكفرسوسي حدث عن أبي سليم إسماعيل بن حصن بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خيرٌ وكفر عن يمينك ".
وحدث عن عبد الوارث بن الحسن بن عمرو القرشي، بسنده إلى ابن عمر قال: أقبل قومٌ من اليهود إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقالوا له: يا أبا بكر صف لنا صاحبك؛ فقال: معاشر يهود لقد كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار كأصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء وإن خنصري لفي خنصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شديدٌ، وهذا علي بن أبي طالب، فأتوا علياً فقالوا: يا أبا الحسن صف لنا ابن عمك؛(23/49)
فقال علي عليه السلام: لم يكن حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطويل الذاهب طولاً ولا بالقصير المتردد، كان فوق الربعة، أبيض اللون مشرب الحمرة، جعداً، ليس بالقطط، يفرق شعرته إلى أذنه؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلت الجبين، واضح الخدين، أدعج العينين، دقيق المسربة، براق الثنايا، أقنى الأنف، عنقه إبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه؛ وكان لحبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعراتٌ من لبته إلى صرته كأنهن قضيب مسكٍ أسود، لم يكن في جسده ولا صدره شعرات غيرهن، بين كتفيه كدارة القمر ليلة البدر، مكتوبٌ بالنور سطران، السطر الأعلى: لا إله إلا الله، وفي السطر الأسفل: محمد رسول الله؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنما يتقلع من صخرٍ، وإذا انحدر كأنما ينحدر من صببٍ، وإذا التفت التفت بمجامع بدنه، وإذا قام غمر الناس، وإذا قعد علا على الناس، وإذا تكلم نصت له الناس، وإذا خطب بكى الناس؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرحم الناس بالناس، كان لليتيم كالأب الرحيم، وللأرملة كالزوج الكريم؛ وكان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشجع الناس قلباً وأنداه كفاً، وأصبحه وجهاً، وأطيبه ريحاً، وأكرمه حسباً، لم يكن مثله ولا مثل أهل بيته في الأولين والآخرين؛ كان لباسه العباء، وطعامه خبز الشعير، ووسادته الأدم محشوةً بليف النخل، سريره أم غيلان مزمل بالشريط؛ كان لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمامتان إحداهما تدعى السحاب، والأخرى العقاب، وكان سيفه ذو الفقار، ورايته الغبراء، وناقته العضباء، وبغلته دلدل، حماره يعفور، فرسه مرتجز، شاته بركة، قضيبه الممشوق، لواؤه الحمد، إدامه اللبن، قدره الدباء، تحيته السلام؛ يا أهل الكتاب: كنا حبيبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعقل البعير ويعلف الناضح ويحلب الشاة ويرقع الثوب ويخصف النعل.
محمد بن عثمان بن خراش
أبو بكر الأذرعي حدث عن أحمد بن عتبة القيسراني، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أرعب صاحب بدعةٍ ملأ الله قلبه يمناً وإيماناً، ومن انتهر صاحب بدعةٍ أمنه(23/50)
الله من الفزع الأكبر، ومن أهان صاحب بدعةٍ رفعه الله في الجنة درجةً، ومن لان له إذا لقيه تبشبشاً فقد استخف بما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وحدث عن أبي عبيد محمد بن حسان، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الجنة نهرٌ يقال له: الريان، عليه مدينةٌ من مرجانٍ، لها سبعون ألف بابٍ من ذهبٍ وفضةٍ لحامل القرآن ".
قال محمد بن عثمان: سمعت العباس بن الوليد يذكر قال: تسقم فتفنى، ثم تموت فتنسى، ثم تقبر فتبلى، ثم تنشر فتحيا، ثم تبعث فتسعى، ثم تحضر فتدعى، ثم توقف فتجزى بما قدمت فأمضيت من موبقات سيئاتك، ومثقلات شهواتك، ومقلقلات فعلاتك.
محمد بن عثمان بن سعيد بن مسلم
أبو العباس الصيداوي حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من دخل المسجد لشيءٍ فهو حظه ".
محمد بن عثمان بن سعيد بن هاشم
ابن مرثد الطبراني حدث عن أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب الشيباني، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من الذنوب ذنوباً لا تكفرها الصلاة ولا الوضوء ولا الحج ولا العمرة " قيل: فما يكفرها يا رسول الله؟ قال: " الهوم في طلب المعيشة ".(23/51)
محمد بن عثمان بن عبد الحميد
أبو النمر الصيداوي الضرير حدث عن العباس بن الوليد، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان ذا وصلةٍ لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة بر أو تيسير عسيرٍ أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام ".
محمد بن عثمان بن معبد
أبو بكر الطائي الصيداوي حدث بمكة عن المفضل بن محمد الجندي، عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: سألت أبي قلت: يا أبه أي العلم أطلب؟ قال: يا بني أما الشعر فيضع الرفيع ويرفع الخسيس، وأما النحو فإذا بلغ صاحبه الغاية صار مؤدباً، وأما الفرائض فإذا بلغ صاحبها فيها غايةً كنا معلماً، وأما الحديث فتأتي بركته وخيره عند فناء العمر، وأما الفقه فللشاب وللشيخ وهو سيد العلم.
محمد بن عثمان أبو عبد الرحمن التنوخي
المعروف بأبي الجماهر من أهل كفرسوسية حدث عن سليمان بن بلال، بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوطٍ فاقتلوا الفاعل والمفعول به ".
وحدث عن سعيد بن بشير، بسنده إلى أبي طلحة: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صبح خيبر تلا هذه الآية: " فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ".(23/52)
ولد أبو الجماهر سنة إحدى وأربعين ومئة وقيل: سنة أربعين ومئة؛ وكان ثقةً وتوفي سنة أربع وعشرين ومئتين، وكان يقول: تكاملت النعم، وضعف الشكر والعمل.
محمد بن عثمان العقبي
حدث عن يزيد بن عبد الصمد، بسنده إلى سعيد بن عمارة أنه قال لابنه: أظهر اليأس فإنه غنىً وإياك والطمع فإنه فقرٌ حاضرٌ.
محمد بن عدي بن الفضل
أبو صالح السمرقندي حدث عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن الأزهر التنيسي، بسنده إلى عائشة قالت: طيبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الأضحى بعدما رمى جمرة العقبة.
توفي أبو صالح السمرقندي سنة أربع وأربعين وأربع مئة.
محمد بن عروة بن الزبير
ابن العوام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي الزبيري قدم مع أبيه على الوليد بن عبد الملك فسقط من سطحٍ فمات.
حدث عن عبد الله بن الزبير أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما سمى الله البيت العتيق لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط ".
وحدث عن أبيه، عن بلال، قال: قالت سودة رحمة الله عليها: يا رسول الله مات فلان فاستراح؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما استراح من غفر له ".
وكان محمد بن عروة جميلاً بارع الجمال.(23/53)
وكان عبد الله بن الزبير قد باع ماله بالغابة التي تعرف بالسقاية من معاوية بمئة ألف درهم وقسمها في بني أسد وتميم فاشترى مجاح لعروة من ثمنه بألوف دنانير وأعطاه عروة؛ وفي مجاح يقول محمد بن عروة بن الزبير: من الخفيف
لعن الله بطن لقفٍ مسيلاً ... ومجاحاً فلا أحب مجاحا
لقيت ناقتي به وبلقفٍ ... بلداً مجدباً وأرضاً شحاحا
قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد بن عروة فدخل محمد بن عروة دار الدواب فضربته دابة فخر ميتاً، ووقعت في رجل عروة الأكلة ولم يدع تلك الليلة ورده فقال له الوليد: اقطعها، قال: لا، فترقت إلى ساقه فقال له الوليد: اقطعها وإلا أفسدت عليك جسدك؛ فقطعت بالمنشار وهو شيخ كبير فلم يمسكه أحد فقال: " لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ".
ولما سقط محمد في اسطبل الدواب وضربته بقوائمها حتى قتلته أتى عروة رجلٌ يعزيه فقال له عروة: إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها؛ فقال: لا، بل أعزيك بمحمد؛ فقال: وما له؟ فأخبره الخبر فقال: من الطويل
وكنت إذا الأيام أحدثن نكبةً ... أقول: شوىً ما لم يصبن صميمي
اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء، وأخذت ابناً وتركت أبناء فأيمنك، إن كنت أخذت لقد أبقيت وإن كنت ابتليت لقد أعفيت؛ فلما قدم المدينة نزل قصره بالعقيق فأتاه ابن المنكدر فقال: كيف كنت؟ فقال: " لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ".(23/54)
وقيل: إن عروة لما أصيب برجله وبابنه قال: اللهم إنهم كانوا سبعة فأخذت واحداً وأبقيت ستةً وركن أربعاً فأخذت واحدةً وأبقيت ثلاثاً، الحديث.
وقيل: إنه لما مات ولده كان الماجشون مع عروة بالشام فكره أصحاب عروة وغلمانه أن يخبروه خبره، فذهبوا إلى الماجشون فأخبروه، فجاء من ليلته فاستأذن على عروة فوجده يصلي فأذن له في مصلاه، فقال له: هذه الساعة؟ قال: نعم، طال علي الثواء وذكرت الموت وزهدت في كثيرٍ مما كنت أطلب وخطر ببالي ذكر من مضى من القرون قبلي فجعل الماجشون يذكر فناء الناس وما مضى ويزهد في الدنيا ويذكر بالآخرة حتى أوجس عروة فقال: قل ما تريد، فإنما قام من عندي محمد آنفاً؛ فمضى في قصته ولم يذكر شيئاً ففطن عروة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، واحتسبت محمداً عند الله فعزاه الماجشون عليه وأخبره بموته.
محمد بن عصمة بن حمزة
أبو المطلع السعدي، الجوزجاني الخراساني حدث عن الجمائي، بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يؤمر به إلى النار ".
وحدث سنة إحدى وأربعين ومئتين، بسنده عن أبي المطلع موسى بن ميمون السعدي، أن الحسن بن الحسن قال: كان حي من الأنصار لهم دعوةٌ سابقةٌ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مات منهم ميتٌ جاءت سحابةٌ وأمطرت قبره، فمات مولىً لهم، فقال المسلمون: لننظرن اليوم إلى قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مولى القوم من أنفسهم " فلما دفن جاءت سحابةٌ فأمطرت قبره.(23/55)
وحدث عن بسام بن الفصل البغدادي، بسنده إلى جفشيش الكندي قال: قلت: يا رسول الله، أنت رجل منا؟ قال: " بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا ".
وحدث عن عمرو بن محمد بن عمرو بن ربيعة بن الغاز الحرشي، بسنده إلى ربيعة بن الحارث، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا ركع في الصلاة قال: " اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت، وأنت ربي، خشع لك سمعي وبصري ولجمي ودمي وعصبي وعظمي ومخي وما استطعت وما استقل به قدمي لله رب العالمين، فإذا رفع رأسه قال: " سمع الله لمن حمده " وقال: " ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وما شئت من شيءٍ بعد " فإذا سجد قال: " اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله رب العالمين ".
قال محمد بن عصمة: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواءٌ للداء الذي لا دواء له، الذي أعيت الأطباء أن يداووه: العنب، ولبن اللقاح، وقصب السكر، وقال الشافعي: لولا قصب السكر ما أقمت في بلادكم يعني مصر.
محمد بن عطية بن عروة السعدي
من بني سعد بن بكر يقال: إن له صحبة، والصحيح: إن لأبيه عطية صحبة، وهو من أهل البلقاء.
قال محمد بن عطية: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أناسٍ من بني سعد بن بكر، وكنت أصغر القوم فخلفوني في رحالهم ثم أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقضوا حوائجهم فقال: " هل بقي منكم أحد؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، غلامٌ منا خلفناه في رحالنا؛ فأمرهم أن يدعوني(23/56)
فقالوا: أجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيته فلما دنوت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أعناك الله فلا تسأل الناس شيئاً فإن اليد العليا هي المنطية واليد السفلى هي المنطاة وإن مال الله مسول ومنطى " فكلمني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغتنا.
وحدث عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا استشاط الشيطان تسلط الشيطان ".
قال أبو وائل القاضي: كنا عند عروة بن محمد بن عروة إذا دخل عليه رجلٌ فكلمه بشيء فأغضبه، فلما قام رجع إلينا وقد توضأ قال: حدثني أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الغضب من الشيطان خلق من النار، والنار إنما يطفئها الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ".
قال عروة بن محمد:
لما استعملت على اليمن قال لي أبي: أوليت اليمن؟ قلت: نعم، قال: فإذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض أسفل منك ثم أعظم خالقهما.
محمد بن عقبة بن علقمة بن خديج
أبو عبد الله المعافري البيروتي حدث عن أبيه، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال حين أراد أن ينفر من منى: " نحن نازلون غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر " يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشاً وبني كنانة تقاسموا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا يكون بينهم وبينهم شيءٌ حتى يسلموا إليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحدث عن أبيه، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سها أحدكم في صلاته فلا يدري أزاد أم نقص، فليسجد سجدتين وهو جالسٌ ".(23/57)
محمد بن عقيل بن أحمد بن بندار
ويقال: ابن أحمد بن إبراهيم بن بندار أبو عبد الله الخراساني، المعروف بابن الكريدي دمشقي.
حدث عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان السلمي، بسنده إلى ابن عباس، قال: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل عرقاً أتاه المؤذن فوضعه، وقام إلى الصلاة ولم يمس ماءً.
محمد بن عقيل بن زيد بن الحسن
ابن الحسين أبو بكر الشهرزوري الواعظ سكن دمشق.
حدث عن القاضي أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن سلمة الفارقي، بسنده إلى أنس بن مالك، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ".
وحدث عن أبي عبد الله يحيى بن عبد الله المعروف بابن كرز، بسنده إلى أبي ذر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله تبارك وتعالى، قال: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً " فذكر الحديث.
توفي محمد بن عقيل سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة وكان ثقةً حسن المذهب.(23/58)
حكى المؤرخ عن أبيه أبي محمد الحسن بن هبة الله أنه زار يوماً قبر بلال رضي الله عنه فوجد امرأةً أعجمية تبكي عند قبره فسئلت عن سبب بكائها، فقالت: قبر من هذا الذي إلى جنب بلال؟ فقال: هذا قبر أبي بكر الشهرزوري، وهذا قبر أبيه أبي إسحاق، فقالت: كنت زرت قبر بلالٍ مرةً ثم خرجت إلى المدينة فجاورت بها، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم وهو يقول لي: " زرت قبر بلالٍ وما زرت جاره " فرجعت من المدينة لزيارته.
محمد الأصغر بن عقيل بن أبي طالب
الهاشمي العقيلي كان مع ابن عمه الحسين بن علي حين توجه إلى العراق، فلما قتل الحسين وأهل بيته استصغر محمد بن عقيل فلم يقتل، وقدم به دمشق فيمن أقدم من أهل بيته.
حدث عن أبيه عقيل بن أبي طالب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ".
وحدث عن أبيه قال: نازعت علياً وجعفر بن أبي طالب في شيءٍ، فقلت: والله ما أنتما بأحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني، إن قرابتنا لواحدةٌ، وإن أبانا لواحد، وإن أمنا لواحدة؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما أنت يا جعفر فإن خلقك يشبه خلقي ".
وعقيل بضم العين.(23/59)
محمد بن عقيل بن محمد
ابن عبد المنعم بن هاشم بن ريش أبو عبد الله القرشي حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر بسنده إلى صالح بن مسمار، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للحارث بن مالك: " كيف أنت يا حارث؟ أو: ما أنت يا حارث؟ " قال: مؤمن يا رسول الله؛ قال: " مؤمن حقاً؟ " قال: مؤمن حقاً؛ قال: " فإن لكل حق حقيقة فما حقيقة ذلك؟ " قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي عز وجل، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أسمع عواء أهل النار؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مؤمنٌ، نور الله قلبه ".
وعقيل بفتح العين.
توفي أبو عبد الله محمد بن عقيل سنة سبع وستين وأربع مئة، وكان ثقةً.
محمد بن عكاشة بن محصن
أبو عبد الله الكرماني حدث عن عبد الرزاق، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أطعموا حبالاكم اللبان فإن يكن ما في بطن المرأة غلاماً خرج عالماً غازياً، ذكي القلب شجاعاً سخياً، وإن يكن ما في بطنها جاريةً حسن خلقها، وعظم عجيزتها، وحظيت عند زوجها " قال: هذا حديث منكر.(23/60)
وقال أبو زرعة: كنا محمد بن عكاشة كذاباً.
قال محمد بن عكاشة: إن أصول السنة وما اجتمع عليه أهل السنة والجماعة مثل سفيان بن عيينة، ووكيع، وعد جماعة من العلماء، وهو الرضى بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، والصبر على حكمه، والأمر بما أمر الله، والنهي عما نهى الله، وإخلاص العمل لله، والإيمان بالقدر خيره وشره، وترك المراء والخصومات في الدين، والمسح على الخفين، والجهاد مع كل خليفةٍ، وصلاة الجمعة مع كل بر وفاجرٍ، والصلاة على من مات من أهل القبلة، والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق، والصبر تحت لواء السلطان على ما كان فيهم من عدلٍ أو جور، ولا يخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا، ولا ينزل أحداً من أهل القبلة جنةً ولا ناراً، ولا يكفر أحداً من أهل التوحيد وإن عملوا بالكبائر، والكف عن مساوئ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر وعمر.
قال محمد بن عكاشة: وأخبرنا معاوية بن حماد عن الزهري قال: من اغتسل ليلة الجمعة، وصلى ركعتين يقرأ فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة، ثم نام رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامه.
قال محمد بن عكاشة: دمت عليه نحواً من سنتين طمعاً أن أرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فأعرض عليه هذه الأصول.
قال محمد بن عكاشة: فأتت علي ليلةٌ باردةٌ اغتسلت طمعاً أن أرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فصليت ركعتين وقرأت فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة، فلما أخذت مضجعي أصابتني جنابةٌ فقمت الثانية فاغتسلت وصليت ركعتين قرأت فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة، فلما فرغت منهما قريباً من السحر استندت إلى الحائط، ووجهي إلى(23/61)
القبلة فدخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النعت والصفة وعليه بردان مثل هذه البرود اليمانية قد تأزر بواحدةٍ وتردى بالأخرى، فجاء فاستوى على رجله اليسرى وأقام اليمنى.
قال محمد بن عكاشة: فأردت أن أقول: حياك الله، فبدأني فقال: " حياك الله يا محمد " وكنت أحب أن أرى رباعيته مكسورةً، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظرت إلى رباعيته المكسورة، قفلت: يا رسول الله إن الفقهاء قد خلطوا علي وعندي أصناف من السنة، فأعرضهن عليك؟ قال: نعم؛ قلت: الرضى بقضاء الله والتسليم لأمره، وذكر الأصول التي عددها في أول الحديث.
قال محمد بن عكاشة: فلما ذكرت أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر وعمر وقفت عند علي وعثمان كأني تهيبت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أفضل عثمان على علي، فقلت في نفسي: علي ابن عمه، وعثمان ختنه، فتبسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه قد علم ما أردت، ثم قال: " عثمان ثم علي " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه السنة فشد يدك بها ". وضم أصابعه.
قال محمد: عرضت عليه هذه الأصول ثلاث ليالٍ كل ليلة أقف عند علي وعثمان فتبسم عند وقوفي كأنه قد علم ثم يقول: " عثمان ثم علي تمسك بها ".
قال محمد بن عكاشة: أعرض عليه هذه الأصول وعيناه تهملان، فلما أن قلت: الكف عن مساوئ أصحابك، فانتحب حتى علا صوته.
قال ابن عكاشة: وجدت حلاوةً في فمي وقلبي فمكثت ثمانية أيام لا آكل طعاماً حتى ضعفت عن صلاة الفريضة، فلما أكلت ذهبت تلك الحلاوة من فمي.
قال سعيد بن عمرو البرذعي:
قلت لأبي زرعة: محمد بن عكاشة الكرماني: فحرك رأسه وقال: قد رأيته، وكتبت عنه وكان كذاباً؛ قلت: كتبت عنه الرؤيا التي كان يحكيها؟ قال: نعم كتبت عنه فزعم أنه عرض على شبابة: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقال به، وعلى أبي نعيم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فقال به، كذاب لا يحسن أن يكذب أيضاً، قلت: أين رأيته؟ قال: قدم علينا ها هنا مع محمد بن رافع النيسابوري، وكان رفيقه وكنت أراه، له سمتٌ؛ فسألت محمد بن رافع عنه فكره أن يقول فيه شيئاً، وقال: لا يخفى(23/62)
عليك أمره إذا فاتحته؛ فأتيته فقلت: إن رأيت أن تفيدني شيئاً؛ فوقع عليه الرعدة، ثم كاد أن يصعق، وأقبل بطنه يضطرب، وهالني أمره، ثم أفاق فابتدأ على أثر الصعقة فكان أول من ابتدأ به أن كذب على الله وعلى رسوله وعلى علي بن أبي طالب وعلى ابن عباس؛ قلت: كيف كذب عليهم؟ قال أول ما أملاه علي أن قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك أن ابن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره أن جبريل أخبره أن الله تبارك وتعالى قال: من لم يؤمن بالقدر فليس مني؛ أو نحو هذا من الكلام.
قال أبو عبد الله الحافظ: ومن الكذابين جماعةٌ وضعوا الحديث حسبةً كما زعموا يدعون الناس إلى فضائل الأعمال مثل أبي عصمة ومحمد بن عكاشة.
قيل لمحمد بن عكاشة الكرماني: إن قوماً عندنا يرفعون أيديهم من الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع؛ فقال: حدثنا فلان عن فلان عن أنس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رفع يديه للركوع فلا صلاة له ".
قال سهل بن السري الحافظ: قد وضع أحمد بن عبد الله الجويباري، ومحمد بن عكاشة الكرماني، ومحمد بن تميم الفارياني على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من عشرة آلاف حديث.
وكان محمد بن عكاشة من أحسن الناس نغمةً في القرآن، وكان إذا قرأ وبكى يسمع خفقان قلبه؛ قيل: إنه شهد الجمعة فقرأ الإمام على المنبر آيةً فصعق فمات؛ وقيل: إنه كان حياً إلى سنة خمس وعشرين ومئتين.(23/63)
محمد بن علي بن أحمد بن رستم
أبو بكر الماذرائي، الكاتب وزر لأبي الجيش خمارويه بن أحمد وقدم معه دمشق.
حدث عن أبي عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي بسنده إلى أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: " وإن زنى وإن سرق " ثلاث مرات.
وكان أبو بكر الماذرائي شيخاً جليلاً عظيم الماه والجاه والمحل؛ حدث عن نفسه قال: كتبت لخمارويه بن أحمد بن طولون وأنا حدثٌ فركبتني الأشغال وقطعني ترادف الأعمال عن تصفح أحوال المعطلين وتفقدهم؛ وكان ببابي شيخ من مشيخة الكتاب قد طالت عطلته وأغفلت أمره فرأيت في منامي أبي يقول لي: ويحك أما تستحي من الله عز وجل أن تتشاغل بلذاتك وأعمالك والناس يتلفون ببابك ضراً؟ هذا فلان من شيوخ الكتاب أفضى أمره إلى أن تقطع سراويله فما يمكنه أن يشتري بدله، وهو كالميت جوعاً وأنت لا تنظر في أمره، أحب أن لا تغفل أمره؛ فانتبهت مذعوراً اعتقدت الإحسان إلى الشيخ، ونمت وأصبحت وأنسيت أمر الشيخ، فركبت إلى دار خمارويه فأنا أسير إذ تراءى لي الرجل على دويبةٍ ضعيفةٍ ثم أومى إلي الرجل فانكشف فخذه فإذا هو لابس خفاً بلا سراويل، فحين رأيته ذكرت المنام، وقامت قيامتي، فاستدعيته وقلت: يا هذا ما حل لك أن تركت إذكاري بأمرك، أما كان في الدنيا من يوصل لك رقعةً، أو يخاطبني فيك؟ قد قلدتك الناحية الفلانية، وأجريت عليك في كل شهر مئتي دينار، وأطلعت لك من خزانتي ألف دينار صلةً ومعونةً على الخروج إليها، وأمرت لك من الثياب والحملان بكذا وكذا، فاقتض ذلك واخرج الساعة، فإن حسن أثرك في تصرفك(23/64)
زدتك، وفعلت بك وصنعت؛ وضممت إليه غلاماً يتنجز له ذلك كله؛ ثم سرت؛ فما انقضى اليوم حتى فعل به جميع ما أمرت به.
ولد أبو بكر سنة سبع وخمسين ومئتين وتوفي بمصر سنة خمس وأربعين وثلاث مئة.
محمد بن علي بن أحمد الملطي
ابن أبي فروة أبو الحسين الملطي المقرئ حدث عن عبيد الله بن الحسين، بسنده إلى أبي بردة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بولي ".
قال علي بن محمد الحنائي:
ظهر في الجامع من يقول باللفظ في القرآن، والتلاوة غير المتلو، فقال لي أبو الحسين الملطي يوماً: يقدر إنسان أن يضيف شعر امرئ القيس إلى نفسه؟ قلت: لا، قال: أليس إذا أنشده إنسان قلنا: شعر امرئ القيس؟ فكذلك القرآن ممن سمعناه قلنا: كلام الله، ولا يجوز أن يضيفه إنسان إلى نفسه.
توفي أبو الحسين سنة أربع وأربع مئة.
محمد بن علي بن أحمد بن موسى
ابن عبد الله أبو عبد الله السمرقندي قدم دمشق حدث عن أبي علي عبد الله بن عبد الرحمن النيازكي، بسنده إلى أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من مسلم يصوم فيقول عند إفطاره: يا عظيم يا عظيم أنت إلهي لا إله لي غيرك، اغفر لي الذنب العظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم، إلا خرج من ذنوبه كيوم(23/65)
ولدته أمه " وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " علموها عقبكم فإنها كلمةٌ يحبها الله ورسوله، ويصلح بها أمر الدنيا والآخرة ".
في إسناده مجاهيل.
محمد بن علي بن أحمد بن المبارك
أبو عبد الله البزاز حدث عن إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري، بسنده إلى أنس بن مالك قال: كان يقال في أيام العشر: كل يوم ألف يوم ويم عرفة عشرة آلاف يوم؛ قال: يعني في الفضل.
ولد أبو عبد الله البزاز سنة خمس وعشرين وتوفي سنة خمس وثمانين وأربع مئة.
محمد بن علي بن أحمد أبو بكر
الطوسي، الخطيب حدث عن أبي الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الحنائي، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناقته الجدعاء وليست بالعضباء فقال: " أيها الناس، كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذي نشيع من الأموات سفرٌ، عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم قد أمنا كل حائجةٍ، ونسينا كل موعظة؛ طوبى لمن شغلته عيبه عن عيوب الناس، وأنفق من مالٍ اكتسبه من حلالٍ من غير معصيةٍ، ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة واتبع السنة ولم يعدها إلى بدعةٍ، فأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله، طوبى لمن حسنت سريرته وطهرت خليقته ".(23/66)
محمد بن علي بن أحمد الشاهد
أبو عبد الله ابن الشرابي، الشاهد حدث عن أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تبارك وتعالى " ونفخ في الصور " قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو قرن ينفخ فيه " قال معمر: وكان قتادة يقول: هي الصور ويقرؤها " ونفخ في الصور " يعني صور الناس.
توفي أبو عبد الله سنة خمس وعشرين وخمس مئة.
محمد بن علي بن إبراهيم بن يوسف
أبو الحسن الثقيفي البصري الواعظ قدم دمشق وحدث عن أبي بكر محمد بن عدي بن زحر المنقري، بسنده إلى صهيب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ".
محمد بن علي بن إبراهيم بن أحمد
أبو طالب البغدادي، المعروف بابن البيضاوي قدم دمشق وحدث عن أبي القاسم طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد بسنده إلى بشير بن عمرو قال: دخلت على سهل بن حنيف وهو شديد المرض فسألته: هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(23/67)
يذكر في الخوارج شيئاً؟ قال: سل أخبرك بما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أزيدك ولا أنقصك؛ سمعته يقول: " إنه سيأتي قومٌ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " قال: وقال: " المدينة حرمٌ " قال: فقلت له: هل وقت شيئاً؟ قال: هكذا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أزيدك عليه.
وحدث عن محمد بن المظفر، بسنده إلى عبد الله بن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المتبايعان كل واحدٍ منهم بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار ".
توفي أبو طالب سنة ست وأربعين وأربع مئة.
محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر
الشاشي الفقيه الأديب، المعروف بالقفال حدث عن عمر بن محمد السمرقندي، بسنده إلى ابن عمر، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا المنابر لاحترقت أهل القرى ".
وحدث عن عمر بن محمد بسنده إلى عبد الله بن أبي مريم عن أبيه، قال:
أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له: إني ولد لي الليلة جارية، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والليلة أنزلت علي سورة مريم فسمها مريم " فكان يكنى بأبي مريم.
قال أبو بكر الشاشي: دخلت على أبي بكر بن خزيمة عن ورودي نيسابور وأنا غلامٌ أيفع، فتكلمت بين يديه في مسألة فقال لي: يا بني علي من درست الفقه؟ فسميت له أبا الليث، فقال: على من درس؟ فقلت: على ابن سريج، فقال: وهل أخذ ابن سريج العلم إلا من كتبٍ مستعارةٍ؟ فقال بعض من حضر: أبو الليث هذا مهجور بالشاش، قال: البلد للحنابلة، فقال أبو بكر: وهل كان ابن حنبل إلا غلام من غلمان الشافعي.(23/68)
وأنشد أبو بكر الفقيه قال: أنشدني أبو بكر الدريدي لنفسه في صفة الأترج: من المنسرح
جسم لجينٍ قميصه ذهبٌ ... مركبٌ في بديع تركيب
فيه لمن شمه وأبصره ... لون محب وريح محبوب
ومن شعر أبي بكر القفال الشاشي: من المتقارب
أوسع رحلي على من نزل ... وزادي مباحٌ على من أكل
نقدم حاضر ما عندنا ... وإن لم يكن غير خبزٍ وخل
فأما الكريم فيرضى به ... وأما اللئيم فمن لا أبل
كان أبو بكر الشاشي إمام عصره بما وراء النهر للشافعيين، وأعلمهم بالأصول وأكثرهم رحلةً في طلب الحديث. توفي سنة خمس وستين وثلاث مئة وقيل غير ذلك.
محمد بن علي بن إسماعيل الأبلي
ابن الفضل أبو عبد الله الأبلي سمع بدمشق حدث عن أحمد بن المعلى بن يزيد الأسدي، بسنده إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صلى الله عليه قال: " إن من الشعر حكمة ".
توفي أبو عبد الله الأبلي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة.(23/69)
محمد بن علي بن أمية بن عمرو
ويقال: ابن أبي أمية أبو جعفر الشاعر، الملقب بأبي حشيشة قدم دمشق مع المأمون.
قال أبو حشيشة: كنا قدام أمير المؤمنين بدمشق فغنى علويه: من الطويل
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا
لكنهم لما رأوك سريعةً ... إلي تواصلوا بالنميمة واحتالوا
فقالوا يا علويه: لمن هذا الشعر؟ قال لقاضي دمشق قال: يا أبا إسحاق اعزله؛ فقال: عزلته، قال: فيحضر الساعة؛ فأحضر شيخٌ مخضوبٌ قصيرٌ، فقال له المأمون: من تكون؟ قال: فلان بن فلان الفلاني، قال: تقول الشعر؟ قال: كنت أقوله، فقال: يا علويه أنشده الشعر فأنشده، فقال: هذا الشعر لك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ونساؤه طوالق وكلما يملك في سبيل الله إن كان قال شعراً من ثلاثين سنة إلا في زهدٍ ومعاتبة صديقٍ، فقال: يا أبا إسحاق اعزله فما كنت أولي رقاب المسلمين من يبدأ في هزله بالبراءة من الإسلام، ثم قال: اسقوه؛ فأتي بقدحٍ فيه شراب، فأخذه وهو يرتعد، فقال: يا أمير المؤمنين ما ذقته قط، قال: فلعله يريد غيره؟ قال: لم أذق منه شيئاً قط؛ قال: فحرام هو؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: أولى لك، بها نجوت، اخرج؛ ثم قال: يا علويه لا تقل: برئت من الإسلام، ولكن قل:
حرمت مناي منك إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا(23/70)
كان أبو حشيشة أديباً ظريفاً حسن المعرفة بصنعة الغناء وكتب إلى ابن يزداد رقعةً يستعينه: من الطويل
أعزز علي بأن تكون كما أرى ... حسن الشمائل فاتر الأجفان
حسن الوصال لكل من واصلته ... متحزباً لمسرة الإخوان
وأخص منك وقد عرفت محبتي ... بالصد والإعراض والهجران
وإذا شكوتك لم أجد لي مسعداً ... ورميت فيما قلت بالبهتان
محمد بن علي بن جعفر
أبو بكر الكتاني، البغدادي الصوفي قال أبو بكر الكتاني: كنت أنا وأبو سعيد الخراز وعباس بن المهتدي وآخر لم يذكره، نسير بالشام على ساحل البحر إذا شابٌ سيمشي معه محبرةٌ ظننا أنه من أصحاب الحديث، فتثاقلنا به، فقال له أبو سعيد: يا فتى على أي طريق تسير؟ فقال: ليس أعرف إلا طريقين: طريق الخاصة وطريق العامة؛ فأما طريق العامة فهذا الذي أنتم عليه، وأما طريق الخاصة فبسم الله؛ وتقدم إلى البحر، ومشى على الماء، فلم نزل نراه حتى غاب عن أبصارنا.
قال محمد بن علي الكتاني:
إن لله تعالى ريحاً تسمى الصيحة، مخزونة تحت العرش، تهب عند الأسحار، تحمل الأنين والاستغفار إلى الملك الجبار.(23/71)
قال الكتاني: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام وهو شعث غبر، وعليه جبة صوفٍ قصيرة إلى أنصاف ساقيه دنسة، محلول الأزرار، كثير شعر الرأس، حاسر، حافي القدمين؛ فساءني منظره ذلك لأنني لم أره قط على تلك الحال، فاغتممت لذلك غماً شديداً، وقد كان أبو حمزة محمد بن إبراهيم حدثني مرة أن منامات أصحابنا لا يعبرها غيرهم لأنها على حسب أحوالهم ومقاماتهم، فقصدت أبا حمزة وقصصت عليه رؤياي وغمي بها؛ فقال: لا يغمك ما رأيت، تراءى لك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صورة واعظٍ منذرٍ فقال: هكذا كن، وبي فاقتد، وعلى هذا فالقني؛ فسرى عني ذلك.
وكان يقال: إن الكتاني ختم في الطواف اثنتي عشرة ألف ختمة.
قال الكتاني: كنت في ابتداء أمري أطوف فيجيء أبو سعيد الخراز فيقوم على طرف المطاف فإذا علم أني قد فرغت من طوافي أخذني إلى جانب ويعطيني شيئاً، وكنت أكره ذلك وأحب أن أطوي، فقال لي يوماً: أراك تكره هذا، قلت: نعم، قال لي: اسكت لو ابتليت بطعامٍ مسلحي، أيش كنت تعمل؟ سئل محمد بن علي الكتاني عن التوبة فقال: التبعد من المذمومات كلها إلى الممدوحات كلها، ثم المكابدات، ثم المجاهدات، ثم الثبات، ثم الرشاد، ثم تدرك من الله الولاية وحسن المعونة.
كان الكتاني يقول: العاجز من عجز عن سياسة نفسه.
وقال: من يدخل هذه المفازة يحتاج إلى أربعة أشياء: حالٍ يحميه، وعلمٍِ يسوسه، وورعٍ يحجزه، وذكرٍ يؤنسه.
وكان الكتاني يقول إني لأعرف من اشتكت عينه فاعتقد فيما بينه وبين الله عز وجل(23/72)
أن لا يرجع إلى شيءٍ من مصالح نفسه أو تبرأ عينه، فأغفى غفوةً فهتف به هاتفٌ: يا هذا لو عقدت هذا العقد على أهل النار لأخرج من في النار؛ فلما انتبه كأن عينه صحيحة، وليس به بأسٌ.
وكان يقول: كن في الدنيا ببدنك وفي الآخرة بقلبك.
قال الكتاني: صحبني رجل وكان على قلبي ثقيلاً، فوهبت له شيئاً ليزول ما في قلبي فلم يزل، فحملته إلى بيتي وقلت له: ضع رجلك على خدي، فأبى، فقلت: لا بد، ففعل، واعتقدت أن لا يرفع رجله من خدي حتى يرفع الله من قلبي ما كنت أجده، فلما زال عن قلبي ما كنت أجده قلت له: ارفع رجلك الآن.
قال أبو بكر الكتاني: سألت ابن الفرجي فقلت: إن لله صفوةً وإن لله خيرةً، فمتى يعرف العبد أنه من صفوة الله ومن خيرة الله؟ فقال: كيف وقعت ها هنا؟ قلت: جرى على لساني؛ قال: إذا خلع الراحة، وأعطى المجهود في الطاعة، وأحب سقوط المنزلة، وصار المدح والذم عنده سواء.
كان الكتاني يقول: التصوف خلق من زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في التصوف.
كان الكتاني يقول: من حكم المريد أن تكون فيه ثلاثة أشياء: نومه غلبة وأكله فاقة وكلامه ضرورة.(23/73)
وكان يقول: لولا أن ذكره فرضٌ علي لم أذكره إجلالاً له؛ مثلي يذكره ولم يغسل فمه بألف توبة متقبلة عز ذكره.
سئل محمد بن علي الكتاني: أيش الفائدة في مذاكرة الحكايات؟ فقال: الحكايات جند من جنود الله يقوى بها أبدان المريدين، فقيل له: هل لهذا من شاهد؟ قال: نعم، قال الله عز وجل: " وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ".
كان أبو بكر الكتاني يقول: إذا صح الافتقار إلى الله عز وجل صح الغنى لأنهما حالات لا يتم أحدهما إلا بصاحبه.
وكان يقول: الغافلون يعيشون في حلم الله، والعارفون يعيشون في لطف الله، والصادقون يعيشون في قرب الله عز وجل.
وكان يقول: أنزهك عما وحدك به الموحدون.
وكان الكتاني يقول: روعةٌ عند انتباهٍ من غفلةٍ، وانقطاعٌ عن حظ النفسانية، وارتعادٌ من خوف قطيعةٍ أفضل من عبادة الثقلين.
نظر الكتاني إلى شيخٍ أبيض الرأس واللحية يسأل، فقال: هذا رجلٌ أضاع حق الله سبحانه وتعالى في صغره فضيعه الله تعالى في كبره.
وقال الكتاني: الشهوة زمام إبليس فمن أخذ بزمامه كان عبده.
قال أبو بكر الكتاني: كنت في طريف مكة فإذا أنا بهميان ملء دنانير فهممت أن أحمله لأفرقه بمكة على الفقراء فهتف بي هاتف: إن أخذته سلبناك فقرك.(23/74)
قال الكتاني: رأيت بعض الصوفية تقدم إلى الكعبة فقال: يا رب ما أدري ما يقول هؤلاء يعني الطائفين انظر ما في هذه الرقعة، قال: فطارت الرقعة في الهواء وغابت
توفي الكتاني سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.
وكان يقول: قسمت الدنيا على البلوى وقسمت الجنة على التقوى.
محمد بن علي بن الحسن بن علي
ابن حرب أبو الحسن، ويقال: أبو الفضل الرقي قاضي طبرية حدث عن عقبة بن مكرم، بسنده إلى حكيم عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتم موفون سبعين أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله عز وجل ". قال: المحفوظ أنتم خيرها.
وحدث عن أيوب بن محمد الوراق، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه ".
ولد أبو الفضل محمد بن علي سنة ثنتين وثلاثين ومئتين، ومات سنة أربع عشرة وثلاث مئة.
محمد بن علي بن الحسن بن وهيب
أبو بكر العطوفي حدث سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة عن محمد بن نصر الصائغ، بسنده إلى زيد بن ثابت، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة ".(23/75)
محمد بن علي بن الحسن أبو بكر
الشرابي الرماني البغدادي قدم دمشق.
حدث عن إبراهيم بن هاشم البغوي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكذب الناس الصباغون والصواغون ".
توفي أبو بكر الرماني سنة اثنين وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن علي بن الحسن بن أحمد
أبو بكر التنيسي المعروف بالنقاش سمع بدمشق.
حدث عن أبي بكر أحمد بن محمد بن سلام، بسنده إلى عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يؤتى بالقاضي يوم القيامة فيلقى من الهول قبل الحساب ما يود أنه لم يقض بين اثنين في تمرة ".
توفي أبو بكر النقاش سنة تسع وستين وثلاث مئة وعمره سبع وثمانون سنة.
محمد بن علي بن الحسن البعلبكي
ابن أبي المضاء أبو المضاء البعلبكي المعروف بالشيخ الدين حدث عن ابن عمه القاضي أبي علي الحسين بن علي بن محمد بن أبي المضاء، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله: وعزتي وجلالي، وارتفاعي فوق خلقي، لا أجمع على عبدي خوفين(23/76)
ولا أجمع لعبدي أمنين فمن خافني في الدنيا آمنته اليوم، ومن أمنني في الدنيا أخفته اليوم ".
ولد أبو المضاء بدمشق سنة خمس وعشرين وأربع مئة وتوفي سنة تسع وخمس مئة.
محمد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب الباقر أبو جعفر الهاشمي، باقر العلم أوفده عمر بن عبد العزيز عليه حين ولي الخلافة يستشيره في بعض أموره.
حدث عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثاً، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير؛ يصنع ذلك ثلاث مرات، ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك.
لما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى الفقهاء فقربهم، وكانوا أخص الناس به؛ بعث إلى محمد بن علي بن حسين أبي جعفر، وبعث إلى غيره؛ فلما قدم أبو جعفر محمد على عمر وأراد الانصراف إلى المدينة، بينا هو جالس في الناس ينتظرون الدخول على عمر أقبل ابن حاجب عمر وكان أبوه مريضاً فقال: أين أبو جعفر ليدخل؟ فأشفق محمد بن علي أن يقوم فلا يكون هو الذي دعي به، فنادى ثلاث مرات، قال: لم يحضر يا أمير المؤمنين قال: بلى، قد حضر، حدثني بذلك الغلام؛ قال: فقد ناديته ثلاث مرات؛ قال: كيف قلت؟ قال: قلت: أين أبو جعفر؛ قال: ويحك اخرج فقل؛ أين محمد بن علي؛ فخرج فقام فدخل فحدثه ساعةً وقال: إني أريد الوداع يا أمير المؤمنين، قال عمر: فأوصني يا أبا جعفر، قال: أوصيك بتقوى الله واتخذ الكبير أباً والصغير ولداً والرجل أخاً؛ فقال:(23/77)
رحمك الله جمعت لنا والله ما إن أخذنا به وأعاننا الله عليه استقام لنا الخير إن شاء الله؛ ثم خرج.
فلما انصرف إلى رحله أرسل إليه عمر: إني أريد أن آتيك فاجلس في إزارٍ ورداءٍ؛ فبعث إليه: لا بل آتيك؛ فأقسم عليه عمر، فأتاه عمر فالتزمه، فوضع صدره وأقبل يبكي، ثم جلس بين يديه ثم قام وليس لأبي جعفرٍ حاجةٌ سأله إياها إلا قضاها له وانصرف، فلم يلتقيا حتى ماتا جميعاً رحمهما الله.
وكان يقال لمحمد بن علي: باقر العلم؛ وله يقول القرظي: من السريع
يا باقر العلم لأهل التقى ... وخير من لبى على الأجبل
قال أبو الزبير:
كنا عند جابر بن عبد الله وقد كف بصره وعلت سنه، فدخل عليه علي بن الحسين ومعه ابنه محمد وهو صبي صغيرٌ، فسلم على جابرٍ وجلس، فقال لابنه محمد: قم إلى عمك فسلم عليه وقبل رأسه؛ ففعل الصبي ذلك؛ فقال جابر: من هذا؟ فقال علي: ابني؛ فضمه إليه وبكى وقال: يا محمد إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ عليك السلام؛ فقال له صحبه: وما ذاك أصلحك الله؟ فقال: كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل عليه الحسين بن علي فضمه إليه وقبله وأقعده إلى جنبه ثم قال: " يولد لابني هذا ابنٌ يقال له علي زاد في حديث آخر عنه وهو سيد العابدين، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: ليقم سيد العابدين فيقوم هو، ويولد له محمد إذا رأيته يا جابر فاقرأ عليه السلام مني زاد في حديث آخر عنه واعلم أن المهدي من ولده، واعلم يا جابر أن بقاءك بعده قليلٌ " فما لبث جابرٌ بعد ذلك اليوم إلا بضعة عشر يوماً حتى توفي.
وكان نقش خاتم محمد بن علي: القوة لله جميعاً.
حدث عمر بن علي وجعفر بن محمد قالا: كان محمد بن علي إذا حدث بالحديث ومعنا الألواح فذهبنا نكتب أبى أن يحدث؛(23/78)
وقال: لا تكتبوا، فإنا لم نكتب احفظوا بقلوبكم؛ فكنا إذا قمنا من عنده تراجعنا حديثه الفقه.
قال عبد الله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحدٍ أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم.
دخل هشام بن عبد الملك بن مروان المسجد الحرام متوكئاً على مولاه سالم فنظر إلى محمد بن علي بن الحسين، وقد أحدق الناس به حتى خلا الطواف فقال: من هذا؟ فقيل له: محمد بن علي بن الحسين وفي آخر بمعناه فقال: هذا المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم فأرسل إليه فقال: أخبرني عن يوم القيامة ما يأكل الناس فيه وما يشربون؟ فقال محمد بن علي للرسول: قل له: يحشرون على مثل قرصة النقي فيها أنهارٌ تفجر؛ فأبلغ ذلك هشاماً فرأى هشام أن قد ظفر به فقال: قل له: ما أشغلهم يومئذ عن الأكل والشرب؛ فأبلغه الرسول فقال محمد بن علي: قل له: هم والله في النار أشغل، وما شغلهم عن أن قالوا: " أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " قال: وظهر عليه محمد بن علي.
وعن سلمة بن كهيل: في قوله: " لآياتٍ للمتوسمين " قال: كان أبو جعفر منهم.
قال عبد الله بن يحيى البزار: رأيت على أبي جعفر محمد بن علي إزاراً أصفر، وكان يصلي كل يومٍ وليلة خمسين ركعةً بالمكتوبة.(23/79)
قال قيس بن النعمان: خرجت يوماً إلى بعض مقابر المدينة فإذا بصبي عند قبرٍ يبكي بكاءً شديداً، وإن وجهه ليلقي شعاعاً من نور، فقلت: أيها الصبي ما الذي عقلت له من الحزن حتى أفردك بالخلوة في مجالب الموتى والبكاء على أهل البلاء وأنت بغو الحداثة مشغولٌ عن اختلاف الأزمان وحنين الأحزان؟ فرفع رأسه وطأطأه وأطرق ساعةً لا يحير جواباً ثم قال: من البسيط
إن الصبي صبي العقل لا صغرٌ ... أزرى بذي العقل فينا لا ولا كبر
ثم قال لي: يا هذا خلي الذرع من الفكر، سليم الأحشاء من الحرقة، أمنت تقارب الأجل بطول الأمل إن الذي أفردني بالخلوة في مجالب أهل البلى تذكر قول الله عز وجل " فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون " فقلت: بأبي أنت، من أنت؟ فإني لأسمع كلاماً حسناً، فقال: إن من شقاوة أهل البلى قلة معرفتهم بأولاد الأنبياء، أن محمد بن علي بن الحسين بن علي وهذا قبر أبي فأي أنسٍ آنس من قربه وأي وحشةٍ تكون معه؛ ثم أنشأ يقول: من الكامل
ما غاض دمعي عند نازلةٍ ... إلا جعلتك للبكا سببا
إني أجل ثرىً حللت به ... من أن أرى بسواك مكتئبا
فإذا ذكرتك سامحتك به ... مني الدموع ففاض فانسكبا
قال قيس: فانصرفت وما تركت زيارة القبور مذ ذاك.
قال المدائني:
بينا محمد بن علي في فناء الكعبة أتاه أعرابي فقال له: هل رأيت الله حيث عبدته؟ فأطرق وأطرق من كان حوله، ثم رفع رأسه إليه فقال: ما كنت لأعبد شيئاً لم أره؛ فقال: وكيف رأيته؟ قال: لم تره الأبصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، معروفٌ بالآيات منعوثٌ بالعلامات،(23/80)
لا يجور في قضيته، بان من الأشياء وبانت الأشياء منه، " ليس كمثله شيء " ذلك الله لا إله إلا هو؛ فقال الأعرابي: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
قال محمد بن علي: اذكروا من عظمة الله جل وعلا ما شئتم ولا تذكرون منه شيئاً وهو أعظم منه، واذكروا من النار ما شئتم ولا تذكرون منها شيئاً إلا وهي أشد منه، واذكروا الجنة ما شئتم ولا تذكرون منها شيئأً إلا وهي أفضل منه.
قال عروة بن عبد الله: سألت أبا جعفر محمد بن علي: ما قولك في حلية السيف؟ قال: لا بأس به قد حلى أبو بكر الصديق سيفه؛ قلت: وتقول: الصديق؟ قال: فوثب وثبةً استقبل القبلة ثم قال: نعم الصديق نعم الصديق، ثلاثاً، فمن لم يقل الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة.
وعن عروة، عن أبي جعفر، قال: كانت قائمة سيف أمير المؤمنين عمر فضية؛ قلت: أمير المؤمنين؟ قال: نعم.
وعن محمد بن علي، قال: أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أحسن ما يكون من القول.
قال جابر: قلت لمحمد بن علي: أكان منكم أحدٌ أهل البيت يزعم أن ذنباً من الذنوب شركٌ؟ قال: لا، قلت: أكان منكم أهل البيت أحدٌ يقر بالرجعة؟ قال: لا، قلت: أكان منكم أحد أهل البيت يسب أبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهما؟ قال: لا، فأحبهما وتولهما واستغفر لهما زاد في آخر وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما وفي آخر تولاهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدىً.(23/81)
وفي آخر عن أبي جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد قال: أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمدٍ يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما.
وكانت أم جعفر بن محمد أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم.
وعن سالم بن أبي حفصة وكان من رؤوس من يبغض أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قال: دخلت علي أبي جعفر وهو مريض فقال وأداره قال ذلك من أجلي: اللهم إني أتولى أبا بكرٍ وعمر وأحبهما، اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة.
وعن جابر قال: قال لي محمد بن علي: بلغني أن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويزعمون أني آمرهم بذلك، فأبلغهم أني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده، لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما، إن أعداء الله عز وجل لغافلون عنهما.
قال جابر الجعفي: قال لي أبو جعفر محمد بن علي لما ودعته: أبلغ أهل الكوفة أني بريءٌ ممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
قال حكيم بن جبير: سألت أبا جعفر عمن ينتقص أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: أولئك المراق.
وعن جعفر بن محمد قال: قال لي أبي: يا بني، إن سب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الكبائر، فلا تصل خلف من يقع فيهما.(23/82)
قال كثير النواء: قلت لأبي جعفر: أخبرني عن أبي بكر وعمر أظلما من حقكم شيئاً أو ذهبا به؟ قال: لا ومنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، ما ظلمانا من حقنا ما يزن حبة خردلٍ؛ قال: قلت: أفأتولاهما؟ قال: نعم يا كثير تولهما في الدنيا والآخرة؛ قال: وجعل يصك عنق نفسه ويقول: ما أصابك فتعتقني؛ ثم قال: برئ الله ورسوله من المغيرة بن سعيد وبنان فإنهما كذبا علينا أهل البيت؛ زاد في آخر؛ قال: كان علي بالكوفة خمس سنين فما قال لهما إلا خيراً، ولا قال لهما أبي إلا خيراً، ولا أقول إلا خيراً.
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقد جهل السنة.
وعن أبي جعفر قال: إن هذه الآية نزلت في علي وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سررٍ متقابلين ".
وعن أبي حنيفة، عن محمد بن علي، قال:
أتيته فسلمت عليه، فقعدت إليه فقال: لا تقعد إلينا يا أخا العراق فإنكم قد نهيتم عن القعود إلينا؛ قال: فقعدت فقلت: يرحمك الله، هل شهد علي موت عمر؟ فقال: سبحان الله، أو ليس القائل: ما أحدٌ من الناس ألقى الله عز وجل بمثل علمه أحب إلي من هذا المسجى عليه ثوبه، ثم زوجه ابنته فلولا أنه رآه لها أهلاً أكان يزوجها إياه؟ وتدرون من كانت لا أبا لك اليوم؟ كانت أشرف نساء العالمين، كان جدها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوها علي كرم الله وجهه ذو الشرف والمنقبة في الإسلام، وأمها فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورضي عنها، وأخواها حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة رضي الله عنهما، وجدتها خديجة رضي الله عنها؛ قلت: فإن قوماً عندنا يزعمون أنك تتبرأ منهما، وتنتقصهما فلو كتبت إليهم كتاباً بالانتفاء من ذلك؛ قال: أنت أقرب إلي منهم أمرتك أن لا تجلس إلي فلم تطعني فكيف يطيعني أولئك؟.(23/83)
قال عبد الملك بن أبي سليمان: قلت لمحمد بن علي: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " قال: هم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: قلت: فإنهم يقولون هو علي؛ قال: علي منهم.
قال بسام: سألت أبا جعفر عن الصلاة خلف بني أمية، فقال: صل خلفهم فإنا نصلي خلفهم، قال: قلت: يا أبا جعفر إن ناساً يزعمون أن هذا منك تقيةً، قال: قد كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان يبتدران الصف وإن كان الحسين ليسبه وهو على المنبر حتى ينزل، أفتقيةٌ هذه؟ وعن أبي جعفر قال: شيعتنا ثلاثة أصناف: صنفٌ يأكلون الناس بنا، وصنفٌ كالزجاج تهشم، وصنفٌ كالذهب الأحمر كلما أدخل النار ازداد جودةً.
وعن أبي جعفر محمد بن علي، قال: يزعمون أني أنا المهدي، وأني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون، ولو أن الناس اجتمعوا على أن يأتيهم من بابٍ لخالفهم القدر حتى يأتي به من بابٍ آخر.
وعن سكينة بنت حنظلة وكانت بقباء تحت ابن عم لها توفي عنها قالت: دخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي فسلم، ثم قال: كيف أصبحت يا بنت حنظلة؟ فقلت: بخير، جعلك الله بخير، فقال: أنا من قد علمت قرابتي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقرابتي من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحقي في الإسلام، وشرفي في العرب؛ فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر، أنت رجل يؤخذ منك ويروى عنك، تخطبني في عدتي؟ فقال: ما فعلت، إنما أخبرتك بمنزلتي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وتأيمت من أبي سلمة بن عبد الأسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكرها منزلته من الله عز وجل حتى أثر الحصير في كفه من شدة ما كان يعتمد عليه، فما كانت تلك خطبةً.(23/84)
قال جرير بن يزيد: قلت لمحمد بن علي بن حسين: عظني؛ قال: يا جرير اجعل الدنيا مالاً أصبته في منامك ثم انتبهت وليس معك منه شيء.
جاء رجلٌ إلى محمد بن علي فقال: أوصني؛ قال: هيئ جهازك وقدم زادك وارفض نفسك.
قال أبو جعفر: ما استوى رجلان في حسبٍ ودينٍ قط إلا كان أفضلهما عند الله آدبهما؛ قلت: قد علمت فضله عند الناس وفي النادي والمجالس فما فضله عند الله جل جلاله؟ قال: بقراءته القرآن من حيث أنزل ودعائه الله عز وجل من حيث لا يلحن، وذلك أن الرجل ليلحن فلا يصعد إلى الله عز وجل.
قال أبو جعفر محمد بن علي: أوصاني أبي قال: لا تصحبن خمسةً ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريقٍ، قال: قلت: من هؤلاء الخمسة؟ قال: لا تصحبن فاسقاً فإنه بائعك بأكلةٍ فما دونها، قلت: يا أبه وما دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها، قلت: يا أبه ومن الثاني؟ قال: لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه؛ قلت: يا أبه ومن الثالث؟ قال: لا تصحبن كذاباً فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد؛ قلت: يا أبه ومن الرابع؟ قال: لا تصحبن أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك؛ قلت: يا أبه ومن الخامس؟ قال: لا تصحبن قاطع رحمٍ فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع.
قال الوصافي: كنا يوماً عند أبي جعفر محمد بن علي، فقال لنا: يدخل أحدكم يده في كم أخيه أو قال في كيسه يأخذ حاجته؟ قلنا: لا؛ قال: ما أنتم بإخوان.
قال أبو جعفر محمد بن علي:
ما من عبادةٍ أفضل من عفة بطنٍ أو فرجٍ، وما من شيءٍ أحب إلى الله من أن(23/85)
يسأل، وما يدفع القضاء إلا الدعاء، وإن أسرع الخير ثواباً البر، وإن أسرع الشر عقوبةً البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر للناس بما لا يستطيع التحول عنه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.
كان أبو جعفر يتعوذ من النبطي إذا استعرب ومن العربي إذا استنبط، فقيل له: كيف يستنبط العربي؟ قال: يأخذ بأخلاقهم ويتأدب بآدابهم.
اشتكى بعض ولد محمد بن علي فجزع عليه جزعاً شديداً، ثم خبر بموته فسري عنه، فقيل له في ذلك، فقال: ندعو الله تبارك وتعالى فيما نحب، فإذا وقع ما نكره لم نخالف الله فيما أحب.
توفي محمد بن علي وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنة؛ وتوفي سنة ثلاث عشرة ومئة، وقيل: سنة أربع عشرة ومئة، وقيل: توفي وهو ابن ثلاث وسبعين سنةً؛ وفيه اختلافٌ؛ وقيل: توفي سنة ست عشرة وقيل: سنة سبع عشرة وقيل: ثمان عشرة وقيل: توفي سنة أربع وعشرين ومئة في زمن هشام بن عبد الملك وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
محمد بن علي بن الحسين البلخي الحافظ
رحل وسمع حدث عن أبي بكر محمد بن المعافى، بسنده إلى يحيى بن كثير قال: أربعة لا يلامون على الضجر ويحتمل عنهم ضيق الصدر: الشيخ الفاني، والمريض حتى يبرأ، والمسافر حتى يؤوب، والصائم حتى يفطر.(23/86)
محمد بن علي بن الحسين أبو علي
الإسفرايني، الحافظ الواعظ، المعروف بابن السقاء حدث عن أبي رافع أسامة بن علي بن سعيد البزاري بسنده إلى أنس بن مالك خادم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطنٍ أكثركم علي صلاةً في الدنيا، من صلى علي في يوم لجمعة وليلة الجمعة قضى الله له مئة حاجة، سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله بذلك ملكاً يدخله في قبره كما يدخل عليكم الهدايا، يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته، فأثبته عندي ".
وحدث عن أبي الفضل أحمد بن عبد الله، بسنده إلى علي بن بكار قال: شكى رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله فقال له إبراهيم: يا أخي انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوله إلى منزلي.
توفي أبو علي الحافظ الإسفرايني بإسفراين سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة.
محمد بن علي بن الحسين بن الحسن
ابن القاسم ابن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو الحسن بن أبي إسماعيل الحسني، الهاشمي الهمذاني الصوفي حدث عن عبد الرحمن بن عمر البجلي بسنده إلى عبد الله بن سعد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنكم قد أصبحتم في زمانٍ كثيرٍ فقهاؤه قليلٍ خطباؤه، كثير من يعطي قليل من يسأل، العمل فيه خيرٌ من العلم، وسيأتي زمانٌ كثيرٌ خطباؤه قليلٌ فقهاؤه، كثيرٌ من يسأل قليلٌ من يعطي، العلم فيه خير من العمل ".(23/87)
وحديث رواية كل منهم يقول: أخذ فلان بأذني، قال: أخذ فلان بأذني إلى الشريف أبي الحسن محمد بن علي العلوي السني، قال: أخذ بأذني أستاذي الحضري، فقلت له: أيها الشيخ لي عليك حقوق منها؛ أني علوي، وأني غريب، وأني من تلامذتك وأني سني، وسمعت أنك تدعو الله باسم مستجابٍ لك؛ فعلمني أدعو الله في أوقات حاجاتي؛ فأخذ بأذني وقال لي: كل حلالاً وادع الله بأي اسمٍ شئت يستجاب لك، قال كل من الرواة: أخذ فلان بأذني، قال لي: كل حلالاً وادع الله بأي اسمٍ شئت يستجاب لك.
قال محمد بن علي بن الحسين: سمعت الحسين بن سليمان يقول بسنده إلى يحيى بن معاذ قال: إن قال لي ربي: ما غرك بي أقول: يا رب برك بي.
قال أبو الحسن محمد بن علي: سمعت أيوب بن محمد الزاهد يقول: الدنيا معبر فاتخذوها معتبر.
دخل الشريف دويرة الرملة ولم يتعرف إليهم، وكان يقوم بخدمتهم أياماً، حتى دخل يوماً إنسانٌ من الجبل فقبل رأسه، وقال: أيها الشريف؛ فقال عباس الشاعر: من هذا؟ فقال: هذا شريف أهل الجبل ابن أبي إسماعيل الحسيني، وليس بهمذان ونواحيها أغنى منهم، وكان يخدم في البروزة؛ فقام عباس الشاعر وقبل رجله، وقال: إن كنت أحسنت إلى نفسك فلم تحسن إلينا؛ فقال: الساعة يرجع إلي رأس الأمر؛ فأخذ ركوته وخرج من الرملة إلى مصر.
ومن شعر أبي الحسن العلوي لنفسه: من الطويل
أشار إليه الستر حتى كأنه ... مع السر في قلبي ممازج أسراري
وما عجبي أبي بأني قائم ... أتيه على نفسي بمكنون إضماري
قال أبو الحسن العلوي: كنت ليلةً عند جعفر الخلدي، وكنت أمرت في بيتي أن يعلق طيرٌ في التنور وكان(23/88)
قلبي معه فقال لي جعفر: أقم عندنا الليلة فتعللت بشيءٍ ورجعت إلى منزلي، فأخرج الطير من التنور ووضع بين يدي، فدخل كلبٌ من الباب وحمل الطير عند تغافل الحاضرين فأتي بالجوذاب الذي تحته فتعلق به ذيل الجارية فانصب؛ فلما أصبحت دخلت على جعفر فحين وقع بصره علي قال: من لم يحفظ قلوب المشايخ سلط عليه كلب يؤذيه.
توفي محمد بن علي بن الحسين ببلخ سنة أربع وتسعين وثلاث مئة، وقيل: سنة ثلاث وتسعين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وقيل: توفي سنة خمس وتسعين وثلاث مئة؛ وحكي عنه أنه كان يجازف في الرواية في آخر عمره.
محمد بن علي بن الحسين بن أحمد
ابن إسماعيل ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسين العلوي، المعروف بأخي محسن ويعرف بالشريف العابد كان زاهداً، وكان يقول: القرآن هو ما أجمع عليه المسلمون وهو ما بين الدفتين غير مغيرٍ ولا مبدل.
وقال: أحق ما أخذ بإسناد القرآن عن الشيوخ إلى أن ينتهي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
توفي الشريف محمد أخو محسن سنة ثمانٍ وتسعين وثلاث مئة.
محمد بن علي بن الحسين بن علي
أبو عبد الله الأسدي الكوفي، المعروف بابن الخائط قدم دمشق سنة ستين وأربع مئة.
وحدث بها عن الشريف أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسيني، بسنده إلى أبي خالد، قال: حدثني زيد بن علي وهو آخذٌ(23/89)
بشعره، قال: حدثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره، قال: حدثني الحسين بن علي، وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره، قال: حدثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو آخذ بشعره قال: " من آذى شعرةً مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ".
محمد بن علي بن حمزة بن صابح
أبو بكر الأنطاكي، ويعرف بأبي هريرة حدث عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي، بسنده إلى عبد الله بن عباس، قال: إن أباه بعثه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجةٍ فوجده جالساً مع أصحابه في المسجد، فلم أستطع أن أكلمه، فلما صلى قام فركع، حتى إذا انصرف من المسجد انصرف إلى منزله، فدخل ثم توضأ فتوضأت، ثم ركع فأقبلت فقمت إلى ركنه الأيسر فأدارني حتى أقامني إلى ركنه الأيمن، فركع ثم ركع ركعتي الفجر ثم خرج إلى الصلاة.
توفي أبو هريرة الأنطاكي سنة ثلاثٍ وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن علي بن حميد بن العباس
ابن محمد بن هاشم أبو بكر الكفرطابي حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي، بسنده إلى السائب بن يزيد: أن شريح الحضرمي ذكر عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ذاك رجل لا يتوسد القرآن ".(23/90)
محمد بن علي بن خلف
ابن عبد الواحد أبو عمرو ويقال: أبو بكر الصرار الأطروش أخو الحسن بن علي حدث عن عبد الوهاب أبو محمد بن قبرة، بسنده إلى عثمان بن عفان، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لعثرةٌ في كد حلالٍ على عيلٍ محجوبٍ أفضل عند الله من ضربٍ بسيفٍ حولاً كاملاً لا يجف دماً مع إمامٍ عادلٍ ".
وحدث عن أحمد بن أبي الحواري، بسنده إلى بلال، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسوي مناكبنا في الصلاة.
قال علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب: أنشدني أبو عمرو محمد بن علي بن خلف الصرار: من الرجز
ألا ألا كل جديدٍ بالي ... وكل شيءٍ وإلى زوال
تعجبني حالي وأي حال ... تبقى على الأيام والليالي
يا صاح أين الأمم الخوالي ... إن شفاء العي في السؤال
أين رجالٌ وبنو رجال ... كانوا أناساً مرةً أمثالي
ذوي فعالٍ وذوي مقال ... يا ليتني أعلم ما مآلي
يموت أحبابي ولا أبالي ... سقياً لتلك الأعظم البوالي
يا عجباً مني لما اشتغالي ... والموت لا يخطر لي ببال
ونبله مشرعةٌ حيالي
محمد بن علي بن الخضر
ابن سليمان بن سعيد أبو عبد الله بن أبي الحسن السلمي
حدث عن أبيه، بسنده إلى الحسن بن أبي الحسن البصري قال: جف القلم وقضي القضاء وتم القدر، بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل، وسعادة من علم واتقى وشقاء من ظلم واعتدى، وبالولاية من الله للمؤمنين وبالتبرئة من الله للمشركين.(23/91)
محمد بن علي بن داود
أبو بكر البغدادي، الحافظ، المعروف بابن أخت غزال حدث عن عفان، بسنده إلى أبي مالكٍ الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطهور شطر الإيمان ".
توفي ابن أخت غزال سنة أربع وستين ومئتين.
محمد بن علي بن سهل بن مصلح
أبو الحسن النيسابوري، المعروف بالماسرجسي الفقيه الشافعي حدث عن أبي الحسن أحمد بن سليمان بن أيوب القاضي بدمشق، بسنده إلى سعيد بن سفيان القاري قال: أتيت علي بن أبي طالب في منزله، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير " وهذا أول حريرٍ رأيته على أحدٍ من المسلمين.
توفي أبو الحسن الماسرجسي سنة أربع وثمانين وثلاث مئة.
محمد بن علي بن الشاه بن جناح
أبو الحسن التميمي المروروذي حدث عن أبي الفضل محمد بن عبد الله بن أحمد القصار، بسنده إلى شعيب عن أبيه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عز وجل يحب الفضل في كل شيء حتى في الصلاة ".(23/92)
محمد بن علي بن أبي طالب
ابن الحنفية أبو القاسم، ويقال: أبو عبد الله الهاشمي، المعروف بابن الحنفية وفد على معاوية وعلي عبد الملك بن مروان.
قال محمد بن الحنفية: قدمت على معاوية بن أبي سفيان فسألني عن العمرى فقلت: جعلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن أعطيها، قال: تقولون ذلك؟ قلت: نعم؛ قال: فإني أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أعمر عمرى فهي له يرثها من عقبه من يرثه ".
وحدث محمد بن الحنفية، عن علي، قال: كنت رجلاً مذاءً فكرهت أن أسأله يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: " منه الوضوء ".
قال أبو عاصم: صرع محمد بن علي مروان يوم الجمل وجلس على صدر مروان، فلما وفد محمد علي عبد الملك قال له: أتذكر يوم جلست على صدر مروان؟ قال: عفواً يا أمير المؤمنين؛ قال: أم والله ما ذكرت ذلك وأنا أريد أن أكافئك به ولكن أردت أن تعلم أني قد علمت.
وأم محمد بن علي: خولة بنت جعفر بن مسلمة بن قيس بن ثعلبة بن يربوع بن فلان بن حنيفة؛ وسمته الشيعة المهدي، فقال كثير: من الوافر(23/93)
هو المهدي أخبرناه كعبٌ ... أخو الأحبار في الحقب الخوالي
فقيل لكثير: لقيت كعب الأحبار؟ قال: لا؛ قيل: فلم قلت: أخبرناه كعبٌ؟ قال: بالوهم.
وقال كثير أيضاً: من الوافر
ألا إن الأئمة من قريشٍ ... ولاة الحق أربعةٌ سواء
علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبطٌ سبط إيمانٍ وبر ... وسبط غيبته كربلاء
وسبطٌ لا تراه العين حتى ... يقود الخيل يقدمها لواء
تغيب لا يرى عنهم زماناً ... برضوى عنده عسلٌ وماء
وكانت شيعة محمد بن علي يزعمون أنه لم يمت؛ وله يقول السيد: من الوافر
ألا قل للوصي فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشرٍ والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طراً ... مقامك عنهم ستين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موتٍ ... ولا وارت له أرضٌ عظاما
لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكراما
وإن له به لمقيل صدقٍ ... وأنديةً تحدته كراما
هدانا الله إذا حرتم لأمرٍ ... به وعليه نلتمس التماما
تمام مودة المهدي حتى ... تروا راياتنا تترى نظاما
وقال السيد في ذلك أيضاً: من الكامل(23/94)
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى ... وبنا إليه من الصبابة أولق
حتى متى وإلى متى وكم المدا ... يا بن الوصي وأنت حي ترزق
وكانت أم محمد بن علي من سبي اليمامة، وولد في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وكان عبد الله بن الحسن يذكر أن أبا بكرٍ أعطى علياً أم محمد بن الحنفية.
قالت أسماء بنت أبي بكر: رأيت أم محمد بن الحنفية سنديةً سوداء، وكانت أمةً لبني حنيفة ولم تك منهم وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم علي أنفسهم.
قال ابن الحنفية: كانت رخصةً لعلي، قال: يا رسول الله: إن ولد لي بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم " فكنى محمد بن الحنفية أبا القاسم وسماه باسمه؛ وقيل: كانت كنيته أبو عبد الله.
وروى محمد بن علي عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن ولد لك غلام فسمه باسمي وكنه بكنيتي وهو رخصة لك دون الناس ".
وروى أيضاً عن أبيه علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيولد لك ولدٌ قد نحلته اسمي وكنيتي ".
وقع بين علي وطلحة كلامٌ، فقال له طلحة: لا كجرأتك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سميت باسمه وكنيت بكنيته وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجمعهما أحد من أمته بعده؛ فقال علي: إن الجريء من اجترأ على الله وعلى رسوله، اذهب يا فلان فادع لي فلاناً وفلاناً لنفرٍ من قريش؛ قال: فجاؤوا فقال: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنه سيولد لك بعدي غلام فقد نحلته اسمي وكنيتي ولا يحل لأحدٍ من أمتي بعده ".
قال محمد بن الحنفية: الحسن والحسين خيرٌ مني، وأنا أعلم بحديث أبي منهما.(23/95)
وفي آخر غيره: ولقد علما أنه كان يستخليني دونهما، وإني صاحب البغلة الشهباء.
قال إبراهيم بن الجنيد الختلي: لا يعلم أحد السند عن علي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية.
كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان يتهدده ويتوعده ويحلف له ليحملن إليه مئة ألفٍ في البر ومئة ألفٍ في البحر أو يؤدي إليه الجزية؛ فسقط في روعه، فكتب إلى الحجاج: أن أكتب إلى ابن الحنفية فتهدده وتوعده ثم أعلمني ما يرد عليك؛ فكتب الحجاج إلى ابن الحنفية بكتابٍ شديدٍ يتهدده ويتوعده فيه بالقتل، فكتب إليه ابن الحنفية: إن لله تعالى ثلاث مئة وستين لحظةً إلى خلقه، وأنا أرجو أن ينظر الله إلي نظرةً يمنعني بها منك؛ فبعث الحجاج بكتابه إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك إلى ملك الروم بنسخته، فقال ملك الروم: ما خرج هذا منك ولا أنت كتبت به، ما خرج إلا من بيت نبوة.
سأل رجل ابن عمر في مسألة فقال له: سل محمد بن الحنفية ثم أخبرني ما يقول؛ فسأله عنها فأخبره فقال ابن عمر: أهل بيتٍ مفهمون.
قال عبد الواحد بن أيمن: بعثني أبي إلى محمد بن علي فرأيته مكحول العينين، فجئت فقلت لأبي: بعثتني إلى رجل كذا وكذا وقعت فيه فقال: يا بني ذاك خير الناس.
وقع بين الحسين بن علي وبين محمد بن الحنفية كلامٌ جلس كل واحد منهما عن صاحبه، فكتب إليه محمد بن الحنفية: أبي وأبوك علي بن أبي طالب، وأمي امرأةٌ من بني حنيفة لا ينكر شرفها في قومها، ولكن أمك فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت أحق بالفضل مني فصر إلي حتى ترضاني؛ فلبس الحسين رداءه ونعله فصار إليه فترضاه.(23/96)
قال الرزهي: قال رجل لمحمد بن الحنفية: ما بال أبيك كان يرمي بك في مرامٍ لا يرمي فيها الحسن والحسين؟ فقال لأنهما كانا خديه وكنت يده، فكان يتوقى بيده عن خديه.
وكان محمد بن علي يمشط رأس أمه ويذوبها يعني من الذؤابة.
وفي حديث: كان يغلف رأس أمه ويمشطها وينومها.
وعن محمد بن الحنفية، قال: ليس بالحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً حتى يجعل الله من أمره فرجاً، أو قال: مخرجاً.
سأل رجل محمد بن الحنفية فقال له: أجد غماً لا أعرف له سبباً، وقد ضاق قلبي؟ فقال محمد: غم لم تعرف له سبباً، عقوبة ذنبٍ لم تفعله فقال الرجل: فما معنى ذلك؟ فقال: المعنى في ذلك أن القلب يهم بالمعصية فلا تساعده الجوارح فيعاقب بالغم دون الجوارح.
قال محمد بن الحنفية: من كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قدر.
قيل لابن الحنفية: من أعظم الناس قدراً؟ قال: من لم ير الدنيا كلها لنفسه خطراً.
قال محمد بن الحنفية: إن الله جعل الجنة ثمناً لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها.
قال ابن الحنفية:
من أحب رجلاً لله أثابه الله ثواب من أحب رجلاً من أهل الجنة، وإن كان الذي أحبه من أهل النار، لأنه أحبه على خصلةٍ حسنةٍ رآها منه؛ ومن أبغض رجلاً لله(23/97)
أثابه الله ثواب من أبغض رجلاً من أهل النار، وإن كان الذي أبغضه من أهل الجنة، لأنه أبغضه على خصلةٍ سيئةٍ رآها منه.
قيل لمحمد بن علي بن الحنفية: إن رجلاً من قريش يقع فيك؛ قال: بحسبي من نعم الله عز وجل على أن نجى غيري مني ولم ينجني من غيري.
قال محمد بن الحنفية: أيها الناس، اعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم فلا تملوها فتحول نقماً، واعلموا أن أفضل المال ما أفاد ذخراً وأورث ذكراً وأوجب أجراً، ولو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين.
قال محمد بن الحنفية: الكمال في ثلاث؛ الفقه في الدين، والصبر على النوائب، وحسن تقعير المعيشة.
لما جاء نعي معاوية بن أبي سفيان إلى المدينة كان بها يومئذ الحسين بن علي ومحمد بن الحنفية وابن الزبير، وكان ابن عباس بمكة، فخرج الحسين وابن الزبير إلى مكة وأقام ابن الحنفية بالمدينة حتى سمع بدنو جيش مسرفٍ أيام الحرة، فرحل إلى مكة فأقام مع ابن عباس؛ فلما جاء نعي يزيد بن معاوية وبايع ابن الزبير لنفسه ودعا الناس إليه دعا ابن عباس ومحمد بن الحنفية إلى البيعة له فأبيا يبايعان له، وقالا: حتى تجتمع لك البلاد ويأتسق لك الناس؛ فأقاما على ذلك مرةً يكاشرهما ومرةً يلين لهما؛ ثم غلط عليهما فوقع منهم كلامٌ وشر؛ فلم يزل الأمر يغلط حتى خافا منه خوفاً شديداً؛ ومعهما النساء والذرية؛ فأساء جوارهم وحصرهم وآذاهم، وقصد محمد بن الحنفية فأظهر شتمه وعيبه وأمره وبني هاشم أن يلزموا شعبهم بمكة، وجعل عليهم الرقباء وقال: فما تقول؟ والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار فخافوا على أنفسهم.
قال أبو عامر: فرأيت محمد بن الحنفية محبوساً في زمزم والناس يمتنعون من الدخول عليه، فقلت: لأدخلن عليه، فدخلت فقلت: ما بالك وهذا الرجل؟ قال: دعاني إلى(23/98)
البيعة فقلت: إنما أنا من المسلمين فإذا اجتمعوا عليك فأنا كأحدهم، فلم يرض بهذا مني فاذهب إلى ابن عباس فأقره عني السلام وقل: يقول لك ابن عمك: ما ترى؟ قال أبو عامر: فدخلت على ابن عباس وهو ذاهب البصر، فقال: من أنت؟ فقلت: أنصاري؛ فقال: رب أنصاري هو أشد علينا من عدونا فقلت: لا تخف، أنا ممن لك كله؛ قال: هات؛ فأخبرته بقول ابن الحنفية فقال: قل له: لا تعطه ولا نعمة عين إلا ما قلت ولا تزده عليه؛ فرجعت إلى ابن الحنفية فأبلغتها؛ قال ابن عباس: فهم ابن الحنفية أن يقدم إلى الكوفة، وبلغ ذلك المختار فثقل عليه قدومه فقال: إن في المهدي علامة، يقدم بلدكم هذا فيضربه رجلٌ في السوق ضربةً بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه فبلغ ذلك ابن الحنفية فأقام يعني خاف أن يجرب فيه فيموت، فقيل له: لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة فأعلمتهم ما أنتم فيه؛ فبعث أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة فقدم عليهم فقال: إنا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء القوم وأخبرهم بما هم فيه من الخوف فقطع المختار بعثاً إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم وقال له: سر فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضداً، وانقد لما أمروك به؛ وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى ابن الزبير ثم لا تدع من آل الزبير شغراً ولا ظفراً؛ وقال: يا شرط والله لقد أكرمكم الله بهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمرٍ، وسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث: اعجلوا فما أراكم تدركونهم؛ فقال الناس: لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمان مئة رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرةً سمعها ابن الزبير فهرب ودخل دار الندوة، ويقال: تعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ الله.
قال عطية:
ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دورٍ قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر، لو أن ناراً تقع فيه ما رؤي منهم أحد حتى تقوم الساعة؛ فأخرناه(23/99)
عن الأبواب وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو رجل فأسرع في الحطب يريد الخروج فأدمى ساقيه؛ وأقبل أصحاب ابن الزبير فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا ونهارهم لا ننصرف إلا إلى صلاةٍ حتى أصبحنا، وقدم أبو عبد الله الخيل في الناس، فقلنا لابن عباس وابن الحنفية: ذرونا نرح الناس من ابن الزبير؛ فقالا: هذا بلدٌ حرمه الله ما أحله لأحدٍ إلا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعةً ما أحله لأحدٍ قبله ولا يحله لأحدٍ بعده فامنعونا وأجيرونا؛ قال: فتحملوا وإن منادياً لينادي في الجبل: ما غنمت سريةٌ بعد نبيها ما غنمت هذه السرية؛ إن السرايا تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا؛ فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى فأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا ثم خرجوا إلى الطائف فأقاموا ما أقاموا؛ وتوفي عبد الله بن عباس بالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بن الحنفية، وبقينا مع ابن الحنفية فلما كان الحج وحج ابن الزبير من مكة فوافى عرفة في أصحابه ووافى محمد بن الحنفية من الطائف في أصحابه فوقف بعرفة ووافى نجدة بن عامر الحنفي تلك السنة في أصحابه من الخوارج فوقف ناحيةً وحجت بنو أمية على لواء، فوقفوا بعرفة فيمن معهم. قالوا: وحج عامئذٍ محمد بن الحنفية في الخشبية معه وهم أربعة آلاف نزلوا في الشعب الأيسر من منى.
قال محمد بن جبير بن مطعم: قال: خفت الفتنة فمشيت إليهم جميعاً فجئت محمد بن علي في الشعب فقلت: يا أبا القاسم اتق الله فإنا في مشعرٍ حرام وبلدٍ حرام والناس وفد الله إلى هذا البيت، فلا تفسد عليهم حجهم؛ فقال: والله ما أريد ذلك وما أحول بين أحدٍ وبين هذا البيت، ولا نوى أحدٌ من الحاج من قتلٍ، ولكني رجلٌ أدفع عن نفسي من ابن الزبير وما يريد مني، وما أطلب هذا الأمر إلا أن لا يختلف علي فيه اثنان، ولكن ائت ابن الزبير فكلمه وعليك بنجدة فكلمه.
قال: فجئت ابن الزبير فكلمته بنحو ما كلمت به ابن الحنفية فقال: أنا رجلٌ قد اجتمع علي وبايعني الناس، وهؤلاء أهل خلافٍ؛ فقلت: إن خيراً لك الكف؛ فقال: أفعل.(23/100)
ثم جئت نجدة الحروري فأجده في أصحابه وأجد عكرمة غلام ابن عباس عنده فقلت: استأذن لي على صاحبك فأذن لي فدخلت فعظمت عليه، وكلمته بما كلمت به الرجلين، فقال: أما أن أبتدئ أحداً بقتالٍ فلا، ولكن من بدأنا بقتالٍ قاتلناه؛ قلت: فإني رأيت الرجلين لا يريدان قتالك.
ثم جئت شيعة بني أمية فكلمتهم بنحوٍ مما كلمت به القوم فقالوا: نحن على لوائنا لا نقاتل أحداً إلا أن يقاتلنا فلم أر في تلك الألوية أسكن ولا أسلم دفعةً من أصحاب ابن الحنفية.
قال محمد بن جبير: وقفت تلك العشية إلى جنب محمد بن الحنفية، فلما غابت الشمس التفت إلي فقال: يا أبا سعيد ادفع فدفع ودفعت معه؛ فكان أول من دفع.
لما فتن عبد الله بن الزبير أرسل إلى من كان بحضرته من بني هاشم فجمعهم في شعب أبي طالب وأراد أن يحرقهم بالنار ذلك ناساً من أهل الكوفة فخرجوا ينصرونهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق إلى ابن الحنفية سمعوا هاتفاً يقول: من الرجز
يا أيها الركب إلى المهدي ... على عناجيج من المطي
أعناقها كالقضب الخطي ... لتنصروا عاقبة النبي
محمداً خير بني علي
فدخلوا على محمد بن الحنفية فأخبروه بما سمعوا من الهاتف فقال: ذلك بعض مسلمي الجن.
لما قدم المختار مكة كان أشد الناس على ابن الزبير وجعل يلقي إلى الناس أن ابن الزبير كان يطلب هذا الأمر لابن الحنفية ثم ظلمه إياه، وجعل يذكر ابن الحنفية وورعه وحاله، وأنه بعثه إلى الكوفة يدعو له، وأنه كتب له كتاباً فهو لا يعدوه إلى غيره، ويقرأ ذلك الكتاب على من يثق به، وجعل يدعو الناس إلى البيعة لمحمد بن(23/101)
الحنفية فيبايعونه له سراً؛ فسئل قومٌ ممن بايعه في أمره وقالوا: أعطينا هذا الرجل عهودنا أن زعم أنه رسول ابن الحنفية، وابن الحنفية بمكة ليس منا ببعيد ولا مستتر، فلو شخص منا قوم إليه فسألوه عما جاءنا به هذا الرجل فإن كان صادقاً نصرناه وأعناه على أمره؛ فشخص منهم قوم فلقوا ابن الحنفية بمكة فأعلموه أمر المختار وما دعاهم إليه؛ فقال: نحن حيث ترون محبسون، وما أحب أن لي سلطان الدنيا بقتل مؤمنٍ بغير حق، ولوددت أن الله انتصر لنا ممن شاء من خلقه فاحذروا الكذابين وانظروا لأنفسكم ودينكم؛ فانصرفوا على هذا، وكتب المختار كتاباً على لسان محمد بن الحنفية إلى إبراهيم بن الأشتر وجاء فاستأذن عليه، وقيل: المختار أمين آل محمد ورسولهم فأذن له وحياه ورحب به وأجلسه معه على فراشه، فتكلم المختار وكان مفوهاً فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إنكم أهل بيت قد أكرمكم الله بنصرة آل محمد وقد ركب منهم ما قد علمت ومنعوا حقهم وصاروا إلى ما رأيت وقد كتب إليك المهدي كتاباً وهؤلاء الشهود عليه، فقال يزيد بن أنس الأسدي وأحمر بن سميط البجلي وعبد الله بن كامل وأبو عمرة كيسان مولى بجيلة: نشهد أن هذا كتابه، قد شهدناه حين دفعه إليه؛ فقبضه إبراهيم وقرأه ثم قال: أنا أول من يجيب قد أمرنا بطاعتك ومؤازرتك فقل ما بدا لك وادع إلى ما شئت.
ثم كان إبراهيم يركب إليه في كل يوم فيدع ذلك في صدور الناس؛ وورد الخبر على ابن الزبير فشكر لمحمد بن الحنفية وجعل أمر المختار يغلط كل يوم ويكثر تبعه وجعل يتتبع قتلة الحسين ومن أعان عليه فيقتلهم، ثم بعث إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفاً إلى عبيد الله بن زياد فقتله، وبعث برأسه إلى المختار فجعله المختار في جونةٍ وبعث به إلى محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وسائر بني هاشم.
فلما رأى علي بن الحسين رأس عبيد الله ترحم على الحسين وقال: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين وهو يتغذى وأتينا برأس عبيد الله ونحن نتغدى، ولم يبق من بني هاشم أحد إلا قام بخطبةٍ في الثناء على المختار والدعاء له وجميل القول فيه.
وكان ابن الحنفية يكره أمر المختار وما يبلغه عنه، ولا يحب كثيراً مما يأتي به؛ وكان ابن عباس يقول: أصاب بثأرنا ووصلنا فكان يظهر الجميل فيه للعامة؛ فلما اتسق الأمر للمختار كتب: لمحمد بن علي من المختار بن أبي عبيد الطالب بثأر آل محمد، أما(23/102)
بعد: فإن الله لم ينتقم من قوم حتى يعذر إليهم، وإن الله قد أهلك الفسقة وأتباع الفسقة، وقد بقيت بقايا فأرجو أن يلحق الله آخرهم بأولهم.
قال سعيد بن الحسن: قال محمد بن الحنفية: رحم الله من كف يده ولسانه، وجلس في بيته فإن ذنوب بني أمية أسرع إليهم من سيوف المسلمين.
قال وردان: كنت في العصابة الذين انتدبوا إلى محمد بن علي بن الحنفية وكان ابن الزبير يمنعه أن يدخل مكة حتى يبايعه، وأراد الشام فمنعه عبد الملك بن مروان أن يدخلها حتى يبايعه، فأبى، فسرنا معه ولو أمرنا بالقتال لقاتلنا معه، فجمعنا يوماً فقسم فينا شيئاً وهو يسير، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: الحقوا برحالكم واتقوا الله، وعليكم بما تعرفون ودعوا ما تنكرون، وعليكم بخاصة أنفسكم ودعوا أمر العامة واستقروا على أمرنا كما استقرت السماء والأرض، فإن أمرنا إذا جاء كان كالشمس الضاحية.
وقال محمد بن الحنفية: ترون أمرنا؟ لهو أبين من هذه الشمس، سفلا تعجلوا ولا تقتلوا أنفسكم.
قال الأسود بن قيس:
لقيت بخراسان رجلاً من عنزة قال: ألا أعرض عليك خطبة ابن الحنفية؟ قلت: بلى؛ قال: انتهيت إليه وهو في رهطٍ يحدثهم قلت: السلام عليك يا مهدي؛ قال: وعليك السلام؛ قلت: إن لي إليك حاجةً؛ قال: أسر هي أم علانية؟ قلت: بل سر؛ فحدث القوم ساعة ثم قام فقمت معه، ودخلت معه بيته؛ قال: قل بحاجتك؛ فحمدت الله، وأثنيت عليه، وشهدت أن لا إله إلا الله، وشهدت أن محمداً رسول الله، ثم قلت: أما بعد: فوالله ما كنتم أقرب قريشٍ إلينا قرابةً فنحبكم على قرابتكم ولكن كنتم أقرب قريشٍ إلى نبينا قرابةً، فلذلك أحببناكم على قرابتكم من نبينا، فما زال بنا حبكم حتى ضربت عليه الأعناق وأبطلت الشهادات، وشردنا في البلاد وأؤذينا حتى لقد هممت أن أذهب في الأرض(23/103)
قفراً فأعبد الله حتى ألقاه، لولا أن يخفى علي أمر آل محمد، ولقد هممت أن أخرج مع قومٍ شهادتنا وشهادتهم واحدةً على أمرائنا، فيخرجون ويقاتلون ونغنم يعني الخوارج وقد كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء وراء فأحببت أن أشافهك الكلام فلا أسأل عنك أحداً، وكنت أوثق الناس في نفسي وأحبه إلى أن أقتدي به، فأرى برأيك وكيف المخرج، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
قال: فحمد الله محمد بن علي وأثنى عليه وتشهد فقال: أما بعد، فإياكم وهذه الأحاديث فإنها عيبٌ عليكم، وعليكم بكتاب الله فإنه هدي أولكم وبه هدي آخركم، ولعمري لئن أوذيتم لقد أوذي من كان خيراً منكم، أما قيلك: لقد هممت أن أذهب في الأرض قفراً فأعبد الله حتى ألقاه وأجتنب أمور الناس لولا أن يخفى علي أمر آل محمد، فلا تفعل فإن تلك البدعة الرهبانية، ولعمري لأمر آل محمدٍ أبين من طلوع هذه الشمس؛ وأما قيلك: لقد هممت أن أخرج مع أقوامٍ شهادتنا وشهادتهم واحدةٌ على أمرائنا فيخرجون ويقاتلون ونغنم: فلا تفعل، لا تفارق الأمة، اتق هؤلاء القوم بتقيتهم يعني بني أمية ولا تقاتل معهم.
قال: قلت: وما تقيتهم؟ قال: تحضرهم وجهك عند دعوتهم، فيدفع الله بذلك عنك من دمك وذنبك، وتصيب من مال الله الذي أنت أحق به منهم؛ قال: قلت: أرأيت إن أطاف بي قتال ليس منه بد؟ قال: تبايع بإحدى يديك الأخرى لله وتقاتل لله، فإن الله سيدخل أقواماً بسرائرهم الجنة، وسيدخل أقواماً بسرائرهم النار، وإني أذكرك الله أن تبلغ عني ما لم تسمع مني، أو أن تقول عني ما لم أقل؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وعن أبي الطفيل: أن محمد بن الحنفية قال له: الزم هذا المكان وكن حمامةً من حمام الحرم حتى يأتي أمرنا إذا جاء فليس به خفاء، كما ليس بالشمس إذا طلعت خفاء، وما يدريك(23/104)
إن قال لك الناس: تأتي من المشرق، ويأتي الله بها من المغرب، وما يدريك إن قال لك الناس: تأتي من المغرب، ويأتي الله بها من المشرق، وما يدريك لعلنا سنؤتى بها كما يؤتى بالعروس.
قال ابن الحنفية: سمعت أبا هريرة يقول: لا حرج إلا في دم امرئٍ مسلم؛ قال: فقيل لابن الحنفية: تطعن على أبيك؟ قال: إني لست أطعن على أبي، بايعه أولو الأمر فنكث ناكثٌ فقالته ومرق مارقٌ فقاتله، وإن ابن الزبير يحسدني على مكاني هذا، ود أني ألحد في الحرم كما ألحد.
وفي حديث: إنا أهل بيتٍ لا نبتز هذه الأمة أمرها ولا نأتيها من غير وجهها، وإن علياً قد كان يرى أنه له، ولكنه لم يقاتل حتى جرت له بيعةٌ.
وعن محمد بن علي، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا فعلوها حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " فقال رجلٌ لمحمد: إنك لتزري على أبيك فقال: لست أزري على أبي، إن أبي بايعه أهل الأمر فنكث ناكثٌ فقاتله ومرق مارقٌ فقاتله، ولست كأبي، ليست لي بيعةٌ في أعناق الناس فأقاتل، وقد كان قيل له: ألا تخرج؟ وفي حديث: قال ابن الحنفية: لو أن الناس بايعوني إلا رجلٌ لم يشتد سلطاني إلا به ما قتلته.
وعن ابن الحنفية قال: رحم الله امرءاً أغنى نفسه وكف يده وأمسك لسانه وجلس في بيته، له ما احتسب وهو مع من أحب، ألا إن الأعمال بني أمية أسرع فيهم من سيوف المسلمين، ألا إن لأهل الحق دولةً يأتي بها الله إذا شاء، فمن أدرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام الأعلى، ومن يمت فما عند الله خيرٌ وأبقى.(23/105)
قال المنهال بن عمرو:
جاء رجل إلى محمد بن الحنفية فسلم عليه، فرد عليه السلام فقال: كيف أنت؟ فحرك يده، فقال: كيف أنتم؟ أما آن لكم أن تعرفوا كيف نحن؟ إنما مثلنا في هذه الأمة مثل بني إسرائيل في آل فرعون؛ كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وإن هؤلاء يذبحون أبنائنا وينكحون نساءنا بغير أمرنا، فزعمت العرب أن لها فضلاً على العجم، فقالت العجم: وما ذاك؟ قالوا: كان محمد عربياً، قالوا: صدقتم؛ قالوا: وزعمت قريش أن لها فضلاً على العرب؛ فقالت العرب: وبم ذلك؟ قالوا: كان محمد قرشياً؛ فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس.
ولما قتل المختار بن أبي عبيد في سنة ثمانٍ وستين ودخلت سنة تسع وستين أرسل عبد الله بن الزبير عروة بن الزبير إلى محمد بن الحنفية: إن أمير المؤمنين يقول لك: إني غير تاركك أبداً حتى تبايعني أو أعيدك في الحبس وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته، وأجمع أهل العراقين علي فبايع وإلا فهو الحرب بيني وبينك إن امتنعت؛ فقال ابن الحنفية لعروة: ما أسرع أخاك على قطع الرحم والاستخفاف بالحق وأغفله عن تعجيل عقوبة الله، ما يشك أخوك في الخلود، وإلا فقد كان أحمد للمختار وهديه مني، والله ما بعثت المختار داعياً ولا ناصراً، والمختار كان أشد انقطاعاً منه إلينا، فإن كان كذاباً فطال ما قربه على كذبه، وإن كان على غير ذلك فهو أعلم به، وما عندي خلافٌ؛ ولو كان خلافٌ ما أقمت في جواره ولخرجت إلى من يدعوني، فأبيت ذلك عليه؛ ولكن ها هنا والله لأخيك قرنٌ يطلب ما يطلب أخوك، كلاهما يقاتلان على الدماء عبد الملك بن مروان؛ والله لكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك، وإني لأحسب أن جوار عبد الملك خيرٌ لي من جوار أخيك، ولقد كتب لي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه؛ قال عروة: فما يمنعك من ذلك؟ قال: أستخير الله، وذلك أحب إلى صاحبك؛ قال: أذكر ذلك له؛ فقال بعض أصحاب محمد بن الحنفية: والله ما أطعتنا لضربنا عنقه؛ فقال ابن الحنفية: وعلام أضرب عنقه؟ جاءنا برسالةٍ من أخيه وجاورنا فجرى بيننا(23/106)
وبينه كلامٌ فرددناه إلى أخيه؛ والذي قلتم غدرٌ وليس في الغدر خيرٌ، لو فعلت الذي يقولون لكان القتال بمكة، وأنتم تعلمون أن رأيي: لو اجتمع الناس كلهم علي إلا إنسانٌ واحدٌ لما قاتلته؛ فانصرف عروة فأخبر ابن الزبير بكل ما قال له محمد بن الحنفية، وقال: والله ما أرى أن تعرض له، دعه فليخرج عنك ويغيب وجهه فعبد الملك أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه، وابن الحنفية لا يبايعه أبداً حتى يجتمع الناس عليه، فإن صار إليه كفاكه؛ إما حبسه وإما قتله فتكون أنت قد برئت من ذلك.
وفي حديث: أنه لما اجتمع الناس على عبد الملك وبايع ابن عمر قال ابن عمر لابن الحنفية: ما بقي شيء فبايع؛ فكتب ابن الحنفية إلى عبد الملك: بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من محمد بن علي، أما بعد: فإني لما رأيت الأمة قد اختلفت اعتزلتهم، فلما أفضى هذا الأمر إليك وبايعك الناس كنت كرجلٍ منهم أدخل في صالح ما دخلوا فيه، فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك، وبعثت إليك ببيعتي ورأيت الناس قد اجتمعوا عليك ونحن نحب أن تؤمنا وتعطينا ميثاقاً على الوفاء، فإن الغدر لا خير فيه، فإن أبيت فإن أرض الله واسعةٌ.
فلما قرأ عبد الملك الكتاب قال قبيصة بن ذؤيب وروح بن زنباع: ما لك عليه سبيل، ولو أراد فتقاً لقدر عليه ولقد سلم وبايع فنرى أن تكتب إليه بالعهد والميثاق بالأمان له ولأصحابه ففعل، وكتب إليه: إنك عندنا محمودٌ، أنت أحب إلينا وأقرب بنا رحماً من ابن الزبير فلك العهد والميثاق وذمة الله وذمة رسوله أن لا تهاج ولا أحدٌ من أصحابك بشيء تكرهه، ارجع إلى بلدك واذهب حيث شئت ولست أدع صلتك وعونك ما حييت؛ وكتب إلى الحجاج يأمره بحسن جواره وإكرامه؛ فرجع ابن الحنفية إلى المدينة.
خرج الحجاج بن يوسف ومحمد بن الحنفية من عند عبد الملك بن مروان فقال الحجاج لمحمد بن الحنفية: بلغني أن أباك كان إذا فرغ من القنوت يقول كلاماً حسناً(23/107)
أحببت أن أعرفه فنحفظه؛ قال: لا؛ قال: سبحان الله ما أوحش لقاءكم وأفظع لفظكم وأشد خنزوانتكم ما تعدون الناس إلا عبيداً، ولقد خضتم الفتنة خوضاً، وفللتم المهاجرين والأنصار؛ فنظر إليه ابن الحنفية وأنكر لفظه فوقف، وسار الحجاج ورجع ابن الحنفية إلى باب عبد الملك فقال للآذن: استأذن لي؛ فقال: ألم تكن عنده وخرجت آنفاً، فما ردك وقد ارتفع أمير المؤمنين؟ قال: لست أبرح حتى ألقاه؛ فكره لآذن غضب الخليفة فأعلمه فقال: لقد رده أمرٌ، ائذن له؛ فلما دخل عليه تحلحل عن مجلسه كما كان يفعل؛ فقال: يا أمير المؤمنين هذا الحجاج أسمعني كلاماً تكمشت له وذكر أبي بكلامٍ تقمعت له وما أحرت حرفاً؛ قال: فما قال لك حتى أعمل على حسبه؟ قال: وكأنما تفقأ في وجهه الرمان، فخبره عما سأله عنه؛ فقال لصاحب شرطه: علي بالحجاج الساعة؛ فأتاه حين خلع ثيابه فحمله حملاً عنيفاً، وانصرف ابن الحنفية، فجاء الحجاج فوقفه بالباب طويلاً، ثم أذن له، فدخل عليه فسلم عليه، فقال له عبد الملك: من الرجز
لا أنعم الله بعمرٍو عيناً ... تحية السخط إذا التقينا
يا لكع وهراوة النفار، ما أنت ومحمد بن الحنفية؟ قال: يا أمير المؤمنين ما كان إلا خيرٌ قال: كذبت والله لهو أصدق منك وأبر، ذكرته وذكرت أباه فوالله ما بين لابتيها أفضل من أبيه؛ ما جرى بينك وبينه؟ قال: سألته يا أمير المؤمنين عن شيءٍ بلغني أن أباه كان يقوله بعد القنوت، فقال: لا أعرفه، فعلمت أن ذلك مقتاً منه لنا ولدولتنا فأجبته بالذي بلغك؛ قال له عبد الملك: أسأت ولؤمت، والله لولا أبوه وابن عمه كنا حبارى ضلالاً، وما أنبت الشعر على رؤوسنا إلا الله وهم، وما أعزنا بما ترى إلا رحمهم وريحهم الطيبة، والله لا كلمتك كلمةً أبداً أو تجيئني بالرضى منه، وتسل سخيمته.
قال: فمضى الحجاج من فوره فألفاه وهو يتغدى مع أصحابه، فاستأذن فأبى أن يأذن له، فقال بعض أصحابه: إنه أتى برسالةٍ من أمير المؤمنين؛ فأذن له، فقال: إن أمير المؤمنين أرسلني أن أستل سخيمتك وأقسم أن لا يكلمني أبداً حتى آتيه برضاك، وأنا(23/108)
أحب برحمك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عفوت عما كان وغفرت ذنباً إن كان؛ قال: قد فعلت على شريطةٍ فتفعلها؟ قال: نعم، قال: على صرم الدهر ثم انصرف الحجاج ودخل على عبد الملك فقال: ما صنعت؟ قال: قد جئت برضاه وسللت سخيمته وأجاب إلى ما أحب وهو أهل ذاك؛ قال: فأي شيءٍ آخر ما كان بينك وبينه؟ قال: رضي علي شريطة صرم الدهر فقال: شنشنةٌ أعرفها من أخزم، انصرف.
فلما كان من الغد دخل ابن الحنفية على عبد الملك فقال له: أتاك الحجاج؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: فرضيت وأجبته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: ثم مال إليه فقال: هل تحفظ ما سألك عنه؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، وما منعني أن أبثه إياه إلا مقتي له فإنه من بقية ثمود فضحك عبد الملك، ثم دعا بدواةٍ وقرطاس وكتب بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم، كان أمير المؤمنين رضي الله عنه إذا فرغ من وتره رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم حاجتي العظمى التي إن قضيتها لم يضرني ما منعتني، وإن منعتني لم ينفعني ما أعطيتني، فكاك الرقاب فك رقبتي من النار، رب ما أنا إن تقصد قصدي بغضبٍ منك يدوم علي، فوعزتك ما يزين ملكك إحساني ولا يقبحه إساءتي ولا ينقص من خزائنك غناي، ولا يزيد فيها فقري، يا من هو هكذا اسمع دعائي وأجب ندائي وأقلني عثرتي وارحم غربتي ووحشتي ووحدتي في قبري، هاأنذا يا رب برمتي، ويأخذ بتلابيبه ثم يركع؛ فقال عبد الملك: حسنٌ والله، رضي الله عنه.
توفي محمد بن الحنفية سنة ثمانين بين الشام والمدينة.
قال أبو حمزة: قضينا نسكنا حتى قتل ابن الزبير ورجعنا إلى المدينة مع محمد فمكث ثلاثة أيام ثم توفي.(23/109)
وقيل: توفي سنة إحدى وثمانين وسنه خمسٌ وستون سنةً؛ وقيل: سنة اثنتين وثمانين؛ وقيل: سنة ثلاث وثمانين؛ وقيل: سنة اثنتين وتسعين أو ثلاث.
محمد بن علي بن طرخان
ابن عبد الله بن جباش أبو بكر، ويقال: أبو عبد الله البلخي ثم البيكندي
حدث عن محمد بن يحيى بن أبي عمر، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله تسعةً وتسعين اسماً، مئةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، إنه وترٌ يحب الوتر ".
وحدث عن محمد بن الجليل الخشني البلائطي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تبارك وتعالى ليدخل الجنة بلقمة الخبز وقبضة التمر ومثله ما ينفع به المسكين ثلاثةً: صاحب البيت الآمر به والزوجة والخادم الذي يناول المسكين ".
وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله الذي لم ينس خادمنا ".
وحدث عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن عنبسة، عن الهيثم بن عدي، قال: عدنا مريضاً من القراء بالكوفة أنا وأبو حنيفة وأبو بكر النهشلي، وكان منزله قاصياً فقال بعضنا لبعضٍ: إذا جلستم فعرضوا بالغداء؛ فلما دخلنا عليه قال بعضنا: " ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع " فرفع المريض رأسه وقال: " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج " قال أبو حنيفة: قوموا فليس عند صاحبنا خير جباش أوله جيم مفتوحة وباء معجمة بواحدة مشددة وآخره شين.(23/110)
محمد بن علي بن طلحة
أبو مسلم الأصبهاني حدث ببيت المقدس عن أبي بكر محمد بن الحارث، بسنده إلى عبد الله بن مسعود أنه قال: أيها الناس من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه: " قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين ".
محمد بن علي بن عبد الله الهاشمي
ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو عبد الله الهاشمي، أبو الخلائف من بني العباس ولد بالحميمة من أرض الشراة من ناحية البلقاء، وقدم دمشق وشهد بدير مران عرساً لبعض بني أمية مع أخيه عيسى بن علي.
حدث عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمةٍ، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي ".
وحدث عن أبيه عن جده قال: أكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرقاً ثم صلى ولم يتوضأ ولم يمس ماءً.
وحدث عن أبيه عن جده أنه رقد عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول: " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " فقرأ هؤلاء(23/111)
الآيات حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هذه الآيات، ثم أوتر بثلاثٍ قال: فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول: " اللهم اجعل في قلبي نوراً، واجعل في لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل في خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم أعظم لي نوراً ".
وفي آخر بمعناه: ثم أقام بلال الصلاة فصلى.
توفي محمد بن علي بن عبد الله بن العباس سنة أربع وعشرين ومئة؛ وقيل: توفي سنة خمسٍ وعشرين ومئة، وهو ابن ستين سنة وقيل: توفي سنة ست وعشرين.
وكان أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية أوصى إليه ودفع إليه كتبه، فكان محمد بن علي وصي أبي هاشم، وقال له أبو هاشم: إن هذا الأمر إنما هو في ولدك؛ فكانت الشيعة الذين يأتون أبا هاشم ويختلفون إليه قد صاروا بعد ذلك إلى محمد بن علي.
وكان أبو هاشم عالماً قد سمع وقرأ الكتب وكان محمد بن علي من أجمل الناس وأمده قامةً، وكن النساء يستشرفن له، وكان رأسه مع منكب علي بن عبد الله، وكان رأس علي بن عبد الله مع منكب أبيه عبد الله، وكان رأس عبد الله مع منكب أبيه العباس.
أوصى علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب إلى ابنه سليمان؛ فقيل له: توصي إلى سليمان وتدع محمداً؟ فقال: أكره أن أدنسه بالوصاة.
قال محمد بن علي: لو أن هذا الموت أعد لأعدائنا دوننا لحق علينا أن نرحمهم.
وكان ابتداء دعاة بني العباس إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وتسميتهم إياه بالإمام ومكاتبتهم له وطاعتهم لأمره، وكان ابتداء ذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة سبع وثمانين، ولم يزل الأمر يقوى في ذلك ويزيد إلى أن توفي سنة أربع وعشرين ومئة وقد انتشرت دعوته وكثرت شيعته، وأوصى إلى ابنه إبراهيم بن محمد.(23/112)
كان قومٌ من أهل خراسان يختلفون إلى أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية فمرض مرضه الذي مات فيه، فقال له القوم من أهل خراسان: من تأمرنا نأتي بعدك؟ قال: هذا، وهو عنده؛ قالوا: ومن هذا؟ قال: هذا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس؛ قالوا: وما لنا ولهذا؟ قال: لا أعلم أحداً أعلم منه، ولا خيراً منه؛ فاختلفوا إليه.
قال عيسى بن علي: فذاك سببنا بخراسان.
وقيل: توفي محمد بن علي سنة ثمان عشرة، وهو وهمٌ.
محمد بن علي بن عبد الله النصيبي
ابن سهل بن طالب أبو عبد الله النصيبي المؤدب حدث عن أبي القاسم الفضل بن جعفر بن محمد التميمي، بسنده إلى أبي جمعة، قال: تغدينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقلنا: يا رسول الله أحدٌ خيرٌ منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك؛ قال: " نعم، قومٌ يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ".
توفي أبو عبد الله محمد بن علي سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
محمد بن علي بن عبد الله الصوري
ابن محمد أبو عبد الله الصوري، الحافظ ولد سنة ست أو سبعٍ وسبعين وثلاث مئة.
وحدث عن محمد بن أحمد بن جميع بسنده إلى المغيرة بن شعبة، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انصرف من الصلاة قال: " لا إله إلا الله، وحده(23/113)
لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".
توفي ببغداد سنة إحدى وأربعين وأربع مئة.
وكان حافظاً؛ وسئل هل كان يذاكر بمئتي ألف حديث؟ فأشار إلى أنه لا يستبعد عليه ذلك.
وكان فكهاً مليحاً حسن الحديث، كأنه شعلة نارٍ بلسانٍ كالحسام القاطع؛ وكان دقيق الخط صحيح النقل؛ كان يكتب في وجه ورقةٍ من أثمان الكاغد الخراساني ثمانين سطراً.
ومن شعره لنفسه: من الخفيف
قل لمن أنكر الحديث وأضحى ... عاتباً أهله ومن يدعيه
أبعلمٍ تقول هذا؟ أبن لي ... أم بجهلٍ فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الد ... دين من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه ... راجعٌ كل عالمٍ وفقيه
محمد بن علي بن عمرو
أبو عبد الله المقرئ حدث عن أبي إسحاق لإبراهيم بن محمد بن أبي سهل المروروذي، بسنده إلى علقمة، قال: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما الأعمال بالنية وإنما لامرءٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها وإلى امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".(23/114)
محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم
أبو عبد الله المروزي، الحافظ حدث عن أبي زرعة، بسنده إلى ابن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مكتوب في التوراة: من سره أن تطول أيام حياته ويزاد في عمره فليصل رحمه ".
محمد بن علي بن محمد بن الحسين
ابن الفياض أبو عبد الله البغدادي الكاتب حدث بدمشق سنة تسعٍ وعشرين وثلاث مئة.
حدث عن أحمد بن علي الخراز بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التكبير في العيدين في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الآخرة خمس تكبيرات ".
محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم
أبو الخطاب البغدادي، المعروف بالجبلي الشاعر حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي، بسنده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم الناس ما في صلاة الغداة والعتمة لأتوهما ولو حبواً ". كان محمد بن علي أبو الخطاب الجبلي من أهل الأدب، حسن الشعر، فصيح القول، مليح النظم، وكان رافضياً شديد الترفض.
والجبلي باؤه مشددة مضمومة، ومن شعره: من الطويل(23/115)
أخالف ما أهوى لمرضاة ما تهوى ... وأشكر في حبيك ما يوجب الشكوى
ولولا حلول السحر طرفك لم يكن ... يخيل لي مر الغرام به حلوا
متى تتقي عدوان حبك سلوتي ... إذا كان من قلبي علي له العدوى
بأي عزاء أحتمي منك بعدما ... تتبعت بالألحاظ آثاره محوا
ولم تخل لي من عبرةٍ فيك مدمعاً ... ومن حيرةٍ فكراً ومن زفرةٍ عضوا
أبن لي إذا ما كنت من أكؤس الهوى ... بلحظك لا أصحو فما لي لا أروى
محمد بن علي بن محمد
أبو بكر الفزاري، الغداني الخراط الإمام قال: بلغني عن بعض إخوان أحمد بن حنبل رآه في النوم فقال: يا أحمد، ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقال لي: يا أحمد صبرت على الضرب أن قلت ولم تتغير: إن كلامي منزلٌ غير مخلوق، وعزتي لأسمعنك كلامي إلى يوم القيامة؛ فأنا أسمع كلام ربي عز وجل.
محمد بن علي بن حيون
أبو عبد الله الأزدي الرقي قدم دمشق وسمع بها.
وحدث عن أبي نصر محمد بن عبد الجليل الهروي الصوفي، بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن لله في السماء جنداً وفي الأرض جنداً، فجنده في السماء الملائكة، وجنده في الأرض أهل خراسان ".
قال: هذا حديثٌ غريبٌ شاذ، وفي إسناده مجهولون.(23/116)
محمد بن علي بن محمد بن علي
ابن بويه أبو طاهر البخاري الزراد قدم دمشق حاجاً سنة إحدى وعشرين وأربع مئة.
وحدث عن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن يوسف البصري الفرائضي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة الكنهل والهنهل والجعدن وذا الحلية، قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: " أما الكنهل النباش، والهنهل النمام، والجعدن الذي لا يشبع، وذو الحلية المخنث ".
وحدث عن أبيه، بسنده إلى خضر قال: ما رأيت أحدب إلا وهو خفيف الروح، وما رأيت أعمى أو أحول إلا وهو ثقيل الروح.
محمد بن علي بن محمد بن أحمد
أبو الفتح التميمي الكوفي حدث عن أبيه، بسنده إلى أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اسق الماء على الماء في اليوم الصائف تنتثر ذنوبك كما ينتثر الورق من الشجر في الريح العاصف ".
وبإسناده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يقول الله تعالى: ما من عبد سلبته كريمتيه فصبر إيماناً واحتساباً، ما كان له عندي ثوابٌ إلا الجنة ".(23/117)
محمد بن علي بن محمد بن صالح
ابن عبد الله أبو عبد الله السلمي المقرئ المطرز كان أديباً وصنف مقدمةً في النحو.
حدث عن أبي القاسم تمام بن محمد الرازي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ".
توفي أبو عبد الله المطرز سنة ست وخمسين وأربع مئة.
محمد بن علي بن محمد الجمحي
ابن عمر بن رجاء بن عمرو بن أبي العيس أبو العيس الجمحي، الأطرابلسي القاضي حدث بأطرابلس عن أبي العباس منير بن أحمد بن الحسن بن علي بن منير الخلال، بسنده إلى حذيفة بن اليمان قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً حتى انتهى إلى بساطة قوم فتنحيت منه فبال قائماً ثم قال لي: " ادن " فدنوت منه حتى كنت عند رجليه فتوضأ ومسح على خفيه.
ورد الخبر بوفاة أبي العيس سنة ستين وأربع مئة وكان سنياً.
محمد بن علي بن محمد بن جناب
أبو عبد الله المعروف بابن الدرزي الشاعر الصوري شاعر مكثر، من شعره: من مجزوء الكامل(23/118)
صب جفاه حبيبه ... وحلا له تعذيبه
فالنار تضرم في الجوا ... نح والسقام يذيبه
حتى بكاه لما دها ... هـ بعيده وقريبه
وتوامروا في طبه ... كيما يخف لهيبه
فأتى الطبيب وما دروا ... أن الحبيب طبيبه
محمد بن علي بن محمد بن علي
ابن أحمد أبو عبد الله بن أبي القاسم بن أبي العلاء المعدل حدث سنة خمسٍ وخمس مئة عن أبي بكر الخطيب، بسنده إلى أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ".
وحدث عنه بسنده إلى أبي بكر بن خلاد، قال: قلت ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصماني أحب إلى من أن يكون خصمي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: لم حدثت عني حديثاً ترى أنه كذب؟.
ولد أبو عبد الله بن أبي القاسم سنة خمسٍ وأربعين وأربع مئة؛ وتوفي سنة ست عشرة وخمس مئة.
محمد بن علي بن محمد بن أحمد
ابن نزار أبو عبد الله التنوخي الحلبي، المعروف بابن العظيمي قدم دمشق ومدح بها جماعةً وسمع شيئاً من الحديث.
فمن شعره من قصيدة: من البسيط(23/119)
يلقى العدى بجنانٍ ليس يرعبه ... خوض الحمام ومتنٍ ليس ينقصم
فالبيض تبسم والأوداج باكيةً ... والخيل ترقص والأبطال تلتطم
والنقع غيمٌ ووقع المرهفات به ... لمع البوارق والغيث الملت دم
وله: من البسيط
صبابةٌ من حلال الماء تكفيني ... وبلغةٌ من قوام العيش تكفيني
ولست آسى على الدنيا ول ذهبت ... إذا علمت بأني سالم الدين
ولد أبو عبد الله العظيمي سنة ثلاثٍ وثمانين وأربع مئة.
محمد بن علي بن المسلم
أبو عبد الله البزاز، المعروف بابن الحمامي الفقيه حدث سنة ثمان وثمانين وأربع مئة عن أبي عبد الله الحسين بن عبد الله الفقيه الأرموي المعروف بالشويخ، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".
محمد بن علي بن ميمون
أبو الغنائم بن النرسي، الكوفي الحافظ المعروف بأبي حدث بسنده إلى ابن مسعود أن رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الأعمال أفضل؟ قال: " الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله ".
وحدث عن محمد بن علي بن عبد الرحمن، بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال: أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فقال: يا رسول الله، والله إني لأخاف في نفسي وولدي وأهلي ومالي؛ قال: فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل كلما أصبحت وإذا أمسيت: بسم الله علي(23/120)
ديني ونفسي وولدي وأهلي ومالي " قال: فقالهن الرجل ثم أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما صنعت فيما كنت تجد؟ " قال: والذي بعثك بالحق لقد ذهب ما كنت أجد.
ولد أبو الغنائم سنة أربعٍ وعشرين وأربع مئة، وكان شيخاً ثقةً مأموناً، فهماً للحديث، عارفاً بما يحدث، كثير تلاوة القرآن؛ وعاش ستاً وثمانين سنة، ومتعه الله بجوارحه إلى حين وفاته، وتوفي سنة عشرٍ وخمس مئة.
محمد بن علي بن النعمان
أبو الحسن البزاز حدث بأطرابلس عن أحمد بن يونس حديثاً في سنده من تصنيف الأصل إلي نافع وكل شيخٍ يقول: حدثني فلان وأطعمني وسقاني، قال نافع: عن عبد الله بن عمر وأطعمني وسقاني، قال: كنت في دار عائشة وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاضراً فيها فأكلت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تميراتٍ أتى بها رجلٌ من الأنصار إذ أقبلني بوجهه وقال: " يا عبد الله عليك بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، واترك الكذب، أو لا تقول الكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وعليك بحسن الخلق فإن حسن الخلق من أخلاق أهل الجنة، وإن سوء الخلق من أخلاق أهل النار ".
محمد بن علي بن يحيى بن سلوان
أبو عبد الله المازني، المعروف بابن القماح حدث سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة عن أبي القاسم الفضل بن جعفر التميمي المؤذن، بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: لما خلق الله العقل قال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل(23/121)
فأقبل، ثم قال له: اقعد فقعد، فقال: ما خلقت خلقاً هو خيرٌ منك، بك آخذ وبك أعطي، وبك أعرف، وإياك أعاقب، لك الثواب وعليك العقاب ".
توفي أبو عبد الله المازني سنة سبع وأربعين وأربع مئة، وكان مولده سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.
محمد بن علي بن يوسف بن جميل
أبو عبد الله الطرسوسي القاضي المعروف بابن السناط إمام جامع دمشق.
حدث عن عبد الرحمن بن عثمان، بسنده إلى عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرءٍ مسلمٍ لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان " قيل: يا رسول الله وإن كان يسيراً؟ قال: " وإن كان سواكاً من أراك ".
توفي القاضي أبو عبد الله سنة ست وخمسين وأربع مئة.
محمد بن علي أبو حبيب الكوفي القيسراني
الدمشقي العب الصالح
حدث بدمشق عن سعيد بن مسلمة بن هشام، بسنده إلى أبي مالك الأشجعي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ".
محمد بن علي أبو الصياح الصوفي
قال أبو حمزة محمد بن إبراهيم الصوفي: قلت لمحمد بن علي الدمشقي وكان سيد الصوفية، وقد رأيت معه غلاماً جميلاً(23/122)
زماناً طويلاً ثم فارقه: لم هجرت ذلك الفتى الذي كان معك، وقد كنت له مواصلاً وإليه مائلاً؟ قال: والله لقد فارقته على غير قلى ولا ملالٍ مني له، قلت: فلم فعلت ذلك؟ قال: رأيت قلبي يدعوني إلى أمرٍ إذا أنا خلوت به سقطت من عين الله عز وجل فتركته تنزيهاً لله عز وجل ثم لنفسي، وإني لأرجو من الله عز وجل يعقبني بمفارقتي له ما أعقب الصالحين عن محارمه عند صدق الوفاء بأحسن الجزاء.
قال أبو حمزة: كنت مع أبي الصياح، وكان من خيار عباد الله، فنظر إلى غلامٍ فقال: سبحان الله، سبحان من أمات هذه القلوب عن طاعته وأحياها عند النظر إلى معصيته، ما أدري بأي لسانٍ أعوذ ولا بأي قلبٍ أشكو سرعة طرفي إلى النظر للحرام، أو هجومه على طلب الآثام، حتى كأني به لا أطالب، وبنظره لا أحاسب وتالله لو غفر الله لي هذه النظرة لاستحييت منه أن أكون قد اطلع عليه مني فيها؛ ثم بكى.
محمد بن علي الدمشقي
إن لم يكن ابن خلف فهو غيره.
حدث عن إبراهيم بن يعقوب، بسنده أن يحيى بن زكريا قال: يا حوباه، إني رأيت كأن القيامة قامت وكأن الجبار جل ثناؤها وضع كرسيه لفصل القضاء فخررت ميتاً؛ يا حوباه، هذا إنما رآه روحي فكيف لو عاينته معاينةً روي أن رجلاً قام بهذا الكلام في مدينةٍ من مدائن خراسان، فصعق جماعة فماتوا.(23/123)
محمد بن علي أبو بكر الدمشقي
حدث عن أبي خليفة، بسنده إلى أنس، قال: أمر بلال أن يشفع الآذان ويوتر الإقامة.
توفي أبو بكر الدمشقي ببخارى سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة.
محمد بن علي أبو غالب
ابن أبي الحسن المكبر البغدادي حدث عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن المسلمة، بسنده إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تكون بين يدي الساعة فتنٌ كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوامٌ دينهم بعرضٍ من الدنيا ".
توفي أبو غالب المكبر سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة، وله خمس وتسعون سنة.
محمد بن عمارة بن أحمد
ابن أبي الخطاب يحيى ابن عمرو بن عمارة الليثي حدث عن محمد بن أحمد بن إبراهيم، بسنده إلى كعب، قال: بطرسوس من قبور الأنبياء عشرةٌ، وبالمصيصة خمسةٌ، وهي التي يغزوها الروم في آخر الزمان، فيمرون بها فيقولون: إذا رجعنا من بلاد الشام أخذنا هؤلاء أخذاً،(23/124)
فيرجعون وقد تحلقت بين السماء والأرض؛ وبالثغور وأنطاكية قبر حبيب النجار، وبحمص ثلاثون قبراً، وبدمشق خمس مئة قبر، وببلاد الأردن مثل ذلك.
محمد بن عمران بن عتبة
حدث بدمشق عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، بسنده إلى ابن عباس، قال: كان رجلٌ من أزد شنؤة يسمى ضماداً وكان راقياً، فقدم مكة فسمع أهلها يسمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مجنوناً؛ فقال: إني رجلٌ أرقي وأدوي، فإن أحببت داويتك فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، فمن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله " قال ضماد: أعد علي؛ فأعاد عليه فقال: والله لقد سمعت قول الكهنة والسحرة والشعراء والبلغاء فما سمعت مثل هذا الكلام قط، هات يدك أبايعك؛ فبايعه على الإسلام، فقال: وعلى قومي؛ فقال: " وعلى قومك " فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك سريةً فمروا على تلك البلاد، فقال أميرهم: هل أصبتم شيئاً؟ قالوا: نعم إداوةٌ قال: ردوها فإن هؤلاء قوم ضمادٍ.
محمد بن عمر بن أحمد
ابن جعفر أبو الفتح التميمي، اليبرودي حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان القرشي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتعجل رمضان بصيام يومٍ إذ يؤمن، إلا رجلٌ كان يصوم صوماً فأتى ذلك عليه.
وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن لله على كل مسلمٍ من كل سبعة أيام يوماً يغسل كل شيء منه، وأن يستن، وأن يمس طيباً إن كان له ".(23/125)
محمد بن عمر بن إسماعيل
أبو بكر الدولابي، العسكري الأشج حدث عن أبي اليمان الحكم بن نافع، بسنده إلى أبي هريرة، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كفى أحدكم مملوكه صنعة طعامه، وكفاه خبزه ومؤونته وقربه إليه فليجلسه فليأكل معه، أو ليأخذ أكله فليروغها وأشار بيده فليضعها في يده، وليقل: كل هذه ".
ومما أنشده ابن الدولابي: من الرجز
كل امرئٍ يوماً سيقضي نحبه ... إن كره الموت وإن أحبه
ما الحر إلا من يواسي صحبه ... ولا الفتى إلا المطيع ربه
محمد بن عمر بن عبد الله
ابن رستم بن سنان أبو صالح الفارسي، البعلبكي المعلم حدث عن محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرأ يس في ليلةٍ التماس وجه الله عز وجل غفر له ".
وحدث عن عثمان بن حرزاد، بسنده إلى عبد الله، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ".
قال المصنف: هذا الرجل هو محمد بن حفص بن عمر بن عبد الله بن عمر بن رستم الذي تقدم، انقلب نسبه على ابن المقرئ.(23/126)
محمد بن عمر بن عبد العزيز
ابن مروان بن الحكم القرشي الأموي قال مقاتل: رأيت قوماً من العباد قد أتوا محمد بن عمر بن عبد العزيز فسألوه عن عمل أبيه، فقال: ما أذكر أني رأيته ولكني أدخل على أمي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان فأسألها عن هذا إن شاء الله عز وجل؛ فدخل عليها فقال: يا أمه، ما صنع أبي فإن الناس قد لجوا علي في ذلك؟ فقالت فاطمة بنت عبد الملك: يا بني لا تريد أن تعلم؛ قال لها: فإنهم لا يدعوني حتى أخبرهم؛ قالت: نعم، قل لهم: إن أبي كان من أعظم قريشٍ، وأفرههم مركباً، وألينهم ثوباً، وأطيبهم طعاماً، قبل أن يلي الخلافة، فلما ولي الخلافة لبس الكرابيس والصوف، وربما أدهن بزيت القلة، تعني زيت الماء، ولا رفع ثوباً يدخره ولا اتخذ أمةً منذ يوم ولي إلى يوم مات؛ فهذه كانت حاله.
محمد بن عمر بن عفان بن عثمان
ابن حمدان بن زريق أبو الحسن البغدادي الدوري حدث عن محمد بن خريم، بسنده إلى ثوبان، قال: خرجت أمشي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثمان عشرة خلت من شهر رمضان، فلما كنا بالبقيع نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل يحتجم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
وحدث عن السلم يعني ابن معاذ، بسنده إلى ابن عباس، قال: لما وضع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في لحده جعل بينه وبين اللحد قطيفةً كانت له بيضاء بعلبكية ".(23/127)
وحدث عن أحمد بن زياد بن أستاد، عن الربيع بن سليمان، قال: اشتريت للشافعي رحمه الله بدينار طيباً، فقال لي: ممن اشتريت؟ فقلت: من الرجل العطار الذي قبالة الميضأة؛ قال: من؟ قلت: الأشقر الأزرق؟ قال: أشقر أزرق؟ قلت: نعم؛ قال: اذهب فرده.
سمع من محمد بن عمر بن عفان في سنة ست وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن عمر بن علي
ابن أبي طالب بن عبد المطلب أبو عبد الله القرشي الهاشمي حدث عن عمه محمد بن الحنفية، عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تكون لأصحابي زلةٌ يغفرها الله لهم لسابقتهم معي ".
وحدث عن أبيه عن جده، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا علي، ثلاثةٌ لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً ".
وحدث عن أبيه، عن جده علي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه، إن الله بعثني بالحنيفية السمحة دين إبراهيم "، ثم قرأ " وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ " فقال لي أبي: يا بني ما حرج؟ قلت: لا أدري؛ قال: الضيق.
وحدث عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يأتي على الناس زمانٌ يكون المؤمن فيه أذل من شاته ".
وحدث محمد بن عمر بن علي، عن علي، قال: بعثني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: أكون في أمرك كالسكة المحماة، قال: " بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ".(23/128)
قال جويرية بن أسماء: قلت لشرحبيل بن سعد: رأيت علياً؟ قال: نعم؛ قلت: رأيت أحداً يشبهه؟ قال: لا؛ قلت: الناس يقولون: إن محمد بن عمر بن علي يشبهه؛ قال: هامة علي كانت مثل محمد.
محمد بن عمر بن لحسان
أبو بكر الدينوري الطرائفي إمام جامع صور.
حدث عن أبي علي الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه فبات وهو غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ".
توفي أبو بكر سنة سبع وأربعين وأربع مئة.
محمد بن عمر بن محمد بن سلم
ابن البراء بن سبرة بن سيار أبو بكر بن الجعابي، الحافظ البغدادي حدث عن محمد بن طاهر بن الحسن بن البختري، بسنده إلى سمرة بن جندب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يوشك أن يملأ الله أيديكم من العجم ثم يجعلهم أسداً لا يفرون، فيقتلون مقاتلتكم ويأكلون فيئكم ".
كان أبو بكر بن الجعابي من الحفاظ؛ حكي أنه دخل الرقة، قال: وكان لي ثم قمطرين كتباً فأنفذت غلامي إلى الرجل الذي كتبي عنده، فرجع الغلام مغموماً(23/129)
فقال: ضاعت الكتب، فقلت: يا بني لا تغم فإن فيها مئتي ألف حديث لا يشكل علي منها حديث لا إسناداً ولا متناً.
وكان يزيد على الحفاظ بحفظ المقطوع والمرسل، والحكايات والأخبار.
وكان إماماً في المعرفة بعلل الحديث، وثقات الرجال من معتليهم وضعفائهم وأسمائهم وأنسابهم وكناهم ومواليدهم وأوقات وفاتهم ومذاهبهم، وما يطعن به على كل واحد وما يوصف به من السداد.
أنشد أبو بكر الجعابي القاضي: من الخفيف
وإذا جدت للصديق بوعدٍ ... فصل الوعد بالفعال الجميل
ليس في وعد ذي السماحة مطلٌ ... إنما المطل في وعاد البخيل
كان أبو بكر الجعابي قد صحب قوماً من المتكلمين فسقط عند كثيرٍ من أهل الحديث، وأمر قبل موته أن تحرق دفاتره بالنار، فأنكر ذلك عليه واستقبح من فعله.
وتوفي في سنة خمسٍ وخمسين وثلاث مئة، ودفن بمقابر قريش.
وكانت سكينة نائحة الرافضة تنوح مع جنازته، وكان قد خلط في الحديث وربما ترك الدين والصلاة.
حدث الثقة ممن كان يعاشره: أنه كان نائماً فكتب على رجله كتابةً؛ قال: فكنت أراه إلى ثلاثة أيام لم يمسه ماءٌ؛ فنعوذ بالله من الخذلان.(23/130)
محمد بن عمر بن محمد الكرجي
ابن أبي عقيل أبو بكر الكرجي الواعظ حدث سنة سبعٍ وسبعين وأربع مئة عن أبي الحسين بن علي بن الترجمان؛ بسنده إلى أبي بن كعب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من رفع نفسه في الدنيا قمعه الله يوم القيامة، ومن تواضع لله في الدنيا بعث الله إليه ملكاً يوم القيامة فانتشطه من بين الجمع، فقال: أيها العبد الصالح يقول الله عز وجل: إلي إلي فإنك ممن " لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ".
ولد الكرجي سنة أربع وأربع مئة وقيل سنة خمس وتوفي سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.
محمد بن عمر بن واقد
أبو عبد الله الأسلمي مولاهم، المدني، المعروف بالواقدي، صاحب المغازي حدث عن أبي بكر بن إسماعيل بن محمد، بسنده إلى سعد قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيف العاص بن منبه يوم بدرٍ فأعطانيه، ونزلت في " يسألونك عن الأنفال ".
وحدث عن معمر، بسنده إلى أم سلمة، أنها كانت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احتجبا منه " قلنا: يا رسول الله: أليس هو أعمى لا يبصر ولا يعرفنا؟ قال: " أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ " زاد في حديثٍ غيره: فجاء بشيءٍ لا حيلة فيه.(23/131)
وكان أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد مولى لبني سهم من أسلم وكان نزل بغداد وولي القضاء لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدي؛ وكان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح وباختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه.
وولد سنة ثلاثين ومئة.
وجرحه قومٌ ووثقه آخرون، وكان جواداً كريماً مشهوراً بالسخاء، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحدٍ، عرف أخيار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك.
كان الواقدي يقول: ما من أحدٍ إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي.
ولما انتقل الواقدي من جانب الغربي حمل كتبه على عشرين ومئة وقرٍ.
قال المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غداً بالناس؛ فامتنع؛ قال: لا بد من ذلك؛ قال: يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة، قال: فأنا أحفظك، قال: فافعل؛ فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى يبلغ النصف منها فإذا ابتدأ في النصف الثاني نسي الأول؛ فأتعب المأمون ونعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي حفظه أنت قال علي: ففعلت ونام المأمون، فجعلت أحفظه النصف الأول فإذا حفظته النصف الثاني نسي الأول، فاستيقظ المأمون فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته؛ فقال: هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل، اذهب فصل بهم واقرأ أي سورةٍ شئت.(23/132)
قال غسان: صليت خلف الواقدي صلاة الجمعة فقرأ: " إن هذا لفي الصحف الأولى " صحف عيسى وموسى.
سئل مالك بن أنس عن المرأة التي سمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر ما فعل بها؟ فقال: ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم، فلقي الواقدي فقال: يا أبا عبد الله ما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمرأة التي سمته بخيبر؟ فقال: الذي عندنا أنه قتلها؛ فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها.
قال الواقدي: كنت حناطاً بالمدينة في يدي مئة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم فشخصت إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد، فجلست في دهليزه وآنست الخدم والحجاب، وسألتهم أن يوصلوني إليه فقالوا: إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد، ونحن ندخلك إليه ذلك الوقت؛ فلما حضر طعامه أدخلوني فأجلسوني معه على المائدة فسألني: من أنت؟ وما قصتك؟ فأخبرته؛ فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز من ذلك فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينار فقال: الوزير يقرأ عليك السلام، ويقول لك: استعن بهذا على أمرك، وعد إلينا في غدٍ، فأخذته وعدت في اليوم الثاني فجلست معه على المائدة، وأنشأ يسائلني كما سألني في اليوم الأول فلما رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز مني؛ فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينارٍ فقال: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول: استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غدٍ؛ فأخذته وانصرفت وعدت ف اليوم الثالث، فأعطيت مثلما أعطيت في اليوم الأول والثاني؛ فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس كما أعطيت قبل ذلك وتركني بعد ذلك أقبل رأسه وقال: إنما منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا فالآن قد لحقك بعض النفع مني، يا غلام أعطه الدار الفلانية، يا غلام افرش له الفرش الفلاني،(23/133)
يا غلام أعطه مئتي ألف درهم يقض دينه بمئة ألف ويصلح شأنه بمئة ألف، ثم قال لي: الزمني وكن في داري؛ فقلت: أعز الله الوزير لو أذنت لي بالشخوص إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي؛ فقال: قد فعلت؛ وأمر بتجهيزي فشخصت إلى المدينة فقضيت ديني ثم رجعت إليه، فلم أزل في ناحيته.
قال الواقدي: حج الرشيد هارون فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد: ارتد لي رجلاً عارفاً بالمدينة والمشاهد وكيف كان نزول جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أي وجهٍ كان يأتيه، وقبور الشهداء؛ فسأل يحيى بن خالد فكل دله علي، فبعث إلي فأتيته فقال لي: إن أمير المؤمنين يصلي العشاء الآخرة في المسجد وامض معنا إلى هذه المشاهد فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل.
فلما صليت العشاء الآخرة وإذا برجلين على حمارين فقال يحيى: أين الرجل؟ فأتيت به إلى دون المسجد فقلت: هذا الوضع الذي كان جبريل عليه السلام يأتيه؛ فنزلا فصليا ركعتين ودعوا الله ساعةً، وركبا وأنا بين أيديهما، فلم أدع موضعاً من المواضع ولا مشهداً من المشاهد إلا مررت بهما عليه، فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء فوافينا المسجد وقد طلع الفجر وأذن المؤذن؛ فلما صارا إلى القصر قال لي يحيى: لا تبرح؛ فصليت الغداة في المسجد وهو على الرحلة إلى مكة فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت، فأدنى مجلسي فقال لي: إن أمير المؤمنين لم يزل باكياً وقد أعجبه ما دللته عليه، وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم؛ فدفعت إلي وقال: نحن على الرحلة اليوم ولا عليك أن تلقانا حيث كنا واستقرت بنا الدار إن شاء الله.
ورحل أمير المؤمنين وأتيت منزلي ومعي المال فقضينا منه ديناً واتسعنا، ثم إن الدهر أعضنا فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقر فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق فأتيت العراق فقالوا لي: أمير المؤمنين بالرقة فأردت الانصراف إلى المدينة ثم علمت أني بالمدينة(23/134)
مختل الحال فعزمت على الرقة، فصرت إلى موضع الكراء فإذا عدة فتيان من الجند يريدون الرقة، فنظرنا في كراء الجمالين فإذا هو يصعب علينا فقالوا: هل لك أن تصير إلى السفن فهو أرفق بنا وأيسر من كراء الجمل؟ فقلت لهم: ما أعرف من هذا شيئاً والأمر إليكم؛ فصرنا إلى السفن فاكترينا، فما رأيت أحداً أبر في منهم، يتكلفون من حديثي وطعامي ما يتكلف الولد من والده حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرقة وكان الجواز صعباً، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني معهم فجزت مع القوم فصرت إلى موضعٍ لهم في خانٍ نزول، فأقمت معهم أياماً وطلبت الإذن على يحيى بن خالد فصعب علي، فأتيت أبا البختري وهو بي عارفٌ، فلقيته فقال لي: يا أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغررت ولكني لست أدع أن أذكرك له؛ وكنت أغدو إلى بابه وأروح فقلت نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرقت ثيابي وأتيت من ناحية أبي البختري، ولم أخبر رفقائي بشيءٍ، فخرجت منصرفاً إلى المدينة فمرةً أنا في سفينة ومرةً أمشي حتى وردت السيلحين وإذا بقافلةٍ من بغداد من أهل مدينة الرسول، وأخبروني أن صاحبهم بكار الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة، والزبيري أصدق الناس لي، فأتيته بعد أن استراح وفرغ من غدائه، فقال لي: ماذا صنعت في غيبتك؟ فأخبرته بخبري وخبر أبي البختري، فقال: أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحدٍ ولا ينبه باسمك فما الرأي؟ فقلت: أصير إلى المدينة؛ فقال: هذا رأيٌ خطأ، خرجت من المدينة على ما علمت، ولكن الرأي أن تصير معي فأنا الذاكر ليحيى أمرك؛ فركبت معهم إلى الرقة ودخلت على أصحابي فكأني وقعت عليهم من السماء، وقالوا: قد كنا في غم من أمرك؛ فخبرتهم خبري فأشاروا علي بلزوم الزبيري، وقالوا: هذا طعامك وشرابك، لا تهتم له، فغدوت إلى الزبيري إلى باب يحيى بن خالد فإذا هو قد خرج؛ فقال: أنسيت أمرك ولكن قف حتى أعود إليه، فدخل ثم خرج إلي الحاجب فدخلت عليه في حالٍ خسيسةٍ، وذلك في رمضان وقد بقي منه ثلاثة أو أربعة أيامٍ، فلما رآني يحيى على تلك الحال رأيت أثر الغم في وجهه، فسلم علي وأدنى مجلسي، وعنده قومٌ يجاذبونه فجعل(23/135)
يذاكرني الحديث بعد الحديث فانقطعت عن إجابته وجعلت أجيء بالشيء ليس بالموافق لما يسأل، وجعل القوم يجيبون بأحسن الجواب، وأنا ساكتٌ، فلما خرج القوم خرجت فإذا خادم ليحيى خرج فقال لي: إن الوزير يأمرك أن تفطر عنده العشية؛ فلما صرت إلى أصحابي خبرتهم بالقصة وقلت: أخاف أن يكون غلط بي؛ فقال لي بعضهم: هذا رغيفين وقطعة جبن وهذه دابتي تركب إليه فإن أذن لك الحاجب دخلت ودفعت ما معك إلى الغلام، وإن تكن الأخرى صرت إلى بعض المساجد فأكلت ما معك وشربت من ماء المسجد؛ فانصرفت فوصلت إلى باب يحيى وقد صلى الناس المغرب؛ فلما رآني الحاجب قال: أبطأت وقد خرج الرسول في طلبك غير مرة؛ فدفعت ما كان معي إلى الغلام وأمرته بالمقام، فدخلت فقعدت، وقدم الوضوء فتوضأنا وكنا أقرب القوم إليه، فأفطرنا وصلينا العشاء الآخرة، ثم أخذنا مجالسنا فجعل يحيى يسائلني، وأنا منقطعٌ والقوم يجيبون بأشياء هي عندي على خلاف ما يجيبون؛ فلما ذهب الليل خرج القوم وخرجت فإذا غلامٌ لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه قابلةً قبل الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً ما أدري ما فيه إلا أنه ملأني سروراً، فركبت ومعي الحاجب حتى صيرني إلى أصحابي، فدخلت عليهم وفتحت الكيس وإذا دنانير، فقالوا لي: ما كان رده عليك؟ فقلت: إن الغلام أمرني أن أوافيه قبل الوقت الذي كان في ليلتي هذه؛ وعددت الدنانير فإذا خمس مئة دينارٍ؛ فقال بعضهم: علي شراء دابتك، وقال آخر: علي السرج واللجام وما يصلحه، وقال آخر: علي حمامك وخضاب لحيتك وطيبك، وقال آخر: علي شراء كسوتك؛ وعددت مئة دينار فدفعتها إلى صاحب نفقتهم، فحلف القوم بأجمعهم أنهم لا يرزؤوني ديناراً ولا درهماُ، وما صليت الظهر إلا وأنا من أنبل
الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى(23/136)
السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.
رفع الواقدي رقعةً إلى المأمون يذكر فيها كثرة الدين وقلة صبره عليه؛ فوقع(23/137)
المأمون: أنت رجلٌ فيك خلتان: الحياء والسخاء، فالسخاء أطلق ما في يديك والحياء منعك من إبلاغنا ما كنت فيه، وقد أمرت لك بمئة ألف درهم فإن كنت أصبت إرادتك فازدد في بسط يدك، وإن لم تصب إرادتك فبجنايتك على نفسك، فأنت كنت حدثتني إذ كنت على قضاء الرشيد بسندك إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن مفاتيح أرزاق العباد بإزاء العرش، يبعث الله عز وجل إلى عباده على قدر نفقتهم، فمن قلل قلل له، ومن كثر كثر له، " قال الواقدي: وقد كنت أنسيت هذا الحديث فلما ذكره أمير المؤمنين كان أعجب إلي من الجائزة.
قال عبد الله بن عبيد الله: كنت عند الواقدي جالساً إذ ذكر يحيى بن خالد بن برمك؛ قال: فترحم عليه الواقدي فأكثر الترحم، فقلنا له: يا أبا عبد الله إنك لتكثر الترحم عليه قال: وكيف لا أكثر الترحم على رجلٍ أجزل عن حاله؛ كان قد بقي علي من شهر شعبان أقل من عشرة أيام، وما في المنزل دقيقٌ ولا سويق، فميزت ثلاثةً من إخواني في قلبي وقلت: أنزل بهم حاجتي؛ فدخلت على زوجتي أم عبد الله فقالت: ما وراءك وقد أصبحنا وليس في البيت عرضٌ من عروض الدنيا وقد ورد هذا الشهر؟ فقلت لها: قد ميزت ثلاثةً من إخواني أنزل بهم حاجتي؛ فقالت: مدنيون أم عراقيون؟ قلت: بعضٌ مدني ويعض عراقي؛ فقالت: اعرضهم علي، فقلت: فلان؛ فقالت: رجلٌ حسيبٌ ذو يسارٍ إلا أنه منان، لا أرى لك أن تأتيه، فسم الآخر قلت: فلان؛ قالت: رجلٌ حسيبٌ ذو مالٍ إلا أنه بخيلٌ، لا أرى لك أن تأتيه؛ فقلت: فلان؛ قالت: رجل كريمٌ حسيبٌ لا شيء عنده، ولا عليك أن تأتيه؛ قال: فأتيته، فرحب وقرب وقال: ما جاء بك؟ فأخبرته بورود الشهر وضيق الحال؛ ففكر ساعةً ثم قال: ارفع ثني الوساد فخذ ذلك الكيس؛ فإذا هي دراهم مكحلة، فأخذت الكيس وصرت إلى منزلي، فدعوت رجلاً يتولى قضاء حوائجي فأمليته حوائجي؛ فدق الباب فقالت الجارية: هذا فلان ابن فلان بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأذنت له، وحبت به، وقلت له: يا ابن رسول الله، ما جاء بك؟ فقال: يا عم أخرجني ورود هذا الشهر وليس عندنا شيءٌ؛(23/138)
ففكرت ساعةً ثم قلت له: ارفع ثني الوسادة فخذ الكيس؛ ثم قلت لصاحبي: اخرج فخرج؛ فد خلت أم عبد الله فأخبرتها الخبر فقالت لي: وفقت وأحسنت؛ ثم فكرت في صديقٍ لي بقرب المنزل فأتيته فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: ما جاء بك يا أبا عبد الله؟ فخبرته بورود الشهر وضيق الحال ففكر ساعةً ثم قال لي: ارفع ثني الوساد وخذ الكيس، فخذ نصفه وأعطنا نصفه؛ فإذا كيسي بعينه، فأخذت خمس مئة ودفعت إليه خمس مئة، وصرت إلى منزلي ودعوت الذي يتولى حوائجي فأمليته حوائجي، فدق الباب فقالت الجارية: هذا خادمٌ نبيلٌ، فدخل فإذا كتابٌ من يحيى بن خالد يسألني المصير إليه في وقته؛ فأتيت إليه فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: تدري لم دعوتك؟ فقلت: لا؛ قال: أسهرني ليلتي هذه أفكر في أمرك وورود هذا الشهر وما عندك؛ فقلت: إن قصتي تطول؛ فقال: إن القصة كلما طالت كان أشهى لها؛ فخبرته بحديث أم عبد الله وحديث إخواني الثلاثة، وخبرته بحديث الطالبي، وخبر أخي الثاني المواسي له بالكيس؛ فدعا بالدواة وكتب رقعةً إلى خازنه فإذا كيسٌ فيه خمس مئة دينارٍ؛ فقال: يا أبا عبد الله استعن بهذا على شهرك؛ ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه لأم عبد الله لجزالتها وحسن عقلها، ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينا فقال: هذه للمواسي لك، ثم رقع قصةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه للطالبي، ثم قال: انهض في حفظ الله؛ فكيف ألام في حبي للبرامكة ويحيى بن خالد خاصة؟.
قال الواقدي:
ضقت مرةً وحضر عيدٌ فعرفت صديقاً لي تاجراً بحاجتي إلى القرض، فأخرج لي كيساً مختوماً فيه ألف دينار ومئتا درهم، فأخذته فما استقر عندي حتى جاءني صديقٌ لي هاشمي فشكى إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي وأخبرتها فقالت: على أي شيءٍ عزمت؟ قلت: أقاسمه الكيس؛ قالت: ما صنعت شيئاً أتيت رجلاً سوقةً فأعطاك ألفاً ومئتي درهم، وجاءك رجلٌ له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمٌ ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟ ما هذا بشيء، أعطه الكيس كله؛ فأخرجت الكيس فدفعته إليه(23/139)
ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي فسأله القرض فأخرج الهاشمي إليه الكيس، فلما رأى خاتمة عرفه وانصرف إلي فخبرني بالأمر، وجاءني رسول يحيى بن خالد يقول: إنما تأخر رسولي عنك لشغلي بحاجات أمير المؤمنين؛ فركبت إليه فأخبرته خبر الكيس، فقال: يا غلام هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفين لصديقك التاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم.
قال الواقدي: صار إلي من السلطان ست مئة ألف درهم ما وجبت علي فيها الزكاة.
قال عباس الدوري: مات الواقدي وهو على القضاء وليس به له كفن فبعث المأمون بأكفانه.
وتوفي الواقدي سنة ست ومئتين وقيل: سنة سبعٍ وله ثمانٍ وسبعون سنة، وهو على القضاء في الجانب الغربي ببغداد، ووصى إلي عبد الله بن هارون أمير المؤمنين فقبل وصيته وقضى دينه.
محمد بن عمر التميمي
أهديت إلى عبد الملك جاريةٌ وعنده محمد بن عمر التميمي، وكان له بصرٌ بالرقيق فقال له عبد الملك: كيف تراها؟ فقال: من الوافر
أرى وجهاً سيقتلني سقاماً ... ففرج كربة الرجل السقيم
وهبها لي فداك أبي وأمي ... فمثلك جاد بالأمر العظيم
فأجابه عبد الملك: من الوافر
لبئس المستشار أخو تميمٍ ... وبئس الحي حي بني تميم
أأقطع لذتي وتقر عيناً ... لقد لججت في أمر جسيم(23/140)
محمد بن عمر أبو عبد الله
الحمصي الأنماطي حدث عن أبي عبد الله الحسين بن خالويه، بسنده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما جبل ولي لله عز وجل إلا على السخاء وحسن الخلق ".
محمد بن عمرو بن حزم
ابن زيد ابن لوذان بن عمرو بن عبد بن غنم بن مالك بن النجار أبو عبد الملك، ويقال: أبو سليمان، ويقال: أبو القاسم النجاري الأنصاري المدني ولد في حياة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة عشرٍ من الهجرة، وهو كناه أبا عبد الملك، ووفد على معاوية هو وأخوه عمارة.
حدث عن أبيه، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من عاد مريضاً لا يزال يخوض في الرحمة حتى إذا قعد عنده استنقع بها، وإذا قام من عنده لا يزال يخوض فيها حتى يرجع من حيث خرج، ومن عزى أخاه المؤمن بمصيبةٍ كساه الله حلل الكرامة يوم القيامة ".
خرج محمد بن عمرو وأخوه عمارة فقدما على معاوية فرآهما ذات يوم فقال: متى قدمتما؟ قالا: منذ كذا وكذا؛ قال: أفلا تلقياني بحاجتكما؟ قالا: وددنا؛ قال: فميعادكما غداً بالغداة؛ فلما أصبحا جعل محمد يتهيأ للغدو ويقول عمارة: اذكر كذا واذكر كذا؛ قال: فحضرا الباب وأذن لهما ومعاوية جالسٌ على كرسي فتشهد محمد ثم قال: أما بعد، فإنه والله ما في الأرض اليوم نفسٌ هي أعز علي من نفسك سوى نفسي، وما في(23/141)
الأرض اليوم نفسٌ هي أحب إلي رشداً من نفسك سوى نفسي، وإن يزيد بن معاوية أصبح غنياً إلا عن كل خيرٍ، أصبح واسط الحسب في قريش، وأصبح غنياً في المال، وإن الله سائلٌ كل راعٍ عن رعيته، وإنك مسؤولٌ عن رعيتك فانظر عباد الله من تولي أمرهم، ثم استغفر، ولقد رأيت معاوية أخذه بهرٌ وإنا لفي يوم شاتٍ، ثم تنفس، ثم تشهد، ثم قال: أما بعد، فإنك امرؤٌ ناصحٌ وإنما قلت برأيك، والله ما كان عليك إلا ذلك، وإنما بقي ابني وأبناؤهم، فابني أحق من أبنائهم، ارتفعا راشدين.
فلما خرجا أقبل عمارة على أخيه فقال: فما ضربنا أكباد الإبل من المدينة إلا لهذا؟ أفي يزيد بن معاوية؟ ما كنت تستقبله بشيءٍ أشد مما استقبلته به؛ فلما أكثر عليه قال: حسبك، أكل هذا ليظنك أنك ستعطى؟ قال: فتركنا كذا وكذا لا يلتفت إلينا، ثم أرسل إلينا: ارفعا حوائجكما؛ قال: فرفعنا حوائجنا وأعطانا ما شاء لنا وزادنا.
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استعمل عمرو بن حزم على نجران اليمن فولد له هنالك على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة عشرٍ من الهجرة غلامٌ فأسماه محمداً، وكناه أبا سليمان، وكتب بذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكتب إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن " سمه محمداً وكنه أبا عبد الملك " ففعل.
قال: وليس يولد من أهل هذا البيت مولود فيسمى محمداً إلا كني أبا عبد الملك.
وقيل: إنه كانت كنيته أبا القاسم فزار أخواله في بني ساعدة فقالوا: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من تسمى باسمي فلا يكن بكنيتي " قال: فغيرت كنيتي وتكنيت بأبي عبد الملك.
قتل محمد بن عمرو بن حزم يوم الحرة سنة ثلاث وستين.(23/142)
قال أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: إن عمر بن الخطاب جمع كل غلامٍ اسمه اسم نبي فأدخلهم الدار ليغير أسماءهم، فجاء آباؤهم فأقاموا البينة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى عامتهم، فخلى عنهم؛ قال: وكان أبي فيهم.
قال حبيب مولى أسد بن الأخنس: بعثني عثمان بن عفان إلى محمد بن عمرو بن حزم: أنا نرمى من قبلك بالليل، فقال: ما نرميه ولكن الله يرميه؛ فأخبرت عثمان فقال: كذب لو رماني الله عز وجل ما أخطأني.
كان محمد بن عمرو قد أكثر أيام الحرة القتل في أهل الشام، وكان يحمل على الكردوس منهم فيفض جمعتهم، وكان فارساً، فقال قائلٌ من أهل الشام: قد أحرقنا هذا ونحن نخشى أن ينجو على فرسه، فاحملوا عليه حملةً واحدةً فإنه لا يفلت من بعضكم، فإنا نرى رجلاً ذا بصيرةٍ وشجاعة؛ فحملوا عليه حتى نظموه في الرماح ولقد مال ميتاً، ورجل من أهل الشام قد اعتنقه حتى وقعا جميعاً.
فلما قتل محمد بن عمرو انهزم الناس في كل وجهٍ حتى دخلوا المدينة، فجالت خيلهم فيها ينهبون ويقتلون.
وصلى محمد بن عمرو يوم الحرة وجراحه تثعب دماً، وما قتل إلا نظماً بالرماح، وكان رافعاً صوته يقول: يا معشر الأنصار اصدقوهم الضرب فإنهم قوم يقاتلون على طمع الدنيا وأنتم تقاتلون على الآخرة؛ ثم جعل يحمل على الكتيبة فيفضها حتى قتل. وجعل الفاسق مسرف بن عقبة يطوف على فرسٍ له في القتلى ومعه مروان بن الحكم فمر على محمد بن عمرو بن حزم وهو على وجهه، واضعاً جبهته في الأرض، فقال: والله لئن كنت على جبهتك بعد الممات لطال ما افترشتها حياً؛ فقال مسرف: والله ما أرى هؤلاء إلا أهل(23/143)
الجنة لا يسمع هذا منك أهل الشام فتكركرهم عن الطاعة؛ قال مروان: إنهم بدلوا وغيروا.
قال محمد بن عمارة: قدمت الشام في تجارةٍ فقال لي رجلٌ: من أنت؟ قلت: رجلٌ من أهل المدينة، قال: خبيثة قلت: سبحان الله، يسميها رسول الله صلى الله عله وسلم طيبة وتقول أنت: خبيثة؛ قال: إن لي ولها لشأناً، لما خرج الناس إلى قتال الحرة مع مسلم رأيت في منامي أني أقتل رجلاً يقال له: محمد، أدخل بقتلي إياه النار، فجعلت جعالةً أن لا أخرج فلم يقبل مني ذلك، فخرجت فلم أطعن برمح ولم أرم بسهمٍ حتى انفض الأمر فإني لفي القتلى إذ مررت برجلٍ وبه رمقٌ فقال لي: تنح أيها الكلب؛ قلت: نحن عندكم بعد بمنزلة الكلاب فأسفت فقتلته ونسيت رؤياي، ثم ذكرتها فجئت برجلٍ من أهل المدينة فجعل يتصفح القتلى ويقول: هذا فلان، وهذا فلان، وجعلت أحيد به عن صاحبي، فنظر فرآه فقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون " لا يدخل قاتل هذا الجنة والله أبداً، قلت: ومن هذا؟ قال: هذا محمد بن عمرو بن حزم، سماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمداً، وكناه أبا عبد الملك؛ فأتيت أهله فعرضت عليهم أن يقتلوني به فأبوا، فقلت: هذه ديته فخذوها فأبوا.
وكانت الحرة سنة ثلاث وستين.
محمد بن عمرو بن الحسن
ابن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الهاشمي العلوي من أهل المدينة.
قيل: إنه شهد كربلاء مع عم أبيه الحسين عليه السلام، فإن كان شهدها فقد أتى به(23/144)
يزيد بن معاوية مع من أتى به من أهل بيته، والمحفوظ أن أباه عمرو بن الحسن هو الذي كان بكربلاء ولم يكن محمد ولد إذ ذاك.
حدث محمد بن عمرو بن الحسن بن علي أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ فرأى زحاماً ورجلٌ قد ظلل عليه، فسأل عنه فقالوا: هذا صائم؛ قال: " ليس البر أن تصوموا في السفر ".
وقال محمد بن عمرو: لما قدم الحجاج بن يوسف كان يؤخر الصلاة فسألنا جابر بن عبد الله عن وقت الصلاة فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الظهر بالهجير أو حين تزول الشمس، ويصلي العصر والشمس مرتفعةٌ، ويصلى المغرب حين تغرب الشمس، ويصلي العشاء ويؤخر أحياناً، إذا اجتمع الناس عجل وإذا تأخر أخر، وكان يصلي الصبح بغلسٍ.
قال محمد بن عمرو بن الحسن: كنا مع الحسين بن علي بنهر كربلاء، ونظر إلى شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص، فقال: الله أكبر، الله أكبر، صدق الله ورسوله، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كأني أنظر إلى كلبٍ أبقع يلغ في دم أهل بيتي ".
وأم محمد بن عمرو رملة بنت عقيل بن أبي طالب وقد انقرض ولد عمرو بن الحسن بن علي ودرجوا، ولم يبق منهم أحد. وكان محمد بن عمرو ثقةً.
محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص
ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي وأبوه عمرو الأشدق الذي قتله عبد الملك بدمشق، كان مع أبيه حين قتل، ثم قدم الشام غازياً.(23/145)
حدث محمد بن عمرو بن سعيد: أن بني سعيد العاص كان لهم غلامٌ فأعتقه كلهم إلا رجلٌ واحد فذهب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستشفع به على الرجل فوهب الرجل نصيبه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقه، فكان العبد يقول: أنا مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والرجل يقال له: رافع أبو البهي.
قدم محمد بن عمرو بن سعيد الشام غازياً فأتى عمته ابنة سعيد بن العاص، وهي عند خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل خالد فرآه فقال: ما يقدم علينا قادمٌ من الحجاز إلا من أهل المدينة على النواضح، فنكحوا أمك وسلبوك ملكك وفرغوك لطلب الحديث وقراءة الكتب وطلب ما لا يقدر عليه، يعني الكيمياء.
محمد بن عمرو بن سليمان بن عمرو
ابن حفص بن شليلة أبو الحسن الثقفي حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن بكار، بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تزال عصابةٌ من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق، إلى أن تقوم الساعة ".
محمد بن عمرو بن العاص بن وائل
بن هاشم ابن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي، السهمي من أبناء الصحابة.
قدم مع أبيه دمشق بعدما قتل عثمان وشهد صفين، وله شعرٌ في شهوده صفين.(23/146)
عزل عثمان بن عفان عمرو بن العاص عن خراج مصر وأقره على الجند والصلاة، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح فتشاغبا، فكتب عبد الله بن سعد إلى عثمان: أن عمراً قد كسر الخراج، وكتب عمرو بن العاص إلى عثمان: أن عبد الله بن سعد قد كسر على مكيدة الحرب، فعزل عثمان عمراً عن الجند والصلاة وولى ذلك عبد الله بن سعد مع الخراج فانصرف عمرو مغضباً، فقدم المدينة فجعل يطعن على عثمان ويعيبه، ودخل عليه يوماً وعليه جبةٌ له يمانية محشوة بقطنٍ، فقال له عثمان: ما حشو جبتك؟ قال: حشوها عمرو؛ فقال: لم أرد هذا يا بن النابغة، ما أسرع ما قمل جربان جبتك وإنما عهدك بالعمل عام أول، تطعن علي وتأتيني بوجهٍ وتذهب عني بآخر؛ فقال عمرو: إن كثيراً مما ينقل الناس إلى ولاتهم باطل؛ فقال عثمان: قد استعملتك على ظلعك؛ فقال عمرو: قد كنت عاملاً لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راضٍ؛ فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقنٌ عليه فجعل يؤلب عليه الناس ويحرضهم، فلما حصر عثمان الحصر الأول خرج عمرو من المدينة حتى انتهى إلى أرضٍ له بفلسطين يقال لها: السبع، فنزل في قصرٍ يقال له: العجلان، فلما أتاه قتل عثمان قال: أنا عبد الله إذا أحك قرحةً نكأتها، يعني: أني قتلته بتحريضي عليه وأنا بالسبع، وقال: أتربص أياماً وأنظر ما يصنع الناس؛ فبلغه أن علياً قد بويع له فاشتد ذلك عليه، ثم بلغه أن عائشة وطلحة والزبير ساروا إلى الجمل فقال: أستأني وأنظر ما يصنعون؛ فلم يشهد الجمل ولا شيئاً من أمره، فلما أتاه الخبر بقتل طلحة والزبير أرتج عليه الأمر، فقال له قائل: إن معاوية لا يريد أن يبايع لعلي فلو قاربت معاوية، فقال: ارحل يا وردان؛ فدعا ابنيه عبد الله ومحمداً فقال: ما تريان؟ فقال عبد الله: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنك راضٍ، وتوفي أبو بكر وهو عنك راضٍ، وتوفي عمر وهو عنك راضٍ، إني أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه؛ فقال: حط يا وردان؛ وقال ابنه محمد: أنت نابٌ من أنياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوتٌ ولا ذكرٌ؛ فقال: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي هو خيرٌ لي في آخرتي وأسلم لي في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي هو أنبه لي في دنياي وشر لي في آخرتي، وإن علياً قد بويع له وهو يدل(23/147)
بسابقته، وهو غير مشركي في شيءٍ من أمره، ارحل يا وردان؛ ثم خرج ومعه ابناه حتى قدم على معاوية فبايعه على الطلب بدم عثمان، وكتبا بينهما كتاباً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما تعاهد عليه معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ببيت المقدس من بعد قتل عثمان بن عفان، وحمل كل واحد منهما صاحبه الأمانة؛ إن بيننا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح في أمر الله والإسلام ولا يخذل أحدنا صاحبه بشيءٍ، ولا يتخذ من دونه وليجةً، ولا يحول بيننا ولدٌ ولا والدٌ أبداً ما حيينا فيما استطعنا، فإذا فتحت مصر فإن عمراً على أرضها وإمارته التي أمره عليها أمير المؤمنين، وبيننا التناصح والتوازر والتعاون على ما نابنا من الأمور، ومعاوية أميرٌ على عمرٍو في الناس وفي عامة الأمر حتى يجمع الله الأمة، فإذا اجتمعت الأمة فإنهما يدخلان في أحسن أمرها على أحسن الذي بينهما في أمر الله، والذي بينهما من الشرط في هذه الصحيفة؛ وكنت وردان سنة ثمان وثلاثين.
قال: وبلغ ذلك علياً فقام فخطب أهل الكوفة فقال: أما بعد، فإنه قد بلغني أن عمرو بن العاص، الأبتر بن الأبتر بايع معاوية على الطلب بدم عثمان وحضهم عليه فالعضد والله الشلاء عمرٌو ونصرته.
وبينا عمرو بن العاص جالسٌ ومعه ابناه عبد الله ومحمد إذ مر به راكبٌ فقالوا: من أين؟ فقال: من المدينة؛ فقال عمرو: ما اسمك؟ قال: حصيرة؛ قال عمرو: حصر الرجل أو قتل، فما الخبر؟ قال: تركت الرجل محصوراً، فقال عمرو: يقتل، ثم مكثوا أياماً فمر بهم راكبٌ فقالوا: من أين؟ قال: من المدينة؛ قال عمرو: ما اسمك؟ قال: حرب؛ قال عمرو: تكون حرب، فما الخبر؟ قال: قتل عثمان وبويع علي؛ فقال عمرو: أنا أبو عبد الله يكون حربٌ، من حك فيها قرحةً نكأها، رحم الله عثمان وغفر له؛ فقال سلمة بن ونباع الجذامي: يا معشر قريش، إنه(23/148)
قد كان بينكم وبين العرب بابٌ فاتخذوا باباً إذا كسر الباب؛ فقال عمرو: ذاك الذي نريد، ولا يصلح الباب إلا يشافي يخرج الحق من حفرة الباطل، ويكون الناس في العدل سواء، ثم ارتحل داخلاً إلى الشام ومعه ابناه يبكي كما تبكي المرأة، ويقول: واعثماناه، أنعى الحياء والدين؛ حتى قدم دمشق وكان قد سقط إليه من الذي يكون علمٌ، فعمل عليه.
وشهد محمد بن عمرو بن العاص صفين، وكان أهل الشام يوم صفين خمسة وثلاثين ألفاً، وكان أهل العراق عشرين أو ثلاثين ومئة ألف، وأبلى محمد بن عمرو ذلك اليوم وقال في ذلك شعراً.
محمد بن عمرو بن مسعدة
ويقال: ابن مسلمة أبو الحارث البيروتي، ويعرف بابن فروة حدث بدمشق عن محمد بن عقبة، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صيام بعد النصف من شعبان حتى يدخل رمضان ".
سمع منه في سنة خمس وتسعين ومئتين.
محمد بن عمرو بن نصر بن الحجاج
أبو بكر المعروف بابن عمرون القرشي دمشقي.
حدث في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين ومئتين، عن أبيه عمرو بن نصر، بسنده إلى أنس بن مالك الأنصاري قال: بينا نحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هبطنا ثنية ورأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسير وحده، فلما أسهلت به الطريق ضحك وكبر فكبرنا،(23/149)
ثم سار ربوةً ثم ضحك وكبر فكبرنا لتكبيره، ثم سار ربةً ثم ضحك وكبر فكبرنا لتكبيره، ثم أدركته فقال القوم: كبرنا لتكبيرك يا رسول الله ولا ندري مما ضحكت؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قاد الناقة جبريل فلما أسهلت التفت إلي فقال: أبشر وبشر أمتك بأنه من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، وقد حرم الله عليه النار، فضحكت وكبرت ".
وحدث عن أبيه، بإسناده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بينما رجلٌ يسوق بقرةً قد حمل عليها التفتت إليه فكلمته فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكن خلقت للحرث؛ فقال الناس: سبحان الله " قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر ".
محمد بن عمرو بن يونس بن عمران
ابن دينار أبو جعفر الكوفي التغلبي النميري المعروف بالسوسي قدم دمشق.
حدث عن عبد الله بن نمير بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ".
وحدث عن وكيع، بسنده إلى ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم فإنه له وجاء ".
توفي بطريق مكة سنة تسعٍ وخمسين ومئتين، وكان يذهب إلى الرفض، ومات ساجداً وقد استوفى مئة سنة.
حدث أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث: أنه كان معه وقال له: انظر أترى الهلال؟ قال: فنظرت فرأيته وكان هلال(23/150)
المحرم، فقلت له: قد رأيته فقال لي: استوفيت مئة سنةً؛ ثم نزل فقال: وضئني لصلاة المغرب، فوضأته لها ودخل فيها، فسجد سجدةً فطال علي أمره فيها فوجدته ميتاً.
محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب
واسمه زيد بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم أبو عمير، ويقال: أبو عمر الدارمي التميمي الكوفي كان سيد أهل الكوفة، وأجود مضر، وصاحب ريع تميم وهمدان، وكان مع علي عليه السلام بصفين، واستعمله على تميم الكوفة، ووفد على عبد الملك بن مروان، وأقام بالشام إلى أن مات كراهيةً لولاية الحجاج.
حدث محمد بن عمير
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في ملأ من أصحابه فأتاه جبريل فنكث في ظهره، قال: " فذهب بي إلى شجرةٍ فيها مثل وكري الطير فقعد في أحدهما وقعد في الأخرى فنشأت بنا حتى ملأت الأفق، فلو بسطت يدي إلى السماء لنلتها، ثم دلي بسببٍ فهبط النور، فوقع جبريل مغشياً عليه كأنه حلسٌ، فعرفت فضل خشيته على خشيتي، فأوحي إلي: أنبياً عبداً أو نبياً ملكاً؟ وإلى الجنة ما أنت " زاد في حديث: " فأومى إلي جبريل أن تواضع؛ فقلت: نبياً عبداً "؛ وفي رواية: " فأومى إلي جبريل وهو مضجع، بل نبي عبدٌ ".
وفي روايةٍ: أن محمد بن عمير حدث عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما أسري بي كنت أنا في شجرةٍ وجبريل في شجرةٍ فغشينا من أمر الله بعض ما غشينا فخر جبريل مغشياً عليه، وثبت على أمري، فعرفت فضل إيمان جبريل عليه السلام على إيماني ".
قال أبو نعيم: محمد بن عمير يعد في الصحابة رضي الله عنهم، ولا تصح له صحبة.(23/151)
لما فرغ الحجاج بن يوسف من دير الجماجم وفد على عبد الملك بن مروان ومعه أشراف أهل الكوفة والبصرة فأدخلهم على عبد الملك، فبينما هم عنده يوماً إذ تذاكروا البلد؛ فقال محمد بن عمير بن عطارد: أصلح الله أمير المؤمنين نحن أوسع منهم بريةً، وأسرع منهم في السرية، وأكثر منهم نقداً وقنداً، وعاجاً وساجاً، ويأتينا ماؤنا عفواً صفواً، ولا يناله غيرنا إلا بقائد وسائق وناعق؛ فقال الحجاج: أصلح الله أمير المؤمنين، إن لي بالبلدين خبراً وقد أوطنتهما جميعاً؛ قال له: قل وأنت عندنا مصدق؛ فقال: أما البصرة فعجوزٌ شمطاء وفراء غراء، أوتيت من كل زينةٍ، وأما الكوفة فشابةٌ حسنةٌ جميلةٌ لا حلي لها ولا زينة؛ فقال عبد الملك: فضلت الكوفة على البصرة.
قال عبد الملك بن مروان لمحمد بن عطارد التميمي: يا محمد احفظ عني هذه الأبيات واعمل بهن؛ قال: هاتها يا أمير المؤمنين؛ قال: من الطويل
إذا أنت جاريت السفيه كما جرى ... فأنت سفيهٌ مثله غير ذي حلم
إذا أمن الجهال حلمك مرةً ... فعرضك للجهال غنمٌ من الغنم
فلا تعترض عرض السفيه وداره ... بحلمٍ فإن أعتى عليك فبالصرم
وعض عليه الحلم والجهل والقه ... بمرتبةٍ بين العداوة والسلم
فيرجوك تاراتٍ ويخشاك تارةً ... ويأخذ فيما بين ذلك بالحزم
فإن لم تجد بداً من الجهل فاستعن ... عليه بجهالٍ وذاك من العزم
وفي محمد بن عمير يقول بعض الشعراء: من الكامل
علمت معدٌ والقبائل كلها ... أن الجواد محمد بن عطارد(23/152)
محمد بن عمير بن هشام
أبو بكر الرازي الحافظ المعروف بالقماطري حدث عن محمد بن خالد الإفريقي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ".
محمد بن عوف بن أحمد
ابن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسن المزني حدث بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه قيل: هذا ابن خطل متعلقٌ بأستار الكعبة فقال: " اقتلوه ".
محمد بن عوف بن سفيان
أبو جعفر الطائي، الحمصي الحافظ قدم دمشق سنة سبع عشرة ومئتين(23/153)
حدث عن أبي المغيرة، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سهى أحدكم في صلاته فلا يدري أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ".
وحدث عن أبيه، بسنده إلى الهدار وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال للعباس بن الوليد ورأى إسرافه في خبز السميد وغيره: لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما شبع من خبز بر حتى فارق الدنيا.
قال محمد بن عوف بن سفيان:
كنت ألعب في الكنيسة بالأكرة وأنا حدثٌ فدخلت الكرة إلى المسجد حتى وقعت بالقرب من المعافى بن عمران فدخلت لآخذها فقال لي: يا فتى، ابن من أنت؟ فقلت: أنا ابن عوف قال: ابن سفيان؟ قلت: نعم؛ فقال: أما إن أباك كان من إخواننا وكان ممن يكتب معنا الحديث والعلم، والذي كان يشبهك أن تتبع ما كان عليه والدك؛ فصرت إلى أمي فأخبرتها، فقالت: صدق يا بني، هو صديقٌ لأبيك؛ فألبستني ثوباً من ثيابه وإزاراً من أزره، ثم جئت إلى المعافى بن عمران ومعي محبرة وورق، فقال لي: اكتب، حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد ربه بن سليمان، قال: كتبت لي أم الدرداء في لوحي مما تعلمني: اطلبوا العلم صغاراً تعلموا به كباراً، فإن لكل حاصدٍ ما زرع، خيراً كان أم شراً؛ فكان أول حديثٍ سمعته.
توفي محمد بن عوف سنة تسعٍ وستين ومئة، وقيل: سنة اثنتين.
محمد بن العلاء بن كريب
أبو كريب، الهمداني الكوفي حدث عن ابن أبي زائدة، بسنده إلى عائشة، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله على كل أحايينه؛ وفي حديث آخر: على كل أحواله.(23/154)
وحدث عن أبي معاوية، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نصرت بالصبا وأهلكت عادٌ بالدبور ".
قال أبو نصر بن ماكولا: خمر بفتح الخاء والميم هو خمر بن دومان بن بكيل بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان، هم رهط أبي كريب محمد بن العلاء.
قال أبو العباس بن سعد: ظهر لأبي كريب بالكوفة ثلاث مئة ألف حديث.
قال صالح بن محمد جزرة: علت السوسة مرةً رأس أبي كريب، قال: فجيء بالطبيب فقال: ينبغي أن يغلف رأسه بالفالوذج؛ ففعلوا؛ قال: فتناوله من رأسه ووضعه في فيه وقال: بطني أحوج إلى هذا من رأسي.
توفي أبو كريب محمد بن العلاء سنة ثمانٍ وأربعين ومئتين؛ وأوصى أن تدفن كتبه معه فدفنت؛ وكان ثقةً. وقيل: توفي سنة سبعٍ وأربعين.
محمد بن عيسى بن أحمد
ابن عبد الله أبو عمر القزويني الحافظ حدث عن محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الرازي، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا بويع للخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ".
وحدث عن إدريس بن جعفر العطار، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ".(23/155)
حدث في سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن عيسى بن الحسن بن إسحاق
أبو عبد الله التميمي البغدادي، المعروف بابن العلاف حدث في سنة ثلاثٍ وأربعين وثلاث مئة عن أبي بكر أحمد بن عبيد الله الزبيبي، بسنده إلى أم سلمة قالت: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين يوماً، وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف.
توفي محمد بن عيسى العلاف سنة أربعٍ وأربعين وثلاث مئة.
محمد بن عيسى بن عبد الكريم
ابن جيش بن طماح بن مطر أبو بكر التميمي الطرسوسي المعروف ببكر الخرار حدث عن أبي الطيب أحمد بن عبيد الله الدارمي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم بارك لأمتي في بكورها ".
حدث بكر الخرار سنة تسعٍ وخمسين وثلاث مئة.
محمد بن عيسى بن القاسم
ابن سميع أبو سفيان القرشي، مولى معاوية بن أبي سفيان حدث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من الشعر حكمةً ".(23/156)
وحدث عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فإذا شهدوا بها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا فقد حرم علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عز وجل ".
وحدث عن زيد بن واقد، بسنده إلى أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين ".
توفي محمد بن عيسى بن سميع سنة أربعٍ ومئتين، وقيل: سنة ست ومئتين؛ وكان مولده سنة أربع عشرة ومئة، وتوفي وهو ابن ثنتين وتسعين سنة.
محمد بن عيسى بن محمد
ابن بقاء أبو عبد الله الأنصاري الأندلسي الثغري البلغي المقرئ أحد حفاظ القرآن المجودين، كان شيخاً فاضلاً، حافظاً للحكايات، قليل التكلف في الناس.
خرج الناس إلى المصلى للاستسقاء فأنشد قصيدةً على المنبر أولها: من البسيط
أستغفر الله من ذنبي وإن كبرا ... وأستقل له شكري وإن كثرا
ولد في شعبان سنة أربعٍ وخمسين وأربع مئة، وتوفي سنة اثنتي عشرة وخمس مئة.(23/157)
محمد بن عيسى بن يزيد
أبو بكر الطرسوسي التميمي، ثم السعدي حدث عن أبي توبة الربيع بن نافع، بسنده إلى أبي أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لصاحبه، اقرؤوا الزهراوين سورة البقرة وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طيرٍ صواف يحاجان عن صاحبهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرةٌ، ولا تستطيعها البطلة " قيل: البطلة السحرة.
توفي أبو بكر الطرسوسي ببلخ سنة ست وسبعين ومئتين.
محمد بن عيسى أبو جعفر البغدادي النقاش
مولى عمر بن عبد العزيز حدث بدمشق عن ابن أبي علاج الموصلي، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يغضب فإذا غضب سبحت الملائكة لغضبه، فإذا اطلع إلى الأرض فنظر إلى الولدان يقرؤون القرآن تملأ رضىً ".
محمد بن عيسى أبو بكر الأقريطشي
حدث بدمشق عن محمد بن القاسم المالكي، بسنده إلى بعض الصالحين قال: من الطويل
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها ... لقد حذرتناها لعمري خطوبها
وما نحسب الساعات تبلغ آنه ... على أنها فينا سريعٌ دبيبها(23/158)
كأني برهطٍ يحملون جنازتي ... إلى حفرةٍ يحثى علي كثيبها
فكم لي من مسترجعٍ متوجعٍ ... وباكيةٍ يعلو علي نحيبها
وإني لممن يكره الموت والبلى ... ويعجبني روح الحياة وطيبها
فحتى متى حتى متى وإلى متى ... يدوم طلوع الشمس لي وغروبها
فيا هادم اللذات ما منك مهربٌ ... تحاذر نفسي منك ما سيصيبها
رأيت المنايا قسمت بين أنفسٍ ... ونفسي سيأتي بعدهن نصيبها
محمد بن غزوان الدمشقي
حدث عن علي بن محمد عن سالم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صلى ست ركعات بعد المغرب غفر له بها ذنوب خمسين سنة ".
جرحوه وقالوا: لا يحل الاحتجاج به.
محمد بن الغمر بن عثمان
أبو بكر الطائي من ساكني بيت أرانس من قرى الغوطة.
حدث عن محمد بن جعفر الراموزي، بسنده قال: قام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين صف الرجال والنساء فقال: " يا معشر النساء إذا سمعتن هذا الحبشي يؤذن ويقيم يعني بلالاً فقلن كما يقول، فإن الله يكتب لكن بكل كلمةٍ مئة ألف حسنة، ويرفع لكن ألف درجة، ويحط عنكن ألف سيئة " قال: فقلن: يا رسول الله هذا للنساء فما للرجال؟ قال: " للرجال ضعفان ".
وحدث عن محمد بن إسحاق بن يزيد الضبي، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: لما دفن سعد ونحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسبح الناس معه(23/159)
طويلاً، ثم كبر فكبر الناس فقالوا: يا رسول الله مم سبحت؟ فقال: " لقد تضايق على هذا الرجل قبره حتى فرج الله عنه ".
توفي أبو بكر سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن الفتح أبو الحسن الصيداوي
حدث عن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي البختري، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة ".
محمد بن فتوح أبي نصر
ابن عبد الله بن فتوح بن حميد أبو عبد الله الحميدي الأندلسي الحافظ قيل: إنه داودي المذهب إلا أنه لم يكن يتظاهر بذلك.
حدث بدمشق عن كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية، بسندها إلى علي كرم الله وجهه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ستكون علي رواة يروون الحديث فاعرضوا القرآن فإن وافقت القرآن فخذوها وإلا فدعوها ".
وحدث عن أبي محمد علي بن أحمد بن حزم، بسنده إلى الأمير أبي الجيش مجاهد بن عبد الله العامري:
أنه وجه إلى بيت أبي غالب تمام بن غالب أيام غلبته على مرسية، وأبو غالب ساكنٌ(23/160)
بها ألف دينارٍ أندلسية على أن يزيد في ترجمة كتابٍ جمعه في اللغة مما ألفه تمام بن غالب لأبي الجيش مجاهد فرد الدنانير، وأبى ذلك وقال: لو بذل لي الدنيا على ذلك ما فعلت، ولا استجزت الكذب فإني لم أجمعه له خاصة، ولكن لكل طالبٍ عامة؛ فاعجب لهمة هذا الرئيس وعلوها واعجب لنفس هذا العالم ونزاهتها.
وحدث الحميدي عن أبي الوليد الحسين بن محمد الكاتب قال: حضرت عند عمي وعنده أبو عمر القصطلي وأبو عبد الله المعيطي فغنى المعيطي: من مخلع البسيط
مروع فيك كل يومٍ ... محتملٌ فيك كل لوم
يا غايتي في المنى وسولي ... ملكت رقي بغير سوم
فأعجبنا بهذين البيتين: فقال أبو عمر: أنا أضيف إليهما ثالثاً، وقال:
تركت قلبي بغير صبرٍ ... فيك وعيني بغير نوم
قال: فسررنا بقوله، وقلنا: لا تتم القطعة إلا به.
ولد الحميدي قبل العشرين وأربع مئة، وتوفي سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة.
وكان محققاً متبحراً في علم الأدب والعربية والشعر والرسائل، وله التصانيف الكثيرة منها: تجريد الصحيحين والجمع بينهما، وتاريخ الأندلس، وله شعرٌ حسنٌ.
وأوصى إلى مظفر ابن رئيس الرؤساء أن يدفنه عند بشر الحافي فخالف وصيته، فرآه مظفر بعد مدة في النوم يعاتبه على مخالفة وصيته فنقل سنة إحدى وتسعين وأربع مئة ودفن عند قبر بشر الحافي، وكان كفنه جديداً وبدنه طرياً تفوح منه رائحة الطيب، ووقف كتبه على أهل العلم.(23/161)
ومن شعر الحميدي: من الوافر
طريق الزهد أفضل ما طريق ... وتقوى الله بادية الحقوق
فشق بالله يكفك واستعنه ... يعنك وذر بنيات الطريق
ولا يغررك من يدعى صديقاً ... فما في الأرض أعوز من صديق
سألنا عن حقيقته قديماً ... فقيل: سألت عن بيض الأنوق
وأنشد محمد بن أبي نصر لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ بالأندلس: من الوافر
أقمنا ساعةً ثم افترقنا ... وما يغني المشوق وقوف ساعه
كأن الشمل لم يك ذا اجتماعٍ ... إذا ما شتت الدهر اجتماعه
محمد بن فراس أبو عبد الله العطار
قال: كان الوليد بن عتبة يقرأ علينا في مسجد باب الجابية مصنفات الوليد بن مسلم، وكان رجلٌ يجيء وقد فاته ثلث المجلس، ربع المجلس، أو أقل أو أكثر، فكان الشيخ يعيده عليه؛ فلما كثر ذلك على الوليد بن عتبة منه قال له: يا هذا أي شيء بليت بك، الله محمودٌ لئن لم تجئ مع الناس من أول المجلس لا أعدت عليك شيئاً؛ قال: يا أبا العباس، أنا رجلٌ معيل، ولي دكان في بيت لهيا، فإن لم أشتر لها حويجاتها من(23/162)
غدوة، ثم أغلق وأجيء أعدو، وإلا خشيت أن يفوتني معاشي؛ فقال له الوليد بن عتبة: لا أراك ها هنا مرةً أخرى؛ فكان الوليد بن عتبة يقرأ علينا المجلس ويأخذ الكتاب ويمر إلى بيت لهيا حتى يقرأ عليه المجلس في دكانه.
محمد بن الفرج بن الضحاك
أبو عبد الله الفردي إمام الجامع بدمشق المحدثة.
حدث سنة إحدى وخمسين ومئتين عن خالد بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص، بسنده إلى المغيرة بن شعبة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حدث بحديثٍ وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ".
محمد بن الفرج بن يعقوب
أبو بكر الرشيدي المعروف بابن الأطروش من أهل رشيد من مصر.
سمع بدمشق.
وحدث بمعرة النعمان سنة سبع عشرة وأربع مئة، عن أبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان البزاز العكبري، بسنده إلى عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبدٌ فقولوا: عبد الله ورسوله ".(23/163)
محمد بن فضالة بن الصقر
ابن فضالة بن سالم ابن حميد اللخمي أبو الحسن ويقال: إنه من موالي يزيد بن معاوية من حفرة النهر فتبنى جدهم العباس بن سالم فادعوا أنه ابن أخيه.
حدث في سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة عن محمود بن خالد، بسنده إلى أبي الهديل الربعي قال:
لقيت أبا داود الربعي فسلمت عليه وأخذ بيدي وقال: تدري لم أخذت بيدك؟ قلت: أرجو أن لا تكون أخذت بها إلا لمودةٍ في الله عز وجل؛ قال: أجل، إن ذلك كذلك، ولكن أخذت بيدك كما أخذ بيدي البراء بن عازب وقال لي كما قلت لك فقلت له كما قلت لي، فقال: أجل ولكن أخذ بيدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " ما من مؤمنين يلتقيان فيأخذ كل واحدٍ منهما بيد أخيه لا يأخذها إلا لمودةٍ في الله عز وجل فتفترق أيديهما حتى يغفر لهما ".
وحدث بدمشق عن هشام بن عمار، بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من باع ثمرة أرضه فأصابه جائحةٌ فلا يأخذ من أخيه شيئاً، علام يأكل أحدكم مال أخيه المسلم؟ ".
وحدث بها عنه، بسنده إلى رافع بن خديج، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أنا أكثر الأنصار أرضاً، قال: " ازرع " قلت: هي أكبر من ذلك، قال: " فبور ".
توفي أبو الحسن بن فضالة سنة خمس عشرة وثلاث مئة.(23/164)
محمد بن فضالة بن عبيد الأنصاري
حدث عن أبيه فضالة بن عبيد، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال العبد آمناً من عذاب الله ما استغفر الله ".
محمد بن فضاء أبو أحمد الدمشقي
حدث عن موسى بن سعيد الراسبي، عن الشعبي، قال:
بينا شريحٌ سفي مجلس قضائه إذ أقبل فتىً وشيخ يختصمان إليه، قال: فكلما تكلم الشيخ بكلمةٍ أفلج عليه الفتى في حجته فأغاظ ذلك شريحاً فقال للفتى: اسكت فقال: لا والله يا قاضي مالك أن تسكتني؛ قال: لأنك فتى وهذا شيخ؛ قال: يا قاضي وما تنقم على قوم أثنى الله عليهم في القرآن، فقال: " إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم " وقال عز وجل: " سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم " " وإذ قال موسى لفتاه " لولا أنه فتى صدقٍ ما صحبه موسى، قال: يا فتى أنت قاضٍ؟ تعال اقعد اقض قال: لا والله، ما لي ذلك دون أن أطعم قصتك وأستوفي منتك؛ قال: ثم استنطقه فإذا بفتىً كامل العقل وضيء الوجه، قال: يقول شريح في نفسه: لوددت لو أن لهذا الفتى أختاً فأتزوجها؛ قال: لو تمنيت الجنة كان أفضل؛ قال: لقد أقبلت يوماً من جنازةٍ مظهراً فأصابني الحر ورأيت سقيفةً فقلت: لو عدلت إلى هذه السقيفة فاستظللت واستسقيت ماءً، فلما صرت إلى السقيفة إذا باب دارٍ وإذا امرأةٌ نصفٌ قاعدةٌ خلفها جاريةٌ شابةٌ رودٌ، عليها ذؤابةٌ قد تسترت بها، قال: قلت: اسقوني ماءً، قالت: يا عبد الله أي الشراب أعجب(23/165)
إليك، النبيذ أم اللبن أم الماء؟ قلت: أي ذلك تيسر عليكم، قالت: اسقوا الرجل لبناً فإني إخاله أعرابياً، قال: فلما أن شربت وحمدت الله قلت لها: من الجارية خلفك؟ قالت: ابنتي، قال: قلت: ومن هي؟ قالت: زينب بنت حدير؛ قلت: ممن؟ قالت: من نساء تميم؛ قلت: من أيها؟ قالت: من بني حنظلة، ثم من بني طهية؛ قلت: لها: أفارغةٌ أم مشغولةٌ؟ قالت: لا بل فارغة؛ قلت: تزوجينها؟ قالت: نعم إن كنت كفؤاً لها؛ قلت: فمن يلي أمرها؟ قالت: عمها؛ قال: فانصرفت إلى منزلي فامتنعت من القائلة فأرسلت إلى إخواني من القراء الأشراف مسروق بن الأجدع أمية ألك حاجة؟ قلت: إليك عمدت؛ قال: فيم ذلك؟ قال: جئت خاطباً؛ قال: من؟ قلت: زينب بنت حدير؛ قال: ما بها عنك رغبةٌ ولا تقصير؛ فحمدت الله وصليت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكرت حاجتي؛ فحمد الله عز وجل وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوجني؛ فوالله ما بلغت منزلي حتى ندمت، قلت: ما صنعت تزوجت امرأةً من بني طهية من حي جفاةٍ فأردت أن أفارقها، ثم قلت: سقطتين في يوم واحد لا، ولكني أجمعها إلي فإن رأيت الذي أحب وإلا كنت قادراً؛ فأرسلت إليها بصداقها وكرامتها فزفت إلي مع نساءٍ أترابٍ لها، فلما أن صارت بالباب قالت: السلام عليكم ورحمة الله؛ وأقبلن النساء ينخسنها ويقلن لها: هذا منك جفاء؛ قالت: سبحان الله، السلام والبركة فيه، فلما أن توسطت البيت قالت: يا قاضي، موضع مسجد البيت؟ فإن من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يقوم فيصلي ركعتين وتصلي خلفه ركعتين ويسألان الله خير ليلتهما تلك، ويتعوذان بالله من شرها؛ قال: قلت: خيرٌ ورب الكعبة؛ فقمت أصلي فإذا هي خلفي تصلي، فلما أن سلمت وثبت وثبةً فإذا هي في قبتها وسط فراشها قاعدةٌ؛ قال: ودخلت إليها فوضعت يدي على ناصيتها ودعوت لها بالبركة، قالت: نعم فبارك الله لك ولنا معك؛ قال: فأردت ما يريد الرجل؛ فقالت لي: هيه هيه على رسلك على حاجتك ما قدرت، الحمد لله أحمده وأستعينه(23/166)
وصلى الله على محمدٍ، أما بعد؛ فإني امرأةٌ غريبةٌ لم أنشأ معك، وما سرت مسيراً أشد علي من هذا المسير وذلك أني لا أعرف أخلاقك، فأخبرني بأخلاقك التي تحب أكن معها، وأخلاقك التي تكره أزدجر عنها، أقول قولي هذا ويغفر الله لي ولك؛ قال: فاستطرت فرحاً، ثم قلت: أما بعد؛ قدمت خير مقدمٍ على أهل دارٍ زوجك سيد رجالهم، وأنت إن شاء الله سيدة نسائهم، أنا أحب من الأخلاق كذا وكذا وأكره من الأخلاق كذا؛ قالت: حدثني عن أختانك أتحب أن يزوروك؟ قلت لها: إني رجلٌ قاضٍ ما أحب أن يكثروا فيملوني، ولا يطيلوا فيهجروني؛ قالت: وفقك الله؛ قال: فبت بأنعم ليلةٍ باتها عروسٌ، ثم الليلة الأخرى أنعم منها، فليس من ليلةٍ إلا وأنا أنعم من صاحبتها، حتى إذا كان بعد سبعٍ قالت لأنها: يا أمتاه انصرفي إلى منزلك ولا تأتيني إلى حولٍ قابلٍ في هذا الأوان، ولا تتركيني من الهدايا؛ قال: فكان الرسول يجيء بالأطباق الملاء ويأخذ الفارغ شبه الطير الخاطف، حتى إذا كان رأس الحول أتتها أمها وقد ولدت غلاماً وكان شريح رجلاً غيوراً فإذا بامرأة تأمر وتنهى في بيته فقال: يا زينب من هذه المرأة؟ قالت له: هذه ختنتك
فلانة أمي؛ قال شريح: سبحان الله قد آن لك؛ قالت العجوز: يا أبا أمية كيف ترى زوجتك؟ قلت: بالخير؛ قالت: يا أبا أمية إن الرجال لم يبتوا بشيءٍ مثل الخرقة الورهاء، ولا تكون المرأة عند زوجها بأسوأ حالٍ منها في حاليه: إذا حظيت عند زوجها أو ولدت له غلاماً، فإن رابك من أهلك ريبٌ فالسوط؛ قال لها: قد كفيت الرياضة وأحسنت الأدب، أنا أشهد أنها ابنتك؛ قالت العجوز: يا أبا أمية، أخوها بالباب يطلب الإذن عليها، تأذن له؟ قال: إي والله، فليدخل؛ فلما دخل إذا بالفتى الذي كان يخاصم الشيخ قال: وإنك لهو؟ قال: نعم؛ قال: أما إني لو تمنيت الجنة كان أفضل، تذكر يوم كنت تخاصم الشيخ؟ قال: أذكره؛ قال: فإني تمنيت أن تكون أختٌ لك عندي؛ قال: يا قاضي فإن الذي أعطاك مناك قادرٌ أن يعطيكها في الآخرة؛ ثم إنه ضم الصبي ونحله ذهباً؛ ثم قال: أرشد الله أمركم ووفقكم لحظكم، ومضى. أمي؛ قال شريح: سبحان الله قد آن لك؛ قالت العجوز: يا أبا أمية كيف ترى زوجتك؟ قلت: بالخير؛ قالت: يا أبا أمية إن الرجال لم يبتوا بشيءٍ مثل الخرقة الورهاء، ولا تكون المرأة عند زوجها بأسوأ حالٍ منها في حاليه: إذا حظيت عند زوجها أو ولدت له غلاماً، فإن رابك من أهلك ريبٌ فالسوط؛ قال لها: قد كفيت الرياضة وأحسنت الأدب، أنا أشهد أنها ابنتك؛ قالت العجوز: يا أبا أمية، أخوها بالباب يطلب الإذن عليها، تأذن له؟ قال: إي والله، فليدخل؛ فلما دخل إذا بالفتى الذي كان يخاصم الشيخ قال: وإنك لهو؟ قال: نعم؛ قال: أما إني لو تمنيت الجنة كان أفضل، تذكر يوم كنت تخاصم الشيخ؟ قال: أذكره؛ قال: فإني تمنيت أن تكون أختٌ لك عندي؛ قال: يا قاضي فإن الذي أعطاك مناك قادرٌ أن يعطيكها في الآخرة؛ ثم إنه ضم الصبي ونحله ذهباً؛ ثم قال: أرشد الله أمركم ووفقكم لحظكم، ومضى.
قال شريح: فلبثت معي عشرين سنةً وما بكتت عليها في تلك السنين إلا يوماً واحداً كنت لها(23/167)
ظالماً أيضاً؛ قالوا: وكيف؟ قال: كنت إمام قومي وصليت ركعتي الفجر وسمعت الإقامة فبادرت فأبصرت عقرباً فكرهت أن أضربها فتنضح علي منها فاكفيت عليها الإناء ثم قلت لها: يا زينب لا تعجلي بتحريك الإناء حتى أقبل؛ فأقبلت فإذا هي تلوى؛ قلت: مالك؟ قالت: ضربتني العقرب؛ قال: أولم أنهك؟ هكذا من خالف؟ لي في هذا عظةً وعبرةً؛ قال: فلو رأيتني يا شعبي وأنا أمغث إصبعها بالماء والملح وأقرأ عليها بفاتحة الكتاب والمعوذتين، وكان لي جارٌ من كندة يقال له: ميسرة بن عدي لا يزال يقرع مريةً له، وذلك حيث يقول: من الطويل
رأيت رجالاً يضربون نساءهم ... فشلت يميني يوم أضرب زينبا
محمد بن الفضل بن محمد بن المنصور
كان مع عبد الله بن طاهر حين توجه من دمشق وافتتح مصر وسوغه المأمون خراجها سنةً، فصعد المنبر فلم ينزل حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها، فقبل أن ينزل أتاه معلى الطائي، وقد أعلموه بما صنع عبد الله بن طاهر بالناس في الجوائز وكان عليه واجداً فوقف بين يديه وقال: أصلح الله الأمير، أنا معلى الطائي، ما كان منك من جفاءٍ وغلظةٍ فلا يغلظ على قلبك ولا يستخفنك ما قد بلغك، أنا الذي أقول: من البسيط
يا أعظم الناس عفواً عند مقدرةٍ ... وأظلم الناس عند الجود للمال
لو يصبح النيل يجري ماؤه ذهباً ... لما أشرت إلى خزنٍ بمثقال
تعنى بما فيه رق الحمد تملكه ... وليس شيءٌ أعاض الحمد بالمال
تفك باليسر كف العسر من زمنٍ ... إذا استطال على قومٍ بإقلال
لم تخل كفك من جودٍ لمختبطٍ ... أو مرهفٍ فاتكٍ في رأس قتال(23/168)
وما بثثت رعيل الخيل في بلدٍ ... إلا عصفن بأرزاقٍ وآجال
هل من سبيلٍ إلى إذنٍ فقد ظمئت ... نفسي إليك فما تروى على حال
إن كنت منك على بالٍ منيت به ... فإن شكرك من حمدي على بال
ما زلت مقتضياً لولا مجاهرةٌ ... من ألسنٍ خضن في صبري بأقوال
فضحك عبد الله بن طاهر وسر بما كان منه، وقال: يا أبا القاسم إنا لله أقرضني عشرة آلاف دينار؛ فما أمسيت أملكها، فدفعها إليه.
محمد بن الفضل الصوفي الدمشقي
قال سليمان بن داود اليحصبي:
رأيت محمد بن الفضل الدمشقي، وكان من نبلاء الصوفية ورؤسائهم، فضرب ابنه صغيراً، فقمت لأتخلصه منه فقال: إليك عني، فإني أحب أن أبلغ من عقوبته اليوم أمراً أرضي الله به؛ فقلت: وما قصته؟ قال: رأيته يضحك إلى غلامٍ من أقرانه؛ قلت: وما أنكرت من ذلك؟ صبي ضحك إلى تربه؛ فقال: إني أكره أن أجريه على معاصي الله، فيأتي اليوم صغيرةً ويركب غداً كبيرةً، وإنما الحدث على ما ينشؤ عليه من الخير والشر، فإن زجر عن الشر في صغره تحاماه في كبره، وإن هو ترك عليه تمادى في غيه، ولم يشك إلا أنه الأمر الذي ندب إليه.
محمد بن الفضل الجرجرائي الوزير
استوزره المتوكل، وغضب عليه، فقبضه وصير مكانه عبد الله بن يحيى بن خاقان، وتوفي سنة خمسين ومئتين، ومن شعره: من الطويل(23/169)
تعجل إذا ما كان أمنٌ وغبطةٌ ... وأبط إذا ما استعرض الخوف والهرج
ولا تيأسن من فرصةٍ أن تنالها ... لعل الذي ترجوه من حيث لا ترجو
وتأخر إسحاق الموصلي عن محمد بن الفصل، وقد وعده الحضور فقال: من الكامل
خل أتى ذنباً إلي وإنني ... لشريكه في الذنب إن لم أغفر
فمحا بإحسانٍ إساءة فعله ... وأزال بالمعروف قبح المنكر
قد كان يا إسحاق صبري فيك ذا ... حسناً وأحسن منه إذ لم أصبر
مذ لم ألاقك في السرور ثلاثةٌ ... فكأنها كانت ثلاثة أشهر
وكان المتوكل يسمي ابن الفضل: المضبب، كانت أسنانه منقطعة فكان يشدها، وكان محمد بن الفضل متمكناً عند المعتصم جريئاً عليه؛ وتقلد محمد بن الفضل الوزارة بعد ابن الزيات، وفيه يقول عصابة الجرجرائي: من السريع
محمد بن الفضل لا قدست ... روحٌ له من كاتبٍ حائك
وابن خصيبٍ تربت كفه ... فليس بالبر ولا الناسك
كلاهما والله يخزيهما ... أكفر للنعمة من بابك
ولدعبل في محمد بن الفضل: من الطويل
محمد يا ابن الفضل نقصك ذاهبٌ ... بما كان من فضل أبيك من الفضل
رأيتك غفلاً من سماحٍ وسؤددٍ ... وقد لاح رسم الجهل فيك مع البخل
محمد بن الفيرزان الصوفي
نظر محمد بن الفيرزان إلى رجلٍ من أصحاب الحديث، بين يديه محبرةٌ وهو ينظر في دفترٍ يلاحظ غلاماً جميلاً ويضحك أحياناً في وجهه، فقال له: يا فتى كتبت(23/170)
الحديث؟ قال: نعم كتبت منه كثيراً ووعيت منه علماً جماً؛ قال: أما تحفظ في تكرار النظر شيئاً؟ قال: لا؛ قال: سبحان الله نسيت ما يجب عليك أن تذكره، وضيعت ما ينبغي لك أن تحفظه، هل تحفظ ما سأل عنه جرير البجلي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نظرة الفجاءة؟ قال: فأمرني أن أصرف بصري عنه، وفي بعض الحديث أنه قال: " الأولى لك والأخرى عليك " قال: صدقت، قال: أفما لك في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوةٌ، وفي قوله لك قدوةٌ؟ إني لك من الناصحين، وعليك من المشفقين، إن كنت تحب أن تنظر إلى الحور الحسان وتسكن القصور والخيام، وتطوف عليك الغلمان والولدان، فاحفظ طرفك عن نظرٍ لا تأمن عاقبة ضرره عليك في معادك.
محمد بن الفيض بن محمد بن الفيض
أبو الحسن ويقال: أبو الفيض الغساني حدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، بسنده إلى جابر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ".
وحدث عن هشام بن خالد الأزرق، عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز قال: إن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار، فقال هشام للزهري: لا تعد لمثلها تدان؛ فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، حدثنا سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يلسع المؤمن من جحرٍ مرتين ".
ولد محمد بن الفياض سنة تسع عشرة ومئتين، وتوفي سنة خمس عشرة وثلاث مئة.(23/171)
محمد بن القاسم بن عبد الخالق
ابن يزيد بن نبهان أبو حفص الكندي المؤذن الحصيب حدث عن أبي عبد الله محمد بن عقبة البيروتي، بسنده إلى عبد الله بن عمر أن عمر تصدق على رجلٍ بفرسٍ ثم وجده بعد ذلك يباع في السوق، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ترتد في صدقتك ".
محمد بن القاسم بن فضالة
أبو بكر الصوفي الحبيشي
أنشدني صحبه قبل أن يمتحن، قال: بلغني أن رجلاً كتب إلى صديق له يذمه: من المتقارب
ولما رأيتك لا فاتكأ ... قوياً ولا أنت بالزاهد
وليس عدوك بالمتقي ... وليس صديقك بالحامد
دخلت بك السوق سوق العبي ... د وناديت: هل فيك من زائد
على رجلٍ مفسدٍ للصدي ... ق كفورٍ لنعمائه جاحد
فما جاءني رجلٌ واحدٌ ... يزيد على درهمٍ واحد
سوى رجلٍ زادني درهماً ... وآلى بأن ليس بالزائد
فبعتك منه بلا شاهدٍ ... مخافة ردك بالشاهد
وأبت إلى منزلي رابحاً ... وحل البلاء على الناقد
محمد بن القاسم بن المظفر
ابن عبد الله أبو بكر بن أبي أحمد بن الشهرزوري الإربلي ثم الموصلي حدث بدمشق سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزني الزاني وهو حين يزني مؤمن، ولا يسرق السارق وهو حين يسرق مؤمن،(23/172)
ولا يشرب الخمر وهو حين يشربها مؤمن، ولا ينتهب نهبةً ذات شرف يرفع المؤمنون إليه فيها أبصارهم وهو حين ينتهبها مؤمن ".
ولد أبو بكر سنة أربعٍ وخمسين وأربع مئة، وقيل: سنة ثلاث وخمسين، وتوفي سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة.
محمد بن القاسم بن معروف
ابن حبيب بن أبان بن إسماعيل أبو علي عم أبي محمد بن أبي نصر حدث عن أحمد بن علي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار ".
وحدث عن علي بن بكر، بسنده إلى عبد الله بن السائب، أنه قال وهو عند حمزة بن عبد المطلب: من الوافر
ألا يا حمز للشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء
ضع السكين في اللبات منها ... يضرجهن حمزة بالدماء
وعجل من أطايبها لشربٍ ... قديراً من طبيخٍ أو شواء
ذكر أنه ولد سنة ثلاثٍ وثمانين ومئتين، وتوفي سنة سبعٍ أو تسعٍ وأربعين وثلاث مئة.
محمد بن القاسم الصوفي
أنشد محمد بن القاسم الصوفي: من الكامل
منها تعلم طيفها العتبا ... فأتى الكرى غضبان عن غضبى
ألقت عداوة وصل يقظته ... بين الكرى وجفونه حربا
فإذا تنبه كان في ألمٍ ... وإذا غفا لم يعدم الكربا
وكأن ذا قلبين ما سلمت ... قمنٌ يصح وقد حوى قلبا(23/173)
محمد بن قبيصة بن عبد الله
ابن موسى أبو بكر النيسابوري ثم الإسفراييني حدث عن بشر العبدي، قال: ذهبت مع أبي إلى وليمةٍ فيها غالب القطان، فوضع الخوان فأمسكوا أيديهم فقال: ما لكم؟ فقالوا: حتى يجيء، فقال غالب: حدثتني كريمة بنت هشام الطائية، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكرموا الخبز " قال: " ومن كرامته أن لا ينتظر الأدم ".
وحدث عن الحسن بن عبد الرحمن، بسنده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقل ما يوجد في أمتي آخر الزمان درهمٌ حلالٌ أو أخٌ يوثق به ".
محمد بن قطن الأذني الصوفي
حدث عن معلى الرفاء، بسنده إلى واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بكاء الصبي إلى سنتين: لا إله إلا الله، ثم بعد ذلك استغفارٌ لأبويه، فما عمل من حسنة فلأبويه، وما عمل من سيئةٍ فلا عليه ولا أبويه ".
وحكى عن الشافعي، عن فضل، عن سفيان، قال: قال داود عليه السلام: إلهي كن لابني سليمان من بعدي كما كنت لي؛ فأوحى الله إليه: يا داود قل لابنك سليمان: يكون لي حتى أكون له كما كنت لك.
وحكى عنه قال: دخل سفيان على فضيل بن عياض رحمهم الله يعوده فقال: يا أبا محمد، أي نعمةٍ في المرض لولا العواد؟ فقال سفيان: وأي شيءٍ تكره من العواد؟ قال: الشكية.
وحدث محمد بن قطن، وابن أبي الحواري حاضرٌ، عن الشافعي، قال: قال الفضيل: كم ممن يطوف بهذا البيت وبعيدٌ منه أعظم أجراً منه.(23/174)
محمد بن قيس أبو عثمان
ويقال: أبو أيوب، ويقال: أبو إبراهيم المدني كان مع عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة بالشام، وهو قاص عمر بن عبد العزيز.
حدث عن أبي صرمة، عن أبي أيوب، أنه قال حين حضرته الوفاة: قد كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لولا أنكم تذنبون، لخلق الله خلقاً يذنبون يغفر لهم ".
قال محمد بن قيس: خرج علينا يوماً مزاحمٌ فقال: لقد احتاج أهل أمير المؤمنين إلى نفقةٍ ولا أدري من أين آخذها، ولا أدري ممن أستلفها؛ قال: قلت: لولا قلة ما عندي لعرضته عليك؛ قال: وكم عندك؟ قلت: خمسة دنانير؛ قال: إن فيها لبلاغاً، فأعطني، فدفعها إليه، ثم أتاه مال من أرض عمر باليمن، فمر علي مزاحم مسروراً، قال: جاءنا مالٌ من أرضٍ لنا نقضك منه الآن تلك الخمسة دنانير، فدخل ثم خرج وإحدى يديه على رأسه يقول: أعظم الله أجر أمير المؤمنين قلنا: أجل، أعظم الله أجر أمير المؤمنين وما ذاك؟ قال: أمر بالمال الذي جاء من أرضه أن يدخل بيت المال؛ فلا أدري كيف تمحل لي في الخمسة حتى قضاني.
محمد بن كامل العماني
حدث عن أبان العطار، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: صافحت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم أر خزاً ولا قزاً كان ألين من كف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال(23/175)
ثابت: أنا صافحت أنس بن مالك، وقال كل شيخٍ: أنا صافحت فلاناً إلى آخر إسناده.
والعماني بفتح العين وتشديد الميم؛ عاش
محمد بن كامل مئةً وعشرين سنةً، ومات سنة إحدى وتسعين ومئتين.
محمد بن كامل
قال محمد بن كامل: جئت إلى عراك بن خالد وهو جالسٌ في مسجدٍ أيام ابن محرز فقلت: يا أبا الضحاك، طاب الموت فقال: يا بن أخي لا تفعل، الساعة تعيشها تستغفر الله خيرٌ لك من موت الدهر.
محمد بن كامل بن ديسم بن مجاهد
أبو الحسين النضري المقدسي حدث ببيت المقدس سنة سبعٍ وستين وأربع مئة عن أبي الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن علي بن الترجمان، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلى أحدكم على جنازةٍ ولم يمش معها فليقم لها حتى تغيب عنه، وإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع ".
توفي أبو الحسين بن كامل سنة ستٍ وثلاثين وخمس مئة.
محمد بن كثير أبو إسماعيل الخولاني الكوفي
وفد على عمر بن عبد العزيز، وقال: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب بخناصرة فذكر الدنيا فذمها فقال: والله لقد حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن(23/176)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها ثم أعرض عنها ثم قال: وعزتي إلا أنزلتك إلا في شرار خلقي ".
محمد بن كثير بن أبي عطاء
أبو يوسف المصيصي صنعاني الأصل، سكن المصيصة.
حدث عن الأوزاعي، بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم المؤمن ".
وحدث عنه، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تجافوا عن زلة السخي فإنه إذا عثر أخذ الرحمن بيده ".
ثم أنشد محمد بن كثير لنفسه، من الخفيف
كن سخياً ولا تبال ابن من كن ... ت فما الناس غير أهل السخاء
لن ينال البخيل مجداً ولو نا ... ل بيافوخه نجوم السماء
وحدث عن الأوزاعي، قال: كان عندنا ببيروت صيادٌ يخرج يوم الجمعة يصطاد النينان ولا ينتظر الجمعة؛ قال: فخرج يوماً فخسف به وببغلته فلم يبق منها إلا أذناها وذنبها.
قال ابن كثير: رأيت ذلك المكان كأنه شيءٌ حول.(23/177)
ضعفه قومٌ وقالوا: ليس بالقوي، كثير الخطأ، وقيل: إنه اختلط في آخر عمره؛ وقيل: إنه كان ثقةً.
قال محمد بن كثير: دخل علي الأوزاعي وأنا عليلٌ فقال لي: رفع الله جنبك، وغفر ذنبك، وفرغك لعبادة ربك.
توفي محمد بن كثير سنة ست عشرة ومئتين، وقيل: سنة سبع عشرة ومئتين.
محمد بن كرام بن عراق بن حزابة
ابن البراء أبو عبد الله السجستاني، شيخ الطائفة المعروفة بالكرامية حدث عن مالك بن سليمان الهروي، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مسكرٍ خمرٌ، وكل مسكرٍ حرامٌ ".
قال الخطيب: لا يثبت عن مالك هذا الحديث.
وكرام بفتح الكاف وتشديد الراء.
وتوفي محمد بن كرام سنة خمس وخمسين ومئتين.
قال أبو العباس محمد بن إسحاق السراج:
شهدت محمد بن إسماعيل البخاري ودفع إليه كتابٌ من محمد بن كرام يسأله عن أحاديث منها: سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإيمان لا يزيد ولا ينقص " ومعمر عن الزهري عن سالم عن أبيه مثله؛ فكتب محمد بن إسماعيل على ظهر كتابه: من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل.
دخل أبو عبد الله بن كرام المقدس وتكلم فجاءه رجلٌ غريبٌ بعدما سمع أهل(23/178)
المقدس منه حديثاً كثيراً، فسأله عن الإيمان فأمسك عن الجواب، ثلاث مرات، فقال: هذا أمرٌ عظيمٌ يسألك إنسانٌ عن مسألة ثلاث مرات، فتشاغل عنه ما تقول في الإيمان؟ فأجابه وقال: الإيمان قولٌ؛ فلما سمعوا ذلك منه حرقوا الكتب التي كتبوا عنه، ونفاه والي الرملة إلى زغر، ومات بها.
وقيل: إنه توفي ببيت المقدس، ودفن في مقابر الأنبياء صلوات الله عليهم، وتوفي وأصحابه ببيت المقدس نحو عشرين ألفاً؛ وكان لأصحاب ابن كرام رباطٌ ببيت المقدس، وكان بذلك الرباط جماعةٌ من أصحابه مظهرين النسك، وكان ببيت المقدس رجلٌ يقال له: هجام، يحبهم ويحسن ظنه بهم، فنهاه الفقيه أبو الفتح نصر بن أبي وهم عن إحسانه الظن بهم؛ فقال: إنما لي منهم ما ظهر لي؛ فلما كان بعد ذلك رأى هجام في المنام كأنه اجتاز برباطهم ورأى كأن حائطه كله نبات النرجس فاستحسنه فمد يده ليتناول منه شيئاً فوجد أصوله في العذرة، فقص رؤياه على الفقيه نصر؛ فقال: هذا تصديق ما قلت لك: إن ظاهرهم حسنٌ وباطنهم خبيثٌ.
محمد بن كعب بن حيان بن سليم
ابن أسد أبو حمزة؛ وقيل: أبو عبد الله القرظي ولد على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل المدينة؛ قدم على عمر بن عبد العزيز في خلافته.
قال محمد بن كعب: سمعت زيد بن أرقم قال: لما قال عبد الله بن أبي ما قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله؛ وقال: لئن رجعنا إلى المدينة؛ قال: فسمعته فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك(23/179)
له، قال: فلامني ناسٌ من الأنصار، وجاء هو فحلف ما قال ذلك، فرجعت إلى المنزل فنمت؛ قال: فأتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بلغني فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن الله عز وجل قد صدقك وعذرك " فنزلت هذه الآية: " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله ".
قال محمد بن كعب:
عهدت عمر بن عبد العزيز وهو أميرٌ علينا بالمدينة، وهو شاب ممتلئ الجسم حسن البضعة، فلما استخلف أرسل إلي وأنا بخراسان، فأتيته بخناصرة، فدخلت عليه فرأيته قد تغير حاله ونحل جسمه، فجعلت لا أكاد أصرف بصري عنه، فقال: إنك لتنظر إلي نظراً ما كنت تنظره إلي من قبل يا بن كعب قال: قلت: لعجبي؛ قال: وما أعجبك؟ قلت: لما حال من لونك، ونحل من جسمك، وبقي من شعرك؛ فقال: كيف لو رأيتني يا بن كعب بعد ثالثةٍ في قبري حيث تقع حدقتاي على وجهي، ويسيل منخراي وفمي صديداً ودوداً؟ كنت لي أشد نكرةً، أعد علي الحديث الذي كنت حدثتنيه عن ابن عباس؛ قال: قلت: حدثنا ابن عباس رفعه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لكل شيءٍ شرفاً، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة، وإنما تجالسون بالأمانة فلا تصلوا خلف النائم والمتحدث، واقتلوا الخبيث العقرب، وإن كنتم في صلاتكم؛ ولا تستروا الجدر بالثياب، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذن أخيه فكأنما نظر في النار، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله عز وجل أوثق منه بما في يديه؛ ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده؛ أفلا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من يبغض الناس ويبغضونه؛ أفلا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: من لا يقيل عثرةً، ولا يقبل معذرةً، ولا يغفر ذنباً؛ أفلا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره؛ إن عيسى بن مريم قام في قومه فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظالموا،(23/180)
ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم عند ربكم، يا بني إسرائيل إنما الأمر ثلاثة: أمرٌ بينٌ رشده فاتبعوه، وأمرٌ بينٌ غيه فاجتنبوه، وأمرٌ اختلف فيه فردوه إلى الله عز وجل ".
كان كعب أبوه من سبي قريظة الذي حكم فيهم سعد بن معاذ.
وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون في أحد الكاهنين رجلٌ يدرس القرآن دراسةً لا يدرسها أحدٌ غيره " قال: فكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي؛ والكاهنان: قريظة والنضير؛ وفي رواية: " رجلٌ أعلم الناس بكتاب الله " وفي أخرى: " أعلم بتأويل القرآن من القرظي ".
وكان محمد بن كعب ثقةً صالحاً، عالماً بالقرآن.
قالت أم محمد بن كعب القرظي لمحمد: يا بني لولا أني أعرفك صغيراً طيباً وكبيراً طيباً لظننت أنك أذنبت ذنباً موبقاً لما أراك تصنع بنفسك بالليل والنهار، قال: يا أمتها، وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي وأنا في بعض ذنوبي فمقتني، فقال: اذهب لا أغفر لك، مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمورٍ حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي.
وقال محمد بن كعب: لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح ب " إذا زلزلت " و" القارعة " لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إلي من أن أهذ القرآن ليلتي هذاً؛ أو قال: أنثره نثراً.
رجع محمد بن كعب إلى منزله من الجمعة، فلما كان ببعض الطريق جلس هو وأصحابه فقال لهم: ما تمنون أن تفطروا عليه؟ قالوا كلهم: طبيخ؛ قال: تعالوا ندعو الله عز وجل أن يرزقنا طبيخاً؛ قال: فدعوا الله عز وجل، فإذا خلفهم مثل رأس الجزور يفور، فأكلوا.(23/181)
قال محمد بن كعب: إذا أراد الله بعبدٍ خيراً زهده في الدنيا، وفقهه في الدين، وبصره عيوبه؛ ومن أوتيهن أوتي خير الدنيا والآخرة؛ زاد في آخر: ثم التفت الفضيل إلينا فقال: ربما قال الرجل: لا إله إلا الله، فأخشى عليه النار، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يغتاب بين يديه رجلٌ فيعجبه فيقول: لا إله إلا الله، وليس هذا موضعها، إنما هذا موضع أن ينصح له في نفسه ويقول له: اتق الله.
أصاب محمد بن كعب مالاً فقيل له: ادخر لولدك من بعدك؛ قال: لا ولكن أدخره لنفسي عند ربي، وأدخر ربي لولدي.
كان محمد بن كعب يقول: الدنيا دار فناء ومنزل قلعةٍ، رغبت عنها السعداء وانتزعت من أيدي الأشقياء، فأشقى الناس بها أرغب الناس فيها، وأزهد الناس فيها أسعد الناس بها، هي المقوية لمن أطاعها، المهلكة لمن اتبعها، الخائنة لمن انقاد لها، علمها جهلٌ، وغناها فقرٌ، وزيادتها نقصانٌ، وأيامها دولٌ.
كان محمد بن كعب يقول: اللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملك، فأعطنا من أنفسنا ما يرضيك عنا، حتى نأخذ رضى نفسك من أنفسنا، إنك على كل شيءٍ قدير.
جاء رجل ٌ إلى محمد بن كعب فقال له: ما تقول في التوبة؟ قال: ما أحسنها؛ قال: أفرأيت إن أعطيت الله عهداً أن لا أعصيه أبداً؛ فقال له محمد: فمن حينئذٍ أعظم جرماً منك تألى على الله أن لا ينفذ فيك أمره قعد الفضل الرقاشي إلى محمد بن كعب فذاكره شيئاً من القدر فقال له محمد: تشهد، فلما بلغ: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، رفع محمد عصاً معه فضرب بها رأسه وقال: قم؛ فلما قام فذهب قال: لا يرجع هذا عن رأيه أبداً.
قال محمد بن كعب: إذا رأيتموني أنطق في القدر فغلوني فإني مجنون، فوالذي نفسي بيده ما أنزلت هؤلاء(23/182)
الآيات إلا فيهم، ثم قرأ: " إن المجرمين في ضلالٍ وسعر " إلى آخر الآية.
قال أبو صخر حميد بن زياد: قلت لمحمد بن كعب القرظي يوماً: ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما كان من رأيهم وإنما أريد الفتن؟ فقال: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأوجب لهم الجنة في كتابه، محسنهم ومسيئهم؛ قلت: في أي موضعٍ أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ فقال: سبحان الله ألا تقرأ قوله: " والسابقون الأولون " إلى آخر الآية، فأوجب الله عز وجل لجميع أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً لم يشرطه عليهم؟ قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون بأعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك؛ قال أبو صخر: فوالله لكأني لم أقرأها قط، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب.
سئل محمد بن كعب: ما علامة الخذلان؟ قال: إن يستقبح الرجل ما كان يستحسن، ويستحسن ما كان قبيحاً.
دخل محمد بن كعب على عمر بن عبد العزيز حين استخلف فقال له عمر يا عم عظني؛ قال: يا بن أخي فيك كيس وفيك حمقٌ، وفيك جرأةٌ وفيك جبنٌ، وفيك حلمٌ وفيك جهلٌ، فداو بعض ما فيك ببعضٍ فإذا صحبت فاصحب من الإخوان زاد في رواية: من كان ذا نيةٍ في الخير يكفيك مؤونة نفسك ويعينك عل نفسك، ولا تصحبن من الإخوان من قدر منزلتك عنده على قدر حاجته إليك، فإذا انقطعت أسباب حوائجه فيك انقطعت أسباب مودته عنك، وإذا غرست غرساً فلا تبغين غرسك أن تحسن تربيته.(23/183)
قال محمد بن كعب: قال لي عمر بن عبد العزيز: صف لي العدل: قلت: بخٍ بخٍ سألت عن أمرٍ جسيمٍ؛ كن لصغير الناس أباً، ولكبيرهم ابناً، ولمثل منهم أخاً، وللنساء كذلك، وعاقب الناس بقدر ذنوبهم على قدر أجسامهم، ولا تضربن بغضبك أحداً سوطاً واحداً فيعدي فتكون من العادين.
قال سفيان بن عيينة: دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز يوم ولي فقال: يا أمير المؤمنين إنما الدنيا سوقٌ من الأسواق فمنها خرج الناس بما ربحوا منها لآخرتهم، وخرجوا منها بما يضرهم، فكم من قومٍ غرهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم، وخرجوا من الدنيا مرملين لم يأخذوا من أمر الدنيا والآخرة، فاقتسم ما لهم من لم يحمدهم، وصاروا إلى من لم يعذرهم، فانظر للذي يجب أن يكون معك إذا قدمت، فابتغ به البدل حيث يجوز البدل، ولا تذهبن إلى سلعةٍ قد بارت على غيرك ترجو جوازها عنك؛ يا أمير المؤمنين افتح الأبواب وسهل الحجاب وانصر المظلوم.
كان لمحمد بن كعب جلساء كانوا من أعلم الناس بتفسير القرآن، وكانوا مجتمعين في مسجد الربذة فأصابتهم زلزلةٌ فسقط عليهم المسجد فماتوا جميعاً تحته.
قيل لمحمد بن كعب: ألا نعد لك حروفاً من حروف الرفع والإضجاع تتكلم بها؟ قال: أرأيتم ما أعلمتكم به أتفهمونه؟ قالوا: بلى؛ قال: فما أصنه بها؟ وقيل لمحمد بن كعب: إنك لتلحن في كلامك ولست تعرب في قراءتك؟ قال: إنما سأل موسى عليه السلام أن يحلل عقدةً من لسانه حتى يفهموا قوله.
توفي محمد بن كعب سنة ثمانٍ ومئة؛ وقيل: سنة سبع عشرة، وقيل: ثمان عشرة ومئة، وهو ابن ثمانٍ وسبعين سنةً، وقيل: توفي سنة عشرين ومئة، وقيل: سنة تسع وعشرين ومئة.(23/184)
محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق
أبو أحمد النيسابوري الحاكم الكرابيسي الحافظ قدم دمشق وولي القضاء في مدنٍ كثيرة.
حدث عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف الدمشقي، بسنده إلى أبي هريرة قال: أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث: لا أترك صلاة الضحى في حضرٍ ولا سفرٍ، وصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، ولا أنام إلا على وترٍ.
وحدث عن أبي العباس عبد الله بن عتاب الخزاعي، بسنده إلى عبد الله بن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تمنعوا النساء خطاهن من المساجد ".
توفي أبو أحمد سنة ثمانٍ وسبعين وثلاث مئة، وهو ابن ثلاثٍ وتسعين سنة.
محمد بن محمد بن الحسين
ابن أبي الحسن أبو عبد الله الطوسي المقرئ حدث عن أبي علي الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى يطلع في العيدين إلى الأرض فابرزوا من المنازل تلحقكم الرحمة ".
محمد بن محمد بن رجاء بن السندي
أبو بكر الحنظلي الإسفراييني حدث عن صفوان بن صالح الدمشقي، بسنده إلى زيد بن أسلم، قال: رأيت ابن عمر يصلي محلولٌ أزراره، فسألته عن ذلك فقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله.(23/185)
توفي أبو بكر بن رجاء سنة ست وثمانين ومئتين، وكان ثبتاً ديناً.
محمد بن محمد بن زكريا البلخي
أبو نصر البلخي قدم دمشق غازياً.
وحدث عن محمد بن جعفر أبي جعفر الكرابيسي البلخي، بسنده إلى أبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اتقوا اللاعنين " قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: " الذي يتخلى في طريق الناس، وفي ظلهم ".
وحدث عنه بسنده إلى سعيد بن جبير، قال: إن لأعجب ممن يصلي معي ولا يسألني عن شيءٍ، لأن أحدثكم أحب إلي من أن أدخله معي القبر.
محمد بن محمد بن زكريا أبو غانم
النجدي ويقال اليمامي الأضاخي حدث عن المقدام بن داود، بسنده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: " ويخلق ما لا تعلمون قال: " البراذين ".(23/186)
محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث
ابن عبد الرحمن أبو بكر الأزدي الباغندي الحافظ الواسطي البغدادي حدث عن شيبان بن فروخ، بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا عاد مريضاً يقول: " أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً ".
كان الباغندي يخلط ويدلس.
توفي محمد بن محمد الباغندي سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة، وقيل: سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة.
محمد بن محمد بن طاهر
أبو بكر البغدادي التاجر حدث عن أبي الحسن محمد بن عبد الواحد، بسنده إلى رجل من هذيل، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن هذا الشعر جزلٌ من كلام العرب به يعطى السائل، وبه يكظم الغيظ، وبه يؤتي القوم في ناديهم ".
ولد أبو بكر سنة خمس عشرة وأربع مئة، وتوفي سنة اثنتين وستين وأربع مئة، وكان حسن الطريقة حافظاً لكتاب الله عز وجل.(23/187)
محمد بن محمد بن عبد الله الباهلي
ابن النفاخ بن بدر ويقال: محمد بن محمد بن بدر بن سليمان بن النفاخ أبو الحسن؛ ويقال: أبو العباس الباهلي من أهل سامراء، ويعرف بالبغدادي.
حدث عن أحمد بن إبراهيم الدورقي؛ بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى عليه مئةٌ من المسلمين غفر له ".
توفي ابن نفاخ سنة أربع عشرة وثلاث مئة.
محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي
ابن حمزة بن جميل أبو جعفر البغدادي نزيل سمرقند سمع بدمشق.
حدث عن أبي زرعة، وروى أبو زرعة بإسناده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتلوا الحيات وذا الطفيتين فإنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل ".
توفي أبو جعفر سنة ست وأربعين وثلاث مئة؛ وكان ثبتاً صحيح السماع.(23/188)
محمد بن محمد بن عبد الله الأصبهاني
أبي عمر ابن أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب أبو عمر السلمي الأصبهاني قدم دمشق.
وحدث عن القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الخريبي، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرجل يشرف على أهل الجنة كأنه كوكبٌ دري، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ".
محمد بن محمد بن عبد الحميد
ابن خالد ابن إسحاق بن إبراهيم بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن آدم بن هشام أبو علي الفزاري، المعروف بابن آدم القاضي المعدل مولى يزيد بن عمر بن هبيرة.
حدث بدمشق عن أبي الحسن محمد بن حامد، بسنده إلى أبي ذر، أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أي الأعمال أفضل؟ قال: " إيمانٌ بالله، وجهادٌ في سبيله " قال: فأي الرقاب أفضل؟ قال: " أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها " قال: أرأيت إن لم أفعل؟ قال: " تعين ضائعاً أو تصنع لأخرق " قال: أرأيت إن ضعفت؟ قال: " تدع الناس من الشر فإنها صدقةٌ تصدق بها على نفسك ".
توفي أبو علي بن آدم سنة سبعٍ وخمسين وثلاث مئة.(23/189)
محمد بن محمد بن عبد الرحيم
ابن محمد بن أبي ربيعة أبو أحمد القيسراني حدث عن عمر بن الفتح بن عبد الله البزار الفقيه. بسنده إلى معاذ بن رفاعة بن رافع بن خديج، أن جبريل سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف أهل بدرٍ عندكم؟ فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيارنا " فقال جبريل: كذلك من شهد بدراً من الملائكة هم خيار الملائكة.
وحدث أبو أحمد سنة خمسٍ وسبعين وثلاث مئة عن محمد بن جعفر بن محمد الخرائطي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يجاء يوم القيامة بصحفٍ مختمةٍ فتنصب بين يدي الله تبارك وتعالى فيقول للملائكة: اقبلوا هذا، وألقوا هذا؛ فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيراً؛ فيقول وهو أعلم: إن هذا كان لغير وجهي، ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما ابتغي به وجهي.
قال أبو أحمد القيسراني: لقيت عبد العزيز بن قنبرة بباب الرحمة، فقال لي: أنت اليوم في دعوتي؛ ففرحت بذلك فدار المسجد فلقط بقلاً بعرقه وجاء بي إلى البيت فقال: نق البقل؛ وأخذ قدراً مكسورةً وتركها على النار وصب الماء والبقل، فلما نضج قال: كل، فإني صائم؛ وقال لي: هذا بقل المسجد وملح من المعدن جئت به مباحٌ، وقدرٌ مسكورةٌ وجدتها على المزبلة قد رماها أصحابها، وهذا حلالٌ ما فيه خلطً، وهذا الزيت في الكوز من السوق ما أدري كيف هو فإن شئت كل بزيتٍ، وإن شئت. فلا؛ قلت ما آكله إلا وحده.(23/190)
محمد بن محمد بن عبد الله الموصلي
ابن القاسم بن المظفر بن علي أبو حامد بن أبي الفضل بن أبي محمد بن الشهرزوري الموصلي تفقه ببغداد وتولى القضاء بدمشق نيابةً عن أبيه، وولي قضاء حلب وأعمالها، والموصل وأعمالها.
ومن شعره في مدح دمشق وأهلها: من المتقارب
سقى ربعك العارض المغدق ... وصوب الحيا أيها الجوسق
ولا زال فيك عليل النسيم ... بعرف خزامى الحمى يعبق
ولا برحتك شموس الجنوب ... من كل زاويةٍ تشرق
سكناك حيناً وغض الشباب ... بماء الصبا نضرٌ مورق
ونحن جميعاً لدى بركةٍ ... يروق لنا ماؤها البريق
كأن أنابيبها باللجي ... ن من كل ناحيةٍ تدفق
وفوارة ثأرها في السما ... ء فهي على نيله تقلق
ترد على السحب ما كان جا ... د على الأرض صيبها المغدق
مدحتك لا أنني أستطي ... ع بشكرك بين الورى أنطق
وها أنا معترفٌ بالقصو ... ر مع أنني شاعرٌ مفلق
فيا أهل جلق حياكم ... وجادكم العارض المبرق
فلولا لطافتكم لم تكن تطيب وتعذب لي جلق
إذا خفق البرق من نحوكم ... يبيت فؤادي له يخفق
إذا ما الغريب ثوى بينكم ... فكلٌ له راحمٌ مشفقٌ
وإن قال أعداؤكم عيبكم ... ملال الصديق فما صدقوا
ترى أي وقتٍ دعيتم إلى ... لقاء العدو فلم تعنقوا؟(23/191)
وأي مكانٍ حللتم به ... فلم يمسي من نشركم يعبق
كأنكم لسوى المكرما ... ت والضرب بالسيف لم تخلقوا
إذا كنت عاشقكم لا ألا ... م فيكم فمثلكم يعشق
نعمت بقربكم برهةً ... وجفن النوى راقدٌ مطبق
وظلت فلا عضني فيكم ... نحيبٌ ولا أملي يخفق
إلى أن قضى بالفراق الزما ... ن وقد كنت من جوره أفرق
كسوتك دمعي طليق القيا ... د وقلبي بينكم موثق
فلا تحسبوا أن طول البعا ... د من رق وجدي بكم يعتق
فإني عن عهدكم لا أحو ... ل وخير المدام الذي يعتق
محمد بن محمد بن عمر بن أحمد
ابن خشيش أبو أحمد البغدادي حدث عن يزداد بن عبد الرحمن الكاتب، بسنده إلى ابن عمر، قال: ذكر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذ خاتماً من ذهبٍ، فجعل يعني فصه مما يلي كفه، فاتخذ الناس خواتيم، فطرحه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " لا ألبسه ".
كان ثقةً.
محمد بن محمد بن عمرو أبو نصر
النيسابوري القاضي، ويعرف بالبنص حدث عن محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، بسنده إلى عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله أوحى إلي: أي هؤلاء نزلت فهي دار هجرتك؛ المدينة أو البحرين أو قنسرين ". ومن شعر أبي نصر: من الكامل(23/192)
سقطت نفوس بني الكرام فأصبحوا ... يتطلبون مكاسب الأنذال
وأقل ما طلب الزمان مساءتي ... إلا صبرت وإن أضر بحالي
نفسي تراودني وتأبى همتي ... أن أستفيد غنى بذل سؤالي
دخل القاضي أبو نصر البنص مجلس الأمير سيف الدولة، فطرح من كمه كيساً فارغاً ودرجاً فيه شعرٌ، واستأذن الأمير في قراءته، فأذن له، فلما فرغ من إنشاءه ضحك الأمير وأمر له بألف درهمٍ صحاحٍ، فجعلت في كيسه الذي جاء معه، وكانت الأبيات: من الطويل
حباؤك معتادٌ وأمرك نافذٌ ... وعبدك محتاجٌ إلى ألف درهم
ولم أحظ من إنشاد شعري بطائلٍ ... ولم أعط رزقاً مثل شهر المحرم
أروح وأغدو بين عسرٍ وعلةٍ ... ودينٍ وإفلاسٍ وقلبٍ مقسم
تباعد مني ما توهمت قربه ... فلم يبق مني الهم إلا توهمي
أسأل عن أمري فأبقى لحيرتي ... وطول اكتئابي باهتاً مطبقاً فمي
لئن قلت: أنشدت الأمير قصيدةً ... كوشي رياضٍ جادها صوب مرزم
فأطلق أرزاقي وأسنى عطيتي ... وجاد بأفضالٍ علي وأنعم
كذبت وإن أصدق تكذب مقالتي ... جميع البرايا من فصيحٍ وأعجم
ومن يلتمس يوماً بفضل خصامه ... مغالبة الإجماع يغلب ويخصم
لئن لم تجد لي عاجلاً غير آجلٍ ... بألفٍ صحاحٍ لم تشب بمثلم
رجعت إلى بيتي وصفرت لحيتي ... وسميت نفسي لوردكن بن رستم
وجئت بسكينٍ وخرجٍ وخنجرٍ ... وترسٍ وزوبينٍ وقوسٍ وأسهم
وأعصب رأسي بعد ذاك بخرقةٍ ... وأحضر يوم العرض في زي ديلمي
فتفرض لي في كل شهرين بدرةً ... لشدة بأسي في الوغى وتقدمي
فآخذها حتى إذا ما بعثت بي ... مقدمةً في ماقطٍ يوم صيلمي
هربت على وجهي فراراً من العدى ... ولم آمن الجهال غب تعجمي(23/193)
ولم يرني الله الجليل محله ... أساعد إنساناً على قتل مسلم
ومن شاهد الأبطال في حومة الوغى ... وكان ضعيف القلب لم يتقدم
ومن يلتمس روح الحياة وطيبها ... وأحضر للهيجاء لم يتهجم
ولم يك موسى سيئ الرأي ساقطاً ... وقد فر خوفاً من توعد مجرم
ورامت يهودٌ قتل عيسى بن مريمٍ ... ففر حذار القتل عيسى بن مريم
وخاف رسول الله يوماً بمكةٍ ... فسافر يبغي مغنماً تبع مغنم
فمن أنا حتى لا أفر وإنما ... أفر كما فروا حذاراً على دمي
تغلغل في الأكراد للحين بجكمٌ ... فما أخطأت أرماحهم بطن بجكم
ألام على أني فررت ولا أرى ... قتيلاً وإن لم أخل من مترحم
وللحرب أقوامٌ يلذونها كما ... يلذ بحسن الوعد قلب المتيم
فدعهم بضرب الهام بالسيف ينعموا ... ودعني لنشر العلم في الناس أنعم
وما كل ذي ملكٍ يقاتل وحده ... فما لك للأعداء وحدك فاعلم
خصصت بإقدامٍ وبأسٍ وسطوةٍ ... تبين بها للناظر المتوسم
وفتيان صدقٍ لا يبالون من لقوا ... فقاتل بهم من شئت تغلب وتسلم
وما لي منكم غير أني أودكم ... وأدنو إليكم بالدعاء وأنتمي
وأشكو من الأيام صولة حادثٍ ... لجوجٍ ملحٍ دائم اللزمبرم
وأغلظ في الشكوى لكيما ترق لي ... وأحلف إن كذبتني في تظلمي
وحق رسول الله والعترة التي ... تحب فتنجي من عذاب جهنم
لقد صمت أياماً وما صمت طائعاً ... ولكنني صومت تصويم معدم
ولم يجر لي بالصوم في الدهر عادةٌ ... سوى ذلك الشهر الشريف المعظم
فصلني بألفٍ رابحٍ غير واثبٍ ... أصلك بشكرٍ واضحٍ غير مبهم
وها ذاك كيسي فارغاً قد حملته ... لتملأه فاملأه يا خير منعم(23/194)
محمد بن محمد بن عمير بن محمد
ابن مسلم بن عبد الله أبو بكر الجهني مولاهم ولاؤهم لبني طلحة، وبنو طلحة من ولد عمرو بن مرة الجهني الصحابي.
حدث عن محمد بن أحمد بن سيد حمدونة؛ بسنده إلى أنس بن مالك، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر والنضير على حمارٍ بإكافٍ مخطومٍ بحبل ليفٍ، قال أنس: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا أيها الناس دعوا الدنيا، ثلاث مرات ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه فإنما يأخذ حتفه وهو لا يشعر ".
محمد بن محمد بن عيسى بن محمد
أبو الفضل الإسفراييني قدم دمشق.
وحدث عن أحمد بن محمد بن الحسين الشيرازي، بسنده إلى علي بن أبي طالب، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كلمة الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها ".
محمد بن محمد بن القاسم الدمشقي
أبي حذيفة بن عبد الغني أبو علي الدمشقي حدث عن أبي علي أحمد بن محمد بن أبي الحناجر، بسنده إلى عبد الله، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى فزاد أو نقص فقيل له: أحدث في الصلاة شيءٌ؟ قال: " لو حدث لأنبأتكم، هل أنا إلا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون، فأيكم زاد في صلاته أو نقص فليتحر الصواب، وليتم وليسجد سجدتي السهو ".(23/195)
وحدث عنه بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلب العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ ".
توفي محمد بن محمد بن أبي حذيفة سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة.
محمد بن محمد بن أسد
أبو الحسن الخشاب حدث عن عبد الرحمن بن إسماعيل الكوفي، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أصل كل داءٍ البردة " وقع في هذا المكان: البرد؛ قال: والصواب: البردة، يعني التخمة، بزيادة هاء.
محمد بن محمد بن محمد بن الحسين
ابن علي أبو الموفق النيسابوري حدث في مسجد النيرب. عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن عمران، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من الراسخون في العلم؟ قال: " من صدق حديثه، وبر في يمينه، وعف بطنه وظهره، فذلك الراسخون في العلم ".
أخبر بوفاة أبي الموفق في سنة تسعٍ وعشرين وأربع مئة، وكان ببغداد قد ادعى أنه هاشمي، وطلبه النقيب فهرب منه.
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد
ابن منصور أبو الغنائم البصري المقرئ، المعروف بابن الغراء حدث عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله الكلبي الزاهد، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قد فرغ الله إلى كل عبدٍ من خمسٍ: من أثره وعمله ورزقه وأجله ومضجعه ".(23/196)
توفي أبو الغنائم بن الغراء سنة اثنتين وستين وأربع مئة.
محمد بن محمد بن محمد الصوفي
ابن عبد الرحمن أبو عبد الله بن أبي نصر الطالقاني الصوفي
حدث بدمشق سنة تسعٍ وخمسين وأربع مئة عن أبي عبد الرحمن السلمي، بسنده إلى أبي الحسين النوري، قال:
رأيت غلاماً جميلاً ببغداد فنظرت إليه، ثم أردت أن أردد النظر فقلت له: تلبسون النعال الصرارة وتمشون في الطرقات؟ قال: أحسنت أتجمش بالعلم؛ ثم أنشأ يقول: من الطويل
تأمل بعين الحق إن كنت ناظراً ... إلى صفةٍ فيها بدائع فاطر
ولا تعط حظ النفس منها لما بها ... وكن ناظراً بالحق قدرة قادر
توفي أبو عبد الله سنة ستٍ وستين وأربع مئة، وقيل: سنة ثلاثٍ وستين.
محمد بن محمد بن محمد أبو حامد
الطوسي المعروف بالغزالي، الفقيه الشافعي كان إماماً في الفقه مذهباً وخلافاً، وفي أصول الديانات والفقه، وولي التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد، وخرج إلى الشام زائراً للبيت المقدس، وقدم دمشق سنة تسعٍ(23/197)
وثمانين وأربع مئة، ودرس فتطوش، ثم ترك التدريس والمناظرة واشتغل بالعبادة، وكان حجة الإسلام والمسلمين، وإمام أئمة الدين، لم تر العيون مثله لساناً وبياناً ونطقاً وخاطراً وذكاءً؛ وقد نيسابور واختلف إلى درس إمام الحرمين، وجد واجتهد حتى بذ الأقران وصار واحد أقرانه في أيام إمام الحرمين، وبلغ الأمر به إلى أن أخذ في التصنيف؛ وكان الإمام مع علو درجته لا يصفي نظره إلى الغزالي ستراً لإنافته عليه في سرعة العبارة، وقوة الطبع، ولا يطيب له تصديه للتصانيف، وإن كان منتسباً إليه كما لا يخفى من طباع البشر، لكنه يظهر التبجح به والاعتداد بمكانه ظاهراً خلاف ما يضمر، وبقي كذلك إلى انقضاء أيام الإمام فخرج من نيسابور وصار إلى المعسكر وحل من مجلس نظام الملك محل القبول، وأقبل عليه، وكانت تلك الحضرة محل رحال العلماء، ووقعت للغزالي اتفاقاتٌ حسنةٌ من الاحتكاك بالأئمة، وملاقاة الخصوم اللد، ومناظرة الفحول؛ فظهر اسمه في الآفاق ورسم له بالمصير إلى النظامية للتدريس بها، وصار بعد إمامة خراسان إمام العراق، ثم نظر في علم الأصول وصنف فيها تصانيف، وحرر المذهب والخلاف، وصنف فيهما تصانيف وعلت درجته وحشمته في بغداد حتى كان يغلب حشمه الأكابر والأمراء ودار الخلافة، فانقلب الأمر من وجهٍ آخر وظهر عليه بعده ذلك طريق التزهد والتأله، فترك الحشمة، وطرح ما نال من الدرجة، فخرج عما كان فيه، وحج ودخل الشام، وأقام في تلك الديار قريب عشر سنين يزور المشاهد المعظمة؛ وأخذ في التصانيف التي لم يسبق إليها، مثل إحياء علوم الدين، والأربعين وغيرها من التصانيف التي من تأملها علم محل الرجل من فنون العلم؛ وأخذ في مجاهدة النفس وتغيير الأخلاق، فانقلب شيطان الرعونة وطلب الرئاسة إلى سكون النفس وكرم الأخلاق ووقف الأوقات على هداية الخلق ودعائهم إلى ما يعنيهم من أمر الآخرة وتبغيض الدنيا، ثم عاد إلى وطنه لازماً بيته، مشتغلاً بالتفكر، ملازماً للوقت حتى انتهت نوبة الوزارة إلى فخر الدولة جمال الشهداء وقد تحقق مكان الغزالي وفضله، فحضره وسمع كلامه وتبرك به واستدعى منه أن يبقي أنفاسه وفوائده عقيمةً لا استفادة منها ولا اقتباس من(23/198)
أنوارها، وألح عليه إلى أن أجاب إلى الخروج، وحمل إلى نيسابور، وسئل عن كيفية الرجوع إلى نيسابور فقال: ما كنت أجوز أن أقف عن منفعة الطالبين بالإفادة؛ ثم ترك ذلك وعاد إلى بيته واتخذ في جواره مدرسةً لطلبة العلم وخانقاه للصوفية، وكان قد وزع أوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القرآن، ومجالسة أهل القلوب، والقعود للتدريس بحيث لا يخلو لحظةً من لحظاته ولحظات من معه عن فائدةٍ إلى أن نقله الله عز وجل إلى كريم جواره بعد مقاساة أنواع من القصد والمناوأة من الخصوم، والسعي به إلى الملوك، وكفى به الله وحفظه، وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله؛ وتوفي سنة خمسٍ وخمس مئة، ودفن بظاهر قصبة طابران بمدينة طوس.
محمد بن محمد بن مرزوق البعلبكي
حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي بكرة أنه دخل المسجد والناس ركوعٌ، فركع دب راكعاً حتى دخل الصف؛ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " زادك الله حرصاً ولا تعد ".
وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " تفضل صلاة الرجل في جماعةٍ على صلاته خمساً وعشرين درجة ".
محمد بن محمد بن مكي بن يوسف
أبو أحمد الجرجاني القاضي حدث عن علي بن محمد الصائغ، بسنده إلى أنس قال:
جاء علي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه ناقةٌ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذه الناقة؟ " قال: حملني عليها عثمان؛ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا علي اتق الدنيا فإن من كثر(23/199)
شيئه كثر شغله، ومن كثر شغله اشتد حرصه، ومن اشتد حرصه كثر همه ونسي ربه، فما ظنك يا علي بمن نسي ربه ". هذا حديثٌ منكرٌ.
وحدث عن أبي الحسن محمد بن إسماعيل المروزي، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا دعوتم لأحدٍ من اليهود والنصارى فقولوا: أكثر الله مالك وولدك ".
ومن شعره: من الطويل
إذا المرء لم يحسن مع الناس عشرةً ... وكان بجهلٍ منه بالمال معجباً
ولم تره يقضي الحقوق فإنه ... حقيقٌ بأن يقلى وأن يتجنبا
ومن شعره أيضاً: من الوافر
مضى زمنٌ وكان الناس فيه ... كراماً لا يخالطهم خسيس
فقد دفع الكرام إلى زمانٍ ... أخس رجالهم فيه رئيس
تعطلت المكارم يا خليلي ... وصار الناس ليس لهم نفوس
محمد بن محمد بن يحيى بن محمد
ابن عبد الله بن محمد بن زكريا أبو علي السلمي الحبيشي الأديب، أخو أبي القاسم السميساطي حدث عن أبي علي الحسن بن عبد الله الكندي، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: ما كان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام حتى يقرأ " ألم " السجدة و" تبارك الذي بيده الملك ".(23/200)
ومن شعره: من السريع
فضيلة الإنسان في نفسه ... وفعله الصادر عن حسه
وإنما الغبطة أو ضدها ... بعد حلول المرء في رمسه
توفي أبو علي السلمي بدمشق سنة سبع عشرة وأربع مئة.
محمد بن محمد بن يعقوب بن إسماعيل
ابن الحجاج بن الجراح أبو الحسين النيسابوري الحجاجي الحافظ المقرئ أحد علماء أهل نيسابور وثقاتهم.
حدث عن الحسن بن حبيب بن عبد الملك، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر الفقراء ألا أبشركم أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسة مئة عام ".
وحدث عن محمد بن إسحاق السراج، بسنده إلى ابن عمر، قال: قال عمر: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم فقد رجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجمناه بعده، وذكر الحديث.
زاد في آخر معناه: فيقول قائلٌ: حدان في كتاب الله؛ فقد رأيتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم ورجمنا بعده، الحديث.
وكان أبو الحسين من الصالحين المجتهدين في العبادة.
قال محمد بن عبد الله الحافظ: صحبت أبا الحسين نيفاً وعشرين سنة بالليل والنهار، فما أعلم أني علمت أن الملك كتب عليه خطيئةً.
توفي أبو الحسين الحجاجي سنة ثمانٍ وستين وثلاث مئة.(23/201)
محمد بن مارح بن محمد بن جيش
أبو عبد الله المقدسي الفقيه قدم دمشق، وأنشد لابن أبي السخباء الأديب: من الكامل
ومهفهفٍ عبث السقام بطرفه ... وسرى فخيم في معاقد خصره
يعطيك منطقه قلائد لفظه ... فتكون أثمن من قلائد نحره
مزقت أثواب الظلام بنحره ... ثم انثنيت أحوكهن بشعره
محمد بن ما شاء الله أبو الحسن
المقرئ الضرير حدث بدمشق، قال: سئل أبو بكر بن الأنباري عن رجلٍ شكر رجلاً في نعمةٍ أنعم بها عليه؛ فقال: إن الله عز وجل يحب من العبد إذا أوتي نعمةً أن يشكرها، لأن الله عز وجل قال: " واشكوا لي ولا تكفرون " وأنشد: من الطويل
فلو كان يستغني عن الشكر منعمٌ ... لعزة مجدٍ أو علو مكان
لما أمر الله العباد بشكره ... فقال: اشكروا لي أيها الثقلان
محمد بن مانك أبو عبد الله السجستاني
أحد الصوفية الصالحين، سكن أنطاكية، وقدم دمشق قال أبو عبد الله بن مانك:
ركبت في البحر من يافا ومعي رفيقٌ لي فلما سار بنا المركب هدأت الريح(23/202)
وطلبوا مرسىً، وكان إلى جانبي شابٌ حسن الوجه فخرج إلى الساحل فدخل بين أشجارٍ هناك ثم رجع إلى المركب، فلما غابت الشمس قال لي ولصاحبي: إني ميتٌ الساعة، ولي إليكما حاجةٌ، إذا أنا مت فكفنوني بما في الرزمة، وهذه الثياب التي علي ومخلاتي، إذا دخلتم صور فأول من يلقاكم فيقول لكم: هاتم الأمانة فادفعوها إليه؛ فلما صلينا المغرب حركنا الرجل فإذا هو قد مات، فحملناه إلى الشط وأخذنا في غسله، ففتحت الرزمة التي فيها الكفن، فإذا فيها ثوبان أخضران مكتوبان بالذهب، وثوبٌ أبيض فيه صرةٌ فيها شيءٌ كأنه الكافور ورائحته رائحة المسك، فغسلناه وكفناه في ذلك الكفن، وحنطناه بما في الصرة من الطيب، وصلينا عليه، ودفناه رحمه الله؛ فلما صرنا إلى صور استقبلنا غلامٌ أمردٌ حسن الوجه عليه ثوبٌ شربٌ على رأسه منديلٌ دبيقي، فسلم علينا، وقال: هاتم الأمانة؛ فقلنا: نعم، ولكن تدخل معنا إلى هذا المسجد نسألك عن مسألةٍ؛ قال: نعم؛ فدخل معنا، فقلنا له: أخبرنا من الميت، ومن أنت، ومن أين كان له ذلك الكفن؟ فقال: أما الميت فكان من البدلاء الأربعين، وأنا بديله، وأما الكفن فإنه جاءه به الخضر عليه السلام، وعرفه بأنه ميتٌ؛ ثم لبس الثياب التي كانت معنا، ودفع إلينا الكسوة التي كانت عليه؛ فقال: بيعوها وتصدقوا بثمنها إن لم تحتاجوا إليه؛ فأخذناها ودخلنا إلى صور، فدفعنا السراويل وفيه التكة إلى المنادي نبيعه، فلم نشعر إلا والمنادي قد جاء ومعه جماعةٌ فأخذونا إلى دارٍ كبيرةٍ، وإذا شيخٌ يبكي وصراخ النساء في الدار، فسألنا الشيخ عن السراويل والتكة، فحدثناه الحديث فخر لله ساجداً؛ وقال الحمد لله الذي أخرج من صلبي مثله، ثم صاح بأمه وحدثناها الحديث، فقال لها الشيخ: احمدي الله الذي رزقنا مثله؛ فلما كان بعد سنتين كنت واقفاً بعرفات فإذا أنا بشابٍ حسن الوجه عليه مطرف خز، فسلم علي وقال: أنا صاحب الأمانة الصوري؛ ثم ودعني وقال: لولا أن أصحابي ينتظروني لأقمت معك؛ ثم مضى فإذا أنا بشيخٍ خلفي من أهل المغرب كنت اعرفه يحج كل سنةٍ؛ فقال لي: من أين تعرف هذا الشاب؟ فقلت: هذا يقال: إنه من الأربعين؛ فقال لي: هو اليوم من العشرة وبه يغاث العباد.(23/203)
سئل أبو عبد الله بن مانك عن المراقبة فقال: إذا كنت فاعلاً فانظر نظر الله إليك، وإذا كنت قائلاً فانظر سمع الله إليك، وإذا كنت شاكياً فانظر علم الله فيك؛ قال الله تعالى: " إنني معكما أسمع وأرى " وقال: " يعلم ما في أنفسكم فاحذروه " وكان يقول: الرجال ثلاثةٌ: رجلٌ شغل بمعاشه عن معاده فهذا هالكٌ، ورجلٌ شغل بمعاده عن معاشه فهذا فائزٌ، ورجلٌ اشتغل بهما فهذا مخاطرٌ مرةً له ومرةً عليه.
حج أبو عبد الله هذا سنة تسعٍ وأربعين وثلاث مئة.
محمد بن المبارك بن يعلى
أبو عبد الله القرشي الصوري سكن دمشق حدث عن يحيى بن حمزة، بسنده إلى قزعة، قال: شيعت ابن عمر فقال: تعال أودعك كما ودعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ".
وحدث بسنده إلى عبد الله بن بدر الجهني، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم يوماً: " هذا يوم عاشوراء فصوموه " فقام رجل من بني عمرو بن عوف فقال: يا نبي الله إني تركت قومي منهم صائمٌ ومنهم مفطرٌ؛ فقال: " اذهب إليهم فمن كان مفطراً فليتم صومه ".
ولد محمد بن المبارك سنة ثلاثٍ وخمسين ومئة، وتوفي سنة خمس عشرة ومئتين.(23/204)
قال محمد بن المبارك: اعمل لله فإنه أنفع لك من العمل لنفسك، فإذا عملت لله فاعمل للدار التي تحتاج إلى نزولها غداً عند الله عز وجل.
سئل محمد بن المبارك: ما علامة المحبة لله؟ فقال: المراقبة للمحبوب، والتحري لمرضاته؛ ثم قال: من أعطي من المحبة شيئاً فلم يعط من الخشية مثله فهو مخدوعً.
قال محمد بن المبارك: لكل شيءٍ ثمرةٌ، وثمرة المعرفة الإقبال على الله عز وجل.
قال محمد بن المبارك:
بينا أنا أجول في جبال بيت المقدس، إذا أنا بشخصٍ منحدرٍ من جبلٍ، فتأملته فإذا هو امرأةٌ، وعليها مدرعةٌ من صوف وخمارٌ من صوفٍ، فلما دنت مني سلمت علي فرددت عليها السلام؛ فقالت: يا هذا من أين أقبلت؟ قلت لها: غريبٌ قالت: يا سبحان الله، وتجد مع سيدك وحشة الغربة، وهو مؤنس الغرباء ومحث الفقراء؟ قال: فبكيت؛ فقالت: يا هذا مم بكاؤك؟ ما أسرع ما وجدت طعم الدواء؟ قلت: أولا يبكي العليل إذا وجد طعم العافية؟ قالت: لا؛ قلت: ولم ذاك؟ قالت: إنه ما وجد القلب خادماً هو أحب إليه من البكاء، ولا وجد البكاء خادماً هو أحب إليه من الشهيق والزفير في البكاء؛ فقلت لها: عظيني؛ فأنشأت تقول: من مخلع البسيط
دنياك غرارةٌ فذرها ... فإنها مركبٌ جموح
دون بلوغ الجهول منها ... منيته نفسه تطوح
لا ترد الشر واجتنبه ... فإنه فاحشٌ قبيح
والخير خيرٌ فدم عليه ... فإنه واسعٌ فسيح
فقلت لها: زيدي في الموعظة؛ فقالت: سبحان الله، ما كان في موعظتنا من الفائدة ما يغنيك؟ فقلت لها: لا غناء عن طلب الزوائد؛ فقالت: يجب أن تحب ربك شوقاً إلى لقائه، فإن له يوماً يتجلى فيه لأوليائه.(23/205)
محمد بن المبارك أبو عبد الله الصوري
حدث بدمشق عن الفضل بن سعيد الأزرق؛ قال: أتيت راهباً في جبل الأسود فناديته فأشرف علي فقلت له: يا راهب؛ بأي شيء تستخرج الأحزان؟ قال: بطول الانفراد، وتذكر الذنوب، وأخبرك أني ما رأيت شيئاً أجلب لدواعي الحزن من أوكارها من الوحدة؛ قال: فقلت له: وما ترى في المكتسب؟ قال: ذاك زاد المتقين؛ قال: قلت: إنما أعني الطلب؛ قال: وأنا أيضاً أعني الطلب؛ قال: قلت: الرجل يلزم سوقاً من الأسواق ويكتسب الشيء يعود به على نفسه؛ قال: من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟ قال: قلت: من أمر الدنيا، قال: ذلك شيء قد كفيه الصديقون، وهل ينبغي للمتقي أن يتشاغل عن الله عز وجل بشيءٍ؟.
قال الفضل: فلقيت رشد بن سعد فحدثته حديث الراهب، فقال: صدق، قرأت في كتب الحكمة: لا ينبغي للصديق أن يكون صاحب حانوتٍ.
قال محمد بن المبارك: حدثني علي بن محمد النصري قال: انتهيت إلى راهبٍ في صومعته فناديته: يا راهب متى ترحل الدنيا من القلب؟ فصاح صيحةً خر مغشياً عليه، فارتقبته حتى أحسست إفاقته فقلت: يا راهب أجبني؛ قال: وسألتني عن شيء؟ قلت: نعم؛ قال: وما هو؟ قال: قلت لك: متى ترحل الدنيا عن القلب؟ فصاح صيحة أكبر من ذلك، وغشي عليه أكثر من تلك، فلما أفاق قلت له: يا راهب أنا منذ اليوم منتظرك؛ قال: يا هذا وسألتني عن شيءٍ؟ قلت: نعم؛ قال: وما هو؟ قلت: متى ترحل الدنيا من القلب؟ قال: يا هذا والله لا ترحل الدنيا أبداً من القلب، والعين تنظر إلى أهلها، والأذن تسمع كلامهم، وهو والله ما أقول لك، حتى يأوي مريد الله إلى أكناف الجبال وبطون الغيران مع الوحش، يرد مواردها ويرعى مراعيها، لا يرى أن النعمة على أحدٍ أسبغ منها عليه، وكيف وأنى له بالنجاة والتخلص وقد بقيت بين يديه عقبةٌ صعودٌ كدودٌ؟ قال: قلت: وما هي؟ قال: إبليس متصدياً على باب الله يريد أن يقطع ظهره بالغلبة حتى يقف من الله مواقف العابدين.(23/206)
قال محمد بن المبارك: حدثني إسماعيل بن زياد قال: قدم علينا راهب ونحن بعبادان وكان من الشام، فنزل دير ابن أبي كبشة فذكر لي من حسن كلامه ما شوقني إلى لقائه، فأتيته وحوله أناسٌ، وهو يقول: إن لله عباداً سمت بهم هممهم نحو عظيم الذخائر، فاحتقروا ما دون ذلك من الأخطار والتمسوا من فضل سيدهم توفيقاً يبلغهم، فإن استطعتم أيها المرتحلون عن قريبٍ أن تأخذوا ببعض هيئتهم فإنهم قومٌ ملأت الآخرة قلوبهم، فلم تجد الدنيا فيها مكيداً؛ فالحزن بثهم، والدموع راحتهم، والإشفاق سبيلهم، وحسن الظن بالله قربانهم، يحزنون لطول المكث في الدنيا، إذا فرح أهلها فهم مسجونون، وإلى الآخرة متطلعون؛ قال: فما سمعت موعظةً كانت أخف لقلبي منها.
حدث محمد بن المبارك، بسنده إلى عبد الواحد بن زيد، قال:
نزلنا على راهبٍ بعبادان فأحسن قرانا، فلما هدأت العيون وثب فأخرج مصباحاً فعلقه تجاه القبلة، ثم قام يبكي وينادي: سيدي لك ترهب المترهبون، وإليك أخلص المبتهلون، رهبةً منك ورجاءً لعفوك فيا إله الحق ارحم دعاء المستصرخين، واعف عن جرائم الغافلين، وزد في إحسان المنيبين يوم الوفود عليك، رحمتك يا كريم؛ فلم يزل كذلك حتى أصبح.
وحدث محمد بن المبارك، بسنده إلى يزيد الحميري، قال: ما لقيني حسان الزاهد قط إلا قال لي: يا يزيد احذر لا تطفئ المصباح من بيتك فيدخل عليك اللصوص فيحزنوك؛ قلت ليزيد: ما أراد بذلك حسان؟ قال: أراد أن لا تخل قلبك من ذكر الله فيدخل عليك الشيطان فيفسد عليك أمر دينك.(23/207)
محمد بن المتوكل أبي السري
ابن عبد الرحمن بن حسان أبو عبد الله العسقلاني، مولى بني هاشم حدث عن سفيان بن عيينة بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع رأسه في حجر إحدانا وهي حائضٌ ثم يقرأ القرآن.
قال محمد بن أبي السري: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت يا رسول الله، استغفر لي؛ فقلت: يا رسول الله، إن ابن عيينة حدثنا عن أبي الزبير عن جابر، أنك ما سئلت شيئاً قط فقلت: لا؛ فتبسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستغفر لي.
قال محمد بن المتوكل العسقلاني: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقلت له: يا رسول الله: إن سفيان بن عيينة حدثني عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنك كنت ترفع يديك إذا افتتحت الصلاة، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع؛ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق سفيان، صدق الزهري، صدق سالم، صدق ابن عمر، هكذا كنت أصلي ".
قال محمد بن أبي السري: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فدنوت منه، فقلت: يا نبي الله، كيف تقرأ هذا الحرف " والعنهم لعناً كبيراً " فسكت عني، فقلت يا رسول الله، حدثنا ابن عيينة عن ابن المنكدر، عن جابر، أنك ما سئلت شيئاً قط فقلت: لا؛ قال: " والعنهم لعناً كبيراً كبيراً " وفي حديثٍ آخر بمعناه قال: كثيراً كثيراً كثيراً.
توفي محمد بن المتوكل سنة ثمانٍ وثلاثين ومئتين.(23/208)
محمد بن المحسن بن الحسين بن الحسن
ابن عبد الرحمن بن مروان أبو عبد الله الأزدي الأذني نزيل مصر.
حدث عن أبي الحارث أحمد بن محمد بن عمارة بن أحمد بن أبي الخطاب، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟ " قلت: بلى يا رسول الله؛ قال: " فلا تفعل، نم وقم وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً، وبحسبك أن تصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيامٍ، فإن بكل حسنةٍ عشر أمثالها فإذا ذلك صيام الدهر كله فشددت فشدد علي " فقلت: يا رسول الله إني أجد قوةً؛ قال: " فصم صيام نبي الله داود، ولا تزد عليه " قلت: وما كان صيام نبي الله داود؟ قال: " نصف الدهر ".
محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق
ابن محمد بن عثمان بن أحمد أبو الحسن ابن الزعفراني الجلاب الفقيه الشافعي حدث عن أبي طاهر جعفر بن محمد بن الفضل القرشي، بسنده إلى عبد الله، قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل يفتح أبواب السماء الدنيا ثم يبسط يده؛ ألا عبدٌ يسألني فأعطيه، فلا يزال كذلك حتى يسطع الفجر ".
ولد أبو الحسن بن مرزوق سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، وتوفي سنة سبع عشرة وخمس مئة.(23/209)
محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص
أخو عبد الملك.
له غزواتٌ كثيرة كان محمد بن مروان قوياً في بدنه، شديد البأس؛ فكان عبد الملك يحسده على ذلك وعلى أشياء كان يراها منه، وكان يدابره ويساتره حتى قتل مصعب بن الزبير وانتظمت له الأمور فجعل يبدي الشيء بعد الشيء ما في نفسه، ويقابله بما يكره من القول ويبلغه عنه أكثر من ذلك؛ فلما رأى محمد ما أظهر له عبد الملك تهيأ للرحيل إلى أرمينية، وأصلح شأنه وجهازه ورحلت إبله حتى إذا استقلت للمسير دخل على عبد الملك مودعاً؛ فلما خاطبه قال عبد الملك: وما السبب في ذلك؟ وما الذي بعثك عليه؟ فأنشأ يقول: من الوافر
وإنك لا ترى طرداً لحر ... كإلصاقٍ به بعض الهوان
فلو كنا بمنزلةٍ جميعاً ... حرنت وأنت مضطرب العنان
فقال له عبد الملك: أقسمت عليك إلا ما أقمت، فوالله لا رأيت مكروهاً بعدها، فأقام.
توفي محمد بن مروان سنة إحدى ومئة.
محمد بن مروان بن عثمان
أبو عبد الله القرشي البيروتي حدث عن أبي مسهر، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابغوا لي الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ".
وحدث عنه، بسنده إلى عبد الله بن حوالة الأزدي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: " ستجندون أجناداً، فجندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق " فقال: خر لي يا رسول الله؛ قال: " عليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله ".(23/210)
وحدث عنه، بسنده إلى عمر بن الخطاب، قال: ويل ديان من في الأرض من ديان من في السماء يوم يلقونه، إلا من أم العدل وقضى بالحق ولم يقض على هوىً، ولا على قرابةٍ، ولا على رغبٍ، ولا على رهبٍ، وجعل كتاب الله مرآةً بين عينيه.
توفي سنة ثلاثٍ وسبعين ومئتين.
محمد بن مروان الدمشقي
كان محمد بن مروان الدمشقي ينشد: من الوافر
لمحبرةٌ تجالسني نهاري ... أحب إلي من أنس الصديق
ورزمة كاغدٍ في البيت عندي ... أحب إلي من عدل الدقيق
ولطمة عالمٍ في الخد مني ... ألذ إلي من شرب الرحيق
محمد بن مسروق بن معدان
ابن المرزبان بن النعمان ابن زيد بن شرحبيل بن يزيد بن امرئ القيس بن عمرو بن حجر آكل المرار أبو عبد الرحمن الكندي الكوفي قاضي مصر، كان على مذهب أبي حنيفة.
حدث محمد بن مسروق عن إسحاق بن الفرات الكندي، بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرد اليمين على طالب الحق.
خوصم هاشم بن خديج إلى محمد بن مسروق، فقال له ابن مسروق: إنما أنت من(23/211)
السكون ولست من الملوك؛ فقال هاشم: ليس لهذا حضرنا، والله لا حضرت لك مجلساً أبداً، ومن تظلم إليك مني فأعده علي واقض له في مالي بما يدعيه.
وكان محمد بن مسروق متكبراً شدد في الحكم وأعدى على العمال، وأنصف منهم؛ ولما قدم مصر اتخذ قوماً من أهلها للشهادة، وسمهم بها، وأوقف سائر الناس، فوثبوا به ووثب بهم، وشتموه وشتمهم، وكانت منه هناتٌ إلى أشرافهم، إلى هاشم بن خديج وحوي بن حوي وغيرهما، وأرسل إليه الأمير عبد الله بن المسيب فأمره بحضور مجلسه، فقال لرسوله: لو كنت تقدمت إليه في هذا لفعلت به وفعلت كذا وكذا، فانقطع ذلك عن القضاة بعده ولحق جماعة البلد منه استخفافٌ، وعزل عن القضاء سنة خمسٍ وثمانين ومئة.
قال الحارث بن مسكر: كان ها هنا قاضٍ يذل الجبارين فما فضحه إلا ابنه، يعني محمد بن مسروق، وذلك أن محمداً كان لا يتعلق بشيءٍ حتى قدم ابنه فكان يأتي إلى من عنده مالٌ من الودائع فيقول: أعطنيه؛ حتى أتجر فيه وآخذ الفضل؛ قال: فتلف على يديه شيءٌ كثيرٌ.
قالوا: وكانت أموال اليتامى والأوقاف ترد إلى بيت المال منذ زمن المنصور إلى أيام الرشيد؛ فلما ولي محمد بن مسروق تحامل على أهل مصر فأساؤوا عليه النبأ والذكر، وأشاعوا عنه أنه عزم على حمل ما في بيت المال من هذه الأموال إلى هارون، وقام أبو إسحاق الحوفي فنادى في المسجد الجامع ودعا على محمد بن مسروق، فأحضره ابن مسروق وناله بمكروهٍ فزاد مقت أهل مصر لابن مسروق.
ولما أكثر أهل المسجد في ذم محمد بن مسروق وقف على باب المنصورة ونادى بأعلى صوته: أين أصحاب الأكسية العسلية؟ أين بنو البغايا؟ لم لا يتكلم متكلمهم بما شاء حتى نرى ونسمع؟ فما تكلم أحدٌ بكلمةٍ. وكان محمد بن مسروق يروح إلى الجمعة من دار أبي عون بالموقف ماشياً إلى المسجد.
خوصم وكيل السيدة إلى محمد بن مسروق فأمر بإحضاره فجلس مع خصمه متربعاً، فأمر به محمد بن مسروق فبطح وضرب عشراً.(23/212)
محمد بن مسعدة البزاز الدمشقي
حدث عن محمد بن شعيب بن سابور، بسنده إلى عبد الله بن عمر، قال: صلينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الخوف، طائفةٌ منا خلفه وطائفةٌ مواجهة العدو، فصلى بإحدى الطائفتين ركعةً ثم انصرفوا، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعةً، ثم صلى كل واحدٍ من الطائفتين ركعةً.
وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: أهللت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرةٍ في حجة الوداع.
محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي
ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن مالك بن الأوس، ويقال: ابن مسلمة بن سلمة بن خالد أبو عبد الرحمن؛ ويقال: أبو سعيد؛ ويقال: أبو عبد الله الأنصاري صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد بدراً وأحداً وغيرهما، واستخلفه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المدينة في بعض غزواته، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان على مقدمته يومئذٍ، وكان مقامه بالمدينة فاعتزل الفتنة، فلم يدخل فيها، وقدم دمشق وشهد وفاة أبي الدرداء.
حدث المسور بن مخرمة، قال: استشار عمر بن الخطاب في إملاص المرأة يعني الحامل تضرب بطنها فتسقط، فقام المغيرة بن شعبة فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى فيه بغرة عبدٍ أو أمةٍ، فقال عمر: ائتني بمن يعهد معك؛ قال عبد الرحمن: فشهد معه محمد بن مسلمة.(23/213)
وفي روايةٍ: استفتى عمر بن الخطاب أناساً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في امرأةٍ ضربت فألقت جنينها؛ الحديث. وفي روايةٍ: قضى فيه بالغرة عبدٍ أو وليدةٍ؛ وفي روايةٍ: فأنفذه عمر؛ وفي روايةٍ: أن عمر سأل الناس: أيكم سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في السقط؟ فقلا المغيرة؛ الحديث.
حدث محمد بن مسلمة قال: مررت فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعٌ يده على يد رجلٍ؛ وفي روايةٍ " على الصفا واضعاً خده على خد رجلٍ، فذهبت إليه، فقال: " يا محمد ما منعك أن تسلم؟ " فقلت: يا رسول الله، رأيتك فعلت بهذا الرجل شيئاً لم تفعله مع أحدٍ من الناس، فكرهت أن أقطع عليك حديثك، فمن كان يا رسول الله؟ قال: " كان جبريل، وقد قال لي: هذا محمد بن مسلمة لم يسلم، أما إنه لو سلم رددنا عليه السلام " قال: فما قال لك يا رسول الله: قال: " لم يزل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه يأمرني فأورثه ".
حدث رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء أنه مرض فكان يمرضه محمد بن مسلمة، فكثر عواد أبي الدرداء فحول إلى كنيسةٍ فأغمي على أبي الدرداء، فقام الناس عنه وقام محمد بن مسلمة حتى بقي في أهله، فجعلوا يبكون عليه، فأفاق أبو الدرداء، فقال: لا يكون من أمري شيءٌ إلا أشهدتموه محمد بن مسلمة، ثم بعث إليه فأتاه فقال: أسندني صدرك؛ قال: فأسنده، ثم قال: افتحوا الأبواب، قال: وعليها كثرة الناس، فدخلوا على أبي الدرداء فأقبل محمد بن مسلمة يجلسهم، فقال أبو الدرداء: إنه لم يكن يمنعني أن أحدثكم إلا أن تسترسلوا أني أبشركم أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة.
وأم محمد بن مسلمة أم سهيم خليدة بنت أبي عبيد بن وهب بن لوذان بن ساعدة وكان آدم طوالاً معتدلاً أصلع، توفي سنة اثنتين وأربعين، أو ثلاثٍ وأربعين، أو(23/214)
ست وأربعين، وهو يومئذٍ ابن تسعٍ وسبعين سنة وقيل: قتل.
وأسلم محمد بن مسلمة بالمدينة على يدي مصعب بن عمير قبل إسلام أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ، وآخى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين محمد بن مسلمة وأبي عبيدة بن الجراح، وقيل: آخى بينه وبين سعد بن أبي وقاص، وشهد المشاهد كلها ما خلا تبوكاً، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استخلفه على المدينة حين خرج إلى تبوك، وكان محمد فيمن قتل كعب بن الأشرف، وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى القرظاء وهي من بني أبي بكر بن كلاب، سريةً في ثلاثين راكباً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه، فسلم وغنم، وبعثه أيضاً إلى ذي القصة سريةً في عشرة نفرٍ.
حدث جابر بن عبد الله أن محمداً وأبا عبس بن جبير وعباد بن بشر قتلوا كعب بن الأشرف؛ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نظر إليهم: " أفلحت الوجوه ".
وعن أبي بردة، قال: مررنا بالربذة فإذا فسطاط محمد بن مسلمة، فقلت: لو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا محمد بن مسلمة ستكون فرقةٌ وفتنةٌ واختلافٌ فاكسر سيفك، واقطع وترك، واجلس في بيتك " ففعلت الذي أمرني به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن حذيفة، قال: إني لأعرف رجلاً لا تضره الفتنة، فأتينا المدينة فإذا فسطاط مضروبٌ وإذا هو محمد بن مسلمة فسألناه فقال: لا يشتمل علي شيءٌ من أمصارهم حتى ينجلي الأمر عما انجلى؛ قالوا: ومات حذيفة بعد عثمان بأربعين يوماً.(23/215)
وشهد محمد بن مسلمة فتح مصر، وكان فيمن طلع للحصن مع الزبير بن العوام، وأحيط بمصر، ورجع إلى المدينة وقدم مصر مرةً أخرى رسولاً من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص في المقاسمة لما قاسم عمر العمال ما في أيدي العمال، وكان محمد بن مسلمة أوسياً، وقال عروة: كان أشهلياً.
حدث المقداد قال: لما تصافينا للقتال جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت راية مصعب بن عمير، فلما قتل أصحاب اللواء هزم المشركون الهزيمة الأولى وأغار المسلمون على عسكرهم، فانتهبوا، ثم كروا على المسلمين فأتوا من خلفهم فتفرق الناس، ونادى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أصحاب الألوية فأخذ اللواء مصعب بن عمير، ثم قتل وأخذ راية الخزرج سعد بن عبادة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائمٌ تحتها وأصحابه محدقون به، ودفع لواء المهاجرين إلى أبي الدوم العبدري آخر النهار؛ ونظرت إلى لواء الأوس مع أسيد بن حضير فناوشهم ساعةً واقتتلوا على الاختلاط من الصفوف، ونادى المشركون بشعارهم: يا للعزى يا لهبل، فأوجعوا فينا قتلاً ذريعاً، ونالوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما نالوا، لا والذي بعثه بالحق إن رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زال شبراً واحداً، إنه لقي وجه العدو يثوب إليه طائفةٌ من أصحابه مرةً ويتفرق عنه مرةً، فربما رأيته قائماً يرمي عن قوسه أو يرمي بالحجر حتى تحاجزوا، وثبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هو في عصابةٍ صبروا معه، أربعة عشر رجلاً، سبعةٌ من المهاجرين وسبعةٌ من الأنصار؛ أبو بكر، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة بن الجراح، والزبير بن العوام؛ ومن الأنصار الحباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وأسيد بن الحضير، وسعد بن معاذ، ويقال: ثبت سعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة فيجعلونهما مكان أسيد بن حضير وسعد بن معاذ.
قال جابر بن عبد الله: خرج مرحب بن الحارث اليهودي من حصنهم، وهو يقول: من الرجز
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاك السلاح بطلٌ مجرب(23/216)
أطعن أحياناً وحيناً أضرب ... إذا الليوث أقبلت تلهب
وأحجمت عن صولة المجرب ... كان حماي الحمى لا تقرب
هل من مبارز؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لهذا؟ " قال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله، أنا الموتور الثائر، قتلوا أخي بالأمس، فقال: " قم إليه، اللهم أعنه " فلما دنا أحدهما من صاحبه عرضت بينهما شجرةٌ عظيمةٌ عمريةٌ من شجر العشر، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، كلما لاذ بها منه اقتطع بسيفه ما دونه، حتى برز كل واحدٍ منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فننٌ، ثم حمل مرحبٌ على محمد فضربه فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه فيها فعضت به فأمسكته، فضربه محمد حتى قتله.
ولما رأت اليهود ما لقي أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القتل يوم أحدٍ والبلاء شمتوا بهم، فأما بنو النضير فأظهروا العداوة لله ولرسوله، وأما قريظة فتمسكوا بالحلف على غش أنفسهم وعداوةٍ لله ولرسوله، فركب كعب بن الأشرف في ستين راكباً من بني النضير إلى قريشٍ من مكة، فقال لهم أبو سفيان: ما جاء بكم؟ قال كعب: أتيناك لنحالفك على قتلا هذا الرجل، وعلى عداوته؛ قال أبو سفيان: مرحباً بكم وأهلاً، أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة هذا الرجل وقتاله؛ قال له كعب: فأخرج ستين رجلاً من بطون قريش كلها وأنتم فيهم يا أبا سفيان فلندخل نحن وأنتم بين أستار الكعبة فلنلصق أكبادنا بها ثم لنحلف بالله جميعاً أن لا يخذل بعضنا بعضاً، ولتكون كلمتنا واحدةً على هذا الرجل وأصحابه ما بقي منا ومنهم رجلٌ؛ ففعلوا ذلك وتحالفوا؛ فرجع كعبٌ على قتال محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة فواعده أبو سفيان أن يأتيه العام المقبل، فلما قدم كعبٌ وأصحابه إلى المدينة نزل جبريل عليه السلام على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بخبر كعبٍ وأبي سفيان والذي صنعوا، وأمر جبريل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل كعبٍ، فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني عبد الأشهل وهم حي من الأنصار من الأوس حلفاء النضير، فقال: " يا معشر بني(23/217)
عبد الأشهل ألا ترون إلى حليفكم ما صنع " قالوا: وما صنع يا رسول الله؟ فأخبرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر فقال: " اكفونيه يا بني عبد الأشهل، فإن الله عز وجل قد أمرني بقتله فاقتلوه " قالوا: يا رسول الله نفعل ونطيع أمرك، فإن فيهم أخاه من الرضاعة ومولاه في الحلف دوننا محمد بن مسلمة وهو لهم غير متهم؛ ففعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، فانطلق خمسة رهطٍ: ثلاثةٌ من بني عبد الأشهل أحدهم عمرو بن معاذ أخو سعد بن معاذ، ومن بني حارثة بن الحارث رجلان محمد بن مسلمة وأبو عبس بن جبر، قالوا: يا رسول الله ائذن لنا فلننل منك عند الرجل؛ فأذن لهم، فانطلقوا ليلاً وقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصلاة فأتوا كعباً وقد أخذ مضجعه فنادوه: يا أبا الأشرف، فسمع كعبٌ الصوت فوثب وأخذت امرأته بجانب ثوبه فقالت: إني لأرى حمرة الدم من هذا الصوت قبل أن يكون، إنه لصوتٌ مريبٌ؛ وأمر محمد بن مسلمة أصحابه فاختبأوا، فضرب كعبٌ يد امرأته فأرسلته، وقال لها: لو دعي ابن حرةٍ لطعنةٍ بليلٍ أجاب؛ فأشرف فنظر فقال: من هذا؟ فقال: أخوك محمد بن مسلمة؛ قال لامرأته: لا تخافي هو أخي محمد بن مسلمة فقال كعب ورحب به: ما حاجتك يا أخي؟ قال: أخذنا هذا الرجل بالصدقة ولا نجد ما نأكل فجئت لتقرضني وسقاً من تمرٍ وأرهنك به رهناً إلى أن يدرك ثمرنا؛ فضحك كعبٌ وقال: أم والله إن كنت لأعلم أن أمرك وأمر أصحابه سيصير إلى ما أرى، وما كنت أحب أن أراه، ولقد كنت تعلم يا محمد أنك كنت من أكرم أهل البلد علي وأحبهم إلي، ولقد كان الذي كان من أمرك وما على الأرض شيءٌ كنت أمنعكه، فأما إذ فعلت الذي فعلت فلست مصيباً عندي خيراً أبداً، ما دمت على الذي أنت عليه، ولقد علمت أنك لن تصيب من هذا الرجل أبداً إلا شراً فأتني برهنٍ وثيقٍ؛ قال: فخذ من أي تمرٍ شئت؛ قال: عندي عجوةٌ يغيب فيها الضرس؛ قال: أي الرهن تريد يا أبا الأشرف؟ قال: تأتيني بامرأتك قال: لم أكن لأرهنك امرأتي وأنت أشب أهل المدينة وأحسنهم وجهاً وأطيبهم ريحاً وأكرمهم حسباً، فتدركني الغيرة، ولكن غير هذا؛ قال: فارهني ابنك قال محمد: إني لأستحيي أن أعير بذلك، أني رهنت ابني بوسقٍ من تمر، ولكن أرهنك درعي الفلانية؛ قال: أين هي؟ قال: هي هذه انزل فخذها؛ فنزل؛ وكان محمد قال لأصحابه: لا يأتي منكم أحدٌ حتى أؤذنه؛ فنزل كعب(23/218)
فاعتنقه محمد وقال: لا إله إلا الله؛ فأقبلوا يسعون بأسيافهم، ومحمدٌ آخذٌ شعره فضربوه بأسيافهم فقتلوه، فصاح عدو الله عند أول ضربةٍ صيحةً فسمعتها امرأته فصاحت فأسمعت اليهود فتصايح اليهود وأخطأ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل عمرو بن معاذ فقطعوها؛ فألقى إليهم السيف وقال: لا أحبسكم أقرؤوا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني السلام؛ قالوا: لا والله لننطلقن جميعاً أو لنموتن جميعاً؛ فاحتملوا صاحبهم فأسرعوا به فاجتمع اليهود إلى امرأة كعبٍ فأخبرتهم حيث توجهوا، وطلبهم أعداء الله وأخطأوا
الطريق، وانطلق أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصوت وهو يصلي فكبر، وعلم أن أصحابه قد أفلحوا وأنجحوا، فأتوا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه الخبر. الطريق، وانطلق أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصوت وهو يصلي فكبر، وعلم أن أصحابه قد أفلحوا وأنجحوا، فأتوا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه الخبر.
وفي آخر بمعناه: أنه نزل وتحث معهم ساعةً ثم قالوا: هل لك يا بن الأشرف إلى أن تماشينا إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه؟ فقال: إن شئتم؛ فخرجوا يتماشون ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأس كعبٍ ثم شم يده فقال: ما رأيت كالليلة طيب عطرٍ قط، ثم مشى ساعةً وعاد لمثلها حتى اطمأن كعبٌ، ثم مشى ساعةً فعاد لمثلها أبو نائلة فأخذ بفودي رأسه ثم قال: اضربوا عدو الله؛ فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئاً؛ قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولاً في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئاً فأخذته وقد صاح عدو الله كعبٌ صيحةً لم يبق حولنا حصنٌ إلا أوقدت عليه نارٌ، فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت غايته، ووقع عدو الله؛ الحديث.
قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين البصري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غدراً ومحمد بن مسلمة جالسٌ شيخٌ كبيرٌ فقال: يا مروان أيغدر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندك، والله ما قتلناه إلا بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله لا يؤويني وإياك سقف بيتٍ إلا المسجد، وأما أنت يا بن يامين فلله علي إن أفلت،(23/219)
فلا قدرت عليك وفي يدي سيفٌ إلا ضربت به رأسك؛ فكان ابن يامين لا ينزل من بني قريظة حتى يبعث رسولاً ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته ثم صدر، وإلا لم ينزل؛ فبينا محمد بن مسلمة في جنازةٍ وابن يامين في البقيع فرأى محمد نعشاً عليه جرائد رطبةٌ لامرأةٍ، جاء فحله فقام إليه الناس فقالوا: يا أبا عبد الرحمن ما تصنع؟ نحن نكفيك؛ فقام إليه فلم يزل يضربه بها جريدةً جريدةً حتى كسر ذلك الجريد على وجهه ورأسه حتى لم يترك فيه مصحاً، ثم أرسله ولا طباخ به، ثم قال: والله لو قدرت على السيف لضربتك به.
وعن محمد بن مسلمة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثاً.
وعن أبي حدر الأسلمي، قال: قدمت المدينة في خلافة عمر بن الخطاب فأردت الحج، فلما أتيت ملل قلت: اللهم قيض لي رجلاً من أصحاب نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صالحاً، كان نبيك يحبه وكان يحب نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا أنا بغلامٍ أسود على حمارٍ يقود ناقةً خلفها شيخٌ على حمارة، فقلت للأسود: يا غلام، من هذا الشيخ؟ قال: محمد بن مسلمة الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فرافقت خير رفيقٍ ونازلت خير نزيلٍ.
وعن موسى بن أبي عيسى، قال: أتى عمر بن الخطاب مشربة بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال عمر: كيف تراني يا محمد؟ فقال: أراك والله كما أحب وكما يحب من يحب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال، عفيفاً عنه، عدلاً في قسمه، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف؛ فقال عمر: هاه؛ فقال: لو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف؛ فقال عمر: الحمد لله الذي جعلني في قومٍ إذا ملت عدلوني.(23/220)
وعن محمد بن مسلمة، قال:
توجهت إلى المسجد فرأيت رجلاً من قريش عليه حلةٌ، قلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين؛ قال: فجاوزت فرأيت رجلاً من قريش عليه حلة فقلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين، قال: فدخل المسجد فرفع صوته بالتكبير فقال: الله أكبر، صدق الله ورسوله، الله أكبر صدق الله ورسوله، قال: فسمع عمر صوته فبعث إليه أن ائتني؛ فقال: حتى أصلي ركعتين؛ قال: فرد عليه الرسول يعزم عليه لما جاء؛ فقال محمد بن مسلمة: وأنا أعزم على نفسي أن لا آتيه حتى أصلي ركعتين؛ ودخل في الصلاة، وجاء عمر فقعد إلى جنبه، فلما قضى صلاته قال: شيءٌ أردت أن تخبرني عنه؛ قال: أو غير ذلك تسألني، فإن شئت أن أخبرك أخبرتك وإلا لم أخبرك؛ قال: وذاك أخبرني عن رفعك صوتك في مصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتكبير، وقولك: صدق الله ورسوله ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين أقبلت أريد المسجد فاستقبلني فلان بن فلان القرشي، عليه حلة قلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين، فجاوزت فاستقبلني فلان بن فلان الأنصاري عليه حلة دون الحلتين فقلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين؛ إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنكم سترون بعدي أثرةً " وإني لم أكن أحب أن يكون على يديك يا أمير المؤمنين؛ قال: فبكى عمر، ثم قال: أستغفر الله، والله لا أعود؛ فما رؤي بعد ذلك اليوم فضل رجلاً من قريش على رجلٍ من الأنصار.
بعث عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة إلى عمرو بن العاص وكتب إليه: أما بعد، فإنكم معاشر العمال قعدتم على عيون الأموال فجنيتم الحرام، وأكلتم الحرام، وأوكيتم الحرام، وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك، فأحضره مالك والسلام؛ فلما قدم محمد بن مسلمة أهدى إليه عمرو بن العاص هديةً فردها، فغضب عمرٌو وقال: يا محمد رددت هديتي فقد أهديت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمي من ذات السلاسل فقبل؛ فقال له(23/221)
محمد: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبل بالوحي ما شاء ويمنع ما شاء، ولو كانت هدية الأخ لأخيه لقبلتها ولكنها هدية إمام شر من خلفها؛ فقال عمرو: قبح الله يوماً صرت فيه لعمر بن الخطاب والياً، والله لقد رأيت العاص بن وائل يلبس الديباج المزرر بالذهب وإن الخطاب ليحمل الحطب بمكة على حماره؛ فقال له محمد بن مسلمة: أبوه وأبوك في النار، وعمر خيرٌ منك ولولا اليوم الذي أصبحت تذم لألفيت معتقلاً عنزاً يسوؤك غزرها ويسوؤك بكؤها؛ فقال عمرو: هي فلتة المغضب وهي عندك أمانة؛ ثم أحضره ماله فقاسمه.
بلغ عمر بن الخطاب أن سعداً اتخذ قصراً وجعل عليه باباً وقال: انقطع الصويت؛ فأرسل عمر محمد بن مسلمة، وكان عمر إذا أحب أن يؤتى بالأمر كما يريد بعثه، فقال له: إيت سعداً فأحرق عليه بابه؛ فقدم الكوفة، فلما أتى الباب أخرج زنده فاستورى ناراً ثم أحرق الباب فأتي سعدٌ فأخبره به ووصفت له صفته، فعرفه، فخرج إليه سعد فقال محمد: إنه بلغ أمير المؤمنين عنك أنك قلت: انقطع الصويت؛ فحلف سعدٌ بالله أنه ما قال ذلك، فقال محمد: نقصد الذي أمرنا ونؤدي عنك ما تقول؛ ثم ركب راحلته، فلما كان ببطن الرمة أصابه من الخمص والجوع ما الله به أعلم، فأبصر غنماً فأرسل غلامه بعمامته فقال: اذهب فابتغ بها شاةً؛ فجاء الغلام بشاةٍ وهو يصلي، فأراد ذبحها فأشار إليه أن يكف؛ فلما قضى صلاته قال: اذهب فإن كانت مملوكةً مسنمة فاردد الشاة وخذ العمامة، وإن كانت حرةً فاردد الشاة؛ فذهب فإذا هي مملوكة، فرد الشاة وأخذ العمامة، وأخذ بخطام راحلته أو زمامها لا يمر ببقلةٍ إلا حطمها حتى آواه الليل إلى قومٍ فأتوه بخبزٍ ولبنٍ وقالوا: لو كان عندنا شيءٌ أفضل من هذا أتيناك به؛ فقال: بسم الله كل حلالٍ أذهب السغب خيرٌ من مأكل السوء؛ حتى قدم المدينة، فبدأ بأهله(23/222)
فابترد من الماء ثم راح، فلما أبصره عمر قال: لولا حسن الظن بك ما رأينا أنك أديت؛ فذكر أنه أسرع السير، وقال: قد فعلت وهو يعتذر ويحلف بالله ما قال ذلك؛ فقال عمر: فهل أمر لك بشيءٍ؟ قال: قد رأيت مكاناً أن يأمر لي؛ قال ابن عيينة: أبى أن يأخذ منه؛ قال عمر: إن أرض الله العراق أرض رفيقةٌ وإن أهل المدينة يموتون حولي من الجوع، فخشيت إن أمر لك فتكون لك النار دون الجار؛ أما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يشبع المؤمن دون جاره " أو قال: " الرجل دون جاره ".
وفي آخر بمعناه:
فقال: هلا قبلت من سعد؟ فقال: لو أردت ذلك كتبت لي به وأذنت لي فيه؛ فقال عمر: إن أكمل الرجال رأياً من إذا لم يكن عنده عهدٌ من صاحبه أن يعمل بالحزم أو يقول به ولا يتكل عليه؛ وأخبره بيمين سعد وقوله فصدق سعداً وقال: هو أصدق ممن روى عنه وممن أبلغني.
قال جابر بن عبد الله: بعثنا عثمان بن عفان في خمسين راكباً أميرنا محمد بن مسلمة الأنصاري فتكلم الذين جاؤوا من مصر، فاستقبلنا رجلٌ منهم في يده مصحف متقدٌ سيفاً تذرف عيناه فقال: ها إن هذا يأمرنا أن نضرب بهذا على ما في هذا فقال محمد بن مسلمة: اسكت فنحن ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، أو قبل أن تولد.
قال محمد بن مسلمة: أعطاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفاً فقال: " يا محمد بن مسلمة جاهد بهذا السيف في سبيل الله حتى إذا رأيت من المسلمين فئتين يقتتلان فاضرب به الحجر حتى تكسره، ثم كف لسانك ويدك حتى تأتيك منيةٌ قاضية أو يدٌ خاطئة " فلما قتل عثمان وكان من أمر الناس ما كان خرج إلى صخرةٍ في فنائه فضرب الصخرة بسيفه حتى كسره.(23/223)
وفي حديثٍ بمعناه: وكان محمد بن مسلمة يقال له: حارس نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: فاتخذ سيفاً من عود قد نحته وصيره في الجفن معلقاً في البيت؛ وقال: إنما علقته أهيب به ذاعراً.
وعن حذيفة، قال: ما من أحدٍ إلا أنا أخاف عليه الفتنة إلا ما كان من محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تضره الفتنة ".
وعن محمد بن مسلمة أنه قال: يا رسول الله كيف أصنع إذا اختلف المصلون؟ قال: " تخرج بسيفك إلى الحرة فتضربها به ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يدٌ خاطئة ".
وعن الحسن أن علياً بعث إلى محمد بن مسلمة فجيء به فقال: ما خلفك عن هذا الأمر؟ قال: دفع إلي ابن عمك يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفاً فقال: " قاتل به ما قوتل العدو، فإذا رأيت الناس يقتل بعضهم بعضاً فاعمد به إلى صخرةٍ فاضربه بها، ثم الزمن بيتك حتى تأتيك منية قاضيةً أو يدٌ خاطئة " قال: خلوا عنه.
وعن جابر بن عبد الله، قال: قدم معاوية ومعه أهل الشام فبلغ رجلاً شقياً من أهل الأردن صنيع محمد بن مسلمة جلوسه عن علي ومعاوية، فاقتحم عليه المنزل فقتله؛ قال: وأرسل معاوية إلى كعبٍ؛ ما تقول في محمد بن مسلمة؟ يعني كعب بن مالك.
محمد بن مسلمة بن عبد الملك
ابن مروان ابن الحكم القرشي الأموي كان من أجمل الناس وأشجعهم، وشهد مع مروان بن محمد يوم التقى مع عبد الله بن(23/224)
علي بن عبد الله بن عباس، وكان صديقاً له فأمنه عبد الله، فلحق به، فلما رأى فعل أهل خراسان في أهل الشام حميت نفسه فقال: من المتقارب
ذل الحياة وخزي الممات ... فكلا أراه شراباً وبيلاً
فإن كان لا بد إحداهما ... فسيراً إلى الموت سيراً جميلاً
ثم لحق بمروان فقاتل معه حتى قتل؛ وقيل: محمد بن مسلمة لم يقتل يومئذٍ.
محمد بن مسلمة بن محمد بن هشام
ابن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة أبو هشام المخزومي المدني الفقيه حدث عن عمه، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سمعت جبريل يقول: قال الله عز وجل: هذا دينٌ ارتضيته لنفسي، ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق ".
وحدث محمد بن مسلمة عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القزع.
وقيل لمحمد بن مسلمة: ما أراني فلان دخل البلاد كلها إلا المدينة؟ فقال: إنه دجال من الدجاجلة؛ قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ".
قال محمد بن مسلمة المدني: كنت في غم وضر شديدٍ فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام عند الباب الذي يلي القبر، رافعاً(23/225)
يديه يقول: " يا من فلق البحر لموسى، بما فلقت به البحر لموسى نجني بما نجيت به موسى ".
قال محمد: ورأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرةً أخرى في المنام وهو يقول: " يا رب بمن أستغيث إذا لم أستغث بك فتغيثني، يا رب إلى من أتضرع إذا لم أتضرع إليك فترحمني، يا رب من أدعو إذا لم أدعوك فتستجيب لي ".
محمد بن المسلم بن الحسن بن بلال
ابن الحسن بن عبد الله بن محمد أبو طاهر الأزدي المعدل
حدث سنة إحدى وتسعين وأربع مئة عن أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي، بسنده إلى أسامة بن شريك، قال: قلنا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي العبد؟ قال: " الخلق الحسن ".
ولد أبو طاهر بن بلال سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، وتوفي سنة ثلاثٍ وتسعين وأربع مئة.
محمد بن مسلم بن السمط
ابن محمد بن السمط بن عياض بن زيد بن زادان بن مجربة أبو بكر القرشي مولاهم المعروف بابن الدلاء المعدل حدث عن محمد بن جعفر بن ملاس، بسنده إلى أم سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتى بعض أهله قنع رأسه وغمض عينيه وقال للتي تكون تحته: " عليك بالسكينة والوقار ".
توفي أبو بكر سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة.(23/226)
محمد بن مسلم بن عبيد الله
ابن عبد الله ابن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة أبو بكر القرشي الزهري أحد الأعلام من أئمة الإسلام، قدم دمشق غير مرة.
حدث الزهري عن أنس بن مالك، قال: سقط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرسٍ فجحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة، فصلى قاعداً، فصلينا قعوداً، فلما قضى الصلاة قال: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين ".
قال ابن أبي ذئب: كان ابن شهاب قد ضاقت حاله ورهقه دينٌ، فخرج إلى الشام زمن عبد الملك بن مروان، فجالس قبيصة بن ذؤيب.
قال ابن شهاب: فبينا نحن مع قبيصة ذات ليلةٍ نسمر إذ جاء رسول عبد الملك فقال: أجب أمير المؤمنين، فذهب إليه ثم رجع، فقال: من منكم يحفظ قضاء عمر في أمهات الأولاد؟ قلت: أنا؛ فأدخلني على عبد الملك بن مروان فسلمت عليه، فقال: من أنت؟ فانتسبت له؛ قال: إن كان أبوك لنعاراً في الفتن؛ قلت: يا أمير المؤمنين، عفا الله عما(23/227)
سلف؛ قال: اجلس؛ قال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم؛ قال: اقرأ من سورة كذا، ومن سورة كذا؛ فقرأت فقال لي: أتفرض؟ قلت: نعم، قال: ما تقول في امرأةٍ تركت زوجها وأبويها؟ قلت: لزوجها النصف، ولأمها السدس، ولأبيها ما بقي؛ قال: أصبت الفرض وأخطأت اللفظ، إنما لزوجها النصف ولأمها ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال، ولأبيها ما بقي؛ قال: فإن الفريضة على حالها وهو رجل ترك زوجته وأبويه؛ فقلت: لزوجته الربع ولأمه الربع ولأبيه ما بقي؛ قال: فقال لي: أصبت الفرض وأخطأت اللفظ، ليس هكذا الفرض، لزوجته الربع ولأمه ثلث ما بقي وهو الربع من رأس المال، وللأب ما بقي؛ ثم قال: هات حديثك؛ قلت: حدثني سعيد بن المسيب: أن فتىً من الأنصار كان لزم عمر بن الخطاب، وكان به معجباً وأنه فقده، فقال: ما لي لا أرى فلاناً؛ فأرسل إليه فجاءه، فإذا هو بذ الهيئة، قال: ما لي أراك هكذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن أخوي خيروني بين أمي وبين ميراثي من أبي، فاخترت أمي، ولم أكن لأخرجها على رؤوس الناس، فأخذتها بجميع ميراثي من أبي؛ قال: فخرج عمر مغضباً حتى رقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، أيها الناس، فأي امرئٍ وطئ امرأةً فولدت منه، فله أن يستمتع منها ما عاش، فإذا مات فهي حرةٌ؛ فقال عبد الملك: هكذا حدثني سعيد بن المسيب؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، اقض ديني؛ قال: قد قضى الله دينك؛ قلت: ويفرض لي أمير المؤمنين؛ قال: لا والله ما نجمعهما لأحدٍ؛ قال: فخرجت فتجهزت حتى قدمت المدينة، فجئت سعيد بن المسيب في المسجد، فجئت لأسلم عليه، فدفع في صدري وقال: انصرف؛ وأبى أن يسلم علي، فخشيت أن يتكلم بشيء يعيبني به فيرويه من حضره. فتنحيت ناحيةً إلى أن قام فصلى أربع ركعاتٍ وانصرف، ومعه ناسٌ من أصحابه، فلما خلا وبقي وحده قلت: ما ذنبي؟ أنا ابن أخيك، واعتذرت إليه، وما يكلمني، حتى بلغ منزله، واستفتح ففتح له فأدخل رجله ثم التفت إلي فقال: أنت الذي ذهبت بحديثي إلى بني مروان؟.(23/228)
وفي حديثٍ بمعناه:
فذكر أن عمر بن الخطاب أمر بأمهات الأولاد أن يقمن في أموال أبنائهن بقيمة عدل، ثم يعتقن فمكث بذلك صدراً من خلافته، ثم توفي رجلٌ من قريش، كان له ابنٌ من أم ولد، قد كان عمر يعجب بذلك الغلام، فمر ذلك الغلام على عمر في المسجد بعد وفاة أبيه بليالٍ، فقال له عمر: ما فعلت يا بن أخي في أمك؟ قال: فعلت خيراً، خيروني بين أن يسترقوا أمي أو يخرجوني من ميراثي من أبي، فكان ميراثي من أبي أهون علي من أن تسترق أمي؛ فقال عمر: أولست إنما أمرت في ذلك بقيمة عدلٍ؟ ما أرى رأياً ولا آمر بأمرٍ إلا قلتم فيه؟ ثم قام إلى المنبر فاجتمع الناس إليه، حتى إذا رضي من جماعتهم، قال: أيها الناس، إني كنت قد أمرت في أمهات الأولاد بأمرٍ قد علمتموه، ثم حدث لي رأيٌ غير ذلك، فأيما امرئٍ كانت عنده أم ولد يملكها بيمينه ما عاش، فإذا مات فهي حرةٌ لا سبيل لأحدٍ عليها؛ الحديث.
وفي آخره؛ قال: افرض لي فإني منقطعٌ من الديوان؛ قال: إن بلدك لبلدٌ ما فرضنا فيها لأحدٍ منذ كان هذا الأمر، ثم نظر إلى قبيصة فكأنه أومأ إليه: أن افرض له؛ فقال: قد فرض لك أمير المؤمنين؛ قال: فقلت: وصلةٌ يا أمير المؤمنين تصلنا بها، ولقد خرجت من أهلي وإن فيهم لحاجةً ما يعلمها إلا الله، ولقد عمت الحاجة أهل البلد؛ قال: قد وصلك أمير المؤمنين؛ قلت: يا أمير المؤمنين وخادمٌ يخدمنا، فإني تركت أهلي وما لهم خادمٌ إلا أختي، إنها الآن تخبز لهم وتعجن وتطحن لهم؛ قال: وقد أخدمك أمير المؤمنين؛ الحديث.
قال الزهري:
أتيت عبد الملك بن مروان فاستأذنت عليه، فلم يؤذن لي، فدخل الحاجب فقال: يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلاً شاباً أحمر زعم أنه من قريش؛ قال: صفه؛ فوصفه؛ قال: لا أعرفه إلا أن يكون من ولد مسلم بن شهاب؛ فدخل عليه فقال: هو من بني مسلم؛ فدخلت عليه فقال: من أنت؟ فانتسبت له، وقلت: إن أبي هلك وترك(23/229)
عيالاً صبية، وكان رجلاً مئناثاً لم يترك مالاً؛ فقال عبد الملك: أقرأت القرآن؟ قلت: نعم؛ قال: بإعرابه وما ينبغي فيه من وجوهه وعلله؟ قلت: نعم؛ قال: إنما فوق ذلك فضلٌ، إنما يعايا ويلغز به؛ قال: أفعلمت الفرائض؟ قلت: نعم؛ قال: الصلب والجد واختلافهما؟ قلت: أرجو أن أكون قد فعلت؛ قال: وكم دين أبيك؟ قلت: كذا وكذا؛ قال: قد قضى الله دين أبيك؛ وأمر لي بجائزةٍ ورزقٍ يجري وشراء دارٍ قطيعةً بالمدينة؛ وقال: اذهب فاطلب العلم، ولا تشاغل عنه بشيءٍ، فإني أرى لك عيناً حافظةً وقلباً ذكياً، وأت الأنصار من منازلهم؛ قال الزهري: وكنت أخذت العلم عنهم بالمدينة، فلما خرجت إليهم إذا علمٌ جم، فاتبعتهم حتى ذكرت لي امرأةٌ نحو قباء تروي رؤيا فأتيتها، فقلت: أخبريني برؤياك؛ فقالت: كان لي ولدان واحد حين حبا، وآخر يتبعه، وهلك أبوهما وترك لي ماهناً وداجناً ونخلاتٍ، فكان الداجن نشرب لبنها ونأكل ثمر النخلات فإني لبين النائمة واليقظانة، ولنا جديٌ، فرأيت كأن ابني الأكبر قد جاء إلى شفرةٍ لنا فأحدها، وقال: يا أمه قد أضرت بنا وحبست اللبن عنا، فأخذ الشفرة وقام إلى ولد الداجن فذبحه بتلك الشفرة، ثم نصب قدراً لنا، ثم قطعه ووضعه فيها، ثم قام إلى أخيه فذبحه بتلك الشفرة، وانتبهت مذعورةً، فإذا ابني الأكبر قد جاء فقال: يا أمه أين اللبن؟ فقلت: شربه ولد هذه الداجن؛ فقال: ما لنا في هذا من شيءٍ؛ وقام إلى الشفرة فأحدها ثم أمرها على حلق ولد الداجن، ثم نصب القدر؛ قالت: فلم أكلمه حتى قمت إلى ابني الصغير فاحتضنته وأتيت به بعض بيوت الجيران، فخبأته عندهم ثم أقبلت مغتمةً لما رأيت، ثم صعد على بعض تلك النخلات، فأنزل رطباً، وقال: يا أمه كلي؛ قلت: لا أريد، ثم مضى، وأتى القدر؛ فإني لمنكبةٌ على بلسنٍ عندي إذ ذهب بي النوم، فإذا أنا بآتٍ قد أتاني، فقال: مالك مغتمةً؟ فقلت: لكذا ولكذا؛ فنادى: يا رؤيا؛ فجاءت امرأةٌ شابةٌ، حسنة الوجه، طيبة الريح؛ فقال: ما أردت من هذه المرأة الصالحة؟ قالت: ما أردت منها شيئاً؛ فنادى: يا أحلام، فأقبلت امرأةٌ دونها في السن(23/230)
واللباس والطيب؛ فقال: ما أردت من هذه المرأة الصالحة؟ قالت: ما أردت منها شيئاً؛ فنادى: يا أصغاث؛ فأقبلت امرأةٌ سوداء الخلقة، وسخة الثياب، دونها، فقال: ما أردت من هذه المرأة؟ قالت: رأيتها صالحةً فأردت أن أغمها ثم انتبهت فإذا ابني قد أقبل فقال: يا أمه أين أخي؟ قلت: لا أدري حبا إلى بعض الجيران، فذهب يمشي لهو أهدى إلى موضعه حتى أخذه، وجاء به يقبله، ثم قعد فأكل وأكلت معه.
الماهن: الخادم؛ والداجن: الشاة من شياه البيوت تعلف؛ وقوله: بلسن، البلسن: بعض ما يكون في رحل القوم من المتاع الذي يتكأ عليه، وهو اسمٌ أعجميٌ؛ وقد استعمل بمعنى ما يعلى عليه من كرسي أو ما أشبهه.
قال ابن شهاب: قدمت دمشق وأنا أريد الغزو، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه، فوجدته في قبةٍ على فرشٍ تفوت القائم، والناس تحته سماطان، فسلمت وجلست، فقال: يا بن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل ابن أبي طالب؟ قلت: نعم؛ قال: هلم؛ فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة، وحول وجهه، فأحنى علي، فقال: ما كان؟ قال: فقلت: لم يرفع حجرٌ في بيت المقدس إلا وجد تحته دمٌ فقال: لم يبق أحدٌ يعلم هذا غيري وغيرك؛ قال: فلا يسمعن منك؛ قال: فما تحدثت به حتى توفي.
ولد الزهري سنة ثمانٍ وخمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة خمسين.
قال سفيان: رأيت الزهري أحمر الرأس واللحية، وفي حمرتها انكفاءٌ، كأنه يجعل فيه كتماً، وكان رجلاً أعيمش، وعليه جميمةٌ.
وقال غيره: كان قصيراً قليل اللحية، له شعيراتٌ طوال، خفيف العارضين.(23/231)
قال ابن شهاب: كنت أخدم عبيد الله بن عبد الله، حتى كنت أستقي له الماء المالح، وإن كان ليسأل الجارية: من بالباب؟ فتقول: غلامك الأعمش، تظنني غلاماً له.
ولما أخذ ابن شهاب ما عند عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من العلم، ورأى أنه قد نفضه، فلم يبق عنده من العلم شيئاً إلا حواه واستغنى عنه، انقطع عنه، فقال عبيد الله فيه: من الطويل
إذا شئت أن تلقى خليلاً مصافحاً ... لقيت وإخوان الثقات قليل
قال صالح بن كيسان: كنت أطلب العلم أنا والزهري، قال: تعال نكتب السنن، فكتبنا ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن أصحابه، فكتب، ولم أكتب، فأنجح وضيعت.
كان الزهري ينصرف من عند عروة أو الأعرج، أو بعض العلماء وقد سمع منهم، فيقول لجاريةٍ له، فيها لكنةٌ: حدثنا عروة، حدثنا الأعرج، حدثنا فلان، فإذا أكثر عليها قالت: والله ما أدري ما تقول؛ فيقول: اسكتي لكاع، فإني لست أريدك، إنما أريد نفسي.
كان ابن شهاب يقول: ما استودعت قلبي شيئاً قط فنسيته؛ وكان يكره أكل التفاح وسؤر الفأر؛ ويقول: إنه ينسي؛ قال: وكان يشرب العسل؛ ويقول: إنه يذكر.
وكان يقول: ما أكلت تفاحاً ولا أصبت شيئاً فيه خل مذ عالجت الحفظ.
كتب عبد الملك بن مروان إلى أهل المدينة يعاتبهم، فوصل في كتابه ذلك(23/232)
طومارين، فقرئ الكتاب على الناس عند المنبر، فلما فرغوا وافترق الناس اجتمع إلى سعيد بن المسيب جلساؤه، فقال لهم سعيد: ما كان في كتابهم؟ ليت أنا وجدنا من يعرف لنا ما فيه؛ فجعل الرجل من جلسائه يقول: فيه كذا، ويقول الآخر: فيه كذا؛ فكأن سعيداً لم يشتف فيما سأل عنه، فبان ذلك لابن شهاب، فقال: أتحب أن تسمع كل ما فيه؟ قال: نعم؛ قال: فأمسك، فهذه عليه هذا كأنما كان في يده يقرؤه حتى أتى عليه كله.
قال مالك بن أنس: حدثني الزهري بحديثٍ طويلٍ فلم أحفظه، فتلقاني على حمارٍ، فأخذت بلجامه فسألته عن الحديث؛ فقال: أليس قد حدثتكم به؟ قلنا: بلى؛ قال مالك: فأردت أن أستخرجه، قلت: أما كنت تكتب؟ قال: لا؛ قلت: أما كنت تستعيد؟ قال: لا؛ وفي حديث، قال: ما استعدت حديثاً قط؛ وفي حديث آخر؛ قال: فجعل عبد الرحمن بن مهدي يعجب، يقول: فذيك الطوال وتلك المغازي.
قال مالك بن أنس: حدث الزهري بمئة حديثٍ ثم التفت إلي فقال: كم حفظت يا مالك؟ قلت: أربعين حديثاً؛ قال: فوضع يده على جبهته ثم قال: إنا لله كيف نقص الحفظ.
قال ابن شهاب: لقيني سالم كاتب هشام بن عبد الملك فقال: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تكتب لولده حديثك؛ قال: فقلت له: لو سألتني عن حديثين أتبع أحدهما الآخر ما قدرت على ذلك، ولكن ابعث إلي كاتباً أو كاتبين فإنه قل يومٌ لا يأتيني قومٌ يسألوني عما لم أسأل عنه بالأمس؛ فبعث إلي كاتبين فاختلفا إلي سنةً على دينها؛ قال: ثم لقيني فقال: يا أبا بكر(23/233)
ما أرانا إلا قد أنفضناك قال: قلت: كلا، إنما كنت في عزازٍ من الأرض، الآن هبطت بطون الأودية.
سأل هشام بن عبد الملك الزهري أن يملي على بعض ولده، فدعا بكاتبٍ، فأملى عليه أربع مئة حديث، ثم خرج الزهري من عند هشام، قال: أين أنتم يا أصحاب الحديث؟ فحدثهم بتلك الأربع مئة الحديث، ثم أقام شهراً أو نحوه، ثم قال للزهري: إن ذلك الكتاب الذي أمليت علينا قد ضاع؛ قال: فلا عليك ادع بكاتبٍ، فحدثه بالأربع مئة الحديث، ثم قابل هشامٌ بالكتاب الأول فإذا هو لا يغادر حرفاً واحداً.
كان الزهري لا يترك أحداً يكتب بين يديه، فأكرهه هشام بن عبد الملك، فأملى على بنيه؛ فلما خرج من عنده دخل المسجد، فاستند إلى عمودٍ من عمده، ثم نادى: يا طلبة الحديث، قال: فلما اجتمعوا إليه، قال: إني كنت منعتكم أمراً بذلته لأمير المؤمنين آنفاً، هلم فاكتبوا، قال: فكتب عنه الناس من يومئذ، وزاد في آخر بمعناه: قال: فسمعهم يقولون: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا أهل الشام، ما لي أرى أحاديثكم ليست لها أزمةٌ ولا خطم؟ قال الوليد بن مسلم وقبض يده وقال: تمسك أصحابنا بالأسانيد من يومئذٍ.
وفي آخر مختصراً: قال الزهري: كنا نكره الكتاب حتى أكرهنا عليه الأمراء، فرأيت أن لا أمنعه مسلماً.
وقال مالك:
أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب، قال سفيان: كان الزهري أعلم أهل المدينة؛ قال عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحداً آمن في الحديث من ابن شهاب، وما رأيت(23/234)
أحداً الدينار والدرهم أهون عليه من ابن شهاب؛ وما كانت الدنانير والدراهم عنده إلا بمنزلة البعر.
قال الليث بن سعد: ما رأيت عالماً قط أجمع من ابن شهاب، ولا أكثر علماً منه؛ ولو سمعت من ابن شهاب بحيثٍ في الترغيب قلت: لا يحسن إلا هذا، فإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والأنساب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه ثم يتلوه بدعاءٍ جامعٍ، يقول: اللهم إني أسألك من كل خيرٍ أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة؛ قال الليث: وكان ابن شهاب من أسخى من رأيت؛ كان يعطي كل من جاء وسأله، حتى إذا لم يبق معه شيءٌ يستسلف من عبيده، فيقول لأحدهم: يا فلان أسلفني كما تعرف، وأضعف إلي كما تعلم؛ فيسلفونه، ولا يرى بذلك بأساً؛ وربما جاءه السائل ولا يجد ما يعطيه فيتغير عند ذلك وجهه، ويقول للسائل: أبشر فسوف يأتي الله بخيرٍ؛ فقيض الله لابن شهابٍ على قدر صبره واحتماله إما رجلاً يهدي له ما يسعهم، وإما رجلاً يبيعه بنظرةٍ، وكان يطعم الناس بالثريد في الخصب وغيره، ويسقيهم العسل؛ وكان ابن شهاب يسمر على العسل كما يسمر أصحاب الشراب على شرابهم؛ وفي حديثٍ آخر: كما يسمر أهل الخمر، ويقول: اسقونا وحدثونا؛ فإذا رأى بعض أصحابه قد نعس قال له: ما أنت من سمار قريش الذين قال الله تبارك وتعالى " سامراً تهجرون " وكانت له قبةٌ معصفرة، وعليه ملحفةٌ معصفرة، وتحته محبسٌ معصفرٌ؛ قال: وسمعته يبكي على العلم بلسانه، فيقول: يذهب العلم وكثيرٌ ممن كان يعمل به.(23/235)
وعن سعد قال: ما أرى أحداً جمع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما جمع ابن شهاب.
قال أبو بكر بن أبي مريم: قلت لمكحول: من أعلم الناس؟ قال: ابن شهاب؛ قلت: ثم من؟ قال: ابن شهاب؛ قلت: ثم من؟ قال: ابن شهاب.
قال مالك بن أنس: كان الزهري إذا دخل المدينة لم يحدث بها أحدٌ من العلماء حتى يخرج الزهري.
قال مالك: أدركت مشايخ بالمدينة أبناء سبعين وثمانين لا يؤخذ عنهم، ويقدم ابن شهاب وهو دونهم في السن فيزدحم الناس عليه.
وعن الزهري قال: ثلاثٌ إذا كن في القاضي فليس بقاضٍ؛ إذا كره اللوائم، وأحب المحامد، وكره العزل.
كان يزيد بن عبد الملك جعل الزهري قاضياً مع سليمان بن حبيب.
أجاب الزهري بعض خلفاء بني مروان في الخنثى؛ فقال الشاعر عند قضائه بذلك: من الكامل
ومهمةٍ أعيا القضاة عياؤها ... تذر الحليم يشك شك الجاهل
عجلت قبل حنيذها بشوائها ... وأبنت مفظعها بحكمٍ فاصل
فتركتها بعد العماية سنةً ... للمقتدين وللإمام العادل(23/236)
وقيل: إن بني غفار بن حرام بن عوف بن معمر البلويين اقتتلوا هم وبنو عائذ الله الجذاميون، فقتل رجلٌ من بني عائذ الله بين الصفين يقال له: جرهاس، لم يدر من أصابه، فتدافعه الفريقان؛ كل يقول للآخر: أنتم قتلتموه؛ فاختصموا فيه إلى سلطانٍ بعد سلطانٍ، فلم تمض لأحدٍ من السلاطين فيه قضيةٌ؛ ثم خرجوا إلى أمير المؤمنين في الموسم فألفوا عنده ابن شهاب؛ فقال لابن شهاب: يا أبا بكر، انظر في أمرهم فقد رددت أمرهم إليك؛ فلما رجع ابن شهاب إلى منزله أتوه؛ فقال: يا أبا العائذ هلم البينة على قتيلكم؛ فلم يجدوا بينةً؛ فقال: يا بني غفار أنفلوا أنفسكم؛ فلم يجدوا من ينفلهم؛ فقال: هلم يا أبا العائذ قسامةً تقسم على دم صاحبكم؛ فأبوا؛ قال: هلم يا بني غفار قسامة تقسم على براءتكم؛ فأبوا؛ قال: أين ولي هذا القتيل؟ قيل: هو ذا؛ قال ابن شهاب: اذهب فقد قضينا لك بديةٍ مسلمةٍ، وجعلنا نصفها في بلعائذ، ونصفها على بني غفار؛ فانصرف الفريقان ورضيا؛ وقيل فيه هذا الشعر، وزاده فيه أبياتاً.
وعن ابن شهاب قال: إن هذا العلم أدب الله الذي أدب به نبيه عليه الصلاة والسلام، وأدب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته، أمانة الله إلى رسوله ليؤديه على ما أدي إليه، فمن سمع علماً فليجعله أمامه حجةً فيما بينه وبين الله.
قال الليث:
جئت ابن شهاب يوماً بشيء من الرأي، فقبض وجهه؛ وقال: الرأي كالكاره له ثم جئته بعد ذلك يوماً آخر بأحاديث من السنن فتهلل وجهه وقال: إذا جئتني فاتني بمثل هذا.(23/237)
وعن الزهري قال: الاعتصام بالسنة نجاةٌ.
وعن الزهري قال: أمروا أحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جاءت.
وعن الزهري قال: أعيى الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناسخه من منسوخه.
قال جعفر بن ربيعة: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقهاً وأعلمهم بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب؛ وأما أغزرهم حديثاً فعروة بن الزبير؛ ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحراً إلا فجرته؛ قال عراك: وأعلمهم عندي جميعاً ابن شهاب؛ فإنه جمع علمهم جميعاً على علمه.
قال سفيان: قيل للزهري: لو أنك سكنت المدينة، ورحت إلى مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبره، تعلم الناس منك؛ فقال: إنه ليس ينبغي أن أفعل حتى أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة؛ قال سفيان: ومن كان مثل الزهري.
قال سفيان: بلغني عن الزهري كلامٌ حسنٌ؛ أنه قال: ليس الزهد بتقشف الشعر وتفل الريح وخشونة الملبس والمطعم، ولكن الزهد ظلف النفس عن محبوب الشهوات.(23/238)
قال الزهري: إنما يذهب العلم النسيان، وترك المذاكرة.
وعن عبد الله بن عمر قال: كنت أرى الزهري يعطى الكتاب فلا يقرؤه ولا يقرأ عليه، فيقال له: نروي هذا عنك؟ فيقول: نعم.
وعن الزهري قال: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيبٌ.
قال نافع بن مالك عم مالك بن أنس: قلت للزهري: أما بلغك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من طلب شيئاً من هذا العلم الذي يراد به وجه الله يطلب به شيئاً من عرض الدنيا دخل النار "؟ فقال الزهري: لا، ما بلغني هذا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: كل حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغك؟ قال: لا، قلت: فنصفه؟ قال: عسى؛ قلت: فهذا في النصف الذي لم يبلغك.
قال الحسن بن عمارة: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث، فألفيته على باب داره، فقلت: إن رأيت أن تحدثني؛ فقال: أما علمت أني تركت الحديث؟ فقلت: إما أن تحدثني، وإما أن أحدثك؛ فقال: حدثني؛ فقلت: حدثني الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، قال: سمعت علياً يقول: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، قال: فحدثني بأربعين حديثاً.
وفي آخر بمعناه: فقال: حدثنا الحكم بن عتيبة في قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " فقال: ما آتى الله عالماً علماً إلا أخذ عليه ميثاق أن لا يكتمه؛ قال: فحدث الزهري.(23/239)
ومن حديثٍ، عن مكحول، عن الزهري: أي رجلٍ هو، لولا أنه أفسد نفسه بصحبة الملوك.
قال عمر بن رديح: كنت أمشي مع ابن شهاب الزهري، فرآني عمرو بن عبيد، فلقيني بعد فقال: مالك ولمنديل الأمراء؛ يعني ابن شهاب.
دخل سليمان بن يسار على هشام، فقال له: يا سليمان من الذي تولى كبره منهم؟ فقال له: عبد الله بن أبي بن سلول؛ فقال له: كذبت، هو علي بن أبي طالب فقال له: أنا أكذب، لا أبا لك فوالله لو ناداني منادٍ من السماء: إن الله أحل الكذب ما كذبت.
حدثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله، وعلقمة بن وقاص، كلهم عن عائشة رضوان الله عليها، أن الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي؛ فلم يزل القوم يغرون به؛ فقال له هشام: ارحل، فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل عن مثلك؛ فقال له ابن شهاب: ولم ذلك؟ أنا أغتصبك على نفسي، أو أنت اغتصبتني على نفسي؟ فخل عني؛ فقال له: لا ولكنك استدنت ألفي ألف؛ فقال: قد علمت وأبوك قبلك أني ما استدنت هذا المال عليك ولا على أبيك؛ فقال هشام: إنا إن نهيج الشيخ يهتم الشيخ؛ فأمر فقضى عنه من دينه ألف ألف؛ فأخبر بذلك؛ فقال: الحمد لله الذي هذا هو من عنده.
ونزل ابن شهاب بماءٍ من المياه، فالتمس سلفاً فلم يجد، فأمر براحلته فنحرت، ودعا إليها أهل الماء، فمر به عمه، فدعاه إلى الغداء، فقال له: يا بن أخي إن مروءة سنةٍ يذهبه بذل الوجه ساعةً؛ فقال له: يا عم انزل فاطعم، وإلا فامض راشداً.(23/240)
قال:
ونزل ابن شهاب بماءٍ من المياه فشكى إليه أهل الماء: أن لنا ثمان عشرة امرأةً عمرنةً؛ يعني: لهن أعمار ليس لهن خادمٌ؛ فاستسلف ابن شهاب ثمانية عشر ألفاً، وأخدم كل واحدةٍ منهن خادماً بألفٍ.
وعن سعيد بن عبد العزيز: أن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار، ثم قال هشام للزهري: لا تعد إلى مثلها تدان؛ فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، حدثني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يلدغ المؤمن في حجرٍ مرتين ".
لقي الزهري يزيد بن محمد بن مروان، وهو يطوف بالبيت، وكان استقرض منه مالاً، فأداه إلا شيئاً؛ فقال: يا أبا عثمان قد استحيينا من حبس حقك، فإن رأيت أن تأمر قهرمانك أن يكف عنا حتى ييسر الله علينا؛ قال: يا بن شهاب، كم تبقى عليك؟ قال: خمسة عشر ألفاً؛ قال: اذهب فإنها لك، والله إنها لقليلٌ من الإخاء في الله عز وجل.
قيل للزهري: إن الناس لا يعيبون عليك إلا كثرة الدين؛ قال: وكم ديني؟ إنما ديني عشرون ألف دينار، وأنا ملي المحيا والممات لي خمسة أعينٍ، كل عينٍ منها ثمن أربعين ألف دينار؛ وليس يرثني إلا ابن ابني هذا، وما أبالي أن لا يرث عني شيئاً؛ قال: وكان ابن ابنه فاسقاً.
قال مالك بن أنس: كان ابن شهاب من أسخى الناس، فلما أصاب تلك الأموال، قل له مولى له، وهو(23/241)
يعظه: قد رأيت ما مر عليك من الضيق والشدة، فانظر كيف تكون وأمسك عليك مالك؛ فقال له ابن شهاب: ويحك إني لم أر الكريم تحكمه التجارب؛ وفي رواية: إني لم أر السخي تنفعه أو تحكمه التجارب.
قال محمد بن إدريس الشافعي: إن رجاء بن حيوة عاتب ابن شهاب في الإسراف وكان يدان؛ فقال: لا آمن أن يحبس هؤلاء القوم أيديهم عنك فتكون قد حملت على أمانتك؛ فوعده أن يقصر، فمر بعد ذلك وقد وضع الطعام ونصبت موائد العسل؛ فوقف به رجاء فقال: يا أبا بكر، هذا الذي افترقنا عليه فقال له ابن شهاب: انزل، فإن السخي لا تؤدبه التجارب؛ وفي روايةٍ: إن الجواد لا تبخله التجارب.
وأنسد الحسين بن أبي عبد الله الكاتب في هذا المعنى: من البسيط
له سحائب جودٍ في أنامله ... أمطارها الفضة البيضاء والذهب
يقول في العسر إن أيسرت ثانيةً ... أقصرت عن بعض ما أعطي وما أهب
حتى إذا عاد أيام اليسار له ... رأيت أمواله في الناس تنتهب
قال الشافعي: مر رجلٌ من التجار بالزهري وهو في قريته، والرجل يريد الحج، فابتاع منه براً بأربع مئة دينار، إلى أن يرجع من حجه؛ قال: فلم يبرح الرجل حتى فرقه، فعرف الزهري في وجه الرجل بعض ما كره، فلما رجع من حجه مر به فقضاه ذلك، وأمر له بثلاثين دينار لينفقها في سفره؛ فقال له الزهري: كأني رأيتك يومئذٍ ساء ظنك فقال: أجل؛ فقال الزهري: والله لو لم أفعل ذلك إلا للتجارة؛ أعطي القليل فأعطى الكثير.
قال عقيل بن خالد: كان الزهري يخرج إلى الأعراب يفقههم ويعظهم؛ قال عقيل: فجاءه أعرابي وقد(23/242)
نفد ما في يده، فمد الزهري يده إلى عمامتي فأخذها فأعطاها الرجل؛ وقال: يا عقيل، أعطيك خيراً منها.
قال زياد بن سعد للزهري: إن حديثك ليعجبني، ولكن ليست معي نفقةٌ فأتبعك؛ قال: اتبعني أحدثك وأنفق عليك.
قال ابن عيينة: جلست إلى الزهري فأنشده رجلٌ مديحه فأعطاه قميصه فقيل: أتعطي على كلام الشيطان؟ فقال: من ابتغى الخير، اتقى الشر.
قال حماد بن زيد: كان الزهري يحدث ثم يقول: هاتوا من أشعاركم، هاتوا من أحاديثكم، فإن الأذن مجاجةٌ، وإن للنفس حمضةً.
قال الزهري: ما طلب الناس شيئاً خيراً من المروءة، ومن المروءة ترك صحبة من لا خير فيه، ولا يستفاد منه عقلٌ، فتركه خيرٌ من كلامه.
توفي الزهري سنة ثلاثٍ وعشرين ومئة، وقيل: سنة أربعٍ وعشرين ومئة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنةً؛ وقيل: سنة خمسٍ وعشرين ومئة.
محمد بن مسلم بن عثمان
ابن عبد الله ويعرف: بابن وارة، أبو عبد الله الرازي أحد الحفاظ الرحالين.(23/243)
حدث عن محمد بن موسى بن أعين، بسنده إلى أبي هريرة، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن وليدتي زنت؛ فقال: " اجلدها " قال: فإن عادت؟ قال: " فعد " قال: فإن عادت؟ قال: " فعد " قال: فإن عادت؟ قال: " فبعها ولو بضفيرٍ " في الرابعة.
وحدث عن أبي هاشم بن أبي خداش، بسنده إلى أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه صلى المكتوبة في ردعةٍ على حمارٍ.
وحدث عن محمد بن سعيد بن سابق، بسنده إلى بلال، قال: حثثت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للخروج إلى صلاة الغداة، فوجدته يشرب، ثم ناولني فشربت، ثم خرجنا، فأقيمت الصلاة.
قال الخطيب: هذا حديثٌ غريبٌ، وفيه إرسالٌ، لأنه من رواية معاوية بن قرة، عن بلال؛ ومعاوية لم يلق بلالاً.
قال أبو جعفر الطحاوي: ثلاثةٌ من علماء الزمان بالحديث اتفقوا بالري لم يكن في الأرض في وقتهم أمثالهم، فذكر أبا زرعة، ومحمد بن مسلم بن وارة، وأبا حاتم الرازي؛ وكان محمد بن مسلم ثقةً صاحب حديثٍ.
قال رجل لأبي زرعة: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ قال: الحجة أن تسألني عن حديثٍ له علةٌ، فأذكر علته، ثم تقصد ابن وارة فتسأله عنه، ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه، فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم فيعلله، ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافاً في علته فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقةً، فاعلم حقيقة هذا العلم، قال: ففعل الرجل ذلك، فاتفقت كلمتهم عليه؛ فقال: أشهد أن هذا العلم إلهامٌ.
توفي ابن وارة بالري سنة خمسٍ وستين ومئتين؛ وقيل: سنة سبعين ومئتين.(23/244)
محمد بن المسيب بن إسحاق
ابن عبد الله ابن إسماعيل بن أبي أويس ويقال: ابن إسحاق بن إدريس أبو عبد الله النيسابوري ثم الأرغياني الزاهد حدث عن إسحاق بن شاهين، بسنده إلى أبي هارون العبدي، قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري، فيقول: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قلنا: وما وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيأتونكم قومٌ من أطراف الأرضين، يسألونكم عن الدين، فإذا جاؤوكم فأوسعوا لهم، واستوصوا بهم خيراً وعلموهم ".
وحدث عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، بسنده إلى أبي موسى، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أراد الله رحمة أمةٍ من عباده قبض نبيها، فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها، وإذا أراد هلكة أمةٍ عذبها ونبيها حي، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره ".
توفي محمد بن المسيب سنة خمس عشرة وثلاث مئة، وهو ابن اثنتين وتسعين سنةً؛ وكان يقول: ولدت سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين.
محمد بن مصعب بن صدقة
أبو عبد الله وقيل: أبو الحسن القرقساني من أهل قرقيسيا.
حدث عن إسرائيل، بسنده إلى أنس بن مالك، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى ليدخل العبد الجنة بالأكلة والشربة، يحمد الله عليها ".(23/245)
وحدث عن حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه، قال: لما مرض أبي أتاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتفل عليه من قرنه إلى قدمه ثلاث مرات يراقه إلى جسده.
حدث محمد بن مصعب، عن أبي الأشهب، بسنده إلى عمران بن حصين، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع السلاح في الفتنة.
توفي محمد بن مصعب القرقساني سنة ثمانٍ ومئتين.
محمد بن مصعب أبو الحارث الدمشقي
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شقوة ابن آدم، سوء الخلق ".
وحدث محمد بن مصعب الدمشقي، عن أبي عمير لنحاس عيسى بن محمد، بسنده إلى أنس، قال: أتى رجلٌ بقاتل وليه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعف عنه " فأبى، قال: خذ أرشاً " فأبى، قال: " فاذهب فاقتله، فأنت مثله " قال: فخلى سبيله؛ قال: فرؤي يجر نسعته ذاهباً إلى أهله؛ قال: كأنه قد كان أوثقه.
قال ابن شوذب عن عبد الله بن القاسم: فليس لأحدٍ بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اذهب فاقتله فإنك مثله.(23/246)
محمد بن مصفى بن بهلول
أبو عبد الله القرشي الحمصي قدم دمشق.
حدث عن محمد بن حرب، بسنده إلى أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة زمن الفتح وعلى رأسه المغفر.
وحدث عنه بسنده إلى ابن عمر، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس من البر الصيام في السفر ".
توفي محمد بن المصفى بمكة في الموسم سنة ستٍ وأربعين ومئتين.
قال محمد بن عوف:
رأيت محمد بن المصفى في النوم وكان مات بمكة فقلت: أبا عبد الله أليس قد مت؟ إلى ما صرت؟ قال: إلى خيرٍ، ونحن مع ذلك نرى ربنا كل يومٍ مرتين؛ فقلت: يا أبا عبد الله، صاحب سنةٍ في الدنيا، وصاحب سنةٍ في الآخرة قال: فتبسم إلي.
محمد بن مطرف
ويقال: ابن طريق ومطرف أصح، ابن داود بن مطرف بن عبد الله بن سارية أبو غسان المدني، نزيل عسقلان، من موالي عمر بن الخطاب؛ ويقال: الليثي حدث عن زيد بن أسلم، بسنده إلى عائشة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " طهور كل أديمٍ دباغه ".(23/247)
وحدث عن أبي حازم، بسنده عن سهل بن سعد، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن العبد ليعمل فيما بين الناس بعمل أهل الجنة، وإنه لمن النار؛ وإن العبد ليعمل فيما بين الناس بعمل أهل النار وإنه لمن أهل الجنة؛ وإنما الأعمال بالخواتيم ".
وكان محمد بن مطرف ثقةً.
محمد بن مظفر بن موسى
ابن عيسى بن محمد بن عبد الله أبو الحسين الحافظ البغدادي البزاز سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قل ماله، وكثر عياله، وحسنت صلاته، ولم يغتب المسلمين، جاء يوم القيامة وهو معي كهاتين ".
وحدث عن أبي بكر محمد بن خريم بن محمد بن مروان بن عبد الملك الدمشقي، بسنده إلى عروة بن مضرس الطائي، قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، جئت من جبل طيئٍ، أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، فهل لي من حجةٍ؟ والله ما تركت جبلاً إلا وقفت عليه؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدرك معنا هذه الصلاة، صلاة الغداة، وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد قضى تفثه وتم حجه ".
ولد أبو الحسين بن مظفر سنة ستٍ وثمانين ومئتين.
سئل الدارقطني عن محمد بن المظفر، فقال: ثقةٌ مأمون؛ فقيل: إنه يميل للتشيع؛ فقال: قليلاً مقدار ما لا يضر إن شاء الله؛ وكان فيه تشيعٌ ظاهرٌ.(23/248)
محمد بن المظفر أبو غانم الأزدي
الفقيه الأديب قدم دمشق سنة إحدى وستين وثلاث مئة، وحدث عن أبي بكر بن دريد؛ قال أبو بكر: أنشدنا الحسن بن الخضر عن أبيه: من البسيط
لا تشرهن فإن الذل في الشره ... والعز في الحلم لا في الطيش والسفه
وقل لمغتبطٍ بالتيه من حمقٍ ... لو كنت تعلم ما في التيه لم تته
التيه مفسدةٌ للدين، منقصةٌ ... للعقل، مهبطةٌ للعرض فانتبه
محمد بن معاذ بن عبد الحميد
ابن حريث بن أبي حريث القرشي مولاهم، أخو عبد الله من أهل دمشق.
حدث عن سعيد بن بشير بسنده إلى أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني أعمل عملاً أسره فيطلع عليه فيعجبني ذلك؛ فقال: " لك في ذلك أجران، أجر السر وأجر العلانية ".
وحدث عن سعيد بن عبد العزيز، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت أن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فأتبعه بصري فإذا هو نورٌ ساطعٌ عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ".
توفي محمد بن معاذ سنة خمس عشرة ومئتين.(23/249)
محمد بن المعافى بن أحمد بن محمد
ابن بشير بن أبي كريمة أبو عبد الله الصيداوي، ويقال: البيروتي حدث بصيدا سنة عشرٍ وثلاث مئة، عن عمرو بن عثمان، بسنده إلى ثوبان، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحل لمسلمٍ أن ينظر في بيت رجلٍ إلا بإذنه، فإن نظر فقد دخل؛ ولا يؤم قوماً فيخص نفسه بدعاءٍ دونهم، فإن فعل فقد خانهم؛ ولا يقوم إلى الصلاة وهو حاقنٌ ".
قال محمد بن المعافى: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل.
قال أبو حاتم: لم يطعم محمد بن المعافى ثمانية عشر سنةً من طيبات الدنيا شيئاً غير الحسو عند إفطاره.
محمد بن معبدٍ
أظنه بصرياً.
قدم الشام أيام عمر بن عبد العزيز، وحدث عنه، أنه أرسل بأسارى من أسارى الروم، ففادى بهم أسارى من أسارى المسلمين، قال: فكنت إذا دخلت على ملك الروم ودخلت عليه عظماء الروم خرجت؛ قال: فدخلت يوماً فإذا هو جالسٌ في الأرض مكتئباً حزيناً؛ فقلت: ما شأن الملك؟ فقال: وما تدري ما حدث؟ قلت: وما حدث؟ قال: مات الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز؛ ثم قال ملك الروم: إني لأحسب أنه لو كان أحدٌ يحيي الموتى بعد عيسى بن مريم لأحياهم عمر بن عبد العزيز؛ ثم قال: إني لست أعجب من الراهب إن أغلق بابه ورفض الدنيا، وترهب وتعبد، ولكن أتعجب ممن كانت الدنيا تحت قدمه فرفضها ثم ترهب.(23/250)
محمد بن معمر أبو بكر الهلالي
من أهل طبرية.
قال: كنت بحوران وأنا صبي مريد الحسن رحمه الله فكانت المسألة تعرض في قلبي وأحب كشفها وعلمها فيقع في نفسي جوابها فأثق به، وأسير إلى دمشق فألقى موسى الحضرمي وغيره من الشيوخ، فأسأل من اتفق منهم عن المسألة فيجيبوني بما خطر لي، فأحمد الله تعالى على حسن الهداية، وأرجع إلى موضعي؛ فوقع في نفسي مسألة عالية، وغاب عني علمها؛ فقلت: ما يعلم هذه المسألة إلا الخضر عليه وسلم، ثم فتح الله سبحانه علي بعلمها، فلم أشعر بعد ذلك إلا والباب يدق؛ فقلت: من؟ فقال: الذي أردت، وقد غفلت بما فتح الله عليك وحدث أبو بكر، قال: رجل قسا قلبه وفقد حاله، فاحترق لذلك، والتمس زوال هذا البلاء عنه، بالخلوة والاجتهاد؛ فما زاده ذلك إلا قساوةً؛ فكان يوماً خالياً في علو هذا المحرس محرس الحوارية بعكا، وهو محترق القلب، فرأى رقعةً مطروحةً، فأخذها وإذا فيها مكتوبٌ: صلاح القلوب في ستة أشياء؛ فالصلاح في الجوع الدائم، وسهر الليل، وقراءة القرآن، والزهد في الدنيا، والاستعداد للموت قبل نزوله، والسادس على الطيف وهو أن تريد ما يريد؛ وفسادها في إرادة العزة، ومخافة الذل، ومحبة الغنى، وخوف الفقر؛ فانتفع بالرقعة وتأدب بها، ورجع إليه حاله؛ وكان هذا الرجل لا يقرأ، ففتح الله تعالى عليه بقراءة ما فيها؛ فسئل أبو بكر عن صاحب هذه القصة قال: أنا هو.(23/251)
محمد بن معن بن نضلة بن عمرو
ويقال: ابن معن بن محمد بن نضلة بن عمرو أبو عبد الله الغفاري المدني وفد على عبد الملك بن مروان.
حدث عن أبيه معن بن نضلة أن نضلة لقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمران ومعه شوائل له، فحلب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إناءٍ، فشرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم شرب من إناءٍ واحدٍ، ثم قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق إن كنت لأشرب سبعةً فما أشبع وما أمتلئ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن المؤمن يشرب في معىً واحدٍ، وإن الكافر يشرب في سبعة أمعاءٍ ".
وبه، قال: إن رجلاً من بني غفار أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ما اسمك؟ " قال: مهان قال: " أنت مكرم ".
وإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على البراء بن عازب بن معرورٍ بعدما قدم المدينة، فقال: " اللهم صل على البراء بن معرور، ولا تحجبه عنك يوم القيامة، وأدخله الجنة، وقد فعلت ".
وحدث عن جده، قال: لما طال مقامنا عند عبد الملك بن مروان، خرجت عشيةً، فإذا أنا براهبٍ في صومعته، فدنوت منه، فقلت: منذ كم أنت ها هنا؟ قال: ما عقلت إلا ها هنا؛ قلت: وهل نزلت منها قط؟ قال: لا، إلا مرةً؛ قلت: من أنزلك؟ قال: عبد الملك بن مروان سألني: من يكون بعدي؟ فقلت: يلي رجلان من ولدك؛ قال: ثم من؟ قلت: لا أدري؛ قال: لتقولن؛ فقلت: يلي رجلٌ وبه أثرٌ وبه أثر يحبه أهل السماء وأهل الأرض؛ فقال عبد الملك: لولا ما أعطيتك من الأمان لضربت عنقك.(23/252)
محمد بن المغيرة المخزومي
من أهل المدينة.
حدث بدمشق سنة عشرين ومئتين، عن عبد الله بن نافع، بسنده عن ابن عمر قال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين جاءه شيءٌ لم يبدأ بأول منهم، يعني المحررين.
محمد بن مكرم الدمشقي
حدث عن يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: سمعت مالك بن أنس يقول:
دعاني المأمون فدخلت عليه، والمجلس غاص بأهله، فمددت عيني فإذا بين الخليفة والوزير فرجةٌ، فتخطيت الناس، فجلست بين الوزير والخليفة، فلما استقر بي المجلس قلت: يا أمير المؤمنين، حدثني نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ضاق المجلس بأهله فبين كل سيدين مجلس عالمٍ ".
أنكر هذا الحديث؛ قالوا: ومالك لم يبق إلى زمن المأمون
محمد بن مكي بن عثمان
ابن عبد الله أبو الحسين الأزدي المصري قدم دمشق وحدث بها.
روى عن أبي القاسم الميمون بن حمزة بن الحسين العلوي، بسنده إلى أبي هريرة، أنه قال: سجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السماء انشقت " و" اقرأ باسم ربك ".(23/253)
ولد سنة أربعٍ وثمانين وثلاث مئة، وتوفي محمد بن مكي سنة إحدى وستين وأربع مئة.
محمد بن المنذر بن الزبير بن العوام
أبو زيد القرشي الأسدي قدم على عبد الملك بن مروان بعد مقتل عبد الله بن الزبير يطلب في ماله، وكان قبض مع ما قبض من أموال ابن الزبير، فأمر له بالكتاب في رده، وذكر ابن الزبير في الكتاب فقال: ما أصل، عن الكذاب فقال محمد: ليس مثلي يحمل شتم عمه؛ فأمر عبد الملك بمحو ذلك عنه.
ولما دخل محمد بن المنذر على عبد الملك قال له يحيى بن الحكم: من صاحب يوم كذا؟ قال: أنا؛ فقال: من صاحب وقعة كذا؟ قال: أنا؛ قال: من صاحب وقعة كذا؟ قال: أنا؛ حتى عدد وقعاتٍ كل ذلك يقول محمد بن المنذر: أنا؛ قال يحيى: يا أمير المؤمنين، هذا الذي فعل بنا الأفاعيل؛ فقال محمد لعبد الملك: ردوا علي سيفي، وخذوا أمانكم، فلا حاجة لي به؛ قال عبد الملك: لا نفعل.
وكان محمد بن المنذر يعدل بكثيرٍ من أعمامه أعيان بني الزبير مروءةً وشجاعةً ولساناً وجلداً.
وكان محمد بن المنذر مع عبد الله بن الزبير بعد مقتل أبيه المنذر،(23/254)
وكان من فرسانه المعدودين. وكان ابن الزبير بعد قتل مصعب يقول: إن يك مصعب قتل فهذا محمد بن المنذر.
وكان عبد الله بن الزبير قد جعل محمد بن المنذر على قتال من جاء من المأزمين، وجعل حمزة بن عبد الله على قتال من جاء من المسعى، وجعل هاشم بن عبد الله على قتال من جاء من الردم، فقال في ذلك بعض أصحاب عبد الله بن الزبير: من الطويل
جعلنا سداد المأزمين محمداً ... وحمزة للمسعى، وللردم هاشم
حدث مصعب بن عثمان قال: كان زبيب الضبابي في نفرٍ من الضباب قد دفعوا إلى المدينة، فحبسوا في السجن حتى رثت حالهم، ثم أرسلوا، فخرجوا يسألون في الناس، حتى مروا بمحمد بن المنذر جالساً ببقيع الزبير، فقال: لا تسألوا أحداً؛ وأمر لهم بظهرٍ وكسوةٍ ورحالٍ ونفقةٍ، وكفاهم كل مؤونة حتى إنهم ليعطون السياط لرواحلهم؛ فقال زبيب الضبابي: من الطويل
ألا أيها الناعي الندى ووراثة الن ... نبي وفتواه، عليك ابن الزبير
عليك فتىً إن يصبح المجد غالياً ... يقم بالذي يغلوبه ثم يشتري
قرى في حياض المجد حتى إذا ارتوى ... أمال الندى كالجدول المتفجر
طوى البعد عنا حين حلت رحالنا ... بعوج الهوادي كالأهلة ضمر
فذاك فتىً إن تأته تنل الغنى ... وإن تك أعمى يجل عنك فتبصر
حراجيج يدنين الفتى من صديقه ... فأبنا كأنا عصبةٌ لم تؤسر(23/255)
ويروى هذا:
فراح الندى يهتز بين ثيابه ... ورحنا كأنا عصبةٌ لم تؤسر
ركب سليمان بن عبد الملك وهو خليفةٌ، ومعه محمد بن المنذر وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بينهما، فجاء المطلب بن عبد الله على بغلةٍ ليدخل بين سليمان ومحمد بن المنذر، فيتوسط هو وسليمان، فضرب محمد بن المنذر وجه بغلة المطلب، فانقدعت؛ فقال المطلب: ألا ترى يا أمير المؤمنين ما يفعل بقية الفتنة ووضر السيف؟ فقال محمد: فتنةٌ كنت فيها تابعاً غير متبوعٍ، ذنباً غير رأسٍ؛ فقال المطلب: أنا ابن بنت الحكم؛ قال محمد: أدنأهن منكحاً، وأكثرهن مهراً، وأهونهن على أهلها؛ فالتفت سليمان إلى عمر فقال: ألا ترى محمداً يمدحنا بذمنا ويذمنا بمدحنا، فكل ذلك يجوز له عندنا.
وكان محمد بن المنذر من سورات الناس، وأحكمهم، وأشرفهم، وكان إذا مر في الطريق أطفئت النيران تعظيماً له؛ يقولون: هذا محمد بن المنذر لا تدخنوا عليه؛ قال: وانقطع يوماً قبال نعله، فقال لرجله هكذا، فنزع الآخر ومضى، فتركهما ولم يعرج عليهما.
وغاظه رجلٌ من آل خالد بن الزبير، فالتفت إليه فقال: ما قل سفهاء قومٍ قط إلا ذلوا.
محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان
ابن رجاء بن عبد الله بن العباس بن مرداس أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو جعفر السلمي الهروي، المعروف بشكر محدثٌ مشهورٌ، صاحب رحلةٍ وتصانيف.(23/256)
حدث عن محمد بن سفيان المصيصي، بسنده إلى جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتعاطى السيف مسلولاً.
حدث محمد بن المنذر الهروي، بسنده إلى سليمان بن موسى، قال: لقيت بشر الحافي ومعه شبابٌ، فقلت: من هؤلاء الشباب؟ فأشار إلي بيده، يريد أنهم أصحاب دعة؛ قال: فقلت له: سمعت قول الشاعر في مثلهم؟ فقال: وما قال؟ قلت: قال الشاعر: من الخفيف
حال عما عهدت ريب الزمان ... واستحالت مودة الخلان
واستوى الناس في الخديعة والمك ... ر فكل لشانه أثنان
قل لمن يبتغي السلامة والصح ... حة: عش واحداً بلا إخوان
ولعمري لئن بلوت أصح الن ... ناس وداً وجدت ذا ألوان
وجه بر إذا لقيت وإن غب ... ت فوجهٌ يعض بالإنسان
غير أني إذا ذكرت رجالاً ... غالهم بالمنون ريب الزمان
كدت أقضي الحياة وجداً عليهم ... واشتياقاً وفاضت العينان
قال بشر: من هؤلاء الذين مدحهم في آخر شعره؟ قلت: أصحاب البقيع، أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: صدقت؛ ثم شال يده من يدي، ثم مضى؛ فقال لي الشباب: ما حملك على هذا؟ قال: قلت لهم: الشيخ في ذات نفسه أحب إلي من سروركم.
قال: وشكر، بفتح الشين المعجمة، وتشديد الكاف، والراء غير معجمةٍ، وتفسيره بالعربية: سكر.
محمد بن منصور بن محمد أبو النجيب
المراغي سمع بدمشق سنة ثمانٍ وثلاثين وأربع مئة.(23/257)
حدث عن أبي جعفر مسلم بن علي بن الحسن العلوي، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " غلب درهمٌ مئة ألف درهمٍ؛ رجلٌ كان له مالٌ كثير فتصدق منه بمئة ألف درهمٍ، ورجلٌ كان له درهمان فتصدق بأحدهما ".
محمد بن منصور بن نصر بن إبراهيم
ويقال: ابن نصر بن منصور أبو بكر الأسواري، يعرف بابن أبي عيسى حدث عن أبي عقيل الخولاني، بسنده إلى أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الملائكة صلت علي وعلى علي سبع سنين قبل أن يسلم بشرٌ ".
وحدث عن محمد بن الفرج الهمداني، بسنده إلى عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا المنبر، يقول: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
محمد بن منصور الهاشمي الدمشقي
حدث عن ابن بنت منيع البغوي؛ قال: أنشدني علي بن الجعد: من الطويل
إذا ما ذكرنا من علي فضيلةً ... رمونا بها جهلاً بسب أبي بكر
وهل يشتم الصديق من كان مؤمناً ... ضجيع رسول الله في الغار والقبر(23/258)
محمد بن المنكدر بن عبد الله
ابن الهدير ابن محرز بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بنمرة أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر التيمي المدني حدث عن جابر، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، قال: " إذا هم أحدكم بالأمر، وأراد الأمر فليصل ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت نتعلم هذا الأمر تسمية بغيته خيراً لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي، وبارك لي فيه، وإن كنت تعلمه شراً لي مثل ذلك فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ".
وحدث هو وجماعةٌ من أمثاله:
خرجوا إلى الوليد، وكان أرسل إليهم يستفتيهم في شيءٍ، فكانوا يجمعون بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس.
وكان الوليد بن يزيد استقدم محمد بن المنكدر الشام مع جماعةٍ من فقهاء المدينة يستفتيه في طلاق زوجته أم سلمة.
قال صدقة بن عبد الله: جئت إلى محمد بن المنكدر وأنا مغضب، فقلت له: أنت أحللت للوليد بن يزيد أم سلمة؟ قال: أنا ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حدثني جابر بن عبد الله، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا طلاق لما لا تملك، ولا عتق لما لا تملك ".(23/259)
كان المنكدر خال عائشة، فشكى إليها الحاجة، فقالت له: أول شيءٍ يأتيني أبعث به إليك؛ فجاءتها عشرة آلاف درهمٍ فبعثت بها إليه، فاشترى المنكدر جاريةً من العشرة آلاف، فولدت له محمداً وأخويه.
وكان ابن المنكدر من معادن الصدق، ويجتمع إليه الصالحون، وكان سفيان يقول: لم ندرك أحداً أجدر أن يقبل الناس منه إذا قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من محمد بن المنكدر؛ وكان ابن المنكدر هو الغاية في الإتقان والحفظ والزهد، وهو حجةٌ.
قال سفيان: تعبد ابن المنكدر وهو غلام، وكانوا أهل بيت عبادةٍ.
قال ابن بكير: محمد، وأبو بكر، وعمر، بنو المنكدر لا يدري أيهم أفضل قالت أم محمد بن المنكدر: يا بني، لو نمت، فقد طال سهرك فقال لها: يا أمه إني لأرى الليل قد أقبل فيهولني سواده، فأصبح ولم تنقض منه نهمتي بعد قال إبراهيم: رأيت محمد بن المنكدر يصلي في مقدم المسجد، فإذا انصرف مشى قليلاً ثم استقبل القبلة فمد يديه ودعا، ثم يمشي ثم ينحرف عن القبلة ويشهر يديه ويدعو؛ قال: كان يفعل ذلك حتى يخرج من المسجد فعل المودع.
وكان ابن المنكدر ربما قام الليل يصلي، ويقول: كم من عين الآن ساهرةٍ في رزقي؛ وكان له جارٌ مبتلى، قال: فكان يرفع صوته من الليل يصيح، فكان محمد يرفع صوته بالحمد؛ فقيل له في ذلك، فقال: يرفع صوته بالبلاء، وأرفع صوتي بالنعمة.
كان محمد بن المنكدر إذا بكى مسح وجهه ولحيته من دموعه، ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعاً مسته الدموع.
وقال محمد: قال الله عز وجل: " نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة " قال: تأكله النار(23/260)
حتى تبلغ فؤاده وهو حي؛ قال: وما لأهل النار راحةٌ غير العويل والبكاء.
قال عباد المنقري: قرأت على محمد بن المنكدر آخر الزمر، فبكى الشيخ بكاءً غير متباكٍ؛ ثم قال: حدثني عبد الله بن عمر قال: قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر الزمر وهو على المنبر، فتحول المنبر من تحته مرتين.
كان محمد بن المنكدر يجلس مع أصحابه، وكان يصيبه صماتٌ، فكان يقوم ويضع خده على قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يرجع، فعوتب في ذلك فقال: إنه يصيبني خطرةٌ، فإذا وجدت ذلك استغثت بقبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان يأتي موضعاً من المسجد في السحر، يتمرغ فيه، ويضطجع، فقيل له في ذلك، فقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الموضع؛ أراه قال: في النوم.
قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنةً حتى استقامت.
وكان محمد بن المنكدر يستقرض ويحج؛ فقيل: أتستقرض وتحج؟ قال: نعم، أرجو قضاءها.
وكان يحج كل سنةٍ، ويحج معه عددٌ من أصحابه؛ فبينا هو يوماً في منزلٍ من منازل مكة إذ قال لغلامٍ له: اذهب فاشتر لنا كذا؛ فقال الغلام: ما أصبح عندنا درهمٌ فما فوقه؛ قال: اذهب فإن الله يأتي به؛ قال: من أين؟ قال: سبحان الله؛ ثم رفع صوته بالتلبية، وكذا أصحابه الذين معه؛ وكان إبراهيم بن هشام قد حج تلك السنة، فسمع أصواتهم، فقال: ما هؤلاء؟ فقيل له: محمد بن المنكدر وأصحابه حجوا، ومحمد يحتمل مؤونتهم ويحملهم فقال: ما بد من أن يعان محمدٌ على هذا الذي يصنع؛ فبعث إليه بأربعة آلاف درهم من ساعته، فدفعها محمد إلى غلامه، وقال له: ألم أقل لك: اشتر لنا ما أمرتك فإن الله يأتي بهذا؟ وقد أتانا الله بما ترى.(23/261)
قيل لمحمد بن المنكدر: أي الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمن.
وقيل له: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان.
وكان إذا حج أخرج نساءه وصبيانه في الحج؛ فقيل: لم ذلك؟ فقال: أعرضهم لله عز وجل.
وكان يحج وعليه دين، فقيل له في ذلك، فقال: هو أقضى للدين؛ يعني إذا حججت قضى الله عني ديني.
وقال محمد بن المنكدر:
لم يبق من لذة الدنيا إلا قضاء حوائج الإخوان.
قال محمد بن المنكدر: لذة الدنيا قضاء حوائج الإخوان، وإدخال السرور على الناس، والتنفيس عن المكروب.
بعث محمد بن المنكدر إلى صفوان بن سليم أربعين ديناراً ثم قال لبنيه: يا بني ما ظنكم برجلٍ فرغ صفوان لعبادة ربه كان محمد بن المنكدر قد ضاق، فبينا صفوان بن سليم يصلي في المسجد ينتظر الليل، أتاه آتٍ، فوضع على نعله خمسين ديناراً، فأخذها وحمد الله، وانصرف صفوان إلى بيته؛ فقال لمولاته سلامة: إن أخي محمداً أمسى مضيقاً، اذهبي إليه بهذه الدنانير، فإنه يكفينا أن نأخذ منها خمسةً أو أربعةً فقالت: الساعة؟ قال: نعم، إنك تجدينه الساعة في محرابه يسأل الله، يقول: ائتني بها من حيث شئت، وكيف شئت، وأنى شئت، فخرجت بستةٍ وأربعين ديناراً، أو بخمسةٍ وأربعين، فأتته بها، فوقفت تسمع، فإذا هو يقول: اللهم ائتني بها من حيث شئت وأنى شئت وكيف شئت من ساعتي هذه، يا إلهي؛ قالت: فدققت الباب عليه، فدفعتها إليه، فحمد الله على ذلك.
قدم رجلٌ بمالٍ المدينة، فقال: دلوني على رجلٍ من قريش أعطيه هذا المال؛ فدلوه(23/262)
على عمر بن المنكدر، فأعطاه، فأبى أن يقبله؛ فقال: هذا أبى، فمن بعده؟ فدلوه على أبي بكر بن المنكدر، فأعطاه فأبى أن يقبل؛ قال: فمن بعدهما؟ قالوا: محمد بن المنكدر؛ قال: فأتاه فأبى أن يقبل؛ فقال الرجل: يا أهل المدينة إن استطعتم أن يلدكم كلكم المنكدر فافعلوا.
قال محمد بن المنكدر: بات أخي عمر يصلي الليل، وبت أغمز قدمي أمي، فما يسرني أن ليلتي ليلته.
قال: ودخل أعرابي المدينة فرأى حال بني المنكدر، وموقفهم من الناس، وفضلهم، ثم خرج فسأله رجلٌ: كيف تركت أهل المدينة؟ قال: بخيرٍ، وإن استطعت أن تكون من آل المنكدر فكن.
وكان محمد بن المنكدر يضع خده على الأرض، ثم يقول لأمه: يا أمه قومي ضعي قدمك على خدي.
قال ابن المنكدر: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم، ويستخفون بك.
قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن المنكدر: أي الخصال أوضع للمرء؟ قال: كثرة كلامه، وإذاعته أسراره، وثقته بكل أحدٍ.
تبع محمد بن المنكدر جنازة رجلٍ كان يسفه بالمدينة، فعوتب في ذلك، وقيل له: أمثلك يحضر جنازة مثل هذا؟ فقال: إني لأستحيي من الله أن يراني أرى رحمته عجزت عن أحدٍ من خلقه.
قيل لمحمد بن المنكدر: أتصلي على فلان وكان لا يدع لله محرماً إلا انتهكه؟ فقال: إني لأستحيي من الله أني أرى أن رحمته لا تسع فلاناً.
خرج قومٌ غزاةً، وخرج معهم محمد بن المنكدر، وكانت صائفةً؛ فبينا هم يسيرون في الساقة قال رجل منهم: أشتهي جنباً طرياً فقال محمد بن المنكدر: استطعموا الله يطعمكم، فإنه القادر؛ فدعا القوم فلم يسيروا إلا قليلاً حتى وجدوا مكتلاً مخيطاً، كأنما أتي(23/263)
به من السيالة أو الروحاء، فإذا هو جبنٌ رطبٌ فقال بعض القوم: لو كان عسلاً؛ فقال محمد: إن الذي أطعمكم جبناً ها هنا قادرٌ على أن يطعمكم عسلاً، فاستطعموا؛ فدعا القوم، فساروا قليلاً فوجدوا فاقرة عسلٍ على الطرق؛ فنزلوا فأكلوا.
استودع محمد بن المنكدر وديعةً، فاحتاج إليها، فأنفقها، فجاء صاحبها يطلبها، فقام فتوضأ وصلى، ثم دعا فقال: يا ساد الهواء بالسماء، ويا كابس الأرض على الماء، ويا واحد قبل كل أحدٍ كان، ويا واحد بعد كل أحدٍ يكون، أد عني أمانتي؛ فسمع قائلاً يقول: خذ هذه فأد بها عن أمانتك، واقصر في الخطبة فإنك لن تراني.
أودع رجلٌ محمد بن المنكدر خمس مئة دينارٍ، فاستفقها محمد بن المنكدر، فقدم الرجل فجعل ابن المنكدر يدعو ويقول: اللهم إنك تعلم أن فلاناً أودعني خمس مئة دينارٍ، فاستنفقتها، وقد قدم وليست عندي، اللهم فاقضها عني ولا تفضحني؛ فسمع عامر بن عبد الله بن الزبير دعاءه، فصر خمس مئة دينارٍ، ووضعها بين يدي محمد بن المنكدر وهو مشغولٌ بالصلاة والدعاء لا يشعر، فانصرف محمد من صلاته، فرآها فأخذها؛ قال عامر: فخشيت أن يفتتن، فأخبرته بها وأخبرته بما خفت عليه من الفتنة.
قال ابن المنكدر لأبي حازم: ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بخيرٍ وما أعرفهم، وما صنعت إليهم خيراً قط؛ فقال أبو حازم: لا تظن أن ذلك من قبلك، ولكن انظر إلى الذي من قبله فاشكره.
قال ابن زيد:
كان المرهب الخبيث يتبدا لابن المنكدر فيما بينه وبين المنبر في المسجد، ويرعبه، فأصبح ذات يوم فأتى إلى أبي فقال: يا أبا أسامة، ألا أخبرك خبراً؛ إني رأيت الخبيث أتاني في النوم، فقاتلني فقاتلته، ثم إني أخذت بشعفةٍ في رأسه، فشقها الله بشقتين،(23/264)
فرميت شقةً ها هنا وشقةً ها هنا، فأرجو أن يكون الله قد أعانني عليه؛ قال: فما رآه ابن المنكدر بعد ذلك.
وقال محمد بن المنكدر: يا رب، أرني كيف الدنيا عندك حتى أعرفها؛ قال: فأتي في منامه، فقيل له: ابن المنكدر سألت الله أن يريك الدنيا كيف هي عنده، فإن هذا شيءٌ لا يكون أبداً.
قال ابن المنكدر: أمحلنا بالمدينة إمحالاً شديداً، وتوالت سنون؛ قال محمد: فإني لفي المسجد بعد شطر الليل وليس في السماء سحابةٌ، وأنا في مقدم المسجد، فدخل أمامي متقنعٌ برداءٍ عليه، فأسمعته يلح في الدعاء، إلى أن سمعته يقول: أقسمت عليك أي رب قسماً، ويردده؛ قال: فما زال يردد هذا القسم: أقسم عليك أي رب من ساعتي هذه؛ قال: فوالله إن مشينا حتى رأيت السحاب يتألف، وما رأينا قبل ذلك في السماء قزعةً ولا شيئاً، ثم مطرت فسحت، فكانت السماء عزالي وأودع مطرٍ رأيته قط، فأسمعه يقول: أي رب لا هدم فيه ولا غرق ولا ملأ فيه ولا محق؛ قال: ثم سلم الإمام من الصبح، وتقنع الرجل منصرفاً، وتبعته حتى جاء زقاق اللبادين، فدخل في مسربةٍ له، فلما أصبحت سألت عنه، قالوا: هذا زياد النجار، هذا رجلٌ ليس له فراشٌ، إنما هو يكابد الليل صلاةً ودعاءً وهو من الدعائين، وكل عملٍ عمله أخفاه جهده؛ قال محمد بن المنكدر: فذكرت قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رب ذي طمرين خفي، لو أقسم على الله لأبره " قال محمد: فزارني بعد ذلك وخالني، فكره بعض ما ذكرت له، وقال: اطو هذا يا أبا عبد الله، فإنما جزاؤه عند الذي عملناه له؛ قال محمد بن المنكدر: فما ذكرته بعد أن نهاني باسمه؛ وقلت: رجل كذا، ليرغب راغبٌ في الدعاء ويعلم أن في الناس صالحين.
وفي آخر بمعناه: وانصرف حتى أتى دار أنسٍ فدخل موضعاً، فأخرج مفتاحاً، ففتح ثم دخل؛ قال: ورجعت، فلما سبحت أتيته فإذا أنا أسمع نجراً في بيته، فسلمت، ثم قلت: أدخل؟ قال: ادخل؛ فإذا هو ينجر أقداحاً يعملها؛ فقلت: كيف أصبحت أصلحك(23/265)
الله؟ فاستشهرها وأعظمها مني، فلما رأيت ذلك قلت: إني قد سمعت أقسامك البارحة على الله يا أخي، هل لك في نفقةٍ تغنيك عن هذا وتفرغك لما تريد من الآخرة؟ قال: لا، ولكن غير ذلك، لا تذكرني لأحدٍ ولا تذكر هذا لأحدٍ حتى أموت، ولا تأتني يا بن المنكدر، فإنك إن تأتني شهرتني للناس؛ فقلت: إني أحب أن ألقاك؛ قال: القني في المسجد؛ وكان فارسياً، فما ذكر ذلك ابن المنكدر لأحدٍ حتى مات الرجل؛ قال: ثم انتقل من تلك الدار فلم ير ولم يدر أين ذهب، فقال أهل تلك الدار: الله بيننا وبين ابن المنكدر، أخرج عنا الرجل الصالح.
قال محمد بن المنكدر: إن الله تعالى ليصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وداره، حتى يصل إلى الدويرات حوله، ما يزالون في حفظٍ من الله؛ وفي روايةٍ: ما يزالون في ستر الله وحفظه.
قال ابن المنكدر: لو أن رجلاً صام الدهر لا يفطر، وقام الليل لا يفتر، وتصدق بماله، وجاهد في سبيل الله، واجتنب محارم الله، غير أنه يؤتى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق، في ذلك الجمع الأعظم بين يدي رب العالمين، فيقال: إن هذا عظم في عينيه ما صغر الله، وصغر في عينيه ما عظم الله، كيف ترى تكون حاله؟ فمن منا ليس هكذا الدنيا عظيمة عنده مع ما اقترفنا من الذنوب والخطايا.
قال ابن المنكدر: العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل.
اجتمعوا حول ابن المنكدر وهو يصلي، وكان رجلاً عابداً، فانصرف إليهم، فقال: قد أتعبتم الواعظين، إلى متى تساقون سوق البهائم قال ابن المنكدر: نعم العون على تقوى الله الغنى.(23/266)
وعن محمد بن المنكدر: أنه جزع عند الموت، فقيل له: لم تجزع؟ قال: أخشى آيةً من كتاب الله، قال الله عز وجل: " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " وإني أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسب.
وذكرت هذه الحكاية عن أحد أخوي محمد، أبي بكر أو عمر، وأنه قال: ما أبكي أن أكون أتيت شيئاً ركبته من معاصي الله عز وجل اجتراءً على الله سبحانه، ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئاً أحسبه هيناً وهو عند الله عظيمٌ؛ قال: وبكى الآخر عند الموت، فقيل له مثل ذلك، فقال: إني سمعت الله عز وجل يقول لقومٍ: " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " وأنا أنتظر ما ترون، والله ما أدري ما يبدو لي.
جاء صفوان إلى محمد بن المنكدر، وهو في الموت، فقال: يا أبا عبد الله كأني أراك قد شق عليك الموت فما زال يهون عليه وينجلي عنه، حتى لكأن في وجهه المصابيح؛ ثم قال له محمد: لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك؛ ثم قضى.
توفي محمد بن المنكدر في خلافة مروان بن محمد، قالوا: سنة ثمانٍ وعشرين؛ وقيل: سنة ثلاثين ومئة؛ وقيل: سنة إحدى وثلاثين ومئة؛ وقيل: سنة ست وثلاثين ومئة.
قال المنكدر بن محمد بن المنكدر: رأيت في منامي كأني دخلت مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا الناس مجتمعون على رجلٍ في الروضة، فقلت: من هذا؟ فقيل: رجلٌ قدم من الآخرة يخبر الناس عن موتاهم؛ فإذا الرجل صفوان بن سليم، والناس يسألونه وهو يخبرهم؛ وفي آخر: فأراني أهاب أن أسأله عن أبي لأني ما أدري ما يخبرني، فقال: أما ها هنا أحدٌ يسألني عن محمد بن المنكدر؟ وطفق الناس يقولون: هذا ابنه، هذا ابنه؛ ففرجت الناس فقلت: أخبرنا رحمك الله؛ قال: أعطاه الله من الجنة كذا، وأعطاه كذا، وأعطاه، وأرضاه، وأسكنه منازل في الجنة وبوأه، ولا طعن عليه ولا موت.(23/267)
محمد بن منير بن محمد بن عنبسة
ابن منير بن عبد الملك أبو جعفر المصري، مولى قريش حدث عن يونس بن عبد الأعلى، بسنده إلى عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عليهم يوماً، وفي وجهه البشر، فقال: " إن جبريل جاءني فقال لي: أبشرك يا محمد بما أعطاك الله عز وجل من أمتك، وما أعطى أمتك منك؛ من صلى عليك منهم صلاةً صلى الله عليه، ومن سلم عليك سلم الله عليه ".
توفي أبو جعفر سنة تسعٍ وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن موسى بن حبشون
أبو بكر المراغي ثم الطرسوسي، أمير الساحل حدث عن أبي نصر فتح بن أفلح، بسنده إلى جابر، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رأيت على باب الجنة مكتوب: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، علي أخو رسول الله صلى الله عليهما ".
وحدث عن محمد بن حصن بن خالد الألوشي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تصدقوا فإن في الصدقة فكاكاً من النار " وفي روايةٍ: " فكاكم من النار ".
سمع سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.
محمد بن موسى بن عبد الله
أبو عبد الله البلاساغوني، الترك، الحنفي، يعرف باللامشي القاضي حدث عن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الدامغاني، بسنده إلى زيد بن ثابت، قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين يديه كاتبٌ يكتب، فسمعته يقول: "(23/268)
ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمالي ".
ولي قضاء دمشق، وكان غالياً في مذهب أبي حنيفة، وهو الذي رتب الإقامة في جامع دمشق مثنى مثنى.
كان أبو الحسن بن قبيس الفقيه يسيء الثناء على اللامشي القاضي ويذكر أنه كان يقول: لو كانت لي ولايةٌ لأخذت من أصحاب الشافعي الجزية وكان مبغضاً لأصحاب مالك أيضاً ولم تكن سيرته في القضاء محمودةٌ.
توفي سنة ست وخمس مئة.
محمد بن موسى بن فضالة
ابن إبراهيم بن فضالة بن كثير بن عبد الله أبو عمر القرشي، مولى عبد العزيز بن مروان بن الحكم حدث عن أبي قصي إسماعيل بن محمد بن إسحاق الأصم، بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أيها الناس، إن لله سرايا من الملائكة تقف وتحل على مجالس الذكر زاد في آخر: فاربعوا في رياض الجنة، قلنا: أين رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس الذكر اغدوا وروحوا في ذكر الله، وذكروه بأنفسكم، من كان يحب يعلم كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله تبارك وتعالى عنده، فإن الله ينزل العبد حيث أنزله من نفسه ".
توفي أبو عمر سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.(23/269)
محمد بن موسى بن محمد
أبو عبد الله بن الفحام
حدث سنة ست وعشرين وأربع مئة، عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلى علي مرةً واحدةً كتب الله له بها عشر حسناتٍ ".
وفي روايةٍ: " من صلى علي واحدةً يصلي الله عليه عشراً ".
محمد بن موسى بن هارون
أبو بكر العسكري حدث عن محمد بن عبد الأعلى بن محمد بن عبد الأعلى، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثةٌ لا تقبل لهم صلاةٌ؛ رجلٌ يؤم قوماً وهم له كارهون، ورجلٌ أتى الصلاة دبارا والدبار الذي يأتيها بعد الوقت ورجلٌ تعبد محررا ".
محمد بن موسى أبو موسى
مولى بني هاشم، البغدادي سمع منه أبو بكر الصولي سنة ثمانٍ وسبعين ومئتين.
قال محمد بن موسى مولى بني المنتصر: كنت عند أحمد بن المدبر بدمشق، فقدم عليه عبد السلام ديك الجن، فأقام ببابه أياماً لا يصل إليه فكتب إليه رقعةً فيها من أبيات: من البسيط
إني ببابك لا ود يقربني ... ولا نسيبي يعلو بي ولا نسبي(23/270)
إن كان عرفك مذخوراً لذي حسبٍ ... فاشدد يديك على حر أخي حسب
أو كان نيلك مذخوراً لذي نسبٍ ... فاضمم يديك فإني لست للعرب
إني امرؤٌ نجدي في ذروتي شرفٍ ... لقيصرٍ ولكسرى مجتدي وأبي
فإن تجد تجد النعما وتحظ بها ... وإن تضق لا يضق في الأرض مطلبي
منها:
ما شدة الحرص من شأني ولا طلبي ... ولا المكاسب من همي ولا أربي
لكن نوائب تأتيني وحادثةٌ ... والدهر يطرق بالأحداث والنوب
وليس يعرف لي قدري ولا حسبي ... إلا امرؤ كان ذا قدرٍ وذا حسب
واعلم بأنك ما أسديت من حسنٍ ... عندي أبا حسنٍ أنقى من الذهب
فلما قرأها فعده عني بما يحب، وأدخله إلي؛ وكتب في رقعةٍ: من السريع
ما عندنا شيءٌ فنعطيه ... ولا يفي بالشكر شكريه
فإن رضي بالشعر من شعره ... عارضت في حسنٍ قوافيه
وإن يكن تقنعه دعوةٌ ... دعوت ربي أن يعافيه
وإن رضي ميسور ما عندنا ... أمرت نجحا أن يغنيه
قال: فأوصلتها إليه؛ فلما قرأها، قال: والله لأجعلن أمه حقاً؛ قال: فوعدته بما يحب، وأدخلته إلى أحمد، فأقام عنده، ووصله، وأحسن إليه.
محمد بن أبي موسى
حدث عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي موسى الأشعري، قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنبيذ جر ينش، فقال: " اضرب بهذا الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ".(23/271)
وفي رواية: له نشيشٌ، فقال: " اضرب بهذا الحائط، وقال: إنما يشرب هذا من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ".
محمد بن المؤمل بن أحمد بن الحارث
ابن عمرو ابن عبد الله بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن المؤمل أبو جعفر العدوي المؤملي سمع بدمشق وغيرها.
حدث في مسجد الحرام وكان من كبار العقلاء عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن علية، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سجد في " إذا السماء انشقت " و" اقرأ باسم ربك " أبو بكر وعمر ومن هو خير منهما صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحدث عن أحمد بن محمد بن زرقان، بسنده إلى الحسين بن سعيد بن حسين الواسطي، قال: كنت عند الحسن جالساً فأتاه رجلٌ فقال: أخبرني عن الله عز وجل، يرى في الدنيا؟ قال: لا؛ قال: فيرى في الآخرة؟ قال: نعم؛ قال: فمن أين افترقا؟ قال: لأن الدنيا فانيةً فانٍ ما فيها، والآخرة باقيةٌ باقٍ ما فيها، فمحالٌ أن يرى الباقي بالفاني، فإذا كان يوم القيامة خلقت لهم أعين باقية فينظرون إلى الباقي بالباقي.
توفي أبو جعفر العدوي سنة تسع وثلاث مئة بمكة، وكان ثقةً عالماً بالنحو واسع الرواية.(23/272)
محمد بن مهاجر بن دينار
ابن أبي مسلم الأنصاري مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، أخو عمرو بن مهاجر صاحب حرس عمر بن عبد العزيز.
حدث عن عقيل بن شبيب، عن أبي وهب الجشمي، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارثٌ وهمام، وأقبحها حربٌ ومرة ".
وبه، قال:
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها؛ أو قال: أكفالها، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار ".
وبه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بكل كميتٍ أغر محجلٍ، أو أدهم أغر محجلٍ ".
وحدث عن أبيه، عن أسماء بنت يزيد، قالت: مر بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا في جواري أتراب، فقال: " إياكم وكفر المنعمين " وكنت أجرأهن عليه مسألةً، فقلت: يا رسول الله، وما كفر المنعمين؟ قال: " لعل إحداكن أن تطول أيمتها عند أبويها، ثم يرزقها الله ولداً، ثم تغضب الغضبة فتكفرها، فتقول: والله ما رأيت منك خيراً قط ".
وحدث عن أبي سعيد خادم الحسن، عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني، وإن الله قد باهى بالناس عشية عرفة عامة، وإن الله باهى بعمر خاصة، وإنه لم يبعث نبي قط إلا كان في(23/273)
أمته من يحدث، فإن يكن في أمتي منهم أحدٌ فهو عمر " قيل: يا رسول الله، كيف يحدث؟ قال: " تتكلم الملائكة على لسانه ".
وحدث عن سليمان بن موسى، عن كريب، عن أسامة بن زيد، قال: سمعت رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر الجنة يوماً فقال: " ألا مشمر لها، هي ورب الكعبة ريحانةٌ تهتز ونورٌ يتلألأ، ونهرٌ مطردٌ، وزوجة لا تموت، في حبورٍ ونعيمٍ ومقام أبدٍ ".
وفي حديث آخر: " ألا هل مشمر للجنة، فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نورٌ يتلألأ، وريحانةٌ تهتز، ونهرٌ مطردٌ، وقصرٌ مشيدٌ، وفاكهةٌ نضيجةٌ كثيرةٌ، وحللٌ كثيرةٌ، وزوجة حسناء جميلةٌ، في مقام أبدٍ، في حبرةٍ ونظرةٍ ونعمةٍ، في دارٍ عاليةٍ سليمةٍ بهيةٍ " قالوا: نحن المشمرون لها يا رسول الله، قال: " قولوا: إن شاء الله " قال: ثم ذكر الجهاد وحض عليه.
مات محمد بن مهاجر سنة سبعين ومئة؛ وكان ثقةً متقناً.
محمد بن مهران بن أحمد بن محمد
ابن مهران أبو عبد الله الجوني، يعرف بشيخ الإسلام قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.
روى عن أبي بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور، بسنده إلى ابن عمر قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ يعظ أخاه في الحياء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحياء من الإيمان ".
وحدث عن أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، بسنده إلى أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات ".(23/274)
محمد بن ميمون
ويقال: ميمون بن عياش بن الحارث الغطفاني التغلبي، جد أحمد بن أبي الحواري حدث أحمد بن أبي الحواري، عن أبيه، عن جده أنه رأى موضع أركان قبة مسجد دمشق، وقد بلغت الماء.
محمد بن نجيح أبو جعفر
أحد الزهاد قال أبو جعفر: كنت أماشي بعض عباد أهل البصرة، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل الشام؛ قال: فأقرئ عباد أهل الشام مني السلام، وأعلمهم، أو قال: قل لهم: اعلموا أن عمال الرحمن لو لم تكن لهم الجنة داراً، كانوا في الدنيا أحرارا.
محمد بن نصر بن أحمد
أبو طاهر الغرابيلي الموصلي قدم دمشق حاجاً وحدث عن أبي الحسن محمد بن علي بن سليمان بن نخشل، الشيخ الصالح بالموصل، بسنده إلى أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة، ومن قرأ ثلثيه أعطي ثلثي النبوة، ومن قرأ القرآن كله أعطي النبوة كلها، ويقال له يوم القيامة: اقرأ وارقه بكل آيةٍ درجةً حتى ينجز ما معه من القرآن، ثم يقال له: اقبض، فيقبض بيده، ثم يقال له: اقبض، فيقبض، ثم يقال له: هل يدري ما في يديك؟ فإذا في يده اليمنى الخلد، وفي الأخرى النعيم ".(23/275)
محمد بن نصر بن إبراهيم
أبو علي السجزي الصوفي المعروف بالكيال حدث بدمشق روى عن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان النوقاتي؛ بسنده إلى نافع أبي هرمز، قال: أكريت ابن سيرين إلى مكة، فأتاني نفرٌ فأكريتهم، فقال: قد اكتريتم؟ قالوا: نعم؛ قال: فدعا لهم، بارك الله لكم؛ ثم قال لهم: لي إليكم حاجتان؛ قالوا: وما هما يا أبا بكر؟ قال: أكون مؤذنكم ولا أكون إمامكم، وسفرتي توضع أول سفركم.
محمد بن نصر بن صغير بن خالد
أبو عبد الله القيسراني شاعرٌ مكثرٌ، وتولى إدارة الساعات التي على باب الجامع، وسكن فيها مدةً؛ فمن شعره: من مجزوء الرمل
من لقلبٍ بألف الفكرا ... ولعينٍ ما تذوق كرى
ولصب بالغرام قضى ... ما قضى من وصلكم وطرا
ويح قلبي من هوى قمرٍ ... أنكرت عيني له القمرا
حالفت أجفانه سنةٌ ... قتلت عشاقه سهرا
ومن شعره في أبي الحسين: من الكامل
أشجى سيوف الهند أم عيناك ... وجنى جني الورد أم خداك
يا ربة المغنى الذي غادرته ... قفراً وصيرت الحشا مغناك(23/276)
جودي بمأمول النوال فإنني ... أصبحت مفتقراً إلى جدواك
وأراك يغشاني خيالك في الكرى ... أترى خيالي في الكرى يغشاك
حجبوك أم حجبو الحياة فإنني ... ميتٌ أرى حياً غداة أراك
ولقد رميت فما أصابت أسهمي ... ورميتني فأصابني سهماك
وعلقت في أشراككم فاصطدتني ... وتعطلت عن صيدكم أشراكي
وأعرت جمي من جفونك سقمها ... فتحمكت في مهجتي عيناك
ولقد مللت قياد قلبي طائعاً ... وفتكت فيه بلحظك الفتاك
إني أحلا عن موارد لم تزل ... مبذولة السقيا لعود أراك
ردي الوصال على قتيل صبابةٍ ... ما كان يسلم نفسه لولاك
سيعود منك إذا تراكمت المنى ... بأبي الحسين لعله يلقاك
بفتىً يجير المستجير إذا عرى ... إذ كان لا يحمي اللهيف حماك
يلقى المعبس من صروف زمانه ... بطلاقة المتهلل الضحاك
يتصرف العافون في أمواله ... قبل السؤال تصرف الملاك
ولد أبو عبد الله سنة ثمانٍ وسبعين وأربع مئة بعكا، ونشأ بقيسارية، وتوفي سنة ثمانٍ وأربعين وخمس مئة.
محمد بن نصر بن عبد الرحمن
أبو جعفر الهمداني، يعرف بمموس القطان سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن عبد الله بن ذكوان، بسنده إلى ابن عباس، قال: لما عزي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان بن عفان، قال: " الحمد لله، دفن البنات من المكرمات ".(23/277)
وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى معاوية بن أبي سفيان، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صبوا علي من سبع قربٍ من آبارٍ شتى، حتى أخرج إلى الناس وأعهد إليهم " قال: فخرج عاصباً رأسه، حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " إن عبداً من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله " فلم يلقنها إلا أبو بكر، فبكى، وقال: نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأبنائنا؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك، أفضل الناس عندي في الصحبة وذات اليد ابن أبي قحافة، انظروا هذه الأبواب الشوارع من المسجد فسدوها، إلا ما كان من باب أبي بكر، فإني رأيت عليه نوراً ".
قال المصنف: في هذا الحديث وهمٌ فظيعٌ؛ فإن معاوية لم يرو هذا الحديث، وإنما رواه أيوب بن النعمان أحد بني معاوية مرسلاً، فظن الطبراني أن: أحد بني معاوية؛ حدثني معاوية؛ فغير حدثني بسمعت، ونسب معاوية إلى أبي سفيان والصواب فيه ما روي عن أيوب بن بشير بن النعمان بن أكال الأنصاري، أحد بني معاوية قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صبوا علي من سبع قربٍ من آبارٍ شتى حتى أخرج إلى الناس وأعهد إليهم " فخرج إليهم عاصباً رأسه، حتى ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر قتلى أحد فصلى عليهم فأكثر الصلاة، ثم قال: " يا معشر المهاجرين، إنكم قد أصبحتم تزيدون وإن الأنصار على حالها لا تزيد، وإنهم عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم " ثم قال: " إن عبداً من عباد الله " الحديث.
محمد بن نصر أبو عبد الله
المروزي الفقيه أحد الأئمة المشهورين والمصنفين.
سمع بدمشق وغيرها.(23/278)
حدث عن عبد الأعلى بن حماد الزينبي، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأول رجلٍ ذكرٍ ".
ولد محمد بن نصر المروزي سنة اثنتين ومئتين ببغداد، ونشأ بنيسابور، ورحل إلى سائر الأمصار في طلب العلم؛ وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، ولو لم يصنف إلا كتاب القسامة لكان من أفقه الناس، فكيف وقد صنف كتباً سواه؟ قال أبو محمد الثقفي: سمعت جدي يقول: جالست أبا عبد الله المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول المدة يتكلم في غير العلم، إلا أني حضرته يوماً، وقيل له عن ابنه إسماعيل، وما كان يتعاطاه: لو وعظته أو زبرته؛ فرفع رأسه وقال: أنا لا أفسد مروءتي بصلاحه.
قال أبو بكر أحمد بن إسحاق: ما رأيت أحسن صلاةً من أبي عبد الله، فلقد بلغني أن زنبوراً قعد على جبهته، فسال الدم على وجهه ولم يتحرك.
قالوا: وكان يضع ذقنه على صدره فينصب كأنه خشبةٌ منصوبةٌ، وكان الذباب يقع على أذنه فيسيل الدم ولا يذبه عن نفسه، وكان من أحسن الناس خلقاً، كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، وعلى خديه كالورد، ولحيته بيضاء.
كان إسماعيل بن أحمد والي خراسان يصل محمد بن نصر في كل سنةٍ بأربعة آلاف درهمٍ، ويصله أخوه إسحاق بن أحمد بأربعة آلاف درهم، ويصله أهل سمرقند بأربعة آلاف درهمٍ، فكان ينفقها من السنة إلى السنة، من غير أن يكون له عيال؛ فقيل له: لعل هؤلاء الذين يصلونك يبدو لهم، فلو جمعت من هذا لنائبةٍ؟ فقال: يا سبحان الله، أنا بقيت بمصر كذا وكذا سنةً، فكان قوتي وثيابي وكاغدي وحبري وجميع ما أنفقه على نفسي في السنة عشرين درهماً فترى إن ذهب هذا لا يبقى ذاك؟(23/279)
قال محمد بن نصر: خرجت من مصر ومعي جاريةٌ لي، فركبت البحر أريد مكة، فغرقت، فذهب مني ألفا جزءٍ، وصرت إلى جزيرةٍ أنا وجاريتي، فما رأينا فيها أحداً، وأخذني العطش، فلم أقدر على الماء، وأجهدت، فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلماً للموت، فإذا رجلٌ قد جاءني، ومعه كوزٌ فقال: هاه، فأخذت فشربت، وسقيت الجارية، ثم مضى، فما أدري من أين جاء ولا إلى أين ذهب قال الأمير بن إسماعيل بن أحمد: كنت بسمرقند، فجلست يوماً للمظالم، وأخي إسحاق إلى جنبي، إذ دخل محمد بن نصر فقمت له إجلالاً لعلمه، فلما خرج عاتبني أخي إسحاق وقال: أنت والي خراسان، يدخل عليك رجلٌ من رعيتك، فتقوم له فبهذا ذهاب السياسة؛ فبت تلك الليلة وأنا متقسم القلب بذلك، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، كأني واقفٌ مع أخي إسحاق، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضدي فقال لي: " يا إسماعيل ثبت ملكك وملك بنيك بإجلالك لمحمد بن نصر " ثم التفت إلى إسحاق فقال: " ذهب ملك إسحاق وملك بنيه باستخفافه لمحمد بن نصر ".
توفي محمد بن نصر سنة أربعٍ وتسعين ومئتين، وقيل: سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة؛ وهو وهمٌ.
محمد بن نصر الدمشقي
قال: سمعت أبا إسحاق الرملي، يقول: كان عندنا رجلٌ يشير إلى الحقائق ويلحقه الوجد مع كل لحظةٍ ولفظةٍ، ثم غلب على عقله وخولط، فجعل يدور في المقابر ويدخل المدينة فيأخذ القوت ويخرج هارباً بين المقابر ويردد: من مخلع البسيط
قد ضل عقلي وذاب جسمي ... وصنت عهدي وخنت عهدك
لو قلت للنار: عذبيه ... إذ ابتلاني، أخفرت وعدك
لصرت في قعرها أنادي: ... إياك أبغي، إياك وحدك(23/280)
محمد بن نصر ويقال ابن نصير
أبو صادق الطبري سمع بدمشق.
وحدث بصيدا عن محمد بن سعيد التستري، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وصمتها إقرارها ".
محمد بن نصر أبو طاهر
الأسبيجاني الخطيب قدم دمشق حاجاً.
وحدث بها في سنة تسعٍ وثلاثين وأربع مئة، عن أبي نصر أحمد شاه المروزي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيار أمتي علماؤها، وخيار علمائها رحماؤها، ألا وإن الله تعالى ليغفر للعالم أربعين ذنباً قبل أن يغفر للجاهل ذنباً واحداً، ألا وإن العلم يجيء يوم القيامة كأن نوره آضا شيءٍ، مشى فيه ما بين المشرق والمغرب ".
محمد بن أبي نصر
أبو بكر المروذي الصوفي سكن دمشق.
وحدث في جامعها سنة إحدى وستين وأربع مئة، عن أبي نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر بن أيوب، بسنده إلى الجنيد، قال:
وسئل الخليل بن أحمد عن التزهد، فقال: لا تطلب المفقود حتى تتفقد الموجود.
وبه، قال: الجلوس مع الأضداد حمى الروح.(23/281)
وبه، قال: وسئل عن الفتوة، فقال: استعمال كل خلقٍ سني، والتبري من كل خلق دني، وأن تعمل ولا ترى أنك عملت.
محمد بن النضر بن مر بن الحر
أبو الحسن الربعي المقرئ، المعروف بابن الأخرم الدمشقي كان الإقراء صنعته مع جلالة قدره، وواسع ما يحفظه من التفسير ومعاني القراءات، إلى ما كان يعلمه من العربية في وجوه القراءات، وكان يذاكر بذلك من يذاكره، ويبتدئ بما خطر له منه من حضره، وإن لم يسأله عن شيء منه رغبةً في تعليم العلم، مع حسن خلقه، وتواضعه، وانبساطه، وإعانته من يقرأ عليه بالإشارات بيده وفيه، مرةً إلى الضم، ومرةً إلى الفتح، ومرةً إلى الكسر، ومرةً إلى الإدغام، ومرةً إلى الإظهار، بإشاراتٍ عرفت منه.
وتوفي سنة إحدى وأربعين، أو سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة، وكان اليوم الذي مات فيه صائفاً، وصعدت غمامةً على جنازته من المصلى إلى قبره، وكانت له رحمه الله شبه الآية.
محمد بن النعمان بن بشير بن سعد
الأنصاري حدث عن أبيه، أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ " فقال: لا؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فارجعه ".
ومحمد بن النعمان مدني تابعي ثقةٌ.(23/282)
محمد بن النعمان بن بشير السقطي
أبو عبد الله السقطي أصله من نيسابور، وسكن بيت المقدس.
حدث عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى عبد الله بن محصن، أن له عمةً دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض الحاجة، فقضت حاجتها، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أذات زوجٍ أنت؟ " قالت: نعم؛ فقال: " كيف أنت له؟ " فقالت: ما ألوه إلا ما عجزت عنه؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبصري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك ".
توفي السقطي سنة ثمانٍ وستين ومئتين.
محمد بن النعمان بن نصير
ويقال: نصر ابن النعمان بن يحيى بن مالك أبو بكر العنسي إمام جامع صور.
حدث في سنة سبعٍ وأربعين وثلاث مئة، بسنده إلى داود بن عجلان، قال: طفت مع أبي عقالٍ في مطرٍ، فلما فرغنا من طوافنا قال: ائتنفوا العمل، فإني طفت مع أنس بن مالك في مطرٍ، فلما فرغنا من طوافنا، قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتنفوا العمل فقد غفر لكم ".
حدث أبو بكر هذا بصور في سنة ثلاثٍ وخمسين وثلاث مئة.(23/283)
وحدث عن أبي عبد الملك الحراني، بسنده، أن عمر بن الخطاب قال: ويلٌ لديان من في الأرض من ديان من في السماء، إلا من أم العدل، وقضى بالحق، ولم يقض على رغبٍ ولا رهبٍ ولا قرابةٍ، وجعل كتاب الله مرآةً بين عينيه.
محمد بن أبي نعيم بن علي
ابن منصور أبو عبد الله النسوي الشافعي المقرئ، المعروف بالبويطي حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، بسنده إلى عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مثل الماهر بالقرآن مثل السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأه وهو عليه شاق ويتعاهده له أجران ".
توفي أبو عبد الله محمد بن أبي نعيم سنة تسعين وأربع مئة، وذكر أنه ولد في سنة أربع وتسعين وثلاث مئة بنسا.
محمد بن نوح بن عبد الله
ويقال: ابن أحمد أبو الحسن الجنديسابوري حدث عن أبي الربيع عبيد الله بن محمد الحارثي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف، وإن فيهم الكبير، وإن فيهم السقيم، وإذا صلى وحده فليطل ما شاء ".(23/284)
سئل الدارقطني عن محمد بن نوح، فقال: هو ثقةٌ مأمون، وكان أسوأ خلقاً من أن يكون غير ثقةٍ.
توفي في سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن النوشجان أبو جعفر البغدادي
المعروف بالسويدي لقب بذلك لأنه رحل إلى سويد بن عبد العزيز قاضي بعلبك، فسمع منه.
حدث عن أبي الربيع سليمان بن عتبة الدمشقي، بسنده إلى أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يدخل الجنة عاق ولا مؤمن بسحرٍ ولا مدمن خمرٍ ولا مكذبٌ بقدر ".
وحدث عن الدراوردي، بسنده إلى أبي واقد الليثي
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأزواجه في حجة الوداع: " هذه ثم الزموا ظهور الحصر ".
محمد بن وارد أبو خلاد الحميري الفلسطيني
كان أقرأ بالباب من بلاد الترك.
قال معاذ بن رفاعة السلامي: كنت مع أبي خلاد بالباب، فكنا ندرس معه القرآن جميعاً، ثم لا نسجد حتى يمكن الركوع، قال: وكنا نقرأ عليه بعد فراغنا من الدراسة رجلاً رجلاً، ثم لا نسجد حتى يمكن الركوع، قال: من قرأ منكم بسجدةٍ فليقرأها؛ فنقرأهن، ثم يسجد بنا جميعاً سجدةً واحدةً.(23/285)
محمد بن واسع بن جابر بن الأخنس
ابن عايد بن خارجة بن زياد بن شمس، من ولد عمرو بن نصر بن الأزد أبو عبد الله؛ ويقال: أبو بكر الأزدي البصري قال محمد بن واسع: قدمت مكة فلقيت بها أخي سالم بن عبد الله، فحدثني عن أبيه، عن جده، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قديرٌ؛ كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة " قال: فقدمت خراسان فلقيت قتيبة بن مسلم، فقلت: إني أتيتك بهديةٍ، فكان يركب في موكبه فيأتي السوق، فيقولها، ثم يرجع.
قال عبد الواحد بن زيد: خرجت أنا، ومحمد بن واسع، ومالك بن دينار، نؤم بيت المقدس، فلما كنا بين الرصافة وحمص سمعنا منادياً ينادي بين تلك الرمال: يا محفوظ، يا مستور، اعقل في ستر من أنت، فإن كنت لا تعقل فاحذر الدنيا، وإن كنت لا تحسن أن تحذرها فاجعلها شوكةً، وانظر أين تضع رجلك.
وكان أبو عبد الله أحد المعدودين في العبادة ممن يستنصر به ويرجى مشهده، وكان غزا مع قتيبة بن مسلم، فأصابتهم شدةٌ حتى خافوا الهلاك، فقال قتيبة: انظروا محمد بن واسع؛ فطلب فوجدوه في صحراء، قائماً على ركبتيه يدعو ويشير بأصبعه، فأخبر قتيبة بذلك، فقال قتيبة: احملوا على القوم، فإن الله لا يضيع جيشاً فيهم محمد؛ فقال بعض رؤساء العسكر: إنا لم نر عند هذا الرجل الذي طلبت كثير قوةٍ، إنما كان يدعو ويشير بأصبعه؛ فقال: لأصبعه الذي أشار أحب إلي من ألف فارسٍ.(23/286)
قال أبو جعفر جبير: رأى رجلٌ من أهل البصرة كأن منادياً ينادي من السماء: خير رجلٍ بالبصرة محمد بن واسع.
قال صالح المري:
قال لي مالك بن دينار: اغد علي يا صالح إلى الجبان، فإني قد وعدت نفراً من إخواني بأبي جهير مسعود الضرير، نسلم عليه؛ قال صالح المري: وكان أبو جهيرٍ هذا رجلاً قد انقطع إلى زاويةٍ يتعبد فيها، ولم يكن يدخل البصرة إلا يوم جمعة وقت الصلاة، ثم يرجع من ساعته؛ قال: فغدوت لموعد مالك، وإذا معه محمد بن واسع وثابت البناني وحبيب، فلما رأيتهم قلت: هذا يوم سرورٍ؛ فانطلقنا نريد أبا جهير، فكان مالك إذا مر بموضعٍ نظيفٍ قال: يا ثابت صل ها هنا لعله أن يشهد لك غداً؛ فكان ثابت يصلي، ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى موضعه، فسألنا عنه فقالوا: الآن يخرج إلى الصلاة؛ فخرج رجلٌ إن شئت قلت: قد نشر من قبره، فوثب رجلٌ فأخذ بيده حتى أقامه عند باب المسجد، فأذن ثم أمهل يسيراً، ثم دخل المسجد فصلى ما شاء الله، ثم أقام الصلاة، فصلينا معه، فلما قضى صلاته جلس كهيئة المهموم، فتوافر القوم في السلام عليه، فتقدم محمد بن واسع فسلم عليه، فرد عليه والسلام، فقال: من أنت؟ لا أعرف صوتك؛ قال: أنا من أهل البصرة؛ قال: ما اسمك، يرحمك الله؟ قال: أنا محمد بن واسع؛ قال: مرحباً وأهلاً، أنت الذي يقول هؤلاء القوم وأومى بيده إلى البصرة: إنك أفضلهم؟ لله أنت إن قمت بشكر ذلك، اجلس؛ فجلس؛ فقام ثابت البناني، فسلم عليه فرد عليه السلام، وقال: من أنت، يرحمك الله؟ قال: أنا ثابت البناني قال: مرحباً بك يا ثابت، أنت الذي يزعم أهل هذه القرية أنك من أطولهم صلاةً؟ اجلس، ولقد كنت أتمناك على ربي؛ فقام إليه حبيب أبو محمد، فسلم عليه، فرد عليه السلام، وقال: من أنت، يرحمك الله؟ قال: أنا حبيب أبو محمد؛ فقال: مرحباً بك يا أبا محمد، أنت الذي يزعم هؤلاء القوم أنك لم تسأل الله شيئاً إلا أعطاك؟ فهلا سألته أن يخفي لك ذلك؟ اجلس يرحمك الله؛ وأخذ بيده فأجلسه إلى جنبه؛ فقام إليه مالك بن دينار،(23/287)
فسلم عليه، فرد عليه؛ وقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا مالك بن دينار؛ قال: بخٍ بخٍ، أبو يحيى، إن كنت كما يقولون أنت الذي يزعم هؤلاء القوم أنك أزهدهم؟ اجلس، فالآن تمت أمنيتي على ربي في عاجل الدنيا؛ قال صالح: فقمت إليه لأسلم عليه؛ وأقبل على القوم، فقال: انظروا كيف تكونون غداً بين يدي الله في مجمع القيامة؛ قال: فسلمت عليه، فرد علي؛ فقال: من أنت يرحمك الله؟ قلت: أنا صالح المري؛ قال: أنت الفتى القارئ، أنت أبو بشر؟ قلت: نعم؛ قال: اقرأ يا صالح، فلقد كنت أحب أن أسمع قراءتك؛ قال صالح: فحضرني والله ما كنت قد فقدته، فابتدأت فقرأت، فما استتممت الاستعاذة حتى خر مغشياً عليه، ثم أفاق إفاقةً فقال: عد في قراءتك يا صالح، فإني لم أقطع نفسي منها؛ قال صالح: ورأيت شيئاً عجباً لم أره من أحدٍ من المتعبدين؛ كان إذا سمع القرآن فتح فاه؛ قال: فعدت فقرأت: " " وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً " فصاح صيحةً، ثم انكب لوجهه، وانكشف بعض جسده، فجعل يخور كما يخور الثور، ثم هدأ، فدنونا منه ننظر فإذا هو قد خرجت نفسه كأنه خشبةٌ؛ فخرجنا فسألنا: هل له أحدٌ؟ قالوا: عجوزٌ تخدمه تأتيه الأيام؛ فبعثنا إليها فجاءت فقالت: ما له؟ قلنا: قرئ عليه القرآن فمات قالت: حق له، من ذا الذي قرأ عليه؟ لعله صالح القارئ؟ قلنا: نعم، وما يدريك من صالح؟ قالت: لا أعرفه غير أني كثيراً ما كنت أسمعه يقول: إن قرأ علي صالح قتلني قلنا: هو الذي قرأ عليه؛ قالت: هو الذي قتل حبيبي؛ فهيأناه ودفناه، رحمه الله.
كان محمد بن واسع إذا صلى المغرب يلتزق بالقبلة يصلي؛ فحدث خياطٌ قريبٌ منه قال: كان يقول في دعائه: أستغفرك من كل مقام سوءٍ، ومقعد سوءٍ، ومدخل سوءٍ، ومخرج سوءٍ، وعمل سوءٍ، وقول سوءٍ، ونبز سوءٍ، أستغفرك منه فاغفر لي، وأتوب إليك منه فتب علي، وألقي إليك بالسلام قبل أن يكون لزاماً.
قال مالك بن دينار: القراء ثلاثةٌ، قارئٌ للدنيا، وقارئٌ للرحمن عز وجل، وقارئٌ للملوك وأبناء الملوك؛ وإن محمد بن واسع من قراء الرحمن.(23/288)
حدث جليس لوهب بن منبه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى النائم، فقلت له: يا رسول الله أين الأبدال من أمتك؟ فأوحى بيده قبل الشام؛ فقلت: يا رسول الله: أما بالعراق منهم أحد؟ قال: " بلى، محمد بن واسع ".
قال مطر: لا نزال بخيرٍ ما بقي لنا أشياخنا مالك وثابت وابن واسع.
قال عبد الواحد بن زيد: كنت جالساً مع ثابت ومالك وأبان وحوشب وفرقد، فذكروا العذاب وما يخافون من قربه ونزوله، فبينا هم كذلك إذ أقبل محمد بن واسع، فقال بعضهم لبعض: ما ذام هذا بين أظهركم فإنا نرجوه.
قال جعفر بن سليمان: كنت إذا أحسست من قلبي قسوةً أتيت محمد بن واسع، فنظرت إليه نظرةً؛ قال: فكنت إذا رأيت وجهه رأيت وجه ثكلى؛ وسمعته يقول: أخوك من وعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه.
قيل لمحمد بن واسع: لم لا تجلس متكئاً؟ قال: تلك جلسة الآمنين وقيل لمحمد: إنك ترضى بالدون فقال: إنما رضي بالدون من رضي بالدنيا.
قال رجلٌ لمحمد بن واسع: إني لأحبك لله؛ قال: أحبك الذي أحببتني له، اللهم إني أعوذ بك أن أحب لك وأنت لي مبغضٌ.
قال أبو الطيب موسى بن سيار: صحبت محمد بن واسع من مكة إلى البصرة، فكان يصلي الليل أجمع في المحمل جالساً يومئ برأسه إيماءً؛ وكان يأمر الخادم يكون خلفه، ويرفع صوته حتى لا يفطن له؛ وكان ربما عرس من الليل، فينزل فيصلي، فإذا أصبح أيقظ أصحابه رجلاً رجلاً، يجيء إليه فيقول: الصلاة الصلاة، فإذا قاموا قال لنا: إن كان الماء قريباً فتوضؤوا، وإن كان الماء فيه بعدٌ وفي الماء الذي معكم قلةٌ فتيمموا، وأبقوا هذا للشفه.(23/289)
وكان محمد بن واسع يصوم الدهر ويخفي ذلك.
مر محمد بن واسع بقومٍ فقالوا: إن هذا أزهد من في الدنيا؛ فقال محمد لهم: وما قدر الدنيا حتى يحمد من زهد فيها.
قال محمد بن واسع: كل يومٍ منا إلى الموت منقلة؛ وسمع قوماً يقولون: مات فلان وترك الدنيا؛ قال: لقد أعظم هؤلاء الدنيا وما ترك.
أريد محمد بن واسع على القضاء، فأبى، فعاتبته امرأته، فقالت: لك عيالٌ وأنت محتاجٌ؛ قال: ما دمت ترينني أصبر على الخل والبقل فلا تطمعي في هذا مني.
قال رجل لمحمد بن واسع: أوصني؛ قال: أوصيك أن تكون ملكاً في الدنيا والآخرة؛ فقال الرجل: وكيف أكون ملكاً؟ قال: أزهد في الدنيا.
قال مالك بن دينار: إني لأغبط الرجل يكون عيشه كفافاً، فيقنع به؛ قال محمد بن واسع: أغبط من ذلك عندي من يصبح جائعاً ويمسي جائعاً وهو عن الله راضٍ.
قال ابن شوذب: قسم أميرٌ من أمراء البصرة على قراء أهل البصرة، فبعث إلى مالك بن دينار، فقبل، فأتى محمد بن واسع فقال: يا مالك قبلت جوائز السلطان؟ قال: فقال: يا أبا بكر سل جلسائي؛ فقالوا: يا أبا بكر اشترى بها رقاباً فأعتقهم؛ فقال له محمد: أنشدك الله أقلبك الساعة له على ما كان عليه قبل أن يجيزك؟ قال: اللهم لا؛ قال: أترى أي شيءٍ دخل عليك؟ فقال مالك لجلسائه: إنما مالكٌ حمارٌ حمارٌ، إنما يتعبد الله مثل محمد بن واسع.(23/290)
قال محمد بن واسع: إذا أقبل العبد بقلبه إلى الله تبارك وتعالى أقبل الله إليه بقلوب المؤمنين.
وقال محمد بن واسع: يكفي من الدعاء الورع اليسير، كما يكفي القدر من الملح.
دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم بخراسان، وعليه جبة صوفٍ، فقال له قتيبة: ما يدعوك إلى لبس هذه؟ فسكت؛ فقال قتيبة: أكلمك فلا تجيبني؟ فقال: أكره أن أقول: زهداً؛ فأزكي نفسي أو: فقراً؛ فأشكو ربي.
وقيل له: كيف أصبحت؟ فقال: قريباً أجلي، بعيداً أملي، سيئاً عملي.
قال محمد بن واسع: ليس أحدٌ أفضل من أحدٍ إلا بالعاقبة، ولو اكن للذنوب ريحٌ ما جلس إلينا أحدٌ.
قيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت موفوراً بالنعم، ورب يتحبب إلينا بالنعم، وهو عنا غني ونتبغض إليه بالمعاصي ونحن إليه فقراء.
كان بين ابن محمد بن واسع وبين رجلٍ شيءٌ، فشكاه إلى أبيه، فأرسل محمد إلى ابنه فقال له: وأي بني أنت؟ والله ما اشتريت أمك إلا بثلاث مئة درهم وما أبوك فلا كثر الله في المسلمين مثله.
قال سعيد ابن عامر: ونحن نقول: كثر الله في المسلمين مثله.
قال محمد بن واسع: ما بقي من لذة الدنيا إلا الصلاة في الجماعة ولقاء الإخوان.
قال محمد بن واسع: لم يبق من العيش إلا ثلاث خصالٍ؛ مجالسة رجلٍ عاقلٍ تصيب في مجالسته خيراً، إن زغت عن الطريق قومك؛ وكفافٌ من المعيشة ليس لله عليك فيه تبعةٌ، ولا لأحدٍ عليك فيه منةٌ؛ وصلاة جماعةٍ تكفي سهوها وتستوجب فضلها.(23/291)
وقال محمد: إن من الناس ناساً غرهم الستر وفتننهم الثناء، فإن قدرت أن لا يغلب جهل غيرك بك علمك بنفسك فافعل.
قال واصل مولى أبي عيينة:
كنت مع محمد بن واسع بمرو، فأتاه عطاء بن مسلم ومعه ابنه عثمان؛ فقال عطاء لمحمد: أي عملٍ في الدنيا أفضل؟ قال: صحبة الأصحاب، ومحادثة الإخوان إذا اصطحبوا على البر والتقوى فحينئذٍ يذهب الله بالخلاف من بينهم، ولا خير في صحبة الأصحاب، ومحادثة الإخوان، إذا كانوا عبيد بطونهم، لأنهم إذا كانوا كذلك ثبط بعضهم بعضاً عن الآخرة.
قال عطاء: يا أبا عبد الله بينا أنا قائمٌ أصلي وأنا غلامٌ إذ أتاني رجلٌ على فرسٍ؛ فقال: يا غلام، عليك بالبر والتقوى فإن البر والتقى يهديان إلى الإيمان، وإياك والكذب والفجور، فإن الكذب والفجور يهديان إلى النار؛ ثم قال: يا بن أخي اصحب أولياء الله فإن أولياء الله هم الألباء العقلاء الحذرون المسارعون في رضوان الله المراقبون الله، فإذا رأيت أهل هذه الصفة فاقرب منهم، فهم أولياء الله؛ فقلت: كيف أعرف أهل النفاق والكذب والفجور؟ قال: أولئك قومٌ إذا رأيتهم يأباهم قلبك، ولا يقبلهم عقلك، إذا سمعت كلامهم سمعت كلاماً خلو الإرادة، ولا منفعة له، وإياك أن تصحب أهل الخلاف؛ قلت: ومن أهل الخلاف؟ قال: المفارقون للسنة والكتاب؛ أولئك عبيد أهوائهم، تراهم مصطحبين وقلوبهم تلعن بعضهم بعضاً، فاحذر هؤلاء واجتنبهم، وعليك بالصلاة، وانته عن محارم الله، وتقرب إلى الله بالنوافل، فإنك إذا كنت كذلك كنت شاكراً عالماً غنياً؛ ثم التفت فلم أر شيئاً.
مر محمد بن واسع بعثمان البتي فقال: إن هذا يقول فيه أهل البصرة منذ أربعين سنة: إنه خيرهم، وما وقر في قلبه من ذلك شيءٌ.(23/292)
قال محمد بن واسع لمالك بن دينار: يا أبا يحيى، حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدنانير والدراهم.
كتب محمد بن واسع إلى رجلٍ من إخوانه: سلامٌ عليك، أما بعد؛ فإن استطعت أن تبيت حين تبيت وأنت نقي الكف من الدم الحرام، خميص البطن من الطعام الحرام، خفيف الظهر من المال الحرام، فافعل؛ فإن فعلت فلا سبيل عليك، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق، والسلام عليك.
قال عبد العزيز بن أبي رواد: رأيت في يد محمد بن واسع قرحةً؛ قال: فكأنه رأى ما شق علي منها؛ فقال: أتدري ماذا لله علي في هذه القرحة من نعمة؟ مئة شكرٍ قال: إذ لم يجعلها على حدقتي، ولا على طرف لساني ولا على طرف ذكري؛ فهانت علي قرحته.
فقد محمد بن واسع رجلاً من أصحابه ثم لقيه فكأنه ذهب يعتذر، فقال له محمد: لا عليك مني كان الاكتفاء إذا كانت القلوب بنعمةٍ.
وكان محمد بن واسع عليةٌ، إذا كان الليل دخل ثم أغلقها عليه.
قال محمد بن واسع: أربعةٌ من الشقاء؛ طول الأمل، وقسوة القلب، وجمود العين، والبخل.
وقال: ليس لملولٍ صديقٌ، ولا لحاسدٍ راحةٌ، وإياك والإشارة على المعجب برأيه، فإنه لا يقبل.
رؤي محمد بن واسع يبيع حماراً له بسوق مرو؛ فقال له رجلٌ: أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لم أبعه.
قال الربيع: رأيت محمد بن واسع بهراة يماكس بقالاً؛ فقال: ترك المكاس غبنٌ، ومن رضي بالغبن فقد ضيع ماله.(23/293)
شتم عمر بن يزيد الأسيدي محمد بن واسع، وهو ساكتٌ لا يرد عليه شيئاً؛ فلما سكت قال له: يا مغرور، توشك أن تندم.
أراد ابن هبيرة محمد بن واسع على القضاء، فقال: لتجلسن أو لأضربنك مئة سوطٍ؛ فقال: إن تفعل فمسلطٌ، وذليل الدنيا خيرٌ من ذليل الآخرة.
قال محمد بن واسع: لقم الغضب وسف التراب خيرٌ من الدنو من السلطان.
وأراده بعض الأمراء على بعض الأمر فأبى، فقال له: إنك لأحمقٌ فقال محمد: ما زلت يقال لي هذا مذ أنا صغيرٌ.
استعمل بعض الأمراء بالبصرة عبد الله بن محمد بن واسع على الشرطة، فأتاه محمد بن واسع؛ فقيل له: محمدٌ بالباب فقال القوم: ظنوا به؛ فقال بعضهم: جاء يشكر الأمير على استعمال ابنه؛ فقال: لا ولكنه جاء يطلب لابنه الإعفاء؛ فأذن له، فدخل، فقال: أيها الأمير، بلغني أنك استعملت ابني، وإني لأحب أن تسترنا، سترك الله؛ قال: قد أعفيناه.
أتى محمد بن واسع رجلاً في حاجةٍ قال: أتيتك في حاجةٍ رفعتها إلى الله قبلك، فإن يأذن الله في قضائها قضيتها، وكنت محموداً؛ وإن لم يأذن في قضائها لم تقضها، وكنت معذوراً؛ قال: فقضى حاجته.
قال عمارة بن مهران:
قال لي محمد بن واسع: ما أعجب إلي منزلك؛ قلت: وما يعجبك من منزلي، وهو عند القبور؟ قال: وما عليك، يقلون الأذى ويذكرونك الآخرة.
قال أبو عاصم: كنت أمشي مع محمد بن واسع، فأتينا على المقابر، فدمعت عيناه، ثم قال لي: يا أبا عاصم، لا يغررك ما ترى من جمودهم، فكأنك بهم قد وثبوا من هذه الأجداث، فمن بين مسرورٍ ومغمومٍ.(23/294)
لما احتضر محمد بن واسع جعل إخوانه يقولون: أبشر يا أبا عبد الله، فإنا نرجو لك؛ فبكى، ثم قال: يذهب بي إلى النار أو يعفو الله.
قال فضالة بن دينار: حضرت محمد بن واسع، وقد سجي للموت، فجعل يقول: مرحباً بملائكة ربي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وشممت رائحةً طيبةً لم أشم مثلها؛ ثم شخص ببصره، فمات.
توفي محمد بن واسع سنة عشرين ومئة؛ وقيل: سنة ثلاثٍ وعشرين؛ وقيل: سنة سبعٍ وعشرين. قال مالك بن دينار: رأيت محمد بن واسع في الجنة، ورأيت محمد بن سيرين في الجنة، فقلت: أين الحسن؟ قالوا: عند سدرة المنتهى.
محمد بن الورد الدمشقي
قال أبو الفضل نصر بن أبي نصر العطار: أنشدني محمد بن الورد عند مفارقتي إياه: من البسيط
ودعته بدموعي حين فارقني ... ولم أطق جزعاً للبين مد يدي
فقال لي: هكذا توديع ذي أسفٍ ... بلا اعتناقٍ ولا ضم إلى جسدٍ؟
فقلت:
كفي برشف الدمع في شغلٍ ... من الصبابة، والأخرى على كبدي
محمد بن الوزير بن الحكم
أبو عبد الله السلمي ختن أحمد بن أبي الحواري.
حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته، فيلبس عليه صلاته، فلا يدري أثلاثاً صلى أم أربعاً فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالسٌ ".
وحدث عنه، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه ".(23/295)
محمد بن الوزير أبو الحسين الحافظ
والد أبي أحمد الحسين.
له شعرٌ، فمما قاله في جاريةٍ داعبته بالشيب: من الكامل
قالت: أشبت؟ وإنما ... عيب الفتى هرمٌ وشيب
فأجبتها: يا هذه ... هذا خضابٌ فيه ريب
ما العيب إلا أن أمو ... ت ولا أشيب فذاك عيب
ومن شعره يهنىء الإخشيد بعيد الفطر: من مخلع البسيط
رب قليلٍ من المعاني ... موقعه موقع الكثير
هنئ بالفطر كل شيءٍ ... وهنئ الفطر بالأمير
محمد بن وضاح بن بزيع
أبو عبد الله مولى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأندلسي القرطبي.
قال محمد بن وضاح: سمعت سحنون بن سعيد، وذكر له عن رجلٍ يذهب إلى أن الأرواح تموت بموت الأجساد فقال: معاذ الله، هذا قول أهل البدع.
وقال عنه: أنه سمع الأشهب يقول: أغنج النساء المدنيات، وأخنث النساء المكيات، وأعف النساء البصريات، وشر النساء المصريات.(23/296)
لما انصرف محمد بن وضاح من آخر حجةٍ حجها، عقل لسانه عن الكلام سبعة أيام، فدعا الله عز وجل وقال: اللهم إن كنت تعلم أن في إطلاق لساني خيراً فأطلقه، فأطلق الله لسانه، ونشر بالأندلس علماً كثيراً، فكانوا يرون أن ذلك من أحد كراماته.
توفي محمد بن وضاح سنة ست وثمانين، أو سنة سبعٍ وثمانين ومئتين؛ وذكر أنه ولد سنة تسعٍ وتسعين ومئة.
محمد بن الوضيء بن بلال
ابن فزارة أبو الوضيء السرخسي من فرس بعلبك.
حدث ببعلبك عن محمد بن هاشم البعلبكي، بسنده إلى أبي سعيد، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كنتم ثلاثةً فليؤمكم أحدكم، وأحقكم بالإمامة أقرؤكم ".
وحدث عنه، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ولغ الكلب في إناءٍ فاغسلوه سبعاً، ولوثوه الثامنة بالتراب ".
وحدث عنه، بسنده إلى أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج صفية بنت حيي بن أخطب، وجعل عتقها صداقها.
محمد بن أبي الوفا بن محمد
ابن القاسم أبو عبد الله السمرقندي المقرئ، المعروف بقوت القلوب حدث بمكة عن الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي، بسنده إلى أبي قتادة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رآني فقد رأى الحق ".(23/297)
محمد بن الوليد بن أبان أبو جعفر
الهاشمي مولاهم، المعروف بالقلانسي
حدث عن أبي عاصم، بسنده إلى ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من رمانٍ من رمانكم إلا وهو يلقح بحبةٍ من رمان الجنة " ذكر أن هذا الحديث باطل.
وحدث عن يوسف بن يعقوب السلمي، بسنده إلى أبي بن كعب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم أن يلوه في الصف الأول.
ضعفه قومٌ.
محمد بن الوليد بن أبان بن حيان
أبو الحسن العقيلي المصري سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن هانئ بن المتوكل الإسكندراني، قال: قلت لحيوة بن شريح: أراك رجلاً صالحاً، وأراك مأوى للخير، وأراك تنتقل من مكانٍ إلى مكان، ولست أرى عليك أثر عبادتك؛ فقال حيوة: ولم تسألني عن هذا؟ فقلت: أردت أن ينفعني الله بك؛ فقال: حدثني الوليد بن أبي الوليد، عن شفي بن ماتع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوصى الله تعالى إلى عيسى: أن يا عيسى انتقل من مكانٍ إلى مكانٍ لئلا تعرف فتؤذى، فو عزتي وجلالي لأزوجنك ألفي حوراء، ولأولمن عليك أربع مئة عام ".(23/298)
محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل
الزبيدي الحمصي كان مع الزهري برصافة هشام بن عبد الملك حدث عن الزهري، بسنده إلى أم كلثوم بنت عقبة، أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً أو ينمي خيراً " قال: ولم يرخص في شيءٍ مما يقول الناس أنه كذب إلا في ثلاثةٍ؛ في الحرب؛ والإصلاح بين الناس؛ وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط من المهاجرات الأول اللائي بايعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان الزبيدي على بيت المال، وكان الزهري معجباً به.
قال بقية: قال لنا الأوزاعي: ما فعل محمد بن الوليد؟ قلت: ولي بيت المال؛ قال: " إنا لله وإنا إليه راجعون ".
توفي محمد بن الوليد سنة ست وأربعين، أو سنة سبعٍ وأربعين ومئة؛ وهو شاب؛ وقيل: سنة ثمانٍ وأربعين؛ وقيل: سنة تسعٍ وأربعين.
محمد بن الوليد بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم الأموي كان عمر بن عبد العزيز يراه أهلاً للخلافة؛ أمه أم البنين بنت عبد العزيز بن(23/299)
مروان، وإليه تنسب المحمديات التي فوق الأرزة، ودير محمد الذي عند المنيحة من إقليم بيت الآبار.
قال رجل لعمر بن عبد العزيز: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، أولم يعهد من قبلك إلى من بعدك؟ إلى من كنت تعهد؟ فغضب من قوله وقال: ما سؤالك عما تعلم أني لا أخبرك به؟ ثم سكت، فلما سكت عنه الغضب تأثم من قوله، ثم قال: أتعرف محمد بن الوليد؟ قلت: نعم؛ قال: إن لي بمحمدٍ خبرتين خبرةٌ باطنةٌ وخبرةٌ ظاهرة، وهو ممن حمد ظاهره ولم يذمم باطنه، ولم يزد على هذا.
عزى محمد بن الوليد عمر بن عبد العزيز في ابنه عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، ليشغلك ما أقبل من الموت عليك عمن هو في شغل مما يدخل عليك، وأعد لنزوله عدةً تلين لك حجاباً وستراً من النار؛ فقال عمر: إني لأرجو أن لا تكون رأيت جزعاً تشمئز منه، ولا غفلةً تنبه عليها؛ قال: يا أمير المؤمنين لو ترك رجلٌ تعزية أخيه لعلمه وانتباهه لكنته، ولكن الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.
محمد بن الوليد بن عتبة
ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي العتبي من فصحاء أهل بيته.
حدث عن عبد الله بن سعيد عن الصنابحي، قال: حضرنا معاوية بن أبي سفيان، فتذاكروا القوم إسماعيل وإسحاق، فقال بعض(23/300)
القوم: إسماعيل الذبيح؛ وقال بعضهم: بل إسحاق الذبيح؛ فقال معاوية: سقطتم على الخبير؛ كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتاه أعرابي فقال: يا بن الذبيحين؛ قال: فتبسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينكره عليه؛ فقلنا: يا أمير المؤمنين، وما الذبيحان؟ قال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم، نذر لله إن سهل له أمرها أن ينحر بعض ولده، فأخرجهم فأسهم بينهم، فخرج السهم على عبد الله، فأراد ذبحه، فمنعه أخواله من بني مخزوم، فقالوا: أرض ربك وافد ابنك؛ قال: ففداه بمئة ناقةٍ، فهو الذبيح وإسماعيل الذبيح.
قال أبو المقدام:
كانت قريش تستحسن من الخاطب الإطالة، ومن المخطوب إليه التقصير، فشهدت محمد بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، خطب إلى عمر بن عبد العزيز أخته أم عمر بنت عبد العزيز، فتكلم محمد بن الوليد بكلامٍ حار الحفظ، فقال عمر: الحمد لله ذي الكرماء، وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء؛ أما بعد: فإن الرغبة منك دعا إلينا، والرغبة فيك أجابت منا، وقد أحسن بك ظناً من أودعك كريمته، وأجارك ولم يجر عليك؛ ولما زوجها من محمد قال لامرأته فاطمة: علمي هذه الصبية ما كنت تعلمين أني أعجب به منك؛ قالت: أو ما تغار؟ قال: إنما الغيرة في الحرام، ليس في الحلال غيرةٌ بعد قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي وفاطمة عليهما رضوان الله وسلامه: " لا تعجلا حتى أدخل عليكما ".
محمد بن الوليد بن هبيرة
أبو هبيرة الهاشمي القلانسي حدث بدمشق عن أبي كلثم سلامة بن بشر بن بديل العذري، بسنده إلى أنس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشير في الصلاة.
توفي أبو هبيرة سنة ست وثمانين ومئتين.(23/301)
محمد بن الوليد أبو بكر الرملي
المعروف بالأمي حدث بالرملة سنة سبعين ومئتين، عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى عمر بن الخطاب، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حلق القفا للحجامة قال: فذكرته لابن أبي السري، فروى بإسناده إلى عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حلق القفا من غير حجامةٍ مجوسية " قال ابن أبي السري: فذكرته للوليد، فروى بإسناده إلى عمر بن الخطاب قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حلق القفا من غير حجامةٍ.
محمد بن وهب بن سعد بن عطية
أبو عبد الله السلمي الدمشقي حدث عن محمد بن حرب، بسنده إلى أم سلمة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في بيتها جاريةً في وجهها سفعةً، فقال: " استرقوا لها، فإن بها النظرة ".
كان محمد بن وهب ثقةً.
محمد بن وهب بن مسلم
أبو عمرو القرشي الدمشقي حدث عن سويد، بسنده إلى أبي أيوب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام رمضان وزاد ستة أيامٍ من شوال، فكأنما صام السنة كلها ".(23/302)
وحدث محمد بن وهب، عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أول ما خلق الله القلم، ثم خلق النون وهي الدواة، قال: وذلك في قول الله عز وجل: " ن والقلم وما يسطرون " ثم قال له: اكتب؛ قال: وما أكتب؟ قال: ما كان وما هو كائنٌ من عملٍ أو أجلٍ أو أثرٍ؛ فجرى القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة؛ ثم ختم على في القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل فقال الجبار: ما خلقت خلقاً أعجب إلي منك، وعزتي لأكملنك فيمن أحببت، ولأنقصنك فيمن أبغضت، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكمل الناس عقلاً أطوعهم لله، وأعملهم بطاعته؛ وأنقص الناس عقلاً أطوعهم للشيطان، وأعملهم بطاعته ".
قالوا: وهذا بهذا الإسناد منكر؛ وكان أبو عمرو منكر الحديث.
محمد بن هارون بن إبراهيم
أبو جعفر الربعي البغدادي الحربي، المعروف بأبي نشيط الفلاس حدث عن أبي المغيرة الحمصي، بسنده إلى أبي طويل الممدود أنه أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئاً، وهو في ذلك لم يترك حاجةً ولا داجةً إلا اقتطعها بيمينه، فهل لذلك من توبةٍ؟ قال: " هل أسلمت؟ " قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وإنك رسوله؛ قال: " نعم، تفعل الخيرات، وتترك الشهوات، يجعلهن الله لك كلهن خيراتٍ " قال: وغدراتي وفجراتي قال: " نعم " قال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى.
الحاجة: الذي يقطع على الحاج إذا توجهوا؛ والداجة: الذي يقطع عليهم إذا رجعوا.(23/303)
توفي أبو نشيط سنة ثمان وخمسين ومئتين، وكان ثقةً.
محمد بن هارون بن عبد الرحمن
ابن عبيد بن زكريا أبو عبد الله العنسي الداراني حدث عن موسى بن محمد بن أبي عوف، بسنده إلى مسلم بن عبد الله الأزدي، قال: جاء عبد الله بن قرط إلى النبي صلى الله علي وسلم فقال: " ما اسمك؟ " قال: شيطان بن قرط فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل أنت عبد الله بن قرط ".
توفي محمد بن هارون سنة أربعٍ وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن هارون بن كثير الشيباني
حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أهل البيت إذا تواصلوا أجرى الله عليهم الرزق، وكانوا في كنف الرحمن ".
محمد الأمين بن هارون بن محمد
ابن عبد الله بن عباس أبو عبد الله؛ ويقال: أبو موسى الأمين؛ ابن الرشيد بن المهدي بن المنصور بويع له بالخلافة بعد أبيه الرشيد بعهدٍ منه، وقام ببيعته الفضل بن الربيع، وقد ببيعته رجاء الخادم، وكان قدم دمشق في خلافة أبيه سنة تسعٍ وثمانين ومئة، وجهه أبوه هارون إلى دمشق لإشخاص سليمان بن المنصور.(23/304)
قال المغيرة بن محمد المهلبي: رأيت عند الحسين بن الضحاك جماعةً من بني هاشم، فيهم بعض أولاد المتوكل، فسألوه عن الأمين وأدبه، فوصف الحسين أدباً كثيراً؛ فقيل له: فالفقه؟ فإن المأمون كان فقيهاً؛ فقال: ما سمعت فقهاً ولا حديثاً إلا مرةً واحدةً فإنه نعي غلام له بمكة، فقال: حدثني أبي، عن أبيه، عن المنصور، عن أبيه، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مات محرماً حشر ملبياً ".
ولد الأمين سنة سبعين ومئة برصافة بغداد، وقيل: سنة إحدى وسبعين ومئة؛ وكان الرشيد بايع لولديه محمد وأمه زبيدة أم جعفر بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور؛ وعبد الله وهو المأمون، ثم القاسم؛ فملك محمد أربع سنين وسبعة أشهر وعشرين ليلةً، وولي سنة ثلاثٍ وتسعين، وقيل: سنة ثمانٍ وتسعين ومئة؛ قتله قريش الدنداني، وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين، فنصبه على رمح وتلا " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء " وكان طويلاً سميناً أبيض، وكان محمد الأمين خلع نفسه في سنة ست وتسعين ومئة حين وثب به الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان، وبويع للمأمون يومئذٍ، وقام ببيعته إسحاق بن عيسى، ومكث مخلوعاً محبوساً إلى أن قتله طاهر بن الحسين بن مصعب ببغداد، وكان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة؛ وقيل: ثمان وعشرين سنة.
لما أتت الخلافة محمد بن هارون خطب ببغداد، فقال: أيها الناس إن المنون تراصد ذوي الأنفاس حتماً من الله، لا يدفع حلولها، ولا ينكر نزولها، فاسترجعوا قلوبكم عن الجزع على الماضي إلى البهج الباقي تعطوا أجور الصابرين وجزاء الشاكرين.(23/305)
قال أحمد بن حنبل: لما دخل إسماعيل بن علية على محمد بن زبيدة أمير المؤمنين، قال له: يا بن الفاعلة أنت الذي تقول: كلام الله مخلوق؟ قال: فوقف إسماعيل ينادي: يا أمير المؤمنين زلةٌ من عالمٍ؛ قال أبو عبد الله: إني لأرجو أن يرحم الله محمداً بإنكاره على إسماعيل هذا الشأن.
ركب الرشيد يوماً بكراً فنظر إلى محمد الأمين يميل في سرجه؛ فقال: ما أصارك إلى هذا يا محمد؟ قال: أصارني إليه البارحة: من الخفيف
عللاني بعاتقات الكروم ... واسقياني بكأس أم حكيم
قال: فانصرف يا محمد؛ فلما رجع الرشيد وجه إليه بخادمٍ معه كأس أم حكيم، وكان كأساً كبيراً فرعونياً، قد جعل فيه طوق ذهبٍ، ومقبضٌ من ذهبٍ، فإذا هو مملوءٌ دنانير؛ وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: بعثت إليك بالذي أسهرك لتشرب فيه وتنتفع بما يصل معه؛ قال: فأعطى الخادم قبضةً من الدنانير، وفرق نصف ما فيه على جلسائه، وأعطى النصف جاريةً، وشرب في القدح ثلاثة أرطالٍ، رطلاً بعد رطل؛ ورده؛ فكان مبلغ الدنانير عشرة آلاف دينار.
ومن شعر محمد الأمين: من المتقارب
رأيت الهلال على وجهكا ... فما زلت أدعو إلهي لكا
ولا زلت تحيا وأحيا معاً ... وأمنني الله من فقدكا
ومن شعره قوله في خادمه كوثر، وقد أخبر بأن الناس يلومونه فيه، وفي تركه النظر في أمور الناس: من مجزوء الرمل
ما يريد الناس من صب ... بٍ بمن يهوى كئيب
ليس إن قيس خلياً ... قلبه مثل القلوب
كوثرٌ ديني ودنيا ... ي وسقمي وطبيبي
أعجز الناس الذي يل ... حى محباً في حبيب(23/306)
خرج كوثر خادم الأمين ليرى الحرب فأصابته رجمةٌ في وجهه، فجلس يبكي فوجه محمد من جاء به، وجعل يمسح الدم عن وجهه، ثم قال: من مجزوء الرمل
ضربوا قرة عيني ... ومن اجلي ضربوه
أخذ الله لقلبي ... من أناسٍ أحرقوه
وأراد زيادةً في الأبيات فلم يواته طبعه، فقال للفضل بن الربيع: من ها هنا من الشعراء؟ قال: الساعة رأيت عبد الله بن أيوب التيمي، فطلبه، وأنشد البيتين وقال: قل عليهما؛ فقال:
ما لمن أهوى شبيةٌ ... فبه الدنيا تتيه
وصله حلوٌ ولكن ... هجره مر كريهٌ
من رأى الناس له ال ... فضل عليهم حسدوه
مثلما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه
فقال محمد: أحسنت، هذا خيرٌ مما أردت، بحياتي يا عباسي انظر فإن كان جاء على الظهر ملأت أحمال ظهره دراهم، وإن كان جاء في زورقٍ ملأته له؛ فأوقر له ثلاثة أبغلٍ دراهم.
لما قتل الأمين، خرج أبو محمد التيمي إلى المأمون، وامتدحه، فلم يأذن له، فلجأ إلى الفضل بن سهل، وامتدحه فأوصله إلى المأمون، فلما سلم عليه قال له: يا تيمي:
مثلما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه؟
فقال أبو محمد التيمي:
نصر المأمون عبد الل ... هـ لما ظلموه
نقض العهد الذي كا ... نوا قديماً أكدوه
لم يعامله أخوه ... بالذي أوصى أبوه(23/307)
ثم أنشده قصيدةً امتدحه بها أولها: من الطويل
جزعت ابن تيمٍ أن علاك مشيب ... زربان الشباب والشباب حبيب؟
فلما فرغ منها، قال له المأمون: قد وهبتك لله ولأخي أبي العباس، يعني: الفضل بن سهل، وأمرت لك بعشرة آلاف درهم.
قال أبو محمد عبد الله بن أيوب الشاعر: أنشدت الأمين أول ما ولي الخلافة: من المنسرح
لا بد من سكرةٍ على طربٍ ... لعل روحاً تذال من كرب
فعاطنيها صفراء صافيةً ... تضحك من لؤلؤٍ على ذهب
خليفة الله أنت منتخبٌ ... لخير أم من هاشمٍ وأب
فأمر لي بمئتي ألف درهم، صالحوني منها على مئة ألف درهم.
دخل الحسن بن هانئ على الأمين، وبين يديه رمانة؛ فقال: صفها، ولك بكل حبةٍ دينارٌ؛ فأنشأ يقول: من الطويل
ورمانةٍ شبهتها إذ رأيتها ... بثدي كعابٍ أو بحقة مرمر
ململمةٍ حمراء نضد جوفها ... يواقيت حمر في ملاء معصفر
لها قشر عقبانٍ ورأس مشرق ... وأوراق خيري وأغصان عنبر
وفيها شفاءٌ للمريض وصحةٌ ... وفيها حديثٌ للنبي المطهر
وفيها يقول الله جل ثناؤه ... فواكه رمانٍ ونخلٍ مسطر
فقال الأمين: شق الرمانة واحص حبها، فإذا فيها سبع مئة حبة؛ فأعطاه بكل حبةٍ ديناراً.
دخل سليمان بن المنصور على محمد الأمين، فرفع إليه أن أبا نواس هجاه، وأنه(23/308)
زنديقٌ كافرٌ، حلال الدم، وأنشده من أشعاره المنكرة أبياتاً؛ فقال: يا عم أأقتله بعد قوله: من الكامل
أهدي الثناء إلى الأمين محمدٍ ... ما بعده بتجارةٍ تتربص
صدق الثناء على الأمين محمدٍ ... ومن الثناء تكذب وتخرص
قد ينقص القمر المنير إذا استوى ... وبهاء نور محمدٍ ما ينقص
وإذا بنو المنصور عد حصاهم ... فمحمدٌ ياقوتها المتخلص
فغضب سليمان وقال: لو شكوت من عبد الله يعني ابن الأمين ما شكوت من هذا الكافر لوجب أن تعاقبه، فكيف منه؛ فقال: يا عم كيف أعمل بقوله: من المنسرح
قد أصبح الملك بالمنى ظفرا ... كأنما كان عاشقاً قدرا
قيد أشطانه إلى ملكٍ ... ما عشق الملك قبله بشرا
حسبك وجه الأمين من قمر ... إذا طوى الليل دونك القمرا
خليفةٌ يعتني بأمته ... وإن أتته ذنوبها اغتفرا
حتى لو اسطاع من تحننه ... دافع عنها القضاء والقدرا
فازداد سليمان غضباً؛ فقال: يا عم فكيف أعمل بقوله: من مجزوء المديد
يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن
منها:
تضحك الدنيا إلى ملكٍ ... قام بالآثار والسنن
يا أمين الله عش أبداً ... دم على الأيام والزمن
أنت تبقى والفناء لنا ... فإذا أفنيتنا فكن
سن للناس الندى فندوا ... فكأن البخل لم يكن(23/309)
فانقطع سليمان عن الركوب، فأمر الأمين بحبس أبي نواس؛ فلما طال حبسه، كتب إليه هذه الأبيات، واجتهد حتى وصلت إلى الأمين: من الطويل
تذكر أمين الله والعهد يذكر ... مقامي وإنشاديك والناس حضر
ونثري عليك بالدر يا در هاشمٍ ... فيا من رأى دراً على الدر ينثر
أبوك الذي لم يملك الأرض مثله ... وعمك موسى عدله المتخير
وجدك مهدي الهدى وشقيقه ... أبو أمك الأدنى أبو الفضل جعفر
وما مثل منصوريك منصور هاشمٍ ... ومنصور قحطانٍ إذا عد مفخر
فمن الذي يرمي بسهميك في العلا ... وعبد منافٍ والداك وحمير
تحسنت الدنيا بحسن خليفةٍ ... هو الصبح إلا أنه الدهر مسفر
أمينٌ يسوس الناس تسعين حجةً ... عليه له منه رداءٌ ومئزر
يشير إليه الجود من وجناته ... وينظر من أعطافه حيث ينظر
مضت لي شهورٌ مذ حبست ثلاثةٌ ... كأني قد أذنبت ما ليس يغفر
فإن أك لم أذنب ففيم عقوبتي؟ ... وإن أك ذا ذنبٍ فعفوك أكبر
قال إبراهيم بن المهدي: وجه إلي محمد الأمين بعد محاصرة طاهر بن الحسين بغداد، فصرت إليه، وهو بقصرٍ مشرفٍ منه على دجلة ليلة أربع عشرة، فقال لي: يا عم، أما ترى طيب هذه الليلة، وصفاء الجو فيها وحسن القمر في دجلة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين طيب الله عيشك وأعز دولتك وكبت عدوك؛ واندفعت أغنيه لما أعرف من سوء خلقه؛ فقال لي: يا عم هل لك فيمن يضرب عليك؟ فقلت: ما أكره ذلك؛ فأحضر جاريةً تسمى صعب، فتطيرت من اسمها للحال التي كان عليها؛ فقال لها: غني؛ فكان أول ما غنت: من الطويل(23/310)
كليبٌ لعمري كان أكثر ناصراً ... وأيسر جرماً منك ضرج بالدم
فاقشعر منه، واقشعررت؛ فقال لها: غني غيره؛ فاندفعت تغني: من الطويل
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه
بني هاشمٍ ردوا سلاح ابن أختكم ... فلا تنهبوه لا تحل مناهبه
بني هاشمٍ إلا تردوا فإننا ... سواءٌ علينا قاتلاه وسالبه
بني هاشمٍ كيف الهوادة بيننا ... وعند فلانٍ سيفه ونجائبه
فاندفعت تغني؛ فقال لها: ويحك، إنما أحضرتك لأسر بك مع عمي، فقد زدتني غماً وهماً؛ فاندفعت تغني: من المنسرح
أما ورب السكون والحك ... إن المنايا سريعة الدرك
ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في الفلك
إلا بنقل النعيم من ملكٍ ... قد انقضى ملكه إلى ملك
وملك ذي العرش دائمٌ أبداً ... ليس بفانٍ ولا بمشترك
فقال لها: أما تحسنين غير هذا؟ فقالت: والله يا سيدي ما أطلب إلا مسرتك، ولكن لساني ما يجري عليه غير هذا فقال لها: ويحك أبيني؛ فغنت: من البسيط
أبكى فراقهم عيني وأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عداء
فقال لها: ويلك أبيني؛ فغنت:
هذا مقام مطردٍ ... هدمت منازله ودوره
فرماها بعودٍ كان بين يديه، فوقع على قدح بلور كان محمد معجباً به، وكان يسميه(23/311)
باسمه محمداً لاستحسانه إياه، فانكسر؛ ونهضت الجارية فانصرفت، فقال لي: يا عم فنيت الأيام وانقضت المدة؛ فإذا هاتفٌ يهتف من وراء دجلة " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " فقال: سمعت يا عم؟ فقلت: يا سيدي ما سمعت شيئاً؛ ثم قمت فجلست في بعض الحجر؛ فعاد صوت الهاتف " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " فما خرجت الجمعة حتى قتل محمد الأمين.
وأدركت أمه خلافته، وكانت لها آثارٌ جميلةٌ في طريق مكة، وفي مكة، وبقيت بعده؛ وكان الرشيد عقد له العهد في أول خلافته في سنة خمسٍ وسبعين ومئة، بعدما عقد لمحمد سنين وصفى الأمر لمحمد الأمين سنتين وأشهراً، وكانت الفتنة والحرب بينه وبين المأمون سنتين وخمسة أشهرٍ، أول ذلك عند تسيير الجيوش مع علي بن عيسى بن ماهان من جهة محمدٍ من بغداد إلى خراسان لحرب المأمون، عند فساد الأمر بينه وبينه، وخلعه إياه من العهد الذي كان له بعد، وتوجيه المأمون بطاهر بن الحسين في الجيش ليلقى علي بن عيسى، ومحاربته، فوصل علي بن عيسى بمن معه إلى الري ووافاه طاهر بن الحسين بمن معه فالتقوا بأكناف الري، فقتل علي بن عيسى وانفض عسكره في سنة خمسٍ وتسعين ومئة، فقوي أمر المأمون عند ذلك بخراسان، وسلم عليه بالخلافة، وضعف أمر محمد؛ ولم يزل في إدبارٍ، وجيوش المأمون تدق أصحابه في البلاد وتنفيهم عنها وتغلب المأمون عليها، ويدعى له إلى أنصار طاهر بن الحسين صاحب جيش المأمون وهرثمة الأعين من الجانب الشرقي، إلى أن قتل محمد ببغداد سنة ثمانٍ وتسعين ومئة؛ وكان بين ورود طاهر إلى أكناف بغداد وإحاطته لمحمد وحصره إياه في مدينة أبي جعفر إلى يوم قتله أربعة عشر شهراً وتسعة عشر يوماً؛ ولم يبق في يد محمد من الدنيا شيءٌ في وقت قتله، غير الموضع الذي هو محصورٌ فيه، يخاطبه من معه فيه بالخلافة ويسلم عليه بإمرة المؤمنين؛ وسائر المواضع في يدي المأمون، قد غلب له عليها يدعى له بها؛ وكان محمد قد خلع بمدينة السلام قبل ورود طاهرٍ إليها على يدي الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان سنة ست وتسعين ومئة، وحبسه الحسين في قصر أبي جعفرٍ، وحبس معه أمه وولده، وأقام في محبسه يومين،(23/312)
وأخذ الحسين البيعة على جميع من حضره للمأمون بالخلافة، فبايعوا له، وطلبوا الحسين بوضع العطاء وإخراج الأموال، ولم يكن معه مالٌ فوعدهم ومناهم، ودافعهم فشغبوا عليه، وأخرجوا محمداً من محبسه فأعادوه إلى مجلسه وبايعوه بيعةً مجددةً سنة ست وتسعين، وقيل: سنة ثمانٍ وتسعين ومئة؛ وكان طويلاً جميلاً، حسن الوجه، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، أشعر سبطه، صغير العينين، به أثر جدري.
محمد المعتصم بن هارون الرشيد
ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور أبو إسحاق الهاشمي بويع له بالخلافة بعد أخيه المأمون بعهدٍ منه، قدم دمشق عدة دفعات مع أخيه المأمون، ووحده قبل الخلافة، ثم قدمها في خلافته.
حدث هشام بن محمد الكلبي أنه كان عند المعتصم في أول أيام المأمون حين قدم المأمون بغداد، فذكر قوماً بسوء السير، فقلت له: أيها الأمير إن الله تعالى أمهلهم فطغوا وحلم عنهم فبغوا؛ فقال: حدثني أبي الرشيد، عن جدي المهدي، عن أبيه المنصور، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى قومٍ من بني فلان يتبخترون في مشيهم، فعرف الغضب في وجهه، ثم قرأ: " والشجرة الملعونة في القرآن " فقيل له: أي الشجر هي يا رسول الله حتى نجتنبها؟ فقال: " ليست بشجرة نباتٍ، إنما هم بنو فلان، إذا ملكوا جاروا وإذا ائتمنوا خانوا " ثم ضرب بيده على ظهر العباس، قال: " فيخرج الله من ظهرك يا عم رجلاً يكون هلاكهم علي يديه ". قال: هذا حديثٌ منكر.
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليكونن من ولده يعني العباس بن عبد المطلب ملوكٌ يلون أمر أمتي يعز الله بهم الدين ".(23/313)
حدث المعتصم، عن المأمون، عن آبائه إلى ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تحتجموا يوم الخميس فإنه من يحتجم فيه فيناله مكروهٌ فلا يلومن إلا نفسه ".
وأم المعتصم أم ولدٍ اسمها ماردة، لم تدرك خلافته، والمعتصم يقال له: الثماني، لأنه ولد سنة ثمانين ومئة، في الشهر الثامن، وهو ثامن الخلفاء، والثامن من ولد العباس، وفتح ثمانية فتوحاتٍ، وولد له ثمان بنين، وثمان بنات، ومات وعمره ثمان وأربعون سنةً، وخلافته ثمان سنين وثمانية أشهرٍ ويومان، وقتل ثمانية أعداء: بابك ومازيار وياطس ورئيس الزنادقة والأفشين وعجيفاً وقارن وقائد الرافضة.
وكان المعتصم أبيض، أصهب اللحية طويلها، مربوعاً مشرب اللون.
وبويع للمعتصم يوم مات المأمون سنة ثمان عشر ومئتين، ودخل بغداد على بغلٍ كميتٍ بسرجٍ مكشوفٍ وعليه قلنسوةٌ لاطئةٌ وسيفٌ بمعاليق، فأخذ على باب الشام حتى عبر الجسر، ثم دخل من باب الرصافة فأخذ يمنة حتى دخل الدار التي كان ينزلها المأمون من باب العامة.
كان مع المعتصم غلامٌ معه في الكتاب، فمات الغلام، فقال له الرشيد: مات غلامك؟ قال: نعم، واستراح من الكتاب قال الرشيد: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا المبلغ؟ دعوه إلى حيث انتهى، ولا تعلموه شيئاً؛ فكان يكتب كتاباً ضعيفاً، ويقرأ قراءة ضعيفةً.
قال الزبير بن بكار: لما قدمت إلى الرشيد لأحدث أولاده بالأخبار التي صنفتها، أعجل المعتصم في القصر فعثر، فكادت إبهامه تنقطع، فقام وهو يقول: من الطويل
يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه ... وليس بموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه ... وعثرته بالرجل تبرا على مهل
كذا، وقد وهم فإن الزبير لم يكن في زمن الرشيد يقرأ عليه، فإنه كان ميتاً إذ ذاك، وإنما قرئ عليه في أيام المتوكل والذي عثر المعتز بن المتوكل.(23/314)
كتب ملك الروم كتاباً إلى المعتصم يتهدده فيه، فأمر بجوابه، فلما قرئ عليه الجواب لم يرضه، وقال للكاتب: اكتب؛ بسم الله الرحمن الرحيم؛ أما بعد؛ فقد قرأت كتابك، وسمعت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع " وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ".
قال الخطيب: غزا المعتصم بلاد الروم في سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين، فأنكى في العدو نكايةً عظيمةً، ونصب على عمورية المجانيق، وأقام عليها حتى فتحها، ودخلها عنوةً، فقتل فيها ثلاثين ألفاً وسبى مثلهم، وكان في سبيه ستون بطريقاً، وطرح النار في عمورية من سائر نواحيها فأحرقها، وجاء ببابها إلى العراق، وهو باقٍ إلى الآن، منصوبٌ على أبواب دار الخلافة، وهو الباب الملاصق مسجد الجامع في القصر.
وكان المعتصم قبل وصوله عمورية خرب ما مر به من قراهم، وهربت الروم في كل وجهٍ؛ وقيل: وخرب أنقرة، وتوجه قافلاً، فضرب رقاب أربعة آلافٍ ونيفٍ من الأسارى، ولم يزل يقتل الأسارى في مسيره ويحرق ويخرب حتى ورد بلاد الإسلام؛ وأتي فيها ببابك أسيراً، فأمر بقطع يديه ورجليه، وضرب عنقه، وصلبه في سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين؛ وكانت الروم أغارت على زبطرة في سنة اثنتين وعشرين ومئتين، فقتلوا وأسروا من وجدوا بها، وخربوها، فدخل قائدٌ له في جماعةٍ في درب الحديد، ودخل المعتصم من درب الصفصاف في جماعةٍ لم تدخل أرض الروم قبلهم، ولقي أفشين الطاغية، فظفره الله به، وولى الطاغية منهزماً مفلولاً، وسار المعتصم إلى عمورية، ووافاه أفشين عليها، فأسر وغنم وسبى ما لا يحصى عدده، وشعث حائطها، وحرق وخرب(23/315)
داخلها، وخرج سالماً هو وجيوشه، وخرج معه بياطس بطريقها وأسرى كثر، وأقام فيها بعد فتحه ثلاثة أيام، ورحل في الرابع وقد ظفر قبل ذلك ببابك الخرمي وأصحابه، فقدم أسيراً فأمر بقتله.
ولما تجهز المعتصم لغزو عمورية حكم المنجمون على ذلك الوقت أنه لا يرجع من غزوه، فإن رجع كان مفلولاً خائباً، لأنه خرج في وقت نحسٍ، فكان من فتحه العظيم ما لم يخف، حتى وصف ذلك أبو تمام الطائي في قوله: من البسيط
أين الرواية أم أين النجوم وما ... صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب
تخرصاً وأحاديثاً ملفقةً ... ليست بنبعٍ إذا عدت ولا غرب
عجائباً زعموا الأيام مجفلةً ... عنهن في صفر الأصفار أو رجب
وخوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ ... إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
وصيروا الأبرج العليا مرتبةً ... ما كان منقلباً أو غير منقلب
يقضون بالأمر عنها وهي غافلةٌ ... ما دار في فلكٍ منها وفي قطب
لو بينت قط أمراً قبل موقعه ... ما حل ما حل بالأوثان والصلب
قال يحيى بن معاذ: كنت أنا ويحيى بن أكثم نسير مع المعتصم، وهو يريد بلاد الروم؛ قال: فمررنا براهبٍ في صومعته فوقفنا عليه وقلنا: أيها الراهب، أترى هذا الملك يدخل عمورية؟ فقال: لا، إنما يدخلها ملكٌ أكثر أصحابه أولاد زنى؛ قال: فأتينا المعتصم فأخبرناه، فقال: أنا والله صاحبها، أكثر جندي أولاد زنى، إنما هم أتراك وأعاجم.
وكان المعتصم يقول: إذا لم يعد الوالي للأمور أقرانها قبل نزولها أطبقت عليه ظلم الجهالة عند حلولها.(23/316)
قال ابن داود: كان المعتصم يخرج ساعده إلي فيقول: يا أبا عبد الله عضد ساعدي بأكثر من قوتك؛ فأقول: والله يا أمير المؤمنين ما تطيب نفسي بذلك؛ فيقول: إنه لا يضرني؛ فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلاً عن الأسنان.
وانصرف يوماً من دار المأمون إلى داره، وكان شارع الميدان منتظماً بالخيم، فيها الجند، فمر المعتصم بامرأةٍ تبكي، وتقول: ابني ابني؛ وإذا بعض الجند قد أخذ ابنها؛ فدعاه المعتصم وأمره أن يرد ابنها عليها؛ فأبى، فاستدناه فدنا منه فقبض عليه بيده، فسمع صوت عظامه، ثم أطلقه من يده، فسقط، وأمر بإخراج الصبي إلى أمه.
قال عمرو بن محمد الرومي: كان على بيت مال المعتصم رجلٌ من أهل خراسان يكنى أبا حاتمٍ؛ فخرجت لي جائزةٌ فمطلني بها، وكان ابنه قد اشترى جاريةً مغنيةً اسمها قاسم، بستين ألف درهم، قال: فعملت فيها شعراً، وجلست ألاعب المعتصم بالشطرنج في يوم الجمار، وكان يشرب يوماً ويستريح يوماً ليلعب فيه، ونلعب بين يديه، فجعلت أنشده: من السريع
لتنصفني يا أبا حاتمٍ ... أو لنصيرن إلى حاكم
فتعطي الحق على ذلةٍ ... بالرغم من أنفك ذا الراغم
يا سارقاً مال إمام الهدى ... سيظهر الظلم على الظالم
ستون ألفاً في شرا قاسمٍ ... من مال هذا الملك النائم
فقال لي: ما هذا الشعر؟ فتفازعت كأني أنشدته ساهياً، وتلجلجت؛ فقال: أعده؛ فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني؛ وإنما أريد أن يحرص على أن يسمعه؛ فقال: أعده ويلك؛ فأعدته؛ فقال: ما هذا؟ فقلت: أظن صاحب بيت المال مطل بعض هؤلاء الشعراء بشيءٍ له، فعمل فيه هذا الشعر؛ قال: فما معنى قاسم؟ قلت: جاريةٌ اشتراها بستين ألف درهم؛ قال: وأراني أنا الملك النائم؟ صدق والله قائل هذا الشعر، والله ما عرفته لوصلته لصدقه؛ رجلٌ مملق وليته بيت المال لتعسر رزقه(23/317)
منذ سنين، من أين لابنه هذا المال؟ ثم قال لإيتاخ: قيد صاحب بيت المال وابنه حتى نأخذ منهما مئتي ألف درهم وول بيت المال غيره.
قال محمد بن عمرو الدومي: لله در المعتصم ما كان أعقله كان له غلامٌ يقال له عجيب لم ير الناس مثله، وكان مشغوفاً به، فحارب بين يديه يوماً فحسن بلاؤه، فقال لي المعتصم: يا محمد جليس الرجل صديقه وذو نصحه، ولي عليك حق الرئاسة والإحسان، فاصدقني عما أسألك عنه؛ فقلت: لعن الله من يقم نفسه إلا مقام العبد الناصح الذي يرى فرضاً عليه أن يضيف كل حسنٍ إليك، وينفي كل عيبٍ عنك؛ قال: قد علمت أني دون إخوتي في الأدب، لحب أمير المؤمنين الرشيد وميلي إلى اللعب وأنا حدثٌ، فما أبالي ما قالوا، وقد قاتل عجيبٌ بين يدي، وأنت تعلم وجدي به وقد جاش طبعي بشيء قلته فإن كان مثله يجوز فاصدقني حتى أذيعه، وإلا طويته فقلت: والله لأخبرت ما أمرت؛ فأنشدني: من المجتث
لقد رأيت عجيباً ... يحكي الغزال الربيبا
الوجه منه كبدرٍ ... والقد يحكي القضيبا
وإن تناول سيفاً ... رأيت ليثاً حريبا
وإن رمى بسهامٍ ... كان المجد المصيبا
طبيب ما بي من الحب ... ب لا عدمت الطبيبا
إني هويت عجيباً ... هوىً أراه عجيبا
فحلفت له أنه شعرٌ مليحٌ من أشعار الخلفاء الذين ليسوا بشعراء، وطابت نفسه؛ فقلت له: تحتاج إلى لحنٍ فيه؛ فقال: ما أحب ذلك لئلا يمر ذكر عجيبٍ؛ قلت: فلا تذكر البيتين اللذين فيهما ذكر عجيبٍ؛ قال: أما ذا فنعم، فغنى به مخارق ووصلني بخمسين ألفاً.(23/318)
ومما أنشد للمعتصم بالله: من الطويل
أيا منشئ الموتى أعذني من التي ... بها نهلت نفسي سقاماً وعلت
لقد بخلت حتى لو أني سألتها ... قذى العين من ساقي التراب لضنت
فإن بخلت فالبخل منها سجيةٌ ... وإن بذلت أعطت قليلاً وضنت
قال علي بن يحيى المنجم:
لما أن استتم المعتصم عدة غلمانه الأتراك بضعة عشر ألفاً، وعلق له خمسون ألف مخلاةً على فرسٍ وبرذونٍ وبغلٍ، وذلل العدو بكل النواحي أتته المنية على غفلةٍ؛ فقيل: إنه قال في حماة التي مات فيها: " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون ".
قال الخطيب: ولكثرة عسكر المعتصم وضيق بغداد عنه، وتأذي الناس به بنى المعتصم سر من رأى، وانتقل إليها فسكنها بعسكره فسميت العسكر، في سنة إحدى وعشرين ومئتين.
قال حمدون بن إسماعيل: دخلت على المعتصم في يوم خميسٍ، وهو يحتجم؛ فلما رأيته وقفت واجماً وتبين له ذلك في؛ فقال: يا حمدون لعلك ذكرت الحديث الذي حدثتك به في حجامة الخميس وكراهتها، والله ما ذكرت ذلك حتى شرط الحجام، قال: فحم من عشيته، وكانت المرضة التي مات فيها.
ولما احتضر المعتصم جعل يقول: ذهبت الحيلة ليست حيلة؛ حتى أصمت.
وسمع يقول: اللهم إنك تعلم أني أخافك من قبلي ولا أخافك من قبلك، وأرجوك من قبلك ولا أرجوك من قبلي.(23/319)
وجعل يقول: أؤخذ من بين هذا الخلق؟ وقال: لو علمت أن عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت. وتوفي سنة ثمانٍ وعشرين ومئتين؛ وقيل: سنة سبعٍ وعشرين؛ ودفن بسر من رأى، وهو ابن ست وأربعين سنة، أو سبعٍ وأربعين سنة، أو تسعٍ وأربعين سنة.
محمد بن هارون بن شعيب
ابن عبد الله بن عبد الواحد ويقال: محمد بن هارون بن شعيب بن علقمة بن سعد بن مالك ويقال: محمد بن هارون بن شعيب بن حيان بن حكيم بن علقمة ابن سعد بن معاذ؛ صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري، بسنده إلى علي بن أبي طالب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس ".
وحدث عن أبي نصر منصور بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك القزويني، عن أبي سليمان داود بن سليمان، عن الوليد بن مسلم الدمشقي، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القرآن؛ فقال: " هو كلام الله غير مخلوق ".
قال أبو نصر: كان أحمد بن حنبل يقول لأصحاب الحديث: اذهبوا إلى أبي سليمان فاسمعوا منه حديث الوليد بن مسلم، فإنه لم يروه غيره؛ وأبو سليمان عندنا ثقةٌ مأمونٌ.
وحدث محمد بن هارون، قال: أنشدني محمد بن عبد الله العقيلي: من الكامل
إني جعلتك ناظراً في حاجتي ... وجعلت ودك لي إليك شفيعا
فاطلب إليك فدتك نفسي حاجتي ... تجد النجاح إلي منك سريعا
ولد محمد بن هارون بدمشق، سنة ست وستين ومئتين؛ وتوفي سنة ثلاثٍ وخمسين(23/320)
وثلاث مئة؛ قال: وهو الثمامي بثاء مضمومة معجمةٍ بثلاثٍ؛ من ولد ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك.
محمد بن هارون بن محمد بن بكار
ابن بلال أبو بكر؛ ويقال: أبو عمرو العاملي حدث عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى أبي أمامة، قال: مر رجلٌ برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما له؟ " قالوا: كان مريضاً؛ قال: " أفلا قلت: ليهنك الطهور ".
وحدث عن العباس بن الوليد الخلال، بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل بيع المغنيات، ولا شراؤهن، ولا تجارة فيهن، وثمنهن حرامٌ " وقال: " إنما نزلت هذه الآية في ذلك " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " حتى فرغ من الآية، ثم أتبعها: " والذي بعثني بالحق ما رفع رجلٌ عقيرته بالغناء إلا بعث الله عند ذلك شيطانين يرتدفان على عاتقيه، ثم لا يزالان يضربان بأرجلهما على صدره وأشار إلى صدر نفسه حتى يكون هو الذي يسكت ".
توفي سنة تسعٍ ومئتين.
محمد بن هارون بن مجمع
أبو الحسن المصيصي حدث عن الربيع بن سليمان، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ غرفةً غرفةً؛ وقال: " لا يقبل الله صلاةً إلا به ".
وعن محمد بن هارون أنه سمع هشام بن عمار، يقول أيام المتوكل، وهو بدمشق، وقد سأله أبو هاشم عن(23/321)
القرآن فقال: سألني ابن أبي داود عن القرآن فقلت: القرآن كلام الله غير مخلوقٍ، وقراءة العباد للقرآن قرآنٌ، وتلاوتهم للقرآن قرآنٌ؛ فاحمرت عيناه؛ وقال: ويلك من أنت؟ فقلت: القرآن لا ينطبق إلا ما نطق به، ولا يتكلم إلا ما تكلم به، وهو غير موجودٍ إلا في قراءة القارئين، وتلاوة التالين، وألفاظ اللافظين، ونطق الناطقين.
محمد بن هارون بن نصر بن السندي
ابن إبراهيم أبو الفتح، ابن أخت طيب الوراق، يعرف: بشيخ الجن حدث عن حاجب بن مالك بن أركن، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الندم توبةٌ ".
محمد بن هارون المقرئ
حدث عن سليمان بن بنت شرحبيل، بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ " فشاربون شرب الهيم ".
محمد بن هارون الدمشقي
قال الحسين بن أبي طالب المصيصي: سمعت محمد بن هارون الدمشقي ينشد: من الوافر
لمحبرةٌ تجالسني نهاري ... أحب إلي من أنس الصديق
ورزمة كاغدٍ في البيت عندي ... أحب إلي من عدل الدقيق(23/322)
ولطمة عالمٍ في الخد مني ... ألذ لدي من شرب الرحيق
محمد بن هاشم بن سعيد
أبو عبد الله القرشي البعلبكي حدث بدمشق سنة ست وأربعين ومئتين حدث عن الوليد بن مسلم. بسنده إلى عائشة قالت: لما دخلت ابنة الجون على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدنا منها قالت: أعوذ بالله منك؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عدت بعظيمٍ، الحقي بأهلك ".
وحدث عن بقية بن الوليد، بسنده إلى أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب الرجل له الجار السوء يؤذيه فيصبر على أذاه، ويحتسبه حتى يكفيه الله بحياةٍ أو بموتٍ ".
توفي محمد بن هاشم ببعلبك سنة أربع وخمسين ومئتين، وولد سنة سبعٍ وستين ومئة.
محمد بن هاشم أبو عبد الله
المعروف بالأذفر حدث عن سعيد بن عبد العزيز، بسنده إلى نعيم بن همار الغطفاني، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل يقول: ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعاتٍ أول النهار أكفيك آخره ".(23/323)
محمد بن هاشم أبو بكر الموصلي
الشاعر المعروف بالخالدي من أهل قريةٍ بالموصل تسمى الخالدية، وهو أخو أبي عثمان سعيد بن هاشم الشاعر؛ ومحمد الأكبر منهما، وهما شاعران محسنان متوافقان في الصحبة، متشاركان في النظم، وكانا من خواص شعراء سيف الدولة بن حمدان.
فمن شعر محمد في دير مران، وزعم السري بن أحمد الرفاء الموصلي أن الشعر لكشاجم، وأن الخالدي سرقه منه: من البسيط
محاسن الدير تسبيحي ومسباحي ... وخمره في الدجى صبحي ومصباحي
أقمت فيه إلى أن صار هيكله ... بيتي ومفتاحه للحسن مفتاحي
منادماً في قلاليه رهابنه ... راحت خلائقهم أصفى من الراح
قد عدلوا ثقل أديانٍ ومعرفةٍ ... فيهم بخفة أبدانٍ وأرواح
ووشحوا غرر الآداب فلسفةً ... وحكمةً بعلومٍ ذات إيضاح
في طب بقراط لحن الموصلي وفي ... نحو المبرد أشعار الطرماح
ومنشدٌ حين يبديه المزاح لنا ... ألمع برقٍ ترى أم ضوء مصباح
وكم حثثت إلى حاناته وغدا ... شوقي يكاثر أصواتاً بأقداح
حتى تخمر خماري بمعرفتي ... وصيرت ملحي في السكر ملاحي
يا دير مران لا تعدم ضحىً ودجىً ... سجال غيثٍ ملث الودق سحاح
إن تفن كأسك أكياسي فإن بها ... يفل جيش همومي جيش أفراحي
وإن أقم سوق إطرابي فلا عجبٌ ... هذا بذاك إذا ما قام نواحي
وكان السري يتعصب على الخالديين، ويهجوهما وبنسب إليهما سرقات شعره وشعر غيره.(23/324)
محمد بن هاشم ويقال ابن هشام
ابن شهاب أبو صالح العذري الجسريني من قرية جسرين بالغوطة حدث عن المسيب بن واضح، بسنده إلى مسروق قال: سألت ابن مسعود عن هذه الآية " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون " قال: إنا قد سألنا ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " أرواح الشهداء كطائرٍ خضرٍ تسرح في الجنة حيث تشاء، ولها قناديلٌ معلقةٌ بالعرش تأوي إليها ".
حدث أبو صالح محمد بن هاشم الدمشقي، عن محمد بن أحمد بن مالك المكتب، بسنده إلى عبد الله بن عباس، قال:
قدم وفد عبد القيس على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أيكم يعرف قس بن ساعدة الإيادي؟ " قالوا: كلنا يعرفه يا رسول الله؛ قال: " لست أنساه بعكاظ على جملٍ له أحمر، يخطب الناس، ويقول: ألا أيها الناس، اجتمعوا، فإذا اجتمعتم فاسمعوا، فإذا سمعتم فعوا، فإذا وعيتم فقولوا، فإذا قلتم فاصدقوا؛ من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، إن في السماء لخبراً وإن في الأرض لعبرا، مهادٌ موضوعٌ، وسقفٌ مرفوعٌ، ونجومٌ تمور، وبحارٌ لا تغور، أقسم قس قسماً بالله لا كاذباً فيه، ولا آثماً، لئن كان هذا الأمر رضىً ليكونن سخطاً، إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم هذا الذي أنتم عليه " ثم قال: " أيكم ينشد شعره " فأنشدوه: من مجزوء الكامل
في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي ولا يب ... قى من الباقين غابر(23/325)
أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر
فقام إليه رجلٌ طويل القامة، عظيم الهامة جهوري الصوت، كأني أنظر إلى حاجبيه وقد سقطا على عينيه فقال: وأنا قد رأيت منه عجبا؛ قال: وما الذي رأيت؟ قال: خرجت في جاهليتي أبغي بغيراً شرد مني، أقفو أثره في تنائف حقاف، ذات ضغابيس، وعرصات جثجاثٍ بين صدور جرعان وغمير حوذان، ومهمه ظلمان، ورضيع أيهقان، وبينا أنا في غوائل الفلوات أجول سبسبها وأرمق فدفدها، إذ جنني(23/326)
الليل فلجأت إلى هضبةٍ في ستارتها أراك كباثٍ مخضوضلةٌ بأغصانها، كأن بريرها حب فلفلٍ في بواسق أقحوانٍ، وقد مضى من الليل ثلثه الأول، فغلبتني عيني، فرقدت، فإذا أنا بهاتفٍ يقول: من الرجز
وسنان أم تسمع ما أنبيكا ... فارحل هديت وابتغي دميكا
يفري قيام الآل والدلوكا ... حتى تحل منهلاً مسلوكا
بيثربٍ يحظى به سنوكا ... ائت رسولاً عبد المليكا
يدني إليه الحر والمملوكا ... ويقبل السوقة والملوكا
رسول صدقٍ يفرج الشكوكا
فاستيقظت لذلك، وأنشأت أقول: من الرجز
يا أيها الطائف والليل سحم ... ماذا الذي تدعو إليه وتلم
بين لنا عن صدق ما أنت زعم ... هل بعث الله رسولاً معتلم
يجلو عمى الضلال عنا والتهم ... من بعد عيسى في محنات الظلم
ينجي من الزيغ ويهدي من رغم
فقال: ألا إنه قد بطل زور وبعث نبي بالسرور؛ ثم انقطع عني الصوت، فلا حس ولا خبر؛ فبينا أنا أفكر في أمري، وما الذي سمعت من قول الهاتف إذ طلع عمود الصبح فأرغت بعيري، فإذا هو في شجرةٍ يميس ورقها ويهشم من أغصانها، فوثبت إليها فرمتها، ثم استويت على كورها، ثم أقبلت حتى اقتحمت وادياً، فإذا أنا بشجرةٍ عادية، وعينٍ خرارةٍ، وروضةٍ مدهامة، وإذا بقس بن ساعدة جالسٌ في أصل شجرةٍ، وقد ورد على الحوض سباعٌ كثير، فكلما ورد سبعٌ قبل صاحبه ضربه قس بن ساعدة بالقضيب، ثم قال: تنح، حتى يشرب الذي ورد قبلك؛ فلما رأيت ذلك ذعرت ذعراً شديداً؛ فقال لي: لا تخف؛ فإذا بقبرين وبينهما مسجدٌ؛ فقلت: ما هذان القبران؟ فقال: هذان قبرا أخوين كانا يعبدان الله في هذا المكان، فأنا مقيمٌ بينهما أعبد الله حتى ألحق بهما؛ فقلت:(23/327)
ألا تلحق بقومك، فتكون معهم على خيرهم وتبكتهم على شرهم؟ فقال: ثكلتك أمك، أما علمت أن ولد إسماعيل تركت دين أبيها، واتبعت الأنداد وعظمت السدان، ثم تركني وأقبل على القبرين يبكي، ويقول: من الطويل
خليلي هبا طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما
ألم تعلما أني بسمعان مفرداً ... وما لي أنيسٌ من حبيبٍ سواكما
مقيمٌ على قبريكما لست بارحاً ... أؤوب الليالي أو يجيب صداكما
فلو جعلت نفسٌ لنفسٍ فداؤها ... لجدت بنفسي أن يكون فداكما
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله قساً، رحم الله قساً، أما إنه سيبعث أمةً وحده ".
محمد بن هبة الله بن عبد السميع
ابن علي ابن عبد الصمد بن علي بن العباس بن علي بن أحمد أبو تمام الهاشمي العباسي البغدادي النسابة الخطيب النقيب
قدم دمشق سنة سبع وأربعين وخمس مئة، وخطب بها جمعةً واحدةً، وأقام بها مديدةً ورجع إلى بغداد، ثم قدم قدمةً ثانيةً ولم يطل لبثه؛ ومما أنشده، قال: أنشدنا أبو منصور الحسن بن سلامة البغدادي المعروف بابن المخلطي لنفسه: من الكامل
أطع الغرام ولو دعاك إلى الردى ... واعص الملام ولو هداك إلى الهدى
غش الحبيب ولا نصيحة عاذلٍ ... فالماء مهما كان فيه مسقىً للصدى
أحلى الهوى ما لم تنل فيه المنى ... والحب أعدل ما يكون إذا اعتدى(23/328)
وإذا نظرت وجدت أصدق عاشقٍ ... من لا يمد إلى مواصله يدا
تجد الوصال إلى الملال ذريعةً ... فيعاف أن يرد التسلي موردا
محمد بن هبة الله بن علي
أبو رضوان البغدادي الموصلي قال أبو رضوان: أنشدني قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي لعلي بن عبد العزيز الجرجاني قاضي قضاة الري: من الطويل
وما زلت منحازاً بعرضي جانباً ... عن الذل أعتد الصيانة مغنما
يقولون هذا منهلٌ قلت: قد أرى ... ولكن نفس الحر تحتمل الظما
أنهنهها عن بعض ما لا يشينها ... مخافة أقوال العدى فيم أو لما
وأقسم ما غراء من حسنت له ... مسافرة الأطماع إن بات معدما
يقولون: فيك انقباضٌ وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرساً وأجنيه ذلةً ... إذا فاتباع الجهل قد كان أسلما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أذلوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تهجما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمعٌ صيرته لي سلما
وأقبض خطوي عن فصولٍ كثيرةٍ ... إذا لم أنلها وافر العرض مكرما(23/329)
وما كل برقٍ لاح لي يستفزني ... وما كل من في الناس أرضاه منعما
ولكن إذا ما اضطرني الأمر لم أزل ... أقلب فكري منجداً ثم متهما
إلى أن أرى من لا أغص بذكره ... إذا قلت: قد أسدى إلي وأنعما
وكم طالبٍ ديني بنعماه لم يصل ... إليه ولو كان الرئيس المعظما
وأكرم نفسي أن أضاحك عابساً ... وأن أتلقى بالمديح مذمما
ولكن إذا ما فاتني الأمر لم أبت ... أقلب كفي إثره متندما
ولكنه إن جاء عفواً قبلته ... وإن مال لم أتبعه هلا وليتما
فكم نعمةٍ كانت على الحر نقمةً ... وكم مغنمٍ يعتده الحر مغرما
وماذا عسى الدنيا وإن جل خطبها ... ينال بها من صير الصبر مطعما
محمد بن هشام بن إسماعيل
ابن هشام ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ولاه ابن أخيه هشام بن عبد الملك مكة والمدينة، وأقدمه الوليد بن يزيد الشام معزولاً.
أتي محمد بن هشام بامرأةٍ حملت من الزنى، وقد كانت تحت عبدٍ، فأرسل محمد إلى مكحول الدمشقي وعطاء بن أبي رباح، فسألهما عن ذلك فقال مكحول: قد سمعت أنه يحصنها ولست آمرك فيها بشيء؛ وقال عطاء: لا يحصنها.
لما كان محمد بن هشام بن إسماعيل على مكة، جلس في الحجر فاختصم إليه عيسى بن عبيد الله وعثمان بن أبي بكر بن عبيد الله وعثمان بن أبي بكر بن عبيد الله الحميديان، فتوجه القضاء على أحدهما، فقال محمد بن هشام: أيا ابن الوحيد، والله لأقضين بينكما بقضاءٍ يتحدث به أهل القريتين، لأقضين بينكما قضاءً مغيرياً؛ فقال عثمان: صه ادن حبواً، أتدري من الرجل معك؟ أزهر أزهر، المتسربل المجد، معه إزاره ورداؤه؛ وقال عيسى بن عبيد الله: نوهت بماجدٍ لماجدٍ، بكر بكر، والله ما أنا بنافخ كيرٍ، ولا ضارب زيرٍ، ولو بقيت قدماي لانتثرت(23/330)
منها بطحاء مكة، أنا ابن زهير دفين الحجر؛ فقال محمد بن هشام: قوموا فإنكم كنتم وحشاً في الجاهلية وما استأنستم في الإسلام؛ فقال أحد الرجلين: حقي لصاحبي، لا أريد الخصومة.
يعني: زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، قبره بالحجر.
كان الوليد بن يزيد مضطغناً على محمد بن هشام أشياء كانت تبلغه عنه في حياة هشام، فلما ولي الخلافة قبض عليه وعلى أخيه إبراهيم بن هشام، وأشخصا إليه إلى الشام، ثم دعا لهما بالسياط؛ فقال له: أسألك بالقرابة؛ قال: وأي قرابةٍ بيني وبينك؟ وهل أنت إلا من أشجع؟ قال: فأسألك بصهر عبد الملك؛ قال: لم تحفظه؛ فقال: يا أمير المؤمنين قد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضرب قرشي بالسياط إلا في حد؛ قال: ففي حد أضربك وقودٍ، أنت أول من سن ذلك على العرجي، وهو ابن عمي، وابن أمير المؤمنين عثمان، فما رعيت حق جده، ولا نسبه بهشام، ولا ذكرت حينئذٍ هذا الخبر، وأنا ولي ثأره؛ اضرب يا غلام؛ فضربهما وأوثقهما بالحديد ووجه بهما إلى يوسف بن عمر بالكوفة، وأمره باستصفائهما وتعذيبهما إلى أن يتلفا؛ وكتب إليه: احبسهما مع ابن النصرانية يعني خالداً القسري، ونفسك نفسك إن عاش أحدٌ منهم؛ فعذبهم عذاباً شديداً وأخذ منهم مالاً عظيماً حتى لم يبق منهم موضعٌ للضرب؛ فكان محمد بن هشام مطروحاً، فإذا أرادوا أن يقيموه أخذوا بلحيته فجذبوه منها؛ ولما اشتدت عليهما الحال تحامل إبراهيم لينظر في وجه محمدٍ فوقع عليه فماتا جميعاً، ومات خالدٌ القسري معهما في يومٍ واحدٍ.
قال يعقوب: ودفع الوليد إبراهيم ومحمداً ابني هشام إلى خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي، موثقين، فدخل بهما المدينة يوم السبت لاثنتي عشرة بقيت من شعبان سنة خمسٍ وعشرين ومئة، فأقامهما بالمدينة، ثم كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن محمد، أن يبعث بهما إلى يوسف بن عمر الثثفي، وهو عامله يومئذ على العراق، فلما قدم بهما عذبهما حتى قتلهما، وقد كان رفع عليهما عند الوليد أنهما أخذا مالاً.(23/331)
محمد بن هشام بن ملاس
أبو جعفر النميري الدمشقي حدث عن مروان بن معاوية الفزازي، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مع غلمانٍ، فسلم علينا، وأخذ بيدي فأرسلني برسالةٍ، فقالت لي أمي: لا تخبر بسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً.
وبه، قال: أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لبيك بعمرةٍ وحج " توفي محمد بن هشام سنة سبعين ومئتين.
محمد بن هميان بن محمد
ابن عبد الحميد بن زيد أبو الحسين القيسي البغدادي الوكيل، المعروف بزنبيلويه قدم دمشق سنة أربعين وثلاث مئة.
حدث عن الحسن بن عرفة، بسنده إلى أبي موسى، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أحد أصبر على أذىً يسمعه الله تبارك وتعالى، إنه يشرك به، ويجعل ولدٌ، ثم هو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم ".
توفي محمد بن هميان سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة.
محمد بن الهيثم بن حماد
ابن واقد أبو عبد الله الثقفي، مولاهم، يعرف بأبي الأحوص قاضي عكبراء.
سمع بدمشق وغيرها.(23/332)
حدث عن ابن أبي السري بسنده إلى يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المربد، فإذا عثمان بن عفان يقود ناقةً تحمل دقيقاً وسمناً وعسلاً؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنخ " فأناخ، ثم دعا ببرمةٍ فجعل فيها من السمن والعسل والدقيق، ثم أمر فوقد تحتها حتى أدرك، أو قال: نضج، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا " وأكل منه، ثم قال: " هذا شيءٌ ندعوه فارس الخبيص ".
محمد بن ياسر بن عبد الله
ابن عبد الخالق أبو بكر الحداد
حدث بمدينة جبيل عن هشام بن عمار، بسنده إلى علي، قال: لولا أن تنظروا لحدثتكم بموعود الله على لسان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن قتل هؤلاء، يعني الخوارج.
وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى أبي هارون العبدي، قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري، فيقول: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه سيأتيكم ناسٌ من إخوانكم يتفقهون ويتعلمون، فعلموهم ثم قولوا: مرحباً مرحباً، ادنوا ".
محمد بن يحيى بن الحسين بن علي
ابن حمزة ابن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الغنائم الحسيني الزيدي الكوفي حدث بدمشق سنة سبعٍ وعشرين وأربع مئة، عن أبي الطيب محمد بن يحيى بن علي بن الحسين، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أن الله أذن للسموات والأرض أن تتكلما لبشرتا من صام رمضان بالجنة ".(23/333)
محمد بن يحيى بن حمزة بن واقد
قاضي دمشق، وليها في خلافة المأمون وبعض خلافة المعتصم.
حدث عن سويد بن عبد العزيز، بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصادق المصدوق، أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يأتيه ملكٌ بأربع كلماتٍ، فيكتب أجله ورزقه وعلمه وشقي أو سعيد، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ ثم يصير إلى كتابه فيختم له بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ ثم يصير إلى كتابه فيختم له بعمل أهل الجنة ".
وحدث عن أبيه، بسنده إلى نعيم بن همار الغطفاني، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يقول ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعاتٍ من أول النهار أكفك آخره ".
كان لمحمد بن بيهس ابنةٌ، خطبها أكفائها فامتنع من تزويجها، فشكت ذلك إلى محمد بن يحيى بن حمزة وهو القاضي يومئذٍ بدمشق، فراسله فامتنع من تزويجها، فأثبتت البينة أنه كفؤٌ لها فزوجها على كرهٍ من أبيها؛ فكان ذلك سبب الحرب بين اليمانية والقيسية بدمشق، جمع ابن بيهس القيسية لهدم بيت لهيا، لأن محمد بن يحيى يماني، وكان يسكن في بيت لهيا، وجمع محمد بن يحيى اليمانية فامتنع بهم، فبقي الحرب بينهم خمسة عشر سنةً إلى قدوم عبد الله بن طاهر دمشق، وحمله ابن بيهس إلى بغداد.
توفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين.(23/334)
محمد بن يحيى بن داود بن يحيى
أبو بكر الهاشمي مولاهم، المعروف بالسماقي حدث عن أبيه عبد الله محمد بن الوزير الدمشقي، بسنده إلى يعلى بن عقبة قال: أصابتني جنابةٌ بالمدينة في شهر رمضان، فأصبحت فلم أغتسل، فلقيت أبا هريرة، فذكرت ذلك له، فقال: أفطر أفطر؛ فقلت له: إنه شهر رمضان قال: أفطر أفطر؛ فآتى مروان بن الحكم، فأرسل أبا بكر بن عبد الرحمن بن هشام إلى عائشة، فسألها عن ذلك، فقالت: قد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصبح في شهر رمضان جنباً من غير احتلامٍ فيمضي على صيامه؛ قال: فجاء أبو بكر إلى مروان فأخبره بقول عائشة، فقال له: عزمت عليك إلا لقيت أبا هريرة فتخبره بقول عائشة؛ فقال: جاري جاري؛ فقال: عزمت عليك لتلقينه، فلقيته فأخبرته بقول عائشة؛ فقال: أما إني لم أسمعه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن خبرني بن الفضل بن عباس.
محمد بن يحيى بن عبد الله
ابن خالد بن فارس بن ذؤيب أبو عبد الله الذهلي، مولاهم شيخ نيسابور.
حدث عن مسلم بن قتيبة، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعيد الكلام ثلاثاً لتعقل عنه.
وحدث عن الوليد بن الوليد العبسي، عن الأوزاعي، قال: سئل الزهري عن رجلٍ اشترى قمحاً، أله أن يبيعه قبل أن يحوزه؟ قال: حدثني سالم، عن عبد الله بن عمر، قال: رأيت أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضربون في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين يبيعونه قبل أن يحوزه إلى رحالهم.(23/335)
وحدث عن علي بن عبد الله، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سجدنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السماء انشقت ".
قال محمد بن يحيى الذهلي: ارتحلت ثلاث رحلاتٍ، وأنفقت على العلم مئةً وخمسين ألفاً.
قال يحيى بن محمد بن يحيى:
دخلت على أبي في الصيف الصائف وقت القائلة، وهو في بيت كتبه وبين يديه السراج وهو يصنف، فقلت: يا أبه، هذا وقت الصلاة، ودخان هذا السراج بالنهار، فلو نفست عن نفسك؛ فقال لي: يا بني، تقول لي هذا، وأنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه والتابعين حدث خادم محمد بن يحيى، ومحمد بن يحيى يغسل على السرير، قال: خدمت أبا عبد الله ثلاثين سنةً وكنت أضع له الماء، فما رأيت ساقه قط، وأنا ملكٌ له.
توفي محمد بن يحيى سنة اثنتين وخمسين ومئتين، وقيل: سنة ست وخمسين، وقيل: سنة سبعٍ وخمسين؛ والصحيح أنه توفي سنة ثمانٍ وخمسين ومئتين؛ وقد بلغ ستاً وثمانين سنةً.
قال أبو عمرو الخفاف: رأيت محمد بن يحيى الذهلي في النوم، فقلت: يا أبا عبد الله، ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي؛ قلت: فما فعل علمك؟ قال: كتب بماء الذهب ورفع في عليين.(23/336)
محمد بن يحيى بن علي القرشي
ابن عبد العزيز بن علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد أبو المعالي بن أبي المفضل بن أبي محمد القرشي المعروف بابن الصائغ قاضي دمشق.
حدث عن أبي الحسن علي بن الحسن بن الحسين الفقيه، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن عشرين سنةً، وكان أمهاتي يحثثنني على خدمته، فدخل علينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحلبنا له من شاةٍ لما داجنٍ فشيب له من ماء بئرٍ في الدار، وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه، فشرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر ناحيةً، فقال عمر: أعط أبا بكر، فناوله الأعرابي، وقال: " الأيمن فالأيمن ".
ولد أبو المعالي سنة سبعٍ وستين وأربع مئة، وتوفي سنة سبعٍ وثلاثين وخمس مئة.
محمد بن يحيى بن علي بن مسلم
ابن موسى بن عمران القرشي اليمني الزبيدي الواعظ قدم دمشق سنة ست وخمس مئة، وعقد مجلس التذكير، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فلم يحتمل طغتكين أتابك ذلك له، وأخرجه عن البلد، فمضى إلى العراق، وأقام بها مدةً، ورجع إلى دمشق رسولاً من الخليفة المسترشد في أمر الباطنية، وعاد إلى بغداد، ومات بها، وكان حنيفي الفروع، حنبلي الأصول.
وتوفي سنة خمسٍ وخمسين وخمس مئة، وكان من آخر كلامه أن قال له ولده إسماعيل: هذا وقت لقائك لله، فبماذا توصينا؟ فقال: اغسلوا كل ما وقع إليكم من(23/337)
كلامي في الأصول، ولا تعهدوا إلا على كتاب الله وما صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم تولين قوله: " إياك نعبد " مشاهدةٌ، ثم ما زال يكرر قوله: الله، الله، حتى لم يبق نسمع منه ثم طفئ.
قال ولده إسماعيل: كان في كل يومٍ وليلةٍ من مرضه يقول: الله الله قريباً من خمسة عشر ألف مرة؛ وفي يوم وفاته أدنى السبحة وهو يقول: الله الله قريباً من خمس مئة مرةً، رحمه الله.
محمد بن يحيى بن الفياض
أبو الفضل الزماني البصري قدم حاجاً سنة ست وأربعين ومئتين.
حدث عن عبد الأعلى يعني ابن عبد الملك الشامي عن حميد، عن قتادة، عن أنس، قال: سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في مسيرٍ له رجلاً يقول: الله أكبر، الله أكبر؛ فقال: نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على الفطرة " قال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خرج من النار " فاستبق القوم إلى الرجل فإذا راعي غنمٍ، حضرت الصلاة فقام يؤذن.
وحدث عن صغدي بن سنان، بسنده إلى عمران بن حصين، قال: جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الحج والعمرة، ولم ينزل بعد كتابٌ ينسخه.
هو منسوبٌ إلى زمان بن مالك بن صعب بن بكر بن وائل.(23/338)
محمد بن يحيى بن محمد أبو سعيد
البغدادي، المعروف بحامل كفنه حدث عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم، بسنده إلى علي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا طاعة لبشرٍ في معصية الله عز وجل ".
وحدث حامل كفنه بدمشق عن عبيد الله بن محمد الوراق، قال:
كان بالرملية رجل يقال له عمار، وكانوا يقولون أنه من الأبدال، فاشتكى البطن، فذهبت أعوده، وقد بلغني عنه رؤيا رآها؛ فقلت له: رؤيا حكوها عنك؛ فقال لي نعم، رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقلت: يا رسول الله ادع الله لي بالمغفرة؛ فدعا لي، ثم رأيت الخضر بعد ذلك فقلت: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله وليس بمخلوق فقلت: فما تقول في النبيذ؟ قال: انه عنه الناس؛ قال: فقلت: هو ذا أنهاهم وليس ينتهون؛ فقال: من قبل منك يقبل ومن لم يقبل فدعه؛ فقلت: ما تقول في بشر بن الحارث؟ قال: مات بشر بن الحارث يوم مات وما على ظهر الأرض أحدٌ أتقى لله منه؛ قلت: فأحمد بن حنبل؟ فقال لي: صديق؛ قلت له: فحسين الكرابيسي؟ فغلظ في أمره؛ فقلت: فما تقول في خالتي؟ فقال لي: تمرض وتعيش سبعة أيام ثم تموت؛ فلما أن ماتت قلت: حقت الرؤيا؛ فلما كان بعد رأيته فقلت له: كيف صار مثلك يجيء إلى مثلي؟ فقال لي: ببرك والديك وإقالتك العثرات.
كان هذا المعروف بحامل كفنه توفي، وغسل، وكفن، وصلي عليه، ودفن؛ فلما كان في الليل جاءه نباش فنبش عنه، فلما حل أكفانه ليأخذها استوى قاعداً، فخرج النباش هارباً منه، فقام وحمل أكفانه وخرج من القبر، وجاء إلى منزله؛ وأهله يبكون، فدق الباب عليهم، فقالوا: من أنت؟ فقال: أنا فلان فقالوا له: يا هذا لا يحل لك أن(23/339)
تزيدنا على ما بنا؛ فقال: يا قوم افتحوا فأنا والله فلان؛ فعرفوا صوته، ففتحوا له الباب، وعاد حزنهم فرحاً، وسمي من يومئذٍ حامل كفنه.
ومثل هذا: سعير بن الخمس الكوفي فإنه لما دلي في حفرته اضطرب فحلت أكفانه، فقام ورجع إلى منزله، وولد له بعد ذلك ابنه مالك بن سعير.
توفي محمد بن يحيى حامل كفنه في سنة تسعٍ وتسعين ومئتين.
محمد بن يحيى بن محمد بن إبراهيم
أبو بكر المكي حدث عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا، بسنده إلى رافع بن خديج، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ".
محمد بن يحيى بن محمد أبو بكر
المصري رفيق أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة.
حدث بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نظر إلى عورة أخيه متعمداً لم يقبل الله له صلاةً أربعين ليلةً ".
محمد بن يحيى أبي محمد بن المبارك
ابن المغيرة أبو عبد الله العدوي، المعروف أبوه باليزيدي أصله بصري، وقدم دمشق صحبة المعتصم حين توجه إلى مصر فأدركه أجله بمصر.(23/340)
وجد بخط أبي عبد الله اليزيدي، عن عمه أبي جعفر أحمد بن محمد لأبيه محمد بن أبي محمد: من الرمل
الهوى أمرٌ عجيبٌ شأنه ... تارةً يأسٌ وأحياناً رجا
ليس فيمن مات منه عجبٌ ... إنما يعجب ممن قد نجا
قال: وله أيضاً من السريع
كيف يطيق الناس وصف الهوى ... وهو جليلٌ ما له قدر
بل كيف يصفو لحليف الهوى ... عيشٌ وفيه البين والهجر
قال محمد بن يزداد: كنت بباب المأمون فجاء محمد بن أبي محمد اليزيدي، فاستأذن، فقال له الحاجب: إن أمير المؤمنين قد أخذ دواءً وأمرني أن أحجب الناس عنه، قال: فأمرك أن لا تدخل إليه رقعةً؟ قال: لا؛ قال: فكتب إليه: من الوافر
هديتي التحية للإمام ... إمام العدل والملك الهمام
لأني لو بذلت له حياتي ... وما أحوى لقلا لإمام
أراك من الدواء الله نفعاً ... وعافيةً تكون إلى تمام
وأعقبك السلامة منه رب ... يريك سلامةً في كل عام
أتأذن في الدخول بلا كلامٍ ... سوى تقبيل كفك والسلام
فأدخل الرقعة وخرج مسرعاً، وإذن لي، فدخلت مسرعاً، فسلمت وخرجت، وأتبعني بألفي دينار.(23/341)
محمد بن يحيى بن محمد السلمي
ابن عبد الله بن محمد بن زكريا أبو عبد الله السلمي، المعروف بابن الشميساطي، والد أبي القاسم وحدث عن أبي بكر أحمد بن سليمان بن زبان، بسنده إلى عائشة، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ".
توفي محمد بن يحيى سنة اثنتين وأربع مئة، وكان معتزلياً.
محمد بن يحيى بن موسى
أبو عبد الله بن أبي زكريا الإسفرايني، المعروف بابن حيويه
محدثٌ مشهور ببلده حدث عن أبي حذيفة، بسنده إلى العوفي، قال: قرأت على ابن عمر هذه الآية: " الله الذي خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعفٍ قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً " قال أخذها علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أخذتها عليك، قال: " الله الذي خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعف قوةً ثم جعل من بعد قوة ضعفاً ".
وحدث عن محمد بن عثمان، بسنده إلى سمرة، قال: أمرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نرد على الإمام، وأن نتحاب وأن يسلم بعضنا على بعضٍ، ونهانا أن نتلاعن بلعنة الله وبغضه، أو بالنار ".
توفي محمد بن حيويه سنة تسعٍ وخمسين ومئتين.(23/342)
محمد بن يحيى بن ياسر
أبو بكر الجوبري والد عبد الرحمن حدث عن أبي بكر محمد بن خريم بن محمد بن مروان بن عبد الملك العقيلي، بسنده إلى أنس، قال: كثيراً ما كنا نسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلنا له: يا رسول الله، قد أمرنا لك وصدقنا بما حدثتنا به، فهل تخاف علينا؟ قال: " نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها ".
وفي روايةٍ: فقلنا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: " نعم " الحديث.
محمد بن يحيى الأطرابلسي
حدث عن الحكم بن عبد الله، بسنده إلى أم رومان، قالت: رآني أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتميل في صلاتي فزجرني زجرةً كدت أن أنصرف منها، وقال: إياك والميل، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تمام الصلاة سكون الأطراف ".
محمد بن يزداد بن سويد المروزي
كاتب المأمون قدم مع المأمون دمشق؛ ومن شعره، وكان ينشده كثيراً: من الطويل(23/343)
ولائمةٍ لامت على الجود بعلها ... فقلت لها: كفي فإن له نفسا
نجود بإعطاء الكثير تفضلاً ... ونكره أن نعطي على غبنٍ فلسا
كان محمد بن يزداد وزير المأمون خمس عشرة سنةً؛ قال: ودخلت على المأمون يوماً وقد نهض وفي يده قرطاسٌ يقرؤه؛ فقال: يا محمد تعلم ما في هذا؟ قلت: كيف أعلمه وهو في يد أمير المؤمنين؟ فقال: اقرأه؛ فأخذته فإذا فيه: من السريع
إنك في دارٍ لها مدةٌ ... يقبل فيها عمل العامل
أما ترى الموت محيطاً بها ... يقطع فيها أمل الآمل
تعجل الذنب لما تشتهي ... وتأمل التوبة من قابل
والموت يأتي بعد ذا غفلةً ... ماذا بفعل الحازم العاقل
ومن شعره: من البسيط
إنا لنفرح بالأيام ندفعها ... وكل يومٍ مضى نقصٌ من الأجل
فاعمل لنفسك يا مغرور صالحةً ... قبل الممات وأنت اليوم في مهل
توفي محمد يزداد سنة ثلاثين ومئتين.
محمد بن يزيد بن سعيد
أبو سعيد ويقال: أبو إسحاق، ويقال: أبو يزيد الكلاعي ويقال: مولى خولان الواسطي حدث عن عثمان بن أبي العاتكة، بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاةً في دبر صلاةٍ، وقيل: في أثر صلاةٍ لا لغو بينهما، كتابٌ في عليين ".
وحدث عن عاصم بن محمد، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزال هذا الأمر في قريشٍ ما بقي من الناس اثنان ".(23/344)
توفي أبو سعيد سنة ثمانٍ وثمانين ومئة، وقيل: سنة تسعين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وتسعين، وقيل: تسعٍ وثمانين ومئة، وقيل: سنة إحدى وتسعين ومئة.
قال يزيد بن هارون: رأيت محمد بن يزيد الواسطي في المنام، فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي؛ قلت: بماذا؟ قال: بمجلسٍ جلسه إلينا أبو عمرو البصري، يوم جمعةٍ بعد العصر فدعا وأمنا، فغفر لنا.
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر
ابن عمير بن حسان بن سليمان بن سعد أبو العباس الأزدي الثمالي البصري النحوي، المعروف بالمبرد حدث عن المغيرة، بسنده إلى مالك بن أنس، قال: لهؤلاء الشطار ملاحةٌ، كان أحدهم يصلي خلف إنسانٍ، فقرأ الإنسان " الحمد لله رب العالمين " حتى فرغ منها، ثم أرتج عليه، فجعل يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وجعل يردد ذلك، فقال الشاطر: ليس للشيطان ذنبٌ إلا أنك لا تحسن تقرأ.
قال المبرد:
كنا عند التوجي، فجاءه عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، فأجلسه إلى جنبه، ثم قال لي: اقرأ عليه من شعر جده جرير، فقرأت عليه قصائد فيها: من الكامل
طرب الحمام بذي الأراك فشاقني ... لا زلت في فننٍ وأيكٍ ناضر
فلما بلغت إلى قوله:
أما الفؤاد فلا يزال موكلاً ... بهوى جمانة أو بحب العاقر(23/345)
قال له التوجي: ما جمانة والعاقر؟ قال: ما يقول صاحبكم يعني أبا عبيدة؟ قال: هما امرأتان؛ فضحك؛ وقال: لا عليه، ذهب مذهباً يذهب نحوه، هما والله رملتان عند بيوتنا من عن يمينٍ وشمالٍ قال التوجي: اكتب، فلو حضر أبو عبيدة لأفاد هذا، لأنه بيت الرجل.
قال المبرد: قال المفضل الضبي لأعرابي: من أين معاشك؟ قال: نرد الحاج؛ قلت: فإذا صدروا؛ فبكى، ثم قال: لو لم تعش إلا من حيث تدري لم تعش؛ فلما أردت الانصراف قال: أتفهم؟ قلت: نعم؛ قال: من الطويل
هل الدهر إلا ضيقةٌ تتفرج ... وإلا جديدٌ ناضرٌ ثم ينهج
أرى الناس في الدنيا كسفر تتابعوا ... على منهجٍ ثم استخفوا فأدلجوا
قال المبرد: وافيت الشام وأنا حدثٌ في جماعةٍ أقرانٍ أكتب الحديث، فاجتزنا بدير مران، فقلت: أنا أحب النظر إليه؛ فدخلناه فرأينا منظراً حسناً، وإذا في بعض بيوته كهلٌ مشدودٌ، حسن الوجه، عليه أثر النعمة؛ فدنونا منه فسلمنا عليه، فرد، وقال: من أين أنتم؟ قلنا: من العراق؛ قال: بأبي أنتم، ما الذي أقدمكم هذا البلد الغليظ هواؤه الثقيل ماؤه، الجفاة أهله؟ قلنا: طلب الحديث والأدب؛ قال: حبذا تنشدوني أو أنشدكم؟ قلنا: أنشدنا، فقال: من الكامل
الله يعلم أنني كمد ... لا أستطيع أبث ما أجد
روحان لي روحٌ تضمنها ... بلدٌ وأخرى حازها بلد(23/346)
وأرى المقيمة ليس ينفعها ... صبرٌ وليس يضرها جلد
وأظن غائبتي كشاهدتي ... بمكانها تجد الذي أجد
ثم أغمي عليه وأفاق، فصاح بنا، فعدنا إليه، فقال: تنشدوني أو أنشدكم؟ فقلنا: أنشدنا، فأنشدنا: من الطويل
لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم ... ورحلوها فثارت بالهوى الإبل
وأبرزت من خلال السجف ناظرها ... ترنو إلي ودمع العين ينهمل
منها:
إني على العهد لم أنقص مودتهم ... فليت شعري لطول العهد ما فعلوا؟
فقال فتىً من المجان: ماتوا؛ قال: فأموت أنا أيضاً؛ ثم تمطى وتمدد، فما برحنا حتى دفناه.
لما عمل أبو عثمان كتاب الألف واللام، سأله كافة أصحابه عن جليله فكانوا فيه متقاربي الأحوال، ثم سأل أبا العباس يعني المبرد عن دقيقه ومعتاصه، فأحسن الجواب عنه، فقال أبو عثمان: قم فأنت المبرد، أي المثبت للحق؛ قال أبو العباس: فغير الكوفيون اسمي فجعلوه المبرد بفتح الراء، وإنما هو بكسرها.
ولد المبرد سنة عشرٍ ومئتين، ومات سنة خمسٍ وثمانين ومئتين، وما رأى المبرد مثل نفسه.
وكان المبرد شيخ أهل النحو، وحافظ علم العربية، وكان عالماً فاضلاً موثوقاً به في الرواية، حسن المحاضرة، مليح الأخبار، كثير النوادر، وكان أبو بكر بن مجاهد يقول: ما رأيت أحسن جواباً من المبرد في معاني القرآن فيما ليس فيه قولٌ لمتقدمٍ.
قال أبو عبد الله المفجع: كان المبرد لعظم حفظه اللغة واتساعه فيها يتهم بالكذب، فتواضعنا على مسألةٍ(23/347)
لا أصل لها نسأله عنها لننظر كيف يجيب، وكان قبل ذلك قد تمارينا في عروض بيت الشاعر: من الطويل
أبا منذرٍ أفنيت فاستبق بعضنا
فقال بعضنا: هو من البحر الفلاني، وقال آخرون: هو من البحر الفلاني، فقطعناه وتردد على أفواهنا من تقطيعه " قبعضنا " فقلت له: أيدك الله ما القبعض؟ فقال: القطن، قال الشاعر: من الوافر
كأن سنامها حشي القبعضا
قال: فقلت لأصحابي: هو ذا ترون الجواب والشاهد، إن كان صحيحاً فهو عجيبٌ، وإن كان اختلق الجواب وعمل الشاهد في الحال فهو أعجب.
ومما مدح به المبرد: من الكامل
وإذا يقال: من الفتى كل الفتى ... والشيخ والكهل الكريم العنصر
والمستضاء بعلمه وبرأيه ... وبعقله؟ قيل: ابن عبد الأكبر
كان سليمان بن نوفل الدئلي سيداً في كنانة، فوثب رجلٌ من أهله على أبيه، فجيء به إليه، فقال له: ما أمنك مني وجرأك علي؟ أما خشيت عقابي؟ قال: لا؛ قال: ولم؟ قال: لأنا سودناك لتكظم الغيظ، وتحلم عن الجاهل؛ فخلى سبيله.
اجتمع أبو العباس بن سريج، وأبو العباس المبرد، وأبو بكر بن داود، في طريقٍ، فأفضى بهم إلى مضيقٍ، فتقدم ابن سريج وتلاه المبرد وتأخر ابن داود، فلما خرجوا إلى الفضاء التفت ابن سريج وقال: الفقه قدمني؛ وقال ابن داود: الأدب أخرني يعني حرفة الأدب فقال المبرد: أخطأتما جميعاً، إذا صحت المودة سقط التكلف والتعمل.(23/348)
قال محمد بن يزيد المبرد: حدثنا بعض أصحابنا، قال: كان في زمن المأمون شيخٌ مؤذن مسجدٍ وإمامه، فكان إذا جاء زمان الورد أغلق باب المسجد ودفع مفتاحه إلى بعض جيرانه، وأنشأ يقول: من المجتث
يا صاحبي اسقياني ... من قهوةٍ خندريس
على جنبات وردٍ ... تذهب هم النفوس
خذا من الورد حظاً ... بالقصف غير خسيس
ما تنظران وهذا ... أوان حث الكؤوس
فبادرا قبل فوتٍ ... لا عطر بعد عروس
فلا يزال على هذا حتى تنقضي أيام الورد، فيرجع إلى مسجده ويقول: من الطويل
تبدلت من وردٍ جني ومسمعٍ ... شهي ومن لهوٍ وشرب مدام
وأنس بمن أهوى وصحبٍ ألفتهم ... بكأس ندامى كالشموس كرام
أذاناً وإخباتاً وقوماً أؤمهم ... بصرف زمانٍ مولعٍ بغرام
فذلك دأبي أو أرى الورد طالعاً ... فأترك أصحابي بغير إمام
وأرجع في لهوي وأترك مسجدي ... يؤذن فيه من يشا بسلام
قال محمد بن يزيد المبرد: كنت غلاماً خدناً جميلاً، وكان لي فتىً يهواني، ويقبل علي بالخير، وأقبل عليه بالشر، فاعتل علةً كنت سببها، فمات فكثر أسفي عليه، فبينا أنا نائمٌ إذا هو أقبل، فقلت: فلان؟ قال: نعم؛ فبكيت، فولى عني، وأنشأ يقول: من الوافر
أتبكي بعد قتلك لي عليا ... ومن قبل الممات تسي إليا
سكبت علي دمعك بعد موتي ... فهلا كان ذاك وكنت حيا(23/349)
تجاف على البكاء ولا تزده ... فإني ما أراك صنعت شيا
قال المبرد: ما ذكرت هذه الأبيات إلا ترحمت عليه.
قال المازني للمبرد: بلغني أنك تنصرف من مجلسنا فتصير إلى المخيس، وإلى مواضع المجانين والمعالجين، فما معناك في ذلك؟ فقلت: إن لهم طرائف من الكلام؛ فقال: خبرني بأعجب ما رأيت من المجانين؛ فقلت: دخلت يوماً إلى مستقرهم فرأيت مراتبهم على قدر بليتهم، وإذا قومٌ قيامٌ قد شدت أيديهم إلى الحيطان بالسلاسل ونقبت من البيوت التي هم بها إلى غيرها مما يجاورها، لأن علاج أمثالهم أن يقوموا بالليل والنهار، لا يقعدون ولا يضطجعون، ومنهم من يجلب على رأسه وتدهن أوراده، ومنهم من ينهل ويعل بالدواء حسبما يحتاجون إليه، ورحت يوماً مع ابن أبي خميصة، وكان المتقلد للنفقة عليهم ولتفقد أحوالهم، فنظروا إليه وانا معه، فأمسكوا عما كانوا عليه، ومررت على شيخٍ منهم تلوح صلعته وتبرق للدهن جبهته، وهو جالسٌ على حصيرٍ نظيفٍ، ووجهه إلى القبلة كأنه يريد الصلاة، فجاوزته إلى غيره، فناداني: سبحان الله، أين السلام؟ من المجنون ترى أنا أم أنت؟ فاستحييت منه وقلت: السلام عليكم؛ فقال: لو كنت ابتدأت لأوجبت علينا حسن الرد عليك، على أنا نصرف سوء أدبك إلى أحسن جهاته من العذر، لأنه كان يقال: إن للداخل على القوم دهشةً، اجلس أعزك الله عندنا، وأومى إلى موضعٍ من حصيرة ينفضه، كأنه يوسع لي، فعزمت على الدنو منه، فناداني ابن أبي خميصة: إياك، إياك، فأحجمت عن ذلك، ووقفت ناحيةً أستجلب مخاطبته وأرصد الفائدة منه، ثم قال لي وقد رأى محبرةً معي: يا هذا، أرى معك آلة رجلين أرجو أن لا تكون أحدهام؛ أتجالس أصحاب الحديث الأغثاء أم الأدباء من أصحاب النحو والشعر؟ قلت: الأدباء؛ قال: أتعرف أبا عثمان المازني؟ قلت: نعم، معرفة ثابتة؛ قال: أتعرف الذي يقول فيه: من مجزوء الرمل(23/350)
وفتىً من مازنٍ ... ساد أهل البصرة
أمه معرفةً ... وأبوه نكره
قلت: لا أعرفه؛ قال: أفتعرف غلاماً له قد نبغ، معه ذهنٌ، وله حفظٌ، قد برز في النحو، وجلس مجلس صاحبه، وشاركه فيه يعرف بالمبرد؟ قلت: أنا والله عين الخبير به؛ قال: فهل أنشدك شيئاً من عبثات شعره؟ قلت: لا أحسبه يحسن قول الشعر، قال: يا سبحان الله، أليس هو الذي يقول: من مجزوء الكامل
حبذا ماء العناقي ... د بريق الغانيات
بهما ينبت لحمي ... ودمي أي نبات
أيها الطالب أشهى ... من لذيذ الشهوات
كل بماء المزن تفا ... ح الخدود الناعمات
قلت: قد سمعته ينشد هذا في مجلس الأنس؛ قال: يا سبحان الله أو يستحي أن ينشد مثل هذا حول الكعبة؟ ما تسمع الناس يقولون في نسبه؟ قلت: يقولون: هو من الأزد أزد شنؤه، ثم من ثمالة؛ قال: قاتله الله، ما أبعد غوره؛ أتعرف قوله: من الوافر
سألنا عن ثمالة كل حي ... فقال القائلون ومن ثمالة
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهالة
فقال لي المبرد خل قومي ... فقومي معشرٌ فيهم نذالة
قلت: أعرف هذه الأبيات لعبد الصمد بن المعذل يقولها فيه؛ قال: كذب كل من ادعى هذه غيره، هذا كلام رجلٍ لا نسب له يريد أن يثبت له بهذا الشعر نسباً؛ قلت: أنت أعلم؛ قال: يا هذا غلبت بخفة روحك، وتمكنت بفصاحتك من استحساني وقد أخرت ما كان يجب أن أقدمه، الكنية أصلحك الله؟ قلت: أبو العباس؛ قال: فالاسم؟ قلت: محمد؛ قال: فالأب؟ قلت: يزيد؛ قال: قبحك الله، أحوجتني إلى الاعتذار إليك مما قدمت ذكره، ثم وثب باسطاً يده لمصافحتي، فرأيت(23/351)
القيد في رجله قد شد إلى خشبةٍ في الأرض، فأمنت عند ذلك غائلته؛ فقال لي: يا أبا العباس، صن نفسك عن الدخول إلى هذه المواضع، فليس يتهيأ لك في كل وقتٍ أن تصادف مثلي على مثل هذه الحال الجميلة، أنت المبرد، أنت المبرد؛ وجعل يصفق وقد انقلبت عينه وتغيرت خلقته؛ فبادرت مسرعاً خوفاً من أن تبدر منه بادرةٌ، وقبلت قوله ولم أعاود الدخول إلى مخيس ولا غيره.
أنشد أحمد بن أبي طاهر لنفسه في المبرد: من الطويل
ويومٍ كحر الشوق في الصدر والحشا ... على أنه منه أحر وأرمد
ظللت به عند المبرد ثاوياً ... فما زلت في ألفاظه أتبرد
ومن شعر المبرد: من الخفيف
لم أعاتبك بل مدحتك في الشع ... ر ويكفيك مدحتي عن عتابي
أي عارٍ عليك أعظم من مد ... حٍ إذا لم يكافه بثواب
قال أحمد بن مروان: أنشدنا المبرد: من الوافر
إذا اعتذر الصديق إليك يوماً ... من التقصير عند أخٍ مقر
فصنه عن عتابك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر
قال: وأنشدني: من الطويل
تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأحوجني طول العزاء إلى الصبر
إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر
قال: وأنشدنا محمد بن يزيد: من الكامل
بادر هواك إذا هممت بصالحٍ ... وتجنب الأمر الذي يتجنب
واعمل لنفسك في زمانك صالحاً ... إن الزمان بأهله يتقلب
واحذر ذوي الملق اللئام فإنهم ... في النائبات عليك ممن يخطب(23/352)
قال إسماعيل بن محمد النحوي: أنشدنا محمد بن يزيد المبرد: من الطويل
إذا ضاق صدري بالهموم تحللت ... لعلمي بأن الأمر ليس إلى الخلق
فلا الحزم يغنيني فأركب عزمه ... ولا العجز بالإمساك ينقص من رزقي
قال محمد بن يحيى الصولي: أنشدنا المبرد: من الطويل
ولي حاجةٌ قد راث غمي نجاحها ... وجودك أجدى وافرٍ في اقتضائها
وما لي شفيعٌ غير نفسك إنني ... اتكلت من الدنيا على حسن رأيها
عطاؤك لا يفنى ويستغرق المنى ... ويبقي وجوه السائلين بمائها
شكوت وما الشكوى لنفسي بعادةٍ ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها
أنشد المبرد لإبراهيم بن العباس الكاتب: من المجتث
لو قيل لي: خذ أماناً ... من أعظم الحدثان
لما أخذت أماناً ... إلا من الإخوان
قال جعفر بن قدامة: أنشدنا المبرد: من الطويل
لئن كانت الدنيا أنالتك ثروةً ... وأصبحت فيها بعد عسرٍ أخا يسر
لقد كشف الإثراء منك خلائقاً ... من اللؤم كانت تحت ثوبٍ من الفقر
ومن شعر محمد بن يزيد المبرد: من مجزوء الكامل
تأدب غير متكلٍ ... على حسبٍ ولا نسب
فإن مروءة الرجل الش ... شريف بصالح الأدب
توفي المبرد سنة خمسٍ وثمانين ومئتين، وكان مولده سنة عشرٍ ومئتين.(23/353)
وكان في العلم بنحو البصريين فرداً؛ ومن شعره: من السريع
وصاحبٍ أثقل من أحد ... جلوسه جهدٌ من الجهد
علامة المقت على وجهه ... بينةٌ مذ كان في المهد
لو دخل النار انطفى حرها ... ومات من فيها من البرد
محمد بن يزيد بن عفيف
من أهل دمشق.
حدث عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، أنه قال: لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً ولا شربتم شراباً على شهوةٍ أبداً، ولا دخلتم بيتاً تستظلون في ظله أبداً، ولززتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم، وتبكون على أنفسكم؛ ثم قال: من حدث بهذا الحديث؟ لوددت أني شجرةٌ أعضد في كل عامٍ وأوكل.
محمد بن يزيد بن محمد
ابن عبد الصمد أبو الحسن بن أبي القاسم، مولى بني هاشم حدث عن صفوان بن صالح، بسنده إلى عوف بن مالك الأشجعي، قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجلٍ من الأنصار، فقال: " اللهم صل عليه، واغفر له، وارحمه، واعف عنه، وأكرم نزله ومنقلبه، واغسله بماءٍ وبردٍ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وقه فتنة القبر وعذاب النار " قال عوف: لقد رأيتني أتمنى في مقامي ذلك أن أكون مكان ذلك الميت، لما رأيت من صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه.(23/354)
وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عائشة رضوان الله عليها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يسلم في ركعتي الوتر.
توفي محمد بن يزيد سنة تسعٍ وستين ومئتين.
محمد بن يزيد بن ماجة
أبو عبد الله القزويني الحافظ، صاحب كتاب السنن حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عباس، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بعرفة، فجئت أنا والفضل على أتانٍ، فمررنا على بعض الصف، فنزلنا عنها وتركناها، ثم دخلنا في الصف.
وحدث عن الزبير بن بكار، عن أيوب بن سليمان بن بلال، قال: قدم سفيان الثوري المدينة فمر بالغاضري، وهو يتكلم ويضحك الناس؛ فقال له سفيان: يا شيخ، أما علمت أن لله عز وجل يوماً يخسر فيه المبطلون؟ قال: فما زالت ترى في الشيخ حتى فارق الدنيا.
توفي أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة سنة ثلاثٍ وسبعين ومئتين؛ وقال: إنه ولد سنة تسعٍ ومئتين.
محمد بن يزيد بن معاوية
ابن أبي سفيان حدث إسماعيل بن عبيد الله أنه وجد كتاباً في دار الإمارة: من عمر بن عبد العزيز إلى محمد بن يزيد، أما بعد: فقد بلغني أنك تقول: أجمع لولدي؛ واعلم أنك إن تمت وتورثهم الدنيا بما فيها وكتب الله عليهم الفقر يفتقروا، واعلم أنك إن مت ولم تورثهم شيئاً وكتب الله لهم الغنى استغنوا؛ والسلام.(23/355)
محمد بن يزيد أبو بكر الرحبي
من أهل دمشق، والرحبة قريةٌ من قرى قريش كانت فخربت.
حدث عن عروة بن رويم، بسنده إلى أبي عثمان الصنعاني، قال: حاضرنا مع شرحبيل بن السمط وذكر أبا عبيدة فقدم علينا سلمان، فقال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رباط يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيام شهرٍ وقيامه ".
محمد بن يزيد الأنصاري مولاهم البصري
كتب الحجاج إلى عبد الملك يشير عليه أن يستكتب محمد بن يزيد وكتب إليه: إن أردت رجلاً مأموناً فاضلاً عادلاً ورعاً مسلماً كتوماً، تتخذه لنفسك، وتضع عنده سرك وما لا تحب أن يظهر، فاتخذ محمد بن يزيد؛ فكتب إليه عبد الملك: احمله؛ فحمله، فاتخذه عبد الملك كاتباً.
قال محمد: فلم يكن يأتيه كتابٌ إلا دفعه إلي، ولا بشر شيئاً إلا أخبرني به، وكتمه الناس، ولا يكتب إلى عاملٍ إلا أعلمنيه؛ فإني لجالسٌ يوماً نصف النهار، إذا أنا بيزيد قد قدم من مصر، فقال: الإذن على أمير المؤمنين؛ قلت: ليست هذه ساعة إذنٍ، فأعلمني ما قدمت له؛ قال: لا؛ قلت: فإن كان معك كتابٌ فادفعه إلي؛ قال: لا؛ قال: فأبلغ بعض من حضرني أمير المؤمنين، فخرج فقال: ما هذا؟ قلت: رسولٌ قدم من مصر؛ قال: فخذ الكتاب؛ قلت: زعم أنه ليس معه كتاب؛ قال: فسله عما قدم فيه؛ قلت: قد سألته، فلم يخبرني؛ قال: أدخله؛ فدخل فقال: آجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز؛ فاسترجع وبكى، ووجم ساعةً؛ ثم قال: يرحم الله عبد العزيز، مضى لشأنه(23/356)
وتركنا وما نحن فيه، وبكى النساء وأهل الدار؛ ثم دعاني من غدٍ، فقال لي: قد مضى عبد العزيز لسبيله ولابد للناس من علمٍ وقائمٍ يقوم بالأمر من بعدي فمن ترى؟ قلت: يا أمير المؤمنين سيد الناس وأرضاهم وأفضلهم الوليد بن عبد الملك؛ قال: صدقت وفقك الله؛ ثم من ترى أن يكون بعد؟ قلت: يا أمير المؤمنين أين تعدوها عن سليمان فتى العرب؟ قال: وفقت، أما إنا لو تركناها للوليد لجعلها لبنيه، اكتب عهد الوليد وسليمان من بعده؛ فكتبت بيعة الوليد ثم سليمان من بعده، فغضب علي الوليد فلم يولني شيئاً حين أشرت لسليمان من بعده.
قال محمد بن يزيد: لما قام سليمان بن عبد الملك بعثني إلى العراق إلى المسيرين، إلى أهل الديماس الذي سجنهم الحجاج؛ قال: فأخرجتهم فيهم يزيد الرقاشي ويزيد الضبي وعابدةٌ من أهل البصرة، فأخرجتهم في عمل ابن أبي مسلم وعنفت ابن أبي مسلم بصنيعه، وكسوت كل رجلٍ منهم بثوبين؛ فلما مات سليمان ومات عمر كنت مستعملاً على إفريقية، فقدم علي يزيد بن أبي مسلم أميراً في عمل يزيد بن عبد الملك فعذبني عذاباً شديداً حتى كسر عظامي، فأتي بي يوماً أحمل في كساءٍ عند المغرب؛ فقلت: ارحمني، قال: التمس الرحمة عند غيري، لو رأيت ملك الموت عند رأسك لناذرته نفسك، اذهب حتى أصبح لك.
قال: فدعوت الله عز وجل، فقلت: اللهم اذكرني ما كان مني في أهل الديماس، اذكرني يزيد الرقاشي وفلاناً وفلاناً واكفني شر ابن أبي مسلم، وسلط عليه من لا يرحمه، واجعل ذلك من قبل أن يرتد إلي طرفي، وجعلت أحبس طرفي رجاء الإجابة، فدخل عليه ناسٌ من الري فقتلوه، ثم أتوني يطلقوني؛ فقلت: اذهبوا ودعوني فإني أخاف إن فعلتم أن يروا أن ذلك من سببي؛ فذهبوا وتركوني.
وحدث بطريقٍ آخر: قال: بعثني عمر بن عبد العزيز حين ولي فأخرجت من في السجون من حبس سليمان، ما خلا يزيد بن أبي مسلم فنذر دمي، فلما مات عمر ولاه يزيد بن عبد الملك إفريقية وأنا بها فأخذت فأتى بي في شهر رمضان عند الليل، فقال لي: محمد بن يزيد؟(23/357)
قلت: نعم؛ قال: الحمد لله الذي أمكنني منك بلا عهدٍ ولا عقدٍ، وطالما سألت الله أن يمكنني منك؛ فقلت: وأنا طال ما سألت الله أن يعيذني منك؛ فقال: والله ما أعاذك الله مني، لو أن ملك الموت يسابقني إليه لسبقته؛ قال: وأقيمت المغرب، فصلى ركعة وثار به الجند فقتلوه؛ وقالوا لي: خذ أي طريقٍ شئت.
وقيل: كان السبب في قتل يزيد بن أبي مسلم والي إفريقية، أن كان عزم أن يسير فيهم بسيرة الحجاج بن يوسف، فأجمع رأيهم على قتله، فقتلوه، وولوا على أنفسهم الوالي الذي كان عليهم قبل وهو محمد بن يزيد مولى الأنصار، وكان في حبس يزيد بن مسلم، وكتبوا إلى يزيد بن عبد الملك: إنا لم نخلع أيدينا من الطاعة ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا ما لا يرضي الله عز وجل والمسلمين، فقتلناه وأعدنا عاملك؛ فكتب إليهم يزيد بن عبد الملك: إني لم أرض ما صنع يزيد بن أبي مسلم؛ وأقر محمد بن يزيد على إفريقية.
محمد بن يزيد النصري
من أهل المدينة، سكن دمشق.
وحدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري، بسنده إلى رافع بن خديج، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا قطع في تمرٍ ولا كثرٍ ".(23/358)
محمد بن يزيد أبو جعفر المقابري
الخراز الآدمي العابد سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن معن بسنده إلى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنه قال: يا رسول الله أقيد العلم؟ قال: " نعم " يعني كتابةً.
وحدث عن سفيان، بسنده أن عائشة رضوان الله عليها، قالت:
إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم في الدنيا لحق، وقد قال الله عز وجل: " إنك لا تسمع الموتى ".
وحدث عن معن، عن ابن أخي الزهري، عن عمه، قال: قيل لأبي بكرٍ الصديق نضر الله وجهه: مالك لا تستعمل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إني أكره أن أدنس دينهم.
توفي محمد بن يزيد الآدمي سنة خمسٍ وأربعين ومئتين.
محمد بن يزيد الأموي المسلمي الحصني
من ولد مسلمة بن عبد الملك بن مروان.
شاعر محسنٌ.
هجا عبد الله بن طاهر بقصيدةٍ عارض بها قصيدته التي افتخر فيها، فلما قدم ابن طاهر الشام قصده، فلم يهرب منه واستسلم لأمره، فعفا عنه، ولحقه إلى مصر، واجتاز بدمشق، ولم يفارقه إلى أن رجع ابن طاهر إلى العراق.(23/359)
وامتدح المسلمي الحسن بن وهب بدمشق إذ كان الحسن يتولى الخراج فقال: من البسيط
سقى دمشق وما ضمت جوانبها ... رخو الملاطين في أوراكه ظلع
إذا ترنم فيه الرعد أزعجه ... حتى ينازع غرباً ثم يرتدع
يسقي رياضاً من المعروف حاليةً ... فيهن للمجد مصطافٌ ومرتبع
حيث المكارم معمورٌ مساكنها ... بآل وهبٍ وشمل المجد مجتمع
كانت عواري حتى حلها حسنٌ ... فأصبحت ولها من جوده خلع
محمد بن يعقوب بن أزهر بن علي
ابن سعيد أبو عبد الله الطائي الحمصي قدم دمشق.
حدث عن أبي حفص عمر بن علي بن الحسن بن محمد بن إبراهيم العتكي الأنطاكي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أدري تبعٌ كان لعيناً أم لا، ولا أدري ذو القرنين نبياً كان أم لا، ولا أدري الحدود كفارةً لأهلها أم لا ".
محمد بن يعقوب بن حبيب
أبو جعفر الغساني حدث عن آدم بن أبي إياس، بسنده إلى زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا ".
وحدث عن أبي الجماهر محمد بن عثمان بسنده إلى أبي عمران الأنصاري، أن أم الدرداء أعطته يوم الفطر ثلاث تمراتٍ، فقالت: يا سليمان كلهن وخالف أهل الكتاب، فإنهم لا يأكلون في أعيادهم حتى يصلوا.
توفي محمد بن يعقوب سنة أربع وستين ومئتين.(23/360)
محمد بن يعقوب بن يوسف
ابن معقل بن سنان بن عبد الله أبو العباس المعقلي السيناني النيسابوري الأصم، مولى بني أمية محدثٌ مشهورٌ.
حدث عن أبي يحيى زكريا بن يحيى المروزي، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: " وما أعددت لها؟ " فلم يذكر كثيراً إلا أنه يحب الله ورسوله، قال: " فأنت مع من أحببت ".
كان أبو العباس قد استكم عليه الصمم حتى كان لا يسمع نهيق الحمار، وكان محدث عصره بلا مدافعةٍ، فإنه حدث في الإسلام ستاً وسبعين سنةً، ولم يختلف في صدقه وصحة سماعاته وضبط أبيه يعقوب الوراق لها، وكان يرجع إلى حسن المذهب والتدين، يصلي خمس صلواتٍ في جماعةٍ، وقيل: إنه أذن سبعين سنةً في مسجده، وكان حسن الخلق سخي النفس، وكان يقول: ولدت سنة سبعٍ وأربعين ومئتين.
والمعقلي بفتح الميم والعين المهملة والقاف المكسورة.
قال محمد بن عبد الله:
خرج علينا أبو العباس محمد بن يعقوب رحمه الله، ونحن في مسجده وقد امتلأت السكة من أولها إلى آخرها من الناس في سنة أربع وأربعين وثلاث مئة، وكان يملي عشية كل اثنين من أصوله مما ليس في الفوائد أحاديث، فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء من كل فج عميقٍ، وقد قاموا يطرقون له، ويحملونه على عواتقهم من باب داره إلى مسجده، فلما بلغ المسجد جلس إلى جدار المسجد وبكى طويلاً ثم نظر إلى المستملي وقال: اكتب، سمعت محمد بن إسحاق الصغاني، يقول: سمعت أبا سعيد الأشج، يقول: سمعت عبد الله بن إدريس، يقول: أتيت يوماً باب الأعمش بعد موته فدققت الباب؛ فقيل:(23/361)
من هذا؟ فقلت: ابن إدريس؛ فأجابتني امرأةٌ يقال لها، برة: هاي هاي يا عبد الله بن إدريس ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب؟ ثم بكى الكثير، ثم قال: كأني بهذه السكة ولا يدخلها أحدٌ منكم، فإني لا أسمع وقد ضعف البصر وحان الرحيل، وانقضى الأجل؛ فما كان إلا بعد شهرٍ أو أقل منه حتى كف بصره، وانقطعت الرحلة، وانصرف الغرباء إلى أوطانهم، ورجع أمر أبي العباس إلى أنه كان يناول قلماً، فإذا أخذه بيده علم أنهم يطلبون الرواية فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان؛ ويقرأ الأحاديث التي كان يحفظها وهي أربعة عشر حديثاً وسبع حكاياتٍ وصار بأسوأ حالٍ إلى ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاث مئة، فتوفي أبو العباس ليلة الاثنين رحمه الله.
قال أبو جعفر محمد بن موسى بن عمران: رأيت أبا العباس في المنام، فقلت: إلى ماذا انتهى حالك؟ فقال: أنا مع أبي يعقوب البويطي والربيع بن سليمان، في جوار أبي عبد الله الشافعي، نحضر كل يوم ضيافته.
محمد بن يعقوب الدمشقي
حدث عن محمد بن يزيد، عن جده، قال: قال لقمان: مجالسة العالم على المزابل خيرٌ من مجالسة الجاهل على الزرابي.
محمد بن يعقوب ويقال محمد بن علي
أبو جعفر الكليني من شيوخ الرافضة.
حدث عن علي بن إبراهيم بن هاشم، بسنده إلى جعفر بن محمد، قال: قال أمير المؤمنين: إعجاب المرء بنفسه دليلٌ على ضعف عقله.(23/362)
الكليني: بضم الكاف والنون بعد الياء وإمالة اللام، توفي محمد بن يعقوب سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.
محمد بن يعقوب الحافظ
قدم دمشق.
حدث عن سعيد بن هاشم، بسنده إلى الحسن، قال: تخطوا رقاب هؤلاء الذين يجلسون على أبواب المسجد يوم الجمعة، فإنه لا حرمة لهم.
محمد بن يعقوب أبو بكر التستري
حدث عن محمد بن داود الدينوري، قال: سمعت أبا بكر المصري، يقول: خرجت من عينونه أريد الرملة، فبينا أنا أمشي إذا أنا بفقيرٍ حافي القدمين، حاسر الرأس، وعليه خرقتان متزرٌ بإحداهما مرتدٍ بالأخرى، ليس معه زادٌ ولا ركوةٌ؛ فقلت في نفسي: لو كان مع هذا ركوةٌ وحبلٌ، فإذا ورد الماء توضأ وصلى كان خيراً له؛ فلحقت به وقد اشتد الهاجرة، فقلت له: يا فتى، لو أن هذه الخرقة التي على كتفك جعلتها على رأسك تتوقى بها الشمس كان خيراً لك؛ فسكت ومشى، فلما كان بعد ساعةٍ قلت له: أنت حافٍ ما ترى في نعلٍ تلبس ساعةً وأنا ساعةً؟ فقال: أراك شيخاً كثير الفضول، ألم تكتب الحديث؟ قلت: بلى؛ قال: فلم تكتب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه؟ " فسكت ومشى وانقطع الماء، وعطشت ونحن على ساحل البحر، فالتفت إلي وقال: أنت عطشان؟ قلت: لا؛ فمشى ساعةً وقد كظني العطش، ثم التفت إلي فقال: أنت عطشان؟ قلت:(23/363)
نعم، ما تقدر أن تعمل في مثل هذا الوضع؟ فأخذ الركوة مني ودخل البحر، وغرف بالركوة الماء وجاءني به، وقال: اشرب؛ فشربت ماءً أعذب من ماء النيل وأصفى لوناً، وفيه حسيسٌ؛ فقلت في نفسي: هذا ولي الله، ولكني أدعه حتى إذا وافينا المنزل سألته الصحبة. فقال: أيما أحب إليك؛ تمشي أو أمشي؟ فقلت: إن تقدم فاتني ذلك، أتقدم أنا وأجلس في بعض المواضع، فإذا جاء سألته الصحبة، فقال: يا أبا بكر إن شئت تقدم واجلس وإن شئت فتأخر، فإنك لا تصحبني؛ ومضى وتركني، فدخلت المنزل وكان لي صديقٌ بها وعندهم عليلٌ فقلت لهم: رشوا عليه من هذا الماء، فرشوا عليه فبرئ، وسألتهم عن الشخص، فقالوا: ما رأيناه.
محمد بن أبي يعقوب أبو بكر الدينوري
حدث عن أبي ميمون جعفر بن نصر، بسنده إلى البراء، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" من سره أن يتمسك بقضيب الدر الذي غرسه الله في جنة عدنٍ فليتمسك بحب علي ".
محمد بن يوسف بن أحمد البغدادي
أبو الحسن البغدادي الأخباري الأديب له شعرٌ متوسط.
حدث عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حبيب بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكاً يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت شهيداً له وشفيعاً يوم القيامة ".
حدث محمد بن يوسف بدمشق سنة سبعٍ وتسعين وثلاث مئة.(23/364)
محمد بن يوسف بن أحمد بن يوسف
ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن النيسابوري الأعرج القطان حدث عن أبي إسحاق بن أحمد الحصري، بسنده إلى عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " بعثت داعياً ومبلغاً، وليس إلي من الهدى شيءٌ " زاد في رواية أخرى: " وخلق إبليس قريناً وليس إليه من الضلالة شيءٌ ".
توفي محمد بن يوسف سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة.
محمد بن يوسف بن بشر القرشي
حدث عن الوليد بن محمد الموقري، قال: من أين قدمت يا زهري؟ قلت: من مكة؛ قال: فمن خلفت يسود أهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح؛ قال: من العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي، قال: وبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية؛ قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا؛ فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس بن كيسان؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي؛ قال: وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء؛ قال: إنه لينبغي، فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي؛ قال: فمن يسود أهل الشام؟ قلت: مكحول؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: عبد نوبي أعتقته امرأةٌ من هذيل؛ قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران؛ قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي؛ قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي؛ قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن بن أبي الحسن؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم(23/365)
النخعي؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من العرب؛ قال: ويلك يا زهري فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها؛ قال: قلت: يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد ومن ضيعه سقط.
محمد بن يوسف بن بشر بن النضر
ابن مرداس أبو عبد الله الهروي الحافظ الفقيه الشافعي حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".
وحدث محمد بن يوسف بدمشق، عن إسماعيل بن محمد بن يوسف الثقفي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه ".
ولد الهروي سنة تسعٍ وعشرين ومئتين، وتوفي سنة ثلاثين وثلاث مئة، وقد جاوز المئة، وكان شيخاً حافظاً للحديث، وكان قد كف بصره.
محمد بن يوسف بن الحكم
ابن أبي عقيل الثقفي، أخو الحجاج بن يوسف كان أميراً على اليمن، ووفد عبد الملك بن مروان.
حدث محمد بن ماجان أن الحجاج بعث بكف ابن الزبير مقطوعةً بعد ما قتله إلى أخيه محمد بن يوسف بصنعاء.
قال حجر المدني: قال لي علي: كيف بك إذا أمرت أن تلعنني؟ قال: أو كائنٌ ذلك؟ قال: نعم؛ قلت: فكيف أصنع؟ قال: العن ولا تتبرأ مني؛ فأقامه محمد بن(23/366)
يوسف إلى جنب المنبر يوم الجمعة، فقال له: العن علياً، فقال: إن الأمير محمد بن يوسف أمرني أن ألعن علياً فالعنوه لعنه الله؛ قال: فعماها على أهل المسجد وتفرقوا وما فظن له إلا رجلٌ واحد.
استعمل محمد بن يوسف طاووساً باليمن، فلما فرغ قال له: ارفع حسابك؛ قال: ما لي حساب، أخذت من الغني وأعطيت الفقير.
حدث وهب بن منبه، قال: صليت أنا وطاووس المغرب خلف محمد بن يوسف يعني أخا الحجاج فلما سلم قام طاووس فشفع بركعةٍ ثم صلى المغرب.
كان طاووس يصلي في غداةٍ باردةٍ منعمة، فمر به محمد بن يوسف أو أبو نصر بن يحيى وهو ساجدٌ، في موكبه فأمر بساجٍ أو طيلسان مرتفعٍ وطرح عليه، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته؛ فلما سلم نظر فإذا الساج عليه فانتفض ولم ينظر إليه ومضى إلى منزله.
وفي روايةٍ: أن طاووساً دخل على محمد بن يوسف في غداةٍ باردةٍ، فقعد طاووس على الكرسي، فقال: يا غلام هلم ذلك الطيلسان فألقه على أبي عبد الرحمن، فألقوه عليه، فلم يزل يحرك كتفيه حتى ألقى الطيلسان وغضب محمد بن يوسف؛ فقال له وهب بن منبه: والله إن كنت لغنياً أن تغضبه علينا، لو أخذت الطيلسان فبعته وأعطيت ثمنه المساكين؟ فقال: نعم، لولا أن يقال من بعدي: أخذه طاووس فلا تصنع فيه ما أصنع، إذاً لفعلت.
قال علي بن زيد: قال طاووس: بينا أنا بمكة بعث إلي الحجاج فأجلسني إلى جنبه واتكأني على وسادةٍ، إذ سمع ملبياً يلبي حول البيت رافعاً صوته بالتلبية؛ فقال: علي بالرجل؛ فأتي به، فقال: ممن الرجل؟ قال: من المسلمين؛ قال: ليس عن الإسلام سألتك؛ قال: فعم سألت؟ قال:(23/367)
سألتك عن البلد؛ قال: من أهل اليمن؛ قال: كيف تركت محمد بن يوسف؟ قال: تركته عظيماً جسيماً لباساً ركاباً خراجاً ولاجاً؛ قال: ليس عن هذا سألتك؛ قال: فعم سألت؟ قال: سألت عن سيرته، قال: تركته ظلوماً غشوماً مطيعاً للمخلوق عاصياً للخالق؛ فقال له الحجاج: ما يحملك على أن تتكلم بهذا الكلام وأنت تعلم مكانه مني؟ قال الرجل: أتراه بمكانه منك أعز مني بمكاني من الله وأنا وافد بيته ومصدق نبيه، وقاضي دينه؟ قال: فسكت الحجاج، فما أحار به جواباً؛ وقام الرجل من غير أن يؤذن له، فانصرف.
قال طاووس: فقمت في أثره وقلت: الرجل حكيم؛ فأتى البيت فتعلق بأستاره ثم قال: اللهم بك أعوذ وبك ألوذ، اللهم اجعل لي في اللهف إلى جودك والرضى بضمانك مندوحةً عن منع الباخلين، وغنىً عما في أيدي المستأثرين، اللهم فرجك القريب، ومعروفك القديم، وعادتك الحسنة؛ ثم دخلت في الناس فرأيته عشية عرفة، وهو يقول: اللهم إن كنت لم تقبل حجتي وتعبي ونصبي فلا تحرمني الأجر عن مصيبتي بتركك القبول مني؛ ثم ذهب في الناس فرأيته غداة جمعٍ يقول: واسوءتاه منك والله وإن غفرت؛ يردد ذلك.
قال عمر بن عبد العزيز: الوليد بن عبد الملك بالشام، والحجاج بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر، امتلأت الأرض والله جوراً.
قال ربيعة بن عطاء: قلت عند القاسم بن محمد: قاتل الله محمد بن يوسف ما أجرأه على الله؛ قال: هو أذل وألأم من أن يجترئ على الله، ولكنها الغرة؛ قل: ما أغره بالله.
توفي محمد بن يوسف باليمن سنة إحدى وتسعين.(23/368)
محمد بن يوسف بن سليمان بن سليم أبو عبد الله البغدادي الجوهري حدث عن معلى بن أسد، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسافر امرأةٌ بريداً إلا ومعها محرمٌ يحرم عليها ".
وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة، قال: نهينا أن يتخصر الرجل في الصلاة.
وحدث عن الفضل بن موفق، بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اتقوا الله وصلوا أرحامكم ".
توفي محمد بن يوسف الجوهري سنة خمسٍ وستين ومئتين.
محمد بن يوسف بن عبد الله الدمشقي
حدث عن أبي جعفر محمد بن عبد الحميد الفرغاني، بسنده إلى عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عزى مصاباً فله مثل أجره ".
محمد بن يوسف بن عمر بن علي
أبو عبد الله الكفرطابي نزيل شيزر ويعرف بابن المنيرة أديب فاضل فمن شعره يهنئ صاحب شيزر بولدٍ رزقه: من البسيط
يا من هو الليث لولا حسن صورته ... ومن هو الغيث إلا أنه بشر(23/369)
ومن هو السيف إلا أن مضربه ... لا ينثني ويكل الصارم الذكر
ومن هو البحر إلا أن نائله ... سهل المرام وهذا نيله عسر
هنيت بالولد الميمون طائره ... وعاش في ظل عز ما له قصر
فقد تباشرت الخيل العتاق به ... والمشرفية والعسالة السمر
علماً بأن سوف نوليها بخدمته ... فخراً يقصر عنه البدو والحضر
أليس مولده منكم ومنشؤه ... فيكم وذلك فخرٌ دونه مضر
لا زال عزكم ينمى ومجدكم ... يسمو وفضلكم في الناس يشتهر
توفي ابن منيرة سنة ثلاثٍ وخمسين وخمس مئة، بعد الزلزلة.
محمد بن يوسف بن محمد بن إسحاق
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو عبد الله الأفشيني قدم دمشق.
روى عن أبي القاسم عبيد الله بن إسحاق بن حبابة، بسنده إلى ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحرير ثياب من لا خلاق له ".
محمد بن يوسف بن نهار
أبو الحسن البغدادي المقرئ سمع بدمشق.
روى عن أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي بسنده إلى ابن عباس أن أم الفضل أرسلت بلبنٍ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشربه وهو يخطب للناس بعرفة.(23/370)
قال محمد بن يوسف: أنشدنا أبو بكر محمد بن القاسم بن يسار الأنباري، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب: من الكامل
لا تحفرن بئراً تريد أخاً بها ... فإنك فيها أنت من دونه تقع
كذاك الذي يبغي على الناس ظالماً ... يصبه على رغمٍ عواقب ما صنع
محمد بن يوسف بن واقد
أبو عبد الله الضبي الفريابي حدث عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس بن مالك، قال: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر يخطب، فقام إليه رجلٌ فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله؛ فرفع يديه وما في السماء قزعةٌ، فما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر ينحدر على لحيته، فمطرنا يومنا والذي بعده والذي يليه إلى الجمعة، فبينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر إذ قام ذلك الرجل أو غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله؛ فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه فجعل لا يشير بيده إلى ناحيةٍ إلا أفرجت حتى صارت المدينة مثل الحوبة.
وحدث عن الأوزاعي، بسنده إلى فيروز الديلمي، قال: قلت: يا رسول الله نحن ممن قد علمت، وجئنا من حيث تعلم، ونزلنا بين ظهراني من تعلم، فمن ولينا؟ قال: " الله ورسوله ".
وحدث عن الأوزاعي، قال: كان عندنا رجلٌ صياد، وكان يرى التخلف عن الجمعة، فخرج يوماً كما كان يخرج، فخسف به وببغلته فما رؤي منها إلا أذناها.(23/371)
ذكر الفريابي أنه ولد في سنة عشرين ومئة، وتوفي بقيسارية سنة اثنتي عشرة ومئتين.
قال الفريابي: رأيت في منامي كأني دخلت كرماً فيه من أصناف العنب، فأكلت من عنبه كله غير الأبيض، فلم آكل منه شيئاً، فقصصتها على الثوري، فقال: تصيب من العلم كله غير الفرائض، فإنها جوهر العلم، كما أن العنب الأبيض جوهر العنب، فكان الفريابي كذلك لم يجد النظر في الفرائض.
قال ابن زنجويه: ما رأيت أخوف لله من إسحاق بن سليمان الرازي، وما رأيت أحفظ من يزيد بن هارون، وما رأيت أخشع من أبي المغيرة عبد القدوس، وما رأيت أعقل من أبي مسهر، وما رأيت أقنع من محمد بن يوسف الفريابي، وما رأيت أشد تقشفاً من بشر بن الحارث.
قال محمد بن سهل بن عسكر: خرجت مع محمد بن يوسف الفريابي في الاستسقاء، فرفع يديه فما أرسلها حتى مطرنا.
قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن إسماعيل العنبري الشيخ الصالح: دخلت على علي بن عبد العزيز بمكة، وسمعت منه ثم أردت الخروج إلى صنعاء لسماع كتب عبد الرزاق، فقال لي علي بن عبد العزيز: حدثني شيخٌ من أفاضل المسلمين قال: دخلت إلى صنعاء إلى عبد الرزاق لسماع الكتب، فكان يمتنع علي فيه ويتعاسر علي، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي، فقلت: يا رسول الله، أنا على باب عبد الرزاق منذ مدةٍ، وهو يمتنع علينا في الرواية فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى مدينة الرسول واسمع من القعنبي كتاب الموطأ لمالك بن أنس، واذهب إلى الشام واسمع من محمد بن(23/372)
يوسف الفريابي كتب سفيان الثوري، وارجع إلى البصرة واسمع من أبي النعمان عارم كتب حماد بن زيد " قال: فبكرت إلى عبد الرزاق وقصصت عليه هذه الرؤيا؛ فقال: شكوتني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أقم عندنا واصبر علي حتى أقرأ لك الكتب؛ قال: فقلت: والله لا أقمت يوماً واحداً، فإني أمتثل أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال العباس بن عبد الله الترقفي:
خرج علينا سفيان بن عيينة رحمه الله يوماً فنظر إلى أصحاب الحديث فقال: هل منكم أحدٌ من أهل مصر؟ فقالوا: نعم؛ فقال: ما فعل الليث بن سعد؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ فقال: هل فيكم أحدٌ من أهل الرملة؟ فقالوا: نعم؛ فقال: ما فعل ضمرة بن ربيعة الرملي؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ فقال: هل فيكم أحدٌ من أهل حمص؟ فقالوا: نعم؛ فقال: ما فعل بقية بن الوليد؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ فقال: هل فيكم أحدٌ من أهل دمشق؟ قالوا: نعم؛ قال: ما فعل الوليد بن مسلم؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ فقال: هل فيكم أحدٌ من أهل قيسارية؟ قالوا: نعم؛ قال: ما فعل محمد بن يوسف الفريابي؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ قال: فبكى طويلاً ثم أنشأ يقول: من الكامل
خلت الديار فسدت غير مسودٍ ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد
قال المصنف: هذه الحكاية ظاهرة الاختلال، لا يخفى خطؤها إلا على الجهال، فإن الليث قديم الوفاة، لا تخفى وفاته على سفيان، وأما ضمرة بن ربيعة فإنما توفي بعد سفيان، وبقية توفي قبل سفيان، وقيل: بعده؛ وتوفي سفيان سنة ثمانٍ وتسعين، والفريابي بقي بعد سفيان مدة طويلة.
قال محمد بن إبراهيم المعروف بحباش: خرجت مع خالي القاسم بن عبد الوهاب إلى قيسارية لنسمع من محمد بن يوسف(23/373)
الفريابي، فلما حضرنا ذكر عنده القول، فقال محمد بن يوسف: ما أدري ما هو، ولا له موقعٌ من قلبي؛ فقال له خالي: إن معي من يقول؛ قال: قل؛ فقال: من المتقارب
تخلى الحبيب بأحبابه ... فطوبى لمن كان معنىً به
قال: فبكى محمد بن يوسف، وقال: ما أرى بهذا بأساً؛ قال سفيان الثوري: لو وجدت قلبي على مزبلةٍ لجلست عليها.
قال يحيى: حدث الفريابي عن أبي عيينة عن ابن نجيح، عن مجاهد: " الشعر في الأنف أمانٌ من الجذام ". وهذا حديثٌ باطلٌ، ليس له أصل.
قال يحيى بن معين: الفريابي عندنا ثقةٌ، ولكنه طن على أذن الشيخ.
ويقال: إن محمد بن يوسف أخطأ في خمسين ومئة حديثٍ من حديث سفيان.
محمد بن يوسف بن يعقوب بن محمد
ابن يحيى أبو بكر الصواف البغدادي سمع بدمشق.
حدث عن أبي بكر بن ريان، بسنده إلى ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن المؤمن يأكل في معىً واحدٍ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ".
توفي أبو بكر محمد بن يوسف سنة سبعٍ وستين وثلاث مئة.(23/374)
محمد بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم
أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر الرقي حدث عن أبي محمد عبد الله بن شوذب الواسطي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً ".
وحدث عن سليمان بن أحمد بن أيوب، بسنده إلى أنس بن مالك، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم القيامة يجيئون أصحاب الحديث ومعهم المحابر فيقول الله عز وجل لهم: أنتم أصحاب الحديث طال ما كنتم تصلون على نبيي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انطلقوا إلى الجنة ".
وفي رواية: فيقول الله: " ادخلوا الجنة على ما كان منكم طال ما كنتم تصلون على نبي في دار الدنيا ".
قال الخطيب: هذا حديثٌ موضوع، والحمل فيه على الرقي.
قال محمد بن يوسف: سمعت أحمد بن محمد بن الأعرابي يقول: سمعت مسلم يقول: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: إنما أمس مثلٌ، واليوم عملٌ، وغداً أملٌ.
محمد بن يوسف الدمشقي
حدث عن قبيصة بن ذؤيب أنه سأل عبد الرحمن بن عوف، عن السبحة عند أذان المغرب، فقال: كنا إذا صمنا صليناهما.(23/375)
وحدث عن قبيصة بن ذؤيب، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: كنا نركعهما إذا قمنا بين الأذان والإقامة من المغرب.
محمد بن يونس بن هاشم
أبو بكر المقرئ العين زربي، المعروف بالإسكاف حدث عن أبي بكر محمد بن يوسف الربعي، بسنده إلى معاوية بن أبي سفيان، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخير عادة والشر لجاجةٌ، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ".
توفي محمد بن يونس سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
محمد والد هارون
وفد على عمر بن عبد العزيز، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يأمر بزقاق الخمر أن تشقق وبالقوارير أن تكسر.
محمد الكوفي
وفد على عمر بن عبد العزيز، وقال: شهدت عمر بن عبد العزيز حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الله خلق خلقه ثم أرقدهم، ثم يبعثهم من رقدتهم، فإما إلى جنةٍ وإما إلى نارٍ، والله إن كنا مصدقين بذا إنا لحمقى وإن كنا مكذبين بهذا إنا لهلكى؛ ثم نزل.(23/376)
محمد أبو عبد الله ويعرف باليسع
أحد الصالحين.
حكى عن نفسه أنه أقام بدمشق مدةً، وقوته في الشهر أربعة دوانيق.
مالك بن أدهم السلاماني
شهد صفين مع معاوية وقتل يومئذٍ، وكان فارساً شاعراً، وقتل الأشتر بيده سبعةً مبترزةً؛ صالح بن فيروز العكي، ومالك بن أدهم السلاماني، ورياح بن عتيك الغساني، والأجلح بن منصور الكندي، وإبراهيم بن الوضاح الجمحي، وزامل بن عتيك الحزامي، ومحمد بن روضة الجمحي؛ وكان مالك بن أدهم خرج وهو يقول: من الرجز
إني منحت مالكاً سنانيا ... أجيبه بالرمح إذا دعانيا
لفارسٍ أمنحه طعانيا
فشد عليه الأشتر فطعنه، فثنى السنان والتوى عليه، ثم شد على الأشتر فطعنه فمار السنان والتوى عليه، ثم شد عليه الأشتر فقتله، وأنشأ يقول: من الرجز
خانك رمحٌ لم يكن خوانا ... وكان قدماً يقتل الفرسانا
بوأته لخير ذي قحطانا ... لفارسٍ يخترم الأقرانا
أشتر لا وغلاً ولا جبانا
مالك بن أدهم بن محرز بن أسيد
ابن أخشن بن رياح بن أبي خالد الباهلي وبنو باهلة أولاد معن وأولاد مالك أبيه، لأن معناً خلف على امرأة أبيه باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة.(23/377)
كان المنصور يسأل مالك بن أدهم كثيراً عن حديث عجلان بن سهيل أخي حوثرة بن سهيل، قال: كنا جلوساً مع عجلان إذ مر بنا هشام بن عبد الملك، فقال رجلٌ من القوم: قد مر الأحوال؛ قال: من تعني؟ قال: هشاماً؛ قال: تسمي أمير المؤمنين بالنبز، والله ولولا رحمك لضربت عنقك؛ فقال المنصور: هذا والله الذي ينفع مع مثله المحيا والممات.
قال مالك بن أدهم: غزونا الصائفة مع معاوية بن هشام، فلما قفلنا وقدمنا وفداً إلى هشام، قدم وفد البحر، فأذن لنا هشام جميعاً فدخلنا عليه، وقام خطيبنا، فتكلم فأحسن، ثم قام خطيب البحر من الموالي فبذ خطيبنا كلاماً.
قال: وقد كان بعث البحر نكبوا قبل ذلك ثلاث غزوات؛ فقال خطيب البحر في كلامه: يا أمير المؤمنين إن لكل شيء إسطاماً وإن إسطام الموالي العرب، فإن كان لك بثغرك في البحر حاجةٌ فاسطم الموالي بالعرب، فإنه أحسن لذات بيننا وأسخى لأنفسنا وأهيب لنا في صدور عدونا؛ قال هشام: صدقت ونصحت؛ فقطع البعث على الموالي والعرب.
قيل: إن مالكاً بلغ مئة سنةً، وصحب المنصور، والله أعلم.
نجز الجزء الثالث والعشرون من تاريخ دمشق ويتلوه في الرابع والعشرين إن شاء الله عز وجل مالك بن أسماء بن خارجة علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ في العشرين من شهر رجب الفرد سنة أربع وتسعين وست مئة أحسن الله تقضيها الحمد لله رب العالمين كما هو أهله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل /(23/378)
مالك بن أسماء بن خارجة وفد على عبد الملك بن مروان.
حدث، قال: كنت مع أبي أسماء إذ دخل رجل إلى أمير من الأمراء، فأثنى عليه وأطراه، ثم جاء إلى أبي أسماء، فجلس إليه وهو جالس في جانب الدار، فجرى حديثهما، فما برح حتى وقع فيه، فقال أسماء: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إن ذا اللسانين في الدنيا له يوم القيامة لسانان من نار.
عن أبي الحسن المدائني، قال: أوفد الحجاج مالك بن أسماء بن خارجة إلى عبد الملك، فدخل عليه، فسمع صراخاً في داره، فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: مات أبان بن عبد الملك في هذه الليلة. فقال مالك: أعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين، فو الله ما على ظهر الأرض أهل بيت أعظم مرزئة، ولا الله أكفى لهم بالواحد الباقي من أنفسهم منكم أهل البيت. فأعجب عبد الملك كلامه، فاستعاده، وفضله.
وكان الحجاج لا يستعمل مالكاً لإدمانه الشراب، واستهتاره به، فكتب عبد الملك إلى الحجاج: إنك أوفدت إلي رجل أهل العراق، فوله وأكرمه.(24/7)
عن محمد بن عبيد الله العيني، قال:
كان مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري عاملاً للحجاج عل الحيرة، وكان صهراً له، فبلغه عنه شيء، فعزله، فلما ورد عليه قال: أنت القائل: " من الخفيف "
حبذا ليلتي بحيث نسقى ... قهوة من شرابنا ونغنى
حيث دارت بنا الزجاجة حتى ... يحسب الجاهلون أنا جننا
فمررنا بنسوة عطرات ... وسماع وقرقف فنزلنا
وقد مات للحجاج ابن، وأخ لمالك؛ فقال مالك: بل أنا القائل: " من الخفيف "
ربما قد لقيت أمس كئيباً ... أقطع الليل عبرة ونحيبا
أيها المشفق الملح حذاراً ... إن للموت طالباً ورقيبا
فضل ما بين ذي الغنى وأخيه ... أن يعار الغني ثوباً قشيبا
قال: فرقّ الحجاج لهذا الشعر حتى دمعت عيناه، ثم أمر بحبسه وأداء ما عليه، وبعث إلى أهل عمله: أن ارفعوا عليه كل شيء.
فقال بعضهم لبعض: هذا صهر الأمير، ويغضب عليه اليوم ويرضى عنه غداً، لا تتعرضوا له.
فلما دخلوا على الحجاج، دخل عليه شيخ منهم، فسأله، فقال: ما ولينا عامل أعف عن أشعارنا وأبشارنا وأموالنا منه. فضرب ثلاثمئة سوط: ثم دعا بقية أصحابه، فسألهم عنه، فلما رأوا ما أصاب الشيخ رفعوا عليه كل شيء؛ فقال الحجاج: ما تقول يا مالك فيما يقول هؤلاء؟ قال أصلح الله الأمير، مثلي ومثلك ومثل هؤلاء ومثل المضروب مثل أسد كان يخرج إلى الصيد، فصحبه ذئب وثعلب، فخرجوا يتصيدون،(24/8)
فأصادوا حمار وحش، وتيساً، وأرنباً؛ فقال الأسد للذئب: من يكون القاضي ويقسم هذا بيننا؟ قال: أما الحمار فلك يا أبا الحارث، والتيس لي، والأرنب للثعلب؛ فضربه الأسد ضربة وضع رأسه بين يديه، ثم قال للثعلب: من يقسم هذا بيننا؟ قال: أنت، أصلحك الله. قال الأسد: لا، بل أنت، أنا الأمير وأنت القاضي. قال الثعلب: الحمار لك تتغذى به، والأرنب لك تتفكه به ما بينك وبين الليل، والتيس لك تتعشى به. قال الأسد: ويحك - يا أبا الحصين - ما أعدلك، من علمك هذا القضاء؟ قال: علمنيه الرأس الذي بين يديك؛ ولكن الشيخ المضروب هو الذي علم هؤلاء حتى قالوا ما سمعت؛ فضحك الحجاج، ووصل المضروب، وخلى سبيل العامل.
عن أبي الحسن المدائني، قال: دخل مالك بن أسماء سجن الكوفة، قال: فجلس إلي رجل من بني مرة، ثم اتكأ علي في يوم حار. قال مالك: وأقبل علي المري يحدثني حتى أكثر وغمني، ثم قال: أتدري كم قتلنا منكم في الجاهلية؟ قال: قلت: أما في الجاهلية فلا، ولكن أعرف من قتلتم منا في الإسلام. قال: من؟ قلت: أنا، قد قتلتني غماً.
حدث سعيد بن سلم، قال: كان الحجاج بن يوسف ينشد ول مالك بن أسماء بن خارجة: " من المنسرح "
يا منزل الغيث بعدما قنطوا ... ويا ولي النعماء والمنن
يكون ما شئت أن يكون وما ... قدرت ألا يكون لم يكن
لو شئت إذ كان حبها عرضاً ... لم ترني وجهها ولم ترني
يا جارة الحي كنت لي سكناً ... إذ ليس بعض الجيران بالسكن
أذكر من جارتي ومجلسها ... طرائفاً من حديثها الحسن
ومن حديث يزيدني مقةً ... ما لحديث المحبوب من ثمن
ثم يقول الحجاج: ما له، فضّ الله فاه، ما أشعره، وما أخبره!(24/9)
عن مصعب بن عبد الله، ويعقوب الزهري، قالا: رأى عمر بن أبي ربيعة رجلاً يطوف بالبيت، فبهره جماله وتمامه، فسأل عنه، فقيل: مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري، فجاءه يعانقه وسلم عليه، وقال: أنت أخي. قال مالك: ومن أنا؟ ومن أنت قال: أما إنك ستعرفني، وأما أنت، فالذي تقول: " من الخفيف "
إن لي عند كل نفحة بستا ... ن من الورد أو من الياسمينا
نظرة والتفاتة لك أرجو ... أن تكوني حللت فيما يلينا
قال: أنت عمر. قال: أنا عمر. قال: وأنت الذي تقول: " من الكامل "
طرقتك بين مسبح ومكبر ... بحطيم مكة حيث سال الأبطح
فحسبت مكة والمشاعر كلها ... ورحالنا باتت بمسك تنفح
قال جهم بن مسعدة: كان بين مالك بن أسماء وبين عيينة بن أسماء بن خارجة شيء، فلما عذب الحجاج بن يوسف عيينة بن أسماء قال مالك بن أسماء: " من الكامل "
لما أتاني عن عيينة أنه ... عان عليه تظاهر الأقياد
نحلت له نفسي النصيحة إنه ... عند الشدائد تذهب الأحقاد
أنشد محمد بن إبراهيم الزبيري، لمالك بن أسماء بن خارجة: " من الخفيف "
أمغطي مني على بصري في ال ... حب أم أنت أكمل الناس حسنا
وحديث ألذه هو مما ... تشتهيه النفوس يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا ... ناً وخير الحديث ما كان لحنا(24/10)
عن أبي العباس محمد بن يزيد، قال: أول ما سمعت الرياشي ينشد شعراً لمالك بن أسماء بن خارجة: " من الكامل "
يا ليت لي خصاً بداركم ... بدلاً بداري في بني أسد
الخص فيه تقر أعيننا ... خير من الآجر والكمد
وعن الشافعي، قال: كانت لهند بنت أسماء جارية حسناء ظريفة، وكان أخواها عيينة ومالك يتعشقانها، ويكتمان ذلك، ثم إن عيينة كتب إلى أخيه مالك يستشفع به على أخته هند، فكتب مالك إلى عيينة جوابه: " من الكامل "
أعيين هلا إذ كلفت بها ... كنت استغثت بفارغ العقل
أقبلت ترجو الغوث من قبلي ... والمستغاث إليه في شغل
فلما قرأ جواب أخيه علم أن به مثل ما به، فأمسك عن ذلك.
مالك بن أوس الحدثان بن الحارث بن عوف
ابن ربيعة بن يربوع بن وائلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ويقال: ابن أوس بن الحدثان، وسعد بن يربوع بن وائلة بن دهمان بن نصر أبو سعيد، ويقال: أبو سعد النصري أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدث، وشهد مع عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس، والجابية من أعمال دمشق.(24/11)
قال أنس بن مالك، ومالك بن أوس بن الحدثان: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يتبرز، فلم يجد أحداً يتبعه، فمر عمر فتبعه بفخارة أو مطهرة، فوجده ساجداً في سربه، فتنحى وجلس وراءه حتى رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " قد أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجداً فتنحيت عني، إن جبريل جاءني، فقال: من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشراً، ورفعه عشر درجات ".
عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس الحدثان، أنه أخبره: أنه التمس صرفاً بمئة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله، فتراوضنا حتى اصطرف مني، وأخذ الذهب يقلبها في يده، فقال: حتى يجيء خازني من الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع، فقال عمر: لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء ".
عن الزهري، قال: أخبرني مالك بن الحدثان النصري، أن عمر بن الخطاب دعاه بعد أن ارتفع النهر؛ قال: فدخلت عليه، فإذا هو جالس على رمال سرير له، ليس بينه وبين الرمال فراش، متكئاً على وسادة من أدم، فقال: يا مالك، إنه قد قدم من قومك أهل أبيات قد حضروا المدينة، وقد أمرت لهم برضخ، فاقبضه فاقسمه بينهم. فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أمرت بذلك غيري. قال: اقسمه أيها المرء. فبينا أنا عنده إذا حاجبه(24/12)
يرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: فأدخلهم: فلبث قليلاً ثم جاءه فقال: هل لك في علي وعباس يستأذنان؟ قال: فأذن لهما، فدخلا. فقال العباس: يا أمير المؤمنين، أقض بيننا، وهما يختصمان في الصوافي التي أفاء الله على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أموال بني النضير، فاستبا عند عمر، فقال الرهط الذي عنده: يا أمير المؤمنين، أقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر. قال عمر: تيدكم، أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نورث، ما تركناه صدقة " يريد بذلك نفسه؟ فقالوا: قد قال ذلك.
فأقبل عمر على علي وعلى العباس، فقال: أنشدكما الله، أتعلمان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك؟ قالا: نعم. قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره، فقال الله عز وجل " " وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء، والله على كل شيء قدير " فكانت هذه خالصة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حياته، ثم توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبضه فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس يذكر أن أبا بكر كما يقول - والله يعلم إنه فيها لصادق بر راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر، فقبضته سنتين من إمارتي، أعمل فيه بمثل ما عمل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما عمل فيه أبو بكر وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس يذكران أني فيه كما يقولان - والله أعلم إني فيه لصادق بر راشد تابع للحق، ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، فجئتني - يعني عباساً - تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا - يريد علياً - يريد نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نورث، ما تركناه صدقة "، فلما بدا لي(24/13)
أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعته إليكما، على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وبما عملت به منذ وليته، وإلا تكلماني، فقلتما: أدفعه إلينا بذلك، فدفعته إليكما، أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟ فوالله لا إله إلا هو الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما، فادفعاه إلي فأنا أكفيكماه.
عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: قدمنا مع عمر بيت المقدس، فدخل المسجد، فتقدم الصخرة فجعلها خلف ظهره، وقال: هذا القبلة: ثم قال: علي بعبد الله بن سلام، فأتى به، فأقبل يمشي وعليه نعلان مخصوفتان حتى وقف، وعمر يصلي، فلما فرغ عمر أقبل علي بن سلام، فقال: يا ابن سلام، أين ترى أن نجعل قبلتنا؟ قال: حيث أنت؟ واجعل الصخرة خلف ظهرك، وخالف يهود، هذه القبلة الأولى، ولكن يهود غيرت ذلك وجعلته إلى الصخرة. فقال عمر: لم لبست نعليك؟ فقال: إنما هو شيء صنعته يهود، خلع نعلها؛ قال: أنت أصدق من كعب.
عن محمد بن سعد، قال: في الطبقة الثامنة من الصحابة، ممن أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورآه، ولم يحفظ عنه شيئاً، مالك بن أوس بن الحدثان، أحد بني نصر بن معاوية، يقولون: إنه ركب الخيل في الجاهلية، ومات بالمدينة سنة اثنتين وتسعين.
قال ابن أبي حاتم: مالك بن أوس بن الحدثان النصري المدني، ولا يصح له صحبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عبد الله بن مقسم، قال: سألت مالك بن أوس بن الحدثان عن النفل؛ فقال: لقد ركبت الخيل في الجاهلية، وما أدركت الناس ينفلون إلا الخمس.(24/14)
عن مالك، قال: كنت عريفاً في زمن عمر بن الخطاب.
عن عبد الرحمن بن يوسف، قال: مالك بن أوس بن الحدثان ثقة.
مات سنة اثنتين وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين بالمدينة.
مالك بن بحدل بن أنيف
ابن دلجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن جناب بن هبل ابن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات ابن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبي خال يزيد بن معاوية، وأخو حريث بن بحدل، كان من وجوه أهل الشام، وغزا مع يزيد بن معاوية القسطنطينية سنة خمسين، وسعى في البيعة ليزيد، كما ذكر الواقدي في كتاب " الصوائف ".
مالك بن البرصاء
وفد على معاوية بن أبي سفيان.
عن رجل، قال:
اجتمع عند معاوية الوليد بن عقبة، والمغيرة، وصعصعة بن صوحان، ومالك بن البرصاء، ويزيد بن معاوية، وغيرهم؛ فقال: ألا تخبرني ما المروءة يا مغيرة؟ قال: سخاوة النفس، وحسن الخلق. قال: بخ بخ، وما هي في نفسي بتلك، ألا تخبرني(24/15)
يا وليد ما المروءة؟ قال: العفة والحرفة. قال: وكيف؟ أن تعف عما حرم الله عليك، وتحترف فيما أحل الله لك. قال: بخ، وما هي في نفسي بتلك، ألا تخبرني يا فلان ما المروءة؟ قال: المال والولد. قال: وكيف ذاك؟ قال: لا يكون المال بوال، ولا نوال إلا بمال. قال: بخ، وما هي في نفسي بتلك: حتى انتهى إلى يزيد، فقال: يا يزيد، ألا تخبرني ما المروءة؟ قال: بلى. قال: وما هي؟ قال: إذا أعطيت شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا قدرت غفرت، وإذا وعدت أنجزت. قال: صدقت، أنت مني وأنا منك.
مالك بن بسطام
العبسي الحرستاني روى عن وائلة بن الأسقع، قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى بابه عثمان بن مظعون، ومعه ابن له صغير، فقال: " ابنك هذا؟ ". قال: نعم. قال: " تحبه؟ ". قال: نعم. قال: " ألا أزيدك له حباً؟ ". قال: بلى بأبي وأمي. قال: " من ترضى صبياً له صغيراً من نسله ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضى ".
مالك بن الحارث بن عبد يغوث
ابن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد بن مالك بن النخع، واسمه جسر بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك وهو مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب الأشتر النخعي شهد اليرموك، ثم سيره عثمان من الكوفة إلى دمشق، وكان من أصحاب علي، وولاه مصر، فمات قبل أن يصل إليها.(24/16)
حدث، قال: لما قدم عمر بن الخطاب، بعث إلى الناس، فنودوا: الصلاة جامعة؛ عند باب الجابية، فلما صفوا، قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يحق عليه ذكره، ثم قال لهم: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن يد الله على الجماعة، والفذ من الشيطان، وإن الحق أصل في الجنة، وإن الباطل أصل في النار، وإن أصحابي خياركم، فأكرموهم، ثم القرن الذي يلونهم، ثم القرن الذي يلونهم، ثم يظهر الكذب والهرج ".
عن محمد بن سعد، قال: في الطبقة الأولى من أهل الكوفة الأشتر، واسمه مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن مالك بن النخع، من مذحج.
روي عن خالد بن الوليد، أنه كان يضرب الناس على الصلاة بعد العصر.
وكان الأشتر من أصحاب علي بن أبي طالب، وشهد معه الجمل وصفين ومشاهده كلها، وولاه على مصر، فخرج إايها، فلما كان بالعريش شرب شربة عسل، فمات.
قال الصوري: الصواب بالقلزم.
عن عبد الله بن سلمة، قال: دخلنا على عمر بن الخطاب في وفد مذحج، ومعنا الأشتر، فجعل ينظر إلى الأشتر ويصرف بصره عنه، فقال: ويل لهذه الأمة منك ومن ولدك، إن للمؤمنين منك يوماً عصيباً.(24/17)
عن أبي الحذيفة إسحاق بن بشر، قال: ومضى خالد يطلب عظم الناس حتى أدركهم بثنية العقاب، وهي مهبط الهابط المغرب منها إلى غوطة دمشق ليدرك عظم الناس، حتى أدركهم بغوطة دمشق، فلما انتهوا إلى تلك الجماعة من الروم، وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من فوقهم، فتقدم إليهم الأشتر وهو في رجلين من المسلمين، فإذا أمامهم رجل من الروم جسيم عظيم، فمضى إليه حتى وقف عليه، فاستوى هو والرومي على صخرة مستوية، فاضطربا بسيفهما، فأطر الأشتر كف الرومي، وضرب الرومي الأشتر بسيفه فلم يضره، واعتنق كل واحد منهما صاحبه، فوقعا على الصخرة، ثم انحدرا، وأخذ الأشتر يقول - وهو في ذلك ملازم العلج لا يتركه -: " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين ".
قال: فلم يزل يقول ذلك حتى انتهى إلى مستوى الجبل وقرار، فلما استقر وثب على الرومي فقتله، وصاح في الناس: أن جوزوا.
قال: فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتل، خلوا الثنية وانهزموا.
قالوا: وكان الأشتر الأحسن في اليرموك. قالوا: لقد قتل ثلاثة عشر.
عن الهيثم بن عدي، قال في تسمية العور: عن مكحول: أن شرحبيل بن حسنة أغار على ساسمة مصبحاً، فقال لمن معه من المسلمين:(24/18)
صلوا على الظهر. فمر بالأشتر يصلي على الأرض. فقال: مخالف، خالف الله به. ومضى شرحبيل ومن معه فاستحوذ على ساسمة فخربها، فهي خراب إلى اليوم.
وكان الأشتر ممن سعى في الفتنة، وألب على عثمان، وشهد حصره.
عن طلق بن خشاف البكري، قال: لما قتل أمير المؤمنين عثمان، قدمنا المدينة، فتفرقنا، فمنا من أتى علياً، ومنا من أتى الحسن بن علي، ومنا من أتى أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، فيم قتل عثمان؟ قالت: قتل - والله - مظلوماً، قاد الله به ابن أبي بكر، وأهراق الله دم بديل على ضلالة، وساق الله إلى الأشتر هواناً في بيته، وفعل الله بفلان، وفعل بفلان.
قال: فوالله ما منهم إلا أصابته دعوتها.
قال المصنف: المحفوظ أن عائشة لم تكن وقت قتل عثمان بالمدينة، وإنما كانت حاجة.
عن الشعبي، قال: لزم الخطام يوم الجمل سبعون رجلاً من قريش، كلهم يقتل وهو آخذ بالخطام، وحمل الأشتر فاعترضه عبد الله بن الزبير، فاختلفا ضربتين، ضربه الأشتر فأمه، وواثبه عبد الله فاعتنقه فصرعه، وجعل يقول: اقتلوني ومالكاً: وما كان الناس يعرفونه بمالك، ولو قال: الأشتر، ثم كانت له ألف نفس ما نجا منها بشيء، وما زال يضطرب في يدي عبد الله حتى أفلت؛ وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يعد؛ وجرح يومئذ مروان وعبد الله بن الزبير.
عن زهير بن قيس، قال: دخلت مع ابن الزبير الحمام، فإذا في رأسه ضربة لو صب فيها قارورة من دهن لاستقرت. قال: تدري من ضربني هذه؟ قلت: لا. قال: ضربنيها ابن عمك الأشتر.(24/19)
عن ابن إسحاق الهمذاني: أن عمار بن ياسر والأشتر دخلا على عائشة، فقال عمار: السلام عليك يا أمتاه. قالت: أمك أنا؟ قال: نعم، وإن كرهت. قالت: فمن هذا معك؟ قال: هذا الأشتر. قالت: هذا الذي أراد أن يقتل ابن أختي الزبير؟ قال الأشتر: نعم، والله لقد ضربته على رأسه بالسيف ضربة ما ظننت إلا رأسه قد سقط، فإذا هي العمامة. فقالت: أما والله لو قتلته لدخلت النار، وأذكرك الله يا عمار، هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ رجل كفر بعد إسلامه، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفساً بغير نفس، فيقتل "؟ قال " اللهم نعم.
عن نجاد الضبي، قال: دخل الأشتر مع ابن عباس على عائشة، وهي في قصر بني خلف، فقالت: أنت أردت قتل ابن أختي؟ فقال: معذرة إلى الله ثم إليك: " من الطويل "
فوالله لولا أنني كنت طاوياً ... ثلاثاً لألفيت ابن أختك هالكا
غداة ينادي والرجال تحوزه ... بأبعد صوتيه اقتلوني ومالكا
ونجاه مني أكله وشبابه ... وخلوة بطن لم يكن متماسكا
فقالت على أي الأمور قتلته ... أقتلاً أتى أم ردةً لا أبا لكا
أم المحصن الزاني الذي حل قتله ... فقيل لها لا بد من بعض ذالكا
عن عمير بن سعيد النخعي، قال: لما أراد علي أن يسير إلى الشام، إلى صفين، اجتمعت النخع، فأتوا الأشتر في منزله حتى ملؤوا عليه داره؛ فقال الأشتر: هل في البيت أو الدار إلا نخعي؟ قالوا: لا. فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذه الأمة عمدت إلى خيرها - أو لخيرها - فقتلته -(24/20)
يعني عثمان - ثم سرنا إلى أهل البصرة، قوم لنا عليهم بيعة فنكثوها، فنصرنا عليهم بنكثهم، وأنتم تسيرون إلى أهل الشام، قوم ليس لكم عليهم بيعة، فلينظر امرؤ أين يضع سيفه.
قال يعقوب في تسمية أمراء علي بن أبي طالب يوم صفين: مالك بن الحارث الأشتر.
عن الفضيل بن خديج، عن رجل من النخع، قال:
رأيت إبراهيم بن الأشتر دخل على مصعب بن الزبير فسأله عن الحال كيف كانت، قال: كنت مع علي حين بعث الأشتر يأتيه، وقد أشرف على عسكر معاوية ليدخله، فأرسل إليه علي يزيد بن هانئ: أن ائتني. فبلغه عن علي، فقال له: ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقعي، وأنا أرجو أن يفتح الله لي. فرجع يزيد إلى علي فأخبره؛ فما هو إلا أن انتهى إلينا يزيد إذ ارتفع الرهج من قبل الأشتر، وعلت الأصوات، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق، ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام فقال له القوم: والله ما نراك أمرته إلا أن يقاتل القوم. فقال علي: ومن أين ترون ذلك؟ أرأيتموني ساررته؟ أليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك، وإلا والله اعتزلناك. فقال: ويحك يا يزيد، لأئته فقل له: أقبل إلي، فإن الفتنة قد وقعت. فأتاه يزيد فأخبره. فقال الأشتر: ألرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم. ققال الأشتر: أما والله لقد ظننت أنها حين رفعت أنها ستوقع اختلافاً وفرقة، إنها مشورة عمرو بن العاص. ثم قال ليزيد: ألا ترى إلى الفتح؟ ألا ترى ما يلقون؟ ما ينبغي لنا أن ندع هذا وننصرف عنه. فقال يزيد: أتحب أنك ظفرت ها هنا وهو بمكانه الذي هو به - يعني علياً - يفرج عنه أو يسلم إلى عدوه؟ فقال الأشتر: سبحان الله، لا والله ما أحب ذلك. قال: فإنهم قد قالوا له: لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلك كما قتلنا ابن عفان. فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم، وصاح بهم: يا أهل الذل والوهن، أحين علوتم القوم ظهراً وظنوا أنكم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى(24/21)
ما فيها؟ وقد - والله - تركوا ما أمر الله فيها، وسنة من أنزلت عليه، فلا تجيبوهم وأمهلوني فواقاً، فإني قد أحسنت بالفتح. فقالوا: لا والله. فقال: أمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر. قالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك. قال: فحدثوني عنكم - وقد قتل أماثلكم - متى كنتم محقين؟ أحين كنتم تقاتلون وخياركم يقتلون، أم أنتم الآن إذ أمسكتم عن القتال مبطلون؟ أم أنتم الآن محقون؟ فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم، وكانوا خيراً منكم، في النار؟ فقالوا: دعنا منك يا أشتر، قاتلناهم في الله، وندع قتالهم لله. فقال: خدعتم - والله - فانخدعتم، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم؛ يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقاً إلى الله! أفراراً من الموت إلى الدنيا؟ يا أشباه النيب الجلالة، ما أنتم برائين بعدها عزاً أبداً، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. فسبوه وسبهم، فصاح بهم علي، فكفوا، وقالوا له: إن علياً قد قبل الحكومة، ورضي بحكم القرآن. فقال الأشتر: قد رضينا بما رضي به أمير المؤمنين.
عن خليفة، قال في تسمية عمال علي: ولي الجزيرة الأشتر مالك بن الحارث النخعي، ومصر ولي محمد بن أبي حذيفة ثم عزله، وولاها قيس بن سعد ثم عزله، وولى الأشتر مالك بن الحارث النخعي فمات قبل أن يصل إليها، فولى محمد بن أبي بكر.
عن يزيد بن أبي حبيب، أنه قال: بعث علي بن أبي طالب مالكاً بعد قيس بن سعد أميراً على مصر، فسار يريد مصر، وتنكب طريق الشام، حتى نزل جسر القلزم، فصلى حين نزل من راحلته، ودعا الله وسأله إن كان في دخوله مصر خيراً أن يدخله إياها، وإلا صرفه عنها، فشرب شربة من عسل، فمات؛ فبلغ عمرو بن العاص موته فقال: إن لله جنوداً من العسل.(24/22)
عن عبد الله بن جعفر، قال: كان علي قد شنف الأشتر، وكان إذا سألته شيئاً يمسني سألته بحق جعفر فأعطاني، فقلت له: إن الأشتر من علية أصحابك ودواهيهم، فلو أرسلته إلى مصر، فإن افتتحها كان ذلك، وإن قتل كنت قد استرحت منه؛ فأبى. فلم نزل به حتى فعل.
قال: وكان عندي طيران من العرب فأرسلتهما معه، فلم يلبثا أن رجعا، فقلت: ما الخبر؟ فقالا: ما هو إلا أن وردنا القلزم تلقاه أهل مصر بما تتلقى به الأمراء من الأطعمة والأشربة، فطعم، وشرب شربة عسل، فمات.
فدخلت إلى علي فأخبرته، فقال: لليدين والفم.
عن عامر الشعبي: إن علياً كان استعمل الأشتر على مصر؛ قال: واسمه مالك بن الحارث، فخرج فأخذ طريق الحجاز، حتى مر بالمدينة، فاتبعه مولى لعثمان يقال له: نافع، فخدمه وألطفه وحف له؛ فقال له الأشتر: من أنت؟ فقال: أنا نافع مولى عمر بن الخطاب.
قال: وكان الأشتر محباً لعمر بن الخطاب؛ فأدناه الأشتر وقربه، وولاه أمره كله؛ فلم يزل معه كذلك حتى نزل الأشتر عين شمس، وتلقاه أشراف أهل مصر، فتغدى الأشتر بها، فأتى بسمك فأكل منه، فأنبتت عنقه، فمات.
ففتشوا متاعه فوجدوا عهده من علي في ثقله، فقرؤوه، فوجدوا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الملأ الذين عصوا الله من بعد ما عصي الله في الأرض، وضرب الجود بأرواقه على البر والفاجر، فلا حق يتربع إليه، ولا منكر يتناهى عنه.(24/23)
سلام عليكم، فإني قد بعثت إليكم عبداً من عباد الله، لا نائي الضريبة، ولا كليل الحد، ولا ينام على الخوف، ولا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر، أشد على الفجار من حريق النار؛ وهو مالك بن الحارث، أخو مذحج، وإنه سيف من سيوف الله، فإن استنفركم فانفروا، وإن أمركم بالإقامة فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدة شكيمته على عدوه؛ وعصمكم ربكم بالهدى وثبتكم باليقين، والسلام عليكم.
قال عوانة بن الحكم: لما جاء نعي الأشتر ووفاته على علي بن أبي طالب، قال: " إنا لله وإنا إليه راجعون " لله مالك وما مالك! وهل موجود مثل مالك؟ لو كان من جبل كان فنداً، ولو كان من حجر لكان صلداً، على مثل مالك فلتبك البواكي.
قال: ولما جاء معاوية نعيه ووفاته، قال: الحمد لله، إن لله جنوداً من العسل.
قال ابن يونس: وكانت وفاته بالقلزم في سنة سبع وثلاثين.
وقال خليفة: سنة ثمان وثلاثين، فيها ولى علي الأشتر مصر، فمات قبل أن يصل إليها، فولى محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: وفيها - يعني سنة ثمان وثلاثين - مات الأشتر بن الحارث النخعي.(24/24)
مالك بن خالد الدمشقي
روي عن مالك بن أنس، ذكره الحاكم أبو عبد الله في كتاب " مزكى الأخبار " في أسماء الرواة عن مالك بن أنس.
مالك بن دينار
أبو يحيى البصري الزاهد.
كان أبوه من سبي سجستان.
وقيل كان كابلياً، مولى امرأة من بني ناجية من بني سامة بن لؤي.
ويقال: مولى خلاس بن عمرو بن المنذر بن عصر بن أصبح بن عبد الله.
اجتاز بدمشق أو بأعمالها متوجهاً إلى بيت المقدس.
روي عن أنس بن مالك، قال: صليت خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بكر وعثمان وعلي، فكانوا يفتتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " ويقرؤون " ملك يوم الدين ".
وعنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حدث الرجل ثم التفت فهي أمانة ".
عن عبد الواحد بن زيد، قال: خرجت أنا ومحمد بن واسع ومالك بن دينار، نؤم بيت المقدس، فلما كنا بين(24/25)
الرصافة وحمص سمعنا منادياً ينادي من تلك الرمال: يا محفوظ، يا مستور، اعقل في ستر من أنت؛ فإن كنت لا تعقل فاحذر الدنيا؛ فإن كنت لا تحس أن تحذرها فاجعلها شوكاً، وانظر أين تضع رجلك.
قال محمد بن سعد: في الطبقة الثالثة من أهل البصرة: مالك بن دينار، ويكنى أبا يحيى، مولى لامرأة من بني سامة بن لؤي، وكان ثقة قليل الحديث، وكان يكتب المصاحف، مات قبل الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة.
قال مالك: أتينا أنس بن مالك، صفو كل قبيلة، أنا وثابت البناني ويزيد الرقاشي وزياد النميري وأشباهنا، فنظر إلينا فقال: ما أشبهكم بأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: رؤوسكم ولحاكم، ثم قال: والله لأنتم أحب إلي من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم، وإني لأدعو لكم بالأسحار.
وقال: دخل علي جابر بن يزيد وأنا أكتب المصحف، فقال لي: مالك صنعة إلا أن تنقل كتاب الله من ورقة إلى ورقة؟ هذا والله كسب الحلال، هذا والله كسب الحلال.
قال جعفر: كان مالك بن دينار يلبس إزار صوف وعباءة خفيفة، فإذا كان الشتاء ففرو وكبل وعباءة، وكان يكتب المصاحف ولا يأخذ عليها من الأجر أكثر من عمل يده، فيدفعه عند البقال فيأكله، وكان يكتب المصحف في أربعة أشهر.(24/26)
عن جعفر بن سليمان، قال: كنا عند مالك بن دينار، فحضرت العصر، فقام يتوضأ، فقال ابن واسع: نعم الرجل مالك، خذوا عن مالك وثابت، وإن أبا عمران الجوني لحسن الحديث.
عن أبي بكر البرقاني، قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: أين بدلاء أمتك؟ قال: فأومى بيده نحو الشام. قال: فقلت: هل بالعراق منهم أحد؟ قال: " بلى، محمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان، ومالك بن دينار ".
قال مالك: خرجت يوماً إلى المقابر، فإذا شابان جالسان يكتبان شيئاً؛ فقلت لهما: رحمكما الله، من أنتما؟ فقالا: ملكان، نكتب المحبين لله. فقلت لهما. نشدتكما الله لما كتبتماني في أسفل سطر: مالك بن دينار طفيلي يحب المحبين لله. فلما كان الليل أتيت في منامي فقيل لي: كتبت فيهم، " المرء مع من أحب ".
وقال: خلطت دقيقي بالرماد، فضعفت عن الصلاة، ولو قويت على الصلاة ما أكلت غيره.
عن حزم، قال: دخلت على مالك بن دينار، وبين يديه آجرة عليها رغيف شعير، وملح عجين، فقال: يا أبا عبد الله ادن فكل، فإن هذا مع العافية طيب.
عن سلام بن سكين، قال: دخلت على مالك بن دينار في مرضه الذي مات فيه، فإذا البيت فيه سرير أثل(24/27)
مرمول بالشريط، وعليه قطعة بوري، وإذا تحت رأسه قطعة كساء، وإذا ركوة وصاغرة؛ فرفع رأسه فأخرج من تحت رأسه رغيفين يابسين، فقعد يكسر ذينك الرغيفين في الماء، حتى إذا ظن أن الخبز قد ابتل قال: ناولني الدوخلة؛ فإذا دوخلة معلقة يابسة، فوضعتها، فأخرج منها صرة فيها ملح، وقال لي: ادن. فقلت: يا أبا يحيى، لا أشتهي. فقال: هيهات هيهات، أنت ممن غذي في الماء العذب فلا تصبر في الماء الملح.
عن سلام بن أبي مطيع، قال: دخلنا على مالك بن دينار ليلاً وهو في بيت مظلم بغير سراج، وفي يده رغيف يكدمه؛ فقلنا له: أبا يحيى، ألا سراج تبصر، ألا شيء تضع عليه خبزك؟ فقال: دعوني، فوالله إني نادم على ما مضى.
عن أبي بلج، قال: كان أدم مالك بن دينار كل سنة ملحاً بفلسين.
عن السري بن يحيى، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: إنه لتأتي علي السنة لا آكل فيها لحماً، إلا في يوم الأضحى فإني آكل من أضحيتي لما يذكر فيه.
قال المنذر أبو يحيى: رأيت مالكاً ومعه كراع من هذه الأكارع التي قد طبخت. قال: فهو يشمه ساعة بساعة. قال: ثم مر على شيخ مسكين على ظهر الطريق يتصدع، فقال: هاه يا شيخ؛ فناوله إياه، ثم مسح يده بالجدار، ثم وضع كساءه على رأسه، وذهب. فلقيت صديقاً له، فقلت: رأيت مالك اليوم كذا وكذا. قال: أنا أخبرك، كان يشتهيه منذ زمان، فاشتراه فلم تطب نفسه أن يأكله، فتصدق به.(24/28)
عن جعفر ببن سليمان، قال: قال مالك بن دينار: انظر إلي، كيف ترى عقلي؟ قال: قلت: ما أرى به بأساً. قال: ما أكلت من فاكهتكم هذه منذ ثلاثون سنة، لا رطبها ولا يابسها، وما نقص من عقلي شيء، وزاد في عقولكم شيئاً.
قال أزهر السمان: كان مالك يدخل أسواق البصرة ينظر إليها وإلى أشياء كثيرة، يشمها فيرجع، فيقول لنفسه: اصبري، فوالله ما أحرمتك ما رأيت إلا من كرامتك.
قال مالك: من دخل بيتي فأخذ شيئاً فهو له حلال، أما أنا فلا أحتاج إلى قفل ولا إلى مفتاح؛ وكان يأخذ الحصاة من المسجد فيقول: لوددت أن هذه أجزأتني في الدنيا ما عشت، لا أزيد على مصها من الطعام والشراب.
وكان يقول: لو صلح لي أن آكل الرماد لأكلته، ولو صلح لي أن أعمد إلى بوري فأقطعه باثنتين، فأتزر بقطعة وأرتدي بقطعة لفعلت.
قال بشر بن الحارث: قال مالك بن دينار: أدعو وأمنوا على دعائي: اللهم لا تدخل بيت مالك من الدنيا قليلاً ولا كثيراً، قولوا: آمين.
قال جعفر: سمعت مالكاً يقول: والله لقد أصبحت ما أملك ديناراً ولا درهماً ولا دانقاً، ولئن لم يكن لي عند الله خير ما كانت لي دنيا ولا آخرة.
عن جعفر بن أبي شعيب، قال: كان رجل من أهل البصرة، كانت له تجارة، وكان له عقل، فترك التجارة وأقبل على العبادة، فكان يسمع الناس يقولون: مالك بن دينار، مالك بن دينار! فقال: والله لأذهبن إلى مالك هذا الذي أشغف الناس فلأنظرن ما عمله.(24/29)
قال: فأتيته فإذا هو جالس في المسجد، وإذا حوله قوم يقرؤون القرآن. قال: فجلست في ناحية حتى تفرقوا، وجاء آخرون فسمعوا الحديث، فلما تفرقوا قام فصلى ركعتين أو أربعاً، ثم خرج وتبعته. فقال لي: ألك حاجة؟ قلت: نعم، أريد أن أجيء معك إلى بيتك. قال: مر. فذهب بي إلى حجرة مكنوسة نظيفة، وظل بارد طيب، وبيت مكنوس، وفيه بواري ودورق ومطهرة، وحلة فيها كسر. قلت: يا مالك، ألك امرأة؟ قال: أعوذ بالله. قلت: يا مالك، يزعم الناس أنك أزهد الناس، وأنت خريم الناعم! زاد غيره: فشهق شهقة.
قال مالك: لما وقعت الفتنة أتيت الحسن ثلاثة أيام أسأله: يا أبا سعيد، ما تأمرني؟ فلا يجيبني. قال: فقلت: يا أبا سعيد، أتيتك ثلاثة أيام أسألك وأنت معلمي فلا تجيبني، والله لقد هممت أن آخذ الأرض بقدمي، وأشرب من أفواه الأنهار، وآكل من بقل البرية حتى يحكم الله بين عباده. فقال: فأرسل الحسن عينيه باكياً، ثم قال: يا مالك، ومن يطيق ما تطيق، لكنا والله ما نطيق هذا.
عن حذيفة المرعشي، قال: قيل لمالك بن دينار: ألا تتزوج؟ قال: ما لي إلا نفس واحدة، لو استطعت طلقتها، فكيف أضم إليها أخرى.
عن أبي جعفر البصري، قال: جاءت امرأة إلى مالك بن دينار، فقالت: يا مالك بن دينار، عندي من المال كذا وكذا، فقد أردت أن أتزوجك فتصرف مالي هذا في أي الأنواع شئت. قال: اذهبي إلى ثابت. قالت: لا حاجة لي في ثابت، لا أريد غيرك. قال: أما علمت أني طلقت نساء الدنيا ثلاثاً؟ فأنت منهن، اذهبي.(24/30)
قال الهيثم بن معاوية، حدثني شيخ لي، قال: كان رجل من الأغنياء بالبصرة، وكانت له ابنة نفيسة فائقة الجمال، فقال لها أبوها: قد خطبك بنو هاشم والعرب والموالي فأبيت، أراك تريدين مالك بن دينار وأصحابه؟ قالت: هو والله غايتي. فقال الأب لأخ له: أئت مالك بن دينار فأخبره بمكان ابنتي، وهواها له.
قال فأتاه، فقال له: فلان يقرئك السلام، ويقول: إنك تعلم أني أكثر هذه المدينة مالاً، وأفشاها ضيعاً، ولي ابنة نفيسة، وقد هويتك، فشأنك وهي. فقال مالك للرجل: عجباً لك يا فلان، أما علمت أني طلقت الدنيا ثلاثاً؟.
قال مالك: اشتريت لأهلي طيباً بدرهم، وإني لأحاسب نفسي فيه منذ عشرين سنة فما أجد لي مخرجاً.
ذكر عبد الله بن المبارك، قال: وقع حريق بالبصرة، فأخذ مالك بطرف كسائه يجره، وقال: هلك أصحاب الأثفال.
عن جعفر بن سليمان، قال: خرجت مع مالك بن دينار إلى مكة، فلما أحرم أراد أن يلبي فسقط؛ ثم أفاق فأراد أن يلبي فسقط، ثم أفاق فأراد أن يلبي فسقط. فقلت: مالك يا أبا يحيى؟ قال: أخشى القول: لبيك، فيقول: لا لبيك ولا سعديك.(24/31)
وعنه، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: وددت أن الله إذا جمع الخلائق يوم القيامة، فيقول لي: يا مالك، وأقول: لبيك: فيأذن لي أن أسجد بين يديه سجدة فأعرف أنه قد رضي عني، فيقول: يا مالك كن اليوم تراباً.
وعنه، قال: سمعت مالك بن دينار قال: لو كان لأحد أن يتمنى لتمنيت أنا أن يكون لي في الآخرة خص من قصب، وأروى من الماء، وأنجو من النار.
وقال: ليتني لم أخلق، فإذا خلقن مت صغيراً، ويا ليتني إذا مت صغيراً عمرت حتى أعمل في خلاص نفسي.
وقال جعفر: سمعت المغيرة بن حبيب أبا صالح ختن مالك بن دينار يقول: يموت مالك بن دينار وأنا معه في الدار لا أدري ما عمله؟ قال: فصليت معه العشاء الآخرة ثم جئت فلبست قطيفة في أطول ما يكون الليل. قال: وجاء مالك فقرب رغيفه فأكل، ثم قام إلى الصلاة، فاستفتح، ثم أخذ بلحيته فجعل يقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار. فوالله ما زال كذلك حتى غلبتني عيني، ثن انتبهت فإذا هو على تلك الحال يقدم رجلاً ويؤخر رجلاً، ويقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار. فما زال كذلك حتى طلع الفجر، فقلت في نفسي: والله لئن خرج مالك بن دينار فرآني لا يبل لي عنده بالة أبداً. قال: فجئت إلى المنزل وتركته.
وعنه، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعواناً لفرقتهم ينادون في سائر الدنيا كلها: يا أيها الناس، النار، النار.(24/32)
وقال: إن القلب إذا لم يحزن خرب، كما أن البيت إذا لم يسكن خرب.
وفي رواية:
زاد البيهقي: يريد حزن الآخرة.
وقال: الحزن حزنان: فحزن حائل وحزن حامد رابغ، فالحزن الحائل حسن، وأحسن من ذلك ما حمد في البدن وربغ، فذلك لا يرى صاحبه إلا كئيباً محزوناً مغموماً حيث ما رأيته يطلب قلبه، ولو علم أن قلبه يصلح على مزبلة لأتاها، فذلك الحزن النافع.
وقال: أربع من علم الشقاء؛ قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا.
عن عبد الله بن مروان - وكان والله من الزاهدين في دار الدنيا - قال: دخل مالك بن دينار المقابر ذات يوم، فإذا برجل يدفن، فجاء حتى وقف على القبر، فجعل ينظر إلى الرجل وهو يدفن، فجعل يقول: غداً مالك هكذا يصير، غداً هكذا مالك يصير، وليس له شيء يؤنسه في قبره؛ فلم يزل يقول ذلك حتى خر مغشياً عليه في جوف القبر، فحملوه وانطلقوا به إلى منزله مغشياً عليه.
عن محمد بن عبد العزيز بن سلمان العابد، قال: سمعت أبي يقول: سمعت مالك بن دينار يقول: عجباً لمن يعلم أن الموت مصيره، والقبر مورده، كيف تقر بالدنيا عينه؟ وكيف يطيب فيها عيشه.
قال: ثم يبكى مالك حتى يسقط مغشياً عليه.
قال ثابت البناني لمالك بن دينار: يا أبا يحيى وددت أني رأيتك عروساً. قال: فقال مالك: والله لو لم أر ميتاً غير الحسن لكفاني حزناً ما بقيت.(24/33)
قال مالك: " من المتقارب "
أتيت القبور فناديتها ... أين المعظم والمحتقر
وأين المدل بسلطانه ... وأين المزكي إذا ما افتخر
قال: فنوديت من بينها ولا أرى أحداً: " من المتقارب "
تفانوا جميعاً فما مخبر ... وماتوا جميعاً ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى ... فتمحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا ... أمالك فيما ترى معتبر
عن مهدي بن سابق، قال: كان مالك بن دينار يتمثل بهذين البيتين: " من البسيط "
زرنا القبور فسلمنا فما رجعت ... لنا الجواب ولكن زدن أحزانا
ومن يزرهن يرجع من زيارتها ... وقد رأى من يقين الموت تبيانا
قال جعفر: كنا نخرج مع مالك بن دينار زمن الحطمة، فنجمع الموتى ونجهزهم، ثم يخرج على حمار قصير لجامه من ليف، قال: وعليه عباءة مرتدياً بها. قال: فيعظنا في الطريق، حتى إذا أشرف على القبور وأحسن بنا ثم، أقبل بصوت له محزون يقول: " من الوافر ".
ألا حي القبور ومن بهنة ... وجوه في التراب أحبهنه
ولو أن القبور أجبن حياً ... إذاً لأجبنني إذ زرتهنه
ولكن القبور صمتن عني ... فأبت حزينة من عندهنه
قال: فإذا سمعنا بصوته جئنا إليه، فيقول: إنما الخبر في الشباب. قال: ثم يجمعهم فيصلي عليهم.(24/34)
عن حبان بن يسار، قال: كنا عند مالك، فجاء رجل من بني ناجية فقال: يا أبا يحيى، ذكر لي أنك ذكرتني بسوء. قال: أنت إذاً أكرم علي من نفسي.
عن أبي قدامة، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: لو أن الملكين الذين يكتبان أعمالكم عدوا عليكم يتقاضيانكم أثمان الصحف التي ينسخان فيها أعمالكم لأمسكتم من فضول كلامكم، فإذا كانت الصحف من عند ربكم أفلا تربعون على أنفسكم؟.
قال مالك: منذ عرفت الناس ما أبالي من حمدني ولا من ذمني، لأني لا أرى إلا حامداً مفرطاً أو ذاماً مفرطاً.
قال بشر: قال رجل لمالك بن دينار: يا مرائي! قال: متى عرفت اسمي؟ ما عرف اسمي غيرك.
عن جعفر بن سليمان، قال: رأيت مع مالك بن دينار كلباً، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا خير من جليس السوء.
وعنه، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبه كذا؟ ألست صاحبه كذا؟ ثم زمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائداً.
عن المغيرة أبي صالح، وكان ختن مالك بن دينار، قال: قال لي مالك بن دينار: انظر يا أخي كل أخ وصديق وصاحب لا تستفيد منه خيراً في أمر دينك ففر منه.(24/35)
قال مالك: لولا أن يقول الناس: جن مالك، للبست المسوح ووضعت الرماد على رأسي أنادي في الناس: من رآني فلا يعص ربه.
عن الحسين بن عبد الرحمن، قال: أمر مالك امرأة بشيء، فقالت: يا شيخ النار. فبكى مالك وقال: لعلها كلمة وافقت حقاً.
عن جعفر بن سليمان، قال:
جاء محمد بن واسع إلى مالك بن دينار، فقال له: يا أبا يحيى، إن كنت من سكان الجنة فطوبى لك. قال: فقال مالك: ينبغي لنا إذا ذكرنا الجنة أن نخزى.
قال مالك: إنما طلب العابدون بطول النصب دوام الراحة، وطلب الزاهدون بطول الزهد طول الغنى.
عن الحسن الحفري، قال: خرجت أنا وزين القراء حسان بن أبي سنان نزور المقابر، فلما أشرف عليها سبقته عبرته، ثم أقبل علي فقال: يا أبا يحيى، هذه عساكر الموتى ينتظر بها من بقي من الأحياء، ثم يصاح بهم صيحة فإذا هم قيام ينظرون.
قال: فوضع يده مالك على رأسه وجعل يبكي ويقول: واي أزان روز، واي أزان روز. معناه: ويلي من ذلك اليوم.
قال مالك: بقدر ما تفرح للدنيا كذلك تخرج حلاوة الآخرة من قلبك.
وقال: إن لكل شيء لقاحاً، وإن هذا الحزن لقاح العمل الصالح، إنه لا يصبر أحد على هذا الأمر إلا بحزن، ووالله ما اجتمعا في قلب عبد قط، حزن بالآخرة وفرح بالدنيا، إن أحدهما ليطرد صاحبه.(24/36)
وقال: إن البدن إذا سقم لم ينجع فيه طعام ولا شراب ولا نوم ولا راحة، كذلك القلب إذا علق حب الدنيا لم تنجع فيه المواعظ.
وعن جعفر بن سليمان الضبعي، عن مالك بن دينار أنه قال لختنة مغيرة: يا مغيرة، انظر كل أخ لك، وصاحب لك، لا تستفيد منه في دينك خيراً فانبذ عنك صحبته، فإنما ذلك لك عدو.
وقال: يا مغيرة، الناس أشكال: الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والصعو مع الصعو، وكل مع شكله.
قال الحكم أبو عون: كان من دعاء مالك بن دينار: أنت أصلحت الصالحين، فاجعلنا صالحين حتى نكون صالحين.
عن جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك بالأرباح من غير بضاعة.
وقال مالك: تلقى الرجل وما يلحن حرفاً وإن عمله لحن كله.
وقال: اصطلحنا على حب الدنيا، فلا يأمر بعضنا بعضاً، ولا ينهى بعضنا بعضاً، ولا يذرنا الله على هذا، فليت شعري أي عذاب ينزل.(24/37)
عن عبد الله بن صالح، قال: مر مالك بن دينار بقصر يبنى لرجل قد ولي عملاً، فأخذ آجرتين فمضى بهما، فتبعه الذين يبنون فقالوا: اللص سرق آجرتين! فقال لهم: أعداء الله سرق هذا القصر كله لم تقولوا له شيئاً، وأنا أخذت آجرتين قلتم: السارق السارق؛ ثم رمى بهما.
عن جعفر بن سليمان، قال: مر والي البصرة بمالك بن دينار يرفل، فصاح به مالك: أقل من مشيتك هذه. فهم خدمة به، فقال: دعوه. ما أراك تعرفني. فقال له مالك: ومن أعرف بك مني: أما أولك فنطفة مذرة، وأما آخرك فجيفة قذرة، ثم أنت بين ذلك تحمل العذرة. فنكس الوالي رأسه ومشى.
قال سري: دخل لص على مالك بن دينار فما وجد في الدار شيئاً، ومالك يراه. فجاء ليخرج، فقال له مالك: سلام. قال: وعليكم السلام. قال: أعلم أن شيئاً من الدنيا ما حصل لك، ترغب في شيء من الآخرة؟ قال: نعم قال: تطهر من ذلك المركن، وصل ركعتين؛ فصلى. ثم قال: يا سيدي اجلس إلى الصبح؛ فجلس، فلما خرج مالك بن دينار إلى المسجد والرجل جالس معه قال أصحابه؛ من هذا؟ قال: هذا جاء يسرق سرقناه.
عن هاشم بن يحيى الفراء المجاشعي، قال: بينما مالك بن دينار جالس إذ جاءه رجل، فقال: يا أبا يحيى، ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين، قد أصبحت في كرب شديد. فغضب مالك وأطبق المصحف، ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أننا أنبياء؛ ثم قرأ، ثم دعا: اللهم، هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجها عنها الساعة، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاماً فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، ثم رفع مالك يده ورفع الناس أيديهم؛ وجاء الرسل(24/38)
إلى الرجل: أدرك امرأتك. فذهب الرجل، فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين، قد استوت أسنانه، ما قطعت سراره.
عن جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: كفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً، وهو يقع في الصالحين.
وقال: لأن يترك الرجل درهماً حراماً خير له من أن يتصدق بمئة ألف درهم.
عن عبد الواحد بن زيد، قال: شهدت مالك بن دينار وقيل له: يا أبا يحيى، ادع الله أن يسقينا الغيث. قال: تستبطؤون المطر؟ قالوا: نعم. قال: لكني والله أستبطىء الحجارة.
عن جعفر بن سليمان الضبعي، قال:
سمعت مالك بن دينار يقول: بينما أنا أطوف بالبيت فإذا أنا بجويرية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة، وهي تقول: يا رب، كم من شهوة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، يا رب ما كان لك أدب إلا بالنار؛ وتبكي، فما زال ذلك مقامها حتى مطلع الفجر، فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي صارخاً أقول: ثكلت مالكاً أمه وعدمته، جويرية منذ الليلة قد بطلته! عن صدقة، قال: قرأت على عكازة مالك بن دينار: " من الخفيف "
عبرات خططن في الخد سطرا ... قد قراه من ليس يحسن يقرا
إن موت المحب من ألم الوج ... د وحسن البلاء يورث عذرا
صبر الصبر فاستغاث به الصب ... ر فصاح المحب بالصبر صبرا(24/39)
قال مالك: من طلب العلم لنفسه فالقليل منه يكفي، ومن طلب للناس فحوائج الناس كثيرة.
وقال: إن العبد إذ طلب العلم للعمل كسره علمه، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجوراً.
وقال: إنكم في زمان أشهب، لا يبصر زمانكم إلا البصير، إنكم في زمان كثير نفاجهم قد انتفخت ألسنتهم في أفواههم، وطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فاحذروهم على أنفسكم، لا يوقعوكم في نسائكم، يا عالم تكاثر بعلمك، يا عالم أنت عالم تستطيل بعلمك، لو كان هذا العلم طلبته لله عز وجل لرئي ذلك فيك وفي علمك.
وقال: مكتوب في التوراة: من كان له جار يعمل بالمعاصي فلم ينهه فهو شريكه، وكفى للمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة.
وقال: لا يصطلح المؤمن والمنافق حتى يصطلح الذئب والحمل.
وقال: مرضت حتى برسمت. قال: وكنت في ذلك عاقلاً. قال: فدخل علي الحسن يعودني وفلان وفلان. فقلت: يا أبا سعيد، لولا أني أخشى أن يكون بدعة لأمرت أهلي إذ أنا مت أن يغلوني بشريط كما يصنع بالعبد الآبق. قال: فقال الحسن: صاحبكم يهجر. قال: قال مالك: فعافى الله.(24/40)
قال: فكنت مع الحسن في أهله جلوساً. قال: فقال لي: يا صاحب الشريط كنت في ظلمة من ظلمة الأرض. قال: أقبل علي يعظني، وكان معلماً.
عن حصين بن القاسم، قال: قلت لعبد الواحد بن زيد: ما كان سبب موت مالك بن دينار؟ قال: أنا كنت سببه؛ سألته عن رؤيا رآها، رأى فيها مسلم بن يسار، فقصها علي، فانتفضت، فجعل يشهق ويضطرب حتى ظننت أن كبده قد تقطعت في جوفه، ثم هدأ، فحملناه إلى بيته، فلم يزل مريضاً يعوده إخوانه حتى مات منها؛ فهذا كان سبب موته.
عن أبي عيسى، قال: دخلنا على مالك عند الموت، فجعل ينظر ويقول: لمثل هذا اليوم كان ذوب أبي يحيى.
عن حزم القطيعي، قال: دخلنا على مالك بن دينار في مرضه الذي مات فيه، فرفع رأسه إلى السماء، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أحب البقاء في الدنيا لبطن ولا فرج.
مات مالك بن دينار سنة سبع عشرة ومئة؛ وقيل: سنة ثلاث وعشرين ومئة.
وقيل: مات قبل الطاعون بيسير وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة. وقيل: سنة ست وعشرين ومئة؛ وقيل: سنة سبع وعشرين ومئة. وقيل: سنة ثلاثين ومئة.
عن مهدي بن ميمون، قال: رأيت ليلة مات مالك بن دينار كأن منادياً ينادي من السماء: ألا إن مالك بن دينار أصبح من سكان الجنة.
قال سهيل أخو حزم: رأيت مالك بن دينار بعد موته في منامي، فقلت: يا أبا يحيى، ليت شعري ما قدمت به؟ قال: قدمت بذنوب كثيرة محاها عني حسن الظن بالله.(24/41)
مالك بن دينار
أبو هاشم الحرسي من حرس عمر بن عبد العزيز.
قال المصنف: وقول البخاري ومسلم والنسائي وأبي أحمد الحاكم وهم، تابعوا فيه كلهم البخاري؛ وقد قال ابن أبي حاتم: مالك بن زياد؛ وكذلك قال البخاري في موضع آخر فرق بينهما وهو واحد. والقول الأول وهم، والله أعلم.
مالك بن ربيعة
ويقال: ابن حريث أبو مريم السلولي والد يزيد بن أبي مريم.
له صحبة، روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احاديث، وسكن العراق، ووفد على معاوية وكان احد من شهد عنده على إقرار أبي سفيان أن زياد ابنه.
حدث أنه سمع نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع يقول: " اللهم اغفر للمحلقين - ثلاثا - وللمقصرين - مرة - ". وقال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً، ثم حدثنا بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.(24/42)
وقال: نام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجه الصبح، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس، نام فاستيقظ، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤذن فاذن، ثم صلى ركعتي، ثم أمره فأقام، فصلى الفجر.
قال البغوي: ولا أعلم ابن أبي مريم غير هذه الثلاثة.
حدث، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم اغفر للمحلقين " فقال رجل: يا رسول الله وللمقصرين. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الثالثة أو الرابعة: " والمقصرين ".
قال مالك: ورأيتني يومئذ محلوقاً، وما يسرني بحلق رأسي يومئذ حمر النعم أو خطر عظيم.
قال العلائي: وأبو مريم السلولي كان منزله بالبصرة، وكان من أهل الطائف بالجاهلية.
عن عبد الله بن محمد، قال: ابو مريم مالك بن ربيعة السلولي، أبو يزيد، سكن الكوفة والبصرة روى ع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال يحيى بن معين: أبو يزيد بن ابي مريم كوفي ثقة، شهد الشجرة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال مالك: شهدت رسول الله صلةدى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، والهدي معكوفاً، فجاء الحارث بن هشام فقال: يا محمد جئتنا بأوباش من أوباش الناس تقاتلنا بهم؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسكت، هؤلاء خير منك وممن أخذ بأخذك، هؤلاء يؤمنون بالله ورسله ".(24/43)
وعن يزيد بن أبي مريم، عن أبيه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا لأبيه أن يبارك له في ولده، فولد له ثمانون ذكراً.
مالك بن زكير المري
له ذكر في عصبية أبي الهيذام.
قال مالك بن زكير المري: " من الرجز "
هل فارس يدعو إلى البراز ... فالموت عندي ساكن الأهواز
ها أنا ذا أهجم بارتجاز
مالك بن زياد
أبو هاشم، حرسي عمر بن عبد العزيز روي عن عاصم بن حميد السكوني، صاحب معاذ بن جبل، عن معاذ بن جبل، قال: أتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصلاة العشاء ليلة، فأخر بها حتى ظن الظان أن قد صلى وليس بخارج، ثم أنه خرج بعد، فقال له قائل: يا رسول الله، لقد ظننا أنك صليت ولست بخارج. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم على سائر الأمم ".
قال مالك بن زياد: صلى بنا عمر بن عبد العزيز، فلما سلم أعلن فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - ثلاث مرات - وفعل ذلك أياماً، والتفت إلينا فقال: إنما أعلنت التهليل لتعلموه وتفعلوه، فإنها من تمام الصلاة أن لا يقوم أحدكم إذا صلى وسلم حتى يقولهن ثلاث مرات.(24/44)
قال أبو هاشم: فلقيت مكحولاً فأخبرته بالذي قال أمير المؤمنين. قال: وقد أعلن به أمير المؤمنين؟ قال: قلت: نعم. قال: وفق الله أمير المؤمنين، إن كان من مخباتنا التي نخبؤها.
قال عبد الغني: وهم فيه البخاري فجعله مالك بن دينار، وذكره على أثر مالك بن دينار أبي يحيى الزاهد، ولمجاورته جاء الوهم، وغفل عنه فلم يصلحه، ووهم بوهمه مسلم بن الحجاج وأحمد بن شعيب رحمة الله عليهم، ونسأل الله حسن التوفيق.
مالك بن زيد بن مالك بن كعب بن عليم الكلبي
أحد المشهورين، شهد وقعة مرج راهط، كان مع مروان بن الحكم فقتل يومئذ.
مالك بن أبي السمح جابر بن ثعلبة
ويقال: مالك بن أبي السمح بن سليمان بن أوس بن سعد بن أوس بن عمرو بن درماء ويقال: مالك بن أبي السمح بن سلمة بن أوس بن سماك بن سعد بن أوس بن عمرو بن عدي بن وائل بن عوف بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيىء أبو الوليد الطائي، ثم أحد بني درماء كان يتيماً في حجر عبد الله بن جعفر، وكانت له في بني مخزوم خؤولة، وكان قدم المدينة في حطمة أصابت طيئاً بالجبلين، فأقام بها مدة، وأخذ الغناء عن معبد، ومهر فيه، وقدم على يزيد بن عبد الملك، ثم على الوليد بن يزيد.(24/45)
عن حكم الوادي، قال: قال الوليد بن يزيد بن عبد الملك لجلسائه من المغنين: إني لأشتهي غناء أطول من أهزاجكم، وأقصر من الغناء الطويل. قالوا جميعاً: قد أصبته يا أمير المؤمنين، بالمدينة رجل يقال له مالك بن أبي السمح الطائي حليف لقريش، وهذا غناؤه، وهو أحسن الناس خلقاً، وأحسنهم حديثاً، قال: أرسلوا إليه.
فأرسل إليه، فشخص حتى وافاه وهو بالشام، بدمشق.
قال: فلما دخلنا عليه دخل معنا، فقال له الوليد: غنه. فاندفع، فضرب، فلم يطاوعه خلقه، ولم يصنع قليلاً ولا كثيراً. فقال له الوليد: قم فاخرج.
قال: وأقبل علينا يعنفنا؛ وقال: ما تزالون تغرونني بالرجل وتزعمون بعض ما أشتهيه حتى أدخله وأطلعه على ما لم أكن أحب أن يطلع عليه أحد، ثم لا أجد عنده ما أريد. فقلنا له: يا أمير المؤمنين، والله ما كذبنا، ولكن عسى الرجل تغير بعدنا.
قال: ولم نزل حتى استرسل، وطابت نفسه، وغنيناه حتى نام، وانصرفنا؛ فجعلنا طريقنا على مالك، فافترينا عليه، وكدنا نتناوله. فقال: ويحكم، دخلتني هيبة منعتني من الغناء ومن الكلام الذي أردته، فأعيدوني إليه فإني أرجو أن يرجع إلي خلقي وغنائي.
قال: فكلمنا الوليد، فدعا به، فكان الثانية أسوأ حالاً منه في الأولى، فصاح به أيضاً، فخرج، وفعلنا كفعلنا. قال: فقال: أعيدوني إليه، فامرأته طالق، وما يملك في سبيل الله إن لم أستنزله عن سريره إن هو أنصفني.
قال: فجئنا إلى الوليد فأخبرناه. قال: فقال: وعلي مثل يمينه إن هو لم يستنزلني أن انفذ فيه ما حلف به. فهو أعلم.
قال: فأتيناه، فأخبرناه بمقالة الوليد ويمينه. فقال: قد رضيت.
قال: فحضر معنا داراً يكون فيها إلى أن يدعى بنا، فمر به صاحب الشراب،(24/46)
فأعطاه ديناراً على أن يأتيه بقدح جيشاني مملوءاً شراباً من شراب الوليد؛ فأتاه بقدح ثم بقدح ثم بقدح - بثلاثة أقداح - فأعطاه ثلاثة دنانير، ثم أدخلناه عليه، فقال له الوليد: هات. قال: فقال: لا والله أو ترجع إلي نفسي، وأطرب، وأرى للغناء موضعاً. قال: فذاك لك. قال: فاشرب يا أمير المؤمنين.
قال: فشرب، وجعل هو يشرب، ويغني المغنون، حتى إذا ثمل الوليد وثمل هو سل صوتاً فأحسنه، وجاء بما نعرف، فطربنا وطرب الوليد، وتحرك، وقال: اسقني يا غلام؛ فسقي، وتغنى مالك صوتاً آخر وجاء بالعجب؛ فقال له الوليد: أحسنت، أحسنت، أحسن الله إليك. فقال: الأرض الأرض يا أمير المؤمنين. قال: ذاك لك؛ ونزل، فحياه وأحسن إليه؛ ولم يزل معه حتى قتل الوليد.
قال الزبير بن بكار: ومما يروى لحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب في شبابه: " من المنسرح "
لا عيش إلا بمالك بن أبي الس ... مح فلا تلحني ولا تلم
أبيض كالسيف أو كما يلمع ال ... بارق في حالك الظلم
يصيب من لذة الكريم ولا ... يهتك حق الإسلام والكرم
يا رب ليل لنا كحاشية ال ... برد ويوم كذاك لم يدم
قد كنت فيه يا مالك بن أبي الس ... مح كريم الأخلاق والشيم
ليس يعاصيك إن رشدت ولا ... يجهل أي الترخيص في اللمم
عن أبي غسان، قال: كان سبب وفاة مالك بن أبي السمح أنه لما كبر ضم إليه رجل من قريش يقوم عليه، ففرش له سريراً، وخرق فيه خرقاً للوضوء، فأتته الجارية يوماً ببخور، فتبخر، فوقعت الجارية بقلبه، فأهوى إليها ليقبلها، وتنحت عنه، فسقط عن السرير، فاندقت عنقه، فمات.(24/47)
عاش مالك حتى أدرك دولة بني العباس، رحمه الله تعالى.
مالك بن شبيب الباهلي
كان أميراً لهشام بن عبد الملك على ملطية.
عن عبد الرحمن بن جابر، أن هشاماً تابع إغزاء معاوية بن هشام الصائفة سنتين، تفتح له فيها الفتوح، حتى توفي معاوية بن هشام، ثم ولي بعده سليمان بن هشام الصوائف سنيات لا يليها غيره، فخرج في سنة من ذلك في بعث كثيف، ووجه مقدمته في ثمانية آلاف عليها مالك بن شبيب، وأصحبه البطال وأمره بمشاورته والأخذ برأيه، فخرج معه حتى وغل في أرض الروم.
قال ابن جابر: وأخبرني بعض من غزا معه أنه سمع عبد الوهاب بن بخت المكي وهو يقول: والله لقد كنا نسمع أن سرية ثمانية آلاف ونحوها يليها رجل من قيس، فيقتل ومن معه إلا الشريد وآية ذلك أنها خيل جريدة ليس معهم إلا راحلة، فانظروا هل ترون إبلاً أو راحلة؟ قال: فركب بعض أهل المجلس، فجال في العسكر، فقال: لم أر إلا راحلة عند آل فلان.
قال: ولقينا العدو، فقتلوا مالكاً والبطال وعبد الوهاب بن بخت.(24/48)
قال ابن جابر:
فحدثني من سمع البطال يخبر مالك بن شبيب وهو بأقرن أن بطريق أقرن أرسل إليه لصهر بينه وبينه أن يأتيه حتى يكلمه بكلام لا تحتمله الرسالة. قال: فخرجت إليه حتى كلمني من بين شرافتين وهو يحسب أني أمير الجيش، قال: وفي كم أنت؟ فقلت: في كذا وكذا ألفاً؛ وزدت. فقال: ما أدري ما تقول، إلا أن أصحابك أقل مما قلت، وبيننا وبينك من الصهر ما قد علمت، وهذا إليون قد أقبل في نحو من مئة ألف، وهو يريدك لما بلغه من قلة جيشك، فما كنت صانعاً فاصنعه في يومك هذا، فإني قد أخبرتك الخبر، فانظر لنفسك ومن معك. قال: فما الرأي؟ قال: أرى أن تأتي إسناده فإنها مثغرة مفتوحة، فتدخل فيها وتشد من ثغرها وتقاتلهم من وجه واحد حتى يأتيك سليمان بن هشام بالصائفة. فقال من عند مالك من قومه: أراد - والله - العلج أن يلحق بك سماعها وعيبها. فأخذ مالك بقولهم.
فقام عنه البطال، ومضى مالك يومه ذاك ومن الغد، فبينا هو يسير إذ أشرف على أرض رأى فيها سواداً، فقال: غيضة. فقال البطال: كلا، ولكنه ليون في جيشه، وما ترى من السواد الرماح وآلة الحرب. قال: الرأي؟ قال: اليوم، وقد تركته بالأمس؟ قال: الرأي أن تلقاه فتقاتله حتى يحكم الله. قال: ولقيناه، فقاتل مالك ومن معه حتى قتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس ووال عليهم. ثم ذكر باقي الحديث وهو مذكور في ترجمة عبد الله البطال.(24/49)
مالك بن طوق بن مالك
ابن عتاب بن زافر بن شريح بن مرة بن عبد الله بن عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار التغلبي أحد أجواد العرب وممدجبهم، ولي أمره الشام والأردن في ولاية الواثق ثم في ولاية المتوكل، وقدم عليه أبو تمام وامتدحه بدمشق.
قال بكر بن النطاح في مالك بن طوق " " من الطويل "
أقول لمرتاد الندى عند مالك ... كفى كل هذا الخلق بعض عداته
ولو خذلت أمواله جود كفه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته
ولو لم يجد في العمر قسماً لسائل ... وجاز له الإعطاء من حسناته
لجاد بها من غير كفر بربه ... وأشركنا في صومه وصلاته
وقول أبي جعفر محمد بن يزيد الأموي في مالك بن طوق وقد عزل عن عمله: " من الطويل "
ليهنك أن أصبحت مجتمع الحمد ... وراعي المعالي والمحامي عن المجد
وأنك صنت المال فيما وليته ... وفرقت ما بين الغواية والرشد
فلا يحسب الأعداء عزلك مغنماً ... فإن لإلى الإصدار عاقبة الورد
وما كنت إلا السيف جرد في الوغى ... فأحمد فيه ثم رد إلى الغمد(24/50)
حدث أبو عبد الله نوح بن عمرو بن حوي السكسكي، قال: وجه إلي مالك بن طوق وهو أمير دمشق والأردن: بلغني أن دعبلاً عندك، فوجه به إلي. وقد كان دعبل مكنا في منزلي. فركبت إليه فخبرته أن عيني ما وقعت عليه؛ وذلك أني خفته عليه. فقال: بلى، يا أبا عبد الله، ما أردنا لمكروه وإن أفرط وتمادى في هجونا، الغلام مصير إليك بكيس فيه ألف دينار، ما برذون ندب بسرجه ولجامه فإن لا يكن عندك أحتلت في ايصاله إليه حيث كان والله أن لو هجاني إلى أن يموت ما رفعت رأساً بهجوه، وهو الذي يقول في بني خالد بن يزيد بن مزيد: " من الطويل "
تراهم إذا ما جئت يوماً تجدهمو ... كأنهم أولاد طوق بن مالك
حدث أبو الحسين علي بن الحسين بن السفر بن اسماعيل بن سهل بن بشر بن مالك بن الأخطل، الشاعر التغلبي، حدثني أبي، عن أبيه السفر بن اسماعيل - وكان يحضر مجلس مالك بن طوق التغلبي وهو على الإمارة بدمشق، قال: كان الواثق ولى مالك بن طوق إمارة دمشق والأردن، فمات الواثق وهو عليها، فأقره المتوكل مدة ثم عزله.
قال: وكان إذا جاء شهر رمضان نادى منادي مالك بن طوق بدمشق كل يوم على باب الخضراء، بعد صلاة المغرب - وكانت دار الإمارة في الخضراء في ذلك الزمان -: الإفطار رحمكم الله، الإفطار رحمكم الله. والأبواب مفتحة، فكل من شاء دخل بلا إذن وأكل، لا يمنع أحد من ذلك.
قال: وكان مالك بن طوق من الأسخياء المشهورين.
قال السفر بن اسماعيل:
وتوفي ابن لمالك بن طوق وهو بدمشق، فدفنه في وطأة الأعراب خارج باب الصغير، فلما رجع من المقابر أمر بنصب الموائد للناس. فقال له نوح بن عمرو بن حوي(24/51)
السكسكي: أيها الأمير، ليس هذا وقت أكل، هذا وقت مصيبة. فقال مالك بن طوق: المصيبة نجزع لها ما لم تقع، فإذا وقعت لم يكن لها إلا الصبر عليها. فأكل وأكل الناس.
قال السفر بن اسماعيل: وحضرنا مالك بن طوق في وقت علة أصابته عندنا بدمشق، فأنشد: " من الوافر "
وليس من الرزية فقد مال ... ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شخص ... يموت لموته ناس كثير
قال: ودخل سهل بن بشر بن مالك بن الأخطل التغلبي على مالك بن طوق، وهو نصراني وفي عنقه صليب، فقال له مالك بن طوق: من أنت؟ فانتسب له، وعرفه أنه من ولد الأخطل الشاعر التغلبي، وأنه ابن عم الأمير. فقال له مالك بن طوق: صدقت:، أنت ابن عمي، واللحم والدم واحد، ولكن ما تقدم من الكفر فألغوه، فلا تعتقدوه، فقد جاء الحق وزهق الباطل؛ وأمر بأثواب فأحضرت، فألبسه إياها، وأمر بجائزة فدفعت إليه، ولم يفارقه حتى أسلم، وضمن له أن يجمع ولده جده فيأخذهم بالإسلام، ففعل وأسلموا كلهم بين يدي مالك بن طوق.
قال: وكان السفر يقول لأبنه: يا بني، ما لبسنا الثياب السرية من الدراريع وغيرها، وضحينا الضحايا إلا من مال مالك بن طوق، وكنا ندل عليه بالعشيرة.
قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي: وقفت على باب مالك بن طوق الرحبي أشهراً، فلم أصل إليه، ولم يعلم بمكاني، فلما أردت الأنصراف قلت للحاجب: أتأذن لي عليه أم أنصرف؟ فقال: أما الإذن فلا سبيل(24/52)
إليه. قلت: فإيصال رقعة؟ قال: ولا يمكن هذا، ولكن هو خارج اليوم إلى بستانه، فاكتب الرقعة وارم بها، في موضع أرانيه الحاجب. فكتب: " من المتقارب "
لعمري لئن حجبتني العبي ... د عنك فلن تحجب القافية
سأرمي بها من وراء الجدا ... ر شنعاء تأتيك بالداهية
تصم السميع وتعمي البصي ... ر ومن بعدها تسأل العافية
فكتبت بها ورميت في المكان الذي أرانيه، فوقعت بين يديه، فأخذها، ونظر فيها، وقال: علي بصاحب الرقعة. فخرج الخدم، فقالوا: من صاحب الرقعة؟ قلت: أنا؛ فأدخلت عليه. فقال لي: أنت صاحب الرقعة؟ فقلت: نعم. فاستنشدها، فأنشدته، فلما بلغت: ومن بعدها تسأل العافية. قال: لا، بل نسأل العافية من قبلها؛ ثم قال: حاجتك؛ فأنشدت أقول: " من الكامل "
ماذا أقول إذا انصرفت وقيل لي ... ماذا أصبت من الجواد المفضل
إن قلت أغاني كذبت وإن أقل ... ضن الجواد بماله لم يجمل
فاختر لنفسك ما أقول فإنني ... لابد أخبرهم وإن لم أسأل
فقال: إذا - والله - لا أختار إلا أحسنها، كم أقمت ببابي؟ قلت: أربعة أشهر. قال: تعطي بعدد أيامه ألوفاً. فقبضت مئة وعشرين ألف درهم.
حدث أبو الغوث ابن عبادة البحتري: أن أبا تمام حبيب بن أوس حدثه، أنه حضر مجلس مالك بن طوق، وقد عرضت عليه خيل له، فيها برذون حسن أعجب أبا تمام، فسأله أن يحمله عليه، فأراد مالك أن يولع به، فأخرجه عنه، فلما علم اختياره له قال أبو تمام، فسأله أن يحمله عليه، فأراد مالك أن يولع به، فأخرجه عنه، فلما علم اختياره له قال أبو تمام: اسمع ما جاء. فقال: وعلى هذه السرعة؟ قال: نعم؛ وأنشده: " من البسيط "
اسمع مقالي وخير القول أصدقه ... وإنما لك من ذي اللب منطقة(24/53)
وبابك الدهر مفتوح لطارقه ... غيري ويطرق دوني حين أطرقه
إني أحبك فاسمع قول ذي ثقة ... ما المال مالك إلا حين تنفقه
والناس شتى فذو لؤم وذو كرم ... والعرض سور وبذل العرف خندقه
والسور ما لم يكن ذا خندق غدق ... بالماء هان على الراقي تسلقه
ها قد هززت وما في الهز منقصة ... والمسك يزداد طيباً حين تنشقه
بل قد كشفت قناع العتب معتذراً ... إلى السؤال فقل لي كيف أغلقه
فقال له: أغلقه، واقطع القول، وخذ البرذون بسرجه ولجامه.
حدث علي بن الحسين بن السفر، حدثني أبي عن أبيه. قال:
لما صرف مالك بن طوق عن دمشق. قال: ففي وقت رحيله عنها خرج إلى المسجد، وجلس في القبة التي في وسط جامع دمشق، ودعا بالذين لهم عليه الديون، وكان عليه لتجار أهل دمشق ثلاثون ألف دينار، فقال لهم ولجميع الناس: إني دخلت دمشق ومعي أموال كثيرة، وهو ذا أخرج عنها وعلي ثلاثون ألف دينار، دين لحقني في بلدكم، لأني صرفت هذا المال كله في الناس في بلدكم على الغني والفقير. ثم قال للدائنين: من شاء منكم أن يقيم في موضعه وأنفذ إليه ماله فعل، ومن شاء أن يخرج معي أكرمته، ووفيته حقه، وينصرف شاكراً إن شاء الله.
قال: فوفى لهم بما قال.
مات مالك بن طوق في شهر ربيع الأول سنة ستين ومئتين، وبالرحبة كانت وفاته.(24/54)
مالك بن عبد الله بن سنان
ابن سرح بن وهب بن الأقيصر بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر ابن سعد بن مالك بن بشر بن وهب بن شهران بن عفرس أبو حكيم الخثعمي من أهل فلسطين.
قيل: إن له صحبة، وهو المعروف بمالك السرايا، كان كثير الغزو، وقدم على معاوية برسالة عثمان، وقاد الصوائف أربعين سنة، وكسر على قبره أربعون لواء.
قال أبو المصبح الأوزاعي: بينا نحن نسير في درب قلمية إذ نادى الأمير مالك بن عبد الله الخثعمي رجلاً يقود فرسه في عراض الخيل: يا أبا عبد الله، ألا تركب؟ قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعة من نهار فهما حرام على النار ".
وزاد في رواية: وأبو عبد الله هذا هو جابر بن عبد الله.
وزاد في أخرى: أصلح لي دابتي، وأستغني عن قومي، فوثب الناس عن دوابهم، فما رأيت نازلاً أكثر من يومئذ.(24/55)
عن مالك بن عبد الله الخثعمي، قال: كنا عند عثمان، فقال: من ها هنا من أهل الشام؟ فقمت. فقال: أبلغ معاوية إذا غنم غنيمة فليأخذ خمسة أسهم، فليكتب على سهم منها " لله " فليقرع، فحيث خرج فليأخذه.
قال عنه العجلي: شامي، تابعي، ثقة.
قال خليفة: قال ابن الكلبي: فيها - يعني سنة ست وأربعين - شتا مالك بن عبد الله، أبو حكيم، بأرض الروم. ويقال: بل شتاها مالك بن هبيرة.
وقال: سنة ثمان وخمسين، فيها شتا مالك بن عبد الله الخثعمي بأرض الروم.
قال الليث: وفي سنة ست وخمسين غزوة عابس بن سعيد ومالك بن عبد الله الخثعمي اصطاذنه، وذلك بعد قتل عبد الله بن قيس وكريب بن مشكم بأقريطية، فلما قتلا جعل عابس على أهل مصر، وجنادة بن أبي أمية على أهل الشام، ومالك بن عبد الله على الجماعة؛ فشتوا بإقريطية سنة الجوع من بعد مرجعهم من اصطاذنة.
عن عبادة بن مكي: أن مالكاً ولي الصوائف حتى سماه المسلمون: مالك الصوائف.
وعن ابن جابر: إن مالك بن عبد الله كان يلي الصوائف حتى عرفته الروم بذلك.(24/56)
عن عطية بن قيس: أن رجلاً نفقت دابته، فأتى مالك بن عبد الله الخثعمي، وبين يديه برذون من المغنم، فقال: احملني أيها الأمير على هذا البرذون. فقال: ما أستطيع حمله. فقال الرجل: إني لم أسألك حمله، وإنما سألتك أن تحملني عليه. قال مالك: إنه من المغنم، والله يقول: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " فما أطيق حمله، ولكن سل جميع الجيش حظوظهم، فإن أعطوكها فحظي لك معها.
عن رجل؛ أنهم كانوا مع مالك بن عبد الله، فأصابوا قدر حديد عظيمة؛ فقيل له: لو جعلت هذه - أصلحك الله - للصناعة. قال: لا أجعلها للصناعة، وفيها حظ اليتيم والأرملة والأعرابي. فأحلها الناس له، فقال: كيف بمن قد مات.
عن نصر بن حبيب السلامي، قال: كتب معاوية إلى مالك بن عبد الله الخثعمي وعبد الله بن قيس الفزاري يصطفيان له من الخمس، فأما عبد الله فأنفذ كتابه، وأما مالك فلم ينفذه، فلما قدما على معاوية بدأه في الأذن وفضله في الجائزة؛ وقال له عبد الله: أنفذت كتابك ولم ينفذه، وبدأته في بدأه في الإذن، وفضلته في الجائزة! فقال: إن مالكاً عصاني وأطاع الله، وإنك عصيت الله وأطعتني. فلما دخل عليه مالك قال: ما منعك أن تنفذ كتابي؟ قال: ما كان أقبح بك وبي أن نكون في زاوية من زوايا جهنم تلعنني وألعنك، وتلومني وألومك، وتقول لي: هذا عملك، وأقول: هذا عملك.
عن بعض من كان يلزم مالك بن عبد الله الخثعمي بأرض الروم، قال:
أيقنته، فما وجدت منه ريح طيب في شيء من أرض الروم حتى أجاز الدرب قافلاً، فذكرت ذلك له. قال مالك: وحفظت مني؟ قال: نعم. قال: ما كان يسوغ لي أن أتطيب لما يهمني من أمر رعيتي حتى سلمهم الله، فلما سلمهم الله وأمنت تطيبت.(24/57)
عن سليم بن عامر، قال: قام مالك في الناس وهو على الصائفة، فقال: إن قد حدثنا بجمع العدو، وإني مغذ السير اإليهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم، ثم أنا سائر بكم سيراً رفيقاً يبرأ فيه الدبر، وتسمن فيه العجفاء، ويسمن فيه الظالع.
عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن أبيه، قال: غزونا مع مالك، فحاصرنا حصناً، ففتحه الله، وأصيب رجل من المسلمين، فجعل الناس يهنئونه وهو يقول: يا ليت الرجل لم يقتل، ويا ليت الحصن لم يفتح؛ وكان صائماً لم يفطر، وأصبح صائماً، والناس يعزونه وهو يقول: يا ليت الرجل لم يقتل، ويا ليت الحصن لم يفتح.
عن الأوزاعي؛ أن وفداً للروم قدموا معاوية، فأمر بهم أن يدخلوا على مالك بن عبد الله، فدخلوا عليه، فتناول صاحبهم ساعد مالك كأنه يريد أن ينظر إلى ما بقي من قوته. فأجتذب مالك ساعده بقوته. قال: كيف تصنع إذا دخلت بلاد الروم؟ قال: أكون بمنزلة التاجر الذي يخرج فيلتمس وليس له هم إلا رأس ماله، فإذا أحرزه فما أصاب من شيء فهو فضل. قال: فقال الرومي لأصحابه بالرومية: ويل للروم من هذا وأصحابه، ما كان فيهم من يرى هذا الرأي.
قال: وكان مالك يركب بغلاً بإكاف، وهو أمير الجيش، ويعتم على قلنسوة.
عن علي بن أبي حملة، قال: ما ضرب الناقوس قط ببلد - قال: وكانوا يضربون نصف الليل - إلا وقد جمع مالك - يعني ابن عبد الله الخثعمي - ثيابه عليه، ودخل مسجد بيته يصلي.
عن رجاء بن أبي سلمة، قال: أحصي صيام مالك بن عبد الله الخثعمي، فوجدوه ستين سنة.(24/58)
عن حسان مولى مالك بن عبد الله، قال: كان في ساقه عرق مكتوب " لله "، فجعلت أنظر إليه وهو يتوضأ، فقال: أي شيء تنظر؟ أما أنه لم يكتبه كاتب!
مالك بن عدي
سمع أبا الدرداء حين استفتاه.
عن بلال بن سعد، قال: دخل ارجل الحمام وعليه برنس، فألقاه، فجاء رجل فأخذ برنسه، فخرج إليه، فأتى به أبا الدرداء، فقال: السارق سرق برنسي فأقم فيه كتاب الله. فقال أبو الدرداء: أيا مالك بن عدي، أنا بالله منك. قال: أفأدعه؟ قال أبو الدرداء: دعه.
مالك بن عمارة بن عقيل
وفد على عبد الملك.
عن مالك بن عمارة بن عقيل، قال: كنت أجالس عبد الملك بن مروان بثناء الكعبة وهو صبي، فقال لي يوماً: يا مالك، إن أنا عشت فسترى الأعناق إلي مائلة، والآمال نحوي سامية، فإذا كان ذلك كذلك فما عليك أن تجعلني لرجائك باباً، ولأملك سبباً؛ فوالله لأملأن يديك مني عطية، ولأكسونك مني نعمة.
ثم أتى على هذا دهر إلى أن أفضت الخلافة إليه، فسرت إليه من مكة، وهو مقيم بدمشق، فأقمت ببابه أسبوعاً لم يأذن لي، فلما كان يوم الجمعة بكرت إلى المسجد حتى جلست قريباً من المنبر، فلما كان وقت الصلاة إذا أنا بعبد الملك قد أقبل، فصلى ركعتين، ثم رقا المنبر؛ فأقبلت عليه بوجهي، فأعرض عني؛ ثم أقبلت عليه الثانية فأعرض عني، ثم أقبلت عليه ثالثة فأعرض عني؛ ثم خطب خطبة أوجز فيها، ثم نزل فصلى بالناس، ثم انصرف، وإني لكئيب حسران لما تجشمت من بعد الشقة؛ فبينا أنا(24/59)
كذلك إذ دخل علي رجل من باب المسجد، فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقلت: ها أنا ذا. فقال: أجب أمير المؤمنين. فقمت مبادراً حتى دخلت على عبد الملك، فسلمت، فرد علي السلام، فقال: ادن مني. فدنوت، ثم قال: ادن مني حتى تجلس معي على السرير؛ ثم أقبل علي يسألني عن خبري وخبر مخلفي، وعن أهل مكة وما كان منهم، وقال لي: يا مالك، لعله قد ساءك ما رأيت مني؟ فقلت: والله لقد ساءني ذلك. فقال: لا يسؤك، إن ذلك مقام لا يجوز فيه إلا ما رأيت، وها هنا قضاء حقك.
ثم أمر فأخلي لي منزل إلى جانب قصره، وأقيم فيه جميع ما أحتاج إليه، وكنت أحضر غداءه وعشاءه؛ فأقمت عنده ثلاثة أشهر، فتبين في الملل، فقال: يا مالك، أراك متململاً، لعلك قد إشتقتا إلى أهلك؟ فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد وعدت إليهم بسرعة الأوبة. فقال: يا غلام، علي بعشر بدر، وعشرة أسفاط من دق مصر، وعشر جواري، وعشرة غلمان، وعشرة أفراس، وعشرة أبغل.
فلما حضر ذلك بين يديه قال لي: يا مالك، أرأيت هذا؟ قلت نعم. قال: هو لك، أتراني ملأت يديك عطية، وكسوتك مني نعمة؟ فقلت: يا امير المؤمنين، وإنك لذاكر لذاك؟ فقال: وما خير في من لا يذكر ما وعد به، وينسى ما أوعد به؛ والله لم يكن ذلك عن شيء سمعناه ولا خبر رويناه، ولكن تخلقت أخلاقاً في الصبا، كنت لا أساري ولا أباري، ولا هتكت ستراً حظره الله علي، وكنت أعرف للأدب حقه، وأكرم العالم، فبهذه الخصال رفع الله درجتي، وبالصالحين من أهلي ألحقني، فإن أقمت يا مالك فالرحب والسعة، وإن مضيت ففي حفظ الله والدعة.(24/60)
مالك بن عمرو الساعدي
ثم العاملي القضاعي شاعر، له أبيات يذكر فيها قتله لقاتل أخيه سماك بن عمرو بين ضمير ودمشق، تقدم ذكر أبياته في ترجمة أخيه سماك.
مالك بن عوف بن سعيد
ويقال: سعد بن ربيعة بن يربوع بن وائلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو عي النصري كان أميراً على المشركين لما قاتلوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة حنين، ثم أسلم، وكان من المؤلفة، وأعطاه مئة من الإبل، وعقد له لواء، وشهد فتح دمشق؛ والدار التي تعرف بدار بني نصر داره.
ذكر أبو الحسين الرازي، عن شيوخه الدمشقيين؛ أن الدار التي على شارع دار البطيخ الكبيرة، التي فيها البناء القديم تعرف بدار بني نصر كانت كنيسة للنصارى، فنزلها مالك بن عوف النصري أول ما فتحت دمشق، وخاصم النصارى فيها إلى عمر بن عبد العزيز فردها عليهم، فلما ولي يزيد بن عبد الملك ردها على بني نصر.
ويقال: إن معاوية أقطعه إياها.
وكان مالك بن عوف قائد المشركين يوم حنين، ثم أسلم.(24/61)
ويقال: مالك بن عبد الله بن عوف النصري.
عن ابن إسحاق حدثني أبو وجزة، قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوفد هوزان، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل؟ فقالوا: هو بالطائف. فقال: " خبروا مالكاً أنه إن أتاني مسلماً رددت إليه أهله، وأعطيته مئة من الإبل ". فأتى مالك بذلك، فخرج إليه من الطائف؛ وقد كان مالك خاف على نفسه من ثقيف أن يعلموا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ما قال، فيحبسوه؛ فأمر براحلته فهيئت له، وأمر بفرس له فأتى به الطائف، ثم خرج ليلاً، فجلس على فرسه، وركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها، فجلس عليها، ثم لحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأدركه بالجعرانة أو بمكة؛ فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مئة من الإبل، وأسلم فحسن إسلامه؛ فقال مالك بن عوف حين أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من الكامل "
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتذي ... وإذا تشأ يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة عردت أبناؤها ... أم العدى فيها بكل مهند
فكأنه ليث لدى أشباله ... وسط الهباءة خادر في مرصد
فاستعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على من أسلم من قومه، وتلك القبائل من ثمالة وسلمة وفهم، فكان يقاتل بهم ثقيفاً، فلا يخرج لهم سرح إلا أغادر عليه، حتى يصيبه؛ فقال أبو محجن الثقفي: " من الرمل "
هابت الأعداء جانبنا ... ثم تغزونا بنو سلمة
وأتانا مالك بهم ... ناقض للعهد والحرمه
وأتونا في منازلنا ... ولقد كنا أولي نقمه(24/62)
وقال مالك بن عوف يذكر مسيرهم بعد إسلامه: " من البسيط "
اذكر مسيركم للناس إذ جمعوا ... ومالك فوقه الرايات تختنق
ومالك مالك ما فوقه أحد ... يومي حنين عليه التاج يأتلق
حتى لقوا الباس حين الباس يقدمهم ... عليهم البيض والأبدان والدرق
فضاربوا الناس حتى لم يروا أحداً ... حول النبي وحتى جنة الغسق
حتى تنزل جبريل بنصرهم ... فالقوم منهزم منهم ومعتنق
منا ولو غير جبريل يقاتلنا ... لمنعتنا إذا أسيافنا الفلق
وقال مالك بن عوف: " من الكامل "
منع الرقاد فما أغمض ساعة ... نعم بأجراع السدير مخضرم
سائل هوازن هل أضر عدوها ... وأعين غارمها إذا لم يغرم
وكتيبة لبستها بكتيبة ... فئتين منها حاسر وملام
ومقدم تعيا النفوس لضيقه ... قدمته وشهود قومي أعلم
فرددته وتركت إخواناً له ... يردون غمرته وغمرته الدم
فإذا انجلت غمراته ورثنني ... مجد الحياة ومجد غنم يقسم
كلفتموني ذنب آل محمد ... والله أعلم من أعق وأظلم
وخذلتموني إذ أقاتل في البرا ... يا وخذلتموني إذ تقاتل خثعم
فإذا بنيت المجد يهدم بعضكم ... لا يستوي بان وآخر يهدم(24/63)
مالك بن عياض
المعروف بمالك الدار المدني مولى عمر بن الخطاب.
ويقال: الجبلاني.
قدم مع عمر بن الخطاب الشام، وشهد معه فتح بيت المقدس، وخطبته بالجابية.
عن مالك الدار، قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب، فجاء رجل إلى قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، استسق الله أمتك. فأتاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال: " ايت عمر، فأقره السلام، وقل له: إنكم مسقون، فعليكم بالكيس ". قال: فبكى عمر، وقال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه.
وعنه قال: دعاني عمر بن الخطاب يوماً، فإذا عنده صرة فيها ذهب فيها أربعمئة دينار، فقال: اذهب بهذه إلى عبيدة بن الجراح، فقل له: أرسل بهذه إليك أمير المؤمنين صله لك تعود بها على عيالك.
قال: فذهب بها، فسلمت، فوجدته في مسجد بيته وهو يصلي فيه، فقلت له كما قال لي عمر، فقال: افتحها؛ ففتحت الصرة فوضعتها. فقال: ادع لي فلاناً وفلاناً ناساً من أهله، فطفق يرسلهم بها؛ اذهب بذا إلى فلان وفلان، حتى لم يبق في الصرة شيء، ثم رجعت إلى أمير المؤمنين، وقد كان أمرني أن أرجع إليه بما يصنع فيها.(24/64)
قال: فأخبرته أنه لم يبق عنده منها دينار؛ ووجدت عنده صرة مثلها، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل الأنصاري، فقل له مثل ما قلت لصاحبه، وانظر ما يصنع بها.
قال: فجئته، فاستأذنت عليه، فوجدته يصلي في مسجد له في بيته، فقلت له: هذه أمر لك بها أمير المؤمنين. قال: وما هي؟ قلت: صلة تعود بها على عيالك وأهلك. قال: حلها، وضعها مكانها، ادع لي فلاناً وفلاناً، كما قال صاحبه، فلم يزل يرسل منها ويقسم حتى لم يبق في الصرة إلا دينارين، فقالت امرأته من وراء الستر في البيت: ياهذا - لزوجها - إنا مساكيين، فتقسم للناس وتدعنا، والله ما لنا شيء. قال: فإن كان ليس لك شيء فهاك هذين الدينارين.
قال: فرجعت إلى عمر، فأخبرته ما رأيت؛ فقال له: والله الذي جعلهم هكذا، وجعل بعضهم من بعض.
وعنه، قال: صاح علي عمر يوماً، وعلاني بالدرة، فقلت: أذكرك بالله. قال: فطرحها، وقال: لقد ذكرتني عظيماً.
قال علي بن المديني: كان مالك الدار خازناً لعمر.
مالك بن قادم
ممن شهد حصار دمشق مع عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس. له ذكر.(24/65)
مالك بن كعب الهمداني ثم الأرحبي
وجهه علي بن أبي طالب إلى دومة الجندل لقتال مسلم بن عقبة حين بعثه معاوية إلى أهلها حين بلغه توقفهم عن البيعة لعلي، فوصل إليها، وهزم مسلم بن عقبة، ودعا أهل دومة إلى البيعة، فامتنعوا، وقالوا: لا نبايع حتى يجتمع الناس على إمام؛ فانصرف راجعاً إلى الكوفة.
مالك بن أبي مريم الحكمي
من حكم بن سعد العشيرة روى: أن عبد الرحمن بن غانم الأشعري وفد دمشق، فاجتمع إليه عصابة منا، فذكرنا الطلاء، فمنا المرخص فيه ومنا الكاره له. قال: فأتيته بعدما خضنا فيه، فقال: إني سمعت أبا مالك الأشعري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير ".
قال ابن أبي حاتم: مالك بن أبي مريم الحكمي، شامي.(24/66)
مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب بن قلع
وقلع لقب واسمه علقمة بن عمرو بن عباد. ويقال: ابن عباد بن عمرو، وهو جحدر بن عمرو بن ربيعة بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل أبو غسان الربعي. من وجوه أهل البصرة
ولد على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووفد على معاوية، وكان مالك بن مسمع سيد ربيعة في زمانه مقدماً معروفاً بذلك، حليماً رئيساً.
عن قتادةبن دعامة، قال: لما وفد أهل البصرة إلى معاوية بن أبي سفيان خرج آذنه، فنظر إلى وجوه الناس، فقال للأحنف بن قيس: ادخل. فدخل، ثم أذن للمنذر بن جارود، ثم أذن لشقيق بن ثور، وفي القوم مالك بن مسمع لا يأذن له ما كان منه إلى عامله بالبصرة زياد لفعلته به في تثبيت العطاء فلم يزل يأذن لرجل رجل حتى أذن للجملة، فدخلوا وفيهم مالك، فجعل الناس يسرعون ومالك يمشي على رسله، فأخذوا أمكنتهم، وأقبل مالك يمشي حتى وقف بين يدي معاوية؛ فقال لهم عاوية: أبو غسان؟ قال: نعم. قال: ها هنا. فأجلسه معه على سريره؛ فقام رجل من بكر بن وائل، أحد بني ذهل، فقال: يا أمير المؤمنين، أتجلس هذا معك على السرير وهو عمل بعاملك على العراق ما عمل، من خروجه عليه في أمر العطاء؟ فقال أبو غسان: وما يمنع أمير المؤمنين أن يجلسني معه وأنت ابن عمي! فخرج الناس يومئذ ومالك سيدهم بحلمه، وإكرام معاوية له ومعرفته بفضله.
قال حضين بن المنذر في مالك بن مسمع: " من الطويل "(24/67)
حياة أبي غسان خير لقومه ... لمن كان قد قاس الأمور وجربا
ونعتب أحياناً عليه ولو مضى ... لكنا على الباقي من الناس اعتبا
قال ابن عياش في تسمية العور: مالك بن مسمع، ذهبت عينه يوم الجفرة بالبصرة.
قال خليفة: وفيها - يعني سنة ثلاث وسبعين - مات مالك بن مسمع أبو غسان.
وقال: فحدثني عبد الملك بن المغيرة، عن أبيه، قال: شهدت دار الأمارة بواسط يوم جاء قتل يزيد بن المهلب - يعني في صفر سنة اثنتين ومئة - ومعاوية بن يزيد قاعد، فأتى بعدي بن أرطاة وابنه محمد بن عدي، ومالك وعبد الملك ابني مسمع فضرب أعناقهم.
وبلغني من وجه آخر، أن مالك بن مسمع توفي سنة أربع وسبعين، وكان كسن عبد الله بن الزبير.
مالك بن المنذر بن الجارود
واسمه بشر بن حنش بن المعلى بن الحارث بن زيد بن حارثة أبو غسان العبدي، وأمه عمرة بنت مالك بن مسمع وفد على سليمان بن عبد الملك، وشهد بيعة عمر بن عبد العزيز.
عن زيد بن عبد القاهر، عمن حدثه؛ أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى مالك بن المنذر: أما بعد، فإن هذا الصليب علامة من علامة أهل الشرك، لا يرون أنه يقوم لهم أمر إلا به، وقد كانوا يظهرون منه أمراً(24/68)
كرهته ورأيت غيره، فلا تدعن صليباً ظاهراً إلا أمرت به أن يكسر إن شاء الله، فافعل ذلك فيما كان بأرضك من صلب أهل الشرك.
عن خليفة، قال: وكان على شرطة البصرة - يعني للقسري - مالك بن المنذر بن الحارث بن الجارود العبدي. ثم عزله، وولى بلال بن أبي بردة بن أبي موسى.
عن محمد بن سلام، قال: فلما قدم - يعني خالد بن عبد الله القسري - العراق أميراً، أمر شرطه مالك بن المنذر، وكان عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر بن كريز يدعي على مالك فرية فأبطلها خالد، وحفر النهر الذي سماه المبارك، فانتقض عليه، فقال الفرزدق: " من الطويل "
وأهلكت مال الله في غير كنهه ... على نهرك المشؤوم غير المبارك
أتضرب أقواماً براء ظهورهم ... وتترك حق الله في ظهر مالك
أإنفاق مال الله في غير كنهه ... ومنعاً لحق المرملات الضرائك
فكتب خالد إلى مالك بن المنذر؛ أن احبس الفرزدق، فإنه هجا نهر أمير المؤمنين؛ فأرسل مالك إلى أيوب بن عيسى فقال: أئتني بالفرزدق؛ فلم يزل يعمل فيه حتى أخذه، فطلب إليهم الفرزدق أن يمروا به على بني حنيفة.
فلما قيل لمالك: هذا الفرزدق، انفتح وربا. فلما أدخل عليه قال: " من الطويل "
أقول لنفسي حين غصت بريقها ... ألا ليت شعري مالها عند مالك
لها عنده أن يرجع الله روحها ... إليها وتنجو من عظام المهالك(24/69)
وأنت ابن جباري ربيعة أدركا ... بك الشمس والخضراء ذات الحبائك
فسكن مالك، وأمر به إلى السجن، فقال يهجو أيوب بن عيسى الضبي: " من الطويل "
متت له بالرحم بيني وبينه ... فألفيته مني بعيداً أواصره
وقلت امرؤ من آل ضبة فانتمى ... إلى غيرهم جلد استه ومناخره
فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي ... ولكن زنجياً غليظاً مشافره
فسوف يرى الزنجي ما اكتدحت له ... يداه إذا ما الشعر غيت نوافره
ثم مدح خالداً ومالكاً، وهو محبوس، مديحاً كثيراً؛ فأنشدني له يونس في كلمة طويلة: " من الكامل "
يا مال هل هو مهلك ما لم أقل ... وليعرفن من القصائد قيلي
يا مال هل لك في كبير قد أتت ... تسعون فوق يديه غير قليل
فتجز ناصيتي وتفرج كربتي ... عني وتطلق لي يداك كبولي
ولقد نمت بك في المعالي ذروة ... رفعت بناءك في أشم طويل
والخيل تعلم في جديلة أنها ... تردي بكل سميدع بهلول
إن ابن جباري ربيعة مالكاً ... لله سيف صنيعه مسلول
وكانت أم مالك بنت مالك بن مسمع، فقال: " من الوافر "
وقرم بين أولاد المعلى ... وأولاد المامعة الكرام
تخمط في ربيعة بين بكر ... وعبد القيس في الحسب اللهام
فلما لم ينفعه مديحه خالداً ومالكاً، قال يمدح هشام بن عبد الملك، ويعتذر إليه: " من الطويل "
ألكني إلى راعي البرية والذي ... له العدل في الأرض العريضة نورا
فإن تنكروا شعري إذا خرجت له ... بوادر لو يرمي بها لتفقرا
ثبير ولو مست حراء لحركت ... به الراسيات الصم حتى تكوروا(24/70)
إذا قال غاو من معد قصيدة ... بها حرب كانت وبالاً مدمرا
لئن صبرت نفسي لقد أمرت به ... وخير عباد الله من كان أصبرا
عن أبي عاصم النبيل، قال: صلى مالك بن المنذر بن الجارود، وكان على أحداث البصرة، في ثوب رقيق، فقال له عثمان البتي: لا تصل في ثوب رقيق. فلما ولى من عنده أرسل إليه فضربه عشرين سوطاً. فقال له البتي: علام تضربني؟ فقال: إنك تأمر الناس بترك الصلاة! عن أحمد بن عبيد الحرمازي، قال: قال عبد الله بن الأعور بن قراد يمدح مالك بن المنذر بن الجارود: " من الرجز
يا مالك بن المنذر بن الجارود ... أنت الجواد ابن الجواد المحمود
سرادق المجد عليك ممدود
وقال أيضاً: " من الرجز "
أنت لها منذر من بين البشر ... داهية الدهر وصماء الغير
أنت لها إذ عجزت منها مضر
فقال له: حكمك يا أبا سعيد مشتطا. قال: مئة. قال: اغد يا غلام فوفه إياها بالمربد. قال: قل له يجعلها بيضاء. قال: قد خبرتك، وإنما طلبت الدراهم، لك مئة ومئة حتى تبلغ ألفاً. فلامه قومه، وقالوا: حكمك سيد العرب فاحتكمت مئة درهم! فقال: والله ما ألقاني في ذلك إلا سوء عادتكم، أمدح أحدكم فيعطيني الجدي والفطيمة.(24/71)
مالك بن مهران
أبو بشر من أهل دمشق.
روي عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن رجل، قال: قلنا لوائلة: حدثنا حديثاً ليس فيه زيادة ولا نقصان. فغضب. وقال: إن أحدكم ليعلق الصحف في بيته ينظر فيه طرفي النهار ولا يحفظ السورة.
قال: ثم أقبل على القوم يحدثهم. قال: فقلت له: حدثنا عافاك الله. قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فأقبل نفر من بني سليم، فقالوا: يا رسول الله، إن صاحبنا قد أوجب. قال: " فليعتق رقبة، فإن بكل عضو عضواً من النار ".
الرجل الذي لم يسمه هو الغريف بن عياش.
مالك بن ناعمة
أبو ناعمة الصدفي المصري شهد الفتح بالشام، ثم شهد فتح مصر.
قال ابن يونس: شهد فتح مصر، من أصحاب عمر بن الخطاب، وهو صاحب الفرس الذي يقال له: أشقر صدف، السابق المذكور.
عن أشياخ مصر: أن مالك بن ناعمة قدم من اليمن بأمة - يعني أم الأشقر - فكان يعقر عليها الوحش في طريقه، فإذا نزل الناس حل عنها، ومرحها في عشب الأودية حتى يرحل، فبينا هو ذات يوم قاعد في أصحابه إذ قيل له: أدرك فرسك؛ فنظر فإذا بفحل قد خرج إليها من(24/72)
ذلك الوادي، طويل أهلب، لم ير مثله أوثق خلقاً، فنزاها؛ وبادر ليطرده عنها، وكره عقاقها وهو في سفر، فلم يلحقه حتى نزل عنها وقد اشتملت على الأشقر.
وقدم ابن ناعمة على الناس بالشام، فأقام معهم في محاربة الروم حتى وضعت فرسه الأشقر في يوم هزيمة، وجد في الطلب، فلم يزل يركض مع أمه يومه، ما تفوته حتى منعه الليل من الطلب، ثم دخل ابن ناعمة مصر فسبق الناس به.
فكانوا يظنون أن أباه شيطان.
مالك بن نافرة
ويقال: ابن ناشرة الجذامي ختن فروة بن نفاثة الجذامي، كان بمعان من أرض البلقاء. وسمع عثمان ومعاوية، وقدم عليه.
عن مالك بن النافرة، وكان رجلاً من جذام يسكن معان وما يليها، قال: كنت جالساً مع امرأتي، فدخل علي ابن عم لي وفي يده سواك يستن به، فأخذه فوضعه، فأخذته فاستنت به، فعرفت أنهما لم يصنعا ذلك إلا لميعاد بينهما، فقلت لها: جهزيني فإني أريد أن أنطلق إلى كذا وكذا؛ فقامت مسرعة فجهزتني، ثم أحقبت بعيري وتقلدت سيفي، ثم ركبت حتى أتيت وادياً، فأنخت فيه، ثم كمنت، حتى إذا كان الليل واختلط الظلام عقلت بعيري وتقلدت سيفي ثم أقبلت.
قال: وفي ظهر بيتي كوة ضخمة يدخل منها الرجل، فقمت تحت الكوة، فإذا في(24/73)
البيت سراج يزهر، وإذا هو جالس معها يحدثها، فتمالكت حتى تدخل بنية لي منها قد تحركت، فقال: أخرجي بنتك عنا؛ فأبت أن تخرج ولاذت بأمها ولزمتها، فنترها نترة وقعت على بطنها، فلم أملك نفسي أن وثبت فتسورت من الكوة، ثم دخلت عليه فضربته حتى هدأ، ثم ملت عليها فضربتها حتى هدأت.
فرفع أمره إلى عثمان، فقال لطلبة الدم: تحلفون بالله خمسين يميناً؛ إن الأمر ليس كما ذكر، ونسلمه إليكم برمته، فإن أبيتم حلف خمسين يميناً أدى إليكم الدية.
مالك بن الوليد المري
من أصحاب الضحاك بدمشق.
عن خليفة، قال: وفي سنة أربع وستين وقعة مرج راهط بالشام.
قال أبو الحسن المدائني: قتل الضحاك بن قيس، وقتل من فرسان قيس ثور بن معن ومالك بن الوليد المري.
مالك بن الوليد
من أصحاب يزيد بن الوليد الذين قاموا بأمره حين غلب على دمشق.
مالك بن هبيرة بن خالد
ابن مسلم بن الحارث بن المخصف بن حاج، واسمه مالك بن الحارث بن بكر بن ثعلبة بن عقبة بن السكون أبو سعيد. ويقال: أبو سليمان السكوني له صحبة، وروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً، وولاه معاوية حمص، وغزا الروم،(24/74)
وكانت له بدمشق دار عند الباب الشرقي، وكان بدمشق حين قتل حجر بن عدي، وكان مع مروان بن الحكم بالجابية حين بويع بالخلافة، وشهد معه المرج، وكان على الرجالة.
عن مالك بن غبيرة؛ أنه كان إذا تبع جنازة واستقل أهلها جزأهم ثلاثة أجزاء، ثلاثة صفوف، ثم صلى عليها، وأخبرهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما صلى على ميت ثلاثة صفوف إلا وجبت ".
عن أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي، قال في تسمية من نزل حمص من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مالك بن هبيرة السكوني احدامراء حمص مات في ايام مروان بنالحكم وقد كان معاوية ولاه حمص في سنة ست وخمسين ونزع في المحرم سنة سبع وخمسين.
وعن القاضي أبي القاسم عبد الصمد بن سعيد الحمصي صاحب تاريخ حمص قال: مالك بن هبيرة السكوني، لم يعقب؛ أخبرني أبو أيوب البهراني بذلك، ويروى عنه مرثد بن عبد الله اليزني.
وقال محمد بن عوف: قال معاوية بن أبي سفيان: ما أصبح عندي من العرب أوثق في نفسي نصحاً لجماعة المسلمين وعامتهم من مالك بن هبيرة.
قال البهراني: له صحبه.
وقال محمد بن عوف: ما أعلم له صحبه؛ كان معاوية ولاه حمص سنة ست وخمسين، ونزع في المحرم سنة سبع وخمسين، ومات في أيام مروان بن الحكم.
وقال ابن يونس: مالك بن هبيرة السكوني يكنى أبا سعيد، يعد في أهل حمص لأنه ولي حمص(24/75)
لمعاوية بن أبي سفيان، وروى عنه من أهل حمص غير واحد، وقد ذكر فيمن قدم مصر، وما عرفنا وقت قدومه.
وقيل أيضاً: إنه ممن حضر فتح مصر، والله أعلم.
وقال أبو عبد الله العبدي: مالك بن هبيرة السكوني، عداده في أهل مصر، له صحبة.
عن ثابت بن عبيد الغساني؛ أن مالك بن هبيرة توفي أيام مروان ببيت رأس؛ فسمعت أبا مسهر يقول: أقام مروان تسعة أشهر، فهلك بدمشق.
مالك بن الهيثم بن عوف بن وهب بن عميرة
ويقال: عمرو بن عمير بن هاجر بن عبد العزى بن قمير بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن عامر بن لحي بن قمعة بن إلياس بن مضر بن نزار أبو نصر الخزاعي المروزي
أحد وجوه دعاة بني العباس، وفد على محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالحميمة؛ وكان المنصور حسن الرأي فيه، معظماً لقدره.
روى عن إبراهيم بن محمد الإمام، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرجل لا يزال في صحة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غش مستشيره سلبه الله صحة رأيه ".(24/76)
مالك بن يخامر
ويقال: أخامر، الألهاني، السكسكي قيل: إن له صحبة. وهو من أهل حمص، وشهد خطبة معاوية بدمشق، وسمع من معاذ بالجابية.
عن مالك بن يخامر السكسكي؛ أن قوماً دخلوا عليه يعودونه، فقالوا: إن منزلك من المدينة موضع جيد، فلو رممته. قال: إنما نحن سفر قائلون، نزلنا للمقيل، فإذا برد النهار وهبت الريح ارتحلنا، فلا أعالج منها شيئاً حتى ارتحل منها.
روى عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال " ثم ضرب على فخذ الرجل الذي حدث معاذ أو منكبه، ثم قال: إن هذا لحق كما أنك ها هنا، أو كما أنك قاعد.
عن مالك بن يخامر، قال: رأيت المهاجرات يذبحن أضاحيهن حول حجرة معاذ بن جبل بالجابية.
عن خليفة، قال: في الطبقة الأولى من أهل الشامات: مالك بن يخامر السكسكي، مات زمن عبد الملك، حمصي.
قال ابن منده وأبو نعيم: ذكر في الصحابة ولا يثبت.(24/77)
وقال عنه العجلي: شامي، تابعي، ثقة.
قال أيو عبيد القاسم بن سلام: سنة تسع وستين توفي فيها مالك بن يخامر، وقيل: سنة سبعين.
مالك الفزاري
ممن شهد وقعة الحرة من أهل الشام، وأرسله مسرف بن عقبة المري إلى يزيد يخبره بظفره بأهل المدينة، فأجازه يزيد ورده إلى قتال ابن الزبير، فقتل في الحصر الأول مع حصين بن نمير سنة أربع وستين.
مأمون بن أحمد بن علي السلمي الهروي
أحد المشهورين بوضع الحديث.
ذكره بعض أهل العلم، فقال: هروي كذاب.
روي عن مقاتل بن سليمان، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تعالى: ما من عبد من عبادي تواضع لي عند خلقي إلا وأنا أدخله جنتي، وما من عبد من عبيدي تكبر عند حقي إلا وأنا أدخله ناري ".
وبهذا الإسناد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تعالى: ما من عبد من عبادي استحيا من الحلال إلا ابتلاه الله بالحرام ".(24/78)
هذان الحديثان منكران إسناداً ومتناً، وفي إسنادهما غير واحد من المجهولين.
وعن أحمد بن عبد الله الشيباني، بسنده ألى ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تبارك وتعالى: " وعلم آدم الأسماء كلها " قال: " علمه منها أسامي ألف حرفة من الحرف: قال: يا آدم قل لولدك: إن تصبروا عن الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين ".
قال أبو حاتم محمد بن حبان: مأمون بن أحمد السلمي، من أهل هراة، كان دجالاً من الدجاجلة، ظاهر أحواله مذهب الكراهية، وباطنه مالا يوقف على حقيقته، يروي عن أهل الشام ومصر وشيوخ لم يرهم؛ خذله الله فما أجرأه على الله وعلى رسوله.
وقال أبو نعيم الحافظ: مأمون بن أحمد السلمي، من أهل هراة، خبيث وضاع، يروي عن الثقات مثل هشام بن عمار ودحيم الموضوعات، يستحق من الله ومن الرسول ومن المسلمين اللعنة.(24/79)
مبارك بن تمام بن الوليد
ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي كان يسكن قرية الجامع من قرى المرج.
ذكره أبو الحسن أحمد بن حميد بن أبي العجائز في تسمية من كان بدمشق وغوطتها من بني أمية. وذكر امرأته مريم بنت عبد الملك بن عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك؛ وذكر ولده سفيان بن المبارك، ابن عشر سنين، ومروان بن المبارك، ابن خمس سنين؛ ومحمد بن المبارك، رضيع؛ وفاطمة بنت المبارك، فطيمة.
وذكر غيره أن المبارك بن تمام قتل يوم نهر أبي فطرس.
المبارك بن الزبير المشجعي
حدث، قال: سمعت مكحولاً يقول: كنت جالساً في مسجد دمشق إذ دخل علينا المقداد، فركع ثم خرج، فاتبعته، فمشيت معه حتى خرج من باب الجابية.
كذا قال، وأظنه أراد المقدام بن معدي كرب، فإنه تأخرت وفاته، فأما المقداد فإنه مات في خلافة عثمان، لم يدركه مكحول، والله أعلم.(24/80)
المبارك بن سعيد بن إبراهيم بن العباس
أبو الحسن التيميي النصيبي قاضي دمشق وخطيبها روى عن أبي الصقر محمد بن علي بن عادل، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ".
قال أبو محمد الكتاني: توفي شيخنا القاضي أبو الحسن مبارك بن سعيد بن إبراهيم النصيبي الخطيب آخر يوم من رجب، يوم الجمعة سنة اثنتين وعشرين وأربعمئة؛ حدث عن أبي شيخ النصيبي وغيره، وحدث بكتاب " شرح الأبهري " عنه، وبكتاب " القراءات " عن ابن خالوية، كان يخطب بدمشق للمغاربة، ويقضي لهم.
ذكر أبو علي الأهوازي، أنه دفن بباب الصغير.
المبارك بن سعيد المبارك
أبو يزيد البعلبكي روى عن ناعم بن السري، بسنده إلى أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ".
المبارك بن عبد السلام بن المبارك
ابن عبد السلام أبو الحسن الإمام المؤدب روي عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر الفرائضي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال:(24/81)
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ".
المبارك بن علي بن عبد الباقي بن علي
أبو عبد الله البغدادي، سبط أبي الحسين أحمد بن عبد القادر بن يوسف سمع ببغداد، وقدم دمشق، فسمعت منه بها، ثم خرج عنها، وسكن ديار بكر. وكان شيخاً لا بأس به، ولم يكن عنده شيء عن شيوخه، وإنما وجد سماعه في أجزاء قدم بها ابن خاله محمد بن عبد الخالق.
روي عن أبي سعد محمد بن عبد الملك الأسدي، بسنده إلى ابن عمر: أن رجلاً سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما نلبس إذا أحرمنا؟ قال: " البس الإزار والرداء والنعلين، فإن لم يكن إزار فسراويل، فإن لم يكن نعلان فخفان ".
وسألت أبا عبد الله عن مولده، فقال: في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمئة.
المبارك بن علي بن محمد بن علي بن خضر
أبو طالب البغدادي الصيرفي البراد قدم دمشق تاجراً في سنة تسع عشرة وخمسمئة، وهو في حد الشباب، وسمع بها؛ وكان قد سمع ببغداد من جماعة؛ كتبت عنه حكاية، وعاد إلى بغداد، وعاش إلى أن علت سنه، وحدث وسمع منه جماعة.
حدث عن أبي بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني، بسنده إلى بشر أبي نصر: أن عبد الملك بن مروان دخل على معاوية وعنده عمرو بن العاص، فسلم وجلس،(24/82)
فلم يلبث أن نهض؛ فقال معاوية: ما أكمل مروءة هذا الفتى. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، إنه أخذ بأخلاق أربعة وترك أخلاقاً ثلاثة؛ إنه أخذ بأحسن البشر إذا لقي، وبأحسن الحديث إذا حدث، وبأحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسر المؤونة إذا خولف؛ وترك مزاح من لا يوثق بعقله ولا دينه، وترك مخالطة لئام الناس، وترك من الكلام كل ما يعتذر منه.
بلغني أن أبا طالب ابن خضر توفي شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وخمسمئة.
المبارك بن محمد
أبو المواهب المقرىء أنشد لابن طاهر الكاتب: " من الكامل "
ومعذر نقش الجمال بوجهه ... خطاً غدا بدم القلوب مضرجا
لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا
وأنشد لابن رشيق رحمه الله تعالى: " من الرمل "
سرقت أجفانه وسني ... وأعارت سقمها بدني
قلت لما تم عارضه ... فدعا قوماً إلى الفتن
رب إن الشعر شينه ... فاعف عن وجهه الحسن
فانثنى تيهاً يقول لي ... رب قول لم يلج أذني
المبارك بن الوليد بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي له ذكر.(24/83)
مبشر بن رزام أو بشر بن رزام
تقدم ذكره في حرف الباء.
مبشر بن الوليد بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم أمه أم ولد.
متوكل بن عبد الله بن نهشل
ابن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بم نزار.
أبو جهمة الليثي الشاعر وفي، مجيد في الشعر، عفيف عن الخمر.
وفد على معاوية وعلى ابنه يزيد بن معاوية.
وليزيد يقول في قصيدة هجا فيها معن بن حمل بن جعونة الليثي الشاعر، أحد بني لقيط، وكان معن قد بدأه بالهجاء فحلم عنه، فزاده حلمه عنه جهلاً: " من الطويل "
أبا خالد حنت إليك مطيتي ... على بعد منتاب وهول جنان
أبا خالد في الأرض نأي ومفسح ... لذي مرة يرمي به الرجوان
فكيف ينام الليل حر عطاؤه ... ثلاث لرأس الحؤل أو مءتان
تناهت قلوصي بعد إسادي السرى ... إلى ملك جزل العطاء هجان
ترى الناس إفواجاً ينوبون بابه ... لبكر من الحاجات أو لعوان(24/84)
عن أبي عبد الله محمد بن سلام الجمحي، قال في الطبقة السابعة عشرة من الإسلاميين: المتوكل الليثي، ويكنى أبا جهمة، وكان كوفياً، وكان في عصر معاوية؛ وكان رجل من بني جشم يقال له: الهذيل بن حية صديقاً للمتوكل، ثم جفاه قليلاً، فقال المتوكل: " من الوافر "
ألا أبلغ أبا قيس رسولاً ... فإني لم أخنك ولم تخني
ولكني طويت الكشح لما ... رأيتك قد طويت الكشح عني
وكنت إذا الخليل أراد صرمي ... قلبت لصرمه ظهر المجن
كذاك قضيت للخلان إني ... أدين عليهم وأدين مني
فلست بآمن أبداً خليلاً ... على شيء إذا لم يأتمني
قال ابن ماكولا: وهو أشعر بني كنانة في الإسلام.
حدث منيع بن العلاء السعدي، قال: قال المتوكل: " من الكامل "
قتلوا حسيناً ثم هم ينعونه ... إن الزمان بأهله أطوار
لا تبعدن بالطف قتلي ضيعت ... وسقى مساكن هامها الأمطار
ما شرطة الدجال تحت لوائه ... بأضل ممن غره المختار
أبني قسي أوثقوا دجالكم ... يجل الغبار وأنتم أحرار
لو كان علم الغيب عند أخيكم ... لتوطأت لكم به الأحبار
ولكان أمراً بينا فيما مضى ... تأتي به الأنباء والآثار
إني لأرجو أن يكذب وحيكم ... طعن يشق عصاكم وحصار(24/85)
ويجيئكم قوم كأن سيوفهم ... بأكفهم تحت العجاجة نار
لا ينثنون إذا هم لاقوكم ... إلا وهام كماتكم أعشار
متوكل بن الليث النضري
ويقال: المحاربي من أهل دمشق.
روي عن أبي قلابة، عن عمران بن الحصين وسمرة بن جندب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أحب ما زرتم الله في مساجدكم وقبوركم البياض ".
وبه.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليلبس البياض أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم ".
وعن رجل، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار ".
متوكل بن موسى
حكى عن ابن عبد السلام، قال: توفي جار لنا نصراني، فأخذت النصارى في غسله، فبينا هم في غسله إذ استوى جالساً، وقال: علي بالمسلمين، علي بالمسلمين.
قال: وأتانا الصريخ. قال: فأتيناه، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
قال: ثم توفي من ساعته. قال: فولينا غسله، والصلاة عليه، ودفناه في مقابر المسلمين.(24/86)
مثنى بن معاوية بن عبد الله
أحد بني دحية، أظنه من جند حمص.
شهد قتل الوليد بن يزيد، وكان من أصحابه.
مجاهد بن جبر
ويقال: ابن جبير أبو الحجاج المكي الفقيه المقرئ مولى عبد الله بن السائب القارئ ويقال: مولى قيس بن الحارث المخزومي قدم على سليمان بن عبد الملك، وعلى عمر بن عبد العزيز وشهد وفاته.
روى عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل جمار نخل.
عن يزيد بن أبي مريم قال: كتب إلي عبدة بن أبي لبابة أن سل مجاهداً - وكان معنا بدابق مع سليمان بن عبد الملك - عن قوله تعالى: " فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ". وعن قول الله تعالى: " يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ".(24/87)
فسألته، فقال له مجاهد: أما قوله: " فكأنما قتل الناس جميعاً " فإن الله يقول: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم " الآية. فلو قتل الناس جميعاً لم يكن وراء هذا من عذاب الله شيء، وهو يستوجب ذاك بنفسواحدة، فهو كقوله: " فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها " فكذلك.
وأما قوله: " هل من مزيد " فتقل: ليس في مزيد.
عن الفضل بن ميمون، قال:
سمعت مجاهداً يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين عرضة.
وزاد في أخرى: أقفه على كل آية أسأله فيم نزلت؟ وكيف كانت؟.
عن عكرمة بن سليمان بن كثير بن عامر مولى بني شيبة، قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين، فلما بلغت " والضحى " قال لي: كبر مع خاتمة كل سورة حتى تختم، فإني قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك، وأخبرني أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك، قال: وأخبرني أبي أنه قرأ على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمره بذلك.
قال مجاهد: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت.
وقال: استفرغ علمي القرآن.
قال سفيان الثوري: خذوا التفسير عن أربعة؛ سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك بن مزاحم.(24/88)
عن قتادة أنه قال: إن أعلم من بقي بالحلال والحرام الزهري، وأعلم من بقي بالقرآن مجاهد، يعني التفسير.
عن أبي بكر بن عياش، قال: قلت للأعمش: ما لهم يتون تفسير مجاهد؟ قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب.
قال ابن سعد: وكان فقيهاً، ثقة، عالماً، كثير الحديث.
عن يحيى بن معين، أنه قال: مجاهد ثقة؛ وسئل أبو زرعة عن مجاهد فقال: مكي ثقة.
قال العجلي: مجاهد أبو الحجاج، مكي، تابعي، ثقة، سكن الكوفة بأخرة.
قال أبو عبد الرحمن النسائي فيتسمية الفقهاء من أصحاب ابن عباس: من أهل مكة: عطاء، وطاوس، ومجاهد. وسعيد بن جبير.
عن سلمة بن كهيل، قال: ما رأيت أحداً يريد بهذا العلم وجه الله إلا هؤلاء الثلاثة عطاء وطاوس ومجاهد.
عن مجاهد، قال: صبحت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني.
وقال: ربما أخذ لي ابن عمر بالركاب، وربما أدخل ابن عباس أصابعه في بطني.(24/89)
وعن الأعمش، قال: كنت إذا رأيت مجاهداً ظننت أنه خربندج ضل حماره، فهو مهتم.
وعن مجاهد، قال: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله النية بعد.
وقال: ذهب العلماء فلم يبق إلا المتعلمون، ما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم.
عن الأعمش. قال: لم يشهد مجاهد الجماجم، فقالوا له في ذلك، فقال: عده باباً من الخير تخلفت عنه.
توفي مجاهد سنة مئة، وقيل: إحدى ومئة، وقيل اثنتين ومئة، وقيل ثلاث ومئة، وقيل: أربع ومئة، وقيل: سبع ومئة. وقيل: ثمان ومئة، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة بمكة.
مجاهد بن فرقد
أبو الأسود الصنعاني من صنعاء دمشق. وقيل إنه أطرابلسي.
روى عن وائلة بن الخطاب القرشي، قال: دخل رجل المسجد، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده، فتحرك له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل له: يا رسول الله، المكان واسع. فقال: " إن للمؤمن حقاً ".(24/90)
مجالد مولى هشام بن عبد الملك وآذنه
مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث
أبو الورد الكلابي من سادات قيس، وجهه مروان بن محمد بن مروان إلىدمشق لمحاربة من خلعه من أهلها، وقدم مع مروان دمشق.
حدث أبو هاشم بن مخلد بن محمد بن صالح، قال:
كان أبو الورد - واسمه مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي - من أصحاب مروان وفرسانه وقواده، فلما هزم مروان كان أبو الورد بقنسرين قدمها عبد الله بن علي فبايعه، ودخل فيما دخل فيه جنده من الطاعة، وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة، فقدم بالس قائد من قواد عبد الله بن علي من الأزد مردين في مئة وخمسين فارساً، فبعث بولد مسلمة بن عبد الملك ونسائهم، فسكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد، فخرج من مزرعة له يقال لها: زراعة بني زفر، يقال لها: خساف، وفي عدة من أهل بيته، حتى هجم على ذلك القائد وهو نازل حصن مسلمة، فقاتله حتى قتله ومن معه، وأظهر التبييض والخلع لعبد الله بن علي، ودعا أهل قنسرين إلى ذلك، فبيضوا بأجمعهم؛ فلما بلغ عبد الله بن علي تبييض أهل قنسرين، خرج متوجهاً للقاء أبي الورد، وقد كان تجمع مع أبي الورد جماعة أهل قنسرين، وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر فقدم منهم ألوف وعليهم أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فرأسوا عليهم أبا محمد، ودعوا إليه، وقالوا: هو السفياني الذي كان يذكر، وهم(24/91)
في نحو من أربعين ألفاً؛ فلما دنا منهم عبد الله بن علي - وأبو محمد معسكر في جماعتهم بمرج يقال له: مرج الأخرم، وأبو الورد المتولي لأمر العسكر والمدبر له، وهو صاحب القتال والوقائع - وجه عبد الله بن علي أخاه عبد الصمد بن علي في عشرة آلاف من فرسان من معه، فناهضهم أبو الورد، ولقيهم فيما بين العسكرين. واستمر القتل في الفريقين، وثبت القوم وانكشف عبد الصمد ومن معه، وقتل منهم يومئذ ألوف، وأقبل عبد الله حيث أتاه عبد الصمد ومعه حميد بن قحطبة وجماعة من معه من القواد فألتقوا ثانية بمرج الأخرم، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانكشف جماعة من كان مع عبد الله ثم ثابوا وثبت لهم عبد الله وحميد بن قحطبة فهزموهم، وثبت أبو الورد في نحو من خمسمئة من أهل بيته وقومه فقتلوا جميعاً.
وهرب أبو محمد ومن معه من الكلبية حتى لحقوا بتدمر، وأمن عبد الله أهل قنسرين وسودوا، وبايعوه في طاعته، ثم انصرف راجعاً إلى أهل دمشق.
قال: ولم يزل أبو محمد متغيباً هارباً، ولحق بأرض الحجاز، وبلغ زياد بن عبيد الله الحارثي عامل أبي جعفر على المدينة مكانه الذي تغيب فيه، فوجه إليه خيلاً، فقاتلوه حتى قتل، وأخذوا ابنين له أسيرين، فبعث زياد برأس أبي محمد وبابنيه إلى أبي جعفر، فأمر بتخلية سبيلهما وأمنهما.
وحكى الطبري عن علي بن محمد أن النعمان أبا السري حدثه وجبلة بن فروخ وسليمان بن داود وأبا عامر المروزي، قال: فاقتتلوا يوم الثلاثاء في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين ومئة وعلى ميمنة أبي محمد أبو الورد، وعلى مسيرته الأصبغ بن ذؤالة، فجرح أبو الورد، فحمل إلى أهله، فمات؛ ولحق قوم من أصحاب أبي الورد إلى أجمة فأحرقها عليهم، وقد كان أهل حمص نقضوا. وأرادوا إتيان أبي محمد، فلما بلغتهم هزيمته أقاموا.(24/92)
مجلى بن الفضل بن حصن
ابن أبي يعلى أبو الفرج الجهني الموصلي التاجر شيخ لقيته بنيسابور، وذكر لي أنه دخل دمشق في أيام الملك دقاق، وسمع الحديث بنيسابور، وكان يقول شعراً لا بأس به، كتبت عنه، وكان من ذوي المروءات في بني جنسه.
وذكر لي بعض أصحابنا أنه منسوب إلى قرية من قرى الموصل يقال لها: جهينة.
روى عن الفقيه أبي علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي، بسنده إلى عائشة، قالت: لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم ".
مجمع بن يحيى بن يزيد بن جارية
الأنصاري الكوفي روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، قال: سمعت معاوية إذا كبر المؤذن اثنتين كبر اثنتين؛ وإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، شهد اثنتين؛ فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله، شهد اثنتين؛ ثم التفت إلي وقال: هكذا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول عند الآذان.
وعم سويد بن عامر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بلوا أرحامكم ولو بالسلام ".(24/93)
قال مجمع الأنصاري: رأيت عمر بن عبد العزيز غشيته رقة وعبرة، قال فرأيته غمز أنفه بأصبعه حتى ردها.
عن أبي بكر الأثرم، قال:
سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن مجمع بن يحيى، قال: كوفي لا أعلم إلا خيراً.
وقال ابن عمار: ثقة، روى عنه الناس.
محارب بن دثار أبو مطرف
ويقال: أبو النضر، ويقال: أبو كردوس. السدوسي الذهلي، الكوفي، قاضي الكوفة قدم دمشق.
روى عن جابر بن عبد الله، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأتي الرجل أهله طروقاً.
عن محارب بن دثار، قال: زاملت عمران بن حطان من الكوفة إلى دمشق، فما كلمني في شيء من اختلاف الناس؛ فلما انتهيت إلى باب دمشق، قال: يا محارب، حدثتني أم الدرداء الأوصابية امرأة أبي الدرداءأن خراب هذا السور على يدي رجل، آخر من مروان، فإنه يرمم ويشدد، ويبنى ويجدد، فعند ذلك خرابها وذهاب سلطانها.(24/94)
قال محمد بن سعد: ولي قضاء الكوفة، وتوفي في ولاية خالد بن عبد الله، وذلك في خلافة هشام بن عبد الملك؛ وله أحادي ولا يحتجون به، وكان من المرجئة الأولى الذين كانوا يرجؤون علياً وعثمان ولا يشهدون بإيمان ولا كفر.
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عنه، فقال: ثقة.
وقال العجلي: كوفي، تابعي، ثقة؛ وكان على قضاء الكوفة، فبعث إلى الحكم وحماد فأجلسهما معه، وكان إذا أشكل عليه شيء سألهما.
وقال أبو حاتم: كوفي، ثقة، صدوق. وسئل أبو زرعة عنه، فقال: كوفي ثقة، مأمون.
وعن خليفة، قال: أقر خالد - يعني ابن عبد الله القسري - على قضاء الكوفة الحسين بن الحسن الكندي - يعني سنة ست ومئة - ثم عزله، ثم سعيد بن أشوع الهمداني، ثم محارب بن دثار سنة ثلاث عشرة ومئة.
قال سفيان: رأيت محارباً يقضي في المسجد، ولحيته بيضاء طويلة.
عن خاقان بن الأهتم، قال: لما استقضي محارب بن دثار قيل للحكم بن عتيبة: ألا تأتيه؟ قال: ما أصاب(24/95)
عندي خيراً فأهنته، ولا أصابته عند نفسه مصيبة فأعزيته، ولا كنت زواراً له فأتيته.
عن أبي الصصهباء التيمي، قال: جئت وإذا محارب بن دثار قائم يصلي، فلما رآني أخف الصلاة، ثم جلس فجلس في مجلس القضاء، ثم بعث إلي: أمخاصم، أو مسلم، أو حاجة؟ قال؟ قلت: لا، بل مسلم. فذهب الرسول فأخبره، ثم أتاني فقال لي: قم. قال: فسلمت عليه: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس في هذا المجلس الذي ابتليتني به وقدرته علي إلا وأنا أكرهه وأبغضه، فاكفني شر عواقبه.
قال: ثم أخرج خرقة نظيفة فوضعها على وجهه، فلم يزل يبكي حتى قمت.
قال: فمكثت ما شاء الله، ثم ولي بعده ابن شبرمة. قال: فجئت فإذا هو قائم يصلي، فلما رآني أخف الصلاة، ثم بعث إلي: أمخاصم، أو مسلم، أو حاجة؟ قال: قلت: بل مسلم. فذهب الرسول فأخبره، ثم أتاني، وقال: قم؛ فقمت فسلمت عليه وجلست إلى جنبه، فقال: حدثني حديث أخي محارب بن دثار: فحدثته بالحديث؛ فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس في هذا المجلس الذي ابتليتني به إلا وأنا أحبه وأشتهيه، فاكفني شر عواقبه. ثم أخرج خرقة فوضعها على وجهه، فما زال يبكي حتى قمت.
عن عنبسة بن الأزهر، قال: كان محارب بن دثار قاضي الكوفة قريب الجوار مني، فربما سمعته في بعض الليل يقول ويرفع صوته: أنا الصغير الذي ربيته، فلك الحمد؛ وأنا الضعيف الذي قويته، فلك الحمد؛ وأنا الفقير الذي أغنيته، فلك الحمد؛ وأنا الصعلوك الذي مولته، فلك الحمد؛ وأنا الأعزب الذي زوجته، فلك الحمد؛ وأنا الساغب الذي أشبعته، فلك الحمد؛ وأنا العاري الذي كسوته، فلك الحمد؛ وأنا المسافر الذي صاحبته، فلك الحمد؛ وأنا الغائب الذي أديته، فلك الحمد؛ وأنا الراحل الذي حملته، فلك الحمد؛ وأنا المريض الذي شفيته، فلك الحمد؛ وأنا الداعي الذي أجبته، فلك الحمد؛ ربنا فلك الحمد، ربنا حمداً كثيراً على كل حمد.(24/96)
عن أبي حنيفة، قال: كنا عند محارب بن دثار، فتقدم إليه رجلان، فادعى أحدهما على الآخر مالاً فجحده المدعي عليه، فسأله البينة، فجاء رجل فشهد عليه؛ فقال المشهود عليه: لا والذي لا إله إلا هو ما شهد علي بحق، وما علمته إلا رجلاً صالحاً غير هذه الزلة، فإنه فعل هذا لحقد كان في قلبه علي.
وكان محارب متكئاً فاستوى جالساً، ثم قال: يا ذا الرجل، سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليأتين على الناس يوم تشيب فيه الولدان، وتضع الحوامل ما في بطونها، وتضرب الطير بأذنابها وتضع ما في بطونها من شدة ذلك اليوم ولا ذنب عليها " فإن كنت شهدت بحق فاتق الله وأقم على شهادتك، وإن كنت شهدت بباطل فاتق الله، وغط رأسك، واخرج من ذلك الباب. فغطى الرجل رأسه وخرج من ذلك الباب.
قال ابن شاهين: تفرد بهذا الحديث هارون بن الجهم عن عبد الملك بن عمير القبطي وهو حديث غريب ما سمعناه إلا من حديث سعد بن الصلت.
عن محمد بن الفرات، قال: سمعت محارب بن دثار يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يؤمر به إلى النار ".
عن عمر بن السكن، عن من رأى رسول خالد بن عبد الله فتح باب المقصورة فجاء إلى محارب فساره بشيء أمره به خالد - وهو يومئذ قاض - فقال محارب للرسول: " إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ".
عن الأعمش، قال: قال لي محارب بن دثار: وليت القضاء فما(24/97)
بقي أحد في أهلي إلا بكى، وعزلت فما بقي أح إلا بكى، فوالله ما دريت مم ذاك؟ فقلت: إن شئت أخبرتك. فقال: فأخبرني. قلت: وليت القضاء فكرهت وجزعت منه. فبكى أهلك لما رأوا من جزعك. قال: إنه لكما قلت، أو قريب مما قلت.
عن سفيان، عن محارب، قال: بغض أبي بكر وعمر نفاق.
وقال محارب: إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء؛ كما أن لوالدك عليك حقاً، كذلك لولدك عليك حقاً.
عن سلمة بن كهيل، قال: لقي خيثمة محارب، قال: كيف حبك للموت؟ قال: ما أحبه. قال: إن ذلك بك لنقص كثير.
وقال محارب: ما يمنعني أن ألبس ثوباً جديداً إلا مخافة أن يحدث في جيراني حسداً لم يكن قبل ذلك.
عن عمرو بن صالح، حدثني الثقة، قال: لما بلغ محارب بن دثار موت عمر بن عبد العزيز، دعا كاتبه فقال: اكتب. فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: امحه، فإن الشعر لا يكتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم قال: " من البسيط "
لو أعظم الموت خلقاً أن يواقعه ... لعدله لم يزرك الموت يا عمر
كم من شريعة حق قد أقمت لهم ... كانت أميتت وأخرى منك تنتظر
يا لهف نفسي ولهف الواجدين معي ... على النجوم التي تغتالها الحفر(24/98)
ثلاثة ما رأت عيني لهم شبهاً ... تضم أعظمهم في المسجد الحفر
يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأنت تتبعهم لم تأل مجتهداً ... سقياً لها سنناً بالحق تفتقر
لو كنت أملك والأقدار غالبة ... تأتي رواحاً وتبياناً وتبتكر
صرفت عن عمر الخيرات مصرعة ... بدير سمعان لكن يغلب القدر
قال خليفة: ومحارب بن دثار الذهلي في آخر ولاية خالد - يعني مات - وذكر خليفة أن خالداً القسري عزل سنة عشرين ومئة.
محافظ بن علي بن النمر بن حصن
أبو الوفاء البيروتي المؤدب كتب عنه عمر بن عبد الكريم الدهستاني ببيروت سنة تسع وخمسين وأربعمئة.
محبوب بن رجاء
أبو الضحاك الحضاري. أخو الحسن بن رجاء كان كاتباً لأحمد بن طولون ولابنه خمارويه بن أحمد أبي الجيش، ولم يكن بمصر في زمان محبوب كاتب أنبل ولا أعظم مروءة، ولا أحسن منزلاً منه، وكان فيه أدب، فمما ذكر من شعره، وحكاه أبو العباس بن الفرات له، قوله في جارية هويها وخببها على سيدتها، ثم أخذتها من عنده: " من مجزوء الرمل "(24/99)
أمل كان نظير الش ... شمس في بعد المكان
استحطته إلى الأر ... ض وفاءات العواني
ودنا حتى إذا ني ... ل بلمس وعيان
استردته يد الده ... ر فعندنا في الأماني
محرر بن أبي هريرة بن عامر
ابن عبد ذي الشرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد ابن ثعلبة بن سليم بن فهمبن غنم بن دوس الأزدي الدوسي روى عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال الناس يسألون حتى يقولون: كان الله قبل كل شيء، فما كان قبله؟ ".
وعنه، أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال:
" من لقي الله ولم يعمل ست خصال دخل الجنة: من لقي الله ولم يشرك به، ولم يسرق، ولم يزن، ولم يرم محصنة، ولم يعص ذا أمر، وقال بالحق، سكت أو نطق ".
وعنه، عن رجل من الأنصار، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أصيب في جسده بشيء فتركه لله كان كفارة له ".
روى المحرر، قال: دخل علي أبي وأنا بالشام، فقربنا إليه عشاء عند غروب الشمس، فقال: عندكم سواك؟ قال: قلت: نعم، وما تصنع بالسواك هذه الساعة؟ قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا ينام ليلة ولا يبيت حتى يستن.
مات سنة مئة أو إحدى ومئة.(24/100)
قال محمد بن سعد: توفي بالمدينة في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقد روى عن أبيه، وكان قليل الحديث.
عن عثمان بن سعيد بن أبي رافع، قال: أرسلني المحرر بن أبي هريرة إلى ابن عمر، فأدركته يصلي عند دار أبي الجهم بالبلاط، فقلت: الرجل يصلي الظهر في بيته ثم يأتي المسجد والناس يصلون فيصلي معهم، فأيهما صلاته؟ قال: الأولى منهما صلاته.
عن نافع قال: لقي محرر بن أبي هريرة ابن عمر، فسأله عن السمك يكون بالساحل فينضب عنه الماء. قال: فأخذت عليه المائدة، فقرأها من أولها إلى آخرها، فقال: اذهب إلى محرر فأخبره أنها له حلال.
عن سالم بن عبد الله بن عمر، قال: اشتكى محرر بن أبي هريرة، فدعيت إليه لألقيه. قال: فذهبت وأنا متخوف أن يكره ذلك أبو هريرة. قال: فقال لي: ارقه، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " العين حق ".
محرز بن أسيد بن أخشن
ابن رياح بن أبي خالد بن ربيعة بن زيد بن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك - ومعن ومالك وولدهما يقال لهم: بنو باهلة، وهي أمهم، بنت صعب بن سعد العشيرة، وكان معن نكح بأهله نكاح المقت - ومالك هو ابن أعصر، واسمه مبشر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر الباهلي(24/101)
شهد فتح دمشق، ثم سكن حمص، وكان أول من قتل بها رجلاً من المشركين.
عن أدهم بن محرز، عن أبيه، قال: افتتحنا دمشق سنة أربع عشرة، في رجب لخمس عشرة مضت من الشهر، يوم الأحد لثلاثة عشر شهراً من إمارة عمر إلا سبعة أيام.
قال: وكان أهل دمشق بعثوا إلى قيصر وهو بأنطاكية رسولاً: إن العرب قد حصرتنا وصعب علينا، وليس لنا بهم طاقة، وقد قاتلناهم مراراً فعجزنا عنهم. وذكر حديثاً طويلاً في قصة وقعة فحل.
قال خليفة: وفيها - يعني سنة ثمان وسبعين - غزوة محرز بن أبي محرز ارض الروم وفتح أزقلة، فلما قفل أصابهم مطر شديد من وراء درب الحدث، فأصيب فيه ناس كثير.
محرز بن حزيب بن مسعود
ابن عدي بن هذيم بن عدي بن جناب الكلبي رجل من أفاضل أهل الشام، بعثه يزيد بن معاوية من دمشق مع أهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ردهم من دمشق إلى المدينة قيماً على حفظهم.
قال ابن ماكولا: وأما حزيب بضم الحاء المهملة وفتح الزاء زآخره باء معجمة بواحدة، فهو محرز بن حزيب بن مسعود بن عدي بن جناب الكلبي، وهو الذي استنفذ مروان بن الحكم يوم المرج، هو والحراق.(24/102)
محرز بن زريق بن حيان الفزاري
مولى بن فزارة ولي خراج دمشق وتعديلها مع هضاب بن طوق في خلافة المنصور.
محرز بن شهاب بن محرز
ويقال: محيريز بن سفيان بن خالد بن سفر المنقري التميمي كوفي، تابعي، قدم به عذراء مع حجر بن عدي وأصحابه، فقتل بعضهم وأطلق بعضهم، وكان محرز ممن قتل.
قال خليفة: سنة إحدى وخمسين فيها قتل معاوية حجر بن عدي ومن معه محرز بن شهاب.
وذكر غيره: إن ذلك سنة ثلاث وخمسين.
محرز بن عبد الله
أبو رجاء الشامي. ويقال: مولى هشام بن عبد الملك روى أنه سمع مكحولاً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تكونوا عيابين ولا مداحين ولا طعانين ولا متماوتين ".
هذا مرسل.(24/103)
محرز بن عبد الله بن محرز
ابن زريق بن حيان الفزاري، المازني، مولاهم حكى عن أبيه وفاة جده.
قال أبو زرعة: حدثني محرز بن عبد الله بن محرز، عن أبيه، قال: توفي زريق بن حيان الفزاري بنيقية، بأرض الروم، في إمارة يزيد بن عبد الملك، من سهم أصابه، وهو ابن ثمانين سنة.
محرز بن عبد الله محرز
أبو القاسم التنيسي الشيخ الصالح. سمع بدمشق وبالمصيصة وبالرملة وبطبرية.
روى عن عبد الملك أحمد بن إبراهيم بن محمد القرشي، بسنده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قالت المرأة لزوجها: ما رأيت منك خيراً قط، فقد حبط عملها ".
محرز بن محمد بن مروان
ويقال: ابن محمد بن عبد الملك، أبو مروان البعلبكي روى عن سويد بن عبد العزيز، بسنده إلى أبي موسى الأشعري، قال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " إن بين يدي الساعة الهرج " قلنا:(24/104)
وما الهرج؟ قال: الكرب أو القتل، قال: وما نراه إلا قتل الكفار، فقلنا: يا رسول الله، أكثر مما نقتل من الكفار؟ نقتل في المكان الواحد كذا وكذا، وفي المكان الواحد كذا وكذا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هو قتل الكفار، ولكن قتل الأمة بعضها بعضاً، حتى إن الرجل يلقاه أخوه فيقتله " قلنا: ومعنا يومئذ عقولنا؟ فقال: " تنتزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلق لها هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء ".
محرز بن مدرك الغساني
شاعر من أهل دمشق، ممن شهد فتنة أبي الهيذام.
ذكر له محمد بن عبد الله الوراق أشعاراً، فيما أفاده بعض أهل دمشق عن أبيه، عن جده، وأهل بيته من المزنيين. فمما ذكر من شعره: " من الطويل "
سأسقي أبا الهيذام كأساً من الردى ... يظل إذا ما ذاقها وهو نائم
جمعت لنا أوباش كل قبيلة ... وأنباط حوران وجاء المسالم
فلا تعجلن وارقب جياداً كأنها ... سراحين تعلوها الليوث الضراغم
فنحن قتلنا فارسيك كليهما ... فقامت على بور وزر المآثم
قتلنا لكم بوراً وزر بن حاتم ... بمسقط داريا وأنفك راغم
قال: وقال محرز بن مدرك أيضاً في قتل وريزة بن سماك العبسي، وفي قتل أهل اليمن بور بن كامل القيسي: " من الطويل "
لئن كان ذاك الحيف عن غير ضربة ... ولا طعنة منهم ولا سهم ناضل
لقد خرقت أسيافنا ورماحنا ... فأثرن بالأوصال بور بن كامل
حملنا عليه حملة يمنية ... عركناه فيها تحتنا بالكلاكل
متى ادع في غسان تلجم جيادها ... يقولون لي لبيك رام وشاول(24/105)
فلسنا بأنكاس إذا الحرب شمرت ... ولا نحن فيها باللئام التنابل
بأسيافنا الائي شهدن حليفه ... ذوات الفلول المخلصات المناصل
نصرنا بها الإسلام من كل فاجر ... جحود عنود من جميع القبائل
وقال محرز بن مدرك الغساني يرثي وريزة بن سماك العبسي: " من الطويل "
لقد فجعت أسياف قيس بفارس ... ضروب بنصل السيف محض الخلائق
وريزة أعني ذا الوفا وذا الندى ... وعصمة قحطان غداة البوائق
فجعت به كالبدر لا واهن الوى ... حمول لما يوهي فروغ العواتق
وأي فتى دنيا وأي أخي ندى ... وأي ابن عم كان عند الحقائق
سليل ملوك في ذؤابة مذحج ... وفي الأشعريين الكرام البطارق
سأبكي أبا يحيى وريزة ما دعى ... حمام يبكي إلفه كل شارق
المحسن بن أحمد
أبو الفتح الشاعر يقال: إنه كان إسكافياً، مدح ابن رزقون.
المحسن بن الحسين بن القاضي
أبي عبد الله محمد بن الحسين أبو طالب الحسيني، المعروف بابن النصيبي تولى القضاء بأطرابلس، وكان له أدب وعقل.
بلغني أن أبا طالب المحسن بن الحسين توفي يوم الخميس بعد العصر الثامن والعشرين من المحرم سنة خمسين وأربعمئة.(24/106)
المحسن بن خليل
أبو الطيب القاضي روى عن سليمان بن محمد بن مسلم الخزاعي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم؛ رجل باع رجلاً مرابحه وكذبه، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر، ورجل منع فضل ماء عن أهل الطريق ".
المحسن بن سليمان بن محمد بن الحسن
ابن أبي مكرم أبو البركات الفارسي، البعلبكي، المؤدب قدم دمشق سنة خمس وثمانين وأربعمئة، وسمع بها.
أنشدنا أبو الكرم وهب بن المحسن بدمشق، أنشدني أبي لنفسه، وقد عوتب في انتقاله عن بعلبك: " من البسيط "
رحل قلوصك عن أرض ظلمت بها ... وجانب الذل إن الذل يجتنب
وارحل إذا كانت الأوطان شاسعة ... فالمندل الرطب في أوطانه حطب
وله، وكتب بها إلى أبي القاسم ابن مسعود: " من البسيط "
قال ابن عمشون قولاً لا أصدقه ... وظن ذو الجهل ظناً لا أحققه
قالوا بأنك لا تأتي إلى بلد ... طوارق الدهر بالآفات تطرقه
كأنه عرض للشر منتصب ... له سهام مدى الأيام ترشقه
أتى به كأسير لا حراك به ... وهل يفر من الأقدار موثقه
وبي من الشوق ما لو أن أيسره ... يلقى على الصخر كان الشوق يفلقه
فإن تزر تطف ناراً في جوانحه ... وإن بعدت فحر الشوق يحرقه
سألت أبا الكرم وهب بن المحسن عن وفاة أبيه، فقال: في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمئة بدمشق، ودفن في مقبرة الحميريين.(24/107)
المحسن بن طاهر بن المحسن بن أفلح
أبو الفضل الفقيه، المقرئ، المالكي، الطرسوسي، الحساب، الحريري قرأ القرآن العظيم بحرف ابن عامر، وبحرف عاصم والكسائي، وحدث.
روى عن عبد الرحمن بن عثمان الشاهد، بسنده إلى ابن مسعود، قال: سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوسوسة، قال: " ذاك محض الإيمان ".
قال محمد بن صابر: سألت الكتاني: توفي يوم السبت الثامن عشر من ذي الحجة سنة ستين وأربعمئة، ودفن من الغد، وكان قد حدث بشيء يسير، رحمه الله.
المحسن بن عبد الله بن محمد
ابن عمرو بن سعيد بن محمد بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم بن الساطع وهو النعمان بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله وهو تنوخ بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير أبو القاسم التنوخي، المعري، الحنيفي، القاضي ولد يوم الأحد لثمان وعشرين ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلاثمئة، حدوث، وروى عنه، وقدم دمشق مجتازاً إلى الحج سنة تسع عشرة وأربعمئة، فأدركه أجله في الطريق، فمات بوادي مر ليلة الأربعاء لعشرين ليلة خلت من(24/108)
ذي القعدة من السنة؛ وحمل إلى مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفن بالبقيع؛ وله مصنفات ووصايا، وأشعار؛ فمن شعره ما قرأته بخط بعض ولده مع ذكر له من حسان شعره: " من السريع "
انع إلى من لم يمت نفسه ... فإنه عما قليل يموت
ولا تقل فات فلان فما ... في سائر العالم من لا يفوت
أما ترى الأجداث مملوءة ... لما خلت من ساكنيها البيوت
فاقنع بقوت حسب من لم يكن ... مخلداً في هذه الدار قوت
ولا يكن نطقك إلا بما ... يعنيك أو فالذكر أو فالسكوت
وله أيضاً: " من الطويل "
وكل أداويه على حسب دائه ... سوى حاسدي فهي التي لا أنالها
وكيف يداوي المرء حاسد نعمة ... إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
المحسن بن علي بن الحسين
ابن أحمد بن اسماعيل بن محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر العلوي وأمه خديجة بنت عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن إسماعيل بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
مدحه أبو الفرج الوأواء.
وجده أبو عبد الله الحسين بن أحمد هو الذي سكن دمشق.
ومولده بمدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان لمحسن بدمشق وجاهة ونباهة.(24/109)
قرأت بخط عبد المنعم بن علي بن النحوي: مات أبو جعفر محسن العلوي يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين وثلاثمئة، وصلى عليه الأولى، ودفن في مقبرة إسماعيل العلوي في باب الصغير، رحمه الله.
المحسن بن علي بن سعيد
أبو طاهر الخلاطي، المقرئ من شعره: " من الخفيف "
رب خود عرفت في عرفات ... يلبتني بحسنها حسناتي
حرمت حين أحرمت نوم عيني ... واستباحت دماي بالعبرات
وأفاضت مع الحجيج ففاضت ... من جفوني سوابق العبرات
ثم طافت فطاف بالقلب منها ... حر شوق يزيد في الحسرات
لم أنل من منى النفس لكن ... خفت بالخيف أن تكون وفاتي
المحسن بن علي بن كوجك
أبو عبد الله من أهل الأدب. أملى بصيدا حكايات مقطعة، روى بعضها عن أبي عبد الله بن خالويه.
أملى بصيدا في شهور سنة أربع وتسعين وثلاثمئة: أنشدنا ابن خالويه، أنشدنا ابن مجاهد: " من البسيط "
أفدي الظباء همها السحب ... ترعى الثلوب وفي قلبي لها عشب
أفدي الظباء اللواتي لا قرون لها ... وحليها الدر والياقوت والذهب
فتلك من حسن عينيها وهبت لها ... عيني لو قبلت مني الذي أهب(24/110)
وما أريدهما إلا لرؤيتها ... فإن تناءت فما لي فيهما أرب
يا حسن ما سرقت عيني وما انتبهت ... والعين تسرق أحياناً وتنتهب
إذا يد سرقت فالقطع يلزمها ... والقطع في سرق العينين لا يجب
وأنشد المحسن لبعضهم: " من النسرح "
ودعك الحسن فهو مرتحل ... وانصرف عن جمالك المقل
ومت بعدها أمت وأحيي ... ت وكل الأمور تنتقل
كم قائل لي وقد رأى كلفي ... فيك ووجدي فتاك مكتهل
يرحمك الله يا غلام إذا قا ... ل لك العاشقون يا رجل
قال أبو نصر بن كلاب: وحضرنا معه يوماً في محرس غرق بمدينة صيدا، وفيه قبة فيها مكتوب أسماء من حضرها، وأشعار، من جملتها: " من الخفيف "
رحم الله من دعا لأناس ... نزلوا ها هنا يريدون مصرا
فرقت بينهم صروف الليالي ... فتخلوا عن الأحبة قسرا
فقال له قائل من جماعتنا: إن المائدة لا تقعد على رجلين، ولا تستقر إلا على ثلاثة، فأجزلنا هذين البيتين بثالث. فأطرق ساعة، ثم قال: اكتبوا:
نزلوا والثياب بيض فلما ... أزف البين صرن بالدمع حمرا
قال أبو نصر بن طلاب: كان بين الأستاذ وبين رجل كاتب لبني نزال إحن وبلاغات مستهجنة، أوقعت بينهما العداوة بعد وكيد الصداقة، وكان هذا الرجل يقال له: أبو المنتصر مبارك الكاتب، فهجاه الأستاذ بأشعار كثيرة، وجمعها في جزء، وكتب على ظهر الجزء شعراً له، وهو: " من المنسرح "(24/111)
هذا جزاء صديق ... لم يرع حق الصداقة
سعى على دم حر ... محرم فأراقه
قال: وأنشدنا لنفسه فيه أيضاً: " من المتقارب "
مبارك بورك في الطول لك ... فأصبحت أطول من في الفلك
ولولا انحناؤك نلت السما ... ء ولكن ربك ما عدلك
المحسن بن علي بن يوسف
أبو الفضل، المعروف بابن السويسة قال ابن صابر: كان رجلاً ديناً.
مات في يوم الإثنين ودفن يوم الخميس السادس عشر من شهر ربيع الأول، من سنة اثنتين وثمانين وأربعمئة.
وسألته عن مولده، فقال: ولدت في سنة عشر وأربعمئة.
لم يكن الحديث من شأنه.
المحسن بن محمد العباس بن الحسن
ابن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب أبو تراب بن أبي طالب الحسيني. المعروف بابن أبي الحسن نقيب الطالبين بدمشق، وولي القضاء بها بعد أخيه لأمه فخر الدولة أبي يعلى حمزة بن الحسن، نيابة عن أبي محمد القاسم بن عبد العزيز بن محمد بن النعمان، قاضي القضاة، الملقب بالمنتصر.(24/112)
وكان أبوه طالب حافظاً للقرآن.
روى عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي، بسنده إلى أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفضل شيء في الميزان الخلق الحسن ".
عن عبد العزيز الكتاني، قال: وفيها - يعني سنة ست وثلاثين وأربعمئة - توفي القاضي الشريف أبو تراب
المحسن بن محمد الحسيني.
قال غيره: في رجب.
المحسن بن محمد
أبو علي الحسيني
المحسن بن المحسن بن محمد بن جمهور
أبو الرضا الأنصاري، الفراء، المعدل كان مستوراً في أول أمره، وصلى بالناس إماماً في جامع دمشق في ولاية المصريين، ثم خلط في آخر أمره، وتولى الأوقاف، وعمارة الأملاك السلطانية، وفعل في ذلك ما أدى إلى الإضرار بارتفاع الوقف، وطمع الجند فيه.
حكى عن أبي عمرو عثمان بن أبي بكر السفاقسي، بسنده إلى أبي جعفر أحمد بن محمد، قال:
كان غلام من الصيارفة يختلف إلى أحمد بن حنبل، فناوله يوماً درهمين، فقال: اشتر بهما كاغداً، فخرج الغلام، واشترى له، وجعل في جوف الكاغد خمسمئة دينار، وسده؛ فوضع بين يديه، فلما أن فتحه تناثرت الدنانير، فردها في مكانها، وسأل الغلام حتى دل عليه، فوضع بين يديه؛ فتبعه الفتى وهو يقول: الكاغد اشتريته بدراهمك خذه؛ فأبى أن يأخذ الكاغد أيضاً.(24/113)
ذكر أبو محمد بن صابر، قال: توفي شيخنا أبو الرضا ليلة الأرببعاء السابع والعشرين من رجب سنة إحدى وتسعين وأربعمئة.
محفز
ويقال: محفز بن ثعلبة بن مرة بن خالد بن عامر بن قنان بن عمرو بن قيس بن الحارث بن مالك بن عبيد بن خزيمة بن لؤي بن غالب بن فهر العائذي، القرشي وفد على يزيد بن معاوية.
عن الغاز بن ربيعة الجرشي، من حمير، قال: والله إنا لعند يزيد بن معاوية - فذكر حديثاً - وقال: قال: ثم إن عبيد الله بن زياد أمر بنساء الحسين وصبيانه فجهزوا، وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه، ثم سرح بهم مع محفز بن ثعلبة العائذي، من عائذة قريش، ومع شمر بن ذي الجوشن، فانطلقوا بهم حتى قدموا على يزيد، ولم يكن علي بن الحسين يكلم أحداً منهم كلمة حتى بلغوا، فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفز بن ثعلبة صوته فقال: هذا محفز بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة!! قال: فأجابه يزيد بن معاوية: ما ولدت أم محفز شر وألأم.
محفن الضبي
قيل: إنه وفد على معاوية.(24/114)
محفوظ بن الحسن بن محمد
ابن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى أبو بركات التغلي من ذوي البيوتات.
روى - قراءة عليه في داره بباب توما - عن أبي القاسم نصر بن أحمد الهمذاني المؤدب، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن أهل النار -: " فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يكون الدم، حتى ترى وجوههم كهيئة الأخدود، ولو أرسلت فيها السفن لجرت ".
سألت أبا البركات عن مولده، فقال: لا أحقه، غير أنه كان ليي عند موت أبي سنتان، ومات أبي بعد خروج ابن منزو من دمشق بأيام؛ فكأن مولده كان نحو سنة خمس وستين وأربعمئة.
وتوفي ليلة السبت، ودفن يوم السبت الثالث من ذي الحجة سنة خمس وأربعين وخمسمئة.
ودفن في مقبرة باب توما، وشهدت الصلاة عليه ودفنه، رحمه الله.
محفوظ بن سلطان بن المتوج بعبد الباقي
أبو الوفا النجار روى عن سهل بن بشر، بسنده إلى ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصطنع خاتماً من ذهب، وكان يلبسه ويجعل فصه في باطن كفه، فصنع الناس، ثم جلس على المنبر، فنزعه، وقال: " إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل " فرمى به، وقال: " والله لا ألبسه أبداً " فنبذ الناس خواتيمهم.
مات أبو الوفا في رجب سنة تسع وأربعين وخمسمئة.(24/115)
محفوظ بن يعلى
روى عن أبي الجماهر، عن سعيد، عن قتادة، قال: قال موسى: رب أي عبادك أحب إليك؟ قال: عبد مؤمن في صورة حسنة. قال: فأيهم أبغض إليك؟ قال: عبد فاجر في صورة حسنة.
محمود بن إبراهيم بن محمد
ابن عيسى بن القاسم بن سميع الدمشقي أبو الحسن القرشي، الحافظ، صاحب الطبقات روى عن أبي صالح الفراء، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حذف السلام سنة ".
قال أبو حاتم: ما رأيت بدمشق أكيس منه. وسئل عنه، فقال: صدوق.
قال عمرو بن دحيم: مات بدمشق يوم الجمعة انسلاخ جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين ومئتين.
محمود بن بوري بن طغتكين أتابك
أبو القاسم بن أبي سعيد، الملقب شهاب الدين ولي إمرة دمشق بعد مقتل أخيه إسماعيل الملقب بشمس الملوك، وكانت أمه المعروفة بزمرد خاتون الغالبة على أمره والمدبرة له إلى أن تزوجها أتابك زنكي بن قسيم الدولة(24/116)
وخرجت إلى حلب، فكان المدبر له بعد خروجها أنر المعروف بمعين الدين أحد مماليك جده طغتكين.
وابتداء ولايته في شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وخمسمئة، وكانت الأمور في أيامه تجري على استقامة إلى أن وثب عليه جماعة من خدمه في ليلة الجمعة ثالث وعشرين أو رابع وعشرين من شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمسمئة، فقتلوه؛ وكتب إلى أخيه محمد بن بوري صاحب بعلبك، فقدم آخر نهار يوم الجمعة، وتسلم القلعة والبلد ولم ينازعه أحد.
محمود بن الحارث السراج
محمود بن الحسن بن محمد
أبو الحسن التركي
محمود بن الحسين
أبو نصر، الشاعر المعروف بكشاجم دخل دمشق وساحلها، وذكر دير مران في شعره.
قال الشمشاطي: وأنشدنا الصولي للحسين بن الضحاك، ويروى لكشاجم: " من مخلع البسيط "
داو خماري بكأس خمر ... وأحي سكر الهوى بسكر
وروق المزج ثوب در ... وشعشع الراح ثوب تبر
مدامة عتقت فجاءت ... كلمع برق وضوء فجر
رقت فكانت كمثل ديني ... ومثل دمعي ومثل شعري(24/117)
لا تفن عمر الزمان إلا ... ما بين قلاية وعمر
يا دير مران كم غزال ... فيك وكم جنة ونهر
وكم تطربت مستهاماً ... إليك إذ عيل عنك صبري
وفي يميني شمول شمس ... وفي شمالي يمين بدر
جلت أكف الرياح ليلاً ... بروضة خيط كل قطر
ثم تجلت ضحى فأبدت ... عرائساً في حلي زهر
فالورد والطل في رباه ... ما بين نظم وبين نثر
كالدمع قد حاز في خدود ... حمر ووردية وصفر
أحسن من يوم مهرجان ... ويوم أضحى ويوم فطر
أتبعت إثم الهوى بإثم ... فيه ووزر الصبا بوزر
بين شقيق صقيل خد ... وأقحوان نقي ثغر
ومن دلال إذا تثنى ... رأيت عذراً ببنت خدر
يدير ألحانه بحذق ... لنا وألحاظه بسحر
فلست آبى ولو سقوني ... على أغانيه نيل مصر
فاترك علي المدام غماً ... يضيق عنه وسيع صدري
إن هي إلا نجوم سعد ... على بروج الأكف تجري
وله: " من الكامل "
يا كامل الأدوات فرداً في العلى ... والمكرمات ويا كثير الحاسد
شخص الأنام إلى جمالك فاستعذ ... من شر أعينهم بعيب واحد
وله: " من الطويل "
يقولون تب والكأس في يد أغيد ... وصوت المثاني والمثالث عالي
فقلت لهم لو كنت أضمرت توبة ... وأبصرت هذا كله لبدا لي(24/118)
محمود بن خالد بن يزيد
أبو علي السلمي روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى عبادة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تعار من الليل، فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ثم قال: رب اغفر لي، غفر له، أو قال: دعا، فاستجيب له ".
قال النسائي في أسماء شيوخه الذين روى عنهم: محمود بن خالد، دمشقي، ثقة.
زاد غيره: مأمون.
سأل أبو سليمان الداراني عن محمود بن خالد، فقالوا له: هو الضيعة. فقال لهم: قولوا له: اترك صغير الدنيا، فإنه يجر إلى كبيرها.
قال أبو زرعة: حدثني محمود بن خالد قال: ولدت في شهر رمضان سنة ست وسبعين ومئة.
ومات في شوال سنة تسع وأربعين ومئتين.
وهكذا قال عمرو بن دحيم، وقال: توفي يوم الأربعاء، النصف من شوال.
وقيل سنة سبع وأربعين ومئتين.
قال أبو سليمان: وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. والله تعالى أعلم.(24/119)
محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو
ابن زيد بن عبده بن عامر بن عدي بن كعب ابن الخزرج بن الحارث الحارثي ويقال: أبو محمد، وأبو نعيم الأنصاري. وأمه جميلة بنت أبي صعصعة بن زيد بن عوف بن مبذول، من بني مازن بن النجار.
رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ واجتاز بدمشق غازياً إلى القسطنطينية.
عن الزهري، عن محمود بن الربيع، وكان يزعم أنه عقل عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن خمس سنين، وزعم أنه قد عقل مجة مجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجهه من دلو معلقة في دراهم.
روى عن عبادة بن الصامت، قال: أخوف ما أخاف على هذه الأمة الشرك والشهوة الخفية.
قال أبو زرعة ختن عبادة: نزل بيت المقدس.
عن يحيى بن معين أنه قال: محمود بن الربيع ثقة.
وقال أبو مسهر: وكان بها - يعني فلسطين - من التابعين: محمود بن الربيع، وكان ختن شداد بن أوس، وكان رأس من بها من التابعين.
وقال العجلي: مدني، تابعي، ثقة، من كبار التابعين.
مات سنة تسع وتسعين، وهو ابن ثلاث وتسعين.(24/120)
محمود بن زنكي بن آق سنقر.
أبو القاسم بن أبي سعيد قسيم الدولة، التركي، الملك العادل نور الدين وناصر أمير المؤمنين كان جده آق سنقر قد ولاه السلطان أبو الفتح ملكشاه بن ألب أرسلان حلب، وولى غيرها من بلاد الشام، ونشأ أبوه قسيم الدولة بعده بالعراق، وندبه السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان برأي الخليفة المسترشد بالله أمير المؤمنين لولاية ديار الموصل والبلاد الشامية بعد قتل آق سنقر البرسقي وموت ابنه مسعود، فظهرت شهامته في مقاتلة العدو - خذله الله - وثبوته عند ظهور متملك الروم ونزوله على شيزر حتى رجع إلى بلاده خائباً.
وحاصر أبوه قسيم الدولة بدمشق مرتين فلم يتيسر له فتحها، وفتح الرها والمعرة وكفر طاب وغيرها من الحصون الشامية، واستنفذها من أيدي الكفار، فلما انقضى أجله - رحمه الله - قام ابنه نور الدين - أعزه الله - مقامه في ولاية الإسلام.
ومولده على ما ذكر كاتبه أبو اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي المعري وقت طلوع الشمس من يوم الأحد سابع عشر من شوال سنة إحدى عشرة وخمسمئة؛ ولما راهق لزم خدمة والده إلى أن انتهت مدته ليلة الأحد السادس من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمسمئة على قلعة جعبر، وكان محاصراً لها، ونقل تابوته إلى مشهد الرقة فدفن بها.(24/121)
وسير صبيحة الأحد الملك ألب ارسلان بن السلطان محمود بن محمد إلى الموصل مع جماعة من أكابر دولة أبيه، وقال لهم: إن وصل أخي سيف الدين غازي إلى الموصل فهي له، وأنتم في خدمته؛ وإن تأخر فأنا أقرر أمور الشام، وأتوجه إليكم.
ثم قصد حلب ودخل قلعتها المحروسة على أسعد طائر وأيمن بركة، يوم الاثنين سابع ربيع الآخر، ورتب في القلعة والمدينة النواب، وأنعم على الأمراء وخلع عليهم، وكان أبن جوسلين قد عمل على أخذ الرها، وحصل في البلد، فوجه إليه الأمراء دولته حتى استنقذها منه وخرج هارباً.
ولما استتبت له الأمر ظهر منه بذل الاجتهاد في القيام بأمر الجهاد. والقمع لأهل الكفر والعناد، والقيام بمصالح العباد، وخرج غازياً في أعمال تل باشر، فافتتح حصوناً كثيرة، وافتتح قلعة أفامية، وحصن البارة، وقلعة الراوندان، وقلعة تل خالد، وحصن كفر لاثا، وحصن يسرفوث بجبل بني عليم، وقلعة عزار، وتل باشر، ودلوك، ومرعش، وقلعة عين تاب، ونهر الحوز، وغير ذلك.
وغزا حصن إنب فقصده الإبرنس متملك أنطاكية، وكان من أبطال العدو(24/122)
وشياطينهم، فرحل عنها، ولقيه دونها فكسره وقتله وثلاثة آلاف فرنجي كانوا معه، وبقي ابنه صغيراً مع أمه بأنطاكية، وتزوجت بإبرنس آخر، فخرج نور الدين في بعض غزواته فأسر الإبرنس الثاني، وتملك أنطاكية ابن الإبرنس الأول وهو بيمنت ووقع في أسره في نوبة حارم، وباعه نفسه بمال عظيم أنفقه في الجهاد.
وأظهر بحلب السنة حتى أقام شعار الدين، وغير البدعة التي كانت لهم في التأذين، وقمع بها الرافضة المبتدعة، ونشر فيها مذاهب أهل السنة الأربعة. وأسقط عنهم جميع المؤن، ومنعهم من التوثب في الفتن، وبنى بها المدارس ووقف الأوقاف، وأظهر فيها العدل والإنصاف.
وقد كان صالح المعين الذي كان بدمشق وصاهره، واجتمعت كلمتهما على العدو لما وازره، وحاصر دمشق مرتين فلم يتيسر له فتحها، ثم قصدها الثالثة فتم له صلحها، وسلم أهلها إليه البلد لغلاء الأسعار، والخوف من استعلاء كلمة الكفار؛ فضبط أمورها، وحصن سورها؛ وبنى بها المدارس والمساجد، وأفاض على أهلها الفوائد، وأصلح طرقها، ووسع أسواقها، وأدر الله على رعيته ببركته أرزاقها، وبطل منها الأنزال، ورفع عن أهلها الأثقال، ومنع ما كان يؤخذ منهم من المغارم كدار بطيخ وسوق البقل، وضمان النهر والكيالة، ونهى عن شربه، وعاقب عليه بإقامة الحد والحبس، واستنقذ من العدو - خذلهم الله - ثغر بانياس، وغيره من المعاقل المنيعة كالمنيطرة وغيرها بعد الإياس.
وبلغني أنه في الحرب رابط الجأش ثابت القدم، شديد الانكماش، حسن الرمي بالسهام، صليب الضرب عند ضيق المقام، يقدم أصحابه عند الكرة، ويحمي منهزمهم عند الفرة، ويتعرض بجهده للشهادة لما يرجو بها من كمال السعادة.
ولقد حكى عنه بعض من خدمه مدة، ووازره على فعل الخير، أنه سمعه يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير، فالله يقي مهجته في الأسواء، ويحسن له(24/123)
الظفر بجميع الأعداء؛ فلقد أحسن إلى العلماء وأكرمهم، وقرب المتدينين واحترمهم، وتوخى العدل في الأحكام والقضايا، وألان كنفه وأظهر رأفته بالرعايا، وبنى في أكثر مملكته آدر العدل، وأحضرها القضاة والفقهاء للفصل، وحضرها بنفسه في أكثر الأوقات، واستمع من المتظلمين الدعاوى والبينات، طلباً للإنصاف والفصل، وحرصاً على إقامة العدل.
وأدر على الضعفاء والأيتام الصدقات، وتعهد ذوي الحاجة من أولي التعفف بالصلات، حتى وقف وقوفاً على المرضى والمجانين، وأقام لهم الأطباء والمعالجين، وكذلك على جماعة العميان، ومعلمي الخط والقرآن، وعلى ساكني الحرمين، ومجاوري المسجدين، وأكرم أمير المدينة الحسين وأحسن إليه، وأجرى عليه الضيافة لما قدم عليه، وجهز معه عسكراً لحفظ المدينة، وقام لهم بما يحتاجون إليه من المؤونة، وأقطع أمير مكة إقطاعاً سنياً، وأعطى كلاً منهما ما يأكله هنياً مرياً.
ورفع عن الحجاج ما كان يؤخذ منهم من المكس، وأقطع أمراء العرب الإقطاعات لئلا يتعرضوا للحجاج بالنحس، وأمر بإكمال سور مدينة الرسول، واستخرج العين التي بأحد وكانت قد دفنتها السيول، ودعي له بالحرمين، واشتهر صيته في الخافقين.
وعمر الربط والخانقاهات والبيمارستانات، وبنى الجسور في الطرق والخانات، ونصب جماعة من المعلمين لتعليم يتامى المسلمين، وأجرى الأرزاق على معلميهم، وعليهم بقدر ما يكفيهم، وكذلك صنع لما ملك سنجار وحران والرها والرقة ومنبج وشيزر وحماة وحمص وبعلبك وصرخد وتدمر، فما من بلد منها إلا وله فيها حسن أثر، وما من أهلها أحد إلا نظر له أحسن نظر.
وحصل الكثير من كتب العلوم ووقفها على طلابها، وأقام عليها الحفظة من نقلتها وطلابها وأربابها، وجدد كثيراً من ذي السبيل، وهدى بجهده إلى سواء السبيل.
وأجهد نفسه في جهاد أعداء الله، وبالغ في حربهم، وتحصل في أسره جماعة من أمراء الفرنج - خذلهم الله - كجلوسلين وابنه، وابن ألفونش، وقومص أطرابلس، وجماعة من ضربهم.(24/124)
وكان متملك الروم قد خرج من قسطنطينية وتوجه إلى الشام طامعاً في تسلم أنطاكية، فشغله عن مرامه الذي رامه بالمراسلة، إلى أن وصل أخوه قطب الدين في جنده من المواصلة، وجمع له الجيوش والعساكر، وأنفق فيهم الأموال والذخائر، فأيس الرومي من بلوغ ما كان يرجو، وتمنى منه المصالحة لعساه ينجو، فاستقر رجوعه إلى بلاده ذاهباً، فرجع من حيث جاء خائباً، ولم يقتل بالشام مع كثرة عسكره مقتلة، ولم يرع من زرع حارم ولا غيرها سنبلة، وحمل إلى بيت مال المسلمين من التحف ما حمل، ولم يبلغ أمله وضل ما عمل.
وغزا معه أخوه قطب الدين في عسكر الموصل وغيرهم من المجاهدين، فكسر الفرنج والروم والأرمن على حارم، وأذاقهم كؤوس المنية بالأسنة والصوارم، فأبادهم حتى لم يفلت منهم غير الشديد الذاهل، وكانت عدتهم ثلاثين ألفاً بين فارس وراجل، ثم نزل على قلعة حارم، فافتتحها وحواها، وأخذ أكبر قرى عمل أنطاكية وسباها، وكان قبل ذلك قد كسرهم بقرب بانياس، وقتل جماعة من أبطالهم، وأسر كثيراً من فرسانهم ورجالهم.
وقد كان شاور السعدي أمير جيوش مصر، وصل إلى جنابه مستجيراً لما عاين الذعر، فأحس جواره وأكرمه، وأظهر بره واحترمه، وبعث معه جيشاً كثيفاً يرده إلى درجته، فقتلوا خصمه ولم يقع منه الوفاء بما قرر من جهته، واستجاش بجيش العدو، طلباً للبقاء في السمو، ثم وجه إليه بعد ذلك جيشاً آخر، فأصر على المسامقة له وكابر، واستنجد بالعدو - خذله الله - فأنجدوه، وضمن لهم الأموال الخطيرة حتى عاضدوه، وانكفأ جيش المسلمين إلى الشام راجعاً، وحدث متملك الفرنج نفسه بملك مصر طامعاً، فتوجه إليها بعد عامين راغباً في انتهاز الفرصة، فأخذ بلبيس وخيم من مصر بالعرصة، فلما بلغه ذلك تدخل جهده في توجيه الجيش إليها وخاف من تسلط عدو الدين عليها، فلما سمع العدو - خذلهم الله - بتوجه جيشه رجعوا خائبين، وأصبح أصحابه بمصر لمن عاندهم غالبين، وأمل أهل أعمالها بحصول جيشه عندهم وانتعشوا، وزال عنهم ما كانوا قد خشوا، واطلع من شاور على المخامرة، وأنه راسل العدو طمعاً منه المظافرة، وأرسل إليهم ليردهم، ليدفع جيش المسلمين بجندهم، فلما خيف من شره ومكره، لما عرف من غدره(24/125)
وختره، وانفتح الأمر في ذلك واستبان، تمارض الأسد ليقتنص الثعلبان، فجاءه قاصداً لعيادته، جارياً في خدمته على عادته، فوثب جورديك وبزغش موليا نور الدين فقتلا شاور، وأراحا العباد والبلاد من شره، وأما شاور فإنه أول من تولى القبض عليه، ومد يده الكريمة إليه بالمكروه، وصفا الأمر لأسد الدين وملك، وخلعت عليه الخلع، وحل واستولى أصحابه على البلاد، وجرت أموره على السداد، وظهر منه حميد السيرة وحسن الآثار، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
وظهرت كلمة أهل السنة بالديار المصرية، وخطب فيها للدولة العباسية بعد اليأس، وأراح الله من بها من الفتنة ورفع عنهم المحنة، فالحمد لله على ما منح، وله الشكر على ما فتح.
ومع ما ذكرت من هذه المناقب كلها، وشرحت من دقها وجلها، فهو حسن الخط والبنان، متأت لمعرفة العلوم بالفهم والبيان، كثير لمطالعتها، مائل إلى نقلها، مواظب حريص على تحصيل كتب الصحاح والسنن، مقتن لها بأوفر الأعواض والثمن، كثير المطالعة للعلوم الدينية، متبع للآثار النبوية، مواظب على الصلوات في الجماعات، مراع لأدائها في الأوقات، مؤد لفروضها ومسنوناتها، معظم لفقدها في جميع حالاتها، عاكف على تلاوة القرآن على ممر الأيام، حريص على فعل الخير من الصدقة والصيام، كثير الدعاء والتسبيح، راغب في صلاة التراويح، عفيف البطن والفرج، مقتصد في الإنفاق والخرج، متحري في المطاعم والمشارب والملابس، متبري من التباهي والتماري والتنافس، عري عن التجبر والتكبر، بريء من التنجم والتطير، مع ما جمع الله له من العقل المتين، والرأي الصويب الرصين، والاقتداء بسيرة السلف الماضين، والتشبه بالعلماء والصالحين، والاقتفاء لسيرة من سلف منهم في حسن سمعتهم، والتباع لهم في حفظ حالهم ووقتهم.
حتى روى حديث المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسمعه، وكان قد استجيز له ممن سمعه وجمعه، حرصاً منه على الخير في نشر السنة والتحديث، ورجا أن يكون ممن حفظ على الأمة أربعين حديثاً كما جاء في الحديث، فمن رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره.(24/126)
ولقد حكى عنه من صحبه في حضره وسفره، أنه لم يكن يسمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في ضجره، وإن أشهى ما إليه كلمة حق يسمعها، أو إرشاد إلى سنة يتبعها.
يحب الصالحين ويؤاخيهم، ويزور مساكنهم لحسن ظنه بهم، فإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم.
ومتى تكررت الشكاية إليه من أحد ولاته، أمر بالكف عن أذى من تكلم بشكاته، فمن لم يرجع منهم إلى العدل، قابله بإسقاط المرتبة والعزل، فلما جمع الله له من شريف الخصال، تيسر له ما يقصده من جميع الأعمال، وسهل على يديه فتح الحصون والقلاع، ومكن له في البلدان والبقاع، حتى ملك حصن شيزر وقلعه دوسر، وهما من أحصن المعاقل والحصون، واحتوى على ما فيها من الذخر المصون، من غير سفك محجمة من دم في طلبهما، ولا قتل أحد من المسلمين بسببهما، وأكثر ما أخذه من البلدان، بتسلمه من أهله بالأمان، ووفى لهم بالعهود والأيمان، فأوصلهم إلى مأمنهم من المكان.
وإذا استشهد أحد من أجناده، حفظه في أهله وأولاده، وأجرى عليهم الجرايات، وولى من كان أهلاً منهم للولايات، وكلما فتح الله عليه فتحاً وزاده ولاية، أسقط عن رعيته قسطاً وزادهم رعاية، حتى ارتفعت عنهم الظلامات والمكوس، واتضعن في جميع ولايته الغرامات والنحوس، ودرت على رعاياه الأرزاق، ونفقت عندهم الأسواق، وحصل بينهم بيمنه الاتفاق، وزال ببركته العناد والشقاق، فإن فتكت شرذمة من الملاعين، فلما علمت منه من الرأفة واللين، ولو خلط لهم شدته بلينه، لخاف سطوته الأسد في عرينه.
فالله يحقن الدماء، ويسكن به الدهماء، ويديم له النعماء، ويبلغ مجده السماء، ويجري الصالحات على يديه، ويجعل منه واقية عليه، فقد ألقى أزمتنا إليه، وأحصى علم حاجتنا إليه.
ومناقبه خطيرة، وممادحه كثيرة، ذكرت منها غيضاً من فيض، وقليلاً من كثير، وقد مدحه جماعة من الشعراء، فأكثروا، ولم يبلغوا وصف آلائه بل قصروا، وهو قليل الابتهاج بالشعر، زيادة في تواضعه لعلو القدر.(24/127)
فالله يديم على الرعية ظله، وينشر فيهم رأفته وعدله، ويبلغه في دينه ودنياه مأموله، ويتم بالسعادة والتوفيق أعماله، فهو بالإجابة جدير، وعلى ما يشاء قدير. واللع أعلم.
محمود بن عبد الرحمن أبي زرعة
ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو النصري روى عن أبي عامر، بسنده إلى مرة بن كعب البهزي، قال: كنت جالساً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يذكر الفتن، فمر رجل مقنع، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا يومئذ ومن كان معه على الحق ".
قال: فقمت، فأخذت بردائه، فلفت وجهه فإذا هو عثمان بن عفان؛ فقلت بوجهه: يا نبي الله، هذا؟ قال: " هذا ".
محمود بن عبد الوهاب بن عبيد
ابن سلام بن رباح أبو علي القرشي، الزملكاني، مولاهم
محمود بن عمرو بن سليمان
ابن عمرو بن حفص بن شليلة أبو بكر وكان جد أبيه عمرو بن حفص بن شليلة محدثاً مشهوراً بدمشق.
قال ابن زبر: مات سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة.(24/128)
محمود بن محمد بن عيسى الأطرابلسي
حدث بأطرابلس.
محمود بن محمد بن الفضل
ابن الصباح بن موسى بن الليث بن أعين بن أربد بن محرز بن لأي ابن سمير بن ضباب بن حجية بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر أبو العباس التميمي، المازني، الرافقي، الأديب روى عن أبي عبد الله أحمد بن أبي غانم، بسنده إلى عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته ".
وعن يزيد بن محمد بن سنان، بسنده إلى صهيب، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ".
وعن عبد الله بن ثابت القاضي، بسنده إلى حمزة الزيات، قال: خرجت إلى الجبانة فإذا براهب قد أقبل من نحو الحيرة، فسلم، ثم قال: أنت حمزة الذي تقرىء الناس غدوة وعشية؟ قلت: نعم. قال: ما أثر فيك القرآن، والله إن الله ليعلم أني أريد أن أقرأ سفراً من الإنجيل منذ عشرين سنة، فإذا علمت أنه نزل من عند الله يكاد قلبي يتصدع، فلا أقدر أن أقرأ، يا حمزة لقد فضلتم على جميع الأمم بحفظكم كتابكم، فلا تطفئ المصباح فيدخل بيتك اللص - قال: لا تقطع الذكر فإنه نور القلب - وكفاك بكلام الله واعظاً.
قال أبو أحمد الحاكم: أبو العباس محمود بن محمد الرافقي، سكن مدينة من مدن الثغر يقال لها: بغراس.(24/129)
محمود بن وحشي بن ضباب
أبو الثناء الحموي المقري شيخ كان يسمع الحديث، وقرأ القرآن بعدة روايات، وكان يؤم في مسجد أمير المؤمنين عمر الذي على درج الجامع، ويواظب على حضور مجلسي في التحديث والإملاء، وكان خيراً مستوراً، وصلى بالناس بالجامع حين مرض إسماعيل البدليسي المرضة التي عزل فيها عن الصلاة، وقدم أبو محمد بن طاوس، وكان يقرئ القرآن في حلقة الكتاني التي تعرف الآن بحلقة ابن طاوس.
توفي أبو الثناء بن ضباب يوم الجمعة، العشرين من جمادى الآخرى سنة اربعين وخمسئة، ودفن من يومه بعد صلاة العصر في مقبرة باب الصغير؛ حضرت دفنه والصلاة عليه.
محمود بن هود بن عمرو
أبو علي البيروتي روي عن عمر بن سعيد بن أحمد، عن حامد بن يحيى البلخي، قال:
كنت بمكة، فبت مغموماً، فرأيت في النوم محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقلت: سمعت أباك يخبر عن جدك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انتظار الفرج من الله عبادة " قال المصنف: ولهذا الحديث الذي ذكر في المنام أصل؛ عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انتظار الفرج من الله عبادة، ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل ".(24/130)
محمود الدمشقي
لم ينسب.
عن محمود الدمشقي، قال: جاء رجل إلى سفيان الثوري فشكى إليه أصابته، فقال له سفيان: ما كان بها أحد أهون عليك مني؟ قال: وكيف ذاك؟ قال: ما وجدت أحداً تشكو إليه غيري؟ قال: إنما أردت أن تدعو لي. فقال له سفيان: أمدبر أنت أم مدبر؟ قال: مدبر. قال: فارض بما يريدك.
محمية بن زنيم
بريد عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح بوفاة أبي بكر وتأميره أبا عبيدة، وعزل خالد.
وفد عليه وهو باليرموك على ما قال سيف.
وذكر غيره أن وروده عليهم وهم على حصار دمشق قبل وقعة اليرموك، وهو الصحيح.
عن خالد وعبادة، قالا: قدم البريد من المدينة فأخذته الخيول - يعني باليرموك - وسألوه عن الخبر، فلم يخبرهم إلا بسلامة، وأخبرهم عن أمداد، وإنما جاء بموت أبي بكر وتأمير أبي عبيدة، فابلغوه خالداً، فأخبره خبر أبي بكر رضي الله عنه، أسره إليه، وأخبره بالذي أخبر به الجند، فقال: أحسنت فقف؛ وأخذ الكتاب فجعله في كنانته، وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر له أمور الجند، فوقف محمية بن زنيم مع خالد وهو الرسول.(24/131)
مخالرق بن الحارث الزبيدي الأزدي
كان مع معاوية بصفين أميراً يومئذ على مذحج الأردن، وكان ممن شهد في صحيفة اصطلاحه مع علي على التحكيم.
مخارق بن الصباح الكلاعي
كان في صحابة معاوية الذين شهدوا معه صفين، وكان صاحب لوائه.
مخارق بن ميسرة بن حجير الطائي
ولي غازية البحر لعمر بن عبد العزيز.
روي عن عمرو بن خير الشعباني قال: كنت محاضراً كعب الأحبار على جبل دير المران، فنشر علي أربع أصابع من أصابع يده، فقال: ويل لأربع قريات من الغوطة: داريا والمزة وبيت لهيا وبيت الآبار، ولتفتننالفتن قبائل من قبائل العرب حتى لا تدعى لها داعية: عك وسلامان وخشين وشعبان؛ فسألته عن سلامان، فقال: هو سلامان بن عريب بن زهير بن أيمن. وزعم أبو معبد أنهم انقرضوا من دمشق. وخشين بن قطن بن عريب كانوا في الأوصاب فانقرضوا.
مخارق الكلبي
كان فيمن وجهه يزيد إلى أهل المدينة مع مسرف بن عقبة المري، واستعمله مسرف على ميسرة جيشه.(24/132)
مخارق بن يحيى ين ناووس الجزار
مولى الرشيد أبو المهنا، المطرب قدم دمشق مع المأمون.
حدث مخارق، قال: خدمت إبراهيم الموصلي حيناً، لا يزيدني على قباء وسراويل، فقلت له يوماً: قد بلغت من هذه الصناعة ما يناله مثلي، وقد رايتك تصف السلطان وأتباعه من هو دوني، فإن كنت قد أديت لك ما يحب لك علي فانظر لي. فقال: إذا قعد أمير المؤمنين وصفتك له. فحضر مجلس الرشيد فوصفني له، فأمر بإحضاري؛ فلما انصرف قال لي: قد ذكرتك له.
قال: ثم دعا بثياب فقطع لي، ودفع إلي منطقة، ومضيت معه؛ فلما دخلنا مجلس الخليفة، وكان إذا جلس قعد على سرير وضرب بينه وبينهم ستارة، فإذا طرب دعا من يريد فأدخله وراء الستارة فأقعده معه؛ فلما أخذ المغنون والندماء مجالسهم قال لابن جامع: يا بن جامع، ما صنعت لي من الغناء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قد صنعت صوتاً ما صنع أحد مثله وما سمعه مني أحد. قال: فاندفع يغني: من البسيط
أما القطاة فإني سوف أنعتها ... نعتاً يوافق نعتي بعض ما فيها
قال مخارق: فأعجب به - والله - إعجاباً شديداً، وأنا واقف على باب البيت، ورأيت إبراهيم قد استرخت يداه مما دخل قلبه من الزمع، وكان - والله - هذا الصوت مما يدور في حلقي وطبعي، فتمنيت أن يعيده. فقال له هارون: أعده؛ فأعاده، فأخذته. فقلت: إن أعاده الثالثة استوى لي، وكنت أحدق به منه؛ فاستعاده ثالثة ورابعة، وما استتم الرابعة حتى سقط العود من يد إبراهيم، وحانت منه التفاتة، فنظر إلي، فأومأت(24/133)
إليه: أي مالك؟ أنا والله أحذق به منه؛ فأسر إلي: ويحك، إنه أمير المؤمنين، وإن لم تحسنه فهو السيف. فأشرت إليه: أن قل له ولا تخف.
فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، هذا غلامي الذي وصفته لك أحسن غناء له منه. فغضب ابن جامع، وقال: والله يا أمير المؤمنين ولا يحذقه في سنة. فقال أمير المؤمنين: دعاني من اختلافكما، قل للغلام: ليغنه إن كان يحسنه. فاندفعت، فما مررت في مصراع من البيت حتى قطع الستارة، وقال: ها هنا ها هنا يا غلام؛ فدنوت منه حتى وقفت بين يدي السرير، فقال: اصعد. فأقعدني تحته، فغنيت الصوت مراراً، وتهلل وجه إبراهيم. وضرب أحسن ضرب وأطربه، ثم قال الرشيد: بحياتي، هل سمعته قبل يومك هذا؟ قلت: لا والله يا أمير المؤمنين. قال: يا مسرور، هات ثلاثين ألف درهم، وثلاثة مناديل في كل منديل عشرة أثواب من خز ووشي وملحم، وغير ذلك، وحملني على ثلاثة دواب، وأعطاني ثلاثة غلمان، وأجرى علي ثلاثة آلاف درهم في كل شهر؛ فلم تزل جارية لي حتى قدم المأمون فأضعفها، فهذا أول مال اكتسبته.
قال مخارق: وكناني الرشيد أبا المهنا، وكان سبب تكنيته لي بأبا المهنا أنه رفع الستارة ذات يوم فقال: أيكم يغني هذا الصوت: " من البسيط "
يا ربع سلمى لقد هيجت لي حزناً ... زدت الفؤاد على علاته نصبا
فقلت: أنا. فقال: غنه. فغنيته، فقال: علي بهرثمة. فجزع كل واحد منا، وقلنا؛ ما معنى هرثمة بعقب هذا الصوت. فجاء هرثمة يجر سيفه، فقال له الرشيد: ما كانت كنيته مخارق الشاري الذي قتلناه قريباً؟ قال هرثمة: كنيته أبو المثنى. فقال له الرشيد: انصرف، وأقبل الرشيد فقال: قد كنيتك يا مخارق أبا المهنا لإحسانك في هذا الصوت. وأمر بإحضار مئة ألف درهم. فوضعت بين يدي. وقال: أعد؛ فأعدته، وانصرفت بالكنية وبمئة ألف درهم.(24/134)
قال أبو حشيشة: أول من سمعني من الخلفاء المأمون، وهو بدمشق، وصفني له مخارق، فأمر بإشخاصي إليه، وأمر لي بخمسة آلاف درهم أتجهز بها، فلما وصلت إليه أدناني وأعجب بي، وقال للمعتصم: هذا ابن من خدمك وخدم آبائك وأجدادك يا أبا إسحاق، كان جد هذا أمية كاتب جدك المهدي على كتابة السر وبيت المال والخاتم، وحج المهدي أربع حجج وكان جد هذا زميله فيها؛ واشتهى المأمون من غناي: " من الرمل "
كان ينهى فنهى حين انتهى ... وانجلت عنه غيابات الصبا
خلع اللهو وأضحى مسبلاً ... للنهى فضل قميص وردا
كيف يرجو البيض من أوله ... في عيون البيض شيب وجلا
كان كحلاً لماقيها فقد ... صار بالشيب لعينييها قذى
الشعر لدعبل.
قال أبو حشيشة: وكان مخارق قد نهاني أن أغني ما فيه ذكر الشيب من هذا الشعر.
عن حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قال: قال مخارق: أنشدت المأمون قول أبي العتاهية: " من الطويل "
وإني لمحتاج إلى ظل صاحب ... يرق ويصفو إن كدرت عليه
فقال لي: أعد، فأعدت سبع مرات، فقال لي: يا مخارق خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب، لله در أبي العتاهية ما أحسن ما قال!(24/135)
حدث مخارق، قال: بينا أنا عند المأمون ذات يوم إذ قام فدخل إلى حرمه، وخرج وعيناه تذرفان، فقال: يا مخارق غن بهذين البيتين: " من الطويل "
وما استطعت توديعاً له بسوى البكا ... وذلك جهد المستهام المعذب
سلام على من لم يطف عند بينه ... سلاماً فأومى بالبنان المخضب
فحفظتهما، وتغنيت بهما، فجعل يبكي بكاءً شديداً، ثم قال: أتدري ما قصتي؟ قلت: أمير المؤمنين أعلم. قال: إني دخلت إلى بعض المقاصير فرأيت جارية لي كنت أحبها حباً شديداً، وهي بالموت، فسلمت عليها، فلم تطق رد السلام، فأومت بأصبعها، فغلبتني العبرة، فخرجت من عندها وحضرني أن قلت لك هذين البيتين. فقلت: يطيل الله تعالى عمر أمير المؤمنين، ولا يفجعه بأحبته، ويبقيي له من يحب بقاءه، فما هو شيء يفتدى، وأمير المؤمنين يفديه جميع عبيده.
عن أحمد بن محمد الطوسي، عن أبيه، قال: سمعت مخارقاً المغني قال: طفلت تطفيلة قامت على أمير المؤمنين المعتصم بمئة ألف درهم. فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: سهرت مع المعتصم ليلة إلى الصبح، فلما أصبحنا قلت له: يا سيدي، إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي فأخرج فأتنسم في الرصافة إلى وقت يشاء أمير المؤمنين. فأمر البوابين فتركوني.
قال: فجعلت أمشي في الرصافة، فبينا أنا أمشي إذ نظرت إلى جارية كأن الشمس تطلع من وجهها، فتبعتها، ومعها زبيل مشارب، فوقفت على صاحب فاكهة فاشترت منه سفرجلة بدرهم، وكمثراة بدرهم، وتبعتها، فالتفتت فرأتني خلفها أتبعها، فقالت لي: ياابن الفاعلة - لا تكني - إلى أين؟ قلت: خلفك يا سيدتي. فقالت لي: ارجع يا ابن الفاعلة لا يراك أحد فتقتل. قال: ثم التفتت بعد فنظرت إلي. قال: فشتمتني ضعف ما شتمتني في المرة الأولى، ثم جاءت إلى باب كبير فدخلت فيه.(24/136)
فجلست بحذاء الباب، فذهب عقلي، ونزلت الشمس، وكان يوماً حاراً، فلم ألبث أن جاء فتيان كأنهما صورتان على حمارين مصريين، فأذن لهما فدخلا ودخلت معهما، فظن صاحب المنزل أني جئت مع صديقيه، وظن صديقاه أن صاحب المنزل قد دعاني، وجيء بالطعام وأكلوا وغسلوا أيديهم، ثم قال لهم صاحب المنزل: هل لكم في فلانة؟ قالوا: إن تفضلت: فخرجت تلك الجارية بعينها، وقدامها وصيفة تحمل عوداً لها، فوضعته في حجرها، فغنت فطربوا وشربوا، وقالوا: لمن هذا يا ستنا؟ قالت: لسيدي مخارق. ثم غنت صوتاً آخر فطربوا وازداد طربهم، فقالوا: لمن هذا الصوت يا ستنا؟ فقالت: لسيدي مخارق. ثم غنت الثالث، فطربوا وهي تلاحظني وتشك في، فقالوا: لمن هذا يا ستنا؟ قالت: لسيدي مخارق.
قال: فلم أصبر، فقلت لها: يا جارية شدي يدك، فشدت أوتارها وخرجت عن إيقاعها الذي تقوى عليه، فدعوت بدواة وقضيب فغنيت الصوت الذي غنته أولاً، فقاموا فقبلوا رأسي.
قال أبي: وكان أحسن الناس صوتاً، وكان يوقع بالقضيب. ثم غنيت الثاني والثالث فجنوا، فكادت عقولهم تذهب، فقالوا: من أنت يا سيدنا؟ قلت: أنا مخارق. قالوا: فما سبب مجيئك؟ فقلت: طفيلي، أصلحكم الله، وخبرتهم خبري.
فقال صاحب البيت لصديقيه: قد تعلمان أني أعطيت بها ثلاثين ألف درهم فأبيت أن أبيعها وأردت الزيادة، وقد نقصت من ثمنها عشرة آلاف درهم. قال صديقاه: علينا عشرون ألفاً؛ وملكوني الجارية.
وقعد المعتصم فطلبني في منازل أبناء القواد فلم أصب، وتغيظ علي، وقعدت عندهم إلى العصر، وخرجت بها، فكلما مررت بموضع شتمتني فيه فقلت لها: يامولاتي أعيدي شتمك علي، فتأبى. فأحلف لتعيدنه. وأخذت بيدها حتى جئت بها إلى باب أمير المؤمنين، فدخلت ويدي في يدها، فلما رآني المعتصم سبني وشتمن، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تعجل علي، وحدثته، فضحك وقال: نكافئهم عنك يامخارق. فأمر لكل رجل منهم بثلاثين ألف درهم، وأمر لي بعشرة آلاف درهم.(24/137)
قال الجاحظ: لم أر كثلاثة رجال يبذون الناس في مذاهبهم، فإذا رأوا ثلاثة رجال انخزلوا وذابوا كما يذوب الرصاص في النار؛ هشام بن محمد السائب الكلبي كان علامه نسابة فإذا رأى الهيثم بن عدي انخزل وانقطع؛ وعلي بن الهيثم كان مفقعانياً صاحب تقعير في الكلام فإذا رأى موسى الضبي انقطع وذهب؛ وعلوية المغني كان مجيداً فيالغناء فإذا رأى مخارقاً سكت وانقطع.
ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد بن القواس الوراق؛ أن مخارقاً مات في شهر ربع الآخر سنة إحدى وثلاثين ومئتين، بسر من رأى.
مختار بن فلفل
مولى عمرو بن حريث القرشي الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز رسولاً من عامله على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن.
عن عبد الله بن إدريس، قال: سمعت مختار بن فلفل، وكان من أرق محدث يحدث، وكان يحدث وعيناه تدمعان، قال: سمعته يذكر عن أنس، قال: قال رجل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خير البررية. قال: " ذاك إبراهيم عليه السلام ".
عن المختار بن فلفل، قال: بعثني عبد الحميد بن عبد الرحمن بفلوس قد ضربها، فيها: أمر الأمير عبد الحميد بالوفاء والعدل. فلما قرأها عمر بن عبد العزيز قال: اكسروا هذه الفلوس، واكتبوا: أمر الله بالوفاء والعدل.
ذكر أبو عبد الله المختار بن فلفل فقال: كوفي، ثقة.(24/138)
مخرمة بن سليمان الوالبي المدني
من بني والبة حي من بني أسد بن خزيمة قدم دمشق غازياً.
روى عن كريب عن عبد الله بن عباس، أنه أخبره؛
أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي خالته، فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله في طولها، فنام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلق، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى.
قال: والله، فقمت فصنعت مثل الذي صنع، فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده اليمنى على رأسي، ثم أخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر واضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح.
عن مخرمة بن سليمان، قال: كنا في سواحل حمص ودمشق حين خرجوا إلينا من الصائفة، وكذلك كانوا يصنعون، إذا حانت طالعتهم خرجنا.
قال محمد ببن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة: مخرمة بن سليمان الوالبي قتلته الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومئة، وكان قليل الحديث. وكذا قال الواقدي في التاريخ، وقال: وهو ابن سبعين سنة.
سئل عنه يحيى بن معين، فقال: مدني، ثقة.(24/139)
مخرمة بن شرحبيل
كان يتأله، وكانت اليمن تطيعه طاعة عظيمة، وقدم دمشق ليكلم يزيد بن معاوية في يزيد بن ربيعة بن مفرغ لما حبسه عباد بن زياد.
مخرمة بن عبد الرحمن الدمشقي
عن إسماعيل بن عبيد الله، عن مخرمة بن عبد الرحمن؛ أنه كان يمكث أربعة أشهر لا يتكلم، فإذا أراد حاجة كتبها.
مخرمة بن نوفل بن أهيب
ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب أبو صفوان، ويقال: أبو المسور، ويقال: أبو الأسود ويقال: أبو مسعود، الزهري، والد المسور بن مخرمة له صحبة، وكان من المؤلفة قلوبهم، قدم دمشق في الجاهلية، وكان في عير قريش التي خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبها، وكانت وقعة بدر بسببها.
حدث عن أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم، وكانت لدة عبد المطلب، قالت: تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع وأرقت العظم، فبينا أنا راقدة - اللهم - أو مهمومة، إذا هاتف يصرخ بصوت صخل يقول: معشر قريش، أن هذا النبي المبعوث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منكم، وقد أظلتكم أيامه، وهذا أوان نجومه، فحي هلا بالحيا والخصب،(24/140)
ألا فانظروا رجلاً منكم وسيطاً عظاماً حساماً أبيض بضاً، أوطف الأهداب، سهل الخدين، أشعر العرنين، له فخر يكظم عليه وسنة تهدى إليه، فليخلص هو وولده، وليهبط إليه من كل بطن رجل، فليسنوا عليهم الماء، وليمسوا من الطيب، ثم ليتسلموا الركن، ثم ليرتقوا أبا قبيس، ثم ليدع الرجل وليؤمن القوم، فغثتم ما شئتم.
فأصبحت - علم الله - مذعورة، قد اقشعر جلدي ووله عقلي، فاقتصصت رؤياي، ونمت في شعاب مكة في الحرمة والحرم، ما بقي بها أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد؛ وتناهت إليه رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فسنوا، ومسوا، واستلموا، ثم ارتقوا أبا قبيس، وطفقوا حوله، ما يبلغ سعيهم مهلة، حتى إذا استوى بذروة الجبل قام عبد المطلب ومعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام قد أيفع أو كرب، فرفع يديه وقال: لاهم ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت معلم غير معلم، ومسؤول غير مبخل، وهذه عبداؤك وإماؤك بغدران حرمك يشكون إليك سنتهم، أذهبت الخف والظلف، فاسمعن اللهم وأمطرن غيثاً مغدقاً مريعاً.
فوالكعبة ما زالوا حتى تفجرت السماء بمائها، واكتظ الوادي بثجيجه؛ فسمعت شيخان قريش وجلتها عبد الله بن جدعان وحرب بن أمية وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك أبا البطحاء، أي عاش بك أهل البطحاء.
وفي ذلك تقول رقيقة: " من البسيط "
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر
فجاد بالماء جوني له سبل ... سحا فعاشت به الأنعام والشجر
منا من الله بالميمون طائرة ... وخير من بشرت يوماً به مضر
مبارك الأمر يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر
عن مخرمة بن نوفل، قال: لما لحقنا بالشام أدركنا رجل من جذام فأخبرنا أن محمداً قد كان عرض لغيرنا في(24/141)
بدأتنا، وأنه تركه مقيماً ينتظر رجعتنا، قد حالف علينا أهل الطريق ووادعهم.
قال مخرمة: فخرجنا خائفين، نخاف الرصد، فتبعنا ضمضم بن عمرو حين فصلنا من الشام.
وكان عمرو بن العاص يحدث يقول: لما كنا بالزرقاء - والزرقاء بالشام ناحية معان من أذرعات على مرحلتين - ونحن منحدرون إلى مكة -، لقينا رجلمن جذام، فقال: قد كان عرض لكم محمد في بدأتكم. فذكر الحديث بطوله.
قال الزبير: وكان مخرمة من مسلمة الفتح، وكان لهسن عالية، وعلم بالنسب، كان يؤخذ عنه النسب.
وقال محمد بن سعد: أسلم مخرمة عند فتح مكة، وكان عالماً بنسب قريش وأحاديثها، وكانت له معرفة بأنصاب الحرم، فكان عمر بن الخطاب يبعثه هو وسعيد بن يربوع أبو هود وحويطب بن عبد العزى وأزهر بن عبد عوف فيجددون أنصاب الحرم لعلمهم بها، وكانوا يبدون في بواديها؛ ثم بعثهم عثمان بن عفان حين ولي الخلافة فجددوا أنصاب الحرم إلا سعيد بن يربوع فإن بصره كان قد ذهب فلم يرسله معهم.
عن المسور بن مخرمة، عن أبيه، قال: لقد أظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإسلام فأسلم أهل مكة كلهم، وذلك قبل أن تفرض الصلاة، حتى إن كان ليقرأ بالسجدة فيسجد ويسجدون، وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام وضيق المكان لكثرة الناس، حتى قدم رؤوس قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل وغيرهما وكانوا بالطائف في أرضهم، فقالوا: تدعون دين آبائكم؛ فكفروا.
عن ابن عباس: أن جبريل أرى إبراهيم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضع أنصاب الحرم، فنصبها، ثم جددها قصي بن كلاب، ثم جددها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(24/142)