خرج المهدي وعلي بن سليمان إلى الصيد ومعهما أبو دلامة، فرمى المهدي ظبياً فشكه، ورمى علي بن سليمان، وهو يريد ظبياً فأصاب كلباً فشكه؛ فضحك المهدي وقال: يا أبا دلامة قل في هذا، فقال: من الرمل
قد رمى المهديّ ظبياً ... شكّ بالسهم فؤاده
وعليّ بن سليما ... ن رمى كلباً فصاده
فهنيئاً لكما كلّ امرئٍ يأكل زاده
فأمر له بثلاثين ألف درهم.
في سنة اثنتين وسبعين ومئة توفي إبراهيم وعلي ابنا سليمان بن علي.
علي بن سليمان بن الفضل
أبو الحسن النحوي، المعروف بالأخفش الصغير البغداي أنشد أبو الحسن: من البسيط
يا ليتني كنت فيمن كان شاهده ... إذ ألبسوه ثياب الفرقة الجددا
وطيّبوه فما ظنّوا بطيبهم ... طيباً لعمرك لم تمدد إليه يدا
حتى إذا صيّروه دون صفّهم ... وأمّهم قارئٌ صلّى وما سجدا
قالوا وهم عصبٌ يستغفرون له ... قول الأحبة لا تبعد وقد بعدا
كان إبراهيم بن المدبر طلب من أبي العباس المبرد جليساً يجمع مع مجالسيه يعلم ولده، فندب عليّ بن سليمان، وبعثه إلى مصر، وكتب معه: قد أنفذت إليك فلاناً، وجملة أمره كما قال الشاعر: من الوافر(17/293)
إذا زرت الملوك فإنّ حسبي ... شفيعاً عندهم أن يخبروني
فقدم مصر سنة سبع وثمانين ومئتين، وخرج عنها سنة ثلاث مئة. وتوفي ببغداد سنة خمس عشرة وثلاث مئة.
علي بن سليمان بن كيسان
أبو نوفل الكسائي الكلبي، مولاهم ولد بالكوفة وسكن دمشق.
حدث عن هشام بن حسان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: خدمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين، فلم يقل لشيء فعلته: مالك فعلت كذا وكذا؟ أو لشيء لم أفعله: لم لم تفعل كذا وكذا؟ وحدث عن الأعمش بسنده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " فضل العلم كفضل العبادة، وخير دينكم الورع ".
كان ثقة.
علي بن سهل بن بكر الصيداني
وقيل: الصيدلاني حدث عن محمد بن السري الرملي عن أبيه عن عطاء السلمي قال:
مررت في أزقة الكوفة، فرأيت عليان المجنون على طبيب يضحك منه، وما كان لي عهد بضحكه، فقلت: ما يضحكك؟ قال من هذا العليل السقيم الذي يداوي غيره، وهو مسقام. قلت: فهل تعرف له دواء ينجيه مما هو فيه؟ قال: نعم، شربة، إن هو شربها(17/294)
رجوت برأه. قلت: صفها، قال: خذ ورق الفقر وعذق الصبر وهليلج التواضع ويلنلج المعرفة وغاريقون الفكر ودقّها دقّاً ناعماً بهاون الندم، واطبخها في طبخة التقى، وصبّ عليها ماء الحياة، وأوقد تحتها حطب المحبة حتى يرغو الزّبد، ثم أفرغها في جام الرّضا، وروّحها بمروحة الجهد، واجعلها في قدح القكرة، وذقها بملعقة الاستغفار، فلن تعود إلى المعصية أبداً، قال: فشهق الطبيب وخرّ مغشيّاً عليه، وفارق الدّنيا.
قال عطاء: ثم رأيت عليان بعد حولين في الطواف، فقلت له: وعظت رجلاً فقتلته، قال: بل أحييته، قلت: وكيف؟ قال: رأيته في منامي بعد ثلاثٍ من وفاته، عليه قميص أخضر ورداء، وبيده قضيب من قضبان الجنة، قلت له: حبيبي، ما فعل الله بك؟ قال: يا عليان، وردت على ربٍّ رحيم، غفر ذنبي، وقبل توبتي، وأقالني عثرتي.
علي بن شريح بن حميد
ويقال: ابن شريح بن عبد الكريم أبو الحسن الأملوكي الحمصي حدث بدمشق عن أبي عبد الله أحمد بن عابد الخولاني بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن أكثر أهل الجنة البله ".(17/295)
علي بن شيبان بن بنان
أبو الحسن الجوهري أصله من البصرة، سكن دمشق، وحدّث بها.
روى عن علي بن داود القنطري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ".
وحدث عن محمد بن عبيد الله المنادي بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تفترق أمتي على فرقتين، فتمرق بينهما مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق ".
وحدّث عن محمد بن عبد الرّحمن الدّينوري عن رجل أظنه الرّبيع بن شيبان، قال: قال الشافعي: سمعت سفيان بن عيينة يقول: إن العالم لا يماري ولا يداري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت حمد الله، وإن ردّت حمد الله.
توفي ابن بنان الجوهري سنة سبع وعشرين وثلاث مئة. وقيل: سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.
وقال: قال أبو سليمان: سنة عشرين ومئتين: فيها مات علي بن شيبان.(17/296)
علي بن أبي طالب عليه السلام
واسم أبي طالب عبد مناف، بن عبد المطلب واسمه شيبة، بن هاشم واسمه عمرو، بن عبد مناف واسمه المغيرة، بن قصي واسمه زيد أبو الحسن الهاشمي ابن عم سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وختنه على ابنته، وأخوه وأبو سبطيه الحسن والحسين.
من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وبويع بالخلافة بعد قتل عثمان بن عفان، يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت بيعته في دار عمرو بن محصن الأنصاري، ثم بويع للعامة من الغد يوم السبت في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقدم الجابية مع عمر بن الخطاب، وذكر الواقدي أنه لم يخرج مع عمر.
حدث أبو الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ فغضب، ثم قال: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليّ شيئاً كتمه عن الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، قال: فقال: ما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال: قل: " لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غيّر منار الأرض ".(17/297)
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كنت رجلاً مذّاءً، فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، قال: فذكرت ذلك للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، أو ذكر له، فقال: " لا تفعل إذا رأيت المذي فاغتسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فصحت الماء فاغتسل ".
وعن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ".
وعن نافع أن عظيم أنباط الشام قال:
يا أمير المؤمنين إنا قد صنعنا لك وللمسلمين طعاماً، فإن رأيت أن تحضره، فقال: وأين؟ فقال: في الكنيسة، فقال عمر: إن في كنائسكم الصور، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإنا لا ندخل بيتاً لا تدخله الملائكة.
وفي رواية قالوا: يا أمير المؤمنين قد أنفقنا عليك نفقة، وكلّفنا فيه مؤنةً. فقال عمر: يا علي انطلق فتغدّ وغدّ الناس، ففعل علي، فجعل يتغدّى ويغدّي الناس، وعلي ينظر إلى تلك الصّور التي في كنيستهم ويقول: ما كان على أمير المؤمنين أن لو دخل وتغدّى.
وجعفر وعلي وعقيل بنو أبي طالب، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وأسلمت وهاجرت إلى الله وإلى رسوله بالمدينة وماتت بها، وشهدها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأم فاطمة بنت أسد فاطمة بنت هزم بن رواحة بن حدر بن عبد بن معيص بن عامر.(17/298)
ويقال: إنّ علياً أول ذكر آمن بالله ورسوله. ويقال: أبو بكر الصّدّيق أول ذكر آمن بالله ورسوله.
وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المهاجرين والأنصار يتوارثون، فآخى عليّاً يوارثه حتى نزلت: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله "، فرجعت الوراثة إلى الأرحام.
وهو أحد أصحاب الشورى الستة الذين شهد لهم عمر بن الخطاب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفي وهو عنهم راضٍ.
وله يقول أسيد بن أبي إياس بن زنيم بن محييه بن عبد بن عدي بن الديل وهو يحرض مشركي قريش على قتله ويغريهم: من الكامل
في كلّ مجمع غايةٍ أخزاكم ... جذع أبرّ على المذاكي القرّح
لله درّكم ألمّا تنكروا ... قد ينكر الحيّ الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ... ذبحاً وقتلة قعصةٍ لم يذبح
أعطوه خرجاً واتّقوا بمصيبةٍ ... فعل الذّليل وبيعةً لم تربح
أين الكهول وأين كلّ دعامةٍ ... في المعضلات وأين زين الأبطح
أفناهم قعصاً وضرباً يقتري ... بالسيف يعمل حده لم يصفح
وكان علي عليه الصلاة والسلام ربعة آدم، وقيل: أحمر ضخم المنكبين طويل اللحية أصلع عظيم البطن أبيض الرأس واللحية.(17/299)
قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان سنين، ويقال: سبع سنين.
قال زهر بن معاوية: كان علي يكنى أبا قضم، وكان رجلاً آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن، أصلع، وهو إلى القصر أقرب.
وكان خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وتسعة عشر يوماً، وقبض النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي ابن سبع وعشرين سنة.
وعلي أول من صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بني هاشم، وشهد المشاهد معه، وجاهد معه، ومناقبه أشهر من أن تذكر، وفضائله أكثر من أن تحصى.
توفيت أمه فاطمة مسلمةً قبل الهجرة. وقيل: إنها هاجرت، وصلى عليها سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودفنها وبكى عليها، فإنها كانت بارة به، قيمة بأمره.
وكان علي أصغر بني أبي طالب، كان أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين.
وكان علي من سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنزلة هارون من موسى، وصلى القبلتين جميعاً، وهاجر الهجرة الأولى، وشهد المشاهد كلها إلا تبوك، رده سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " اخلفني في أهلي "، قال: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ ".
وقال يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فتطاول لها أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ادعوا لي علياً، فأتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع إليه الراية، ففتح الله تعالى عليه.
ولما نزلت: " ندع أبناءنا وابناءكم " دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال:(17/300)
وقال صلّى الله عليه وسلّم: " إنه أقضى الأمة ".
وشهد له سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة. ومات وهو عنه راض، رحمه الله وسلم عليه وحشرنا في زمرته.
وقال علي عليه السلام يوم خيبر: من الرجز
أنا الذي سمّتني أمي حيدره ... كليث غاباتٍ كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السّندره
فسره ابن قتيبة أن علي بن أبي طالب ولد وأبو طالب غائب، وسمته فاطمة أمه أسداً باسم أبيها، فلما قدم أبو طالب كره هذا الاسم الذي سمته أمه به، وسماه علياً، فلما رجز علي يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمته به أمه.
وحيدرة من أسماء الأسد، وهي أشجعها، كأنه قال: أنا الأسد، والسندرة: شجر تعمل منها القسي والنبل.
قال سهل بن سعد: استعمل على المدينة رجل من آل مروان، فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً فأبى سهل، فقال له: أما إذ أبيت فقل: لعن الله أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وأن كان ليفرح إذا دعي به، فقال له: أخبرنا عن قصته، لم سمي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت، فقال: " أين ابن(17/301)
عمك؟ " فقالت: كان بينين وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان: " انظر أين هو؟ " فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسحه عنه، ويقول: " قم أبا تراب، قم أبا تراب ".
وفي حديث آخر: ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين الناس، ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فخرج مغضباً حتى أتى كثيباً من رمل فنام عليه، فأتاه النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " قم يا أبا تراب "، وجعل ينفض التراب عن ظهره وبرديه ويقول: " قم يا أبا تراب، أغضبت أن آخيت بين الناس ولم أؤاخ بينك وبين أحد؟ " قال: نعم، فقال: " أنت أخي، وأنا أخوك ".
وعن أبي الطفيل قال: جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وعليّ عليه السلام نائم في التراب، فقال: " أحق أسمائك أبو تراب، أنت أبو تراب ". وفي حديث بمعنى حديث سعدٍ في مغاضبة فاطمة عليها السلام: فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، فإذا هو نائم في التراب فقال له: " يا أبا تراب ما ينيمك في التراب؟ والله، حجرة بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير من التراب "، فقام.
قال أبو رجاء العطاردي: رأيت علي بن أبي طالب ربعة ضخم البطن، عظيم اللحية قد ملأت صدره، في عينيه خفش، أصلع شديد الصلع، كثير شعر الصدر والكتفين، كأنما اجتاب إهاب شاة.
وفي حديث الشعبي: أصلع على رأسه زغبات، له ضفيرتان.
وفي حديث: إلى القصر ما هو، دقيق الذراعين، لم يصارع أحداً قط إلا صرعه،(17/302)
ومن أحاديث: كأنما كسر ثم جبر، لا يغير شيبه، خفيف المشي على الأرض، ضحوك السن، وكان من أحسن الناس وجهاً.
ولما دعاه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الإسلام كان ابن تسع سنين، ويقال: دون التسع، ولم يعبد الأوثان قط لصغره.
قال مجاهد: أول من صلى عليٌّ وهو ابن عشر سنين، وقيل: أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة، وقيل: ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: ابن أربع عشرة سنة، وكانت له ذؤابة، يختلف إلى الكتاب.
وقيل: إنه أول من أسلم بعد خديجة، وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة سنة.
وروي عن ابنعباس قال: أول من أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة ثم أناس ثم علي، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وخلع الأنداد واللات والعزى، وأمرهم بالصلاة.
قال أبو نافع: صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول يوم الاثنين، وصلت خديجة آخر يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد، وصلى مستخفياً قبل أن يصلي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أحدٌ سبع سنين وأشهر.
قال أنس: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء.
قال علي عليه السلام: عبدت الله مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يعبد رجلٌ من هذه الأمة خمس سنين، أو سبع سنين.(17/303)
وعن علي عليه السلام قال: أنا أول من أسلم.
وعنه قال: أنا أول من صلى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قال حبّة العرني: رأيت علياً ضحك ضحكاً لم أره ضحك ضحكاً أكثر منه حتى بدت نواجذه وهو على المنبر، فقال: بينا أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم نرعى ببطن نجلة، فنحن نصلي إذ وجدنا أبو طالب فقال: ماذا تصنعان يا بن أخ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أسلم "، وكلّمه، فقال: ما أدري ما تقول! وفي رواية فقال:
ما بما تقولان بأس، ولكن والله لا يعلوني استي. قال: فضحك لقول أبيه، ثم قال: اللهم لا أعرف عبداً لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيها صلّى الله عليه وسلّم، ثلاث مرار، ثم قال: لقد صليت قبل أن يصلي أحد سبعاً. قال: والله ما قال سبعة أيام، ولا سعة أشهر ولا سبع سنين.
قالت معاذ العدوية: سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يخطب يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم.
قال الحارث: سمعت علياً يقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من صلى القبلة من الرجال مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عليّ.
قال علي بن أبي طالب: صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يصلي معه أحد من الناس ثلاث سنين، وكان مما عهد إلي أن لا يبغضني مؤمن ولا يحبني كافر أو منافق، والله ما كذبت ولا كذّبت، ولا ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت ما عهد إلي.(17/304)
قال عفيف: جئت في جاهلية إلى مكة، وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فأتيت العباس بن عبد المطلب، وكان رجلاً تاجراً، وأنا عنده جالس حيث أنظر إلى الكعبة، وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت، فذهبت، إذ أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء، ثم قام مستقبل الكعبة، فلم ألبث إلى يسيراً حتى جاء غلام، فقام عن يمينه، ثم لم ألبث إلا يسيراً حتى جاءت امرأة، فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة، فقتل: يا عباس، أمر عظيم! فقال العباس: أمر عظيم! تدري من هذا الشاب؟ قلت: لا، قال: هذا محمد بن عبد الله ابن أخي، تدري من هذا الغلام؟ هذا ابن أخي علي، تدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته. إن ابن أخي هذا حدثني عن أن ربه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، والله، ما على الأرض كلها أحدٌ على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.
قال ابن عباس: أول من آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي، ومن النساء خديجة.
وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي أول من آمن بي وصدقني ".
وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلت الملائكة عليّ وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين "، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: " لم يكن معي من الرجال غيره ".
قال مالك بن الحويرث: كان علي أول من أسلم من الرجال، وخديجة أول من أسلم من النساء.
قال زيد بن أرقم: أول من أسلم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب، فذكرت ذلك لإبراهيم فأنكره، قال: أول من أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر.
قال إبراهيم القرظيّ: كنا جلوساً في دار المختار ليالي مصعب، معنا زيد بن أرقم، فذكروا علياً، فأخذوا يتناولونه، فوثب زيد وقال: أف أف، والله إنكم لتتناولون رجلاً قد صلى قبل الناس بسبع سنين.
وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لقد صلت الملائكة عليّ وعلى عليٍّ سبع سنين، لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا ".
وعن أنس بن مالكقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلى عليّ الملائكة وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين، ولم تصعد أو ترتفع شهادة أن لا إله إلا الله من الأرض إلى السماء إلا مني ومن علي بن أبي طالب ".
وعن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وأنكم وروداً على الحوض أولكم إسلاماً: علي بن أبي طالب ".
وعن سلمان وأبي ذر قالا: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال: " ألا إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين ".
وفي رواية: " والمال يعسوب الكفار ".
قال أبو سخيلة: حججت أنا وسلمان، فنزلنا بأبي ذر، فكنا عنده ما شاء الله، فلما حان منا خفوف قلت: يا أبا ذر، إني أرى أموراً قد حدثت، وإني خائف أن يكون في الناس اختلاف، فإن كان ذلك فما تأمرني؟ قال: الزم كتاب الله عز وجل وعليّ بن أبي طالب، فأشهد أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "(17/306)
علي أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل ".
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سلمة: " يا أم سلمة، إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي ".
وعن قال: ستكون فتنة، فإن أدركهما أحد منكم فعليه بخصلتين: كتاب الله وعلي بن أبي طالب؛ فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو آخذ بيد علي: " هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي ".
وعن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: " يا قوم اتّبعوا المرسلين ". وحزقيال مؤمن آل فرعون الذي قال: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله "، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم ".
وعن عبد الرحمن بن عوف: في قوله عز وجل: " والسابقون الأولون " قال: هم عشرة من قريش كان أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب.(17/307)
وعن عمر مولى غفرة قال: سئل محمد بن كعب: من أول من أسلم علي بن أبي طالب أبو بكر؟ قال: سبحان الله! علي أولهما إسلاماً، وإنما اشتبه على الناس لأن علياً أول من أسلم كان يخفي إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، فكان أبو بكر أول من أظهر إسلامه، وكان علي أولهم إسلاماً فاشتبه على الناس.
وفي حديث بمعناه عن محمد بن كعب القرظي: كان علي يكتم الإسلام فرقاً من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ فقال: نعم، فقال: وازر ابن عمك وانصره. وقال: أسلم علي قبل أبي بكر.
وحدثت ليلى الغفارية قالت: كنت أخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مغازيه، فأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلما خرج عليٌّ بالبصرة خرجت معه، فلما رأيت عائشة واقفة دخلني شيء من الشك، فأتيتها فقلت: هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضيلة في علي؟ قالت: نعم. دخل علي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مع عائشة وهو على فريش لي، وعله جرد قطيفة فجلس بينهما فقالت له عائشة: أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عائشة، دعي لي أخي، فإنه أول الناس بي إسلاماً، وآخر الناس بين عهداً عند الموت، وأولى الناس بي يوم القيامة ".
وعن علي قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة وهو بمكة، فاتخذت له طعاماً، ثم قال لعلي: " ادع لي بني عبد المطلب "، فدعا أربعين، فقال لعلي: " هلم طعامك "، قال علي، فأتيتهم بثريدة، إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، فأكلوا منها جميعاً حتى أمسكوا، ثم قال: " اسقهم "، فسقيتهم بإناء هو ري أحدهم، فشربوا منه حتى صدروا، فقال أبو لهب: لقد سحركم محمد، فتفرقوا ولم يدعهم. فلبثوا أياماً ثم صنع لهم مثله، ثم أمرني فجمعتهم، فطعموا، ثم(17/308)
قال لهم: " من يؤازرني على ما أنا عليه؟ ويتابعني على أن يكون أخي وله الجنة؟ " فقلت: أنا يا رسول الله، وإني لأحدثهم سناً وأحمشهم ساقاً، فسكت القوم، ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك؟ قال: دعوه فلن يألو من ابن عمه خيراً.
وفي حديث بمعناه فقال: " يا بني عبد المطلب: إني بعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟ " قال: فلم يقم إليه أحد. قال: فقمت إليه وكنت أصغر القوم، قال: فقال: " اجلس "، قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه، فيقول لي: " اجلس "، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي.
وعن علي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع قريشاً. ثم قال: " لا يؤدي أحد عني ديني إلا علي ".
وعن علي قال: لما نزلت: " وأنذر عشيرتك الأقربين " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً من أهل بيته، إن كان الرهط منهم لآكلاً الجذعة، وإن كان لشارباً فرقاً، فقدّم إليهم رجل يعني شاة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال لعلي: " تقضي ديني وتنجز موعدي ".
وعن علي قال:
لما نزلت: " وأنذر عشيرتك الأقربين " قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وأعد قعباً من لبن، وكان القعب قدر ريّ رجل ". قال:(17/309)
ففعلت، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي اجمع بني هاشم "، وهم يومئذ أربعون رجلاً، أو أربعون غير رجل. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطعام فوضعه بينهم، فأكلوا حتى شبعوا، وإن منهم ليأكل الجذعة بآدامها. ثم تناولوا القدح، فشربوا حتى رووا، وبقي فيه عامته، فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر، يرون أنه أبو لهب.
فقال الثالثة: " اصنع رجل شاة بصاع من طعام، واغد بقعب من لبن "، ففعلت، فقال: " اجمع بني هاشم "؛ فجمعتهم، فأكلوا وشربوا فبدرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكلام، فقال: " أيكم يقضي ديني، ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟ " قال: فسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكلام الثانية، وسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكلام الثالثة، قال: وإني يومئذ لأسوؤهم هيئة، إني يومئذ لأحمش الساقين، أعمش العينين، ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: " أنت يا علي، أنت يا علي ".
وعن علي قال: لما نزلت هذه الآية: " وأنذر عشيرتك الأقربين " فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتّ عليها حتى جاءني جبريل فقال: يا محمد، إنك إن لم تفعل ما تؤمر به، سيعذبك ربك. " فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة، وأمل لنا عساً من لبن، واجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ". فصنع لهم الطعام، وحضروا، فأكلوا وشبعوا، وبقي الطعام. قال: ثم تكلم(17/310)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وإني ربي أمرني أن أدعوكم، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ " فأحجم القوم عنها جميعاً، وإني لأحدثهم سناً، فقلت: أنا، يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: " هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا ". فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع.
وفي حديث بمعناه: فقال لهم: " يا بني عبد المطلب: إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً ووصياً ومنجزاً لعدته وقاضياً لدينه، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي ومنجز عداتي وقاضي ديني؟ " فقام إليه علي بن أبي طالب، وهو يومئذ أصغرهم، فقال له: " اجلس ". فقدم إليهم الجذعة والفرق من اللبن فصدروا عنه حتى أنهلهم وفضل منه فضلة.
فلما كان في اليوم الثاني أعاد عليهم القول، ثم قال: " يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً، ولا تكونوا أذناباً، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي ومنجز عداتي، وقاضي ديني؟ " فقام إليه علي بن أبي طالب، فقال: " اجلس ".
فلما كان اليوم الثالث، أعاد عليهم القول، فقام علي بن أبي طالب فبايعه بينهم فتفل في فيه فقال أبو لهب: بئس ما جبرت به ابن عمك إذ أجابك إلى ما دعوته إليه، ملأت فاه بصاقاً.
وعن أبي رافع قال: كنت قاعداً بعدما بايع الناس أبا بكر، فسمعت أبا بكر يقول للعباس: أيّدك الله، هل تعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم، وجمعكم دون قريش فقال: " يا بني عبد المطلب إنه لم يبعث الله نبياً إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصياً(17/311)
وخليفة في أهله، فمن يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أهلي؟ ". فلم يقم منكم أحد؟ فقال: " يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، والله ليقومن قائمكم، أو ليكونن في غيركم، ثم لتندمنّ "، فقام علي من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعاه إليه، أتعلم هذا له من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم.
عن ابن عمر قال: حين آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال: ما لي لم تؤاخ بيني وبين أحد من إخواني؟ فقال: " أنت أخي في الدنيا والآخرة ".
وعن أنس بن مالك قال:
آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المسلمين، فقال لعلي: " أنت أخي وأنا أخوك ". وآخى بين أبي بكر وعمر، وآخى بين المسلمين جميعاً.
وعن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أقول كما قال أخي موسى: " ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري " " واجعل لي وزيراً من أهلي " علياً أخي " اشدد به أزري " " إلى آخر الآيات.
وعن زيد بن أوفى قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده، فقال: " أين فلان؟ أين فلان؟ " فجعل ينظر في وجوه أصحابه، فذكر الحديث في المؤاخاة، وفيه: فقال علي: لقد ذهب روعي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخطك عليّ فلك العتبى والكرامة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " والذي بعثني بالحق، ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي ". قال: وما أرث منك يا نبي الله؟ قال: " ما ورثت الأنبياء من قبلي ". قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: " كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة(17/312)
مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي ". ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إخواناً على سررٍ متقابلين " المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض.
وعن ابن عباس قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا علي أنت مني وأنا منك، وأنت أخي وصاحبي ".
وعن محدوج بن زيد الهذلي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما آخى بين المسلمين أخذ بيد علي فوضعها على صدره ثم قال: " يا علي، أنت أخي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، أما تعلم أن أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي، فأقام عن يمين العرش في ظله، فأكسى حلّة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بأبيك إبراهيم عليه السلام، فيقام عن يمين العرش، فيكسى حلى خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بالنبيين والمرسلين بعضهم على إثر بعض، فيقومون سماطين، فيكسون حللاً خضراً من حلل الجنة، وأنا أخبرك يا علي أنه أول من يدعى من أمتي يدعى بك لقرابتك مني ومنزلتك عندي، فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد، يستتر به آدم وجميع من خلق الله عز وجل من الأنبياء والمرسلين، فيستظلون بظل لوائي، فتسير باللواء بين السماطين، الحسن بن علي عن يمينك، والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة، فينادي منادٍ من عند العرش: يا محمد، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك، وهو علي، يا علي، إنك تدعى إذا دعيت، وتحيّا إذا حييت وتكسى إذا كسيت ".
وعن جعفر قال: سمعت أبا ذر وهو مستند إلى الكعبة، وهو يقول: أيها الناس، استووا أحدثكم مما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ يقول لعلي كلماتٍ، لو تكون لي إحداهن أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: " اللهم أعنه واستعن به! اللهم انصره وانتصر له، فإنه عبدك وأخو رسولك ".(17/313)
وعن علي قال: طلبني النبي صلّى الله عليه وسلّم فوجدني في جدول نائماً، فقال: " قم، ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب " قال: فرآني كأني قد وجدت في نفسي من ذلك، فقال: " قم، فوالله لأرضينّك، أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل عن سنتي، وتبرئ عن ذمتي، من مات في عهدي فهو كنز الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة الجاهلية، وحوسب بما عمل في الإسلام ".
وعن ابن عباس: أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله يقول: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله إن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه.
وعن أنس بن مالك قال:
كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا علي بن أبي طالب أو سلمان الفارسي أو ثابت بن معاذ الأنصاري؛ لأنهم كانوا أجرأ أصحابه على سؤاله، فلما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " وعلمنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعيت إليه نفسه، قلنا لسلمان: سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من نسند إليه أمورنا ويكون مفزعنا، ومن أحب الناس إليه؟ فلقيه فسأله، فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، فخشي سلمان أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مقته ووجد عليه. فلما كان بعد لقيه، فقال: " يا سلمان، يا أبا عبد الله ألا أحدثك عما كنت سألتني؟ " فقال: يا رسول الله، خشيت أن تكون قد مقتّني ووجدت عليّ، قال: " كلا يا سلمان، إن أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي، وخير من تركت بعدي، يقضي ديني ونجز موعدي علي بن أبي طالب ".
قال الخطيب: في سنده مطير، وهو مجهول.(17/314)
وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع، ولا يحاجك فيهم أحد من قريش، اللهم إنك أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية ".
وعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن علي: فإني سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه خصالاً، لو أن خصلة منها في جميع آل الخطاب كان أحبّ إلي مما طلعت عليه الشمس؛ إني كنت ذات يوم وأبو بكر وعبد الرحمن وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح في نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانتهينا إلى باب أم سلمة إذا نحن بعلي متكئ على نجف الباب فقلنا: أردنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هو في البيت يخرج عليكم الآن، قال: فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فثرنا حوله، واتكأ على علي، ثم ضرب يده على منكبيه، وقال: " اكس ابن أبي طالب، فإنك مخاصم فتخصم بسبع خصال، ليس لأحد بعدهن إلا فضلك: إنك أول المؤمنين معي إيماناً، وأعلمهم بأيام الله، وأوفاهم بعهده، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعظمهم عند الله مزية. وسقطت منه واحدة.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله، قبل أن تخلق السماوات والأرض بألفي عام ".
وعن عبد الله بن ثمامة قال: سمعت علياً يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، ولم يقلها أحد قبلي، ولا يقولها أحد بعدي إلا كذاب.
وعن يعلى بن مرة الثقفي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين الناس، فترك علياً في آخرهم، لا يرى أن له أخاً، فقال: يا رسول الله، آخيت بين الناس وتركتني؟ قال: " ولم ترى تركتك؟ إنما تركتك(17/315)
لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك "، قال: " فإن حاجّك أحد فقل: إني عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها أحد بعدك إلا كذاب ".
قال زيد بن وهب: كنا ذات يوم عند علي، فقال: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقولها بعدي إلا كذاب، فقال رجل من غطفان: والله لأقولن لكم كما قال هذا الكذاب، أنا عبد الله وأخو رسوله، قال: فصرع، فجعل يضطرب، فحمله أصحابه، فاتبعتم حتى انتهينا إلى دار عمارة، فقلت لرجل منهم، أخبرني عن صاحبكم فقال: ماذا عليك من أمره؟ فسألتهم بالله، فقال بعضهم: لا والله، ما كنا نعلم به بأساً حتى قال تلك الكلمة، فأصابه ما ترى، فلم يزل كذلك حتى مات.
قال الحارث الهمداني: رأيت علياً جاء حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قضاء قضاه الله على لسان نبيكم النّبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افترى.
وعن علي قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي أنت مني وأنا منك ".
وعن جعفر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة ".
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي:
" الناس من شجر شتى، وأنا وأنت من شجرة واحدة "، ثم قرأ النّبي صلّى الله عليه وسلّم: "(17/316)
وجناتٌ من أعنابٍ وزرعٌ صنوانٌ وغير صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ " بالياء.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد، والين من الزبد، وأرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينة خلقنا الله منها، وخلق منها شيعتنا، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا، ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الذي أخذ الله عزّ وجلّ عليه ولاية علي بن أبي طالب ".
وعن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعليّ فرعها، فطوبى لمن استمسك بأصلها، وأكل من فرعها ".
وعن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، ثمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبتنا إلا أكبّه الله على منخريه في النار "، ثم تلا: " قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ".
زاد في حديث آخر: " وأشياعنا أوراقها ".
وفي آخر: " يا علي، لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا صلّوا حتى يكونوا كالأوتاد، ثم أبغضوك، لأكبّهم الله في النار ".(17/317)
وعن ابن عباس قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " خلق الله قضيباً من نور قبل أن يخلق الله الدّنيا بأربعين ألف عام، فجعله أمام العرش حتى كان أول مبعثي، فشقّ منه نصفاً فخلق منه نبيّكم، والنّصف الآخر علي بن أبي طالب ".
وعن سلمان قال: سمعت حبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاًن يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي ".
وعن عبد الله بن عباس قال: أنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً في فراشه ليلة انطلق إلى الغار، فجاء أبو بكر يطلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره علي أنه قد انطلق فاتبعه أبو بكر، وباتت قريش تنظر علياً، وجعلوا يرمونه، فلما أصبحوا إذا هم بعلي، فقالوا: أين محمد؟ قال: لا علم لي به، فقالوا: قد أنكرنا تضوّرك، كنا نرمي محمداً فلا يتضوّر، وأنت تضوّر، وفيه نزلت الآية: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ".
وعن أبي رافع: أن علياً كان يجهز النّبي صلّى الله عليه وسلّم حين كان بالغار ويأتيه بالطعام، واستأجر له ثلاث رواحل: للنّبي صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر ودليلهم ابن أريقط، وخلّفه النّبي صلّى الله عليه وسلّم فخرج إليه أهله، فخرج وأمره أن يؤدي عن أمانته، ووصايا من كان يوصي إليه، وما كان يؤتمن عليه من مال، فأدى عليّ أمانته كلها، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج، وقال: " إن قريشاً لن يفقدوني ما رأوك ". فاضطجع على فراشه، وكانت قريش تنظر إلى فراش النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيرون عليه رجلاً يظنونه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً فقالوا: لو خرج محمد خرج بعلي معه، فحبسهم الله عزّ وجلّ بذلك عن طلب النّبي صلّى الله عليه وسلّم حين رأوا عليّاً، ولم يفقدوا النّبي صلّى الله عليه وسلّم.(17/318)
وأمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم عليّاً أن يلحقه بالمدينة، فخرج عليّ في طلبه، بعدما أخرج إليه أهله، يمشي الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة، فلما بلغ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قدومه، قال: " ادعوا لي علياً "، قيل: يا رسول الله لا يقدر أن يمشي، فأتاه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما رآه النّبي صلّى الله عليه وسلّم اعتنقه، وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، فتفل النّبي صلّى الله عليه وسلّم في يديه، ثم مسح بهما رجليه، ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما علي حتى استشهد.
وعن علي قال:
لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أقيم بعده حتى أؤدي ودائع كانت عنده للناس، وإنما كان يسمى الأمين، فأقمت ثلاثاً، وكنت أظهر، ما تغيبت يوماً، ثم خرجت، فجعلت أتبع طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قدمت بني عمرو بن عوف، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقيم، فنزلت على كلثوم بن الهرم، وهنالك منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن علي أنه قال: قيل لي يوم بدر ولأبي بكر، قيل لأحدنا: معك جبريل، وقيل للآخر: معك ميكائيل وإسرافيل، ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل، ويكون في الصف.
قال ابن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دفع الرّاية إلى علي يوم بدر، وهو ابن عشرين.
قال أبو جعفر محمد بن علي: نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان: لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي قال الحافظ: هذا مرسل وكنا ننفل النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذا الفقار يوم بدر، ثم وهبه لعلي بعد ذلك.
وعن ابن عباس: أن راية المهاجرين كانت مع علي في المواقف كلها، يوم بدر ويوم أحد ويوم خيبر(17/319)
ويوم الأحزاب ويوم فتح مكة، ولم تزل معه في المواقف كلها.
وعن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال: هو أول عربي وعجمي صلّى مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس، انهزم الناس كلهم غيره، وهو الذي غسله، وهو الذي أدخله قبره.
قال الشعبي: رأى أبو بكر عليّاً فقال: من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقربه قرابة، وأفضله دالة، وأعظمه غناءً عن نبيّه، فلينظر إلى هذا. فسمع علي قول أبي بكر، فقال: أما إنه إن قال ذلك إنه لأوّاه، وإنه لأرحم للأمة، وإنه لصاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار، وإنه لأعظم الناس غناء عن نبيّه في ذات يده.
وعن سعيد بن المسيب قال: كانت راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد مرطاً أسود كان لعائشة، وراية الأنصار يقال لها: العقاب، وعلى ميمنته علي بن أبي طالب، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام على الرجال، ويقال: المقداد وحمزة بن عبد المطلب على القلب، واللواء مع مصعب بن عمير أخي بني عبد الدار بن قصي، فقتل؛ فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً.
ويقال: كانت له ثلاثة ألوية: لواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير، ولواء إلى علي بن أبي طالب، والمنذر بن عمرو جميعاً من الأنصار.
وكان علي بن أبي طالب يوم بدر معلماً بصوفة بيضاء.(17/320)
وعن جابر بن سمرة قال: قالوا: يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: " ومن عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا؟ علي بن أبي طالب ".
قال معمر بن المثنى: كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة، فقتله علي بن أبي طالب، وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط السّلمي: من الكامل
لله أيّ مذبّبٍ عن حرمةٍ ... أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا
جادت يداك له بعاجل طعنةٍ ... تركت طليحة للجبين مجدّلا
وشددت شدّة باسلٍ فكشفتهم ... بالحقّ إذ يهوين أخول أخولا
وعللت سيفك بالدّماء ولم تكن ... لتردّه حرّان حتى ينهلا
قال أبو رافع: لما كان يوم أحد نظر النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى نفر من قريش، فقال لعلي: " احمل عليهم "، فحمل عليهم، فقتل هاشم بن أمية المخزومي وفرق جماعتهم، ثم نظر النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى جماعة من قريش فقال لعلي: " احمل عليهم "، فحمل عليهم، ففرق جماعتهم، وقتل فلاناً الجمحي، ثم نظر إلى نفر من قريش، فقال لعلي: " حمل عليهم "، فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي، فقال له جبريل عليه السلام: إن هذه للمواساة، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " إنه مني وأنا منه "، فقال له جبريل: وأنا منكم يا رسول الله.
وفي مقتل عمرو بن عبد ودّ قالوا: إن فوارس من قريش فيهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب،(17/321)
تلبسوا للقتال، وخرجوا علي خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة، فقالوا: تهيؤوا للحرب، يا بني كنانة، فستعلمون من الفرسان اليوم.
ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فقالوا: والله، إن هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً، فضربوا خيولهم فاقتحمت، فجالت في سبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي منها اقتحموا، فأقبلت الفوارس تعنق نحوهم.
وكان عمرو بن عبد فارس قريش، وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارتثّ، واثبتته الجارحة، فلم يشهد أحداً، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مشهده، فلما وقف هو وخيله، قال له علي: يا عمرو، قد كنت تعاهد الله لقريش ألا يدعوك رجل إلى خلتين، إلا قبلت منه إحداهما. فقال له علي: فإني أدعوك إلى الله ورسوله وإلى الإسلام. قال: لا حاجة لي في ذلك. فقال: فإني أدعوك إلى النزال. فقال له: يا بن أخي، لم؟ فوالله ما أحب أن أقتلك. فقال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك؛ فحمي عمرو، فاقتحم عن فرسه فعقره، ثم أقبل، فجاء إلى علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي، وخرجت خيله منهزمة هاربة حتى اقتحمت من الخندق.
وكان فيمن خرج يوم الخندق هبيرة بن أبي وهب المخزومي، واسم أبي وهب جعدة، وخرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي، فسأل المبارزة؛ فخرج إليه الزبير بن العوام، فيضربه ضربة؛ فيشقه باثنتين، حتى فلّ في سيفه فلاًّ، فانصرف وهو يقول:
إني امرؤ أحمي وأحتمي ... عن النّبي المصطفى الأمّي
وخرج عمرو بن عبد، فنادى من يبارز؟ فقام علي وهو مقنع في الحديد، فقال: أنا لها يا نبيّ الله، فقال: " إنه عمرو، اجلس "، ونادى عمرو: ألا رجل؟ وهو(17/322)
يؤنبهم ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون إليّ رجلاً؟ فقام علي فقال: أنا يا رسول الله، فقال: " اجلس ".
وفي رواية: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هل يبارزه أحد؟ " فقام علي فقال: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اجلس "، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هل يبارزه أحد؟ " فقام علي فقال: دعني يا رسول الله، فإنما أنا بين حسنتين: إما أن أقتله فيدخل النار، وإما أن يقتلني فأدخل الجنة. قال: ثم نادى الثالثة، فقال:
" ولقد بححت من النّدا ... ء بجمعكم هل من مبارز "
" ووقفت إذ جبن المشجّع موقف القرن المناجز "
" وكذاك إني لم أزل ... متسرّعاً قبل الهزاهز "
" إن الشجاعة في الفتى ... والجود من خير الغرائز "
فقام علي فقال: يا رسول الله، أنا، فقال: " إنه عمرو "، فقال: إن كان عمرو!! فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمشى إليه علي حتى أتاه وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّةٍ وبصيرة ... والصدق منجى كلّ فائز
إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز
فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، وقال: أنا ابن عبد مناف، فقال: غيرك يا بن أخي من أعمامك، من هو أسنّ منك، فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي: لكني والله ما أكره أن أهريق دمك؛ فغضب؛ فنزل وسلّ سيفه(17/323)
كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو علي كرّم الله وجهه مغضباً، واستقبله علي بدرقته، فضربه عمرو في الدّرقة فقدّها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجه، فضربه علي عليه السلام على حبل العاتق، فسقط، وثار العجاج، وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التكبير، فعرف أن علياً قد قتله، فثمّ يقول علي عليه السّلام: من الكامل
أعليّ تقتحم الفوارس هكذا ... عني وعنهم أخبروا أصحابي
اليوم يمنعني الفرار حفيظتي ... ومصمّمٌ في الرأس ليس بنابي
آدى عميرٌ حين أخلص صقله ... صافي الحديدة يستفيض ثوابي
وغدوت ألتمس القراع بمرهفٍ ... عضبٍ مع البتراء في أقرابي
آلى ابن عبدٍ حين شدّ أليّةً ... وأليت فاستمعوا من الكذّاب
ألاّ أصدّ ولا يهلّل فالتقى ... رجلان يضطربان كل ضراب
فصددت حين تركته متجدّلاً ... كالجذع بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنّني ... كنت المقطّر بزّني أثوابي
عبد الحجارة من سفاهة عقله ... وعبد ربّ محمدٍ بصواب
ثم أقبل علي نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووجهه يتهلل، فقال عمر بن الخطاب: هلاّ سلبته درعه؟ وإنه ليس للعرب درع خير منها، فقال: ضربته فاتقاني بسواده، فاستحييت ابن عمي أن أسلبه، وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق.(17/324)
قال سمرة بن جندب: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل الحسن، فسمع علياً وهو يقول: هذه خضرة، فقال: " يا لبيك، قد أخذنا فألنا من فيك، فاخرجوا بنا إلى خضرة "، قال: فخرجوا إلى خيبر، فما سلّ سيف إلاّ سيف علي بن أبي طالب.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: " لأعطين هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله عليه ". قال عمر بن الخطاب: فما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ، قال: فتشارفت لها رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها قال: " امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ".
قال: فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل؟ قال: " قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عزّ وجلّ ".
وعن سهل بن سعد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: " لأعطينّ هذه الرّاية رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله "، قال: فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: " أين علي بن أبي طالب؟ " قالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: " فأرسلوا إليه ". فأتى به، فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: " انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم ".(17/325)
وفي رواية: " فوالله، لأن يسلم على يديك رجل خير لك من أن يكون لك حمر النعم ".
وفي حديث سلمة بن الأكوع قال: كان علي قد تخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خيبر، وكان رمد العين، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟! فخرج علي فلحق بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله صباحها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله "، أو قال: " يحبّه الله ورسوله "، يفتح الله عليه، فإذا نحن بعلي، وما نرجوه، فقالوا: هذا علي. وأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّاية ففتح الله عليه.
وفي حديث إياس بن سلمة عن أبيه: " لأعطين هذا اللواء رجلاً يحبه الله ورسوله، أو هو من أهل الجنة "، وكان علي أرمد، فدعاه، فبصق في عينيه، ودعا له، ثم أعطاه اللواء. الحديث.
وفي حديث آخر عنه: فخرج مرحب يخطر بسيفه، فقال: من الرجز
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطلٌ مجرّب
إذا الحروب أقيلت تلهّب ... أطعن أحياناً وحيناً أضرب
فقال علي بن أبي طالب:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السّندره(17/326)
وقال في آخر: فاختلف هو وعلي ضربتين، فضربه علي على هامته حتى عضّ السيف منه بيض رأسه.
وفي رواية: وعضّ السيف بالأضراس، وسمع أهل العسكر صوت ضربته، فما تتامّ آخر الناس مع علي حتى فتح الله لهم وله.
وفي حديث سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح وقد جهد، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب، فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرار ".
قال سلمة: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم قال: " خذ هذه الرّاية فامض بها حتى يفتح الله عليك ".
قال: يقول سلمة: فخرج، والله، بها يهرول هرولة، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رجم من حجارة تحت الحصن، فاطّلع اليهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال علي بن أبي طالب. قال: فقال اليهودي: غلبتم وما أنزل التوراة على موسى، أو كما قال: فما رجع حتى فتح الله على يديه.
وفي حديث بريدة الأسلمي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى اللواء عمر بن الخطاب، فنهض معه من نهض من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجبّنه أصحابه ويجبّنهم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطين اللواء غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله،(17/327)
ويحبّه الله ورسوله، فلما كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر، فدعا علياً وهو أرمد، فتفل في عينه وأعطاه اللواء. الحديث.
وفي حديث ابن عمر قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إن اليهود قتلوا أخي، فقال: " لأدفعنّ الرّاية غداً إلى رجل يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فيفتح الله عليه؛ فيمكنك من قاتل أخيك "، فتطاول لها أبو بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إلى عليّ، فعقد له اللواء، فقال: يا رسول الله: إني أرمد كما ترى، وكان يومئذٍ أرمد، فتفل في عينيه، قال علي: ما رمدت بعد يومئذ، فمضى علي لذلك الوجه فما تتامّ لآخرنا حتى فتح لأولنا، فأخذ عليٌّ قاتل الأنصاري فدفعه إلى أخيه فقتله.
قال عمرو بن ميمون: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: إما أن تقوم معنا يا بن عباس، وإما أن تحلونا يا هؤلاء، قال: وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى قال: بل أقوم معكم، فابتدؤوا فتحدثوا، فلا أدري ما قالوا، فجاء وهو ينفض ثوبه، وهو يقول: أف تف، يقعون في رجلٍ له عشر، وقعوا في رجل، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله، لا يخزيه الله أبداً "، قال: فاستشرف لها من استشرف، فقال: " أين علي؟ " قالوا: هو في الرحى يطحن وما كان أحدكم ليطحن فدعاه، وهو أرمد ما يكاد أن يبصر، فنفث في عينه، ثم هزّ الرّاية ثلاثاً فدفعها إليه، فجاء بصفية بنت حبي.
وبعث أبا بكر بسور التوبة، وبعث علياً خلفه فأخذها منه، فقال أبو بكر: لعل الله ورسوله. فقال: " لا، ولكن لا يذهب بها رجل إلاّ رجلاً هو مني وأنا منه ".
وقال لبني عمه: " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ " قال: وعلي معهم، فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: " أنت وليي في الدنيا والآخرة "، فتركه، ثم أقبل على رجلٍ رجلٍ(17/328)
منهم فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: " أنت وليي في الدنيا والآخرة ".
قال: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن والحسين وعلياً وفاطمة عليهم السّلام، ومدّ عليهم ثوباً ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ".
قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة، وشرى علي بنفسه، ولبس ثوب النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ونام مكانه، فجعل المشركون يرمونه كما يرمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهم يحسبون أنّه نبي الله، قال: فجاء أبو بكر فقال: يا نبي الله؟ فقال علي: إنّ نبيّ الله قد ذهب نحو بئ ميمون، فأدركه، فدخل معه الغار.
قال: وكان المشركون يرمون علياً وهو يتضور حتى أصبح فكشف عن رأسه، قال: فقالوا له: إنك للئيم، كنا نرمي صاحبك فلا يتضور وأنت تضور، قد استنكرنا ذلك.
قال: وقد خرج بالناس في غزوة تبوك، فقال علي: أخرج معك؟ فقال: " لا ". قال: فبكى، قال: فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي؟ " قال: نعم. قال: " وإنك خليفتي في كل مؤمن ".
قال: وسدّ أبواب المسجد غير باب علي، وكان يدخل المسجد وهو جنب، وهو طريقه، ليس له طريق غيره.
قال: وقال: " من كنت وليه فإن علياّ وليه ".(17/329)
قال: وقال ابن عباس: وأخبرنا الله في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فهل حدثنا بعد أنّه سخط عليهم؟ قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر حين قال: ائذن لي، فلأضرب عنقه، قال أبو موسى: يعني حاطباً: " وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
وفي حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأدفعنّ الرّاية إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، فبعث إلى علي، فجاء وهو أرمد، فتفل في عينه، وأعطاه الراية، فما ردّ وجهه حتى فتح الله عليه، وما اشتكاها بعد.
وعن أبي سعيد قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الراية فهزها، ثم قال: " من يأخذها بحقّها ". فجاء الزبير فقال: أنا، فقال: " أمط ". ثم قام رجل آخر فقال: أنا، فقال: " أمط ". ثم قام آخر فقال: أنا، فقال: " أمط "، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " والذي أكرم وجه محمد، لأعطينها رجلاً لا يفرّ بها، هاك يا علي "، فقبضها، ثم انطلق حتى فتح الله عليه فدك وخيبر، وجاء بعجوتها وقديدها.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان علي يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين، وما يبالي الحر، فأتاني أصحابي، فقالوا: إنا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئاً، فهل رأيته؟ فقلت: وما هو؟ قال: رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر، ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، فهل سمعت في ذلك شيئاً؟(17/330)
فقلت: لا، ما سمعت فيه بشيء. فقالوا: سل لنا أباك عن ذلك، فإنه يسمر معه، فأتيته فسألته وأخبرته ما قال الناس. فقال: ما سمعت في ذلك شيئاً. قلت: فإنهم قد أمروني أن أسألك؛ فدخل على علي فسمر معه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تفقدوا منك شيئاً وسألوني عنه، فلم أدر ما هو؟ فقال علي: وما ذلك؟ فقال: يزعمون أنك تخرج عليهم في الحر الشديد عليك القباء المحشو الثخين لا تبالي بالحر، وتخرج عليهم في البرد الشديد عليك الثوبان الخفيفان لا تبالي البرد!! فقال: أو شهدت معنا خيبر؟ فقلت: بلى، قال: فما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين دعا أبو بكر فعقد له، وبعثه إلى القوم، فانطلق، ثم جاءه بالناس وقد هزموا؟ فقال: بلى. قال: ثم بعث إلى عمر فعقد له، ثم بعثه إلى القوم فانطلق، ولقي القوم فقاتلهم، ثم رجع وقد هزم؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: " لأعطين الراية اليوم رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، يفتح عليه غير فرار "، فدعاني، فأعطاني الراية، ثم قال: انطلق، فقلت: يا رسول الله: إني أرمد، والله ما أبصر، فتفل في عيني، ثم قال: " اللهم اكفه الحر والبرد "، فما وجدت بعد يومي ذاك برداً ولا حراً.
وعن أم موسى قالت: سمعت علياً يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية.
قال أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي باباً من عند الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة، وأنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.
وحدث جابر بن عبد الله: أن علياً حمل الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، وأنه جربوه بعد ذلك، فلم يحمله الأربعون رجلاً.(17/331)
وحدث سعد بن أبي وقاص قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسب أباتراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله: تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبوة بعدي ". وسمعته يقول يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، قال: فتطاولنا لها، قال: " ادعوا لي علياً "، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: " ندع أبناءنا وأبناءكم " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ".
وفي حديث آخر بمعناه:
وقال: لما نزلت هذه الآية: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ".
ومن حديث عن عامر بن سعد، قال سعد: لعليٍّ ثلاث، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم: نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي، فأدخل علياً وفاطمة وابنيها تحت ثوبه، ثم قال: " اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي ". الحديث.
وعن سعد بن أبي وقاص من حديث قال: قال سعد: أما والله، إني لأعرف علياً وما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أشهد لقال لعلي يوم غدير(17/332)
خم، ونحن قعود معه، فأخذ بضعه ثم قام به، ثم قال: " أيها الناس، من مولاكم؟ " قالوا: الله ورسوله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه ". الحديث.
ومن حديث الحارث بن مالك قال: أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: شهدت له أربعاً، لأن تكون لي واحدتهن أحبّ إلي من الدنيا أعمر فيها مثل عمر نوح عليه السلام: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة، ثم قال لعلي: اتبع أبا بكر فخذها، فبلّغها ورد عليّ أبا بكر، فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله: أنزل فيّ شيء؟ قال: " لا، إلا خيراً، لا، إنه ليس يبلّغ عني إلا أنا أو رجل مني "، أو قال: " من أهل بيتي ".
قال: فكنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فنودي فينا ليلاً: ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآل علي، قال: فخرجنا نجر نعالنا، فلما أصبحنا أتى العباس النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أخرجت أعمامك وأصحابك وأسكنت هذا الغلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما أنا أمرت بإخراجكم ولا إسكان هذا الغلام، إن الله هو أمر به ".
والثالثة: أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم بعث عمر وسعداً إلى خيبر، فخرج عمر وسعد، ورجع عمر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، في ثناء أخشى أن لا أحصي "، فدعا عليّاً، فقالوا: إنه أرمد، فجيء به يقاد، فقال له: " افتح عينيك "، قال: لا أستطيع، قال: فتفل في عينيه ريقه، دلكهما بإبهامه، وأعطاه الراية.(17/333)
والرابعة: يوم غدير خم، قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأبلغ، ثم قال: " أيها الناس: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " ثلاث مرات، قالوا: بلى، قال: " ادن يا علي "، فرفع يده، ورفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده حتى نظرت إلى بياض إبطيه، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، حتى قالها ثلاث مرات.
ومن حديث خيثمة بن عبد الرحمن قال:
قلت لسعد بن أبي وقاص: ما خلفك عن علي، أشيء رأيته أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، بل شيء رأيته أنا، إني قد سمعت له من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثاً، لو تكون واحدة لي منها أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ومن الدنيا وما فيها، وذكر غزوة تبوك ويوم خيبر، قال: ثم أعطاه الراية فمضى بها. قال: واتبعه الناس من خلفه، قال: فما تكامل الناس من خلفه حتى لقي مرحباً فاتقاه بالرمح فقتله، ثم مضى إلى الباب حتى أخذ بحلقة الباب ثم قال: انزلوا يا أعداء الله على حكم الله وحكم رسوله، وعلى كل بيضاء وصفراء، قال: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلّس علي الباب، فجعل علي يخرجهم على حكم الله وحكم رسوله، فبايعهم وهو آخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فخرج حيي بن أخطب. قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " برئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتني شيئاً "، قال: نعم، وكانت له سقاية في الجاهلية، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما فعلت سقايتكم التي كانت لكم في الجاهلية؟ " قال: فقال: يا رسول الله أجلينا يوم النضير فاستهلكناها لما نزل بنا من الحاجة. قال: " فبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كذبتني ". قال: نعم، قال: فأتاه الملك فأخبره، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " اذهب إلى جذع نخلة كذا وكذا، فإنه قد نقرها وجعل السقاية في جوفه ". قال: فاستخرجها، فجاء بها، قال: فلما جاء بها قال لعلي: " قم فاضرب عنقه "، قال: فقام إليه عليّ فضرب عنقه، وضرب عنق ابن أبي الحقيق وكان زوج صفية بنت حيي، وكان عروساً بها، قال: فأصابها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم خم، ورفع بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".(17/334)
وحدث أبو نجيح قال: لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص فقال: يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا أن ننسى بعض سننه، فطف نطف بطوافك. قال: فلما فرغ أدخله في دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه. قال: أدخلتني دارك، وأقعدتني على سريرك، ثم وقعت فيه تشتمه؟ والله لأن أكون في إحدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون قال لي ما قاله له حين رآه غزا تبوكاً: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي ". أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون قال لي ما قاله له يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار ". أحب إلي أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن أكون كنت صهره على ابنته، ولي منها من الولد ماله، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك داراً بعد اليوم. ثم نفض رداءه، ثم خرج.
وعن عمر بن الخطاب قال: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم، قيل: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسكناه المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يحل لي فيه ما يحل لي، والراية يوم خيبر.
وعن ابن عمر قال: كنا نقول في زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير الناس، ثم أبو بكر، ثم عمر، ولقد أعطي عليٌّ ثلاثاً؛ لأن أكون أعطيتهن أحبّ إلي من حمر النعم: زوّجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة فولدت له، وأعطي الراية يوم خيبر، وسدت أبواب الناس إلا بابه.
وعنه قال: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم: تزوج فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فولد الحسن والحسين سبطي(17/335)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحبيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسد الأبواب كلها إلا باب علي، ودفع إليه الراية يوم خيبر.
وعن بريدة:
أن نفراً من الأنصار قالوا لعلي: عندك فاطمة. فدخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ما حاجة ابن أبي طالب؟ " قال: ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: " مرحباً وأهلاً ". لم يزده عليها. فخرج على الرهط من الأنصار ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: مرحباً وأهلاً. قالوا: يكفيك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إحداهما، قد أعطاك الأهل وأعطاك الرحب، فلما كان بعد ذلك بعدما زوجه قال: " يا عليّ، إنه لابد للعرس من وليمة "، فقال سعد: عندي كبش، وجمع له رهطٌ من الأنصار آصعاً من ذرة.
فما كان ليلة البناء قال: يا علي: " لا تحدث شيئاً حتى تلقاني "، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم أفرغه على علي، فقال: " اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شملهما ".
قال أبو الحسين: الشمل: الجماع.
وعن علي أنه قال على منبر الكوفة: أردت أن أخطب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابنته، ثم ذكرت أن لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته؛ فخطبتها، قال: " هل عندك شيء؟ " قلت: لا، قال: " فأين ردعك الحطميّة التي أعطيتك يوم كذا وكذا؟ " قلت: عندي، قال: " فأعطها "، فأعطيتها، فزوجني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليّ كساء أو قطيفة فتحثّثنا.
وفي رواية: فتحشحشنا، فقال: " مكانكما "، قلت: يا رسول الله، أنا أحبّ إليك أم هي؟(17/336)
قال: " هي أحب إليّ منك، وأنت أعزّ عليّ منها ".
وعن أبي هريرة قال: لما خطب علي فاطمة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها فقال لها: " أيّ بينة، إن ابن عمك علياً قد خطبك، فماذا تقولين؟ " فبكت ثم قالت: كأنك يا أبه، إنما ادخرتني لفقير قريش، فقال: " والذي بعثني بالحق، ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه من السماء "؛ فقالت فاطمة: رضيت بما رضي الله لي ورسوله. فخرج من عندها واجتمع المسلمون إليه، ثم قال: " ياعليّ، اخطب لنفسك "، فقال علي: الحمد لله الذي لا يموت، وهذا محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زوّجني فاطمة ابنته على صداقٍ مبلغه أربع مئة درهم. فاسمعوا ما يقول واشهدوا، قالوا: ما تقول يا رسول الله؟ قال: " أشهدكم أني قد زوجته ".
وعن علي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث زوجه فاطمة دعا بماء فمجّه، ثم أدخله معه فرشه في جيبه وبين كتفيه، وعوذه ب: " قل هو الله أحد " والمعوذتين، ثم دعا بفاطمة فقامت على استحياء، فقال: " لم آل أن زوجتك خير أهلي ".
وعن معقل بن يسار قال: وضأت النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال: " هل لك في فاطمة نعودها؟ " فقلت: نعم، فقام متوكئاً عليّ فقال: " أما إنه سيحمل ثقلهاغيرك، ويكون أجرها لك ". قال: فكأنه لم يكن عليّ شيء، حتى دخلنا على فاطمة، فقال: " كيف تجدينك؟ " قالت: والله لقد اشتد كربي، واشتدت فاقتي، وطال سقمي.
وفي رواية في هذا الحديث قال: " أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً ".
وعن جابر بن عبد الله قال: دخلت أم أيمن على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي، فقال لها: " ما يبكيك لا أبكى الله عينيك؟ " قالت: بكيت يا رسول الله، لأني دخلت منزل رجل من الأنصار قد زوج ابنته رجلاً من الأنصار، فنثر على رأسها اللوز والسّكّر، وذكرت تزويجك فاطمة من(17/337)
علي بن أبي طالب ولم تنثر عليها شيئاًن فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا تبكي يا أم أيمن. فوالذي بعثني بالكرامة، واستخصني بالرسالة، ما أنا زوجته ولكن الله زوّجه، ما رضيت حتى رضي عليّ، وما رضيت فاطمة حتى رضي الله ربّ بالعالمين: يا أم أيمن، إن الله عز وجل لما أن زوّج فاطمة من علي أمر الملائكة المقربين أن يحدّقوا بالعرش، فيهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وأمر الجنان أن تزخرف فتزخرفت، وأمر الحور العين أن يتزيّنّ فتزينّن وكان الخاطب الله تعالى، وكان الملائكة الشهود، ثم أمر شجرة طوبى أن تنثر فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب مع الدر الأبيض مع الياقوت الأحمر مع الزبرجد الأخضر، فابتدر حور العين من الجنان يرفلن في الحلي والحلل يلتقطنه، ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد، فهنّ يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة ".(17/338)
وفي حديث آخر بمعناه: عن عبد الله بن مسعود قالت أم سلمة:
ولقد كانت فاطمة تفخر على النساء وتقول: إني أول من خطب عليها جبريل.
وعن مسروق قال: لما قدم عبد الله بن مسعود الكوفة قلنا له: حدثنا حديثاً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر الجنة، ثم قال: سأحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم أزل أطلب الشهادة. الحديث. فلم أرزقها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في غزوة تبوك، ونحن نسير معه، فقال: " إن الله لما أمرني أن أزوج فاطمة من علي، ففعلت، ثم قال لي جبريل: إن الله قد بنى جنة من لؤلؤ وقصب بين كل قصب إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذّرة بالذهب، وجعل سقوفها زبرجداً أخضراً، وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت، ثم جعل عليها غرفاً: لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، ولبنة من ياقوت، ولبنة من زبرجد، ثم جعل فيها عيوناً تنبع من نواحيها، وحفّت بالأنهار، وجعل على الأنهار قباباً من درّ، قد شعبت بالسلاسل من الذهب، وحفّت بأنواع الشجر، وجعل في كل بيت مفرش، وجعل في كل قبة أريكة، من درّ بيضاء غشاوتها السندس والإستبرق، وفرش أرضها بالزعفران. وفتق المسك والعنبر، وجعل في كل قبة حوراء، والقبة لها مئة باب، على كل باب جاريتان وشجرتان، في كل قبة مفرش، مكتوب حول القباب آية الكرسي، فقلت: لجبريل: لمن بنى الله هذه الجنة؟ فقال: هذه جنة بناها الله سبحانه لعلي وفاطمة، تحفة أتحفهما الله تبارك وتعالى، وأقر عينك يا رسول الله ".(17/339)
وعن علي الهلالي قال: جخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفه إليها، فقال: " حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟ " قالت: أخشى الضيعة من بعدك، فقال: " لقد علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة، فاختار منها أباك، فبعثه برسالته، ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحى إليّ أن أنكحك إياه، يا فاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحداً قبلنا، ولا يعطي أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين على الله، وأحب المخلوقين إلى الله، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله، وهو حمزة بن عبد المطلب، وهو عم أبيك وعم بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث شاء، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما، يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهديّ هذه الأمة، إذا صار الدنيا هرجاً مرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان، كما قمت به في أول الإيمان، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً، يا فاطمة، لا تحزني ولا تبكي، فإن الله أرحم بك وارأف عليك مني، وذلك لمكانك مني، وموضعك من قلبي، وزوّجك الله زوجك، وهو أشرف أهل بيتي حسباً، وأكرمهم منصباً، وأرحمهم بالرعية، وأعدلهم بالسوية، وأبصرهم بالقضية، وقد سالت ربي عز وجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي ".
قال علي: فما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تبق فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوماً حتى ألحقها الله به صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أمرت بتزويجك من السماء. وقتلت المشركين يوم بدر، وتقتل من بعدي على سنتي، وتبرئ ذمتي ".(17/340)
وعن بريدة قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قم بنا يا بريدة نعود فاطمة "، فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها، ودمعت عيناها، فقال: " ما يبكيك يا بنية؟ " قالت: قلة الطعام وكثرة الهم وشدة السقم، قال: " أما والله، لما عند الله خير مما ترغبين إليه، يا فاطمة، أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماًن وأفضلهم حلماً، والله إن ابنيك لمن شباب أهل الجنة ".
وعن أسماء بنت عميس قالت:
لما كانت ليلة أهديت فاطمة إلى علي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تحدثي شيئاً حتى أجيء "، فجاء حتى قام على الباب، فقال: " ثمّ أخي؟ " فخرجت إليه أم أيمن فقالت: أخوك وزوّجته ابنتك؟! فدعا علياً ودعاها، فقامت وإنها لتعثر، ثم قال لها: " أي بنية، إن لم آل أن أزوّجك أحبّ أهلي ". قالت: ثم دعا بمخضب وهو تور من حجارة من ماء فدعا فيه، ثم أمر أن يصب عليه بعضه وعليها بعضه، فقالت أسماء: ثم قال لي: " أجئت مع ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكرمينها؟ " قالت: فدعا لي.
وعن أبي سعيد قال: لما أنكح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً فاطمة أصابها حصر شديد. قال: فقال لها صلّى الله عليه وسلّم: " والله لقد أنكحتكيه سيداً في الدنيا، وإنه في الآخرة من الصالحين ".
وعن عمران بن حصين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة: " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ " قالت فاطمة: فأين مريم بنت عمران؟ قال لها: " أي بنية، تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، والذي بعثني بالحق، لقد زوجتك سيداً في الدنيا وسيداً في الآخرة، فلا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق ".
وعن عمران بن حصين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: " ألا تنطلق بنا نعود فاطمة؟ فإنها تشتكي "، قلت: بلى. قال: فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها، فلسلم فاستأذن، فقال: " أدخل أنا ومن معي؟ " قالت: نعم، ومن معك(17/341)
يا أبتاه، فوالله ما عليّ إلا عباءة. فقال لها: " اصنعي بها هكذا، واصنعي بها هكذا "، فعلمها كيف تستتر، فقالت: والله ما على رأسي خمار، قال: فأخذ خلق ملاءة كانت عليه، قال: " اختمري بها "، ثم أذنت لهما، فدخلا، فقال: " كيف تجدينك يا بنية؟ " قالت: إني لوجعة، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله، قال: " أما ترضين يا بنية أنك سيدة نساء العالمين؟ " قال: تقول: يا أبه، فأين مريم بنت عمران؟ قال: " تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ".
وعن ابن عباس قال: لما زوج الني صلّى الله عليه وسلّم فاطمة من علي قالت فاطمة: يا رسول الله، زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك والآخر زوجك؟ ".
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: حين نزلت: " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " كان يجيء نبي الله صلّى الله عليه وسلّم إلى باب عليّ صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: " الصلاة، رحمكم الله "، " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ".
قال أبو الحمراء: صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أشهر، فكان إذا أصبح أتى باب علي وفاطمة وهو يقول: " يرحمكم الله، " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ".
قال ميمون الكردي: كنا عند ابن عباس فقال رجل: ليته حدثنا عن علي فسمعه ابن عباس فقال: أما(17/342)
لأحدثنّك حقاً، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بالأبواب الشارعة في المسجد فسدت، وترك باب علي، فقال: إنهم وجدوا من ذلك، فأرسل إليهم " أن بلغني أنكم وجدتم من سدي أبوابكم وتركي باب علي، وإني والله ما سددت من قبل نفسي، ولا تركت من قبل نفسي، إن أنا إلا عبد مأمور أمرت بشيء فقلت: " إن أتّبع إلا ما يوحى إلي ".
وعن العلاء بن عرار قال: إني قلت لعبد الله بن عمر وهو في المسجد جالس: كيف تقول في هذين الرجلين علي وعثمان؟ فقال عبد الله: أما علي فلا تسأل عنه أحداً، وانظر إلى منزله من منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد أخرجنا من مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا علي، وأما عثمان فتلا: " يوم التقى الجمعان " فأذنب ذنباً عظيماً، فعفا الله عنه، وأذنب فيكم ذنباً من دون فقتلتموه.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:
جاءنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب، فضربنا وقال: " أترقدون في المسجد؟ إنه لا يرقد فيه أحد "، فأجفلنا، وأجفل معنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تعال يا علي، إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، يا علي، إنك لتذودنّ عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الضالّ عن الماء، بعصاً معك من عوسج، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي ".
وعن أبي سعيد الخدري أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك ".
وعن أم سلمة قالت: خرج النّي صلّى الله عليه وسلّم من بيته حتى انتهى إلى صرح المسجد، فنادى بأعلى صوته: " إنه لا يحلّ المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه، وعلي وفاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وسلّم، ألا هل بينت لكم الأسماء أن تضلوا ".(17/343)
وعن أبي رافع: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس، فقال: " يا أيها الناس إن الله أمر موسى وهارون أن يتبوأا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء إلا هارون وذريته، ولا يحل لأحد أن يعرك النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب إلا عليٌّ وذريته ".
وعن سعد بن أبي وقاص قال: لما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة تبوك خلّف علياً بالمدينة، فقال الناس: ملّه وكره صحبته، فتبع علي النّبي صلّى الله عليه وسلّم حتى لحقه في بعض الطريق، فقال: يا رسول الله خلّفتني بالمدينة مع النساء والذراري حتى قال الناس: ملّه وكره صحبته؟ فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إنما خلفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبيّ بعدي ".
وعن حكيم بن جبير قال: قلت لعلي بن الحسين: يا سيدي إن الشعبي حدث عن أبي جحيفة وهب الخير أن أباك صعد المنبر فقال: خير هذه الأمة بعد نبيها وأبو بكر وعمر، فقال: أين تذهب يا أبا حكيم؟ حدثني سعيد بن المسيب عن سعدٍ أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إن المؤمن يهضم نفسه ".
وعن عامر بن سعد قال: إني لمع أبي إذ تبعنا رجل في نفسه على علي بعض الشيء، فقال: يا أبا إسحاق، ما حديث يذكر الناس عن علي؟ قال: ما هو؟ قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعليّ: أنت مني كهارون من موسى، ما تنكر أن يقول لعلي هذا وافضل من هذا؟ وعن سعد قال: قال لي معاوية: أتحب علياً؟ قال: قلت: وكيف لا أحبه؟ وقد سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، ولقد(17/344)
رأيته بارز يوم بدر، وهو يحمحم كما يحمحم الفرس ويقول: من الرجز
بازل عامين حديثٌ سنّي ... سنحنح الليل كأنّي جني
لمثل هذا ولدتني أمّي
فما رجع حتى خضب سيفه دماً.
وعن سعد بن أبي وقاص: أن عليّ بن أبي طالب خرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا جاء ثنية الوداع، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد تبوك، وعليّ يبكي ويقول: يا رسول الله تخلّفني مع الخوالف؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟ ".
وعن سعد بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، سالم الله من سالمته، وعادى الله من عاديته ".
وعن سويد بن غفلة قال: رأى عمر رجلاً يخاصم علياً، فقال له عمر: إني لأظنك من المنافقين، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي ".
وفي رواية: أنه رأى رجلاً يشتم علياً كانت بينه وبينه خصومة.
وعن عبد الله بن عباس قال:
سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر:(17/345)
أما علي: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول فيه ثلاث خصال، لوددت أن لي واحدة منهن، فكان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النّبي صلّى الله عليه وسلّم بيده على منكب علي، فقال له: " يا علي، أنت أول المؤمنين إيماناً، وأول المسلمين إسلاماً، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
وعن ابن عباس عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سلمة: " يا أم سلمة، إن علياً لحمه من حلمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ".
وعنه قال: رأيت علياً أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فاحتضنه من خلفه، فقال: بلغني أنك سميّت أبا بكر وعمر وضربت أمثالهما ولم تذكرني، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
وعن عبد الله بن جعفر قال: لما قدمت ابنة حمزة المدينة اختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قولوا ": فقال زيد: هي ابنة أخي وأنا أحق بها، وقال علي: ابنة عمي وأنا جئت بها، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي. قال: " خذها يا جعفر أنت أحقهم بها "؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأقضينّ بينكم: أما أنت يا زيد فمولاي وأنا مولاك، وأما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي، وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ النّبوة ".
وفي رواية: " إلا أنّه لا نبوة ".
وعن قيس بن أبي حازم قال: سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم مني، قال: قولك يا أمير المؤمنين أحبّ إليّ من قول علي، قال: بئس ما قلت، ولؤم ما جئت(17/346)
به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي "، وكان عمر بن الخطاب يسأله ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال: هاهنا علي بن أبي طالب. ثم قال للرجل: قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي في غزوة تبوك: " اخلفني في أهلي "، فقال علي: يا رسول الله، إني أكره أن يقول العرب: خذل ابن عمه، وتخلّف عنه، فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ "، قال: بلى، قال: " اخلفني ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبيّ بعدي، ولو كان لكنته ".
وفي رواية: " إلا أنه ليس بعدي نبي، أو لا يكون بعدي نبي ".
وعن يزيد بن أرقم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلا: " أنت مني كهارون من موسى، غير أنك لست نبي ".
وعن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي أنت مني، وأنا منك، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا يوحى إليك ".
وعن أبي الفيل قال: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاة تبوك استخلف علي بن أبي طالب على المدينة، فماج المنافقون بالمدينة وفي عسكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: كره قربه، وساء فيه(17/347)
رأيه، فاشتد ذلك على علي، فقال: يا رسول الله، تخلفني مع النساء والصبيان؟ أنا عائذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، فقال: " رضي الله يا أبا الحسن برضائي عنك، فإن الله عنك راضٍ، إنما منزلك مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي "، فقال علي: رضيت، رضيت.
وعن زيد بن أرقم قال: لما عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجيش العسرة قال لعلي: " إنه لابدّ من أن تقيم أو أقيم "، قال: فخلف علياً، وسار، فقال ناس: ما خلفه إلا لشيء يكرهه منه، فبلغ ذلك علياً، فاتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى انتهى إليه، فقال: " ما جاء بك يا علي؟ " فقال: يا رسول الله، إني سمعت أناساً يزعمون أنك خلفتني لشيء كرهته مني، قال: فتضاحك إليه وقال: " ألا ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " فإنه كذلك ".
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي يوم غزوة تبوك: " أما ترضى أن يكون لك من الأجر مثل ما لي، ولك من المغنم مثل ما لي ".
قال بريدة:
غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتغير، فقال: " يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " فقلت: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليّ بن أبي طالب مولى من كنت مولاه ".
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليّ بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو وليّكم بعدي ".
وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: " إذا اجتمعتما فعليٌّ على الناس وإذا افترقتما فكل واحد(17/348)
بينكما على حدة "، قال: فلقينا بني زيد من اليمن فقاتلناهم، وظهر المسلمون على الكافرين، فقتلوا المقاتل وسبوا الذرية، واصطفى عليّ جارية من الفيء، فكتب معي خالد يقع في علي، وأمرني أن أنال منه.
قال: فلما أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأيت الكراهية في وجهه، فقلت: هذا مكان العائذ يا رسول الله، بعثتني مع رجل وأمرتني بطاعته، فبلغت ما أرسلني، قال: " يا بريدة: لا تقع في عليّ، عليٌّ مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي ".
وفي حديث آخر بمعناه: قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعليّ. قال: وكنت رجلاً إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي، وتكلمت فوقعت في علي حتى فرغت، ثم رفعت رأسي، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد غضب غضباً لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة والنضير، فنظر إليّ فقال: " يا بريدة، إن عليّاً وليكم بعدي، فأحب عليّاً فإنه يفعل ما يؤمر ". قال: فقمت وما أحد من الناس أحب إليّ منه.
قال عبد الله بن عطاء: حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن عفلة، فقال: كتمك عبد الله بن بريدة بعض الحديث؛ إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: " أنافقت بعدي يا بريدة؟ " وفي حديث آخر فقال: " يا بريدة، أتبغض علياً؟ " قال: قلت: نعم، قال: " فأحبّه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك ".
وعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشين وأمّر على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: " إذا كان قتال فعليٌّ على الناس ".
قال: ففتح عليٌّ قصراً، فاتّخذ لنفسه جارية، فكتب معي خالد بن الوليد يشي به، فلما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكتاب قال: " ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " قال: قلت: أعوذ بالله من غضب الله.(17/349)
وعن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريةً وأمّر عليهم علي بن أبي طالب، فأحدث شيئاً في سفره، فتعاقد أربعة من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يذكروا أمره لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال عمران: وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلمنا عليه، قال: فدخلوا عليه، فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الثاني، فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الثالث، فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، قال: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرابع وقد تغير وجهه، فقال: " دعوا علياً، دعوا علياً، دعوا علياً، إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي ".
وفي رواية: فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والغضب يعرف في وجهه فقال: " ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن علياً مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي ".
وعن وهب بن حمزة قال: سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة، فرأيت منه جفوة، فقلت: لئن رجعت ولقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنالنّ منه. قال: فرجعت، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت علياً فنلت منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تقولنّ هذا لعلي، فإن علياً وليكم بعدي ".
وعن أبي سعيد الخدري قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب إلى اليمن قال: أبو سعيد: فكنت فيمن خرج معه فلما احتفر إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، وكنا قد رأينا في إبلنا خللاً، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين.(17/350)
قال: فلما فرغ علي وانصفق من اليمن راجعاً، أمّر علينا إنساناً فأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجّته قال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم ".
قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه ففعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أنا قد ركبت، رأى أثر الراكب، فذمّ الذي أمّره ولامه، فقال: أما إنّ لله عليّ إن قدمت المدينة لأذكرنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولأخبرنّه ما لقينا من الغلظة والتّضييق.
قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أريد أن أفعل ما كنت قد حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجاً من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما رآني قعد معي ورحّب بي، وساءلني وساءلته، وقال: متى قدمت؟ قلت: قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل وقال: هذا سعد بن مالك، ابن الشهيد، قال: ائذن له فدخلت فحيّيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحيّاني وسلّم عليّ، وساءلني عن نفسي وعن أهلي فأحفى في المسألة، فقلت: يا رسول الله، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتّضييق فانتبذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعلت أنا أعدّد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، وكنت منه قريباً، وقال: " سعد بن مالك ابن الشهيد، مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله، لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله ".
قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك، سعد بن مالك، ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري؟ لا جرم، والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً ولا علانية.
وعن عمرو مع علي بن أبي طالب إلى اليمن فأجفاني، فأظهرت لائمة علي بالمدينة حتى فشا ذلك، فدخلت المسجد مرجع النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذات غداة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس،(17/351)
فرماني ببصره حتى إذا جلست قال: والله، يا عمرو بن شأس، لقد آذيتني، فقلت: أعوذ بالله وبالإسلام أن أوذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " بلى، من آذى مسلماً فقد آذاني، ومن آذى مسلماً فقد آذى الله عزّ وجلّ ".
وفي حديث آخر: قلت: أعوذ بالله من أن أؤذيك، قال: " بلى، من آذى علياً فقد آذاني ".
وعن عمرو بن شأس: سمع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من آذى علياً فقد آذاني ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من آذاك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ".
وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد، أنا ورجلان معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: " ما لكم ومالي؟ من آذى علياً فقد آذاني ".
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خطب الناس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الرّحبة قال: أنشد الله امرأ نشدة الإسلام سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير أخذ بيدي يقول: " ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم واله من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله "، إلا قام، فقام بضعة عشر رجلاً فشهدوا، وكتم قوم فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا.
وزاد في حديث آخر: " وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه ".(17/352)
وعن زياد بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرّحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فإن هذا مولاه ".
قال رياح: فلما مضوا تبعتهم، فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.
وعن حذيفة بن أسيد قال:
لما قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات البطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن، ثم بعث إليهن، فصلى تحتهن، ثم قام فقال: " أيها الناس: قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً، قال: " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ " قالوا: بلى، نشهد بذلك، قال: " اللهم اشهد ".
ثم قال: " أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
ثم قال: " أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان فضّة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثّقلين، فانظروا كيف تخلفونني فيهما، الثّقل الأكبر كتاب الله، سببّ طرفه بيد الله عزّ وجلّ، وطرفٌ بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ".(17/353)
قال عطية العوفي: أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختناً لي حدثني عنك بحديث في شأن علي عليه السلام يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك فقال: إنكم معشرٌ فيكم ما فيكم، فقلت له: لي عليك مني بأس، قال: نعم، كنا الجحفة فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي، فقال: " أيها الناس: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قال: " فمن كنت مولا فعلي مولاه ".
قال: فقلت له: هل قال: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ " قال: إنما أخبرك كما سمعت.
وعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع، فكسح لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرتين، ونودي في الناس أن الصلاة جامعة، فدعا علياً وأخذ بيده فأقامه عن يمينه، فقال: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قال: " الست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ " قالوا: بلى، قال: " أليس أزواجي أمهاتكم؟ " قالوا: بلى، قال: " هذا وليي، وأنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "، فقال له عمر: هنيئاً لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن.
وفي رواية: " أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ".
وعن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: كنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم، ونحن نرفع غصن الشجرة عن رأسه فقال: " إن الصدقة لا تحلّ لي ولا لأهل بيتي، لعن الله من ادّعى إلى غير أبيه، ومن تولى غير مواليه، والولد للفراش وللعاهر الحجر، ليس لوارث وصية، ألا قد سمعتموني ورأيتموني، فمن كذب(17/354)
عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، ألا إني فرطكم على الحوض، ومكاثرٌ بكم، فلا تسوّدوا وجهي، ألا وإني أستنقذ رجالاً، وليستنقذنّ بي قوم آخرون، ألا وإن الله وليّي، وأنا وليّ كل مؤمن، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ".
وفي حديث سعد قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطريق مكة، وهو متوجّه إليها، فلما بلغ غدير خم الذي بخمّ وقف الناس، ثم ردّ من مضى، فلحقه منهم من تخلّف، فلما اجتمع الناس قال: " أيها الناس هل بلّغت؟ " قالوا: نعم، قال: " اللهم اشهد "، ثم قال: " أيها الناس هل بلّغت؟ " قالوا: نعم، قال: " اللهم اشهد " ثلاثاً، " أيها الناس من وليّكم؟ " قالوا: الله ورسوله، ثلاثاً، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فأقامه فقال: " من كان الله ورسوله وليّه فإن هذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
قال عبد الله بن محمد بن عقيل: كنا عند جابر بن عبد الله وعنده محمد بن الحنفية، فجاء رجل من أهل العراق فقال: أنشدك بالله يا جابر، إلا أخبرتني ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال جابر: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج من خباء أو فسطاط، فقال لعلي بيده: " هلم هلم "، وثمّ ناسٌ من جهينة ومزينة وغفار، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
قال: فقال: نشدتك بالله، أكان ثمّ أبو بكر وعمر؟ قال: اللهم لا.
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بضبع علي يوم الحديبية وهو يقول: "(17/355)
هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله "، مد بها صوته.
وعن جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزل خم، فنحّى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب؛ فشق على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تأخر الناس عنه، فأمر علياً فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم، وهو متوسد على علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " يا أيها الناس، إني قد كرهت تخلفكم وتنحيكم عني حتى خيّل إلي أنه ليس شجرة أبغض إليّ من شجرة تليني "، ثم قال: " لكن عليّ بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه، رضي الله عنه كما أنا عنه راض، فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئاً "، ثم رفع يديه، ثم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وابتدر الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكون ويتضرعون إليه، ويقولون: يا رسول الله إنما تنحينا كراهة أن نثقل عليك، فنعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله.
فرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك، فقال أبو بكر: يا رسول الله، استغفر لنا جميعاً؛ ففعل، فقال لهم: " أبشروا، فوالذي نفسي بيده، ليدخلنّ الجنّة من أصحابي سبعون ألفاً بغير حساب، ومع كل ألف سبعون ألفاً ومن بعدهم مثلهم أضعافاً ".
قال أبو بكر: يا رسول الله زدنا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في موضع رمل، فحفن بيديه من ذلك الرمل ملء كفيه، ثم قال: هكذا. قال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، ففعل مثل ذلك ثلاث مرات، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال عمر: ومن يدخل النار بعد الذي سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد ثلاث حثيات من الرمل من الله؟ فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " والذي نفسي بيده، ما تفي بهذا أمتي حتى توفي عدتهم من الأعراب ".(17/356)
قال جعفر بن إبراهيم الجعفري: كنت عند الزهري أسمع منه، فإذا عجوز قد وقفت عليه فقالت: يا جعفري، لا تكتب عنه، فإنه مال إلى بني أمية، وأخذ جوائزهم، فقلت: من هذه؟ قال: أختي رقية، خرفت، قال: خرفت أنت؛ كتمت فضائل آل محمد.
وقد حدثني محمد بن المكندر عن جابر بن عبد الله قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله ".
وحدثني محمد بن المكندر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ".
قال سهم بن حصين الأسدي: قدمت إلى مكة أنا وعبد الله بن علقمة، وكان عبد الله بن علقمة سبّابة لعلي دهراً. قال: فقلت له: هل لك في هذا يعني أبا سعيد الخدري يحدّث به عهداً؟ قال: نعم. فأتيناه فقال: هل سمعت لعلي رضوان الله عليه منقبة؟ قال: نعم، إذا حدثتك فسل عنها المهاجرين والأنصار وقريشاً: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام يوم غدير خم فأبلغ ثم قال: " يا أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قالها ثلاث مرات. ثم قال: " ادن يا علي، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه حتى نظرت إلى بياض آباطهما، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". ثلاث مرات.
قال: فقال عبد الله بن علقمة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال أبو سعيد: نعم، وأشار إلى أذنيه وصدره، وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي.
قال عبد الله بن شريك: فقدم علينا عبد الله بن علقمة وسهم بن حصين، فلما صلّينا الهجير قام عبد الله بن علقمة فقال: إني أتوب إلى الله وأستغفره من سبّ علي، ثلاث مرات.(17/357)
وعن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً. وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بيد علي بن أبي طالب فقال: " ألست وليّ المؤمنين؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم ".
من صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبريل بالرسالة.
وعن أبي فاختة قال:
أقبل علي وعمر جالس في مجلسه، فلما رآه عمر تضعضع وتواضع وتوسّع له في المجلس، فلما قام علي قال بعض القوم: يا أمير المؤمنين، إنك تصنع بعلي صنيعاً ما تصنعه بأحد من أصحاب محمد، قال عمر: وما رأيتني أصنع به؟ قال رأيتك كلما رأيته تضعضعت وتواضعت وأوسعت حتى يجلس. قال: وما يمنعني؟ والله إنه لمولاي ومولى كل مؤمن.
وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: شهدنا الموسم في حجة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي حجة الوداع، فبلغنا مكاناً يقال له: غدير خم، فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمعنا: المهاجرون والأنصار، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسطنا، فقال: " أيها الناس بم تشهدون؟ " قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله. قال: " ثم مه؟ " قالوا: وأن محمداً عبده ورسوله. قال: " فمن وليكم؟ " قالوا: الله ورسوله مولانا، قال: " فمن وليكم؟ " ثم ضرب بيده إلى عضد علي فأقامه، فنزع عضده، فأخذ بذراعيه، فقال: " من يكن الله ورسوله مولياه فإن هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، اللهم من أحبه من الناس فكن له حبيباً، ومن أبغضه فكن له مبغضاً، اللهم إني لا أجد أحداً أستودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين غيرك، فاقض فيه بالحسنى ".(17/358)
قال بشر: قلت: من هذا العبدان الصالحان؟ قال: لا أدري.
قال أبو سعيد الخدري: لما نصب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً بغدير خم، فنادى له بالولاية، هبط جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ".
وقال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية: " يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك " على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله يقول في معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول الله عز وجل: " ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم ".
وأما قول عمر بن الخطاب لعلي: أصبحت مولى كل مؤمن، يقول: ولي كل مسلم.
قال ابن الأعرابي: المولى: المالك وهو الله، والمولى: ابن العم، والمولى: المعتق، والمولى: المعتق، والمولى: الجار، والمولى: الشريك، والمولى: الحليف، والمولى: المحب، والمولى: اللّويّ، والمولى: الولي، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، معناه: من تولاني فليتولّ علياً.(17/359)
قال ثعلب: وليس هو كما يقول الرافضة: إن علياً مولى الخلق ومالكهم، وكفرت الرافضة في هذا، لأنه يفسد من باب المعقول: لأنّا رأيناه يشتري ويبيع، فإذا كانت الأشياء ملكه فممن يشتري ويبيع؟ ولكنه من باب المحبة والطاعة.
قال: ويدل على أن المولى والولي: المحب، ما روى إليّ شقيق عن عبد الله قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد علي وهو يقول: " الله وليّي وأنا وليّك، ومعادٍ من عاداك، ومسالمٌ من سالمك ".
وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من آمن بي وصدقني فليتولّ علي بن أبي طالب، فإن ولايته ولايتي، وولايتي ولاية الله ".
وعنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أوصّي من آمن بي وصدّقني بالولاية لعلي، فإنه من تولاه تولاني، ومن تولاني تولى الله، ومن أحبه أحبني، ومن أحبني أحب الله، ومن أبغضه أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن، غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي ".
قال: هذا حديث منكر.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليٌّ أقضى أمتي بكتاب الله، فمن أحبني فليحبه، فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحبّ علي عليه السلام ".
وعن عبد الله قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله، أتاني ملك فقال: يا محمد، واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا؟ قال: قلت: علام بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب ".(17/360)
وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أني حيا حياتي ويموت موتي فليتمسك بالقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده، وقال: كن، أو كوني، وليتولّ علي بن أبي طالب بعدي ".
وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أراد أن يتمسك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بيمينه في جنة الخلد وفي رواية: في جنة الفردوس الأعلى فليتمسك بحب علي بن أبي طالب ".
وعن زيد بن أرقم قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أن يحيا حياتي ويموتموتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فإن ربّي غرز قضبانها بيده، فليتولّ عليّاً، فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " حب علي بن أبي طالب يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب ".
طعن في هذا الحديث وفي رجاله.
وعن ابن عباس قال: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، للنار جوازٍ؟ قال: " نعم ". قلت: وما هن قال: " حب علي بن أبي طالب ".
طعن في هذا الحديث أيضاً.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صنعت امرأة من الأنصار لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعة أرغفة، وذبحت له دجاجة فطبختها، فقدمته بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر وعمر فأتياه، ثم رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه إلى السماء، ثم قال: " اللهم سق إلينا رجلاً رابعاً محبّاً لك ولرسولك، تحبه اللهم أنت ورسولك، فيشركنا في طعامنا، وبارك لنا فيه "، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم اجعله علي بن أبي طالب "، قال: فوالله ما كان بأوشك أن طلع علي بن أبي طالب، فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " الحمد لله الذي سرني بكم جميعاً، وجمعه وإياكم "، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " انظروا هل ترون بالباب أحداً؟ "(17/361)
قال جابر: وكنت أنا وابن مسعود، فأمر بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأدخلنا عليه فجلسنا معه، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتلك الأرغفة فكسرها بيده، ثم غرّف عليها من تلك الدجاجة، ودعا بالبركة، فأكلنا جميعاً حتى تملأنا شبعاً، وبقيت فضلة لأهل البيت.
قال: هاذ حديث غريب. والمشهور حديث انس وهو ما أسند إلى علي قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير يقال له الحبارى، فوضعت بين يديه، وكان أنس بن مالك يحجبه، فرفع النبي صلّى الله عليه وسلّم يده إلى الله، ثم قال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ".
قال: فجاء علي فاستأذن، فقال له أنس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني على حاجة، فرجع، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجع، ثم دعا الثالثة فجاء علي فأدخله، فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم، وإليّ ". فأكل معه، فلما أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج علي.
قال أنس: ابتعت عليّاً فقلت: يا أبا حسن، استغفر لي، فإن لي إليك ذنباً، وإن عندي بشار، فأخبرته بما كان من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله واستغفر لي ورضي عني، أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه.
وعن أنس قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجل مشوي بخبزه وصنابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام "، فقالت عائشة: اللهم اجعله أبي، وقالت حفصة: اللهم اجعله أبي. قال أنس: وقلت: اللهم اجعله سعد بن عبادة. قال أنس: فسمعت حركة بالباب، فخرجت فإذا علي بالباب، فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة، فانصرف، ثم سمعت حركة بالباب، فسلم عليّ، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوته، فقال: " انظر من هذا؟ " فخرجت فإذا هو علي،(17/362)
فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: " ائذن له "، فدخل عليّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وإليّ، اللهم وإليّ ".
وعن أنس قال: أهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير مشوي فقال: " اللهم أدخل عليّ أحبّ أهل الأرض إليك يأكل معي ".
قال أنس: فجاء عليٌّ فحجبته، ثم جاء ثانية فحجبته، ثم جاء ثالثة فحجبته؛ رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي، ثم جاء الرابعة فأذنت له، فلما رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم وأنا أحبه، فأكل معه من الطير ".
وعن أنس قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير، فقال: " اللهم ائتني برجل يحبّ؟ هـ الله، ويحبه رسولك ".
قال أنس: فأتى عليّ فقرع الباب، فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشغول، وكنت أحب ان يكون رجلاً من الأنصار، ثم إن عليّاً فعل مثل ذلك، ثم أتى الثالثة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس أدخله فقد عنيته "، فلما أقبل قال: " اللهم إليّ، اللهم إليّ ".
قال عبد العزيز بن زياد: إن الحجاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة، فسأله عن علي بن أبي طالب؛ فقال: أهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم طائر، فأمر به فطبخ وصنع، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم ائتني بأحب الخلق إليّ يأكل معي "، فجاء علي فرددته، ثم جاء ثانية فرددته، ثم جاء الثالثة فرددته، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، إني قد دعوت ربي، وقد استجيب لي، فانظر من كان بالباب فأدخله ". فخرجت، فإذا أنا بعلي فأدخلته، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " إني قد دعوت ربي أن يأتيني بأحب خلقه إليّ، وقد استجيب لي، فما حبسك؟ " قال: يا نبي الله حبست أربع مرات، كل ذلك يردّني أنس؛ قال: النبي صلّى الله عليه وسلّم: " ما حملك على ذلك يا أنس؟ " قال: قلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي، إنه ليس أحد إلا وهو يحب قومه، وإن علياً جاء، فأحببت أن يصيب دعاؤك رجلاً من قومي.(17/363)
قال: وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم نبيّ الرحمة فسكت ولم يقل شيئاً.
وفي حديث آخر بمعناه: لأني سمعت دعوتك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: الرجل يحب قومه.
وفي حديث آخر عن أنس أيضاً: أهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم نحامات.
وعن أنس: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عنده طائر، فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك يأكل معي من هذا الطير "، فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر وقال الحيري: عثمان فرده، ثم جاء علي، فأذن له.
وعن أنس قال: كنت أنا وزيد بن أرقم نتناوب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأتته أم أيمن بطير أهدي له من الليل، فلما أصبح أتته بفضله، فقال: " ما هذا؟ " قلت: فضل الطير الذي أكلت البارحة، فقال: " أما علمت أن كل صباح يأتي برزقه، اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ويأكل معي من هذا الطير ". قال: فقلت: اللهم اجعله من الأنصار، قال: فنظرت فإذا عليّ قد أقبل فقلت له: إنما دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الساعة فوضع ثيابه، فسمعني أكلمه، فقال: " من هذا الذي تكلمه؟ " قلت: عليّ، فلما نظر إليه قال: " اللهم أحب خلقك إليك وإليّ ".
وفي رواية عن أنس قال: أهدي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم طائر كان يعجبه أكله، فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " الحديث.(17/364)
وعن عبد الله بن العباس قال: كنت أنا وأبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ دخل علي بن أبي طالب، فسلم فرد عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبشّ به، وقام إليه فاعتنقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه، فقال العباس: يا رسول الله أتحبّ هذا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عم رسول الله والله لله أشد حبّاً له مني، إن الله جعل ذرية كل نبيٍّ في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا ".
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن علمه ما عمل به، وعن مالهم ممّ اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت ". فقيل: يا رسول الله، ومن هم؟ فأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب.
وعن عائشة قالت: ما خلق الله خلقاً كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من علي.
وعن بريدة قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة، ومن الرجال علي.
قال جميع بن عمير:
دخلت مع أمي على عائشة فقالت: أخبرتني كيف كان حب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ؟ فقالت: عائشة: كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لقد رأيته يوماً أدخل تحت ثوبه وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً "، قالت: فذهبت لأدخل رأسي فمنعني، فقلت: يا رسول الله، أولست من أهلك؟ قال: " إنك على خير إنك على خير ".
وعن جميع عن عائشة قال: قلت لها: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: قالت: أما من الرجال فعلي. وأما من النساء ففاطمة.(17/365)
وعن جميع بن عمير قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فقلت لها: يا أم المؤمنين: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فمن الرجال؟ قالت: زوجها، وايم الله، إن كان ما علمت صوّاماً قواماً جديراً أن يقول ما يحب الله.
وفي رواية: جديراً بقول الحق.
قال معاوية بن ثعلبة: أتى رجل أبا ذر، وهو جالس في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا أبا ذر، ألا تخبرني بأحب الناس إليك؟ فإني أعرف أن أحبهم إليك أحبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: إي ورب الكعبة، إن أحبّهم إليّ أحبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو ذاك الشيخ، وأشار إلى علي، وهو يصلي أمامه.
وعن زيد بن أرقم: دخلت على أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قالت: من الذين يسب فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: لا والله يا أمه، ما سمعت أحداً يسب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: بلى والله، إنهم يقولون: فعل الله بعلي ومن يحبه، وقد كان، والله، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبّه.
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أمرني الله تعالى بحب أربعة: وأخبرني أنه يحبهم، إنك يا علي منهم، إنك يا علي منهم، إنك يا علي منهم ".
قال أبو عبد الله الجدلي: دخلت على أم سلمة فقالت: يا أبا عبد الله، أيسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيكم وأنتم أحياء؟ قال: قلت: سبحان الله! وأنى يكون هذا؟ قالت: أليس يسبّ علي ومن يحبه؟ قلت: بلى، قالت: أليس كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبه؟ وفي رواية قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من سبّ علياً فقد سبّني ".(17/366)
وعن أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: من سبّ علياً وأحباءه فقد سب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأشهد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يحبّه.
وعن جابر قال: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ونحن في المسجد، وهو آخذ بيد علي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " ألستم زعمتم أنكم تحبونني؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " كذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا علي، كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك ".
وعن سلمان الفارسي قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب فخذ علي بن أبي طالب وصدره، وسمعته يقول: " محبّك محبّي، ومحبّي محبّ الله، ومبغضك مبغضي، ومبغضي مبغض الله ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنك تعيش على ملّتي، وتقتل على سنتي، من أحبّك أحبّني، ومن أبغضك أبغضني ".
وعن يعلى بن مرة الثقفي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر أو منافق ".
طعن في بعض رواته.
وفي حديث مرسل: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن الله تعالى عهد إليّ في علي عهداً، قلت: يا ربّ بيّنه لي، قال: " اسمع يا محمد "،(17/367)
قال: " إن عليّاً راية الهدى بعدي، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، فمن أحبّه أحبّني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك ".
وعن زر بن حنيش قال: سمعت علياً يقول:
والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إليّ: ألا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.
وعن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " إن الله أخذ ميثاق المؤمنين على حبك، وأخذ ميثاق المنفقين على بغضك، فلو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك، ولو نثرت الدنانير على المنافق ما أحبك، يا علي، لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق ".
وعن أبي الطفيل قال: أخذ علي بيدي في هذا المكان، فقال: يا أبا الطفيل، لو أني ضربت أنف المؤمن بخشبة ما أبغضني أبداً، ولو أني أقمت المنافق ونثرت على رأسه ما أحبني أبداً، يا أبا الطفيل، إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي، وأخذ ميثاق المنافقين ببغضي، فلا يبغضني مؤمن أبداً، ولا يحبني منافق أبداً.
وعن عمران بن ميثم عن أبيه ميثم قال: شهدت علي بن أبي طالب وهو يجود بنفسه يقول: يا حسن، قال الحسن: لبيك يا أبتاه، قال: إن الله أخذ ميثاق أبيك، وميثاق كل مؤمن على بغض كل منافق وفاسق، وأخذ ميثاق كل فاسق ومنافق على بغض أبيك.
وعن عبد اله بن حنطب قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة فقال: " يا أيها الناس، قدموا قريشاً ولا تقدّموها، وتعلموا منها ولا تعلّموها، قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من(17/368)
غيرهم، وأمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم. يا أيها الناس، أوصيكم بحب ذي أقربها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب، فإنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذبه الله عزّ وجلّ ".
وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ".
وفي حديث عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من زعم أنه آمن بي وما جئت به وهو يبغض علياً، فهو كاذب ليس بمؤمن ".
وعن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب: " يا علي، إن الله زيّنك بزينة لم تتزيّن العباد بزينة أحبّ إلى الله منها: الزهد في الدنيا؛ فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً، ولا تنال الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين، فرضوا بك إماماً، ورضيت بهم أتباعاً، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، وأما الذين أحبوا وصدقوا فيك فهم جيرانك في دارك ورفقائك في قصرك، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحقّ على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة ".
وعن ابن عباس أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إنما رفع الله القطر عن بين إسرائيل بسوء رأيهم في أنبيائهم، وإن الله عزّ وجلّ يرفع القطر عن هذه الأمة ببغضهم علي بن أبي طالب ".
وعن صلصال بن الدّلهمس قال: كنت عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم في جماعة من أصحابه، فدخل علي بن أبي طالب، فقال له(17/369)
النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، ألا من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله أدخل الجنة، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار ".
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاث من كن فيه فليس مني ولا أنا منه: بغض علي بن أبي طالب، ونصب لأهل بيتي، ومن قال: الإيمان كلام ".
وعن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود وابن عباس قال: كنا عند ابن مسعود فتلا ابن عباس هذه الآية: " محمّدٌ رسول الله والذي معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السّجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه ". قال ابن عباس: ذلك أبو بكر، قال: " فاستغلظ فاستوى " عمر بن الخطاب، " على سوقه " عثمان بن عفان، " يعجب الزّراع ليغيظ بهم الكفّار " علي بن أبي طالب. كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن أبي سعيد الخدري قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم عليّاً والأنصار.
وفي رواية أخرى عنه: إلاّ ببغضهم عليّاً.
وعنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
" لا يبغض عليّاً إلا منافق أو فاسق أو صاحب دنيا ".(17/370)
وعنه قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا ببغض عليّ.
وعن جابر بن عبد الله قال: ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن جابر قال: كنا نعرف نفاق الرجل منا ببغضه علياً.
وعن أبي الزبير قال: سئل جابر عن علي، فقال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم عليّاً.
وعن عبادة بن الصامت قال: كنا ننوّر أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحبّ علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا، وأنه لغير رشده.
وعن محبوب بن أبي الزناد قال: قالت الأنصار: إن كنا لنعرف الرجل إلى غير أبيه ببغضه علي بن أبي طالب.
وعن أنس قال: كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد ان يشهر عليّاً في مواطن أو مشهد علا على راحلته، وأمر الناس أن ينخفضوا دونه، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهر علياً يوم خيبر فقال: " يا أيها الناس من أراد أن ينظر إلى آدم في خلقه، وإليّ في خلقي، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سنته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب إذا خطر بين الصفين، كأنما يتقلّع من صخر، أو يتحدّر من صببٍ، يا أيها الناس، امتحنوا أولادكم بحبّه، فإن علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم ".(17/371)
قال أنس بن مالك: فكان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثم يقف على طريق علي، وإذا نظر إليه توجه بوجهه تلقاه وأومأ بإصبعه: أي بني تحبه هذا الرجل المقبل؟ فإن قال الغلام: نعم قبّله، وإن قال: لا، خرق به الأرض، وقال له: الحق بأمك، ولتلحق أمك بأهلها، فلا حاجة لي فيمن لا يحب علي بن أبي طالب.
قال: هذا حديث منكر.
وعن ابن عباس قال: بينا نحن بفناء الكعبة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدثنا، إذ خرج علينا مما يلي الركن اليماني شيء عظيم كأعظم ما يكون من الفيلة، قال: فتفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لعنت "، أو قال: " خزيت "، قال: فقال علي بن أبي طالب: ما هذا يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: " أو ما تعرفه يا علي؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: " هذا إبليس "؛ فوثب إليه، فقبص على ناصيته، وجذبه فأزاله عن موضعه، وقال: يا رسول الله أقتله؟ قال: " أو ما علمت أنه قد أجّل إلى الوقت المعلوم؟ " قال: فتركه من يده، فوقف ناحية، ثم قال: لي ولك يا بن أبي طالب، والله ما أبغضك أحدٌ إلا قد شاركت أبه فيه، اقرأ ما قال الله تعالى: " وشاركهم في الأموال والأولاد ".
قال ابن عباس: ثم حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " لقد عرض لي في الصلاة، فأخذت بحلقة فخنقته، فإني لأجد برد لسانه على ظهر كفي، ولولا دعوة أخي لأريتكموه مربوطاً بالسارية تنظرون إليه ".
وعن علي بن أبي طالب قال: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم عند الصفا، وهو مقبل على شخص في صورة الفيل، وهو يلعنه، فقلت: ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله؟ قال: " هذا الشيطان الرجيم "، فقلت: والله(17/372)
يا عدو اله لأقتلنك، ولأريحنّ الأمة منك، قال: ما هذا جزائي منك، قلت: وما جزاؤك مني يا عدو الله؟ قال: والله ما أبغضك أحد قط إلا شاركت أباه في رحم أمه.
وعن طاووس قال: قلت لعلي بن حسين بن علي: ما بال قريش لا تحب عليّاً؟ فقال: لأنه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار.
وعن أبي برزة قال: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله عهد إليّ في علي عهداً، فقلت: يا رب بيّنه لي، فقال: اسمع، فقلت: سمعت، فقال: إن علياً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك ". فجاء علي فبشرته، فقال: يا رسول الله أنا عبد الله وفي قبضته، فإن يعذبني فبذنبي، وإن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولى بي. قال: قلت: " اللهم اجل قلبه، واجعل ربيعه الإيمان "، فقال الله: " قد فعلت به ذلك "، ثم إنه رفع إليّ أن سيخصه من البلاء بشيء لم يخصّ به أحداً من أصحابي، فقلت: " يا رب أخي وصاحبي "، فقال: " إن هذا شيء قد سبق، إنه مبتلىً ومبتلى به ".
وعن ابن عباس أنالنّبي صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى علي بن أبي طالب فقال:
" أنت سيّد في الدّنيا سيّد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك من بعدي ".
وعن علي قال: إن محمداً صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيدي ذات يوم فقال: " من مات وهو يبغضك فهي ميتة جاهلية يحاسب بما عمل في الإسلام، ومن عاش بعدك وهو يحبك ختم اله له بالأمن والإيمان كلما طلعت شمس وغربت حتى يد عليّ الحوض ".
وعن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " إن فيك من عيسى مثلاً: أبغضته يهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى نزلوا بالمنزل الذي ليس به ".
ألا وإنه يهلك فيّ اثنان: محب مطرٍ يقرظني ما ليس فيّ، ومبغض يحمله سبابي على(17/373)
أن يبهتني، ألا وإني لست بنبي ولا يوحى إليّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيّه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحقّ علكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم.
وفي حديث آخر: وما أمرتكم به أو غيري من معصية الله فلا طاعة في معصية لأحد، الطاعة في المعروف، الطاعة في المعروف، الطاعة في المعروف.
وعن علي قال: يهلك فيّ رجلان: محبٌ غالٍ، ومبغضٍ قالٍ.
وعن علي قال: يهلك فيّ رجلان: محبٌ مفرط، وعدو مبغض، فمن استطاع منكم ألا يكون واحداً منهما فليفعل.
وعن علي بن أبي طالب: ليحبّني أقوام، يدخلون بحبي الجنة، وليبغضني أقوام يدخلون ببغضي النار.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار ".
وعن عباية عن علي بن أبي طالب قال: أنا قسيم النار يوم القيامة: أقول خذي ذا وذري ذا.
وفي حديث آخر: أقول: هذا لي، وهذا لك.
قال ابو بكر بن عياش: قلت للأعمش: أنت تحدث عن موسى بن طريف عن عباية عن علي: أنا قسيم النار، قال: فقال: والله ما رويته إلا على جهة الاستهزاء، قال: قلت: حمله الناس عنك في الصحف، وتزعم أنك رويته على جهة الاستهزاء.(17/374)
قال أبو معاوية: قلنا للأعمش: لا تحدث هذه الأحاديث، قال: تسألونني، فما أصنع؟ ربما سهوت، فإذا سألوني عن شيء من هذا سهوت فذكروني.
قال: وكنا يوماً عنده فجاء رجل فسأله عن حديث قسيم النار، قال: فتنحنحت. قال: فقال الأعمش: هؤلاء المرجئة لا يدعونني أحدث بفضائل علي، أخرجوهم من المسجد حتى أحدثكم.
قال بسّام الصّيرفي: قلت لجعفر: إن ناساً يزعمون أن عليّاً قسيم النار؛ فقال: أنا أكفر بهذا.
قال سلام: كان موسى يرى رأي أهل الشام، وكان يتحدث بهذا يتعجب به، ويسمع به.
قال موسى: وقد حدثني عباية بأعجب من هذا عن علي أنه قال: والله لأقتلن ثم لأبعثن، ثم لأقتلن وهي القتلة التي أموت فيها، فيضربني يهودي بأريحا يعني موضعاً بالشام بصخرة يقرع بها هامتي.
قال أحمد بن حنبل، وقد سأله رجل عن قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " علي قسيم النار "، فقال: هذا حديث يضطرب طريقه عن الأعمش؛ ولكن الحديث الذي ليس عليه لبس قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق "، وقال الله عزّ وجلّ: " إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار "، فمن أبغض علياً فهو في الدرك الأسفل من النار.
وعن عبد الله بن عكيم الجهني قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أوحى إليّ في عليّ ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: إنه سيّد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ".(17/375)
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اسكب لي ماءً أو وضوءاً "، ثم قام يصلي ركعتين، ثم قال: " يا أنس، أول من يدخل من هذا الباب أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد المسلمين: عليّ ".
وعن بريدة الأسلمي قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نسلم على علي بإمرة المؤمنين، ونحن سبعة، وأنا أصغر القوم يومئذٍ.
أنكر هذا الحديث، وقال: فيه مجاهيل.
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين ".
وعن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي، أنت سيّد شباب أهل الجنة ".
وعن عائشة قالت:
كنت قاعدة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل عليّ، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عائشة، هذا سيّد العرب "، قالت: فقلت: يا رسول الله ألست أنت سيّد العرب؟ قال: " أنا سيّد ولد آدم، وهذا سيّد العرب ".
وعن عائشة قالت: أقبل علي بن أبي طالب يوماً فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هذا سيّد المسلمين "، فقلت: ألست سيّد المسلمين يا رسول الله؟ قال: " أنا خاتم النّبيّين ورسول ربّ العالمين ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل: يا رسول الله أنت سيّد العرب؟ قال: " لا، أنا سيّد ولد آدم، وعي سيّد العرب، وإنه لأول من ينفض الغبار عن رأسه يوم القيامة قبلي علي ".
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني عصى الله، ومن أطاع علياً أطاعني ومن عصى علياً عصاني ".(17/376)
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني ".
وعن عمار بن ياسر، وعن أبي أيوب قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " حقّ عليّ على المسلمين حقّ الوالد على ولده ".
وعن أنس بن مالك قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى علي بن أبي طالب فقال: " أنا وهذا حجّة الله على خلقه ".
وعن عبد الله بن الحارث قال: قلت لعلي بن أبي طالب: أخبرني بأفضل منزلتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم، بينا أنا نائم عنده وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته قال: " يا علي، ما سألت الله عزّ وجلّ من الخير إلاّ سألت لك مثله، وما استغفرت الله من الشرّ إلاّ استغفرت لك مثله ".
وعن علي بن أبي طالب قال: مرضت مرّة مرضاً فعادني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليّ وأنا مضطجع، فأتى إلى جنبي، ثم سجّاني بثوبه، فلما رآني قد ضعفت قام إلى المسجد يصلي، فلما قضى صلاته جاء فرفع الثوب عني، ثم قال: " قم يا علي، فقد برأت "، فقمت فكأني ما اشتكيت قبل ذلك، فقال: " ما سألت ربي شيئاً إلا أعطاني، وما سألت شيئًا لي إلا سألت لك ".
وعن علي قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّحر، وهو في مصلاه في بعض حجره، فقال: " يا عليّ، بتّ ليلتي هذه حيث ترى أصلي وأناجي ربي تعالى، فما سألت الله شيئاً إلاّ سألت لك مثله، وما سألت من شيء إلى أعطاني، إلا أنه قيل لي: إنه لا نبيّ بعدي ".
وعن أسماء بنت عميس: أنها رمقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يزل يدعو لهما خاصة يعني عليّاً وفاطمة لا يشركهما بدعائه أحداً.(17/377)
وعن علي قال: مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا وجع وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان أجلاً فارفعني، وإن كان بلاء فصبّرني، قال: " ما قلت؟ " فأعدت عليه فضربني برجله، فقال: " ما قلت؟ " فأعدت عليه، فقال: " اللهم عافه أو اشفه "، فما اشتكيت ذلك الوجع بعد.
وعن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وغلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب ".
وعن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الصّدّيقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم ".
وعن جابر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " ثلاثة ما كفروا بالله قطّ: مؤمن آل ياسين وعلي بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون ".
وعن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصلّ العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلّيت يا علي؟ " قال: لا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيّك فاردد عليه الشمس ". قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت.
وعن جابر قال: لما أن كان يوم الطائف خلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعلي، فناجاه طويلاً، وأبو بكر وعمر ينظران والناس، قال: ثم انصرف إلينا، فقال الناس: قد طالت مناجاتك اليوم يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما أنا انتجيته، ولكن الله انتجاه ".(17/378)
وفي رواية:
فأطال مناجاته، فرأى الكراهية في وجوه رجال، فقالوا: قد أطال مناجاته منذ اليوم ... الحديث.
وعن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صاحب سرّي عليّ بن أبي طالب ".
وعن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص قال: دخل عليّ بن أبي طالب على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده ناس، فخرجوا يقولون: ما أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نخرج فدخلوا، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " ما أنا أدخلته وأخرجتكم، ولكن الله أدخله وأخرجكم ".
وعن سعيد بن جبير قال: ذكر عند ابن عباس عليّ بن أبي طالب فقال: إنكم تذكرون رجلاً كان يسمع وطء جبريل فوق بيته.
وعن جابر بن عبد الله قال: خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى امرأة من الأنصار في نخل لها يقال له: الأسواف، ففرشت لرسول اله صلّى الله عليه وسلّم تحت صور لها مرشوش، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة "، قال: فلقد رأيته مطأطئاً رأسه من تحت الصّور، ثم يقول: " اللهم إن شئت جعلته عليّاً "، فجاء علي، ثم إن الأنصارية ذبحت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاة، وصنعتها، فأكل وأكلنا، فلما حضرت الظهر قام فصلى وصلينا ما توضأ ولا توضأنا، فلما حضرت العصر صلى وما توضأ ولا توضأنا.(17/379)
وعن سلمى قالت: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النخل، فقال: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة "، فسمعت حسّاً فإذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمرّ بحديقة فقال علي: يا رسول الله، ما أحسن هذه الحديقة! قال: " حديقتك في الجنة أحسن منها "، حتى مرّ بستّحدائق. وفي روايات أخر: بسبع حدائق كل ذلك يقول علي: يا رسول الله، ما أحسن هذه الحديقة! فيردّ عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " حديقتك في الجنة أحسن منها "، ثمّ وضع النّبي صلّى الله عليه وسلّم رأسه على إحدى منكبي علي فبكى، فقال له علي: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: " ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك حتى أفارق الدنيا ". فقال علي: فما أصنع يا رسول الله؟ قال: " تصبر "، قال: فإن لم أستطع؟ قال: " تلقى جهداً "، قال: ويسلم لي ديني؟ قال: " ويسلم لك دينك ".
وعن علي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي، إن لك في الجنة كنزاً وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة ".
قال داوود بن رشيد: حدثني أبي قال: كنت يوماً عند المهدي، فذكر علي بن أبي طالب، فقال المهدي: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس قال: كنت عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وعنده أصحابه حافين به إذ دخل علي بن أبي طالب، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إنك عبقريهم ".
قال المهدي: أي سيّدهم.
وعن عبد الله بن ظالم المازني قال: لقد خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة. قال: فأقام خطباء يقعون في علي، قال: وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: فغضب، فقام فأخذ بيدي فتبعته، فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة، فأشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم؟ قال:(17/380)
قلت: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اثبت حراء فإنّك ليس عليك إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد ". قال: قلت: من هم؟ فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزّبير وطلحة وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن مالك ". قال: وسكت قال: قلت: ومن العاشر؟ قال: " أنا ".
وعن ابن عباس قال: سمعت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بيد علي يقول: " هذا أوّل من يصافحني يوم القيامة ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم بحلّته، ثم أنا بصفوتي، ثم علي بن أبي طالب يزفّ بيني وبين إبراهيم زفّاً إلى الجنة ".
وعن أبي سعيد: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كسا ناساً من أصحابه، ولم يكس علياً، فكأنه رأى في وجه علي، فقال: " يا علي، أما ترضى أن تكسى إذا كسيت وتعطى إذا أعطيت؟ ".
وعن أبي رافع:
أن علياً دخل على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو مغضب، فشكا إليه بغض قريش له، وحسد الناس إياه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أما ترضى أن أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين ".
وعن علي قال: شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسد الناس لي، فقال: " يا علي، أما ترضى أنّ أوّل أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرارينا خلف أزواجنا وأشياعنا من ورائنا؟ ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما في القيامة راكب غيرنا نحن أربعة "، فقام إليه عمه العباس بن عبد المطلب فقال: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: " أما أنا فعلى البراق، وجهها كوجه الإنسان، وخدها(17/381)
كخدّ الفرس، وعرفها من لؤلؤ ممشوط، وأذناها زبرجدتان خضراوان، وعيناها مثل كوكب الزهرة تتقدان مثل النجمين المضيئين، لها شعاع مثل شعاع الشمس، بلقاء محجّلة تضيء مرة وتنمي أخرى، ينحدر من نحرها مثل الجمان، مضطربة في الحلق أذناها، ذنبها مثل ذنب البقرة، طويلة اليدين والرجلين، وأظلاف البقر من زبرجد أخضر، تجدّ في مسيرها تمرّ كالرّيح وهو مثل السّحابة، لها نفس كنفس الآدميين، تسمع الكلام وتفهمه، وهي فوق الحمار، ودون البغل ".
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه ".
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وعمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، سيّد الشهداء على ناقتي ".
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وأخي عليّ على ناقة من نوق الجنة، زمامها من لؤلؤ رطب، عليها محمل من ياقوت أحمر، قضبانه من الدّرّ الأبيض، على رأسه تاج من نور، لذلك التّاج سبعون ركناً، ما من ركن إلاّ وفيه ياقوتة حمراء تضيء للراكب المحث، عليه حلتان خضراوان، وبيده لواء الحمد، وهو ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتقول الخلائق: ما هذا إلاّ نبيّ مرسل أو ملك مقرّب، فينادي منادٍ من بطنان العرش: ليس هذا ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا حامل عرش، هذا علي بن أبي طالب وصي رسول ربّ العالمين، وإما المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ".
وفي حديث آخر: " وأمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين في جنات النعيم ".
وفي حديث آخر: " أمير المؤمنين وإمام التقين، وقائد الغرّ المحجّلين إلى جنّات ربّ العالمين، أفلح من صدّقه، وخاب من كذّبه، ولو أنّ عابداً عبد الله بين الرّكن والمقام ألف عام وألف عام(17/382)
حتى يكون كالشّنّ البالي لقي الله مبغضاً لآل محمد أكبّه الله على منخره في نار جهنم.
وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى فقال: ما عسى أن تقولوا في علي؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " يا علي يدك في يدي يوم القيامة، تدخل معي حيث أدخل ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تؤتى يوم القيامة بناقة من نوق الجنة يا علي، فتركبها وركبتك مع ركبتي، وفخذك مع فخذي حتى تدخل الجنة ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ألا ترضى يا علي، إذا جمع الله الناس في صعيد واحد عراة حفاة مشاة قد قطع أعناقهم العطش، فكان أول من يدعى إبراهيم فيكسى ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمين العرش، ثم ينجرّ مثعبٌ من الجنة إلى الحوض، حوض أعزب مما بين بصرى وصنعاء، وفيه آنية مثل عدد نجوم السماء، وقدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ ثم أكسى ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعى يا علي فتشرب، ثم توضأ، ثم تكسى ثوبين أبيضين، فتقوم عن يميني معي فر أدعى لخير إلا دعيت ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أعطاني ربي عزّ وجلّ في علي خصالاً في الدنيا وخصالاً في الآخرة، أعطاني به في الدنيا أنه صاحب لوائي عند كل شديدة وكريهة، وأعطاني به في الدنيا أنه غامضي وغاسلي ودافني، وأعطاني به في الدنيا أنه لن يرجع بعدي كافراً، وأعطاني به في الآخرة أنه صاحب لواء الحمد يقدمني به، وأعطاني به في الآخرة أنه متكئي في طول الجسر يوم القيامة، وأعطاني به أنه عون لي على حمل مفاتيح الجنة ".(17/383)
وعن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
" أعطيت في علي خمس خصال لم يعطها نبي في أحد قبلي، أما خصلة منها: فإنه يقضي ديني، ويواري عورتي. وأما الثانية: فإنه الذائد عن حوضي. وأما الثالثة: فإنه متكئي في طريق الجسر يوم القيامة. وأما الرابعة: فإن لوائي معه يوم القيامة، وتحته آدم وما ولد. وأما الخامسة: فإني لا أخشى أن يكون زانياً بعد إحصان، ولا كافراً بعد إيمان ".
وعن علي قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنت وشيعتك في الجنة ".
حدث أبو محمد القاسم بن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إذا كان يوم القيامة يخرج قوم من قبورهم، لباسهم النور على نجائب من نور، أزمّتها يواقيت حمر، تزفهم الملائكة إلى المحشر "، فقال علي: تبارك الله ما أكرم هؤلاء على الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، هم أهل ولايتك وشيعتك ومحبوك، يحبونك بحبي، ويحبونني بحبّ الله، هم الفائزون يوم القيامة ".
وعن علي قال: قال لي سلمان: قلّما طلعت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه إلاّ ضرب بين كتفي، فقال: " يا سلمان هذا وحزبه المفلحون ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن عن يمين العرش كراسي من نور، عليها أقوام تلألؤ وجوههم نورٌ، فقال أبو بكر: أنا منهم يا نبي الله؟ قال: " أنت على خير "، قال: فقال عمر: يا نبي الله أنا منهم. فقال مثل ذلك، " ولكنهم قوم تحابوا من أجلي وهم هذا وشيعته "، وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب.(17/384)
وعن أم سلمة قالت: كانت ليلتي، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندي، فغدت عليه فاطمة ومعها علي، فرفع غليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه، وقال: " أبشر يا علي: أنت وأصحابك في الجنة، أبشر يا علي: أنت وشيعتك في الجنة، إلا أنّ ممن يزعم أنه يحبك قوماً يرفضون الإسلام، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم يقولها ثلاثاً لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، إن أنت أدركتهم فجاهدهم، فإنهم مشركون ". قال: يا رسول الله، فما العلامة فيهم؟ قال: " لا يحضرون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ياعلي، أنت وشيعتك في الجنة، وإن قوماً لهم نبز، يقال لهم الرافضة، فإن لقيتهم فاقتلهم؛ فإنهم مشركون "، فقال علي: ينتحلون حبّنا أهل البيت، وليسوا كذلك، وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر.
وعن أبي الحمراء خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لما أسري بي رأيت في ساق العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمداً رسول الله صفوتي من خلقي، أيدته بعلي ونصرته ".
وعن أم عطية قالت: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً فيهم علي بن أبي طالب، قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو رافعاً يديه يقول: " اللهم لا تمتني حتى تريني علي بن أبي طالب ".
وعن علي قال: لما كانت ليلة بدر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من يستقي لنا من الماء؟ " فأحجم الناس، فقام علي فاحتضن قربة، ثم أتى بئراً بعيدة القعر مظلمة، فانحدر فيها، فأوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل وإسرافيل: اهبطوا لنصر محمد وحزبه، ففصلوا من السماء، لهم لغط يذعر من سمعه، فلما جاؤوا بالبئر سلموا عليه من عند آخرهم إكراماً وتبجيلاً.(17/385)
وعن سلمان الفارسي قال:
كنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم في مسجده في يوم مطير ذي سحائب ورياح، ونحن ملتفون حوله، فسمعنا صوتاً لا نرى شخصه وهوي قول: السلام عليك يا رسول الله، فردّ عليه السلام، وقال: " ردوا على أخيكم السلام "، قال: فرددنا عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أنت؟ " قال: أنا عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح، أتيتك يا رسول الله مسلماً، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " مرحباً بك يا عرفطة، اظهر لنا رحمك الله في صورتك "، قال سلمان: فظهر لنا شيخ أزب أشعر قد لبس وجهه شعراً غليظاً متكاثفاً قد واراه، وإذا عيناه مشقوقتان طولاً، وله فم في صدره، فيه أنياب بادية طوال، وإذا له في موضع الأظفار من يديه مخالب كمخالب السباع، فلما رأيناه اقشعرت جلودنا، ودنونا من النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال الشيخ: يا نبي الله ابعث معي من يدعو جماعة قومي إلى الإسلام، وأنا أرده إليك سالماً إن شاء الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه " أيكم يقوم معه فيبلغ الجنّ عني، وله عليّ الجنة؟ " فما قام أحد. وقال الثانية والثالثة فما قام أحد، فقال علي: أنا يا رسول الله، فالتفت النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الشيخ فقال: " وافني إلى الحرّة في هذه الليلة أبعث معك رجلاً يفصل بحكمي وينطق بلساني، ويبلغ الجنّ عني ".
قال سلمان: فغاب الشيخ وأقمنا يوماً، فلما صلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة، وانصرف الناس من مسجده قال: " يا سلمان سر معي "، فخرجت معه وعلي بين يديه حتى أتيت الحرة، فإذا الشيخ على بعير كالشاة، وإذا بعير آخر على ارتفاع الفرس، فحمل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً، وحملني خلفه، وشدّ وسطي إلى وسطه بعمامة، وعصب عيني، وقال: " يا سلمان، لا تفتحن عينيك حتى تسمع عليّاً يؤذن، ولا يرعك ما تسمع، فإنك آمن إن شاء الله "، ثم أوصى علياً بما أحبّ أن يوصيه، ثم قال: " سيروا ولا قوة إلا بالله ".(17/386)
فثار البعير، ثم دفع سائراً يدف كدفيف النعام، وعلي يتلو القرآن، فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر أذن علي وأناخ البعير، وقال: انزل بان الفجر أقام عليٌّ الصلاة، وتقدم وصلى بنا أنا والشيخ، ولا أزال أسمع الحس حتى إذا سلم علي التفت فإذا خلق عظيم لا يسمعهم إلا الخطيب الصّيت الجهير، فأقام علي يسبح ربّه حتى طلعت الشمس، ثم قام فيهم خطيباً، فخطبهم، واعترضه منهم مردة، فأقبل عليٌّ عليهم فقال: أبالحقّ تكذبون، وعن القرآن تصدفون، وبآيات الله تجحدون؟ ثم رفع طرفه إلى السماء، فقال: بالكلمة العظمى والأسماء الحسنى والعزائم الكبرى، والحي القيوم محيي الموتى، وربّ الأرض والسماء، يا حرسة الجن ورصدة الشياطين خدام الله الشراهاليين ذوي الأرواح الطاهرة، اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ، والشهاب الثاقب، والشواظ المحرق، والنحاس القاتل، ب: " ألمص "، و" الذاريات "، و" كهيعص "، و" الطواسين "، و" يس "، و" ن والقلم وما يسطرون "، و" النجم إذا هوى "، و" الطور وكتاب مسطور في رقّ منشور والبيت المعمور "، والأقسام والأحكام وتواضع النجوم، لمّا أسرعتم الانحدار إلى المردة المتولعين المتكبرين الجاحدين لآيات ربّ العالمين.(17/387)
قال سلمان: فحسست بالأرض من تحتي ترتعد، وسمعت في الهواء دوياً شديداً، ثم نزلت نار من السماء، صعق لها كل من رآها من الجن، وخرت على وجوهها مغشياً عليها، وخررت أنا على وجهي، ثم أفقت فإذا دخان يفور من الأرض يحول بيني وبين النظر إلى عتية المردة من الجن، فأقام الدخان طويلاً بالأرض.
قال سلمان: فصاح بهم علي: ارفعوا رؤوسكم، فقد أهلك الله الظالمين، ثم عاد إلى خطبيته، فقال: يا معشر الجن والشياطين والغيلان وبني شمراخ وآل نجاح، وسكان الآجام والرمال والأقفار وجميع شياطين البلدان: اعلموا أن الأرض قد ملئت عدلاً كما كانت مملوءة جوراً، هذا هو الحق. " فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال فأنى تصرفون ".
قال سلمان: فعجبت الجنّ لعلمه، وانقادوا مذعنين له، وقالوا: آمنا بالله وبرسوله وبرسول رسوله، لم تكذب وأنت الصادق المصدّق.
قال سلمان: وانصرفنا في الليل على البعير الذي كنا عليه، وشدّ علي وسطي إلى وسطه، وقال: اعصب عينيك، واذكر الله في نفسك، وسرنا يدف بنا البعير دفيفاً، والشيخ الذي قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمامنا حتى قدمنا الحرة، وذلك قبل طلوع الفجر.
فنزل علي، ونزلت، وسرّح البعير فمضى، ودخلنا المدينة فصلينا الغداة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما سلم رآنا فقال لعلي: " كيف رأيت القوم؟ " قال: أجابوا وأذعنوا، وقصّ عليه خبرهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما إنهم لا يزالون لك هايبين إلى يوم القيامة ".
حدث مصعب بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: كان علي بن أبي طالب حذراً في الحرب جداً، شديد الزوغان من قرنه، إذا حمل يحفظ جوانبه جميعاً من العدو، وإذا رجع من حملته يكون لظهره أشدّ تحفظاً منه لقدامه، ولا يكاد أحد يتمكن منه، فكانت درعه صدرة لا ظهر لها، فقيل له: ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك، فقال: إن أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ.(17/388)
وعن رقبة بن مصقلة العبدي عن أبيه عن جده قال: أتى رجلان عمر بن الخطاب في ولايته يسألانه عن طلاق الأمة، فقام معتمداً يمشي بينهما حتى أتى حلقة في المسجد، وفيها رجل أصلع، فوقف عليه فقال: يا أصلع: ما قولك في طلاق الأمة؟ فرفع رأسه إليه، ثم أومأ إليه بإصبعيه، فقال عمر للرجلين: تطليقتان، فقال أحدهما: سبحان الله جئنا لنسألك وأنت أمير المؤمنين، فمشيت معنا حتى وقفت على الرجل فسألته فرضيت منه بأن أومأ إليك؟ فقال: أو تدريان من هذا؟ قالا: لا، قال: هذا علي بن أبي طالب، أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسمعته وهو يقول: " لو أن السماوات السبع وضعن في كفة ميزان، ووضع إيمان علي في كفة ميزان، لرجح بها إيمان عليّ ".
وعن ربعي بن حراش قال: سمعت علياً عليه السلام يقولك وهو بالمدائن: جاء سهيل بن عمرو إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبّداً فارددهم علينا، فقال له أبو بكر وعمر: صدق يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه بالإيمان، يضرب أعناقكم وفي حديث بدر: رقابكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم "، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال له عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكنه خاصف النعل، وفي كف علي نعل يخصفها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ".
والله أعلم.(17/389)
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة انصرف إلى الطائف فحاصرهم سبع عشرة ليلة أو ثمان عشرة فلم يفتحها، ثم أوغل.
علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في منتصف جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله، وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل.
عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة انصرف إلى الطائف، فحاصرهم سبع عشرة ليلة، أو ثمان عشرة، فلم يفتحها، ثم أوغل غدوة، أو روحة، ثم نزل، ثم هجّر، فقال: " أيها الناس، إني لكم فرط، وأوصيكم بعترتي خيراً، وإن موعدكم الحوض. والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة، ولتؤتنّ الزكاة، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً مني، أو كنفسي فليضربنّ أعناق مقاتلتهم، وليسبينّ ذراريهم "، قال: فرأى الناس أنه أبو بكر وعمر، فأخذ بيد علي، فقال: " هذا ".
وعن الراء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي من بمنزلة رأسي من يدي ".
وعن حبشيّ بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو ".
وعن أبي سعيد الخدري قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر على الموسم، وبعث معه بسورة براءة وأربع كلمات إلى الناس، فلحقه علي بن أبي طالب في الطريق فأخذ علي السورة والكلمات، فكان علي يبلغ، وأبو بكر على الموسم، فإذا قرأ السورة نادى: ألا لا يدخل الجنة إلا نفس(18/5)
مسلمة، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفنّ بالبيت عريان. ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فأجله إلى مدته، حتى قال رجل: لولا أن يقطع الذي بيننا وبين ابن عمك من الحلف، فقال علي: لولا أن رسول الله أن أمرني أن لا أحدث شيئاً حتى آتيه لقتلتك. فلما رجع قال أبو بكر: مالي؟ هل نزل فيّ شيء؟ قال: " لا، إلا خير ". قال: وماذا؟ قال: إن علياً لحق بي وأخذ مني السورة والكلمات، فقال: " أجل. لم يكن يبلّغها إلا أنا، أو رجل مني ".
وفي حديث آخر عن أبي بكر رضي الله عنه: ثم قال لعلي: " الحقه، فردّ عليّ أبا بكر، وبلّغها أنت ". وفي آخره: " ولكن أمرت ألا يبلغه إلا أنا أو رجل مني ".
وعن علي قال: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: " أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه، فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم "، فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، نزل فيّ شيء؟ قال: " لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ".
وعن علي عليه السلام حين بعثن ببراءة قال: يا نبي الله، إني لست باللّسن ولا بالخطيب، قال: " ما بدّ من أن أذهب بها، أو تذهب بها أنت "، قال: فإن كان لابد فأذهب بها أنا، قال: " فانطلق فإن الله عزّ وجلّ يثبّت لسانك، ويهدي قلبك "، قال: ثم وضع يده على فيه وقال: " انطلق فاقرأها على الناس ". وقال: " إن الناس سيتقاضون إليك، فإذا أتاك الخصمان فلا تقضين لواحد حتى تسمع كلام الآخر، فإنه أجدر أن تعلم لمن الحقّ ".
وعن جميع بن عمير عن ابن عمر قال: كان في مسجد المدينة، فقلت له: حدثني عن علي، فأراني مسكنه بين مساكن(18/6)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: أحدثك عن علي؟ قال: قلت: نعم، قال فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا بكر بالكتاب، ثم بعث علياً في أثره، فقال: ما لي يا علي؟ أنزل فيّ شيء؟ قال: لا قال: فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أنزل فيّ شيء؟ قال: " لا ولكنه، إنما يؤدّي عني أنا أو رجل من أهل بيتي، وإن علياً رجل من أهل بيتي ".
وعن ابن عباس قال: بينا أنا مع عمر بن الخطاب في بعض طرق المدينة، يده في يدي إذ قال لي: يا بن عباس، ما أحسب صاحبك إلا مظلوماً. فقلت: فردّ إليه ظلامته يا أمير المؤمنين، قال: فانتزع يده من يدي، وتقدّمني يهمهم، ثم وقف حتى لحقته، فقال لي: يا بن عباس، ما أحسب القوم إلا استصغروا صاحبك، قال: قلت: والله ما استصغره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أرسله، وأمره أن يأخذ براءةً من أبي بكر، فيقرؤها على الناس، فسكت.
وعن عائشة قالت: رأيت أبا بكر الصديق يكثر النظر إلى وجه علي بن أبي طالب فقلت: يا أبه، إنك لتكثر النظر إلى علي بن أبي طالب فقال لي: يا بنيّة، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " النظر إلى وجه علي عبادة ".
وعن يونس مولى الرشيد قال: كنت واقفاً على راس المأمون وعنده يحيى بن أكثم القاضي، فذكروا علياً وفضله، فقال المأمون: سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت ابن عباس يقول: رجع عثمان إلى علي فسأله المصير إليه، فصار إليه، فجعل يحدّ النظر إليه، فقال له علي: مالك يا عثمان مالك تحدّ النظر إليّ؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " النظر إلى علي عبادة ".
وروي عن عمران بن حصين وعن جابر بن عبد الله وعن أنس بن مالك وغيرهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " النظر إلى علي عبادة ".(18/7)
وعن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مثل علي فيكم أو قال: في هذه الأمة كمثل الكعبة المسوّرة، النظر إليها عبادة، والحج إليها فريضة ".
قال أبو سليمان الخطابي:
معناه والله أعلم أن النظر إلى وجهه يدعو إلى ذكر الله لما يتوهم فيه من نور الإسلام، يرى عليه من بهجة الإيمان، ولما يتبين فيه من أثر السجود وسيماء الخشوع، وبذلك نعته الله تعالى فيمن معه من صحابة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " وهذه كما يروى لابن سيرين أنه دخل السوق، فلما نظر إليه وقد جهدته العبادة ونهكته سبحوا.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ذكر علي عبادة ".
وعن سلمة قال: تصدق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: " إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون ".
وعن علي عليه السلام قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهو راكعون " فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل المسجد، والناس يصلون بين راكع وقائم يصلي، فإذا سائل فقال: يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا، إلا هذاك الراكع لعليّ أعطاني خاتمه.
وعن أنس أنه قال: قعد العباس وشيبة صاحب البيت يفتخران فقال له العباس: أنا أشرف منك؛ أنا(18/8)
عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصي أبيه وساقي الحجيج، فقال شيبة: أنا أشرف منك: أنا أمين الله على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك كما ائتمنني؟ فهما على ذلك يتشاجران حتى أشرف عليها علي، فقال له العباس: على رسلك يا بن أخ، فوقف علي عليه السلام، فقال له العباس: إن شيبة فاخرني، فزعم أنه أشرف مني، فقال: فما قلت له أنت يا عماه؟ قال: قلت له: أنا عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصي أبيه، وساقي الحجيج. أنا أشرف منك، فقال لشيبة: ماذا قلت له أنت يا شيبة؟ قال: قلت له: أنا أشرف منك: أنا أمين الله على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك الله عليه كما ائتمنني؟ قال: فقال لهما: اجعلا لي معكما مفخراً. قالا: نعم. قال: فأنا أشرف منكما: أنا أول من آمن بالوعيد من ذكور هذه الأمة، وهاجر، وجاهد. فانطلقوا ثلاثتهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فجثوا بين يديه، فأخبر كل واحد منهم بمفخره، فما أجابهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بشيء، فانصرفوا عنه، فنزل عليه الوحي بعد أيام فيهم، فأرسل إليهم ثلاثتهم حتى أتوه، فقرأ عليهم: " أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر " إلى آخر العشر. قرأه أبو معمر.
وعن ابن عباس في قوله تعالى: " الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانية " قال: نزلت في علي بن أبي طالب: كان عنده أربعة دراهم، فأنفق بالليل واحداً، وبالنهار واحداً، وفي السرّ واحداً، وفي العلانية واحداً.
وعن ابن عباس قال: لما نزلت: " إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قومٍ هادٍ " قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " أنا المنذر، وعي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون ".
وعن مجاهد في قوله عزّ وجلّ: " والّذي جاء بالصّدق وصدّق به " قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "(18/9)
وصدّق به ": علي بن أبي طالب، وفي قوله تعالى: " إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قومٍ هادٍ " قال: " علي بن أبي طالب ".
وعن أبي هريرة قال: مكتوب على العرش: لا إله إلا الله وحدي، لا شريك لي، ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعليّ. وذلك قوله في كتابه " هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين " عليّ وحده.
وعن عبد الله أنه كان يقرأ " وكفى الله المؤمنين القتال " بعلي بن أبي طالب.
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي على بيّنة من ربه، وأنا الشاهد منه.
وعن أبي سعيد الخدري في قوله: " ولتعرفنّهم في لحن القول " قال: ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن أبي جعفر في قوله: " يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين " قال: مع علي بن أبي طالب.
وعن بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: " إنّ الله أمرين أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحقّ على الله أن تعي "، فنزلت: " وتعيها أذنٌ واعيةٌ ".
وعن ابن عباس في قوله عز وجل: " وصالح المؤمنين " قال: علي بن أبي طالب.(18/10)
وعن حذيفة قال: دخلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال:
" كيف انتم إذا اختصم السلطان والقرآن؟ " فقلنا: وأنى يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: " إذا قالوا: القرآن مخلوق، برئ الله منهم، وأنا منهم بريء، وصالح المؤمنين ". قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " وصالح المؤمنين: علي بن أبي طالب ".
وعن ابن عباس: " قل بفضل الله ": النبي صلّى الله عليه وسلّم " وبرحمته ": عليّ رضي الله عنه.
وعن ابن عباس قال: ما نزل القرآن " يا أيّها الّذين آمنوا " إلا عليٌّ سيّدها وشريفها وأميرها، وما أحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا قد عاتبه الله في القرآن ما خلا عليّ بن أبي طالب، فإنه لم يعاتبه في شيء منه.
وفي حديث آخر: وما ذكر علياً إلا بخير.
وعن ابن عباس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله مانزل في عليّ.
وعنه قال: نزلت في عليّ ثلاث مئة آية.
وعن انس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً في المسجد، وقد أطاف به أصحابه إذ أقبل عليّ، فسلم ثم وقف ينظر مكاناً يجلس فيه، فنظر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى وجوه أصحابه أيّهم يوسع له، وكان أبو بكر عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً، فتزحزح أبو بكر عن مجلسه وقال: هاهنا يا أبا الحسن، فجلس بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين أبي بكر، فرأينا السرور في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم(18/11)
أقل على أبي بكر فقال: " يا أبا بكر، إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل ".
وعن شراحيل بن مرّة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " أبشر يا علين حياتك وموتك معي ".
وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا وهذا يعني: علياً نجيء يوم القيامة كهاتين "، وجمع بين أصبعيه السّبابتين.
وعن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متورّكة الحسن والحسين، في يدها برمة للحسن وقال ابن حمدان: للحسين فيها سخين، حتى أتت بها النبي صلّى الله عليه وسلّم. فلما وضعتها قدامه قال لها: " أين أبو الحسن؟ " قالت: في البيت، فدعاه قال ابن حمدان: فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين يأكلون قالت أم سلمة: وما سامني إليّ وقال ابن المقرئ: فدعاه فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم اتفقا وما أكل طعاماً قط وأنا عنده إلا سامنيه قبل ذلك اليوم تعني بسامني: دعاني إليه فلما فرغ التفّ عليهم وقال ابن حمدان: عليه بثوبه ثم قال: " اللهم، عاد من عاداهم ووال من والاهم ".
وعن البراء بن عازب قال: جاء علي رضي الله عنه وقاطمة والحسن والحسين إلى باب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال بردائه وطرحه عليهم ثم قال: " اللهم، هؤلاء عترتي ".
وعن عمر بن الخطاب عن أبي بكر الصديق قال: سمعت أبا هريرة يقول: جئت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين يديه تمر، فسلمت عليه فرد علي وناولني من التمر ملء كفه، فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، ثم مضيت من عنده إلى علي بن أبي طالب وبين يديه تمر، فسلمت عليه، فردّ عليّ وضحك إليّ وناولني من التمر ملء كفه فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، فكثر تعجبي من ذلك، فرحت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت:(18/12)
يا رسول الله، جئتك وبين يديك تمر، فناولتني ملء كفك، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة، ثم مضيت إلى علي بن أبي طالب، وبين يديه تمر، فناولني ملء كفه، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة فعجبت من ذلك، فتبسم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: " يا أبا هريرة، أوما علمت أن يدي ويد علي بن أبي طالب في العدل سواء؟ ".
وعن حبشيّ بن جنادة قال:
كنت جالساص عند أبي بكر فقال: من كانت له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عدة فليقم، فقام رجل فقال: يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعدني ثلاث حثيات من تمر، قال: فقال: أرسلوا إلى علي، فقال: يا أبا الحسن، إن هذا يزعم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعده أن يحثي له ثلاث حثيات من تمر فاحثها له، قال: فحثاها، فقال أبو بكر عدّوها فعدّوها، فوجدوه في كل حثية ستين تمرة لا تزيد واحدة على الأخرى، قال: فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الهجرة، ونحن خارجان من الغار نريد المدينة، " كفّي وكفّ علي في العدل سواء ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله طهر قوماً من الذنوب بالصّلعة في رؤوسهم، وإن علياً لأولهم ".
وعن أبي الدرداء قال: لما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذ بن جبل إلى اليمن خطبهم، فإذا هم صلع كلهم، فقال: ما لي أراكم صلعاً كلكم؟ قالوا: خلقنا ربنا، قال: أفلا أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: وددنا، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ن الله تبارك وتعالى طهر قوماً من الذنوب فأصلع رؤوسهم، وإن علي بن أبي طالب أولهم ".
وعن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مرحباً بسيد المسلمين، وإما المتقين "، فقيل لعلي: فأي شيء كان من شكرك؟ قال: حمدت الله على ما أتاني، وسألته الشكر على ما أولاني، وأن يزيدني فيما أعطاني.(18/13)
وعن علي بن أبي طالب قال: جلست مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " يا أبا حسن، أيها أحبّ إليك: خمس مئة شاة ورعاتها أهبها لك، أو خمس كلمات أعلمكهن تدعو بهن؟ " فقلت له: بأبي أنت وأمي، أما من يريد الدنيا فيريد خمس مئة شاة ورعاتها، وأما من يريد الآخرة فيريد خمس كلمات، قال: فأيّها تريد؟ قلت الخمس كلمات، قال: " فقل: اللهم، اغفر لي ذنبي، وطيّب لي كسبي، ووسّع لي في خلقي، وقنّعني بما قسمت لي، ولا تذهب بنفسي إلى شيء قد صرفته عني ".
وعن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " قد أتاكم أخي "، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال: " والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة "، ثم قال: " إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزيّة ". قال: ونزلت: " إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البريّة " قال: فكان أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البريّة.
وعن أبي سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي خير البرية ".
وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي خير البشر، من أبى فقد كفر ".
قال الخطيب: لم يرو هذا الحديث عن شريك بن عبد الله غير الحرّ بن سعيد، والمحفوظ عن شريك ما رواه أبو داود الدهان قال: سمعت شريك بن عبد الله يقول: " عليٌّ خير البشر، فمن أبى فقد كفر ".
وعن عطية العوفي قال: قلت لجابر: كيف كان منزلة علي فيكم؟ قال: كان خير البشر.(18/14)
وعن جابر قال: عليّ خير البشر، لا يشك فيه إلا منافق.
وعن جابر قال: سئل عن علي فقال: ذاك خير البرية، لا يبغضه إلا كافر.
وعن عطية العوفي قال: دخلنا على جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، قال: فقلنا له: أخبرنا عن عليّ، قال: فرفع حاجبيه بيديه ثم قال: ذاك من خير البشر.
زاد في رواية: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علياً.
وعن عطاء قال: سألت عائشة عن علي رضي الله عنهم، فقالت: ذاك خير البشر، لا يشك فيه إلا كافر.
وعن ابن عباس قال:
بلغ علي بن أبي طالب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جوعٌ، فأقام رجلاً من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلواً على سبع عشرة تمرة ثم أتى بهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، بلغني ما بك من الشدة، فأتيت رجلاً من اليهود، فاستقيت له سبعة عشر دلواً على سبع عشرة تمرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فعلت هذا حباً لله ورسوله؟ " قال: نعم، قال: " فأعد البلاء تجفافاً "، يعني: الصبر.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: لقد رأيتني، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعة آلاف دينار.(18/15)
وفي رواية: وإن صدقتي اليوم لأربعون ألفاً.
وفي رواية: وإن صدقة مالي لتبلغ أربعين ألف دينار.
وعن الشعبي قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته.
وعن علي قال: لقد تزوجت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومالي فراش غير جلد كبش، ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار. ومالي خادم غيرها.
وعن أبي سعيد الخدري قال: كان لعلي أحسبه قال: من النبي صلّى الله عليه وسلّم مدخل لم يكن لأحد من الناس، أو كما قال.
وعن أبي البختريّ قال: قيل لعلي بن أبي طالب: حدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين، قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.
وعن علي قال: كنت إذا سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطاني، وإذا سكت ابتدأني.
وقيل لعلي: مالك أكثر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثاً؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكت ابتدأني.
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة الجنة، وأنت بابها يا عليّ، كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها ".(18/16)
وفي حديث آخر عن عليّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا دار الحكمة، وعليّ بابها ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة العلم، وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة ".
وعن حبيب بن النعمان قال: أتيت المدينة لأجاور بها، فسألت عن خير أهلها، فأشاروا إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: فأتيته، فسلمت عليه، فقال لي: أنت الأعرابي الذي سمعت من أنس بن مالك خمس عشر حديثاً؟ قلت: نعم، قال: فأملها علي قال: فأملتيها على ابنه وهو يسمع، فقلت: ألا تحدثني بحديث عن جدك أخبرك به أبوك؟ قال: يا أعرابي، تريد أن يبغضك الناس، وتنسب إلى الرفض؟ قال: قلت: لا، قال: حدثني أبي عن جدي، حدثني جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر سيدا أهل الجنة "، قال: فعجلت، فعرف الذي أردته، قال: وحدثني أبي عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة الحكم أو الحكمة وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ".
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية، وهو آخذ بيد علي وهو يقول: " هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصورٌ من نصره، مخذولٌ من خذله يمدّ بها صوته أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " شجرة أنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمرها، والشيعة ورقها. فهل يخرج من الطيّب إلا الطيّب؟ وأنا مدينة، عليٌّ بابها، فمن أرادها فليأت الباب ".
وعن عبد الله قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فسئل عن علي فقال: " قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة أجزاء، والناس جزءاً واحداً ".(18/17)
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي عيبة علمي ".
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّ علياً بالعلم غرّاً.
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في مرضه: " ادعوا لي أخي "، فدعي له عثمان، فأعرض عنه ثم قال: " ادعوا لي أخي "، فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب، وانكب عليه. فلما خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علمني ألف باب، يفتح كل باب ألف باب.
طعن في هذا الحديث قوم.
وعن علي بن أبي طالب قال:
كنت أدخل على رسول الله ليلاً ونهاراً، وكنت إذا سألته أجابني، وإن سكت ابتدأني، وما نزلت آية إلا قرأتها، وعلمت تفسيرها وتأويلها، ودعا الله لي ألاّ أنسى شيئاً علمني إياه، فما نسيت من حرام ولا حلال، وأمرٍ ونهي، وطاعة ومعصية، ولقد وضع يده على صدري وقال: " اللهم، املأ قلبه علماً، وفهماً، وحكماً، ونوراً "، ثم قال لي: " أخبرني ربي عزّ وجلّ أنه قد استجاب لي فيك ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، اسكب لي وضوءاً "، ثم قام، فصلى ركعتين، ثم قال: " يا أنس، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين ". قال أنس: قلت: اللهم، اجعله رجلاً من الأنصار، وكتمته، إذ جاء علي فقال: " من هذا يا أنس؟ " فقلت: علي، فقام مستبشراً فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق عليّ بوجهه، فقال: يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً(18/18)
ما صنعت بي قبل قال: " وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟ ".
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أنت تغسلني، وتواريني في لحدي، وتبين لهم بعدي ".
وفي رواية: " أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي ".
وعن حذيفة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " جعلتك علماً فيما بيني وبين أمتي، فمن لم يتبعك فقد كفر ".
قال: في هذا الحديث مجاهيل.
وعن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعملني على اليمن، فقلت له: يا رسول الله، إني شاب حدث السن، ولا علم لي بالقضاء، فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدري مرتين أو قال: ثلاثاً وهو يقول: " اللهم، اهد قلبه، وثبّت لسانه "، فكأنما كل علم عندي، وحشي قلبي علماً وفقهاً، فما شككت في قضاءين اثنين.
وعن علي قال: بعثني النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضياً، فقلت: " تبعثني إلى قوم وأنا حدث السن، ولا علم لي بالقضاء فوضع يده على صدري، وقال: ثبّتك الله وسدّدك، إذا جاءك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر، فإنه أجدر أن يبين لك القضاء ". قال: فما زلت قاضياً.
وعن ابن عباس قال: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم علياً إلى اليمن فقال: " علمهم الشرائع، واقض بينهم "، قال: لا علم لي بالقضاء، قال: فدفع في صدره وقال: " اللهم، اهده القضاء "، فنهدهم عن الدّباء، والحنتم، والمزفت.(18/19)
وعن علي قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: " قل: ربي الله ثم استقم ". قال: قلت: ربي الله، وما توفيقي إلا بالله، قال: " هنيئاً لك العلم أبا حسن، فقد شربت العلم شرباً، وثاقبته ثقباً ".
وعن ابن عباس قال: كنا نتحدث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره.
وعن بريدة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لكل نبي وصيّ ووارث، وإن علياً وصيّي ووارثي ".
وعن ابن عباس قال: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا انقض كوكب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من انقضّ هذا النجم في منزله، فهو الوصي من بعدي "، فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي، قالوا: يا رسول الله، قد غويت في حبّ علي، فأنزل الله تعالى: " والنّجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى " إلى قوله: " وهو بالأفق الأعلى ".
أنكر هذا الحديث قوم.
قال أبو إسحاق: قيل لقثم: بأي شيء ورث علي النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: كان أوّلنا به لحوقاً، وأشدّنا به لزوقاً، فقلت: فإيش معنى ورث علي؟ قال: لا أدري، إلا أن عيسى بن يونس حدث وذكر حديث مجالد بن سعيد: المراد بالميراث هاهنا: العلم، بدليل أن العباس أقرب منه قرابة، غير أن علياً كان ألزم للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأقدم له صحابة.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيتها لما حضره الموت:
" ادعوا لي حبيبي "، فدعوت له أبا بكر، فنظر إليه ثم وضع رأسه ثم قال: " ادعوا لي(18/20)
حبيبي "، فدعوا له عمر. فلما نظر إليه وضع رأسه ثم قال: " ادعوا لي حبيبي "، فقلت: ويلكم ادعوا لي علي بن أبي طالب، فوالله ما يريد غيره. فلما رآه افرد الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه، فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه.
تفرد به مسلم.
وعن جميع بن عمير أن أمه وخالتاه دخلتا على عائشة، فقالتا: يا أم المؤمنين، أخبرينا عن علي، قالت: أي شيء تسألن، عن رجل وضع يده من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موضعاً فسالت نفسه في يده، فمسح بها وجهه، واختلفوا في دفنه فقال: إن أحب البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيّه، قالت: فلم خرجت عليه؟ قالت: أمر قضي، لوددت أني أفديه بما على الأرض.
وعن أم سلمة أنها قالت: والذي تحلف به أم سلمة إن كان أقرب الناس عهداً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ، فقالت: لما كانت غداة قبض، فأرسل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أرى في حاجة بعثه لها. قالت: فجعل غداةً بعد غداة يقول: " جاء علي؟ " ثلاث مرات، قالت: فجاء قبل طلوع الشمس. فلما أن جاء عرفنا أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، وكنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ في بيت عائشة، قالت: فكنت آخر من خرج من البيت ثم جلست أدناهن من الباب، فأكبّ عليه علي، فكان آخر الناس به عهداً، وجعل يسارّه ويناجيه.
قال: والمراد بالوصية أنه أمره أن يقضي عنه ديونه. فقد روي عن سلامة بن سهم التيمي قال: كنا في رحبة علي، والناس فيها حلق على مثل هذه السّبابة ففشا في الناس أن هذه وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى بلغه، فوثب مغضباً فقال: الله الله أن تفتروا على نبيكم ثلاث مرات أأسرّ إليّ شيئاً دونكم ثم أخرجها، فإذا فيها آية من كتاب الله أو شيء من الفقه وقال: يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط، ومبغض مفرط.
وفي الحديث الصحيح ما روي عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي فقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة فيها أسنان الإبل وأشياء من الجارحات فقد كذب، قال: فيها: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "(18/21)
المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ".
وعن عبد الله بن يحيى قال: سمعت علياً على المنبر يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت ما عهد إليّ، وإني لعلى بيّنة من ربي بيّنها لنبيّه عليه السلام، فبيّنها لي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً.
وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: خطب علي بن أبي طالب في عامة فقال: أيها الناس، إن العلم يقبض قبضاً سريعاً، وإني أوشك أن تفقدوني، فسلوني، فلن تسلوني عن آية من كتاب الله إلا نبأتكم بها، وفيم أنزلت، وإنكم لن تجدوا أحداً من بعدي يحدثكم.
وفي حديث بمعناه: فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي فيم أنزلت، ولا أين نزلت، ولا ما عني بها.
وعن علي قال: كان لي لسان سؤول، قلب عقول، وما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وبم نزلت، وعلى من نزلت. وإن الدنيا يعطيها الله من أحبّ، ومن أبغض، وإن الإيمان لا يعطيه الله إلا من أحب.
وعن أبي الطفيل قال: قال علي: سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليلٍ نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل.(18/22)
وعن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم اقسم عليٌّ ألاّ يرتدي برداء إلا لجمعة، حتى يجعل القرآن في مصحف، ففعل، فأرسل إليه أبو بكر: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله، إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة، فبايعه ثم رجع.
وفي حديث بمعناه قال: فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال محمد: فلو أصيب ذلك الكتاب كان فيه علم. قال ابن عوف: فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فم يعرفه.
وعن ابن شبرمة قال: ما كان أحد يقول على المنبر: سلوني ما بين اللوحين إلا علي بن أبي طالب.
وعن عمير بن عبد الملك قال: خطبنا علي على منبر الكوفة فقال: أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فبين الجنبين مني علم جمّ.
وعن خالد بن عرعرة قال:
أتيت الرحبة فإذا بنفر جلوس قريب من ثلاثين أو أربعين رجلاً، فقعدت فيهم، فخرج علينا عليّ، فما رأيته أنكر أحداً من القوم غيري فقال: ألا رجل يسألني فينتفع وينفع نفسه؟ وعن عبد الله بن مسعود قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن.
وعن عبد الله بن مسعود قال: ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه المطايا، قال: فقال له رجل: فأين أنت عن علي؟ قال: به بدأت، إني قرأت عليه.
سأل ابن الكوا علياً عليه السلام: أيّ الخلق أشد، فقال أشد خلق ربك عشرة: الجبال الرواسي، والحديد تنحت به(18/23)
الجبال، والنار تأكل الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يعني: يحمل الماء والريح تقلّ السحاب، والإنسان يغلب الريح، يبعثها بيده، ويذهب لحاجته، السكر يغلب الإنسان، والنوم يغلب السكر، والهمّ يغلب النوم، فأشد خلق ربك الهمّ.
وعن ابن مسعود قال: قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعين سورة، وختمتالقرآن على خير الناس بعده، فقيل له: من هو؟ قال: علي بن أبي طالب.
وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحداً أقرأ لكتاب الله من علي بن أبي طالب.
وعنه قال: ما رأيت قرشياً قط أقرأ من علي بن أبي طالب، صلى بنا الفجر فقرأ بسورة، وترك آية. فلما ركع، ورفع رأسه من السجدتين ابتدأ بالآية التي تركها ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ سورة أخرى.
وعن ابن عباس قال: خطبنا عمر على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: علي أقضانا، وأبيّ أقرأنا، وإنّا لندع من قول أبيّ أشياء. إن أبيّاً سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي يقول: لا أدع ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد نزل بعد أبيّ كتاب.
وفي رواية: وإنا لندع كثيراً من لحن أبيّ، وأبيّ يقول: سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أدعه لشيء، والله يقول: " ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها " وعن عطاء قال: كان عمر يقول: عليّ أقضانا للقضاء، وأبيّ أقرأنا للقرآن.(18/24)
وعن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: أفرض أهل المدينة، وأقضاها علي بن أبي طالب.
وعن الشعبي قال: ليس منهم أحد أقوى قولاً في الفرائض من علي بن أبي طالب.
وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع عمر يقول لعلي وسأله عن شيء فأجابه، فقال له عمر: نعوذ بالله من أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن.
وعن سعيد بن المسيّب قال: قال عمر بن الخطاب: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن؛ علي بن أبي طالب.
وعن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب، فلما دخل الطواف استلم الحجر وقبّله، وقال: إني لأعلم أنّك حجر، لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك، قال: ثم مضى في الطواف، فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، إنه ليضرّ وينفع، فقال له عمر: بم قلت ذلك؟ قال: بكتاب الله، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قول الله عزذ وجلّ: " وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى " قال: لما خلق الله آدم عليه السلام مسح منكبه، فخرج ذرّيته مثل الذرّ، فعرّفهم بنفسه أنه الرّب، وأنهم العبيد، وأقرّوا بذلك على أنفسهم، وأخذ ميثاقهم بذلك، فكتبه في رقّ أبيض، قال: وكان هذا الركن الأسود يومئذ له لسان وشفتان وعينان، فقال له: افتح فاك، فألقمه ذلك الرقّ، وجعله في موضعه، وقال: تشهد لمن وافاك بالموافاة إلى يوم القيامة، قال: فقال عمر بن الخطاب: لا بقيت في قوم لست فيهم يا أبا حسن، أو قال: لا عشت في قوم لست فيهم أبا حسن.(18/25)
وعن ابن عباس قال: قسّم علم الناس خمس أجزاء، فكان لعلي منها أربعة أجزاء، ولسائر الناس جزء، وشاركهم عليّ في الجزء، فكان أعلم به منهم.
وعن ابن عباس قال: إنا إذا ثبت لنا الشي عن علي لن نعدل به إلى غيره.
وعنه أنه قال: إذا بلغنا شيء تكلم به علي من فتيا أو قضاء وثبت لم نجاوزه إلى غيره.
وعن جسرة قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء فقالت: من يأمركم بصومه؟ قالوا: علي، قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسّنّة.
وعن عائشة قالت: علي أعلم الناس بالسّنّة.
وعن عبيدة قال:
صحبت عبد الله سنة ثم صحبت علياً، فكان فضل ما بينهما في العلم كفضل المهاجر على الأعرابي.
وعن أبي سعيد قال: كان علي يأتي السوق فيقول: يا أهل السوق، اتقوا الله، وإياكم والحلف فإن الحلف ينفق السلعة، ويمحق البركة، وإن التاجر فاجر إلا من أخذ الحق، وأعطى الحق، والسلام عليكم. ثم يمكث الأيام ثم يأتي السوق فيقولون: قد جاء البوذشكب، فسأل سرّيته فقالت: يقولون: عظيم البطن، فقال: أسفله طعام، وأعلاه علم.
وعن مسروق قال: شاممت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم: عمر، وعلي،(18/26)
وعبد الله، وأبي الدرداء، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت. ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين: إلى عليّ وعبد الله.
وعن مسروق قال: انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق، فعالم المدينة علي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدارداء. فإذا التقوا ساءل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهم.
وعن الشعبي أن عمرو بن مسعود وزيد بن ثابت كان يناظر بعضهم بعضاً، ويتعلم بعضهم من بعض، وكان علي وأبي وأبو موسى يأخذ بعضهم من بعض.
وعن عبد الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: أكان في أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أعلم من علي بن أبي طالب؟ قال: لا والله، ما أعلمه.
وعن عامر أن رجلاً أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، ما تقول في علي؟ قال: " قديمةٌ هجرته، حسن سمته، وحسنٌ بلاؤه، كريمٌ حسبه "، قال: يا رسول الله، إني لست عن ذلك أسأل، ولكنه خطب إليّ ابنتي فأحببت أن أعلم ما يبلغ ذلك من مسرّتك ومساءتك، قال: فقال: " إن فاطمة بضعة مني، فأحب ما سرّها، وأكره ما ساءها "، قال: والذي بعثك بالحق لا أنكح علياً ما دامت فاطمة حيّة.
قال الشعبي: بينا أبو بكر جالس إذ طالع علي بن أبي طالب من بعيد. فلما رآه قال أبو بكر: من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة، وأقربهم قرابة، وأفضلهم دالّة وأعظمهم غناء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلينظر إلى هذا الطالع.(18/27)
قال معقل بن يسار المزني: سمعت أبا بكر الصديق يقول لعلي بن أبي طالب: عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن خيثمة قال: كان نفر عند سعد، قال: فذكروا علياً، فنالوا منه، فقال سعد: مهلاً عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا نزلت: " لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " فأرجو أن تكون رحمة سبقت لنا من الله.
وعن أبي بكر بن خالد بن عرفطة أنه أتى سعد بن مالك فقال: بلغني أنكم تعرضون عليّ سبّ عليّ بالكوفة، فهل سببته؟ قال: معاذ الله، قال: والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: في عليٍّ شيئاً، لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسبّه ما سببته أبداً.
وعن عيسى بن طلحة قال: قلت لابن عباس: يا أبا عباس، صف لنا سلفنا حتى كأني عاينتهم، قال: تسلني عن أبي بكر؟ كان والله في علمي تقياً، ندياً، الخير كلّه فيه، من رجل يصادى منه غرب، يعني: حدّة، تسألني عن عمر؟ كان والله في علمي تقياً، قوياً، قد وضعت له الحبائل بكل مرصد، كان لها حذراً، من رجل في سوقه عنف، تسلني عن عثمان؟ كان والله في علمي صواماً، قواماً، ومن رجل يحب قومه. تسلني عن علي؟ كان والله في علمي عليماً، حكيماً، إن سمعته يقول شيئاً قط إلا أحسنته، من رجل يأتكل على موضعه، ولم أره أشرف على شيء قط حتى أقول هذه آخذه إلا صرف عنه. قلت: يا أبا عباس، أكنتم تعدّونه مجدوداً؟ قال: أنتم تقولون ذلك.
وعن ابن عمر أنه بلغه أن رجلاً يذكر عليّ بن أبي طالب، فقال ابن عمر: ولم تفعل؟ فوربّ هذه البنيّة لقد سبقت له الحسنى من الله، ما لها من مردود.(18/28)
وعن سعد بن عبيدة قال: قال رجل لابن عمر: ما تقول في علي؟ فإني أبغضه، قال: أبغضك الله، فإني أبغضك.
وعن مولىً لحذيفة قال: كان حسين بن علي آخذاً بذراعي في أيام الوسم، قال: ورجل خلفنا يقول: اللهم، اغفر له ولأمه، فأطال ذلك، فترك ذراعي وأقبل عليه فقال: قد آذيتنا منذ اليوم، تستغفر لي ولأمي، وتترك أبي، وأبي خير مني ومن أمي؟ وعن أبي إسحاق قال:
جاء ابن احور التميمي إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من عند ألأم الناس، وأبخل الناس، وأعيا الناس، وأجبن الناس، فقال: ويلك وأنى أتاه اللؤم؟ ولكنا نتحدث أن لو كان لعلي بيت من تبن، وآخر من تبر لأنفد التبر قبل التبن، وأنى أتاه العيّ؟ وإن كنا لنتحدث أنه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من علي، ويلك وأنى أتاه الجبن؟ وما برز له رجل قط إلا صرعه. والله يا بن أحور لولا أن الحرب خدعة لضربت عنقك، اخرج فلا تقيمنّ في بلدي. قال عطاء: وإن كان يقاتله فإنه كان يعرف فضله.
وعن يحيى بن زيد بن علي قال: قال عتبة بن أبي سفيان ليلة لمعاوية: يا أمير المؤمنين، بم يطلب عليّ هذا الأمر؟ فوالله ما كان من أهله، ولا آله، فقال معاوية: علي والله كما قال الشاعر: الطويل
لئن كان إذ لا خاطباً فتعذّرت ... عليه وكانت عاتباً فتخطّت
فما تركته رغبة عن حبالة ... ولكنها كانت لآخر خطّت
قال جابر: كنّا ذات يوم عند معاوية بن أبي سفيان، وقد جلس على سريره، واعتجر(18/29)
بتاجه، واشتمل بساجه، وأومأ بعينيه يميناً وشمالاً، وقد تفرّشت جماهير قريش، وسادات العرب أسفل السرير من قحطان، ومعه رجلان على سريره: عقيل بن أبي طالب، والحسن بن علي، وامرأة من وراء الحجاب تشير بكمّيها يميناً وشمالاً فقالت: يا أمير المؤمنين، ما بتّ الليلة، أرقة، قال لها معاوية: أمن ألمٍ؟ قالت: لا، ولكن من اختلاف رأي الناس فيك وفي عليّ بن أبي طالب. صخر بن حرب ابن أميّة، وكان أميّة من قريش لبابها، فقالت في معاوية فأكثرت، وهو مقبل على عقيل والحسن، فقال معاوية: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من صلّى أربعاً قبل الهر، وأرباً بعدها حرّم على النّار أن تأكله أبداً، ثمّ قال لها: أفي علي تقولين: المطعم في الكربات، المفرّج للكربات مع ما سبق لعلي من العناصير السرية، والشيم الرّضية والشرف، فكان كالأسد الحادر، والربيع النائر، والفرات الزاخر، والقمر الزاهر: فأما الأسد فأشبه علي منه صرامته ومضاءه، وأما الرّبيع فأشبه علي منه حسنه وبهاءه، وأما الفرات فأشبه علي منه طيبه وسخاءه، فما تغطمطت عليه قماقم العرب السادة، من أول العرب عبد مناف، وهاشم، وعبّاس القماقم، والعباس صنو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبوه وعمه، أكرم به أباً وعمّاً، ولنعم ترجمان القرآن ولده، يعني: عبد الله بن عبّاس كهل الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول، خيار خلق الله، وعترة نبيّه، خيار ابن أخيار، فقال عقيل بن أبي طالب: يا بنت أبي سفيان، لو أن لعلي بيتين: بيت من تبر، والآخر تبن بدأ بالتبر وهو الذهب، يا أبا يزيد، كيف لا أقول هذا في علي بن أبي طالب؟ وعلي من هامات قريش وذؤابتها، وسنام قائم عليها، وعليّ علامتها في شامخ؟ فقال له عقيل: وصلتك رحمّ يا أمير المؤمنين.
وعن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: ألا تخبرني عن أبي بكر وعلي؟ فإن أبا بكر كان له السّن والسّابقة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن ستين سنة، وعلي ابن أربع وثلاثين سنة، ثم(18/30)
إن الناس صاغية إلى علي، فقال: أي ابن أخ، كان والله له ما شاء من ضرس قاطع، أبسطه في النسب وقرابته من النّبي صلّى الله عليه وسلّم ومصاهرته، والسّابقة في الإسلام، والعلم بالقرآن، والفقه والسّنّة، والنّجدة في الحرب، والجود في الماعون، كان والله له ما شاء الله من ضرس قاطع.
وحدّث سعيد عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وكانت ابنته تحت واقد بن عبد الله بن عمر: فدخل عبد الله بن عياش على ابنته، فقلت: يا أبا الحارث، ألا تخبرني عن عليّ بن أبي طالب؟ قال: أما والله يا ابن أخي إنّي به لخابر، قلت: وتقول ذاك ما هو؟ قال: كان رجلاً تلعابة، وكان إن شاء أن يقطع له ضرس قاطع قطع، قلت: وضرسه ذاك ما هو؟ قال: قراءة القرآن، وعلم بالقضاء، وبأسٌ، وجود، لا ينكس. قال الأسود بن قيس: فقلت له: ما تلعابة؟ قال: فيه مضاحكة.
وعن أبي الطفيل قال: قال بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لقد كان لعليّ بن أبي طالب من السّوابق ما لو أن سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً.
قال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
قال البيهقي: وهذا لأن أمير المؤمنين عليّاً عاش بعد سائر الخلفاء حتى ظهر له مخالفون، وخرج عليه خارجون، فاحتاج من بقي من الصّحابة إلى رواية ما سمعوه في فضائله، وقرابته، ومناقبه، ومحاسنه ليردّوا بذلك عنه ما لا يليق به من القول والفعل، وهو أهل كلّ فضيلة ومنقبة، ومستحقّ لكلّ سابقة ومرتبة، ولم يكن أحد في وقته أحقّ بالخلافة منه، وكان في قعوده عن الطلب قبله محقّاً، وفي طلبه في وقته مستحقّاً، وهو كما(18/31)
قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: لم يزل عليّ بن أبي طالب مع الحقّ، والحقّ معه حيث كان.
وعن جري بن كليب قال: رأيت عليّاً يأمر بالمتعة، قال: ورأيت عثمان بن عفّان ينهى عنها، فقلت لعليّ: إن بينكما لشرّ، فقال: ما بيننا إلاّ خير، ولكن خيرنا أتبعنا لهذا الدّين.
وعن حذيفة قال: ذكرت الإمارة أو الخلافة عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " إن ولّيتموها أبا بكر وجدتموه ضعيفاً في بدنه، قويّاً في أمر الله، وإن ولّيتموها عمر وجدتموه قويّاً في أمر الله، قويّاً في بدنه، وإن ولّيتموها عليّاً وجدتموه هادياً مهدياً، يسلك بكم على الطريق المستقيم ".
وعن علي قال: قيل: يا رسول الله، من نؤمّر بعدك؟ قال: " إن تؤمّروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدّنيا، راغباً في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر تجدوه قويّاً، أميناً، لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّاً، ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الطريق المستقيم ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: كنّا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ، قال: فتنفّس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: " نعيت إليّ نفسي "، قلت: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: أبو بكر، قال: فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفّس، فقلت: ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: " نعيت إليّ نفسي يا بن مسعود "، قال: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: عمر، قال: فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفّس، قال: قلت: ما شأنك؟ قال: " نعيت إليّ نفسي يا بن مسعود "، قال: قلت: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: عليّ بن أبي طالب، قال: " أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلنّ الجنة أجمعين أكتعين ".(18/32)
طعنوا في مينا، أحد رواته.
وعن أنس بن مالك أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ: " إنّك لن تموت حتى تؤمّر، وتملأ غيظاً، وتوجد من بعدي صابراً ".
وعن عمران بن حصين قال: مرض عليّ في عهد النّبي صلّى الله عليه وسلّم فعاده النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعدناه معه، فقال: يا رسول الله، ما أرى عليّاً إلاّ لما به، فقال: " والذي نفسي بيده لا يموت حتى يملأ غيظاً، ويوجد من بعدي صابراً ".
وفي حديث آخر: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظاً، ولن يموت إلا مقتولاً.
وعن ابن عباس أن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه خرج من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وجعه الذي توفي فيه، فقال له الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أصبح بحمد الله بارئاً قال: فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال: أرأيتك فإنك والله بعد ثلاث عبد العصا، إني لأرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيتوفى في مرضه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسله: فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا بذلك، وإن كان في غيرنا كلمناه فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله إن سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده أبداً، والله لا أسألها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبداً.
وفي حديث بمعناه: فقال له علي: أرأيت إن جئناه فسألناه فلم يعطناها، أترى الناس يعطوناها، والله لا أسألها إياه أبداً. قال عبد الرزاق: فكان معمر يقول لنا: أيّهما كان أصوب عندكم رأياً؟ فنقول: العباس فيأبى. ثم قال: لو أن علياً سأله عنها فأعطاه إياها فمنعه الناس كانوا قد كفروا. قال عبد الرزاق: فحدثت به ابن عيينة فقال: قال الشعبي: لو أن علياً سأله عنها كان خيراً له من ماله وولده.(18/33)
وفي حديث آخر: فقال له العباس: إنك يا علي إنما تعظم بالهجرة، وكأني بك بعد ثلاث عبد العصا.
وعن ابن عباس قال:
أرسل العباس بن عبد المطلب إلى بني عبد المطلب، فجمعهم عنده، قال: وكان علي عنده بمنزلة لم يكن أحد بها، فقال العباس: يا بن أخي، إني قد رأيت رأياً لم أحب أن أقطع فيه شيئاً حتى أستشيرك، فقال علي: وما هو؟ قال: ندخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فنسأله إلى من هذا الأمر من بعده؟ فإن كان فينا نسلّمه والله ما بقي منا في الأرض طارف، وإن كان في غيرنا لم نطلبها بعد أبداً، فقال علي: يا عم، وهو هذا الأمر إلا إليك؟ وهل من أحد ينازعكم في هذا الأمر؟ قال: فتفرقوا، ولم يدخلوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعن علي بن أبي طالب قال: لقيني العباس فقال: يا علي، انطلق بنا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فإن كان لنا من الأمر شيء، وإلا أوصى بنا الناس، فدخلنا عليه وهو مغمى عليه فرفع رأسه فقال: " لعن الله اليهود، اتخذوا قبور الأنبياء مساجد "، ثم قالها الثالثة. فلما رأينا ما به خرجنا، ولم نسله عن شيء، قال: فسمعت علياً يقول: يا ليتني أطعت عباساً، يا ليتني أطعت عباساً.
وعن الأقرع مؤذن عمر أن عمر مر على الأسقف، فقال: هل تجدون في شيء من كتبكم؟ قالوا: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدوني؟ قالوا: قرن من حديد، قال عمرك قرن من حديد؟ وماذا؟ قال: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر والحمد لله، قال: والذي بعدي؟ قال رجل صالح، يؤثر أقرباءه، فقال عمر: يرحم الله ابن عفان، قال: والذي من بعده؟ فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن إمارته تكون في هراقة من الدماء، والسيف مسلول.
وعن عامر الشعبي قال: قال العباس لعلي بن أبي طالب حين مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم: إني أكاد أعرف في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الموت، فانطلق بنا إليه لنسله: من يستخلف؟ فإن استخلف منا فذاك(18/34)
وإلا أوصى بنا، قال: فقال علي للعباس: كلّمه فيها خفاء. فلما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم قال العباس لعلي: ابسط يدك فلنبايعك، قال: فقبض يده، فقال عامر: لو أن علياً أطاع العباس في أحد الرأيين كان خيراً من حمر النّعم، قال عامر: لو أن العباس شهد بدراً ما فضّله أحد من الناس رأياً ولا عقلاً.
وعن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر بن الخطاب يوم طعن، قال: ادعوا لي علياً، وعثمان، وطلحة والزبير، وابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، فلم يكلم أحداً منهم غير علي وعثمان فقال: يا علي، لعل هؤلاء القوم يعرفون لك حقك وقرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصهرك، وما آتاك الله من الفقه والعلم، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه، ثم دعا عثمان فقال: يا عثمان، لعل هؤلاء القوم أن يعرفوا لك صهرك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسنّك وشرفك، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه، ثم قال: ادعوا لي صهيباً فدعي له فقال: صلّ بالناس، ثلاثاً، وليحلّ هؤلاء القوم، في بيت، فإذا اجتمعوا على رجلٍ، فمن خالف فاضربوا رقبته. فلما خرجوا من عنده قال: إن يولوها الأجيلح يسلك بهم الطريق، فقال له ابنه ابن عمر: فما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ قال: أكره أن أتحلها وحياً ميتاً.
وعن ابن عمر قال: قال عرم لأصحاب الشورى: لله درهم إن ولّوها الأصلع، كيف يحملهم على الحق، وإن حملاً على عنقه بالسيف، قال: فقلت: أتعلم ذاك منه ولا تولّه؟ فقال: إن أستخلف فقد أستخلف من هو خير مني، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب حين وقف عمر لم يولّ أحداً يعني: قال: ألا تصنع كما صنع أبو بكر؟ قال: ويحك! لو كنت أنت غلاماً، وكان معك غلمان أتراب نشأتم حتى بلغتم رجالاً، أليس كان يعرف بعضكم بعضاً؟ قال: بلى، قال: فإني والله هؤلاء نشأنا جميعاً، فلا أعرف مكان أحد أخصّه بهذا الأمر، ولكني جاعلها بين نفر رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبهم.(18/35)
قال أبو محمد بن قتيبة
في حديث عبد الرحمن بن عوف أنه كان في كلامه لأصحاب الشورى: يا هؤلاء إن عندي رأياً، وإن لكم نظراً، إنّ حابياً خيرٌ من زاهق، وإن جرعة شروب أنقع من عذبٍ موبٍ، وإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيّوب في الكلم، فلا تطيعوا الأعداء وإن قربوا، ولا تفلّوا المدى بالاختلاف بينكم، ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم فتوتروا ثأركم، وتولتوا أعمالكم، لكلّ أجلٍ كتاب، ولكل بيت إمام، لأمره يقومون، وبنهيه يرعون، قلّدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل، مأمون الغيب على ما استكن، يقترع منكم، وكلكم منتهى، ويرتضي منكم وكلكم رضىً.
فتكلم علي فقال: الحمد الله الذي اتخذ محمداً منا نبياً، وابتعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوة، ومعدن الحكمة، أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حق، إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل، وإن طال السّرى، لو عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهداً لجالدنا عليه حتى نموت، أو قال لنا قولاً لأنفذنا قوله على رغمنا، لن يسرع أحد قبلي إلى صلة رحم، ودعوة حق، والأمر إليك يا بن عوف على صدق اليقين، وجهد النصح. أستغفر الله لي ولكم.
قوله: إن حابياً خيرٌ من زاهق الحابي من السهام هو الذي يزحف إلى الهدف، يقال: حبا يحبو، فإن أصاب الرقعة فهو خاسق وخازق ومفرطس، فإن جاوز الهدف، ووقع خلفه فهو زاهق، يقال: زهق السهم إذا تقدم، وأراد عبد الرحمن أن الحابي من السهام وإن كان ضعيفاً فقد أصاب الهدف، فهو خير من الزاهق الذي قد جاوزه بشدة مرّه وقوّته، ولم يصبه، وضرب السهمين مثلاً لواليين: أحدهما ينال الحق أو بعضه وهو ضعيف، والآخر يجوز الحق ويبعد منه وهو قوي. والشّروب من الماء هو الملح الذي لا يشربه الناس إلا عند الضرورة: والموبي: الضار، المدخل في الوباء، وهو المرض، والحرف مهموز فترك همزه ليقابل به الحرف الذي قبله، وهو أيضاً مثل لرجلين:(18/36)
أحدهما أرفع وأضر، والآخر أدون وأنفع. وقوله: فإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيوب في الكلم، يريد أن القليل من القول من التلطف فيه أبلغ من الهذر وكثرة الكلام بغير رفق ولا تلطف. والسيوب ما سيّب وخلّي فساب أي ذهب، ومنه سمي الرجل السائب. وقوله: لا تفلّوا المدى بالاختلاف بينكم أي لا تفلوا حدّكم بالاختلاف، والمدى جمع مدية، وضرب المدى مثلاً، والفلول تكسّرٌ يصيب حدّها. وقوله: ولا تغمدوا السيوف من أعدائكم فتوتروا ثأركم أي توجدوه الوتر في أنفسكم، يقال: وترت فلاناً إذا أصبته بوتر، وأوترته أوجدته ذلك. والثأر: العدو، لأنه موضع الثأر. وقوله: وتولتوا أعمالكم أي تنقصوها، يريد أنه كانت لهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعمال في الجهاد، فإذا هم تركوه، واختلفوا نقصوها، وفيه لغتان: لاته يليته ليتاً إذا نقصه. قال تعالى: " لا يلتكم من أعمالكم شيئاً " وألت يألت، قال تعالى: " وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ " والحرف الذي في الحديث: تولت، كأنه من أوّلت يولت أو ألت يؤلت، عن كان مهموزاً. وقوله: بنهيه يرعون أي يكفون، ومنه الورع في الدين. وقوله: وقلدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل أي واسع الذراع عند الشدائد، ويجود ويعطي، ويبسط يديه بالعطاء، ويفتح به باعه، مأمون الغيب على ما استكن أي قلدوه رجلاً مأمون غيبه فيما خفي عليكم، فلا يخونكم، ولا يبغيكم الغوائل يقترع منكم أي يختار، يقال: فلان قريع قومه أي المختار منهم للرئاسة، وقد اقترعت من الإبل فحلاً أي اخترته.
وقول علي: لنا حق إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السّرى يريد: إن نمنعه نركب مركب الضيم والذل على مشقة، وإن تطاول ذلك به، وأصل هذا أن راكب البعير إذا ركبه بغير بحل ولا وطاء ركب عجزه، ولم يركب ظهره من أجل السنام، وذلك مركب صعب، يشقّ على راكبه لا سيما إذا تطاول به الركوب على تلك الحال، وهو يسري، أو يسير ليلاً، فإذا ركبه بالوطاء والرحل ركب الظهر، وذلك مركب يطمئن به، ولا يشق عليه، ويجوز أن يكون أراد بركوب أعجاز الإبل أن يكون ردفاً تابعاً، وأنه يصبر على ذلك، وإن تطاول به.
ولما كان يوم الشورى قال علي بن أبي طالب: والله لأحتجنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيهم ولا عربيهم ولا عجميهم ردّه، ولا يقول خلافه، ثم قال لعثمان بن عفان ولعبد الرحمن بن عوف وللزبير ولطلحة ولسعد وهم أصحاب الشورى وكلهم من قريش وقد كان قدم طلحة: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أفيكم أحد وحّد الله قبلي؟ قالوا: اللهم لا، قال: أنشدكم بالله، أفيكم أحد صلى لله قبلي؟ وصلى القبلتين؟ قالوا: اللهم، لا، قال: أنشدكم بالله، هل فيكم أحد أخو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيري، إذ آخى بين المؤمنين، فآخى بيني وبين نفسه، وجعلني منه بمنزلة هارون من موسى، إلا أني لست بنبيّ؟ قالوا: لا، قال: أنشدكم بالله، أفيكم مظهر غيري؟ إذ سد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبوابكم، وفتح بابي، وكنت معه في مساكنه ومسجده، فقام إليه عمه، فقال: يا رسول الله، غلقت أبوابنا، وفتحت باب علي، قال: نعم، الله أمر بفتح بابه وسدّ أبوابكم؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد أحبّ إلى الله وإلى رسوله مني، إذ دفع الراية إليّ يوم خيبر، فقال: " إلى من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، ويوم الطائر، إذ يقول: " ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " فجئت فقال: " اللهم وإلى رسولك، اللهم وإلى رسولك "، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري حتى ... قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم من قتل مشركي قريش والعرب في الله وفي رسوله غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له في العلم، وأن يكون أذنه الواعية مثلما دعا لي؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرحم، ومن جعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفسه، وأبناءه أبناؤه، ونساءه نساؤه، غيري؟ قالوا: اللهم لا؛ قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان يأخذ الخمس مع النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يؤمن أحد من قرابته، غيري وغير فاطمة؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم اليوم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيدة نساء عالمها؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد له ابنان مثل ابنيّ: الحسن والحسين، سيّديّ شباب أهل(18/38)
الجنة، ما خلا النبيين، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له أخ كأخي جعفر الطيار في الجنة المزيّن بالجناحين مع الملائكة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له مثل عمي أسد الله، وأسد رسوله، سيّد الشهداء حمزة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد ولي غمض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع الملائكة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد ولي غسل النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الملائكة، يقلبونه لي كيف أشاء، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان آخر عهده برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى وضعه في حفرته، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد قضى عن رسول الله صأ بعده ديونه ومواعيده، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: وقد قال الله عزّ وجلّ: " وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين ".
وفي حديث آخر بمعناه، قال أبو الطفيل: كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت علياً يقول: بايع الناس لأبي بكر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر، وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان، إذاً أسمع وأطيع، وإن عمر جعلني في خمسة نفر، أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه. كلما فيه شرع: سواء. وايم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك بردّ خصلة منها لفعلت، ثم قال: نشدتكم بالله أيها النفر جميعاً، أفيكم أحد آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيري؟ قالوا: اللهم، لا، وعددّ المناشدة، إلى آخر الحديث.
قال: وفي هذا الحديث ما يدل على أنه موضوع، وهو قوله: وصلى القبلتين، وكل أصحاب الشورى قد صلى القبلتين. وقوله: أفيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة، وقد كان لعثمان مثلما له من هذه الفضيلة وزيادة.(18/39)
قال عبد الله محمد بن مكرّم مختصر هذا التاريخ: قوله: فقد كان لعثمان مثل ما له من هذه الفضيلة وزيادة. فيه دليل على أنه ما كان لفاطمة عليها السلام عنده مزية على غيرها من بناته صلّى الله عليه وسلّم.
قال الزهري: لما قتل عثمان: برز علي بن أبي طالب بالناس، فدعاهم إلى البيعة، فبايعه الناس، ولم يعدلوا به لا طلحة ولا غيره.
وعن علقمة بن وقاص قال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد ما قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أما من بايعنا منكم لا يحول بين قصاص، فقال عمار: أما دم عثمان فلا. فقال: يا بن سميّة أتقصّ من جلدات جلدتهن ولا تقصّ من دم عثمان، قال: فتفرقوا يومئذٍ عن غير بيعة.
قال إبراهيم بن رباح: يستحق علي الخلافة بخمسة أشياء: بالقرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسبق إلى الإسلام، والزهد في الدنيا، والفقه في الدين، والنكاية في العدو، فلم تر هذه الخمسة الأشياء إلا في عليّ عليه السلام.
قال عمرو بن دينار: كلم أهل المدينة ابن عباس أن يحجّ بهم، وعثمان محصور، فدخل عليه فاستأذنه، فقال: حجّ بهم، فحج بهم، ثم رجع وقد أصيب عثمان، فقال لعلي: إن قمت الآن بهذا الأمر ألزمك الناس دم عثمان إلى يوم القيامة.
وعن علي بن الحسين قال: قال مروان بن الحكم: ما كان في القوم أحد أدفع عن صاحبنا من صاحبكم يعني علياً عن عثمان قال: قلت: فما لكم تسبوهن على المنابر؟ قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك.
خطب علي بن أبي طالب فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً،(18/40)
ولكنه رأيٌ رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواماً طلبوا الدنيا، فمن شاء الله منهم أن يعذّب عذّب، ومن شاء أن يرحم رحم.
وعن قيس بن عباد قال: كنا مع علي، فكان إذا شهد مشهداً، أو أشرف على أكمة، أو هبط وادياً قال: سبحان الله، صدق الله ورسوله، فقلت لرجل من بني يشكر: انطلق بنا إلى أمير المؤمنين حتى نسأله عن قوله: صدق الله ورسوله، قال: فانطلقنا إليه، فقلنا: يا أمير المؤمنين، رأيناك إذا شهدت مشهداًن أو هبطت وادياً، أو أشرفت على أكمة قلت: صدق الله ورسوله، فهل عهد إليك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئاً في ذلك؟ قال: فأعرض عنا، وألححنا عليه. فلما رأى ذلك قال: والله ما عهد إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهداً إلا شيئاً عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا على عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالاً وفعلاً مني ثم إني رايت أني أحقهم بهذا الأمر، فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا.
وعن علي بن أبي طالب قال: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أرى أني أحق الناس بهذا الأمر، فاجتمع الناس على أبي بكر، فسمعت وأطعت، ثم إن أبا بكر حضر فكنت أرى أن لا يعدلها عني، فولى عمر، فسمعت وأطعت، ثم إن عمر أصيب، فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستةٍ أنا أحدهم، فولاها عثمان، فسمعت وأطعت، ثم إن عثمان قتل، فجاؤوني فبايعوني طائعين غير مكرهين. فوالله ما وجدت إلا السيف أو الكفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وعن الحسن قال:
لما قدم عليّ البصرة في إثر طلحة وأصحابه قام عبد الله بن الكوا وابن عباد فقالا: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن مسيرك هذا، أوصية أوصاك بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ام عهد عهده إليك، أم رأي رأيته حين تفرقت الأمة، واختلفت كلمتها؟ فقال: ما أكون أول كاذب عليه وفي رواية: ولا والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه والله ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موت فجاءة، ولا قتل قتلاً زاد في رواية: ولو كان(18/41)
عندي من النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك عهد ما تركت أخا تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا قال: ولقد مكث في مرضه كل ذلك يأيته المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيقول: مروا أبا بكر ليصلي بالناس، ولقد تركني وهو يرى مكاني، ولو عهد إلى شيئاً لقمت به، حتى عرضت في ذلك امرأة من نسائه فقالت: إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قام مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر أن يصلي بالناس، فقال لها: إنكنّ صواحب يوسف. فلما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نظر المسلمون في أمرهم، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ولى أبا بكر أمر دينهم، فولّوه أمر دنياهم، فبايعه المسلمون، وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني، وكنت سوطاً بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها في ولده، فأشار بعمر، ولم يأل، فبايعه المسلمون وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني، وكنت سوطاً بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها في ولده، وكره أن ينتخب منا معشر قريش رجلاً فيوليه أمر الأمة، فلا يكون فيه إساءة لمن بعده إلا لحقت عمر في قبره، فاختار منا ستة، أنا فيهم، لنختار للأمة رجلاً منا. فلما اجتمعنا وثب عبد الرحمن فوهب لنا نصيبه منها، على أن نعطيه مواثيقنا على أن نختار من الخمسة رجلاً، فنوليه أمر الأمة، فأعطيناه مواثيقنا، فأخذ بيد عثمان فبايعه، ولقد عرض في نفسي ذلك. فلما نظرت في أمري فإذا عهدي قد سبق بيعتي، فبايعت وسلمت، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني. فلما قتل عثمان نظرت في أمري، فإذا الرّبقة التي كان لأبي بكر وعمر في عنقي قد انحلّت، وإذا العهد لعثمان قد وفيت به، وإذا أنا رجل من المسلمين ليس لأحد عندي دعوى، ولا طلبة، فوب فيها من ليس مثلي يعني: معاوية لا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحقّ بها منه، قالا: صدقت، فأخبرنا، عن قتالك هذين الرجلين يعنيان: طلحة والزبير صاحباك في الهجرة، وصاحباك في بيعة الرضوان، وصاحباك في المشورة. قال: بايعاني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلاً ممن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه، ولو أن رجلاً ممن بايع عمر خلعه لقاتلناه.(18/42)
وفي حديث آخر عنه بمعناه قال: فلما قبض الله نبيّه نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه النبي صلّى الله عليه وسلّم لديننا، فكانت الصلاة أصل الإسلام، وقوام الدين، وهو أمين الدين، فبايعنا أبا بكر، فكان لذلك أهلاً، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم يقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطه، وذكر مثل ذلك عن عمر.
قال الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي وهو يذكر ما يجمع هذا الحديث من فضائل علي رضي الله عنه ومناقبه ومراتبه ومحاسنه وإلا لات صدقه، وقوة دينه، وصحة يقينه قال: ومن مختارها أنه لم يدع ذكر ما عرض له فيما أجرى إليه عبد الرحمن وإن كان يسيراً حتى قال: لقد عرض في نفسي عند ذلك وفي ذلك ما يوضح أنه ولو عرض له في أمر أبي بكر وعمر شيء، واختلف له في سرٍّ وعلانية بنيّة تصريح، أو نبّه عليه بتعريض كما فعل فيما عرض له عند فعل عبد الرحمن ما فعل.
سئل جابر بن عبد الله عن قتال علي فقال: ما يشك في قتال علي إلا كافر.
قال الميموني:
سمعت أحمد بن حنبل وقل له: ما تذهب في الخلافة؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فقيل له: كأنك ذهبت إلى حديث سفينة، وإلى شيء آخر: رأيت علياً في زمن أبي بكر وعمر وعثمان لم يتسمّ بأمير المؤمنين، ثم لم يقم الجمع والحدود، ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل، فعلمت أنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن له قبل ذلك.
كان نقش خاتم عليّ: الملك لله وقيل: الله ولي علي وقيل: نعم القادر الله.(18/43)
قال المدائني: لما دخل علي بن أبي طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال: والله يا أمير المؤمنين، لقد زنت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت بين يدي أبي جالساً ذات يوم، فجاءت طائفة من الكرخيين، فذكروا خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان بن عفان، فأكثروا، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب، وزادوا، فأطالوا، فرفع أبي رأسه إليهم فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم في علي والخلافة، وعلى أن الخلافة لم تزين علياً بل عليٌّ زينها. قال السياري: حدثت بهذا الحديث بعض الشيعة، فقال لي: قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض.
قال إبراهيم بن علي الطبري: صرت إلى أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فسألته عن خلافة علي رضي الله عنه: هل تثبت؟ فقال: ما سؤالك عن هذا؟! فقلت: إن الناس يزعمون أنك قلت: لا تثبت خلافته، فاستنكر ذلك وقال: أنا أقول ذلك؟! وأسبلت عيناه، ثم قال: يا هذا، قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد صلى خلفه ثلاثون ألف رجل، فجاؤوا بجماعتهم، فقدموا أبا بكر رضي الله عنه، فقدموه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم فشا الإسلام بعده فجاؤوا إلى عمر رضي الله عنه، فقدموه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم فتحت الفتوح، وفشا الإسلام، فصار المسلمون أضعاف هذه العدة مضاعفة، فقدموا عثمان رضي الله عنه، فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم زاد الإسلام وفشا، ثم قدموا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟!.
وعن علي قال: إن القرية ليكون فيها الشّيعة فندفع بهم عنها ثم قال: أبيتم إلا أن أقولها، فوالله لعهدّ إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الأمة ستغدر بي.(18/44)
وفي حديث: " أن الأمة ستغدر بك بعدي ".
قال البيهقي: فإن صح هذا فيحتمل أن يكون المراد به والله أعلم في خروج من خرج عليه في إمارته ثم قتله.
وعن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رحم الله أبا بكر، زوّجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرّاً، تركه الحق، وماله من صديق. رحم الله عثمان، تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم، أدر الحق معه حيث دار.
وعن أبي سعيد قال: كنا عند بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في نفر من المهاجرين والأنصار، فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ألا أخبركم بخياركم؟ " قالوا: بلى، قال: " خياركم الموفون، المطيّبون إن الله يحب الحفيّ التقي ". قال: ومرّ علي بن أبي طالب فقال: " الحق مع ذا، الحق مع ذا ".
قال أبو ثابت مولى أبي ذر: دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي، وتذكر علياً، وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مع الحق، والحق مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض يوم القيامة ".
وعن مالك بن جعونة عن أم سلمة قالت: والله إن علياً على الحق قبل اليوم وبعد اليوم، عهداً معهوداً، وقضاء مقضياً، قلت: أنت سمعت من أم المؤمنين؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، ثلاث مرات، فسألت عنه فإذا هم يحسنون عليه الثناء.
وعن أبي ليلى الغفاري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنه أول من(18/45)
يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو معي في السماء الأعلى، وهو الفاروق بين الحق والباطل ".
وعن أبي هريرة قال:
بلغني أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر فتنة فقرّبها قال: فأتيته بالبقيع، وعنده أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير فقلت: يا رسول الله، بلغني أنك ذكرت فتنة، قال: " نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان، دينهما واحد، وصلاتهما واحدة، وحجّهما واحد؟ " قال: قال أبو بكر: أدركها يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال: الله أكبر. قال عمر: أدركها يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال: الحمد لله، قال عثمان: أدركها يا رسول الله؟ قال: " نعم، وبك يبتلون "، قال علي: أدركها يا رسول الله؟ قال: " نعم، تقود الخيل بأزمّتها ".
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال خطبة خطبها في حجة الوداع: " لأقتلنّ العمالقة في كتيبة "، فقال له جبريل: أو علي، فقال: " أو علي بن أبي طالب ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد انقطع شسع نعله، فدفعها إلى عليّ يصلحها، ثم جلس، وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، فقال: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله "، فقال أبو بكر: أنا رسول الله؟ قال: " لا "، فقال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكنه خاصف النعل "، قال: فأتينا علياً نبشّره بذلك، فكأنه لم يرفع به رأساً، كأنه قد سمعه قبل.
وكان حزام بن زهير عند علي في الرحبة فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هل كان في النعل حديث؟ فقال: اللهم، إنك تعلم أنه مما كان يسرّه إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأشار بيده ورفعهما.(18/46)
وعن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل ست مئة رجل، فسلكنا على الرّبذة، فنزلناها فقام غليه ابنه الحسن بن علي فبكى بين يديه، وقال: ائذن لي فأتكلم، فقال علي: تكلم، ودع عنك أن تخنّ خنين الجارية، فقال حسن: إني كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشير به عليك الآن، إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها، قد ضربت إليك أبساط الإبل حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل جحر الضبّ، فقال علي: أتراني لا أبالك كنت منتظراً كما تنتظر الضبع الدم؟! وعن مالك بن الحويرث قال: قام علي بن أبي طالب بالرّبذة فقال: من أحب أن يلحقنا فليلحقنا، ومن أحب أن يرجع فليرجع، مأذون له غير حرج، فقام الحسن بن علي فقال: يا أبه أو يا أمير المؤمنين لو كنت في جحر، وكان للعرب فيك حاجة لاستخرجوك من جحرك، فقال: الحمد لله الذي يبتلي من يشاء بما يشاء، ويعافي من يشاء مما يشاء، أما والله لقد ضربت هذا الأمر ظهراً لبطن أو ذنباً ورأساً، فوالله إن وجدت له إلا القتال، أو الكفر بالله، يحلف بالله عليه، اجلس يا بني ولا تخنّ خنين الجارية.
وروي أن بني عبس قالت لحذيفة: إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: آمركم أن تلزموا عماراً، قالوا: إن عماراً لا يفارق علياً، قال: إن الحسد هو أهلك الحسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً لمن الأخيار، وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي.
قال أبو شريح: كنا عند حذيفة بالمدائن، فأتاه الخبر أن عماراً والحسن بن علي قدما الكوفة، يستنفران الناس إلى أمير المؤمنين عليّ، فقال حذيفة: إن الحسن بن علي قدم يستنفر الناس إلى عدو الله وعدوكمن فمن أحب أن يلقى أمير المؤمنين حقاً حقاً فليأت علي بن أبي طالب.(18/47)
ولما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحداً بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلح يوم القيامة، قال: فتواقفنا حتى أتانا جرّ الحديد، ثم إن القوم نادوا: يا جمع، يا لثارات عثمان، قال: وابن الحنفيّة أمامنا ربوة، معه اللواء. قال: فنادى علي: يا بن الحنفية، ما يقولون؟ فأقبل علينا بعرض وجهه فقال: يا أمير المؤمنين، يثولون: يا لثارات عثمان، قال: فمدّ علي يديه وقال: اللهم أكبّ قتلة عثمان لوجوههم، قال: فقال: سحما فعل والله ذلك، كأنه يقول: إن القوم كانوا أولى بقتل عثمان من علي، ثم إن الزبير قال لأساودة كانوا معه: قال: ارموهم، ترشون، لا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال، قال: فما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع على الأرض وحملوا، قال: فهزمهم الله، ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه، فقمص به الفرس، وعليه بحربةٍ، فانطلق به، قال: فالتفت مروان إلى أبا عثمان وهو معه، فقال: قد كفيتك أحد قتلة أبيك.
قال أبو حزم المازني: شهدت علياً والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير، أنشدك بالله، أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنك تقاتلني وفي رواية: تقاتل وأنت ظالم لي؛ قال: نعم، ولم أذكر إلا في موقفي هذا، ثم انصرف.
وعن أبي بكرة قال: لما اشتد القتال يوم الجمل، ورأى علي الرؤوس تندر أخذ الحسن ابنه، فضمه إلى صدره ثم قال: إن لله، يا حسن، أيّ خير يرجى بعد هذا؟.
وعن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، يا حسن، ليت أباك مات مذ عشرين سنة، قال له: يا أبه، قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني، إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا.(18/48)
قال رجل لشريك: خبرني عن قول علي للحسن يوم الجمل: ليت أباك مات قبل هذا بعشرين سنة، أقاله إلا وهو شاكّ في أمره، فقال له شريك: خبرني عن قول مريم " يا ليتني متّ قبل هذا " أقالته شاكةٌ في عفّتها؟ فسك الرجل.
وعن حبّة قال: سمعت علياً يقول: نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن سوّى بيننا وبني عدونا فليس منا.
لما حبس يحيى بن خالد البرمكي كتب إلى الرشيد: إن كل يوم يمضي من بؤسي يمضي من نعمتك مثله، والموعد المحشر، والحكم الدّيّان، وقد كتبت إليك بأبيات كتب بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان: الوافر
أما والله إن الظلم شؤمٌ ... وما زال المسيء هو الظّلوم
إلى ديّان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبّه للمنيّة يا نؤوم
لأمرٍ ما تصرّمت الليالي ... لأمرٍ ما تحركت النجوم
وعن ابن عباس قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والله ما رأيت، ولا سمعت رئيساً يوزن به. لرأيته يوم صفين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، قد أرخى طرفيها، كأن عينيه سراجاً سليط، وهو يقف على شرذمة شرذمة يحضّهم ويحمشهم حتى انتهى إليّ، وأنا في كثفٍ من الناس فقال: معاشر المسلمين، استشعروا الخشية، وغضوا الأصات، وتجلببوا السكينة زاد في رواية: وأكملوا اللّؤم، واخفوا الجنن وأعملوا الأسنّة، وأقلقوا السيوف في الأغماد، قبل السلّة، واطعنوا الوخز، ونافحوا بالظّبا،(18/49)
وصلوا السيوف بالخطا، والنبال بالرماح، فإنكم بعين الله، ومع ابن عم نبيه صلّى الله عليه وسلّم عاودوا الكرّ واستحيوا من الفرّ، فإنه عار باق في الأعقاب والأعناق ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم أنفساً، وامشوا إلى الموت سجحاً، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرّاق المطنّب فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان راكب صعبه، ومفرش ذراعيه، قد قدّم للوثبة يداً، وأخرّ للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الدين " وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ".
قوله: سراجاً سليط السليط: الزيت، وهو عند قوم دهن السمسم. وقوله: يحمشهم أي يغضبهم، وأحمشت النار إذا ألهبتها. والكثف الجماعة، ومنه التكاثف والحشد نحوه. وقوله: وغضوا الأصوات وفي رواية: وعنّوا الأصوات إن كان بفتح العين وتشديد النون فإنه أراد احبسوها واخفوها، نهاهم عن اللّغط، والتعنية: الحبس، ومنه قيل للأسير: عانٍ، واللّؤم جمع لأمة على غير قياس، واللأمة: الدرع. والجنن الترسة، يقول: اجعلوها خفافاً. وأقلقوا السيوف في الغمد يريد: سهلوا سلّها قبل أن تحتاجوا إلى ذلك، لئلا يعسر عليكم عند الحاجة إليها. والظبا جمع ظبة السيف: أي حدّه. وقوله: وصلوا السيوف بالخطا يقول: إذا قصرت عن الضرائب تقدمتم وأسرعتم حتى تلحقوا. وقوله: والرماح بالنبل يريد: إذا قصرت الرماح ببعد من تريد أن تطعنه منك رميته بالنبل. وقوله: امشوا إلى الموت مشية سجحاً أو سجحاً أي سهلة، لا تنكلوا، ومنه قول عائشة لعلي يوم الجمل: ملكت فأسجح، أي سهّل. ويقال: خدّ أسجح أي سهل. وقوله: عليكم الرّواق المطنّب يعني: رواق البيت المشدود بالأطناب، وهي حبال تشدّ به، وهذا مثل قول عائشة: ضرب الشيطان روقه ومدّ طنبه، وقوله: قد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنكوص رجلاً، وهو مثل قوله تعالى: " وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم " إلى قوله " نكص على(18/50)
عقبيه " أي رجع على عقبيه، وأراد على أنه قد قدم يداً ليثب إن رأى فرصة، وإن رأى الأمر على ما هو معه نكص رجلاً، وقوله في رواية: والحظوا الشّزر هو النظر بمؤخر العين نظر العدو والمبغض. يقول: الحظوهم شزراً، ولا تنظروا إليهم نظراً يبين لهم، فإن ذلك أهيب لكم في صدروهم.
خرج عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل علي، فقالت: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ قال: وما لي لا أصدقك؟! قالت: فحدثني عن قصتهم قال:
فإن علياً لما كاتب معاوية وحكّم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، حتى نزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة، عتبوا عليه قالوا: انسلخت من قميصٍ ألبسك الله، واسمٍ سمّاك الله به، ثم انطلقت فحكّمت في دين الله الرجال، فلا حكم إلا لله. فلما بلغ علياً ما عتبوا عليه ففارقوا أمره أذّن مؤذّن ألا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد قرأ القرآن. فلما امتلأت الدار من قراء الناس جاء بالمصحف إماماً عظيماً فوضعه علي بين يديه، وطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف، حدّث الناس، فناداه الناس: ما تسأل عنه! إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله. يقول الله في كتابه في امرأة ورجل " فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها " إلى قوله: " يوفّق الله بينهما " الآية فأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم أعظم حقاً وحرمة من امرأة ورجل. ونقموا عليّ أني كاتبت معاوية، كتبت: علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً فكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بسم الله الرحمن الرحيم " قال سهيل: لا أكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: " كيف تكتب؟ " فقال: باسمك اللهم، فكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اكتب محمد رسول الله "، فقال: لو نعلم أنك رسول الله ما خالفناك، فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله(18/51)
قريشاً، يقول الله عزّ وجلّ في كتابه " لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ". فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه، حتى توسطنا عسكرهم فقال عبد الله بن شداد: فقام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله، هو الذي نزل فيه وفي قومه " بل هم قومٌ خصمون " فردّوه إلى صاحبه، ولا تواضعوا كتاب الله، فقام خطباؤهم فقالوا: بلى والله لنواضعنّه كتاب الله فإن جاء بحق نعرفه اتبعناه. وإن جاء بباطل لنبكّتنّه بباطله ولنردّنّه إلى صاحبه، فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام. قالوا: كيف قلت يا بنعباس؟ قال: قلت: ما الذي تتكلمون على صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن عمه؟ قالوا: ثلاث خصال: قال: فما هنّ؟ قالوا: أما واحدة فإنما قاتل ولم يسب، ولم يغنم، فإن كان القوم كفاراً فقد أحلّ الله دماءهم ونساءهم، وإن كانوا غير ذلك فبم استحل ما صنع بهم؟. وأما الثانية فإنه حكّم الرجال في أمر الله، وفي دين الله، فما للرجال والحكم في دين الله بعد قوله: " إن الحكم إلاّ لله " وأما الثالثة فإنه محا نفسه، وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قال ابن عباس: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: حسبنا خصلة من هذه الخصال، قال: فإن أنا أتيتكم من كتاب الله ما ينقض قولكم هذا فترجعون؟ قالوا: نعم، قال: قال: فإن الله قد صير حكمه حكم الرجال في كتابه ما لا يقبل غيره " يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرمٌ ومن قتله منكم متعمّداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدلٍ منكم " وقال في آية أخرى: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما " أخرجت لكم من هذه؟(18/52)
قالوا: نعم. وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم فاتكم كان يسبي عائشة، فإن قلتم: إنما نستحل منها ما نستحل من المشركات بعد قول الله تعالى: " وأزواجه أمّهاتكم " فقد خرجتم من الإسلام، فأنتم بين ضلالتين، فاخرجوا من إحداهما إن كنتم صادقين، قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. وأما قولكم: إنه محى اسمه وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، فأنا آتيكم برجال ممن ترضون؛ إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الموادعة كتب: هذا ما اصطلح عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو سفيان وسهيل بن عمرو فمحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الوحي والنبوة أعظم أو محو علي بن أبي طالب نفسه يوم الحكمين؟ قالوا: بل محو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قال عبد الله بن شداد: فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكوا حتى أدخلناهم على علي بالكوفة، فبعث علي إلى بقيتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فاعتلوا حين شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم فتوجهوا منها حيث شئتم، بيننا وبينكم أن تسفكوا دماً حراماً، أو تقطعوا سبيلاً، أو تظلموا الأمة، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء " إنّ الله لا يحبّ الخائنين ".
فقالت عائشة: يا بن شداد، فلم قتلهم؟ قال: فوالله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبل، وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة، قالت: الله الذي لا إله إلا هو لقد كان؟ قال: نعم، قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون: ذو الثديّة؟ قال: قد رأيته وقمت عليه مع علي في القتلى فدعا الناس فقال: هل تعرفون هذا؟ فما أكثر من قال: رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد فلان يصلي، قالت: فما قال علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله، قالت: نعم، صدق الله ورسوله، رحم الله علياً لئن كان من قوله إذا رأى شيئاً يعجبه قال: صدق الله ورسوله، قال: فذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه الحديث.(18/53)
وعن علي قال: عهد إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
وعنه قال: أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين، والناكثين، والمارقين. فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النّهروان، يعني الحرورية.
وعن علي قال يوم النهروان: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين، والمارقين، والقاسطين.
وعن عبد الله قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بيت زينب بنت جحش، وأتى بيت أم سلمة، فكان يومها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يلبث أن جاء علي، فدق الباب دقاً خفياً، فانتبه النبي صلّى الله عليه وسلّم للدقّ وأنكرته أم سلمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قومي فافتحي له "، قالت: يا رسول الله، من هذا الذي من خطره ما نفتح له الباب؟ أتلقاه بمعاصمي، وقد نزلت فيّ آية من كتاب الله بالأمس! فقال لها كهيئة المغضب؛ " إن طاعة الرسول طاعة الله ومن عصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، إن بالباب رجلاً ليس بعزق ولا غلق، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لم يكن ليدخل حتى ينقطع الوطء "، قالت: فقمت، وأنا أختال في مشيتي، وأنا أقول: بخ بخ، من ذا الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؟ ففتحت الباب، فأخذ بعضادتي الباب، حتى إذا لم يسمع حساً ولا حركة وصرت في خدري استأذن، فدخل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أم سلمة، أتعرفينه؟ " قالت: نعم يا رسول الله، هذا علي بن أبي طالب، قال: " صدقت، سيد أحبه، لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو عتبة بيتي، اسمعي واشهدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين، والمارقين من بعدي، فاسمعي واشهدي، وهو قاضي عداتي، فاسمعي واشهدي، وهو والله يحيي سنّتي، فاسمعي واشهدي، لو أن عبداً عبد الله ألف عام بعد(18/54)
ألف عام وألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فقلنا: يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟ قال: " مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر ".
وعن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب، إن الله أكرمك بنزول محمد صلّى الله عليه وسلّم وبمجيء ناقته تفضّلاً من الله، وإكراماً لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله، فقال: يا هذا إن الرّائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي: بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم، أهل الجمل: طلحة، والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم، يعني: معاوية وعمراً، وأما المارقون فهم أهل الطّرفاوات، وأهل السعيفات وأهل النخيلات، وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم، ولكن لابد من قتالهم إن شاء الله.
قال: وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " يا عمال، تقتلك الفئة الباغية، وأنت مذ إذ ذاك مع الحق، والحق معك، يا عمار بن ياسر، إن رأيت علياً قد سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي، فإنه لن يدليك في ركيّ ولن يخرجك من هدي، يا عمار، من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدوّه قلّده الله يوم القيامة وشاحين من درّ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّ علي عليه قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار "، قلنا: يا هذا، حسبك رحمك الله حسبك رحمك الله.(18/55)
وعن عمار بن ياسر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " يا علي، ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني ".
وعن مازن العائذي قال: قال علي بن أبي طالب: ما وجدت من قتال القوم بداً، أو الكفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وعن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلاً له بصفّين فقلنا: قاتلت المشركين بسيفك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم جئت تقاتل المسلمين؟! قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرني بقتال ثلاثة: الناكثين، والقاسطين، والمارقين. فقد قاتلت الناكثين، والقاسطين، وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالسبعات، بالطرفات، بالنهروانات، وما أدري أين هو.
وعن علي عليه السلام قال: أنا فقأت عين الفتنة.
وعن أبي صالح قال: قال علي لأبي موسى: يا أبا موسى، احكم عليّ ولو على حزّ عنقي.
قال سفيان بن عيينة: سمعت غير واحدٍ من أصحابنا يقولون: إن علي بن أبي طالب لم ير بعد تحكيم الحكمين إلا وهو يقول: الرجز
لقد عجزت عجزةً لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها واستمر
وعن قيس بن عباد قال: قال علي: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة.
قال زيد بن وهب: قدم على علي وفد من اليمن، فجمع الناس، وحضرته الصلاة، فنادى: الصلاة جامعة، فقام رجل من الوفد الذين قدموا، فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه، حتى فرغ من(18/56)
خطبته ثم قام آخر، فتكلم، فخطب نحواً من خطبة صاحبه ثم قال في آخر كلامه: إن طاعة هذا طاعة للربّ تعالى، ومعصيته معصية للربّ تعالى يعني: علياً فقال له علي: كذبت، فما هزّه قول علي حين كذبه أن مضى في خطبته حتى فرغ، ثم قام الثالث فتكلم، وخطب نحواً من خطبة صاحبيه، غير أنه لم يذكر شيئاً من ذكر علي، ثم قام علي فحمد الله، وأثنى عليه، فأجاب الأول في خطبته حتى فرغ، ثم أجاب الثاني، ثم أجاب الثالث، ثم قال: كل خطبائكم قد أحسن إلا ما كان من كلام هذا الخطيب الثاني الذي زعم أن طاعتي طاعة للربّ تعالى، وأن معصيتي معصية للربّ تعالى، ولست كذلك، إنما ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي طاعته طاعة للربّ، ومعصيته معصية للربّ تعالى.
وعن عثمان بن أبي عثمان قال: جاء أناس إلى علي بن أبي طالب من الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أنت هو؟ قال: من أنا؟ قالوا أنت هو، قال: ويلكم! من أنا؟! قالوا: أنت ربّنا، أنت ربّنا، قال: ارجعوا فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم جدلهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر، ائتني بحزم الحطب، فأحرقهم بالنار ثم قال: الرجز
لما رأيت الأمر أمراً منكراً ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا
قال أبو صالح السمان: رأيت علياً دخل بيت المال، فرأى فيه شيئاً فقال: ألا ارى هذا هاهنا، وبالناس إليه حاجة؟! فأمر به فقسم، وأمر بالبيت فنكسن ونضح، فصلى فيه، أو قال فيه، يعني: نام.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا، يعني بالبصرة، حتى فارقنا عن دبة محشوة، وخميصة درابجرديّة.(18/57)
وعن عنترة قال: دخلت على عليّ بالخورنق، وعليه شمل: قطيفة، وهو يرعد فيها فقتل: يا أمير المؤمنين، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وأنت تفعل هذا بنفسك؟! فقال: إني والله ما أرزأكم شيئاً، وما هي إلا قطيفتيّ اللتين أخرجتهما من بيتي، أو قال: من المدينة.
وحدث أبو حكيم صاحب الحناء عن أبيه: أن علياً عليه السلام أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم أتاه مال من أصبهان فقال: أغدوا إلى العطاء الرابع، إني لست لكم بخازن. قال: وقسم الحبال، فأخذها قوم، وردّها قوم.
قال موسى بن طريف:
دخل عليّ بيت المال، فأضرط به ثم قال: لا أمسي وفيك درهم، ثم أمر رجلاً من بني أسد، فقسمه حتى أمسى، فقيل: يا أمير المؤمنين، لو عوضته شيئاً، فقال: إن شاء الله ولكنه سحت.
قال عنترة: أتيت علياً بالرّحبة يوم نيروز أو مهرجان؛ وعنده دهاقين وهدايا، قال: فجاء قنبر، فأخذ بيده، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك رجل لا تليق شيئاً، وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وقد خبأت لك خبيئة، قال: وما هي؟ قال: انطلق فانظر ما هي، قال: فأدخله بيتاً فيه ناسية مملوءة آنية ذهب، وفضة مموّهة بالذهب. فلما رآها علي قال: ثكلتك أمك، لقد أردت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة، ثم جعل يزنها ويعطي كل عريف بحصته ثم قال: لا تغريني، وغرّي غيري هذا جناي وخياره فيه، إذ كلّ جانٍ يده إلى فيه.(18/58)
وعن عبد العزيز بن محمد عن أبيه أن علياً أتي بالمال، فأقعد بين يديه الوزان والنقاد، فكوم كومة من ذهب، وكومة من فضة، وقال: يا حمراء، يا بيضاء، احمرّي وابيضّي، وغرّي غيري، هذا جناي وخياره فيه، وكل جانٍ يده إلى فيه.
قال عبد الله بن أبي سفيان: أهدى إليّ دهقان من دهاقين السواد برداً، وإلى الحسن أو الحسين برداً مثله، فقام علي يخطب بالمدائن يوم الجمعة، فرآه عليهما، فبعث إلي وإلى الحسين فقال: ما هذان البردان؟! قال: بعث إليّ وإلى الحسين دهقان من دهاقين السواد، قال: فأخذهما فجعلهما في بيت المال.
وعن مجمّع أن علياً كان يكنس بيت المال، ثم يصلي فيه؛ رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.
وعن المسوّر قال: قدمت على علي بالكوفة، وهو يعطي الناس في بيت له بابان على غير كتاب، فقال: يا بن مخرمة، هذا جناي وخيارة فيه، إذ كلّ جان يده إلى فيه.
فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الناس يتراجعون عليك، قال: أوقد فعلوا؟ قلت: نعم، قال: فاكتبوهم، فكتبوا.
قال عمرو بن يحيى: سمعت أبي يحدث عن أبيه عمرو قال: كان عليّ بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس على الري، ثم استعمل مخنف بن سليم على أصبهان، واستعمل على أصبهان عمرو بن سلمة. فلما أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج بحلوان. فلما عقدم عمرو بن سلمة على عليّ أمره فليضعها في الرحبة، ويضع عليه أبناءه حتى يقسمها بين المسلمين، فبعثت إليه أم كلثوم بنت علي: أرسل إلينا من هذا العسل الذي معك، فبعث إليها بزقّين من عسل، وزقّين من سمن. فلما أن خرج علي كان عليّ بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس على الري، ثم استعمل مخنف بن سليم على أصبهان، واستعمل على أصبهان عمرو بن سلمة. فلما أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج بحلوان. فلما قدم عمرو بن سلمة على عليّ أمره فليضعها في الرحبة، ويضع عليه أبناءه حتى يقسمها بين المسلمين، فبعثت إليه أم كلثوم بنت علي: أرسل إلينا من هذا العسل الذي معك، فبعث إليها بزقّين من عسل، وزقّين من سمن. فلما أن خرج علي إلى(18/59)
الصلاة عدّها فوجدها تنقص زقّين، فدعاه، فسأله عنهما، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسلني عنهما، فإنا نأتي بزقّين مكانهما، قال: عزمت عليك لتخبرنّي ما قصّتهما، قال: بعثت إلي أم كلثوم، فأرسلت بهما إليها قال: أمرتك أن تقسم فيء المسلمين بينهم. ثم بعث إلى أم كلثوم أن ردّي الزقّين، فأتى بهما مع ما نقص منهما، فبعث إلى التجار: فزمّوهما مملوءتين وناقصتين، فوجدوا فيهما نقصان ثلاثة دراهم وشيء، فأرسل إليها أن أرسلي إلينا بالدراهم، ثم أمر بالزّقاق فقسمت بين المسلمين.
حدث أبو عمرو بن العلاء عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طال يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة، أهداها إليّ الدهقان، ثم أتى بيت المال، فقال: خذه، وأنشأ يقول: الرجز
طوبى لمن كانت له قوصرّه ... يأكل منها كل يومٍ مرّه
وفي نسخة: أفلح من كانت ...
قال عبد الله بن زرير: دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى، فقرب إلينا حريرة، فقلت: أصلحك الله، لو قربت إلينا من هذا البط يعني: فإن الله قد أكثر الخبز فقال: يا بن زرير، إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس.
وعن سفيان قال: ما بنى عليّ آجرة على آجرّة، ولا لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، وإن كان ليؤتى بجبوبه من المدينة في جراب.
وعن مجمّع التيمي قال: خرج علي بن أبي طالب بسيفه إلى السوق، فقال: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزاراً ما بعته.(18/60)
وعن ابن عباس قال: اشترى علي بن أبي طالب قميصاً بثلاثة دراهم، وهو خليفة، وقطع كميّه من موضع الرّصغين، وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه.
وعن سعيد الرجّاني قال: اشترى علي قميصين سنبلاويين أنبجانيين بسبعة دراهم، فكسا قنبراً أحدهما. فلما أراد أن يلبس قميصه فإذا إزاره مرقوع برقعة من الكم.
وعن جرموز قال: رأيت علياً وهو يخرج من العصر وعليه قطريّتان: إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، فريب منه، ومعه درّة له، يمشي بها في الأسواق ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ويقول لا تنقّحوا اللحم.
قال زيد بن وهب الجهني: خرج علينا علي بن أبي طالب ذات يوم وعليه بردان، متّزر بأحدهما، مرتدٍ الآخر، قد أرخى جانب إزاره، ورفع جانباً، قد رفع إزاره بخرقة، فمر به أعرابي فقال: أيها الإنسان، البس من هذه الثياب، فإنك ميت أو مقتول، فقال: أيها الأعرابي، إنما ألبس هذين الثوبين ليكونا أبعد لي من الزهو، وخيراً لي في صلاتي وسنّة للمؤمن.
وعن زيد بن وهب قال: قدم على عليّ وفد من البصرة فيهم رجل من رؤوس الخوارج يقال له: الجعد بن(18/61)
نعجة، فخطب الناس فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يا عليّ، اتق الله، فإنك ميت، وقد علمت سبيل المحسن والمسيء، ثم وعظه وعاتبه في لبوسه، فقال: ما لك وللبوسي؟! إن لبوسي أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي به المسلم.
وعن أبي مطر قال: خرجت من المسجد، فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك، وأنقى لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلماً، فمشيت خلفه، وهو بين يدي مؤتزرٌ بإزار، مرتدٍ برداء، ومعه الدّرة كأنه أعرابي بدوي، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل: أراك غريباً بهذا البلد، فقلت: أجل، رجل من البصرة، فقال: هذا عليّ أمير المؤمنين، حتى انتهى إلى دار ابن أبي معيط، وهو سوق الإبل فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإن اليمين تنفق السلعة، وتمحق البركة، ثم أتى صاحب التمر، فإذا خادم تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: باعني هذا الرجل تمراً بدرهم، فردّه مواليّ فأبى أن يقبله، فقال له علي: خذ تمرك وأعطها درهمها، فإنها ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا؟ فقال: لا، فقلت: هذا علي أمير المؤمنين، فصبّت تمره وأعطاها درهمها، قال: أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين، قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيتهم حقوقهم، ثم مرّ مجتازاً بأصحاب التمر، فقال: يا أصحاب التمر، أطعموا المساكين يرب كسبكم، ثم مرّ مجتازاً معه المسلمون حتى انتهى إلى أصحاب السمك، فقال: لا يباع في سوقنا طافياً، ثم أتى دار فرات وهي سوق الكرابيس فأتى شيخاً، فقال: يا شيخ، أحسن بيعي في قميصٍ بثلاثة دراهم. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، ثم أتى آخر. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتى غلاماً حدثاً، فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم، ولبسه ما بين الرّصغين إلى الكفّين، يقول في لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتين فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذا شيء ترويه عن نفسك، أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، بل شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوله عند الكسوة، فجاء أبو الغلام صاحب الثوب، فقيل له: يا فلان، قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصاً بثلاثة دراهم، قال: أفلا أخذت منه درهمين؟! فأخذ أبوه درهماً، ثم جاء به إلى أمير المؤمنين وهو جالس مع المسلمين على باب الرّحبة، فقال: أمسك هذا الدرهم، فقال: ما شأن هذا الدرهم؟ فقال: ما كان قميصاً ثمن درهمين، فقال: باعني رضاي، وأخذ رضاه.(18/62)
قال الشعبي:
وجد علي بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني، فأقبل به إلى شريح يخاصمه، قال: فجاء عليّ حتى جلس إلى حيث شريح، فقال له علي: يا شريح، لو كان خصمي مسلماً ما جلست إلا معه، ولكنه نصراني، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كنتم وإياهم في طريق، فاضطروهم إلى مضايقه وصغّروا بهم، كما صغّر الله تعالى بهم من غير أن تطغوا، ثم قال عليّ: هذا الدرع درعي، لم أبع، ولم أهب، فقال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين، هل من بيّنة؟ فضحك عليّ عليه السلام وقال: أصاب شريح، ما لي بيّنة، فقضى بها للنصراني، قال: فمشى خطاً ثم رجع، فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، والدرع والله درعك يا أمير المؤمنين، ابتعت الجيش، وأنت منطلق إلى صفين، فخرجت من بعيرك الأورق، فقال: أما إذ أسلمت فهي لك، وحمله على فرس. قال الشعبي: فأخبرني من رآه يقاتل الخوارج مع علي يوم النّهروان.
حدث رجل من ثقيف أن علياً استعمله على عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون، فقال لي بين أيديهم: لتستوف خراجهم، ولا يجدون فيك رخصة، ولا يجدون فيك ضعفاً، ثم قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إليّ، فرحت إليه، فلم أجد عليه حاجباً يحجبني دونه، وجده جالساً وعنده قدح وكوز فيه ماء، فدعا بطينة، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهراً، ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم، فإذا فيها سويق، فأخرج منه وصبّ في القدح، فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر أن قلت له: يا أميرالمؤمنين، أتصنع هذا بالعراق؟! طعام العراق أكثر من ذلك، قال: أما والله ما أختم عليه بخلاً عليه، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى، فيصنع فيه من(18/63)
غيره، فإنما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل بطني إلا طيباً، وغني لم أستطع أن أقول لك إلا الذي قلت لك بين أيديهم، إنهم قوم خدع، ولكني آمرك الآن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلت وإلا أخذك الله به دوني، فإن يبلغني عنك خلاف ما أمرتك وعزلتك، فلا تبيعنّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربن رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تقبحه في طلب درهم، فإنا لم نؤمر بذلك، ولا بتبغ لهم دابة يعملون عليها، إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو، قال: قلت: إذاً أجيئك كما ذهبت، قال: وإن فعلت، قال: فذهبت، فتتبعت ما أمرني به، فرجعت والله ما بقي علي درهم واحد إلا وفيته.
جاء جعدة بن هبيرة إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، يأتيك الرجلان، أنت أحب إلى أحدهما من نفسه أو قال: من أهله وماله والآخر لو يستطيع أني ذبحك لذبحك، فتقضي لهذا على هذا؟ قال: فلهزه علي وقال: إن هذا شيء لو كان لي فعلت، ولكن إنما ذا شيء لله.
حدث صالح بياع الأكسية عمن حدثه قال: رأيت علياً اشترى تمراً بدرهم، فحمله في ملحفته فقال: يا أمير المؤمنين، ألا نحمله عنك؟ فقال: أبو العيال أحق بحلمه.
وعن زاذان عن علي أنه كان يمشي في الأسواق وحده، وهو وال، يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال، فيفتح عليه القرآن، ويقرأ " تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً " ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة، وأهل القدرة من سائر الناس.
وعن صالح بن أبي الأسود عمن حدثه.
أنه رأى علياً قد ركب حماراً، ودلّى رجليه إلى موضع واحد ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا.(18/64)
وعن حسن بن صالح قال: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون: فلان، وقال قائلون: فلان، فقال عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.
قال هشام بن حسان:
بينا نحن عند الحسن إذ أقبل رجل من الأزارقة، فقال له: يا أبا سعيد، ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: فاحمرّت وجنتا الحسن، وقال: رحم الله علياً، إن علياً كان سهماً لله، صائباً أعدائه، وكان في محلة العلم أشرفها، وأقربها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان رهبانيّ هذه الأمة، لم يكن لمال الله بالسّروقة، ولا في أمر الله بالنّؤومة، أعطى القرآن عزيمة علمه، فكان منه في رياض مونقة، وأعلام بيّنة. ذاك علي بن أبي طالب، يا لكع.
وعن يزيد بن أي زياد عن بنت سرّية لعلي بن أبي طالب عن أمها قالت: اغتسلت، فأقعدت. فلم أستطع أن أقوم، فأخبر بذلك علي بن أبي طالب، فجاء فوضع يده على رأسي، فلم تزل يده على رأسي يدعو. حتى قمت، فسمعته يقول: لا تغتسلي في الحشّ، ولا في مكان يبال فيه، ولا في قمراء.
وعن عمار قال: حدث رجل علياً بحديث، فكذبه، فما قام حتى عمي.
وعن زاذان أن رجلاً حدث علياً بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني، قال: لم أفعل، قال: أدعو عليك إن كنت كذبت قال: ادع، فدعا، فما برح حتى عمي.
وعن أبي مكين قال: مررت أنا وخالي أبو أمين على دار في جبل حين من مراد، فقال: ترى هذه الدار؟ قلت: نعم، قال: فإن علياً مرّ عليها وهم يبنونها، فسقطت عليه قطعة فشجّته فدع الله أن لا يكمل بناؤها، قال: فما وضعت عليها لبنة، قال: فكنت تمر عليها لا تشبه الدور.(18/65)
قال أبو بشير الشيباني: شهدت الجمل مع مولاي، فما رأيت يوماً قط أكثر ساعداً نادراً وقدماً نادرة من يومئذ، ولا مررت بدار الوليد قط إلا ذكرت يوم الجمل. قال: فحدثني الحكم بن عتيبة أن علياً دعا يوم الجمل، فقال: اللهم، خذ أيديهم وأقدامهم.
قال المدائني: نظر علي بن أبي طالب إلى قوم ببابه، فقال لقنبر: يا قنبر، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء شيعتك يا أمير المؤمنين، قال: فقال: لا أرى فيهم سيماء الشيعة، قال: وما سيماء الشيعة؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظما، عمش العيون من البكا.
قال أبو أراكة: صلّيت مع عل بن أبي طالب صلاة الفجر. فلما سلّم انفتل عن يمينه ثم مكث كأنّ عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال: وحائط المسجد يومئذ أقصر مما هو الآن ثم قلب يده ثم قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون صفراً، شعثاً، غبراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعز، قد باتوا لله سجّداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم. فإذا أصبحوا، فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبلّ ثيابهم، والله لكأنّ القوم باتوا غافلين ثم نهض، فما رئي بعد ذلك مفترّاً، يضحك، حتى قتله ابن ملجم عدو الله الفاسق.
وعن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب: طوبى لكل عبد نومة، عرف الناس، ولم يعرفه الناس، وعرفه الله منه برضوان، أولئك مصابيح الهدى، تجلى عنهم كل فتنة مظلمة، يدخلهم في رحمته، ليس ألئك بالمذاييع البذر، ولا بالجفاة المرائين.(18/66)
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: تعلموا العلم، تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشاره، وإنه لا ينجو منه إلا كل نومة منبتّ الداء، أولئك أئمة الهدى، ومصابيح العلم، ليسوا بالعجل، المذاييع البذر.
ثم قال: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة. وإن الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا.
ألا وإن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً. ألا من اشتاق إلى الآخرة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرّمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. ألا إن لله عباداً كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وأهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وجوانحهم خفيفة، صبروا أيام العقبى لراحة طويلة، أما الليل فصافّون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم، ربّنا ربّنا، يطلبون فكاك رقابهم، وأما النهار فعلماء، حلماء بررة، أتقياء، كأنهم القداح، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض، وخولطوا، ولقد خالط القوم أمر عظيم.
وعن ابن عباس قال:
قال عمر لعلي: عظني يا أبا الحسن، قال: لا تجعل يقينك شكاً، ولا علمك جهلاً، ولا ظنك حقاً، واعلم أنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، وقسمت فسوّيت، ولبست فأبليت، قال: صدقت يا أبا الحسن.
خطب علي عليه السلام على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم من طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق. ألا إن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.(18/67)
وعن الأصبغ بن نباتة قال: صعد علي ذات يوم المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الموت فقال: يا عباد الله، الموت ليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم فالنّجاء النّجاء، والوجاء الوجاء، وراءكم طالب حثيث: القبر، فاحذروا ضغطته، وظلمته، ووحشته، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة. ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود. ألا وإن رواء ذلك يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر في الكبير " وتضع كلّ ذات حملٍ حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ " ألا وإن وراء ذلك ما هو أشدّ منه: نار حرّها شديد، وقعرها بعيد، وحليها حديد، ثم قال: وإن وراء ذلك جنّة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم.
وعن علي بن أبي طالب أنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. فإن الدنيا قد أدبرت، وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت، وأشرفت باطّلاع، وإن المضمار اليوم، وغداً السباق. ألا وإنكم في أيام أمل، من ورائه أجل، فمن قصّر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيب عمله. ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها. ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضرّه الباطل، ومن لم يستقم به الهدى حاربه الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظّعن، ودللتم على الزاد.
ألا أيها الناس، إنما الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر. ألا إنّ " الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً والله واسعٌ عليمٌ " أيها الناس، أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم، فإن الله وعد جنته من أطاعه، وأوعد ناره من عصاه، إنها نار لا يهدأ زفيرها، ولا(18/68)
يفكّ أسيرها، ولا يجبر كسيرها، حرّها شديد، وقعرها بعيد، وماؤها صديد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل.
وعن ابن عباس قال: كتب إليّ علي بن أبي طالب بموعظة ما سررت بموعظةٍ سروري بها: أما بعد. فإن المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما بالك من دنياك فلا تكن بها فرحاً، وما فاتك منها فلا تتبعه أسفاً، وليكن سرورك على ما قدمت، وأسفك على ما خلفت، وهمّك فيما بعد الموت.
ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلّى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفرقها وشبهت بشرورها السرور، وببلائها غليه ترغيباً وترهيباً، فيا أيها الذام للدنيا، المعللّ نفسه، متى خدعتك الدنيا، أو متى استذمّت إليك، أبمصارع آبائك في البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى. كم مرضت ببدنك، وعللت بكفيك، تطلب له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، لا يغني عنك دواؤك ولا ينفعك بكاؤك.
وعن يحيى بن يعمر قال: قال علي بن أبي طالب:
إن الأمر ينزل من السماء كقطر المطر، لكل نفس ما كتب الله لها من زيادة أو نقصان: في نفس، أو أهل، أو مال، فمن رأى نقصاً في أهله، أو نفسه، أو ماله ورأى لغيره غفيرة فلا يكونن ذلك له فتنة، فإن المسلم ما لم يغش جناءة يظهر تخشعاً لها إذا ذكرت، يغرى به لئام الناس، كالياسر الفالج، ينتظر أول فوزةٍ من قداحه توجب(18/69)
له المغنم، وتدفع عنه المغرم، فكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة بين إحدى الحسنيين. إذا ما دعا الله، فما عند الله خير له، وإما أن يرزقه الله مالاً، وإذا هو ذو أهل ومال، ومعه حسبه ودينه. الحرث حرثان: فحرث الدنيا: المال والبنون، وحرث الآخرة: الباقيات الصالحات، وقد يجمعهما الله لأقوام.
قال سفيان: ومن يحسن يتكلم بهذا الكلام إلا علي؟.
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: ذمتي رهينة، وأنا به زعيم، لا يهيج على التقوى زرع قوم، ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل، وإن أجهل الناس من لم يعرف قدره، وكفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره، وإن أبغض الناس إلى الله عزّ وجلّ رجل قمش علماً في أغمار من الناس غشّوه، أغار فيه بأغبار الفتنة، عمي عمّا في رتب الفتنة سماه أشباه الناس عالماً ويم يغن في العلم، ذكر فاستكثر ما قلّ منه، وما قل منه خير مما أكثر، حتى ارتوى من آجن، واستكثر من غير طائل، جلس للناس مغيثاً لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشواً من رأيه، فهو من قطع المشتبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أخطأ أم أصاب، خبّاط جهالات، ركّاب عمايات، لا يعتذر مما لا يعلم ليسلم، ولا يعضّ على العلم بضرسٍ قاطع فيغنم، تبكي منه الدماء، وتصرخ منه المواريث، ويستحل بقضائه الفرج الحرام لا مليءٌ والله بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما قرّظ به، أولئك الذين حقت عليهم النياحة أيام الدنيا.(18/70)
قال: وهذا الفريق الذين وصفهم أمير المؤمنين في الجهالة الأراذل السّفلة قد كثروا في زماننا، وغلبوا على أهله، واستعلوا على علمائه، والربانيين فيه، وإلى الله المشتكى. وقد تظاهرت الأخبار عن سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا.
وعن الحسن بن علي قال: قال لي أبي علي بن أبي طالب: أي بنيّ، لا تخلّفنّ وراءك شيئاً من الدنيا، فإنك تخلّفه لأحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما سعيت به، وإما رجل عمل فه بمعصية الله فكنت عوناً له على ذلك. وليس أحد هذين بحقيق أن تؤثره على نفسك.
وعن علي قال: كونوا في الناس كالنحلة في الطير، إنه ليس في الطير شيء إلا وهو يستضعفها، ولو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فإن للمرء ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحبّ.
وعن علي بن أبي طالب قال: التوفيق خير قائد، وحسن الخلق خير قرين، والعقل خير صاحب، والأدب خير ميراث، والوحشة أشد من العجب.
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: يا حملة القرآن، اعملوا به، فإنما العالم من علم ثم عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يجلسون حلقاً، فيباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل يغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه. أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله.
وعن علي بن أبي طالب قال: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم.(18/71)
وعن علي قال: كلمات لو رحلتم فيهن المطي لأنضيتموهنّ قبل أن تدركوا مثلهن: لا يرج عبدٌ إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا دينه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم وفي رواية: أن يقول: لا أعلم واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.
وعن علي قال:
ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يرخّص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره. إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في قراءة لا تدبّر فيها.
وعن علي قال: كونوا بقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، فإنه لن يقلّ عمل مع التقوى، وكيف يقلّ عمل يتقبّل؟.
قال عكرمة: لما قدم علي من صفين قام إليه شيخ من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن مسيرنا هذا إلى أهل الشام: بقضاء وقدر؟ فقال علي: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما قطعنا وادياً، ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر، فقال الشيخ: عند الله احتسبت عنائي، فقال علي: ولم يك أعظم الله أجركم في مسيرنا، وأنتم مصعدون، وفي منحدركم وأنتم منحدرون، وما كنتم في شيء من أموركم مكرهين، ولا إليها مضطرين، فقال الشيخ: كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقنا إليها؟ قال: ويحك! لعلك ظننته قضاء لازماً، وقدراً حاتماً، لو كان ذلك لسقط الوعد والوعيد، ولبطل الثواب والعقاب، ولا أتت لائمة من الله لمذنب، ولا محمدة من الله لمحسن، ولا كان المحسن أولى بثوب الإحسان من المذنب. ذلك مقال إخوان عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمن، وهم قدريّة هذه الأمة ومجوسها، ولكن الله تعالى أمر بالخير تخيراً، ونهى عن الشر تحذيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يملك تعويضاً، ولا خلق السموات والأرض، وما(18/72)
أرى فيهما من عجائب آياتهما باطلاً، ذلك ظن الذين كفروا، فويلٌ للذين كفروا من النار، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، فما كان القضاء والقدر الذي كان فيه مسيرنا ومنصرفنا؟ قال: ذلك أمر الله وحكمته، ثم قرأ علي " وقضى ربّك ألا تعبدوا إلى إيّاه " فقام الشيخ تلقاء وجهه ثم قال: البسيط
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته ... يوم النّشور من الرحمن رضوانا
أوضحت من ديننا ما مكان ملتبساً ... جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا
قال الحارث: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: طريق مظلم لا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: بحر عميق لا تلجه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: سرّ الله قد خفي عليك فلا تفشه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: أيها السائل إن الله خلقك لما شاء أول ما شئت؟ قال: بل لما شاء، قال: فيستعملك كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: فيبعثك يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: أيها السائل، ألست تسأل ربك العافية؟ قال: نعم، قال: فمن أي شيء تسأله العافية: أمن البلاء الذي ابتلاك به غيره؟ قال: من البلاء الذي ابتلاني به، قال: أيها السائل، تقول: لا حول ولا قوة إلا بمن؟ قال: إلا بإذنه العلي العظيم، قال: فتعلم ما تفسيرها؟ قال: تعلمني مما علمك الله يا أمير المؤمنين.
قال: إن تفسيرها: لا يقدر على طاعة الله، ولا يكون له قوة في معصية الله في الأمرين جميعاً إلا بالله. أيها السائل، ألك مع الله مشيئة، أو فوق الله مشيئة، أو دون الله مشيئة؟ فإن قلت: إن لك دون الله مشيئة فقد اكتفيت بها عن مشيئة الله، وإن زعمت أن لك فوق الله مشيئة فقد ادعيت أن قوتك ومشيئتك عاليتان على قوة الله ومشيئته، وإن زعمت أن لك مع اله مشيئة فقد ادعيت مع الله شركاً في مشيئته. أيها(18/73)
السائل، إن الله يشج ويداوي، فمنه الداء، ومنه الدواء. أعقلت عن الله أمره؟ قال: نعم. قال علي: الآن أسلم أخوكم فقوموا فصافحوه، ثم قال علي: لو أن عندي رجلاً من القدرية لأخذت برقبته، ثم لا أزال أجأها حتى أقطعها، حتى أقطعها، فإنهم يهود هذه الأمة.
قال الأحنف بن قيس: ما سمعت بعد كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن من كلام أمير المؤمنين علي حيث يقول: إن للنكبات نهايات، لابد لأحد إذا نكب من أن ينتهي إليها، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أني ينام لها حتى تنقضي مدتها، فإن في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها.
قال الأحنف وفي مثله يقول القائل: البسيط
الدّهر يحنق أحياناً فلا ديةٌ ... فاصبر عليه ولا تجزع ولا تثب
حتى يفرّجها في حالٍ مدّتها ... فقد يزيد احتناقاً كلّ مضطرب
ولأبي تمام: الطويل
ومن لم يسلّم للنوائب أصبحت ... خلائقه جمعاً عليه نوائبا
قام رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، ما الإيمان؟ قال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد.
فالصبر منها على أربع شعب: على الشوق، والشفقة، والزهادة، والترقب: فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.
واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين: فمن تبصّر في الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.(18/74)
ٍوالعدل منها على أربع شعب: غائص يعني: الفهم، وشرائع الحكم، وزهرة العلم، وروضة الحلم، فمن فهم فسّر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرّط أمره، وعاش في الناس جميلاً.
والجهاد على أربع شعب: على أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين: فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر رغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب غضب الله له. قال: فقام إليه السائل فقبّل رأسه.
قيل لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، ما السخاء؟ قال: ما كان منه ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتكرم.
كتب علي إلى بعض عماله: أما بعد. فلا تطوّلن حجابك على رعيتك، فإن احتجاب الولاة على الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحقّ بالباطل، وإنما الوالي بشرٌ، لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصّدق من الكذب، فتحصّن من الإدخال في الحقوق بلين الحجاب، فإنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق، ففيم احتجابك من حقّ واجبٍ أن تعطيه، أو خلق كريم تسديه، وغما مبتلى بالمنع، فما أسرع كفّ الناس عن(18/75)
مسألتك إذا يئسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤنة فيه عليك، من شكاة مظلمةٍ، أو طلب إنصافٍ. فانتفع بما وصفت لك، واقتصر على حظك ورشدك، إن شاء الله.
وعن علي عليه السلام قال: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف.
قال علي: من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحبّ لهم ما يحبّ لنفسه.
وعن علي بن أبي طالب قال: لا تؤاخ العاجز، فإنه يزين لك فعله، ويحب لو أن لك مثله، ويزين لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك، ومخرجه من عندك شين وعار، ولا الأحمق فإنه يجهد نفسه لك، ولا ينفعك، وربما أراد أن ينفعك فيضرك، فسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك، وينقل الحديث إليك وغن يحدّث بالصدق فما يصدّق.
قال علي بن أبي طالب: إني لأستحي من الله أن يكون ذنبٌ أعظم من عفوي، أو جهلٌ أعظم من حلمي، أو عورة لا يواريها ستري، أو خلّة لا يسدّها جودي.
وعن علي قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتّعس في اللذة. قيل: وما التعس في اللذة؟ قال: لا ينال شهوةً حلالاً إلا جاءه ما ينغّصه إياه.
جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فأطراه، وكان يبغضه، فقال له: إني ليس كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك.(18/76)
وعن عل يكرم الله وجهه قال: حسب حسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وديني دين النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومن نال مني شيئاً فإنما يناله من النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعن عروة أن رجلاً وقع في علي بمحضر من عمر، فقال عمر: تعرف صاحب هذا القبر، محمد بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب ابن عبد المطلب. لا تذكر علياً إلا بخير، فإنك إن آذيته آذيت هذا في قبره. وفي رواية: فإنك إن أبغضته آذيت هذا في قبره.
قال الشعبي: كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان علي أشعر الثلاثة.
كتب معاوية إلى علي بن أبي طالب:
يا أبا الحسن، إن لي فضائل كثيرة، وكان أبي سيداً في الجاهلية، وصرت ملكاً في الإسلام، وأنا صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخال المؤمنين، وكاتب الوحي، فقال علي: أبا الفضائل يفخر عليّ ابن آكلة الأكباد؟ ثم قال: اكتب يا غلام: الوافر
محمدٌ النبيّ أخي وصهري ... وحمزة سيّد الشهداء عمّي
وجعفرٌ الذي يمسي ويضحي ... يطير مع الملائكة ابن أمّي
وبنت محمدٍ سكني وعرسي ... مسوطٌ لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمدٍ ولداي منها ... فأيّكم له سهمٌ كسهمي؟
سبقتكم إلى الإسلام طرّاً ... صغيراً ما بلغت أوان حلمي
فقال معاوية: أخفوا هذا الكتاب، لا يقرأه أهل الشام، فيميلون إلى ابن أبي طالب.
قال جابر بن عبد الله: سمعت علياً ينشد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمع: البسيط(18/77)
أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي ... معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جدّي وجدّ رسول الله منفردٌ ... وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدّقته وجميع الناس في بهمٍ ... من الضلالة والإشراك والنكد
فالحمد لله شكراً لا شريك له ... البرّ بالعبد والباقي بلا أمد
فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " صدقت يا علي ".
وقال علي بن أبي طالب: الوافر
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنّت ... وأرست في أماكنها الخطوب
ولم ير لانكشاف الصبر وجهٌ ... ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ ... يجيء به القريب المستجيب
وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فموصولٌ بها الفرج القريب
قال الشعبي: قال علي بن أبي طالب لرجل وكره له صحبة رجلٍ؛ فقال له: الهزج
لا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه
فكم من جاهلٍ أردى ... حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه
وللشيء من الشيء ... مقاييسٌ وأشباه
وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه
ومن شعر علي عليه السلام: مجزوء الكامل(18/78)
كم فرحةٍ مطويةٍ ... لك بين أثناء النوائب
ومسرّة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
حدّث أبو عمرو بن العلاء عن أبيه قال: وقف علي بن أبي طالب على قبر فاطمة فأنشأ يقول: الطويل
ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني ... بردّ الهموم الماضيات وكيل
لكلّ اجتماعٍ من خليلين ... فرقةٌ وكلّ الذي قبل الممات قليل
وإن افتقادي واحداً بعد واحدٍ ... دليلٌ على ألاّ يدوم خليل
ستعرض عن ذكري وتنسى مودّتي ... ويحدث بعدي للخليل خليل
إذا انقطعت يوماً من العيش مدّتي ... فإن عناء النائبات قليل
وله: المتقارب
لا تفش سرّك إلاّ إليك ... فإنّ لكلّ نصيحٍ نصيحا
فإني رأيت غواة الرجال ... لا يتركون أديماً صحيحا
وله: الوافر
نقشنا ودّ إخوان الصفاء ... بأقلام الهباء على الهواء
فكلّهم ذئابٌ في ثيابٍ ... حياتهم وفاةٌ للحياء
وله: مجزوء الكامل
الصّبر من كرم الطبيعه ... والمنّ مفسدة الصنيعه
والحقّ أمنع جانباً ... من قلّة الجبل المنيعه
والشرّ أسرع جريةً ... من جرية الماء السريعه(18/79)
ترك التعاهد للصّدي ... ق يكون داعة القطيعه
وله: الطويل
إن كنت محتاجاً إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً ... ولكنني أرضى به حين أحوج
ولي فرسٌ للحلم بالحلم ملجمٌ ... ولي فرسٌ للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوّمٌ ... ومن شاء تعويجي فإنّي معوج
وعن أيوب السّختياني قال:
من أحبّ أبا بكر فقد أقام الدّين، ومن أحبّ عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحبّ عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحبّ عليّاً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد برئ من النفاق.
قال سفيان الثوري: حبّ علي من العبادة، وأفضل العبادة ما كتم.
قال يحيى بن آدم: ما أدركت أحداً بالكوفة إلاّ يفضل عليّاً، يبدأ به، وما استثنى أحداً غير سفيان الثوري.
قال عبد الرزاق: قال معمر مرة وأنا مستقبله، وتبسّم، وليس معنا أحد، قلت: ما شأنك؟ قال: عجبت من أهل الكوفة، كأن الكوفة إنما بنيت على حبّ علي، ما كلمت أحداً منهم إلاّ وجدت المقتصد منهم الذي يفضل علياً على أبي بكر وعمر، منهم سفيان الثوري، قال: فقلت لمعمر وأريت كأني أعظمت ذلك فقال معمر: وما ذاك؟ لو أن رجلاً قال: عليّ أفضل عندي منهما ما عنّفته إذا ذكر فضلهما، إذا قال: عندي، ولو أن رجلاً قال: عمر عندي أفضل من علي وأبي بكر ما عنّفته. قال عبد الرّزاق: فذكرت ذلك لوكيع بن(18/80)
الجراح ونحن خاليان فاشتهاها أبو سفيان وضحك، وقال: لم يكن سفيان يبلغ بنا هذا الحدّ، ولكنه أفضى إلى معمر ما لم يفض إلينا.
وكنت أقول لسفيان: يا أبا عبد الله، أرأيت إن فضلنا عليّاً على أبي بكر وعمر ما تقول في ذلك؟ فيسكت ساعة ثم يقول: أخشى أن يكون طعناً على أبي بكر وعمر، ولكنا نقف. قال عبد الرزاق: وأخبرنا ابن التيمي يعني: معتمراً قال: سمعت أبي يقول: فضل علي بن أبي طالب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمئة منقبة، وشاركهم في مناقبهم. عثمان أحبّ إليّ منه.
وعن سالم مولى أبي الحسين قال: كنت جالساً مع أبي الحسين زيد بن علي، ومعه ناس من قريش، ومن بني هاشم، وبني مخزوم، فتذاكروا أبا بكر وعمر، فكأنّ المخزوميين قدّموا أبا بكر وعمر، وزيد ساكت، لا يقول لهم شيئاً، ثم قاموا فتفرّقوا، فعادوا بالعشي إلى مجلسهم، فقال زيد بن علي: إني سمعت مقالتكم، وإني قلت في ذلك كلمات، فاسمعوهنّ ثم أنشد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم: الطويل
ومن فضّل الأقوام يوماً برأيهم ... فإنّ عليّاً فضّلته المناقب
وقول رسول الله والحقّ قوله ... وإن رغمت فيه الأنوف الكوذاب
بأنّك مني يا عليّ معالناً ... كهارون من موسى أخٌ لي وصاحب
دعاه ببدرٍ فاستجاب لأمره ... فبادر في ذات الإله يضارب
فما زال يعلوهم به وكأنّه ... شهابٌ تثنّى بالتّوائم ثاقب
أنشد القاسم بن يسار وأبو عبد الله بن الحميم: الطويل
إذا ما ذكرنا من عليّ فضيلةً ... رمونا لها جهلاً بشتم أبي بكر
يديروننا لا قدّس الله أمرهم ... على شتمه تبّاً لذلك من أمر
إذا ما ذكرنا فضله فكأنما ... نجرّعهم منحه أمرّ من الصّبر
وهل يشتم الصّدّيق من كان مؤمناً ... ضجيع رسول الله في الغار والقبر(18/81)
وقد سال الصّدّيق من آل هاشمٍ ... عليّ الهدى عند ارتداد ذوي الكفر
فقال له إن مانعوك زكاتهم ... وما كان قد يعطونه سيّد البدر
فحارب على ردّ الشريعة إنها ... شريعة ربّ الناس ذي العزّ والفخر
فلا تنكروا تفضيل من كان هادياً ... فإن عليّاً خيركم يا بني فهر
ويروى: حبركم وحرّكم.
قال الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني: إن تركتنا الذنوب والخطايا حتى نجتمع مع علي بن أبي طالب عليه السلام يوم القيامة فسيعلم الروافض من هو أشدّ حبّاً له: نحن أو هم.
ومن شعر أبي حفص عمر بن عبد الله بن خليل: المتقارب
يقولون لي لا تحبّ الوصيّ ... فقلت الثرى بفم الكاذب
أحبّ النّبيّ وآل النّبيّ ... وأختصّ آل أبي طالب
وأعطي الصحابة حقّ الولاء ... وأجري على السّنن الواجب
فإن كان نصباً ولاء الجميع ... فإنّي كما زعموا ناصبي
وإن كان رضاً ولاء الجميع ... فلا برح الرفض من جانبي
وأنشد إسحاق بن خلف الشاعر: البسيط
إني رضيت عليّاً قدوةً علماً ... كما رضيت عتيقاً صاحب الغار
وقد رضيت أبا حفصٍ وشيعته ... وما رضيت بقتل الشيخ في الدّار
إن كنت تعلم أني لا أحبّهم ... إلاّ لوجهك فأعتقني من النّار
قال أبو إسحاق السّبيعي: حججت، وأنا غلام، فمررت بالمدينة، فرأيت الناس عنقاً واحداً، فاتّبعتهم، فأتوا(18/82)
أم سلمة زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم فسمعتها وهي تقول: يا شبث بن ربعي، فأجابها رجل خلف حجاب: لبيك يا أمه، فقالت: أيسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناديكم؟ فقال: إنا نقول شيئاً، يريد: عرض هذه الحياة الدّنيا فقالت: سمعت رسول الله يقول: " من سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني سبّه الله تعالى ".
حدّث شيخ من بني هاشم قال: رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه، وهو يغطيه، فسألته عن سبب ذلك، فقال: نعم، قد جعلت لله عليّ ألاّ يسألني أحد عن ذلك إلاّ أخبرته: كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب، كثير الذكر له بالمكروه، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آتٍ في منامي، فقال: أنت صاحب الوقيعة في علي، وضرب شقّ وجهي، فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى.
وعن علي بن أبي طالب قال: والله، ما ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت الذي قيل لي، وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، تبعني من تبعني، وتركني من تركني.
وعن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليّاً، وقد وطئ الناس على عقبيه حتى أدموهما، وهو يقول: اللهم، إني قد مللتهم، وملّوني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني، قال: فما كان إلا ذلك اليوم حتى ضرب على رأسه.
قال أبو صالح الحنفي: رأيت علي بن أبي طالب آخذاً بمصحف فوضعه على رأسه حتى غني لأرى فرقه يتقعقع، ثم قال: اللهم، إنهم منعوني ما فيه فأعطين ما فيه، ثم قال: اللهم، إني قد مللتهم وملّوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي، وخلقي، وأخلاقٍ لم تكن تعرف لي، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني. اللهم، مث قلوبهم ميث الملح في الماء. قال إبراهيم: يعني أهل الكوفة.(18/83)
قال زهير بن الأقمر الزّبيدي: خطبنا علي فقال: أنبئت بسراً قد اطلع اليمن وإني والله قد خشيت أن يدخل هؤلاء القوم عليكم وما بي إن يكونوا أولى بالحقّ منكم، ولن تطيعوني في الحقّ كما يطيعون إمامهم في الباطل ما ظهروا عليكم، ولكن بصلاحهم في أرضهم، وفسادكم في أرضكم، وطواعيتهم إمامهم، وعصيانكم إمامكم، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم. استعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، وحمل المال إلى معاوية. فوالله، لو أني أمنت أحدكم على قدح لخشيت أن يذهب بعلاقته. اللهم، قد كرهتهم وكرهوني، وسئمتهم وسئموني، اللهم، فأرحني منهم وأرحهم مني. قال: فما جمّع.
وعن أنس بن مالك قال: مرض علي بن أبي طالب فدخل عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم فتحولت عن مجلسي، فجلس النّبي صلّى الله عليه وسلّم حيث كنت جالساً، وذكر كلاماً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظاً، ولن يموت إلا مقتولاً ".
وعن أبي رافع أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " أنت تقتل على سنّتي ".
وعن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليّاً يقول: لتخضبنّ هذه من هذه، قالوا: يا أمير المؤمنين، أخبرنا به، والله لنبيرنّ عترته،(18/84)
قال: أنشد الله أن يقتل فيّ غير قاتلي، قالوا: استخلف عليا، قال: لا، أدعكم إلى ما ودعكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: فماذا تقول لربّك وفي حديث غيره: إذا لقيته وقد تركتنا هملاً؟ قال: أقول: اللهم، ربّ تركتني فيهم ما بدا لك، فلما قبضتين تركتك فيهم. فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم.
حدث أبو سنان الدؤلي أنه عاد عليّاً في شكوى اشتكاها، قال: فقلت له: لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذا، فقال: ولكنني والله ما تخوّفت على نفسي منه لأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصادق المصدوق يقول: " إنك ستضرب ضربه هاهنا وأشار إلى صدغه فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود ".
وفي حديث آخر بمعناه: كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود، نسبه إلى جده الأدنى.
قال زيد بن وهب: قدم علي على قوم من البصرة من الخوارج، فيهم رجل يقال له: الجعد بن بعجة، فقال له: اتقّ الله يا علي، فإنك ميّت، فقال علي: بل مقتول: ضربةٌ على هذا تخضب هذه يعني: لحيته من رأسه عهد معهود، وقضاء مقضيّ " وقد خاب من افترى ".
وعاتبه في لباسه فقال: ما لكم ولباسي؟ هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بين المسلم.
وعن أبي الطّفيل أن عليّاً جمع الناس للبيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم فردّه مرتين، ثم قال علي: ما يحبس أشقاها؛ فواله لخضبنّ هذه من هذا ثم تمثّل: الهزج
اشدد حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيك
ولا تجزع من القتل ... إذا حلّ بواديك(18/85)
وعن علي قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز فقال لي: لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف، فقال علي: وايم الله، لقد أخبرني به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو الأٍسود: فما رأيت كاليوم قطّ محارباً يخبر بهذا عن نفسه.
وعن صهيب قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من أشقى الأولين؟ " قال: عاقر الناقة، " قال: فمن أشقى الآخرين؟ " قال: لا علم لي يا رسول الله، قال: " الذي يضربك على هذه وأشار بيده إلى يافوخه يخضب هذه من هذه يعني: لحيته " فكان علي يقول: ألا يخرج الأشقى الذي يخضب هذه يعني: مفرق رأسه.
وعن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري وكان أبو فضالة من أهل بدر قال: خرجت مع أبي عائداً لعلي من مرض أصابه ثقل منه، قال: فقال له أبي: ما يقيمك بمنزلك هذا؟ لو أصابك أجلك لم تك إلا أعراب جهينة تحمل لك المنية، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلّوا عليك، فقال علي: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ ألا أموت حتى أؤمّر، ثم تخضب هذه يعني: لحيته من هذه يعني: هامته فقتل، وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين.
قال سعيد بن المسيّب: رأيت عليّاً على المنبر، وهو يقول: لتخضبنّ هذه من هذه وأشار بيده إلى لحيته وجبينه فما يحبس أشقاها؟ قال: فقلت: لقد ادعى علي علم الغيب. فلما قتل علمت لأنه قد كان عهد إليه.
وعن عائشة قالت: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم التزم عليّاً، وقبّله، ويقول: بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد.
وعن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، من بطن ينبع. فلما نزلها(18/86)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقام بها شهراً، فصالح بها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة، فوادعهم، فقال له علي بن أبي طالب: هل لك يا أبا اليقظان أن تأتي هؤلاء نفر من بني مدلج، يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم، فنظرنا إليهم ساعة، ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض، فنمنا فيه، فوالله ما أهبّنا إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقدمه، فجلسنا وقد تترّبنا من تبك الدقعاء فيومئذٍ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا أبا تراب "، لما عليه من التراب. فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال: " ألا أخبركما بأشقى الناس رجلين؟ " قلنا: بلى، يا رسول الله، فقال: " أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على رأسه حتى يبلّ منها هذه، ووضع يده على ليحته ".
وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أشقى ثمود؟ " قالوا: عاقر الناقة، قال: " فمن أشقى هذه الأمة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " قاتلك يا علي ".
وعن عمرو بن أبي جندب قال: مرّ بنا علي بصفين وليس معه أحد، فقال له سعيد: أما تخشى أن يغتالك عدو، فإني لا أرى معك أحداً؟ قال: إن لكل عبدٍ حفظة يحفظونه، لا يخرّ عليه حائط، أو يتردّى في بئر حتى إذا جاء القدر الذي قدّر له خلت عنه الحفظة، فأصابه ما شاء الله أن يصيبه.
وعن أبي نصر قال: كنا جلوساً حول سيدنا الأشعث بن قيس إذ جاء رجل بيده عنزة، فلم نعرفه، وعرفه. قال: أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قال: تخرج هذه الساعة، وأنت رجل محارب؟! قال: إن عليّ من الله جنّة حصينة، إذا جاء القدر لم تغن شيئاً. إنه ليس من الناس أحد إلاّ وقد وكّل به ملك، ولا تريده دابة ولا شيء إلاّ قال: اتّقه، اتّقه، فإذا جاء القدر خلا عنه.(18/87)
وعن يعلي بن مرّة قال:
كان علي يخرج بالليل إلى المسجد ليصلي تطوعاً، وكان الناس يفعلون ذلك، حتى كان شبث الحروري، فقال بعضنا لبعض: لو جعلنا علينا عقباً يحضر كل ليلة منا عشرة، فكنت في أول من حضر، فألقى درّته ثم قام يصلي. فلما فرغ أتانا، فقال: ما يجلسكم؟ قلنا: نحرسك، فقال: من أهل السماء؟ قال: فإنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضى في السماء، وإنّ عليّ من الله جنّة حصينة، فإذا جاء أجلي كشف عني، وإنه لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
دخل الحسن بن علي على معاوية فقال معاوية: أبوك الذي كان يقاتل أهل البصرة، فإذا كان آخر النهار مشى في طرقها! قال: علم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه. فقال معاوية: صدقت.
وعن حكيم بن سعد أنه قيل لعلي: لو علمنا قاتلك لأبرنا عترته، فقال: مه، ذكم الظلم. النفس بالنفس، ولكن اصنعوا ما صنع فقال: النبي قتل، ثم أحرق بالنار.
وعن معاوية بن جوين الحضرمي قال: عرض عليّ الخيل، فمرّ عليه ابن ملجم، فسأله عن اسمه أو قال: نسبه فانتمى إلى غير أبيه، فقال له: كذبت، حتى انتسبت إلى أبيه، فقال: صدقت. أما إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثني أن قاتلي شبه اليهود، هو يهودي، فامضه.
قال عثمان بن المغيرة: لما أن دخل رمضان كان علي يتعشى ليلة عند الحسن والحسين وابن عباس لا يزيد على ثلاث لقم، يقول: يأتيني أمر الله وأنا خميصٌ، إنما هي ليلة أو ليلتين، فأصيب من الليل.
حدّث الحين بن كثير عن أبيه وكان أدرك عليّاً قال: خرج علي إلى الفجر، فأقبل الوز يصحن في وجهه، فطردوهن عنه، فقال:(18/88)
ذروهنّ فإنهنّ نوائح، فضربه ابن ملجم، فقيل: يا أمير المؤمنين، خلّ بيننا وبين مراد، فلا نقوم لهم راعية أو راغبة أبداً، قال: لا، ولكن احبسوا الرجل، فإن أمت فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص.
وعن الأصبغ الحنظلي قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي أتاه ابن النّبّاح حين طلع الفجر يؤذن بالصلاة، وهو مضطجع، فتثاقل فعاد إليه ثانية، وهو كذلك، ثم عاد الثالثة، فقام علي يمشي وهو يقول:
شدّ حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت ... إذا حلّ بواديكا
فلما بلغ الباب الصغير شدّ عليه عبد الرّحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم بنت علي فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الغداة؟ قتل زوجي أمير المؤمنين صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة.
قال أبو عون الثقفي: كنت اقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وكان الحسن بن علي يقرأ عليه. قال أبو عبد الرّحمن: فاستعمل أمير المؤمنين عليٌّ رجلاً من بني تميم يقال له: حبيب بن مرّة على السّواد، وأمره أن يدخل الكوفة من بالسواد من المسلمين، فقلت للحسن بن علي: إن لي ابن عم في السواد يحب أن يقوم مكانه، فقال لي: تغدو غداً على كتابك وقد ختم، فغدوت من الغد فإذا الناس يقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، فقلت للغلام: أنفذ بي إلى القصر، فدخلت القصر، فإذا الحسن بن علي قاعد في مسجد في الحجرة، وإذا صوائح، فقال: ادن إلي يا أبا عبد الرّحمن، فجلست إلى جنبه، فقال لي: خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي في هذا المسجد، فقال لي: يا بنيّ، إنّي بتّ البارحة أوقظ أهلي، لأنها ليلة الجمعة، صبيحة بدر لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللّدد(18/89)
قال: والأود: العوج، واللّدد: الخصومات، فقال لي: " ادع عليهم "، قال: قلت: اللهم أبدل لي بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شرّ مني، فجاء ابن النّبّاح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطّاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه. قال أبو هشام: قال لي أبو أسامة: إني أغار عليه كما يغار الرجل على المرأة الحسناء، لا تحدّثن به ما دمت حيّاً.
قال أبو أسامة
في هذا الحديث ثلاثة عشر حديثاً: فيه أن الحسن بن علي قرأ علي أبي عبد الرحمن، وأن أبا عبد الرحمن سأل الحسن بن علي حاجة، وهو يقرأ عليه، وأن عليّاً كره أن يدخل المسلمون السواد، وأن الحسن شفع في أن ينزل رجل بالسواد من المسلمين وأن علي بن أبي طالب كان إذا كتب ختم كتابه، وأنه اتّخذ مسجداً في حجره، وأنه صيح عليه، فلم ينكره الحسن، وأنا علياً نام وهو جالس، فلم يتوضأ، وأنه قال: الأود: العوج، واللّدد: الخصومات، وأنه كان له مؤذّن يؤذنه بالصلاة، وأنه كان لباب داره طاق، وأنه قتل فيه.
وعن الليث بن سعد: أن عبد الرحمن بن ملجم ضرب عليّاً في صلاة الصبح على دهس، بسيفٍ كان سمّه بالسّمّ، ومات من يومه ودفن بالكوفة ليلاً.
وعن ابن الحنفية قال: دخل علينا ابن ملجم الحمام، وأنا وحسن جلوس في الحمام. فلما دخل كأنّهما اشمأزّا منه، وقالا: ما جرّأك تدخل علينا؟! قال: فقلت لهما: دعاه منكما، فلعمري ما يريد بكما أجسم من هذا. فلما كان يوم أتي به أسيراً قال ابن الحنفية: ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام، فقال علي: إنه أسير فأحسنوا نزله، وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن متّ فاقتلوه، قتلتي " ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين ".(18/90)
قال محمد بن سعد قالوا:
انتدب ثلاثة نفر من الخوارج: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وهو من حمير، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة، وتعاهدوا، وتعاقدوا ليقتلنّ هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم، فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا لكم بعلي بن أبي طالب، وقال البرك، أنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا على ذلك، وتعاقدوا، وتواثقوا ألاّ ينكص رجل منهم على صاحبه الذي سمّى، ويتوجه إليه حتى يقتله، أو يموت دونه، فاّتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من بدر رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه من الخوارج، فكاتمهم ما يريد، وكان يزورهم ويزورونه، فزار يوماً نفراً من بني تيّم الرباب، فرأى امرأى منهم يقال لها قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان فأعجبته فخطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي فقال: لا تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، فقالت: ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب، فقال: والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب، وقد أعطيتك ما سألت. ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ما يريد، ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك، وظلّ عبد الرحمن تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل علياً في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده، حتى كاد يطلع الفجر، فقال له الأشعث، فضحك الصبح، فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدّة التي يخرج منها علي. قال الحسن بن علي: وأتيته سحراً، فجلست إليه فقال: إني بتّ الليلة أوقظ أهلي، فملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من أمت من الأود واللّدد! فقال لي: " ادع عليهم "، فقلت: اللهم، أبدلني بهم خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شراً لهم مني، ودخل ابن النّبّاح المؤذن على ذلك، فقال: الصلاة، فأخذت بيده فقام يمشي، ابن النّبّاح بين يديه، وأنا خلفه. فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس، الصلاة، الصلاة، كذلك كان يصنع في كل يوم يخرج، ومعه درّته يوقظ(18/91)
الناس، فاعترضه الرجلان، فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف، وسمعت قائلاً يقول: لله الحكم يا علي، لا لك، ثم رأيت سيفاً ثانياً، فضربا جميعاً، فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع علياً يقول: لا يفوتنّكم الرجل، وشدّ النسا عليهما من كل جانب، فأما شبيب فأفلت، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم، فأدخل على عليّ فقال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش، فأنا وليّ دمي عفو أو قصاص، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين، فقالت أم كلثوم بنت علي: يا عدو الله، قتلت أمير المؤمنين؟ قال: ما قتلت إلا أباك، قالت: فوالله إني لأرجو ألاّ يكون على أمير المؤمنين بأس، قال: فلم تبكين إذاً؟ ثم قال: والله لقد سممته شهراً يعني: سيفه فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه، وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي، فقال: أي بني، انظر كيف أصبح أمير المؤمنين، فذهب، فنظر إليه ثم رجع، فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه، فقال الأشعث: عيني دميع ورب الكعبة. قال: ونكب علي يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين، وغسله الحسن والحسين وعبد الله وجعفر، وكفن في ثلاثة أثواب، ليس فيها قميص.
قالوا: وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن. فلما مات علي ودفن بعث الحسن بن علي إلى عبد الرحمن بن ملجم، فأخرجه من السجن ليقتله، فاجتمع النّاس وجاؤوا بالنّفط والبواري والنار، فقالوا: نحرقه، فقال عبد الله بن جعفر وحسين بن علي ومحمد بن الحنفية: دعونا حتى نشفي أنفسنا منه، فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه بمسمار محمّى، فلم يجزع وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك بملمول ممضّ، وجعل يقرأ: " اقرأ باسم ربّك الّذي خلق خلق الإنسان من علقٍ " حتى أتى على آخر السورة كلها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه، فجزع فقيل له، قطعنا يديك ورجليك، وسملنا عينيك يا عدو الله، فلم(18/92)
تجزع. فلما صرنا إلى لسانك جزعت؟! فقال: ما ذاك من جزع، إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقاً لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم جعلوه في قوصرّة وأحرقوه بالنار، والعباس بن علي يومئذ صغير فلم يستأن به بلوغه.
وكان عبد الرحمن بن ملجم رجلاً أسمر، أبلج، شعره مع شحمة أذنه، في جبهته أثر السجود.
وعن أبي تحيى قال: لما ضرب ابن ملجم علياً الضربة قال علي: افعلوا به كما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أني فعل برجل أراد قتله، فقال: اقتلوه ثم حرّقوه.
ولما ضرب ابن ملجم علياً عليه السلام قال علي: فزت وربّ الكعبة.
وعن شقيق بن سلمة قال: قيل لعلي بن أبي طالب: ألا تستخلف علينا؟ فقال: ما استخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكن إن يرد الله بالناس خيراً استجمعهم بعدي علىخيرهم، كما جمعهم بعد نبيّهم على خيرهم.
وعن عقبة بن أبي الصهباء قال: لما ضرب ابن ملجم علياً دخل عليه السحن، وهو باك، فقال له: ما يبكيك يا بنيّ؟ قال: وما لي لا أبكي وأنت في أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من الدنيا؟ فقال: يا بني، احفظ أربعاً وأربعاً لا تضرك ما عملت معهن، قال: وما هن يا أبه؟ قال: إن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق. قال: قلت: يا أبه، هذه الأربع فأعطني الأربع الأخر، قال: إياك ومصادقة(18/93)
الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرّب عليك البعيد، ويبعد عليك القريب، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه.
فلما فرغ علي من وصيته قال: أقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم لم يتكلم بشيء إلا: لا إله إلا الله حتى قبضه الله، رحمة الله ورضوانه عليه، وصلى عليه الحسن، وكبّر عليه أربعاً، ودفن في السّحر.
قال هارون بن سعد: كان عند علي مسك أوصى أن يحتفظ به، وقال: فضل من حنوط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ون الحسن بن علي قال: دفنت أبي علي بن أبي طالب في حجرة أو قال: في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة.
قال عبد الملك بن عمير: لما حفر خالد بن عبد الله أسا دار يزيد ابنه استخرجوا شيخاً مدفوناً، أبيض الرأس واللحية، فقال: أتحبّ أن أريك علي بن أبي طالب؟ فكشف لي فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية كأنما دفن بالأمس، طري فقال: يا غلام، عليّ بحطبٍ ونار، فقال الهيثم بن العريان: ليس يريد القوم منك هذا كله، قال: يا غلام، عليّ بقباطي، فلفّه فيها وحنّطه، وتركه مكانه، قال أبو زيد بن طريف: هذا الموضع بحذاء باب الوراقين، مما يلي قبلة المسجد بيت إسكاف، وما يكاد يقرّ في ذلك الموضع أحدٌ إلاّ انتقل عنه.
وقيل: إنه لا يعلم أين موضع قبره، وقيل دفن بالكوفة عند قصر بالإمارة ليلاً، وعمّي دفنه. وقيل: دفن عند المسجد الجامع. ويقال: دفن في موضع القصر، ويقال في الرّحبة التي تنسب إليه. ويقال: في الكناسة. ويقال: إن الحسن والحسين وابن الحنفية(18/94)
وعبد الله بن جعفر وعدّة من أهل بيتهم خرجوا به ليلاً، فدفن في ظاهر الكوفة، فعل به ذلك مخافة أن ينبشه الخوارج وغيرهم.
جاء رجل إلى شريك فقال: أين قبر علي بن أبي طالب، فأعرض عنه، حتى سأله ثلاث مرات، فقال له: في الرابعة، نقله الحسن بن علي إلى المدينة. قال الخطيب: هذا لفظ حديث البغوي. وقال: قال عبد الملك: وكنت عند أبي نعيم فمرّ قوم على حمير، قلت: أين يذهب هؤلاء؟ قالوا: يأتون قبر علي بن أبي طالب، فالتفت إليّ أبو نعيم فقال: كذبوا، نقله الحسن بن علي إلى المدينة.
قال محمد بن حبيب: أوّل من حوّل من قبر إلى قبر أمير المؤمنين عليّ. حوّله ابنه الحسن، وقيل حمله الحسن بعد صلحه مع معاوية فدفنه بالمدينة. قول غيره: حمله فدفنه بالثّويّة. ويقال: دفن بالبقيع مع فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال عيس بن داب: عمّي قبر علي. قال: وحدثني الحسن أنه صرّ في صندوق وأكثر عليه من الكافور، وحمل على بعير يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيء أضلوا البعير ليلاً، فأخذته طيء، وهم يظنون أن في الصندوق مالاً. فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا، فدفنوا الصندوق بما فيه، ونحروا البعير، وأكلوه.
وكان أبو جعفر الحضرمي مطيّن ينكر أن يكون القبر المزور بظاهر الكوفة قبر علي بن أبي طالب، وكان يقول: لو علمت الرافضة قبر من هذا لرجمته بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة، وقال مطيّن: لو كان هذا قبر علي بن أبي طالب لجعلت منزلي ومقيلي عنده أبداً.
وعن ابن شهاب قال: قدمت دمشق، وأنا أريد الغزو، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه فوجدته في قبة على(18/95)
فرس، يفوق القائم، والناس تحته سماطان، فسلمت عليه، وجلست، فقال: يا بن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ وقال: ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم. قال: فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، فلا يسمعنّ منك، قال: فما تحدثت به حتى توفي.
قال البيهقي: وروي عن الزهري إسنادي أصح من إسناد هذا الحديث أن ذلك كان في قتل الحسين.
وتوفي علي وهو ابن سبع وخمسين سنة، وكان يوم قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم ابن سبع وعشرين. وقيل: توفي وهو ابن ثمان وخمسين، وولي خمس سنين وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي ابن سبع سنين.
وأسلم علي وهو ابن سبع سنين.
قال الشعبي: أقام علي بعد إسلامه مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عشرين سنة، ومع أبي بكر وعمر ثلاث عشرة سنة، ومع عثمان اثنتي عشرة سنة، وولي خمس سنين.
وأهل بيته يقولون: قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة، ويقولون: أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، قالوا: وشهد بدراً وهو ابن عشرين سنة، وشهد الفتح وهو ابن ثمان وعشرين. وكان عظيم البطن، عظيم اللحية، قد ملأت ما بين منكبيه، وكان أصلع رحمه الله. وقيل: إن بن ملجم قتله لستٍ بقين من رمضان سنة أربعين.
قال عبد الله بن محمد بن عقيل: سمعت ابن الحنفية يقول: سنة الجحاف حين دخلت إحدى وثمانون هذه لي خمس وستون سنة، وقد جاوزت سن أبي. قلت: وكم كانت سنّه يوم قتل؟ قال: ثلاث وستون سنة.
قال محمد بن عمر: وهو الثّبت عندنا.(18/96)
وأم علي عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأسلمت قديماً، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي ربت النبي صلّى الله عليه وسلّم ويوم ماتت صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عليها، وتمرغ في قبرها، وبكى، وقال: " جزاك الله من أمٍ خيراً، فقد كنت خير أمّ "، وولدت لأبي طالب عقيلاً، وجعفر، وعلياً، وأم هانئ، واسمها فاختة، وحمامة. وكان عقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين، وجعفر أسنّ من علي بعشر سنين، وجعفر هو ذو الهجرتين، وذو الجناحين.
وقال أبو جعفر: توفي علي وله خمس وستون سنة، وكان عليّ، وطلحة، والزبير في سن واحدة.
قال سعيد بن جمهان عن سفينة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " فقال لي: أمسك يعني: سفينة القائل لسعيد بن جمهان أمسك فذكر خلافة علي ستاً.
كذا قال في هذا الحديث، ولمي بلغ في الخلافة ست سنين.
وولد علي بمكة، في شعب بني هاشم، وقتل بالكوفة.
قال الهيثم بن عمران: بايع لعلي أهل العراق، ومكة، والمدينة، واليمن. فمكث رحمه الله خمس سنين، وقتله ابن ملجم.
ولما قتل بويع الحسن بن علي بن أبي طالب.
وكان بين مقتل عثمان إلى اصطلاح الحسن بن علي ومعاوية خمس سنين وثلاثة أشهر وسبع ليال.
وكان لعليّ تسع عشرة سرّيّة. إنما كان كثرة تسرّي أمير المؤمنين طلباً للنسل، لتكثير العابدين.
ولما قتل علي قام حسن بن علي خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أما بعد.(18/97)
والله لقد قتلتم الليلة رجلاً في ليلة نزل فيها القرآن، وفيها رفع عيسى بن مريم، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى، وفيها تيب على بني إسرائيل. والله ما سبقه أحد كان قبله، ولا لحقه أحد كان بعده، وإن كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ليبعثه في السّرية، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. والله ما ترك صفراء ولا بيضاء، إلا ثماني مئة درهم، أو سبع مئة درهم أرصدها لخادم يشتريها.
وعن المغيرة قال: لما جيء معاوية بنعي علي، وهو قائل مع امرأته فاختة بنت قرظة في يوم صائف قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا فقدوا من العلم، والحلم، والفضل، والفقه، فقالت امرأته: أنت بالأمس تطعن في غيبته، وتسترجع اليوم عليه؟! قال: ويلك! لا تدرين ماذا فقدوا من علمه، وفضله وسوابقه.
وكانت سودة بنت عمار تبكي علياً، وقالت: البسيط
صلى الإله على جسمٍ تضمّنه ... قبرٌ فأصبح فيه الجود مدفونا
قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلاً ... فصار بالحقّ والإيمان مقرونا
قال أبو عياض مولى عياض بن ربيعة الأسدي: أتيت علي بن أبي طالب، وأنا مملوك، فقلت: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك أبايعك. فرفع رأسه إلي، فقال: ما أنت؟ قلت: مملوك، قال: لا، إذاً، قلت: يا أمير المؤمنين، إنما أقول: إني إذا شهدتك نصرتك، وإن غبت نصحتك، قال: نعم، إذاً، قال: فبسط يده فبايعني.
قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إنه سيأتيكم رجل يدعوكم إلى سبّي، وإلى البراءة مني، فأما السبّ فإنه لكم نجاة، ولي زكاة، وأما البراءة فلا تبرّؤوا مني، فإني على الفطرة.
وعن عمرو بن الأصم قال: دخلت على الحسن بن علي وهو في دار عمرو بن حريث فقلت: إن ناساً يزعمون أن علياً يرجع قبل يوم القيامة! فضحك، وقال: سبحان الله، لو علمنا ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه.(18/98)
وفي رواية عنه قال: قلت للحسن: إن هذه الشيعة يزعمون أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة! فقال: كذب، أولئك الكذابون.
وفي حديث: والله ما هؤلاء بالشيعة.
بويع لعلي بالخلافة سنة خمس وثلاثين، فاستقبل المحرم سنة ست وثلاثين، وكان الذي عقد له عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، ولم يبايع خمسة له منهم: محمد بن مسلمة، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمرو، وكانت الحرب بينه وبين معاوية خمس سنين وثلاث أشره واثنتي عشرة ليلة.
علي بن طاهر بن جعفر بن عبد الله
أبو الحسن القيسي السلمي النحوي حدث عن عبد العزيز بن أحمد الحافظ بسنده إلى جابر قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يدع أحداً من أهله في يوم عيد إلا أخرجه.
ولد سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، وتوفي سنة خمس مئة، وكانت له حلقة في الجامع وقف فيها خزانة، فيها كتبه.
علي بن طاهر بن محمد
أبو الحسن القرشي المقدسي الصوفي أصله من شيراز.
حدّث عن أبي العباس أحمد بن محمد بن زكريا النّسوي بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اطلبوا الحوائج إلى ذوي الرحمة من أمتي ترزقوا، وتنجحوا، فإن الله يقول: "(18/99)
رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي "، ولا تطلبوا الحوائج عند القاسية قلوبهم، فلا ترزقوا ولا تنجحوا، فإن الله يقول: " إن سخطي فيهم " ".
علي بن أبي طاهر
أبو الحسن القزويني حدّث عن محمود بن خالد بسنده إلى أنس بن مالك أنه تزوج بالمدينة، قال: بعث إليها أن تأتيه بالبصرة، قال: فأبت، فكتب إليها: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد. فإن لكل عمل جزاء. والسلام عليك.
وحدّث عن إسماعيل بن توبة بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " السّواك مطهرة للفم، مرضاة للربّ ".
وحدّث عن العباس بن الوليد بسنده أن الزهري قال: تعلّم سنةٍ أفضل من عبادة مئتي سنة.
علي بن عاصم بن أبي العاص
ابن إسحاق بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص، أبو الحسن الأموي حدّث عن عامر بن سيار التميمي الخراساني بسنده إلى أبي أمامة أو واثلة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا كان يوم القيامة يجمع الله العلماء فيقول: إني لم أستودع قلوبكم الحكمة، وأنا أريد أن أعذّبكم، ثم يدخلهم الجنة ".
وعلي بن عاصم دمشقي، قدم مصر سنة أربع وستين ومئتين.(18/100)
علي بن أبي العاص بن الربيع
ابن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي قيل: إنه قتل يوم اليرموك.
قال الزبير بن بكار: وكانت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى، فولدت له علياً، وأمامة، وكان علي مسترضعاً في بني غاضرة فافتصله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبوه يومئذٍ مشرك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من شاركني في شيء فأنا أحقّ به، وأيّما كافر شارك مسلماً في شيء فهو أحقّ به منه ".
وتوفي علي بن أبي العاص بن زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد ناهز الحلم. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أردفه على راحلته يوم الفتح. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحمل أمامة على عاتقه، ويضعها إذا سجد. وأم أبي العاص هالة بنت خويلد بن أسد أخت خديجة بينت خويلد لأبيها وأمها.
وليس لعلي بن أبي العاص حديث.
علي بن العباس بن أحمد بن العباس
أبو الحسن الثغري النيسابوري حدّث بدمشق.
روى عن أبي محمد الحسن بن علي بن المؤمّل بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " الدعاء مستجاب ما بين النداء والإقامة ".(18/101)
علي بن العباس بن عبد الله بن جندل
أبو الحسن القرشي القزويني حدّث عن أبي نصر أحمد بن محمد بن عبد الله بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: " يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ " " فأمّا الّذين ابيضّت وجوههم " فأهل السّنة والجماعة، " وأمّا الّذين اسودّت وجوههم " فأهل البدع والأهواء.
وحدّث عن أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الهمذاني بجرجان قال: وجدت في بعض كتب أصحابنا سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي رحمه الله ينشد: الطويل
صن النّفس واحملها على ما يزينها ... تعش سالماً والقول فيك جميل
ولا تولينّ الناس إلا تجمّلاً ... نبا بك دهرٌ أو جفاك خليل
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غدٍ ... عسى نكبات الدهر عنك تحول
فيغنى غنيّ النفس إن قلّ ماله ... ويغنى فقير النفس وهو ذليل
ولا خير في ودّ امرئ متلوّنٍ ... إذا الرّيح مالت مال حيث تميل
وما أكثر الإخوان حين تعدّهم ... ولكنّهم في النائبات قليل
علي بن عبد الله بن أحمد
ابن عبد الصمد بن هشام بن الغاز، أبو الحسن الجرشي الصيداوي حدّث عن العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي بسنده إلى ابن عمر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " من كان ذا وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعةٍ، عسر أو يسرٍ أعين على إجازة السّراط يوم دحض الأقدام ".(18/102)
علي بن عبد الله بن أحمد
ابن أبي شعبة، أبو الحسن حدّث عن القاضي علي بن محمد بن كاس النّخعي بسنده إلى علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ".
وحدّث عن محمد بن أحمد بن عبيد أبي سعيد بسنده إلى ابن عمر أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يصلي بعد المغرب، ولا بعد الجمعة إلا في بيته.
حدّث سنة ثلاث وستين وثلاث مئة.
علي بن عبد الله بن بحر الكاتب
رجل أديب. كان يكتب للأمير لؤلؤ أمير دمشق.
قال يرثي أبا علي الحسين بن محمد بن الحسين بن النصيبي، وأنشدها أباه الشريف القاضي أبا عبد الله: الطويل
أعزيك يا فرد المكارم والفضل ... وإن كان قد عزّاك مجدك من قبلي
وما خفت أن تأسى وفضلك بارعٌ ... لأن الأسى لا يستقرّ مع الفضل
ومنك تعلمت التعزّي وإنما ... أن اليوم أملي بعض ما كنت أستملي
مضى ابنك محمود الطرائق لم يشن ... بعيبٍ ولم يأثم بقولٍ ولا فعل
رأى أنه إن عاش ساواك في العلى ... فآثر أن تبقى فريداً بلا مثل
على مثله في فضله يحسن الأسى ... ولكنكم يسليكم شرف الأصل
ونحن على الحالات نعم أنّنا ... نموت ولكن نستريح إلى الجهل
ولو فكّر الإنسان في الموت لم يكن ... مدى الدهر ملتذّاً بشربٍ ولا أكل
تسلّ احتساباً عنه تغنم ثوابه ... وإلا ففي مرّ الحوادث ما يسلي
لكم في رسول الله أحسن أسوةٍ ... فقد مات وهو المصطفى خيرة الرسل
تأسّوا به إذ كنتم أهل بيته ... فلا خلق أولى بالتأسّي من الأهل(18/103)
وإنّي لأدري إنكم أهل صفوةٍ ... تردّون كلّ الحادثات إلى العدل
علي بن عبد الله بن جعفر
ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو الحسن القرشي الهاشمي كان علي بن عبد الله بن العباس، وعلي بن الحسين بن علي، وعلي بن عبد اله بن جعفر يقدمون على الوليد بن عبد الملك، فيقول الوليد للعباس ابنه: جالس عمومتك.
قال الزبير بن بكار: فولد عبد الله بن جعفر: جعفر الأكبر، به كان يكنى، انقرض، وعوناً الأكبر انقرض، قتل بالطّفّ، وكان يجد به وجداً شديداً، وحزن عليه حزناً عرف فيه، حتى أقصر بعد. والعقب من ولد عبد الله بن جعفر لعلي، ومعاوية، وإسحاق وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر.
وعن مصعب بن عبد الله قال: حمل علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أهل أبيات من قريش زمان الوليد بن عبد الملك في السّنيات البيض وكن سنيات اشتددن على أهل المدينة، فقال مساحق بن عبد الله بن مخرمة له: الطويل
أبا حسن إني رأيتك واصلاً ... لهلكى قريشٍ حين غيّر حالها
سعيت لهم سعي الكريم ابن جعفر ... أبيك وهل من غايةٍ لا تنالها
فما أصبحت في ابني لؤيّ فقيرةٌ ... مدقعةٌ إلا وأنت ثمالها(18/104)
علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم بن سعيد
أبو الحسن الهمذاني الجبلي الصوفي بفتح الجيم والباء المخففة المعجمة بواحدة من همذان من الجبل، والهمذاني بفتح الميم والدال المعجمة.
نزيل مكة.
حدّث في ذي الحجة من سنة سبع وأربع مئة عن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: كنا نورثه على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني: الجد.
وحدث بسنده إلى أنس بن مالك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوّله خير أم آخره ".
وحدّث عن أبي عبد الله محمد بن جابان عن أبي عمرو بن علوان الرحبي قال: كنت قبل أن أصحب جنيد بن محمد، وأعاشر الفقراء لي جارية، وكنت مشغوفاً بها، وأميل إليها جداً. فلما انتزعت من جميع ما كان لي من الدنيا بعت الجارية أيضاً، وأنفقت ثمنها على الفقراء، وكان لي بيت أخلو فيه للعبادة. فبينا أنا ذات يوم أصلي خامر قلبي هوى سامره بذكر الجارية التي كانت لي، حتى تولدت مني شهوة الرجل، فنظرت إلى ثيابي التي علي، وقد اسودّ جميع ما كان علي، فأخرجت يدي فإذا قد اسودّت، ونظرت إلى رجلي وسائر بدني فإذا هو قد اسودّ، فاستترت في البيت، ولم أخرج، فدخلت عليّ أمي، ونظرت إلى وجهي وثيابي ويدي ورجلي، قد اسودّ ذلك كله عليّ فقالت: يا أبا عمرو، إيش أصابك؟! فسكتّ، فعالجوا الثياب بالصابون وألوان(18/105)
الغاسول، فلم تزدد إلا سواداً، ودخلت الحمام ودلّكوني بالأشنان وغير ذلك، فلم أزدد إلا سواداً، ثم انكشف عني السواد بعد ساعات من النهار بقدرة الله، ورجعت إلى لون البياض، وعادت ثيابي كما كانت بياضاً، فحمدت الله تعالى على جميل ستره، واستغفرت الله مما خامر سرّي. فلما كان بعد أيام دخل عليّ والدي، وبيده كتاب، وذكر أنه ورد علي من الجنيد بن محمد يستدعي قدومي عليه، فقال: يا بني، قم واخرج إلى حضرة أستاذك، فقد أكّد في كتابه خروجك إليه. قال: فانحدرت إلى بغداد، فساعة وافيتها قصدت الشيخ فدخلت عليه وهو يصلي، فسلمت عليه، ووقفت حتى سلّم من صلاته، فنظر إليّ شزراً، وقال بغضب: ما استحييت من الله جلّ ثناؤه كنت قائماً بين يديه، فسامرت نفسك شهوة استولت عليك برهة، فأخرجتك من بين يدي الله تعالى باللعن والطرد، ولولا أني دعوت الله تعالى لك، وتبت عنك بظهر الغيب للقيت الله وأنت بذلك الوصف، لا تفيق إلا بمودة من إذا أذنبت تاب وإذا مرضت عادك.
قال ابن جهضم:
ذكرت هذه الحكاية لبعض العلماء، فقال: هذا رفق من الله تعالى به وخيره له إذ لم يسوّد قلبه، وظهر السواد على يديه، وما من ذنب يرتكبه العبد يصرّ عليه إلا اسودّ القلب منه قبل سواد الجسم، لا يجلوه إلا التوبة النصوح، والعقوبة من الله تعالى فليست على قدر الذنب لكنها على قدر إرادة المعاقب وربما كانت في القلب، وهو إمراض القلوب، وربما كانت في الجسد، وربما تكون في الأموال والأهل والأولاد، وقد تكون مؤجلة في الآخرة. نعوذ بالله من سخطه وعقوباته، إلا أن الله جلّ ثناؤه يخوف عباده بمن يشار من عباد الأعلين، يجعلهم نكالاً للأدنين، ويخوف القوم من خلقه بالتنكيل ببعض الخصوص من عباده. حكمة له تعالى وحكم منه.(18/106)
علي بن عبد الله بن أبي الهيجاء بن حمدان بن حمدون
ابن الحارث بن لقمان بن راشد أبو الحسن الأمير التغلبي، والمعروف بسيف الدولة أصله من الجزيرة. قدم دمشق سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة، وملك حلب ثم توجّه منها إلى حمص، فلقيه عسكر الإخشيد محمد بن طغج بنجف أمير الشام ومصر مع غلامه كافور الإخشيدي الذي مدحه المتنبي، فكان الظفر لسيف الدولة، وجاء إلى دمشق، فنزل عليها فلم يفتحوا له، فرجع، وكان الإخشيد قد خرج من مصر إلى الشام، فالتقى هو وسيف الدولة بأرض قنّسرين، فلم يظفر أحد العسكرين بصاحبه، ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة. فلما رجع الإخشيد إلى دمشق رجع سيف الدولة إلى حلب، ثم مات الإخشيد سنة أربع أو خمس وثلاثين وثلاث مئة، وسار كافور إلى مصر، فقصد سيف الدولة دمشق فملكها، وأقام بها، فذكر أنه كان يساير الشريف العقيقي بها فقال: ما تصلح هذه الغوطة إلا لرجل واحد، فقال له العقيقي: هي لأقوام كثير، فقال له سيف الدولة: لئن أخذتها القوانين لينبرون منها، فأعلم العقيقي أهل دمشق بهذا القول، فكاتبوا كافوراً فجاءهم، وأخرجوا سيف الدولة من دمشق سنة خمس أو ستّ وثلاثين، ووليها كافور.
ولد سيف الدولة سنة إحدى وثلاث ومئة. وقيل: سنة ثلاث وثلاث مئة.
ذكر أبو منصور الثعالبي في كتاب يتيمة الدهر فصلاً في ذكر ابن حمدان فقال: كان بنو حمدان ملوكاً وأمراء، أوجههم الصباحة، وألسنتهم الفصاحة، وأيديهم السماحة، وعقولهم الرجاحة، وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم، وكان غرة الزمان وعماد الإسلام، ومن به سداد الثغور، وسداد الأمور، وكان له وقائع في عصاة العرب، وغزوات مع طاغية الروم، وحضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال، ومحطّ الرحال، وموسم الأدباء، وحلبة الشعراء. ويقال إنه ما اجتمع بباب أحد(18/107)
من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه، من شيوخ الشعراء، ونجوم الدهر. فإن السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق لديها. وكان أديباً شاعراً، ومحبّاً لجيد الشعر، شديد الاهتزاز لما يمدح به.
قال أبو الحسن السلامي الشاعر:
تصدّ ودارها صدد ... وتوعده ولا تعد
وقد قتلته ظالمةً ... فلا عقلٌ ولا قود
منها في مدحه:
فوجهٌ كلّه قمرٌ ... وسائر جسمه أسد
فأعجب بها سيف الدولة، واستحسن هذا البيت منها، وجعل يردد إنشاده، فدخل عليه الشيظمي الشاعر، فقال له: اسمع هذا البيت، وأنشده إياها، فقال له الشيظمي: احمد ربك فإنه جعلك من عجائب البحر.
ومن شعر سيف الدولة في أخيه ناصر الدولة: الطويل
وهبت لك العليا وقد كنت أهلها ... وقلت لهم بيني وبين أخي فرق
وما كان بي عنها نكولٌ وإنّما ... تجاوزت عن حقي فتمّ لك الحقّ
أما كنت ترضى أن أكون مصلّياً ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السّبق
ومما يستحسن من شعر سيف الدولة: الطويل
وساقٍ صبيحٍ للصّبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات العقار كأنجمٍ ... فمن بين منقضٍّ علينا ومنفضّ
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفاً ... على الأفق دكناً والحواشي على الأرض
يطرّزها قوس السّحاب بأصفرٍ ... على أحمرٍ في أخضرٍ إثر مبيضّ(18/108)
كأذيال خودٍ أقبلت في غلائلٍ ... مصبّغةٍ والبعض أقصر من بعض
ومما ينسب إليه: المديد
قد جرى في دمعه دمه ... فإلى كم أنت تظلمه
ردّ عنه الطّرف منك فقد ... جرّحته منك أسهمه
كيف يسطيع التجلّد من ... خطرات الوهم تؤلمه
توفي كافور الإخشيدي وسيف الدولة أبو الحسن بن حمدان سنة ستّ وخمسين وثلاث مئة. وقيل: إنه توفي بحلب، وحمل في تابوت إلى ميّافارقين، ومات بالفالج. وقيل: مات بعسر البول.
علي بن عبد الله بن خالد
ابن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان أبو الحسن الأموي السفياني، المعوف بأبي العميطر بويع له بالخلافة بدمشق في ولاية الأمين في ذي الحجة سنة خمس وتسعين ومئة، وغلب على دمشق مدة.
قال الهيثم بن مروان: سمعت أبا مسهر يقول: سمعت شيخاً من قريش أثق به يقول: سأل المهديّ ابن علاثة: لم رددت شهادة محمد بن إسحاق بن يسار؟ قال: لأنه كان لا يرى جمعة ولا جماعة، فسألت أبا مسهر حين خلا: من الرجل؛ فقال: أبو الحسن علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية. وكان مع المهدي في تلك السفرة، فلقيت عبد الله بن يعقوب فقال: سمعته من أبي مسهر، فسألت أصحاب محمد بن إسحاق، فقالوا: كان يروي حديث علي بن أبي طالب: لا جمعة إلا في مصر مع إمام عادل.
قال محمد بن عبد الرحمن الجرشي: كان علي بن عبد الله بن خالد، كنيته أبو الحسن، وكان يجالسنا، فكنا يوماً نتحدث إلى أن ذكرنا كنى البهائم، فقال لنا علي بن عبد الله: أي شيء كنية(18/109)
الحرذون؟ فقلنا: ما ندري، فقال: كنيته أبو العميطر، قال: فلقبناه بذلك، فكان يغضب، فقال لنا شيخ من القدماء: ترون هذا اللقب سيخرجه إلى أمر عظيم.
ولما خرج علي بن عبد الله بن خالد، وادعى الخلافة، وقاتل عليها وبويع له في سنة خمس وتسعين ومئة، قال يفتخر: أنا ابن العير والنفير، وأنا ابن شيخي صفين، أنا علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأمي نفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب. يعني شيخي صفين: علياً ومعاوية. وقد ولداه جميعاً.
وكان أبو العميطر يسكن المزة، وكان له دار بمدينة دمشق في رحبة البصل، وخرج يوم خرج بالمزة، ودعا لنفسه بالخلافة وهو ابن تسعين سنة. وكان الوليد بن مسلم يقول غير مرة: لو لم يبق من سنة خمس وتسعين ومئة إلا يوم واحد لخرج السفياني، فخرج أبو العميطر في هذه السنة.
قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل للهيثم بن خارجة: كيف كان مخرج السفياني بدمشق أيام ابن زبيدة بعد سليمان بن أبي جعفر؟ فوصفه بهيئة جميلة، واعتزال للشرّ قبل خروجه، ثم وصفه حين خرج بالظلم، فقال: أرادوه على الخروج مراراً فأبى، فحفر له خطاب الدمشقي المعروف بابن وجه الفلس، وأصحابه تحت بيته سرباً ثم دخّلوه في الليل، ونادوه: اخرج فقد آن لك، فقال: هذا شيطان، ثم أتوه في الليلة الثانية، فوقع في نفسه، ثم أتوه في الليلة الثالثة. فلما أصبح خرج، فقال أحمد بن حنبل: أفسدوه.
قال عبد الحميد الميموني: ولى محمد بن زبيدة سليمان بن أبي جعفر حمص ودمشق، فوثب به الخطاب ابن وجه الفلس، فخلع سليمان بن أبي جعفر، وبايع لعلي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية. قال ابن سراج: وجه الفلس هذا مولى الوليد بن عبد الملك وكان ابن الخطاب(18/110)
خرج بصيدا من ساحل دمشق، فضبطها ودعا لنفسه في أيام أبي العميطر فاستأمن بعد ذلك إلى عبد الله بن طاهر، فحمله عبد الله بن طاهر إلى خراسان مع مكرز بن حفص العامري، وكان قد خرج أيضاً في ساحل دمشق، فماتا بخراسان. ولما ظهر السفياني بدمشق سنة خمس وتسعين ومئة ودعا إلى نفسه وطرد عنها سليمان بن أبي جعفر بعد حصره إياه بدمشق لم يفلت منهم إلا بعد اليأس فوجّه محمد المخلوع الحسن بن علي بن عيسى بن ماهان، فلم ينفذ إليه، ولكنه لما صار إلى الرقة أقام بها.
وكان بدو أمر محمد بن صالح بن بيهس بن زميل بن عمرو بنهبيرة بن زفر بن عامر بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أن سليمان بن أبي جعفر ولي دمشق عقيب فتنة وعصبية كانت بين قيس واليمن، وكان علي بن عبد الله أبو العميطر من ولد يزيد بن معاوية، وكان بنو أمية يروون فيه الروايات، ويذكرون أن فيه علامات السفياني، وأن أموره لا تتم له إلا بكلب، وأنهم أنصاره، فمالوا إليهم وتوددوهم، وأيقنوا أنهم لا يتم لهم أمر مع محمد بن صالح، وأن تمام أمر السفياني إنما هو بسباء نساء قيس وسفك دمائهم، وفاندسوا إلى سليمان بن أبي جعفر، فقالوا له: إن هذا الفساد في عملك بسبب هذه الزواقيل، وأن رؤساءهم وصناديدهم ومن معهم من الضّباب وهم عشيرة ابن بيهس تجنبهم، واحتالوا له حتى أخذه واحتبسوه. فلما أشغلوه أحكموا أمرهم، واجتمعوا على أي العميطر فبايعوه، وبعثوا إلى زواقيلهم، فلم يشعر سليمان بن أبي جعفر وهو في قصر الحجاج خارج دمشق حتى أحاطت به الرجّالة، فحصروه، فبعث إلى ابن بيهس، وهو محبوس معه في القصر. فقال له: ما ترى ما يصنع أهل بلدك؟ قال: هذا الذي أراد القوم بتحميلهم إياك عليّ، والآن الذي أرى أن تخرج معي إلى حوران، فأخرج بك في البرية إلى الكوفة وأنشأ أبياتاً فحمله سليمان خيراً، وقال: لا تسامعت العرب أني هربت، وقال شعراً يجيب به محمد بن صالح، ثم خرج(18/111)
سليمان بن أبي جعفر هارباً من دمشق، متوجهاً إلى العراق، وخرج معه ابن بيهس حتى أجازه ثنيّة العقاب، ولحقه الغوغاء والرّعاع فنهبوا مواخر عسكره، وانصرف ابن بيهس إلى حوران.
قال هارون بن محمد العقيلي كان أبو العميطر يوماً يقرأ علينا في كتاب أنه يخرج من بني أبي سفيان رجل من دمشق أضل من بعير أهله. قال: فلما خرج أبو العميطر قال له مولى لنا: أما تذكر ما حدثتنا به؟ فقال له: يا بن الخبيثة، ما أحفظك لرواية السوء! قال الطفيل بن عبيد ة بن عبد الرحمن بن عبيدة: كنا بباب هارون الرشيد بمدينة الرقة، ومعنا أبو العميطر، فقال لي: إنه سيخرج عن قريب بمدينة دمشق رجل منا، وذلك بعد موت هارون الرشيد، يزعم أنه السفياني، وهو كذاب، قال: فما مرت الأيام والليالي حتى بلغني خروج أبي العميطر، فكتبت إليه أذكّره ما كان قال لي، فكان أول شيء بدأ به أن قصد قومي.
قال أبو هشام عبد الصمد بن عبد الله: وجهني أبو قبظم محمد بن خريم إلى أبي العميطر حين ذكر أنه يريد الخروج فأتيته وهو في قرية قرحتاء، فقلت له: إن أخاك محمد بن خريم يقرئك السلام، ويقول لك: يا أبا الحسن، قد كبرت سنّك، وقد حملنا عنك علماً كثيراً، فلا تفسد نفسك، فلم يردّ عليّ جواباً، وكان في مجلسه محمد بن معيوف الكلمي، فوثب علي وقال: ارجع إلى صاحبك فقل له: علي بن عبد الله الخليفة، وقد استوسق أمره، وبايعه الناس، فادخل فيما دخلوا فيه، ودع عنك ما لا يعنيك، قال: فرجعت إلى محمد بن خريم، فأخبرته، فقال: إن لله وإنا إليه راجعون، ثم دعا غلاماً له فقال: ائتني بذلك القمطر، فأتاه بقمطر، ملئ كتباً فأخرجها ثم أمر بإحراقها، وكان كلها مما كتبه من أبي العميطر.(18/112)
قال أبو عامر موسى بنعامر: كان الوليد بن مسلم يحدث أن السفياني إذا خرج فصعد منبر دمشق دعا بماء، فشرب على المنبر، قال أبو عامر: فرأيت أبا العميطر على المنبر، وقد دعا بماء، فقام إليه أبو مسهر بكوب فيه ماء فشرب.
حدث شعيب مولى أبي أمية، وكان وكنيته أبو عبد الله: أن أبا سيحان شيخاً وربما قال في ولاية هشام بن عبد الملك: يا شعيب، كأنك بالرايات السود قد أقبلت، قلت: نعم، قال: وكأنك السفياني قد خرج عليهم، ثم قال لي: يا شعيب، إن رأيت خارجياً من آل أبي سفيان يدعو إلى نفسه، فلا يغرنّك ذلك، وإن رأيته قد جلس على منبر دمشق، فليس بشيء، حتى ترى الرايات الصفر من قبل المغرب، فإذا كان ذلك فهو أول مخرجه.
ولما خرج أبو العميطر بدمشق بعصب اليمانية فخرج بنفسه إلى قرية الحرجلّة، فقلت من ظفر به من بني سليم ونهبها وأحرقها، ثم جعل يطلب من بمدينة دمشق من القيسية، فكان القرشيون وأصحابه من اليمن يمرون بالدار من دور دمشق فيقولون: ريح قيسي يشمّ من هاهنا فيضرمونها بالنار.
ولما أخذ أبو العميطر المصّيصة قرية بناحية على باب دمشق دخل عليه بعض أصحابه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد أخذنا المصيصة، فخرّ أبو العميطر ساجداً وهو يقول: الحمد لله الذي ملّكنا الثغر، توّهم أنهم قد أخذوا المصيصة التي عند طرسوس.
قال عمرو بن عبد الله النصري: دخلت على أبي العميطر، فسلمت عليه بالخلافة، فردّ علي، فقلت: يا أمير المؤمنين، حوانيت لي ورثتها من أبي أخذت من يدي، فقال: من قريش أنت؟ قلت: لا، قال: فمن مواليهم؟ قلت: لا، قال: ليس كل من قال حوانيتي يقبل منه، قال: ففزعت إلى أبي مسهر وهو يومئذ يلي القضاء فكتب له: يا أمير المؤمنين؛ بلغنا عن(18/113)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " لا قدست أمّة لا يقضى فيها بالحق، فيأخذ ضعيفها حقّه من قويّها، غير متعتع "، فأوصلنا إليه الكتاب، فقال: اذهبوا خذوا حوانيتكم، قال: فجئنا فكسرنا الأقفال عنها وأخذناها.
وكان الركيني يأخذ البيعة على الناس لأبي العميطر في الأسواق، وكان يدور على منازل أهل دمشق، فمن خرج إليه أخذ عليه البيعة، ومن لم يخرج قال: يا غلام، سمّر بابه، وأشمت به جاره.
قال شيبة بن الوليد: لما خرج أبو العميطر اتخذ حرساً على بابه وعلى سور مدينة دمشق، فكانوا ينادون بالليل والنهار، يا علي، يا مختار، يا من اختاره الجبّار على بني هاشم الأشرار.
قال محمد بن قادم: كان أصحاب أبي العميطر يوم ادعى الخلافة يدور في أسواق مدينة دمشق، ويقول للناس: قوموا بايعوا مهدي الله.
قال جرير بن زبر: أخذني أصحاب أبي العميطر، فأدخلوني إليه، فقالوا لي: بايع، فقلت: إني قد عاهدت الله ألا أقبض ديواناً من أيام هارون، فقال لي: ذاك ديوان أهل بيت اللعنة.
قال يحيى بن قادم: كان أصحاب أبي العميطر يدورون على الناس، ويقولون: قوموا بايعوا الرضا من آل محمد يريدون: أبا العميطر فمروا بمحمد بن الوليد العبسي الخفاف، فقالوا له: قم فبايع الرضا من آل محمد، فقال لهم: الرضا من آل محمد من بني العباس وليس من بني حرب، فضربوه، وأفلت من أيديهم، فلم يزل مختفياً حتى دخل ابن بيهس دمشق.(18/114)
علي بن عبد الله بن سيف
أبو الحسن المعروف بعلويّة المغني مولى بني أمية. كانجده سيف صغديّاً للوليد بن عثمان بن عفان، وقدم دمشق مع المأمون.
قال أبو خشيشة محمد بن علي بن أمية بن عمرو: كنا مع المأمون بدمشق، فركب يريد جبل الثلج، فمر ببركة عظيمة من برك بني أمية، وعلى جوانبها أربع سروات، وكان الماء يدخلها سيحاً، ويخرج منها، فاستحسن المأمون الموضع، فدعا ببز ماورد ورطل نبيذ، وذكر بني أمية، فوضع منهم، وتنقّصهم وأخذ علوية العود واندفع يغني: الطويل
أولئك قومي بعد عزّ وثروةٍ ... تفانوا فإلاّ أذرف العين أكمد
فضرب المأمون الطعام برجله ووثب، وقال لعلوية: يا بن الفاعلة! لم يكن لك وقت تذكر فيه مواليك إلا في هذا الوقت؟! فقال: مولاكم زرياب عند مواليّ يركب في مئة غلام، وأنا عندكم أموت من الجوع! فغضب عليه عشرين يوماً، ثم رضي عنه. قال: وزرياب مولى المهدي صار إلى الشام، ثم صار إلى المغرب، إلى بني أمية هناك.
قال علويّة: أمرني المأمون وأصحابي أن نغدو عليه بعد قرب، فلقيني عبد الله بن إسماعيل صاحب المراكب، فقال: يا أيها الرجل، الظالم، المتعدي، أما ترحم ولا ترقّ ولا تستحي من عريب، هي هائمة بك، وتحتلم عليك في كل ليلة ثلاث مرات، قال علوية: وكانت عريب أحسن الناس وجهاً، وأظرف الناس وأفتكهم وأحسن غناء مني ومن مخارق،(18/115)
فقلت له: مرّ حتى أجيء معك، فحين دخلت قلت له: استوثق من الأبواب، فإني أعرف الناس بفضول الحجاب، فأمر بالأبواب فغلقت، ودخلت فإذا عريب جالسة على كرسي، بين يديها ثلاث قدور زجاج. فلما رأتني قامت إلي ثم قالت: ما تشتهي تأكل؟ قلت: قدراً من هذه القدور، فأفرغت قدراً منها بيني وبينها، فأكلنا، ثم قالت: يا أبا الحسن، أخرجت البارحة شعراً لأبي العتاهية فاخترت منه شعراً، قلت: ما هو؟ قالت: الطويل
وإني لمشتاق إلى ظلّ صاحبٍ ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن كنت طوع يديه
فصيرناه مجلسنا، فقالت: بقي علي فيه شيء فأصلحه، قلت: ما فيه شيء قالت: بلى، في موضع كذا، فقلت: أنت أعلم، فصححناه جميعاً، ثم جاء الحجّاب، فكسروا الباب فاستخرجت، فأدخلت على المأمون، فجعلت أرقص من أقصى الصحن وأصفق بيدي وأغني الصوت، فسمع، وسمعوا ما لم يعرفوه، فاستظرفوه، فقال المأمون ادن يا علوية، فدنوت، فقال: ردّ الصوت فردّدته سبع مرات، فقال: أنت الذي تشتاق إلى ظل صاحبٍ، يروق ويصفو إن كدرت عليه؟ فقلت: نعم، فقال: خذ مني الخلافة، وأعطني هذا الصاحب بدلها، وسألني عن خبري، فأخبرته، فقال: قاتلها الله، فهي أجل أبزار من أبازير الدنيا.
وقال علوية في مخارق: السريع
أبو المهنا أبداً ذو غرام ... يموت من حبّ طعام الكرام
قد وسم التطفيل في وجهه ... هذا حبيسٌ في سبيل الطعام(18/116)
علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب
ابن هاشم بن عبد مناف، أبو محمد ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو الفضل الهاشمي أمه زرعة بنت مشرح بن معدي كرب بن ربيعة الكندية. سكن الشراة من أعمال البلقاء، وقدم دمشق.
حدث محمد عن أبيه عن ابن عباس: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.
ولد علي بن عبد الله بن عباس سنة أربعين ليلة قتل علي بن أبي طالبن فسمي باسمه وكان أصغر ولد عبد الله سناً، وكان أجمل قرشي وأوسمه وأقرأه، وكان يقال له السّجّاد لعبادته وفضله وله عقب. وفي ولده الخلافة، والفضل بن عبد الله لا بقية له، وعبيد الله بن عبد الله لا بقية له. ولما ولد وسمّي باسم علي كنّي بكنيته أبو الحسن، فقال له عبد الملك بن مروان: لا والله لا أحتمل لك الاسم والكنية جميعاً، فغيّر أحدهما فغيّر كنيته فصيرها أبا محمد، وله يقول الشاعر: الرجز
يا أيّها السائل عن عليّ ... تسأل عن بدرٍ لنا بدريّ
عبنّكٌ في العيص أبطحيّ ... سنايله عزته مضيّ
أغلب في العلياء هاشمي ... ولين الشيمة شمريّ
ليس بفحّاشٍ ولا بذيّ مردّد في الحسب الزكيّ
حل محل البيت زمزميّ ... قرم لنا مبارك عباسيّ(18/117)
زمزمت يا بوركت من طويّ ... بوركت للساقي وللمسقي
ولما ولد علي بن عبد الله ولد معه في تلك السنة لعبد الله بن جعفر غلام فسماه علياً، وكناه بأبي الحسن، فبلغ معاوية فوجه إليهما أن انقلا اسم أبي تراب وكنيته عن ابنيكما، وسمّياهما باسمي، وكنياهما بكنيتي، ولك واحد منكما ألف ألف درهم. فلما قدم الرسول عليهما بهذه الرسالة سارع إلى ذلك عبد الله بن جعفر فسمى ابن معاوية، وأخذ ألف ألف درهم، وأما عبد الله بن عباس، فإنه أبى ذلك، وقال: حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: ما من قوم يكون فيهم رجل صالح، فيموت، فيخلف فيهم مولود، فيسمونه باسمه إلا خلفهم الله بالحسنى، وما كنت لأفعل ذلك أبداً، فأتى الرسول معاوية، فأخبر بخبر ابن عباس، فردّ الرسول وقال: فانقل الكنية عن كنيته ولك خمس مئة ألف. فلما رجع الرسول إلى ابن عباس بهذه الرسالة قال: أما هذا فنعم، فكناه بأبي محمد.
وقيل: إن علي بن عبد الله بن عباس لما قدم على عبد الملك بن مروان من عند أبيه قال له عبد الملك: ما اسمك؟ قال: علي، قال: أبو من؟ قال: أبو الحسن، قال: لا تجمعهما علي، حوّل كنيتك، ولك مئة ألف درهم، قال: أما وأبي حيّ فلا. فلما مات عبد الله بن عباس كناه عبد الملك أبا محمد.
وعن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولعلي ابنه: انطلقا إلى أبي سعيد الخدري فاسمعا من حديثه، فأتيناه، وهو في حائط له. فلما رآنا قام إلينا، فقال: مرحباً بوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم أنشأ يحدثنا. فلما رآنا نكتب قال: لا تكتبوا، واحفظوه. كما كنا نحفظ، ولا تتخذوه قرآناً.
وفي حديث آخر:
فإذا هو في حائط له. فلما رآنا أخذ رداءه، فجاء، فقعد، فجعل يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد قال: كما نحمل لبنة لبنة وعمار بن ياسر يحمل لبنتين، قال: فرآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل ينفض التراب عنه ويقول: " ويح عمار: ألا تحمل لبنة(18/118)
كما يحمل أصحابك؟ " قال: إني أريد الأجر من الله، قال: فجعل ينفض التراب عنه، ويقول: " ويح عمار! تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار "، قال: فجعل عمار يقول: أعوذ بالرحمن من الفتن.
قال الزبير بن بكار: كان عبد الرحمن بن أبان بن عثمان من خيار المسلمين، وكان كثير الصلاة. رآه علي بن عبد الله بن عباس فأعجبه هديه ونسكه فقال: أنا أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحماً، وأولى بهذه الحال، فما زال علي مجتهداً حتى مات.
وعن مصعب بن عثمان قال: كان عبد الرحمن بن أبان بن عثمان يشتري أهل البيت ثم يأمر بهم فيكسون، ويدهنون ثم يعرضون عليه، فيقول: أنتم أحرار لوجه الله، أستعين بكم على غمرات الموت، قال: فمات وهو نائم في مسجده بعد السّبحة.
وكان علي بن عبد الله بن العباس يصلي في كل يوم ألف سجدة، يريد: خمس مئة ركعة.
وكان آدم، جسيماً، له مسجد كبير في وجهه، وكانت له لحية طويلة، وكان يخضب بالوسمة، وكان يصلي كل يوم ألف ركعة.
وعن ابن المبارك قال: كان لعلي بن عبد الله بن عباس خمس مئة أصل شجرة، فكان يصلي كل يوم إلى شجرة ركعتين.
وعن ذر مولى آل العباس قال: كتب إليّ علي بن عبد الله بن عباس أن أرسل إلي بلوح من المروة أسجد عليه.
وكان علي بن عبد الله بن عباس جميلاً، ويعجب الناس من طوله، فقال رجل سمعهم: يا سبحان الله: كيف يقص الناس، لقد أدركنا العباس بن عبد المطلب يطوف(18/119)
بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض لطوله، فحدث بذلك علي بن عبد الله، فقال: كنت إلى منكب أبي، وكان أبي إلى منكب جدّي.
وعن أبي المغيرة قال: إن كنا لنطلب الخف لعلي بن عبد الله بن العباس، فما نجده حتى نصنعه له صنعة، والنعل فما نجدها حتى نصنعها له صنعة، وإن كان ليغضب فيعرف ذلك فيه ثلاثاً، وإن كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة.
ويقال: إنه أوصى إلى ابنه سليمان، فقيل له: توصي إلى ابنك سليمان وتدع محمداً؟! قال: وإني أكره أن أدنسه بالوصاة. وكان علي يخضب بالسواد.
قال ابن شهاب: سأل عبد الملك بن مروان علي بن عبد الله بن عباس عن هذه الآية " ما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ " فقال علي بن عبد الله: الحرج: الضيق. جعل الله الكفارات مخرجاً من ذلك. سمعت ابن عباس يقول ذلك.
وكان علي بن عبد الله بن العباس إذا قدم مكة حاجاً أو معتمراً عطلت قريش مجالسها في المسجد الحرامن وهجرت مواضع حلقها، ولزمت مجلس علي بن عبد الله إعظاماً وإجلالاً وتبجيلاً. فإن قعد قعدوا، وإن نهض نهضوا، وإن مشى مشوا جميعاً حوله، وكان لا يرى لقريش في مسجد الحرام مجلس ذكرٍ يجتمع إليه فيه حتى يخرج علي بن عبد الله من الحرم.
وقال علي بن عبد الله بن عباس: سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء.
وقال: اصطناع المعروف قربة إلى الله، وحظ في قلوب العباد، وشكر باق.
وقال سفيان بن عيينة: جاء رجل إلى علي بن عبد الله بن العباس في حاجة، فقال: جئتك في حاجة(18/120)
لا تنكيك ولا ترزؤك، قال: فغضب علي بن عبد الله وقال: إذاً لا تقض لك حاجة. أمثلي يسأل حاجة، أو يؤتى في حاجة لا تنكيني، ولا ترزؤني؟!.
قال سليمان بن علي الهاشمي: قلت لأبي: يا أبة، من أكفاؤنا؟ قال: أعداؤنا.
وقال علي بن عبد الله بن العباس: الطويل
وزهّدني في كلّ خيرٍ صنعته ... إلى الناس ما جوزيت من قلة الشكر
توفي علي بن عبد الله بن العباس في سنة سبع عشرة، أو ثمان عشرة ومئة، في إمارة هشام، وهو ابن سبع وسبعين سنة، أو ثمان وسبعين سنة. مات بالشام وقيل: كان عمره تسعاً وسبعين سنة.
علي بن عبد الله بن العباس بن حميد بن العباس
أبو طالب الحمصي، المعروف بابن أبي السجيس، والد مسدد بن علي حدث عن أبي القاسم عبد الصمد بن سعيد القاضي بسنده إلى مالك بن يسار السكوني ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا سألتم الله فسلوه ببطون أكفكم ".
زاد في رواية: " ولا تسلوه بظهورها ".
علي بن عبد الله بن علي بن السقا البيروتي
حدث ببيروت عن العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي بسنده إلى عبد الله بن سلام قال: كنا جلوساً على باب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: وددنا أن علمنا أي الأعمال أحب إلى الله تعالى، فعملناه فأنزل الله " سبّح لله ما في السّموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم " إلى قوله " بنيانٌ مرصوصٌ " فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ علينا السورة من أولها(18/121)
إلى آخرها. قال أبو سلمة: وقرأها علينا عبد الله بن سلام من أولها إلى آخرها. قال يحيى بن كثير: وقرأها علينا أبو سلمة من أولها إلى آخرها. قال الأوزاعي: وقرأها عليّ يحيى من أولها إلى آخرها. قال الوليد، وقرأها علي الأوزاعي من أولها إلى آخرها. قال العباس: وقرأها عليّ أبي من أولها إلى آخرها. قال علي: وقرأها علينا العباس من أولها إلى آخرها. قال أبو العباس: وقرأها علينا علي السقا من أولها إلى آخرها. قال أبو نعيم: وقرأها علينا أبو العباس من أولها إلى آخرها. قال أبو الفتح وأبو منصور: وقرأها علينا أبو نعيم من أولها إلى آخرها. قال أبو بكر: وقرأها علينا الشيخان أبو الفتح وأبو منصور من أولها إلى آخرها. قال الحافظ: وقرأها علينا أبو بكر من أولها إلى آخرها. قال المصنف: وقرأها علينا الحافظ من أولها إلى آخرها. قال: وقرأها علينا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن فقيه الشام من أولها إلى آخرها.
وحدث عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى الأحنف بن قيس أنه دخل مسجد دمشق فإذا برجل يكثر الركوع والسجود، فقال: والله لا أبرح حتى أنظر على شفع انصرفت أم على وتر، فقال: إلا أكون أدري، قال: الله هو يدري. إني سمعت خليلي أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة "، قال الأحنف: قلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر، فتقاصرت إليّ نفسي مما وقع في نفسي عليه.
علي بن عبد الله بن عيسى بن محمد
ويقال: ابن بحر، أبو الحسن البغدادي حدث بدمشق عن الحسن بن عرفة بسنده إلى مرّة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " أنا وكافل اليتيم له أو لغيره إذا اتقى معي في الجنة هكذا "، وأشار بأصبعيه المسبّحة والوسطى.(18/122)
علي بن عبد الله بن القاسم
أبو الحسن الخياط المؤدب إمام مسجد السقطيين.
حدث عن أبي عمر محمد بن العباس بن الوليد بن صالح بن عمر بن كوذك بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن لله ملائكة وهو الاكروبيون، من شحمة أذن أحدهم إلى ترقوته مسيرة سبع مئة عام للطائر السريع في انحطاط.
وفي رواية غيره عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مئة عام ".
علي بن عبد الله بن محمد
أبو الحسن بن الصباغ النيسابوري الواعظ نزيل أصبهان. سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن أبي غانم محمد بن الحسين بن الحسن بن الحسين بن زينة الأصبهاني بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله ".
وحدث عن أبي حفص عمر بن أحمد بن مسرور بسنده إلى قدامة بن عبد الله قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم على ناقة صهباء، يرمي الجمرة، لا ضرب، ولا طرد، ولا جلد، ولا إليك إليك.(18/123)
علي بن عبد الله
المعروف بابن المهزول القرمطي، أخو صاحب الخال خرج بالشام مع أخيه أحمد بن عبد الله، المعروف بصاحب الخال. وكانا ينتميان إلى الطالبيين ويشكّ في نسبهما، وكانت الرئاسة في أول خروجهما لعلي، فقتل بالشام، فقام أخوه أحمد مقامه إلى أن أخذ وقتل بمدينة السلام على الدكة في سنة إحدى وتسعين ومئتين، ويروى لهما أشعار يشك في صحتها، فمنها لعلي: المتقارب
أنا ابن الفواطم من هاشم ... وخير سلالة ذا العالم
وطئت الشآم برغم الأنام ... كوطء الحمام بني آدم
ويروى له: الوافر
تقاربت النجوم وحان أمرٌ ... قرانٌ قد دنا منه النذير
فمريخ الذبائح مستهلٌّ ... قويّ ما لوقدته فتور
وعيّوق الحروب له احمرارٌ ... وسعد الذابحين له بدور
فبشّر رحبتي طوقٍ بيومٍ ... من الأيام ليس له نذير
ورافقه الضلالة ليس يغني ... إذا ما جئتها بابٌ وسور
وبغداد فليس بها اعتياص ... على امرئ وليس بها نكير
أصبحها فأتركها هشيماً ... وأحوي ما حوته بها القصور
وكان خروج علي المنافق في خلافة المكتفي بالله في سنة تسعين ومئتين، يزعم أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي، فعاث بالشام عيثاً قبيحاً، وقتل قتلاً ذريعاً، وأفسد إفساداً عظيماً، وتسمى بالخلافة وأخرب مدناً وقرى من بلاد الشام، وقتل طفج أمير الشام، وحاصر مدينة دمشق، ولم يصل إلى دخولها، وسارت إليه جيوش من(18/124)
مصر، وكان يسمى صاحب الجمل، فهلك وقام مقامه أخل له في وجهه خال، يعرف به يقال له: صاحب الخال، فأسرف في سوء الفعل، وقبح السيرة، وكثرة القتل حتى تجاوز ما فعله أخوه، وقتل الأطفال ونابذ الإسلام وأهله، ولم يتعلق منه بشيء، فخرج المكتفي بالله إلى الرقة وسيّر إليه الجيوش وكانت له وقائع، وزاد بأيامه على أيام أخيه حتى هزم وهرب، فظفر به في موضع يقال له: الدالية بناحية الرّحبة، فأخذ أسيراًن وأخذ معه ابن عم له يقال له: المدثر، كان قد رشّحه للأمر بعده، وذلك في المحرم سنة إحدى وتسعين، وانصرف المكتفي بالله إلى بغداد، وهو معه، فركب المكتفي ركوباً ظاهراً في الجيش والتعبئة، وهو بين يديه على الفيل، وجماعة من أصحابه على الجمال، مشهرين بالبرانس، ثم بنيت له دكة في المصلى، وحمل إليها هو وجماعة أصحابه، فقتلوا عليها جميعاً في ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين بعد أن ضرب بالسياط، وكوي جبينه بالنار، وقطعت منه أربعة، ثم قتل، ونودي في الناس، فخرجوا مخرجاً عظيماً للنظر إليه، وصلب بعد ذلك في رحبة الجسر، وكان قد استباح القوافل، وأخذ شمسة البيت الحرام. وقيل: إنه كان أسر جريحاً، ومات، فقدم به بغداد مشهوراً، وشهرت الشمسة بين يديه ليعلم الناس أنها قد استرجعت، طيف به ببغداد. وقيل: إنه وأخوه من قرية من قرى الكوفة يقال لها الصوان.
علي بن عبد الله
أبو الحسن الجرجاني الصوفي سمع بدمشق.
وروى عن علي بن يعقوب عن عبد الله بن المعتز لنفسه: السريع
لو كانت الأرزاق مقسومةً ... بقدر ما يستوجب العبد
لكان من يخدم مستخدماً ... وغاب نحسٌ وبدا سعد(18/125)
واعتذر الدهر إلى أهله ... وانتعش السؤدد والمجد
لكنها تجري على سمتها ... كما يريد الواحد الفرد
علي بن عبد الرحمن بن محمد
ابن عبد الله بن علي بن عياض بن أبي عقيل، أبو طالب بن أبي البركات ابن أبي الحسن بن أبي محمد الصوري المعروف ببهجة الملك ولد بصور بعد ستين وأربع مئة، وسكن دمشق، وكان من أعيان من فيها، وقبلت تهاديه. وكان كثير الصلاة والصوم، ذا صيانة وأمانة وكان كثير الدرس للقرآن.
حدث عن أبي الحسن علي بن الحسن الخلعي الفقيه بسنده إلى علي أنه قال لابن عباس: أما علمت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية؟ توفي أبو طالب بن أبي عقيل سنة سبع وثلاثين وخمس مئة. وحكى عنه عتيقه نوشتكين أنه سمعه يقول في مرض موته: إنه قرأ أربعة آلاف ختمة.
علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة
أبو الحسن المخزومي المصري المعروف بعلاّن سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن العوام بن عبّاد بن العوام بسنده إلى العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم ".
توفي علي بن عبد الرحمن سنة اثنتين وسبعين ومئتين.(18/126)
علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر
أبو الحسن الأرمنازي، والد غيث بن علي الصوري الكاتب أصله من أرمناز قرية من نواحي أنطاكية له شعر مطبوع. وقدم دمشق في صغره.
حدث عن عبد الرحمن بن محمد التككي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا نكاح إلا بوليّ ". قيل: يا رسول الله، من الوليّ؟ قال: " رجل من المسلمين ".
ومن شعره: الطويل
ألا إن خير الناس بعد محمدٍ ... وأصحابه والتابعين بإحسان
أناسٌ أراد الله إحياء دينه ... بحفظ الذي يروي عن الأول الثاني
أقاموا حدود الشرع شرع محمدٍ ... بما أوضحوه من دليلٍ وبرهان
وساروا مسير الشمس في جمع علمه ... فأوطانهم أضحت لهم غير أوطان
سلوا عن جميع الأهل والمال والهوى ... وما زخرفت دنياهم أيّ سلوان
إذا عالمٌ علاي الحديث تسامعوا ... به جاءه القاصي من القوم والداني
وجالت خيول العلم والفضل بينهم ... كأنهم منها بساحة ميدان
ولد علي بن عبد السلام سنة ست وتسعين وثلاث مئة. وتوفي سنة ثمان وسبعين.
علي بن عبد الغالب بن جعفر بن الحسن بن علي
أبو الحسن بن أبي معاذ البغدادي الضراب.
المعروف بابن القنّي حدث عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن موسى القرشي بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن أبر البرذ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه بعد أن يولي الأب ".(18/127)
علي بن عبد الصمد بن عثمان
ابن سلامة بن هلال، أبو الحسن العسقلاني يعرف بالمفيد.
حدث بعسقلان سنة ثمان وثمانين وأربع مئة عن أبي عبد الله بن محمد بن الفضل بن لطيف الفرا بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من قال: سبحان الله وبحمده مئة مرة حطت خطاياه، ولو كان مثل زبد البحر ".
علي بن عبد الغفار بن حسن
أبو الحسن المغربي القابسي المقرئ النجار سكن دمشق، وكان يقرئ القرآن في المسجد الجامع.
حكى عن الشيخ أبي محمد بن عبد المعطي بن إسماعيل بن عتيق الناصري المقيم بمدينة قابس قال: بلغني عن حرز الله الخراط وكان ساكناً بنشتوى، مدينة من مدائن اليمن وكان رجلاً حاذقاً بالنحو والغة والقراءات السبع، فقرأ عليه القارئ يوماً في سورة الأنبياء " وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم " فقال له المقرئ: ارفع " مساكنكم " وتوهّم أنها فاعلة، فقال: المعنى: فارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم ترجع معكم. قال الشيخ أبو محمد بن عبد المعطي: فلما بلغني ذلك شقّ علي، إذ كان مثل هذا الرجل على علمه وصلاحه وهم في هذا الحرف، وهو خطأ عظيم، وكان صديقاً له وبينهما مكاتبة، فعملت رسالة، وبينت له فيها وجه الصواب ومعاني الإعراب، وإن كان جائزاً ما قاله من غير القرآن وتصاريف الكلام، وكن القراءة سنّة، ومحجّة متبعة، وكتب إليه جماعة من أهل(18/128)
العلم في ذلك من سفاقس ومن المهدية، ومن مدائن إفريقية، إذ أهل العلم بالمغرب متيقظون لحفظ الشريعة وتصحيح القوانين، فمن سمعت منه منه كلمة خارجة عن قانون كتب إليه، أو قيل له، فإن قال: وهمت أو نسيت قبل ذلك منه، وإن ناظر عليها اجتمعت جماعة الفقهاء وحرر معه الكلام ولا يترك ورأيه.
فلما وصل إلى المقرئ حرز الله ما كتب إليه به قال: ما انتفعت إلا برسالة الشيخ أبي محمد عبد المعطي الناصري، ورجع عن مقالته، واهتدى إلى الصواب. قال الشيخ عبد المعطي: وضمّنت في آخر الرسالة هذا المقطوع: الطويل
توكّلت في أمري على الله وحده ... وفوّضت أمري كلّه لإلهي
ولست كمن إن قال رأياً بقوله ... وباهى به ويا ويح كلّ مباهي
أسائل عند المشكلات إذا اعترت ... أولي العلم عما هي لأعلم ما هي
وأجتنب الدّعوى اجتناب امرئ له ... من العقل عن طرق الغواية ناهي
تناهى لعمري في الجهالة كلّ من ... رأى أنه في علمه متناهي
علي بن عبد القادر بن بزيغ بن الحسن بن بزيغ
أبو الحسن الطرسوسي الصوفي الصّيمري سكن مسجد أبي صالح.
حدث بأرزن عن أبي الفضل محمد بن أحمد بن محمد الجارودي الهروي بسنده إلى عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كلّ نبيّ خاصّ من أصحابه، وإن خاصّتي من أصحابي أبو بكر وعمر ".(18/129)
علي بن عبد القاهر بن عبد العزيز بن إبراهيم
ابن علي بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن خالد أبو الحسن الأزدي، ابن الصائغ حدث عن إسماعيل بن القاسم الحلبي بسنده إلى شقيق بن سلمة قال:
رأيت علياً وعثمان توضّيا ثلاثاً، ويقولان: هكذا توضأ النبي صلّى الله عليه وسلّم.
علي بن عبد الملك بن سليمان بن دهثم
أبو الحسن بالطرسوسي الفقيه الأديب نزيل نيسابور.
حدث عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف الدمشقي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا مكتوبة ".
وحدث عن أبي بكر محمد بن علي بن داود التميمي الكتاني الأذني بسنده إلى أنس قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح مكة وعلى رأسه المغفر، فقيل له: هذا ابن خطل متعلقاً بالأستار، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اقتلوه ".
قال لوين: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم ليظلم، إنما كن رجلاً أسلم ثم ارتد، فقال: " اقتلوه ".
توفي سنة أربع وثمانين وثلاث مئة.(18/130)
علي بن عبد الواحد بن الحسن بن علي بن الحسن بن شوّاش
أبو الحسن بن أبي الفضل بن أبي علي المعدّل أصلهم من أرتاح. وكان أميناً على المواريث ووقف الأشراف، وكان ذا مروءة، ثقة. لم يكن الحديث من صناعته.
حدث عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا كان أحدكم إماماً فليخفّف، فإنّ فيهم السقيم، والضعيف، والصبي، والشيخ. فإذا صلى وحده فليطل ما شاء ".
توفي أبو الحسن سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.
علي بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن الحرّ
ويعرف بحيدرة ابن سليمان بن هزّان بن سليمان بن حبان بن وبرة أبو الحسين المرّيّ الأطرابلسي قاضي طرابلس.
حدث عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بسنده إلى عمران بن حصين عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من عزا البحر غزوة في سبيل الله والله أعلم بمن في سبيله فقد أدى إلى الله طاعته كلها، وطلب الجنة كلّ مطلب، وهرب من النار كلّ مهرب ".
وحدث عن خيثمة أيضاً بسنده إلى قتادة في قوله: " وألقيت عليك محبّةً منّي " قال: حلاوة في عيني موسى، لم ينظر إليه خلق إلا أحبه.(18/131)
وصل الخبر إلى دمشق، من أطرابلس بأن قائداً من القواد وخادمين وصلوا إلى أطرابلس، وأخذوا رأس القاضي أبي الحسين بن حيدرة، ورجعوا إلى مصر في ذي الحجة سنة إحدى وأربع مئة. وكان سبب قتله أن الحاكم بعثه إلى مرتضى الدولة أبي نصر منصور بن لؤلؤ والي حلب نجدة له على أبي الهيجاء بن حمدان، فتسلم ابن حيدة اعزاز من بعض غلمان صاحب حلب، وكتب فيها إلى الحاكم فخبره بذلك ثم سلمها إلى صاحب حلب قبل أني أذن له الحاكم.
علي بن عبد الوهاب بن علي
أبو الحسن الأنصاري المقرئ الدمشقي حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر بسنده إلى أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفة فوقهم كما تراءون الكوكب الدّري العابر في الأفق من المشرق والمغرب ليفاضل ما بينهما ". قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدّقوا المرسلين ".
ولد سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وتوفي سنة ثلاث وستين وأربع مئة.
وكان ثقة، ولم يكن به يأس.(18/132)
علي بن عبيد الله بن قدامة
أبو الحسن الملطي المؤدب حدث عن أبي يوسف يعقوب بن مسدد بن يعقوب القلوسي بسنده إلى عمر بن الخطاب عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: يصيح صائح يوم القيامة: أين الذين أكرموا الفقراء والمساكين في الدنيا؟ ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، ويصيح صائح: أين الذين عادونا المرضى الفقراء والمساكين في الدنيا؟ فيجلسون على منابر من نور، يحدثون الله تعالى، والناس في الحساب ".
علي بن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر
أبو الحسن المعروف بابن الشيخ الصّيني أصلهم من الكوفة.
حدث عن أبي القاسم المظفر بن حاجب بن أركين الفرغاني بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
" من سحب ثيابه لم ينظر الله إليه يوم القيامة ". قال أبو ريحانة: لقد أمرضني ما حدثتنا، إني لأحبّ الجمال حتى إني لأجعله في نعلي وعلاقة سوطي، أفمن الكبر ذلك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده. الكبر من سفّه الحقّ وغمص النّاس أعمالهم ".
توفي ابن الشيخ في رمضان سنة ثمان عشرة وأربع مئة.
ولم يكن الحديث من صنعته.(18/133)
علي بن عبيد الله بن محمد بن إبراهيم
أبو الحسن الكسائي الهمذاني القاضي الصوفي سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن أبي بكر أحمد بن عبدان الحافظ الشيرازي بسنده إلى أنس بن مالك أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " المرء مع من أحب ".
وحدث عن أبي القاسم نصر بن أحمد بن الخليل المرجي بسنده إلى أنس أنه قال: لولا أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لا يتمنّين أحدكم الموت لتمنيته ".
توفي سنة خمس وأربعين وأربع مئة.
علي بن عثمان بن محمد
ابن سعيد بن عبد الله بن عثمان بن نفيل أبو محمد الحرّاني النّفيلي سمع بدمشق وبغيرها.
حدث عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من صلى في مسجد جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة الظهر كتب له بها عتق من النار ".
علي بن عروة الدمشقي
حدث عن المقبري عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأغنياء باتخاذ الغنم، وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج، وقال: " عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله بهلاك القرى ".(18/134)
وحدث عن محمد بن المنكدر عن ابن عمر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من قاد أعمى أربعين خطوة وجبت له الجنة ".
وثقه قوم، وكذبه قوم.
علي بن عساكر بن سرور
أبو الحسن المقدسي الخشاب الكيال حدث عن أبي عبد الله الحسن بن أحمد السلمي بسنده إلى ابن مسعود عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه ".
وحدث عن نصر بن إبراهيم بن نصر بسنده إلى معاذ بن جبل عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة: ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر ".
وحدث عنه بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يزال صيام العبد معلقاً بين السماء والأرض حتى يؤدي زكاة ماله ".
ولد أبو الحسن الخشاب سنة ثمان وخمسين وأربع مئة. ومات سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة، وقد بلغ خمساً وتسعين سنة، وهو صحيح الجسم والذهن.
علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود
ابن النعمان بن دينار بن عبد الله أبو الحسن الدارقطني البغدادي الحافظ أوحد وقته في الحفظ.(18/135)
حدث عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بسنده إلى أبي زهير الثقفي قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّباه، أو بالنّباوة، من أرض الطائف فقال: " توشكون أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار "، فقال رجل من المسلمين: بم يا رسول الله؟ قال: " بالثناء الحسن، والثناء السيء، أنتم شهداء الله بعضكم على بعض ".
وحدث عن أبي القاسم البغوي بسنده إلى أبي هريرة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " بعثت من خير قرون بني آدم، قرناً فقرناً، حتى بعثت من القرن الذي كنت منه ".
قال عبد الملك بن محمد: ولد الدارقطني في سنة ست وثلاث مئة، وقيل: سنة خمس وثلاث مئة وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، وأحوال الرواة، مع الصدق، والأمانة، والثقة، والعدالة، وقبول الشهادة، وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب، والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث، منها القراءات ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإن كتاب السّنن الذي صنفه لا يقدر على جمع ما تضمّنه إلا من تقدمت معرفته بالاختلاف في الأحكام، ومنها المعرفة بالأدب والشعر، وكان يحفظ عدة دواوين، وكان يحفظ ديوان السيد الحميري في جملة ما يحفظ من الشعر، فنسب إلى التشيع لذلك.
قالالزهري:
بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار، فجلس ينسخ جزءاً كان معه، وإسماعيل يملي، فقال بعض الحاضرين: لا يصحّ سماعك وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟ فقال: لا، فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثاً، فعدّت(18/136)
الأحاديث، فكانت كما قال، ثم قال أبو الحسن: الحديث الأول منها عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها، فتعجب الناس منه.
قال أبو محمد رجاء بن محمد بن عيسى الأنصناوي المعدل: سألت أبا الحسن الدارقطني فقلت له: رأى الشيخ مثل نفسه؟ فقال لي: قال الله تعالى: " فلا تزكّوا أنفسكم " فقلت له: لم أرد هذا، وإنما أردت أن أعلمه لأقول: رأيت شيخاً لم ير مثله! فقال لي: إن كان في فن واحد فقد رأيت من هو أفضل مني، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع فيّ فلا.
قال القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري: كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث، وما رأيت حافظاً ورد بغداد إلا مضى إليه وسلم له، يعني: سلّم له التقدمة في الحفظ، وعلو المنزلة في العلم.
قال القاضي أبو الطيب الطبري: حضرت أبا الحسن الدارقطني، وقد قرئت عليه الأحاديث التي جمعها في الوضوء من مسّ الذكر، فقال: لو كان أحمد بن حنبل حاضراً لاستفاد من هذه الأحاديث.
قال حمزة بن محمد بن طاهر: كنت عند أبي الحسن الدارقطني، وهو قائم يتنفّل، فقرأ عليه أبو عبد الله ابن الكاتب حديثاً لعمرو بن شعيب، فقال: عمرو بن سعيد، فقال أبو الحسن: سبحان الله، فأعاد الإسناد، وقال: عمرو بن سعيد، فتلا أبو الحسن: " يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا " فقال ابن الكاتب: عمرو بن شعيب.
وقرئ في خط حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق في أبي الحسن الدارقطني: الطويل(18/137)
جعلناك فيما بيننا ورسولنا ... وسيطاً فلم تظلم ولم تتحوّب
فأنت الذي لولاك لم يعلم الورى ... ولو جهدوا ما صادقٌ من مكذّب
قال العتيقي: حضرت أبا الحسن الدارقطني، وقد جاءه أبو الحسين البيضاوي ببعض الغرباء، فسأله أن يقرأ له شيئاً، فامتنع، واعتل ببعض العلل، فقال: هذا غريب، وسأله أن يملي عليه أحاديث، فأملى عليه أبا الحسن من حفظه مجلساً يزيد عدد أحاديثه على العشرة متون، جميعها: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة، فانصرف الرجل، ثم جاءه بعد وقد أهدى له شيئاً، فقرّبه وأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثاً، متون جميعها: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
توفي الشيخ أبو الحسن الدارقطني سنة خمس وثمانين وثلاث مئة، وقت خروج الحاج إلى مكة وقد بلغ ثمانين سنة.
قال أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن ماكولا: رأيت في المنام ليلة من ليالي شهر رمضان كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني في الآخرة، وما آل إليه أمره، فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة الإمام.
علي بن عمر بن محمد بن الحسن
أبو الحسن البغدادي الحربي المعروف بابن القزويني الزاهد المقرئ الشافعي كانت له كرامات ظاهرة، وكلام على الخواطر. ودخل دمشق كما حدث أبو القاسم ابن دجلة الزاهد صاحب القزويني، قال: صليت خلف القزويني ليلة عشاء الآخرة، فسلم، وجلس حتى لم يبق أحد، ثم أخذ بيدي فأخرجني من الحربية وقال: بسم الله، فمشيت صحبته إلى أن انتهينا إلى موضع فيه عقدان فدخل أحدهما وإذا على يمينه(18/138)
مسجد، وفيه قنديل، ورجل قائم يصلين فجلس حتى قضى صلاته، ثم سلّم كل واحد منهما على صاحبه، وتحادثا ساعة ثم قال له ذلك الرجل: كنت أسأل الله أن يجمع بيني وبينك فالحمد لله على ذلك، ثم ودّعه، ونهضت معه، فأخذ بيدي على السيرة الأولى، فلم أعقل بشيء إلا وأنا بعقد الحربيّة فسألته عن الموضع والرجل فكأنّه كره أن يجيبني، فكررت المسألة عليه فقال: ذلك الموضع دمشق، والمسجد على بابها، ولم يخبرني من الرجل.
وحدث أبو الحسن القزويني في مسجده بالحربيّة عن أبي حفص عمر بن علي بن محمد بن الزيات الصيرفي بسنده إلى مالك بن الحويرث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا حضرت الصلاة، فليؤذّن أحدكم وليؤمّكم أكبركم ".
وحدث عن يوسف بن عمر بسنده إلى بشر رحمه الله قال: قال عمر رضي الله عنه: كم من جارٍ متعلق بجاره يقول: يا ربّ، أغلق بابه دوني، ومنعني رفده.
كان علي بن عمر من عباد الله الصالحين، يقرئ القرآن، ويروي الحديث، ولا يخرج من بيته إلا للصلاة، وكان وافر العقل، صحيح الرأي. ولد سنة ستين وثلاث مئة.
ومن كراماته أن رجلاً أصابته جنابة من الليل ونسي أن يغتسل، فدخل إلى مسجد ابن القزويني ليصلي خلفه الصبح فقرأ " يا أيها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ " وكان قبل ذلك قد قرأ غير هذه الآية فلم يفطن الرجل، فأعاد قراءتها، ففهم، فخرج ليغتسل، وعاد ابن القزويني إلى الموضع الذي انتهى إليه من القراءة.
توفي ابن القزويني سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة.(18/139)
علي بن عمرو بن سهل بن حبيب
ابن خلاد بن حماد بن إبراهيم بن نزار بن حاتم أبو الحسن السلمي الحريري البغدادي ابن عم العباس بن مرداس سمع بدمشق.
حدث سنة أربع وسبعين وثلاث مئة عن محمد بن أحمد بن عمارة بسنده إلى عبد الرحمن بن يعمر الدّيلي قال: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عرفات الحجّ، عرفات الحجّ، من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك، وأيام منى ثلاثة ".
وحدث عن محمد بن رباح الكوفي بسنده إلى البراء قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حلة حمراء، مترجّلاً، فما رأيت أحداً كان أجمل منه.
ولد بعد التسعين ومئتين. وكان ثقة مستوراً، جميل الأمر، حسن المذهب. وتوفي لسنة ثمانين وثلاث مئة فجأة، وهو يصلي.
علي بن عياش بن مسلم
أبو الحسن الألهاني الحمصي استقدمه المأمون دمشق لقضاء حمص.
حدث عن شعيب بن أبي حمزة عن ابن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من قال حين يسمع النداء: اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إلاّ حلّت له الشفاعة يوم القيامة ".
ولد علي بن عياش سنة ثلاث وأربعين ومئة، ومات سنة تسع عشرة ومئتين. وقيل: سنة ثمان عشرة، وهو ابن ست وسبعين سنة.(18/140)
علي بن عيسى بن داود بن الجراح
أبو الحسن البغدادي وزير المقتدر والقاهر. قدم دمشق مرتين.
حدث في سنة سبع عشرة وثلاث مئة بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
ومما أنشده علي بن عيسى ولا يعرف لمن الشعر: الهزج
أبا موسى سقى ربع ... ك دانٍ مسبل القطر
وزاد الله في عمر ... ك ما أفنيت من عمري
مواعيدك ما أحيت ... سراب المهمه القفر
فمن يومٍ إلى يومٍ ... ومن شهرٍ إلى شهر
لعل الله أن يصن ... ع لي من حيث لا تدري
فألقاك بلا شكرٍ ... وتلقاني بلا عذر
ولا أرجوك للحالي ... ن لا العسر ولا اليسر
كان علي بن عيسى صدوقاً، ديّناص، فاضلاً، عفيفاً في ولايته، محموداً في وزارته، كثير البرّ والمعروف، وقراءة القرآن والصلاة، والصيام، يحبّ أهل العلم، ويكثر مجالستهم، ويذاكرهم. وأصله من الفرس، وكان جده داود من دير قنّى، وكان من وجوه الكتاب، وكذلك أبوه عيسى، ولم يزل علي بن عيسى من حداثته معروفاً بالستر والصيانة والصلاح والديانة.
قال أبو سهل بن زياد القطان صاحب علي بن عيسى:
كنت مع علي بن عيسى لم نفي إلى مكة، فدخلنا في حرّ شديد، وقد كدنا نتلف،(18/141)
فطاف علي بن عيسى، وسعى، وجاء، فألقى بنفسه، وهو كالميت من الحرّ والتعب، وقلق قلقاً شديداً وقال: أشتهي على الله شربة ماء مثلوج، فقلت له: سيدنا، تعلم أن هذا ما لا يوجد بهذا المكان، فقال: هو كما قلت، ولكني نفسي ضاقت عن ستر هذا القول، فاستروحت إلى المنى، قال: وخرجت من عنده، فرجعت إلى المسجد الحرام، فما استقررت فيه حتى نشأت سحابة، وكثفت، فبرقت، ورعدت رعداً متصلاً شديداً، ثم جاءت بمطر وبرد، فبادرت إلى الغلمان، وقلت: اجمعوا، فجمعنا منه شيئاً كثيراً، وكان علي بن عيسى صائماً. فلما كان وقت المغرب خرج إلى المسجد الحرام ليصلي المغرب، فقلت له: أنت مقبل والنكبة زائلة وهذه علامات الإقبال فاشرب الثلج كما طلبت، وجئته إلى المسجد بأقداح مملوءة بأصناف الأسوقة والأشربة مكبوسة بالبرد، فأقبل يسقي ذلك من يقرب منه من المجاورين، ويستزيد، ونحن نأتيه بما عندنا، وأقول له: اشرب فيقول: حتى يشرب الناس، فخبأت مقدار خمسة أرطال وقلت له: لم يبق شيء، فقال: الحمد لله، ليتني تمنيت المغفرة بدلاً من تمنّي الثلج، فلعلي كنت أجاب. فلما دخل البيت حلفت عليه أن يشرب منه، ولم أزل أداريه حتى شرب منه بقليل سويق وتقوت ليلته بباقيه.
كن أبو بكر بن مجاهد يأتي كل جمعة إلى الوزير علي بن عيسى، فيجلسه في مرتبته، ويجلس بين يديه، يقرأ عليه، ويأمر الحاجب أن لا يأذن عليه لأحد في ذلك اليوم، ولو أنه من كان، وكان يسميه يا أستاذ، فسأله أبو بكر أن يكون موضع ذلك، يا سيدي. فلما كان في جمعة دخل الحاجب، فقال: بالباب جندي يريد الدخول، فانتهره، فخرج ورجع، فقال: إنه يقول: إنها حاجة مهمة ويكره الفوت، فيلحقنا من هذا ما نكره، فأمر بإحضاره، فدخل، فقال له: هيه، ما هذه الحاجة المهمة؟ فقال: أعلم الوزير أن لي ثلاثاً ما طعمت طعاماً لا من عوز، حتى لقد نتن فمي. فلما كان البارحة صليت ما كتب الله، ونمت فرأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم، وكأني قد وقفت عليه، وسلمت، ثم قلت: يا رسول الله، هذا علي بن عيسى قد منع رزقي، وأتعبني في ملازمته والغدو والبكور إليه، فقال لي النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " امض إليه برسالتي فإنه يدفع إليك رزقك "،(18/142)
فقال له علي بن عيسى: ما رأيت أغث فضلاً منك، فقال الجندي: بقي أيّد الله الوزير تمام الرؤيا، فقال له: هيه، قال: فقلت له: يا رسول الله، علي بن عيسى رجل فيه بأوٌ وكبر، ولا يجوز عليه شيء، وأنا أخشى يتهمني في هذا، فقال لي: " قل له بعلامة أنك تعلقت سنة من السنين بأستار الكعبة ". فسألت الله ثلاث حوائج، فقضى لك اثنتين، وبقيت واحدة. قال: فاندفع الوزير بالبكاء، فبكى معه أبو بكر بن مجاهد ثم قال: والله، لولا ما أتيت من هذا الحديث لاتّهمتك في قولك، لأنه ما علم بهذا إلا الله عزّ وجلّ، وأمر للجندي بألف دينار، وأطلق له أرزاقه موفرة، وأضعف ما كان يدفعه إليه، وصار من خواصّ أصحابه.
ولما عزل علي بن عيسى الوزير خرج إلى مكة، ونوى المجاورة وحج معه في تلك السنة الماذارائي وابن زنبور فقال لهما: اعزما على المجاورة، فقال الماذرائي: أنا لا أصبر على حرّ مكة، وقال ابن زنبور: أنا أقيم معك، قال ابن زنبور؛ وأخذ علي بن عيسى في التعبّد العظيم، قال: فكنت يوماً في الطواف وعلي بن عيسى قد بسط كرّه في حاشية الطواف، وهو يصلي فإذا شيخ يسلم عليّ وقال: من هذا؟ قلت: علي بن عيسى، قال: إيش يعمل؟ قلت: يتعبد، فقال: ليس لله فيه شيء، قال ابن زنبور: فاستجهلته، وقلت في نفسي: يقول مثل هذا في رجل يعبد الله هذه العبادة؟! فما كان بعد أيام وأنا في الطّواف فإذا بالرجل جذبني من خلفي، وقال: من هذا؟ فقلت: أليس أخبرتك من هو، علي بن عيسى، فقال كما قال الأول. فلما قعدنا نفطر مع علي بن عيسى ذكرت قوله، فضحكت، فقال: ما هذا الضحك؟ فعرفته الصورة، قال: فترك(18/143)
لقمته، وأطرق ساعة ثم قال: إن عاودك فسله، وقل: وماذا؟ قال: فلما كان بعد أيام رأيته فسألني عنه كما سأل، فقلت له: ثم ماذا؟ فقال: وجد مناه، لا بارك الله له فيه، قال: فأخبرته، فقال: ويحك! ما رأيت أعجب منك، وقد رأيت الخضر ثلاث مرات، ولم تعرفه؟! قال: فما كان إلا أيام قلائل حتى ورد حاجب الخليفة، ومعه خمس مئة راحلة، وكتاب الوزارة إلى علي بن عيسى، فما رئي بعد ذلك في المسجد.
ركب علي بن عيسى في موكب عظيم، فجعل الغرباء يقولون: من هذا؟ من هذا؟ فقالت امرأة قائمة على الطريق: إلى متى تقولون: من هذا؟ من هذا؟ هذا عبد سقط من عين الله فابتلاه بما ترون، فسمع علي بن عيسى ذلك، فرجع إلى منزله، واستعفى من الوزارة، وذهب إلى مكة وجاور بها.
قال أبو القاسم ابن الوزير علي بن عيسى: أنشدني أبي، وكان كثيراً يتمثل بهذا البيت المنسرح
والله ما صان وجهه رجلٌ ... كافا لئيماً بسوء ما صنعا
أنشد الوزير أبو الحسن علي بن عيسى لنفسه: الطويل
فمن كان عني سائلاً بشماتةٍ ... لما نابني أو شامتاً غير سائل
فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرّةٍ ... صبوراً على أهوال تلك الزلازل
حضر أبو الحسن عمر بن أبي عمر القاضي عند علي بن عيسى الوزير، فرأى ابن عيسى عليه ثوباً استحسنه، فأدخل يده فيه يستشفه، وقال: بكم اشترى القاضي هذا الثوب؟ فقال: بسبعين ديناراً، فقال الوزير: لكني لم ألبس ثوباً قط يزيد ثمنه على ما بين ستة دنانير إلى سبعة، فقال أبو الحسن القاضي: ذلك لأن الوزير يجمّل الثياب، ونحن نتجمّل بلبس الثياب.(18/144)
قال علي بن عيسى: كسبت سبع مئة ألف دينار، أخرجت منها في هذه الوجوه يعني: وجوه البرّ ست مئة ألف وثمانين ألفاً.
كان للصولي على علي بن عيسى رسم في كل سنة، فكان يتردد في بعض السنين، والوزير مشتغل، فكرر المجيء دفعات ولم يتفق وصول، فكتب رقعة فيها: الطويل
خلفت على دار ابن عيسى كأنني ... قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل
إذا جئت أشكو طول فقرٍ وفاقةٍ ... يقولون لا تهلك أسىً وتجمّل
ففاض دموع العين من طول ردّهم ... على النحر حتى بلّ دمعي محملي
لقد طال تردادي وشوقي إليكم ... فهل عند رسمٍ دارسٍ من معوّل؟
توفي علي بن عيسى الوزير سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة. وقيل: سنة أربع وثلاثين. وكان مولده سنة خمس وأربعين ومئتين.
علي بن غالب بن سلام
أبو الحسن السكسكي البتلهي مولى بني حويّ.
حدث سنة إحدى وتسعين مئتين في مسجد بيت لهيا عن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تسل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمينٍ، فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير، وكفّر عن يمينك ".(18/145)
علي بن غنائم بن عمر بن إبراهيم
أبو الحسن الأنصاري الأوسي الخرقي المالكي البصري قدم دمشق مجتازاً إلى بغداد، وكان ديّناً، ثقة.
حدث عن أبي عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفرا بسنده إلى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الوصال فقيل: إنك تواصل، قال: " إني لست مثلكم، إن أطعم وأسقى ".
علي بن الفضل بن أحمد
ابن محمد بن الحسن بن طاهر بن الفرات، أبو القاسم المقرئ إمام جامع دمشق.
حدث عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله ورسوله ".
توفي سنة ست وأربعين وأربع مئة.
علي بن الفضل الهاشمي اللهبيّ
كان من أقران أبي سليمان الداراني، وكان يقول: كأن أبا سليمان دخل القلوب فشقها، فاطلع على ما فيه، ثم خرّج نصف ما فيها.
علي بن الفضل الحضرمي
روى الحافظ بسنده إلى علي بن الفضل الحضرمي عن محمد بن تمام البهراني بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: يا ويح لبيد حيث يقول: الكامل(18/146)
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلفٍ كجلد الأخرب
قالت عائشة: فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عروة: رحم الله عائشة، كيف لو أدركت زماننا هذا؟ قال الزهري: رحم الله عروة، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الزّبيدي: رحم الله الزهري، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال: محمد بن مهاجر: رحم الله الزّبيدي، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عثمان: رحم الله محمد بن مهاجر، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عمرو: رحم الله أبي، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال محمد بن تمام: رحم الله عمراً، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال علي: رحم الله محمداً، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال القاضي: رحم الله علياً، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عبد العزيز: رحم الله القاضي، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الفقيه: رحم الله عبد العزيز، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الحافظ: رحم الله الفقيه، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال أبو البركات: رحم الله الحافظ، كيف لو أدرك زماننا هذا؟
علي بن قدامة مولى بني أمية
اجتاز بالشراة.
وحكى عنه الحسين ابنه أنه قال: خرجت إلى الشام. فلما كنت بالشراة ودنا الليل إذا قصرّ، فهويت إليه، فإذا بين بابي القصر امرأة لم أر مثلها قط هيئةً وجمالاً، فسلّمت، فردّت ثم قالت: من أنت؟ قلت: رجل من بني أمية، من أهل الحجاز، فقالت: مرحباً بك، وحيّاك الله. انزل فأنت في أهلك، وقلت: ومن أنت عافاك الله؟ قالت: امرأة من قومك، فأمرت لي بمنزل وقرى، وبتّ في خير مبيت. فلما أصبحت أرسلت إليّ تقول: كيف مبيتك؟ قلت: خير مبيت، والله ما رأيت أكرم منك، ولا أشرف من فعالك، قالت: فإنّ لي إليك حاجةً: تمضي حتى تأتي ذلك الدير إلى دير أشارت إليه منيح فإن فيه ابن(18/147)
عمي، وهو زوجي، قد غلبت عليه نصرانية في ذلك الدير، فهجرني، ولزمها، فتنظر إليه وإليها، وتخبره عن مبيتك، وعما قلت لك، فقلت: أفعل ونعمى عين، فخرجت حتى انتهيت إلى الدير، فإذا أنا برجلٍ في فنائه كأجمل ما يكون من الرجال، فسلّمت فردّ، وسألني، فأخبرته من أنا، ومن أين أتيت، وأين بتّ، وما قالت لي المرأة، فقال: صدقت: أنا رجل من قومك، من آل الحارث بن الحكم ثم صاح: يا قصطا، فخرجت إليه نصرانية، عليها ثياب حبر، وزنانير، ما رأيت مثلها، فقال: هذه قسطا، وتلك أروى، وأنا الذي أقول: الطويل
تبدّلت قسطا بعد أروى وحبّها ... كذاك لعمري الحبّ يذهب الحبّ
علي بن كيسان الأطرابلسي
حدث عن ابن أبي أويس بسنده إلى سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلاة أحدكم في بيته أفضل من خلوته في مسجدي هذا إلا المكتوبة ".
علي بن محمد بن أحمد
ابن محمد بن الخليل بن حماد بن سليمان، أبو الحسن الخشني البلاطي حدث عن عامر بن محمد بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من طلب باباً من العلم ليصلح به نفسه أو لمن بعده كتب الله له من الأجر مثل رمل عالج ".
توفي أبو الحسن سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة.(18/148)
علي بن محمد بن أحمد بن إسماعيل
أبو الحسين البحري الطبري سمع بدمشق.
وحدث عن أبي محمد عبد الصمد بن عبد الله الدمشقي بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمعلق الدرّ والذهب واللؤلؤ في أعناق الخنازير ".
علي بن محمد بن أحمد بن الحسين
أبو الحسن القزويني سمع بدمشق.
حدث عن محمد بن سهل بن أبي سعيد التنوخي بدمشق بسنده إلى ابن عباس
أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فقال: أيها المنفرد بصلاتك، أعد صلاتك.
علي بن محمد بن أحمد بن إدريس
بان خثعم، أبو الحسن الهمذاني الرملي الأنماطي حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده إلى أبي هريرة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا كان يوم الخميس بعث الله عزّ وجلّ ملائكة معهم صحف من فضة، وأقلام من ذهب يكتبون يوم الخميس وليلة الجمعة أكثر الناس صلاةً على النّبي صلّى الله عليه وسلّم ".
وحدث عن أبي بكر محمد بن علي بسنده إلى أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: اللهم، ثبّت قلبي على دينك، فقال رجل: يا رسول الله، تخاف علينا وقد آمنا بك، وصدقنا بما جئت به؟! فقال: " إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلّبها "، وأشار الأعمش بأصبعيه.(18/149)
توفي أبو الحسن علي بن محمد الرملي في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربع مئة، وولد سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة، عاش ثمانين سنة.
علي بن محمد بن أحمد بن داود بن محمد بن الوليد
أبو الحسن بن النّحوي الخطيب الشاهد، والد عبد المنعم بن النحوي حدث عن علي بن يعقوب بن إبراهيم بسنده إلى أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إني أمرت أن أقرئك القرآن "، قلت: يا رسول الله، وذكرني وسمّاني؟ قال: " نعم "، قال: فجعل أبيّ يبكي، ويضحك ثم قال: " بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا "، قال: قرأها بالتاء.
مات أبو الحسن بن النحوي سنة أربع مئة.
علي بن محمد بن أحمد
أبو الحسن البلخي الحنيفي القاضي قدم دمشق حاجاً سنة أربع وعشرين وأربع مئة.
حدث عن أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ".
علي بن محمد بن إبراهيم
أبو الحسن البجلي البلوطي حدث عن أبي إسحاق إبراهيم بن حاتم بن مهدي البلوطي بسنده إلى سلمان قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله الأربعين حديثاً الذي ذكرت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من حفظها على أمتي دخل الجنة وحشره الله مع الأنبياء والعلماء ".(18/150)
علي بن محمد بن إبراهيم
ابن الحسين بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو الحسن الحنائي الزاهد المقرئ حدث عن عبد الوهاب بن الحسن بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " سمّوا أسقاطكم فإنهم من فرطكم ".
وحدث عن أحمد بن الحسين بن طلاّب أبي الجهم المشغراني بسنده إلى هرماس بن زياد الباهلي قال: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب بنا يوم النحر على بعير.
توفي أبو الحسن الحنائي سنة ثمان وعشرين وأربع مئة. وقال: إن مولده سنة سبعين وثلاث مئة.
علي بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يزيد
أبو الحسن الحلبي القاضي الفقيه الشافعي حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده إلى كعب بن عجرة قال: مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أوقد تحت قدر لي، فقال: " أيؤذيك هوامّ رأسك؟ " قلت: نعم، قال: فدعا حجّاماً فحلقه ثم قال: " صم ثلاثة أيام أو أطعم فرقائين ستة مساكين أو انسك شاة ".
وحدث عن أبي عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني بسنده إلى عبد الله بن عمر أنه دخل على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعليه إزار يتقعقع، فقال: " من هذا؟ " قال: أنا عبد الله، قال: " إن كنت عبد الله فارفع إزارك "، فرفع إزاره ثم قال: " إن كنت عبد الله فارفع إزارك "، فرفع إزاره وقال: " إن كنت عبد الله فارفع إزارك "، حتى بلغ نصف الساقين، قال: فلم تزل إزرة عبد الله حتى مات.(18/151)
وحدث عن أبي المعمر الحسين بن محمد الموصلي بسنده إلى أبي عبيدة قال: قالت امرأة لعيسى بن مريم: طوبى للبطن الذي حملك، وطوبى للثدي الذي أرضعك، فقال: طوبى لمن قرأ كتاب الله ثم اتبعه.
توفي القاضي أبو الحسن الحلبي سنة ست وتسعين وثلاث مئة. ويقال: إنه ولد سنة خمس وتسعين ومئتين.
علي بن محمد بن إسماعيل العلوي
حدث عن أبيه بسنده إلى علي بن أبي طالب وإلى العباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا بويع لخليفتين فاقبلوا الأخير منهما ".
علي بن محمد بن إسماعيل
أبو الحسن الطوسي الكارزي من قرية من قرى طوس.
سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن جماهر بن محمد بن أحمد بسنده إلى أبي جحيفة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم صلى إلى عنزة.
وحدث عن المفضل بن محمد الجندي بسنده إلى جابر بن عبد الله أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الصور في البيت، وأن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أمر عمر بن الخطاب زمان الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة، فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخل البيت حتى محيت كل صورة فيه.(18/152)
وحدث عن أبي الحسن راجح بن الحسين بسنده إلى عمر قال: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الفقر أمانة، فمن كتمه كان عبادة، ومن باح به فقد قلد إخوانه المسلمين ".
توفي بمكة سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.
وحدث عن محمد بن الحسن بن قتيبة بسنده إلى يحيى بن معين قال: كلما طال الإسناد فهو أحسن للحديث.
علي بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشر
أبو الحسن الأنطاكي المقرئ الفقيه الشافعي قدم الأندلس سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة وكان عالماً بالقراءات، رأساً فيها، لا يتقدمه أحد في معرفتها في وقته، بصيراً بالعربية والحساب، له حظ من الفقه على مذهب الشافعي.
حدث عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الرزاق بن الحسن بن عبد الرزاق العجلي بسنده إلى أبي هريرة أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تجالسوا أولاد الملوك فإن لهم فتنة كفتنة العذارى ".
علي بن محمد بن حاتم بن دينار بن عبيد
أبو الحسين ويقال: أبو الحسن القومسي الحدّادي من أهل قرية حدّادة قرية بقرب بسطام على طريق خراسان مولى بن هاشم.
عن أبي عبيد الصوفي أحمد بن زيرك بسنده إلى ابن عمر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " مرد دانقٍ حرام يعدل عند الله سبعين حجة ".
توفي في شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.(18/153)
علي بن محمد بن الحسن
ابن محمد بن عمر بن سعد بن مالك بن يحيى بن عمرو بن يحيى بن الحارث أبو القاسم النّخعي الكوفي، المعروف بابن كاس وهو من ولد الأشتر ولي القضاء بدمشق، وحدث بها، وبغيرها.
حدث عن الحسن بنعلي بن عفان بسنده إلى جرير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ".
مات أبو القاسم النّخعي القاضي سنة أربع وعشرين وثلاث مئة.
وكان خرج من الكوفة قبل الثلاث مئة، وولي ولايات بالشام، وقدم بعد ذلك بغداد، وركب في سمارية، وأخرج حياً، فمات يوم عاشوراء. وكان مقدّماً في علم أبي حنيفة، وفي علم الفرائض.
علي بن محمد
ويقال: أحمد بن الحسن بن محمد ابن عبد العزيز، أبو الفتح البستي شاعر سائر الشعر. وبست مدينة بالمشرق، له أسلوب عجيب في التجنيس، وربما أفضى به إلى التكلف. قدم دمشق، ومات بها.
كان أبو الفتح البستي الكاتب الشاعر أوحد عصره في الفضل والمروءة، طبّقت بلاغته في النثر والنظم، وسار شعره في البلاد، توفي بما وراء النهر سنة إحدى وأربع مئة. ومن كلام ابستي: بالممالحة تتم المصالحت. الانقباض طليعة الإعراض. إذا صح الاعتقاد بطل الانتقاد. المزح في الكلام كالملح في الطعام، ومن شعره: الكامل(18/154)
الناس أكثرهم إذا فتّشتهم ... بعداء عن سنن التقيّة والهدى
فاحذرهم ما اسطعت إن رواءهم ... شراً أحدّ من الأسنّة والمدى
وإذا سلمت على امرئ فاشكر له ... ما كفّ عنك من الأذى فهو الندى
ومن شعره: المتقارب
إذا لم يفتني عقلٌ ودينٌ ... وصحة جسمٍ وأمنٌ وقوت
فلا خلق أسوأ مني اختياراً ... إا ما أسيت لحظٍّ يفوت
ومن شعره: الوافر
أعلّل بالمنى نفسي لعلّي ... أروّح بالأماني الهمّ عني
وأعلم أن وصلك لا يرجّى ... ولكن لا أقلّ من التمني
ومن شعره: الكامل
يا من له في كلّ شيءٍ رغبةٌ ... وعلى هواه كلّ شيءٍ شاهد
إن كنت تعلم أن قلبك واحدٌ ... فليكفه أبداً حبيبٌ واحد
ومن شعره: الطويل
توقٌ معاداة الرجال فإنها ... مكدّرةٌ للصفو من كلّ مشرب
ولا تستثر حزناً وإن كنت واثقاً ... بشدة ركنٍ أو بقوة منكب
فلن يشرب السمّ الزّعاف أخو حجا ... مدلاًّ بترياقٍ لديه مجرّب
ومن شعره: الطويل
سرورك بالدنيا غرورٌ فر تكن ... بدنياك مسروراً فتصبح مغرورا
ولا تأمن الأحداث واخش بياتها ... فكم نسفت دوراً وكم كسفت نورا
وأخسر أهل الأرض من عاش غافلاً ... فلم يحي مشكوراً ولم يفن معذورا
ومن شعره: المتقارب
أخٌ لي جربته برهةً ... فندّمني طول تجريبه(18/155)
وهل كان يربح تجريبه ... وفلك التّكبّر تجري به
وله: البسيط
من شاء عيشاً رضياً يستفيد به ... في دينه ثم في دنياه إقبالا
فلينظرنّ إلى من فوقه أدباً ... ولينظرنّ إلى من دونه مالا
وله: السريع
للمرء من شهوته أمرٌ ... مغرٍ ومن حكمته ناهي
والحرّ من يهجر ما يشتهي ... صيانةً للعرض والجاه
ومن أراد الفوز فليعتقد ... حقاً ويلبس ثوب أوّاه
وليعرف الله بأفعاله ... وليعرف الأفعال بالله
وله: الخفيف
يا محبّ النجاة أصغ لقولي ... تلق خيراً وتنج من كلّ مقت
كلّ وقتٍ لديك لله نعمى ... فلتكن شاكراً له كلّ وقت
وله: السريع
أفدي الذي نادمني ليله ... راحاً وقد صبّت أباريقه
سألت ورداً فأبى خدّه ... ورمت راحاً فأبى ريقه
كان لأبي الفتح البستي الشاعر رئاسة، وصحبة للسلطان، ثم طالت بعد ذلك عطلته، وخانه دهره، وخرج هارباً إلى دمشق، فتوفي بها مستتراً، وقيل: توفي ببخارى سنة إحدى وأربع مئة، وهو أشبه بالصواب.
علي بن محمد بن حفص بن عمر بن رستم
أبو الحسن الفارسي البعلبكي الإمام حدث عن العباس بن الوليد بسنده إلى ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " كلّ مسكر خمر، وكل مسكر حرام ".(18/156)
علي بن محمد بن خلف بن موسى
أبو الحسن البغدادي الفقيه الشافعي الفرائضي سمع بدمشق.
حدث بنيسابور عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الشافعي بسنده إلى ابن عمر أنه كان يجمع بين المغرب والعشاء. يجمع إذا غاب الشفق. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجمع بينهما إذا جدّ به المسير.
قدم نيسابور سنة ثمان وأربع مئة. وكان حسن اللسان جيد النظر، من وجوه المناظرين.
علي بن محمد بن دنهش
أبو الحسن أصلهم من أهل الكتاب، أسلموا على يد الوليد بن عبد الملك.
حدث عن أبي الجهم أحمد بن الحسين بن طلاّب بسنده إلى أبي ذر الغفاري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا ألا تكون بما في يديك أوثق منك بما بيد الله عزّ وجلّ، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك ".
علي بن محمد بن راهويه
أبو الحسن القاضي بطرابلس حدث عن أبي بكر بن دريد بسنده إلى الأحنف بن قيس قال: قال عمر بن الخطاب: يا حنيف، من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن مزح استخفّ به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه ".(18/157)
علي بن محمد بن أبي سليمان
أيوب بن حجر أبو الطيب الرقي ثم الصوري حدث عن أحمد بن عيسى الخشاب بسنده إلى عائشة رضوان الله عليها قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ولد سنة أربعين ومئتين. وكان ثقة.
علي بن محمد بن صافي
ابن شجاع بن محمد بن هارون أبو الحسن الربعي، المعروف بابن أبي الهول حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقت ذهبت ".
توفي أبو الحسن سنة أربع وأربعين وأربع مئة بدمشق، وقيل: سنة ثلاث وأربعين. وكان كذاباّ.
علي بن محمد بن طوق بن عبد الله
أبو الحسن بن الفاخوري، المعروف بالطبراني الداراني حدث عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر الفرائضي بسنده إلى ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تبادروا الإمام بالركوع حتى يركع، ولا في السجود حتى يسجد، ولا ترفعوا حتى يرفع. فإنما جعل الإمام ليؤتمّ به ".
توفي بدمشق سنة خمس عشرة وأربع مئة، وكان بداريا، وكان عنده شيء كثير، ثم يحدث إلا بشيء يسير. وكان ثقة.(18/158)
علي بن محمد بن عامر بن عمرو
أبو الحسن النهاوندي إمام جامع نهاوند. سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن أبي محمد سعد بن محمد البيروتي بسنده إلى أم حبيبة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من صلى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة. أربعاً قبل الظهر واثنتان بعدها، واثنتان قبل العصر، واثنتان بعد المغرب، واثنتان قبل الصبح ".
علي بن محمد بن عبد الله
أبو الحسن القزويني القاضي قدم دمشق سنة خمس وستين وثلاث مئة، وحدث بها وبمصر.
حدث عن علي بن محمد بن مهروية وإسماعيل بن عبد الوهاب القزوينيّين بسندهما إلى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " " الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان ".
علي بن محمد بن عبد الله بن مفلح
أبو الحسن القزويني سمع بدمشق.
حدث عن الحسين بن إسماعيل بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله أن ننزل الناس منازلهم.
وحدث عن أبي علي محمد بن هارون الأنصاري بسنده إلى ابن عباس قال: النظر في وجه الإخوان المشتاقين ساعة أحب إلي من ألف ركعة من صلاة.
وحدث عن أبي الحسين بن مهدي بسنده إلى سلم بن قتيبة قال: الدنيا العافية، والشباب الصحة، والمروءة الصبر على الرجال.
وحدث عن أبي العباس محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاّد العتكي بسنده إلى شعبة قال: من كتبت عنه أربعة أحاديث فأنا عبده حتى أموت.(18/159)
وحدث عن أبي علي بمحمد بن هارون بن شعيب الدمشقي بسنده إلى أبي عمرو بن العلاء قال: كان يقال: إذا تأكدت المعرفة سمجت الحشمة.
وصل نعيه من نسا سنة سبع وثمانين وثلاث مئة.
علي بن محمد بن عبد الله
ابن إبراهيم بن أيوب بن ماسي أبو الحسن البغدادي قدم دمشق سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة.
حدث عن جده أبي محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي بسنده إلى سمرة بن جندب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تحرّوا بصلاتكم طلوع الشمس وغروبها، فإنها تطلع في قرني شيطان، وتغرب في قرني شيطان ".
علي بن محمد بن عبد الله
ابن مزاحم أبو الحسن الداراني المقرئ، صهر الأطروش المعروف بابن نجيلة الخراساني حدث عن القاضي أبي علي عبد الجبار بن عبد الله بن مهنا الخولاني بسنده إلى عائشة رحمة الله عليها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن للقبر لضغطة، لو كان أحد منها ناجياً لنجا سعد بن معاذ ".
كان أبو الحسن شيخاً صالحاً.
قال أبو حفص بن البري: كان أبو الحسن بن الخراساني يزورني من داريا، فإذا كان عندي قوم استأذن، وإذا لم يكن عندي إنسا انفتح له الباب، وطلع إلي.
توفي سنة خمس عشرة وأربع مئة.(18/160)
علي بن محمد بن عبيد الله
ابن حمزة بن علي بن أحمد بن علي بن العباس بن سليمان ابن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو الحسن الهاشمي الصالحي الفقيه الشافعي سمع بدمشق.
حدث بصور سنة ثمان وستين وأربع مئة عن الشيخ أبي محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها، فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع ".
توفي سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة، وكان قد نيف على الستين.
علي بن محمد بن علي
أبو الحسن الأزدي القطان المعروف بابن الخراساني حدث عن يونس بن عبد الأعلى بسنده إلى زاهر قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد. فلا تأمنن تعجيل عقوبة الله، فإنما يعجل من يخاف الفوت.
وحدث عنه أيضاً بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدباراً، ولا الناس إلا شحّاً. ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم ".
وحدث عن يونس بسنده إلى يحيى بن سعيد قال: كان أكثر دعاء سعيد بن المسيّب الذي كنت أسمع منه: اللهم سلّمن وسلّم مني.
توفي أبو الحسن سنة عشرين وثلاث مئة.(18/161)
علي بن محمد بن علي بن سوار
ابن عبد الله بن الحسين بن محمد
أبو الحسن التميمي البزاز النيسابوري سكن دمشق، وحدث بها.
روى عن أبي القاسم عبيد بن إسحاق بن سهل السّنجاري بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار "، وقال أبو القاسم: يا أبا يعلى، ما سمعنا هذا الحديث منك منذ عرفناك! فقال: ادخرته لهذا الوقت ثم قضى.
علي بن محمد بن علي بن الأحنف
أبو الحسن الخطيب البغدادي حدث بدمشق.
روى عن القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الأسدي الأكفاني بسنده إلى عامر بن ربيعة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " يقول الله: الرحم الشجنة، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته ".
علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله
أبو الحسن القرشي البكري، المعروف بابن المصحح حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان الشاهد بسنده إلى عبد الله بن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان ". قيل: يا رسول الله، وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: " وإن كان سواكاً من أراك ".(18/162)
توفي علي بن محمد بن المصحح سنة ثلاث وستين وأربع مئة.
علي بن محمد بن علي بن الأزهر
أبو الحسن العليمي المقرئ القطان، المعروف بالجدّي حدث عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي بسنده إلى إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي قال: دخلت على محمد بن داود الأصبهاني في مرضه الذي مات فيه فقلت: ما بك يا سيدي؟ فقال: حبّ من تعلم أورثني ما ترى، فقلت: ما منعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين: أحدهما النظر المباح والثاني اللذة المحظورة. فأما النظر المباح فأورثني ما ترى، وأما اللذة المحظورة فمنعني منها ما حدثني أبي عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من عشق، وكتم، وعفّ، وصبر غفر الله له، وأدخله الجنة ".
وأنشدني له: الخفيف
ما لهم أنكروا سواداً بخدّي ... هـ ولا ينكرون ورد الغصون
إن يكن عيب خدّه بدّد الشّع ... ر فعيب العيون شعر الجفون
ولد أبو الحسن العليمي سنة تسعين وثلاث مئة، وتوفي سنة ثمان وتسعين وأربع مئة.
علي بن محمد بن علي بن محمد بن موسى
أبو الحسن بن أبي بكر السّلمي الحداد حدث بدمشق عن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن ميمون المجهر بسنده إلى أبي جمرة قال: كنت أدفع الزحام يعني: عن ابن عباس فاحتبست عنه أياماً فقال لي: ما حبسك؟ قلت: الحمى، فقال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الحمى من فيح جهنم، فأبردوها عنكم بماء زمزم ".(18/163)
علي بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد
أبو القاسم التيمي الكوفي، المعروف بابن الأذلاني حدث بدمشق وروى عن أبي زكريا يحيى بن محمد بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من صلى ركعتين لا يراه إلا الله عزّ وجلّ والملائكة كانت له براءة من النار ".
وحدث عن أبي الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الحنائي بدمشق بسنده إلى ابن مسعود قال: أربع قد فرغ منهن: الخلق، والخلق، والرزق، والأجل.
توفي أبو القاسم سنة سبعين وأربع مئة.
علي بن محمد بن علي بن أحمد
أبو القاسم بن أبي العلاء السلمي المصيصي الفقيه الشافعي سمع بدمشق وغيرها.
حدث عن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي بسنده إلى أبي لبابة عن عبد المنذر الأنصاري قال:
استسقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة فقال: " اللهم، اسقنا "، فقال أبو لبابة: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إن التمر في المرابد، قال: وما في السماء سحب نراه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم، اسقنا "، قالها ثلاثاً، وقال في الثالثة: " حتى يقوم أبو لبابة عرياناً يسدّ ثعلب مربده بإزاره ". قال: فاستهلت السماء، وأمطرت مطراً شديداً، وصلىبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فأطافت الأنصار بأبي لبابة يقولون له: يا أبا لبابة، إن السماء لن(18/164)
تقلع حتى تقوم عرياناً فتسدّ ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فقام أبو لبابة عرياناً فسدّ ثعلب مربده بإزاره فأقلعت السماء.
مات الفقيه أبو القاسم سنة سبع وثمانين وأربع مئة بدمشق. وكان فقيهاً، فرضياً. وكان مولده بمصر.
علي بن محمد بن علي بن الحسن بن أبي المضاء
أبو الحسن بن أبي المضاء الفقيه الشافعي البعلبكي حدث سنة ست وعشرين وخمس مئة من القاضي أبي عبد الله الحسن بن أحمد بن عبد الواحد السلمي بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي العصر، والشمس مرتفعة حيّة، فيذهب الذاهب إلى العوالي، فيأتيها، والشمس مرتفعة، وبعض العوالي من المدينة على أربع أميال أو ثلاثة.
توفي أبو الحسن بن أبي المضاء سنة خمس وثلاثين وخمس مئة ببعلبك.
علي بن محمد بن علي بن عاصم
أبو الحسن الجويني ثم النيسابوري شيخ شافعي، من أهل الفضل والأدب، فصيح، متوسع في الكلام نظماً ونثراً. قدم دمشق في شبيبته.
حدث عن القاضي أبي القاسم إسماعيل بن الحسين بن علي الفرائضي، وهو السّنجبستي بسنده إلى أنس بن مالك قال: كنا إذا صلينا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " سمع الله لمن حمده " لم نزل قياماً حتى نرى النبي صلّى الله عليه وسلّم ساجداً.(18/165)
ومن شعر علي بن محمد: الوافر
صبت نحوي ومال في نمائه ... وروق شبيتي مني بمائه
فلما أن كبرت وقلّ مالي ... تولّت واكتست أثواب تائه
كذا من ودّ صاحبه لشيءٍ ... تولّى الودّ منه بانقضائه
توفي بعد سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة.
علي بن محمد بن عيسى
أبو الحسن الهروي الجكّاني وجكّان محلة على باب هراة. رحل إلى الشام.
حدث عن أبي اليمان بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " والله، إني لأستغفر وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة ".
وحدث عنه بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا عجل بن السير في السفر يؤخّر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء.
توفي الجكّاني سنة اثنتين وتسعين ومئتين.
علي بن محمد بن غالب
أبو فراس العامري المعروف بمجد العرب شاعر بغدادي. قدم دمشق، وسمع بها.
وأنشد من شعره في سنة تسع وأربعين وخمس مئة: المتقارب
أمتعبٌ مارقٌ من جسمه ... بحمل السيوف وثقل الرماح
علام تكلّفت حملاً لها ... وبين حقويك أمضى السلاح(18/166)
ومن شعره: البسيط
قالوا بوجه الذي أحببته كلفٌ ... فقلت بدرٌ وما يخلو من الكلف
قالوا: فلا وصل قلت الآن أطمعني ... تفاؤلٌ باعتناق اللام والألف
علي بن محمد بن الفتح
ابن عبد الله البزاز السامري القلانسي حدث بدمشق عن عمر بن محمد بن عثمان البغراسي بسنده إلى أبي هند الداراني قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من لم يرض بقضائي، ويصبر على بلائي فليلتمس له رباً سواي ".
وحدث بدمشق عن أبي عمر بن موسى بن فضالة بسنده إلى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس في يوم شديد الحرّ، ورجل أعرابي قائم في الشمس حتى فرغ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما شأنك؟ " قال: نذرت أن لا أزال قائماً في الشمس حتى تفرغ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ليس هذا بنذر، إنما النذر الذي ما ابتغي به وجه الله عزّ وجلّ "، ثم أمر به فأجلس.
علي بن محمد بن القاسم بن بلاغ
أبو الحسن المقرئ إمام جامع دمشق.
حدث عن أبي بكر محمد بن علي بن المراغي بسنده إلى أنس بن مالك قال:
دخل علي النبي صلّى الله عليه وسلّم في يوم الجمعة وأنا أفيض عليّ شيئاً من الماء، فقال(18/167)
لي: " يا أنس، غسلك للجمعة أم للجنابة؟ " فقلت: يا رسول الله، بل للجنابة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، عليك بالحبيك والفنيك والضاغطين والمثنين والميسين وأصول البراجم وأصول الشعر واثنى عشر نقباً، منها سبعة في وجهك ورأسك، واثنين منها في سفليك، وثلاث في صدرك وصرّتك، فوالذي بعثني بالحق نبياً لو اغتسلت بأربعة أنهار الدنيا: سيحان، وجيحان، والنيل، والفرات ثم لم تنقهم للقيت الله يوم القيامة وأنت جنب ". قال أنس: فقلت: يا رسول الله، وما الحبيك وما الفنيك وما الضاغطين وما المثنين وما الميسين وما أصول البراجم؟ فأومأ إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الحقني فلحقته، فأخذ بيدي، فأجلسني بين يديه وقال لي: " يا أنس أما الحبيك فلحيك الفوقاني، وأما الفنيك ففكّك السفلاني، وأما الضاغطين وهما المثنين فهما أصل أفخاذك، وأما الميسين فتفريش آذانك، وأما أصول البراجم فأصول أظافرك. فوالذي بعثني بالحق نبياً لتأتي الشعرة كالبعير المربوق حتى تقف بين يدي الله فتقول: إلهي وسيدي، خذ لي بحقي من هذا ". فعندها نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أني حلق الرجل رأسه وهو جنب، أو يقلم ظفراص، أو ينتف جناحاً، وهو جنب.
أنكر هذا الحديث إنكاراً شديداً، وقال: لا أدري على من الحمل فيه: أعلى المراغي: أم على ابن بلاغ؛ وقال: غالب الظن أن الآفة فيه من المراغي، أحد رواته.
وحدث عن أبي بكر أحمد بن الحسن بن أحمد بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين ".(18/168)
وحدث عن أبي الدحداح أحمد بن محمد التميمي بسنده إلى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استوى على ناقة حمراء في غزوة تبوك ثم قال: " أيها الناس الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي الوسطى، ويد المعطى أسفل. أيها الناس، تعففوا عن مسائل الناس ولو بحزم الحطب، اللهم هل بلّغت، اللهم اشهد ". ثلاثاً.
مات أبو الحسن بن بلاغ سنة سبع وسبعين وثلاث مئة.
علي بن محمد بن معيوف
أبو الحسن المعيوفي كان رجلاً صالحاً. جاور بمكة، وهو من أهل قرية عين ثرما.
حدث عن عبد العزيز صاحب قلب طيب لا يقدر أن يسمع شيئاً إلا وجد وجداً عظيماً، تعود بركته على الحاضرين معه.
توفي بعد سنة ست وتسعين وثلاث مئة.
علي بن محمد بن يحيى بن محمد
ابن عبد الله بن محمد بن زكريا أبو القاسم السلمي الحبيشي، المعروف بالسّميساطي صاحب دويرة الصوفية.
حدث عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى بريدة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطبنا فأقبل الحسن والحسين عليهما السلام، عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، ويقومان، فنزل، فأخذهما، فوضعهما بين يديه ثم قال: " صدق الله ورسوله " إنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ " رأيت هذين فلم أصبر ".(18/169)
ولد أبو القاسم السميساطي سنة سبع وسبعين وثلاث مئة. وقيل: سنة ثمان وسبعين. وقيل: سنة أربع وسبعين.
والسميساطي بسينين مهملتين، وبعد الميم ياء.
وكان متقدماً في الهندسة وعلم الهيئة، وكان قد اطلع على علوم الربعة وعلى أقاويل الأوائل. وكان لا يقول بشيء سوى بالإسلام والسنة. وكان يكذّب بأحكام المنجمين.
وتوفي سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة. وقيل: سنة اثنتين وخمسين وهذا وهم ودفن في داره بباب الناطفيين، وكان قد وقفها على الفقراء الصوفية، ووقف علوها على الجامع، ووقف أكثر نعمته على وجوه البر.
علي بن محمد بن يزيد العماني
حدث بشاطئ عثمان بن أبي العاص عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى أنس بن مالك أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
" من قرأ " قل هو الله أحدٌ " مئة مرة في خلاء لا يخبر بها أحداً غفر الله له ذنوب خمسين سنة إلا الدماء والأموال، وبنى له بكل مرة قصراً في الجنة، طوله فرسخ وعرضه فرسخ، ارتفاعه في السماء مئة بعده بعد أربعة آلاف مصراع من ذهب، في كل مصراع سرير من ياقوت، على كل سرير حجلة من حرير أحضر، في كل حجلة زوجة من(18/170)
الحور العين، بين يدي كل زوجة منهن سبعون غلاماً وتسعون خادماً، يضيء وجه أحدهم كضوء الشمس والقمر ". قال أبو بكر: إذاً نستكثر من السرر والأزواج والخدم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الله أكثر وأطيب، الله أكثر وأطيب ".
علي بن محمد الدمشقي
قال: كان رجل يتتبع شيل القراطيس من الأرض فيقول: بسم الله، إكراماً لوجه الله عزّ وجلّ، فوجد في قرطاس أبيض مكتوباً: وأنت أكرم الله وجهك.
علي بن محمد أبو الحسن
أو أبو القاسم الكوفي الحافظ حدث عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إناء واحد.
علي بن محمد أبو الحسن
التّهامي الشاعر من أهل تهامة، خرج إلى الشام، وقدم دمشق، وكان حافظاً للقرآن وفتنته نفسه. طلب الخلافة، وخرج معه جماعة، وآزروه على أمره، ثم غدر به آل الجراح، وحملوه إلى مصر، فألقي في خزانة البنود إلى أن مات بها. وقيل بل: عفي عنه، وخلي سبيله، وقيل عنه إنه كان في الحبس يعلم جماعة من المسجونين القرآن.
قال أبو علي الحسن بن نجم بن نبال الموصلي: بتّ مع أبي الحسن التهامي في خان بميافارقين، فلسعته عقرب في الليل، فسكت إلى الغداة. فلما انتشر الناس صاح وتألم، فقلت: مالك؟ فقال: لسعتني عقرب في الليل، قلت: فكيف أمسك إلى الآن؟! فقال: فعلت ذلك كيلا ينزعج الناس بي في نومهم، ويتنغصوا به.
ومن شعره يمدح الشريف أبا عبد الله محمد بن الحسين النصيبي: الخفيف(18/171)
حازك الذي حين أصبحت بدرا ... إن للبدر في التنقل عذرا
ارحلي إن أردت أو فأقيمي ... أعظم الله للهوى فيّ أجرا
لا تقولي لقاؤنا بعد عشرٍ ... لست ممن يعيش بعدك عشرا
وسقام الجفون أمرض قلبي ... ليت أن الجفون تبرا فأبرا
فإذا قابلت محمداً العي ... س فقبّل مناسم العيس شكرا
من إذا شمت وجهه بعد عسرٍ ... قلب الله ذلك العسر يسرا
فإذا قل نيله كان بحراً ... وإذا ضاق صدره كان برا
وإذا فاض في نوالٍ وبأسٍ ... غرّق الخافقين نفعاً وضرّا
يخبر البشر منه عن عتق أصلٍ ... إن في الصارم العتيق لأثرا
صحة من ولادة عنونته ... بحروفٍ من النبوة تقرا
فله رؤية تقود إليه ... طاعة العالمين طوعاً وقسرا
هو بعض النبي والله قد صا ... غ جميع النبي والبعض طهرا
وابن بنت النبي مشبهه علماً ... وحلماً واسماً وسراً وجهرا
نسبٌ ليس فيه إلا نبيّ ... أو إمامٌ من الذنوب مبرّ
ومن شعره يرثي ابنا له مات صغيراً: الكامل
حكم المنية في البرية جار ... ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً ... حتى يرى خبراً من الأخبار
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها ... صفواً من الأقذاء والأقدار
ومكلّف الأيام ضدّ طباعها ... متطلبٌ في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفيرٍ هار
والعيش نومٌ والمنية يقظةٌ ... والمرء بينهما خيالٌ سار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت ... منقادةٌ بأزمّة المقدار(18/172)
علي بن محمد أبو الحسن المؤذن
حدث قال:
كنت في مسجد باب الصغير أخدمه، وكان الغرباء يبيتون فيه، ويقولون: من عجائب الدنيا قيّم مسجد حسن الخلق، وكان جماعة من العاميين يقولون: إذا رأيت من هؤلاء الغرباء إنساناً لا يتبذل فأعلمنا به، فكنت إذا رأيت من يكون بهذه الصفة أعلمتهم به، فيدخلون عليه رفقاً. فجاء في بعض السنين رجل مستور لا يتبذل، ولا يخرج من المسجد، فأعلمتهم به، فعرضوا عليه شيئاً فأبى أن يقبله، وسمعني يوماً أقول: أشتهي أن أزور القدس لو أن لي من يحملني إلى الرملة، فقال لي: أنا أحملك. فلما صلينا العشاء الآخرة قال لي: أنت على النية؟ قلت: نعم، قال: بسم الله، فخرجت إلى السوق فأخذت عنب سماقي وجبن ستبري ووصّيت بالمسجد، وخرجت معه، فأخذ بي نحو الوطاء وقال: طأ موضع قدمي، ففعلت، فسرنا إلى أن انفجر الصبح، فغاب عني، فصحت به، فلم يجبني أحد، فأخذت أطبق عليه فأقول: هؤلاء الغرباء من حالهم، أخرجني من بلدي وذهب، وتركني، وفي ظني أني في بعض الضياع. فلما أكثرت الكلام فإذا رجل يقول: إيش أنت؟ فقلت: من أهل دمشق، وقصصت عليه قصتي فقال: يا هذا، تدري أين أنت؟ قلت: لا، قال: أنت في سرب الحمام تدّعي أنك البارحة خرجت من دمشق، أين ذهب عقلك؟ فقلت: يا هذا، معي علامة، فأخرجت ما كان معي من الطعام، فعلم أن ذلك لا يكون إلا بدمشق، فقال لي: هذا من أولياء الله، فزرت القدس، فإذا صاحبي فسلّم علي وقال: يا هذا، كم تشنع عليّ! ألم نقل: كنت أشتهي أن أصل إلى الرملة، قد وصلناك، ودفع لي صرّة اشتريت بها هدية، وكانت مباركة، حججت، وبقيتها بعد معي.(18/173)
علي بن محمد أبو الحسن الحوطي
حدث بصيدا سنة خمس وسبعين وثلاث مئة قال: روي لنا أن عصام بن المصطلق قال: دخلت الكوفة، فأتيت المسجد، فرأيت الحسين بن علي عليه السلام جالساً فيه، فأعجبني سمته ورؤاه، فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال: أجل، فأثار مني الحسد ما كنت أجنّه له ولأبيه، فقلت: فيك وبأبيك وبالغت في سبهما، ولم أكنّ، فنظر إليّ نظر عاطف رؤوف، وقال: أمن أهل الشام أنت؟ فقلت: أجل، شنشنةٌ أعرفها من أخزم فتبيّن فيّ الندم على ما فرط مني إليه فقال: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم " انبسط إلينا في حوائجك لدينا تجدنا عند حسن ظنك بنا، فلم أبرح وعلى وجه الأرض أحبّ إلي منه ومن أبيه، وقلت: " الله أعلم حيث يجعل رسالته ". ثم أنشأت أقول: الطويل
ألم تر أنّ الحلم زينٌ لأهله ... ولا سيما إن زان حلمك منصب
سليل رسول الله يقتصّ هديه ... عليه خباء المكرمات مطنّب
قريب من الحسنى بعيدٌ من الخنا ... صفوحٌ إذا استتبعته فهو معتب
فقل لمسامي الشمس أنى تنالها ... تأمّل سناها وانظرن كيف تغرب
علي بن محمد أبو الحسن الحمصي
حدث عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله،(18/174)
وائذن لي في أن أتكلم، فقال: " تكلم "، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا، فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت بمئة شاة وجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم، فأخبروني أن ما على ابني جلد مئة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله: أما غنمك وخادمك فيردّ إليك "، وجلد ابنه مئة، وغرّبه عاماً وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت، فرجمها.
قال مالك: العسيف الأجير.
علي بن محمدان بن محمد
أبو الحسن القاضي البلخي قدم دمشق حاجاً.
حدث في دمشق سنة أربع وعشرين وأربع مئة عن أبي بكر محمد بن الحسن المفسّر بسنده إلى أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " من صام يوم عرفة غفر الله له سنة أمامه وسنة خلفه ".
علي بن محمود بن إبراهيم بن ماحوّه
أبوالحسن المروذي الصوفي سمع بدمشق وبغيرها.
وحدث عن أبي الحسن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول اله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا توضأ أحدكم فليجعل في فيه ثم ليستنشق ".
كان جده ماحوّه مجوسياً. ولد سنة ست وستين وثلاث مئة. ومات سنة إحدى وخمسين وأربع مئة.(18/175)
علي بن مسلم البكري
حدث عن أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ".
علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح بن علي
أبو الحسن بن أبي الفضل السلمي الفقيه الشافعي الفرضي له مصنفات في الفقه، والفرائض، والتفسير. وكان الغزاليّ يثني عليه ويصفه بالعلم، وقال: خلفت بالشام شاباً إن عاش كان له شأن، فكان كما تفرّس فيه رحمه الله. ودرّس في حلقته في الجامع مدة، ثم ولي المدرسة الأمينية سنة أربع عشرة وخمس مئة. وكان يظهر السنة، ويرد على من أنكر الحق.
حدث عن أبي الحسن بن أبي الحدي بسنده إلى سعيد بن المسيب أن عمر كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عنه عمر.
وحدث عن أبي نصر الحسين بن محمد بن طلاب الخطيب بسنده إلى أبي ذر قال: لقد تركنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وهو يذكرنا منه علماً.
ولد سنة خمسين. وقيل: سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة.
مرض الفقيه أبو الحسن مرضة شديدة أيس منه، فدخل عليه بعض الفقهاء فأنشده: المنسرح
يا ربّ لا تبقني إلى أمد ... أكون فيه كلاً على أحد
خذ بيدي قبل أن أقول لمن ... أراه عند القيام خذ بيدي(18/176)
فاستحسن البيتين وكتبهما بخطه، وكرر قراءتهما فاستجيب له، فمات بعد أن أبلّ من تلك العلة بمدّة، من غير أن يمرض مرضاً يحتاج فيه إلى أحد، في سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة ساجداً في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح وكان قد صلى ورده تلك الليلة من قيام الليل، ودفن عند قبور الصحابة بمقبرة الباب الصغير رحمه الله.
علي بن المظفر بن علي
أبو الحسن المنبجي المعلم حدث عن أبي بكر الشبلي بسنده إلى علي بن أبي طالب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لي: " يا علي، إن الإسلام عريان، لباسه التقوى، ورياشه الهدى، وزينته الحياء، وعماده الورع، وملاكه العمل الصالح، وأساس الإسلام حبي وحبّ أهل بيتي.
وحدث عن أبي القاسم عبدان بن حميد بن عبدان بسنده إلى أبي عثمان الأنصاري أن عثمان بن عفان دعا بوضوء، فغسل كفيه ثلاثاً، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً، وغسل قدميه ثلاثاً، ثم تبسم عثمان فقال: هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل، ثم قال: " إذا غسل المؤمن كفيه تساقط ذنوبه من أطراف أنامل كفيه، وإذا غسل وجهه تساقط ذنوبه من أطراف لحيته، وإذا غسل يديه تساقط ذنوبه من أسفل مرفقيه، وإذا مسح برأسه تساقط ذنوبه من أطراف شعره، وإذا غسل قدميه تساقط ذنوبه من أسفل قدميه، وصارت الصلاة نافلة ".
علي بن معبد بن نوح
أبو الحسن البغدادي نزيل مصر.
حدث عن زيد بن يحيى الدمشقي بسنده إلى ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ".(18/177)
وحدث عن علي بن الحسن بن شقيق بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟ " كان علي بن معبد تاجراً، توفي بمصر سنة تسع وخمسين ومئتين، وكان ثقة، صاحب سنّة، وكان أبوه والياً على طرابلس الغرب.
علي بن معضاد بن ماضي
أبو الحسن المقرئ الدباغ في الفراء كان حافظاً للقرآن، جيد القراءة. وكان طفيلياً.
حدث عن القاضي أبي عبد الله الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد الخطيب بسنده إلى ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في الاستنشاق: " ثنتين بالغتين أو ثلاثاً ".
توفي أبو الحسن بن معضاد ويعرف بهروي سنة ثمان وأربعين وخمس مئة.
علي بن المغيرة أبو الحسن
البغدادي المعروف بالأثرم قدم دمشق.
حدث عن معمر بن المثنى بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت:
ما فسّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من القرآن إلا آيات يسيرة قوله: " وتجعلون رزقكم " قال: " شكركم ".
حدث علي بن المغيرة عن أبي عبيدة البصري قال: مرّ أبو عمرو بن العلاء بالبصرة فإذا أغلال مطروحة مكتوب عليها: لأبو فلان، فقال أبو عمرو: يا رب، يلحنون ويرزقون.(18/178)
علي بن المقلّد بن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ
ابن نصر بن هاشم، أبو الحسن الأمير الكناني المعروف بسديد الملك، صاحب شيزر أديب فاضل. له شعر حسن سائر. ورد دمشق غير مرة، وأقام بطرابلس سنوات، وعمر حصن الجسر، ثم اشترى حصن شيزر من الروم.
كن سديد الملك علي بن مقلد بن نصر بينه وبين ابن عمار مودة وكيدة، وكان بينهما تكاتب، وكان سبب ذلك أنه كان له مملوك أرمني يسمى رسلان، وكان زعيم عسكره، فبلغه عنه ما أنكره، فقال: اذهب عني، وأنت آمن مني على نفسك، فذهب إلى طرابلس، وقصد ابن عمار، فنفذ إلى سديد الملك وسأله في حرمه وماله، فأمر بإطلاقهم، وما اقتناه من دوابه. فلما خرج لحقه سديد الملك، فقال له الرسول: غدرت بعبدك، ورعيت في ماله، فقال: لا، ولكن كل أمر له حقيقة، حطّوا عن الجمال أحمالها، وعن البغال أثقالها، ففعلوا، فقال: أثبتوا كل ما معه ليعرف أخي قدر ما فعلته، فكان ما أخرج له من ذهب عين خمسة وعشرين ألف دينار في قدور نحاس، وكان له من الديباج والفضة ما يزيد على القيمة، فقال للرسول: أبلغ ابن عمار سلامي، وعرّفه بما ترى لئلا يقول رسلان أخذ بغير علم مولاي، ولو درى لم يمكني منه، فزاره سديد الملك في بعض السنين. فلما فارقه كتب إليه: البسيط
أحبابنا لو لقيتم في مقامكم ... من الصّبابة ما لاقيت في ظعني
لأصبح البحر من أنفاسكم نفساً ... كالبرّ من أدمعي ينشقّ بالسّفن
قال أبو الحسن: ما عرفت أني أعمل الشعر حتى قلت: البسيط
يجني ويعرف ما يجني فأنكره ... ويدّعي أن الحسنى فأعترف(18/179)
وكم مقامٍ لما يرضيك قمت على ... جمر الغضا وهو عندي روضةٌ أنف
وما بعثت رجائي فيك مستتراً ... إلا خشيت عليه حين ينكشف
وله: السريع
في كلّ ويم من تجنّيك لي ... تعنّت يعزب معناه
إني لأرثي لك من طول ما ... تفكّر فيما تتجناه
وكتب إلى سابق بن محمود بن نصر بن صالح صاحب حلب شفاعة في أبي نصر بن النحاس الكاتب الحلبي: الكامل
إيهاً أبا نصرٍ يقيك بنفسه ... خلٌّ يجلّك أن يقيك بماله
سل ما بقلبك عن ذخائر قلبه ... فلسان حالك مخبرٌ عن حاله
كيف استسرّ ضياء فضلك كاملاً ... ما يستسرّ البدر عند كماله
لا تجزعنّ إذا غربت فإنه ... ليلٌ دجا سيضيء من أذياله
أتخاف من عزّ الملوك جنايةً ... وخصيمه فيها كريم خلاله
حاشاه يسلب ما كسا إحسانه ... فكثير وجدك من قليل نواله
ملكٌ يحب العدل في أحكامه ... إلا مع الراجي على أقواله
لو تنصف الدنيا لكان ملوكها ... عماله والأرض من أعماله
يا أيها الملك الذي آياته ... في المجد بين يمينه وشماله
فيدٌ تشبّ النار في سطواته ... ويدٌ تصبّ الغيث من أفضاله
ارجع لعبدك صافحاً عن جرمه ... فالملك مفتقرٌ إلى أمثاله
عقم النساء فما يلدن نظيره ... في فضل صنعته وفضل مقاله
دع رتبةً لم تلفه أهلاً لها ... وازدده في المعروف من أشغاله
توفي الأمير أبو الحسن سنة تسع وسبعين وأربع مئة.(18/180)
علي بن منصور بن قيس
ابن حجوان بن لأي بن مطيع بن حبيب بن كعب بن ثعلبة بن سعيد بن عوف ابن كعب بن جلاّن بن غنم بن غني الغنوي المعروف بعلي بن الغدير، شاعر فارس ويقال علي بن الغدير ابن مضرّس بدل منصور بن قيس مدح عبد الملك بن مروان.
قال الأصمعي: قال عبد الملك بن مروان لعلي بن الغدير: أنت القائل؟: الطويل
خلّوا قريشاً تقتتل إنّ ملكها ... لها وعليها بغيها واختصامها
لشعر كان قاله حين اعتزل حاتم بن النعمان، فقال له علي: ما قلت أنت شر، قال: وما ذاك؟ قال: مررت برجل من قيس يتشحط في دمه، فقلت: ما على هذه الجاهل من قيس لمن كان الملك. وهذه أبيات منها: الطويل
فمن مبلغٌ قيس بن عيلان كلها ... بما حاز منها أرض نجدٍ وشامها
فلا تهلكنكم فتنةٌ كلّ أهلها ... كحيران في طخياء داج ظلامها
وخلّوا قريشاً تقتتل إنّ ملكها ... لها وعليها برها وأثامها
فإن وسعت أحلامها وسعت لها ... وإن عجزت لم تدم إلا كلامها
وإن قريشاً مهلكٌ من أطاعها ... تنافس دنيا قد أحمّ انصرامها(18/181)
علي بن موسى بن أبي بكر
أبو المظفر الختّلي قدم دمشق.
وحدث عن الأمير أبي أحمد خلف بن أحمد السجستاني بسنده إلى أنس بن مالك أن رجلاً مرّ بمجلسٍ في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم، فردوا عليه. فلما جاوز قال أحدهم: إني لأبغض هذا، قالوا: مه، فوالله لننبّئنّه بهذا، انطلق يا فلان فأخبره بما قال له. قال: فانطلق فأخبره، قال: فانطلق الرجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فحدثه بالذي كان وبالذي، قال الرجل: يا رسول الله، أرسل إليه فاسأله: لم يبغضني؟ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لم تبغضه؟ " قال: يا رسول الله، أنا جاره، فأنا به خابر، فما رأيته يصلي صلاة إلا هذه الصلاة التي يصليها البر والفاجر، فقال له الرجل: يا رسول الله، سله: هل أسأت لها وضوءاً، أو أخرتها عن وقتها؟ فقال: لا، ثم قال له: يا رسول الله، أنا له جار، وأنا به خابر، ما رأيته يطعم مسكيناً قط إلا هذه الزكاة التي يؤديها البر والفاجر، فقال: يا رسول الله، أنا له جار، وأان أنا به خابر ما رأيته يصوم يوماً قط إلا الشره الذي كان يصومه البر والفاجر، فقال الرجل: يا رسول الله، سله: هل رآني أفطرت يوماً لست فيه مريضاً ولا على سفر؟ فسأله عن ذلك، فقال: لا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " قم، فإني لا أدري لعله خير منك ".
علي بن موسى بن الحسين
أبو الحسن بن السمسار حدث عن علي بن يعقوب بسنده إلى سفيان بن أبي زهير أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من أمسك الكلب، فإنه ينقص من أجره كل يم قيراط إلا كلب صيد، أو كلب حرث، أو كلب ماشية ".
كان ابن السمسار شيخاً فيه تشيع يتجاوز به إلى الرفض. وكان مولده سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة، وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.(18/182)
علي بن مهدي بن المفرج بن عبد الله
أبو الحسن الهلالي الطبيب سمع بدمشق وبغيرها، وقرأ شيئاً من الطب والهندسة، ولد سنة خمس وثمانين وأربع مئة.
حدث عن أبي الفضل أحمد بن عبد المنعم بن الكريدي بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مثل المنافق مثل الشاة العابرة بين الغنمتين، إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع ".
توفي أبو الحسن بن مهدي سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة.
علي بن ميمون أبو الحسن
البرقي العطار اجتاز بدمشق.
وحدث عن خالد بن حبّان بسنده إلى معاوية قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " كل مسكر على كل مؤمن حرام ".
توفي سنة خمس وأربعين ومئتين، وكان ثقة. وقيل: توفي سنة ست وأربعين ومئتين.
علي بن نجا بن أسد أبو الحسن
المعروف بابن محمود المؤذن في مئذنة العروس من مآذن المسجد الجامع أقام يؤذن في الجامع ويقيم أكثر من خمسين سنة. وكان يكبر بين تكبيرتي الجنائز، ولو لم يفعل ذلك كان خيراً له.
حدث عن أبي الفرج سهل بن بشر بن أحمد الأسفراييني بسنده إلى أبي هريرة أن سعداً قال: يا رسول الله، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: " نعم ".(18/183)
توفي سنة سبع وأربعين وخمس مئة.
علي بن هبة الله بن علي
ابن جعفر بن علكان بن محمد بن خلف بن أبي خلف القاسم بن عيسى أبو نصر بن أبي القاسم العجلي، الأمير الحافظ البغدادي، المعروف بن ماكولا
أصلهم من أهل جرباذقان، من نواحي أصبهان، وزر أبوه أبو القاسم للخليفة القائم بأمر الله. وولي عمه أبو عبد الله الحسين بن جعفر قضاء القضاة ببغداد، وقدم أبو نصر دمشق. ومولده سنة إحدى وعشرين وأربع مئة بقرية عكبرا، من سواد بغداد. فمن شعره: الطويل
أقول لنفسي قد سلا كلّ واحدٍ ... ونفض أثواب الهوى عن مناكبه
وحبّك ما يزداد إلا تجدداً ... فيا ليت شعري ذا الهوى من مناك به
وله: الطويل
ولما تواقفنا تباكت قلوبنا ... فممسك دمعٍ يوم ذاك كساكبه
فيا كبدي الحرّى البسي ثوب حسرةٍ ... فراق الذي تهوينه قد كساك به
كان لأبي نصر غلمان أحداث من الترك، قتلوه بجرجان سنة نيف وسبعين وأربع مئة.
علي بن هشام بن فرخسروا
أبو الحسين المروزي أحد قواد المأمون. قدم دمشق مع المأمون، وكان نديمه، ثم وجد عليه في بعض أموره، فقتله هو وأخاه الحسين بن هشام. وقيل الخليل بن هشام. وله شعر حسن فمنه: البسيط(18/184)
يا موقد النار تذكيها فيخمدها ... قرّ الشتاء بأرياحٍ وأمطار
قم فاصطل النار من قلبي مضرّمةً ... بالشوق تغن بها يا موقد النار
ويا أخا الذّود قد طال الظّماء بها ... ما تعرف الريّ من جدبٍ وإقتار
رد بالعطاش على عيني ومحجرها ... ترو العطاش بدمعٍ واكفٍ جار
إن غاب شخصك عن عيني فلم تره ... فإن ذكرك مقرونٌ بإضمار
وهذا ما قاله لما قال العباس بن الأحنف: البسيط
يا قادح الزند قد أعيت مقادحه ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقياس
فسرق المعنى وقصّر عن إحسان عباس، وعبّر عن المعنى دون عبارته، وإن كان عند نفسه قد زاد عليه.
لما غضبت مراد شاعرة علي بن هشام عليه وهجرته كتب إليها: الطويل
فإن كان هذا منك حقاً فإنني ... مداوي الذي بيني وبينك بالصبر
ومنصرفٌ عنك انصراف ابن حرّةٍ ... طوى ودّه والطيّ أتقى من الشر
فكتبت إليه:
إذا كنت في رقّي هوىً وتملّكٍ ... فلا بدّ من صبر على غصص الصبر
وإغضاء أجفانٍ طوين على القذى ... وإذعان مملوكٍ على الذلّ والقسر
فذلك خيرٌ من معاصاة مالكٍ ... وصبرٍ على الإعراض والصدّ والهجر
وخرجت إليه.
قتل علي بن هشام سنة سبع عشرة ومئتين بأذنة، من الثغور. قتله لسوء سيرته في ولايته الجبال.
مرت جارية لعلي بن هشام بقصره بعدما قتل، فبكت وقالت: السريع
يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشى لأطلالك أن تبلا(18/185)
لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولّى
قد كان لي فيك هوى مرّة ... غيّبه التّرب وما ملاّ
قالت متيم لمراد: قولي أشعاراً ترثين بها مولاي حتى ألحنها ألحان النّوح، وأندبه بها، فقالت عدة أشعار في مراثيه، وباحت بها متيم، فمنها قولها: الخفيف
عين جودي بعبرةٍ وعويل ... للرزيّات لا لعافي الطّلول
لعليّ وأحمدٍ وحسينٍ ... ثم نصرٍ وقبله للخليل
وصنعت فيها ميتم ألحاناً، لم تزال جواريها ونساء آل هاشم ينحن بها عليه. ولقد توفي بعض آل هشام فجاء أهله بنوائح فنحن عليه، فلم يبلغن ما أراد أهله، فقام جواري متيم فنحن بشرع مراد وألحان متيم في النوح، فاشتعل المأتم، واشتد البكاء والصراخ، وكانت ريق جارية إبراهيم بن المهدي حاضرة، فبكت ريق، ثم قالت: رضي الله عنك يا متيم. فقد كنت علماً في السرور، وأنت الآن علم في المصائب.
علي بن هشام الرقي
سمع بدمشق.
حدث عن هشام بن خالد بسنده إلى أبي الدرداء أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله ".
علي بن يحيى بن رافع بن العافية
أبو الحسن النابلسي المعروف بأبي الطيب المؤذن في مئذنة باب الفراديس حدث عن أبي الفضل أحمد بن عبد المنعم بن الكريد ي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل كل من أنهار الجنة ".
توفي أبو الطيب النابلسي سنة ست وأربعين وخمس مئة. كان سقط من المنارة، فبقي ثلاثة أيام، ومات يرحمه الله.(18/186)
علي بن يحيى بن علي بن محمد بن أحمد بن عيسى
ابن زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن العلوي الزيدي حدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن أهل الجنة ليرون من في عليين كما يرون أهل الدنيا الكوكب في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ".
علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم
أبو الحسن أسلم يحيى بن أبي منصور على يد المأمون وخصّ به. وهم من فارس. وأبو الحسن أديب شاعر فاضل مفتنّ في علوم العرب والعجم، وكان جواداً مهرجاً، ونادم المتوكل، وعلت منزلته عنده ولم يزل مع الخلفاء، يكرمونه واحداً بعد واحد إلى أيام المعتمد، وتوفي في سنة خمس وسبعين ومئتين، وله أربع وسبعون سنة، ورثاه عبد الله بن المعتز، وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وهو وأهله وولده وأولادهم في البيت الخطير والأدب والشعر والفضل. وأبو الحسن هو القائل في نفسه: الطويل
علي بن يحيى جامعٌ لمحاسنٍ ... من العم مشغوف بكسب المحامد
فلو قيل هاتوا فيكم اليوم مثله ... لعزّ عليهم أن يجيئوا بواحد
وله: الطويل
سيعلم دهري إذ تنكّر أنني ... صبورٌ على نكرانه غير جازع
وأني أسوس النفس في حال عسرها ... سياسة راضٍ بالمعيشة قانع
كما كنت في حال اليسار أسوسها ... سياسة عفٍّ في الغنى متواضع
وأمنعها الورد الذي لا يليق بي ... وإن كنت ظمآناً بعيد الشرائع
قال علي بن يحيى المنجم: خرجنا مع المتوكل إلى دمشق، فلحقتنا ضيقة بسبب المؤن والنفقات التي كانت تلزمنا، فبعثت إلى بختيشوع، فاقترضت منه عشرين ألف درهم. فلما كان بعد يوم أو(18/187)
يومين دخلت مع الجلساء إلى المتوكل فقال: يا علي، لك عندي ذنب وهو عظيم، قلت: يا سيدي، ما هو؟ فإني لا أعرف لي ذنباً ولا خيانة، قال: بلى، أضقت فاقترضت من بختيشوع عشرين ألف درهم، أفلا أعلمتني؟ قال: قلت: يا مولاي صلات أمير المؤمنين عندي متوافرة، وأرزاقه علي دارّة، واستحييت مع ما قد أنعم الله علينا به من هذا التفضل أن أسأله شيئاً، فقال: إياك أن تستحي من مسألتي، أو الطلب مني، وأن تعاود مثل هذا، ثم قال: مئة ألف درهم بغير صروف، فأحضرت عشر بدر فقال: خذها واتسع بها.
علي بن يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم
أمه امرأة من كلب من ولد زبان يقال لها الحضرميّة.
قال عوانة: كان بالكوفة رجل من أهل البصرة يقال له عمر كسرى، وكان مولى لبني سالم، وكان يتعاطى علم الفرس وأمر كسرى، فسمي لذلك عمر كسرى. قال: فكان هذا عمر قاعداً عند أبي بالكوفة فمر به علي بن يزيد الناقص، فسلّم على أبي، ووقف عليه، فقال عمر كسرى لأبي بعد ما مضى: يا أبا الحكم، ما رأيت أحداً أشبه بصفة كسرى من هذا، فقال له أبي: فتعرفه؟ قال: لا، قال: هذا علي بن يزيد الناقص. وكان عمر كسرى هذا بالأهواز عند عاملها سعيد بن عبد الله الكوفي، فجعل عمر يحدث عن كسرى وعن نسائه، فقال له العامل: فكم أمهات المؤمنين اللاتي قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم عنهن؟ قال: لا أدري، قال: أنت رجل من المسلمين تعرف نساء كسرى، ولا تعرف نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم؟! لا، والله، لا تخرج من الحبس حتى تأتيني بأسمائهن وأنسابهن وتعرفهن، قال: فحبسه حتى تعلم ذلك.
وأم يزيد الناقص بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى، فمن هنالك أتى علياً شبهه.(18/188)
علي بن يزيد بن أبي هلال
أبو عبد الملك ويقال أبو الحسن الألهاني من أهل دمشق.
حدث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض العلم، قبل أن يرفع العلم "، ثم جمع بين أصبعيه: الوسطى والتي تلي الإبهام، ثم قال: " فإن العالم والمتعلم كهاته من هاته شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس بعد ".
وحدث عنه عن أبي أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يقول:
" ما استفاد المسلم فائدة بعد تقوى الله عزّ وجلّ خير له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرّته، وإن أقسم عليها أبرّته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ".
ضعّفه قومه.
علي بن يعقوب بن إبراهيم
ابن شاكر بن زامل، أبو القاسم الهمداني، المعروف بابن أبي العقب، مولى بني معيوف أحد الثقات.
حدث عن أبي زرعة بسنده إلى نمير الخزاعي أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعداً في الصلاة واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، رافعاً أصبعه السّبابة، قد حناها شيئاً وهو يدعو.
ومن شعره: الوافر
أنست بوحدتي وقصدت ربّي ... فدام العزّ لي ونما السرور
وأدّبني الزمان فما أبالي ... هجرت فلا أزار ولا أزور
متى تقنع تعش ملكاً عزيزاً ... يذلّ لعزّك الملك الفخور(18/189)
ولست بقائلٍ ما دمت حياً ... أسار الجند أم ركب الأمير
توفي ابن أبي العقب سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة. وكان ثقة، مأموناً، حافظاً، مشهوراً. وقيل: مات سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.
علي بن يعقوب بن عمرو
ابن يعقوب بن عيسى بن منصور، أبو الحسن الربعي قدم دمشق.
وحدث عن زهير بن محمد بن قمير بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أتى الغائط فليستتر، ومن لم يجد إلا كثيباً من رمل، فليجمعه وليستتر به، فإن الشيطان يتلاعب بمقعدة ابن آدم ".
علي بن يعقوب بن يوسف بن عمران
أبو الحسن القزويني البلاذري قدم دمشق سنة أربع وسبعين وثلاث مئة.
وحدث بها عن أبي سعيد الحسن بن أحمد بن المبارك الطوسي بسنده إلى أنس بن مالك قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل رجب بجمعة فقال: " أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر عظيم، شهر رجب، شهر الله الأصم، تضاعف فيه الحسنات، وتستجاب في الدعوات، وتفرج فيه الكربات لا تردّ فيه للمؤمن دعوة، فمن اكتسب فيه خيراً ضوعف له فيه أضعافاً مضاعفة " والله يضاعف لمن يشاء ". فعليكم بقيام ليله، وصيام نهاره، فمن صلّى في يوم فيه خمسين صلاة، يقرأ في كل ركعة ما تيسّر من القرآن أعطاه الله من الحسنات بعدد الشفع والوتر، وبعدد الشعر والوبر، ومن صام يوماً كتب له به صيام سنة، ومن خزن فيه لسانه لقنه الله حجته عند مساءلة منكر ونكير، ومن تصدّق فيه بصدقة كان بها فكاك رقبته من النار، ومن وصل فيه رحمه(18/190)
وصله الله في الدنيا والآخرة، ونصره على أعدائه أيام حياته، ومن عاد فيه مريضاً أمر الله كرام ملائكته بزيارته، والتسليم عليه، ومن صلّى فيه على جنازة فكأنما أحيا موءودة، ومن أطعم مؤمناً طعاماً أجلسه الله يوم القيامة على مائدة عليها إبراهيم ومحمد صلّى الله عليهما، ومن سقى شربة من ماء سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمناً كساه الله تعالى ألف حلّة من حلل الجنة، ومن أكرم يتيماً، ومسح يده على رأسه غفر الله بعدد كل شعر مستها يده، ومن استغفر الله عزّ وجلّ فيه مرة واحدة غفر الله عزّ وجلّ له، ومن سبّح الله تسبيحة أو هلّله تهليلة كتب عند الله من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، ومن ختم فيه القرآن مرّة واحدة ألبس هو ووالداه يوم القيامة كل واحد منهم تاجاً مكلّلاً باللؤلؤ والمرجان، وأمن من فزع يوم القيامة.
هذا حديث منكر.
علي بن يوسف بن عبد الله بن يوسف أبو الحسن الجويني
أخو الشيخ أبي محمد، وعم الإمام أبي المعالي الجويني يعرف بشيخ الحجاز، قدم دمشق، وسمع بها.
وحدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بسنده عن بريدة أن رجلاً قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، أفي الجنة خيل، فإن الخيل تعجبني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنك إن تشأ تركب الخيل تؤت بفرس من ياقوتة حمراء فتطير بك في الجنة حيث شئت "، فقال رجل آخر: يا رسول الله، أفي الجنة إبل؟ فإنه تعجبني الإبل فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: " إنك إن دخلت الجنة فإن فيها ما اشتهت نفسك، ولذت عينك ".
ورد الخبر بوفاة أبي الحسن الجويني سنة ثلاث وستين وأربع مئة.
علي الجرجرائي
رجل من العباد. كان يكون بجبل لبنان. روي أن بشراً الحافي لقي علياً الجرجرائي بجبل لبنان على عين ماء. قال: فلما أبصرني قال: بذنبٍ مني لقيت اليوم(18/191)
إنسياً، فعدوت خلفه، وقلت: أوصني، فالتفت إليّ وقال: أمستوصٍ أنت؟ عانق الفقر، وعاشر الصبر، وعاد الهوى، وعف الشهوات، واجعل بيتك أخلى من لحدك يوم تنقل إليه. على هذا طاب المسير إلى الله.
عمارة بن أحمر المازني
له صحبة، ووفادة على سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
حدثت قتيلة بنة جميع المازنية بسندها إلى عمارة بن أحمر المازني قالت قتيلة: وأنا من ولده قال: كنت في إبل في الجاهلية أرعاها، فغارت علينا خيل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجمعت إبلي وركبت الفحل، فتفاج يبول فنزلت عنه، وركبت ناقة، فنجوت عليها، واستاقوا الإبل، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلمت فردّها عليّ، ولم يكونوا اقتسموها. قال جوّاب بن عمارة: فأدركت أنا وأخي الناقة التي ركبها عمارة يومئذ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال الجراح: وسمعت بعض المازنيين يقول: الماء كانوا عليه عجلز فوق القريتين.
عمارة بن بشر
أظنه من أهل دمشق.
حدث عن عب الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده إلى أوس بن أوس الثقفي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من غسل يوم الجمعة واغتسل، وغدا، واقترب ومشى ولم يركب، وأنصت ولم يلغ كتب الله له بكل خطوة عبادة سنة صيامها وقيامها ".
وحدث عن الأوزاعي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما من أمير إلا وله بطانتان من أهله: بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً وهو من التي تغلب عليه منهما ".(18/192)
وحدث عن أبي بشر شيخٌ من أهل البصرة قال: كنت آتي معاذة العدوية، وأحف بها فأتيتها يوماً فقالت: يا أبا بشر، ألا أعجبك؟ شربت دواء للمشي فاشتد بطني، فنعت لي نبيذ الجر فائتني منه بقدح، فأتيتها بقدح نبيذ جر، فدعت بمائدتها، فوضعت القدح عليها، ثم قالت: اللهم، عن كنت تعلم أني سمعت عائشة تقول: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن نبيذ الجر فاكفنيه بما شئت. قال: فانكفأ القدح، فأهرق بما فيه، وأذهب الله ما كان في بطنها. قال: وأبو بشر حاضر لذلك.
روي عن عمارة بن بشر حديث في سنة مئتين.
عمارة بن تميم اللّخمي
ويقال: القتبي كان من عقلاء العرب، ووفد على عبد الملك مع الحجاج بن يوسف، وولاه فلسطين.
قال المدائني: كان الحجاج رجلاً حسوداً لا تتم له صنيعة حتى يكدرها، أو يفسدها. فلما وجه عمارة بن تميم إلى ابن الأشعث، ومعه محمد بن الحجاج بالفتح، فحسده الحجاج. وعرف عمارة ذلك منه وكره منافرته. وكان عاقلاً فجعل يداريه ويقول: أنت أصلح الله الأمير ت أشرف العرب، من شرّفته شرف، ومن وضعته اتضع، وما من العرب أحد ينكر أن شرفه وسؤدده بك، وإنما كان الذي كان من الفتح بيمنك وبكرتك وتدبيرك ومشورتك، وليس أحدق أشكر للأيادي مني. فلما عزم الحجاج على الوفادة إلى عبد الملك أخرج معه عمارة بن تميم، فلم يزل عمارة يلطف الحجاج في مسيره، ويعظمه حتى قدموا على عبد الملك، فقامت الخطباء بين يدي عبد الملك في أمر الفتح، ثم قام عمارة، فقال: سل الحجاج عني يا أمير المؤمنين، وعن طاعتي وبلائي، فقال الحجاج: من بأسه يا أمير المؤمنين وغنائه ونجدته ومكيدته، أيمن الناس نقيبة، وأرفعهم تدبيراً وسياسة، وجعل(18/193)
يقرظه ولا يتركه، فقال عمارة: أرضيت يا أمير المؤمنين، قال: نعم، ورضي الله عنك. قال عمارة: فلا رضي الله عن الحجاج ولا عافاه فهو والله الأخرق، السيء التدبير، الذي أفسد عليك العراق خرقه، وقلة عقله، وضعف رأيه، ولك والله يا أمير المؤمنين أمثالها إن لم تعزله، فقال الحجاج: مه يا عمارة، فقال: لا مه، لا مه، يا أمير المؤمنين كل امرأة له طالق وكل مملوك له حرّ إن سار تحت راية الحجاج أبداً. قال عبد الملك: ما عندنا أوسع لك. فلما انصرف عمارة إلى منزله أرسل إليه الحجاج أني قد علمت أنه لم يخرج هذا الكلام إلا لمعتبة فانصرف معنا ولك العتبى، فأرسل إليه عمارة: ما ظننت أن السخف يبلغ بك ما أرى، أتتوهم أني راجع معك بعد قولي لك عند أمير المؤمنين ما قلت؟ فولاه عبد الملك فلسطين.
عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو
ابن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار أبو عبد الله الأنصاري النجاري له صحبة. شهد بدراً والعقبة وأحداً والخندق، والشاهد كلها. وكانت معه راية بني مالك بن النجار في غزاة الفتح. وروى عن سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثاً. وقيل إنه وفد على معاوية، ولم يصح ذلك.
حدث زياد بن نعيم أن ابن حزم إما عمارة وإما عمرو قال: رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا متكئ على قبر فقال: " قم، لا تؤذ صاحب القبر أو يؤذيك ".
وعن عمارة بن حزم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " أربع من جاء بهن مع إيمان كان مع المسلمين، ومن لم يأت بواحدة لم تنفعه الثلاثة "، قلت: لعمارة بن حزم: ما هن؟ قال: الصلاة والزكاة وصوم رمضان.
وأم عمرو وعمارة خالدة بنت أنس بن سنان بن وهب بن لوذان، من بني ساعدة،(18/194)
وكان عمارة بن حزم وأسعد بن زرارة وعون بن عفراء حين أسلموا يكسرون أصنام بني مالك بن النجار. وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين عمارة بن حزم ومحرز بن نضلة. وخرج مع خالد بن الوليد إلى أهل الردة، فقتل يوم اليمامة شهيداً في خلافة أبي بكر الصديق سنة اثنتي عشرة، وليس لعمارة عقب.
وعن أم سلمة قالت: كانت الأنصار الذين يكثرون ألطاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وعمارة بن حزم، وأبو أيوب، وذلك لقرب جوارهم من سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان لا يمر يوم إلا ولبعضهم هدية تدور مع النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث دار، وجفنة سعد بن عبادة تدور حيث دار، لا يغبّها ليلة. ويقال: إن عمارة أدرك خلافة معاوية، ومات فيها وقد ذهب بصره.
عمارة بن راشد بن مسلم
ويقال: ابن راشد بن كنانة الليثي مولاهم من أهل دمشق.
حدث عمارة بن راشد بن مسلم الكناني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن شرار أمتي الذي غذوا بالنعيم، ونبتت عليه أجسامهم ".
وعن عمارة بن راشد عن الغاز بن ربيعة رفع الحديث قال: ليمسخن قوم، وهم على أريكتهم قردة وخنازير بشربهم الخمر، وضربهم بالبرابط، والقيان.
وحدث عن عبد الأعلى السلمي عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ما من عبد يموت فيترك أصفر أو أبيض إلا كوي به ".
وعن عمارة بن راشد الكناني من أهل دمشق عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل هل يمس أهل الجنة أزواجهم فقال: " نعم بذكر لا يمل، وفرج لا يخفى، وشهوة لا تنقطع ".(18/195)
وحدث عمارة بن راشد الطائي قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز في حرسه، فأتي بمزودين من دنانير ودراهم، بعث بها صاحب بيت الضرب بدمشق، لينظر إليها، قال: وذلك كانوا يفعلون عند رأس كل سنة، فقال عبد الأعلى: يا أمير المؤمنين، لو أمرت به فصبّ على نطع، فتنظر إليه، فتحمد الله تعالى، قال: نعم، فأمر بنطع فبسط، ثم صبّ كل واحدٍ منهما على حدة، فنظر إليه القوم، ثم قال عبد الأعلى: يا أمير المؤمنين، ألا أحدثك حديثاً حدثنيه أبو أمامة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال أبو أمامة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ما من عبد يموت فيترك أصفر أو أبيض إلا كوي به "، فقال عمر: اللهم، غفراً، إنما كان ذلك قبل أن تنزل الزكاة إني لأحتسب من الله، لا يرزق عبد مؤمني مالاً فيؤدي زكاته أن يعذبه عليه. قال: وفي السماط عراك بن مالك، فوثب على ركبتيه، فاستقبل القوم فقال: يا أمير المؤمنين، بل ذلك لا شك، فرددها مرتين أو ثلاثاً مصدقاً لعمر بن عبد العزيز.
هكذا وقع: الطائي. قال: وصوابه الكناني.
عمارة بن سلمان
قال عمارة: قام فينا عبد الله بن مسعود على درج كنيسة دمشق في يوم خميس، فقال: يا أيها الناس، عليكم بالعلم قبل أن يرفع، وإنّ من رفعه أن يقبض أصحابه. وإياكم والتبدّع والتنطّع، وعليكم بالعتيق، فإنه سيكون في آخر هذه الأمة أقوام يدعون إلى كتاب الله، وقد تركوه خلف ظهورهم.
عمارة بن صالح
حكى عن مكحول أنه قال: يصنع المري من العصير حين يعصر؛ يقول: العصير حلاله.(18/196)
عمارة بن عقيل أبو إسحاق العقيلي
وفد على عبد الملك بن مروان.
حدث عمارة قال:
كنا نجلس عند الكعبة وعبد الملك بن مروان يجالسنا، من رجل عذب اللسان، لا يمل جليسه حديثه، فقال لي ذات يوم: يا أبا إسحاق، إنك إن عشت فسترى الأعناق إلي مادة، والآمال إلي سامية. ثم قام، فنهض من عندنا، فأقبلت على جلسائي فقلت: ألا تعجبون من هذا القرشي، يذهب بنفسه إلى معالي الأمور، وإلى أشياء لعله لا ينالها؟! قال: فلا والله ما ذهبت الأيام حتى قيل لي إنه قد أفضت الخلافة إليه، فذكرت قوله فتحمّلت إليه، فوافيت دمشق يوم جمعة، فدخت المقصورة، فإذا أنا وقد خرج علي من الخضراء فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، فبينما هو يخطب إذ نظر إلي ثم أعرض عني، فساءني ذلك، فنزل وصلى، ودخل الخضراء، فما جلست إلا هنيهة حتى خرج غلامه: أين عمارة العقيلي؟ قلت: هذا أنا ذا، قال: أجب أمير المؤمنين، فدخلت إليه، فسلمت عليه بالخلافة، فقال لي: أهلاً وسهلاً وناقة ورحلاً، كيف كنت بعدي؟ وكيف كنت في سفرك؟ وكيف من خلفت؟ لعلك أنكرت إعراضي عنك، فإن ذلك موضع لا يحتمل إلا ما صنعت، يا غلام، بوّئ له بيتاً معي في الدار، فأنزلني بيتاً، فكنت آكل معه وأسامره حتى مضت لي عشرون يوماً، فقال لي: يا أبا إسحاق، قد أمرنا لك بعشرين ألف دينار، وأمرنا لك بحملان وكسوة، فلعلك قد أحببت الإلمام بأهلك، ثم الإذن في ذلك إلينا، أتراني حققت أملك أبا إسحاق؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، وإنك لذاكر لذلك؟ قال: إي والله، وإن تمادى به عهد، قلت: يا أمير المؤمنين، أكان عندك فيما قلت عهدٌ أو بماذا؟ قال: بثلاث اجتمعن فيّ، منها إنصافي لجليسي في مجلسي، ومنها أني ما خيرت بين أمرين قط إلا اخترت أيسرهما، ومنها قلة المراء.(18/197)
عمارة بن عمرو بن حزم بن زيد
ابن لوذان الأنصاري النجاري وفد على معاوية مع أخيه محمد بن عمرو.
حدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يوشك أن يأتي زمان يغربل فيه الناس غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا، فكانوا هكذا "، فشبّك أصابعه. قالوا: كيف بنا يا رسول الله؟ قال: " تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم ".
حدث الجمحي أن عمارة بن حزم وأخاه قدما في وفد على معاوية. فلما أذن لهم قالا: إنا نحب أن ندخل عليه خالياً، نذكر له حاجتنا، فقيل له، فقال: نعم، فليأتيا في ساعة كذا وكذا، فدخل أكبرهما فقال: يا أمير المؤمنين، قد كبرت سنّك، ورقّ عظمك، واقترب أجلك، فأحببت أن أسألك عن رجال قومك وعن الخليفة من بعدك وكان معاوية يشتد عليه أن يقال: كبرت سنّك أن يشك في الخليفة أنه يزيد فقال معاوية: نعيت لأمير المؤمنين نفسه، وسألته عن خبيّ سرّه، وشككت أنه الخليفة بعده، أخرجوه. فلما خرج قال له أخوه: ما أردت بهذا، ما لهذا قدمت، قال معاوية: نبئوه يرجع إلى أهل المدينة فيقول: سألت أمير المؤمنين عن شيء يعنى به، فقال: أدخلوه، فدخل فقال: سألتني عن رجال قومي، فأعظمهم حلماً الحسن بن علي، وفتاهم عبد الله بن عامر، وأشدهم خباً هذا الضب يعني: ابن الزبير والخليفة بعدي يزيد، قال: وقال له أبو أيوب الأنصاري: اتق الله، ولا تستخلف يزيد، قال: امرؤ ناصح، وإنما أشرت برأيك، وإنما هم أبناؤهم فابني أحب إليّ من أبنائهم، ثم قال: يا أبا أيوب، أرأيت الفرس البلقاء التي كان من أمرها يوم كذا وكذا، من قتل صاحبها؟ قال: أنا قتلت صاحبها، وأنت وأبوك يومئذ بأيديكما لواء الكفر. قال معاوية: عمرك الله ما أردت بهذا.(18/198)
وأم عمارة سالمة بن ت خنتم بن هشام بن خلف بن قوالة بن طريف، من بني ليث.
وحدث عمارة بن حزم عن أبيّ بن كعب قال:
بعثني النبي صلّى الله عليه وسلّم على صدقة بليّ وعذرة، فمررت برجل من بليّ، له ثلاثون بعيراً، فقلت: إن عليك في إبلك هذه ابنة مخاض، فقال: ذلك ما ليس فيه ظهر ولا لبن، وما قام في مالي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأخذ منه. قال: وإني لأكره أن أقرض الله شرّ مالي فخبّره، فقال أبيّ بن كعب: ما كنت لآخذ فوق ما عليك، وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأته، فأتاه فقال نحو ما قال لأبي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هذا ما عليك، فإن جئت فوقه قبلنا منك، فقال: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هذه ناقة عظيمة سمينة فمن يقبضها، فأمر من يقبضها ودعا له في ماله بالبركة. قال عمارة: فضرب الدهر من ضربانه، وولاّني مروان صدقة بلّي وعذرة في زمن معاوية، فمررت بهذا الرجل فصدقت ماله ثلاثي حقّة فيها فحلها، على ألف وخمس مئة بعير.
قال ابن إسحاق: قلت لابن أبي بكر: ما فحلها؟ قال: ألا أن يكون في السنّة إذا بلغ صدقة الرجل ثلاثين حقة أخذ معها فحلها.
قتل عمارة بن عمرو بالحرّة، وكانت الحرّة سنة ثلاث وستين.
عمارة بن نابت
ويقال: ثابت بن أبي حفصة أبو روح ويقال: أبو الحكم الأزدي البصري مولى العتيك قبيلة من الأزد حدث عن عكرمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر.
وبه قالت: كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بردان قطريان غليظان، فكان إذا قعد فيهما عرق، ثقلا عليه، قدم فلان يهودي ببزّ من الشام، قالت عائشة: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فبعث إليه فقال: قد علمت ما يريد، إنما يريد أن يذهب بهما أو(18/199)
يذهب بمالي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " كذب، قد علم أني من أتقاهم لله وأدّاهم للأمانة ".
قال عمارة بن أبي حفصة: دخلت على عمر في مرضه، وعليه قميص قد اتسخ جيبه وتخرّق، فدخل مسلمة، فقال لأخته فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر: ناوليني قميصاً غير هذا حتى يلبسه أمير المؤمنين، فإن الناس يدخلون عليه، فقال عمر: دعها يا مسلمة، فما أصبح ولا أمسى لأمير المؤمنين ثوب غير الذي ترى عليه.
قال علي بن عاصم: قال لي شعبة: عليك بعمارة بن أبي حفصة، فإنه غني لا يكذب، قال: فقلت: كم غني يكذب! توفي عمارة سنة اثنتين وثلاثين.
عمارة القرشي البصري
وفد على عمر بن عبد العزيز.
حدث عن أبي بردة قال: وفدنا إلى الوليد بن عبد الملك، وكان الذي يقبل في حوائجي عمر بن عبد العزيز. فلما قضيت حوائجي أتيته فودعته، وسلمت عليه، ثم مضيت، فذكرت حديثاً حدثني به أبي سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأحببت أن أحدثه به، فرجعت إليه. فلما رآني قال: لقد ردّ الشيخ حاجة. فلما قربت منه قال: ما ردّك؟ أليس قد قضيت حوائجك؟ قال: قلت: بلى، ولكنّ حديثاً سمعته من أبي سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأحببت أن أحدثك به، لما أوليتني، قال: وما هو؟ قال: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا كان يوم القيامة مثّل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا، ويبقى أهل التوحيد، فيقال لهم: ما تنتظرون وقد ذهب الناس؟ فيقولون: إن لنا رباً كنا نعبده في الدنيا لم نره، قال: وتعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقال لهم، وكيف تعرفونه ولم تروه؟ قال: إنه لا شبه له، قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إلى الله تبارك(18/200)
وتعالى، فيخرون له سجّداً، ويبقى أقوام في ظهورهم مثل صياصي البقر، فيريدون السجود، فلا يستطيعون، فذلك قول الله عزّ وجلّ " يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السّجود فلا يستطيعون " ويقول الله عزّ وجلّ وتعالى: " عبادي، ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلت فداء كل رجل منكم رجلاً من اليهود والنصارى في النار "، فقال عمر بن عبد العزيز: الله الذي لا إله إلا هو لحدثك أبوك بهذا الحديث سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فحلفت له ثلاثة أيمان على ذلك، فقال عمر: ما سمعت من أهل التوحيد حديثاً هو أحبّ إليّ من هذا.
وفي حديث آخر بمعناه:
يجمع الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة، فإذا بدا لله أن يصدع بين خلقه مثّل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يقحمون النار، ثم يأتينا ربنا عزّ وجلّ ونحن على مكان رفيع فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون، فيقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربّنا عزّ وجلّ، فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: نعم، إنه لا عدل له، فيتجلّى لنا عزّ وجلّ ضاحكاً. الحديث.
عمّار بن الحسين الدمشقي
حدث عن إبراهيم بن هدبة عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا رأيتم صاحب بدعة فاكفهرّوا في وجهه، فإن الله يبغض كل مبتدع، ولا يجوز أحد منهم الصراط، ولكن يتهافتون في النار مثل الجراد والذبان ".
عمار بن محمد بن الحسن
أبو القاسم الداراني حدث في جامع دمشق عن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي بسنده إلى البراء بن عازب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا أراد الله عزّ وجلّ بعبده خيراً علّمه هؤلاء الكلمات، ثم لم ينسهن إياه: اللهم،(18/201)
إني ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضاي، اللهم، إني ضعيف، فقوّني، وذليل فأعزّني، وفقير فاغنني وارزقني.
عمار بن محمد بن مخلد بن جبير بن عبد الله
ابن إسماعيل بن سعد بن ربيعة بن كعب بن مرة، أبو ذر التميمي البغدادي سمع بدمشق وغيرها.
حدث سنة ست وثمانين وثلاث مئة عن محمد بن هارون الحضرمي بسنده إلى ميمونة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: سكبت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضوءاً من الجنابة، فغسل يديه مرتين أو ثلاثاً، فأفرغ على فرجه، فغسل شماله، وضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفّيه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده.
توفي أبو ذر في صفر سنة سبع وثمانين وثلاث مئة، وقيل سنة ثمان وثمانين.
قال الخطيب: والأول أصح.
عمار بن نصر
أبو ياسر السعدي المروزي سمع بالشام وبغيرها.
حدث عن بقية بن الوليد بسنده إلى أبي كبشة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه النظر إلى الأترج وإلى الحمام الأحمر.
توفي أبو ياسر سنة تسع وعشرين ومئتين ببغداد.(18/202)
عمار بن نصر بن ميسرة بن أبان السلمي ثم الظفري
والد هشام بن عمار.
حدث عن عباد بن كثير عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما أمطرت السماء، وأنبتت الأرض، وسنشو نشوّ من قبل المشرق يقولون: لا جهاد ولا ورباط، أولئك هم وقود النار، بل رباط يوم في سبيل الله خير من عتق ألف رقبة، ومن صدقة أهل الأرض جميعاً ".
وحدث عن عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس بن مالك عن سلامة حاضنة إبراهيم بن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنها قالت: يا رسول الله، إنك تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء، قال: " أصويحباتك دسسنك لهذا؟ " قالت: أجل، هنّ أمرنني، قال: " أما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملاً من زوجها وهو عنها راض أنّ لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله عزّ وجلّ؟ وإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء والأرض ما أخفي لها من قرّة أعين، فإذا وضعت لم يخرج من لبنها جرعة ولم يمصّ من ثديها مصّة إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصّة حسنة، فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهم في سبيل الله عزّ وجلّ، سلامة، تدرين من أعني بهذا؟ هذا للمتقنعات، الصالحات، المطيعات لأزواجهن، اللواتي لا يكفرن العشير ".(18/203)
عمار بن ياسر بن عامر
ابن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن الأكبر بن تامر بن عنس وهو زيد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو اليقظان العنسي، مولى بني مخزوم، صاحب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قديم إسلامه، طويلة صحبته. شهد بدراً والمشاهد بعدها، وقدم مع عمر الجابية. وأمه سمية بنت خباط، أمةٌ لبني مخزوم. شهد الجمل وصفين، وقتل يوم صفين مع علي بن أبي طالب.
حدث عمار بن ياسر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
" من كان ذا وجهين في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة ".
حدث محمد بن عمار بن ياسر قال: رأيت أبي عمار بن ياسر صلى بعد المغرب ست ركعات، فقلت: يا أبه، ما هذه الصلاة؟ فقال: رأيت حبيبي صلّى الله عليه وسلّم صلى بعد المغرب ست ركعات ثم قال: من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر.
وكان ياسر بن عامر قدم وأخواه الحارث ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخاً لهم، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وزوّجه أبو حذيفة أمةً له يقال لها: سمية بنت خباط، فولدت له عماراً، فأعتقه أبو حذيفة، ولم يزل ياسر وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات،(18/204)
وجاء الله بالإسلام، فأسلم ياسر وسمية وعمار وأخوه عبد الله بن ياسر، وكان لياسر ابن آخر أكبر من عمار وعبد الله يقال له حريث قتله بنو الدئل في الجاهلية، وخلف على سمية بعد ياسر الأزرق، وكان رومياً غلاماص للحارث بن كلدة الثقفي، وهو ممن خرج يوم الطائف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم مع عبيد أهل الطائف، وفيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فولدت سمية للأزرق سلمة بن الأزرق، وهو أخو عمار لأمه، ثم ادعى ولد سلمة وعمر وعقبة بني الأزرق أن الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبي شمر من غسان، وأنه حليف لبني أمية، وشرفوا بمكة، وتزوج الأزرق، وولده في بني أمية، وكان له منهم أولاد. وكان بنو الأزرق في أول أمرهم يدّعون أنهم من بني تغلب ثم من بني عكبّ، فأفسدتهم خزاعة ودعوهم إلى اليمن، وزينوا لهم ذلك، وقالوا: أنتم لا يغسل عنكم ذكر الروم إلا أن تدّعوا أنكم من غسان، فانتموا إلى غسان بعد.
قال ابن الكلبي: هو من عنس بن زيد بن مذحج، من السابقين الأولين، والمعذبين في الله، ذو الهجرتين، مختلف في هجرته إلى الحبشة، بدريّ، لم يشهد بدراً ابن مؤمنين غيره، وكانت سمية أول شهيدة في الإسلام طعنها أبو جهل بحربة في قبلها فقتلها وهي سمية بنت سلم بن لحي. وكان آدم، طوالاً، أصلع، في مقدم رأسه شعرات، وفي مؤخره شعرات، مجدّع الأنف، سماه النبي صلّى الله عليه وسلّم الطيّب الطيّب، ورحّب به وقال: ملئ إيماناً إلى مشاشه، وضرب خاصرته وقال: هذه خاصرة مؤمنة، وقال: من حقر عماراً حقره الله. شهد المشاهد كلها، بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة أميراً، وقتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين، وهو ابن نيف وتسعين سنة. ومرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعمار وأبيه وأمه وهم يعذّبون فقال: اصبروا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة. ونزل فيه آيات من القرآن، فمن ذلك أن المشركين أخذوه وعذبوه حتى سبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم جاءه وذكر ذلك له فأنزل الله فيه " إلاً من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " الآية. وآخى سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين حذيفة بن اليمان.(18/205)
وقال عمار: كنت ترباً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسنّه، لم يكن أقرب به سناً مني.
قال عبد الله بن سلمة: رأيت عماراً يوم صفين شيخاً كبيراً، آدم، طوالاً، أخذ الحربة بيده، ويده ترعد فقال: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أن مصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة، وقال أبو بكر: على الباطل.
قال سليط بن سليط الحنفي: كنت مع علي بن أبي طالب، وأنا يومئذٍ حدث السن، ولحداثتي لا أعرف عماراً، فبينا أنا ذات يوم قاعد بالكناسة إذ خرج علينا رجل آدم، طوال، جعد الشعر، فيه حبشية، فسلّم ثم تأمّل الناس، قال: " ومن آياته أن خلقكم من ترابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون " ما أحسن أن يقول العبد: سبحان الله، عدد كلّ ما خلق، فقلت كما قال، ثم انصرف، فوصفت صفته، فقالوا: هذه صفة عمار، أو قالوا: هذا عمار.
وكان عمار آدم، طوالاً، مضطرباً، أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، لا يغير شيبه.
قال عمار بن ياسر: لقد رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر.
قال عمار بن ياسر:
لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها، فقلت له: ما تريد؟ قال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردت أن أدخل على محمد فأسمع كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، فدخلنا عليه، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا ونحن مستخفون. فكان إسلام عمار وصهيب بعد بضعة وثلاثين رجلاً.(18/206)
قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وبلال، وخبّاب، وصهيب وعمار، وسمية أم عمار.
وفي رواية: والمقداد، ولم يذكر خباب.
فأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعه الله بعمّه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما الآخرون فأخذهم المشكرون فألبسهم أدارع الحديد، وصهروهم في الشمس، حتى بلغ الجهد منهم كلّ مبلغ، حتى جعل يسيل منهم الصديد، فأعطوهم ما سألوا، فجاء إلى كل رجل منهم قومه فأنطاع الأدم فيها الماء، فألقوهم فيها ثم حملوا بجوانبه إلا بلال. فلما كان العشيّ جاء أبو جهل، فجعل يشتم سمية ويرفث وفي رواية: فجاء أبو جهل عدو الله بحربته، فجعل يبوك بها في قبل سمية حتى قتلها، وكانت أول شهيدة قتلت في الإسلام إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله عزّ وجلّ، فجعلوا في عنقه حبلاً، ثم أمروا صبيانهم فاشتدوا به بين أخشبي مكة، وجعل يقول: أحد أحد.
قال شيبان: فقال القوم ما أرادوا منهم غير بلال. فلما أعياهم كتفوه، وجعلوا في عنقه حبلاً من ليف، وأعطوه غلمانهم، فجعلوا يجرونه بمكة، ويلعبون. فلما أعياهم وأملّهم تركوه، فقال عمار: كلنا قد قال ما أريد منه غير بلال هانت عليه نفسه في الله، ولكن الله تداركنا منه برحمة.
قال عروة بن الزبير: كان عمار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذّبون بمكة ليرجع عن دينه، والمستضعفون قوم لا عشائر لهم بمكة، وليست هم منعة ولا قوة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء بأنصاف النهار ليرجعوا عن دينهم.(18/207)
قال عمر بن الحكم: كان عمار بن ياسر يعذّب حتى لا يدري ما يقول، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقولن وكان أبو فكيه يعذّب حتى لا يدري ما يقول، وبلال وعامر بن فهيرة وقوم من المسلمين وفيهم نزلت هذه الآية " والّذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ".
وعن عثمان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار ولأبيه ولأمه وهم بمكة والمشركون يعذبونهم: " صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة ".
وفي رواية أخرى: " اللهم، اغفر لآل ياسر وقد فعلت ".
قال مسدّد: ولم يكن من المهاجرين أحد أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر. قالوا: وهذا وهم من مسدّد، فإن أبوي أبي بكر كانا مسلمين: أبو قحافة وأم الخير.
وعن عمرو بن ميمون قال: عذب المشركون عماراً بالنار، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يمرّ به، فيمرّ يده على رأسه، ويقول: " يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية ".
قال محمد بن كعب القرظي: أخبرني من رأى عمار بن ياسر متجرداً من سراويل، قال: فنظرت إلى ظهره فيه خيط كبير، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة.
وعن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عماراً فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكر آلهتهم بخيرفتركوه، فقال(18/208)
له النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عمار، ما وراءك؟ " قال: شرٌّ يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم، فقال: " فكيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئناً بالإيمان قال: " إن عادوا فعد ". قال: فأنزل الله عزّ وجلّ " من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " قال: ذاك عمار بن ياسر " ولكن من شرح بالكفر صدراً " عبد الله بن أبي سرح.
وعن محمد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لقي عماراً، وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول: " أخذك الكفار، فغطوك في النار، فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم ".
وعن قتادة: في قوله عزّ وجلّ " من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " قال: ذكر لنا أنها نزلت في عمار. أخذه بنو المغيرة، فغطوه في بئر ميمون حتى أمسى، فقالوا: أكفر بمحمد، وأشرك، فتابعهم على ذلك، وقلبه كاره، فأنزل الله هذه الآية " ولكن من شرح بالكفر صدراً " يقول: من أتاه على خيار استحباباً له فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.
قال ابن إسحاق: وبلغني أن عمار بن ياسر قال وهو يذكر بلال بن رباح وأمه حمامة وأصحابه، وما كانوا فيه من البلاء وعتاقة أبي بكر إياهم فقال: الطويل
جزى الله خيراً عن بلالٍ وصحبه ... عتيقاً وأخزى فاكهاً وأبا جهل
عشية همّا في بلالٍ بسوءةٍ ... ولم يحذروا ما يحذر المرء ذو العقل
بتوحيده ربّ الأنام وقوله: ... شهدت بأنّ الله ربّي على مهل
فإن يقتلوني يقتلوني ولم أكن ... لأشرك بالرحمن من خيفة القتل(18/209)
فيا ربّ إبراهيم والعبد يونسٍ ... وموسى وعيسى نجّني ثم لا تمل
لمن ظلّ يهوى الغيّ من آل غالبٍ ... على غير برٍّ كان منه ولا عدل
وعن عكرمة " وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم " قال: جاء آل شيبة وعتبة ابنا ربيعة ونفرٌ معهما سمّاهم أبا طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمداً يطرد موالينا وحلفاءنا، فإنما هم عبيدنا وعسفاؤنا كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، فأتى أبو طالب النبي صلّى الله عليه وسلّم فحدثه بالذي كلموه، فانزل الله عزّ وجلّ " وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ " قال: وكانوا بلالاً وعمار بن ياسر مولى حذيفة بن الغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة بن عتبة، وصبيحاً مولى أسيد، ومن الحلفاء ابن مسعود، والمقداد بن عمرو وغيرهم.
وعن ابن جريج " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليلٌ منهم " في عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر عن عكرمة.
وعن ابن عباس في قوله: " أمن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجداً وقائماً " قال: نزلت في عمار بن ياسر.
وعن مجاهد في قوله: " ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم من الأشرار " قال: يقول أبو جهل في النار: أين عمار، أين بلال؟.(18/210)
وعن عكرمة في قوله: " أفمن يلقى في النّار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة " قال: نزلت في عمار بن ياسر وفي أبي جهل.
وقال: في أبي جهل وعمار " أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها ".
وعن القاسم قال: أول من أفشى القرآن بمكة من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن مسعود، وأول من بنى مسجداً يصلى فيه عمار بن ياسر، وأول من أذّن للمسلمين بلال، وأول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود، وأول من رمى بسهم رمى به سعد بن أبي وقاص، وأول من قتل من المسلمين يوم بدر مهجع مولى عمر بن الخطاب، وأول حيّ ألفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جهينة، وأول حيّ أدوا الصدقات من قبل أنفسهم طائعين بنو عذرة بن سعد.
وفي حديث غيره: وأول من تغنّى بالحجاز المصطلق أبو خزاعة، وإنما سمي المصطلق لحسن صوته.
قال البراء: كان أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو عبد الدار بن قصي، فقلت له: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: هو مكانه، وأصحابه على أثري، ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم أخو بني فهر، فقال: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه؟ فقال: هم أولاء على أثري، ثم أتانا بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وبلال، ثم أتانا بعده عمر بن الخطاب في عشرين راكباً، ثم أتانا بعدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(18/211)
وأبو بكر معه. قال البراء: فلم يقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة حتى قرأت سوراً من المفصّل ثم خرجنا نتلقى العير فوجدناهم قد برزوا.
وعن عبد الله قال: اشتركت أنا وعمار بن ياسر وسعد فيما نصيبه في يوم بدر، فلم أجئ أنا ولا عمار بشيء وجاء سعد برجلين.
وعن عمار بن ياسر قال:
قاتلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجن والإنس، قيل: وكيف قاتلت الجن والإنس؟! قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فنزلنا منزلاً، فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه ". فلما كنت على رأس البئر إذا رجل أسود كأنه مرس، فقال: والله لا تستقي منها اليوم ذنوباً واحداً، فأخذني وأخذته فصرعته، ثم أخذت حجراً فكسرت به وجهه وأنفه، ثم ملأت قربتي، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " هل أتاك على الماء من أحد؟ " قالت: نعم، فقصصت عليه القصة، فقال: " أتدري من هو؟ " قلت: لا، قال: " ذاك الشيطان ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما من نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء، رفقاء، وزراء وأعطيت أنا أربعة عشر، سبعة من قريش: علي، وحمزة، وحسن، وحسين، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود، وسلمان، وأبو ذر، وحذيفة، وعمار، والمقداد، وبلال ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاثة تساق إليهم الجنة: علي، وعمار، وسلمان ".
وعن علي قال: استأذن عمار على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " الطيّب المطيّب، ائذن له ".(18/212)
وعن هانئ بن هانئ قال: استأذن عمار على علي عليه السلام فقال: ائذنوا له، مرحباً بالطيب المطيب، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه ".
وعن النزّال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفس، فقلنا له: يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمار بن ياسر، قال: ذاك امرؤ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، وخلط الإيمان بلحمه ودمه، يزول مع الحق حيث زال، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئاً ".
وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسّكوا بعهد ابن أم عبد: عبد الله بن مسعود ". قلت: ما هدي عمار؟ قال: " التقشف والتشمير ".
وعن حذيفة قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: " إني لا أدري ما قدّر بقائي فيكم، فاقتدوا باللّذين من بعدي: يشير إلى أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وعهد ابن أم عبد، يعني: عبد الله بن مسعود ".
وعن عثمان بن أبي العاص قال: رجلان مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر.
جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعاً شديداً، فقال له ابنه عبد الله: يا أبا عبد الله، ما هذا الجزع وقد كان رسول الله يستعملك ويدنيك؟! فقال: أي بني، سأخبرك عن ذلك: قد كان يفعل ذلك، فوالله ما أدري أحباً كان ذلك منه أو تألفاً كان يتألّفني ولكن أشهد على رجلين فارق الدنيا وهو يحبهما: ابن أم عبد وابن سمية.
وفي حديث بمعناه: ولكن أشهد على رجلين توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، قالوا: فذاك والله قتيلكم يوم صفين. قال: صدقتم والله، لقد قتلناه.(18/213)
وعن الحسن قال: قال عمرو بن العاص: إني لأرجو أن لا يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات يوم مات وهوي حب رجلاً فيدخله الله النار، قال: فقالوا: قد كنا نراه يحبك، وكان يستعملك، قال: فقال: الله أعلم أحبّني أم تألّفني، ولكنا كنا نراه يحب رجلاً، قالوا: فمن ذلك الرجل؟ قال: عمار بن ياسر، قالوا: فذاك قتيلكم يم صفين، قال: قد والله قتلناه.
وعن ابن عباس قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد بن المغيرة في سرية قال: ومعه في السرية عمار بن ياسر إلى حيّ من قريش، أو من قيس حتى إذا دنوا من القوم جاءهم النذير فهربوا، وثبت رجل منهم كان قد أسلم وهو وأهل بيته، فقال لأهله: كونوا على رجل حتى آتيكم. قال: فانطلق حتى دخل في العسكر فدخل على عمار بن ياسر، فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وأهل بيتي فهل ذلك نافعي أم أذهب كما ذهب قومي؟ قال: فقال له عمار: أقم، فأنت آمن. قال: فرجع الرجل فأقام، وصبحهم خالد بن الوليد فوجد القوم قد أنذروا، وذهبوا، فأخذ الرج فقال له غمار: إنه ليس لك على الرجل سبيل، إني قد أمّنته، وقد أسلم، قال: وما أنت وذاك؟ أتجير عليّ وأنا الأمير؟! قال: نعم، أجير عليك، وأنت الأمير، إن الرجل قد أسلم، ولو شاء لذهب كما ذهب قومه، قال: فتنازعا في ذلك حتى قدما المدينة، فاجتمعا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر عمار للنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي كان من أمر الرجل، فأجاز أمان عمار ونهى يومئذ أن يجير رجلٌ على أمير، فتنازع عمار وخالد عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى تشاتما، فقال خالد بن الوليد: أيشتمني هذا العبد عندك؟! أما والله لولاك ما شتمني. قال: فقال نبي الله صلّى الله عليه وسلّم: " كفّ يا خالد عن عمار، فإنه من يبغض عماراً يبغضه الله عزّ وجلّ، ومن يلعن عماراً يلعنه الله "، قال: وقام عمار فانطلق فاتّبعه خالد وأخذ بثوبه، فلم يزل يترضاه حتى رضي عنه. قال: وفيه نزلت: " يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم " يعني السرايا " فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرّسول " حتى يكون الرسول هو الذي يقضي فيه " إن كتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " حتى فرغ من الآية.(18/214)
زاد في حديث آخر بمعناه: " ومن يعاد عماراً يعاده الله، ومن يسبّ عماراً يسبّه الله ".
وعن أوس بنأوس قال: كنت عند علي فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " دم عمار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسه ".
وعن مجاهد قال: رآهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملون الحجارة على عمار، وهو يبني المسجد فقال: " ما لهم ولعمار؟ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وذلك فعل الأشقياء الأشرار ".
وفي حديث بمعناه: " قاتله وسالبه في النار ".
وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إن الله عزّ وجلّ قد أمننا من أن يظلمنا، ولم يؤمنّا من أن يفتنّا، أرأيت عن أدركت فتنة؟ قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لا يعرض على ابن سمية أمران إلا اتبع الأرشد منهما ". فلما هاجت الفتنة، وقتل عثمان قلت: والله لأتبعنّه مع من أحببت، ومع من كرهت، فإذا أنا به مع علي مقبل.
وفي حديث آخر بمعناه عنه قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: إن الله أجار أهل الإسلام من الظلم ولم يجرهم من الفتن، فإن وقع فما تأمرني؟ قال: انظر عمار بن ياسر أين يكون فكن معه، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار يزول مع الحق حيث يزول ".
وعن بلال بن يحيى أن حذيفة أتى وهو ثقيل بالموت، فقيل له: إن هذا الرجل قد قتل لعثمان فما(18/215)
تأمرنا؟ قال: أما إذا أبيتم فأجلسوني، فأسند إلى ظهر رجلٍ، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أبو اليقظان على الفطرة، ثلاث مرات، لن يدعها حتى يموت أو ينسيه الهرم ".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: انظروا عماراً، فإنه يموت على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر.
وعن علقمة قال:
أتينا الشام فقلت: اللهم، ارزقني جليساً صالحاً، فجلست إلى أبي الدرداء فقال: فمن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: أليس كان فيكم صاحب السواك والوساد يعني: عبد الله بن مسعود أوليس كان فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم من الشيطان يعني: عمار بن ياسر أوليس كان فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره: حذيفة، ثم قال: كيف كان عبد الله يقرأ " واللّيل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى "؟ قلت: " والذّكر والأنثى " قال: كاد هؤلاء أن يشككوني، وقد سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: كم من ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه، منهم عمار بن ياسر.
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبني المسجد، فإذا نقل الناس حجراً نقل عمار حجرين وإذا نقلوا لبنةً نقل عمار لبنتين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ويح ابن سمية، تقتله الفئة الباغية ".(18/216)
قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدنا صفين، فكنا إذا تواعدنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون: معاوية بن أبي سفيان، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وابنه، فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لأبيه عمرو: قد قتل هذا الرجل، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال. قال: أيّ رجل؟ قال: عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، فكنا نحمل لبنة وعمار يحمل لبنتين وأنت ترحض، أما إنك ستقتلك الفئة الباغية، وأنت من أهل الجنة، فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل، فقد قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال، فقال: اسكت، فوالله ما تزال ترحض في بولك، أنحن قتلناه، إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بيننا.
وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: لما بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده جعل القوم يحملون وجعل النّبي صلّى الله عليه وسلّم يحمل هو وعمار، فجعل عمار يرتجز ويقول:
نحن الملمون نبتني المساجدا
وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " المساجدا ". وقد كان عمار اشتكى قبل ذلك، فقال بعض القوم: ليموتنّ عمار اليوم، فسمعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنفض لبنته وقال: " ويحك يا بن سمية، تقتلك الفئة الباغية ".
وعن الحين قال: لما قدم النّبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة قال: " ابنوا لنا مسجداً "، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: " عرش كعرش موسى، ابنوه لنا بلبن "، فجعلوا يبنون ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعاطيهم اللّبن على صدره، ما دونه ثوب، وهو يقول: " اللهم، إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة "، فمرّ عمار بن ياسر، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينفض التراب عن رأسه ويقول: " ويحك يا بن سمية، تقتلك الفئة الباغية ".
وقد روي أن ذلك في حفر الخندق، كما روي عن جابر بن عبد الله أن(18/217)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين لما أخذوا في حفر الخندق جعل عمار بن ياسر يحمل التراب والحجارة في الخندق، فيطرحه على شفيره، وكان ناقهاً من مرض، صائماً، فأدركه الغشي، فأتاه أبو بكر، فقال: اربع على نفسك يا عمار، فقد قتلت نفسك، وأنت ناقه من مرض، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قول أبي بكر، فقام، فجعل يمسح التراب عن رأس عمار ومنكبه وهو يقول: " يزعمون أنك متّ، وأنك قد قتلت نفسك، كلا والله تقتلك الفئة الباغية ".
وفي حديث آخر بمعناه: " ولا والله ما أنت بميت حتى تقتلك الفئة الباغية ".
وعن عمار قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " آخر زادك من الدنيا ضياح لبن ". وقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تقتلك الفئة الباغية ".
وعن مولاة لعمار بن ياسر قالت: اشتكى عمار شكوى ثقل منه، فغشي عله، فأفاق. ونحن نبكي حوله فقال: ما يبكيكم؟ أتحسبون أني أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأنّ آخر زادي من الدنيا مذقة لبن.
وفي حديث آخر بمعناه: إني لست ميتاً من وجعي هذا، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إلي أني مقتول بين فئتين من المؤمنين عظيمتين، تقتلني الباغية منهما.
وعن زيد بن وهب
أن عماراً قال لعثمان: حملت قريشاً على رقاب الناس عدواً فعدوا عليّ فضربوني،(18/218)
فغضب عثمان ثم قال: ما لي ولقريش؟ عدوا على رجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فضربوه، سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية، وقاتله في النار ".
وعن ابنة هشام بن الوليد بن المغيرة وكانت تمرّض عماراً قالت: جاء معاوية إلى عمار يعوده. فلما خرج من عنده قال: اللهم، لا تجعل منيّته بأيدينا، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتل عماراً الفئة الباغية ".
وعن حنظلة بن خويلد العنزي قال: إني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، وكل واحد منهما يقول: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدهما نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الباغية "، فقال معاوية: لا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إني معكم، ولست أقاتل، إن أبي شكاني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أطع أباك ما دام حياً، ولا تعصه "، فأنا معكم، ولست أقاتل.
وعن حذيفة: عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الناكثة عن الحق ".
وعن حارثة قال: قرئ علينا كتاب عمر: السلام عليكم، أما بعد، فإني قد بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله قاضياً ووزيراً، وإنهما من نجباء أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وممن شهد بدراً، فاسمعوا لهم وأطيعوا، وقد آثرتكم بهما على نفسي.(18/219)
وقال أبو وائل: إن عمر بعث إليهم عماراً وعبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف، وجعلهم بينهم شاة: ربعاً لعبد الله، وربعاً لصاحبه، ونصفاً لعمار، لأنه على الصلاة وغيرها. وفي رواية أنه جعل لعمار شطرها وبطنها.
وعن ابن أبي الجعد أن عمر جعل عطاء ابن ياسر ستة آلاف.
وعن عبد الله بن مسعود قال: بينا نحن يوم الجمعة في مسجد الكوفة، وعمار بن ياسر أمير على الكوفة لعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود على بيت المال إذ نظر عبد الله بن مسعود إلى الظل فرآه قدر الشراك، فقال: إن يصب صاحبكم سنّة نبيكم صلّى الله عليه وسلّم يخرج الآن. قال: فوالله ما فرغ عبد الله بن مسعود من كلامه حتى خرج عمار بن ياسر يقول: الصلاة.
قال أبو وائل: خطبنا عمار فأبلغ وأوجز. فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان، لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن طول صلاة الرج وقصر خطبته مئنّة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، فإن من البيان سحراً ".
وعن إبراهيم أن عماراً كان يقرأ يوم الجمعة على المنبر ب " يس ".
وعن زر بن حبيش أنه رأى عمار بن ياسر قرأ " إذا السّماء انشقّت " وهو على المنبر، فنزل: فسجد.(18/220)
وعن زر قال: صلّى عمار صلاة فيها خفة، فذكر ذلك له فقال: إني بادرت الوسواس.
وعنعبد الله بنعنمة قال: رأيت عمار بن ياسر دخل المسجد، فصلى، فأخف الصلاة. قال: فلما خرج قمت إليه فقلت: أبا اليقظان، لقد خففت! قال: فهل رأيتني انتقصت من حدودها شيئاً؟ قلت: لا، قال: فإني بادرت بها سهوة الشيطان، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها ".
وعن خلاس بن عمرو قال: شهدت عمار بن ياسر وسأله رجل عن الوتر، فقال: ترضى بما أصنع؟ قال: إن فيك لمقنعاً أما أنا فأوتر من أول الليل، فإن رزقت من آخر الليل شيئاً صليت شفعاً حتى أصبح.
وعن طارق بن شهاب الأحمسي قال: غزت بنو عطارد ماء للبصرة وأمدّوا بعمار من الكوفة، فخرج قبل الوقعة، وقدم بعد الرقعة فقال: نحن شركاؤكم في الغنيمة، فقام رجل من بني عطارد فقال: أيها العبد المجدّع، تريد أن نقسم لك غنائمنا؟! وكانت أذنه أصيبت في سبيل الله، فقال: عيرتموني بأحبّ أذنيّ إليّ أو خير أذنيّ قال: فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة.
حدث عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال:
رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرّون، أنا عمار بن ياسر، هلمّ إليّ، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت، فهي تذبذبن وهو يقاتل أشد القتال.(18/221)
وعن عامر قال: سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا، قال: فدعوها حتى يكون، فإذا كان تجشمناه لكم.
وعن عبد الله بن سلمة قال: مرّ عمار بن ياسر على ابن مسعود وهو يرسس داره، فقال: كيف ترى يا أبا اليقظان؟ قال: أراك بنيت شديداً، وأمّلت بعيداً، وتموت قريباً.
وعن الربيع بن عميلة قال: كنا مع عمار بن ياسر في المسجد، وعنده أعرابي، فذكروا المرض، فقال الأعرابي: ما مرضت قط، فقال عمار: ما أنت؟! أولست منا؟ إن المسلم يبتلى بالبلاء، فيكون كفارة خطاياه فتتحاتّ كما يتحاتّ ورق الشجر، وإن الكافر يبتلى، فيكون مثله كمثل البعير عقل، فلا يدري لم عقل، وأطلق فلا يدري لم أطلق.
قال ابن أبي الهذيل: رأيت عمار بن ياسر اشترى قتّاً بدرهم فاستزاد حبلاً فأبي فجاذبه حتى قاسمه نصفين، وحمله على ظهره، وهو أمير الكوفة.
وفي رواية: ثم حمله على عاتقه، فأدخله القصر.(18/222)
قال يونس بن عبد الله الجرمي: أخبرني من نظر إلى عمار بن ياسر، وهو أمير الناس بالكوفة، فيأخذ نصيبه من اللحم الذي كان رزقه عمر فيحمله بيده.
وعن عكرة أن عماراً أخذ سارقاً قد سرق عيبته فقال: أستر عليه لعل الله يستر علي.
وفي رواية: أخذ سارقاً قد سرق عيبته فأرسله.
وعن أبي البختريّ الطائي قال: قاول عمار رجلاً، فاستطال الرجل عليه، فقال عمار: أنا إذاً كمن لا يغتسل يوم الجمعة، فعاد الرجل فاستطال عليه، فقال له عمار: إن كنت كاذباً فأكثر الله مالك وولدك وجعلك موطّأ عقبك.
وعن الحارث بن سويد قال: محل رجل بمولى لعمار عند عمر فقال: إن مولى لعمار يخاطر بالديوك فبلغ ذلك عماراً فشق عليه، فقال: اللهم، إن كان كاذباً فابسط له في الدنيا، واجعله موطّأ العقبين.
وعن عمار بن ياسر قال: ثلاث من الإيمان، من جمعهن جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار، تنفق وأنت تعلم أن الله سيخلف لك، وإنصاف الناس منك لا تلجئهم إلى قاض، وبذل السلام للعالم.
وقال عمر لعمار بعد عزله عن الكوفة: أبا الله، ساءك حين عزلتك؟ قال: تالله ما فرحت حين استعملتني، ولقد ساءني حين عزلتني.(18/223)
وعن عمار قال: ثلاثة لا يستخفّ بحقهم إلا منافق بيّنٌ نفاقه: الإمام المقسط، ومعلم الخير، وذو الشيبة في الإسلام.
وعن موسى بن عقبة أن عمار بن ياسر كان يدعو فيقول: اللهم، اجعلني من عبادك الصالحين، وأعطني من صالح ما تعطي عبادك الصالحين، من الأمانة، والإيمان، والأجر، والعافية، والمال، والولد النافع غير الضار ولا المضر، ولا الضّال ولا المضلّ.
وكان عمار بن ياسر يقول: كفى بالموت موعظة، وكفى باليقين غنىً، وكفى بالعبادة شغلاً.
وعن قيس بن عباد قال: قلت لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان، أرأيت هذا الأمر الذي أتيتموه: برأيكم أو شيء عهده إليكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لم نعهده إلى الناس.
قال ابن عمر: ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد الله إلا عمار بن ياسر، وما أدري ما صنع.
قال ابن عبس لحذيفة: إن أمي المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: الزموا عماراً، قال: إن عماراص لا يفارق علياً، قال: إن الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً من الأخيار. وهو يعلم إن لزموا عماراً كانوا مع علي.
وعن عمار بن ياسر قال: أمرت أن أقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين.
وعن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: كان عمار بن ياسر قليل الكلام، طويل السكوت وفي رواية: طويل الحزن(18/224)
والكآبة وكان عامة أن يقول: عائذ بالرحمن من فتنة، عائذ بالرحمن من فتنة، قال: فعرضت له فتنة عظيمة.
وعن عمار بن ياسر أنه قال وهو يسير إلى صفين على شط الفرات:
اللهم، لو أعلم أنه أرضى لك أن أرمي بنفسي من هذا الجبل، فأتردّى فأسقط فعلت، ولو أعلم أنه أرضى لك أن أوقد ناراً عظيمة فأقع فيها فعلت، اللهم، لو أعلم أن أرضى لك عني أن ألقي بنفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك، وأنا أرجو ألاّ تخيّبني وأنا أريد وجهك.
وعن أبي وائل قال: دخل أبو موسى الأشعري وأبو مسعود على عمار، وهو يستنفر الناس فقالا له: ما رأينا منك منذ أسلمت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر! فقال لهما: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر، وكساهما حلّة حلّة، وخرجوا إلى الصلاة يوم الجمعة.
وعن عمار بن ياسر قال: لقد سارت أمّنا مسيرها، وإنا لنعلم أنها زوجة نبيّنا في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها لنعلم: إياه نطيع أو إياها.
سمع عمار بن ياسر رجلاً ينال من عائشة فلقال له: اسكت مقبوحاً منبوحاً، فأشهد أنها زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الجنة.
وعن الشعبي قال: لم يشهد الجمل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار إلا علي وعمار وطلحة والزبير، فإن جاؤوا بخامس فأنا كذاب.(18/225)
وعن ابن إسحاق أن عماراً قال: يا أمير المؤمنين، كيف تقول في أبناء من قتلناه؟! قال: لا سبيل عليهم، قال: لو قلت غير ذلك خالفناك.
وفي رواية: قال عمار لعلي يوم الجمل: ما تريد تصنع بهؤلاء. وذراريهم؟ قال: قال له علي: حتى ننظر لمن تصير عائشة، قال: فقال عمار: ونقسم عائشة؟! قال: فكيف نقسم هؤلاء؟ فقال له عمار: أما إنك لو أردت غير هذا ما تابعناك.
وعن عمار بن ياسر إن علياً مرّ بقوم يلعبون بالشطرنج، فوثب عليهم فقال: أما والله لغير هذا خلقتم، ولولا أن تكون سبّة لضربت بها وجوهكم، فخرج عليه رجلان من الحمام متزلّقين زاد في رواية: مدهنين فقال: من أنتما؟ فقالا: من المهاجرين، فقال: بل من المفاخرين، إنما المهاجر عمار بن ياسر.
قال بعض رواته: أحسب أن الرجلين ليسا من الصحابة، ولو كانا من الصحابة عرفهما، وإنما يعنيان من المهاجرين ممن جاء فقاتل معه.
قال عبد الله بن سلمة: كنا عند عمار بصفين وعنده شاعر ينشده هجاء، فقال له رجل: أينشد عندكم الشعر وأنتم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم؟! فقال: إن شئت فاسمع، وإن شئت فاذهب، إنا لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لنا: قولوا لهم كما يقولون لكم، فإن كنا لنعلّمه الإماء بالمدينة.
وعن عمار بن ياسر قال: قبلتنا واحدة، ودعوتنا واحدة، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم.(18/226)
وعن أبي التحيى قال: إني لفي الصف بصفين إذ مرّ علينا علي على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسوّي الصفوف، فقام عمار بن ياسر فأخذ باللجام فقال: يا أمير المؤمنين، أيوم العتيق هو؟ فمضى ولم يردّ عليه شيئاً، ثم رجع علينا يسوّيها، فقام إليه فأخذ اللجام فقال: يا أمير المؤمنين، أيوم العتيق هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، مالك لا تكلّم؟ أيوم العتيق هو؟ قال: نعم، فأرسل اللجام وهو يقول: اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه.
وعن مسلم بن الأجدع الليثي وكان ممن شهد صفين قال: كان عمار يخرج بين الصفين، وقد أخرجت الرايات، فينادي حتى يسمعهم بأعلى صوته: روحوا إلى الجنة، قد تزينت الحور العين.
وعن أبي عاصم قال: خرج عمرو بن يثربي وهو يقول: الرجز
أنا لمن أنكرني ابن يثربيّ ... قاتل علباء وهند الجملي
وابن صوحان على دين علي
فبرز له عمار، وهو ابن ثلاث وتسعين عليه فروة مشدودة الوسط بشريطٍ، حمائل سيفه تسعة، فانتقضت ركبتاه، فجثا على ركبتيه، فأخذه أسيراً، فأتى به علياً عليه السلام، فقال: ابن يثربيّ، أدنّي منك، وهو يريد أن يثب عليه، فقال: لا ولكن أقتلك صبراً بالثلاثة الذي قتلتهم على ديني.
وعن سلمة بن كهيل قال: قال عمار بن ياسر يوم صفين: الجنة تحت البارقة، يعني: الظمآن قد يرد الماء موروداً. اليوم ألقى الأحبة: محمداً وحزبه، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حق، وأنهم على(18/227)
باطل، والله لقد قاتلت بهذه الراية ثلاث مرات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما هذه المرة بأبرهنّ ولا أتقاهنّ.
وعن ابن البختري
أن عمار بن ياسر يوم صفين جعل يقاتل، فلا يقتل، فيجيء إلى علي فيقول: يا أمير المؤمنين، أليس هذا يوم كذا وكذا؟ فيقول: اذهب عنك؛ فقال ذلك مراراً، ثم أتي بلبن فشربه، فقال عمار: إن هذه لآخر شربة أشربها من الدنيا، أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن هذه آخر شربة أشربها من الدنيا، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
وحدث رجل من بني سعد قال: كنت واقفاً بصفين إلى جنب الأحنف، والأحنف إلى جنب عمار، فسمعت عماراً يقول: عهد إلي خليلي أن آخر زادي من الدنيا ضيحة لبن. فبينا نحن كذلك إذ سطع الغبار، وقالوا: جاء أهل الشام، جاء أهل الشام، وقامت السقاة يسقون الناس، فجاءته جارية، معها قدح، فناولته عماراً، فشرب ثم ناول عمار فضله الأحنف بن قيس ثم ناولني الأحنف وفي رواية: فإذا هو لبن فقلت: إن كان صاحبك صادقاً فخليق أن يقتل الآن، قال: فغشينا القوم، فتقدم عمار، فسمعته يقول: الجنة الجنة تحت الأسنّة، اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه، ثم كان آخر العهد.
حدث ابن سعيد عن عمه قال: لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار كان الرجلان يضطربان بسيفهما حتى يفترا، فيجلسا، حتى يتروّحا، فيعودا، وربما قال: فانتصف النهار وقد ضرب الناس كلهم، فليس أحد يتحرك، فيختلطون هكذا، وشبك بين أصابعه حتى إذا زالت الشمس إذا رجل قد برز بين الصفين، جسيم، على فرس جسيم، ضخم، على ضخم، ينادي، يا عباد الله بصوت موجع يا عباد الله، ورحوا إلى الجنة، ثلاث مرات، الجنة تحت ظلال الأسل، فثار الناس فإذا هو عمار بن ياسر فلم يلبث أن قتل رحمه الله.(18/228)
وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسلّ سيفاً، وشهد صفين وقال: أنا لا أضلّ أبداً حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الباغية ". قال: فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة، ثم اقترب فقاتل حتى قتل.
وكان الذي قتل عمار بن ياسر أو غادية المزني، طعنه برمح، فسقط، وكان يومئذ يقاتل في محفّة، فقتل يومئذٍ وهو ابن أربع وتسعين سنة. فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتزّ رأسه، فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول: أنا قتلته. فقال عمرو بن العاص: والله إن تختصمان إلا في النار، فسمعهما منه معاوية. فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت! قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو: وهو والله ذاك، والله إنك لتعلمه، ولوددت أني متّ قبل هذا بعشرين سنة.
وقيل: إن عماراً قتل هو إحدى وتسعين سنة، وكان أقدم في الميلاد من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أقبل إليه ثلاثة نفر: عقبة بن عامر الجهني، وعمر بن الحارث الخولاني، وشيك بن سلمة المرادي، فانتهوا إليه جميعاً وهو يقول: والله لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حقّ، وأنتم على باطل، فحملوا عليه جميعاً، فقتلوه. وزعم بعضهم أن عقبة بن عامر هو الذي قتل عماراً، وهو الذي كان ضربه حين أمره عثمان بن عفان. ويقال: بل الذي قتله عمر بن الحارث الخولاني.
وعن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بشّر قاتل ابن سمية بالنار، أو قاتل ابن سمية في النار ".
وعن أبي غادية قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان، يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل، قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن. فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار، فرأيت فرجة بين الرأس وبين الساقين، قال: فحملت عليه، فطعنته(18/229)
في ركبته، قال: فوقع، فقتلته، فقيل: قتل عمار بن ياسر، وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن قاتله وسالبه في النار "، فقيل لعمرو بن العاص: هوذا أنت تقاتله، فقال: إنما قال: " قاتله وسالبه ".
وعن كلثوم بن جبير قال:
كنت بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، فقال: الإذن، هذا أبو غادية الجهني، فقال عبد الأعلى: أدخلوه، فدخل، عليه مقطّعات له، فإذا رجل طوال ضرب من الرجال، كأنه ليس من هذه الأمة. فلما أن قعد قال: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: بيمينك؟ قال: نعم، وخطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم العقبة فقال: " يا أيها الناس، ألا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ " فقلنا: نعم، فقال: " اللهم، اشهد "، ثم قال: " ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "، قال: ثم أتبع ذا فقال: إنا كنا نعدّ عمار بن ياسر فينا حناناً. فبينا أنا في مسجد قباء إذا هو يقول: ألا إن نعثلاً هذا لعثمان فتلفت فلو أجد عليه أعواناً لوطئته حتى أقتله، قال: قلت: اللهم، إنك إن تشأ تمكني من عمار، فلما كان يوم صفين أقبل يسير أول الكتيبة رجلاً، حتى إذا كان بين الصفين فأبصر رجل عورة، فطعنه في ركبته بالرمح، فعثر فانكشف المغفر عنه، فضربته، فإذا رأس عمار. قال: فلم أر رجلاً أبين ضلالة عندي منه، إنه سمع من النّبي صلّى الله عليه وسلّم ما سمع ثم قتل عماراً. قال: واستسقى أبو غادية، فأتي بماء في زجاج، فأبى أن يشرب فيها، فأتي بماء في قدح، فشرب، فقال رجل على رأس الأمير قائم(18/230)
بالنبطية: أي يد كفتاه يتورع من الشراب في زجاج، ولم يتورع من قتل عمار؟! ولما استحلم القتال بصفين، وكادوا يتفانون قال معاوية: هذا يوم تفانى فيه العرب إلا أن تدركهم فيه خفة العبد يعني: عمار بن ياسر وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن، وآخرهن ليلة الهرير. فلما كان اليوم الثالث قال عمار لهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، ومعه اللواء يومئذٍ: احمل فداك أبي وأمي، فقال هاشم: يا عمار، رحمك الله، إنك رجل تستخفّك الحرب، وإني إنما أزحف باللواء زحفاً رجاء أن أبلغ بذلك بعض ما أريد، وإني إن خففت لم آمن الهلكة، فلم يزل به حتى حمل، فنهض عمار في كتبيته، فنهض إليه ذو الكلاع في كتبيته، فاقتتلوا فقتلا جميعاً، واستؤصلت الكتيبتان، وحمل على عمار حويّ السكسكي وأبو الغادية المزني، فقتلاه، فقيل لأبي الغادية: كيف قتلته؟ قال: لما دلف إلينا في كتيبته، ودلفنا إليه نادى: هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل من السكاسك فاضطربا بسيفيهما فقتل عمار السكسي ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه رجل من حمير فاضطربا بسيفيهما فقتل عمارٌ الحميري، وأثخنه الحميري، ونادى: من يبارز؟ فبرزت إليه، فاختلفنا ضربتين، وقد كانت يده ضعفت، فانتحى عليه بضربة أخرى، فسقط، فضربته بسيفي حتى برد، قال: ونادى الناس: قتلت أبا اليقظان! قتلك الله، فقلت: اذهب إليك، فوالله ما أبالي من كنت، وتالله ما أعرفه يومئذٍ، فقال له محمد بن المنتشر: يا أبا الغادية، خصمك يوم القيامة مازندر يعني ضخماً فضحك.(18/231)
وكان أبو الغادية شيخاً، كبيراً، جسيماً، أدلم، قال: فقال علي حين قتل عمار: إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، وتدخ عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد، رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً. لقد رأيت عماراً وما يذكر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعة كان رابعاً، ولا خمسة إلا كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين، فهينئاً لعمار بالجنة. ولقد قيل: إن عماراً مع الحق، والحق معه يدور، عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار.
قال حبيب بن أبي ثابت: قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل.
وعن قيس بن أبي حازم قال: قال عمار: ادفنوني في ثيابي، فإني مخاصم.
وعن أشياخ شهدوا عماراً قال: لا تغسلوا عني دماً، ولا تحثوا علي تراباً، فإني مخاصم.
وعن عاصم بن ضمرة أن علياً صلى على عمار، ولم يغسله.
وعن أبي إسحاق أن علياً صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عماراً مما يليه، وهاشماً أمام ذلك، وكبر عليهما تكبيراً واحداً، خمساً أو ستاً أو سبعاً. والشك في ذلك من أشعث، أحد رواته.
ولما بلغ أهل الشام يوم صفين أن عمار بن ياسر قد قتل بعثوا من يعرفه ليأتيهم بعلمه، فعاد إليهم، فأخبرهم أنه قد قتل، فنادى أهل الشام أصحاب عليّ: إنكم(18/232)
لستم بأولى بالصلاة على عمار بن ياسر منا. قال: فتوادعوا عن القتال حتى صلّوا عليه جميعاً.
وعن مجاهد قال: لما قتل عمار قال عبد الله بن عمرو: إنا لله وإنا إليه راجعون. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية "، قال: فقال معاوية: لا تزال تبول، ثم تمرّغ في مبالك، نحن قتلناه؟! إنما قتله الذي أخرجوه.
وعن هنيّ مولى عمر بن الخطاب قال: كنت أول شيء مع معاوية على عليّ، فكان أصحاب معاوية يقولون: لا، والله لا نقتل عماراً أبداً، إن قتلناه فنحن كما يقولون. فلما كان يوم صفين ذهبنا ننظر في القتلى فإذا عمار بن ياسر مقتول. قال هني: فجئت إلى عمرو بن العاص، وهو على سريره، فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء؟ قلت: انظر أكلمك، فقام إليّ، فقلت عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تقتله الفئة الباغية "، فقلت: هوذا والله مقتول، فقال: هذا باطل، فقلت: بصر عينيّ مقتول، قال: فانطلق فأرينه، فذهبت به، فأوقفته عليه، فساعة رآه امتقع، ثم أعرض في شق وقال: إنما قتله الذي خرج به.
ولما قتل عمار نادى المنادي: أين الشاكّ في قتال أهل الشام؟ قد قتل عمار.
وقتل عمار وهو ابن نيف وتسعين سنة سنة سبعٍ وثلاثين بصفين، ودفن هناك. وكان لا يركب على سرج، وكان يركب راحلته من الكبر، وكان أبيض الرأس واللحية. فصلى عليه علي بن أبي طالب عليه السلام ولم يغسّله. وكانت وقعة صفين بين علي ومعاوية. وقتل بينهما جماعة كثيرة، يقال: إنهم سبعون ألفاً في صفين، منهم من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً. وكان عمار يقاتل في محفّة من فتق كان به.(18/233)
رأى أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل في منامه أنه أدخل الجنة، فإذا هو بقباب مضروبة، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: لذي الكلاع وحوشب، وكانا قتلا مع معاوية، قال: فأين عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قال: وقد قتل بعضهم بعضاً! قالوا: نعم، إنهم لقوا الله، فوجدوه واسع المغفرة، قال: فما فعل أهل النهر؟ قال: لقوا برحاً.
عمران بن الحسن بن يوسف
أبو الفرج الختّلي الخفاف حدث بدمشق عن أي بكر أحمد بن سليمان بنزبّان بن الحبّاب ويعرف بابن أبي هريرة بسنده إلى غنام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من صام ستاً بعد الفطر فكأنما صام الدهر أو سنة ".
وحدث عن عبد الله بن ضوء بسنده إلى يوسف بن أسباط قال: التقى ملكان في الهواء، فقال أحدهما لصاحبه: من أين جئت؟ قال: بعثت لأهريق زيت العابد اشتهاه، فوضعه إلى جانبه ليأكل منه فكفأته، وقال الآخر: جئت من البحر، أخرجت لكافرٍ سمكة اشتهاها فأخرجتها ليأكل منها.
توفي عمران الخفاف سنة أربع مئة.(18/234)
عمران بن حطان بن لوذان بن الحارث بن سدوس
ويقال: عمران بن حطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو ابن الحارث بن سدوس. وفي نسبه اختلاف أبو سماك ويقال: أبو شهاب ويقال: أبو مقعس ويقال: أبو دلان السدوسي قدم دمشق مستخفياً من عبد الملك بن مروان، فنزل على روح بن زنباع.
حدث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصليب إلا نقضه. قال: فحدثتني ذفرة قالت: بينما أنا أطوف بالبيت مع أم المؤمنين إذ فطن بها، فقالت: أعطني ثوباً، فأعطيتها ثوباً، فقالت: فيه تصليب؟ قلت: نعم، فأبت أن تلبسه.
كان عمران من قعد الخوارج، وهو شاعر مفلق، وطلبه الحجاج فأعجزه، ومن شعره: البسيط
يا خمر، كيف يذوق الخفض معترفٌ ... بالموت والموت فيما بعده جلل
كيف أواسيك والأحداث مقبلةٌ ... فيها لكلّ امرئ عن غيره شغل
وخمر زوجته.
وعمران وجماعة من الخوارج ينسبون إلى طائفة منهم يقال لهم الحرورية. وكان عمران أدرك جماعة من أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصار في آخر أمره أن رأى رأي الخوارج، وكان سبب ذلك أن ابنة عمران رأيت رأي الخوارج، فزوجها ليردها عن ذلك، فصرفته إلى مذهبها، وقيل: إنه تزوج امرأة من الخوراج فغيّرته إلى رأي الخوارج، وكانت(18/235)
من أجمل الناس وأحسنهم عقلاً، وكان عمران من أسمج الناس وأقبحهم وجهاً، فقالت له ذات يوم: إني نظرت في أمري وأمرك فإذا أنا وأنت في الجنة، قال: وكيف؟ فقالت: لأني أعطيت مثلك فصبرت، وأعطيت مثلي فشكرت، والصابر والشاكر في الجنة، فمات عنها عمران، فخطبها سويد بن منجوف، فأبت أن تتزوجه، وكان في وجهها خال كان عمران يستحسنه ويقبّله فشدت عليه فقطعته، وقالت: والله لا ينظر إليه أحد بعد عمران، وما تزوجت حتى ماتت.
وعن المبرّد قال: كانت خمرة امرأة عمران جميلة، وذكر مثل هذه الحكاية، فقال لها خجلاصك لا بل مثلي ومثلك كما قال الأحوص: البسيط
إنّ الحسام وإن رثّت مضاربه ... إذا ضربت به مكروهة قتلا
فإياك والعودة إلى مثل ما قلت مرة أخرى.
وقال عثمان البتّي قال: كان عمران بن حطان من أهل السنة، فقدم غلام من عمارن كأنه نصل فقلبه.
قال الفرزدق: عمران بن حطان من أشعر الناس، قيل: ولم؟ قال: لأنه لو أراد أن يقول مثلما قلنا لقال، ولسنا نقدر أن نقول مثل قوله.
قال محارب بن دثار: زاملت عمران بن حطان إلى مكة، فما ذاكرني شيئاً حتى انصرفنا.
وعن قتادة قال: قال سعيد بن أبي الحسن: لوددت أني سمعت رجلاً يسمعني من شعر ابن حطان، فقلت: أنا، فأنشدته، فقال: ما هذا بشعر، قال الحسن: بلى، ولكن علّمه الشيطان.
وقف عمران بن حطان على الفرزدق وهو ينشد فقال له: الخفيف(18/236)
أيها المادح العباد ليعطى ... إنّ لله ما بأيدي العباد
فسل الله ما طلبت إليهم ... وارج فضل المهيمن العواد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه ... وتسمّي البخيل باسم الجواد
فقال: الحمد لله الذي شغل عنا هذا ببدعته، ولولا ذلك للقينا منه عنتاً.
ومن شعر عمران بن حطان: البسيط
يا ضربةً من تقيّ ما أراد بها ... إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحبسه ... أوفى البريّة عند الله ميزانا
أكرم بقومٍ بطون الطير أقبرهم ... لم يخلطوا دينهم بغياً وعدوانا
فبلغ شعره عبد الملك بن مروان، فأدركته الحمية، فنذر دمه، ووضع عليه العيون والرصد، فلم تحمل عمران ارضٌ حتى أتى ورح بن زنباع، فأقام في ضيافته، فسأله: ممن أنت؟ فقال: رجل من الأزد. قال: وكان روح يكون في سمر عبد الملك حين يذهب ليل ثم يجيء إلى منزله، فيجد عمران قائماً يصلي، فيدعوه فيحدثه.
وكان عمران يحدث روحاً بأحسن ما يكون وأعجبه إعجاباً شديداً. فلما كان بعد سنة سمر روح عند عبد الملك فتذاكرا شعر عمران بن حطان. فلما انصرف روح دعاه كما كان يدعوه يحدثه، فأخبره بالشعر، فأنشد عمران بقية الشعر. فلما أتى روح عبد الملك قال: إن في ضيافتي رجلاً ما سمعت منك حديثاً قط إلا حدثني به وأحسن منه، ولقد أنشدته البارحة البيتين اللّذين قالهما ابن حطان في ابن ملجم، فأنشدني القصيدة كلها، فقال له عبد الملك: صفه لي، فوصفه، فقال: إنك لتصف صفة عمران بن حطان أو ما لي رأي، اعرض عليه أن يلقاني، قال: نعم، فقال روح لعمران: إني حدثت أمير المؤمنين أنك أنشدتني القصيدة كلها، فسألني أن أصفك له، فوصفتك له، فقال: هذا ابن حطان، اعرض عليه أن يلقاني، قال: معاذ الله، لست به، وأنا لاقيه إذا شئت إن شاء الله، وأصبح من الغد هارباً، وكتب إلى روح رقعة فيها هذه الأبيات: البسيط
يا روح كم من أخي مثوى نزلت به ... قد ظنّ ظنّك من لخمٍ وغسان(18/237)
حتى إذا خفته زايلت منزله ... من بعد ما قيل عمران بن حطان
قد كنت ضيفك حولاً ما تروّعني ... فيه طوارق من إنسٍ ولا جان
حتى أردت بي العظمى فأوحشني ... ما يوحش الناس من خوف ابن مروان
فاعذر أخاك ابن زنباعٍ فإنّ له ... في الحادثات هناتٌ ذات ألوان
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ ... وإن لقيت معدّياً فعدناني
لو كنت مستغفراً يوماً لطاغيةٍ ... كنت المقدّم في سريّ وإعلاني
لكن أبت لي آياتٌ مفصّلةٌ ... عقد الولاية من طه وعمران
ثم خرج حتى أتى الجزيرة، فنزل في ضيافة زفر بن الحارث، فسأله: ممن أنت؟ فقال: من الأوزاع، وكانت له فيهم خؤولة، فأقام فيهم حولاً، فقدم رجل ممن كان معه في ضيافة روح بن زنباع، فعرفه، فقال لزفر: هل تدري من هذا؟ قال: رجل من الأوزاع، قال: بل هو رجل من أزد شنوءة، وقد كان عند روح بن زنباع يعرف بذلك، فقاله له زفر: أزدي مرة وأوزاعي مرة؟! إن لك لقصة، فأعلمناها، فإن كنت طريداً آويناك، وإن كنت خائفاً أمّناك، وإن كنت فقيراً أغنيناك، فقال عمران: إن الله هو المغني، وهو المؤوي، إنما أنا ابن سبيل، ثم خرج من عنده هارباً، وكتب إليه: البسيط
إن التي أصبحت يعيا بها زفرٌ ... أعيا عياها على روح بن زنباع
أمسى يسائلني طوراً لأخبره ... والناس من بين مخدوعٍ وخدّاع
حتى إذا انجذبت مني حبائله ... كفّ السؤال ولم يولع بإهلاعي
فاكفف كما كفّ ورحٌ إنني رجلٌ ... إما صريحٌ وإما فقعة القاع
ثم توجه نحو عمان فلقي بريداً للحجاج بن يوسف في طريقه، فقال له: أبلغ عني الحجاج هذين البيتين: الكامل(18/238)
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ ... زبراء تنفر من صفير الصافر
هلاّ برزت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جناحي طائر
قرعت غزالة قلبه بفوارسٍ ... تركت مناظره كأمس الغابر
ولحق بعمان، وفوجد بها أصحاباً له، وكان عقيد الشّراة، وله عندهم قدر عظيم، فصادف بعمان ما يريد. فأقام بها حياته.
ومن شعر عمران: الوافر
لقد زاد الحياة إليّ حبّاً ... بناتي أنهنّ من الضّعاف
مخافة أن يذقن الفقر بعدي ... وأن يشربن كدراً بعد صاف
وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبو العين عن كومٍ عجاف
فلولاهنّ قد سوّيت مهري ... وفي الرحمن للضعفاء كاف
عمران بن خالد بن يزيد بن أبي جميل
أبو عمر القرشي ويقال: الطائي ويقال: إنه من موالي مالك عبد عوف النصري حدث عمران بن خالد الدمشقي مولى أم حبيبة عن إسماعيل بن عبد الله بن سماعة بسنده إلى عمر بن الخطاب أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أينام أحدنا، وهو جنب؛ فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يغسل فرجه ويتوضأ.
وحدث عن شهاب بن خراش بسنده إلى أبي رجاء العطاردي قال: أتيت المدينة فإذا الناس مجتمعون، وإذا في وسطهم رجل يقبّل رأس رجل، وهو يقول: أنا فداؤك، لولا أنت هلكنا، فقلت: من المقبّل، ومن المقبّل؟ قال: ذلك عمر بن الخطاب يقبّل رأس أبي بكر في قتال أهل الردة الذين منعوا الزكاة.(18/239)
مات عمران سنة أربع وأربعين ومئتين.
عمران بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان
ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب القرشي التيمي المدني ولد على عند سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو سماه عمران، وأمه حمنة بنت جحش. وفد على معاوية.
حدث عن أمه حمنة بنت جحش أنا استحيضت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إني استحضت حيضة منكرة شديدة، فقال لها: " احتشي كرسفاً "، قالت: إنه أشد من ذلك، إني أثجّ ثجّاً، قال: " تلحمي وتحيّضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي غسلاً، وصلي وصومي ثلاثاً وعشرين، أو أربعاً وعشرين، وأخّري الظهر، وقدّمي العصر، واغتسلي لهما غسلاً واحداً، وأخّري المغرب، وقدّمي العشاء، واغتسلي لهما غسلاً. وهذا أحب الأمرين إليّ ".
وفي حديث آخر: " إنما هو ركضة من ركضات الشيطان، فتحايضي ستة، أو سبعة أيام في علم الله ". الحديث
وكان عمران بن طلحة قد لحق بمعاوية، فقال له معاوية: ارجع إلى علي فإنه يرد عليك مالك، فرجع عمران، فأتى الكوفة، فدخل على عليّ في المسجد، فقال له علي: مرحباً يا بن أخي، إني لم أقبض مالكم لآخذه. ولكني خفت عليه من السفهاء، فانطلق إلى عمك قرظة بن كعب فمره فليردّ عليك ما أخذنا من إلى أرضكم، أما والله إني لأرجو أن أكون أن وأبوك من الذين ذكرهم الله في كتابه وتلا هذه الآية: " ونزعنا ما في صدورهم(18/240)
من غلٍّ إخواناً على سررٍ متقابلين " فقال الحارث الأعور: لا، والله، الله أعدل من أن يجمعنا وإياهم في الجنة. قال: فمن ذا يا أعور؟ أنا وأبوك؟!
عمران بن عصام أبو عمارة الضبعي
من أهل البصرة، ووفد على عبد الملك بن مروان.
حدث عن عمران بن حصين عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الشفع والوتر قال: " هي الصلاة منها شفع، ومنها وتر ".
وقال الحسن: العيد، وقال ابن عباس: الشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة، وقال آخرون: الله الوتر، وخلقه الشفع.
قال الحجاج بن يوسف يوماً لأهل ثقته من جلسائه: ما من أحد من بني أمية أشد نصباً لي من عمر بن عبد العزيز بن مروان، وليس يوم من الأيام إلا وأنا أتخوف أن تأتيني منه قارعة، فهل من رجل تدلوني عليه له لسان وشعر وجلد؟ قالوا: نعم، عمران بن عصام العنزي، قال: فدعاه، فأخلاه، ثم قال: اخرج بكتابي إلى أمير المؤمنين فاقدح في قلبه من ابنه شيئاً من الولاية، فقال له عمران: رسّ إلي أيها الأمير رسيساً، فقال له الحجاج: إن العوان لا تعلّم الخمرة، فخرج بكتاب الحجاج. فلما دخل على(18/241)
عبد الملك، ودفع إليه الكتاب، وسأله عن الحجاج وأمير العراق اندفع يقول: الوافر
أمير المؤمنين إليك أهدي ... على النّأي التحية والسّلاما
أجبني عن بنيك يكن جوابي ... لهم أكرومة ولنا نظاما
ولو أن الوليد أطاع فيه ... جعلت له الخلافة والذّماما
شبيهك حول قبّته قريش ... به يستمطر الناس الغماما
ومثلك في التقى لم يصب يوماً ... لدن خلع القلائد والتّماما
قال: فكتب عبد الملك إلى عبد العزيز يسأله أن يجعل الولاية بعده للوليد، فكتب إليه عبد العزيز: إن رأيت ألاّ تعجل عليّ بالقطيعة، ولا يأتي عليّ الموت إلا وأنت لي واصل، فافعل، وذكر قرب الأجل. قال: فرقّ عبد الملك رقة شديدة لكتابه، ثم قال: لا يكون إلى الصلة أسرع منين وكفّ عن ذكر ذلك، وما لبث عبد العزيز إلا ستة أشهر حتى مات.
وفي رواية: أن عبد العزيز لما أبى أن يجيب عبد الملك إلى ما أراد قال عبد الملك: اللهم، إنه قد قطعني فاقطعه. فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: إنه ردّ على أمير المؤمنين أمره فدع عليه، فاستجيب له، وقال عبد الملك لابنيه: هل قارفتما حراماً قط؟ قالا: لا والله، قال: الله أكبر، نلتماها إذاً ورب الكعبة.
ولما كان زمان ابن الأشعث خرج عمران بن عصام مع ابن الأشعث على الحجاج، فأتى به الحجاج حين قتل ابن الأشعث فقتله سنة أربع أو خمس وثمانين فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فقال: قطع الله يد الحجاج، وأقتله وهو الذي يقول: الكامل
وبعثت من ولد الأغرّ معتّبٌ ... صقراً يلوذ حمامه بالعوسج
وإذا طبخت له بنار أنضجت ... وإذا طبخت بغيره لم تنضج(18/242)
معتّب هو جد الحجاج. وكان عمران بن عصام، أحور، شريفاً، من بني هميم، بعثه الحجاج إلى عبد الملك بن مروان لحضه على توكيد بيعة الوليد وخلع أخيه عبد العزيز.
واختصم سويد بن منجوف ومسمع في الرئاسة إلى عمران فجعل الرئاسة لسويد، فقال شاعر منهم: الطويل
وحكّم عمران الهميمي قومكم ... وأخّر عن عقد الرئاسة مسمعا
ولعمران: الكامل
قبح الإله عدواةً لا تتقى ... وقرابة تدلى بها لا تنفع
ولعمران يعاتب عامر بن مسمع: الوافر
عذيري من أخٍ إن أدن شبراً ... يزدني في مباعدةٍ ذراعا
أبت نفسي له إلا وصالاً ... وتأبى نفسه إلاّ انقطاعا
كلانا جاهدٌ أدنوا وينأى ... كذلك ما استطعت وما استطاعا
قال المثنى بن سعيد:
أدركت عمران بن عصام الضبعي يختم القرآن في مسجد بني ضبيعة، في كل ثلاث يؤمهم. قال: ثم أمّهم قتادة نم بعده فجعل يختم في كل سبع، قال: ثم جعلها بعد ذلك عشراً.
كتب عبد الملك إلى الحجاج أن ادع الناس إلى البيعة، فمن أقر بالكفر فخلّ سبيله إلا رجل نصب رأيه أو شتم أمير المؤمنين، فدعا الناس إلى البيعة على ذلك حتى جاءت بنو ضبيعة، فقرأ عليهم الكتاب، فنهض عمران بن عصام فدعا به الحجاج فقال: اشهد على نفسك بالكفر، قال: ما كفرت مذ آمنت فقتله.
وقيل: إنه لما أتى به الحجاج قال: عمران بن عصام؟ قال: نعم، قال: ألم أقدم العراق وأوفدتك إلى أمير المؤمنين، ولا يوفد مثلك؟ قال: بلى، قال: وزوجتك سيدة قومها ماوية بنت مسمع، ولم تك لها بأهل؟ قال: بلى، قال: فما حملك على الخروج مع(18/243)
عدو الله ابن الأشعث؟! قال: أخرجني باذان، قال: فأين كنت حجلة أهلك؟ قال: أخرجني باذان، قال: فأين كنت عن خرب البصرة؟ قال: أخرجني باذان؟ قال: فكشط رجل العمامة عن رأسه، فإذا محلوق، قال: ومحلوق أيضاً؟ لا أقالني الله إن أقلتك، فضربت عنقه.
وقال خليفة: إن الحجاج قتله صبراً يوم وقعة الزاوية في محرم سنة اثنتين وثمانين. وقيل: إنه أتي به الحجاج أسيراً بدير الجماجم فقتله البصري.
عمران بن أبي كثير الحجازي
وفد على عبد الملك بن مروان.
قال عمران بن أبي كثير: قدمت الشام فإذا قبيصة بن ذؤيب قد جاء برجل من أهل العراق، فأدخله على عبد الملك بن مروان، فحدثه عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن الخليفة لا يناشد "، قال: فأعطي وكسي وحبي، قال: فحكّ في نفسي شيء، فقدمت المدينة، فلقيت سعيد بن المسيّب، فحدثته، فضرب يده بيدي ثم قال: قاتل الله قبيصة! كيف باع دينه بدنيا فانية؟! والله ما من امرأة من خزاعة قعيدة في بيتها إلا وقد حفظت قول عمرو بن سالم الخزاعي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الرجز
اللهم إني ناشدٌ محمداً ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
أفيناشد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يناشد الخليفة؟! قاتل الله قبيصة! كيف باع دينه بدنيا فانية؟!(18/244)
كان عمرو بن سالم ركب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عندما كان من أمر خزاعة وبين بكر بالوتير، حتى قدم المدينة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخبره الخبر، وقال أبياتاً. فلما قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنشده إياها: الرجز
اللهم إني ناشدٌ محمداً ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
ووالداً كنّا وكنت الولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصراً عتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجرّدا ... في فيلقٍ كالبحر يجر مزبدا
إنّ قريشاً أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
وزعموا أن لست تدعوا أحدا ... فهم أذلّ وأقلّ عددا
قد جعلوا لي بكداءٍ مرصدا ... هم بيّتونا بالوتير هجّدا
فقتلونا ركّعاً وسجّدا
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " نصرت يا عمرو بن سالم "، فما برح حتى مرت عنانة في السماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب "، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس بالجهاد، وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم.(18/245)
عمران بن أبي مدرك
نزيل دمشق.
قال عمران بن أبي مدرك: قال رجل للقاسم بن مخيمرة: متعني الله بك، قال: متعك الله بحمارك.
عمران بن معروف السدوسي البصري
ولي قضاء الأردن، واجتاز دمشق.
حدث عن سليمان بن أرقم بسنده إلى عقيل بن أبي طالب أنه تزوج فقيل له: بالرّفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " على الخير والبركة، بارك الله لك، وبارك عليك ".
وحدث عن أبي هلال الراسبي قال: سألت ابن سيرين عن كرى الأرض، فقال: قال رافع بن خديج: نهانا نبينا صلّى الله عليه وسلّم عن كرى الأرض.
عمران بن موسى
حدث عن مكحول. قال: قال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قيدوا العلم بالكتاب ".
عمران بن موسى بن المهرجان
أبو الحسن النيسابوري حدث بدمشق وبمصر.
حدث عن محمد بن يحيى النيسابوري بسنده إلى أبي هريرة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده منه ".(18/246)
وحدث عن محمد بن يحيى بسنده إلى ابن الزبير أنه خطب الناس فقال: حدثتني عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " لولا أن قومك حديث عهد بالكفر لأعدت البيت على بنائه ولجعلت لها بابين شرقياً وغربياً فقد أوسع الله من المال ".
عمران بن موسى أبو موسى
الطرسوسي حدث بدمشق عن عبد الملك بن سليمان بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب على المنبر فقال: " من جاء منكم الجمعة فليغتسل ".
عمر بن أحمد بن بشر بن السّري
أبو بكر البغدادي المعروف بالسّنّي سمع بدمشق وبغيرها.
وحدث عن نصر بن علي بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ".
قال: وقال ابن عمر: إن ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة.
وحدث عن العباس بن الوليد بن يزيد البيروتي بسنده إلى ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة برٍ أو تيسير أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام ".
قدم أبو بكر السّنّي أصبهان سنة ست وتسعين ومئتين، وحدث بها.(18/247)
عمر بن أحمد بن الحسين بن أحمد
أبو حفص الهمداني الصوفي الوراق كان شيخاً صالحاً، يؤم في بعض المساجد.
حدث عن أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بسنده إلى سيعد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من ظلم في الأرض شيئاً طوّقه من سبع أرضين، ومن قتل دون ماله فهو شهيد ".
عمر بن أحمد بن عثمان
ابن أحمد بن محمد بن أيوب بن ازداد بن سراح بسين مهملة مفتوحة وحاء مهملة ابن عبد الرحمن أبو حفص البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين سمع بدمشق وبغيرها. وكان من الثقات المكثرين الجوالين.
حدث في سنة أربع وسبعين وثلاث مئة عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي بسنده إلى البراء بن عازب قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل فشكا إليه الوحشة فقال: أكثر أن تقول: " سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح، جللت السماوات والأرض بالعزة والجبروت "، فقالها ذلك الرجل فذهب عنه الوحشة.
وحدث عنه أيضاً بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " " ليسال أحدكم ربه عزّ وجلّ حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع ".(18/248)
وحدث عن أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب الدمشقي بسنده إلى جابر بن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " دخلت الجنة فإذا أكثر أهلها البله ".
ذكر أنه وجد مولده بخط أبيه أنه ولد سنة سبع وتسعين ومئتين، وسمع أول سماعه سنة ثمان وثلاث مئة. قال: وصنفت ثلاث مئة مصنف وثلاثين مصنفاً، أحدها التفسير الكبير ألف جزء، والمسند ألف وخمس مئة جزء، والتاريخ مئة وخمسون جزءاً، والزهد مئة جزء، وأول ما حدثت بالبصرة سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة، وكتبت بأربع مئة رطل حبر. وقال مرة: حسبت ما اشتريت به الحبر إلى هذا الوقت فكان سبع مئة درهم. قال الداودي: وكنا نشتري الحبر أربعة أرطال بدرهم. قال: ومكث بعد ذلك يكتب زماناً، وكان ثقة، مأموناً، وجمع وصنف ما لم يصنف أحد.
وكان لحاناً، وكان لا يعرف من الفقه قليلاً ولا كثيراً، وكان إذا ذكر له مذهب الشافعي وغيره يقول: أنا محمدي المذهب. واجتمع يوماً مع أبي الحسن الدارقطني فلم ينبس بكلمةهيبةً وخوفاً أن يخطئ بحضرة أبي الحسن، وقال الدارقطني: ما أعمى قلب ابن شاهين حمل إليّ كتابه الذي صنفه في التفسير، وسألني أن أصلح ما أجد فيه من الخطأ، فرأيته نقل تفسير أبي الجارود، وفرقه في الكتاب، وجعله عن أبي الجارود عن زياد بن المنذر، وإنما هو عن أبي الجارود زياد بن المنذر. وذكر ابن البقال عنه أنه قال: رجعت من بعض سفري، فوجدت كتبي قد ذهبت، فكتبت من حفظي عشرين ألف حديث أو قال: ثلاثين ألف حديث استدراكاً مما ذهب. قال البرقاني: قال ابن شاهين: جميع ما خرجته وصنفته من حديثي لم أعارضه بالأصول يعني: ثقة بنفسه فيما نقله قال البرقاني: فلذلك لم أستكثر منه زهداً فيه.
توفي أبو حفص عمر بن شاهين سنة خمس وثمانين وثلاث مئة، ودفعن عند قبر أحمد بن حنبل.(18/249)
عمر بن أحمد بن لبيد البيروتي
إمام الجامع ببيروت المعروف بورد.
حدث عن أبي النصر إسماعيل بن إبراهيم العجلي بسنده إلى طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ما يرى الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدخر ولا أقصر ولا أغيظ منه يوم عرفة، وذلك لما يرى من تنزّل رحمة الله، وتجاوزه في ذلك اليوم عن الذنوب العظام ".
عمر بن إبراهيم بن سليمان
أبو بكر البغدادي الحافظ يعرف بأبي الآذان حدث عن سليمان بن عبد الخالق بسنده إلى عمر قال: صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة العيد ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم صلّى الله عليه وسلّم.
وحدث عن القاسم بن سعيد بن المسيب بن شريك بسنده إلى ابن عباس قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " من سئل عن علم نافع فكتمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار ".
وحدث عن إسماعيل بن حفص بن الحكم الآبلي بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " المهاجر من هجر السوء، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ".
أثنى أبو بكر الإسماعيلي على أبي الآذان جداً. قال، وطالت خصومة بينه وبين يهودي أو غيره فقال له: أدخل يدك في النار وأنا كذلك، فمن كان محقاً لم تحترق يده، فذكر أن يده لم تحترق، واحترقت يد اليهودي.
توفي سنة تسعين ومئتين، وله ثلاث وستون سنة. وكان ثقة.(18/250)
عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد
ابن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين ين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو البركات بن أبي علي الحسيني الزيدي الكوفي النحوي ولد بالكوفة، وسمع بها، وقدم دمشق مع أبيه، وسمع بها.
قال المصنف: وهو أورع علوي رأيته.
حدث عن أبي الحسين بن أحمد بن محمد بن أحمد بن النّقّور بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ".
وحدث عن أبي الفرج محمد بن أحمد بن علاّن الخازن بسنده إلى جرير بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحثنا على الصدقة، فأمسك الناس حتى رئي في وجهه الغضب، ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرّة، وأعطاها إياه، ثم تتابع الناس حتى رئي في وجهه السرور فقال صلّى الله عليه وسلّم: " من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجرهم شيء، ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزراهم شيء ".
قال المصنّف: سألت أبا البركات الزيدي عن مولده فقال: في سنة اثنتين وأربعين يعني: وأربع مئة بالكوفة، لم أسمع منه في مذهبه شيئاً، وقرأت عليه حديثاً فيه ذكر بعض السلف فترحم عليه. قال: وحدثني أبو علي بن الوزير أنه سأله عن مذهبه في الفتوى وكان مفتي الكوفة فقال: نفتي بمذهب أبي حنيفة ظاهراً وبمذهب زيد تديناً، قال: وحكى لي أبو طالب بن الهرّاس الدمشقي أنه صرح له بالقول بالقدر وخلق القرآن،(18/251)
فاستعظم أبو طالب ذلك منه، وقال: إن الأئمة على غير ذلك، فقال له: إن أهل الحق يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بأهله.
توفي الزيدي عمر بالكوفة سنة تسع وثلاثين وخمس مئة.
عمر بن بحر
أبو حفص الأسدي الصوفي سمع بدمشق.
حدث عن موسى بن عامر الدمشقي بسنده إلى زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من تكن الدنيا نيته جعل الله فقره بين عينيه، وشتت الله عليه ضيعته، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له، ومن تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه ويكف عليه ضيعته، وتأتيه الدنيا وهي راغمة ".
قال أبو حفص: وسمعت أحمد بن الحواري يخبر عن عبد الله بن السري قال: قال ابن سيرين: إن لأعرف الذي حمل علي به الدين ما هو؛ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس، فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال: قلّت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون؟ وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى.
قال عمر بن بحر: سمعت الجاحظ يقول، وقد تقاضى تلميذ له كتاباً وتقاضى للتلميذ أيضاً كتابه فرد الكتاب عليه ثم أنشأ الجاحظ يقول: الخفيف
أيّها المستعير منّي كتاباً ... ارض لي فيه ما لنفسك ترضى
لا تر ردّ ما أعرتك نفلاً ... وترى ردّ ما استعرتك فرضا
كان أبو حفص من كبار مشايخ أصبهان، وصحب ذا النون المصري وغيره، وهو من المذكورين بالفتوّ والورع، وقدم أصبهان سنة ثمان وثمانين ومئتين.(18/252)
عمر بن أبي بكر بن محمد
ابن عبد الله بن عمرو بن المؤمّل بن حبيب بن تميم بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي ابن كعب بن لؤي بن غالب، أبو حفص العدوي الموصلي قاضي الأردن.
حدث عن القاسم بن عبد الله العمري بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصيام رمضان بالمدينة كصيام ألف شهر فيما سواها، وصلاة الجمعة بالمدينة كألف صلاة فيما سواها ".
وحدث عن زكريا بن عيسى بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يخرج زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير.
قال محمد بن علي بن أميّة: كنا بحضرة المأمون بدمشق فغنى علويّة: الطويل
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا
ولكنهم لما رأوك سريعةً ... إليّ تواصوا بالنميمة واحتالوا
وقد صرت أذناً للوشاة سميعةً ... ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا
فقال المأمون لعلوية: لمن هذا الشعر؟ قال: للقاضي، قال: أيّ قاضٍ؟ قال: قاضي دمشق، فأقبل على أخيه المعتصم فقال له: يا أبا إسحاق، اعزله، قال: قد عزلته، قال: فليحضر الساعة، فأحضر شيخ خضيب ربعة من الرجال، فقال له المأمون: من تكون؟ فنسب نفسه، فقال: تقول الشعر؟ قال: قد كنت أقوله: قال: يا علوية، أنشده الشعر، فأنشده، فقال: هذا شعرك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ونساؤه طوالق وعبيده أحرار وماله في سبيل الله إن كان قال شعراً منذ ثلاثين سنة إلا في زهد أو معاتبة صديق، قال: يا أبا إسحاق، اعزله، فما كنت لأولّي الحكم بين المسلمين من يبدأ في هزله وجده بالبراءة من الإسلام، ثم قال: اسقوه فأتي بقدح فيه شراب فأخذه بيده وهي ترعد، فقال: يا أمير المؤمنين، الله الله ما ذقته قط، قال: أفحرام(18/253)
هو؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال المأمون: أولى لك، بها نجوت، ثم قال لعلوية: لا تقل: برئت من الإسلام ولكن قل:
حرمت مناي منك إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا
قال محمد بن الحسن المقرئ: هذا القاضي عمر بن أبي بكر المؤملي.
قال المصنف: ومدّ المأمون المنى في هذا، وهو مقصور، ونحاة البصرة لا يجيزون ذلك في شعر ولا نثر إلا الأخفش فإنه يجيزه في الشعر. وأما قصر الممدود في الشعر فجاء عند جميع النحويين. ولو جعل مكان هذا: حرمت رجائي أو ما أشبهه لكان وجهاً صحيحاً لا يختلف في جوازه.
وقد قيل: إن هذه القصة لعمرو بن أبي بكر أخي عمر هذا، قالوا: وهو الصواب.
عمر بن بلال أبو حفص الأسدي
من أصحاب عبد الملك بن مروان.
كان عبد الملك بن مروان من أشد الناس حباً لامرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فغضبت على عبد الملك، وكان بينهما باب فحجبته، وأغلقت ذلك الباب، فشقّ على عبد الملك، فشكا إلى خاصته، فقال له عمر بن بلال: ما لي عندك إن رضيت؟ قال: حكمك، قال: فأتى عمر بن بلال بابها، فبكى، فخرجت إليه حاضنتها ومواليها وجواريها؛ فقلن: مالك؟ فقال: فزغت إلى عاتكة ورجوتها، فقد علمت مكاني من أمير المؤمنين معاوية ومن يزيد بعده، فقلن: مالك؟ فقال: كان لي ابنان لم يكن لي غيرهما فقتل أحدهما صاحبه: فقال أمير المؤمنين: أنا قاتل الآخر، فقلت: أنا الوليّ، وقد عفوت، فقال: لا أعوّد الناس هذه العادة، فرجوت أن يحيي الله ابني بك، فدخلن عليها، فقالت: فما أصنع مع غضبي عليه؟ وما أظهرت له؟ فقلن: إذاً والله يقتل ابنه، فلم يزلن بها حتى دعت بثيابها، فلبستها، ثم خرجت من الباب، وأقبل(18/254)
خديج الخادم، فقال: يا أمير المؤمنين، عاتكة قد أقبلت، فقال: ويلك! ما تقول؟ قال: قد والله طلعت، قال: فأقبلت، فسلمت، فلم يردّ، فقالت له: أما والله لولا عمر بن بلال ما جئت قط، ولا بدّ من أن تهب لي ابنه فإنه الوليّ، وقد عفا، قال: إني أكره أن أعوّد الناس هذه العادة، فقالت: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، فقد عرفت مكانه من معاوية بن يزيد، ولم تزل حتى أخذت رجله فقبّلتها، فقال: هو لك، ولم يبرحا حتى اصطلحا. قال: ثم راح عمر بن بلال إلى عبد الملك فقال له: حاجتك؟ قال: مزرعة بعبيدها، وما فيها، وألف دينار، وفرائض لولدي، وأهل بيتي، وإلحاق عيالي، قال: ذلك لك.
عمر بن جميل البيروتي
حدث عن مرجّى بن الوليد بن مزيد قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: لو كان الأوزاعي في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكان فيهم وسطاً، قال مرجى: فأخبرت بذلك أبي، فقال: بل هو عندي كان يكون من أكابرهم.
قال: وقال أبي: ما رأينا قط أعبد لله عزّ وجلّ من الأوزاعي، ما أتى عليه وقت زوال قط في صيف ولا شتاء إلا وهو قائم يصلي.
عمر بن الجنيد بن داود بن إدريس بن عيسى القاضي
حدث بدمشق عن أحمد بن المقدام بسنده إلى أنس أن رجلاً سأل النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: " وما أعددت لها؟ " قال: لا، إلا أني أحب الله ورسوله، قال: " فإنك مع من أحببت ". قال أنس فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنك مع من أحببت ".
وفي رواية: قال أنس: " فأنا أحب الله ورسوله ".(18/255)
عمر بن حبيب بن قليع المدني
قال عمر بن حبيب: كنت جالساً عند سعيد بن المسيب يوماً، وقد ضاقت بي الأشياء، ورهقني دين، ما أدري أين أذهب، فجاءه رجل، فقال: يا أبا محمد، إني رأيت رؤيا، قال: ما هي؟ قال: رأيت كأني أحدث عبد الملك بن مروان، فأضجعته إلى الأرض ثم بطحته، فوتدت في ظهره أربعة أوتاد، قال: ما أنت رأيتها، قال: بلى أنا رأيتها، قال: ألا أخبرك أو تخبرني، قال أبو الزبير: واهاً، وهو بعثني إليك، قال: لئن صدقت رؤياه قتله عبد الملك بن مروان وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة، قال: فرحلت إلى عبد الملك بالشام، فأخبرته بذلك عن سعيد بن المسيب، فبشره، وسألني عن سعيد وعن حاله فأخبرته، وأمر لي بقضاء ديني، وأصبت منه خيراً.
عمر بن الحسن بن محمد
ابن الحسن بن القاسم بن درستويه أبو القاسم الإمام حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده إلى عمران بن الحصين قال: لما توفي ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم بكا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودمعتا عيناه، فقالوا: يا رسول الله، تبكي! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إن شاء الله إلا ما يرضي ربنا، وإنا يا إبراهيم لمحزونون ".
وحدث عنه بسنده إلى سعيد بن جبير في قوله عزّ وجلّ " إذ يقول أمثلهم طريقةً " قال: أوفاهم عقلاً.(18/256)
عمر بن الحسن بن نصر بن طرخان
أبو حفص القاضي الحلبي ولي قضاء دمشق، وحدث بها وبغيرها.
روى عن أبي طالب هاشم بن الوليد بسنده إلى عائشة أن صفية حاضت بعدما أفاضت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أحابستنا؟ " فقالت: ما شأنها؟ إنها قد أفاضت، قال: " فلا إذاً ".
وحدث عن محمد بن سليمان لوين بسنده إلى عبد الله
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج لحاجته. قال: فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار. قال: فأتيته بحجرين وروثة. قال: فأخذ الحجرين وردّ الروثة وقال: " إنها رجس ".
وحدث سنة اثنتين وتسعين ومئتين عن محمد بن قدامة بن أعيّن المصيصي بسنده إلى ابن عباس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي من الليل ركعتين ثم ينصرف فيستاك.
توفي أبو حفص سنة ستة وثلاث مئة. وقيل: إنه عاش إلى سنة سبع. وكان ثقةً صدوقاً.
عمر بن الحسين بن عبد الله
أبو القاسم البغدادي الخرقي الفقيه الحنبلي صاحب الكتاب المختصر في الفقه على مذهب أحمد بن حنبل قال أبو القاسم الخرقي: قال لي أبو الفضل ابن عبد السميع الهاشمي: جئنا يوماً إلى الفتح بن شخرف، فقال: اكتبوا رؤيا رأيتها البارحة، فقلنا: ما هي؟ قال: رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام، فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين، حدثني، فقال: ما أحسن تواضع(18/257)
الأغنياء للفقراء. قال: قلت: زدني جعلت فداك يا أمير المؤمنين، قال فأراني كفه فإذا فيه أسطر تلوح: مخلع البسيط
قد كنت ميتاً فصرت حياً ... وعن قليلٍ تعود ميتا
فابن بدار للبقاء بيتاً ... ودع بدار الفناء بيتا
توفي الخرقي سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة، ودفن بدمشق. وكان خرج عن بغداد لما ظهر سبّ الصحابة رضي الله عنهم.
عمر بن الحسين بن عيسى بن إبراهيم
أبو حفص الدوني الصوفي سكن صور.
حدث عن الحسن بن محمد بن أحمد بن جميع بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء.
ولد أبو حفص الدوني سنة أربع مئة، وتوفي سنة إحدى وثمانين وأربع مئة. وكان شيخاً صالحاً يذهب مذهب سفيان الثوري.
عمر بن حفص بن عمر البغدادي
حدث عن عثمان بن أبي شيبة بسنده إلى زرّ بن حبيش قال: قال أبيّ بن كعب: قد علمت ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، هي الليلة التي أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تطلع الشمس في صبيحتها بيضاء ترقرق ليس لها شعاع.(18/258)
عمر بن حفص
أبو حفص الخياط الدمشقي أحد المعمرين.
حدث عن أبي الخطاب معروف الخياط قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " طوبى لمن رآني، ولمن رأى من رآني، ومن رأى من رأى من رآني ".
وحدث عمر بن حفص وكان له ستون ومئة سنة عن معروف الخياط عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليكم بالحناء، فإنه ينوّر رؤوسكم، ويطهّر قلوبكم، ويزيد في الجماع، وهو شاهد لي في القبر ".
وبه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لو أن قدرياً أو مرجئاً مات فنبش بعد ثلاث لوجد إلى غير القبلة ".
عمر بن حفص الدمشقي
حدث عن خالد بن يزيد بسنده إلى حذيفة بن اليمان قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه الذي قبض فيه، فرأيته يتساند إلى عليّ، فأردت أن أنحيه وأجلس مكانه، فقلت: يا أبا الحسن، ما أراك إلا تعبت في ليلتك هذه، فلو تنحيت فأعنتك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " دعه فهو أحق بمكانه منك، ادن مني يا حذيفة، من أطعم مسكيناً لله عزّ وجلّ دخل الجنة ". قال: قلت: يا رسول الله أكتم أم أتحدث به؟ قال: " بل تحدّث به ".(18/259)
عمر بن حفص الدمشقي مولى قريش
قال عمر بن حفص: لما ظهر محمد شاور أبو جعفر شيخاً من أهل الشام ذا رأي، فقال: وجّه إلى البصرة أربعة آلاف من جند الشام، فلهي عنه، وقال: خرف الشيخ ثم أرسل إليه، فقال: قد ظهر إبراهيم بالبصرة، قال: فوجّه إليه جنداً من أهل الشام، قال: ويحك! ومن لي بهم؟ قال: اكتب إلى عاملك عليها يحمل إليك في كل يوم عشرة على البريد، قال: فكتب أبو جعفر بذلك إلى الشام. قال عمر بن حفص: فإني لأذكر أبي يعطي الجند حينئذ وأنا أمسك المصباح، وهو يعطيهم ليلاً، وأنا يومئذ غلام شاب.
وهذا الشيخ الشامي هو جعفر بن حنظلة البهراني، شامي، وروي أن المنصور قال له: كيف خفت البصرة؟ قال: لأن محمداً ظهر بالمدينة، وليسوا بأهل حرب، بحسبهم أن يقيموا شأن أنفسهم، وأهل الكوفة تحت قدمك، وأهل الشام أعداء آل أبي طالب، فلم يبق إلا البصرة.
عمر بن حمّاد أبو حفص
حدث بدمشق عن عمر بن محمد المروزي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا مكتوبة ".
عمر بن حمّاد أبو حفص الدمشقي
كان في حرس عمر بن عبد العزيز.
قال عمر بن حماد: سمعت عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين ونحن في حرسه يقول في دبر صلاته: اللهم، إنك لم تشهدني خلقي، ولم تؤامرني في نفسي، لكنك خلقتني لما شئت من(18/260)
ذلك، فإن كنت خلقتني في سابق علمك سعيداً فاستعملني في السعادة، وإن كنت خلقتني في سابق علمك شقياً فحولني من الشقاء إلى السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. اللهم، وإن لم أكن أهلاً تبلغني رحمتك فإن رحمتك أهلٌ أن تبلغني فبلغنيها برحمتك، إنك على كل شيء قدير.
عمر بن حيّان الدمشقي
حدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه سجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اثنتي عشرة سجدة منهن في: " والنجم ".
ورواه عمر بن حيّان بطريق آخر قال: سمعت مخبراً يخبر عن أمر الدرداء عن أبي الدرداء بنحوه.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط ابن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب أبو حفص القرشي العدوي أمير المؤمنين الفاروق ضجيع سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه ووزيره قدم الشام غير مرة في الجاهلية، ودخل فيها دمشق، ودخل بها في الإسلام أيضاً لما قدم الجابية، وقدم الشام لفتح بيت المقدس، وقدمها أيضاً ثم رجع لما بلغه وقوع الطاعون بالشام.
روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها ".
وعن قيس قال: لما قدم عمر الشام أتي ببرذون فقيل له: اركب يا أمير المؤمنين، فيراك(18/261)
عظماء أهل الأرض. قال: فقال: وإنكم لهنالك، إنما الأمر من هاهنا وأشار بيده إلى التيماء خلوا سبيلي.
وعن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأمسكهما بيده، وخاض الماء، ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك عمر في صدره وقال: أوه! لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزّ بغيره يذلّكم الله عزّ وجلّ.
قال طارق: لما قدم عمر الشام لقيه الجنود، وعليه إزار وخفّان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء، وقد خلع خفّيه، وجعلهما تحت إبطيه، قالوا: له يا أمير المؤمنين، الآن يلقاك الجنود وبطارقة الشام، وأنت على هذه الحالة! قال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزّ بغيره.
حدث جماعة قالوا: قال عمر: ضاعت مواريث الناس بالشام، أبدأ بها فأقسم المواريث، وأقيم لهم ما في نفسي ثم أرجع فأتقلب في البلاد، وأنبذ إليهم أمري، فأتى عمر الشام أربع مرات: مرتين في سنة ست عشرة، ومرتين في سنة سبع عشرة، ولم يدخلها في الأولى من الأخريين.
قال أبو مخنف: توجه عمر إلى الشام سنة ست عشرة، وعليها أبو عبيدة بن الجراح، فلما اشرف على غوطة دمشق ونظر إلى المدينة والقصور والبساتين تلا قوله تعالى: " كم تركوا من جنّاتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوماً آخرين " ثم تمثل بقول النابغة الطويل(18/262)
هما فتيا دهرٍ يكرّ عليهما ... نهارٌ وليلٌ يلحقان التواليا
إذا ما هما مرّا بحيّ بغبطةٍ ... أناخا بهم حتى يلاقوا الدواهيا
وقد روي أن عمر قدم دمشق في الجاهلية، وأسره بطريق بها، واستعمله، فقتله، وهرب.
كما روى أسلم أن عمر بن الخطاب قال:
خرجت مع ثلاثين من قريش في تجارة إلى الشام في الجاهلية. فلما خرجنا نسيت قضاء حاجة، فرجعت، فقلت لأصحابي: ألحقكم. فإني لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد أخذ بعنقي، فذهبت أنازعه، فأدخلني كنيسة، فإذا تراب متراكم بعضه على بعض، فدفع إلي مجرفة وفأساً وزنبيلاً وقال: انقل هذا التراب، فجلست أتفكر في أمري كيف أصنع، فأتاني في الهاجرة وعليه سبنيّة قصب أرى سائر جسده منها ثم قال: لم أرك أخرجت شيئاً، ثم ضم أصابعه، فضرب بها وسط رأسي، فقلت: ثكلتك أمك عمر بلغت ما أرى، فقمت بالمجرفة، فضربت بها هامته، فإذا دماغه قد انتثر، فواريته تحت التراب، وخرجت على وجهي ما أدري أين أسلك، فمشيت بقية يومي وليلتي حتى أصحبت، فانتهيت إلى دير، فاستظللت في ظله، فخرج إلي رجل من أهل الدير فقال: يا عبد الله، ما يجلسك هاهنا؟ فقلت: أضللت عن أصحابي، قال: ما أنت على الطريق، وإنك لتنظر بعين خائف، ادخل فأصب من الطعام، واسترح، ونم، فدخلت، فجاءني بطعام وشراب ولطف، فصعّد فيّ البصر وخفّضه ثم قال: يا هذا، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم مني بالكتاب، وإني أجد صفتك الذي يخرجنا من هذا الدير، ويغلب على هذه البلدة، فقلت له: أيها الرجل، قد ذهبت في غير مذهب، قال: ما اسمك؟ قلت: عمر بن الخطاب، قال: أنت والله صاحبنا غير شك، فاكتب لي على ديري وما فيه، قلت: أيها الرجل، قد صنعت معروفاً فلا تكدّره، فقال: اكتب لي كتاباً في رقّ، وليس عليك فيه شيء، فإن تكن صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى فليس يضرّك، قلت: هات، فكتبت له ثم ختمت(18/263)
عليه، فدعا بنفقة وبأثواب، فدفعها إلي وبأتان قد أوكفت، فقال: ألا تسمع؟ قلت: نعم، قال: اخرج عليها فإنها لا تمر بأهل دير إلا علفوها وسقوها حتى إذا بلغت مأمنك، فاضرب وجهها مدبرة، فإنها لا تمر بقوم ولا أهل دير إلى علفوها وسقوها حتى تصير إلي، فركبت، فلم أمرّ بقوم إلا علفوها وسقوها، حتى أدركت أصحابي متوجهين إلى الحجاز، فضرب وجهها مدبرة ثم سرت معهم.
فلما قدم عمر الشام في خلافته أتاه ذلك الراهب، وهو صاحب دير العدس بذلك الكتاب. فلما رآه عمر تعجب منه، فقال: أوف لي بشرطين فقال عمر: ليس لعمر، ولا لأبي عمر فيه شيء، ولكن عندك للمسلمين منفعة، فأنشأ عمر يحدث حديثه حتى أتى على آخره، فقال له عمر: إن أضفتم المسلمين، وهديتموهم الطريق، ومرّضتم المريض فعلنا ذلك، قال: نعم يا أمير المؤمنين، فوفى له بشرطه.
قال الواقدي: قولهم: إن عمر دخل الشام في خلافته مرتين، ورجع الثالثة من سرغ لا يعرف عندنا، إنما قدم عمر الشام في خلافته، قدمه عام الجابية سنة ست عشرة حين صالح أهل بيت المقدس، وقسم الغنائم بالجابية، وجاء عام سرغ سنة سبع عشرة فرجع من سرغ من أجل الطاعون، لم يكن غيرها بين الرحلتين. وهم يقولون: دخل في الثالثة دمشق وحمص، وهذه الرحلة لا تعرف عندنا، وسنين عمر معروفة عام الجابية سنة ست عشرة، وسرغ سنة سبع عشرة، والرمادة سنة ثمان عشرة، فكل هذا معروف، ولم يدخل عمر في روايته دمشق ولا حمص في خلافته.
وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل بن هشام، وكان أبو جهل خاله. وشهد عمر بدراً، وهو أول من سمي أمير المؤمنين.
لما توفي أبو بكر قال عمر: قيل لأبي بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكيف يقال لي: خليفة(18/264)
خليفة رسول الله؟ هذا يطول، فقال له المغيرة بن شعبة: أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين، قال: فذاك إذاً، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة.
بويع له يوم مات أبو بكر رضي الله عنه ولاه أبو بكر الصديق الخلافة بعده، فتولاها في سنة ثلاث عشرة إلى أن طعن وكان عمر أمهق، طوالاً، أصلع، آدم، شديد الأدمة، أعسر يسر، وكان يخضب بالحناء والكتم، ووصفه ابنه فقال: كان أبيض، تعلوه حمرة، طوال أصلع أشيب. زاد غيره: في عارضيه خفة، سبلته كبيرة، وفي أطرافها صهبة، وكان إذا حزبه أمر فتلها، وكان أحول، عظيم الألواح، يسرع في مشيته.
دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يعزّ الله به الدين، والمسلمون مختبئون. فلما أسلم كان إسلامه عزاً أعز الله به الإسلام، وظهر النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، ثم هاجر من مكة إلى المدينة، فكانت هجرته فتحاً، ولم يغب عن مشهدٍ شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قتال المشركين، وصحب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأحسن صحبته، وشهد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة، وقبض صلوات الله عليه وهو عنه راض، ثم ارتد الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوازر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منهاج نبيه، وضرب بسيفه مع من أقبل من أدبر، حتى أدخل الناس في الإسلام، طوعاً وكرهاً، ثم قبض الخليفة وهو عنه راض، وولي بعده بخير ما يلي أحد من الناس، مصر الله به الأمصار، وجبى به الأموال، ونفى به العدو، وأدخل على كل أهل بيت من المسلمين توسعةً في دينهم، وتوسعة في أرزاقهم، حتى ختم الله له الشهادة.
وروي عن عمر أنه قال: ولدت قبل الفجار الأعظم بأربع سنين، واسلم في السنة السادسة من النبوة وهو ابن ست وعشرين سنة. وكان عبد الله بن عمر يقول: أسلم عمر وأنا ابن ست سنين. وقيل: ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان يأكل السمن واللبن. فلما أمحل الناس عام الرمادة حرّمهما على نفسه، وقال: والله لا أكلهما حتى يخصب الناس، وكان يأكل الزيت(18/265)
حتى تغير لونه، وكان أروح، والأروح الذي تتدانى قدماه إذا مشى كأنه راكب، والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس، وكان كثّ اللحية جهير الصوت.
قال زرّ بن حبيش: خرجنا مع أهل المدينة في يوم عيد في زمن عمر بن الخطاب، وهو يمشي حافياً، شيخاً، أصلع، أعسر يسر، طوالاً، مشرفاً على الناس، كأنه على دابة، متلثماً ببرد قطري يقول: عباد الله، هاجروا، ولا تهجروا، وليتّق أحدكم الأرنب يحذفها بالعصا، أو يرميها بالحجر فيأكلها لكن لتذك لكم الأسل: الرماح والنبل.
قال عبيد بن عمير: كنت إذا رأيت عمر في قوم رأيته مشرفاً عليهم، يفوقهم بهذه، وأشار سفيان بيده فوضعها على شاربه.
وكان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويجمع جراميزه، ويثب على فرسه، فكأنما خلق على ظهره.
وعن أم عبد الله بنت أبي خيثمة قالت: إنا لنرتحل إلى أرض الحشة، وقد ذهب عامر بن ربيعة في بعض حاجته، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف عليّ، قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وغلظة علينا، فقال: إنه الانطلاق يا أم عبد الله، قالت: قلت لعمر: والله لنخرجنّ في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل اله لنا فرجاً، فقال عمرك صحبكم الله، ورأيت منه رقة لم أرها منه قط. قالت: فلما رجع ابن ربيعة من حاجته قلت: يا أبا عبد الله، لو رأيت(18/266)
عمر بن الخطاب، أتانا، ورقته وحزنه علينا، فقال عمر؟! فقلت: نعم، قال عامر: كأنك طمعت في إسلام عمر، قالت: نعم، فقال لها: لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، بأساً منه، لما كان يرى من غلظته وجفاه بنا.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم أعزّ الإسلام بأحبّ الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أبو بأبي جهل بن هشام "، فكان أحبهما إلى الله تعالى عمر بن الخطاب.
وفي رواية: " اللهم، أشدد الدين بأحب الرجلين إليك "، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فشدّ بعمر ".
وعن سعيد بن المسيب قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى عمر بن الخطاب أو أبا جهل بن هشام قال: " اللهم، اشدد دينك بأحبهما إليك "، فشدّ دينه بعمر بن الخطاب. ولما أوحي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أبا جهل عمرو بن هشام لن يسلم خصّ عمر بن الخطاب بدعائه، فأجيب فيه إلى تحقيق رجائه.
وعن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم، أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة ".
وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر قال له ابن عباس: أبشر قد دعا لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعزّ بك الدين، والمسلمون مختبئون بمكة. فلما أسلمت كان إسلامك عزّاً.
وعن شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب:
خرجت أتعرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن أسلمن فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن. قال: فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فقرأ: " إنّه لقول رسولٍ كريمٍ وما هو بقول شاعرٍ قليلاً ما تؤمنون " قال: فقلت: كاهن. قال: " ولا بقول كاهنٍ قليلاً ما تذكّرون(18/267)
تنزيلٌ من ربّ العالمين ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين " إلى آخر السورة. قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع.
وعن جابر بن عبد الله قال: كان أول إسلام عمر قال عمر: ضرب أختي المخاض ليلاً، فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قرة فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فدخل الحجر، وعليه تبان، قال: فصلى ما شاء الله، ثم انصرف، فسمعت شيئاً لم أسمع مثله، فخرجت، فاتبعته، فقال: " من هذا؟ " قلت عمر: قال: " يا عمر، ما تدعني ليلاً ولا نهاراً؟! " قال: فخشيت أن يدعو علي، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: فقال: " يا عمر، أتسرّه؟ " قال: قلت: والذي بعثك بالحق لأعلننّه كما أعلنت الشرك.
عن ابن عباس قال:
سألت عمر بن الخطاب: لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، قال: فخرجت إلى المسجد، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسرع أبو جهل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسبّه، قال: فما رجع حمزة أخبر، قال: فرفع رداءه، وأخذ قوسه ثم خرج إلى المسجد، إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل، قال: فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل، قال: فنظر إليه فعرف الشرّ في وجهه، فقال: ما لك يا أبا عمارة؟ قال فرفع القوس فضرب بها أخدعيه، فقطعه، فسالت الدماء، قال: فأصلحت ذلك قريش مخافة أن يكون بينهم قائدة، قال: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مختفٍ في دار أرقم بن أبي الأرقم المخزومي، قال: فانطلق حمزة مغضباً حتى أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأسلم، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا فلان بن فلان المخزومي، فقلت له: أرغبت عن دين آبائك، واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقاً مني، قال: قلت: ومن هذا؟ قال أختك وختنك، قال: فانطلقت، فوجدت الباب مغلقاً، وسمعت همهمة، قال: ففتح لي الباب، فدخلت، فقلت: ما هذا الذي أسمع عندكم؟ قالوا: ما سمعت شيئاً، فما زال الكلام بيني وبينهم حتى برأس ختني، فضربته ضرباً، فأدميته، فقامت إليّ أختي،(18/268)
فأخذت برأسي، فقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك، قال: فاستحييته حين رأيت الدماء، فجلست، وقلت: أروني هذا الكتاب، فقالت أختي: إنه لا يمسّه إلا المطهرون، فإن كنت صادقاً فقم، فاغتسل، قال: فقمت، فاغتسلت، وجئت فجلست، فأخرجوا لي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، قلت: أسماء طاهرة طيبة " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى تنزيلاً ممّن خلق الأرض والسّموات العلى الرّحمن على العرش استوى له ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السّر وأخفى " قال: قلت: بهذا جاء موسى " الله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى " فتعظمت في صدري، وقلت: من هذا فرّت قريش، ثم شرح الله صدري للإسلام، فقلت: " لله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى " قال: فما في الأرض نسمة أحب إلي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: أين رسول الله؟ قالت: عليك عهد الله وميثاقه ألا تهيجه بشيء يكرهه، قلت: نعم، قالت: فإنه في دار أرقم بن أبي الأرقم، في دارٍ عند الصفا، فأتيت الدار، وحمزة وأصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في البيت فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: وعمر بن الخطاب؟ افتحوا له الباب، فإن أقبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، قال: فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ما لكم؟ " قالوا: عمر بن الخطاب فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نتره نترة، فما تمالك أن وقع على ركبتيه في الأرض، فقال: " ما أنت بمنتهٍ يا عمر "! قال: قلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قلت: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا، وإن حيينا؟ قال: " بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متّم وإن حييتم "، قال: فقلنا: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجنّ، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صأ يومئذ الفاروق، وفرق بين الحق والباطل.(18/269)
وفي حديث آخر بمعناه قال:
ثم خرجت، فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً من المسلمين يضرب إلا رأيته، قال: ثم ذهبت إلى خالي، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب، فخرج إلي، فقلت له: أعلمت أني صبوت؟ قال: فعلت؟ قلت: نعم، قال: لا تفعل، ثم دخل، وأجاف الباب دوني، قال: قلت: ما هذا بشيء، قال: فذهبت إلى رجل من أشراف قريش، فقرعت عليه بابه، فقال: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، فخرج، فقلت: أشعرت أني صبوت؟ قال: أفعلت؟ قلت: نعم، قال: لا تفعل، ثم دخل، وأجاف دوني الباب. قال: قلت: ما هذا بشيء. قال: فقال لي رجل: أتحب أن تعلم إسلامك؟ قال: قلت: نعم، قال: فإذا كان الناس في الحجر جئت إلى ذلك الرجل، فجلست إلى جنبه، وأصغيت إليه، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: أو فعلت؟ قلت: نعم، قال: فرفع بأعلى صوته ثم قال: ابن الخطاب قد صبأ، وثار الناس علي فضربوني، فضربتهم، فقال رجل: ما هذه الجماعة؟ قالوا: هذه ابن الخطاب قد صبأ، فقام على الحجر ثم أشار بكمه فقال: ألا إني قد أجرت ابن أختي، قال: فقلت لأختي: يصيبني ما يصيب المسلمين، فأمهلت حتى إذا جاء الناس في الحجر فجئت إلى خالي، فقلت: اسمع، فقال: ما أسمع؟ قلت: جوادك ردٌّ عليك، قال: لا تفعل يا بن أختي، قال: قلت: بل هو ردٌّ عليك، فقال: ما شئت. قال: ما زلت أضرب الناس ويضربونني حتى أعزّ الله بنا الإسلام.
وعن ابن عمر قال: اجتمعت قريش فقالوا: من يدخل على هذا الصابئ فيرده عما عليه فيقتله؟ فقال عمر بن الخطاب: أنا، فأتى العين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إن عمر بن الخطاب يأتيك، فكن منه على حذر. فلما أن صلى رسولالله صلّى الله عليه وسلّم صلاة المغرب قرع عمر بن الخطاب الباب، وقال: افتحي يا خديجة. فلما أن دنت قالت: من هذا؟ قال: عمر، قالت: يا نبيّ الله، هذا عمر، فقال من عنده من المهاجرين، وهم تسعة صيام، وخديجة عاشرتهم: ألا تشتفي يا رسول الله فضرب عنقه؟ قال: " لا "، ثم قال: " اللهم، أعزّ الدين بعمر بن الخطاب ". فلما دخل قال: ما تقول يا محمد؟ قال: " أقول أن(18/270)
تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وتؤمن بالجنة والنار والبعث بعد الموت "، فبايعه، وقبل الإسلام، وصبوا عليه الماء حتى اغتسل ثم تعشى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبات يصلي معه. فلما أصبح اشتمل على سيفه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلوه، والمهاجرون خلفه حتى وقف على قريش، وقد اجتمعوا، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " فتفرقت حينئذ قريش عن مجالسها.
وفي حديث آخر بمعناه ذكره ابن إسحاق قال:
ثم إن قريشاً بعثت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في دار في أصل الصفا، ولقيه النحّام وهو نعيم بن عبد أسد، أخو بني عدي بن كعب، وقد أسلم قبل ذلك، وعمر متقلد سيفه، فقال: يا عمر، أين تراك تعمد؟ فقال: أعمد إلى محمد هذا الذي سفّه أحرم قريش، وسفّه آلهتها، وخالف جماعتها، فقال له النحام: لبئس الممشى مشيت يا عمر، ولقد فرطت، وأردت هلكة بني عدي بن كعب، أو تراك مفلتاً من بني هاشم وبني زهرة، وقد قتلت محمداً صلّى الله عليه وسلّم؟ فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما، فقال له عمر: إن لأظنك قد صبأت، ولو أعلم ذلك لبدأت بك. فلما رأى النحام أنه غير منته قال: فإني أخبرك أن أهلك ختنك قد أسلموا، وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك. فلما سمع عمر تلك المقالة يقولها قال؟ وأيّهم؟ قال: ختنك وابن عمك وأختك. فانطلق عمر حتى أتى أخته، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتته الطائفة من أصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى أولي السّعة فيقول: عندك فلان، فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فدفع إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبّاب الأرتّ مولى ثابت بن أم أنمار حليف بني زهرة، وقد أنزل الله عزّ وجلّ " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى ". وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا ليلة الخميس فقال: اللهم، أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام، فقال ابن عم(18/271)
عمر وأخته: نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر، فكانت. فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب أخته ليغير عليها ما بلغه من إسلامها، فإذا خبّاب بن الأرتّ عند أخت عمر يدرس عليها " طه " وتدرس عليه " إذا الشّمس كوّرت ". وكان المشركون يدعون المدارسة: الهينمة. فلما رأته أخته عرفت الشرّ في وجهه فخبأت الصحيفة، وزاغ خباب فدخل البيت، فقال عمر لأخته: ما هذه الهينمة في بيتك؟ قالت: ما عدا حديثاً نتحدث به بيننا، فعذلها، وحلف ألا يخرج حتى يتبين شأنها، فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: إنك لا تستطيع أن تجمع الناس على هواك يا عمر، وإن كان الحق سواه، فبطش به عمر، فوطئه وطئاً شديداً وهو غضبان، فقامت إليه أخته تحجزه عن زوجها فنفحها عمر بيده، فشجّها. فلما رأت الدم قالت: هل تسمع يا عمر؟ أرأيت كل شيء بلغك عني مما تذكره من تركي آلهتك، وكفري باللات والعزى فهو حق. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فائتمر أمرك، واقض ما أنت قاض. فلما رأى ذلك عمر سقط في يده، فقال عمر لأخته: أرأيت ما كنت تدرسين أعطيك موثقاً من الله لا أمحوها حتى أردها إليك، ولا أرتبك فيها؟ فلما رأت ذلك أخته، ورأت حرصه على الكتاب رجت أن تكون دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له قد لحقت، فقالت: إنك نجس، و" لا يمسّه إلاّ المطهّرون "، ولست آمنك على ذلك، فاغتسل غسلك من الجنابة، وأعطني موثقاً تطمئن إليه نفسي، ففعل عمر، فدفعت إليه الصحيفة، وكان عمر يقرأ، فقرأ: " طه " حتى بلغ إلى قوله " فتردّى " و" إذا الشّمس كوّرت " حتى بلغ " علمت نفسٌ ما أحضرت "، فأسلم عند ذلك عمر، فقال لأخته وختنه: كيف الإسلام؟ قالا: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. وتخلع الأنداد، وتكفر باللات والعزى، ففعل ذلك عمر. وخرج خباب، فكبّر خباب وقال: أبشر يا عمر بكرامة الله، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد دعا لك أن يعزّ الله الإسلام بك، قال عمر: فدلّوني على المنزل الذي فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدلّه خبّاب عليه.(18/272)
فلما انتهى عمر إلى الدار استفتح. فلما رأى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر متقلداً بالسيف أشفقوا منه. فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجل القوم قال: " افتحوا له، فإن كان الله يريد بعمر خيراً ابتع الإسلام، وصدّق الرسول، وغن كان يريد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً، فابتدره رجال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم داخل البيت يوحى إليه، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سمع صوت عمر وليس عليه رداء حتى أخذ بمجمع قميص عمر وردائه، وقال له: " ما أراك منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الرجز ما أنزل بالوليد بن المغيرة "، ثم
قال: " اللهم، اهد عمر "، فضحك عمر فقال: يا نبيّ الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار، والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً وإحدى عشرة امرأة. قال: " اللهم، اهد عمر "، فضحك عمر فقال: يا نبيّ الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار، والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً وإحدى عشرة امرأة.
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات، وهو يقول: " اللهم، أخرج ما في صدره من غلّ وداء، وأبدله إيماناً، يقول ذلك ثلاثاً ".
وعن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم، فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: " يا أيّها النّبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ".
وفي رواية: تسعة وثلاثون رجلاً، وثلاث وعشرون امرأة.
وروي عن عمر أنه قال: لقد رأيتني وما أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا تسعة وثلاثون رجلاً، فكنت رابع أربعين رجلاً، فأظهر الله دينه، وأعزّ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وأعزّ الإسلام.
وقيل: إن عمر أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة. وقيل: بعد أربعين رجلاً وعشرة نسوة.(18/273)
وفي حديث: أن عمر لما أسلم نزل جبريل فقال: يا محمد، استبشر أهل السماء بإسلام عمر.
وعن عمر قال: لما أسلمت تذكرت أن أهل مكة أشد عداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: أبا جهل، فأتيته حتى وقفت على بابه فخرج إليّ، فرحب بي وقال: مرحباً وأهلاً يا بن أختي، ما جاء بك؟ قلت: جئت أخبرك أني قد أسلمت، فضرب الباب في وجهي وقال: قبحك الله، وقبح ما جئت به.
وعن ابن عمر قال: إني لمع أبي يوم أسلم غلامٌ أتبعه، أعقل ما يصنع حتى أتى جميل بن معمر الجمحي، وكان امرأ يذيع الحديث فقال: يا جميل: أعلمت أني اتبعت محمداً؟ فقام جميلٌ يجرّ رداءه من العجلة يطوف على أندية قريش ويقول: إن ابن الخطاب صبأ، وأبي يتبعه ويقول: كذب، ولكني أسلمت، فلم يصنعوا شيئاً، فصاح أبي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقاموا إليه فجعلوا يضربونه، ويضربهم حتى قامت الشمس على رأسه، فجلس وقد أعيا، وهو يقول: أما والله لو قد بلغنا ثلاث مئة لقد أخرجناكم منها، أو أخرجتمونا. إلى أن جاء رجل عليه قومسي ورداء حبرة، فقال: ما هذا؟ قالوا: صبأ ابن الخطاب، فقال رجل: اختار لنفسه أمراً، ما لكم وله؟! أترون بني عدي تاركيكم وصاحبكم هكذا؟ فكأنما كسف بالناس يوماً، فقلت له بالمدينة: يا أبه، من الرجل الذي أتاك يوم أسلمت؟ قال: العاص بن وائل.
وفي رواية أخرى أنه قال: صبأ عمر، فمه، أنا له جار، فتفرق الناس عنه. قال: فعجبت من عزة يومئذ.
وقيل: إن إسلام عمر كان قبل خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أرض الحبشة.
وقال عمر حين أسلم: البسيط
الحمد لله ذي المنّ الذي وجبت ... له علينا أيادٍ ما لها غير(18/274)
وقد بدأنا فكذبنا فقال لنا ... صدق الحديث نبي عنده الخبر
وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى ... ربّي عشية قالوا قد صبا عمر
وقد ندمت على ما كان من زللٍ ... بظلمها حين تتلى عنده السّور
لما دعت ربّها ذا العرش جاهدة ... والدمع من عينها عجلان يبتدر
أيقنت أنّ الذي تدعوه خالقها ... فكاد يسبقني من عبرةٍ درر
فقلت أشهد أن الله خالقنا ... وأنّ أحمد فينا اليوم مشتهر
نبي صدقٍ أتى بالحق من ثقةٍ ... وافي الأمانة ما في عوده خور
وعن ابن عباس قال: لما أسلم عمر قال المشركون: انتصف القوم منا.
وعن صهيب بن سان قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعا إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
وعن عكرمة قال: لم يزل الإسلام في استخفاء حتى أسلم عمر. فلما أسلم أخرجهم من البيوت، فلا يزال قد ضرب ذا وصرع ذا، وعازّوا الإسلام.
وعن ابن عباس
في قوله: " كزرعٍ أخرج شطأه " قال: أصل الزرع عبد المطلب. " أخرج شطأه " أخرج محمداً صلّى الله عليه وسلّم، " فآزره " بأبي بكر. " فاستغلظ " بعمر " فاستوى على سوقه " بعثمان " يعجب الزّرّاع " علي بن أبي طالب " ليغيظ بهم الكفّار ".
وعن الحسن البصري في قوله: " وصالح المؤمنين " قال: عمر بن الخطاب. وفي قوله: " أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس " قال: عمر بن الخطاب "(18/275)
كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها " قال: أبو جهل بن هشام.
وعن علي قال: نزلت هذه الآية: " ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سررٍ متقابلين " في ثلاثة من بطون قريش: بني هاشم، وبني تيم بن مرّة، وبني عدي بن كعب. منهم أنا وأبو بكر وعمر.
سئل الحسن عن قوله عزّ وجلّ: " من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبّونه " قال: منهم أبو بكر وعمر.
وعن ابن عباس: في قوله الله عزّ وجلّ " وشاورهم في الأمر " قال: أبو بكر وعمر.
وعن ابن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: في قوله: " فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " قال صلّى الله عليه وسلّم: " من صالح المؤمنين: أبو بكر وعمر "، وقال سعيد بن جبير في قوله: " وصالح المؤمنين " قال: نزلت في عمر بن الخطاب خاصة. وقال مقاتل: " صالح المؤمنين " أبو بكر وعمر وعلي.
وعن زيد " فقد صغت قلوبكما " قال: قد مالت. وفي قوله: " وصالح المؤمنين " قال: الأنبياء.(18/276)
وعن عبد الله بن مسعود قال: ما زلنا أعزاء منذ أسلم عمر.
وعن عبد الله أن إسلام عمر كان عزّاً، وأن هجرته كانت فتحاً، أو نصراً، وإمارته كانت رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، وإني لأحسب بين عيني عمر ملكاً يسدّده، وإني لأحسب الشيطان يفرقه. وإذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر.
وفي رواية: ما استطعنا أن نصلي في البيت ظاهرين حتى أسلم عمر. فلما أسلم عمر قاتلناهم حتى صلينا.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رأيت ليلة أسري بي على العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق ".
وعن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مكتوب على ساق العرش. أو في ساق العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ووزيراه أبو بكر الصديق وعمر الفاروق ".
وعن النزّال بن سبرة الهلالي قال: قلنا لعلي: فحدثنا عن عمر قال: ذاك امرؤ سماه الله الفاروق، يفرق بين الحق والباطل. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " اللهم، أعزّ الإسلام بعمر ".
وعن أبي عمروٍ ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق. فرق الله به بين الحق والباطل ". قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر: الفاروق،(18/277)
وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر من ذلك شيئاً، ولم يبلغنا أن ابن عمر قال ذلك إلا لعمر. كان فيما يذكر من مناقب عمر الصالحة، ويثني عليها.
وعن ابن شهاب الزهري أن عمر بن الخطاب كان يدعى الفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل، وأعلن بالإسلام والناس يخفونه. وكان المسلمون يوم أسلم عمر تسعة وثلاثين رجلاً وامرأة بمكة، فكملهم عمر أربعين رجلاً.
وعن ابن عباس قال: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلى مختفياً إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، وطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام متمكناً، فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم أنفه إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يوتم ولده، أو يرمل زوجته فيلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما اتبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم، ومضى لوجهه.
وعن عقبة بن حريث قال: سمعت ابن عمر قال له رجل: أنت هاجرت قبل أم عمر، قال: فغضب، وقال: لا، بل هو هاجر قبلي، وهو خير مني في الدنيا والآخرة.
وعن علي قال:
قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر وعمر يوم بدر لأحدهما: " معك جبريل "، وللآخر: " معك ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في الصف ".
وعن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما تقولون في هؤلاء(18/278)
الأسرى؟ " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك قرّبهم، فضرّب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم ناراً. قال: فقال العباس: قطعتك رحمك. قال: فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يرد عليهم شيئاً. قال: فقال ناس، يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. قال: فخرج عليهم رسول الله فقال: " إن الله ليليّن قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ " ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: " إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وغن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم " وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً " وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: ربّ " واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم ". أنتم عالة فلا ينفلتنّ منهم أحد إلا بفداء أو ضربة عنق ". قال عبد الله: فقلت: يا رسول الله، الأشهل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام. قال: فسكت. قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجار من السماء في ذلك اليوم حتى قال: " الأشهل بن بيضاء ". قال: فأنزل الله "(18/279)
لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " إلى قوله: " ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا والله يريد الآخرة والله عزيزٌ حكيمٌ ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع: بذكر الأسارى يوم بدر أمر بقتلهم، فأنزل الله " لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " وبذكر الحجاب: أمر نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يحتجبن، فقالت له زينب: وإنك غلاب علينا وقال ابن سهل: رأيت علينا يا بن الخطاب، والوحي ينزل في بيوتنا وقال ابن سهل: والوحي بين أبياتنا؟؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " وبدعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم، أيدّ الإسلام بعمر "، وبرأيه في أبي بكر: كان أول الناس بايعه.
وعن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما خرج إلى بني قريظة والنضير قال له عمر وأبو بكر: يا رسول الله، إن الناس يزيدهم حرصاً على الإسلام أن يروا عليك زيّاً حسناً من الدنيا، فانظر إلى الحلة التي أهداها لك سعد بن عبادة فالبسها، فلير اليوم المشركون عليك زيّاً حسناً. قال: " أقبل، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً، ولكن ضرب لي ربي لكما مثلاً: لقد ضرب لي أمثالكما في الملائكة كمثل جبريل وميكائيل، فأما ابن الخطاب فمثله في الملائكة كمثل جبريل إن الله لم يدمّ أمة قط إلا بجبريل، ومثله في الأنبياء كمثل نوح إذ قال: " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً "، ومثل ابن أبي قحافة في الملائكة كمثل ميكائيل إذ يستغفر لمن في الأرض، ومثله في الأنبياء كمثل إبراهيم إذ قال: ربّ " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ ". ولو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً، ولكن شأنكما في المشورة شتى كمثل جبريل وميكائيل، ونوح وإبراهيم صلى الله عليهم أجمعين ".
وعن أم سلمة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " في السماء ملكان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين، وكلاهما مصيب. أحدهما جبريل، والآخر ميكائيل، ونبيان أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة، وكلٌّ مصيب، وذكر إبراهيم ونوحاً، ولي صاحبان أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة وكلٌّ مصيب وذكر أبا بكر وعمر ".(18/280)
وعن ابن عباس أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر وعمر:
" ألا أخبركما مثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء؟ أما مثلك أنت يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء كمثل إبراهيم إذ كذبه قومه فصنعوا به ما صنعوا قال: " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فأنّك غفورٌ رحيمٌ ". ومثلك يا عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالبأس والشدة والنقمة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء كمثل نوح إذ قال " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً " ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أيدني بأربعة وزراء "، قلنا: من هؤلاء الأربعة وزراء يا رسول الله؟ قال: " اثنين في من أهل السماء، واثنين من أهل الأرض "، قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل السماء؟ قال: " جبريل وميكائيل ". قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض أو من أهل الدنيا؟ قال: " أبو بكر وعمر ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر لأبي بكر وعمر: " مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل، ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لكلّ نبي وزيران من أهل السماء وأهل الأرض، ووزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر ".
وعن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً فطلع أبو بكر وعمر، فقال: " الحمد لله الذي أيدني بكما ".
وعن عبد العزيز بن عبد المطلب عن أبيه عن جده قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأطلع أبو بكر وعمر فقال: هذان للسمع وللبصر.
وفي رواية فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس ".
وعن نافع قال: قيل لعبد الله بن عمر: إنك قد أحسنت الثناء على عبد الله بن مسعود، فقال:(18/281)
وما يمنعني من ذلك؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومن أبيّ بن كعب، ومن معاذ بن جبل ". قال: ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لقد هممت أن أبعثهم في الأمم كما بعث عيسى بن مريم الحواريين " قالوا: يا رسول الله، أفلا تبعث أبو بكر وعمر، فهما أعلم وأفضل؟ قال: فقال: " إني لا غناء بي عنهما، إنهما مني بمنزلة السمع والبصر، وبمنزلة العينين من الرأس ".
وفي حديث بمعناه: " كيف أبعث هذين، وهما من الدين بمنزلة السمع والبصر من الرأس؟ ".
وفي رواية: " إنهما من الدين كالرأس من الجسد ".
وعن ابن عباس قال: جاء جبريل إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: أقر عمر السلام، وأخبره أن رضاه عزّ، وأن غضبه حكم.
وفي رواية: " إن رضاه عدل، وغضبه عزّ.
ورواه عقيل بن أبي طالب أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر بن الخطاب: " إن غضبك عزّ، ورضاك حكم ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب إذا غضب ".
ضعّفوا أبا لقمان، من رواته. قالوا: كان يروي المنكرات عن الثقات.
وعن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم أقبل إلينا بوجهه فقال: " بينا رجل يسوق بقرة، فركبها، فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث "، فقال الناس:(18/282)
سبحان الله بقرة تتكلم فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " فإني أومن به أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثمّ "، ثم قال: " وبينا رجلٌ في غنمه إذ عدل عليها الذئب، فأخذ شاة منها، فطلبه، فأدركه، فاستنقذها منه، فقال: هذا استنقذتها مني، فمن لها من السبع؟ يوم لا راعٍ لها غيري؟ " فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " آمنت به أنا وأبو بكر وعمر "، وليسا في المجلس، فقال القوم: آمنا بما آمن به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن سعد بن أبي وقاص قال:
استأذن عمر على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده نسوة من قريش يسألنه، ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته. فلما أذن له النّبي صلّى الله عليه وسلّم تبادرن للحجاب، فدخل ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عجبت من هؤلاء اللائي كنّ عندي. فلما سمعن صوتك تبادرن للحجاب ". فقال عمر: فأنت يا رسول الله بأبي وأمي كنت أحق أن يهبنك، ثم أقبل عليهن فقال: أي عدوّات أنفسهن أتهبنني، ولا تهبن رسول الله قلن: نعم. أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " إيهاً يا بن الخطاب، فوالذي نفس محمد بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجّك ".
وفي رواية: فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم عن عمر: " فوالله ما سلك عمر وادياً قط فسلكه الشيطان ".
وعن عائشة أنه كان بينها وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ترضين أن يكون بيني وبينك عمر؟ " قالت: من عمر؟ قال: " عمر بن الخطاب "، قالت: لا والله، إني أفرق من عمر، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " الشيطان يفرقه ".
وفي رواية فقال: " بمن ترضين أن يكون بيني وبينك؟ أترضين بأبي بكر؟ " قلت: لا، قال: " أترضين بعمر؟ فإن الشيطان يفرق من حسّ عمر ".(18/283)
عن بريدة قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض مغازيه. فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا نبي الله، إني كنت نذرت نذراً إذا ردّك الله عزّ وجلّ صالحاً أن أضرب بين يديك بالدّف، فقال لها: " إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ". فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الشيطان ليخاف منك يا عمر. إني كنت جالساً وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت ألقت الدفّ ".
وعن عائشة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان جالساً فسمع ضوضاء الناس والصبيان، فإذا حبشية تزفن والناس حولها، فقال: " يا عائشة، تعالي فانظري "، فوضعت خدي على منكبيه، فجعلت أنظر ما بين المنكبين إلى رأسه، فجعل يقول: " يا عائشة، ما شبعت؟ " فأقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، فلقد رأيته يراوح بين قدميه، فطلع عمر، فتفرق الناس عنها والصبيان، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " رأيت شياطين الإنس والجنّ فرّوا من عمر "، وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا تلبث أن تصرع "، فصرعت فجاء الناس، فأخبروا بذلك.
وعن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ما في السماء ملك إلا ويوقّر عمر، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق عن عمر ".
وعن حفصة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما لقي الشيطان عمر منذ أسلم إلا خرّ لوجهه ".
وعن ابن مسعود قال: لقي رجل من أصحاب محمد رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الجني:(18/284)
عاودني، فعاوده فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريّعتيك ذريّعتي كلب، أفكذلك أنتم معشر الجن، أم أنت منهم كذا؟ قال: لا، والله إني منهم لضليع، ولكن عاودني الثالثة، فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، قال: فعاوده فصرعه، قال: هات علّمني، قال: هل تقرأ آية الكرسي؟ قال: نعم، قال: فإنك لا تقرؤها في بيت إلا أخرج منه الشيطان ثم لا يدخله حتى يصبح، فقال رجل في القوم: يا عبد الرحمن، من ذلك الرجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم: هو عمر؟ فقال: من يكون هو إلا عمر؟ وفي حديث بمعناه قال: سورة البقرة، فإنه ليس منها آية تقرأ في وسط شياطين إلا تفرقوا، ولا تقرأ في بيت فتدخل ذلك البيت.
وعن سالم بن عبد الله قال: أبطأ خبر عمر على أبي موسى، فأتى امرأة في بطنها شيطان، فسألها عنه، فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء، فسألته عنه، فقال: تركته مؤتزراً بكساء يهنأ إبل الصدقة، وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خرّ لمنخريه، الملك بين عينيه، وروح القدس ينطق بلسانه.
وعن زرّ قال: كان عبد الله يخطب ويقول: إني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه، وإني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثاً فيرده.
وعن مجاهد قال: كنا نتحدث، أو نحدّث أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر، فلما أصيب بثّت.(18/285)
وعن عائشة قالت: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة والنّبي صلّى الله عليه وسلّم بيني وبينها فقلت لها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلنّ أو لألطخنّ وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة، فطليت بها وجهها، فضحك النّبي صلّى الله عليه وسلّم فوضع فخذه لها، وقال لسودة: " الطخي وجهها "، فلطخت وجهين فضحك النّبي صلّى الله عليه وسلّم أيضاً، فمرّ عمر، فنادى: يا عبد الله، يا عبد الله، فظنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه سيدخل، فقال: " قوما، فاغسلا وجوهكما ". قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه.
وعن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إني قد حمدت ربي بمحامد ومدح، وإياك. قال: " هت ما حمدت به ربك "، قال: فجعلت أنشده. فجاء رجل آدم، فاستأذن، قال: فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " بين بين ". قال: فتكلم ساعة ثم خرج، قال: فجعلت أنشده، قال: ثم جاء فاستأذن، قال: فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " بين بين "، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً. قال: فقلت: يا رسول الله، من هذا استنصتني له؟ قال: " هذا عمر بن الخطاب، هذا رجل لا يحب الباطل ".
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنه كان فيما خلا قبلكم أناس يحدّثون، فإن يك في أمتي منهم أحد فهو عمر بن الخطاب " قال إسحاق أحد رواته: فقلت لأبي ضمرة: ما معنى يحدّثون؟ قال: يلقى على أفئدتهم العلم.
وعن خفاف بن إيماء أنه كان يصلي الجمعة مع عبد الرحمن بن عوف، فإذا خطب عمر سمعته يقول: اشهد أنك معلّم، فتعجب عبد الرحمن بن أبي الزناد منه، فقلت: يا أبا محمد، لم تعجب منه؟ قال: إني سمعت ابن أبي عتيق يحدث عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ما من(18/286)
نبي إلا في أمته معلّم أو معلّمان. فإن يك في أمتي أحد فابن الخطاب. إن الحق على لسان عمر وقلبه ".
قال الشعبي: ذكر عند علي قول عمر: قد ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموه، فقال علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق بلسان عمر، وإن في القرآن لرأياً من رأي عمر.
وعن كعب قال: قيل لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، هل ترى في منامك شيئاً؟ قال: فانتهره، فقال: إنا نجد رجلاً يرى أمر الأمة في منامه.
وعن الحسن في قوله: محدّثين، يريد: قوماً يصيبون إذا ظنوا، وإذا حدسوا. يقال: رجل محدّث. وإنما قيل له ذلك لأنه يصيب رأيه، ويصدق ظنه إذا توهم، فكأنه حدّث بشيء فقاله. ومنه قول علي رحمه الله في ابن عباس رحمه الله: إنه لينظر إلى الغيب من سترٍ رقيق.
ووقع في بعض الأحاديث أن في كل أمة محدّثين أو مروّعين. والمروّع الذي ألقي في روعه الشيء، كأن الله عزّ وجلّ ألقاه فيه، فقاله. قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب ". والرّوع: النفس. يقال: وقع كذا في روعي أي في خلدي ونفسي. وكان عمر رحمه الله يقول الشيء، ويظن الشيء فيكون كما قال، وكما ظنّ، كقوله في سارية بن زنيم الدّؤلي، وكان ولاه جيشاً فوقع في قلب عمر أنه لقي العدو، وأن جبلاً بالقرب منه، فجعل عمر يناديه: يا سارية، الجبل الجبل، ووقع في قلب سارية ذلك، فاستند هو وأصحابه إلى الجبل، فقاتلوا العدو من جانب واحد. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله جعل الحق على لسان عمر "، وقال: " إن السكينة تنطق على لسان عمر ".
وروي في بعض الحديث أن الحدّث هو الذي تنطق الملائكة على لسانه.(18/287)
وعن أبي ذرّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله جعل الحق على لسان عمر، يقول به.
وفي حديث آخر: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، أو قلبه ولسانه.
وعن غضيف بن الحارث رجل من أيلة قال:
مررت بعمر بن الخطاب فقال: نعم الغلام، فاتبعني رجل ممن كان عنده، فقال: يا بن أخي، ادع الله لي بخير، قال: وقلت: ومن أنت رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: غفر الله لك، أنت أحق أن تدعو لي مني لك، قال: يا بن أخي، إني سمعت عمر بن الخطاب حين مررت به آنفاً يقول: نعم الغلام، وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن الله نقل الحق على قلب عمر وعلى لسانه وما نزل الناس أمر قط يقال فيه الرأي، وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بما قال فيه عمر.
الصحيح أن آخره من قول ابن عمر، فإنه رواه جماعة ولم يذكروه.
وعن واصل مولى ابن عيينة قال: كانت امرأة عمر اسمها عاصية، فأسلمت، فأتت عمر فقالت: قد كرهت اسمي فسمّني، فقال: أنت جميلة، فغضبت، وقالت: ما وجدت اسماً سميتني به إلا اسم أمةٍ؟ فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إني كرهت اسمي فسمّني، فقال: أنت جميلة، فقالت: يا رسول الله، إني أتيت عمر فسألته أن يسميني، فقال: أنت جميلة، فغضبت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أما علمت أن الله عزّ وجلّ عند لسان عمر وقلبه؟ وعن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لشيء قط: إني لأظن كذا وكذا إلا كان كما يظن: بينما عمر بن الخطاب جالساً إذ مرّ رجل جميل، فقال له: لقد أخطأ(18/288)
ظني، وإن هذا الرجل على دينه في الجاهلية، أول قد كان كاهناً في الجاهلية، عليّ الرجل، فدعي له، فقال له عمر: لقد أخطأ ظني، وإنك لعلى دينك في الجاهلية، أول قد كنت كاهنهم، قال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، فقال عمر: فإني أعزم عليهم إلا ما أخبرتني، قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فماذا أعجب ما جاءتك به جنّيّتك؟ قال: بينا أنا يوماً في السوق أعرف منه الفزع قالت: ألم تر إلى الجن وإبلاسها، وإياسها من بعد إيناسها، ولحوقها بالقلاس وأحلاسها.
قال عمر: صدق. بينا أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل يذبح، فصرخ منه صارخ، لم أسمع صارخاً أشد صوتاً منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، وثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، فقلت: لا أبرح، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي.
قال وهب السوائي: خطب الناس علي فقال: من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين. قال: لا، بل أبو بكر، ثم عمر. إن كنا لنظن أن السكينة لتنطق على لسان عمر.
وعن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسان ملك.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر بن الخطاب إلا جاء القرآن نحو ما يقول ".(18/289)
وعن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في أربع: قلت: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله عزّ وجلّ: " واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى " وقلت: يا رسول الله، لو اتخذت على نسائك حجاباً، فإنه يدخل عليك البرّ والفاجر، فأنزل الله تعالى: " وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " وقلت لأزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم: لتنتهنّ أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت: " عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خياراً منكنّ " الآية. ونزلت: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ " إلى قوله: " ثمّ أنشأناه خلقاً آخر ". فقلت: " فتبارك الله أحسن الخالقين ".
وعن مجاهد قال: كان عمر إذا رأى رأياً نزل به القرآن.
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ".
قال المصنف: وهذا بهذا اللفظ غريب. والمحفوظ: ما رواه بسنده إلى عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ".
وعن أبي سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
" من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني. وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة، وإن الله باهى بعمر خاصة. وإنه لم يبعث نبياً قط إلا كان في أمته من يحدّث، وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر ". قيل: يا رسول الله، كيف يحد؟ ّث؟ قال: " تتكلم الملائكة على لسانه ".(18/290)
وعن ابن عمر أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عشية عرفة: " ناد في الناس لينصتوا ". فنادى في الناس أن أنصتوا واستمعوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله قد تطوّل في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا على بركة الله "، وقال: " إن الله باهى ملائكته بأهل عرفة عامة، وباهاهم بعمر بن الخطاب خاصة ".
وعن ابن عباس قال: قام رجل إلى أبي بكر الصديق بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا خليفة رسول الله، من خير الناس؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: ولأي شيء قدمته على نفسك؟ قال: بخصال: لأن الله باهى به الملائكة ولم يباه بي، ولأن جبريل أقرأه السلام ولم يقرئني، وإن جبريل قال: يا رسول الله، اشدد الإسلام بعمر بن الخطاب، القول ما قال عمر، ولأن الله صدقه في آيتين من كتابه ولم يصدقني، قال: لتنتهنّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لينزلنّ الله فيكن كتاباً، فأنزل الله تعالى: " عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ " الآية. ولأن عمر قال: يا رسول الله، إنه يدخل البرّ والفاجر، فلو ضربت عليهن الحجاب، فأنزل الله تعالى: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " ولأن عمر قال: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تبارك وتعالى: " واتّخدوا من مقام إبراهيم مصلى ".
فلما قبض أبو بكر قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، من خير الناس؟ قال: أبو بكر الصديق، فمن قال غيره فعليه ما على المفتري.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أمرني أن أتخذ أبا بكر والداً، وعمر مشيراً، وعثمان سنداً، وأنت يا علي صهراً. فأنتم أربعة قد أخذ الله ميثاقكم في أم الكتاب، لا يحبكم إلا مؤمن، ولا يبغضكم إلا منافق. أنتم خلائف نبوتي، وعقد ذمتي، وحجتي على أمتي ".
وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن لكل نبي خاصة من أمته، وإن خاصتي من أمتي أبو بكر وعمر ".(18/291)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما من آدمي إلا ومن تربته في سرته، فإذا دنا أجله قبضه الله من التربة التي منها خلق، وفيها يدفن. وخلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة، وندفن جميعاً في بقعة واحدة ".
قال أبو عاصم: ما نعلم فضيلة لأبي بكر وعمر أنبل من هذا الحديث، لأن طينتهما من طينة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعه.
وعن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار، وفيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع إليه منهم أحد بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما، ويتبسّمان إليه، ويتبسّم إليهما.
وعن علي رضي الله عنه قال: أعطي كل نبي سبعة نجباء، وأعطي نبيكم أربعة عشر نجيباً، منهم أبو بكر، وعمر، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر.
سئل علي بن أبي طالب عن أبي بكر وعمر فقال: إنهما لفي الوفد السبعين إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة مع محمد صلّى الله عليه وسلّم وقد سألهم موسى فأعطيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، رضي الله عنهما ".(18/292)
وعن الفضل بن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عمر معي، وأنا مع عمر، الحق بعدي مع عمر حيث كان ".
وعن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " عمر مني وأنا من عمر، والحق بعدي مع عمر ".
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه حتى لأرى الري يجري في أظفاري، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب "، فقال من حوله: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: " العلم ".
وفي حديث بمعناه:
" ففضلت فضلاً، فأخذ عمر بن الخطاب "، أوّلوا، قال: " هذا العلم أتاكه الله، حتى إذا امتلأت فضلت منه فضلة، فأخذها عمر بن الخطاب "، قال: " أصبتم ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي، وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثديين، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب، وعليه قميص يجرّه ". قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: " الدين ".
وعن أنس قال: سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه يوماً: " من أصبح اليوم نائماً؟ " فقال عمر بن الخطاب: أنا. قال: " فمن تصدق اليوم؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن عاد مريضاً؟ " فقال عمر: أنا. قال: " فمن شيّع جنازة؟ " فقال عمر: أنا، فقال: " وجبت لك، وكتبت لك "، يعني: الجنة.
وعن أبي بكرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم: " من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا. رأيت كأن ميزاناً دلّي من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر بعمر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.(18/293)
وعن عرفجة الأشجعي قال: صلى بنا رسول الله صلاة الفجر ثم جلس، فقال: " وزن أصحابنا الليلة، فوزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو صالح ".
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وضعت في كفة الميزان، ووضعت الأمة في الكفة الأخرى، فرجحت بهم، ثم وضع أبو بكر مكاني، فرجح بهم، ثم وضع عمر مكانه، فرجح بهم، ثم رفع الميزان ".
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله تبارك وتعالى اختارني على جميع العالمين إلا النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم، واختار لي من أمتي أربعة قرون: القرن الأول والثاني والثالث تترا، والرابع فرادى ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ".
وعن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " كان جبريل يذاكرني فضل عمر، فقلت له: يا جبريل، ما بلغ من فضل عمر، قال: يا محمد، لو لبثت ما لبث نوح في قومه ما بلغت لك فضل عمرن وماذا له عند الله. قال لي جبريل: يا محمد، ليبكينّ الإسلام من بعد موتك على موت عمر ".
وعن عمار قال: قال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عمار، أتاني جبريل فقلت: يا جبريل، حدثني بفضائل عمر في السماء، فقال: لو حدثتك بفضائل عمر في السماء مثلما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نفذت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ".(18/294)
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رحم الله أبا بكر: زوّجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله. رحم الله عمر، يقول الحق وإن كان مرّاً، تركه الحق ما له من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة "، فطلع أبو بكر. ثم قال: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنةط، فطلع عمر.
وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن عمر من أهل الجنة ".
وعن معاذ بن جبل قال: أشهد أن عمر في الجنة، لأن ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو حق، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فذكرت غيرة عمر "، فقال عمر: يا رسول الله، أعليك أغار؟ وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
" دخلت الجنة، فرفع لي قصر، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لرجل من قريش، فظننت أني أنا هو، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب ". قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فما منعني أن أدخله إلا غيرتك يا أبا حفص "، قال: أعليك أغار يا رسول الله؟ وهل رفعني الله إلا بك، وهداني؟ وهل منّ الله عليّ إلا بك، قال: وبكى. قال أبو بكر: فقلت لحميد: في النوم أو في اليقظة؟ قال: لا، بل في اليقظة.
وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بينا أنا نائم إذ رأيت الجنة، فإذا قصر مبني، إلى جنبه جارية تتوضأ، فقلت: لمن هذا؟ قالت: لعمر بن الخطاب ". قال: " فوليت مدبراً لعلمي بغيرته ". قال: وعمر جالس حين تحدث بهذا، فبكى عمر، وقال: بأبي أنت يا رسول الله، أعليك أغار؟؟.(18/295)
وعن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " دخلت الجنة، فرأيت قصراً من ذهب، أعجبني حسنه، فقلت: لمن هذا؟ قيل: لعمر، فما منعني أن أدخله إلا ما علمت من غيرتك يا عمر "، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها ".
وعن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أول من يسلم عليه الحق يوم القيامة، وأول من يصافحه الحق، وأول من يخط له في الجنة بعمله عمر رضي الله عنه ".
وعنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أول من يسلم عليه أهل الجنة يوم القيامة عمر بن الخطاب. وأول من يؤخذ بيده وينطلق به إلى الجنة عمر بن الخطاب ".
وعن علي قال: إن أول من يدخل الجنة من هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر. فقلت: يا أمير المؤمنين، يدخلانها قبلك؟ قال: نعم، ويشبعان من ثمارها، وأنا موقوف، مهموم بالحساب، وإن أول من يتقدم إلى الربّ في الخصومة أنا ومعاوية.
وعن عبيد بن عمير قال: بينما عمر يمرّ في الطريق إذا هو برجل يكلم امرأة، فعلاه بالدّرّة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هي امرأتي، فقام عمر فانطلق، فلقي عبد الرحمن بن عوف، فذكر ذلك له، فقال: يا أمير المؤمنين: إنما أنت مؤدب وليس عليك شيء، وإن شئت حدثتك(18/296)
بحديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: لا يرفعن أحد من هذه الأمة كتابه قبل أبي بكر وعمر ".
وعن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديقة بني فلان، والباب علينا مغلق، ومع النبي صلّى الله عليه وسلّم عود ينكت به في الأرض إذ استفتح رجل فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله بن قيس ". فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: " قم فافتح له الباب، وبشّره بالجنة "، فقمت، ففتحت له الباب، فإذا أنا بأبي بكر الصديق، فأخبرته بما قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله تعالى، ودخل فسلم ثم قعد، وأغلقت الباب، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ينكت بذلك العود في الأرض، فاستفتح آخر، فقال: " يا عبد الله بن قيس، قم فافتح له الباب، وبشّره بالجنة ". فقمت، ففتحت له الباب فإذا أنا بعمر بن الخطاب، فأخبرته بما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله تعالى، ودخل، فسلم وقعد، وأغلقت الباب، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ينكت بذلك العود في الأرض إذ استفتح الباب، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله بن قيس قم فافتح الباب وبشّره بالجنة على بلوى تكون "، فقمت، ففتحت له الباب، فإذا أنا بعثمان بن عفان فأخبرته بما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: المستعان بالله، وعلى الله التكلان، ثم دخل فسلم وقعد.
وعن المختار بن فلفل عن أنس بن مال قال:
جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فدخل بستاناً، وجاء آتٍ، فدق الباب فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشّره بالجنة، وبشره بالخلافة من بعدي "، قلت: يا رسول الله، أعلمه؟ فقال: " أعلمه "، فإذا أبو بكر، فقلت: أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ثم جاء آتٍ فدق الباب فقال: " يا أنس، قم فافتح الباب له، وبشّره بالجنة، وبشّره بالخلافة من بعد أبي بكر "، قال: قلت: يا رسول الله، أعلمه؟ قال: " أعلمه "، قال: فخرجت، فإذا عمر، فقلت له، أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد أبي بكر، قال: ثم جاء آتٍ، فدق الباب، فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشّره بالجنة، وبشّره بالخلافة من بعد عمر، وإنه مقتول "، فخرجت، فإذا عثمان، فقلت له: أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد عمر، وإنك مقتول، قال: فدخل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، والله، ما تغنيت ولا تمنيت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعتك. قال: " هو ذلك يا عثمان ".(18/297)
قال عبيد الله بن علي بن المديني: قلت لأبي في حديث أبي بهز عن ابن إدريس عن المختار بن فلفل عن أنس: كان في حائط، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة "، مثل حديث أبي موسى، فقال: كذب، هذا موضوع.
وعن زيد بن أبي أوفى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر: " أنت معي في الجنة، ثالث ثلاثة من هذه الأمة ".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة ".
وعن علي بن أبي طالب قال: دخلت على عمر بن الخطاب حين وجأه أبو لؤلؤة، هو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: أتاني خبر السماء، أين يذهب بي، إلى الجنة أو إلى النار؟ فقلت: أبشر بالجنة، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لا أحصيه يقول: " سيد أهل الجنة أبو بكر وعمر "، فقال: أشاهد أنت يا علي لي بالجنة؟ فقلت: نعم، وأنت يا حسن فأشهد على أبيك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن عمر من أهل الجنة.
وعن علي قال: بينا أنا قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال: " يا علي، هذا سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما، فما أخبرتهما حتى ماتا ". ولو كانا حيّين ما حدثت بهذا الحديث.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن أهل عليين ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما ".
قال سالم: يعني بقوله: أنعما: ارفعا. قال: وكان عطية أحد رواته يتشيّع.(18/298)
وفي رواية: ما قوله: وأنعما؟ قال: وهنيئاً لهما.
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة، فيضيء وجهه كأنه كوكب درّيّ، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ".
وفي حديث آخر عنه مثله: " فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر البدر لأهل الدنيا، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ". قال: أتدرون: ما أنعما؟ قلنا: لا، قال: وحقّ لهما.
وعن جابر بن عبد الله أن عمر قال لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو بكر: لئن قلت ذلك، لقد سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ما طلعت الشمس على رجل خيرٍ من عمر ".
وفي حديث آخر بمعناه: بدل يا خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا سيد المسلمين، وبدل قوله: " على رجلٍ خيرٍ من عمر: على أحد أفضل من عمر ".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر خير الأولين وخير الآخرين، وخير أهل السماوات وخير أهل الأرضين إلا النبيين والمرسلين ".
وعن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، من خير الناس؟ قال: " رسول الله "، قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: " إذا عدّ الصالحون فائت بأبي بكر "، قال: ثم من؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا عدّ المجاهدون فائت بعمر بن الخطاب "، ثم قال: " عمر معي(18/299)
حيث حللت، وأنا مع عمر حيث حلّ، ومن أحب عمر فقد أحبني ومن أبغض عمر فقد أبغضني ".
وعن الأصبغ بن نباتة قال:
قلت لعلي: يا أمير المؤمنين، من خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عثمان، فقلت: ثم من؟ قال: أنا. رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعينيّ هاتين، وإلا فعميتا، وسعته بأذنيّ هاتين وإلا فصمّتا يقول: " ما ولد في الإسلام مولود أزكى ولا أطهر ولا أفضل من أبي بكر ثم عمر ".
وعن علي قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر ".
قال المصنف: المحفوظ موقوف.
وعن ابن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبه، من خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، قال: فخشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول: عثمان، قال: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: أبوك رجل من المسلمين.
وعن عون بن أبي جحيفة قال: كان أبي من شرط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني أبي أنه صعد المنبر يعني علياً فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر، وقال: يجعل الله الخير حيث أحب.
وعن علي قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت خبرتكم بالثالث.
قال أبو جحيفة: دخلت على علي فقلت: يا خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فقال: مهلاً يا أبا جحيفة، أولا أخبرك بخير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أبو بكر وعمر. ويحك(18/300)
يا أبا جحيفة، لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن، ويحك يا أبا جحيفة لا يجتمع بغضي وحب أبي بكر وعمر في قلب مؤمن.
وعن أبي إسحاق قال: سمعت علي بن أبي طالب وهو على منبر الكوفة وهو يقول: خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، وإن شئتم أخبرتكم بالثالث، قالوا: يا أبا إسحاق، أخير أو أفضل؟ قال: خير، خ ي ر، وتهجاها.
وعن عبد خير قال: لما فرغنا من أهل النهر قام علي فقال: يا أيها الناس، إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، ثم أحدثنا أمورا يقضي الله فيها ما يشاء وفي حديث آخر بمعناه وقد كانت منا أشياء فإن يعفُ الله فبرحمته وإن يعذب فبذنوبنا وعن علي أنه قال وهو على المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر وإنا قد أحدثنا بعدهم أحداثا يقضي الله فيها ما أحب وفي رواية ما شاء وعن أبي هلال العتكي قال كنت جالسا إلى جنب منبر علي بن أبي طالب وهو يخطب الناس فسمعته يقول خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر فبدرته فقلت ثم أنت يا أمير المؤمنين الثالث فقال لا ولا الرابع وعن إسماعيل بن زياد قال سمعت شريكا يقول لقوم من الشيعة إنا ما علمنا بعلي حتى صعد المنبر فقال إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر والله ما سألناه عن ذلك يا جاهل أترانا كنا نقوم فنقول كذبت(18/301)
وعن عمرو بن سفيان قال خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي فقال علي هذا الخطيب الشحشح سبق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصلى أبو بكر وثلث عمر ثم خبطتنا بعدهم فتنة يصنع الله فيها ما شاء وعن ابن عمر قال كنا نتحدث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان وعن الحسن قال خطب المغيرة بن شعبة وعمر بن الخطاب امرأة فزُوِّج المغيرة ومُنع عمر فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد ردوا خير هذه الأمة هذا مرسل وعن عمرو بن العاص قال بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش ذي السلاسل وفي القوم أبو بكر وعمر فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت يا رسول الله من أحب الناس إليك قال عائشة قلت لست أسألك عن أهلك قال فأبوها قلت ثم من قال ثم عمر زاد في حديث آخر بمعناه قال ثم عدَّد رجالاً
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم(18/302)
كفر وحب العرب من الإيمان وبغضهم كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله من حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة وعن أبي هريرة قال خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئا على علي بن أبي طالب فاستقبله أبو بكر وعمر فقال له يا علي أتحب هذين الشيخين قال نعم يا رسول الله قال أحبهما تدخل الجنة وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأيت في السماء خيلا موقوفة مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول ولا تعرق رؤوسها من الياقوت الأحمر حوافرها من الزبرجد الأخضر آذانها من العقيان الأصفر ذوات أجنحة فقلت لمن هذه فقال جبريل هذه لمحبي أبي بكر وعمر يزورون الله عليها يوم القيامة وعن عبد الله قال يؤتى بأقوام يوم القيامة فيوقفون بين يدي الله تعالى فيؤمر بهم إلى النار فإذا هَمَّ الزبانية بأخذهم وقربوا من النار وهمَّ مالك بأخذهم قال الله تعالى لملائكة الرحمة ردوهم فيردونهم فيقفون بين يدي الله طويلا فيقول عبادي أمرت بكم إلى النار بذنوب سلفت لكم واستوجبتم بها وقد روعتكم وقد وهبت ذنوبكم لحبكم أبا بكر وعمرو عن جابر قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يبغض الأنصار إلا منافق ومن أبغضنا أهل البيت فهو منافق ومن أبغض أبا بكر وعمر فهو منافق(18/303)
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر ومن أحب يعني الصحابة جميعا فقد برئ من النفاق وعن ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة وسئلت من كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخلفا لو استخلف قالت أبو بكر قال ثم قال لها من بعد أبي بكر قالت عمر قال ثم قال لها مَن بعد عمر فسكتت وعن حذيفة قال كنا جلوسا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمروعن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمروعن أبي قتادة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدواوعن سفينة قال لما بنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وضع حجرا ثم قال ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر ثم ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هؤلاء الخلفاء من بعدي وفي رواية أخرى عنه لما بنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه ثم جاء عثمان بحجر فوضعه فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هؤلاء ولاة الأمر من بعدي(18/304)
وعن ابن عمر قال دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر فقال هكذا نُبعث يوم القيامة وعنه قال خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي بكر وعمر قال هكذا نموت وهكذا ندفن وهكذا ندخل الجنة وعنه قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول من تنشق عنه الأرض أنا ولا فخر ثم تنشق عن أبي بكر وعمر ثم تنشق عن الحرمين مكة والمدينة ثم أبعث بينهما وعنه قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبعث يوم القيامة بين أبي بكر وعمر ثم أذهب إلى أهل بقيع الغرقد فيبعثون معي ثم أنتظر أهل مكة حتى يأتوني فأبعث بين أهل الحرمين عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينادي مناد يوم القيامة من تحت العرش أين أصحاب محمد فيؤتى بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فيقال لأبي بكر قف على باب الجنة فأدخل من شئت برحمة الله واردع من شئت بعلم الله ويقال لعمر قف عند الميزان فثقِّل من شئت برحمة الله وخفف من شئت بعلم الله ويكسى عثمان حلتين فيقال له البسهما فإني خلفتهما وادخرتهما حين أنشأت خلق السموات والأرض ويعطى علي بن أبي طالب عصا عوسج من الشجرة التي غرسها الله تعالى بيده في الجنة فيقال ذُدِ الناس عن الحوض فقال بعض أهل العلم لقد واسى الله بينهم في الفضل والكرامة وفي حديث آخر بمعناه فيعطى عثمان عصا من الشجرة ويُكسى علي بن أبي طالب حلتين(18/305)
عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن عند الله رجالا مكتوبين بأسمائهم وأسماء آبائهم فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرنا بهم قال أما إنك منهم وعمر منهم وعثمان منهم وعن سلمان الفارسي قال رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث عمر بن الخطاب وهو يتبسم في وجهه ويقول بطل مؤمن سخي تقي حياطة الدين وملك الإسلام ونور الهدى ومنار التقى فطوبى لمن تبعك والويل لمن خذلك وعن عمرو بن العاص قال أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ما أقرأكم عمر فاقترئوا وما أمركم به فائتمرواوعن أبي هريرة قال دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمارية القبطية ببيت حفصة ابنة عمر فوجدتها معه فعاتبته في ذلك قال فإنها علي حرام أن أمسها ثم قال يا حفصة ألا أبشرك قالت بلى بأبي أنت وأمي قال يلي هذا الأمر من بعدي أبو بكر ويليه من بعد أبي بكر أبوك اكتمي عليَّ هذا عن حذيفة قال ذكرت الإمارة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إن تولوا أبا بكرة تولوه أمينا مسلما قويا في أمر الله ضعيفا في أمر نفسه وإن تولوا عمر تولوه أمينا مسلما لا تأخذه في الله لومة لائم وإن تولوا عليا تولوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة وفي حديث بمعناه وإن وليتموها عليا يقِمكم على طريق مستقيم وعن عصمة بن مالك الخطمي قال قدم رجل من أهل البادية بإبل له فلقيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشتراها منه فلقيه علي فقال ما أقدمك فقال: قدمت بإبل، فاشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فنقدك؟ قال: لا، ولكن بعتها منه بتأخير، فقال له علي: ارجع إليه، فقل له: يا رسول الله،(18/306)
إن حدث بك حدث، فمن يقضيني مالي؟ فانظر ما يقول لك، فارجع إلي حتى تعلمني، فقال: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن يقضيني؟ قال: " أبو بكر "، فأعلم علياً، فقال: ارجع فسله: فإن حدث بأبي بكر فمن يقضيني؟ فسأله، فقال: " عمر "، فجاء، فأعلم علياً، فقال له: ارجع فسله: إذا مات عمر فمن يقضيني، فسأله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ويحك إذا مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت ".
وعن سمرة بن جندب أن رجلا قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأيت كأن دلوا دليت من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا - قال عفان وفيه ضعف ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب فانتشطت منه فانتضح عليه منها شئ عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني رأيتني الليلة يا أبا بكر على قليب فنزعت منه ذنوبا أو ذنوبين ثم جئت يا أبا بكر فنزعت ذنوبا أو ذنوبين - وإنك لضعيف يرحمك الله ثم جاء عمر فنزع منها حتى استحالت غربا فعبِّرها يا أبا بكر قال ألي الأمر من بعدك ثم يليه عمر قال بذلك عبَّرها الملك وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال رأيت كأني أسقي غنما سوداً إذ خالطها غنم عُفر إذ جاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين - وفيهما ضعف قوي غفر الله تعالى له - إذ جاء عمر فأخذ الدلو فاستحالت غربا فأروى الوناس وصدر الناس فلم أر عبقرياً يفري فري عمر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأوَّلتُ أن الغنم السود العرب وإذا العُفر إخوانكم من الأعاجم تضلع أكثر من الشرب حتى تمدد جنبه وأضلاعه اللسان ضلع(18/307)
وروي عن الشافعي قال رؤيا الأنبياء حق وقوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي كان بلغه عمر في طول مدته وفي حديث ابن المقريء والعبقري الأجير وفي حديث آخر فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع ابن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن وفي حديث آخر فلم أر نزع رجل قط أفرى من نزعه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر والعبقري الشديد الجلد وضرب الناس بعطن أي أقاموا به كقولك ضرب بجرانه أي أقام والجران من كل حافر وخف وإنسان ما ولي الأرض من باطن عنقه إلى صدرهو عن عائشة أنها قالت قال أبو بكر ذات يوم والله ما على ظهر الأرض رجل أحب إليَّ من عمر فلما خرج رجع فقال كيف حلفت أي بنية آنفاً قالت قلت والله ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر قال أعزّ علي والولد ألوط يعني ألزق وعن الحسن بن أبي الحسن قال لما ثقل أبو بكر واستبان له من نفسه جمع الناس إليه فقال إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أطنني إلا لمآبي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدي ورد عليكم أمركم فأمِّروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي فقاموا في ذلك وخلوا عنه فلم يستقم لهم فرجعوا إليه فقالوا رأيا يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فلعلكم تختلفون قالوا لا قال فعليكم عهد الله على الرضا قالوا نعم قال فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان فقال أشر علي برجل ووالله إنك عندي لها لأهل وموضع فقال(18/308)
عمر فقال اكتب فكتب حتى انتهى إلى الاسم فغشي عليه ثم أفاق فقال اكتب عمر ثم خرج فلقيه خالد بن سعيد فسأله فأخبره فقال والله لا يزال بنو عبد مناف بشر ما بقيت فقال والله ما ألوتُ الله ودينه وعباده وإنه لأقوانا وقد كان أبو بكر قال لو كنت كتبت نفسك لكنت لها أهلا عن الشعبي قال بينما طلحة والزبير وعثمان وسعد وعبد الرحمن جلوسا عند أبي بكر في مرضه عُوَّادا فقال أبو بكر ابعثوا إلي عمر فأتاه فدخل عليه فلما دخل أحست أنفسهم أنه خيرته لهم فتفرقوا عنه وخرجوا وتركوهما فجلسوا في المسجد وأرسلوا إلى علي ونفر معه فوجدوا عليا في حائط في الحوائط التي كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصدق بها فتوافوا إليه فاجتمعوا وقالوا يا علي ويا فلان إن خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخلف عمر وقد علم الناس أن إسلامنا كان قبل إسلام عمر وفي عمر من التسلط على الناس ما فيه ولا سلطان له فادخلوا بنا عليه نسأله فإن استعمل عمر كلمناه فيه وأخبرناه عنه ففعلوا فقال أبو بكر اجمعوا لي الناس أخبركم من اخترت لكم فخرجوا فجمعوا الناس إلى المسجد فأمر من يحمله إليهم حتى وضعه على المنبر فقام فيهم باختيار عمر لهم ثم دخل فاستأذنوا عليه فأذن لهم فقالوا ماذا تقول لربك وقد استخلفت علينا عمر فقال أقول استخلفت عليهم خير أهلك وعن أسماء بنت عميس قالت دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو شاكٍ فقال استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له! فلو قد ملكنا كان أعتى وأعتى فكيف تقول لله إذا لقيته فقال أبو بكر أجلسوني فأجلسوه فقال هل تعرفني إلا بالله! فإني أقول لله إذا لقيته استخلفت عليهم خير أهلك فقيل للزهري ما قوله خير أهلك قال خير أهل مكةوفي رواية استخلفت عليهم خيرهم وعن عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال لما حضرت أبا الصديق الوفاة دعا عثمان بن عفان فأملى عليه عهده هذا(18/309)
ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا خارجا منها وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويتوب الفاجر إني استخلفت من بعدي عمر بن الخطاب فإن عدل فذلك رأيي فيه وظني به وإن جار وبدل فالحق أردت ولا أعلم الغيب وما توفيقي إلا بالله وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون قال ولما أملى عهده هذا على عثمان أغمي على أبي بكر قبل أن يسمي أحداً فكتب عثمان عمر بن الخطاب فأفاق أبو بكر فقال لعثمان لعلك كتبت أحدا قال ظننتك لما بك وخشيت الفرقة فكتبت عمر بن الخطاب فقال يرحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا فدخل عليه طلحة بن عبيد الله فقال له أنا رسول من ورائي إليك يقولون قد علمت غلظة عمر علينا في حياتك فكيف بعد وفاتك إذا أفضت إليه أمورنا والله سائل عنه فانظر ما أنت قائل له قال أجلسوني أبالله تخوفونني قد خاب من وطئ من أمركم وهما إذا سألني قلت استخلفت على أهلك خيرهم لهم فأبلغهم هذا عني قال المصنف وهذا هو المحفوظ وقد روي عن علي الرضا ببيعة عمر كما روي عن سيار قال لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به فقال الناس رضينا يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام علي فقال لا نرضى إلا أن يكون عمر بن الخطاب قال فإنه عمر عن أنس بن مالك قال لما حضرت وفاة أبي بكر الصديق سمعت علي بن أبي طالب يقول المتفرسون في الناس أربعة امرأتان ورجلان فأما المرأة الأولى فصفراء ابنة شعيب لما تفرست في موسى قال الله في قصتها يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين والرجل الأول الملك العزيز على عهد يوسف والقوم فيه من الزاهدين قال الله تعالى:(18/310)
وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وأما المرأة الثانية فخديجة ابنة خويلد لما تفرست في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالت لعمها قد تنسمت روحي روح محمد بن عبد الله إنه نبي لهذه الأمة فزوجني منه وأما الرجل الآخر فأبو بكر الصديق لما حضرته الوفاة قال إني قد تفرست أن أجعل الأمر من بعدي في عمر بن الخطاب فقلت له إن تجعلها في غيره فلن نرضى به فقال سررتني والله لأسرنك في نفسك بما سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له وما هو قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إن على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب فقال له علي بن أبي طالب أفلا أسرك في نفسك وفي عمر بما سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ما هو فقلت قال لي يا علي لا تكتب جوازاً لمن يسب أبا بكر وعمر فإنهما سيدا كهول أهل الجنة بعد النبيين قال أنس فلما أفضت الخلافة إلى عمر قال لي علي يا أنس إني طالعت مجاري العلم من الله عز وجل في الكون فلم يكن أن أرضى بغير ما جرى في سابق علم الله وإرادته خوفا من أن يكون مني اعتراض على الله عز وجل وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء قال الخطيب هذا حديث موضوع من عمل القصاص وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه وعن عبد الله قال أفرس الناس ثلاثة العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا والمرأة التي رأت موسى فقالت يا أبت أستأجره إن خير من أستأجرت القوي الأمين وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب عن عاصم قال جمع أبو بكر الناس وهو مريض فأمر من يحمله إلى المنبر فكانت آخر خطبة(18/311)
خطب بها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس احذروا الدنيا ولا تثقوا بها فإنها غرارة وآثروا الآخرة على الدنيا فأحبوها فبحب كل واحدة منهما يبغض الأخرى وإن هذا الأمر الذي هو أملك بنا لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله فلا يحتمله إلا أفضلكم مقدرة وأملككم لنفسه أشدكم في حال الشدة وأسلسكم في حال اللين وأعلمكم برأي ذوي الرأي لا يتشاغل بما لا يعنيه ولا يحزن لما لم ينزل به ولا يستحي من التعلم ولا يتحير عند البديهة قوي على الأمور لا يجوز لشئ منها حده بعدوان ولا تقصير يرصد لما هو آت عباده من الحذر والطاعة وهو عمر بن الخطاب ثم نزل فدخل فحمل الساخط إمارته الراضي بها على الدخول معهم توصلاوعن قيس بن أبي حازم قال خرج علينا عمر ومعه شديد مولى أبي بكر ومعه جريدة يجلس بها الناس فقال أيها الناس اسمعوا قول خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني قد رضيت لكم عمر فبايعوه عن قيس قال رأيت عمر بيده عسيب نخل وهو يجلس الناس يقول اسمعوا لقول خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء مولى لأبي بكر - يقال له شديد - بصحيفة فقرأها على الناس فقال يقول أبو بكر اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة فوالله ما ألوتكم قال قيس فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر وبويع لعمر يوم مات أبو بكر لثمان بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرةوبويع لعمر وهو ابن اثنتين وأربعين سنة وقيل ابن ثلاث وأربعين سنة قال معروف بن خربوذ من انتهى إليه الشرف من قريش فوصله الإسلام عشرة نفر من عشرة بطون من هاشم وأمية ونوفل وأسد وعبد الدار وتيم ومخزوم وعدي وسهم وجمح فكان من بني عدي عمر بن الخطاب وكانت إليه السفارة إن وقعت حرب بين قريش وبين غيرهم بعثوه سفيرا وإن فاخرهم مفاخر بعثوه مفاخرا ورضوا به(18/312)
عن عبد خير قال قام علي على المنبر فذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخلف أبو بكر فعمل بعمله وسار بسيرته حتى قبضه الله على ذلك ثم استخلف عمر فعمل بعملهما وسار بسيرتهما حتى قبضه الله على ذلكوعن أبي العالية في قوله اهدنا الصراط المستقيم قال هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحباه قال فذكرت ذلك للحسن فقال صدق أبو العالية ونصح وعن عطاء قال من حجة الله على الناس استخلاف أبي بكر وعمر أن يقول قائل من يستطيع أن يعمل بعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعن محمد بن المتوكل قال بلغني أن خاتم عمر نقشه كفى بالموت واعظا يا عمر عن ابن شهاب قال أول من حيا عمر بن الخطاب بيا أمير المؤمنين المغيرة بن شعبة فسكت عمرحدث أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن جدته الشفاء وكانت من المهاجرات الأول وكان عمر بن الخطاب إذا دخل السوق أتاها قال سألتها من أول من كتب عمر أمير المؤمنين فقالت كتب عمر أمير المؤمنين إلى عامله على العراقين أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين أسألهما عن أمر الناس فبعث إليه بعدي بن حاتم طئ ولبيد بن ربيعة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد فاستقبلا عمرو بن العاص فقالا استأذن لنا(18/313)
على أمير المؤمنين فقال أنتما والله أصبتما اسمه هو الأمير ونحن المؤمنون فدخلت على عمر فقلت يا أمير المؤمنين فقال لتخرجن مما قلت أو لأفعلن قال يا أمير المؤمنين بعث عامل العراقين بعدي بن حاتم ولبيد بن ربيعة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم استقبلاني فقالا استأذن لنا على أمير المؤمنين فقلت أنتها والله أصبتما اسمه هو الأمير ونحن المؤمنون وكان قبل ذلك يكتب من عمر خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجرى الكتاب من عمر أمير المؤمنين من ذلك ولما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفرغ عمر رضي الله عنه من دفنه نفض يده عن تراب قبره ثم قام خطيبا مكانه فقال إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم وأبقاني فيكم بعد صاحبي فلا والله لا يحضرني شئ من أمركم فيليه أحد دوني ولا يتغيب عني فألوا فيه من أهل الجزء والأمانة ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم ولئن أساءوا لأنكلن بهم قال الرجل فوالله ما زال عن ذلك حتى فارق الدنيا قال الشعبي لما ولي عمر بن الخطاب صعد المنبر فقال ما كان الله ليراني أن أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر فنزل مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اقرءوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وترقبوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف وعن سعيد بن المسيب قال لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني قد علمت أنكم تؤنسون مني شدة وغلظة وذاك أني كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت عبده وخادمه وجلوازه وكان كما قال الله بالمؤمنين رؤوفا رحيما وكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني عن أمر فأكف عنه وإلا أقدمت على الناس لمكان أمره فلم أزل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راض والحمد لله على ذلك كثيرا وأنا به أسعد ثم قمت ذلك المقام مع(18/314)
أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان من قد علمتم في كرمه ورغبته في لينه فكنت خادمه وجلوازه وكنت كالسيف المسلول بين يديه على الناس أخلط شدتي بلينه إلا أن يقوم إلي فأكف فلم أزل على ذلك حتى توفله الله وهو عني راض والحمد على ذلك كثيرا وأنا به أسعد ثم صار أمركم اليوم إلي وأنا أعلم أنه يقول قائل كان شديداً علينا والأمر إلى غيره فكيف به لما صار الأمر إليه فاعلموا أنكم لا تستنبئون عني أحدا قد عرفتموني وخبرتموني وقد عرفت بحمد الله من محمد نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قد عرفت وما أصبحت نادما على شئ كنت أحب أن أسأل عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وقد سألته واعلموا أن شدتي التي كنتم ترونها ازدادت أضعافا إذ كان الأمر إلي على الظالم والمعتدي ولآخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم وإن بعد شدتي تلك واضع خدي إلى الأرض لأهل العفاف والكفاف إن كان بيني وبين نفر منكم شئ في أحكامكم أن أمشي معه إلى من أحب منكم فينظر فيما بيني وبينه فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصحية فيما ولاني الله من أمركم ثم نزل رضوان الله عليه
قال سعيد بن المسيب فوالله لقد وفى بما قال وزاد في موضع الشدة على أهل الريب والظلم والرفق بأهل الحق من كانوا وعن القاسم عن محمد قال قال عمر بن الخطاب ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سيرده عنه القريب والبعيد إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالا ولو علمت - إن علمت - أن أحدا من الناس أقوى عليه مني لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أَلِيَه عن ابن عمر قال كان عمر إذا نهى الناس عن شئ جمع أهله وقال إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقعوا وإن هبتم هابوا وايم الله لا أوتى برجل منكم فعل الذي نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة لمكانه مني مرتين(18/315)
زاد في حديث بمعناه فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء منكم فليتأخر وعن ابن عباس قال لما أن ولي عمر بن الخطاب قال له رجل لقد كاد بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك قال قال عمر وما ذلك قال يزعمون أنك فظ قال فقال عمر الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رُحما وملأ قلوبهم لي رُعبا اجتمع علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن فكان أجرأهم على عمر عبد الرحمن فقالوا يا عبد الرحمن لو كلمت أمير المؤمنين للناس فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة فيمنعه أن يكلمه في حاجته هيبته حتى يرجع ولم يقض حاجته فدخل عليه فكلمه فقال يا أمير المؤمنين أَلِن للناس فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك فقال لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين ثم اشتددت حتى خشيت الله في الشدة فأين المخرج وقام يبكي يجر رداءه يقول عبد الرحمن بيده أف لهم بعدك قال الأصمعي كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم فإنه قد أخافهم حتى أخاف الأبكار في خدورهن فكلمه عبد الرحمن فالتفت عمر إلى عبد الرحمن فقال له يا عبد الرحمن إني لا أجد لهم إلا ذلك والله لو إنهم يعلمون ما لهم عندي من الرأفة والرحمة والشفقة لأخذوا ثوبي من عاتقي قال الأحنف بن قيس سمعت عمر بن الخطاب يقول لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين حلة للشتاء وحلة للصيف وما حج به واعتمر عليه من الظهر وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم ثم أنا رجل من المسلمين(18/316)
وفي حديث بمعناه ووالله لا أدري أيحل ذلك أم لاعن سالم بن عبد الله قال لما ولي عمر قعد على رزق أبي بكر الذي كانوا فرضوا له فكان بذلك فاشتدت حاجته واجتمع نفر من المهاجرين فيهم عثمان وعلي وطلحة والزبير فقال الزبير لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه فقال علي وددنا أنه فعل ذلك فانطلقوا بنا فقال عثمان إنه عمر فهلموا فلنستشر ما عنده من وراء وراء نأتي حفصة فنكلمها ونستكتمها أسماءنا فدخلوا عليها وسألوها أن تخبر بالخبر عن نفر ولا تسمي أحدا له إلا أن يقبل وخرجوا من عندها فلقيت عمر في ذلك فعرفت الغضب في وجهه فقال من هؤلاء قالت لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم ما رأيك فقال لو علمت من هم لسوَّدت وجوههم أنت بيني وبينهم أناشدك الله ما أفضل ما اقتنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتك من الملبس قالت ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما الجمع قال فأي طعام ناله عندك أرفع قالت خبزنا خبز شعير نصب عليها وهي حارة أسفل عكة لنا فجعلناها هينة دسماً حلوة نأكل منها ونطعم منها استطابة لها قال فأي بسط كان يبسطه عندك كان أوطأ قالت كساء لنا ثخين كنا نرفعه في الصيف فنجعله تحتنا فإذا كان الشتاء انبسطنا نصفه وتدثرنا نصفه قال يا حفصة فأبلغيهم عني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر موضع الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقا فمضى الأول وقد تزود زادا فبلغ ثم اتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه ثم اتبعهما الثالث فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما وإن سلك غير طريقهما لم يجتمع معهما أبداقال ابن عمر ما زال عمر جواداً مجدا من لدن أن قام إلى أن قُبض(18/317)
قال المدائني كتب عمرو إلى عمر بن الخطاب فشكا إليه ما يلقى من أهل مصر فوقع عمر في قصته كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك ورفع إلي عنك أنك تتكئ في مجلسك فإذا جلست فكن كسائر الناس ولا تتكئ فكتب إليه عمرو أفعل يا أمير المؤمنين وبلغني يا أمير المؤمنين أنك لا تنام بالليل ولا بالنهار إلا مُغلَبا فقال يا عمرو إذا نمت بالنهار ضيعت رعيتي وإذا نمت بالليل ضيعت أمر ربي حدث مولى لعثمان بن عفان قال بينا أنا مع عثمان في مال بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا بسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الجمر فقال ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال انظر من هذا فنظرت فقلت أرى رجلا معمما بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال انظر فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال ما أخرجك هذه الساعة فقال بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مُضي بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل ونكفيك فقال عد إلى ظلك فقلت عندنا من يكفيك فقال عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا فعاد إلينا فألقى نفسه وعن أبي بكر العبسي قال دخلت حير الصدقة مع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب فجلس عثمان في الظل فقام عليٌّ على رأسه يملي عليه ما يقول عمر وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر عليه بردتان سوداوان متزر واحدة قد وضع الأخرى على رأسه وهو يتفقد إبل الصدقة يكتب ألوانها وأسنانها فقال علي لعثمان أما سمعت قول ابنة شعيب(18/318)
في كتاب الله عز وجل يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين وأشار بيده إلى عمر فقال هذا القول الأمين قال أبو عبيدة ركض عمر فرسا على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانكشف فخذه من تحت القباء فأبصر رجل من أهل نجران شامة في فخذه فقال هذا الذي نجده في كتابنا يخرجنا من ديارنا قال الزهري فتح الله الشام كله على عمر والجزيرة ومصر والعراق كله إلا خراسان فعمر جنَّد الأجناد ودوَّن الدواوين قبل أن يموت بعام واحد وقسم الفيء الذي أفاء الله عليه وعلى المسلمين ثم توفى الله عمر قال مالك ولي أبو بكر سنتين لم يكن فيهما مال إنما كانت جهادا كلها وولي عمر بن الخطاب عشر سنين ففتح الله على يديه الفتوح قال الأحنف بن قيس كنا بباب عمر بن الخطاب ننظر أن يؤذن لنا فخرجت جارية فقلنا سُرِّية أمير المؤمنين فسمعت فقالت ما أنا بسُرِّية أمير المؤمنين وما أحلّ له إني لمن مال الله قال فذكر ذلك لعمر فدخلنا عليه فأخبرناه بما قلنا وبما قالت فقال صدقت ما تحل لي وما هي بسُرّية وإنها لمن مال الله عز وجل وسأخبركم بما أستحل من هذا المال أستحل منه حلتين حُلة للشتاء وحلة للصيف وما يسعني لحجتي وعمرتي وقوتي وقوت أهل بيتي وسهمي مع المسلمين كسهم رجل لست بأرفعهم ولا بأوضعهم وعن عاصم بن أبي النجود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا بعث عماله شرط عليهم أن لا تركبوا برذونا ولا تأكلوا نقيا ولا تلبسوا رقيقا ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة ثم يشيعهم وإذا أراد أن يرجع قال إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أبشارهم ولا على أعراضهم ولا على أموالهم(18/319)
ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة وتقسموا فيهم فيئهم وتحكموا بينهم بالعدل فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إليَّ ألا ولا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمِّروها فتفتنوها وفي رواية لا تجلدوا العرب فتذلوها ولا تُجَمِّروها فتفتنوها وفي رواية ولا تجهلوها فتفتنوها ولا تعتلوا عليها فتحرموها حدود الله زاد في حديث آخر وجوِّدوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا شريككم انطلقوا عن أبي فراس قال شهدت عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس فقال يا أيها الناس إنه قد أتى علي زمان وأنا أرى أن من قرأ القرآن يريد الله وما عنده فيخيل إلي أن قوما قرءوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا ألا فأريدوا الله بأعمالكم ألا إنا إنما كنا نعرفكم إذ ينزل الوحي وإذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا وإذ ينبئنا الله من أخباركم فقد انقطع الوحي وذهب نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنما نعرفكم بما نقول لكم ألا من رأينا منه خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه ومن رأينا منه شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه سرائركم بينكم وبين ربكم ألا إني إنما أبعث عمالي ليعلموكم دينكم وليعلموكم سنتكم ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ولا ليأخذوا أموالكم ألا فمن رابه شيء من ذلك فليرفعه إليّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنَّكم منه فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين أرأيت إن بعثت عاملا من عمالك فأدّب رجلا من أهل رعيته فضربه إنك لمقصّه منه قال فقال نعم والذي نفس عمر بيده لأقصن منه ألا أقص وقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقص من نفسه ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيِّعوهم
وكتب عمر إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإني كتبت إليك بكتاب لم ألك ونفسي فيه خيراً، الزم خمس خصال يسلم(18/320)
لك دينك، ويحظى بالفضل حظك: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبيّنات العدول، والأيمان القاطعة، ثم أدن الضعيف حتى ينبسط لسانه، ويجترئ قلبه، وتعاهد الغريب، فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته، وانصرف إلى أهله، وإذا الذي أبطل حظه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح ما لم يتبين لك القضاء، والسلام عليك.
وعن طاوس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته بالعدل أفقضيت ما علي؟ قالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا.
وعن عرزب الكندي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ستحدث بعدي أشياء، فأحبّها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر ".
وعن إسماعيل بن زياد قال: مرّ علي بن أبي طالب عليه السلام على المساجد في شرخ رمضان، وفيها القناديل، فقال: نوّر الله على عمر في قبره كما نوّر علينا مساجدنا.
وعن أبي وائل قال: قال عبد الله: ما رأيت عمر إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدّده.
وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرّة النار، قال: بأيّها؟ قال: بذات اللظى، فقال عمر بن الخطاب: أدرك أهلك فقد احترقوا. قال: فكان كما قال عمر رضي الله عنه.
وعن ابن شهاب قال: كان رأي عمر كيقين غيره.
وعن الحسن قال:
إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدّث به انه كذب فهو عمر بن الخطاب.(18/321)
وعن طارق بن شهاب قال: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذب الكذبة فيقول: احبس هذه. فيقول له: كل ما حدثتك به حق إلا ما أمرتني أن أحبسه.
وعن عامر قال: كان علماء هذه الأمة بعد نبيّها ستة نفر: عمر، وعبد الله، وزيد بن ثابت فإذا قال عمر قولاً، وقال هذان كان قولهما لقوله تبعاً وعلي، وأبيّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري، فإذا قال علي قولاً، وقال هذان قولاً كان قولهما لقوله تبعاً.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لو وضع علم الناس في كفة ميزان، وعلم عمر في كفة لرجح علم عمر بعلم الناس. فحدثت به إبراهيم فقال: قد قال عبد الله أجود من ذلك: إني لأحسب عمر حين مات قد ذهب بتسعة أعشار علم الناس.
وفي حديث بمعناه قال سليمان: ليس هو هذا ولكنه العلم بالله عزّ وجلّ.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لا يأتي عليكم عام إلا شر من العام الذي مضى، قالوا: أليس يكون العام أخصب من العام؟ قال: ليس ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء. ثم قال: وأظن عمر بن الخطاب يوم أصيب ذهب معه ثلث العلم.
وعن عمرو بن ميمون قال: ذهب عمر بثلثي العلم. قال: فذكر لإبراهيم فقال: ذهب عمر بتسعة أعشار العلم.
وعن حذيفة قال: إنما بقي للناس ثلاثة من قد علم ناسخ القرآن من منسوخه. قيل: من هو؟ قال: عمر بن الخطاب، أو رجل لا يجد من ذلك بداً، أو أحمق متكلف. قال محمد: ما أنا بواحد منهما، وأرجو ألا أكون الثالث.(18/322)
وعن قبيصة بن جابر قال: ما رأيت أحداً أرأف برعيته ولا خيراً من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم أر أحداً أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أقوم بحدود الله، ولا أهيب في صدور الرجال من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا رأيت أحداً أشد حياء من عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وعن ابن عمر قال: تعلم عمر بن الخطاب البقرة في اثنتي عشرة سنة. فلما تعلمها نحر جزوراً.
سمع ابن عمر سائلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا والراغبون في الآخرة؟ فأخذ بيده، وانطلق به إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر، فقال: سألت عن هؤلاء، فهم هؤلاء.
وعن طلحة بن عبيد الله قال: ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاماً، ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، أرغبنا في الآخرة.
وعن معاوية قال: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته ولم يردها، وأما عثمان فأصاب منها، وأصابت منه، وعالجها وعالجته، وأما نحن فتمرّغنا فيها ظهراً لبطن، فالله أعلم إلام نصير.
وعن المسوّر بن مخرمة قال: كنا نلزم عمر بن الخطاب نتعلم منه الورع.
قالت الشفاء بنت عبد الله ورأت فتياناً يقصدون في المشي، ويتكلمون رويداً فقالت: ما هذا؟ فقالوا: نسّاك، فقالت: كان والله عمر إذا تكلم سمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقاً.
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال لعمر: يا أمير المؤمنين، إن يسرّك أن تلحق بصاحبيك فأقصر الأمل، وكل دون الشبع،(18/323)
وانكس الإزار، وارفع القميص، واخصف النعل تلحق بهم.
قال الأحنف بن قيس:
ما كذبت قط إلا مرة، قالوا: وكيف يا أبا بحر؟ قال: وفدنا إلى عمر بفتح عظيم. فلما دنونا من المدينة قال بعضنا لبعض: لو ألقينا ثياب سفرنا ولبسنا ثياب صبوتنا، فدخلنا على أمير المؤمنين والمسلمين في هيئة حسنة كان أمثل. فلبسنا ثياب صبوتنا حتى إذا طعنا في أوائل المدينة لقينا رجل فقال: انظروا إلى هؤلاء أصحاب دنيا ورب الكعبة، قال: فكنت رجلاً ينفعني رأيي، فعلمت أن ذلك ليس بموافق للقوم، فعدلت، فلبستها، وأدخلت ثياب صبوتي العيبة، وأشرجتها، وأغفلت طرف الرداء، ثم ركبت راحلتي فلحقت أصحابي. فلما دفعنا إلى عمر نبت عيناه عنهم، ووقعت عيناه علي، فأشار إلي بيده، فقال: أين أبدلتم؟ قلت: في مكان كذا وكذا، فقال: أرني يدك، فقام معنا إلى مناخ ركابنا، فجعل يتخللها ببصره، ثم قال: ألا اتقيتم الله في ركابكم هذه؟ أما علمتم أن لها عليكم حقاً؟ ألا تقصّدتم بها في المسير؟ ألا حللتم عنها، فأكلت من نبت الأرض؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إنا قدمنا بفتح عظيم، فأحببنا أن نسرع إلى أمير المؤمنين وإلى المسلمين بما يسرّهم، فحانت منه التفاتة، فرأى عيبتي، فقال: لمن هذه العيبة؟ قلت: لي يا أمير المؤمنين، قال: فما هذا الثوب؟ قلت: ردائي، قال: بكم ابتعته؟ فألغيت ثلثي ثمنه، فقال: إن رداءك هذا لحسن لولا كثرة ثمنه، ثم انصفق راجعاً ونحن معه، فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان، فإنه قد ظلمني، فرفع الدرة، فخفق بها رأسه، فقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم، حتى شغل في أمر من أمر المسلمين أتيتموه: أعدني، أعدني؟ قال: فانصرف الرجل، وهو متذمر. قال: علي الرجل، فألقى إليه المخفقة، فقال: امتثل، فقال: لا والله، ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده، أو تدعها لي، فاعلم ذلك، قال: أدعها لله، قال: فانصرف، ثم جاء فمشى حتى دخل منزله ونحن معه،(18/324)
فافتتح الصلاة، فصلى ركعتين وجلس، فقال: يا بن الخطاب، كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاءك رجل يستعديك، فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة ظننا أنه من خير أهل الأرض.
قال الحسن البصري:
أتيت مجلساً في مسجدنا يعني جامع البصرة فإذا أنا بنفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتذاكرون زهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وما فتح الله عليهما من الإسلام، وحسن سيرتهما، فدنوت من القوم فإذا فيهم الأحنف بن قيس التميمي، فسمعته يقول: أخرجنا عمر بن الخطاب في سريّة إلى العراق، ففتح الله علينا العراق وبلد فارس، فأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فحملناه معنا، واكتسبنا منه. فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه، وجعل لا يكلمنا فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتينا ابنه عبد الله بن عمر، وهو جالس في المسجد، فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال عبد الله: إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباساً لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلبسه، ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق، فأتينا منازلنا، فنزعنا ما كان علينا، وأتيناه في البزّة التي كان يعهدنا فيها، فسلم علينا، على رجل رجل، ويعانقه حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك، فقدمنا إليه الغنائم، فقسمها بيننا بالسوية، فعرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيب الطعم، طيب الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: والله. يا معشر المهاجرين والأنصار ليقبّلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام، ثم أمر به، فحمل إلى أولاد من قتلوا بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار، ثم إن عمر قام منصرفاً فمشى وراءه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إثره، فقال: ما ترون يا معشر المهاجرين والأنصار، إلى زهد هذا الرجل، وإلى حلته؟ لقد تقاصرت إلينا أنفسنا، قد فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر، وطرفي المشرق والمغرب، ووفود العرب والعجم يأتونه، فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة، فلو سألتم معاشر أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وأنتم الكبراء من أهل المواقف والمشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسابقين من المهاجرين(18/325)
والأنصار أن يغير هذه الجبة بثوب ليّن يهاب فيه منظره ويغدى عليه جفنة من الطعام ويراح عليه جفنة يأكل ومن حضره من المهاجرين والأنصار، فقال القوم بأجمعهم: ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب، فإنه أجرأ الناس عليه وصهره على ابنتيه، أو ابنته حفصة، فإنها زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو موجب لها لموضعها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكلموا علياً فقال علي: لست بفاعل ذلك، ولكن عليكم بأزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه.
قال الأحنف بن قيس: فسألوا عائشة وحفصة، وكانتا مجتمعتين، فقالت عائشة: إني سائل أمير المؤمنين ذلك، وقالت حفصة: ما أراه يفعل، وسيتبين لك ذلك، فدخلتا على أمير المؤمنين، فقربهما، وأدناهما، فقالت عائشة: يا أمير المؤمنين، أتاذن أكلمك؟ قال: تكلمي يا أم المؤمنين، قالت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضى لسبيله، إلى جنته ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده، كذلك مضى أبو بكر على إثره لسبيله بعد إحياء سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقتل الكذابين، وأدحض حجة المبطلين، بعد عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وإرضاء ربّ البرية، فقبضه الله إلى رحمته ورضوانه، وألحقه بنبيه صلّى الله عليه وسلّم بالرفيع الأعلى، لم يرد الدنيا ولم ترده، وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما، وحمل إليك أموالهما، ودانت لك طرفا المشرق والمغرب، ونرجو من الله المزيد، وفي الإسلام التأييد، ورسل العجم يأتونك، ووفود العرب يردون عليك، وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة، فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك، ويغدى عليك بجفنة من الطعام، ويراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار، فبكى عمر عند ذلك بكاء شديداً، ثم قال: سألتك بالله: هل تعلمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شبع من خبز برّ عشرة أيام، أو خمسة، أو ثلاثة، أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله؟ فقالتا: لا، فأقبل على عائشة فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض، ويأمر بالمائدة فترفع؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(18/326)
وأمهات المؤمنين، ولكما على المؤمنين حقّ، وعليّ خاصةً، ولكن أتيتما ترغّباني في الدنيا، وإني لأعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لبس جبة من الصوف، فربما حك جلده من خشونتها، أتعلمان ذلك؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة، وكان مسجّى في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطاً، وبالليل فراشاً، فندخل عليه فنرى أثر الحصير في جنبه، ألا يا حفصة، أنت حدثتني أنك اسى له ذات ليلة، فوجد لينها، فرقد عليها، فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك: يا حفصة، " اسى المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح، ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي؟ شغلتموني بلين الفراش، يا حفصة، أما تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أمسى جائعاً، ورقد ساجداً، ولم يزل راكعاً وساجداً، وباكياً، ومتضرعاً في آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله إلى رحمته ورضوانه. لا أكل عمر طيباً، ولا لبس ليناً، فله أسوة بصاحبيه، ولا جمع بين أدمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل شهر، حتى ينقضي ما انقضى من القوم. فخرجتا فخبرتا بذلك أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يزل بذلك حتى لحق بالله عزّ وجلّ.
وعن ثابت: أن عمر استسقى، فأتي بإناء من عسل، فوضعه على كفه. قال: فجعل يقول: أشربها فتذهب حلاوتها، وتبقى نقمتها. قالها ثلاثاً، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه.
وعن عتبة بن فرقد السلمي قال: وفدت إلى عمر بن الخطاب من العراق، فقلت: يا أمير المؤمنين، أهديت لك هدية أحب أن تقبلها، فدعا بها، فأتيته بها، فأمرني ففتحت سلة من خبيص، فأكل منه، فأعجبته فقال: عزمت عليك إلا رزقت الجند من هذا سلة سلة، أو سلتين، فقلت: إن(18/327)
النفقة تكثر فيه، فقال: اقبض عني سلالك فلا حاجة لي فيما لا يسع العامة، ثم أتي بقصعة من ثريد ولحم، فأكل وأكلت، ثم جعلت أهوي إلى القصعة أراها شحماً، فألوكها ساعة فأجدها عصباً، وعمر يأكل أكلاً شهياً، ثم أتي بعسّ من نبيذ، فشرب وسقاني، ثم قال: إننا ننحر كل يوم جزوراً، فيكون بطنها وأطايبها من غشيها من المسلمين وأهل الفاقة، ويكون العنق لأهل عمر، ثم نشرب عليه من هذا النبيذ فيقطعه في بطوننا.
وفي حديث آخر عن ابن فرقد
أنه لما أتاه بالخبيص جعل يخرج من الخبيص ألواناً: أصفر وأحمر وأخضر، فطفق عمر ينظر إليه ويقول: بخٍ بخٍ ما أحسن هذا! فقال: اردده في جونته التي أخرجته منها، ثم ارجع من حيث جئت. قال ابن فرقد: ما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تأكل؟ فقال عمر: إني آكل مما يأكل الناس، وألبس مما يلبس الناس، وأستبقي دنياي لآخرتي.
قال الحسن قدم على عمر أمير المؤمنين وفد من أهل البصرة مع أبي موسى الأشعري. قال: فكنا ندخل عليه، وله كل يوم خبز ثلاث فربما وافقناه مأدوماً بسمن، وأحياناً بزيت، وأحياناً باللبن. وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي بماء، وربما وافقنا اللحم الغريض، وهو قليل، فقال لنا يوماً: إني أرى تعزيركم وكراهيتكم طعامي، ولو شئت صلائق وصناب والصّلاء: الشّواء. والصّناب: الخردل. الصّلائق: الخبز الرقاق ولكني سمعت الله عزّ وجلّ عيّر قوماً بأمرٍ فعلوه، فقال: " أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ".(18/328)
قال: فكلمنا أبو موسى الأشعري، فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين، ففرض لكم من بيت المال طعاماً تأكلونه. قال: فكلمناه فقال: يا معشر الأمراء، أما ترضون لأنفسكم ما أرضى لنفسي؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن المدينة أرضٌ العيش فيها شديد، ولا نرى طعامك يعشّي، ولا يؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وإن أميرنا يعشّي، وإن طعامه يؤكل، فنكس عمر ساعة ثم رفع رأسه فقال: قد فرضت لكم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب فاشرب يعني الشراب الحلال، ثم اسق الذي عن يمينك، ثم الذي يليه. ثم قم لحاجتك، فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب، فاشرب يعني الشراب الحلال ثم اسق الذي عن يمينك ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك. فإن كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم، وأطعموا عيالهم، فإنّ تحفينكم للناس لا يحسّن أخلاقهم، ولا يشبع جائعهم، ووالله مع ذلك ما أظن رستاقاً يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرع ذلك في خرابه.
وعن الربيع بن زياد أنه وفد على عمر بن الخطاب فأعجبه هيئته، فشكا عمر وجعاً به من طعام غليظ يأكله، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيب، وملبس لين، ومركب وطيء لأنت، وكان متكئاً وبيده جريدة نخل، فاستوى جالساً، فضرب به رأس الربيع بن زياد وقال: ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء؟ إنما مثلنا كمثل قوم سافروا، فدفعوا نفقتهم إلى رجل منهم فقالوا: أنفق علينا، فهل له أن يستأثر عليهم بشيء؟ قال: لا.
كان عمر بن الخطاب يقول: والله ما نعبأ بلذاذة العيش بأن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا، ونأمر بالزبيب، فينبذ لنا، حتى إذا صار(18/329)
مثل عين اليعقوب أكلنا هذا، وشربنا هذا، ولكن نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله تعالى يذكر قوماً فقال: " أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ".
دخل عمر على عاصم بن عمر وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه، فقال: أو كلّما قرمت إلى شيء أكلته؟ كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلّ ما اشتهى.
وعن أبي نافع قال: قال لي أبو أحمد بن جحش ليلة بعد المغرب: أي بني، اذهب بي إلى عمر بن الخطاب فعرفت أنه يريد العشاء، فذهبت به، فاستأذن على عمر، فأذن له، فأجلسه عند رأسه، وجلست خلفهما، فدعا صاحب طعامه، فقال: أتبغي لأبي أحمد شيئاً يتعشى؟ فقال: لا والله، ما عندي شيء، قال: ولو رغيفين، فقال بأصبعه: لا والله، ولا رغيف، قال: فالشاة التي ذبحتم اليوم، بقي عندكم منها شيء؟ قال: لا، لقد أكلتموها، قال: فرأسها، ما فعل؟ قال: قد أكلوه. قال: فالجمجمة؟ قال: هو ذيك مطروحة. قال: فائتني بها، فأتي بالجمجمة قد أكل لحمها، وعلى اليافوخ جلدة يابسة سوداء، قال: فجعل عمر يقشرها، فيناولها، فيلوكها، وهو شيخ كبير، ثم التفت إلي فقال: يا بني، إذا أردت أن تأتينا بمولاك فائتنا به قبل أن نتعشى، فإنا إذا تعشينا لم يكن عندنا شيء.
قال عمر بن الخطاب يوماً:
لقد خطر على قلبي شهوة الحيتان الطري، قال: فيرتحل يرفا راحلة له. فسار ليلتين إلى الجار مدبراً وليلتين مقبلاً، واشترى مكتلاً، فجاءه به. قال: ويعمد يرفا إلى الراحلة، فغسلها، فأتى عمر وقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر ثم قال:(18/330)
نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذّبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله لا يذوق عمر مكتلك.
وعن البراء بن معرور أن عمر خرج يوماً، وكان قد اشتكى شكوى، فنعت له العسل، وفي بيت المال عكّة، فقال: إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلا فإنها علي حرام، فأذنوا له فيها.
قال أبو حازم: دخل عمر على حفصة ابنته، فقدمت إليه مرقداً بارداً وخبزاً، وصبت في المرق زيتاً، فقال: أدمان في إناء واحد؟ لا أذوق حتى ألقى الله.
وعن عمر أنه قال: لا أحد يحل لي أن آكل من مالكم هذا إلا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزيت والسمن. قال: فكان ربما أتي بالحفنة قد صنعت بزيت فيعتذر إلى القوم، فيقول: إني رجل عربي، ولست أستمرئ هذا الزيت.
وعن ابن عمر قال: دخل علين عمر وهو على مائدة، فأوسع له عن صدر المجلس، فقال: بسم الله ثم ضرب بيده، فلقم لقمة، ثم ثنى بأخرى ثم قال: إني لأجد طعم دسم، ما هو بدسم اللحم، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه، فوجدته غالياً، فاشتريت بدرهم من المهزول، وحملت عليه بدرهم سمناً، وأردت أن يزاد عيالي عظماً عظماً، فقال عمر: ما اجتمعا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر، فقال عبد الله: عد يا أمير المؤمنين فلن يجتمعا عندي أبداً إلا فعلت ذلك. قال: ما كنت لأفعل.
قال الأحنف بن قيس: كنا نأكل عند عمر يوماً بلحم غريض، ويوماً بزيت، ويوماً بقديد.(18/331)
قال قتادة: كان عمر بن الخطاب يلبس وهو أمير المؤمنين جبة من صوف، مرقوعة بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق، ومعه الدرة يؤدب الناس بها، ويمر بالنّكث والنوى فيلتقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا بذلك.
وعن أنس قال: رأيت بين كتفين عمر أربع رقاع في قميص له.
وعن زيد بن وهب قال: رأيت بين كتفي عمر أربع عشرة رقعة بعضها من أدم.
وعن الحسن أن عمر بن الخطاب خطب بالناس وهو خليفة وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة.
وفي آخر: بعضها من أدم.
وعن ابن عباس قال: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت، وإزاره مرقوع بأدم.
وقال أبو عثمان: رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة، وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجت مع عمر بن الخطاب حاجاً من المدينة إلى مكة إلى أن رجعنا فما ضرب فيه فسطاطاً، ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة، ويستظل تحته.
وعن أبي الغادية الشامي قال: قدم عمر بن الخطاب الجابية على جمل أورق، تلوح صلعته بالشمس، ليس عليه(18/332)
قلنسوة ولا عمامة، قد طبّق رجليه بين شعبتي رحله، بلا ركاب، وطاؤه كساء أنبجاني من صوف، هو وطاؤه إذا ركب، وفراشه إذا نزل، حقيبته محشوة ليفاً، وهي حقيبته إذا ركب، ووسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس قد دسم، وتخرق جيبه، فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوا له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه، وأعيروني قميصاً أو ثوباً، فأتي بقميص كتان، فقال: ما هذا؟ قالوا: كتان، قال: وما الكتان؟ فأخبروه، فنزع قميصه، فغسل، ورقع، ولبسه فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل، فأتي ببرذون، فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل فركبه. فلما سار هنيهة قال: احبسوا، احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي، فأتي بجمله فركبه.
قال علقمة بن عبد الله المري: أتي عمر بن الخطاب برذون، فقال: ما هذا؟ فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذه دابة لها وطاة ولها هبّة، ولها جمال تركبه العجم، فقام فركبه. فلما سار هزّ منكبيه فقال: قبح الله هذا، بئس الدابة هذا، فنزل عنه.
قال مجاهد: أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهماً من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى المدينة، ثم جعل يتلهف، ويضرب بيده على الأخرى، ويقول: ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا من مال الله تعالى.
دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها فقالت: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبداً، فخرج عبد الرحمن من عندها مذعوراً حتى(18/333)
دخل على عمر فقال له: اسمع ما تقول أمك، فقام عمر حتى دخل عليها، فسألها ثم قال: أنشدك الله، أمنهم أنا؟ قالت: لا، ولن أبرئ بعدك أحداً.
وعن عبد الله بن عيسى قال: كان في خد عمر بن الخطاب خيطان أسودان من البكاء.
وعن جعفر بن زيد أن عمر خرج يعسّ بالمدينة ليلة، ومعه غلام له، وعبد الرحمن بن عوف، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه وهو قائم يصلي، فوقف يسمع لقراءته، فقرأ: " والطّور " حتى بلغ " إنّ عذاب ربّك لواقعٌ ما له من دافعٍ " فقال عمر: قسم وربّ الكعبة حق، امض لحاجتك، فاستسند إلى حائط، فمكث ملياً، فقال له عبد الرحمن: امض لحاجتك، فقال: ما أنا بفاعل الليلة إذ سمعت ما سمعت. قال: فرجع إلى منزله فمرض شهراً، يعوده الناس لا يدرون ما مرضه.
وعن الحسن قال: كان عمر بن الخطاب يمرّ بالآية من ورده بالليل، فيسقط، حتى يعاد منها أياماً كثيرة، كما يعاد المريض.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: من خاف الله لم يشف غيظه، ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون.
وعن ابن عمر قال: ما رأيت عمر غضب قط فذكر الله عنده أو خوّف أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن إلا وقف عما كان يريد.
وعن أبي مسلم الأزدي أنه صلى مع عمر بن الخطاب أو حدثه من صلى مع عمر المغرب فمشى بها، أو(18/334)
شغله بعض الأمر حتى طلع نجمان. فلما فرغ من صلاته تلك أعتق رقبتين.
وعن ابن عباس قال: كان الحر بن قيس بن حصن من القراء الذين يدنيهم عمر وكان القراء أهل مجلس عمر شباباً كانوا أو شيوخاً فقدم عيينة بن حصن فقال للحر بن قيس: يا بن أخي، ألك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ فقال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن له عمر. فلما دخل عليه قال: والله يا عمر ما تعطينا لاجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، قال: فغضب عمر حتى همّ أن يقع به، فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول: " وأعرض عن الجاهلين " وإن هذا من الجاهلين. قال: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى.
قال مزيدة بن قعنب الرهاوي: كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه قوم، فقالوا له: إن لنا إماماً يصلي بنا العصر، فإذا صلى صلاته تغنى بأبيات، فقال عمر: قوموا بنا إليه، فاستخرجه عمر من منزله فقال: إنه بلغني أنك تقول أبياتاً إذا قضيت صلاتك، فأنشدنيها، فإن كانت حسنة قتلها معك، وإن كانت قبيحة نهيتك عنها، فقال الرجل: الرمل
وفؤادي كلما نبّهته ... عاد في اللذات يبغي تعبي
لا أراه الدهر إلا لاهياً ... في تماديه فقد برّح بي
يا قرين السّوء ما هذا الصّبا ... فني العمر كذا باللعب
وشباب بان مني فمضى ... قبل أن أقضي منه أربي
ما أرجيّ بعده إلا الفنا ... ضيّق الشيب عليّ مطلبي
نفس لا كنت ولا كان الهوى ... اتقي المولى وخافي وارهبي
فقال عمر: نعم نفس لا كنت ولا كان الهوى وهو يبكي ويقول: اتقي الله وخافي وارهبي. ثم قال عمر: من كان منكم متغنياً فليغن هكذا.(18/335)
قال طارق: قلت لابن عباس: أي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطير الحذر الذي كأن له بكل طريق شركاً.
قال عبد الله بن عامر بن ربيعة.
رأيت عمر بن الخطاب أخذ نبتة من الأرض فقال: يا ليتني هذه النبتة، ليتني لم أك شيئاً، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت نسياً منسيّاً.
حدث نجدة مولى عمر بن الخطاب عن عمر أنه كان في سوق المدينة يوماً، فأخذ شق تمرة، فمسحها من التراب، ثم مرّ أسود عليه قربة، فمشى إليه عمر، وقال: اطرح هذه في فيك، فقال له أبو ذر، ما هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه أثقل أو ذرّة؟ قال: لا، بل هذه أثقل من ذرّة. قال: فهل فهمت ما أنزل الله في سورة النساء؟: " إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةٌ يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً ". كان بدو الأمر مثقال ذرّة، وكان عاقبته أجراً عظيماً.
وعن مالك بن مغول
أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل ان توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر " يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ ".
وعن يحيى بن جعدة قال: قال عمر بن الخطاب: لولا أن أسير في سبيل الله أو أضع جبيني في التراب، أو أجالس قوماً يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب التمر لأحببت أن أكون قد لحقت بالله عزّ وجلّ.
نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة. فلما اجتمع الناس وكبّروا صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: أيها الناس، لقد رأيتني أرعى(18/336)
على خالات لي من بني مخزوم، فيقبّضن لي القبضة من التمر أو الزبيب، فأظل يومي وأي يوم، ثم نزل، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن قميت نفسك يعني: عبت فقال: ويحك يا بن عوف إني خلوت، فحدثتني نفسي قالت: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك، فأردت أن أعرّفها نفسها.
قال عبد الرحمن بن حاطب: كنت مع عمر بن الخطاب بضجنان فقال: كنت أرعى للخطاب بهذا المكان، فكان فظاً غليظاً، فكنت أرعى أحياناً، وأحتطب أحياناً، فأصبحت أضرب الناس، ليس فوقي أحد إلا الله ربّ العالمين، ثم قال: البسيط
لا شيء مما ترى يبقى بشاشته ... يبقى الإله ويفنى المال والولد
زاد في آخر:
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه ... والخلد قد حاولت عادٌ فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له ... والإنس والجنّ فيما بينها برد
أين الملوك التي كانت نواهلها ... من كلّ أوبٍ إليها راكبٌ يفد
حوضاً هنالك موروداً بلا كذبٍ ... لابدّ من ورده يوماً كما وردوا
قال جراد بن نشيط: كنت عند عمر بن الخطاب، فأتاه رجل مسمّن مخصب في العيش، فقال: يا أمير المؤمنين، هلكت وهلك عيالي زاد في رواية: فجعل عمر يصعّد فيه البصر ويصوبه ثم قال: يجيء أحدهم ينثّ كأنه حميت يقول: هلكت وهلك عيالي ثم قرب عمر يحدث عن نفسه، فقال: لقد رأيتني وأختاً لي نرعى على أبوينا ناضحاً لهم، قد ألبستنا أمنا(18/337)
نقيبة لنا، وزودتنا من الهبيد نمتر منها، فنخرج بناضحنا، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقيبة إلى أختي، وخرجت أسعى عرياناً، فترجع أمنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد فما خضناه. قال: ثم قال: أعطوه ربعة من نعم الصدقة، قال: فخرجت يتبعها ظئران لها، قال: فما حسدت أحداً ما حسدت ذلك الرجل ذلك اليوم.
وعن عبيد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل قربة على عنقه فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، ما حملك على هذا؟ قال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها.
قال الحسن: خرج عمر بن الخطاب في يوم حار واضعاً رداءه على رأسه، فمرّ به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، قال: فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير الؤمنين، فقال: لا، وأركب أنا خلفك، تريد أن تحملني على المكان الوطيء، وتركب أنت على الموضع الخشن؟ ولكن اركب أنت على المكان الوطيء، وأركب أنا خلفك على المكان الخشن. فركب خلف الغلام، ودخل المدينة وهو خلفه والناس ينظرون إليهما.
وعن أنس بن مالك أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب نائماً في المسجد بالمدينة، فقال: هذا والله هو الملك الهنيء.(18/338)
وعن عامر قال: إذا اختلف الناس في أمر فانظر كيف قضى فيه عمر، فإنه لم يكن يقضي في الأمر لم يقض فيه قبله حتى يشاور.
قال الشعبي: من سرّه أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير.
وعن عاصم قال: أخذ أبو عثمان النهدي عصاً كانت بيده، ثم رفعها، ثم قال: والذي لو شاء أن ينطق هذه العصا لنطقت، لو كان عمر ميزاناً ما كان يميط شعرة.
قال أبو حريز الأزدي: كان رجل لا يزال يهدي لعمر فخذ جزور إلى أن جاءه ذات يوم بخصم، فقال: يا أمير المؤمنين، لقض بيننا قضاءً فصلاً كما يفصل الفخذ سائر الجزور، قال عمر: فما زال يردّدها علي حتى خفت على نفسي، فقضى عليه عمر، ثم كتب إلى عماله: أما بعد، فإياي والهدايا، فإنها من الرّشى.
كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله، فكان في آخر كتابه أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته شهواته عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة، فتذكّر ما توعظ به لكي تنتهي عما تنهى عنه.
قال عمر بن الخطاب: الوالي إذا طلب العافية ممن هو دونه أعطاه الله العافية ممن هو فوقه.
كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في بناء منزل يسكنه، فوقع في كتابه: ابن ما يسترك من الشمس، ويكنك من الغيث، فإن الدنيا دار قلعة.(18/339)
وكتب عمر إلى عمرو بن العاص وهو على مصر: كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك.
قال أسلم: قال عمر بن الخطاب: اجتمعوا لهذا الفيء حتى ننظر فيه، ثم قال لهم بعد: إني كنت أمرتكم أن تجتمعوا حتى ننظر فيه، وإني قرأت آيات من كتاب الله فاستغنت عزّ وجلّ بهن، قال الله تعالى: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرّسول " إلى قوله: " شديد العقاب " والله ما هو لهؤلاء وحدهم، ثم قرأ: " للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا " والله ما هو لهؤلاء وحدهم، ولئن بقيت إلى قابل لألحقن آخر الناس بأولهم، ولأجعلنهم ببّاناً واحداً، يعني: باجاً واحداً. قال: فجاء ابن له، وهو يقسم يقال له عبد الرحمن بن لهيّة امرأة كانت لعمر فقال له: اكسني خاتماً، فقال له: الحق بأمك تسقيك شربة من سويق فوالله ما أعطاه شيئاً.
قال عبد الرحمن بن عوف: بعث إلي عمر ظهراً، فأتيته. فلما دخلت الدار إذا نحيب شديد، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، اعترى والله أمير المؤمنين اعتراء، فقلت: لا بأس أمير المؤمنين، قال: إنه لا بأس، قال: فوضع يديه على ركبتيه، فكان أول ما كلمني به أن قال: ما أعجبك، بكائي شديد، ثم أخذ بيدين فأدخلني بيتاً، فإذا حقيبات بعضها على بعض، فقال: هاهنا هان آل الخطاب على الله، والله لو كرمنا عليه لكان إلي صاحبي بين يدي فلاقاً مالي فيه أميراً أقتدي به. فلما رأيت ما حلّ به قلت: اقعد بنا(18/340)
يا أمير المؤمنين نتفكر. قال: فقعدنا، فكسا أهل المدينة، وكسا المخفّين في سبيل الله، وكسا أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وكسا من ذون ذلك، فأصاب المخفّين أربعة أربعة، وأصاب أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم أربعة أربعة، وأصاب من دون ذلك اثنان اثنان، حتى وزعنا ذلك المال.
وعن ابن عمر قال: شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً. فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، كنت مفتديّ؟ قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، فقال: كأني شاهدٌ الناس حين تبايعوا، فقال: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن أمير المؤمنين، وأحب الناس إليه وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك فإنه أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم، وإني قاسم مسؤول، وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهماً، ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعة مئة ألف، فدفع إلي ثمانين ألفاً، وبعث البقية إلى سعد بن أبي وقاص فقال: اقسمه في الذي شهدوا الوقعة، ومن كان مات فابعثه إلى ورثته.
وحدث أسلم قال: رأيت عبد الله بن الأرقم صاحب بيت مال المسلمين في زمن أبي بكر وعمر أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن عندنا حلية من حلية جلولاء، آنية من ذهب وورق، فانظر أن تفرغ لذلك يوماًن فترى فيه رأيك، فقال: إذا رأيتني فارغاً فآذني، فجاءه يوماً فقال: أراك اليوم فارغاً، فقال: أجل، فابسط لي نطعاً في الأشاء وهو النخل الذي لا يسقى فبسط له فيه نطعاًن ثم أتى بذلك المال فصب عليه، فدنا عمر حتى وقف عليه، وقال: اللهم، إنك ذكرت وقلت: " زيّن للنّاس حبذ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة " وقلت: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " وإنا لا نستطيع ألا نفرح بما زيّنت لنا، اللهم، فاجعلني أنفقه(18/341)
في الحق، وأعذني من شرّه، قال: وأتى ابن له يقال له عبد الرحمن، فقال: يا أبتاه، هب لي خاتماً، فقال عمر: اذهب إلى أمك تسقيك سويقاً.
بعث أبو موسى من العراق إلى عمر بن الخطاب بحلية فوضعت بين يديه، وفي حجره أسماء بنت زيد بن الخطاب وكانت أحب إليه من نفسه، لما قتل أبوها باليمامة عطف عليهم فأخذت من الحلية خاتماً، فوضعته في يدها، وأقبل عليها يقبّلها، ويلتزمها. فلما غفلت أخذ الخاتم من يدها، فرمى به في الحلية وقال: خذوها عني.
قدم مل الروم على عمر بن الخطاب، فاستقرضت امرأة عمر بن الخطاب ديناراً فاشترت به عطراً، وجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى امرأة ملك الروم. فلما أتاها فرّغتهن وملأتهن جواهر، وقالت: اذهب به إلى امرأة عمر بن الخطاب. فلما أتاها فرّغتهن على البساط، فدخل عمر بن الخطاب فقال: ما هذا؟ فأخبرته الخبر، فأخذ عمر الجوهر فباعه، ودفع إلى امرأته ديناراً، وجعل ما بقي من ذلك في بيت مال المسلمين.
وعن ابن عمر قال: أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل طنفسة، أراها تكون ذراعاً وشبراً، فدخل عليها عمر فرآها فقال: أنى لك هذه؟ فقالت: نعم أهداها إلي أبو موسى الأشعري، فقال: أحضروه، وأتعبوه، قال: فأتي به قد أتعب وهو يقول: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين، فقال: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثم أخذها فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها، فلا حاجة لنا فيها.
قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلاً وارتجعتها إلى اليمن. فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر بن الخطاب السوق فرأى إبلاً سماناً فقال: لمن هذه؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر، بخٍ بخٍ، ابن أمير المؤمنين، فجئته أسعى، فقلت: مالك يا أمير المؤمنين قال: ما هذه الإبل؟ قلت: أنا اشتريتها، وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر، أغد على رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.(18/342)
قال عمرو بن العاص يوماً، وذكر عمر فترحم عليه ثم قال: ما رأيت أحداً بعد نبي الله وأبو بكر أخوف لله من عمر، لا يبالي على من وقع الحق: على ولد أو والدٍ، ثم قال: إني لفي منزلي ضحى، في مصر إذ أتاني آتٍ فقال: قدم عبد الله وعبد الرحمن ابنا عمر غازيين، فقلت: أين نزلا؟ قال: في موضع كذا وكذا لأقصى مصر وقد كتب إلي عمر: إياك أن يقدم عليك أحد من أهل بيتي فتضعه بأمر لا تصنعه بغيره، فأفعل بك ما أنت أهله فأنا لا أستطيع أن أهدي لهما، ولا آتيهما في منزلهما للخوف من أبيهما، فإني لعلى ما أنا فيه إذ قال قائل: هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة يستأذنان، فقلت: يدخلان، فدخلا وهما منكران، فقالا: أقم علينا حدّ الله، فإنا قد أصبنا البارحة شراباً فسركنا، قال: فنهرهما وطردهما، فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت عليه، قال: يحضرني رأي، وعلمت أني إن لم أقم عليهما الحدّ غضب علي عمر في ذلك وعزلني، وخالفه ما صنعت، فنحن على ما نحن فيه إذ دخل عبد الله بن عمر، فقمت إليه، فرحبت به وأردت أجلسه على صدر مجلسين فأبى علي وقال: إن أبي نهاني أن أدخل عليك إلا ألاّ أجد بداً، وإني لم أجد بداً من الدخول عليك، إن أخي لا يحلق على رؤوس الناس أبداًن فأما الضرب فاصنع ما بدا لك. قال: وكانوا يحلقون مع الحدّ. قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد، ودخل ابن عمر بأخيه عبد الرحمن بيت في الدار فحلق رأسه ورأس أبي سروعة، فوالله ما كتبت إلى عمر بحرف مما كان، حتى إذا تحينت كتابه إذا هو فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص ابن العاص، فعجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك علي، وخلاف عدين أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر ممن هو خير منك واخترتك لجرأتك عني وإنفاد عهدي، فأراك تلوثت بما قد(18/343)
تلوثت، فماأراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قتل: هو ولد أمير المؤمنين، وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عند في حق يجب به عليه. فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع، فبعثت به كما قال أبوه، وأقرأت ابن عمر كتاب أبيه، وكتبت إلى عمر كتاباً أعتذر فيه، وأخبره أني ضربته في صحن داري، وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن دار على الذمي والمسلم، وبعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر، فقال: أسلمه، فقدم بعبد الرحمن على أبيه، فدخل عليه، وعليه عباءة، ولا يستطيع المشي من مركبه، فقال: يا عبد الرحمن، فعلت وفعلت، السياط، فكلمه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد مرة، فما عليه أن تقيمه ثانية؟ فلم يلتفت إلى هذا عمر وزبره، فجعل عبد الرحمن يصيح: إني مريض وأنت قاتلي، فضربه الثانية الحدّ، وحبسه في مرض فمات.
وفي حديث بمعناه: إنه جلده وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله، فلبث شهراً صحيحاً، ثم أصابه قذة، فتحسّب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلده.
وعن الحسن قال: بينما عمر بن الخطاب يمشي ذات يوم في بعض أزقة المدينة إذا صبيّةٌ بين يده، تقوم مرة وتقع أخرى وفي رواية: تطيش هزالاً فقال: يا بؤسها: من لهذه؟ فقال ابن عمر: هذه إحدى بناتك يا أمير المؤمنين زاد في آخر قال: وأي بناتي هذه؟ قال: ابنتي قال: فما لها؟ قال: منعتها ما عندك، قال: أفعجزت إذ منعتها ما عندي أن تكسب عليها كما تكسب الأقوام على بناتهم؟ والله مالك عندي إلا مالرجل من المسلمين، وبيني وبينك كتاب الله. قال الحسن: فخصمه الله.
وفي آخر فقال: إني والله ما أعول من ولدك، فاسع على ولدك أيها الرجل.(18/344)
وعن عاصم بن عمر قال: أرسل إلي عمر يرفا، فأتيته وهو في مصلاه عند الفجر أو عند الظهر قال: فقال: والله ما كنت أرى هذا المال يحل لي من قبل أن أليه إلا بحقه، وما كان قط أحرم علي منه إذ وليته، فعاد أمانتي، وقد أنفقت عليك شهراً من مال الله، ولست بزائدك، ولكني معينك بثمن مالي بالغابة، فاجدده فبعه، ثم ائت رجلاً من قومك من تجارهم، فقم إلى جنبه، فإذا اشترى شيئاً فاستشركه، فاستنفعه وأنفق على أهلك.
قال أسلم: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كراعاً، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن يأكلهم الضّبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوقف معها عمرن ولم يمض ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً، وحمل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه ثم قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، فقال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً فافتتحناه، ثم أصبحنا نستقي بينهما بهماً فيه.
وعن محمد بن سيرين أن صهراً لعمر بن الخطاب قدم على عمر فعرض عليه أن يعطيه من بيت المال، فانتهره عمر فقال: أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً. فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.(18/345)
وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدثنا عن الدجال أنه يسلّط على نفس يقتلها ثم يحييها، فيقول: ألست بربك؟ قال: فتقول: ما كنت قط أكذب منك الساعة، قال: فما كنا نراه إلا عمر بن الخطاب حتى قتل أو مات.
وعن حذيفة قال:
لأن أعلم أن فيكم مئة مؤمن أحبّ إلي من حمر النّعم وسودها، فقال أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما تهاجرنا بيننا ولا تشاتمنا بيننا ولا تفرقنا. قال: هل فيكم من لا يخاف في الله لومة لائم ثم بكى ثم قال: ما أعلمه إلا عمر، فكيف أنتم لو قد فارقكم؟.
وعن حذيفة قال: كنا جلوساً عند عمر فقال: أيّكم يحفظ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قلت، أنا، كما قال، قال: إنك لجريء عليها أو عليه قلت: فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفّرها الصلاة، والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كموج البحر، قلت: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: أيكسر أو يفتح؟ قلت: بل يكسر، قال: إذاً لا يغلق أبداً، قلنا؛ أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غدٍ ليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا حذيفة أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقاً، فسأله فقال: الباب عمر.
وعن قدامة بن مظعون أن عمر بن الخطاب أدرك عثمان بن مظعون وهو على راحلته، وعثمان على راحلته، على ثنية الأثاية والعرج، فضعضعت راحلته راحلة عثمان، وقد مضت راحلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمام الركب، فقال عثمان بن مظعون: أوجعتني يا غلق الفتنة. فلما أسهلت الرواحل دنا منه عمر بن الخطاب فقال: يغفر الله لك أبا السائب، ما هذا الاسم الذي سميتنيه؟ فقال: لا والله ما أنا الذي سميتكه، لكن سمّاكه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بينا هو(18/346)
أمام الركن يقدم القوم مررت بنا يوماً ونحن جلوس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " هذا غلق الفتنة وأشار بيده لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين ظهرانيكم ".
وفي حديث غيره: قفل الفتنة.
مرّ عبد الله بن سلام بعبد الله بن عمر بن الخطاب وهو راقد في مشرقة، وفحركه برجله فقال: من هذا؟ قال: أنا عبد الله بن أمير المؤمنين عمر، قال: قم يا بن قفل جهنم، قال: فقام عبد الله وقد تغير لونه حتى أتى والده عمر، فقال: يا أبه، أما سمعت ما قال ابن سلام لي؟ قال: وما قال لك يا بني؟ قال: قال لي: قم يا بن قفل جهنم، قال: فقال عمر: الويل لعمر إن كان بعد عبادة أربعين سنة ومصاهرته رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقضاياه بين المسلمين بالاقتصاد أن يكون مصيره إلى جهنم حتى يعني يكون قفلاً لجهنم، قال: ثم قام وتقنّع بطيلسان له، وألقى الدرة على عاتقة فاستقبله عبد الله بن سلام، فقال له عمر: يا بن سلام، بلغني أنك قلت لابني: قم يا بن قفل جهنم، قال: نعم، قال عمر: وكيف علمت أني في جهنم، حتى أكون قفلاً لجهنم؟ قال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن تكون في جهنم، ولكنك قفل جهنم، قال: وهل يكون أحد لا يكون في جهنم وهو قفل جهنم؟ قال: نعم، قال: وكيف ذلك؟ قال: إنه أخبرني أبي عن آبائه عن موسى بن عمران عن جبريل عليه السلام أنه قال: يكون في أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم رجل يقال له: عمر بن الخطاب، أحسن الناس ديناً، وأحسنهم يقيناً. ما دام بينهم الدين عالٍ، والدين فاشٍ واستمسك بالعروة الوثقى من الدين فجهنم مقفلة، فإذا مات عمر يرق الدين، ويقل اليقين، وقلّ أعمار الصالحين، وافترق الناس على فرق من الأهواء، وفتحت أقفال جنهم، فيدخل في جهنم من الآدميين كثير.
قال كعب وهو عند عمر: ويل لملك الأرض من ملك السماء، فقال عمر: إلا من حاسب نفسه، فقال كعب: إنك مصراع الفتنة.(18/347)
وعن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال يوماً وهو يذكر عمر فقال: إن مات عمر رقّ الإسلام، ما أحب أن لي ما تطلع عليه الشمس أو تغرب وأني أبقى بعد عمر. قال قائل: ولم؟ قال: سترون ما أقول إن بقيتم، أما هو فإن ولي والٍ بعد عمر فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك، ولم يحملوه، وإن ضعف عنهم قتلوه.
وعن حذيفة أنه قال: ما بينكم وبين أن يرسل عليكم الشرّ فراسخ، إلا أن يطلع عليكم راكب من هاهنا فينعى لكم عمر.
وعن ابن عمر:
أن عمر بن الخطاب وجّه جيشاً، ورأس عليهم رجلاً يدعى سارية، قال: فبينما عمر بن الخطاب يخطب جعل ينادي: يا ساري، الجبل، يا ساري، الجبل، ثلاثاً. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر فقال: يا أمير المؤمنين، هزمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي: يا ساري، الجبل، ثلاثاً. فأسندنا ظهورنا بالجبل، فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك تصيح لذلك.
ولما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل بوونه من أشهر العجم، فقالوا: يا أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سنّة: لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك، فقالوا: إذا كان ثنتا عشرة تخلوا من هذا الشهر عمدنا إلى جارية، بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا أمر لا يكون أبداً في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بوونه وألبيب ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى همّوا بالجلاء. فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب: إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، وبعث ببطاقة في داخل كتابه، وكتب إلى عمرو: إني قد بعثت إليك(18/348)
ببطاقة في داخل كتابي إليك، فألقها في النيل. فلما قدم كتاب عمر على عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد. فإني كنت إنما تجري من قبلك فلا تجرن وإن كان الله الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصلا للجلاء والخروج منها، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل. فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشرة ذراعاً في ليلة واحدة، فقطع الله تعالى تلك السّنّة السوء عن أهل مصر إلى اليوم.
وعن مالك بن موسى بن الحدثان قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا الفيء حق، ثم نحن فيه بعد على منازلنا في كتاب الله وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الرجل وقومه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته، وإن أخوف ما أخاف عليكم أحمر، محذف القفا يحم لنفسه بحكم وللناس بحكم، ويقسن لنفسه قسماً وللناس قسماً. والله لئن سلمت نفسي ليأتين الراعي وهو بجبل صنعاء حظه من فيء الله وهو في غنمه ".
وعن الحسن قال: أتي عمر بسوار كسرى بن هرمز فوضع بين يديه فأخذه سراقة بن مالك، فوضعه في يديه فبلغ منكبيه، فقال عمر: الحمد لله، سوار كسرى في يد سراقة بن مالك الخزاعي بني مدلج، اللهم، قد علمت أن نبيك مذ كان يحب أن يصيب مالاً فينفقه في سبيلك، وعلى عبادك، فزويت ذلك عنه نظراً له واختياراً. اللهم، إني قد علمت أن أبا بكر كان يحب أن يصيب مثل ذلك المال فينفقه في سبيلك، فزويت ذلك عنه نظراً منك له واختياراً. اللهم، فلا يكن ذلك مكراً بي منك ثم تلا: " أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ ونبين ".
وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: لما أتي عمر بكنوز كسرى قال عبد الله بن الأرقم الزهري: ألا تجعلها في بيت المال(18/349)
حتى نقسمها؟ قال: لا أظلها تحت سقف بيت حتى أمضيها، فأمر بها فوضعت في صرح المسجد، وباتوا يحرسونها. فلما أصبح أمر بها فكشف عنها، فرأى ما فيها من البيضاء والحمراء ما كان يتلألأ منه البصر، فبكى عمر، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، فوالله إن هذا ليوم شكر، ويوم فرح، فقال عمر: إن هذا لم يعطه قوم قط إلا ألقى بينهم العداوة والبغضاء.
قال سلمة بن سعيد: أتي عمر بن الخطاب بمال، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمير المؤمنين، لو حبست من هذا المال في بيت المال لنائبة تكون أو أمرٍ يحدث، فقال: كلمة ما عرض بها إلا شيطان كفاني الله حجتها، ووقاني فتنتها، أعصي الله العام مخافة قابل، أعدّ لهم تقوى الله تعالى. قال الله تعالى: " ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " وليكون فتنة على من يكون بعدي.
وعن سعيد بن المسيب قال:
انكسر بعي رمن مال الله فنحره عمر، وصنعه، ودعا عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال العباس بن عبد المطلب: يا أمير المؤمنين، لو صنعت لنا في كل يوم مثل هذا أصبنا منه، وتحدثنا عندك، فقال عمر، يهون عليك جوع امرأة بسلع؟ إنه كان لي صاحبان عملا عملاً، وسلكا طريقاً إن عملت مثل عملهما سلكت طريقهما، وإن عملت بغيره لم أسلك طريقهما.
وعن أسلم: أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يعني: هنيّ على الحمى، فقال: يا هنيّ، اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني(18/350)
ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبالك؟ فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق، وايم الله، إنهم ليرون أني ظلمتهم، وإنها لبلادهم، قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام. والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً.
وعن أبي هريرة قال: قدمت من البحرين، فسألني عمر عن الناس، فأخبرته. ثم قال لي: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمس مئة ألف. قال: ويحك هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، قال: إنك ناعس، ارجع إلى أهلك فنم، فإذا أصبحت فائتني. فلما أصبحت أتيته، فقال: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمس مئة ألف، قال: ويحك هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مئة ألف، حتى عدها خمس مرات، يعدها بأصابعه الخمس، قال: أطنب، قلت: لا أعلم إلا ذلك، قال: فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنه قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم أن نكيلكم كيلاً، وإن شئتم أن نعدكم عداً، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدوّنون ديواناً لهم، قال: فدوّن الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين خمسة آلاف، خمسة آلاف، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، ولأمهات المؤمنين اثني عشر ألفاً، اثني عشر ألفاً.
وعن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: السنة ثلاث مئة وستون يوماً، وإن حق الله عز وجل على عمر أن يكسح بيت المال في كل سنة يوماً عذراً إلى الله أني لم أدع فيه شيئاً.
وفي حديث بمعناه: حتى يعلم الله أني قد أديت إلى كل ذي حق حقه. قال الحسن: فأخذ صفوها، وترك كدرها حتى ألحقه الله بصاحبيه.(18/351)
نجز الجزء الثامن عشر من مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ويتلوه في الجزء التاسع عشر بقية ترجمة عمر بن الخطاب علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان سنة ثلاث وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل.(18/352)
عن زهير بن حيّان وكان زهير يلقى ابن عبّاس ويسمع منه قال: قال ابن عبّاس: دعاني عمر بن الخطاب، فأتيته، فإذا بين يديه نطع، عليه الذهب منثور حثاً.
قال: يقول ابن عبّاس: يا زهير، هل تدري ما حثا؟ قال: قلت: لا. قال التّبن.
قال: هلمّ، فاقسم هذا بين قومك، فالله أعلم حيث زوى هذا عن نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي بكر، فأعطيته، لخير أعطيته أم لشرّ؟ قال: فأكببت عليه أقسم وأزيّل.
قال: فسمعت البكاء: فإذا صوت عمر يبكي، ويقول في بكائه: كلاّ، والذي نفسي بيده، ما حبسه عن نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أبي بكر إرادة الشّرّ لهما، وأعطاه عمر إرادة الخير له.
عن مخلد بن قيس العجليّ، عن أبيه، قال: لمّا قدم سيف كسرى ومنطقته وزبرجدته على عمر، فقال: إنّ أقواماً أدّوا هذا لذووا أمانة. فقال عليّ: إنك عففت فعفّت الرّعيّة.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر بن الخطّاب رأى في الظّهر وفي حديث أبي مصعب، عن أبيه، أنه قال(19/7)
لعمر بن الخطاب: إن في الظّهر ناقةً عمياء، فقال عمر: ادفعها وقال أبو مصعب: يدفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها. قال: فقلت: وهي عمياء؟ قال: يقطرونها بالإبل. قال: فقلت: كيف تأكل من الأرض؟ فقال عمر بن الخطاب: أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصّدقة؟ قال: قلت: من نعم الجزية. قال: فقال عمر: أردتم والله أكلها. فقلت: إنّ عليها وسم الجزية، فأمر بها عمر بن الخطاب فنحرت.
قال: وكان عنده صحاف تسع، فلا تكون فاكهة ولا طريفة إلا جعل في تلك الصّحاف منها، فبعث به إلى أزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون الذي يبعث إلى حفصة من آخر ذلك، فإن كان فيه نقص كان في حظّ حفصة.
قال: فجعل في تلك الصّاف من لحم تلك الجزور، فبعث به إلى أزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر بما بقي من اللّحم فصنع، فدعا عليه المهاجرين والأنصار.
عن عمران أن عمر بن الخطاب كان إذا احتاج أتى صاحب بيت المال، فاستقرضه، فربّما عسر، فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه، فليزمه، فيحتاج له عمر، وربّما خرج عطاؤه فقضاه.
عن إبراهيم أن عمر بن الخطّاب كان يتّجر وهو خليفة.
قال يحيى في حديثه: وجهّز عيراً إلى الشّام، فبعث إلى عبد الرحمن بن عوف وقال الفضل: فبعث إلى رجل من أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالا جميعاً: يستقرضه أربعة آلاف درهم؛ فقال للرّسول: قل له: يأخذها من بيت المال ثم ليردّها.
فلمّا جاءه الرسول فأخبره بما قال، شقّ ذلك عليه؛ فلقيه عمر، فقال: أنت القائل لنا: خذها من بيت المال؟ فإن متّ قبل أن يجيء قلتم: أخذها أمير المؤمنين، دعوها له، وأوخذ بها يوم القيامة؛ لا، ولكن أردت أن آخذها من رجل حريص شحيح مثلك، فإن متّ أخذها قال يحيى: من ميراثي. وقال الفضل: من مالي.(19/8)
عن مالك الدّار، قال: أصاب النّاس قحط في زمان عمر بن الخطّاب، فجاء رجل إلى قبر النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، استسق الله لأمّتك، فإنّهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، وقال: " ائت عمر، فأقره السّلام وأخبره أنكم مسقون، وقل له: عليك الكيس الكيس " فأتى الرّجل فأخبر عمر، فبكى عمر، ثم قال: يا ربّ، ما آلو إلاّ ما عجزت عنه.
وعن خوّات بن جبير، قال: أصاب النّاس قحط شديد على عهد عمر، فخرج عمر بالنّاس، فصلّى بهم ركعتين، وخالف بين طرفي ردائه فجعل اليمين على اليسار على اليمين، ثم بسط يده، فقال: اللهم إنّا نستغفرك ونستسقيك؛ فما برح مكانه حتى مطروا؛ فبيناهم كذلك إذا الأعراب قد قدموا، فأتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين، بينا نحن في بوادينا في يوم كذا، في ساعة كذا، إذ أظلّنا غمام، فسمعنا فيها صوتاً: أتاك الغوث أبا حفص، أتاك الغوث أبا حفص.
وعن أبي السّائب بن يزيد، قال: ركب عمر بن الخطاب عام الرّمادة دابّةً، فراثت شعيراً، فرآها عمر، فقال: المسلمون يموتون هزلاً، وهذه الدّابة تأكل الشّعير! لا والله لا أركبها حتى يحيا النّاس.
وعن يحيى بن سعيد، قال: اشترت امرأة عمر بن الخطاب لعمر فرق سمن بستّين درهماً، فقال عمر: ما هذا؟ فقالت امرأته: هو من مالي، ليس من نفقتك. فقال عمر: ماأنا بذائقه حتى يحيا النّاس.(19/9)
وعن ابن عمر أن عمر لمّا كان عام الرّمادة، واشتد الجوع على أهل المدينة، قال: والله لا أتأدّم وكان رجلاً لا يوافقه الزّيت ولا الشّعير ولا التّمر، وكان يوافقه السّمن فقال: والله لا أتادّم بالسّمن حتى يفتح الله على المسلمين عامه هذا.
قال: فشحب، وصحب بطنه، وضعف قوّته. قال: فاشترت ابنته له عكّة من سمن، فحلف بالله لا يأكل منها ولا يتأدّمها، فجعل إذا أكل خبز الشّعير والثّمر بغير أدم تقرقر بطنه؛ يقول هو في المجلس ويضع يده على بطنه: إن شئت فقرقر، وإن شئت لا تقرقر، مالك عندي أدم حتى يفتح الله على العامّة.
حدّث نافع مولى الزّبير، قال: سمعت أبا هريرة يقول: رحم الله ابن حنتمة، لقد رأيته عام الرمّادة، وإنه ليحمل على ظهره جرابين، وعكّة زيت في يده، وإنه ليعتقب هو وأسلم؛ فلمّا رآني قال: من أين يا أبا هريرة؟ قلت: قريباً.
قال: فأخذت أعقبه، فحملناه، حتى انتهينا إلى صرار، فإذا صرم نحو من عشرين بيتاً من محارب، فقال عمر: ما أقدمكم؟ قالوا: الجهد.
قال: وأخرجوا لنا جلد الميتة مشويّاً كانوا يأكلونه، ورمّة العظام مسحوقةً كانوا يسفّونها؛ فرأيت عمر طرح رداءه، ثم اتّزر، فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا.
وأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبّانة، ثم كساهم، وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك.
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: لمّا كان عام الرّمادة تحلّبت العرب من كلّ ناحية فقدموا المدينة، فكان عمر بن(19/10)
الخطّاب قد أمر رجالاً يقومون عليهم، ويقسمون عليهم أطعمتهم وإدامهم، فكان يزيد ابن أخت النّمر، وكان المسور بن مخرمة، وكان عبد الرحمن بن عبد القاريّ، وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود، فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا عند عمر، فيخبروه بكلّ ما كانوا فيه، وكان كل رجل منهم على ناحية من المدينة، وكان الأعراب حلولاً فيما بين رأس الثّنيّة، إلى راتج، إلى بني حارثة، إلى بني عبد الأشهل، إلى البقيع، إلى بني قرطبة، ومنهم طائفة بناحية بني سلمة، هم محدقون بالمدينة. فسمعت عمر يقول ليلةً وقد تعشّى النّاس عنده: أحصوا من يتعشّى عندنا؛ فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل. وقال: أحصوا العيالات الذين لا يأتون، والمرضى والصبيان؛ فأحصوهم، فوجدوهم أربعين ألفاً. ثم مكثنا ليالي فزاد النّاس، فأحصوا، فوجدوا من تعشى عنده عشرة آلاف، والأخرين خمسين ألفاً فما برحوا حتى أرسل الله السّماء. فلمّا مطرت رأيت عمر قد وكّل كلّ قوم من هؤلاء النّفر بناحيتهم، يخرجونهم إلى البادية، ويعطونهم قوتاً وحملاناً إلى باد يتهم، ولقد رأيت عمر يخرجهم هو بنفسه. قال أسلم: وقد كان وقع فيهم الموت، فأراه مات ثلثاهم وبقي ثلث، وكانت قدور عمر يقوم إليها العمّال في السّحر يعلمون الكركور حتى يصبحوا، ثم يطعمون المرضى منهم، ويعلمون العصايد؛ وكان عمر يأمر بالزّيت فيفار في القدور الكبار على النّار حتى يذهب حمتّه وحرّه، ثم يثرد الخبز، ثم يؤدم بذلك الزّيت؛ فكانت العرب يحمّون من الزّيت. وما أكل عمر في بيت أحد من ولده، ولا بيت أحد من نسائه ذواقاً زمان الرّمادة إلاما يتعشّى مع النّاس حتى أحيا الله النّاس أوّل ما أحيا.
حدث أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنّا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرّمادة لظننّا أن عمر يموت همّاً بأمر المسلمين.(19/11)
وعن بعض نساء عمر، قالت: ما قرب عمر امرأة زمن الرّمادة، حتى أحيا النّاس.
عن قسامة بن زهير، قال: وقف أعرابيّ على عمر بن الخطّاب، فقال: من الرجز
يا عمر الخيّر خير الجنه ... جهّز بنيّاتي وأكسهنّه
أقسم بالله لتفعلنّه
قال: فإن لم أفعل يكون ماذا يا أعرابيّ؟ قال: أقسم أني سوف أمضينّه قال: فإن مضيت يكون ماذا ياأعرابيّ؟ قال:
والله عن حالي لتسألنّه ... ثم تكون المسألات ثمّه
والواقف المسؤول بينهنّه ... إمّا إلى نار وإمّا جنّه
قال: فبكى عمر حتى اخضلّت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام: أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره، والله ما أملك قميصاً غيره.
عن المسور بن مخرجة الزّهري، قال: خرجنا حجّاجاً مع عمر بن الخطّاب، فنزلنا منزلاً بطريق مكة يقال له: الأبواء، فإذا نحن بشيخ على قارعة الطريق؛ فقال الشيخ: ياأيّها الرّكب، قفوا. فقال عمر: قفوا. فوقفنا؛ فقال عمر: قل يا شيخ. قال: أفيكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال عمر: أمسكوا لا يتكلمنّ أحد، ثم قال: أتعقل يا شيخ؟ قال: العقل ساقني إلى هاهنا. قال: توفي النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وقد توفي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم.(19/12)
قال: فبكى حتى ظننّا أن نفسه ستخرج من بين جنبيه؛ ثم قال: فمن ولي أمر الأمّة من بعده؟ قال: أبو بكر. قال: نحيف بني تيم؟ قال: نعم. قال: أفيكم هو؟ قال: لا. قال: وقد توفّي؟ قال: نعم. قال فبكى حتى سمعنا لبكائه شحيجاً؟ ثم قال: فمن ولي أمر الأمّة بعده؟ فقال: عمر بن الخطّاب. قال: فأين كانوا عن أبيض بني أميّة؟ يريد عثمان بن عفّان فإنه كان ألين جانباً، وأقرب. قال: قد كان ذلك. قال: إن كانت صداقة عمر لأبي بكر لمسلمه إلى خير، أفيكم هو؟ قال: هو الذي يكلّمك منذ اليوم. قال: أغثني، فإني لم أجد مغيثاً. قال: ومن أنت بلّغك الغوث؟ قال: أنا أبو عقيل، أحد بني مليل، لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردهة بني جعل، دعاني إلى الإسلام، فآمنت به، وصدّقت بما جاء به، فسقاني شربةً من سويق شرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوّلها وشربت آخرها، فما برحت أجد شبعها إذا جعت، وريّها إذا عطشت، وبردها إذا أصبحت، ثم تيمّمت في رأس الأبيض أنا وقطعة غنم لي، أصلّي في يومي وليلتي خمس صلوات، وأصوم شهراً وهو رمضان، وأذبح شاةً لعشر ذي الحجّة، أنسك بها؛ ذاك علمي، حتى ألفت بها السنّة فما أبقت لنا منها إلاّ شاةً واحدةً، كنّا ننتفع بدرّتها، فعسّها الذّيب البارحة الأولى، فأدركنا ذكاتها، فأكلنا وبلغناك ببعض. فأغثنا أغاثك الله. فقال عمر: بلّغك الغوث، بلّغك الغوث، أدركني على الماء.
قال المسور بن مخرمة: فنزلنا المنزل، وأصبنا من فضل زادنا، وكأنّي أنظر إلى عمر متعباً على قارعة الطريق، آخذاً بزمام ناقته، لم يطعم طعاماً، ينتظر الشيخ ويرمقه. فلمّا رحل النّاس، دعا عمر صاحب الماء فوصف له الشيخ وحلاّه له، وقال: إذا أتى عليك فأنفق عليه وعلى آله حتى أعود إليك إن شاء الله.
قال المسور: فقضينا حجّنا، وانصرفنا، فلمّا نزلنا المنزل دعا عمر صاحب الماء، فقال: هل أحسست الشيخ؟ قال: نعم ياأمير المؤمنين، أتاني وهو موعوك، فمرض عندي ثلاثاً، فمات، ودفنته، وهذا قبره.(19/13)
فكأني أنظر إلى عمر وقد وثب مباعداً بين خطاه حتى وقف على القبر، فصلّى عليه، ثم انضجع فاعتنقه، وبكى، حتى سمعنا لبكائه شحيجاً، ثم قال: كره الله له منتّكم، وسيق به، واختار له ما عنده إن شاء الله. ثم أمر بأهله فجعلوا معه؛ فلم يزل ينفق عليهم حتى قبض.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم، قال: خرجنا مع عمر بن الخطّاب إلى حرّة واقم، حتى إذا كنّا بصرار إذا نار، فقال: ياأسلم، إنّي لأرى ها هنا ركباً قصّر بهم اللّيل والبرد، انطلق بنا. فخرجنا نهرول حتى دنوها منهم، فإذا بامرأة معها صبيان صغار، وقدور منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون؛ فقال عمر: السّلام عليكم يا أصحاب الضّوء وكره أن يقول: يا أصحاب النّار فقالت: وعليك السّلام. فقال: أدنو؟ فقالت؛ ادن بخير أو دع. قال: فدنا، وقال: ما لكم؟ قالت: قصّر بنا اللّيل والبرد. قال: وما بال هؤلاء الصبّية يتضاغون؟ قال: الجوع. قال: فأيّ شيء في هذه القدور؟ قالت: ماء أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر. قال: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولّى أمرنا ثم يغفل عنّا! قال: فأقبل عليّ، فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدّقيق، فأخرج عدلاً من دقيق، وكبّة شحم؛ فقال: احمله عليّ. فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أمّ لك؟ فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدّقيق شيئاً، فجعل يقول لها: ذرّي عليّ وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر ثم يمرثها؛ فقال: ابغي شيئاً؛ فأتته بصحفة، فأفرغها فيها، ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم. فلم يزل حتى شبعوا، وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول: جزاك الله خيراً، كنت أولى بهذا الأمر من المؤمنين. فيقول: قولي خيراً، إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله.(19/14)
ثم تنحّى عنها ناحيةً، ثم استقبلها، فربض مربضاً؛ فقلت: لك شأن غير هذا؟ فلم يكلّمني، حتى رأيت الصّبية يصطرعون، ثم ناموا، وهدؤوا. فقال: ياأسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألاّ أنصرف حتى أرى ما رأيت.
عن جهم بن أبي جهم، قال: قدم خالد بن عرفطة العذريّ على عمر، فسأله عمّا وراءه، فقال: ياأمير المؤمنين، تركت من ورائي يسألون الله أن يزيد في عمرك من أعمارهم، ما وطئ أحد القادسيّة إلاّ عطاؤه ألفان أو خمس عشرة مئة، وما من مولود يولد إلاّ ألحق على مئة وجريبين كل شهر ذكراً كان أو أنثى، وما يبلغ لنا ذكر إلاّ ألحق على خمسمئة أو ستّمئة، فإذا خرج هذا لأهل بيت، منهم من يأكل الطعام ومنهم من لا يأكل الطعام، فما ظنّك به؟ فإنه لينفقه فيما ينبغي ومالا ينبغي. قال عمر: فالله المستعان، إنّما هو حقّهم أعطوه، وأنا أسعد بأدائه إليهم منهم بأخذه، فلا تحمدنّي عليه، فإنه لو كان من مال الخطّاب ما أعطيتموه، ولكني قد علمت أن فيه فضلاً ولا ينبغي أن أحبسه عنهم، فلو أنه إذا خرج عطاء أحد هؤلاء العريب ابتاع منه غنماً فجعلها بسوادهم، ثم إذا خرج العطاء الثانية ابتاع الرأس فجعله فيها، فإني ويحك يا خالد بن عرفطة أخاف عليكم أن يليكم بعدي ولاة لا يعدّ العطاء في زمانهم مالاً، فإن بقي أحد منهم أو أحد من ولده كان لهم شيء قد اعتقدوه، فيتكئون عليه، فإن نصيحتي لك وأنت عندي جالس كنصيحتي لمن هو بأقصى ثغر من ثغور المسلمين، وذلك لما طوّقني الله من أمرهم؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات غاشّاً لرعيّته لم يرح رائحة الجنّة ". وعن ابن عمر، قال: قدمت رفقة من التّجار، فنزلوا المصلّى، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن نحرسهم اللّيلة من السّرق؟ فباتا يحرسانهم، ويصلّيان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبيّ، فتوجه نحوه، فقال لأمّه: اتّقي الله وأحسني إلى صبيّك؛ ثم عاد إلى مكانه، فسمع(19/15)
بكاءه، فعاد إلى أمّه، فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه؛ فلّما كان في آخر اللّيل سمع بكاءه، فأتى أمّه، ويحك، إنّي لأراك أمّ سوء، مالي أرى ابنك لا يقرّ منذ اللّيلة؟ قالت: يا عبد الله، قد أبرمتني منذ الليلّة، إنّي أريغه عن الفطام فيأبى. قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلاّ للفطم. قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهراً. قال: ويحك، لا تعجليه. فصلى الفجر وما يستبين النّاس قراءته من غلبة البكاء، فلمّا سلّم قال: يا بؤساً لعمر، كم قتل من أولاد المسلمين!. ثم أمر منادياً فنادى: ألا لا تجعلوا صبيانكم عن الفطام، فإنّا نفرض لكلّ مولود في الإسلام. وكتب بذلك في الآفاق: إنّا نفرض لكّل مولود في الإسلام. قال الأحنف بن قيس: ما سمع النّاس بمثل عمر بن الخطّاب في باب الدّين والدّنيا، كان منوّر القلب، فطناً بجميع الأمور؛ بيناه يطوف ذات ليلة سمع امرأة تقول في الطّواف وهي تنشد: من الطويل
فمنهنّ من تسقى بعذب مبرّد ... نقاخ، فتلكم عند ذلك قرّت
ومنهنّ من تسقى بأخضر آجن ... أجاج، ولولا خشية الله فرّت
ففطن عمر رحمه الله ما تشكو، فبعث إلى زوجها، فقال لرجل: استنكه فمه؛ فوجده متغيّر الفم، فخيّره بين خمسمئة درهم وجارية من الفيء، على أن يطلّقها؛ فاختار خمسمئة والجارية، فأعطاه، فطلّقها. عن الحسن، قال: قال عمر: لو مات جمل في عملي ضياعاً خشيت أن يسألني الله عنه. وعن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب كان يد خل يده في دبرة البعير ويقول: إنّي لخائف أن أسأل عمّا بك!.(19/16)
عن عوانه، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله بن عمر: أمّا بعد؛ فإنه من اتّقى الله وقاه ومن توكّل عليه كفاه ومن أقرضه جزاه ومن شكره زاده؛ فلتكن التقوى عماد عملك، وجلاء قلبك؛ فإنه لا عمل لمن لا نيّة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له. عن جعفر بن برقان، قال: بلغني أن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عمّاله، فكان في آخر كتابه؛ أن حاسب نفسك في الرّخاء قبل حساب الشّدّة، فإنه من حاسب نفسه في الرّخاء قبل حساب الشّدّة عاد مرجعه إلى الرّضى والغبطة، ومن ألهته حياته وشغله هواه عاد مرجعه إلى النّدامة والحسرة، فتذكّر ما توعظ به لكي تنتهي عمّا تنهى عنه. وعن مالك بن مغول أنه بلغه أن عمر بن الخّطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنّه أهون أو قال: أيسر لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهّروا للعرض الأكبر يوم " تعرضون لا تخفى منكم خافية ".
عن هشام " بن عروة " عن أبيه، عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول في خطبته: أيّها النّاس، تعلمون أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن المرء إذا أيس من الشيء استغنى عنه.
عن الحسن، قال: أتى عمر بن الخطاب أعرابيّ، فقال: يا أمير المؤمنين، إني رجل من أهل البادية، وإن لي أشغالاً، وإنّ لي وإنّ لي، فأوصني بأمر يكون لي ثقة وأبلغ به. فقال عمر: أرني يدك، فأعطاه يده، فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصّلاة، وتوتي الزّكاة المفروضة، وتحجّ وتعمر، وتسمع وتطيع، وعليك بالعلانية، وإيّاك والشّرّ، وعليك بكل شيء إذا ذكر ونشر لم تستحي منه ولم يفضحك، وإيّاك وكلّ شيء إذا ذكر ونشر استحييت وفضحك.(19/17)
فقال: يا أمير المؤمنين، أعمل بهنّ، فإذا لقيت ربّي أقول: أمرني بهنّ عمر بن الخطّاب. فقال: خذهنّ، فإذا لقيت ربّك فقل له ما بدا لك.
وعن مسروق، عن عمر، قال: حسب الرّجل د ينه، وأصله عقله، ومروءته خلقه؛ وإن الشّجاع ليقاتل عمّن لا يبالي أن لا يعرف، وإن الجبان ليفّر عن أبيه. وقال: لا تعرض لما لا يعنيك، واعتزل عدوّك، واحتفظ من خليلك إلاّ الأمين، فإن الأمين ليس شيء يعدله، ولا أمين إلاّ من يخشى الله، ولا تصحب الفاجر فيحملك على الفجور، ولا تفش لأحد سرّك، وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزّ وجلّ.
وقال عمر: إن الشجاعة والجبن غرائز في الرّجال، يقاتل الشجاع عن من لا يعرف، ويفرّ الجبان عن أبيه، والكرم الحسب، وحسب المرء دينه، وكرمه خلقه ولو كان فارسياً أو نبطياً. وقال: ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: تبدؤه بالسّلام إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسماءه إليه. وثلاث من العيّ: أن يستبين لك من النّاس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تعيب على النّاس بالّذي تأتى، وأن تؤذي جليسك بما لا يعنيك.
وقال عمر بن الخطاب: من كنتم سرّه كانت الخيرة في يديه، ومن عرّض نفسه للتّهمة فلا يلومنّ من أساء به الظّنّ، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير مدخلاً، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تكثر الحلف فيهينك الله، وما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وعليك بإخوان الصّدق اكتسبهم فإنّهم زين في الرّخاء وعدّة عند البلاء.(19/18)
عن الأحنف بن قبس، قال: قال لي عمر بن الخطاب: يا أحنف من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن مزح استخفّ به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه.
وعن زيد بن عقبه، قال: قال عمر بن الخطاب: الرّجال ثلاثة، والنّساء ثلاثة، فامرأة عفيفة مسلمة، هّينة ليّنة ودود ولود، تعين أهلها على الدّهر ولا تعين الدّهر على أهلها، وقلّ ما تجدها؛ والأخرى وعاء للولد، لا تزيد على ذلك شيئاً؛ وأخرى غلّ قمل يجعلها الله في عنق من يشاء، وينزعه إذا شاء. والرّجال ثلاثة: فرجل إذا أقبلت الأمور وتشبّهت، يأمر فيها أمره، ونزل عند رأيه؛ وآخر ينزل به الأمر فلا يعرفه، فيأتي ذوي الرّأي فينزل عند رأيهم؛ وآخر حائر بائر، لا يأتمر رشداً، ولا يطيع مرشداً.
عن أبي السفر، قال: رؤيء على عليّ برده كان يكثر لبسه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنك لتكثر لبس هذا؛ قال: إنه كسانيه خليلي، وصفييّ، وصديقي، وخاصّتي، عمر بن الخطاب؛ إن عمر ناصح الله فنصحه الله تعالى؛ ثم بكى.
وقال عليّ بن أبي طالب: إ ن أبا بكر كان أوّاهاً منيباً، وإن عمر نصح الله فنصحه. وقال عليّ: إن عمر كان رشيد الأمر.
قال سالم بن أبي الجعد: جاء أهل نجران بكتابهم إلى عليّ في أديم أحمر، فقالوا: ننشدك بكتابك بيمينك، وشفاعتك بلسانك، إلا ما رددتنا إلى أرضنا. فقال: إن عمر كان رشيد الأمر.(19/19)
قال سالم: فلو كان طاعناً على عمر لكان ذلك اليوم.
وعن عليّ، قال: لا أجد رجلاً يفضّلني على أبي بكر وعمر، إلا جلدته حدّ المفتري.
عن علقمة بن قيس، قال وضرب بيده على منبر الكوفة فقال: خطبنا عليّ على هذا المنبر، فذكر ما شاء الله أن يذكر، ثم قال: ألا إنه بلغني أن ناساً يفضّلونني على أبي بكر وعمر، ولو كنت تقدّمت في ذلك لعاقبت، ولكن أكره العقوبة قبل التّقدّم، من أتيت به بعد مقامي هذا قد قال شيئاً من ذلك فهو مفتر، عليه ماعلى المفتري، ثم قال: إنّ خير النّاس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر ثم عمر: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ماعسى أن يكون حبيبك يوماً ما.
قال سعيد بن زيد لابن مسعود: يا أبا عبد الرحمن، توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأين هو؟ قال: في الجنّة. قال: توفي أبو بكر فأين هو؟ قال ذاك الأوّاه عند كل خير يبتغى. قال: توفي عمرفأين هو؟ قال: إذا ذكر الصالحون فحيّ هلا بعمر.
عن عبد الله بن مسعود، قال: إذا ذكرالصّالحون فحيّ هلا بعمر؛ وايم الله، إني لأّحسب أن بين عينيه ملكاً يسدّده.
وعن زيد بن وهب، قال: كنت في حلقة في المسجد، فيها أناس من القرّاء، فاختلف رجلان في قراءة آية، فبينما هما كذلك إذ دخل عبد الله بن مسعود من أبواب كندة، فقاما إليه يسألانه عنها، وقمت معهما أنظر ما يرجع إليهما. قال: فاحتبسناه في صحن المسجد، وهو قائم، فقالا: آية اختلفنا في قراءتها، فأحببنا أن نعلم موضعها. فقال لأحدهما: اقره؛ فلمّا قرأ قال: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها معقل بن مقرن المزني. ثم قال للآخر: اقره؛ فلمّا قرأ قال: من أقرأكها؟ قال:(19/20)
أقرأنيها عمر بن الخطّاب. فلما ذكر عمر، بكى حتى نشج، وحتى رأيت في الحصى من دموعه أثراً، ثم قال: إن عمر كان أعلمنا بالله، وأفقهنا في دين الله، وأقرأنا لكتاب الله، فاقرأها كما أقرأكها عمر، فوالله لهي أبين من طريق السّيلحين، وبالله ما من أهل بيت لم يدخل حزن عمر يوم أصيب إلاّ أهل بيت سوء، كان عمر حصناً حصيناً يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه.
وزاد في رواية: إن عمر كان حائطاً كثيفاً يدخله المسلمون ولا يخرجون منه، فمات عمر، فانثلم الحائط فهم يخرجون ولا يدخلون، ولو أن كلباً أحبّ عمر لأحببته، وما أحببت حبّي لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجّراح بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبّي لهؤلاء الثلاثة. وقال: لقد أحببت عمر حتى لقد خفت الله، ولو أني أعلم أن كلباً يحبّ عمر لأحببته، ولوددت أني كنت خادماً لعمر حتى أموت، ولقد وجد فقده كلّ شيء حتى العضاه، وإنّ هجرته كانت نصراً، وإن سلطانه كان رحمةً.
عن عمّار بن ياسر، قال: من فضّل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وطعن على أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقال عليّ: لا يفضّلني أحد على أبي بكر وعمر إلاّ وقد أنكر حقّي وحقّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، في حديث عمرو بن العاص، أنه قال: إن ابن حنتمة بعجت له الدّنيا معاها، وألقت إليه أفلاذ كبدها، ونقّت له مخّتها، وأطعمته شحمتها، وأمطرت له جوداً سال منه شعابها، ودفعت في محافلها، فمصّ منها(19/21)
مصّاً، وقمص منها قمصاً، وجانب غمرتها، ومشى ضحضاحها، وما ابتلّت قدماه؛ ألا كذاك أيّها النّاس؟ قالوا: نعم، رحمه الله.
ابن حنتمة: عمر بن الخطّاب، وأمّه حنتمة بنت هشام بن المغيرة، ابنة عّم أبي جهل بن هشام. وقوله: بعجت له الدّنيا معاها: مثل ضربه، أراد أنه كشفت له ما كان مخبوءاً عن غيره؛ والبعج: الشق والفتح. وألقت إليه أفلاذ كبدها: يعني كنوزها، وهم يكنّون عن المال بأفلاذ الكبد، وهي قطعها، ولذلك يقول عابرو الرؤّيا في الكبد إنه مال مدفون.
والشّعاب: الأودية. والمحافل: المواضع التي تحتفل فيها الماء، أي تجتمع وتكثر. وقوله: فمصّ منها مصّاً: أي نال اليسير. وقمص قمصاً: أي نفر؛ يقال: دابّة بها قماص، بكسر القاف. وجانب غمرتها: أي كثرتها. ومشى ضحضاحها؛ وهو مارقّ من الماء على وجه الأرض، ومنه: " إن أبا طالب في ضحضاح من نار ". وما ابتلّت قدماه: يقول: لم يتعلّق منها بشيء.
عن ابن عبّاس، قال: أكثروا ذكر عمر، فإن عمر إذا ذكر ذكر العدل، وإذا ذكر العدل ذكر الله.
وعن عائشة، قالت: زيّنوا مجالسكم بالصّلاة على النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبذكر عمر بن الخطّاب.
قال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة: صف لي عمر بن الخطّاب. فقال: كان عالماً برعيّته، عادلاً في نفسه، قليل الكبر،(19/22)
قبولاً للعذر، سهل الحجاب، مفتوح الباب، يتحرّى الصّواب، بعيد من الإساءة، رفيق بالضعيف، غير صخّاب، كثير الصّمت، بعيد من العيب.
عن عبد العزيز بن حفص الوالبيّ، قال: قلت للحسن: حبّ أبي بكر وعمر سنّة؟ قال: لا، فريضة.
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن رجلاً جاءه، فقال: انعت لي أبا بكر وعمر. فقال ربيعة: ما أدري كيف أنعمتها لك، أمّا هما فقد سبقا من كان معهما، وأتعبا من كان بعدهما.
قال المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: فضل النّاس عمر في أربع؛ في الأسرى إذ قال لرسول الله عليه وسلم: اضرب أعناقهم. فنزل " ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ". وقوله للنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اضرب على أزواجك حجاباً. فقالت زينب: يا ابن الخطّاب، تغار علينا والوحي ينزل علينا في بيوتنا؟ فأنزل الله تعالى: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب ".
وقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم أيدّ الإسلام بعمر بن الخطّاب ". وكان أول من بايع أبا بكر.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: جاء بلال يريد أن يستأذن على عمر، فقلت: إنه نائم. فقال: يا أسلم، كيف تجدون عمر؟ فقلت: خير النّاس، إلاّ أنه إذا غضب فهو أمر عظيم. فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب، قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه.
عن ابن أبي(19/23)
حازم، عن أبيه، قال: سئل علي بن الحسن عن أبي بكر وعمر، ومنزلتهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: كمنزلتهما اليوم، هما ضجيعاه.
وعن مالك، قال: قال لي أمير المؤمنين هارون: يا مالك، كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، قربهما منه في حياته كقرب مضجعهما بعد وفاته. قال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك.
عن عبد الله بن مصعب، قال: قال لي أمير المؤمنين: يا أبا بكر، ما تقول في الذين يشتمون أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: زنادقة، يا أمير المؤمنين. قال: ما علمت أحداً قال هذا غيرك، فكيف ذلك؟ قال: قلت: إنّما هم قوم أرادوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجدوا أحداً من الأمّة يتابعهم على ذلك فيه، فشتموا أصحابه؛ يا أمير المؤمنين ما أقبح با لرّجل أن يصحب صحابة السّوء! فكأنّهم قالوا: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحب صحابة السّوء! فقال لي: ما أرى الأمر إلاّ كما قلت. كان مالك بن أنس، يقول: كان صالحو السّلف يعلّمون أولادهم حبّ أبي بكر وعمر، كما يعلّمون السّورة من القرآن.
عن عقبة، قال: ما أدركت أحداً ممّن كنّ نأخذ منه كان يفضّل على أبي بكر وعمر أحداً بعد النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن سفيان الثّوري، قال: من فضّل علياً على أبي بكر وعمر فقد أزرى على اثني عشر ألفاً من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(19/24)
وعن محمد بن عبيد الطنافسي، عن أبيه، قال: أدركت النّاس وما يتكلّمون في أبي بكر ولا عمر، وما كان الكلام إلاّ في عليّ وعثمان.
وعن مالك بن مغول، قال: إني لأرجو على حبّ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ما أرجو بالتّوحيد.
وقال بعض علماء الشّام: إنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة، وإن عمر تمنّى أن يكون شعرةً في صدر أبي بكر.
عن محمد بن عاصم الأصبهاني، قال: سمعت أبا أسامة يقول: تدرون من أبو بكر وعمر؟ أبو الإسلام وأمّه. فذكرت ذلك لأبي أيّوب سليمان الشاذوكيّ، فقال: صدق، هما ربيّا الإسلام.
وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قلت لأبي: يا أبه، لو رأيت رجلاً يسبّ عمر، ما كنت صانعاً به؟ قال: كنت أضرب عنقه.
وعن جعفر بن محمد الصّادق، قال: أنا بريء ممّن ذكر أبا بكر وعمر إلاّ بخير.
عن جابر بن عبد الله، قال: قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنهم ليتناولون أبا بكر وعمر! فقال: أتعجبون من هذا؟ إنّما قطع عنهم العمل، فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر.
وعن الأجلح، قال: سمعنا أنه ما شتم أبا بكر وعمر أحد إلاّ مات قتلاً أو فقراً.
عن خلف بن تميم، قال: سمعت بشيراً، ويكنى أبا الخصيب، قال: كنت رجلاً تاجراً، وكنت موسراً،(19/25)
وكنت أسكن مدائن كسرى، وذلك في زمن ابن هبيرة. قال: فأتاني أجيري يذكر أن في بعض الخانات رجلاً قد مات، وليس يوجد له كفن، فأقبلت حتى دخلت ذلك الخان، فدفعت إلى رجل مسجىً، وعلى بطنه لبنة، ومعه نفر من أصحابه، فذكروا من عبادته وفضله. فبعثت ليشترى الكفن وغيره، وبعثت إلى حافر يحفر له، وهيّأنا له لبناً، وجلسنا نسخّن لنغسله؛ فبينا نحن إذ وثب المّيت وثبةً، فبدرت اللّبنة عن بطنه، وهو يدعو بالويل والثّبور والنّار. قال: فتصدّع أصحابه عنه. قال: فدنوت حتى أخذت بعضده وهززته، ثم قلت: ما رأيت وما حالك؟ قال: صحبت مشيخةً من أهل الكوفة، فأدخلوني في دينهم أوفي رأيهم، الشّك من أبي الخصيب في سبّ أبي بكر وعمر، والبراءة منهما. قال: قلت: استغفر الله ثم لا تعد. قال: فأجابني: وما ينفعني وقد انطلق بي إلى مدخلي من النّار فأريته، وقيل لي: إنك سترجع إلى أصحابك فتحدّثهم بما رأيت، ثم تعود إلى حالك!. فما انقضت كلمته حتى مال ميتاً على حاله الأول. قال: فانتظرت حتى أتي بالكفن، فأخذته، وقمت، فقلت: لا كفّنته ولا غسّلته ولا صلّيت عليه، ثم انصرفت. فأخبرت بعد أن القوم الذين كانوا معه كانوا على رأيه، وتولّوا غسله ودفنه والصّلاة عليه. وقالوا: ما الذي أنكرتم من صاحبنا، إنّما كانت خطفة من الشّيطان تكلّم به على لسانه. قال خلف: قلت: يا أبا الخصيب، هذا الحديث الذي حدّثتني به تشهد به؟ قال: بصر عيني، وسمع أذني، وأنا أؤدّيه إلى النّاس. قال مالك بن أنس: من سبّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس له في الفيء حقّ، يقول الله عزّ وجلّ: " للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً " الآية. هؤلاء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذين هاجروا معه، ثم قال: "(19/26)
والذّين تبوّؤا الدّار والإيمان ". هؤلاء الأنصار، ثم قال: " والذّين جاؤوا من بعدهم " قال مالك: فاستثنى الله عزّ وجلّ، فقال: " يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالأيمان ". الفيء لهؤلاء الثلاثة، فمن سبّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس من هؤلاء الثلاثة، ولا حقّ له في الفيء.
عن خليفة، قال: سنة ثلاث عشرة: فيها بويع عمر بن الخطاب. واسم أم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وفيها: بعث عمر أبا عبيد بن مسعود الثقفي إلى العراق، فلقي جابان بين الحيرة والقادسية، ففضّ جمعه، وأسره وقتل ومردانشاه، ففدى جابان نفسه بغلامين وهو لا يعرف. قال: ثم سار إلى كسكر، فلقي نرسي، فهزمهم الله، ثم أغار على مسلحة بالس فانهزموا.
قال خليفة: سنة أربع عشرة: فيها فتحت دمشق.
قال ابن إسحق، وغيره: وفيها مصّرت البصرة.(19/27)
قال خليفة: وفيها فتح الأبلّة. سنة خمس عشرة: قال: وحدّ ثني عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، قال: افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلّها عنوةً، ما خلا طبريّة، فإن أهلها صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيدة. وقال: وبعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع، وصالحه أهل بعلبك، وكتب لهم كتاباً.
وقال ابن الكلبي: ثم خرج أبو عبيدة يريد حمص، فسألوه الصّلح على أموالهم وأنفسهم وكنائسهم وعلى أرض حمص، على مئة ألف دينار وسبعين ألف دينار.
قال خليفة: وفيها وقعة اليرموك، وفي هذه السّنة بالعراق فتح نهر تيرى، ود ست ميسان، وقراها. وفيها: وقعة القادسية. وعلى المسلمين سعد بن مالك؛ وذكر أن فيها افتتحت المدائن. سنة ستّ عشرة: قال خليفة: وفي هذه السّنة افتتحت الأهواز، ثم كفروا. قال: وعن عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، أن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنّسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية، وافتتح سائر أرض قنّسرين عنوة.(19/28)
وعن سالم بن عبد الله بن عمر، قال: خرج أهل إ يلياء إلى عمر فصالحوه على الجزية، وفتحوها.
وقال عامر بن حفص: قدم أبو موسى البصرة سنة سبع عشرة، فكتب إليه عمر، أن سر إلى كور الأهواز. فسار أبو موسى فأتى الأهواز فافتتحها يقال: عنوة، ويقال: صلحاً فوظف عليها عمر عشرة آلاف ألف وأربعمئة ألف.
قال خليفة: وفيها يعني سنة سبع عشرة وقعة جلولاء؛ وفي هذه السّنة كوّفت الكوفة.
وقال ابن إسحاق: وفي سنة ثمان عشرة فتحت الرّها.
قال خليفة: إن أبا موسى الأشعريّ افتتح الرّها وسميساط، وما والاهما عنوة. وكان أبو عبيدة بن الجرّاح وجّه عياض بن غنم الفهريّ إلى الجزيرة فوافق أبا موسى بعد فتح هذه المدن، فمضى ومعه أبو موسى فافتتحا حرّان ونصيبين وطوائف الجزيرة عنوة.
ويقال: وجّه أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى الجزيرة فوافق أبا موسى قد افتتح الرّها وسميساط، فوجّه خالد أبا موسى وعياضاً إلى حرّان فصالحا أهلها، ومضى خالد إلى نصيبين، فافتتحها، ثم رجع إلى آمد، فافتتحها صلحا، وما بينها عنوة. وقال: إن عمر وجّه عياضاً فافتتح الموصل، وذلك سنة ثمان عشرة. وفيها فتحت حلوان والماهات. وفيها فتح جند يسابور والسّوس صلحاً، صالحهم أبو موسى ثم رجع إلى الأهواز.(19/29)
قال خليفة: سنة تسع عشرة: فيها فتحت قيساريّة، أميرها معاوية بن أبي سفيان وسعيد بن عامر بن جذيم.
قال ابن إسحاق: سنة عشرين: فيها فتحت تكريت.
وقال خليفة: سنة عشرين: فيها أمر مصر، وفيها: وقعة تستر.
قال خليفة: سنة إحدى وعشرين: فيها وقعة نهاوند. وفيها: وقعة إصطخر. وفيها: فتحت الإسكندرية، فتحها عمرو بن العاص.
قال خليفة: سنة اثنين وعشرين: قال أبو عبيدة: مضى حذ يفة بن اليمان بعد نهاوند إلى مدينة نهاوند، فصالحه دينار على ثمانمئة ألف درهم في كل سنة. وغزا حذيفة مدينة الدّينور، فافتتحها عنوةً، وقد كانت فتحت لسعد ثم انتقضت، ثم غزا حذيفة ماه سبذان، فافتتحها عنوةً، وقد كانت فتحت لسد فانتقضت. وفيها فتحت أذربيجان. وفيها: افتتح عمرو بن العاص أطرابلس.
قال خليفة: سنة ثلاث وعشرين: فيها غزوة إصطخر الأولى. وفيها: قتل عمر بن الخطاب.
عن سعيد بن المسيّب: أن عمر بن الخطّاب لّما نفر من أناخ بالأبطح، ثم كوّم كومةً من بطحاء، فألقى عليها طرف ردائه، ثم استلقى، ورفع يديه إلى السّماء، ثم قال: اللهم، كبرت(19/30)
سنّي، وضعفت قوّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط. فما انسلخ ذو الحجّة حتى طعن، فمات.
عن جبير بن مطعم، قال: حججت مع عمر آخر حجّة حجّها، فبينما نحن واقفون معه على جبل عرفة، صرخ رجل فقال: يا خليفة؛ فقال رجل من لهب وهم حيّ من أزد شنؤة يعتافون مالك، قطع الله لهجتك وقال عقيل: لهاتك والله لا يقف عمر على هذا الجبل بعد هذا العام أبداً.
قال جبير: فوقعت بالرّجل اللهبيّ، فشتمته؛ حتى إذا كان الغد، وقف عمر وهو يرمي الجمار، فجاءت حصاة عائرة من الحصا الذي يرمي به النّاس، فوقعت في رأسه، ففصدت عرقاً من رأسه؛ فقال رجل: أشعر، وربّ الكعبة، لا يقف عمر على هذا الموقف أبداً بعد هذا العام.
قال جبير: فذهبت ألتفت إلى الرّجل الذي قال ذلك، فإذا هو اللهبيّ الذي قال لعمر على جبل عرفة ما قال.
وزاد في أخرى: قال: فوالله ما حجّ عمر بعدها.
عن عائشة زوج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن عمر بن الخطّاب أذن لأزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحججن في آخر حجّة حجّها عمر بن الخطّاب. قالت: فلمّا ارتحل عمر من الحصبة آخر اللّيل، أقبل رجل يسير، فقال وأنا أسمع: أين كان مناخ أمير المؤمنين؟ قالت: فقال له قائل وأنا أسمع: هذا كان منزله؛ فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقيرته يتغنّى، فقال: من الطويل(19/31)
عليك سلام من أمير وباركت ... يدالله في ذاك الأديم الممزّق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... بوائج في أكمامها لم تفتّق
فلمّا سمعت ذلك، قلت لبعض أهلي: اعلموا لي من هذا الرّجل. فانطلقوا إليه فلم يجدوه في مناخه، فقالت عائشة: والله إنّي لأحسبه من الجنّ؛ حتى إذا قتل عمر نحل النّاس هذه الأبيات شمّاخ بن ضرار الغطفانّي، ثم الثّعلبيّ، أو عمّ شمّاخ.
وفي رواية: فأقبل رجل إلى عمر منتقب، فسلّم عليه، ثم قال: من الطويل
جزى الله خيراً من إمام وباركت ... يد اله في ذاك الأديم الممزّق
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... بوائج في أكمامها لم تفتّق
وكنت تشوب الدّين بالحلم والتّقى ... وحكم صليب الرّأي غير مزوّق
فمن يسع أويركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
وزير النبيّ حياته ووليّه ... كساه الإله جبّةً لم تخرّق
من الفضل والإسلام والدّين والتّقى ... فبابك عن كلّ الفواحش مغلق
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... له الأرض واهتزّ العضاه بأسؤق
فما كنت أخشى أن تكون وفاته ... بكفّي سبنتى أزرق العين مطرق
تظّل الحصان البكر تبدي عويلها ... تنادي فويق الأيطل المتأرّق
عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد أحد وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اثبت أحد، فإنما عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان "(19/32)
عن أبي صالح، قال: قال كعب لعمر بن الخطّاب: أجدك في التّوراة كذا، وأجدك كذا، وأجدك تقتل شهيداً! فقال عمر بن الخطّاب: وأنّى لي بالشهادة، وأنا في جزيرة العرب؟.
عن الحسن، قال: قال عمر بن الخطّاب: حدّثني ياكعب عن جنّات عدن، فقال: نعم ياأمير المؤمنين، قصور في الجنّة لا يسكنها إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد أو حكم عدل. فقال عمر: أمّا النّبوّة فقد مضت لأهلها، وأمّا الصدّيقون فقد صدقت الله ورسوله، فأمّا حكم عدل فإنّي أرجو أن لا احكم بشيء إلاّ لم آل فيه عدلاً، وأمّا الشّهادة فأنّى لعمر الشّهادة.
وعنه، قال: قال عمر بن الخطّاب رحمة الله عليه: لولا ثلاث لتمنّيت الموت؛ الجهاد في سبيل الله وأنا أرجوه، والسّجود لله عزّوجلّ، وأن أجالس أقواماً يلتقطون جيّد الكلام كما يلتقط القوم جيّد التّمر إذا وضع بين أيديهم.
عن قيس بن أبي حازم، قال: خطب عمر بن الخطّاب النّاس ذات يوم على منبر المدينة، فقال في خطبته: إن في جنّات عدن قصراّ له خمسمئة باب، على كلّ باب خمسة آلاف من الحور العين، لا يدخله إلا نبيّ ثم نظر إلى قبر الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هنيئاً لك يا صاحب القبر ثم قال: أو صدّيق ثم التفت إلى قبر أبي بكر، فقال: هنيئاّ لك يا أبا بكر ثم قال: أو شهيد ثم أقبل على نفسه، فقال: وأنّى لك الشّهادة يا عمر ثم قال: إنّ الذي أخرجني من مكّة إلى هجرة المدينة لقادر أن يسوق إليّ الشّهادة.
قال ابن مسعود: فساقها الله إليه على يد شرّ خلقه مجوسيّ، عبد، مملوك للمغيرة.
عن عوف بن مالك الأشجعيّ: أنه رأى رؤيا زمان أبي بكر باليمن، فلمّا قدم قصّها على أبي بكر، وعمر يسمع، فقال: ما هذا؟. فلمّا ولّى دعاه فسأله، فقال: أولم تكذب بها؟ قال: لا، ولكنّي(19/33)
استحييت من أبي بكر. فقصّها عليه، فقال: رأيت كأنّ عمر أطول النّاس، وهو يمشي فوقهم، فقلت: أنّى هذه؟ فقيل: إنه لا يخاف في الله لومة لائم، وإنّه أمير المؤمنين، وإنه يقتل شهيداً. فقال: وكيف لي بالشّهادة، وبيني وبين الرّوم رجال أهل الشّام وأهل العراق؟. قال: يتيحها الله من حيث شاء.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، قال: ألّلهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك.
عن أنس بن مالك، عن أبي موسى الأشعريّ، قال: رأيت كأنّي أخذت جوادّ كثيرة، فاضمحلّت حتّى بقيت جادّة واحدة فسلكتها، حتى انتهيت إلى جبل، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوقه، إلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومي إلى عمر: أن تعال؛ فقلت: " إنّا لله وإليه راجعون " مات والله أمير المؤمنين. فقلت: ألا تكتب بهذا إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعى له نفسه.
عن معدان بن أبي طلحة اليعمري: أن عمر بن الخطّاب خطب يوم الجمعة، وذكر نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر أبا بكر، ثم قال: رأيت كأن ديكاً نقرني نقرةً أو نقرتين، وإنّي لا أراه إلاّ لحضور أجلي؛ وإنّ أقواماً يأمرونني أن أستخلف، وإنّ الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء السّتّة الذين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض، وقد علمت أن أقواماً سيطعنون في هذا الأمر بعدي أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا فأولئك أعداء الله الكفرة الضّلاّل، وإنّي لا أدع شيئاّ بعدي هو أهمّ إليّ من الكلالة، وما راجعت رسول الله عليه وسلم في شيء ما راجعت في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء منذ صاحبته ما أغلظ لي في الكلالة، حتى(19/34)
طعن بإصبعه في صدري، فقال: " أما يكفيك آية الصّيف الّتي في سورة النساء، وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرؤه ". ثم قال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، فإنّما بعثتم ليعلّموا النّاس د ينهم، وسنّة نبيّهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعدلوا عليهم، ويرفعوا إليّ ما أشكل عليهم من أمرهم. ثم إنكم أيها النّاس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلاّ خبيثتين، هما البصل والثّوم، وقد كنت أرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وجد ريحهما من الرّجل في المسجد أمر فأخذ بيده، فأخرج به البقيع، فمن كان أكلهما لا بدّ فليمتهما طبخاً.
عن عامر بن أبي محمد، قال: قال عيينة بن حصن الفراريّ لعمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين، احترس وأخرج العجم من المدينة، فإني لا آمن أن يطعنك رجل منهم في هذا الموضع ووضع يده في الموضع الذي طعنه أبو لؤلؤة فلّما طعن عمر، قال: ما فعل عيينة؟ قالوا بالهجم أو بالحاجر. فقال: إن هناك لرأياً.
عن المسور بن مخرمة، قال: قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام!. فقال عمر: الله! إنك لتجد عمري في التّوراة؟ قال: لا، ولكن أجد صفتك وحليتك.
قال: وعمر لا يحسّ أجلاً ولا وجعاً؛ فلّما مضى ثلاثة طعنه أبو لؤلؤة، فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلّمون عليه؛ قال: ودخل في النّاس كعب، فلّما نظر إليه عمر، قال: من الطويل
فأوعدني كعب ثلاثاً يعدّها ... ولا شكّ أن القول ما قال لي كعب
وما بي حذار الموت، إني لميت ... ولكن حذار الذّ نب يتبعه الذّنب(19/35)
عن عمر بن ميمون، أن أبا لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة طعن عمر بخنجر له رأسان، وطعن معه اثني عشر رجلاً، فمات منهم ستّة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوباً، فلّما اغتّم فيه طعن نفسه فقتلهما.
عن أبي رافع، قال: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الرّحى. قال: فكان المغيرة يستغله كلّ يوم أربعة دراهم. قال: فلقي أبو لؤلؤة عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، أن المغيرة قد أثقل عليّ، فكلّمه أن يخفّف عنّي. قال: فقال عمر: اتّق الله وأحسن إلى مولاك. قال: ومن نيّة عمر أن يلقى المغيرة فيكلّمه في التّخفيف عنه. قال: فغضب أبو لؤلؤة، وقال: يسع النّاس عدله كلّهم غيري؛ فغضب، وأضمر على قتله. قال: فصنع خنجراً له رأسان. قال: فشحذه. قال: وتحيّن عمر. وكان عمر لا يكبّر إذا أقيمت الصّلاة حتى يتكلّم: أقيمو صفوفكم. قال: فجاء فقام في الصّفّ بحذاه مقابل عمر في صلاة الغداة. قال: فلّما أقيمت الصّلاة تكلّم قال: أقيموا صفوفكم. قال: ثم كبّرفلّما كبّر وجأةً وجأةً. قال: ثم كبّر، فوجأةً وجأة على كتفه، ووجأةً مكاناً آخر، ووجأه في خاصرته. فسقط عمر، ووجأ ثلاثة عشر رجلاً معه، فأفلت منهم سبعة ومات منهم ستة، واحتمل عمر، فذهب به إلى أهله، وصاح النّاس حتى كادت الشمس أن تطلع، فنادى عبد الرحمن بن عوف: أيّها النّاس الصّلاة؛ ففزع النّاس إلى الصّلاة، فتقدم عبد الرحمن فصلّى بهم، وقرأ بأقصر سورتين من القرآن؛ فلّما انصرف توجه النّاس إلى عمر، فدعا بشراب لينظر ما مدى جرحه. قال: فأتي بنبيذ، فشربه، فخرج من جرحه؛ فلم يدر نبيذ هو أم دم. قال: فدعا بلبن، فأتي به، فخرج من جرحه؛ فقالوا: لا بأس عليك يا أمير المؤمنين. قال: إن يكن القتل بأساً فقد قتلت. قال: فتكّلم صهيب فرفع صوته: وأخاه، ثلاثاً؛ فقال: مه يا صهيب، يا أخي، أوما بلغك، أوما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن المعوّل عليه يعذّب في قبره "؟ فأقبل النّاس يثنون عليه: جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، كنت وكنت؛ فيجيء قوم(19/36)
فيثنون وينصرفون، ويجيء قوم فيثنون وينصرفون، ويجيء قوم آخرون. فقال عمر: أما والله على ما تقولون لوددت أني خرجت منها كفافاً لا لي ولا علّي، وأن صحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمت لي. فتكلّم ابن عبّاس وكان ابن عبّاس خلط بعمر فقال: لا والله يا أمير المؤمنين لا تخرج منها كفافاً، لقد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصحبته بخير ما صحبه صاحب، كنت له، وكنت، حتى قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنك راض، وكان أبو بكر بعده فكنت تنفذ أمره، فكنت له وكنت، حتى قبض وهو عنك راض، ثم وليتها أنت فوليتها بخير ما وليها، وإن كنت وكنت. قال: فكأن عمر استراح إلى كلام ابن عبّاس، وقال: يا ابن عبّاس، عد في حد يثك. قال: فعاد فيه ابن عبّاس. قال: فقال عمر: أما والله على ما تقول لو أن طلاع الأرض ذهباً لافتد يت به من هول المطلع. فجعلها شورى في ستّة؛ عليّ، وعثمان بن عفّان، والزّبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص؛ وجعل عبد الله بن عمر معهم وليس منهم. قال: وأمر صهيباً أن يصلّي بالنّاس، وأجّلهم ثلاثاً.
عن عمر بن ميمون: أنه رأى عمر بن الخطّاب قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف، فقال: نخاف أن تكونا حمّلتما الأرض مالا تطيق. قالا: حمّلناهما أمراً هي له مطيقة، وما فيها كثير فضل. فقال: انظر أن يكونا حملّتما الأرض مالا تطيق. قالا: لا. فقال: لئن سلّمني الله لأدعنّ أرامل أهل العراق لا يحتجن بعدي إلى أحد. قال: فما أتت عليه إلا أربعة حتّى أصيب.(19/37)
قال عمرو بن ميمون: وإني لقائم ما بيني وبينه إلاّ عبد الله بن عبّاس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصّفّين قام بينهما، فإذا رأى خللاً قال: استووا. حتى إذا لم يرى فيهم خللاً تقدّم فكبّر. قال: وربما قرأ بسورة يوسف أو بالنّحل في الرّكعة الأولى حتى يجتمع النّاس. قال: فما هو إلاّ أن كبّر، فسمعته يقول: قتلني الكلب، أو: أكلني الكلب؛ حين طعنه. قال: وطار العلج بسكّين ذي طرفين لا يمرّ على أحد يميناً وشمالاً إلاّ طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، فمات منهم تسعة؛ فلّما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برساً، فلّما ظنّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه؛ وأخذ عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه. فأمّا من يلي عمر رأى الذين رأيت، وأمّا نواحي المسجد فإنّهم لا يدرون ما الأمر، غير أنهم فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله: سبحان الله؛ فصلّى عبد الرّحمن بالنّاس صلاة خفيفة. فلّما انصرفوا قال: يا ابن عبّاس، انظر من قتلني. قال: فجال ساعة، ثم قال: غلام المغيرة بن شعبة. فقال: الصّنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد كنت أمرت له بمعروف؛ ثم قال: الحمد الله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام، كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة وكان العبّاس أكثرهم رقيقاً فقال ابن العبّاس: أن شئت " فعلنا " قال: بعد ما تكلّموا بلسانكم، وصلّوا إلى قبلتكم، وحجّوا حجّكم؟؟؟؟! قال: فاحتمل إلى بيته. قال: فكأن النّاس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ. قال: فقائل يقول: نخاف عليه. وقائل يقول: لابأس. قال: فأتي بنبيذ فشرب منه فخرج من جرحه، ثم أتي بلبن، فشرب منه، فخرج من جرحه. قال: فعرفوا أنه ميّت. قال: فولجنا عليه، وجاء الناّس يثنون عليه. قال: وجاء رجل شاب فقال: أبشر ياأمير المؤمنين ببشرى الله، قد كان لك من صحبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم الإسلام ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم شهادة. فقال: يا ابن أخي، وددت أن ذلك كفافاً لا عليّ ولا لي.(19/38)
فلمّا أدبرالرّجل إذا إزاره يمسّ الأرض، فقال: ردّوا الغلام، يا ابن أخي ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربّك؛ يا عبد الله انظر ما عليّ من الديّن. فحسبوه فوجدوه ستّةً وثمانين ألفاً، أو نحو ذلك. فقال: إن وفى مال آل عمران فأدّه من أموالهم، وإلاّ فاسأل في بني عديّ بن كعب، فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم؛ اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة، فقل: يقرأ عليك عمر بن الخطّاب السّلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإنّي اليوم لست للمؤمنين بأمير، فقل: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه.
قال فسلّم ثم استأذن، فوجدوها تبكي؛ فقال لها: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: قد كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه اليوم على نفسي. قال: فجاء؛ فلمّا أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء. فقال: ارفعاني؛ فأسنده إليه رجل، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحبّ يا أمير المؤمنين، قد أذنت لك. قال: الحمد لله، ما كان شيء أهّم إليّ من ذلك المضجع، فإذا أنا قبضت، فسلّم، وقل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين. ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنّساء يسترنها فلمّا رأيناها قمنا، فمكثت عنده ساعةً، ثم استأذن الرّجال، فولجت داخلاً، ثم سمعنا بكاءها من الدّاخل، فقيل له: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الذي توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راضً، سمّى علياً، وطلحة، وعثمان، والزّبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً. قال: وشهد عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء كهيئة التّعزية له، فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعن به، أو لكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا من خيانة. ثم قال: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله. وأوصيه بالمهاجرين الأوّلين أن يعلم لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً، " الذين تبوّؤا الدّار والإيمان "(19/39)
أن يقبل من محسنهم ويعفوا عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً بأنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدوّ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضىً منهم، وأوصيه بالأعراب خيراً فإنّهم أصل العرب ومادّة الإسلام، أن يؤخذ منهم من حواشي أموالهم فيردّ على فقرائهم، وأوصيه بذمّة الله وذ مّة رسوله أن يفي لهم بعدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلاّ طاقتهم.
قال: فلمّا توفي خرجنا به نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، فقال: يستأذن عمر. قالت: أدخلوه. فأدخل، فوضع هناك مع صاحبيه. فلمّا فرغ من دفنه، ورجعوا، اجتمع هؤلاء الرّهط، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزّبير: قد جعلت أمري إلى عليّ وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن؛ وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. قال: فخلا هؤلاء النّفر الثلاثة عليّ وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، فقال: عبد الرحمن للآخرين: أيّكما يبرأ من هذا الأمر ويجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم في نفسه وليحرصنّ على صلاح الأمّة؟ قال: فأسكت الشّيخان عليّ وعثمان؛ فقال عبد الرحمن: اجعلوه إليّ، والله عليّ لا آلو عن أفضلكم. قالا: نعم. فخلا بعليّ فقال: لك من القدم في الإسلام والقرابة ما قد علمت، والله عليك لئن أمّرتك لتعدلنّ ولئن أمّرت عليك لتسمعنّ ولتطيعنّ؟ فقال: نعم. قال: ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك؛ فلمّا أخذ الميثاق قال لعثمان: ارفع يديك، فبايعه، ثم بايع له عليّ، ثم ولج أهل الدّار فبايعوه.
عن عمرو بن ميمون، قال: رأيت عمر يوم طعن، وعليه ثوب أصفر، فخرّ وهو يقول: " وكان أمر الله قدراً مقدوراً ".(19/40)
عن المسور بن مخرمة، عن عمر ليلة طعن: أنه دخل معه هو وابن عبّاس، فلمّا أصبح بالصّلاة من الغد، أفزعوه، فقالوا: الصّلاة. ففزع، قال: نعم، ولاحظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة، فصلّى والجرح يثعب دماً.
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: كان لأهل بدر مجلس من عمر لا يجلسه غيرهم. قال: وكان عليّ بن أبي طالب أوّلهم دخولاً آخرهم خروجاً، فلمّا طعن عمر، قال: عن ملأ منكم كان هذا؟ قال عليّ: ما كان عن ملأ منّا، ولوددنا أنه زيد من أعمارنا في عمرك.
قال الزّبير بن بكار: وعمر بن الخطّاب مصّر الأمصار، ودوّن العطاء، ومناقبه كثيرة، وهو أوّل من أرّخ.
عن كعب، قال: كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه، وكان إلى جنبه نبيّ يوحى إليه، فأوحى الله إلى النبيّ أن يقول له: اعهد عهدك، واكتب وصيّتك، فإنك ميت إلى ثلاثة أيّام؛ فأخبره النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فلمّا كان اليوم الثالث وقع بين الجدر وبين السّرير، ثم جأر إلى ربّه فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم، وإذا اختلفت الأمور اتّبعت هواك، وكنت، فزدني في عمري حتى يكبر طفلي، وتربوا أمّتي؛ فأوحى الله إلى النّبيّ: إنه قد قال كذا وكذا، وقد صدق، وقد زدته في عمره خمس عشرة سنةً، ففي ذلك ما يكبر طفله، وتربوا أمّته. فلمّا طعن عمر قال كعب: لئن سأل ربّه ليبقينّه الله. فأخبر بذلك عمر، فقال: اللهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم.(19/41)
عن ابن عبّاس، قال: دخلت على عمر حين طعن، فقلت: أبشر يا أمير المؤمنين، والله لقد مصّر الله بك الأمصار، وأوسع بك الرّزق، وأظهر بك الحقّ. فقال عمر: قبلها أو بعدها؟ فقلت: بعدها وقبلها. قال: فوالله وددت أنّي أنجو منها كفافاً لا أوجر ولا أوزر.
وعنه، قال: لمّا طعن عمر، قال: الآن لو أن لي الدّنيا وما فيها لافتديت بها من هول المطلع. فقلت له: لم؟ قد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمات وهو عنك راض، ووليت المسلمين فعدلت فيهم. فقال: اعد عليّ الكلمات.
وعنه، قال: كنت مع عليّ فسمعنا الصّيحة على عمر. قال: فقام وقمت معه حتى دخلنا عليه البيت الذي هو فيه، فقال: ما هذا الصّوت؟ فقالت له امرأة: سقاه الطّبيب نبيذاً فخرج، وسقاه لبناً فخرج. فقال: لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلاً فافعل، فقالت أمّ كلثوم: واعمراه. وكان معها نسوة فبكين معها، وارتجّ البيت بكاءً؛ فقال عمر: والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع. فقال ابن عبّاس: والله إني لأرجو أن لا تراها إلاّ مقدار ما قال الله: " وإن منكم إلاّ واردها " إن كنت ما علمنا لأمير المؤمنين؛ وأمين المؤمنين، وسيّد المؤمنين، تقضي بكتاب الله، وتقسم بالسّويّة. فأعجبه قولي، فاستوى جالساً، فقال: أتشهد لي بهذا يا ابن عبّاس؟ قال: فكففت، فضرب على كتفي، فقال: أتشهد؟ قلت: نعم، أنا أشهد.
عن عليّ بن زيد، قال: لمّا طعن عمر دخل عليه عليّ يعوده، فقعد عند رأسه، وجاء ابن عبّاس فأثنى عليه، فقال له عمر: أنت لي بهذا يا ابن عبّاس؟ فأومى إليه عليّ؛ أن قل: نعم. فقال(19/42)
ابن عبّاس: نعم. فقال عمر: لا تغرّني أنت ولا أصحابك؛ يا عبد الله بن عمر، خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب لعلّ الله جلّ ذكره ينظر إليّ فيرحمني، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع. وصلّى على عمر صهيب.
عن أبي رافع: أن عمر بن الخطّاب كان مستنداً إلى ابن عبّاس، وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد، فقال: اعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئاً، ولم أستخلف من بعدي أحداّ، وأنه من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حرّ من مال الله. فقال سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين لأتمنك النّاس، وقد فعل ذلك أبو بكر وأئّمة النّاس. فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصاً سيّئاً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النّفر السّتّة الذين مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض؛ ثم قال عمر: لو أدركني أحد رجلين ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به سالم مولى أبي حذ يفة، وأبو عبيدة بن الجّراح.
عن الشّعبي، قال: دخل ابن عبّاس على عمر حين طعن، فقال: أبشر بالجنّة، أللهم، أسلمت حين كفر النّاس، وجاهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خذله النّاس، وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنك راض، ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقتلت شهيداً. فرفع رأسه إليه، فقال: كيف قلت؟ أعد عليّ. فأعاد عليه؛ ثم قال: أما والله، إن المغرور لمن غررتموه، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشّمس من صفراء أو بيضاء لافتديت به من هول المطلع.
عن ابن عمر، قال: دخلت على حفصة، فقالت: أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ قال: قلت: كلا. قالت: إنه فاعل؛ حلفت أن أكلّمه في ذلك، فخرجت في سفر أو قال: في غزاة فلم أكلّمه، فكنت في سفري كأنما أحمل بيميني جبلاً، حتى قدمت فدخلت عليه، فجعل يسائلني، فقلت له: إني سمعت النّاس يقولون مقالةً فآليت أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وقد علمت أنه لو كان لك راعي غنم فجاءك وقد ترك رعايته رأيت أن قد ضيّع، فرعاية النّاس أشدّ. قال: فوافقه قولي، فأطرق ملياً، ثم رفع رأسه، فقال إنّ(19/43)
الله يحفظ دينه، وأن لا أستخلف فإنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف. قال: فما هو إلاّ أن ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر، فعلمت انه لا يعدل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً، وأنه غير مستخلف. وعنه، قال: حضرت أبي حين أصيب. قال: فأثنوا عليه خيراً، فقال: راهب وراغب. قالوا: ألا تستخلف؟ قال: أتحمّل أمركم حيّاً وميتاً، لوددت أن حظي منها الكفاف لا عليّ ولا لي.
عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: نظر عمر إلى عليّ، فقال: اتّق الله إن وليت شيئاً من أمر النّاس فلاتحملنّ بني هاشم على رقاب النّاس؛ ثم نظر إلى عثمان، فقال: اتّق الله إن وليت شيئاً من أمور المسلمين، فلا تحملن بني أمية أو قال: بني أبي معيط على رقاب النّاس؛ ثم نظر إلى سعد والزّبير، فقال: وأنتما فاتّقيا الله إن وليتما شيئاً من أمور المسلمين.
عن عبد الله بن عمر، قال: دخل على عمر بن الخطّاب حين نزل به الموت عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزّبير بن العوّام وسعد بن أبي وقّاص رضي الله عنهم، وكان طلحة بن عبيد الله غائبا بأرضه بالشّراة، فنظر إليهم عمر ساعةً، ثم قال: إني قد نظرت لكم في أمر النّاس فلم أجد عند النّاس شقاقاً إلاّ أن يكون فيكم شيء، فإن شقاق فهو منكم، وإن الأمر إلى ستةّ، إلى عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزّبير وطلحة وسعد؛ ثم قال: إن قومكم إنمّا يؤمّرون أحدكم أيّها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر النّاس يا عثمان فلا تحملنّ بني أبي معيط على رقاب النّاس، وإن كنت على شيء من أمر النّاس يا عبد الرحمن فلا تحملنّ أقاربك على رقاب النّاس، وإن(19/44)
كنت على شيء يا عليّ فلا تحملنّ بني هاشم على رقاب النّاس، قوموا فتشاوروا وأمّروا أحدكم. فقاموا يتشاورون. قال عبد الله: فدعاني عثمان مرّة أو مّرتين ليدخلني في الأمر ولم يسمّني عمر، ولا والله ما أحب أني كنت معهم علماً منه بأنه سيكون من أمرهم ما قال أبي، والله ما لقّل ما سمعته حرّك شفتيه بشيء قطّ إلاّ كان حقاً: فلّما أكثر عثمان دعاني، فقلت ألا تعقلون؟ تؤمّرون وأمير المؤمنين حيّ؟ فو الله لكأنّما أيقظت عمر من مرقد؛ فقال عمر: أمهلوا، فإن حد ث بي حدث فليصلّ للنّاس صهيب مولى بني جدعان ثلاث ليال، ثم اجمعوا في اليوم الثالث أشراف النّاس وأمراء الأجناد فأمّروا أحدكم، فمن تأمّر عن غير مشورة فاضربوا عنقه.
عن ابن عبّاس، قال: خدمت عمر بن الخطّاب، وكنت له هائباً ومعظماً، فدخلت عليه ذات يوم في بيته وقد خلا بنفسه، فتنفّس تنفّساً ظننت أن نفسه خرجت، ثم رفع رأسه إلى السّماء فتنفّس الصّعداء. قال: فتحاملت وتشددّت، وقلت والله لأسألنّه، فقلت والله ما أخرج هذا منك إلاّ همّ يا أمير المؤمنين. قال: همّ والله، همّ شديد، هذا الأمر لو أجد له موضعاً يعني الخلافة. ثم قال: لعلك تقول: إن صاحبك لها يعني علياً. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أليس هو أهلها في هجرته، وأهلها في صحبته، وأهلها في قرابته؟ قال: هو كما ذكرت، ولكن رجل فيه دعابة. قال: فقلت: الزّبير؟ قال: وعقة لقس، يقاتل على الصّاع بالبقيع. قال: قلت: طلحة؟ قال: إن فيه لبأواً، وما أرى الله معطيه خيراً، وما برح ذلك فيه منذ أصيبت يده. قال: فقلت: سعد؟ قال: يحضر النّاس، ويقاتل، وليس بصاحب هذا الأمر.(19/45)
قال: فقلت: وعبد الرحمن بن عوف؟ قال: نعم المرء ذكرت، ولكنه ضعيف. قال: وأخرت عثمان لكثرت صلاته، وكان أحب النّاس إلى قريش. قال: فقلت: فعثمان؟ قال: أوّه، أوّه، كلف بأقاربه؛ ثم قال: لو استعملته استعمل بني أمية أجمعين أكتعين، ويحمل بني معيط على رقاب النّاس، والله لو فعلت لفعل، والله لو فعل ذلك لسارت إليه العرب حتى تقتله، والله لو فعلت فعل، والله لو فعل لفعلوا، إن هذا الأمر لا يحمله إلاّ اللّين في غير ضعف، والقويّ في غير عنف، والجواد في غير سرف، والممسك في غير بخل. قال: وقال عمر: لا يطيق هذا الأمر إلاّ رجل لا يصانع ولا يضارع ولا يتّبعّ المطامع، ولا يطيق أمر الله إلاّ رجل لا يتكلّم بلسانه كلّه، لا ينتقص عزمه، ويحكم في الحقّ على حزبه.
عن عثمان بن عفان، قال: أنا آخركم عهداً بعمر، دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر، فقال له: ضع خدّي بالأرض، لا أمّ لك في الثانية أو في الثّالثة ثم شبك بين رجليه، فسمعته يقول: ويلي وويل أمّي أن لم يغفر الله لي؛ حتى فاظت نفسه.
عن يحيى بن أبي راشد النّصريّ، قال: قال عمر بن الخطّاب لابنه: إذا حضرني الوفاة فاحرفني، واجعل ركبتيك في صلبي، وضع يدك اليمنى على جبيني، ويدك اليسرى على ذقني، فإذا أنا متّ فاغمضني، واقصدوا في كفني، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي، واقصدوا في حفرتي، فإنه إن كان لي عند الله خير أوسع لي فيها مدّ بصري، وإن كنت على غير ذلك ضيّقها عليّ حتى تختلف أضلاعي، ولا تخرج معي امرأة، ولا تزكّوني بما ليس فيّ فإن الله هو أعلم، فإذا خرجتم فأسرعوا بي المشي، فإنه إن كان لي عند الله خير قدّمتموني إلى ما هو خير لي، وإن كنت على غير ذلك ألقيتم عن رقابكم شراً تحملونه.(19/46)
عن أبي موسى، قال: لمّا أصيب عمر بن الخطّاب أقبل صهيب من منزله حتى دخل على عمر، فقام بحياله وهو يبكي، فقال له عمر: على من تبكي؟ أعليّ تبكي؟ قال: إنّي والله لعليك أبكي يا أمير المؤمنين، قال: والله لقد علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يبكى عليه يعذب ".
قال: فذكرت ذلك لموسى بن طلحة، فقال: كانت عائشة تقول: إنّما أولئك اليهود.
عن المقدام بن معدي كرب، قال: لمّا أصيب عمر دخلت عليه حفصة، فقالت: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويا صهر رسول الله عليه وسلم، ويا أمير المؤمنين. فقال عمر لابن عمر: أجلسني فلا صبرلي على ما أسمع؛ فأسنده إلى صدره، فقال لها: إنّي أحّرج عليك بما لي عليك من الحقّ أن تندبيني بعد مجلسك هذا، فأمّا عينك فلن أملكها، إنه ليس من ميّت يندب بما ليس فيه إلاّ الملائكة تمقته.
عن أبي عمر، قال: كفّن عمر في ثلاثة أثواب، ثوبين غسيلين، وثوب كان يلبسه.
وعن يحيى بن بكير، قال: ولي غسل عمر ابنه عبد الله بن عمر، وكفّنه في خمسة أثواب.
وعن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطّاب غسّل، وكفّن، وصلّي عليه، وكان شهيداً.
عن خليفة، قال: وصلّى على عمر صهيب بن سنان بين القبر والمنبر في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت(19/47)
ولايته عشر سنين وستّة أشهر وخمسة أيام أو تسعة أيام وصلّى صهيب ثلاثاً، ثم أنزلها على ابن عفّان.
عن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر: إن صهيباً صلّى على عمر، وكبّر عليه أربعاً.
عن نافع أن ابن عمر، قال: صلّي على عمر في المسجد، وحمل عمر على سرير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل في قبره فيما بلغني عثمان بن عفّان، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف.
عن خالد بن أبي بكر، قال: كان عمر يصفّر لحيته، ويرجّل رأسه بالحنّاء، ودفن في بيت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس أبي بكر عند كتفي النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس عمر عند حقوي النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن ابن عمر، قال: وضع عمر بن الخطّاب بين القبر والمنبر، فجاء عليّ بن أبي طالب حتى قام بين يدي الصّفوف، فقال: هو هذا ثلاث مرّات ثم قال: رحمة الله عليك، ما من خلق الله أحد أحبّ إليّ من أن ألقى الله بصحيفته بعد صحيفة النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا المسجّى عليه ثوبه.
عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: كنت عند عمر وهو مسجّى في ثوبه، قد قضى نحبه، فجاء عليّ فكشف الثّوب عن وجهه، ثم قال: رحمة الله عليك أبا حفص، فوالله ما بقي بعد رسول الله أحد أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفته منك.
عن أوفى بن حكيم، قال: لمّا كان اليوم الذي هلك فيه عمر خرج علينا عليّ مغتسلاً، فجلس، فأطرق ساعةً، ثم رفع رأسه فقال: لله درّ باكية عمر، قالت: واعمراه، قوّم الأود، وأبرأ العمد؛ واعمراه، مات نقيّ الثّوب، قليل العيب؛ واعمراه، ذهب بالسّنّة وأبقى الفتنة.(19/48)
وزاد في أخرى: فقال عليّ: والله ما قالت ولكنّها قوّلت.
عن سالم المرادي، قال: أخبرنا بعض أصحابنا، قال: جاء عبد الله بن سلاّم وقد صلّي على عمر، فقال: والله لئن كنتم سبقتموني بالصّلاة عليه لا تسبقوني بالثّناء عليه؛ فقام عند سريره فقال: نعم أخو الإسلام كنت يا عمر، جواداً بالحقّ بخيلاً بالباطل، ترضى حين الرّضى، وتغضب حين الغضب، عفيف الطّرف، طيّب الظّرف، لم تكن مدّاحاً ولا مغتاباً. ثم جلس.
عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: لمّا مات عمر بن الخطّاب بكى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: لا يبعد الحقّ وأهله، اليوم نهي أمر الإسلام.
عن حذيفة، قال: كان الإسلام في زمن عمر كالرّجل المقبل لا يزداد منك إلاّ قرباً، فلمّا أصيب كان كالرّجل المدبر لا يزداد منك إلاّ بعداً.
عن أنس بن مالك، قال: إن أصحاب الشّورى اجتمعوا بعد قتل عمر تلك الثّلاثة الأيّام، فتنافسوا فيها، فقال أبو طلحة: ألا أراكم تنافسون فيها، لأنا كنت لأن تدافعوها أخوف منّي لأن تنافسوا فيها، فوالله ما أهل بيت من المسلمين إلاّ وقد دخل عليهم بموت عمر نقص في دينهم وذلّ في معيشتهم.
عن الحسن، قال: إنّ أهل بيت لم يجدوا فقد عمر لهم أهل بيت سوء.
عن محمد بن نويفع، قال: قتل عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجّة، سنة ثلاث وعشرين.(19/49)
عن محمد بن يزيد، قال: واستخلف عمر بن الخطّاب سنة ثلاث عشرة في جمادى الآخرة لثمان بقين منه، وطعنه أبو لؤلؤة قين المغيرة بن شعبة في سنة ثلاث وعشرين في ذي الحجّة لستّ بقين منه، ثم مات، وصلّى عليه صهيب، وطعن غداة الأربعاء، وكانت ولايته عشر سنين وستّة أشهر وخمسة أيّام، ونحواً من ذلك، وكنيته أبو حفص. وهو عمر بن الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ. وأمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومي. عن ابن شهاب: أن عمر أخذ بلحيته، وقال: هذه يومي، لي أربع وخمسون، وإنّما أتاني الشّيب من قبل أخوالي بني المغيرة. فقتل عند ذلك.
وعن سالم بن عبد الله: أن عمر قبض وهو ابن خمس وخمسين. وقيل: ست وخمسين، وقيل: سبع وخمسين، أو ثماني وخمسين، أو تسع وخمسين، أو ستّين.
عن جرير، قال: كنت عند معاوية، فقال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستّين، وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستّين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستّين.
وعن سعيد بن المسيّب، قال: قبض عمر وقد استكمل ثلاثاً وستّين.
وقيل: مات وهو ابن خمس وستّين، أو ست وستّين.(19/50)
عن أبي حفص الفلاّس، قال: كان رجلاً طوالاً، أصلع، آدم، أعسر يسر.
عن معروف بن أبي معروف، قال: لمّا أصيب عمر سمع صوت: " من الطويل "
ليبك على الإسلام من كان باكياً ... فقد أوشكوا هلكى وما قدم العهد
وأدبرت الدّنيا وأدبر خيرها ... وقد ملّها من كان يوقن بالوعد
وعن محمد بن إسحاق، قال: لمّا أصيب عمر، سمع صوت الجنّ: من الرجز
تبكيك نساء الجنّ تبكيك شجيّات
ويخمشن وجوهاً كالدّنانير نقيّات
ويلبسن ثياب السّود بعد القصبيّات
عن الشّعبي: أن حسّان قال في النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: من المنسرح
ثلاثة برّزوا بسبقهم ... نضّرهم ربّهم إذا نشروا
فليس من مؤمن له بصر ... ينكر تفضيلهم إذا ذكروا
عاشوا بلا فرقة ثلاثتهم ... واجتمعوا في الممات إذ قبروا
قال أبو الحسن المدائنيّ: وقالت عاتكة بنت زيد: من الخفيف
عين جودي بعبرة ونحيب ... لا تملّي على الإمام النّجيب
فجعتني المنون بالفارس المع ... لم يوم الهياج والتّلبيب
عصمة النّاس والمعين على الد ... هر وغيث المنتاب والمحروب
قل لأهل السّرور والبؤس موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب(19/51)
عن عبد الله بن عبّاس: أن العبّاس كان أخاً لعمر وكان يحبّه، فقال العبّاس: فسألت الله حولاً بعدما هلك عمر أن يريني عمر بن الخطاب قال: فرأيته بعد حول وهو يسلت العرق عن جبينه وينفضه، فقلت: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين، ماشأنك؟ فقال: هذا أوان فرغت، وإن كاد عرش عمر ليهد لولا أني لقيت رؤوفاً رحيماً.
عن زيد بن أسلم: أن عبد الله بن العاص قال: ماكان شيء أعلمه أحب إلي أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصراً، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر. فخرج من القصر عليه ملحفة، كأنه قد اغتسل، فقلت: كيف صنعت؟ قال: خيراً، كاد عرشي يهوي لولا أنّي لقيت ربّاً غفوراً. قال: قلت: كيف صنعت؟ قال: متى فارقتكم؟ قلت: منذ ثنتا عشرة سنةً. قال: إنّما انفلتّ الآن من الحساب.
وعن سالم بن عبد الله، قال: سمعت رجلاً من الأنصار يقول: دعوت الله أن يريني عمر في النّوم، فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبينه. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما فعلت؟ فقال: الآن فرغت، ولولا رحمة ربّي لهلكت.(19/52)
عمر بن خيران الجذاميّ
حدّث عمر بن خيران الجذاميّ، وسليمان بن داود، قالا: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبيدة بن عبد الرّحمن السّلميّ بأذربيجان: إنّه بلغني أنك تحلق الرّأس واللّحية، وإنه بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عزّ وجلّ جعل هذا الشّعر نسكاً، وسيجعله الظّالمون نكالاً " فإيّاي والمثلة: جزّ الرّأس واللّحية؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المثلة.
عمر بن داود بن زاذان
مولى عثمان بن عفّان، المعروف بعمر الوادي من أهل وادي القرى. أخذ الغناء عن أهل مكّة، وهو أستاذ حكم الوادي، وكان مهندساً.
حدّث قال: بينما أنا أسير بين العرج والّسقيا إذ سمعت رجلاً يتغنّى ببيتين لم أسمع بمثلهما قطّ، وهما: من الطويل
وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها(19/53)
قال: فكدت أسقط عن راحلتي طرباً؛ فسمتّ سمته، فإذا هو راعي غنم، فسألته إعادته، فقال: والله لو حضرني قرىً أقريك ما أعدته، ولكن أجعله قراك اللّيلة؛ فإني ربّما ترنّمت بهما وأنا غرثان فأشبع، وظمآن فأروى، ومستوحش فآنس، وكسلان فأنشط؛ فاستعدته إيّاهما فأعادهما حتى أخذتهما؛ فما كان زادي حتى وردت المدينة غيرهما.
قال إسحاق: كان عمر الوادي يجتمع مع معبد ومالك وغيرهما من المغنّين عند الوليد بن يزيد، فلا يمنعه حضورهم من تقديمه والإصغاء إليه، والاختصاص له. وبلغني أن حكم الوادي وغيره من مغنّي وادي القرى أخذوا عنه الغناء، وانتحلوا أكثر أغانيه.
وعن علي بن محمد قال: كان مع الوليد يعني ابن يزيد حين قتل مالك بن أبي السّمح المغّني وعمر الوادي، فلّما تفرّق عن الوليد أصحابه، وحصر، قال مالك لعمر: اذهب بنا؛ فقال عمر: ليس هذا من الوفاء؛ ونحن لا يعرض لنا، لأنّا لسنا ممّن يقاتل؛ فقال مالك: ويلك، والله لئن ظفروا بنا لا يقتل أحد قبلي وقبلك، فيوضع رأسه بين رأسينا؛ ويقال للنّاس: انظروا من كان معه في هذه الحال؛ فلا يعيبونه بشيء أشدّ من هذا؛ فهربا.(19/54)
عمر بن داود بن سلمون
ابن داود أبو حفص الأنطرطرسي، الأطرابلسيّ قدم دمشق وحدث عن أبي القاسم الحسين بن محمد بن داود، بسنده إلى عليّ بن أبي طالب، أنه قال: ما سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدّى أحداً غير سعد، فإنه قال: " ارم فداك أبي وأمي ".
وعن أبي أحمد عمرو بن عثمان بن جعفر السّبيعيّ، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم الجمعة ينزل الله تبارك وتعالى بين الأذان والإقامة، عليه رداء مكتوب عليه: إني أنا الله لا إله إلا أنا؛ يقف في قبلة كلّ مؤمن مقبلاً عليه، إلى أن يفرغ من صلاته، لا يسأل الله عبد تلك السّاعة شيئاً إلا أعطاه، فإذا سلّم الإمام من صلاته صعد السّماء ".
وعن محمد بن عبيد الله الرّفاعي، بسنده إلى أسماء، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت ربّي يوم عرفة بعرفات على جمل أحمر، عليه إزاران، وهو يقول: قد سمحت، قد قبلت، قد غفرت، إلا المظالم؛ فإذا كانت ليلة المزدلفة لم يصعد إلى السّماء، حتى إذا وقفوا عند المشعر قال: حتى المظالم؛ ثم يصعد إلى السّماء، وينصرف النّاس إلى منى ". كتب هذين أبو بكر الخطيب عن أبي علي الأهوازي متعجباً من نكارتهما؛ وهما باطلان.
قال أبو علي الأهوازي: سمعت عن عمر بن داود بن سلمون بطرابلس يقول: ختمت اثنتين وأربعين ألف ختمةً. وكان مولده سنة خمس وتسعين ومئتين، ومات سنة تسعين وثلاثمئة. قال: وسمعته يقول: تزّوجت بمئة امرأة، واشتريت ثلاثمئة جارية.(19/55)
عمر بن الدّرفس أبو حفص الغسّاني
من أهل دمشق. وأدرك أيّام الوليد بن عبد الملك، ويقال: إن الدّرفس كان مولى لمعاوية بن أبي سفيان، فحمل علماً يسمّى الدّرفس فلقّب به.
روى عن عبد الرحمن بن أبي قسيمة، عن واثلة بن الأسقع اللّيثيّ، قال: كنت في محرس يقال له: الصّفة، وهم عشرون رجلاً؛ فأصابنا جوع، وكنت أحدث أصحابي سنّاً فبعثوني إلى النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشكو جوعهم؛ فالتفت في بيته فقال: " هل من شيء؟ " فقالوا: نعم، ها هنا كسرة أو كسر وشيء من لبن. قال: فأتي به ففتّ الكسر فتّاً دقيقاً، ثم صبّ عليه اللّبن، ثم جبله بيده حتى جبله كالثّريد، ثم قال: " يا واثلة ادع لي عشرةً من أصحابك، وخلّف عشرة " ففعلت؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برأس الثّريد، فقال: " كلوا بسم الله من حواليها واعفوا رأسها، فإن البركة تأتيها من فوقها، وإنها تمدّ ". قال: فرأيتهم يأكلون ويتخللّون أصابعه حتى تملّوا شبعاً؛ فلما انتهوا قال لهم: " انصرفوا إلى مكانكم وابعثوا أصحابكم " فانصرفوا؛ وقمت متعجّباً ممّا رأيت، فأقبل على العشرة فأمرهم بمثل الذي أمر به أصحابهم، وقال لهم مثل الذي قال لهم؛ فأكلوا منها حتى تملّوا شبعاً وحتى انتهوا وإن فيها لفضلاً.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: صالح، ما في حديثه إنكار.(19/56)
عمر بن ذرّ بن عبد الله بن زرارة
ابن معاوية بن عميرة بن منبه بن غالب بن وقش ابن قشم بن مرهبة بن دعام بن مالك ابن معاوية بن دومان بن بكيل بن جشم ابن خيران بن همدان بن مالك بن زيد ابن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك ابن زيد بن كهلان بن سباً أبو ذرّ الهمذانيّ المرهبيّ الكوفيّ روى عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل: " ما يمنعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا؟ " فنزلت " وما نتنّزل إلاّ بأمر ربّك ".
وعن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " موت الغريب شهادة ".
قال عمر بن ذرّ: خرجت وافداً إلى عمر بن العزيز في نفر من أهل الكوفة وكان معنا صاحب لنا يتكلّم في القدر، فسألنا عمر بن عبد العزيز عن حوائجنا، ثم ذكرنا له القدر، فقال: لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس؛ ثم قال: قد بيّن الله ذلك في كتابه " إنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم " فرجع صاحبنا ذلك عن القدر.(19/57)
قال العجليّ: كان ثقةً بليغاً، إلا أنه كان يرى الإرجاء، وكان ليّن القول فيه.
قال محمد بن يزيد: سمعت عميّ يقول: خرجت مع عمر بن ذرّ إلى مكة، فكان إذا لبّى لم يلب أحد من حسن صوته، فلّما أتى الحرم قال: مازلنا نهبط حفرةً ونصعد أكمة ونعلو شرفاً ويبدو لنا علم حتى أتيناك بها نقبةً أخفافها، دبرةً ظهورها، ذبلةً أسنامها؛ فليس أعظم المؤونة علينا إتعاب أبداننا ولا إنفاق ذات أيد ينا؛ ولكن أعظم المؤونة أن نرجع بالخسران يا خير من نزل النّازلون بفنائه.
عن بشر بن موسى: وذكر دعاء عمر بن ذر: اللهم ارحم قوماً لم يزالوا منذ خلقتهم على مثل ما كانت السّحرة يوم رحمتهم.
قال عمر بن ذرّ: كلّ حزن يبلى إلاّ حزن التّائب على ذنوبه. وقال: يا أهل معاصي الله لا تغتّروا بطول حلم الله عنكم، واحذروا أسفه، فإنه قال: " فلّما اسفونا انتقمنا منهم ". وكان يقول: اللهم إنّا أطعناك في أحبّ الأشياء إليك: شهادة أن لا إله إلاّ أنت، ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك: الشّرك؛ فاغفر لنا ما بينهما. وقال: أيّها النّاس: أجلوا مقام الله بالتّنزه عمّا لا يحلّ، فإن الله لا يؤمن مكره إذا عصي.(19/58)
وقال: اعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا اللّيل وسواده، فإن المغبون من غبن خير اللّيل والنّهار، والمحروم من حرم خيرها؛ إنّما جعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربّهم، ووبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم؛ فأحيوا لله أنفسكم بذكره، فإنّما تحيا القلوب بذكر الله. كم من قائم لله في هذا اللّيل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته، وكم من نائم في هذا اللّيل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله للعابدين غداً؛ فاغتنموا ممرّ السّاعات واللّيالي والأيّام رحمكم الله.
قال سفيان بن عيينة: كان بين عمر بن ذرّ وبين رجل يقال له: ابن عيّاش، شحناء، وكان يبلغ عمر بن ذرّ أن ابن عيّاش يتكلّم فيه. قال: فخرج عمر ذات يوم فلقي ابن عيّاش فوقف معه، فقال له: لاتغرق في شتمنا ودع للصّلح موضعاً، فإنّا لا نكافىء أحداً عصى الله تعالى فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
قال ابن السّمّاك: كان ذرّ بن عمر بن ذرّ جالساً على بابه، فمات فجأةً؛ فقيل لعمر: أدرك ذرّاً فقد مات فجأةً، فخرج، فوقف عليه، فاسترجع، ودعا له، ثم قال: خذوا في غسل ذرّ وكفنه، فإذا فرغتم فأعلموني.
فلمّا غسّلوه وكفّنوه أعلموه، فوقف عليه واسترجع ثم قال: يا ذرّ، لم تكن مريضاً فنسلاك، ثم قال: رحمك الله يا ذرّ، لقد شغلني البكاء لك عن البكاء عليك، والحزن لك عن الحزن عليك؛ ثم قال: اللهم، فإني أشهدك أني قد وهبت له ما قصّر فيه من حقّي فهب لي ما قصّر فيه من حقّك، فإنك أولى بالجود والكرم.(19/59)
فلمّا دفن وقف على قبره ثمّ قال: رحمك الله يا ذرّ، خلوت وخلي بك، وانصرفنا عنك وتركناك، ولو أقمنا عندك ما نفعناك. مات سنة اثنتين وخمسين ومئة؛ وقيل: ثلاث وخمسين؛ وقيل: خمس وخمسين؛ وقيل: ستّ وخمسين؛ وقيل: سبع وخمسين ومئة.
عمر بن زيد الحكميّ
كان بدمشق عند مبايعة الضّحّاك بن قيس لابن الزّبير، وكان هوى عمر بن زيد مع الضّحّاك، فوثبت عليه كلب فضربوه وحرقوا ثيابه، وبقي حتى أدرك قتل الوليد بن يزيد.
عمر بن سعد بن أبي وقّاص
مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب أبو حفص القرشيّ الزّهريّ أصله من المدينة، وسكن الكوفة، وكان مع أبيه بدومة وأذرح حين حكم الحكمان؛ وهو الذي حرّض أباه على حضورها، ثم إن سعداً ندم فأحرم بعمرة من بيت المقدس.
روى عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعوة ذي النّون إذ دعاها وهو في بطن الحوت: " لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين " فإنه لم يدع بذلك مسلم إلاّ استجيب له ".(19/60)
وعن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق؛ ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام ".
وعن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عجبت للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة احتسب وصبر؛ المؤمن يؤجر في كلّ شيء حتى في اللّقمة يرفعها إلى فيه ".
قال خليفة بن خيّاط: عمر بن سعد بن مالك؛ أمّه ماريّة بنت قيس بن معد يكرب بن الحارث بن السّمط بن امرىء القيس بن عمرو بن معاوية، من كندة، يكنى أبا حفص، قتله المختار بن أبي عبيد سنة خمس وستّين.
قال العجليّ: عمر بن سعد بن أبي وقّاص، كان يروي عن أبيه أحاديث، وروى النّاس عنه، وهو الذي قتل الحسين. وقال في موضع آخر: تابعيّ ثقة، وهو الذي قتل الحسين! قال يحيى بن معين: ولد عمر بن سعد عام مات عمر بن الخطّاب.
عن مجمّع التّيميّ، قال: كانت لعمر بن سعد إلى أبيه حاجة؛ قال: فانطلق فوصل كلاماً ثمّ أتى سعداً فكلّمه به، فوصله بحاجته، فكلّمه بكلام لم يكن يسمعه منه قبل ذلك؛ فلمّا فرغ قال له سعد: أفرغت يا بنيّ من حاجتك؟ قال: نعم؛ قال: ما كنت أبعد من حاجتك منك الآن، ولا كنت فيك أزهد منّي الآن؛ إنّي سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يكون قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها ".(19/61)
وعن عامر بن سعد بن أبي وقّاص: أن أباه حين رأى اختلاف أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفرّقهم اشترى لهم ماشيةً، ثم خرج فاعتزل فيها بأهله على ماء يقال له: قلها.
قال: وكان سعد من أحدّ النّاس بصراً، فرأى ذات يوم شيئاً يزول، فقال لمن تبعه: ترون؟ قالوا: نرى شيئاً كالطّير؛ قال: أرى راكباً على بعير؛ ثم قال: رأى عمر بن سعد؛ ثم قال: اللهم إنّا نعوذ بك من شرّ ما جاء به؛ فسلّم عليه، ثم قال لأبيه: أرضيت أن تتبع أذناب هذه الماشية بين هذه الجبال وأصحابك يتنازعون في أمر الأمة؟ قال سعد بن أبي وقّاص: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سيكون بعدي فتن أو قال: أمور خير النّاس فيها الغنيّ الخفيّ التّقيّ " فإن استطعت يا بنيّ أن تكون كذلك فكن. فقال له عمر: أما عندك غير هذا؟ فقال: لا يا بنيّ. فوثب عمر ليركب، ولم يكن حطّ عن بعيره؛ فقال له سعد: أمهل حتى نغدّيك؛ قال: لا حاجة لي بغدائكم؛ قال سعد: فنحلب لك فنسقيك؛ فال: لا حاجة لي بشرابكم. ثم ركب فانصرف مكانه.
قال أبو المنذر الكوفيّ: كان عمر بن سعد بن أبي وقّاص قد اتّخذ جعبةً وجعل فيها سياطاً، نحواً من خمسين سوطاً؛ فكتب على السّوط عشرة وعشرين وثلاثين إلى خمسمئة على هذا العمل؛ وكان لسعد بن أبي وقّاص غلام ربيب مثل ولده، فأمره عمر بشيء فعصاه، فضرب بيده إلى الجعبة فرفع بيده سوط مئة، فجلده مئة جلدة. فأقبل الغلام إلى سعد دمه يسيل على عينيه؛ فقال: مالك؟ فأخبره؛ فقال: اللهم اقتل عمر وأسل دمه على عينيه. قال: فمات الغلام؛ وقتل المختار عمر بن سعد.(19/62)
قال عمر بن سعد للحسين: إن قوماً من السّفهاء يزعمون أنّي أقتلك؛ فقال حسين: ليسوا بسفهاء ولكنّهم حلماء؛ ثم قال: والله إنه ليقرّ بعيني أنك لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلاً.
عن عبد الله بن شريك، قال: أدركت أصحاب الأردية المعلمة، وأصحاب البرانس من أصحاب السّواري إذا مرّ بهم عمر بن سعد قالوا: هذا قاتل الحسين؛ وذلك قبل أن يقتله.
قال عليّ لعمر بن سعد: كيف أنت إذا قمت مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنّار فتختار النّار! عن عقبة بن سمعان، قال: كان سبب خروج عمر بن سعد إلى الحسين أن عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى، وكان الدّيلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها؛ فكتب ابن زياد عهده على الرّيّ، فأمره بالخروج فخرج، فعسكر بالنّاس بحمّام أعين؛ فلمّا كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال له: سر إلى الحسين، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك؛ فقال له سعد: إن رأيت أن تعفيني فافعل؛ فقال عبيد الله: نعم، على أن تردّ علينا عهدنا.
قال: فلمّا قال له ذلك قال له عمر بن سعد: أمهلني اليوم أنظر. قال: فانصرف عمر فجعل يستشير نصحاءه فلم يكن يستشير أحداً إلاّ نهاه.
قال: وجاءه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته فقال: أنشدك الله يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربّك وتقطع رحمك، فوالله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها لو كان لك خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين.(19/63)
فقال عمر بن سعد: فإني أفعل إن شاء الله.
وعن عمّار بن عبد الله بن سنان الجهنيّ، عن أبيه، قال: دخلت على عمر بن سعد وقد أمر بالمسير إلى الحسين، فقال لي: إن الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين فأبيت ذلك عليه. قال: فقلت له: أصاب الله بك، أرشدك الله، أجل فلا تفعل ولا تسر إليه. قال: فخرجت من عنده، فأتاني آت فقال: هذا عمر بن سعد يند ب النّاس إلى الحسين! قال: فأتيته، فإذا هو جالس يند ب النّاس إلى الحسين، فلّما رآني أعرض عنّي بوجهه. قال: فعرفت أنه قد عزم له على المسير إليه؛ فخرجت من عنده. قال: وأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد فقال له: أصلحك الله، إنك وليتّني هذا العمل، وكتبت لي العهد، وسمع به النّاس؛ فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل، وتبعث إلى الحسين في هذا الجيش من أشراف أهل الكوفة من لست بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرب منه؛ فمسّمى له ناساً. فقال له ابن زياد: لا تعلّمني بأشراف أهل الكوفة، فلست أستأمرك فيما أريد أن أبعث؛ إن سرت بجندنا وإلا فابعث إلينا بعهدنا. قال: فلّما رآه قد لجّ قال: فإنّي سائر. قال: وأقبل في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين.
قال أبو مخنف: حدّثني المجالد بن سعيد الهمداني والصّقعب بن زهير: أنهما التقيا مراراً ثلاثاً أو أربعاً حسين وعمر بن سعد. قال: فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد: أمّا بعد؛ فإن الله قد أطفأ النّائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمّة؛ فهذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن نسيّره إلى ثغر من الثّغور فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه؛ وفي هذا لكم رضىً وللأمّة صلاح.(19/64)
قال: فلّما قرأ عبيد الله الكتاب قال: هذا كتاب ناصح لأميره، مشفق على قومه، نعم قد قبلت. قال: فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه نزل بأرضك وإلى جنبك؟ والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت وليّ العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك؛ والله لقد بلغني أن حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة اللّيل. فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت، الرّأي رأيك.
وعن حميد بن مسلم قال: ثم إن عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد، فليعرض على حسين وأصحابه النّزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً، وإن هم أبوا النّزول على حكمي فليقاتلهم، فإن فعل ذلك فاسمع له واطع، وإن هو أبى أن يقاتلهم فأنت أمير النّاس، وثب عليه فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه. فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد، فلّما قدم به عليه قال له عمر: مالك ويلك لا قرّب الله دارك، قبّح الله ما قدمت به عليّ، والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، أفسد ت علينا أمراً قد كنّا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله حسين، إن نفس أبيه لبين جنبيه. فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوّه؟ وإلاّ فخلّ بيني وبين الجند والعسكر. قال: لا، ولا كرامة لك، ولكن أنا أتولّى ذلك. قال: فدونك، وكن أنت على الرّجال. قال: فنهض إليه عشيّة الخميس لتسع مضين من المحرّم.(19/65)
قال ابن أبي خيثمة: سألت يحيى بن معين عن عمر بن سعد بن أبي وقّاص، فقال: كوفيّ. قلت: ثقة؟ قال: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟!
وحدّث موسى بن عامر، أبو الأشعر؛ أن المختار قال ذات يوم وهو يحدّث جلساءه: لأقتلنّ غداً رجلاً عظيم القدمين، غائر العنين، مشرف الحاجبين، يسرّ قتله المؤمنين والملائكة المقرّبين. قال: وكان الهيثم بن الأسود النّخعيّ عند المختار حين سمع هذه المقالة، فوقع في نفسه أن الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاصّ؛ فلّما رجع إلى منزله دعا ابنه العريان فقال: الق ابن سعد اللّيلة فخبّره بكذا وكذا، وقل له: خذ حذرك فإنه لا يريد غيرك. قال: فأتاه فاستخلاه، ثم خبّره الخبر؛ فقال له ابن سعد: جزى الله بالإخاء أباك خيراً، كيف يريد هذا بي بعد الذي أعطاني من العهود والمواثيق؟ وكان المختار أولّ ما ظهر أحسن شيء سيرةً وتألّفاً للنّاس؛ وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أكرم خلق الله على المختار لقرابته بعليّ؛ فكلّم عمر بن سعد عبد الله بن جعدة، وقال له: إني لا آمن هذا الرّجل - يعني المختار فخذ لي منه أماناً؛ ففعل، وقال: فأنا رأيت أمانه وقرأته. بسم الله الرّحمن الرّحيم؛ هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقّاص: إنّك آمن بأمان الله على نفسك وأهلك ومالك وأهل بيتك وولدك، ولا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت رحلك وأهلك ومصرك، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم من النّاس فلا يعرض له إلاّ بخير؛ شهد السّائب بن مالك، وأحمر بن شميط، وعبد الله بن شداد، وعبد الله بن كامل؛ وجعل المختار على نفسه عهد الله وميثاقه ليفينّ لعمر بن سعد بما أعطاه من الأمان إلاّ أن يحدث حدثاً، شهد الله على نفسه وكفى بالله شهيداً.(19/66)
قال: وكان أبو جعفر محمد بن عليّ يقول: أمّا أمان المختار لعمر بن سعد " إلاّ أن يحدث حدثاً " فإنه كان يريد به: إذا دخل الخلاء فأحدث. قال: فلّما جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمّامه، ثم قال في نفسه: أنزل داري، فرجع، فعبر الرّوحاء ثم أتى داره غدوةً، وقد أتى حمّامه فأخبر مولىّ له بما كان من أمانه وبما أريد منه، فقال له مولاه: وأي حدث أعظم ممّا صنعت؟ إنك تركت رحلك وأهلك وأقبلت إلى ها هنا؛ ارجع إلى رحلك ولا تجعل للرّجل عليك سبيلاً. فرجع إلى منزله. وأتي المختار بانطلاقه، فقال: كلاّ، إن في عنقه سلسلةً ستردّه، لو جهد أن ينطلق ما استطاع. قال: وأصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة وأمره أن يأتيه به، فجاءه حتى دخل عليه، فقال: أجب. فقام عمر فعثر في جبّة له، ويضربه أبو عمرة بسيفه فقتله، وجاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي المختار؛ فقال المختارلابنه حفص بن عمر بن سعد وهو جالس عنده: أتعرف هذا الرأس؟ فاسترجع، وقال: نعم، ولا خير في العيش بعده؛ فأمر به فقتل، فإذا رأسه مع رأس أبيه. ثم إن المختار قال: هذا بحسين وهذا بعليّ بن حسين رحمهما الله، ولا سواء، والله لو قتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا بأنملة من أنامله. فقال حميدة بنت عمر بن سعد وهي تبكي أباها: من الكامل
لو كان غير أخي قسيّ غرّه ... أو غير ذي يمن وغير الأعجم
سخّى بنفسي ذاك شيئاً فاعلموا ... عنه وما البطريق مثل الألأم
أعطى ابن سعد في الصّحيفة وابنه ... عهداً يلين له جناح الأرقم
فلّما قتل المختار عمر بن سعد وابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد بن نمران النّاعطيّ وظبيان بن عمارة التّميمي حتى قدما بهما على محمد بن الحنيفة، وكتبت إلى ابن الحنّيفة في ذلك كتاباً.(19/67)
قتل سنة ستّ وستين، وقيل: سنة سبع وستّين. وفي عمر بن سعد يقول أبو طلق عديّ بن حنظلة العائذي: من الطويل
لقد قتل المختار لا درّ دره ... أبا حفص المأمول والسّيّد الغمرا
فتى لم يكن كزاً بخيلاً ولم يكن ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها غمرا
عمر بن سعيد بن أحمد
ابن سعيد بن سنان أبو بكر الطّائيّ المنبجيّ
سمع بدمشق. روى عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزّهري، بسنده إلى معاوية بن عبد الله ابن جعفر، عن أبيه، قال: رأيت عثمان بن عفّان توضّأ فمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه ثلاثاُ ثلاثاً، ومسح برأسه واحدةً، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاُ؛ ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ. قال عنه أبو حاتم سنان البستي: وكان قد صام النّهار وقام اللّيل ثمانين سنة غازياً ومرابطاً. قال عمر بن سنان المنبجيّ: لمّا أقبل ذو النّون إلى منبج استقبله النّاس، فخرجت فيهم وأنا صبيّ، فوقفت على القنطرة، فلّما رأيته أقبل وحوله قوم من الصّوفية وعليهم المرقّعات ازدريته؛ فنظر إليءّ شزراً وقال: يا غلام، إن القلوب إذا بعدت عن الله مقتت القائمين بأمر الله؛ فأرعدت مكاني، فنظر إليءّ ورحمني، وقال: لن تراع يا غلام، رزقك الله علم الرّواية، وألهمك الدّراية والرّعاية.(19/68)
وقال: خرجت في المغازي وأردت أمضي في السّريّة، فقمت لأنظر إلى نعال دابّتي، فرأيت فرد نعل قد وقع، وهو حاف؛ فطلبنا في الرّحل فلم نجد، وبعثنا إلى من نأنس به فلم نجد عندهم، فاغتممت غمّاً شديداً؛ فلمّا تحرّك النّاس ألجمنا وأسرجنا، فأخذت فرد رجله أو قال: يده حتى أقرأ عليه فإذا هو منعل!
عمر بن سعيد بن ابراهيم
ابن محمد بن سعيد بن سالم بن عبد الله بن يعطر أبو القاسم القرشي الدّانقيّ مات في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة.
عمر بن سعيد بن جندب
أبي عزيز بن النعمان الأزديّ من ساكني النّيبطن بدمشق.
عمر بن سعيد بن سليمان
أبو حفص القرشيّ الأعور روى عن سعيد بن بشير، بسنده إلى عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيتم الزّاني والسّارق وشارب الخمر، ما تقولون فيهم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: " هنّ فواحش وفيهنّ عقوبة؛ أو لا أنبّئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله " ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً " وعقوق الوالدين. وقال: "(19/69)
اشكر لي ولوالديك إليّ المصير " وكان متّكئاً فاحتفز فقال: " ألا وقول الزّور، ألا وقول الزّور " ثلاثاً.
قال الخطيب: سكن في بغداد وحدّث بها.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه، قال: كتبت عنه وتركت حديثه، وذاك أني ذهبت إليه أنا وأبو خيثمة فأخرج إلينا كتاب سعيد بن بشير فإذا هي أحاديث سعيد بن أبي عروبة، فتركناه. مات في سنة خمس وعشرين ومئتين، في ذي القعدة لثلاث عشرة خلت منه وهو ابن نيّف وثمانين سنة.
عمر بن سعيد أبو حفص بن البرّيّ المتعبّد
قال أبو الفرج الموحّد بن إسحاق بن إبراهيم بن سلامة بن البّريّ: كنت أوّل ما صحبت خالي عمر بن سعيد البرّي وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فرأى منكراً فأمر صاحبه برفق، وجفوت أنا على الرّجل؛ فلمّا انصرف الرّجل قال لي خالي: يا بنيّ إذا أمرت بمعروف ونهيت عن منكر فليكن برفق، فوالله لو علموا ما لهم في قلبي من الرّحمة لم يأتمروا لي؛ أأمنت من الله أن ينقل ما أنت فيه إليهم وينقل ما هم فيه إليك؟.
قال ابن الأكفانيّ: في شوّال من سنة اثنتين وثلاثمئة توفي أبو حفص عمر بن البّريّ، وكان رجلاً صالحاً،(19/70)
وكانت وفاته في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شوال، وكان عمره نحو سّت وتسعين سنةً وكان له مشهد عظيم.
عمر بن سلمة بن الغمر
أبو بكر السّكسكيّ البتلهيّ روى عن أبي عبد الله نوح السّكسكيّ، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: كنّا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك فطلعت الشمس لضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت به فيما مضى، فأتاه جبريل، فقال: يا جبريل، ما لي أرى الشمس طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت به فيما مضى؟ قال: ذاك أن معاوية بن معاوية اللّيثي مات اليوم بالمدينة. مات سنة خمس وعشرين وثلاثمئة.
عمر بن أبي سلمة
ويقال: اسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الرّحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشيّ الزّهريّ المدنيّ روى عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاث كلّهنّ حقّ على المسلم: عيادة المريض، وشهود الجنائز، وتشميت العاطس إذا حمد الله ".(19/71)
وعن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعن الله الرّاشي والمرتشي في الحكم ".
قال ابن سعد: كان كثير الحديث، وليس يحتجّ بحديثه.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: هو عندي صالح صدوق في الأصل، ليس بذاك القويّ، يكتب حديثه ولا يحتجّ به، يخالف في بعض الشيء.
قال خليفة: وقتل عبد الله بن عليّ عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
عمر بن سليمان بن عبد الملك
ابن مروان ابن الحكم بن أبي العاص الأمويّ أمّه أمّ ولد.
عمر بن سليمان من أهل دمشق.
روى عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، قال: لمّا فتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر جعلت له مائدة فأكل متّكئاً وأطلى، وأصابته الشمس، ولبس الظّلّة.(19/72)
قال أحمد: فسألت آدم ما الظّلّة؟ قال: البرطلة؛ وأومأ بيده إلى رأسه.
وعن عمر بن عريب، عن أبيه، عن جدّه، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال في قوله: " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم " قال: " هم الجنّ، ولن يخبل الشيطان الإنسان في داره فرس عتيق ".
عمر بن شريح الحضرميّ
ولي إمرة دمشق في أول خلافة بني العبّاس، من قبل عبد الله بن عليّ.
حدث محمد بن سحيم الكنديّ، قال: سمعت أبي يقول: كنّا مع عبد الله بن عليّ بنهر أبي فطرس إذ خرج الآذن ومعنا وجوه أهل الشّام ثلاثون رجلاً، فدعا ابن زمل السّكسكيّ غلامه فقال: جئني بمرزبّة؛ فجاء بها، فوضع يمينه بين حجرين، وقال: اضرب وأنت حرّ؛ فضربه فكسر ساعده.
قال: فأخرج إلينا من بني أميّة ثلاثين رجلاً، فقال: الأمير يأمركم بأن يقتل كلّ رجل منكم رجلاً منهم؛ فأخرج ابن زمل يده فإذا هي مكسورة، فقال عمر بن شريح الحضرميّ: أنا أحقّ من قتل أسير ابن عمّه؛ فقتل رجلين كذلك اليوم. فأعلم عبد الله بن عليّ بما كان منه، فخلع عليه وولاّه دمشق.
عمر بن صالح بن أبي الزّاهريّة
أبو حفص الأزديّ البصريّ الأوقص مولى الأزد سكن دمشق، وحدّث بها.(19/73)
روى عن أبي جمرة، قال: سمعت ابن عبّاس يقول: قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مئة رجل، أو أربع مئة أهل بيت من الأزد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مرحباً بالأزد أحسن النّاس وجوهاً، وأشجعهم قلوباً، وأطيبهم أفواهاً، وأعظمهم أمانةً؛ شعاركم يا مبرور ".
وعن أبي جمرة، عن ابن عبّاس، قال: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل ستّة في الحرم، أو قال: خمسة الشكّ من أبي جمرة الحدأة والغراب والحيّة والعقرب والفأرة والكلب العقور.
وعن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عمر بن الخطّاب: ادعوا لي عياضاً، فدعي له، فقال: حدّثنا حديث بني الصّبغاء؛ فقال: يا أمير المؤمنين، انتحيت حيّاً من أحياء العرب فأثريت فيهم من المال، فوثب عليّ بنو أم عشرة يريدون أخذ مالي، فناشدتهم الله والجوار، فأبوا عليّ إلا أخذه؛ فأنظرتهم حتى دخل شهر الله الأصمّ رجب وكانت الجاهليّة تعظّمه ويؤخّرون مظالمهم إليه، فيدعون على ظالمهم فيستجاب لهم، وكانوا يسمّونه شهر مضر فلمّا دخل رجب قلت: اللهم إني أدعو دعاءً جاهداً، على بني الصّبغاء فلا تبق منهم أحداً إلاّ واحداً، اكسر منه السّاق فذره قاعداً، أعمى إذا قيد عنّى القائدا.
قال: فبينما هم في بئر لهم يحفرونها إذ انهارت بهم، فأخرجوا تسعةً موتى والعاشر قد ذهب بصره وانكسر ساقه. فقالوا: سبحان الله يا أمير المؤمنين ما أعجب هذا! ؛ قال: إن الله كان يستجيب لأهل الجاهليّة ليدفع بعضهم عن بعض، وإن الله جعل موعدكم السّاعة " والسّاعة أدهى وأمرّ ".
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث، وقال: هو بصريّ سكن دمشق ليس بقويّ، روى عن أبي جمرة نكرات.(19/74)
عمر بن صالح بن عثمان
ابن عامر أبو حفص المرّيّ الجديانيّ روى عن أبي يعلى حمزة بن خراش الهاشمي، قال: كان لأبي بضعة عشر ولداً، وكنت أصغرهم. قال: فمرّ به عبد الله القشيريّ فسلّم عليه، فردّ عليه السّلام، فقال له: امسح يدك برأس ابني، فمسح بيده على رأسي ودعا بالبركة؛ فقال له أبي: أفد ابني؛ فقال القشيريّ: حدّثني أنس بن مالك قال: كنت أحجب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعته يقول: " اللهم أطعمنا من طعام أهل الجنّة " فأتي بلحم طير مشويّ، فوضع بين يديه، فقال: " اللهم ائتنا بمن تحبّه ويحبّك ويحبّ نبيك ويحبّه نبيّك ".
قال أنس: فخرجت فإذا عليّ رضي الله عنه بالباب؛ قال: فاستأذنني فلم آذن له، فدخل بغير إذني؛ فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما الذي بطّأ بك يا عليّ؟ " قال: يا رسول الله جئت لأدخل فحجبني أنس؛ قال: " يا أنس لم حجبته؟ " قال: يا رسول الله، لمّا سمعت الدّعوة أحببت أن يجيء رجل من قومي فتكون له؛ فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يضرّ الرّجل محبّة قومه ما لم يبغض سواهم ". مات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة.
عمر بن طويع اليزنيّ
أخو معاوية بن طويع من أهل داريّا.
قال عبد الجبّار بن مهنّا الخولانيّ: معاوية بن طويع وعمر بن طويع اليزنيّان؛ من ساكني داريّا، وأولادهم بها إلى اليوم.(19/75)
عمر بن عاصم بن محمد
ابن الوليد بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ القرشيّ العبشميّ من أهل دمشق، وكان من أجواد قريش.
عن عليّ بن أبي حملة، قال: أدركت بدمشق رجلين يقصدان ويغشيان: عمر بن عاصم بن محمد بن الوليد ابن عتبة بن ربيعة، وعبد الرّحمن بن الحكم. وكان عبد الرّحمن قد ولي لمعاوية خراسان، فحمى لنفسه نفقة مئة سنة لكل ّيوم مئة دينار، فما ناله حتى غاله بعض عبيده؛ وكان يقول لطبّاخه: إن كان طعامي لا يطيب إلاّ أن يسحق الذّهب عليه فاسحقه عليه. وتغدّى يوماً عند عبد الملك، فقال له عبد الملك: كيف ترى طعامنا؟ فقال: إنه ابن نارين يا أمير المؤمنين. فدعا عبد الملك طبّاخه فسأله، فقال: تأخّرت عن الطّعام فبرد فسخّنته.
عمر بن عبد الله بن جعفر
أبو الفرج الرّقّي الصّوفيّ قدم دمشق سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، وحدّث بها وبالرّقّة.
روى عن أبي الحسن عليّ بن عمر بن أحمد الدّارقطنيّ الحافظ، بسنده إلى أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه؛ ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مؤمن: النّصيحة لله ولرسوله، ولكتابه، ولعامّة المسلمين ".(19/76)
عمر بن عبد الله بن الحسن
ابن المنذر أبو حفص الأصبهانيّ حدّث ببعلبك.
عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة
ذي الرّمحين واسمه عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ابن يقظة بن مرّة بن كعب أبو الخطّاب القرشيّ المخروميّ الشّاعر وكان اسم عبد الله بحيراً، فسّماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شاعر مشهور مجيد، من أهل مكة، وفد على عبد الملك بن مروان، وعلى عمر بن عبد العزيز؛ أدرك عمر بن الخطّاب. قال الزّبير بن بكار: وأمّه مجد أمّ ولد يمانيّة، وكان لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة ابن يقال له: جوان، وفيه يقول عمر: من المتقارب
جوان شهيدي على حبّها ... أليس بعدل عليها جوان
عن عمر بن زيد، قال: دخل عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة على عبد الملك، فقال له عبد الملك: أيا فاسق! فقال: بئس تحّية ابن العمّ على شحط المزار وبعد الدّار؛ فقال: أيا أفسق الفاسقين، أو ليس قد علمت قريش أنك أطولها صبوةً وأبعدها توبةً؟ أولست القائل: من الوافر(19/77)
ولولا أن تعنفني قريش ... مقال النّاصح الدّاني الشّفيق
لقلت إذا التقينا: قبّليني ... ولو كنا على وضح الطّريق
فخرج مغضباً، فيقال: إن عبد الملك أتبعه صلة فلم يقبلها. وسيره عمر بن عبد العزيز إلى دهلك. وكان يقال: من أراد رقة النسب والغزل فعليه بشعر عمر بن أبي ربيعة. وقد روى عنه أنه حلف إنه ما رأى فرجاً حراماً قط. وقيل: إنما دخل على عبد الملك بالحجاز.
عن عوانة بن الحكم: قال عمر بن عبد العزيز: ويحك ياعديّ، من بالباب من الشعراء؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة؛ قال: أليس هو الذي يقول: من الخفيف
ثم نبّهتها فهبّت كعاباً ... طفلةً ما تبين رجع الكلام
ساعة ثم إنها بعد قالت: ... ويلتا قد عجلت يابن الكرام
أعلى غير موعد جئت تسري ... تتخطّى إليّ روس النّيام
ماتجشّمت ما تزين من الأم ... رولا جئت طارقاً لخصام
فلو كان عدو الله إذ فجر كتم على نفسه؛ لا يد خل - والله - علي أبداً.
قال الزّبير بن بكار: كان عمر بن أبي ربيعة عفيفاً يصف ويقف، ويحوم ولا يريد.
عن مسلم عن وهب مولى بني عامر بن لؤي، عن أبيه، قال: خرجت مع نوفل بن مساحق ويدي في يده، وهو يريد المسجد، فسلم على(19/78)
سعيد بن المسّب، فردّ عليه، ثم قال: من أشعر صاحبنا أو صاحبكم؟ - يريد عبيد الله بن قيس الرّقيّات وعمر بن أبي ربيعة قال: حين يقولان ماذا؟ فإن صاحبنا قال في فنون الشّعر وصاحبكم قال في النّسيب؛ قال: حين يقول: من الطويل
خليليّ ما بال المطايا كأنّما ... نراها على الأدبار بالقوم تنكص
وقد أتعب الحادي سراهنّ وانتحى ... بهنّ فما يلوي عجول مقلص
وقد قطعت أعناقهن صبابةً ... فأنفسها ممّا تكلّف شخص
يزدّن بنا قرباً فيزداد شوقناً ... إذا زاد طول العهد والقرب ينقص
فلّيقل صاحبكم بعد هذا ما شاء. فلما انقضى ما بينهما عقد سعيد بأصبعه، فاستغفر مئة مرة.
عن عمر الرّكاء، قال: بينا ابن عبّاس في المسجد الحرام وعنده ابن الأزرق وناس من الخوارج يسائلونه إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورّدين أو ممصّرين، حتى سلّم وجلس؛ فأقبل عليه ابن عبّاس فقال: أنشدنا، فأنشده: من الطويل
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أو رائح فمهجّر
حتى أتى على آخرها؛ فأقبل عليه ابن الأزرق فقال: الله، يا ابن عبّاس، إنّا لنضرب إليك أكباد المطيّ من أقاصي الأرض لنسألك عن الحلال والحرام فتثاقل علينا ويأتيك مترف من مترفي قريش فينشدك:(19/79)
رأت رجلاً أما إذا الشمّس عارضت ... فيخزى وأما بالعشيّ فيخسر
فقال ابن عبّاس: ليس هكذا قال: فكيف قال؟ قال: قال:
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأما بالعشيّ فيخصر
قال: ما أراك إلاّ قد حفظت البيت: قال: نعم، وإن شئت أنشدك القصيدة أنشدتكها. قال: فإني أشاء. فأنشده القصيدة حتى جاء على آخرها. ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد؛ فقال: من المتقارب تشطّ غداً دار جيراننا فقال ابن عبّاس: وللدّار بعد غد أبعد فقال: كذلك قلت أصلحك الله أسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.
عن العتبّي، عن أبيه، قال: ابتنى معاوية بالأبطح مجلساً، فجلس عليه ومعه ابنة قرظة، فإذا هو بجماعة على رحال لهم وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنّى: من الرمل
من يساجلني يساجل ماجداً ... أخضر الجلدة في بيت العرب
قال: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن جعفر. قال: خلّوا له الطريق فليذهب. ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يغني: من الرمل
بينما يذكرنني أبصرنني ... دون قيد الميل يعدو بي الأغرّ
قلن: تعرفن الفتى؟ قلن: نعمقد عرفناه، وهل يخفى القمر؟(19/80)
قال: من هذا؟ قالوا: عمر بن أبي ربيعة. خلّوا له الطّريق فليذهب. قال: ثم إذا بجماعة وإذا رجل منهم يسأل، فقال: رميت قبل أن أحلق؛ وحلقت قبل أن أرمي؛ لأشياء أشكلت عليهم من مناسك الحّج؛ فقال: من هذا؟ قال: عبد الله بن عمر. فالتفت إلى بنت قرظة فقال: هذا وأبيك الشّرف، هذا والله شرف الدّينا وشرف الآخرة.
عن الهيثم: أن عبد الملك بن مروان بعث إلى عمر بن أبي ربيعة القرشيّ، وإلى جميل بن معمر العذريّ، وإلى كثيّر عزّة: وبعث إلى ناقة فأوقرها دراهم ودنانير، ثم قال: لينشدني كلّ واحد منكم ثلاثةً أبيات فأيّكم كان أغزل شعراً فله النّاقة وما عليها. فقال عمر بن أبي ربيعة: من الطويل
فيا ليت أنيّ حين تدنو منّيتي ... شممت الذي بين عينيك والفم
وليت طهوري كان ريقك كلّه ... وليت حنوطي من مشاشك والدّم
وليت سليمى في المنام ضجيعتي ... لدى الجنّة الحمراء أو في جهنّم
وقال جميل: أنا الذي أقول: من الطويل
حلفت يميناً يا بثينة صادقاً ... فإن كنت فيها كاذباً فعميت
حلفت لها بالبدن تدمى نحورها ... لقد شقيت نفسي بكم وعنيت
ولو أن راقي الموت يرقى جنازتي ... بمنطقها في النّاطقين حييت
وقال كثيّر: أنا الذي أقول: من الكامل
بأبي وأمّي أنت من معشوقةً ... ظفر العدّو بها فغيّر حالها(19/81)
ومشى إليّ ببين عزّةً نسوة ... جعل المليك خدودهنّ نعالها
لو أن عزّةً خاصمت شمس الضّحى ... في الحسن عند موفّق لقضى لها
فقال عبد الملك: خذ النّاقة وما عليها يا صاحب جهنّم.
عن أبي بكر القرشيّ، قال: كان عمر بن أبي ربيعة جالساً بمنى في فناء مضربه إذ أقبلت امرأة برزة عليها أثر النّعمة، فسلّمت، فردّ عليها عمر السّلام، فقالت له: أنت عمر بن أبي ربيعة؟ قال: ها أنا هو، فما حاجتك؟ قالت: حيّاك الله وقرّبك، هل لك في محادثة أحسن النّاس وجهاً، وأتّمهنّ خلقاً، وأكملنّ أدباً، وأشرفهنّ حسباً؟ قال: هل لك في محادثة أحسن النّاس على شرط. قال: قولي. قالت: تمكّنني من عينيك حتى أشدّهما وأقودك، حتى إذا توسّطت الموضع الذي أريد حللت الشّدّ، ثم أفعل ذلك بك عند إخراجك حتى أنتهي بك إلى مضربك. قال: شأنك. ففعلت. قال عمر: فلّما انتهت بي إلى المضرب التي أرادت كشفت عن وجهي، فإذا أنا بامرأة على كرسيّ لم أر مثلها جمالاً وكمالاً، فسلّمت وجلست؛ فقالت: أنت عمر بن أبي ربيعة؟ قلت: أنا عمر. قلت: أنت الفاضح للحرائر؟ قلت: وما ذاك جعلني الله فداءك؟ قالت: ألست القائل: من الكامل
قالت: وعيش أخي وحرمة والدي ... لأنبّهنّ الحيّ إن لم تخرج
فخرجت خوف يمينها فتبسّمت ... فعلمت أن يمينها لم تحرج
فتناولت رأسي لتعلم مسّه ... بمخضّب الأطراف غير مشنّج
فلثمت فاها آخذاً بقرونها ... شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج
قم فاخرج. ثم قامت، وجاءت المرأة فشدّت عيني ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي، وانصرفت وتركتني؛ فحللت عيني وقد دخلني من الكآبة والحزن ما الله به أعلم.(19/82)
وبتّ ليلتي، فلمّا أصبحت إذا أنا بها، فقالت: هل لك في العود؟ قلت: شأنك: ففعلت مثل فعلها بالأمس حتى انتهت بي إلى الموضع، فلّما دخلت إذا بتلك الفتاة على كرسيّ، فقالت: إيهاً يافضّاح الحرائر؛ فقلت: بماذا جعلني الله فداءك أيضاً؟ قالت: بقولك: من الطويل
وناهدة الثد يين قلت لها: اتّكي ... على الرّمل من جبّانة لم توسّد
فقالت: على اسم الله، أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلّفت مالم أعوّد
فلمّا دنا الإصباح قالت: فضحتني ... فقم غير مطرود وإن شئت فازدد
قم فاخرج عنّي. فقمت فخرجت، ثم رددت، فقالت لي: لولا وشك الرّحيل وخوف الفوت، ومحبّتي لمناجاتك، والاستكثار من محادثتك لأقصيتك، هات الآن كلّمني وحدّثني وأنشدني. فكلّمت آد ب النّاس وأعلمهم بكل شيء، ثم نهضت، وأبطأت العجوز، وخلا البيت، فأخذت أنظر فإذا أنا بتور فيه خلوق فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني، ثم جاءت العجوز فشدّت عيني، ونهضت بي تقودني حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي فضربت بها على المضرب، ثم صرت إلى مضربي، فدعوت غلماني فقلت: أيّكم يقفني على باب مضرب عليه خلوق كأنّه أثر كفّ فهو حرّ وله خمسمئة درهم. فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال: قم، فنهضت معه فإذا أنا بالكفّ طرّية، وإذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك بن مروان؛ فأخذت في أهبة الرّحيل. فلّما نفرت معها، فبصرت في طريقها بقباب ومضرب وهيئة جميلة، فسألت عن ذلك، فقيل لها: هذا عمر بن أبي ربيعة؛ فساءها أمره، وقالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه: قولي له: نشدتك الله والرّحم أن فضحتني، ويحك ما شأنك؟ وما الذي تريد؟ انصرف ولا تفضحني وتشيط بدمك. فصارت إليه العجوز فأدّ ت إليه ما قالت لها فاطمة؛ فقال: لست بمنصرف أو توجّه إليّ بقميصها الذي يلي جلدها: فأخبرتها ففعلت، ووجّهت إليه بقميص من ثيابها، فزاده ذلك شغفاً، ولم يزل يتبعهم لا يخالطهم،(19/83)
حتى إذا صاروا على أميال من دمشق انصرف وقال في ذلك: من الكامل
ضاق الغداة بحاجتي صدري ... ويئست بعد تقارب الأمر
وذكرت فاطمة التي عّلقتها ... عرضاً فيا لحوادث الدّهر
ممكورة ردع العبير بها ... جمّ العظام لطيفة الخصر
وكأن فاها بعدما رقدت ... تجري عليه سلافة الخمر
وبجيد آدم شادن خرق ... يرعى الرّياض ببلدة قفر
لّما رأيت مطيّها حزقاً ... خفق الفؤاد وكنت ذا صبر
وتبادرت عيناي بعدهم ... وانهلّ مدمعها على الصّدر
ولقد عصيت ذوي أقاربها ... طرّاً وأهل الودّ والصّهر
حتى إذا قالوا وما كذبوا ... أجننت أم بك داخل السّحر
عن سلامة العجليّ، قال: كان عمر بن أبي ربيعة إذا هوي شيئاً قال فيه شعراً، ثم إذا توبع على إرادته استحال عنه وانتحى لغيره، فبينما هو ذات يوم يمشي مع صديق له يقال له: عمرو إذا هو بجارية تتهادى بين جواريها، عجيبة الحسن، أنيقة المنظر؛ فقال لصاحبه: ويحك، من هذه؟ امش فاجنح بنا نأخذ قرطاساً ونكتب إليها بأبيات. فمال إلى بقّال فأخذ منه قرطاساً وكتب إليها: من الخفيف
بدت الشمّس في جوار تهادى ... مخطفات القدود معتجرات
فتبسّمت ثم قلت لعمرو ... قد بدت في الحياة لي حسناتي
هل سبيل إلى التي لا أبالي ... أن أموتن بعدها حسرات
وبعث إليها بالرّقعة، فأجابته وقالت: من الخفيف
قد أتاني الرّسول بالأبيات ... في كتاب قد خطّ بالتّرّهات(19/84)
خانك الطّرف إذ نظرت وما ... طرفك عندي بصادق النّظرات
عدعنّي فقد عرفت بغيري ... عهدك الخائن القليل الثّبات
وأنشد له: من الكامل
لبثوا ثلاث منى بمنزل قلعة ... وهم على غرض لعمرك ماهم
متجاورين بغيردار إقامة ... لوقد أجدّ رحيلهم لم يندموا
ولهنّ بالبيت العتيق لبانة ... والبيت يعرفهنّ لو يتكلّم
لو كان حيّا قبلهنّ ظعائناً ... حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم
لكنّه ممّا يطيف بركنه ... منهنّ صمّاء الصّدى مستعجم
وكأنهنّ وقد صدرن عشيّةً ... بيض بأكناف الخيام منظّم
وله: من المتقارب
تقول وتظهر وجداً بنا ... ووجدي ولو أظهرت أوجد
لممّا شقائي تعلّقتكم ... وقد كان لي عنكم مقعد
سباني من بعد شيب القذا ... ل ريم له عنق أغيد
وعين تصابي وتدعو الفتى ... لما غيره للفتى أرشد
وله: من الطول
نظرت إليها بالمحصّب من منى ... ولي نظر لولا التّحرّج عارم
فقلت: أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك يوم السّجف أم أنت حالم
بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل ... أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا ... عشيّة راحت وجهها والمعاصم
معاصم لم تضرب على البهم بالضّحى ... عصاها ووجه لم تلحه السّمائم(19/85)
نضار ترى فيه أساريع مائه ... صبيح تغاديه الأكفّ النّواعم
وله: من الكامل
يا عمّتي عرضت لبنتك فتنةّ ... فتعوّذي بالله من شرّ الفتن
ياعمّتي رجل يطوف ببابكم ... في حلّة خضراء من عصب اليمن
فعشقته من غير فاحشة له ... والعشق مالم يوت فاحشةً حسن
قال ثعلب: وينشد: يا أمّتا. وبدل فعشقته: فهويته: وهو أحسن. وله: من البسيط
سمعي وقلبي حليفاها على بصري ... فكيف أصبرعن سمعي وعن بصري
لوشايعاني على أن لا أكلّمها ... إذاً لقضّيت من أوطارها وطري
ردّ الفؤاد إليها بعث نسوتها ... ونظرة عرضت كانت من القدر
وقول بكر: ألافاربع نسائلها ... وانظر فلابأس بالتّسليم والنّظر
وقولها ودموع العين تسبقها ... لأختها: دين هذا القلب من عمر
تفسير دين: ملك واستعبد. وله: من البسيط
السّرّ يكتمه الإثنان بينهما ... وكلّ سرّ عدا الاثنين ينتشر
والمرء مالم يراقب عند صبوته ... لمح العيون بسوء الظّنّ يشتهر
وله: من الكامل
قد كان أورق عود حبّك بالمنى ... وسقاه ماء رجائكم فترعرعا(19/86)
حتى إذا هبّت بيأس ريحكم ... تركته من ورق المطامع أقرعا
واليأس من بذل الأحبّة لم يزل ... بتخطّف الأرواح قدماً مولعا
وله: من المتقارب
ألا من لقلب معنّى خبل ... بدكر المحلّة أخت المحل
تراءت لنا يوم فرع الأرا ... ك بين المساء وبين الأصل
وقالت لجارتها هل رأي ... ت إذا عرض الرّجل فعل الرّجل
فإن تبسّمه ضاحكاً ... أجدّ اشتياقا لقلب ذهلً
كأن القرنفل والزنجبي ... ل وريح الخزامى وذوب العسل
يعلّ به برد أنيابها ... إذا النّجم وسط السّماء اعتدل
وله: من مجزوء الخفيف
ذكر الشمس إذ بدت ... من خلال السّحائب
أمّ عمرو إذ اقبلت ... بين حور كواعب
بلوى الخيف من منى ... أو بذات التّناضب
يوم أرخت مرجّلاً ... فوق خدّ وحاجب
واستهلّت بواكف ... من دموع سواكب(19/87)
ثم قالت لنسوة ... من لؤيّ بن غالب
قمن نقض لحبّنا ... حاجةً أو نعاتب
فتولّى نواعم ... مثقلات الحقائب
وتأطّرن ساعةً ... في مناخ الرّكائب
كالدّمى أو كبدن ... من نعاج ربائب
قطف المشي آنس ... واضحات التّرائب
فتناولت كفّها ... ثم مالت بجانب
وأمالت بجيدها ... فاحماًذا ذوائب
فانتجينا بسارما ... مجلساً ذا عجائب
وله: من الخفيف
فالتقينا فرحّبت حين سلّم ... ت وكفّت دمعاً من العين مارا
ثم قالت عند العتاب: رأينا ... فيك عنّا تجلّداً وازورارا
قلت: كلاّ، لاه ابن عمّك بل خف ... نا أموراً كنّا بها أغمارا
فركبنا حالاً لنكذب عنّا ... قول من كان بالأكفّ أشارا
فجعلنا الصّدود لمّا خشينا ... قالة النّاس بالهوى أستارا
فلذاك الإعراض عنك وما ... آثر قلبي عليك أخرى اختيارا
ليس كالعهد إذ عهدت ولكن ... أوقد النّاس بالنّميمة نارا
ما نبالي إذا النّوى قرّبتكم ... فدنوتم من حلّ أومن سارا
واللّيالي إذا نأيت طوال ... وأراها إذا دنوت قصارا
أنشد ابن أبي عتيق سعيد بن المسيّب قول عمر بن أبي ربيعة: من الخفيف(19/88)
أيّها الرّاكب المجدّ ابتكارا ... قد مضى من تهامة الأوطارا
إن يكن قلبك الغداة جليداً ... ففؤادي بالحبّ أمسى معارا
ليت ذا الدّهر كان حتماً علينا ... كلّ يومين حجّةً واعتمارا
فقال: لقد كلّف المسلمين شططاً. فقال: يا أبا محمد، في نفس الجمل شيء غير ما في نفس سائقه.
قال مصعب: قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة فنزل على محمد بن الحجّاج بن يوسف، وكان لعبد الله بن هلال صاحب إبليس قينتان حاذقتان، فكان يأتيهما فيسمع منهما، فقال في ذلك: من الكامل
يا أهل بابل ما نفست عليكم ... من عيشكم إلاّ ثلاث خلال
ماء الفرات وطيب ليل بارد ... وسماع منشدتين لابن هلال
قال ابن جريج: كنت مع معن بن زائدة باليمن، فحضر الحجّ فلم تحضرني نيّة. قال: فخطر ببالي قول عمر بن أبي ربيعة: من البسيط
تالله قولي في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث باليمن
إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها ... فما أخذت بترك الحجّ من ثمن
فدخلت على معن فأخبرته أني عزمت الحجّ؛ فقال لي: ما نزعك إليه ولم تكن تذكره؟ قلت له: ذكرت قول ابن أبي ربيعة؛ وأنشدته شعره، فجهّزني وانطلقت. وله من الخفيف(19/89)
خبّرها بأنّني قد تزوّج ... ت فظلّت تكاتم الغيظ سرّا
ثم قالت لأختها ولأخرى ... جزعاً: ليته قد تزوّج عشرا
وأشارت إلى نساء لديها ... لاترى دونهنّ للسّرّ سترا
ما لقلبي كأنه ليس منّي ... وعظامي إخال فيهنّ فترا
من حديث نما إليّ فظيع ... خلت في القلب من تلظّيه جمرا
قال هارون بن محمد: أنشدنا الزّبير لمجنون بني جعدة: من البسيط
حبّذا راكب كنّا نسرّبه ... يهدي لنا من أراك الموسم القضبا
قالت لجارتها يوماً تسائلها ... لمّا تعرّت وألقت عندها السّلبا:
ناشدتك الله ألاّ قلت صادقةً ... أصادفت صفة المجنون أم كذبا
قال: فقلت: أتراه سرقه من قول عمر بن أبي ربيعة: من الرمل
ولقد قالت لجارات لها ... وتعرّت ذات يوم تبترد:
أكما ينعتني تبصرنني ... عمركنّ الله أم لا يقتصد؟
فتضاحكن وقد قلن لها: ... حسن في كلّ عين من تودّ
حسد منهنّ قد حمّلنه ... وقديماً كان في النّاس الحسد
أنشد أبو الحسن عليّ بن سليمان الأخفش لعمر بن أبي ربيعة وقال: ما قيل في المساعدة أحسن منها: من الوافر
وخلّ كنت عين النّصح منه ... إذا نظرت ومستمعاً سميعاً
أراد قبيحةً فنهيت عنها ... وقلت له: أرى أمراً فظيعاً
أردت رشاده جهدي فلمّا ... أبى وعصى أتيناه جميعاً(19/90)
عن عوانة بن الحكم: أن عمر بن أبي ربيعة كان قد ترك الشّعر ورغب عنه، ونذر على نفسه لكلّ بيت يقوله هدي بدنة؛ فمكث بذلك حيناً ثم خرج ليلة يريد الطّواف بالبيت إذ نظر إلى امرأة ذات جمال تطوف وإذا رجل يتلوها، كلّما رفعت رجلها وضع رجله موضع رجلها، فجعل ينظر إلى ذلك من أمرهما؛ فلمّا فرغت المرأة من طوافها تبعها الرّجل هنيهةً ثم رجع، وفي قلب عمر ما فيه. فلمّا رآه عمر وثب إليه وقال: لتخبرنّي عن أمرك؛ قال: نعم، هذه المرأة التي رأيت ابنة عمّي، وأنا لها عاشق، وليس لي مال؛ فخطبتها إلى عمّي فرغب عنّي وسألني من المهر ما لا أقدر عليه؛ والّذي رأيت هو حظّي منها وما لي في الدّنيا أمنية غيرها، وإنّما ألقاها عند الطّواف وحظّي ما رأيت من فعلي.
قال له عمر: ومن عمّك؟ قال: فلان بن فلان؛ قال: انطلق معي إليه؛ فانطلقا، فاستخرجه عمر فخرج مبادراً إليه فقال: ما حاجتك يا أبا الخطّاب؟ قال: تزوّج ابنتك فلانة من ابن أخيك فلان، وهذا المهر الذي تسأله مساق إليك من مالي. قال: فإني قد فعلت. قال عمر: أحبّ أن لا أبرح حتى يجتمعا. قال: وذلك أيضاً.
قال: فلم يبرح حتى جمعهما، وأتى منزله فاستلقى على فراشه، فجعل النّوم لا يأخذه، وجعل جوفه يجيش بالشّعر؛ فأنكرت جاريته ذلك، فجعلت تسأله عن أمره، وتقول: ويحك، ما الذي دهاك؟ فلمّا أكثرت عليه جلس وأنشأ يقول: من الوافر
تقول وليدتي لمّا رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حينا
أراك اليوم قد أحدثت شوقاً ... وهاج لك البكا داءً دفينا
بربّك هل رأيت لها رسولاً ... فشاقك، أم رأيت لها خد ينا؟
فقلت: شكا إليّ أخ محبّ ... كبعض زماننا إذ تعلمينا(19/91)
فعدّ عليّ ما يلقى بهند ... فوافق بعض ما كنّا لقينا
وذو القلب المصاب وإن تعنّى ... يهيّج حين يلقى العاشقينا
وكم من خلّة أعرضت عنها ... لغير قلىً وكنت بها ضنينا
رأيت صدودها فصدفت عنها ... ولو جنّ الفؤاد بها جنونا
وفي غير هذه الرّواية إلاّ أنه متى قال بيت شعر أعتق رقبة، فذكر معناها، ثم قال: أستغفر الله وأتوب إليه. ثم دعا بثمانية من مماليكه فأعتقهم.
عن صالح بن أسلم، قال: نظرت إلى امرأة مستترة بثوب وهي تطوف بالبيت، فنظر إليها عمر بن أبي ربيعة من وراء الثّوب، ثم قال: من الطويل
ألمّا بذات الخال واستطلعا لنا ... على العهد باق ودّها أم تصرّما
قال: فقلت له: امرأة مسلمة غافلة محرمة قد سيّرت فيها شعراً وهي لا تعلم! فقال: إني قد أنشدت من الشّعر ما بلغك؛ وربّ هذه البنّية ما حللت إزاري على فرج حرام قطّ.
قال الضّحاك بن عثمان: إن عمر بن أبي ربيعة مرض واشتّد مرضه، فحزن عليه أخوه الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة حزناًشديداً؛ فقال عمر: يا أخي كأنك تخاف عليّ قوافي الشّعر؟ قال: نعم. قال: أعتق ما أملك إن كان وطئ فرجاً حراماً قطّ. قال الحارث: الحمد لله، هوّنت عليّ.
قال عبد الله بن عمر: فاز عمر بن أبي ربيعة بالدّنيا والآخرة؛ غزا البحر فاحترقت سفينته فاحترق فيها. وبلغني من وجه آخر: إن عمر بن أبي ربيعة عدا يوماً على فرس فهبّت ريح فاستتر بقفلة، فعصفت الرّيح، فخدشه غصن منها، فدمي منه، فمات من ذلك.(19/92)
عمر بن عبد الله بن أبي سفيان
ابن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب القرشيّ ذكر في تسمية من كان بدمشق وغوطتها من بني أميّة، وقال ابن أبي العجائز: وكان رجلاً شابّاً.
عمر بن عبد الله بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّ ولي الموسم في ولاية يزيد بن الوليد النّاقص سنة ستّ وعشرين ومئة.
عمر بن عبد الله بن محمد
أبو حفص الأصبهانيّ المؤدب قدم دمشق، وحدّث بداريّا، وأظنّه عمر بن عبد الله بن الحسن الذي حدّث ببعلبك، فالله أعلم. حدّث عن أبي عبد الله أحمد بن يعقوب الباسياريّ، بسنده إلى سهل بن عبد الله، قال: رفعت الدّنيا رأسها على عهد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا لها: يا دنيا أيش فيك؟ قالت: فيّ حلال وشبهات ومكروه وحرام. فقالوا: لا حاجة لنا في شبهاتك ولا في مكروهاتك ولا حرامك من حاجة، هات الحلال. فأخذوا الحلال فأكلوه. ثم جاء القرن الثّاني فقالوا لها: با دنيّا، أيش فيك؟ فقالت: فيّ حلال وشبهات(19/93)
ومكروهات وحرام. فقالوا: لا حاجة لنا في شبهاتك ولا مكروهاتك ولا حرامك من حاجة، هات فقالت: قد سبقوكم. قالوا: هات الشّبهات؛ فأخذوه فأكلوه. ثم جاء القرن الثالث، فقالوا: يا دنيا ما معك؟ فقالت: معي حلال وشبهات ومكروه وحرام. فقالوا: ما لنا في شبهاتك ولا في مكروهاتك وحرامك من حاجة، هات الحلال. قالت قد سبقوكم. قالوا: فهات الشّبهات. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فهات المكروه. فأخذوه فأكلوه. ثم جاء القرن الرّابع، قالوا: يا دنيا أيش فيك؟ قالت: فيّ حلال وشبهات ومكروه وحرام. قالوا: ما لنا في شبهاتك ولا مكروهاتك وحرامك من حاجة؛ هات الحلال. قالت: قد سبقوكم. قالوا: هات الشّبهات. قالت: قد سبقوكم. قالوا: هات المكروه. قالت قد سبقوكم. قالوا: فهات الحرام. فأخذوه فأكلوه. ثم جاء القرن الخامس فقالوا: ما فيك؟ فقالت: في الحلال والشّبهات والمكروهات والحرام. قالوا: مالنا في شبهاتك ولامكروهات ولاحرامك من حاجة؛ هات الحلال. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فهات الشّبهاب. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فهات المكروه. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فهات الحرام. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فما نصنع؟ قالت: خذوا السّيوف الحداد فاضربوا رقاب من معه الحرام.
قال سهل: يادوست، فاليوم لانصل إلى الحرام إلاّ بالسيف، وقد كان قبل ذلك موجوداً!
عمر بن عبد الله اللّيثي
حدث، قال: كنت جالسا عند واثلة بن الأصقع. قال: فأتاه سائل، فأخذه كسرةً فجعل عليها فلساً، ثم قام حتى وضعها في يده. قال: فقلت له: يا أبا الأسقع، أما كان في أهلك من يكفيك هذا؟ قال: لا، وكنه من قام يمشي إلى مسكين بصدقة حطّت عنه بكل خطوة خطيئة، فإذا وضعها في يده حطّت عنه بكّل خطوّة عشر خطيئات.(19/94)
عمر بن عبد الباقي بن عليّ
أبو حفص الموصليّ الوّراق سكن دمشق، وسمع بها. روى بصور سنة أربع وسبعين وأربعمئة، عن أبي محمد عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن عبدان الصفار، بسنده إلى ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسمح يسمح لك ".
عمر بن عبد الحميد
حكى عن عمر بن عبد العزيز، قال: أجازني عمر بن عبد العزيز بعشرة آلاف درهم.
عمر بن عبد الحميد
قال: سمعت أبا خليد يذكر عن مالك وكان أبو خليد يصحب مالكاً قال: قدم أبو جعفر المنصور المدينة فأتيته مسلماً عليه، فقال لي: يا مالك إني قد طلبت العلم سنوات قبل خلافتي، وإنّما العلم في هذا البطن يعني الحجاز وأنت رأس أهله. قال: وأمر لي بألف دينار.
عمر بن عبد الرّحمن بن زيد
ابن الخطّاب ابن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب القرشيّ العدويّ وفد على معاوية.(19/95)
قال: كان عمر يصاب بالمصيبة فيقول: أصبت بزيد بن الخطاب فصبرت. وأبصر قاتل أخيه زيد فقال له: ويحك، لقد قتلت لي أخاً ما هبت الصّبا إلاّ ذكرته.
عن سعيد بن عبد الكبير بن عبد الحميد، عن أبيه، عن جدّه، قال: كان يقال له: المصوّر، من حسنه وجماله، وكان قدم على معاوية بن أبي سفيان فأقام عنده أشهراً، ثم قام إليه يوماً فقال: ياأمير المؤمنين، أقض لي حاجتي. قال له معاوية: أقضي لك أنك أحسن الناس وجهاً، ثم قضى له حاجته، ووصله وأحسن جائزته.
قال عمر بن عبد الرّحمن: قال عمر لقاتل زيد: غيّب عنّي وجهك.
عمر بن عبد الرّحمن بن عوف
ابن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب أبو حفص القرشيّ الزهريّ المدنيّ روى أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النّبي صّلى الله عليه وسلم يوم الفتح، والنّبي صّلى الله عليه وسلم قريب من المقام، فسلّم على النّبي صّلى الله عليه وسلم ثم قال: يا نّبي الله إني نذرت لئن فتح الله للنّبي صّلى الله عليه وسلم والمؤمنين مكّة لأصلّينّ في بيت المقدس، وإني وجت رجلاً من أهل الشام ها هنا في قريش مقبلاً ومدبراً. فقال النّبي صلى الله: " ها هنا فصلّ " فقال الرّجل قوله هذا ثلاث مرّات، كلّ ذلك يقول النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ها هنا فصلّ " ثم قالها الرّابعة مقالته هذه فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب فصلّ فيه، فوالّذي بعث محمداً بالحقّ لو صلّيت ها هنا لقضى عنك ذلك كلّ صلاة في بيت المقدس ".
قال شاعر في عمر بن عبد الرّحمن: من الوافر(19/96)
فما عمر أبو حفص إذا ما ... تفاخرت القبائل بالقليل
له كفّان كفّ ندىً وجود ... وكفّ ما تهلّل عن قتيل
عن رجل من بني زهرة، قال: لمّا هلك عبد الرّحمن بن عوف بعث عثمان بن عفّان سهل بن حنيف يقسم ماله بين ولده، فأخذ بيد عمر بن عبد الرّحمن وكانت أمّه سهلة بنت عاصم بن عديّ فقال له: يا ابن أختي، أنت والله أحبّ القوم إليّ علانيةً غير سرّ، وذلك من قبل الأنصاريّات الّلاتي ولدنك؛ وإني أوصيك بوصيّة إن حفظتها فهي خير لك من مال أبيك، وإن تركتها لم ينفعك ما ترك أبوك لو كان لك. قال: ما ذاك؟ أوصني. قال: يا ابن أختي، اعلم أنه لا عيلة لمصلح ولا مال لخرق، واعلم أنّ الرّقيق ليسوا بمال وهم جمال، واعلم أن خير المال العقد وشرّ العقد النّضح، هي كانت أموالنا في الجاهليّة، حتى كان أحدنا سفيهاً بولده وخادمه؛ فأما إذ ركبتم الدّواب ولبستم الثياب فليست من أموالكم في شيء، فإن كنت لابدّ منها شيئاً فاتّخذ مزرعةً إن عالجتها نفعتك، وإن تركتها لم تضرّك.
قال عمر بن عبد الرّحمن: فحفظت وصيّة خالي، فكانت خيراً لي ممّا ورثت من أبي.
عمر بن عبد الرّحمن بن محمد
ويقال: ابن عبد الرّحمن بن أحمد، أبو القاسم ويقال: أبو الفرج الطّرسوسيّ سكن درب القرشيّين.
روى عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجيّ، بسنده إلى ابن عبّاس، قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئاً نسأل هذا الرّجل. قالوا: سلوه عن الرّوح.(19/97)
فسألوه عن الرّوح، وبيد النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جريدة ينكث بها الأرض، فنزلت " ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً ". وهو غريب.
عمر بن عبد العزيز بن عبيد
أبو حفص السّبائيّ الطّرابلسيّ من أهل طرابلس المغرب، شاب صالح فقيه على مذهب مالك، كان يعرف شيئاً من الأدب، ويكتب بخطّ حسن؛ قدم دمشق من مكّة، وأقام بها مدّة، وحدّث بشيء يسير، ثم توجّه إلى العراق طالباً للعلم فتوفي ببغداد سنة تسع عشرة أو ثمان عشرة وخمسمئة فيما أظنّ. وقد جالسته غير مرّة، وسمعته ينشد شيئاً، ولم أحفظ عنه شيئاً.
عمر بن عبد العزيز بن مروان
ابن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن مناف أبو حفص القرشيّ الأمويّ، أمير المؤمنين بويع له بالخلافة بعد سليمان بن عبد الملك. وأمّه أمّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب.
روى عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: كان النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس يتحدّث يكثر أن يرفع بصره إلى السّماء.(19/98)
قال عمر: زعمت المرأة الصّالحة خولة بنت حكيم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج محتضناً أحد ابني ابنته وهو يقول: " والله إنكم لتجبّنون وتبخّلون، وإنكم لمن ريحان الله عزّ وجلّ، وإن آخر وطأة وطئها الله بوجّ ".
وعن أبي بكر بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحقّ به من غيره ".
قال محمد بن سعد: في الطّبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة: عمر بن عبد العزيز.
قالوا: ولد عمر سنة ثلاث وستّين، وهي السّنة التي ماتت فيها ميمونة زوج النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان عمر بن عبد العزيز ثقةً مأموناً، له فقه وعلم وورعّ، وروى حديثا كثيرا، وكان إمام عدل رحمه الله ورضي عنه.
قال ابن أبي حاتم: وكان استوهب من سهل بن سعد السّاعديّ قدحاً شرب فيه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوهبه له.
عن اسماعيل بن عليّ الخطبيّ، قال: ورأيت صفته يعني عمر بن عبد العزيز في بعض الكتب، أنه كان رجلاً أبيض، رقيق الوجه، جميلاً، نحيف الجسم، حسن اللّحية، غائر العينين، بجبهته أثر نفحة حافر دابّة؛ فلذلك سمّي أشجّ بني أميّة، وكان قد وخطه الشّيب.(19/99)
وعن ثروان مولى عمر بن عبد العزيز، قال: دخل عمر بن عبد العزيز إلى اصطبل أبيه وهو غلام فضربه فرس فشجّه، فجعل أبوه يمسح عنه الدّم ويقول: إن كنت أشجّ بين أميّة إنّك إذاً لسعيد.
عن يعقوب، عن أبيه: أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر بن عبد العزيز إلى المدينة يتأدب بها، فكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، فكان يلزمه الصّلوات؛ فأبطأ يوماً عن الّصلاة فقال: ما حبسك؟ قال: كانت مرجّلتي تسكن شعري! فقال: بلغ منك حبّك تسكين شعرك أن تؤثره على الصّلاة؟ فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك، فبعث إليه عبد العزيز رسولاً فلم يكلّمه حتى حلق شعره. وكان عمر يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع منه العلم، فبلغ عبيد الله أن عمر ينتقص عليّ بن أبي طالب، فأتاه عمر، فقام يصّلي، وأرز عمر فلم يبرح حتى سلّم من ركعتين، ثم أقبل على عمر بن عبد العزيز فقال: متى بلغك أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ قال: فعرف عمر ما أراد؛ فقال: معذرة إلى الله وإليك، والله لا أعود. قال: فما سمع عمر بن عبد العزيز، بعد ذلك ذاكراً عليّاً إلاّ بخير.
حدّث العتبيّ، قال: إن أول ما استبين من عمر بن عبد العزيز وحرصه على العلم ورغبته في الأدب، أن أباه ولي مصر وهو حديث السّنّ يشكّ في بلوغه، فأراد إخراجه معه؛ فقال: يا أبه، أو غير ذلك، لعلّه أن يكون أنفع لي ولك؛ ترحلّني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها وأتأدّب بآدابهم.(19/100)
فوجّهه إلى المدينة، فقعد مع مشايخ قريش وتجنّب شبابهم، وجاءته ألطاف أبيه من مصر فجعل يقسمها بينهم، فشهره أهل المدينة بعلمه وعقله مع حداثة سنّه؛ فحسده فتيان قريش فقعدوا إليه، فقالوا: كيف أصبحت يا أبا حفص؟ فقال: مهلاً، إيّاي وكلام المجعة؛ فشهرت منه بالمدينة حتى كتب بها إلى أبيه بمصر والمجعة: القليلة عقولهم، الضّعيفة آراؤهم ثم بعث إليه عبد الملك عند وفاة أبيه فخلطه بولده وقدّمه على كثير منهم، وزوّجه بابنته فاطمة، وهي التي يقول فيها الشّاعر: من الكامل
بنت الخليفة، والخليفة جدّها ... أخت الخلائف، والخليفة زوجها
فلم تكن امرأة تستحق هذا البيت إلى يومنا هذا غيرها. وكان الذين يعيبون عمر ممّن يحسده إلا بشيئين: إلاّ بالإفراط في النّعمة والاختيال في المشية؛ ولو كانوا يجدون ثالثاً لجعلوه معهما؛ وهو الأحنف: الكامل من عدّت هفواته، ولا تعدّ إلاّ من قلّة. فدخل يوماً على عبد الملك وهو يتجانف في مشيته، فقال له: يا عمر، مالك تمشي غير مشيتك؟ قال: إن بي جرحاً. قال: وفي أيّ حسدك؟ قال: بين الرّانفة والصّفن. قال عبد الملك لروح بن زنباع: أقسم بالله لو رجل من قومك سئل عن هذا لما أجاب هذا الجواب. الرّانفة: طرف الألية. والصّفن: جلد الخصية. قال جرير: من الرجز يترك أصفان الخصى جلاجلا قال خليفة: سنة سبع وثمانين أقام الحجّ عمر بن عبد العزيز.(19/101)
وقال: سنة تسع وثمانين أقام الحجّ عمر بن عبد العزيز.
وقال: سنة تسعين أقام الحجّ عمر بن عبد العزيز.
وقال: سنة اثنيتين وتسعين أقام الحجّ عمر بن عبد العزيز أخبر من رأى عمر بن عبد العزيز واقفاً بعرفة وهو يقول: اللهم زد محسن آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحساناً؛ اللهم راجع بمسيئهم إلى التّوبة؛ اللهم حطّ من أوزارهم برحمتك ويقول بيده هكذا؛ اللهم من كان صلاحه لأمّة محمد، وأهلك من كان هلاكه صلاحاً لأمّة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال مالك: أتى فتيان إلى عمر بن عبد العزيز فقالوا: إن أبانا توفي وترك مالاً عند عمنّا حميد الأمجيّ. قال: فأحضره عمر بن عبد العزيز. قال: فلّما دخل عليه قال: أنت حميد؟ قال: فقال: نعم. قال: فقال: أنت القائل: من المتقارب
حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع
أتاه المشيب على شربها ... فكان كريماً فلم ينزع
قال: نعم. قال عمر بن عبد العزيز: ما أراني إلاّ سوف أحدّك. قال، ولم؟ قال: لأنك أقررت بشرب الخمر، وزعمت أنك لم تنزع عنها. قال: أيهات، أين يذهب بك؟ ألم تسمع الله عزّ وجلّ يقول: " والشّعراء يتّبعهم الغاوون ألم تر أنّهم في كلّ واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون "؟ قال: فقال عمر: أولى لك يا حميد، ماأراك إلاّ وقد أفلتّ، ويحك يا حميد كان أبوك رجلاً صالحاً وأنت رجل سوء! قال: أصلحك الله، وأيّنا يشبه أباه؟ كان أبوك رجل سوء وأنت رجل صالح.(19/102)
قال: إن هؤلاء زعموا أن أباهم توفي وترك مالاً عندك. قال: صدقوا. قال: فأحضره بخاتم أبيهم. قال: قال: إن أبا هؤلاء توفي مذ كذا وكذا وإني كنت أنفق عليهم من مالي، وهذا مالهم. فقال عمر: ماأجد أحداً أحقّ أيكون عنده منك. قال: فقال: أيعود إليّ وقد خرج منّي؟ قال أنس بن مالك: ما رأيت أحداً أشبه صلاةً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز وهو على المدينة.
عن العبّاس بن أبي راشد، عن أبيه، قال: نزل بنا عمر بن عبد العزيز، فلمّا رحل قال لي مولاي: اركب معي نشيّعه. قال: فركبت فمررنا بواد فإذا نحن بحيّة ميتة مطروحة على الطريق، فنزل عمر فنحّاها وواراها ثم ركب، فبينما نحن نسير إذا هاتف يهتف وهو يقول: يا خرقاء يا خرقاء. قال: فالتفتنا يميناً وشمالاً فلم نر أحداً. فقال له عمر: أسألك بالله أيّها الهاتف إن كنت مّمن تظهر إلاّ ظهرت، وإن كنت مّمن لا تظهر أخبرنا من الخرقاء؟ قال: الحيّة التي دفنتم في مكان كذا وكذا فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لها يوماً: " يا خرقاء تموتين بفلاة من الأرض يدفنك خير مؤمن من أهل الأرض يومئذ ". فقال له عمر: ومن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا من التّسعة أو السّبعة شكّ التّرقفيّ الذين بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا المكان، أو قال: في هذا الوادي شكّ التّرقفيّ فقال له عمر: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: آلله، إني أنا سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فدمعت عينا عمر، وانصرفنا.
قال سفيان: سألت عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز حين قدم علينا: كم أتى على عمر؟ قال: مات ولم يتّم أربعين سنةً؛ وذكر شيئاً من فضله.(19/103)
قال: وقال مجاهد: أتيناه نعلّمه فما برحنا حتى تعلّمنا منه.
وقال ميمون بن مهران: كانت العلماء عند عمر تلامذة.
عن عبد الله بن كثير، قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: ما كان بدو إنابتك؟ قال: أردت ضرب غلام لي فقال لي: يا عمر اذكر ليلةً صبيحتها يوم القيامة.
وعن مالك: أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة التفت إليها فبكى ثم قال: يا مزاحم، أتخشى أن نكون ممّن نفت المدينة؟ قال عبد العزيز بن يزيد الأيليّ: حجّ سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز، فأصابهم ليلةً برقّ ورعد فكادت تنخلع أفئدتهم؛ فقال سليمان: يا أبا حفص، هل رأيت مثل هذه اللّيلة قطّ وسمعت بها؟ قال: يا أمير المؤمنين، هذا صوت رحمة الله، فكيف لو سمعت صوت عذاب الله!
قال عبد الرّحمن بن حسّان الكنانيّ: لمّا مرض سليمان بن عبد الملك المرض الذي توفي فيه، وكان مرضه بدابق، ومعه رجاء بن حيوة؛ فقال لرجاء بن حيوة: يا رجاء من لهذا الأمر من بعدي؟ أستخلف ابني؟ قال: ابنك غائب. قال: فالآخر؟ قال: ذاك صغير. قال: فمن ترى؟ قال: أرى أن تستخلف عمر بن عبد العزيز. قال: أتخوّف من بني عبد الملك ألاّ يرضوا. قال: فول عمر بن عبد العزيز ومن بعده يزيد بن عبد الملك، وتكتب كتاباً وتختم عليه وتدعوهم إلى بيعته مختوماً عليها. قال: لقد رأيت، ائتني بقرطاس.(19/104)
قال: فدعا بقرطاس فكتب فيه العهد لعمر بن عبد العزيز ومن بعده يزيد بن عبد الملك، ثم ختمه، ثم دفعه إلى رجاء، قال: اخرج إلى النّاس فمرهم فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوماً. قال: فخرج إليهم رجاء فجمعهم، وقال: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب من بعده. قالوا: ومن فيه؟ قال: مختوم، لا تخبرون بمن فيه حتى يموت. قالوا: لا نبايع حتى نعلم من فيه. قال: فرجع رجاء إلى سليمان؛ انطلق إلى أصحاب الشّرط والحرس، وناد: الصّلاة جامعةً، ومر النّاس فليجتمعوا، ومرهم بالبيعة على ما في هذا الكتاب، فمن أبى أن يبايع منهم فاضرب عنقه. قال: ففعل، فبايعوا على ما فيه.
قال رجاء: فلمّا خرجوا خرجت إلى منزلي، فبينا أنا أسير في الطريق إذ سمعت جلبة موكب، فالتفتّ فإذا هشام، فقال لي: يا رجاء، قد علمت موقعك منّا، وإن أمير المؤمنين قد صنع شيئاً لا أدري ما هو، وأنا أتخّوف أن يكون قد أزالها عنّي، فإن يكن عدلها عنّي فأعلمني ما دام في الأمر نفس، حتى أنظر في هذا الأمر قبل أن يموت. قال: قلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمراً أطلعك عليه! لا يكون ذاك أبداً؛ فأدارني وألاصني، فأبيت عليه. قال: فانصرف. فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبةً خلفي فإذا عمر بن عبد العزيز، فقال لي: يا رجاء، إنه قد وقع في نفسي أمر كثير من هذا الرّجل، أتخوّف أن يكون قد جعلها إليّ، ولست أقوم بهذا الشّأن، فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلّي أتخلّص منه ما دام حيّاً. قلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمراً أطلعك عليه! ؛ فأدارني وألاصني، فأبيت عليه.(19/105)
قال رجاء: وثقل سليمان، وحجب النّاس عنه حتى مات؛ فلمّا مات أجلسته وأسندته وهيّأته، وخرجت إلى النّاس، فقالوا: كيف أصبح أمير المؤمنين؟ فقلت: إن أمير المؤمنين أصبح ساكناً؛ وقد أحبّ أن تسلّموا عليه، وتبايعوا على ما في هذا الكتاب، والكتاب بين يديه. قال: فأذنت للنّاس فدخلوا وأنا قائم عنده؛ فلمّا دنوا قلت: إن أميركم يأمركم بالوقوف؛ ثم أخذت الكتاب من عنده ثم تقدّمت إليهم فقلت: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب. قال: فبايعوا، وبسطوا أيديهم؛ فلمّا بايعتهم على ما فيه أجمعين وفرغت من بيعتهم قلت لهم: آجركم الله في أمير المؤمنين. قالوا: فمن؟ فافتتح الكتاب فإذا فيه العهد لعمر بن عبد العزيز، فلمّا نظرت بنو عبد الملك تغيّرت وجوههم، فلمّا قرؤوا من بعده يزيد بن عبد الملك كأنهم تراجعوا؛ فقالوا: أين عمر بن عبد العزيز؟ فطلبوه فلم يوجد في القوم. قال: فنظروا فإذا هو في مؤخر المسجد. قال: فأتوه، فسلّموا عليه بالخلافة، فعقر فلم يستطع النّهوض حتى أخذوا بضبعيه، فرقوا به المنبر، فلم يقدر على الصّعود حتى أصعدوه، فجلس طويلاً لايتكلّم، فلمّا رآهم رجاء جلوساً قال: ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه؟ قال: فنهض القوم إليه فبايعوه رجلاً رجلاً. قال: فمدّ يده إليهم. قال: فصعد إليه هشام فلمّا مدّ يده إليه قال هشام: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " فقال عمر: نعم " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " حين صار يلي هذا الأمر أنا وأنت. قال: ثم قام عمر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيّها النّاس إنّي لست بقاض ولكنّي منفّذ، ولست بمبتدع ولكنّي متّبع، وإن حولكم من الأمصار والمدن فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم، وإن هم نقموا فلست لكم بوال. ثم نزل يمشي؛ فأتاه صاحب(19/106)
المراكب، فقال: ما هذا؟ قال: مركب للخليفة. قال: لا حاجة لي فيه، إيتوني بدابتّي. فأتوه بدابّته فركبها ثم خرج يسير، وخرجوا معه، فمالوا إلى طريق؛ قال: إلى أين؟ قالوا: إلى البيت الذي يهيّأ للخليفة. قال: لا حاجة لي فيه، انطلقوا بي إلى منزلي. قال رجاء: فأتى منزله، فنزل عن دابّته ثم دعا بداوة وقرطاس، وجعل يكتب بيده إلى العّمال في الأمصار، ويملّ على نفسه. قال رجاء: فلقد كنت أظنّ سيضعف، فلّما رأيت صنيعه في الكتاب علمت أنه سيقوى بهذا ونحوه.
عن حماد العدويّ، قال: سمعت صوتاً عند وفاة سليمان بن عبد الملك، يقول: من الكامل
اليوم حلّت واستقرّ قرارها ... على عمر المهديّ قام عمودها
وعن محمد بن الضّحاك بن عثمان، عن أبيه، قال: لمّا انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر سليمان صفّوا له مراكب سليمان، فقال: من الطويل
فلولا التّقى ثم النّهى خشية الرّدى ... لعاصيت في حبّ الصّبا كلّ زاجر
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى ... له صبوة أخرى اللّيالي الغوابر
ثم قال: ما شاء الله، لا قوّة إلاّ بالله؛ قوموا إلى بغلتي.
وعن سليمان بن داود الخولاني؛ أن رجلاً بايع عمر بن عبد العزيز، فمدّ يده إليه، ثم قال: بايعني بلا عهد ولا ميثاق؛ تطيعني ما أطعت الله، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليك. فبايعه.(19/107)
وعن عمر بن ذرّ، قال: قال مولى لعمر بن عبد العزيز له حين رجع من جنازة سليمان: ما لي أراك مغتّماً؟ فقال عمر: لمثل ما أنا فيه يغتّم؛ ليس أحد من أمّة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شرق ولا غرب إلاّ وأنا أريد أن أودّي إليه حقّه غير كاتب ولا طالبه منّي.
وعن إبراهيم بن هشام بن يحيى، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنت أنا وابن أبي زكريا بباب عمر بن عبد العزيز فسمعنا بكاء في داره، فسألنا عنه، فقالوا: خيّر أمير المؤمنين امرأته بين أن تقوم في منزلها على حالها وأعلمها أنه قد شغل بما في عنقه عن النّساء وبين أن تلحق بمنزل أبيها؛ فبكت فبكى جواريها لبكاءها.
وحدّث بعض خاصّة عمر بن عبد العزيز بن مروان: أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاءً عالياً؛ فسئل عن البكاء، فقيل: إن عمر بن عبد العزيز خيّر جواريه، فقال: إنه قد نزل بي أمر شغلني عنكنّ، فمن أحبّ أن أعتقه عتقته، ومن أراد أن أمسكه أمسكته، أم يكن منّي إليها شيء؛ فبكين إياساً منه.
وعن مسعود بن بشر: أن رجلاً قال لعمر بن عبد العزيز لمّا ولي الخلافة: تفرّغ لنا. فقال: قد جاء شغل شاغل، وعدلت عن طرق السّلامة، ذهب الفراغ فلا فراغ لنا إلى يوم القيامة.
وعن سلام بن سليم، قال: لمّا ولي عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فكان أول خطبة خطبها؛ حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس، من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلاّ فلا يقربنا؛ يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدّلنا من الخير على ما لا نهتدي إليه، ولا يغتابنّ عندنا الرّعيّة، ولا يعترض فيما لا يعنيه. فانقشع عنه الشّعراء والخطباء، وثبت الفقهاء والزّهاد؛ وقالوا: ما يسعنا أن نفارق هذا الرّجل حتى يخالف فعله قوله.(19/108)
قال سفيان بن عيينة: لمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بعث إلى محمد بن كعب، وإلى رجاء بن حيوة، وإلى سالم بن عبد الله. قال: فحضروا؛ فقال لهم: قد ترون ما قد ابتليت به وما قد نزل بي، فما عندكم؟ فقال محمد بن كعب: يا أمير المؤمنين، اجعل النّاس أصنافاً ثلاثةً؛ اجعل الشّيخ أباً، والنّصف أخاً، والشّاب ولداً؛ فبّر أباك، وصل أخاك، وتعطّف على ولدك.
وقال رجاء بن حيوة: ما تقول يا رجاء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ارض للنّاس ما ترضى لنفسك، وما كرهت أن يؤتى إليك فلا تأته إليهم، واعلم أنك لست أوّل خليفة يموت.
وقال لسالم بن عبد الله: ما عندك يا سالم؟ قال: يا أمير المؤمنين، اجعل الأمر يوماً واحداً صرفته عن شهوات الدّنيا، آخر نظرك فيه الموت، فكأن قد.
فقال عمر: لا حول ولاّ قوة إلاّ بالله.
عن مغيرة، قال: كان لعمر بن عبد العزيز سمار يستشيرهم فيما يرفع إليه كم أمور النّاس، وكان علامة ما بينه وبينهم إذا أحبّ أن يقوموا قال: إذا شئتم. قال حنبل: رأيت أبا عبد الله أحمد فعل ذلك إذا أراد القيام قال: إذا شئتم.
وعن السّريّ بن يحيى: أن عمر بن عبد العزيز حمد الله، ثم خنقته العبرة، ثم قال: أيّها النّاس؛ أصلحوا آخرتكم تصلح لكم دنياكم، وأصلحوا سرائركم تصلح لكم علانيتكم؛ والله إن عبداً ليس بينه وبين آدم أب إلاّ قد مات إنه لمعرق له في الموت.
وعن عبد الله بن شوذب، قال: خطب عمر بن عبد العزيز، فقال: كم من عامر موثق عمّا قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرّحلة بأحسن ما يحضركم من النّقلة؛ بينا ابن آدم في الدّنيا ينافس فيها قرير العين قانعاً، إذ دعاه الله بقدره ورماه(19/109)
بيوم حتفه، فسلبه آثاره ودنياه، وصيّر لقوم آخرين مصانعه ومعناه، إن الدّنيا لاتسرّ بقدر ما تضرّ، تسرّ قليلاً وتحزن كثيراً.
حدّث ابن لسعيد بن العاص، قال: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز؛ حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس؛ أما بعد؛ فإنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدىً، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم؛ فخاب وخسر من خرج من رحمة الله، وحرم جنّة عرضها السّموات والأرض؛ ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلاّ من حذر اليوم وخافه، وباع نافذاً بباق وقليلاً بكثير وخوفاً بأمان؛ ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وستكون من بعدكم للباقين، كذلك حتى يردّ إلى خير الوارثين؛ ثم إنكم في كلّ يوم تشيّعون غادياً ورائحاً إلى الله عزّ وجلّ، قد قضى نحبه حتى تغيبّوه في صدع من الأرض، في بطن صدع، غير موسّد ولا ممهّد، قد فارق الأحباب وباشر التّراب وواجه الحساب، فهو مرتهن بعمله، غنيّ عمّا ترك، فقير إلى ما قدّم؛ فاتّقوا الله قبل انقضاء مراقبته ونزول الموت بكم؛ أما إني لأقول هذا وما أعلم أن عند أحد من الذّنوب أكثر ممّا عندي، فأستغفر ال ثم رفع طرف رداءه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.
قال سفيان الثّوريّ: لمّا قام عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل الشّام بكلمتين؛ من علم أن كلامه من عمله أقلّ منه إلاّ فيما ينفعه، ومن أكثر ذكر الموت اجتزأ من الدّنيا باليسير، والسّلام.
قال عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النّوم، فقال لي: ادن يا عمر ثم قال لي: ادن يا عمر ثم قال لي ادن يا عمر حتى كدت أن أصيبه، ثم قال لي: يا عمر، إذا وليت فاعمل في ولايتك نحواً من عمل هذين وإذا كهلان قد اكتنفاه، قلت: من هذان؟ قال: هذا أبو بكر وهذا عمر.(19/110)
عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: كان نقش خاتم أبي عمر بن عبد العزيز " لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له ".
قال حمّاد: لمّا استخلف عمر بن عبد العزيز بكى، فقال: يا أبا فلان، هل تخشى عليّ؟ فقال: كيف حبّك للدّرهم؟ قال: لا أحبّه. قال: لا تخف، فإن الله عزّ وجلّ سيعينك.
عن الوليد بن يسار الخزاعيّ، قال: لمّا استخلف عمر بن عبد العزيز قال للحاجب: أدن منّي قريشاً ووجوه النّاس؛ ثم قال لهم: إن فدك كانت بيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يضعها حيث أراه الله، ثم وليها أبو بكر ففعل مثل ذلك، ثم وليها عمر ففعل مثل ذلك قال الأصمعي: وخفي عليّ ما قال في عثمان ثم إن مروان أقطعها فوهبها لمن لا يرثه من بني بنيه، فكنت أحدهم، ثم ولي الوليد فوهب لي نصيبه، ثم ولي سليمان فوهب لي نصيبه، ثم لم يكن من مالي شيء أردّ عليّ منها؛ ألا وإني قد رددتها موضعها. قال: فانقطعت ظهور النّاس، ويئسوا من المظالم.
عن عبد الله بن المبارك، قال: قال عمر بن عبد العزيز لمزاحم وكان مزاحم مولاه، وكان فاضلاً قال: إن هؤلاء القوم يعني أهله أقطعوني ما لم يكن لي أن آخذه، ولا لهم أن يعطوني، وإني قد هممت بردّها على أربابها. قال: فقال مزاحم: فكيف تصنع بولدك؟ قال: فجرت دموعه على وجنتيه، قال: فجعل يمسحها بأصبعه الوسطى، ويقول: أكلهم إلى الله.
قال عبد الله: لتعرف أنه قد كان يجد بولده ما يجد القوم بأولادهم.
قال عبد الله: وكأن مزاحم مع فضله لم يقنع بقوله، فخرج مزاحم فدخل على(19/111)
عبد الملك بن عمر، فقال: إن أمير المؤمنين قد همّ بأمر لهو أضرّ عليك وعل ولد أبيك من كذا وكذا، إنه قد همّ بردّ السّهلة. قال عبد الله: وهي باليمامة، وهي أمرّ عظيمّ. قال وكان عيش ولده منها.
قال عبد الملك: فماذا قلت له؟ قال كذا وكذا. قال: بئس لعمر الله وزير الخليفة أنت. قال: ثم قام ليدخل على عمر، وقد تبوّأ مقيله. قال: فاستأذن. قال: فقال له البوّاب: إنه قد تبوّأ مقيلة. قال: ما منه بدّ. قال: سبحان الله، ألا ترحموه، إنما هي ساعته. قال: فسمع عمر صوته، فقال: أعبد الملك؟ قال: نعم ادخل. قال: فدخل. قال: ما جاء بك؟ قال: إن مزاحماً أخبرني بكذا وكذا. قال: فما رأيك؟ فإني أريد أن أقوم به العشّية. قال: أرى أن تعجّله فما يؤمنك أن يحدث بك حدث، أو يحدث بقلبك حدث؟ قال: فرفع يديه فقال: الحمد لله الذي جعل من ذرّيّتي من يعينني على ديني. قال: ثم قام من ساعته، فجمع النّاس، وأمر بردّها.
حدّث اللّيث، قال: فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز بدأ بلحمته وأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم وسمّى أموالهم مظالم، ففزعت بنو أميّة إلى فاطمة بنت مروان عمّته، فأرسلت إليه: إنه قد عنّاني أمر لا بدّ من لقائك فيه؛ فأتته ليلاً؛ فأنزلها عن دابّتها. فلمّا أخذت مجلسها قال: يا عمّة، أنت أولى بالكلام فتكلّمي لأن الحاجة لك. قالت: تكلّم يا أمير المؤمنين. قال: إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمةّ ولم يبعثه عذاباً إلى النّاس كافّةً، ثم اختار له ما عنده فقبضه الله وترك لهم نهراً شربهم سواء، ثم قام أبو بكر فترك النّهر على حاله، ثم ولي عمر فعمل علي أمر صاحبه، ثم لم يزل النّهر يشتقّ منه يزيد ومروان وعبد الملك وسليمان حتى أفضى الأمر إليّ، وقد يبس النّهر الأعظم، ولن يروي أصحاب النّهر الأعظم حتى يعود النّهر(19/112)
إلى ما كان عليه. فقالت: حسبك، قد أردت كلامك ومذاكرتك، فأمّا إذا كانت مقالتك هذه فلست بذاكرة لك شيئاً أبداً؛ فرجعت إليهم فأبلغتهم كلامه.
عن ميمون بن مهران، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز قال: لو أقمت فيكم خمسين عاماً ما استكملت العدل، وإني لأريد الأمر من أمر العامّة أن أعمل به فأخاف أن لا تحمله قلوبهم فأخرج معه طمعاً من طمع الدّنيا، فإن أنكرت قلوبهم هذا سكنت لهذا.
قيل لطاوس: أخبرنا عن عمر بن عبد العزيز أهو المهديّ؟ قال: إنه لمهديّ وليس به، إذا كان المهديّ تيب على المسيء من إساءته، وزيد المحسن في إحسانه، سمح بالمال، شديد على العمّال، رحيم بالمساكين.
قال عبّاد السمّاك: سمعت سفيان يقول: أئمة العدل خمسة، أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وعمر بن عبد العزيز.
وعن سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، قال: والله لكأنّ عمر بن عبد العزيز كان صعد إلى السّماء فنظر ثم نزل إلى الأرض.
قال طلحة أبو محمد: سمعت أشياخنا يذكرون، قالوا: واستخلف عمر بن عبد العزيز سنة تسع وتسعين، ومات سنة إحدى ومئة، وكان يكتب إلى عمّاله بثلاث خصال يدور فيهم؛ بإحياء سنّة أو إطفاء بدعة، أو قسم في مسكنة، أو ردّ مظلمة؛ وكان يكتب إليهم: إنّما هلك من كان قبلكم من الولاة أنهم كانوا يحبسون الخير حتى يشترى منهم، ويبذلون الشّرّ حتى يفتدى منهم.
عن عمر بن أسيد بن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب، قال: إنّما ولي عمر بن عبد العزيز سنتين ونصفاً، ثلاثين شهراً، لا والله ما مات عمر حتى(19/113)
جعل الرّجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون للفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيهم فلا يجده، فيرجع بماله؛ قد أغنى عمر بن عبد العزيز النّاس.
حدّث إبراهيم بن هشام بن يحيى، عن أبيه، عن جدّه، قال: كانت فاطمة بنت عبد الملك جارية تعجب عمر، فلمّا صار إلى ما صار إليه زيّنتها فاطمة وطيّبتها، وبعثت بها إلى عمر، وقالت: إني قد كنت أعلم أنها تعجبك، وقد وهبتها لك فتنال منها حاجتك؛ فلمّا دخلت عليه قال لها عمر: اجلسي يا جارية، فوالله ما شيء من الدّنيا كان أعجب إليّ منك أن أناله، حدّثيني بقصّتك، وما سببك؟ قالت: كنت جاريةً من البربر جنى أبي جناية فهرب من موسى بن نصير عامل عبد الملك على إفريقية، فأخذني موسى بن نصير، فبعثني إلى عبد الملك، فوهبني عبد الملك لفاطمة، فبعثت بي فاطمة إليك. فقال: كدنا والله نفتضح. فجهّزها وبعث بها إلى أهلها.
عن عطاء، قال: دخلت على فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، فقلت لها: يا بنت عبد الملك، أخبريني عن أمير المؤمنين. قالت: أفعل، ولو كان حيّاً ما فعلت.
إن عمر رحمه الله كان قد فرغ نفسه وبدنه للنّاس، كان يقعد لهم يومه، فإن أمسى وعليه بقيّة من حوائج يومه وصله بليلته، إلى أن أمسى مساءً وقد فرغ من حوائج يومه، فدعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله، ثم قام فصلّى ركعتين، ثم أقعى واضعاً رأسه على يده تسايل دموعه على خدّه، يشهق الشّهقة فأقول: قد خرجت نفسه، أو تصدّعت كبده؛ فلم يزل كذلك ليلته حتى برق له الصّبح، ثم أصبح صائماً. قالت: فدنوت منه فقلت: يا أمير المؤمنين، لشيء ما كان قبل اللّيلة مل كان منك؟ قال: أجل، فدعيني وشأني، وعليك بشأنك.(19/114)
قالت: قلت له: إني أرجو أن أتّعظ. قال: إذن أخبرك. قال: إني نظرت إليّ فوجدتني قد وليت هذه الأمّة صغيرها وكبيرها، وأسودها وأحمرها، ثم ذكرت الغريب الضّائع، والفقير المحتاج، والأسير المفقود، وأشباههم، في أقاصي البلاد وأطراف الأرض فعلمت أن الله سائلي عنهم، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجيجي فيهم، فخفت أن لا يثبت لي عند الله عذر ولا يقوم لي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجّة، فخفت على نفسي خوفاً دمع له عيني، ووجل له قلبي؛ فأنا كلّما ازددت لهذا ذكراً ازددت منه وجلاً، وقد أخبرتك فاتّعظي الآن أو دعي.
عن سليمان بن داود؛ أن عمر بن عبد العزيز قال لبنيه: أتحبّون أن أولّي كلّ رجل منكم جنداً، فينطلق تصلصل به جلاجل البريد؟ فقال له ابنه ابن الحارثيّة: لم تعرض علينا ما لست صانعه؟ فقال عمر: إني لأعلم أن بساطي هذا يصير إلى البلى، وإني لأكره أن تدنّسوه بخفافكم، فكيف أقلّدكم ديني تدنّسوه في كلّ جند؟! حدّث مالك: أن عمر بن عبد العزيز قام في النّاس وهو خليفة على المنبر يوم الجمعة، فقال: يا أيّها النّاس، إني أنساكم ها هنا وأذكركم في بلادكم، فمن أصابه مظلمة من عامله فلا آذن له عليّ، ومن لا فلا أرينّه؛ وإني والله لئن منعت نفسي وأهل بيتي هذا المال وضننت به عنكم إني إذاً لضنين؛ ولولا أن أنعش سنّةً أو أعمل بحقّ ما أحببت أن أعيش فواقاً.
قال ابن عائشة: كتب بعض عمّال عمر بن عبد العزيز إليه: أمّا بعد؛ فإن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نرمّها به. فوقّع في كتابه: أمّا بعد؛ فحصّنها بالعدل، ونقّ طرقها من الظّلم، فإنه مرمّتها، والسّلام.(19/115)
عن ضمرة، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله: أمّا بعد؛ فإذا دعتك قدرتك على النّاس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله تعالى عليك، ونفاد ما تأتي إليهم، وبقاء ما يأتون إليك.
عن الأوزاعيّ، قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رسالةً لم يحفظها غيري وغير مكحول: أمّا بعد؛ فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير، ومن عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما ينفعه. والسّلام. وعنه: أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أراد أن يعاقب رجلاً حبسه لثلاثة أيّام ثم عاقبه، كراهية أن يعجل في أول غضبه. وأسمعه رجل كلاماً، فقال له: أردت أن يستفزّني الشّيطان فأنال منك اليوم بما تناله أنت مني يوم القيامة! انصرف عنّي، عافاك الله ورحمك.
قال مالك بن دينار: يقولون: مالك زاهد؛ أيّ زهد عند مالك وله جبّة وكساء؟! إنّما الزّاهد عمر بن عبد العزيز، أتته الدّنيا فاغرة فاها فتركها.
عن مسلمة بن عبد الملك، قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه، فإذا عليه قميص وسخ؛ فقلت لامرأته فاطمة: اغسلوا قميص أمير المؤمنين. فقالت: نفعل ذاك إن شاء الله. ثم عدت فإذا القميص على حاله! فقلت: يا فاطمة، ألم آمركم أن تغسلوا قميص أمير المؤمنين؟ فقالت: والله، ما له قميص غيره!! عن عمرو بن مهاجر، قال: كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين.(19/116)
عن رجل من الأنصار، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن وهو بالعراق: أن أخرج للنّاس أعطيتاهم. فكتب إليه عبد الحميد: إني قد أخرجت للنّاس أعطيتاهم وقد بقي في بيت المال مال. قال: فكتب إليه: انظر كلّ من أدان من غير سفه ولا سرف فاقض عنه. فكتب إليه: إني قد قضيت عنهم وبقي في بيت مال المسلمين مال. قال: فكتب إليه: أن انظر كلّ بكر ليس له مال، فشاء أن تزوّجه فزوّجه واصدق عنه. فكتب إليه: إني قد زوّجت كلّ من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال. فكتب إليه بعد مخرج هذا: أن انظر من كانت عليه جزية، فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنّا لا نريدهم لعام ولا لعامين.
عن عمرو بن مهاجر: أن عمر بن عبد العزيز كان يسرج عليه الشّمعة ما كان في حوائج المسلمين، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأهم ثم أسرج عليه سراجه.
وعن رباح بن عبيدة، قال: أخرج مسك من الخزائن، فوضع بين يدي عمر بن عبد العزيز، فأمسك أنفه مخافة أن يجد ريحه. قال: فقال له: رجل من أصحابه: يا أمير المؤمنين، ما ضرّك إن وجدت ريحه؟ قال: وهل ينتفع من هذا إلا بريحه؟ قال الحكم بن عمر الرّعينيّ: شهدت عمر بن عبد العزيز، وجاءه صاحب الرّقيق فسأل أرزاقهم وكسوتهم وما يصلهم، فقال عمر: كم هم؟ قال: هم كذا وكذا ألفاً. فكتب إلى أمصار الشّام: أن ارفعوا إليّ كلّ أعمى في الدّيوان أو مقعد أو من به(19/117)
الفالج أو من به زمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصّلاة. فرفعوا إليه؛ فأمر لكل أعمى بقائد، وأمر لكل اثنين من الزّمنى بخادم. قال: وفضل من الرّقيق، فكتب: أن ارفعوا إليّ كلّ يتيم ومن لا أحد له ممّن قد جرى على والده الدّيون. فأمر لكل خمسة بخادم يتوزّعونه بينهم بالسّويّة. وكتب أن يفرّقوهم جنداً جنداً.
قال إسماعيل بن أبي حكيم: كان عمر بن عبد العزيز لا يدع النّظرة في المصحف كلّ يوم ولكن لا يكثر.
عن الحكم بن عمر، قال: شهدت عمر يقول لحرّاسه: إن بي عنكم لغنى؛ كفى بالقدر حاجزاً، وبالأجل حارساً، ولا أطرحكم من مراتبكم ليجري لكم سنّةً بعدي، من أقام منكم فله عشرة دنانير، ومن شاء فليلحق بأهله. قال: كان لعمر بن عبد العزيز ثلاثمئة شرطيّ وثلاثمئة حرسيّ.
عن عمرو بن مهاجر، قال: اشتهى عمر بن عبد العزيز تفّاحاً، فقال: لو كان عندنا شيء من تفّاح؛ فإنه طيّب الرّيح، طيّب الطّعم. فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفّاحاً؛ فلّما جاء به الرّسول قال عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه؛ ارفعه يا غلام، وأقر فلاناً السّلام، وقل له: إن هدّيتك قد وقعت عندنا بحيث تحبّ. قال عمرو بن مهاجر: فقلت: يا أمير المؤمنين، ابن عمّك ورجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل الهدّية ولا يأكل الصدّقة. فقال: ويحك، إن الهدّية كانت للنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديةً وهي اليوم لنا رشوة: عن ضمرة، قال: قال عمر بن عبد العزيز لبعض ولد الحسين بن عليّ بن أبي طالب: لا تقف على بابي ساعةً واحدةً إلاّ ساعةً تعلم أني جالس فيؤذن لك عليّ من ساعتك، فإني أستحي من الله أن يقف على بابي رجل من أهل بيت النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يؤذن له عليّ من ساعته.(19/118)
حدّث جسر القصّاب، قال: كنت أجلب الغنم في خلافة عمر بن عبد العزيز، فمررت براع وفي غنمه نحوّ من ثلاثين ذ ئبا، فحسبتها كلاباً، ولم أكن رأيت ذئاب قبل ذ لك، فقلت: يا راعي، ما ترجو بهذه الكلاب كلّها، فقال: يا بنيّ إنّها ليست كلاباً، إنّما هذه ذئاب! فقلت: سبحان الله، ذئب في غنم لا يضرّها! فقال: يابنيّ إذا صلح الرّأس فليس على الجسد بأس. وكان ذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز.
وعن موسى بن أعين الرّاعي وكان يرعى الغنم لمحمد بن أبي عيينة: قال: كانت الغنم والأسد والوحش ترعى في خلافة عمر بن عبد العزيز في موضع واحد، فعرض لشاة منها ذئب. قال: فقلت: إناّ لله، ما أرى الرّجل الصّالح إلاّ وقد هلك. قال: فحسبنا فوجدناه قد هلك في تلك اللّيلة. رواه غيره عن حمّاد، فقال: كنّا نرعى الشاء بكرمان.
عن ميمون بن مهران: أن عمر بن عبد العزيز أتي بسلق وأقراص، فأكل ثم أضطجع على فراشه وغطّى وجهه بطرف ردائه وجعل يبكي ويقول: عبد بطيء بطين، يتباطأ ويتمنّى على الله منازل الصّالحين
وعن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: قال لي رجاء بن حيوة: ما أكمل مروءة أبيك؛ سمرت عنده ذات ليلة، فعشيّ السّراج، فقال لي: ما ترى، السّراج قد عشي؟ قلت: بلى قال: وإلى جانبه وصيف راقد قال: قلت: ألا أنبّهه؟ قال: لا، دعه يرقد، قال: قلت: ألا أقوم أنا؟ قال: لا، ليس من مروءة الرّجل استخدام ضيفه. قال: فوضع رداءه ثم قام إلى بطّة زيت(19/119)
معلّقة، فأخذها فأصلح السّراج، ثم ردّها في موضعها، ثم رجع؛ قال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.
وعن ميمون بن مهران، قال: كنت في سمر عمر بن عبد العزيز ذات ليلة، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما بقاؤك على ما أرى، أنت بالنّهار مشغول في حوائج النّاس، وباللّيل أنت معنا ها هنا، ثم الله أعلم بما تخلو به؟ قال: فعدل عن جوابي، ثم قال: إليك عنّي يا ميمون، فإني وجدت لقى الرّجال تلقيح لألبابهم.
وعنه، قال: كنت باللّيل في سمر عمر بن عبد العزيز، فوعظ، ففطن لرجل قد أخذ بدمعته. قال: فسكت. فقلت: يا أمير المؤمنين عد لمنطقك لعلّ الله ينفع بك من سمعه ومن بلغه. فقال: يا ميمون، إن للكلام فتنةً، وإن الفعال أولى بالمؤمن من القول.
عن عليّ بن الحسن، قال: كان لعمر بن عبد العزيز صديق، فأخبر أنه قد مات، فجاء إلى أهله يعزّيهم، فصرخوا في وجهه! فقال لهم عمر: مه، إن صاحبكم هذا لم يكن يرزقكم، وإن الذي يرزقكم حيّ لا يموت؛ إن صاحبكم هذا لم يسّد شيئاً من حفركم وإنّما سدّ حفرة نفسه، لكلّ امرئ منكم حفرةً لا بدّ والله أن يسدّها؛ إن الله جلّ ثناؤه لّما خلق الدّنيا حكم عليها بالخراب وعلى أهلها بالفناء، وما امتلأت دار حبرةً إلاّ امتلأت عبرةً، ولا اجتمعوا إلاّ تفرّقوا حتى يكون الله هو الذي يرث الأرض ومن عليها؛ فمن كان منكم باكياً فليبك على نفسه، فإن الذي صار إليه صاحبكم كلّكم يصير إليه غداً.
عن عبد الله بن المبارك: أن عمر بن عبد العزيز عزّي على ابنه عبد الملك، فقال: إن الموت أمر قد كنّا(19/120)
وطّنّا أنفسنا عليه فلّما وقع لم نستنكره.
وعن عبد الله بن نافع، قال: ماتت أخت لعمر بن عبد العزيز. قال: فشهدها النّاس، فانصرفوا معه إلى منزله؛ فلّما صار إلى بابه أخذ بحلقة الباب ثم قال: انصرفوا أيّها النّاس مأجورين، أدّى الله الحقّ عنكم؛ فإنا أهل بيت لا نعزّى في أحد من النّساء إلاّ في اثنتين: أمّ لواجب حقّها، وما فرض الله من برّها؛ وامرأة للطف موضعها، وأنه لا يحلّ محلّها أحد.
قال عمر بن عبد العزيز لرجل من جلسائه: يا أبا فلان، لقد أرقت اللّيلة مفكراً. قال: فيم يا أمير المؤمنين؟ قال: في القبر وساكنه؛ إنك لو رأيت الميت بعد ثالثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتاً تجول فيه الهوام، ويجري فيه الصّديد، ويخترقه الدّيدان، مع تغيّر الرّيح وبلى الأكفان؛ بعد حسن الهيئة وطيب الرّيح ونقاء الثّوب. قال: ثم شهق شهقةً خرّ مغشياً عليه.
عن المغيرة بن حكيم، قال: قالت لي فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز: يا مغيرة، إنه يكون في النّاس من هو أكثر صلاةً وصياماً من عمر، وما رأيت أحداً قطّ أشدّ فرقاً من ربّه من عمر؛ كان إذا صلّى العشاء قعد في مسجده ثم رفع يديه فلم يزل يبكي حتى تغلبه عينه، ثم ينتبه فلا يزال رافعاً يديه يبكي تغلبه عينه.
عن وهيب بن الورد، قال: بلغنا أن عمر بن عبد العزيز لّما توفي جاء الفقهاء إلى امرأته يعزّونها به، فقالوا لها: جئناك لنعزّيك بعمر، فقد عمّت مصيبته الأمة، فأخبرينا يرحمك الله عن عمر، كيف كانت حاله في بيته فإن أعلم النّاس بالرّجل أهله. فقالت: والله ما كان عمر بأكثركم صلاةً ولا صياماً، ولكني والله ما رأيت عبداً لله(19/121)
قطّ كان أشدّ خوفاً من عمر؛ والله إن كان ليكون في المكان الذي إليه ينتهي سرور الرّجل بأهله بيني وبينه لحاف فيخطر على قلبه الشيء من أمر الله فينتفض كما ينتفض طائر وقع في الماء، ثم يرتفع بكاءه، حتى أقول: والله لتخرجنّ نفسه التي بين جنبيه؛ فأطرح اللّحاف عني وعنه رحمةً له وأنا أقول: يا ليتنا كان بيننا وبين هذه الإمارة بعد المشرقين؛ فوالله ما رأينا سروراً منذ دخلنا فيها.
قال عليّ بن زيد: ما رأيت رجلين كأن النّار لم تخلق إلاّ لهما مثل الحسن وعمر بن عبد العزيز.
قال أبو حاتم: لمّا مرض عمر بن عبد العزيز جيء بطبيب إليه، فقال: به داء ليس له دواء؛ غلب الخوف على قلبه.
قال المبّرد: كان عمر بن عبد العزيز كثيراً ما يتمثل: من البسيط
فما تزوّد ممّا كان يجمعه ... سوى حنوط غداة البين في خرق
وغير نفجة أعواد تشبّ له ... وقلّ ذلك من زاد لمنطلق
بأيّ ما بلد كانت منيّته ... إلاّ يسر طائعاً في قصدها يسق
قال عليّ بن الحسن: كان عمر بن عبد العزيز في جنازة، فنظر إلى قوم في الجنازة قد تلثّموا من الغبار وعدلوا من الشّمس إلى الظّلّ، فنظر في وجوههم وبكى، وقال: من البسيط
من كان حين تصيب الشّمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشّين والشّعثا
ويألف الظلّ كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوماً راغماً جدثاً
في قعر مظلمة غبراء موحشة ... يطيل في قعرها تحت الثّرى لبثا
وفي رواية: من أصحّ ما روي لعمر بن عبد العزيز من الشعر هذه الأبيات فذكر البيتين الأولين وقال:(19/122)
في ظلّ مقفرة غبراء مظلمة ... يطيل تحت الثّرى في عنقها اللّبثا
تجهّزي بجهاز تبلغين به ... يا نفس قبل الرّدى، لم تخلقي عبثا
أنشد حرميّ بن الهيثم لعمر بن عبد العزيز: من الطويل
ولا خير في عيش امرئ لم يكن له ... مع الله في دار القرار نصيب
فإن تعجب الدّنيا أناساً فإنّها ... متاع قليل والزّوال قريب
قال ابن المبارك: كان عمر بن عبد العزيز يقول: من الطويل
تسرّ بما يبلى وتفرح بالمنى ... كما اغترّ باللّذات في النّوم حالم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والرّدى لك لازم
وسعيك فيما سوف تكره غبّه ... كذلك في الدّنيا تعيش البهائم
وزاد في رواية:
أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم ... وكيف يطيق النّوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لخرّقت ... مدامع عينيك الدّموع السّواجم
قال وهيب بن الورد العابد: كان عمر بن عبد العزيز كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات: من الطويل
يرى مستكيناً وهو للهو ماقت ... به عن حديث القوم ما هو شاغله
وأزعجه علم عن الجهل كلّه ... وما عالم شيئاً كمن هو جاهله
عبوس عن الجهّال حين يراهم ... فليس له منهم خدين يهازله
تذكّر ما يبقى من العيش آجلاً ... فأشغله عن عاجل العيش آجله
أنشد أبو يزيد المؤدّب لعمر بن عبد العزيز: من الوافر
وغرّة مرّة من فعل غرّ ... وغرّة مرّتين فعال موق(19/123)
وحسن الظّنّ عجز في أمور ... وسوء الظّنّ يأمر بالوثيق
إذا لم تتّق الضّحضاح زلّت ... ولا تأيس من الأمر السّحيق
فإن القرب يبعد بعد قرب ... ويدنو البعد بالقدر المسوق
قال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه: من الكامل
إني لأمنح من يواصلني ... منّي صفاء ليس بالمذق
فإذا أخ لك حال عن خلق ... داويت منه ذاك بالرّفق
والمرء يصنع نفسه ومتى ... ما تبله ينزع إلى العرق
حدّث الزّبير بن بكار، عن عمّه، قال: أدركت النّاس بالمدينة وهم يعزون لحناً ينسبونه إلى عمر بن عبد العزيز، ويغنّون لحناً ينسبونه إليه: من الطويل
كأن قد شهدت النّاس يوم تقسّمت ... خلائقهم فاخترت منهنّ أربعا
إعارة سمع كلّ مغتاب صاحب ... وتأبى لعيب النّاس إلاّ تتبّعا
وأعجب من هذين أنك تدّعي الس ... سلامة من عيب الخليقة أجمعا
وأنك لو حاولت فعل إساءة ... وكوفيت إحساناً جحدتهما معا
قال أرطاة: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو جعلت على طعامك أميناً لا تغتال، وحرساً إذا صلّيت لا تغتال، وتنحّ عن الطّاعون. قال: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يوماً دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي.
عن مجاهد، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: يا مجاهد، ما يقول النّاس فيّ؟ قلت: يقولون: مسحور. قال: ما أنا بمسحور؛ ثم دعا غلاماً له، فقال له: ويحك، ما حملك على أن(19/124)
تسقيني السّمّ؟ قال: ألف دينار أعطيتها، وعلى أن أعتق. قال: ها تها. فجاء بها، فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيث لا يراك أحد.
حدّث اللّيث بن سعد: أنه بلغه أن مسلمة بن عبد الملك لمّا رأى عمر بن عبد العزيز اشتدّ وجعه، وظنّ أنه ميّت، قال: يا أمير المؤمنين، إنك قد تركت بنيك عالةً لاشيء لهم، ولابدّ لهم ممّا لابدّ لهم منه، فلو أوصيت بهم إليّ وإلى ضربائي من قومك فكفوك مؤونتهم. فقال: أجلسوني؛ فأجلسوه؛ فقال: أمّا ما ذكرت من فاقة ولدي وحاجتهم، فوالله ما منعتهم حقاً هو لهم، وما كنت لأعطيهم حقّ غيرهم، وأمّا ما ذكرت من استخلافك ونظرائك عليهم لتكفوني مؤونتهم فإن خليفتي عليهم الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين؛ ادعهم لي. قال: فدعوتهم وهم اثنا عشر، فاغرورقت عيناه، فقال: بأبي فتيةً تركتهم عالةً، وإنّما هم أحد رجلين: إمّا رجل يتّقي الله ويراقبه فسيرزقه الله؛ وإمّا رجل وقع في غير ذلك فلست أحب أن أكون قوّيته على خلاف أمر الله؛ وقد تركتكم بخير لن تلقوا أحداً من المسلمين ولا أهل الذّمّة إلاّ سيرى لكم حقاً. انصرفوا، عصمكم الله وأحسن الخلافة عليكم.
عن محمد بن قيس، صاحب عمر بن عبد العزيز، قال: اشتكى عمر بن عبد العزيز حضرة هلال رجب سنة إحدى ومئة، فكانت شكايته عشرين يوماً، فأرسل إلى نصرانيّ يساومه بموضع قبره: فقال له النّصرانيّ: والله يا أمير المؤمنين إني لأتبرّك بقربك وبجوارك، فقد حلّلتك. فأبى ذلك عليه إلاّ أن يبيعه. فباعه إيّاه بثلاثين ديناراً، ثم دعا بالدّنانير فوضعها في يده.
حدّث المغيرة بن حكيم، قال: قالت لي فاطمة بنة عبد الملك: كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول:(19/125)
اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة من نهار. قالت: فقلت له يوماً: يا أمير المؤمنين، ألاّ أخرج عنك عسى أن تغفو شيئاً فإنك لم تنم. قالت: فخرجت عنه إلى بيت غير البيت الذي هو فيه. قالت: فجعلت أسمعه يقول: " تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين " مراراً، ثم أطرق، فلبث طويلاً لا يسمع له حسّ. فقلت لوصيف له كان يخدمه: ويحك، انظر. فلمّا دخل صاح. قالت: فدخلت عليه فوجدته ميتاً قد أقبل بوجهه على القبلة، ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينيه.
عن عبيدة بن حسّان، قال: لمّا احتضر عمر بن عبد العزيز قال: اخرجوا عنّي فلا يبقى عندي أحد. قال: وكان عنده مسلمة بن عبد الملك. قال: فخرجوا، فقعد على الباب هو وفاطمة. قال: فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه إنس ولا جان. قال: ثم قال: " تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين ". قال: ثم هدأ الصّوت، فقال مسلمة لفاطمة: قد قبض صاحبك. فدخلوا فوجدوه قد قبض وغمض وسوّي.
عن رجاء بن حيوة، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز في مرضه: كن في من يغسلني ويكفّنني ويدخل قبري، فإذا وضعتموني في لحدي فحلّ العقدة، ثن انظر إلى وجهي؛ فإني قد دفنت ثلاثةً من الخلفاء كلّهم إذا أنا وضعته في لحده حللت العقدة ثم نظرت إلى وجهه فإذا هو مسواد في غير القبلة. قال رجاء: فكنت فيمن غسل عمر وكفنه ودخل في قبره، فلمّا حللت العقدة نظرت إلى وجهه فإذا وجهه كالقراطيس في القبلة.(19/126)
عن عبد العزيز بن أبي سلمة؛ أن عمر بن عبد العزيز لّما وضع عند قبره هبّت ريح فاشتدت، ثم هبّت حتى سقط منها صحيفة من أحسن كتاب، فقرؤوها فإذا فيها: بسم الله الرّحمن الرحيم، براءة من الله عزّ وجلّ لعمر بن عبد العزيز من النّار. فأدخلوها بين أكفان عمر ودفنوها معه.
عن هشام، قال: لّما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن: مات خير النّاس.
قال ابن وهب: سمعت مالكاً يحدّث أن صالح بن عليّ حين قدم الشّام سأل عن قبر عمر بن عبد العزيز، فلم يجد أحداً يخبره حتى دلّ على راهب، فأتى فسأل عنه، فقال: قبر الصّدّيق تريدون؟ هو في تلك المزرعة.
قال جرير حين مات عمر بن عبد العزيز: من البسيط
ينعى النّعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا
حملت أمراً عظيماً فاضطلعت به ... وسرت فيه بأمر الله يا عمرا
الشّمس كاسفة ليست بطالعة ... تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا
قال إسماعيل بن علي الخطبيّ: خلافة أبي حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، وأمّه أمّ عاصم بنة عاصم بن عمر بن الخطاب: واستخلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله بدابق يوم الجمعة لعشر ليل خلون من صفر سنة تسع وتسعين، وكان استخلافه بعهد من سليمان بن عبد الملك إليه قبل وفاته، في مرضه الذي مات فيه. وقال ابن إسحاق: وتوفي في ستة أيام بقيت من رجب سنة إحدى ومئة بدير سمعان من أرض حمص على رأس سنتين وخمسة أشهر وأربعة عشر يوماً من متوفّى سليمان.(19/127)
عمر بن عبد الكريم بن حفص
ابن عمر أبو بكر الفزاريّ الشّاهد روى عن أبي علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك، بسنده إلى عمرو بن الأسود: أن معاذاً لمّا بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن، قال: أوصني بكلمة أعيش بها، قال: لا تشرك بالله شيئاً. قال: زدني. قال: حسن الخلق. قال: زدني. قال: " إذا عملت عشر سيئات فاعمل حسنةً تحذرهنّ بها ". فقال: رجل من الأنصار: أو من الحسنات أن أقول: لا إله إلاّ الله؟ قال: نعم: أحسن الحسنات؛ إنها تكتب عشر حسنات، وتمحو عشر سيّئات.
وعنه، بسنده إلى جابر بن عبد الله: أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من شاب في الإسلام شيبةً كانت له حسنة، ومن شاب في الإسلام شيبةً كانت له نوراً يوم القيامة ".
وعنه، بسنده إلى أبي هريرة؛ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لكلّ أمّة مجوس، وإن هؤلاء القدريّة مجوس أمتّي؛ فإن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشهدوا ولا تصلّوا عليهم.
عمر بن عبد الكريم بن سعدويه
أبو الفتيان، ويقال: أبو حفص، بن أبي الحسن الرّوّاسيّ الدّهستانيّ الحافظ جاب الآفاق، وسمع فأكثر، وكتب فأكثر؛ وقدم دمشق فسمع بها، وحدّث بدمشق وصور، ثم رجع إلى بلده، وحدّث بخراسان، واستقدمه أبو بكر محمد بن منصور السّمعاني(19/128)
إلى مرو فأدركه أجله بسرخس قبل وصوله إلى مرو.
روى عن محمد بن علي بن الحسن بن حمدون، بسنده إلى أبي هريرة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً، فلمّا أتى عليه قال له الملك: فأين تريد؟ قال: أزور أخاً لي في هذه القرية. قال: فهل له عليك من نعمة تربّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن الله أحبّك كما أحببته.
وعن أبي الحسن محمد بن المظفّر بن معاذ الدّاودي ببوشنج، بسنده إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: من لم يقرّ بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربّه يستتاب، فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه.
قال ابن ماكولا: أبو الفتيان عمر بن أبي الحسن عبد الكريم بن ممّت الدّهستانيّ، ورد بغداد وكتب الكثير، وسافر إلى الشام، وكتبت عنه وكتب عني شيئاً صالحاً، ووجدته ذكيّاً يصلح إن تشاغل.
قال عبد الغافر في تذييله تاريخ نيسابور: وأبو الفتيان رجل فاضل مشهور من أصحاب الحديث، عارف بالطّرق، كتب الكثير، وطاف في بلاد الإسلام شرقاً وغرباً، وجمع الأبواب وصنّف، ودخل نيسابور مراراً، وسمع الحديث، وكان سريع الكتابة، كثير التّحصيل، وكان على سيرة السّلف متقلّلاً معيلاً؛ وخرج من نيسابور إلى طوس، وأنزله الإمام أبو حامد الغزاليّ عنده(19/129)
وأكرمه، وقرأ عليه الصّحيح ثم شرحه، فخرج إلى سرخس قاصداً إلى مرو فتوفي بسرخس رحمه الله في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسمئة.
عمر بن عبد الملك بن مروان
ابن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس القرشيّ الأمويّ استخلفه عبد الملك بن محمد بن الحجّاج بن يوسف، أمير دمشق للوليد بن يزيد، على إمرة دمشق ليالي خرج يزيد بن الوليد.
عن علي بن أبي حملة وابن شوذب، قالا: كتب عمر بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز كتاباً يغلظ فيه له، فكتب إليه عمر: إن أظلم منّي وأجور من ولّى عبد ثقيف العراق فحكم في دمائهم وأموالهم؛ إن أظلم منّي وأجور وأترك لعهد الله من ولّى قرّة مصر جلفاً جافياً؛ إن أظلم منّي وأجور وأترك لعهد الله من ولّى عثمان بن حيّان الحجاز، ينشد الأشعار على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإنّما أمّك كانت تختلف إلى حوانيت حمص فاشتراها دينار بن دينار فبعث بها إلى أبيك فحملت، فبئس الجنين وبئس المولود، ثم وضعتك جبّاراً شقياً؛ لقد هممت أن أبعث إليك من يحلق جمّتك، فبئس الجّمة.
قال المصنّف: كذا في الأصل، وأظنّ الذي كتب إلى عمر بن عبد العزيز، عمر بن الوليد بن عبد الملك.(19/130)
عمر بن عبد الواحد بن قيس
أبو حفص السّلميّ قرأ القرآن بحرف ابن عامر.
روى عن الأوزاعيّ، عن الزّهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: أقبلت بمئة دينار أريد صرفها، فلقيت عمر بن الخطّاب ومعه طلحة بن عبيد الله، فقال: ما هذه؟ فأخبرته. فقال: قد أخذتها إلى أن يأتي غلامي من الغابة. فقال عمر: والله لا تفارقه حتى تعطيه صرفها، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الذّهب بالورق رباً إلاّ هاء وهاء، والحنطة بالحنطة رباً إلاّ هاء وهاء، والشّعير بالشّعير رباً إلاّ هاء وهاء، والتّمر بالتّمر رباً إلاّ هاء وهاء ".
وعن يحيى بن الحارث الذّماريّ، عن أبي الأشعث الصّنعانيّ، عن أوس بن أوس، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من غسل واغتسل، ثم ابتكر وغدا، ثم دنا من الإمام، وأنصت ولم يلغ كان له بكلّ خطوة يخطوها كأجر سنة صيامها وقيامها.
قال ابن سعد: وكان ثقة.
قال عبد الرّحمن بن إبراهيم: صدقة بن خالد، وشعيب بن إسحاق، وعمر بن عبد الواحد، مولدهم سنة ثمان عشر ومئة.(19/131)
قال مروان بن محمد: نظرنا في كتاب أصحاب الأوزاعيّ فما رأيت أحداً أصحّ حديثاً عن الأوزاعيّ من عمر بن عبد الواحد.
قال العجليّ: دمشقيّ ثقة. قال ابن مصفّى: مات عمر بن عبد الواحد سنة مئتين وهو ابن نيّف وثمانين وقيل: إحدى وثمانين.
عمر بن عبيد الله بن خراسان
أبو حفص أظنّه أطرابلسيّاً.
حدّث عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت البزّاز، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكلّ شيء حصاد، وحصاد أمّتي ما بين السّتين إلى السّبعين.
عمر بن عبيد الله بن معمر
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب أبو حفص القرشيّ التّيميّ أحد وجوه قريش وكرمائها؛ كان جواداً ممدّحاً؛ وولي فتوحاً كثيرة، وولي البصرة لعبد الله بن الزّبير.(19/132)
قدم دمشق وافداً على عبد الملك بن مروان، ومات بها.
حدّث عن موسى بن حكيم، قال: كتب ابن عامر إلى عثمان بن عفّان كتباً، فقدمت عليه وقد نزل به أولئك، فعمدت إلى الكتب فخيّطتها في ثيابي، ثم لبست لباس المرأة؛ فلم أزل حتى دخلت عليه، فجلست بين يديه، فجعلت أفتق ثيابي وهو ينظر، فدفعتها إليه، فقرأها، ثم أشرف على المسجد فإذا طلحة جالس في المسجد، فقال: يا طلحة. قال: يا لبيّك. قال: نشدتك بالله عزّ وجلّ، هل تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يشتري قطعة فيزيدها في المسجد وله بها كذا وكذا " فاشتريتها من مالي؟ فقال طلحة: اللهم نعم. فقال: أنتم فيه آمنون وأنا خائف!. ثم قال: يا طلحة. قال: لبيّك. قال: نشدتك بالله عزّ وجلّ هل تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يشتري رومة يعني بئراً فيجعلها للمسلمين فله بها كذا وكذا " فاشتريتها من مالي؟ قال طلحة: اللهم نعم. فقال: يا طلحة. قال لبّيك. قال نشدتك بالله، هل تعلمني أنفقت في جيش العسرة على مئة؟ قال طلحة: اللهم نعم. ثم قال طلحة: اللهم لا أعلم عثمان إلاّ مظلوماً.
قال عون الأزديّ: كان عمر بن عبيد الله بن معمر أميراً على فارس، فكتب إلى ابن عمر يسأله عن الصّلاة؛ فكتب إليه ابن عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا خرج من أهله صلّى ركعتين حتى يرجع إليهم.
قال الزّبير بن بكار: وولد عبيد الله بن معمر بن عثمان، عمر بن عبيد الله الجواد الذي قتل أبا فديك، وكان يقاوم قطريّ بن الفجاءة، وكان يلي الولايات العظام، وشهد مع عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب فتوح كابل شاه، وهو صاحب الثّغرة بات يقاتل عنها حتى أصبح.(19/133)
حدّث أبو الغرّاف، قال: لّما توجّه عمر بن عبيد الله إلى أبي فديك الشّاري امتدحه العجّاج فقال من الرجز
قد جبر الدّين الإله فجبر ... وعوّر الرّحمن من ولّى العور
يعني أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد. وذاك أنه توجّه إلى أبي فديك فهزمه، فكتب في ذلك إلى عبد الملك بن مروان، فقال عبد الملك لعمر: أرأيتك لو كان بين عينيّ وتد أكنت تنزعه؟ قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين. قال: فهذا أبو فديك وتد بين عينيّ. فقال: أعفني يا أمير المؤمنين. فلّما أبى عليه قال: ارفع إلينا ما جرى على يديك من خراج فارس. فأقرّ له بالخروج، فتلقاّه العجّاج وهو متوجّه إلى أبي فديك، فأنشده، فلّما قال:
هذا أوان الجدّ إذ جدّ عمر ... وصرّح ابن معمر لمن ذمر
قال عمر: لا قوّة إلاّ بالله. فلّما قال العجّاج:
لا قدح إن لم تور ناراً بهجر ... ذات سناً يوقدها من افتخر
قال عمر: توكلت على الله، ولن أدع جهداً. فلّما قال: شهادة فيها طهور من طهر فكان عمر تطيّر من ذلك، ثم قال: ما شاء الله.
عن ابن عائشة، عن أبيه، قال: كان لرجل من قيس عيلان جارية وكان بها معجباً ولها مكرماً، فأصابته حاجة وجهد، فقالت له: لو بعتني، فإن نلت طائلاً عدت به عليك. فعرض الرجل لعمر بن عبيد الله بن معمر التّيميّ القرشيّ ليبيعها إيّاه،(19/134)
فأعجبته، فأخذها بمئة ألف درهم، فلّما نهضت لتدخل أنشأت تقول: من الطويل
هنيئاً لك المال الذي قد أصبته ... ولم يبق في كفيّ إلاّ نفكّري
أقول لنفسي وهي في كرب عيشة: ... أقلّي فقد بان الحبيب أم اكثري
إذا لم يكن للأمر عندك حيلةً ... ولم تجدي بدّاً من الصّبر فاصبري
فأجابها مولاها:
ولولا قعود الدّهر بي عنك لم يكن ... يفرّقنا شيء سوى الموت فاعذرني
أؤوب بحزن من فراقك موجع ... أنا جي به قلباً طويل التّفكّر
عليك سلام لا زيادة بيننا ... ولا وصل إلاّ أن يشاء ابن معمر
قال اين معمر: خذ بيدها، فهي لك وثمنها. مات سنة اثنتين وثمانين.
عمر بن عطاء بن وهب الرّعينيّ
حكى عن مروان بن محمد الطّاطري، قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: ما رأيت مؤذناً قطّ إلاّ معتوهاً، وقد كان لنا شيخ يؤذن على باب الفراديس، لا يؤذن المؤذنون حتى يؤذن هو لمعرفته بالوقت، فأذن المغرب في يوم غيم ثم انقشع يعني الغيم؛ ثم مرّ بسعيد بن عبد العزيز، فقال: كيف يا أبا محمد؟ قال: فقال لنا سعيد: هذا من ذاك.(19/135)
عمر بن عكرمة بن أبي جهل
عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزوميّ أدرك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد اليرموك في خلافة عمر، واستشهد به، وقيل: يوم أجنادين.
عن عبادة وخالد، قالا: أتي خالد بعدما أصبحوا بعكرمة جريحاً فوضع رأسه على فخذه، وبعمر بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه، وجعل يمسح عن وجوههم ويقطّر في حلوقهم الماء، ويقول: كلاّ، زعم ابن الحنتمة أنّا لا نستشهد؟.
وقالا: وكان ممّن أصيب في الثلاثة آلاف الذين أصيبوا يوم اليرموك عكرمة وعمر بن عكرمة، وذكروا جماعة.
عمر بن عليّ بن أحمد أبو حفص الزّنجانيّ الفقيه قدم دمشق وسمع بها
روى عن القاضي أبي جعفر أحمد بن محمد السّمناني، بسنده إلى أبي يوسف، قال: سمعت أبا حنيفة يقول: إذا كلّمت القدريّ فإنّما هو حرّ، فإمّا أن يسكت وإمّا أن(19/136)
يكفر، تقول له: هل علم الله سبحانه في سابق علمه أن هذه الأشياء تكون على ما هي عليه أم لا؟ فإن؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ قال: لا، فقد كفر، وإن قال: نعم، قيل له: أفأراد أن تكون على ما هي؟؟؟؟؟؟ عليه أو على خلاف ما هي عليه؟ فإن قال: أراد أن تكون على ما هي عليه؛ فقد أقرّ بأنه أراد من المؤمن الإيمان ومن الكافر الكفر؛ وإن قال: أراد أن تكون على خلاف ما هي عليه؛ فقد جعل ربّه متمنّيناً متحسّراً، لأن من أراد أن لا يكون فكان، أو أراد يكون فلم يكن فهو متمنّ متحسّراً؛ ومن وصف ربّه بذلك فقد كفر.
قال ابن ما كولا: قرئ عليه بصور، وصنّف كتاباً سماه " المعتمد "، وذكر لنا الشريف يعني أبا حسن الهاشمي أنه يدّعى أكثر ممّا هو، وكان يخطئ في كثير ممّا يسأل عنه. توفي سنة تسع وخمسين وأربعمئة، في ليلة الثلاثاء، ودفن يوم جمادى الأولى.
عمر بن عليّ بن الحسن
ابن محمد بن إبراهيم بن عبيد بن زهير بن مطيع بن جرير بن عطيّة ابن جابر بن عوف بن دينار بن مرثد بن عمرو بن عمير بن عمران بن عتيك بن النّضر ابن الأزد بن نبت بن مالك بن كهلان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ابن نوح أبو حفص العتكيّ الأنطاكيّ الخطيب صاحب كتاب " المقبول ". قدم دمشق طالب علم سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة، وقدم أيضاً مستنفراً لأهل أنطاكية سنة سبع وخمسين وثلاثمئة، وحدّث بها وبحمص.(19/137)
روى عن أبي الطهر الحسن بن أحمد بن فيل، بسنده إلى رمثة، قال: أتيت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي، فرأى التي في ظهره فقال له: دعني أعالج هذه فإني طبيب. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت رفيق، والله الطّبيب؛ من هذا معك؟ " قال: ابني. قال: " أما لا يجني عليك ولا تجنى عليه ". قال سفيان: " كلّ نفس بما كسبت رهينة ".
عمر بن عليّ بن سليمان
أبو حفص الدّينوريّ روى عن محمد بن عبد العزيز، أبي جعفر الدّينوريّ، بسنده إلى بسرة بنت صفوان: أن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مسّ فرجه فليتوضأ ".
عمر بن عليّ بن أبي طالب
ابن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ الهاشميّ العلويّ يعدّ في أهل المدينة. ووفد على الوليد بن عبد الملك يسأله أن يوليّه صدقة أبيه عليّ. روى عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً كافأته يوم القيامة ". وعنه، قال: نزلت هذه الآية على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته " إنّما وليكم الله ورسوله "(19/138)
فخرج فدخل المسجد والنّاس يصلّون بين راكع وقائم، إذا سائل؛ فقال: " يا سائل أعطاك أحد شيئاً؟ " قال: لا، إلاّ الرّاكع لعليّ عليه السّلام أعطاني خاتمه.
وعن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الرّجل الفقيه، إن احتيج إليه انتفع به، وإن استغني عنه أغنى نفسه ".
قال خليفة بن خيّاط: عمر بن أبي طالب، أمّه الصّهباء ببنت عبّاد، من بني تغلب، سباها خالد بن الوليد في الرّدّة؛ توفي سنة سبع وستين، قتل مع مصعب أيّام المختار.
حدّث المصعب بن عبد الله، قال: كان عمر آخر عليّ بن أبي طالب، وقدم مع أبان بن عثمان على الوليد بن عبد الملك يسأله أن يولّيه صدقة أبيه عليّ بن أبي طالب وكان يليها يومئذ ابن أخيه الحسن بن الحسن بن عليّ فعرض عليه الوليد الصّلة وقضاء الدّين، فقال: لا حاجة لي في ذلك، إنّما جئت في صدقة أبي، أنا أولى بها، فاكتب لي ولايتها. فكتب له الوليد وقعةً فيها أبيات ربيع بن أبي الحقيق اليهوديّ النّضريّ: من السريع
إنّا إذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت السّامع للقائل
واصطرع القوم بألبابهم ... نقضي بحكم عادل فاصل
لا نجعل الباطل حقاً ولا ... نلطّ دون الحقّ بالباطل
نخاف أن تسفه أحلامنا ... فنخمل الدّهر مع الخامل
ثم دفع الرّقعة إلى أبان، وقال: ادفعها إليه وأعلمه أني لا أدخل على ولد فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرهم. فانصرف عمر غضبان، ولم يقبل منه صلةً. قال العجليّ: تابعي ثقةً.(19/139)
عمر بن عليّ الحلوانيّ
حدّث بدمشق عن ابن المقرئ، قال: كنّا عند ابن عيينة، فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد، ألستم تزعمون أن النبّيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ماء زمزم لما شرب له "؟ قال: نعم. قال: فإني قد شربته لتحدّثني بمئتي حديث!. قال: اقعد؛ فحدّثه بها. قال: وسمعت ابن عيينة يقول: قال عمر بن الخطّاب: اللهم إني أشربه لظمأ يوم القيامة.
عمر بن عليّ ويقال عمرو
أبو حفص البغداديّ يعرف بنقيب الفقهاء. حدّث بدمشق عن أبي سعيد العدويّ، عن خراش، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تبارك وتعالى: كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّوم فإنه لي وأنا أجزي به.
عمر بن عليّ الصيّرفيّ
حدّث عن أبي عليّ الحسن بن حبيب الإمام بدمشق، قال: سمعت الرّبيع بن سليمان يقول: كان الشّافعيّ راكباً على حمار، فمرّ على سوق الحذّائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذّائين وأخذ السّوط فمسحه بكمّه وناوله إيّاه؛ فقال الشافعيّ لغلامه: ادفع تلك الدّنانير التي معك إلى هذا الفتى. قال الرّبيع: كانت سبعة دنانير أو تسعة دنانير.(19/140)
عمر بن أبي عمر
أبو محمد الكلاعيّ روى عن أبي الزّبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ترّبوا الكتاب فإن التّراب مبارك ". وعن مكحول، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال أنس: يا رسول الله، الحائض تقرّب إليّ الوضوء في الإناء، تدخل يدها فيه. قال: " نعم، لا بأس به، ليست حيضتها في يدها ". وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا كفّارة في حدّ ".
قال أبو أحمد بن عديّ عنه: ليس بالمعروف، منكر الحديث عن الثّقات.
عمر بن عيسى أبو أيّوب
عمر بن الفرج أبو بكر الطّائيّ
حدّث عن أنس بن السلم الخولاني، بسنده إلى الثّوري، قال: قيل لمحمد بن المنكدر: أيّ الأشياء أحبّ إليك؟ قال: الإفضاء إلى الإخوان.(19/141)
عمر بن القاسم بن عبد الله
ابن خالد ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان القرشيّ الأمويّ كان يسكن يلدان من إقليم باناس.
عمر بن محمد بن أحمد بن سليمان
أبو حفص البغداديّ العطّار يعرف بابن الحدّاد سمع بدمشق سنة سبع وثمانين ومئتين، وسكن مصر.
روى عن محمد بن أبي العوام الرّياحي، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم عرفة ينزل الرّبّ عزّ وجلّ إلى السّماء الدّنيا ليباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً من كلّ فجّ عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم؛ فما من يوم أكثر عتيقاً من النّاس من يوم عرفة ".
وعنه، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا أن أشقّ على أمّتي لأحببت أن لا أتخلّف خلف سريّة تخرج أو تغزو في سبيل الله؛ ولكن لا أجد سعةً فأحملهم، ولا يجدون سعةّ فيتبعوني، ولا تطيب أنفسهم أن يتخلّفوا بعدي أو يقعدوا بعدي، فلوددت أني أقاتل في سبيل الله وأقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل ".
قال أبو بكر الخطيب: روى عنه عامّة المصريين، وكان ثقةً. مات في يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة ست وأربعين وثلاثمئة بمصر.(19/142)
عمر بن محمد بن بجير
ابن خازم بن راشد أبو حفص الهمذانيّ، البجيريّ، السّمرقنديّ، الحافظ صنّف المسند، وسمع بدمشق.
روى عن موسى بن عامر، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس من بلد إلاّ سيطأه الدّجّال، إلاّ مكة والمدينة، وليس نقب من أنقابها إلاّ عليها الملائكة صافّين تحرسها، فينزل بالسّبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، يخرج إليه كلّ كافر ومنافق ".
وعن العبّاس بن الوليد الخلاّل، بسنده إلى أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عزّوجلّ زادكم صلاةً إلى صلاتكم، هي خير من حمر النّعم، ألا وهي الرّكعتان قبل صلاة الفجر ".
قال ابن ماكولا: من أئمة الخراسانيّين، سمع وحدّث، وصنّف كتباً، وخرّج على صحيح البخاري. توفي في ربيع الأول سنة خمس وأربعين وثلاثمئة، وحدّث ابن ابنه، وهو بيت جليل في الحديث. وقال: أحد أهل المعرفة بالأثر.(19/143)
عمر بن محمد بن جعفر بن حفص
أبو حفص المغازليّ، الأصبهانيّ، المعدّل سمع بدمشق.
روى عن أبي الدّحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل الدمشقي، بسنده إلى عبد الله بن عبّاس: أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " للملوك على مولاه ثلاث خصال؛ لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، ويبيعه إذا استباعه ".
قال أبو نعيم: سمع بالشّام والعراق وأصبهان.
عمر بن محمد الحسين
أبو القاسم الكرجيّ روى عن علي بن محمد بن يعقوب البردعيّ، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا مدينة العلم، وأبو بكر وعمر وعثمان سورها، وعليّ بابها؛ فمن أراد العلم فليأت الباب ". منكر جداً إسناداً ومتناً.
عمر بن محمد بن حفص الدّمشقيّ
عمر بن محمد بن الحكم
ويقال: ابن عبد الحكم أبو حفص النّسائيّ سمع بدمشق وغيرها.(19/144)
روى عن الحسن الكلبيّ، بسنده إلى عليّ، قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت الله عزّ وجلّ أن يقدّمك ثلاثاً فأبى عليّ إلاّ تقديم أبي بكر ".
قال أبو بكر الخطيب: وكان صاحب أخبار وحكايات وأشعار.
عمر بن محمد بن زيد
ابن عبد الله بن عمر بن الخطّاب القرشيّ، العدويّ، العمريّ، المدنيّ نزيل عسقلان، وقدم دمشق.
روى عن أبيه، عن عبد الله بن عمر؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صار أهل الجنّة إلى الجنّة، وصار أهل النّار إلى النّار، أتي بالموت حتى يجعل بين الجنّة والنّار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنّة لاموت، يا أهل النّار لا موت؛ فيزداد أهل الجنّة فرحاً إلى فرحهم، وأهل النّار حزناً إلى حزنهم ".
وبسنده، قال: كنّا نتحدّث في حجّة الوداع ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا، لا ندري ما حجّة الوداع: فحمد الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووحّده وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدّجّال فأطنب في ذكره، ثم قال: " ما بعث الله من نبيّ إلاّ قد أنذر أمّته؛ لقد أنذره نوح والنّبيّون من بعده، وإنه يخرج فيكم، فما خفي عنكم من شأنه فلا يخفى عليكم إنه أعور عين اليمنى كأنها عنبة طافية " ثم قال: " إن الله تبارك وتعالى حرّم عليكم دمائكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا؛ ألا هل بلّغت؟ " قالوا: نعم. قال: " اللهم اشهد " ثم قال: " ويلكم، أو ويحكم، انظروا لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ".(19/145)
قال ابن سعد: وأمّه أمّ ولد اسمها شعثاء. توفي بعد أخيه أبي بكر بن محمد بقليل ولم يعقب، وكان ثقةً قليل الحديث سنة خمسين ومئة.
قال أبو بكر الخطيب: قدم بغداد.
قال أبو عاصم: كان
عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، من أفضل أهل زمانه، قدم إلى بغداد، وكان أكثر مقامه بالشام، فانجفل النّاس إليه، وقالوا: ابن عمر بن الخطّاب؛ ثم قدم الكوفة فأخذوا عنه، وكان له قدر وجلالة.
قال العجليّ: مدنيّ ثقة. وقال أبو حاتم وهو ثقة صدوق.
عمر بن محمد بن زيد
حدّث بدمشق سنة ستّ عشرة وثلاثمئة.
عمر بن محمد بن عبد الله
ابن المهاجر النّصريّ، الشّعيثيّ روى عن مكحول أنه قال: ويحك يا غيلان، إني حدّثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سيكون في أمّتي رجل يقال له: غيلان، هو أضرّ على أمّتي من إبليس "، فاتّق الله لا تكونه، إن الله عزّ وجلّ كتب ما هو خالق، وما الخلق عامل، ثم لم يكتب بعدهما غيرهما.(19/146)
عمر بن محمد أبو القاسم البغداديّ
الصّوفيّ، المعروف بالمناخليّ سكن دمشق، وحكى بها.
عمر بن أبي محمد بن عبد الله
ابن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان، الأمويّ كان يسكن دير سابر من إقليم خولان.
عمر بن مالك بن عتبة
ابن نوفل ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة الزّهريّ ممّن أدرك حياة النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح دمشق، وولي فتوح الجزيرة.
عن خالد وعبادة، قالا: وقدم على أبي عبيدة كتاب عمر يعني بعد فتح دمشق بأن اصرف جند العراق إلى العراق وأمرهم بالحثّ إلى سعد بن مالك؛ فأمّر على جند العراق هاشم بن عتبة، وعلى مقدّمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنبتيه عمر بن مالك الزّهريّ وربعيّ بن عامر، وصرفوا بعد دمشق نحو سعد. ولمّا رجع هاشم بن عتبة عن جلولاء إلى المدائن، وقد اجتمعت جموع أهل(19/147)
الجزيرة، فأمدوا هرقل على أهل حمص، وبعثوا جنداً إلى هيت، وكتب بذلك سعد إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن ابعث عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف في جند، وابعث على مقدمته الحارث بن يزيد العامريّ، وعلى مجنّبتيه ربعيّ بن عامر ومالك بن حبيب؛ فخرج عمر بن مالك في جنده سائراً نحو هيت، وقدّم الحارث بن يزيد حتى نزل على من بهيت، وقد خندقوا عليهم، فأقام عليهم محاصرهم حتى أعطوا الجزاء، فتركوهم حتى لحقوا بأرض قرقيسيا، وانسلّ أهل قرقيسيا، فخلّف عليهم الحارث بن يزيد، وصمد لقرقيسيا. وقال عمر بن مالك في ذلك: من الطويل
قدمنا على هيت وهيت مقيمة ... بأبصارهم في الخندق المتطوّق
قتلناهم فيما يليه فأحجموا ... وعاذوا به عيذ الدّم المترقرق
تجاوب فيما حولهم هام قومهم ... فأنكر أصوات النّهوم المنقنق
وهم في حصار لا يريمون قعره ... حذار التي ترميهم بالتّفرّق
تركناهم والخوف حتى أقرّهم ... وسرنا إلى قرقيسيا بالمنطق
جمعنا بها الفرقين فانتهوا ... إلى جزية بعد الدّما والتحرّق
فلّما رأى عمر بن مالك امتناع القوم بخندقهم، واعتصامهم به، استطال ذلك فترك الأخبية على حالها وخلّف عليهم الحارث بن يزيد محاصرهم، وخرج في نصف النّاس يعارض الطّريق حتى يجيء قرقيسيا في غرّة، فأخذها عنوةً، فأجابوه إلى الجزاء، وكتب إلى الحارث بن يزيد: إن هم استجابوا فخلّ عنهم فليخرجوا، وإلاّ فخندق على خندقهم خندقاً أبوابه ممّا يليك، حتى رأى من رأيي؛ فسمحوا بالاستجابة، وانضمّ الجند إلى عمر والأعاجم إلى أهل بلادهم. وقال عمر في ذلك: من الطويل
تطاولت أيّامي بهيت فلم أحم ... وسرت إلى قرقيسيا سير حازم
فجئتهم في غرّة فاجتزيتها ... على غبن في أهلها بالصّوارم(19/148)
فنادوا إلينا من بعيد بأننا ... نؤدّيّ إليكم خرجنا بالدّراهم
فقلنا: هلمّوها وقرّوا بأرضكم ... وإيّاكم أن توتروا بالمحارم
فأدّوا إلينا جزية عن أكفّهم ... وعدنا عليهم بالحلول العوازم
وقال عمر أيضاً من الطويل
ونحن جمعنا جمعهم في حفيرهم ... بهيت ولم نحفل لأهل الحفائر
وسرنا على عمد نريد مدينة ... بقرقيسيا سير الكماة المساعر
وجئناهم في دارهم بغتةً ضحىً ... فطاروا وخلّوا أهل تلك المحاجر
فنادوا إلينا من بعيد بأنّنا ... ندين بدين الجزية المتواتر
قبلنا ولم نردد عليهم حزاءهم ... وحطناهم بعد الجزا بالبواتر
عمر بن مبشّر بن الوليد
ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص كان يسكن كسملين خارج باب السّلامة
عمر بن المثنى الأشجعيّ الرّقيّ
سمع ببيت المقدس، واجتاز بدمشق أو بأعمالها في طريقه.
روى عن عطاء الخراسانيّ، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في سفر، فانطلق فتخلّف لحاجة، فقال: " هل من ماء " فأتيته بوضوء فتوضأ، ثم مسح على الخفّين، ولحق بالجيش فأمّهم.(19/149)
قال أبو عروبة الحرّانيّ: في الطبقة الثالثة من التابعين من أهل الجزيرة عمر بن المثنّى الرّقيّ، وأهل الرّقة يسمونه الرباب.
عمر ويقال عمرو بن مروان
ابن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد الشمس أبو حفص الأمويّ
حدّث إبراهيم بن نشيط، أن عمر بن عبد العزيز قال لعمر بن مروان: كيف أصبحت يا أبا حفص؟ أصلح الله منك ما كان فاسداً. بلغني أن عمر بن مروان كان له من الولد إبراهيم ومحمد والوليد وعبد الملك، كانوا بالمدينة من عمل مصر، ودخل الأندلس منهم عبد الملك بن عمر بن مروان. قال ابن يونس: لم يكن بمصر رجل من بني أميّة في أيامه أفضل منه، وكان خلفاء بني أميّة يكتبون إلى أمرائهم: أن لا يعصوا له أمراً. توفي سنة خمس عشرة ومئة، وولده بالأندلس اليوم.(19/150)
عمر بن مروان الكلبيّ
عمر بن مضّرّس بن عثمان الجهني
ويقال: عمرو أخو عثمان من أهل دمشق.
عمر بن مضر بن عمر
أبو حفص العبسيّ روى عن صالح عبد الله بن صالح، بسنده إلى أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من الشّعر حكمة ".
قال ابن ماكولا: أما مضر: بضمّ الميم، وبالضاد المعجة، فهو عمر بن مضر الدّمشقيّ.
عمر بن المغيرة أبو حفص البصريّ
سكن المصيصة، ويعرف بمفني المساكين، وحدّث بدمشق وغيرها.
روى عن أيوب السّختياني، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة، قالت: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبوح به أنّ إيمانه كإيمان جبريل.
وعن هشام بن حسان، بسنده إلى عائشة، قالت: مرن أزواجكنّ أن يغسلوا أثر الغائط والبول، فإني أستحييهم، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر به.(19/151)
قال ابن سعد: وكان عالماً فقيهاً، توفي بالمصّيصة في ثمان وسبعين ومئة في خلافة هارون أمير المؤمنين رضي الله عنه.
عمر بن المنتشر المراديّ
وفد على عبد الملك بن مروان. قال عمر بن المنتشر المرادي: وفدنا على عبد الملك بن مروان، فدخلنا عليه، فقام رجل فاعتذر من أمر وحلف عليه؛ فقال له عبد الملك: ما كنت حريّاً أن تفعل ولا تعتذر. ثم أقبل على أهل الشّام فقال: أيّكم يروي من اعتذار النابغة إلى النّعمان: من الطويل
حلفت فلم أتراك لنفسك ريبةً ... وليس وراء الله مذهب
فلم يجد فيهم من يرويه، فأقبل عليّ، فقال: أترويه؟ قلت: نعم. فأنشدته القصيدة كلّها، فقال: هذا أشعر العرب.
عمر بن منخّل أبو الأسوار الدّربنديّ
شيخ سمع الحديث ببغداد على كبر السّنّ، وقدم دمشق سنة بضع عشرة وخمسمئة، وروى بها شيئاً يسيراً.(19/152)
عمر بن المورّق أظنّه مزنيّاً
ويقال: يزيد بن عمر بن مورّق وفد على عمر بن عبد العزيز، وحدّث عنه.
حدّث، قال: كنت بالشّام وعمر بن عبد العزيز يعطي النّاس، فتقدّمت إليه، فقال لي: ممّن أنت؟ فقلت: من قريش. قال: من أيّ قريش؟ قلت: من بني هاشم. قال: من أيّ بني هاشم؟ فسكتّ. فقال: من أيّ بني هاشم؟ فقلت: مولى عليّ بن أبي طالب. قال: فوضع يده على صدره فقال: وأنا مولى عليّ بن أبي طالب؛ حدّثني عدّة أنهم سمعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كنت مولاه فعليّ مولاه ". يا مزاحم، كم يعطى أمثاله؟ قال: مئة درهم أو مئتي درهم. قال: أعطه خمسين دينار لولاية عليّ.
عمر بن موسى بن وجيه
أبو حفص الوجيهيّ، الأنصاري من أهل دمشق، وقيل: إنه كوفيّ، وذلك وهم.
روى عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأكل في السّوق دناءة ".
وعن أبي الزّبير، عن جابر: أن بقرة أفلتت على خمر فشربت، فخافوا عليها، فسألوا النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " كلوها " أو قال: " لا بأس بأكلها ".(19/153)
قال عفير بن معدان الكلاعيّ: قد علينا عمر بن موسى حمص، فاجتمعنا إليه في المسجد، فجعل يقول: حدّثنا شيخكم الصّالح، حدّثنا شيخكم الصّالح؛ فلمّا أكثر قلت له: من شيخنا الصّالح هذا؟ سمّه لنا نعرفه؟ قال: خالد بن معدان. قلت له: في أيّ سنة لقيته؟ قال: لقيته سنة ثمان ومئة. قال: قلت: وأين لقيته؟ قال: لقيته في غزاة إرمينية. قال: فقلت له: اتّق الله يا شيخ ولا تكذب، مات خالد بن معدان سنة أربع ومئة، وأنت تزعم أنك لقيته بعد موته بأربع سنين! وأزيدك أخرى: لم يغز إرمينية قط، كان يغزو الرّوم! قال أبو حاتم: متروك الحديث، كان يضع الحديث.
قال ابن عديّ: هو في عداد من يضع الحديث متناً وإسناداً.
عمر بن نصر بن محمد الشّيبانيّ
روى عن علي بن الحسن بن معروف القصّاع، بسنده إلى ابن عبّاس؛ عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اسمح يسمح لك ".
عمر بن نعيم العنسيّ
ويقال القرشيّ معلّم بني يزيد بن معاوية، من أهل دمشق.(19/154)
روى عن أسامة بن سليمان، أن أبا ذرّ حدّثه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عزّ وجلّ يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب " قيل: يا رسول الله، وما الحجاب؟ قال: " تموت النّفس وهي مشركة ".
عمر بن الوليد بن سعيد بن هشام
ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمويّ كان يسكن ربض باب الجابية.
عمر بن الوليد بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمّية أبو حفص الأمويّ أمّه كنديّة من ولد حجر بن عمرو، وكان يقال له: فحل بني مروان، وكان يركب معه من ولده ستّون لصلبه؛ ولاّه أبوه الوليد الموسم والغزو، واستعلمه على الأردنّ مدّة ولايته.
حكى عن عمر عبد العزيز، قال: خرج عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة، وهو ناحل الجسم، فخطب كما كان يخطب، ثم قال: أيّها النّاس، من أحسن منكم فليحمد الله، ومن أساء فليستغفر الله، فإنه لابدّ لأقوام أن يعملوا أعمالاً وظّفها الله في رقابهم وكتبها عليهم.
عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: لمّا دفن عمر بن عبد العزيز سليمان بن عبد الملك وخرج من قبره سمع للأرض هدّةً(19/155)
أو رجّةً فقال: ما هذه؟ فقيل: هذا مركب الخلافة يا أمير المؤمنين، قرّبت إليك لتركبها. فقال: ما لي ولها، نحّوها عنّي، قرّبوا إليّ بغلتي؛ فقربت إليه بغلته فركبها، فجاءه صاحب الشّرط يسير بين يديه بالحربة؛ فقال: تنحّ عنّي، ما لي ولك، إنّما أنا رجل من المسلمين. فسار وسار معه النّاس حتى دخلوا المسجد، فصعد المنبر واجتمع النّاس إليه، فقال: يا أيّها النّاس، إنّي قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي منّي فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإنّي قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم. فصاح النّاس صيحةً واحدةً: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضيناك، فل أمرنا باليمن والبركة. فلمّا رأى الأصوات قد هدّت ورضي النّاس به جميعاً، حمد الله عزّ وجلّ وأثنى عليه وصلّى على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كلّ شيء، وليس من تقوى الله خلف؛ فاعملوا لآخرتكم فإنه من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا ذكر الموت وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللّذّات؛ وإن من لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم أباً حيّاً لمعرق له في الموت، وإن هذه الأمة لا تختلف في ربّها عز ّو جلّ ولا في نبيّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا في كتابها، إنّما اختلفوا في الدّينار والدّرهم، وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً ولا أمنع أحداً حقّاً. ثم رفع صوته حتى أسمع النّاس فقال: يا أيّها النّاس من أطاع الله فقد وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له؛ أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. ثم نزل فدخل، فأمر بالسّتور فهتكت، والثّياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت، وأمر ببيعها وإدخال أثمانها في بيت مال المسلمين. ثم ذهب يتبوّأ مقيلاً، فأتاه ابنه عبد الملك بن عمر فقال: يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع؟ قال: أي بنيّ، أقيل. قال: تقيل ولا تردّ المظالم؟ قال: أي بنيّ، قد سهرت البارحة في أمر عمّك سليمان، فإذا صلّيت الظّهر رددت المظالم. قال: يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظّهر؟ قال:(19/156)
ادن منّي أي بنّي. فدنا منه فالتزمه وقبّل بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني. فخرج ولم يقل، وأمر مناديه أن ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها؛ فقام إليه رجل ذمّيّ من أهل حمص أبيض الرّأس واللّحية، فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله. قال: وما ذاك؟ قال: العبّاس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضي والعبّاس جالس فقال له: يا عبّاس ما تقول؟ قال: أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، وكتب لي بها سجلاًّ. فقال عمر: ما تقول يا ذمّيّ؟ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله عزّ وجلّ. فقال عمر: كتاب الله أحقّ أن يتّبع من كتاب الوليد بن عبد الملك، قم فاردد عليه يا عبّاس ضيعته. فردّ عليه؛ فجعل لا يدع شيئاً ممّا كان في يديه وفي يد أهل بيته من المظالم إلاّ ردّها مظلمةً مظلمةً. فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك، فكتب إليه: إنك أزريت على من كان قبلك من الخلفاء وعبت عليهم، وسرت بغير سيرتهم بغضاً وشناناً لمن بعدهم من أولادهم، قطعت ما أمر الله أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها بيت المال جوراً وعدواناً، فاتّق الله يا ابن العزيز وراقبه، إن شططت لم تطمئن على منبرك، خصصت أولي قرابتك بالظلم والجور، فو الذي خصّ محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما خصّه به لقد ازددت من الله عزّ وجلّ بعداً في ولايتك هذه؛ إن زعمت أنها عليك بلاء فأقصر بعض ميلك، واعلم أنك بعين جبّار وفي قبضته، ولن تترك على هذا، اللهم فسل سليمان بن عبد الملك عمّا صنع بأمّة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلمّا قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه، كتب إليه: بسم الله الرّحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد، السّلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين، أمّا بعد: فقد بلغني كتابك، وسأجيبك بنحو منه؛ أما أول شأنك ابن الوليد كما زعم فأمّك بنانة أمة للسّكون كانت تطوف في سوق حمص وتدخل في حوانيتها، ثم الله أعلم بما اشتراها دينار بن دينار من فيء المسلمين فأهداها لأبيك، فحملت بك، فبئس المحمول وبئس المولود، ثم نشأت فكنت جبّاراً عنيداً، تزعم أني من الظالمين أن حرمتك وأهل بيتك في(19/157)
الله عزّ وجلّ الذي هو حقّ القرابة والمساكين والأرامل؛ وإن أن أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعملك صبيّاً سفيهاً على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك، ولم تكن له في ذلك نيّة إلا حبّ لولده، فويل لك وويل لأبيك ما أكثر خصماؤكما يوم القيامة، وكيف ينجو أبوك من خصمائه؟ وإن أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعمل الحجّاج بن يوسف على خمسي العرب يسفك الدّماء الحرام ويأخذ المال الحرام. وإظلم منّي وأترك لعهد الله من استعمل قرّة بن شريك أعرابيّاً جافياً على مصر، وأذن له في المعازف واللهو والشّراب. وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لغاية البربريّة سهماً في خمس العرب. فرويداً يابن بنانة فلو التقت حلقتا البطان وردّ الفيء إلى أهله لتفرّغت لك ولأهل بيتك فوضعتكم على المحجّة البيضاء، فطالما تركتم الحقّ وأخذتم في بنيّات الطّريق؛ وما وراء هذا من الفضل ما أرجو أن أكون رأيته؛ بيع رقبتك، وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل، فإن لكّل فيك حقاً. والسّلام علينا، ولا ينال سلام الله الظّالمين. فلّما بلغت الخوارج سيرة عمر، وما ردّ من المظالم اجتمعوا فقالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرّجل.
عمر بن هارون بن يزيد
ابن جابر بن سلمة أبو حفص الثّقفيّ البلخيّ، مولاهم روى عن شعبه، بسنده إلى ابن عبّاس، أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الشّفعة في العبيد، وفي كلّ شيء ".(19/158)
وعن ثور بن يزيد، بسنده إلى أبي سعيد، قال: مرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل يسلخ شاةً، فرآه لا يحسن، فقال: " تباعد " قال فدحس النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين جلدها ولحمها فعلّمه، ثم مضى إلى الصّلاة، فصلّى ولم يمسّ ماءً.
وعن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرّجل الصّالح يأتي بالخير الصّالح، والرّجل السّوء يأتي بالخبر السّوء ".
قال ابن سعد: قد كتب النّاس عنه كتاباً كبيراً وتركوا حديثه.
وقال أبو عبد الله الحافظ: كان من أهل السّنّة، ومن الذّابّين عن أهلها، ورد نيسابور وكتب عنه جماعة من مشايخنا.
وقال الخطيب: قدم بغداد وحدّث بها.
وقال أبو رجاء: كان عمر بن هارون شديداً على المرجئة، وكان يذكر مساوئهم وبلاياهم؛ وكان من أعلم النّاس بالقراءات وكان القّراء يقرؤون عليه، ويختلفون إليه في حروف القرآن.
قال أبو حاتم: تكلّم فيه ابن المبارك فذهب حديثه.
وقال يحيى بن معين: ليس هو ثقة. مات ببلخ يوم الجمعة أول من رمضان سنة أربع وتسعين ومئة، وهو ابن ستّ وستين، وكان يخضب. وفي رواية أنه توفي وهو ابن ثمانين سنة.(19/159)
عمر بن هانئ الطّائي
قدم دمشق مع عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس حين افتتحها، وحكى عنه نبشه لقبور بني أميّة، وإحراق من أحرق منهم.
عمر بن هبيرة بن معيّة
ابن سكين بن خديج بن بغيض بن مالك ويقال: ابن حممة بدل مالك، بن سعد بن عديّ بن فزارة ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ابن سعد بن قيس عيلان أبو المثّنى الفزاريّ وأمّ عمر بسرة بنت حسّان بن شريك بن نعيم بن ثعلبة العدويّ، وكان أمير العراقين من قبل يزيد بن عبد الملك، فلّما ولي هشام بن عبد الملك عزله بخالد القسريّ، فأخذه خالد وسجنه مدّةً، ثم هرب من السّجن ولحق بهشام بدمشق، واستجار بمسلمة بن عبد الملك فأجاره، وأمنّه هشام.
عن الشّعبيّ، قال: شهدت الحسن في جنازة وهو يحدّث عمر بن هبيرة، يقول: سمعت عبد الرّحمن بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من عبد استرعاه الله رعيّةً فلم يحطها بالنّصيحة إلاّحرّم الله عليه الجنّة ".
وعن عبد الله بن بكر السّهميّ، قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: أرسل عمر بن هبيرة وهو على العراق إلى فقهاء من فقهاء البصرة وفقهاء من فقهاء الكوفة، وكان ممّن أتاه من أهل البصرة الحسن، ومن أهل الكوفة الشّعبيّ؛ فدخلوا عليه، فقال لهم: إن أمير المؤمنين يزيد يكتب إليّ في أمور أعمل(19/160)
بها، فما تريان؟ فقال الشّعبيّ: أصلح الله الأمير، أنت مأمور والتّبعة على من أمرك. فأقبل على الحسن فقال: ما تقول؟ قال: قد قال هذا. قال: قل أنت. قال: اتّق الله يا عمر، فكأنك بملك قد أتاك فاستنزلك عن سريرك هذا، وأخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك؛ فإن الله ينجيك من يزيد وإن يزيد لا ينجيك من الله، فإيّاك أن تعرّض لله بالمعاصي، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصيةً الخالق. ثم قام، فاتّبعه الآذن فقال: أيّها الشّيخ، ما حملك على ما استقبلت به الأمير؟ قال: حملني عليه ما أخذ الله على العلماء من الميثاق في علمهم؛ ثم تلا " وإذ أخذ الله ميثاق الذّين أوتو الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه ". قال: فخرج عطاؤهم، وفضّل الحسن.
قال ابن دريد: دخل الشّعبيّ على ابن هبيرة وبين يديه رجل يريد قتله، فقال له: أصلح الله الأمير، إنك على ردّ ما لم تفعل أقدر منك على ردّ ما فعلت. فقال: صدقت يا شعبيّ، ردّوه إلى محبسه.
عن ابن عون، قال: أرسل ابن هبيرة إلى ابن سيرين فأتاه، فقال له: كيف تركت أهل مصرك؟ قال: تركتهم والظّلم فيهم فاش.
قال ابن عون: كان محمد يرى أنها شهادة سئل عنها فكره أن يكتمها.
عن ابن فضيل، قال: كان عمر بن هبيرة يقول: اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة وإفراط الفطنة، اللهم لا تجعل قولي فوق عملي، ولا تجعل أسوأ عملي ما قرب من أجلي.
قال عبد الرّحمن بن يزيد: بينما أنا واقف على رأس ابن هبيرة وبين يديه سماطان من وجوه النّاس، إذ أقبل شاب لم(19/161)
أر في مثل جماله وكماله حتى دنا من ابن هبيرة، فسلّم عليه بالإمرة، فقال: أصلح الله الأمير، امرؤ فدحته كربة وأوحشته كربة، ونأت به الدّار وحلّ به عظيم، خذله أخلاّؤه وشمت به أعداؤه، وأسلمه البعيد وجفاه القريب، فقمت مقاماً لا أرى فيه معوّلاً ولا جاذباً إلاّ الرّجاء لله تعالى، وحسن عائدة الأمير، وأنا أصلح الله الأمير ممّن لا تجهل أسرته، ولا تضيع حرمته، فإن رأى الأمير أصلحه الله أن يسدّ خلّتي ويجبر خصاصتي يفعل. فقال ابن هبيرة: ممّن الرّجل؟ قال: من الذين يقول لهم الشّاعر: من الطويل
فزارة بيت العزّ والعزّ فيهم ... فزارة قيس حسب قيس فعالها
لها العزّة القصوى مع الشّرف الذي ... بناه لقيس في القديم رجالها
وهل أحد إن مدّ يوماً بكفّه ... إلى الشّمس في مجرى النّجوم ينالها
لهيهات ما أعيا القرون التي مضت ... مآثر قيس واعتلاها فعالها
فقال ابن هبيرة: إن هذا الأدب لحسن مع ما أرى من حداثة سنّك، فكم أتى لك من السّنّ؟ قال: تسع وعشرين سنة. فلحن الفتى وأطرق ابن هبيرة كالشّامت به، ثم قال: أولحّان أيضاً، مع جميل ما أتى عليه منطقك؟ شنته والله بأقبح العيب. قال: فأبصر الفتى ما وقع فيه فقال: إن الأمير أصلحه الله عظم في عيني، وملأت هيبته صدري، فنطق لساني بما لم يعرفه قلبي، فوالله ما أقالني الأمير عثرتي عندما كان من زلّتي. فقال ابن هبيرة: وما على أحدكم أن يتعلّم العربيّة فيقيم بها أوده، ويحضر بها سلطانه، ويزين بها مشهده، وينوء بها على خصمه؟ أو يرضى أحدكم أن يكون لسانه مثل لسان عبده وأكّاره؟ قد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم، فإن كان سقط لسانك وإلاّ فاستعن ببعض ما أوصلناه إليك، ولا يستحي أحدكم من التّعلّم، فإنه لولا هذا الّلسان كان الإنسان كالبهيمة المهملة؛ قاتل الله الشّاعر حيث يقول: من الطويل(19/162)
ألم ترى مفتاح الفؤاد لسانه ... إذا هو أبدى ما يقول من الفم
وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التّكلّم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلاّ صورة الّلحم والدّم
قال سلم بن قتيلة: كنت عند ابن هبيرة الأكبر، فجرى الحديث حتى جرى ذكر العربيّة، فقال: والله ما استوى رجلان دينهما واحد وحسبهما واحد ومروءتهما واحدة، أحدهما يلحن والآخر لا يلحن؛ إن أفضلهما في الدّنيا والآخرة الذي لا يلحن. قلت: أصلح الله الأمير، هذا أفضل في الدّنيا لفضل فصاحته وعربيّته، أرأيت الآخرة ما باله أفضل فيها؟ قال: إنه يقرأ كتاب الله على ما أنزله الله، وإن الذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل في كتاب الله ما ليس فيه ويخرج منه ما هو فيه. قال: قلت: صدق الأمير وبرّ.
قال عمر بن هبيرة: عليكم بمباكرة الغداء فإن في مباكرته ثلاث خصال؛ يطيّب النّكهة، ويطفئ المرّة، ويعين على المروءة. فقيل: وما يعين على المروءة؟ قال: لا تتوق نفسه إلى طعام غيره.
عن ابن عائشة، قال: ألقى ابن هبيرة إلى مثجور بن غيلان بن خرشة الضّبّيّ فصّاً أزرق وقال له: اجعله على خاتمك فإنه حسن؛ يريد قول الشّاعر: من الطويل
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ... كما كلّ ضبّيّ من اللّوم أزرق
فأخذ الفصّ مثجور، فشدّه بسير، وردّه عليه؛ يريد قول سالم: من البسيط
لا تأمننّ فزاريّاً خلوت به ... على قلوصك واشددها بأسيار(19/163)
عن سليمان بن زياد، قال: كان عمر بن هبيرة والياً على العراق، ولاّه يزيد بن عبد الملك؛ فلمّا مات يزيد بن عبد الملك واستخلف هشام قال عمر بن هبيرة: يولّي هشام العراق أحد الرّجلين سعيد الحرشيّ أو خالد بن عبد الله القسريّ، فإن ولّى ابن النّصرانيّة خالداً فهو البلاء. فولّى هشام خالداً العراق، فدخل واسطاً وقد أوذن عمر بن هبيرة بالصّلاة، فهو يتهيّأ قد اعتمّ والمرآة في يده يسوّي عمّته إذ قيل: هذا خالد قد دخل. فقال عمر بن هبيرة: هكذا تقوم السّاعة، تأتي بغتةً. فقدم خالد فأخذ عمر بن هبيرة فقيّده وألبسه مدرعة صوف؛ فقال عمر: بئس ما سننت على أهل العراق، أما تخاف أن تؤخذ بمثل هذا؟.
عن عبد الرّحمن بن جبلة عن أبيه قال: كنت مع عمر بن هبيرة في حبس خال بن عبد الله القسريّ، وكان عمر بن هبيرة قد ضربني قبل ذلك، فقال لي: يا جبلة إن الحفيظة تذهب الحقد، وقد أمرت مواليّ يحفرون، وهم منتهون إليّ اللّيلة، فهل لك في الخروج؟ فقلت: لا. قال: فأشر عليّ. فقلت: لا تخرجنّ في دار قوم. فقال: نعم. وكان قد أمر مواليه فاستأجروا داراً إلى جنب السّجن، واتّخذوا فيها ألف نعجة، فكان يحفرون باللّيل ثم يفرشونه في الدّار فتصبح الشّاء قد وطئته بأبوالها؛ فأفضوا بنقبهم إلى جبلة، فقال لهم: لست بصاحبكم. فأتوا عمر بن هبيرة فقام حتى دخل النّقب، وخرج منه.
وكان جبلة أشار عليه أن يقدّم بين يديه رسولاً بكتابه إلى هشام بن عبد الملك.
قال الأصمعيّ: فحدّثني يونس بن حبيب النّحوي، قال: قال لي أبو الفوارس الأعرج الباهليّ: وجّهني عمر بن هبيرة بكتابه إلى هشام، فقدمت غدوة، وقدم ابن هبيرة عشيّة، فمرّ ابن هبيرة في طريقه فسمع امرأةً من قيس تقول: لا والّذي ينجّي ابن هبيرة. فقال: يا غلام، أعطها ما معك وأعلمها أني قد نجوت.
رجع: فلمّا فقد الحرس ابن هبيرة وجّه خالد في أثره سعيد بن عمرو الحرشيّ، وذاك أن ابن(19/164)
هبيرة عزل سعيداً عن خراسان، فقدم به عليه واسطاًفحسبه وعذّبه، حتى قدم خالد فأكرمه. فلم يقدر سعيد أن يلحقه، فلم يزل في أثره حتى بلغ الشّام وقد قدم ابن هبيرة، واجتمع إليه قيس، فقال: أشيروا عليّ، من أستجير؟ فقيل له: أمّ حكيم بنت يحيى امرأة هشام. فقال: امرأةً! لو اغتسلت رضيت. فقالوا: عليك بأبي شاكر مسلمة مع ما بينك وبينه، فإنه لا يسلمك أبداً. قال: نعم. فتوجّه إليه ومعه القيسيّة؛ فلمّا رآهم مسلمة وسمع كلامهم انطلق إلى هشام فكلّمه فيه فأمّنه على أن يؤدّي كلّ ما اختانه. فأدّاه.
قال خليفة: مات ابن هبيرة وهو ابن نيف وخمسين سنة.
عمر بن يحيى بن الحارث الذّماريّ
حدّث عن أبيه، بسنده إلى عمرو بن عنبسة السّلميّ، قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: من تابعك على هذا الأمر؟ قال: " حرّ وعبد ". قال: قلت: فأيّ الأعمال أفضل؟ قال: " الصّبر والسّماحة وحسن الخلق ". فقلت: فأيّ الإسلام أفضل؟ قال: " الفقه في دين الله، والعمل في طاعة الله، وحسن الظنّ بالله ". قلت: فأيّ المسلمين أفضل؟ قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده ". قلت: فأيّ العمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ؟ قال: " إطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، وطيب الكلام ". قلت: فأيّ الصّلاة أفضل؟ قال: " الصّلاة لوقتها، وطول القنوت، وحسن الرّكوع والسّجود ".(19/165)
قلت: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: " أن تهجر ماكره الله ".قلت: فأيّ المجاهدين أفضل؟ قال: " من جاهد نفسه في طاعة الله، وهجر ما حرّم الله ". قلت: فأيّ ساعات اللّيل أفضل؟ قال: " جوف اللّيل الآخر، فإن الله يفتح فيه أبواب السّماء، ويطّلع فيه إلى خلقه، ويستجيب فيه الدّعاء ".
قال البيهقيّ: ويشبه أن يكون سؤاله إيّاه عن الأعمال بعدما لحق بقومه ثم عاد بعد ظهور الإسلام ونزول شرائعه. والله التّوفيق.
عمر بن يحيى بن زكريّا
أبو حفص أظنه بعلبكّيّاً كتب عنه بعض أهل بعلبكّ.
عمر بن يحيى الأسديّ
حكى عن أحمد بن أبي الحواري، عن أبي صالح، قال: قال أبو إسحاق الفزاريّ: بينا أنا قاعد وإبراهيم بن أدهم وعليّ بن بكاّر ومخلد بن الحسين في مسجد المصيّصة، إذ دخل علينا رجل عليه أثر السّفر، فقال: أيّكم إبراهيم بن أدهم؟ فأشار إليه بعضنا؛ فقال: أكلّمك. فقام إبراهيم إلى سارية فكلّمه فقال: أنا غلامك، ومعي عشرة آلاف درهم وفرس وبغل. فقال إبراهيم: أنت حرّ وما معك لك، اخرج. ثم عاد إلينا كأنه لم يسمع شيئاً.(19/166)
عمر بن يزيد بن عمير
أبو حفص الأسيّديّ التّميميّ، البصريّ أحد الفصحاء، ولي هو وأبوه من قبله شرطة البصرة للحجّاج بن يوسف، ووفد على هشام بن عبد الملك.
قال أبو عمر يزيد عن عمير لبنيه: اعلموا أنه إن كان عند أحدكم مئة ألف لهو أعظم في عيون بني تميم منه لو قسمها فيهم، ولأن يقال لأحدكم: شحيح، وهو غنيّ خير من أن يقال له: سخيّ، وقد ذهب ماله؛ ولأن يقال لأحدكم: هو جبان، وهو حيّ خير من أن يقال: شجاع، وقد قتل؛ ويا بنيّ تعلّموا الرّدّ فوالله لهو أشدّ من الإعطاء.
عن يونس، قال: أتى جرير عمر بن يزيد الأسيّديّ وهو على شرط البصرة طالب حاجة، فتقاعس عمر له فقال جرير: من الوافر
أتنسى يوم مسكن إذ تنادي ... وقد أخطأت بالقدم الرّكابا
نكحت إلى بني عدس بن زيد ... فقد برذت خيلهم العرابا
فلو كان النّجيّ بعهد عوف ... تبرأ من أسيّد ثم تابا
وكان عمر انهزم يوم مسكن يوم قاتل الحجّاج عبد الله بن الجارود فأراد أن يركب للهرب، فاعتاض عليه برذ ونه، فجعل يقول: من يعقلني عقله الله؛ فعيّره جرير بذلك.
قال عمر بن يزيد الأسيّدي: دخلت على هشام وعنده خالد بن عبد الله القسريّ، يتكلم ويذكر اليمن، فأكثر في(19/167)
ذلك؛ فصفقت تصيقة دوّي البهو منها، فقالت: ما رأيت كاليوم خطلاً! والله إن فتحت فتنةً في الإسلام إلاّ باليمن؛ لقد قتلوا أمير المؤمنين عثمان، وقد خرج ابن الأشعث على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وإن سيوفنا تقطر من دماء بني المهلّب. فلمّا نهضت تبعني رجل من بني مران حضر ذلك، فقال: يا أخا تميم، وريت بك زنادي، قد شهت مقالتك، واعلم أن أمير الؤمنين مولّيه العراق وأنها ليست لك بدار. فلمّا ولّي خالد استعمل على أحداث البصرة مالك بن المنذر، فكان لعمر مكرماً ولحوائجه قضّاء، إلى أن وجد عليه وكان مر لا يملك لسانه، فخرج من عنده وقد سأله حاجة فقضاه، فقال: كيف رأيت الفسّاء؟ سخرنا به منذ اليوم.
فقال قائلون: إن مخلداً كتب أليه، فأخذه وشهد عليه ناس من بني تميم وغيرهم؛ فضربه مالك حتى قتله تحت السّياط.
وعن عبيدة، قال: كان عمر بن يزيد الأسيّدي صديقاً للشّمردل بن شريك ومحسناً إليه، كثير البرّ به، والّرفق له؛ فأتاه نعية وهو بخراسان فقال يرثيه: من الكامل
لبثت الصّباح وأسلمته ليلةً ... طالت كأن نجومها لا تبرح
موصولة بجناح أخرى مثلها ... حتى يرى الدّوّ الفئام النّوّح
عطّلن أيديهنّ ثم تفجّعت ... ليل التّمام بهنّ عبرى تصدح
وحليلة رزئت وأخت وابنة ... كابدر تنظره عيون لمّح
لا يبعد ابن يزيد سيّد قومه ... عند الحافظ وحاجة تستنجح
حلمي الحقيقة لاتزال جياده ... تغدو مسوّمةً به وتروّح
للحرب محتسب القتال مشمّر ... با لدرع مضطمر الحوامل شرمح
ساد العراق وكان أوّل وافد ... تأتي الملوك به المهاري الطّلّح
يعطي الغلاء بكلّ مجد يشتري ... إن المعالي بالمكارم أربح(19/168)
عمر بن يزيد بن معاوية
ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أميّة القرشيّ، الأمويّ وأمّه أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر ابن كريز بن ربيعة بن عبد شمس. مات في مات أبيه من صاعقة أصابته، فقال عبد الله بن همّام السّلوليّ: من الحفيف
عمر الخير يا شبيهه أبيه ... أنت لو عشت قد خلفت يزيدا
سلّط الحتف في الغمام عليه ... فتلقّى الغمام روحاً سعيدا
أيّها الرّاكبان من عبد شمس ... بلّغا الشّام أهلها والجنودا
أن خير الفتيان أصبح في لح ... د وأمسى من الكرام فقيدا
عمر بن يزيد القرشيّ
من أهل صهيا
عمر بن يزيد اللّخميّ
كان ممّن أخذ مع ثابت بن نعيم الجذاميّ فأتى به مروان بن محمد بدير أيّوب، فقتله وقتل ناساً معه.(19/169)
عمر بن يزيد النّصريّ
روى عن عمرو بن مهاجر، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هلكت أمّة قطّ إلاّ بالشّرك بالله عزّ وجلّ، وما أشركت أمّة حتى يكون بدوّ شركها التّكذيب بالقدر ".
وعن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ثلاثة لا يقبل منهم صرف ولا عدل؛ عاقّ ومنّان ومكذّب بقدر ".
كان كاتب نمير بن أوس قاضي دمشق، وكان ثقةً فقيهاً.
قال هشام بن عمار: كان ممّن يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل.
عمر الدّمشقيّ
حدّث عن واثلة بن الأسقع.
عمر يعرف بعمردن مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن مسلم بن زياد مولى ميمونة زوج النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: أتينا عمر بن عبد العزيز فدفعنا إليه صكاكاً في حوائجنا، وكان فينا رجل من أهل دمشق يقال له: عمردن مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فدفع إليه صكّه: حاجة عمر مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلمّا قرأها عمر قال: أيكم مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأجابه عمر مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعاه، فقال له عمر: أنت مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر:(19/170)
وعمر بن عبد العزيز مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارفع إلينا حاجتك. قال: يا أمير المؤمنين، أمّي عجوز كبيرة ليس لها خادم يكفيها. قال: قد أمرنا لها بخادم، فارفع إلينا حاجتك. قال: تأمر لي بنفقة. قال: قد أمرنا لك بثلاثين ديناراً، فارفع إلينا حاجتك. قال: كفاني يا أمير المؤمنين. قال: فتكلّم عمر بن عبد العزيز بكلمة لم أفهمها، فقلت لصاحب لنا: ما الّذي نطق به أمير المؤمنين؟ قال: قال: والله لو سألني إلى أن توارى بالحجاب ما منعته شيئاً سألنيه.
قال مسلم: فكان ذلك لموقعه من النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عمر الرّاشديّ
ولي إمرة دمشق في رجب سنة إحدى عشرة وثلاثمئة في أيّام المقتدر، بعد ولاية تكين الخاصة الثانية لها، فأقام بها شهوراً ثم عزل عنها، وولّي الرّملة، وبها مات سنة أربع عشرة وثلاثمئة.
عمر بن السّرّاج
من متصوّفة أهل دمشق، من أقران أحمد بن أبي الحواري وقاسم الجوعيّ.
عمر المروزيّ
عن ابن جهضم الهمذانيّ، قال: حدّثني عمر المروزيّ بأنطاكية وقد اجتمعنا جماعةً نريد دمشق، فقال لي: هؤلاء الجماعة يصلحون أن نصحبهم؟ فقلت: ما علمت إلاّ خيراً، فأيش أنكرت؟ فقال: اعلم أني خرجت من الموصل وحدي، فلمّا صرت على الطّريق صحبني رجل وقال: نصطحب(19/171)
إلى حرّان. فقلت: نعم. فمشى ساعة، وقلت له: تقدّم أنت حتى أبول؛ فأبطأت عليه، فمشى وتركني؛ ثم لقيني آخر فقال: إلى حرّان؟ فقلت: نعم. فقال: نصطحب، ومشينا يومنا، فلمّا كان من الغد قلت له: تقدّم حتى أبول؛ فأبطأت عليه، فتركني ومشى، ثم آخر وآخر حتى قربت من حرّان وأنا وحدي، فرأيت رجلاً أسود دميماً حقيراً جالساً على الطّريق، فلمّا رآني بشّ بي وقال: إلى حرّان؟ قلت: نعم. فمشينا ساعةً ثم قلت له: تقدّم فأنا ألحقك. فطرح نفسه على الطّريق، فلحقته وقلت له: شغلت قلبي بجلوسك تنتظرني، فما تطهّرت كما أريد. فجلس وقال: تطهّر كيف شئت. وأعطاني ما كان معه، فقلت له: تقدّم؛ وجلست وأبطأت ساعةً كبيرةً أختبره، ثم انضجعت، فرأى فقام وجاء إلى عندي وأخرج من وسطه زمّارة وجلس عند رأسي ونفخ فيها؛ فقلت: الحق المنزل. فقال: قد مشينا ساعةً ووجب حقّ بعضنا على بعض، ليس نفترق. وهو الذي بحذاك تراه، فلم يزل معنا إلى دمشق، وخرجنا إلى مصر وهو معنا، وخرجنا إلى الحجاز وهو معنا، أطيب الجماعة نفساً وأخفّهم روحاً، وأكثرهم خدمةً، وأرفقهم بأصحابه.
عمر المغربيّ
شيخ من أهل العلم والصلاح. مات في شهر رمضان من سنة سبع وثمانين وأربعمائة.(19/172)
عمرو بن أحمد بن رشيد
أبو المذحجيّ الطّبرانيّ روى عن عبد الرّحمن بن القاسم بن الرّوّاس الدّمشقيّ، بسنده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربع لا يشبعن من أربع، عين من نظر، وأرض من مطر، وأنثى من ذكر، وعالم من علم ".
عمرو بن أحمد بن معاذ
ويقال: عمرو بن معاذ العنسيّ الدّرانيّ حدّث عن أبي موسى عمران بن موسى الطّرسوسيّ بكتاب التّفسير لسنيد بن داود، بسنده إلى ابن عبّاس في قوله: " يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم " يعني بذلك أهل الكتاب، وكان كتابه على أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الرّجل والمرأة، يأكل ويشرب وينكح ما بينه وبين أن يصلّي العتمة أو يرقد، فإذا صلّى العتمة أو رقد منع من ذلك إلى مثلها من القابلة، فنسختها هذه الآية " أحلّ لكم ليلة الصّيام ".
وعنه، بسنده إلى الحسن البصريّ، قال: من قرأ الآيات " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " إلى آخرها، لم يفته شيء كان في يومه وليلته، وأدرك ما فاته في يومه وليلته.(19/173)
عمرو بن أحمد أبو زيد الجذوعيّ
العسكريّ روى عن أبي الطّيّب أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب الشيباني، بسنده إلى العرس بن عميرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النّار ".
عمرو بن الأحوص الجشميّ
شهد هو وزوجه أم سليمان مع النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجّة الوداع، ورويا حديثاً عنه؛ وشهد عمرو اليرموك. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في حجّة الوداع: " أيّ يوم هذا؟ " ثلاث مرّات، قالوا: يوم الحجّ الأكبر؛ قال: " فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا لا يجني جان إلاّ على نفسه ولا يجني والد على ولده، ألا إن الشّيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون طاعة له في بعض ما تحتقرون من أعمالكم يرضى بها، ألا إن كلّ دم من دماء الجاهليّة موضوع، وأوّل ما أضع منها دم الحارث بن عبد المطّلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل ألا وكلّ رباً من ربا الجاهليّة موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا يا أمّتاه هل بلّغت؟ " قالوا: نعم. قال: " اللهم اشهد ". وقال: وقع الطّاعون ونحن باليرموك، فأتانا عمر بن الخطّاب، فدخل أصحاب الرّايات ولم يدخل من الطّاعون.(19/174)
عمرو بن أسلم العابد
من أهل طرسوس، سكن دمشق.
روى عن سلم بن ميمون الخوّاص، بسنده إلى سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال سوق من الأسواق: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير: كتب الله له ألف حسنةً ".
وحدّث، قال: مات عندنا بالثّغر رجل فدفن، فلّما كان اليوم الثالث أتى الحفّارين رجل فسألهم أن يحفروا إلى جنب الميت قبراً، فحفروا، فانهار قبر المدفون إلى القبر الذي يحفرون، فإذا اللّبن منصوب وليس في اللّحد شيء! فقال أحدهما لصاحبه: أليس هذا نحن حفرنا؟ قال له صاحبه: بلى. قال: فاليوم الثالث؟ قال: نعم. قال: ويحك، فما في اللّحد شيء، فأنا أعرف أخا الميت؛ فذهب إليه وجاء به، فقال: هذا القبر تعرفه؟ قال: نعم، هذا قبر أخي. قال: فأنزله إلى القبر المحفور فنظر إلى قبر أخيه فإذا ليس في اللّحد شيء، واللّبن منصوب على حاله! فذهب أخو الميت إلى وكيع بن الجرّاح وكان عندنا في تلك السّنة بالثّغر قال: فقال له: يا أبا سفيان إن أخي مات ودفنّاه، فحفروا إلى جنبه يوم الثالث قبراً فانهار القبر إلى قبره فاطّلعت في لحده فإذا اللّبن منصوب وليس القبر شيء! قال: فقال له وكيع: سمعنا في حديث " من مات وهو يعمل عمل قوم لوط سار به قبره حتى يصير معهم، ويحشر يوم القيامة معهم ".(19/175)
عمرو بن أسماء أبو مرثد الرّحبيّ
ويقال: عمرو بن مرثد بن أسماء وهو أصحّ، يأتي بعد.
عمرو ويقال: عمير بن الأسود
أبو عياض ويقال: أبو عبد الرّحمن، العنسيّ الحمصيّ قيل: إنه سكن داريّا، وهو ممّن أدرك الجاهلية.
روى عن أبي الدّرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تأكل متكئاً ولا على غربال، ولا تتّخذن من المسجد مصلىً لا تصلّي إلاّ فيه، ولا تخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة فيجعلك الله لهم يوم القيامة ".
قال ابن سعد: وكان قليل الحديث، ثقةً. وقد كان معاوية ولاّه قضاء حمص، ثم استغناه فعزله.
عن ضمرة بن حبيب بن صهيب؛ أن عمرو بن الأسود مرّ بعمر بن الخطّاب وهو سائر إلى الشّام، فدخل على عمر، فلّما خرج من عند عمر قال عمر: من أحبّ أن ينظر إلى هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود.(19/176)
قال ابن مهنّا: وعمرو بن الأسود هذا عداده في التّابعين من الشّامييّن، ويقال: إنه كان بحمص، وإنّما صحّ عندنا أنه نزل داريّا وسكن بها فإن ولده عندنا بداريّا إلى اليوم، وقد يمكن أن يكون نزل حمص ثم انتقل عنها وصار إلى داريّا، وأعقبّ بها، والله أعلم.
عن عمرو بن الأسود، أنه مرّ على مجلس بني معاوية، فسلّم عليهم، فردّوا عليه السّلام، وقالوا: لو جلست إلينا يا أبا عياض. قال: وقد اتّخذتم هذا مجلساً؟ قالوا: نعم، ينصرف الرّجل منّا من المسجد فيلقي ثيابه ثم يخرج فيجلس فيه حتى يعدّ له طعامه ثم يخرج إلى الصّلاة. قال عمرو: إذا قد اتّخذتموه مجلساً ولا بدّ من ذلك فأدّوا حقّه. قالوا: وما حقّه؟ قال: تقصرون من الطّرف، وتردّون السّلام فإن ردّه فريضة من طاعة الله وتركه من معصية الله، وترشدون الأعمى، وتهدون الضّال، وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتعينون المظلوم، وتأخذون على يد الظّالم. قال العجليّ: شاميّ تابعيّ ثقة. كان يقول: مامن موتة أموتها أحبّ إليّ من أن أموت على أريكتي. قيل: يا أبا عبد الرّحمن، ولا شهادةً في سبيل الله؟ قال: وكيف لي أن أوتى بها صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر؟ وكان إذا خرج إلى المسجد قبض بيمينه على شماله: فسئل عن ذلك فقال: مخافة أن تنافق يدي؛ يعني كيلا يخطر بها في مشيته فيعجب فيكون نفاقاً. وقال: لا ألبس مشهوراً أبداً، ولا أملأ جوفي من طعام بالنّهار أبداً حتى ألقاه. توفي وهو صائم.(19/177)
عمرو بن أميّة بن خويلد
ابن عبد الله بن إياس بن عبد ناشرة بن كعب بن جديّ بن ضمرة بن بكر أبو أميّة الضّمريّ، صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شهد معه مشاهد، وكان في غزاة تبوك، وتوجّه منها مع خالد بن الوليد إلى دومة الجندل، وبعثه خالد إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره بأخذ أكيدر صاحب دومة تقدّم ذكر ذلك في ترجمة أكيدر وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريّةً وحده، وأرسله إلى النّجاشيّ يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، وحدّث عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مرّ عثمان بن عفّان أو عبد الرّحمن بن عوف بمرط فأستغلاه، فمرّ به على عمرو بن أميّة فاشتراه، فكساه امرأته سخيلة بنت عبيدة بن الحارث بن المطّلب؛ فمرّ به عثمان أو عبد الرّحمن بن عوف فقال: ما فعل المرط الذي ابتعت؟ قال عمرو: تصدّقت به على سخيلة بنت عبيدة؛ فقال: إن كل ما صنعت إلى أهلك صدقة؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذاك. فذكر ما قال عمرو لرسول الله عليه وسلم فقال: " صدق عمرو، كلّ ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم ".
قال محمد بن سعد: وشهد عمرو بن أميّة بدراً وأحداً مع المشركين، ثم أسلم حين انصرف المشركون عن أحد، وكان رجلاً شجاعاً له إقدام. قال محمد بن عمر: فكان أول مشهد شهده عمرو بن أميّة مسلماً بئر معونة في صفر(19/178)
على رأس ستة وثلاثين شهراً من الهجرة، فأسرته بنو عامر يومئذ، فقال له عامر بن الطّفيل: إنه قد كان على أمّي نسمة فأنت حرّ عنها؛ وجزّ ناصيته.
وقدم المدينة فأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل من قتل من أصحابه ببئر معونة، فقال رسول الله عليه وسلم: " أنت من بينهم؟ " يعني أفلتّ ولم تقتل كما قتلوا. ولمّا دنا عمرو من المدينة منصرفاً من بئر معونة لقي رجلين من بني كلاب فقاتلهما ثم قتلهما، وقد كان لهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمان، فوداهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهما القتيلان اللّذان خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني النّضير يستعينهم في ديتهما. قال: وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أميّة ومعه سلمة بن أسلم بن حريش الأنصاري سريّةً إلى مكّة، إلى أبي سفيان بن حرب، فعلم بمكانهما فطلبا فتواريا، وظفر عمرو بن أميّة في تواريه ذلك في الغار بناحية مكّة بعبيد الله بن مالك بن عبيد الله التّيميّ فقتله، وعمد إلى خبيب بن عديّ وهو مصلوب فأنزله عن خشبته، وقتل رجلاً من المشركين من بني الدّيل، أعور طويلاً؛ ثم قدم المدينة، فسرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدومه ودعا له بخير. وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النّجاشيّ بكتابين كتب بهما إليه، في أحدهما أن يزوّجه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وفي الآخر يسأله أن يحمل إليه من بقي عنده من أصحابه. فزوّجه النّجاشي أمّ حبيبة، وحمل إليه أصحابه في سفينتين. وكانت لعمرو بن أميّة دار بالمدينة عند الحكّاكين ويعني الخرّاطين ومات بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان.
وقال ابن ماكولا: صحب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وشهد يوم بئر معونة ولم يفلت غيره، خلاّه عامر بن الطّفيل حين قال له: إنّي من مضر؛ وأنفذه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس مرّات: مرّةً إلى النّجاشيّ(19/179)
يدعوه إلى الإسلام، ومرّةً إلى النّجاشيّ يخطب له أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، ومرّةً يقدم بجعفر بن أبي طالب، ومرّةً إلى مسيلمة الكذّاب، ومرّةً ليقتل أبا سفيان بن حرب غيلة فحطّ خبيب بن عديّ عن خشبته.
عن جعفر بن عمرو بن أميّة، قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة نفر إلى أربعة وجوه، فبعث عمرو بن أميّة إلى النّجاشيّ، فلمّا أتى عمرو بن أميّة النّجاشيّ وجد لهم باباً صغيراً يدخلون منه مكبّرين، فلمّا رأى ذلك عمرو ولّى ظهره ودخل القهقرى. قال: فشقّ ذلك على الحبشة في مجلسهم عند النّجاشيّ حتى همّوا به، حتى قالوا للنّجاشيّ: إن هذا لم يدخل كما دخلنا. فقال له: ما منعك أن تدخل كما دخلوا؟ قال: إنّا لا نصنع هذا بنبيّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو صنعناه بأحد صنعناه به. قال: دعوه. قالوا للنّجاشيّ: إن هذا يزعم أن عيسى مملوك. قال: فقال: ما تقولون في عيسى؟ قال: كلمة الله وروحه. قال: ما استطاع عيسى أن يعدو ذلك. توفي في خلافة معاوية قبل السّتين.
عمرو بن أميّة بن عمرو
ابن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس القرشيّ الأمويّ وفد على هشام بن عبد الملك.
ذكر أبو محمد عبد الله بن سعد القطربّليّ في كتاب " محاورات قريش " قال: قدم عمرو بن أميّة ابن عمرو بن سعيد على هشام فجفاه، فقال: من الوافر
لعمرك للرّبيع أقلّ ديناً ... وأكثر صامتاً منّي مراراً
وأفضل زائراً منّي مراراً ... وأجدر بالرّصافة أن يزارا(19/180)
الرّبيع صاحب هشام، وكان الرّبيع كاتباً لهشام ثمّ استحجبه. ولم أجد ذكر عمرو بن أميّة هذا إلاّ من هذا الوجه.
عمرو بن بحر بن محبوب
أبو عثمان البصريّ، المعروف بالجاحظ عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: دخلت على عمرو بن بحر الجاحظ، فقلت له: حدّثني بحديث، فقال: نا حجّاج بن محمد، نا حمّاد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصّلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة ".
وعن أبي بكر بن أبي داود، قال: كنت بالبصرة فأتيت منزل الجاحظ عمرو بن بحر، فاستأذنت عليه، فاطّلع إليّ من خوخة، فقال: من هذا؟ فقلت: رجل من أصحاب الحديث. فقال: ومتى عهدتني أقول بالحشويّة؟ فقلت: إنّي ابن أبي داود. فقال: مرحباً بك وبأبيك. فنزل ففتح لي وقال: ادخل، أيش تريد؟ فقلت: تحدّثني بحديث. فقال: اكتب؛ نا حجّاج، عن حمّاد، عن ثابت، عن أنس، أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى على طنفسة. قلت: حديثاً آخر. فقال: ابن أبي داود لا يكذب.
وروى عن أبي يوسف القاضي، قال: تغدّيت عند هارون الرّشيد، فسقطت من يدي لقمة فانتثر ما كان عليها من الطّعام؛ فقال: يا يعقوب خذ لقمتك، فإن المهديّ حدّثني عن أبيه المنصور، عن أبيه(19/181)
محمد بن علي، عن أبيه علي بن عبد الله، عن أبيه ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل ما سقط من الخوان فرزق أولاداً كانوا صباحاً ".
ذكر أبو عثمان الجاحظ في كتاب الحيوان، قال: واحتاج أصحابنا إلى التّسليم من عضّ البراغيث أيّام كنّا بدمشق، ودخلنا أنطاكية، فاحتالوا لبراغيثها بالأسرّة فلم ينتفعوا بذلك، لأن براغيثهم نوعان: الأبجل والبقّ.
وقال أبو العنبس الصّيمريّ: وجدت عن الجاحظ أنه قال: سافرت مع الفتح يعني ابن خاقان إلى دمشق.
قال أبو بكر الخطيب: أبو عثمان الجاحظ؛ المصنّف، الحسن الكلام، البديع التّصانيف، كان من أهل البصرة، وأحد شيوخ المعتزلة، وقدم بغداد فأقام بها مدّة، وقد أسند عنه أبو بكر بن أبي داود، وهو كنانيّ صليبة، وقيل: مولى، وكان تلميذ أبي إسحاق النظّام.
وذكر يموت بن المزرّع: أن الجاحظ عمرو بن بحر بن محبوب مولى أبي القلمّس عمرو بن قلع لكناني ثم الفقيميّ، وكان جدّ الجاحظ أسود، وكان جمّالاً لعمرو بن قلع.
قال يموت: والجاحظ خال أمّي.
عن أبي بكر العمريّ، قال: سمعت الجاحظ يقول: نسيت كنيتي ثلاثة أيّام، فأتيت أهلي فقلت: بمن أكنّى؟ فقالوا: بأبي عثمان.
حدّث الجاحظ سنة ثلاث وخمسين ومئتين، عن ثمامة بن أشرس، قال: شهدت رجلاً يوماً من الأيّام وقد قدّم خصماً له إلى بعض الولاه، فقال: أصلحك الله، ناصبيّ رافضيّ جهميّ مشبّه مجبّر قدريّ، يشتم الحجّاج بن الزّبير الذي(19/182)
هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان، ويلعن معاوية بن أبي طالب! فقال له الوالي: ما أدري ممّ أتعجّب، من علمك بالأنساب أو من معرفتك بالمقالات؟ فقال: أصلحك الله، ما خرجت من الكتّاب حتى تعلّمت هذا كلّه! قال عليّ بن القاسم الأديب الخوافي: حدّثني بعض إخواني: أنه دخل على عمرو بن الجاحظ، فقال: يا أبا عثمان، كيف حالك؟ فقال له الجاحظ: سألتني عن الجملة فاسمعها منّي واحداً واحداً؛ حالي أن الوزير يتكلّم برأيي وينفذ أمري، ويواثر الخليفة الصّلات إليّ، وأكل من لحم الطّير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها؛ وأجلس على ألين الطّبريّ، وأتّكىء على هذا الرّيش، ثم أصبر حتى يأتي الله بالفرج! فقال له الرّجل: الفرج ما أنت فيه. قال: بل أحبّ أن تكون الخلافة لي، ويعمل محمد بن عبد الملك بأمري، ويختلف إليّ، فهذا هو الفرج! قال محمد بن يزيد المبرّد: سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه: أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى كرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.
وقال أبو سعيد الجنديسابوريّ: سمعت الجاحظ يصف اللّسان، قال: هو أداة يظهر بها البيان، وشاهد يعبّر عن الضّمير، وحاكم يفصل الخطاب، وناطق يردّ به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، وواعظ ينهى عن القبيح، ومعزّ يردّ الأحزان، ومعتذر يدفع الضّغينة، ومله يوثق الأسماع، وزارع يحدث المودّة، وحاصد يستأصل المودّة، وشاكر يستوجب المزيد، ومادح يستحقّ الزّلفة، ومؤنس يذهب بالوحشة. وقال: قليل الموعظة مع نشاط الموعوظ خير من كثير وافق من الأسماع نبوةً ومن القلوب ملالةً. وقال: خمس يضنين؛ سراج لا يضيء، ورسول بطيء، وطعام ينتظر به، وإبريق يسيل، وبيت يكف.(19/183)
قال المبّرد: رأيت الجاحظ يكتب شيئاً، فتبسّم. فقلت: ما يضحكك؟ فقال: إذا لم يكن القرطاس صافياً، والمداد نامياً، والعلم مواتياً، والقلب خالياً، فلا عليك أن تكون غائباً.
وعن يموت بن المزرّع، قال: قال لنا عمرو بن بحر الجاحظ: ما غلبني قطّ إلاّ رجل وامرأة؛ فأمّا الرّجل، فإني كنت مجتازاً في بعض الطّرق، فإذا أنا برجل قصير بطين كبير الهامة طويل اللّحية، متّزر بمئزر، وبيده مشط يسقي به شقّةً ويمشطها بيده؛ فقلت في نفسي: رجل قصير بطين ألحى! فاستزريته. فقلت: أيّها الشّيخ، قد قلت فيك شعراً. قال: فترك المشط من يده، وقال: قل. فقلت: من الوافر
كأنّك صعوة في أصل حشّ ... أصاب الحشّ طشّ بعد رشّ
فقال لي: اسمع جواب ما قلت. فقلت: هات. قال: من الوافر
كأنك كندر في ذنب كبش ... يدلدل هكذا والكبش يمشي
وأمّا المرأة؛ فإني كنت مجتازاً في بعض الطّرقات، فإذا بامرأتين، وكنت راكباًعلى حمارة، فضرطت الحمارة؛ فقالت إحداهما للأخرى: حمارة الشّيخ تضرط! فغاظني قولها، فأعننت، ثم قلت لها: إنه ما حملتني أنثى إلاّ ضرطت. فضربت بيدها على كتف الأخرى وقالت: كانت أمّ هذا منه تسعة أشهر في جهد جهيد.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق: قال لي إبراهيم بن محمود ونحن ببغداد: ألا تدخل على عمرو بن بحر الجاحظ؟ فقلت: ما لي له؟ قال: إنك إذا انصرفت إلى خراسان سألوك عنه، فلو دخلت عليه وسمعت كلامه. ثم لم يزل بي حتى دخلت عليه يوماً، فقدّم إلينا طبقاً عليه رطب،(19/184)
فتناولت منه ثلاث رطبات، وأمسكت، ومرّ فيه إبراهيم، فأشرت إليه أن يمسك، فرمقني الجاحظ فقال لي: دعه يا فتى، فقد كان عندي في هذه الأيام بعض إخواني فقدّمت إليه الرّطب فامتنع، فحلفت عليه، فأبى إلاّ أن يبرّ قسمي بثلاثمئة رطبة.
قال الجاحظ: رأيت جارية ببغداد في سوق النّخّاسين ينادى عليها، فدعوت بها، وجعلت أقلّبها، فقلت: ما أسمك؟ قالت: مكّة. قلت: الله أكبر، قد قرّب الله الحجّ؛ أتأذنين أن أقبّل الحجر الأسود؟ قالت: إليك عنّي، وألم تسمع الله تعالى يقول: " لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس ". قال أبو العيناء: كان الجاحظ يأكل مع محمد بن عبد الملك الزّيّات، فجاؤوا بفالوذجة، فتولّع محمد بالجاحظ وأمر أن يجعل من جهته ما رقّ من الجام، فأسرع في الأكل، فتنّظف ما بين يديه؛ فقال ابن الزّيات: تقشّعت سماؤك قبل سماء النّاس! فقال له الجاحظ: لأن غيمها كان رقيقاً.
وقال أبو العيناء: كنت عند ابن أبي داؤد بعد قتل ابن الزّيّات، فجيء بالجاحظ مقيداً وكان في أسبابه وناحيته وعند ابن أبي داؤد محمد بن منصور وهو إذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان فقال ابن أبي داؤد للجاحظ: ما تأويل هذه الآية " وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "؟ فقال: تلاوتها تأويلها أعزّ الله القاضي. فقال: جيئوا بحدّاد. فقال: أعزّ الله القاضي ليفكّ عني أو ليزيدني؟ قال: بل ليفكّ عنك. قال: فجيء بالحدّاد، فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أمره قليلاً؛ ففعل، فلطمه الجاحظ، فقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم(19/185)
في ساعة، وعمل ساعة في لحظة، فإن الضّرر على ساقي، وليس بجذع ولا ساجة. فضحك ابن أبي داؤد وأهل المجلس منه. وقال ابن أبي داؤد لمحمد بن منصور: أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه.
قال المبرد: حدّثني الجاحظ، قال: وقفت أنا وأبو حرب على قاصّ، فأردت الولوع به فقلت لمن حوله: إنه رجل صالح لا يحبّ الشّهرة فتفرّقوا عنه. فتفرّقوا عنه، فقال لي: الله حسيبك، إذا لم ير الصّياد طيراً كيف يمدّ شبكته؟
قال يموت بن المزرّع: سمعت خالي عمرو بن بحر الجاحظ يقول: أمليت على إنسان مرّةً: انا عمرو، فاستملى انا بشر، وكتب انا زيد.
عن يحيى بن علي، قال: حدّثني أبي، قال: قلت للجاحظ: إني قرأت في فصل من كتابك المسمّى كتاب " البيان والتبيّن ": إن ممّا يستحسن من النّساء اللّحن في الكلام، واستشهدت ببيتي مالك بن أسماء يعني قوله: من الخفيف
وحديث ألذّه هو ممّا ... ينعت النّاعتون يوزن وزناً
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحناً
قال: هو كذلك. قلت: أفما سمعت بخبر هند بنت أسماء بن خارجة مع الحجّاج حين لحنت في كلامها، فعاب ذلك عليها، فاحتجّت ببيتي أخيها؟ فقال لها: إن أخاك أراد أن المرأة فطنة، فهي تلحن بالكلام إلى غير المعنى في الظّاهر لتستر معناه، وتورّي عنه، وتفهمه من أرادت بالتّعريض، كما قال الله تعالى: " ولتعرفنّهم في لحن القول " ولم يرد الخطأ من الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد. فوجم الجاحظ ساعةً ثم قال: لو سقط إليّ هذا الخبر لما قلت ما تقدّم. فقلت له:(19/186)
فأصلحه. فقال: الآن، وقد سار الكتاب في الآفاق؟ هذا لا يصلح؛ أو نحو هذا من الكلام.
أنشد أبو العيناء للجاحظ: من الوافر
يطيب العيش أن تلقى حكيماً ... غذاه العلم والظّنّ المصيب
فيكشف عنك حيرة كلّ جهل ... وفضل العلم يعرفه الأديب
سقام الحرص ليس له شفاء ... وداء الجهل ليس له طبيب
وأنشد المبرّد للجاحظ: من السريع
إن حال لون الرّأس عن حاله ... ففي خضاب الرّأس مستمتع
هب من له شيب له حيلة ... فما الذي يحتاله الأصلع
قال إبراهيم بن رباح: أتاني جماعة من الشعراء فأنشدوني، وكلّ واحد منهم يدّعي أنه مدحني بهذه الأبيات، وأعطي كلّ واحد منهم عليها، وهي: من المتقارب
بدا حين أثرى بإخوانه ... ففلّل عنهم شباة العدم
وذكّره خصّة الله بالمكرما ... ت فمازج منه الحياء الكرم
إذا همة قصرت عن يد ... تناولها بجزيل الهمم
ولا ينكث الأرض عند السؤا ... ل ليقطع زوّاره عن نعم
قال إبراهيم: فكان اللاحقيّ منهم، وأحسبها له؛ ثم آخر من جاءني الجاحظ، وأنا والي الأهواز، فأعطيته عليها مالاً؛ ثم كنت عند ابن أبي داؤد فدخل إلينا الجاحظ، فالتفت إليّ ابن أبي داؤد فقال: يا أبا إسحاق قد امتدحت بأشعار كثيرة ما سمعت شيئاً رفع قلبي وقبلته نفسي مثل أبيات مدحني بها أبو عثمان؛ ثم أنشدتها بحضرته:
بدا حين أثرى بإخوانه.....(19/187)
فقلت: جدّ أيّدك الله مقالاً. فقال: وعجبت من عمرو وسكوته، ولم أذكر من ذلك شيئاً.
قال أبو سعيد البصريّ: قدمت على الجاحظ بعدما كبر سنّه، فقلت له: حدّثني. فقال: اكتب؛ الأمصار عشرة: الصّناعة بالبصرة، والفصاحة بالكوفة، والتّخنّث ببغداد، والغدر بالرّيّ، والجفاء بنيسابور، والحسد بهراة، والطّرمذة بسمرقند، والمروءة ببلخ، والبخل بمرو، والتّجارة بمصر.
قال أبو العيناء: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك وأدخلنا على الشيوخ ببغداد فقبلوه، إلاّ ابن أبي شيبة العلويّ فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله. فأبى أن يقبله. وكان أبو العيناء يحدّث بهذا بعدما مات.
حدّث ابن أبي الذ يّال المحدّث بسرّ من رأى، قال: حضرت وليمةً حضرها الجاحظ، وحضرت صلاة الظّهر، فصلّينا وما صلّى الجاحظ، وحضرت صلاة العصر فصلّينا وما صلّى الجاحظ؛ فلمّا عزمنا على الانصراف قال الجاحظ لصاحب المنزل: إني ما صلّيت لمذهب أو لسبب أخبرك به. فقال له أو فقيل له: ما أظنّ أن لك مذهباً في الصّلاة إلاّ تركها.
قال المبرّد: دخلت على الجاحظ في آخر أيّامه وهو عليل، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفّ مفلوج ولو نشر بالمناشير ما أحسّ به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذّباب بقربه لآلمه؛ والآفة في جميع هذا أني قد جزت التّسعين. ثم أنشدنا: من الوافر
أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيّام الشّباب(19/188)
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الثّياب
قال الصّوليّ: مات الجاحظ سنة خمس وخمسين ومئتين.
عمرو بن بشر بن السّرح
أبو بشر العنسيّ من أهل دمشق.
روى عن الوليد بن سليمان، بسنده إلى نعيم بن همّار الغطفانيّ، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال الله تعالى: ابن آدم لا تعجزّني من أربع ركعات في أوّل النّهار أكفك آخره ".
وعن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسّاني، عن ضمرة بن حبيب، عن أبي الدّرداء، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يحبّ القلب الحزين ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه ".
قال عنه أبو حاتم: محلّه الصّدق، ما به بأس.
وقال العقيليّ: منكر الحديث.(19/189)
عمرو بن يزيد بن محمد
ابن عبد الله ابن عمرو بن المؤمّل بن حبيب بن تميم بن عبد الله ابن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ أبو بكر القرشيّ المؤمليّ العدويّ قاضي دمشق للرّشيد والأمين، وهو أخو عمر بن أبي بكر. مات في الفتنة التي كانت بين المأمون ومحمد.
عمرو بن أبي بكر بن يزيد
ابن معاوية بن أبي سفيان الأمويّ أمّه أم أبان بنت خالد بن عمرو بن عثمان بن عفّان.
عمرو بن جامع بن عمرو
ابن محمد بن حرب أبو الحسن الكوفيّ سكن دمشق، وحدّث بها.
حدّث عن عمران بن موسى الطّرسوسيّ، عن أبي صالح كاتب اللّيث، عن يحيى بن أيّوب الخزاعيّ، قال: سمعت من يذكر أنه كان في زمن عمر بن الخطّاب شابّ متعبّد قد لزم المسجد، وكان عمر به معجباً، وكان له أب شيخ كبير، فكان إذا صلّى العتمة انصرف إلى أبيه، وكان طريقه على باب امرأة فافتنت به، فكانت تنصب نفسها له على طريقه؛ فمرّ بها ذات ليلة، فما زالت تغويه حتى تبعها، فلمّا أتى الباب دخلت، وذهب يدخل فذكر الله عزّ جلّ، وجلّي عنه، ومثلت هذه الآية على لسانه " إنّ الّذين اتقوا الله إذا مسّهم طائف من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون ". قال: فخرّ الفتى مغشيّاً عليه؛ فدعت المرأة جاريةً لها فتعاونتا عليه فحملتاه إلى بابه، واحتبس على أبيه، فخرج أبوه يطلبه فإذا به على الباب مغشيّاً عليه، فدعا بعض أهله فحملوه فأدخلوه، فما أفاق حتى ذهب من اللّيل ما شاء الله عزّ وجلّ؛ فقال له أبوه: يا بنيّ مالك؟ قال: خير. قال: فإني أسألك. قال: فأخبر بالأمر. قال: أي بنيّ، وأيّ آية قرأت؟ فقرأ الآية التي كان قرأ، فخرّ مغشيّاً عليه، فحرّكوه فإذا هو ميّت؛ فغسّلوه وأخرجوه ودفنوه ليلاً. فلمّا أصبحوا رفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فجاء عمر إلى أبيه فعزّاه به، وقال: ألا آذنتني؟ قال: يا أمير المؤمنين، كان اللّيل. قال: فقال عمر: فاذهبوا بنا إلى قبره. قال: فأتى عمر ومن معه القبر. فقال عمر: يا فلان " ولمن خاف مقام ربّه جنّتان " فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر قد أعطانيهما ربّي عزّ وجلّ في الجنّة. مرتين.
قال أبو الحسين الرّازي: سكن دمشق بباب البريد، مات في شوال سنة ثلاثين وثلاثمئة.
عمرو بن جزء الخولانيّ
من ساكني داريّا، غزا مع بسر بن أبي أرطاة. قال: كنت مع أبي مسلم الخولانيّ بأرض الرّوم مع بسر بن أبي أرطاة، ونحن شاتون، فحرست ليلةً مطيرةً، فجئت وقد ابتلّت ثيابي، فإذا أبو مسلم وأصحابه قد أوقدوا ناراً(19/191)
عظيمةً، فلمّا رآني أقبل أبو مسلم يهرول إليّ فقال: وجبت وربّ الكعبة يقولها ثلاثاً استغفر لي يا بن أخي. ثم نزع ثيابي فجفّفها ثم ضمّني إليه حتى أدفأني.
عمرو بن الجنيد بن عبد الرّحمن المرّيّ
عمرو بن الحارث بن عبد الله
العامريّ مولى بني عامر بن لؤيّ كان على خاتم عبد الملك بعد قبيصة بن ذؤيب، وقيل: كان كاتبه، وكان على خاتم الوليد بن عبد الملك.
روى عن محمود بن الرّبيع، عن عبادة بن الصّامت: أن محموداً صلّى إلى جنبه يوماً، فسمعه يقرأ وراء الإمام، فسأله حين انصرف عن ذلك، فقال له: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمّنا يوماً، فانصرف إلينا وقد غلط في بعض القرآن، فقال: " هل قرأ معي أحد منكم؟ " قال " فقلنا: نعم. قال: " قد عجبت، قلت: من هذا الذي ينازعني القرآن، إذا قرأ الإمام فلا يقرأنّ أحد منكم معه إلاّ بأمّ القرآن ".
روى عن عبد الله بن سالم، بسنده إلى أبي بحريّة الكنديّ: أنه أخبره عن عمر، أنه خرج على مجلس فيه عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب والزّبير بن العوّام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقّاص وعبد الرّحمن بن عوف فقال: كلّكم يحدّث نفسه بالإمارة بعدي. قال: فسكتوا. فقال: كلّكم يحدّث نفسه بالإمارة بعدي. فقال الزّبير: نعم، كلّنا يحدّث نفسه بالإمارة بعدك ويراه لها أهلاً. قال: أفلا أحدّثكم عنكم؟ قال: فسكتوا. ثم قال: ألا أحدّثكم عنكم؟ فسكتوا. ثم قال: ألا أحدّثكم عنكم؟ قال الزّبير: فحدّثنا ولو سكتنا لحدّثتنا. فقال: أمّا أنت يا زبير فإنك(19/192)
كافرالغضب مؤمن الرّضا، يوماً تكون شيطاناً ويوماً تكون إنساناً أفرأيت يوماً تكون شيطاناً من يكون الخليفة يومئذ؟ أمّا أنت يا طلحة فلقد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنه عليك لعاتب. وأمّا أنت يا عبد الرّحمن فإنّك لما جاءك من خير لأهل. وأمّا أنت يا عليّ فإنك صاحب رياء وفيك دعابة. وإن منكم لرجلاً لو قسم إيمانه بين جند من الأجناد لأوسعهم، يريد عثمان بن عفّان. وأمّا أنت يا سعد فأنت صاحب مال. عمرو بن الحارث، مجهول العدالة، والمحفوظ عن عمر شهادته لهم بأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات وهو عنهم راض.
عمرو بن الحارث بن يعقوب
ابن عبد الله أبو أميّة الأنصاريّ، المصريّ الفقيه مولى قيس بن سعد بن عبادة وفد على يزيد بن الوليد ببيعة أهل مصر، في نفر من وجوههم، ثم خرج مع صالح بن علي الهاشميّ إلى الصّائفة فاجتاز بدمشق.
روى عن ابن شهاب، بسنده إلى عائشة؛ أن أمّ حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتحت عبد الرّحمن بن عوف(19/193)
استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن هذه ليست بالحيضة، ولكنّ هذا عرق فاغتسلي وصليّ ". قالت عائشة: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب جحش حتى تعلو حمرة الدّم الماء. ولد سنة اثنتين أو إحدى وتسعين، وتوفي سنة ثمان وأربعين ومئة، وكان أخطب النّاس وأرواه للشعر وأبلغه. وكان فقيهاً أديباً، وكان مؤدباً لولد صالح بن عليّ الهاشميّ، وكان ثقةً.
عن اللّيث، قال: كان بين عمرو بن الحارث وبين أبيه الحارث بن يعقوب في الفضل كما بين السّماء والأرض، وكان بين الحارث وبين أبيه يعقوب كما بين السّماء والأرض؛ وكان يعقوب أفضل من الحارث، وكان الحارث أفضل من عمرو.
وقال اللّيث: كنت أرى عمرو بن الحارث عليه أثواب بدينار، قميصه ورداؤه وإزاره، ثم لم تمض اللّيالي والأيّام حتى رأيته يجرّ الوشي والخزّ، فإنّا لله إليه راجعون.
قال عمرو بن الحارث: الشّرف شرفان؛ شرف العلم وشرف السّلطان، وشرف العلم أشرفهما.
قال أحمد بن حنبل: ليس فيهم يعني أهل مصر أصحّ حديثاً من اللّيث بن سعد، وعمرو بن الحارث يقاربه. توفي سنة سبع وأربعين ومئة، وقيل: ثمان وأربعين، وقيل: تسع وأربعين.(19/194)
عمرو بن حازم بن عمرو بن عيسى بن موسى بن سعيد
ويقال: عمرو بن حازم بن عمرو بن حازم بن خالد بن عمرو أبو الجهم القرشيّ سمع منه في سنة ستّ وتسعين ومئتين.
روى عن سليمان بن عبد الرّحمن، بسنده إلى أمّ سلمة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من أحد يلبس ثوباً ليباهي به أو لينظر النّاس إليه، لم ينظر الله إليه حتى ينزعه ".
وبه، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يمنعنّ أحدكم هيبة النّاس أن يقول الحقّ إذا رآه أو سمعه ".
عمرو بن حازم بن زيد
ابن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النّجّار أبو الضّحّاك ويقال: أبو محمد الأنصاريّ النّجّاريّ له صحبة، شهد الخندق مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعمله على نجران، وروى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. وقيل: إنه وفد على معاوية.(19/195)
قال: رآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا متكىء على قبر فقال: " لا توذ صاحب هذا القبر " أو قال: " لا تؤذه ".
وعنه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقعدوا على القبور ".
قال محمد بن سعد: استعمله النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نجران وهو ابن سبع عشرة سنة، وأدرك بيعة معاوية ليزيد ابنه، ومات بعد ذلك.
وقال أبو نعيم: أحد عمّال النّبيّ على اليمن، سكن المدينة، توفي في خلافة عمر بن الخطّاب، وقيل: بل توفي سنة أربع وخمسين؛ ويكنى أبا الضّحّاك؛ شهد الخندق هو وزيد بن ثابت، وكان أول مشهد شهده عمرو بن حزم.
عن عبد الله بن لأبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: هذا كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقّه أهلها، ويعلّمهم السّنّة، ويأخذ صدقاتهم؛ فكتب لهم كتاباً وعهداً، وأمره فيه بأمره، فكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من الله ورسوله " يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ".
عهد من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: أمره بتقوى الله في أمره كلّه، " فإنّ الله مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون "، وأمره أن يأخذ الحقّ كما أمره الله، وأن يبشّر النّاس بالخير ويأمرهم به،(19/196)
ويعلّم النّاس القرآن ويفقّههم فيه، وينهى النّاس فلا يمسّ أحد القرآن إلا وهو طاهر، ويخبر النّاس بالذي لهم والذي عليهم، ويلين لهم في الحقّ، ويشتدّ عليهم في الظّلم؛ فإن الله كره الظّلم ونهى عنه، وقال: " ألا لعنة الله على الظّالمين " ويبشّر النّاس بالجنّة وبعملها، وينذر النّاس النّار وعملها، ويتألّف النّاس حتى يفقهوا في الدّين، ويعلّم النّاس معالم الحجّ وسننه وفرائضه، وما أمره الله به في الحجّ الأكبر والحجّ الأصغر والحجّ الأصغر: العمرة وينهى النّاس أن يصلّي الرّجل في الثوب الواحد صغيراً، إلاّ أن يكون واسعاً فليخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرّجل في ثوب واحد ويفضي بفرجه إلىالسّماء، ولا يعقص شعر رأسه إذا عفا في قفاه، وينهى النّاس إذا كان بينهم هيج أن يدعوا بدعوى القبائل والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى العشائر والقبائل فليقطفوا بالسّيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. ويأمر النّاس بإسباغ الوضوء، وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين، وأن يمسحوا برؤوسهم كما أمرهم الله؛ وأمره بالصّلاة لوقتها، وإتمام الرّكوع والخشوع، وأن يغلّس بالصّبح ويهجّر بالهجرة حين تميل الشّمس، وصلاة العصر والشّمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل اللّيل ولا يؤخّر حين تبدو النّجوم في السّماء، والعشاء أوّل اللّيل؛ وأمره بالسّعي إلى الجمعة إذا نودي لها، والغسل عند الرّواح إليها. وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين في الصّدقة من العقار فيما سقت العين، وفيما سقت السّماء العشر، وفيما سقى الغرب فنصف العشر. وفي كلّ عشر الإبل شاتان، وفي عشرين أربع؛ وفي أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، جذع أو جذعة؛ وفي كلّ أربعين من الغنم سائمةً وحدها شاة، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصّدقة، فمن زاد فهو خير له. وأنه من أسلم من يهوديّ أو نصرانيّ إسلاماً خالصاً من نفسه، فدان دين الإسلام فإنه(19/197)
من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم؛ ومن كان على نصرانيّته أو يهوديتّه فإنه لا يغيّر عنها، وعلى كلّ حالم ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد دينار واف أو عوضه من الثّياب، فمن أدّى ذلك فإن له ذمّة الله وذمّة رسوله؛ ومن منع ذلك فإنه عدّو لله ورسوله وللمؤمنين جميعاً. صلوات الله على محمد النّبيّ، والسّلام عليه ورحمة الله وبركاته. توفي سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين.
عمرو بن الحسن بن عليّ
ابن أبي طالب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ الهاشميّ الحسنيّ خرج مع عمه الحسين بن علي إلى العراق، وكان فيمن قدم به دمشق مع علي بن الحسين.
قال الزّبير بن بكار: فأما
عمرو بن الحسن بن علي فولد محمداً وقد انقرض ولد عمرو بن الحسن بن علي، وكان رجلاً ناسكاً من أهل الصّلاح والدّين.
عمرو بن حصين السّكسكي
ويقال السّكونيّ من شجعاء أصحاب معاوية من فرسان أهل الشّام الذين شهدوا واقعة صفّين.
عن تميم بن حذلم، قال: خرج حريث مولى معاوية يومئذ، وكان شديداً ذا بأس، فقال: أها هنا عليّ؟(19/198)
هل لك يا علي في المبارزة؟ أقدم إذا شئت أبا حسن. فأقبل علي نحوه وهو يقول: من الرّجز
أنا عليّ وابن عبد المطّلب ... نحن لعمر الله أولى بالكتب
أهل اللّواء والمقام والحجب ... منّا النّبيّ المصطفى غير كذب
نحن نصرناه على جلّ العرب ... يا أيها العبد الغرير المنتدب
اثبت لنا يا أيّها الكلب الكلب
ثم التقيا فبدأه عليّ فقتله. فلمّا قتل حريثاً نهد إليه عمرو ابن الحصين السّكسكيّ، فقال: يا أبا الحسن، هلّم إلي المبارزة. فشدّ على عليّ فأثنى عليه عليّ وهو يقول: من الرجز
ما علّتي وأنا جلد صارم ... وعن يميني مذحج القماقم
وعن يساري وائل الخضارم ... والقلب منّي مضر الجماجم
أقسمت بالله العليّ العالم ... لا أنثني إلاّ بردّ الرّاغم
فحمل عليه عمرو ليضربه بالسّيف، وبذره سعيد بن قيس فطعنه بالرّمح فدقّ صلبه. فقام عليّ بين الصّفّين فنادى: ويلك يا معاوية، ابرز إليّ، علام نضرب بعض النّاس ببعض؟ فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص فقال له: ما ترى يا أبا عبد الله؟ فقال له عمرو: قد أنصفك الرّجل، واعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سبّةً عليك وعلى عقبك ما بقي عربيّ. فقال له معاوية: يا بن العاص، أمثلي يخدع عن نفسه؟ والله ما بارز ابن أبي طالب رجلاً إلاّ سقى الأرض من دمه.
عمرو بن حفص بن يزيد
أبو محمد الثّقفيّ روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متى وجببت لك النّبوّة؟ قال: " فيما بين خلق آدم ونفخ الرّوح فيه ".(19/199)
قال المصنّف: لا أدري هذا وابن شليلة إلاّ واحداً، والله أعلم.
عمرو ويقال عمر بن حفص بن شليلة
أبو هشام الثّقفيّ الدّمشقيّ البزّاز مولى الحجّاج بن يوسف، ويعرف بابن زبر، وكانت داره بدمشق بناحية باب السّلامة.
روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن اسم الله الأعظم لفي ثلاث سور من القرآن؛ في البقرة وآل عمران وطه ". قال: فالتمستها، فوجدت في البقرة آية الكرسيّ " الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم "، وفاتحة آل عمران " الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم "، وفي طه " وعنت الوجوه للحيّ القيّوم ".
وعنه، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متى وجبت لك النّبوّة؟ قال: " قيما بين خلق آدم ونفخ الرّوح فيه ".
قال عنه أبو حاتم: دمشقيّ صدوق.(19/200)
عمرو بن الحمق بن الكاهن
ابن حبيب بن عمرو بن ربيعة بن كعب الخزاعيّ له صحبة، سكن الكوفة ثم انتقل إلى مصر، وكان قد سيّره عثمان بن عفّان إلى دمشق.
روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من رجل أمّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً ".
وروى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تكون فتنة أسلم النّاس فيها أو خير النّاس فيها الجند الغربيّ " فلذلك قدمت عليكم مصر.
قال العجليّ: لم يرو عمرو بن الحمق عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير حديثين: " إذا أراد الله بعبد خيراً عسله ". وفي حديث آخر: " من ائتمن على نفسه رجلاً فقتله ".
قال المصنّف: كذا قال، وقد روينا له غيرهما.
عن معمر، قال: بلغني أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جالساً في أصحابه يوماً، فقال: " اللهم أنج أصحاب السّفينة " ثم مكث ساعةً فقال: " قد استمرّت " فلمّا دنوا من المدينة، قال: " قد جاؤوا يقودهم رجل صالح ".(19/201)
قال: والذين كانوا في السّفينة الأشعريّون، والذي قادهم عمرو بن الحمق الخزاعيّ؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أين جئتم؟ " قالوا: من زبيد. قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بارك الله في زبيد ". قالوا: وفي زمع. قال: " بارك الله في زبيد ". قالوا: وفي زمع يا رسول الله. قال في الثالثة: " وفي زمع ".
وعن عمرو بن الحمق الخزاعيّ: أنه سقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اللهم أمتعه بشبابه " فمرّت به ثمانون سنة لم ير الشعرة البيضاء.
وعن الأجلح بن عبد الله الكنديّ قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا عمرو أتحبّ أن أريك آية الجنّة؟ " قال: نعم يا رسول الله؛ فمرّ على عليّ فقال: " هذا وقومه آية الجنّة ". فلمّا قتل عثمان وبايع النّاس عليّاً لزمه فكان معه حتى أصيب؛ ثم كتب معاوية في طلبه وبعث من يأتيه به. قال الأجلح: فحدّثني عمران بن سعيد البجليّ، عن رفاعة بن شدّاد البجليّ وكان مؤاخياً لعمرو بن الحمق أنه خرج معه حين طلب، فقال لي: يا رفاعة، إن القوم قاتلي، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرني أن الجنّ والإنس تشترك في دمي؛ وقال لي: " يا عمرو إن أمنك رجل على دمه فلا تقتله فتلقى الله بوجه غادر ". قال رفاعة: فما أتمّ حديثه حتى رأيت أعنّة الخيل فودّعته، وواثبته حيّة فلسعته، وأدركوه فاحتزّوا رأسه فكان أول رأس أهدي في الإسلام. قتل سنة خمسين. وقيل: إحدى وخمسين.(19/202)
عمرو بن حويّ أبو حويّ السّكسكيّ
من وجوه أهل دمشق وشجعانهم، كان ممدوحاً وله شعر، ذكره دعبل بن عليّ الخزاعيّ، وذكر أنه كان صديقاً له، وقال: كان جواداً شريفاً، ولي الرّيّ ثلاث سنين، فأنشد له دعبل فيما حكاه محمد بن داود بن الجرّاح: من الطويل
هلمّ اسقينها لا عدمتك صاحباً ... ودونك صفو الرّاح إن كنت شاربا
إذا أسرت نفس المدام نفوسنا ... جنينا من اللّذّات عنها الأطايبا
أيا كوكباً لا يمسك اللّيل غيره ... بربّك لا تخبر علينا الكواكبا
ويا قمر اللّيل المفرّق بيننا ... تأخّر عن الإفياء بالله جانبا
ويا ليل لولا أن تشوبك غدرة ... بنا ما تبدّلنا بك الدّهر صاحبا
دعوت حفاظاً باسمها طرف ناظري ... فكان لها عيناً عليّ مراقبا
وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغسّاني الدّمشقيّ يرثي عمرو بن حويّ السّكسكيّ. من الوافر
فلو كان البكاء يردّ حقاً ... على قدر الرّزايا بالعباد
لكان بكاك بعد أبي حويّ ... يقلّ ولو جرى بدم الفؤاد
مضى وأقام ما دجت اللّيالي ... له مجد يجلّ عن النّفاد
فإن يك غاب وجه أبي حويّ ... فأوجه عرفه غرّ بوادي
عمرو بن الخبيب بن عمرو
وجّهه أبو عبيدة بن الجرّاح من مرج الصّفّر بعد وقعة اليرموك إلى فحل.؟؟(19/203)
عمر بن خير أبو خير الشّعبانيّ
قال: كنت مع كعب الأحبار على جبل دير مرّان فأراني لمعةً حمراء سائلةً في الجبل، فقال: هاهنا قتل ابن آدم أخاه وهذا أثر دمه جعله الله آية للعالمين؛ وويل لأربع قرايات من قرى الغوطة، داريّا، وبيت الآبار، والمزّة وبيت لهيا؛ وليفنينّ أربع قبائل حتى لا يبقى لهنّ داعية؛ عكّ وسلامان وخشين وشعبان.
عمرو بن الدّرفس
والصحيح عمر تقدّم في باب عمر.
عمرو بن الزّبير بن العوّام
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزّي بن قصيّ بن كلاب بن مرّة القرشيّ الأسديّ الزّبيري من الصّحابة، ولا أعرف له رواية، ووفد على معاوية ويزيد بن معاوية.
عن مصعب بن ثابت، أن عبد الله بن الزّبير كانت بينه وبين أخيه عمرو بن الزّبير خصومة؛ فدخل عبد الله بن الزّبير على سعيد بن العاص، وعمرو بن الزّبير معه على السّرير، فقال سعيد(19/204)
لعبد الله: هاهنا. فقال: لا، قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو سنّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الخصمين يقعدن بين يدي الحكم.
قال الزّبير: وأمّا عمرو بن الزّبير فكان من أجمل أهل زمانه.
قال محمد بن سعد: كتب يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد أن يوجّه إليه يعني عبد الله بن الزّبير جنداً، فسأل عمرو بن سعيد: من أعدى النّاس لعبد الله بن الزّبير؟ فقيل: أخوه عمرو بن الزّبير. فولاه شرطه بالمدينة؛ فضرب ناساً كثيراً من قريش والأنصار بالسّياط، وقال هؤلاء شيعة عبد الله بن الزّبير؛ وفرّ منه قوم كثير في نواحي المدينة، ثم وجّهه إلى عبد الله بن الزّبير في جيش من أهل الشّام ألف رجل وأمره بقتاله. فمضى عمرو بن الزّبير حتى قدم مكة فنزل بذي طوى، وأتى النّاس عمرو بن الزّبير يسلّمون عليه، وقال: جئت لأن يعطي عبد الله الطّاعة ليزيد ويبرّ قسمه، فإن أبى قاتلته. فقال له حنين بن شيبة: كان غيرك أولى بهذا منك، تسير إلى حرم الله وأمنه، وإلى أخيك في سنّه وفضله، تجعله في جامعة؟ ما أرى النّاس يدعونك وما تريد. قال: أرى أن أقاتل من حال دون ما خرجت له. ثم أقبل عمرو فنزل عند الصّفا، وجعل يرسل إلى أخيه ويرسل إليه أخوه، فيما قدم له. وكان عمرو يخرج فيصلّي بالنّاس وعسكره بذي طوى وابن الزّبير معه يشبك أصابعه في أصابعه ويكلّمه في الطّاعة ويلين له الكلام. فقال عبد الله بن الزّبير: ما بعد هذا شيء، إني لسامع مطيع، أنت عامل يزيد وأنا أصلّي خلفك، ما عندي خلاف، فأما أن تجعل في عنقي جامعة، ثم أقاد إلى الشّام، فإني نظرت في ذلك فرأيته لا يحلّ لي أن أحل بنفسي، فراجع صاحبك واكتب إليه. قال: لا، والله ما أقدر على ذلك. فهيّأ عبد الله بن صفوان قوماً كانوا معدّين مع ابن الزّبير من أهل السّراة وغيرهم،(19/205)
فعقد لهم لواء، وخرج عبد الله بن صفوان من أسفل مكة من اللبط، فلم يشعر أنيس بن عمرو الأسلميّ وهو على عسكر عمرو بن الزّبير إلاّ بالقوم، فصاح بأصحابه وهم قريب على عدّة فتصافّوا، فقتل أنيس بن عمرو في المعركة؛ ووجّه عبد الله بن الزّبير مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف في جمع إلى عمرو بن الزّبير، فلقوه فتفرّق أصحابه عنه وانهزم عسكره من ذي طوى، وجاء عبيدة بن الزّبير إلى عمرو بن الزّبير فقال: أنا أجيرك من عبد الله. فجاء به إلى عبد الله أسيراً والدّم يقطر على قدميه؛ فقال: ما هذا الدّم؟ فقال: من الطويل
لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدّما
فقال: وتكلم أي عدو الله، المستحلّ لحرمة الله!. فقال عبيدة: إني قد أجرته فلا تخفر جواري. فقال: أنا أجير جوارك لهذا الظّالم الذي فعل ما فعل، فأما حقّ النّاس فإني أقتصّ لهم منه. فضربه بكل سوط ضرب به أحداً من الذين بالمدينة وغيرهم، إلاّ محمد بن المنذر بن الزّبير فإنه أبى أن يقتصّ، وعثمان بن عبد الله حكيم بن حزام فإنه أبى أيضاً. وأمر به فحبس في حبس زيد عارم مع عمرو بن الزّبير فأخذه فحبسه مع عمرو بن الزّبير، فسميّ ذلك الحبس بسجن عارم، وبنى لزيد عارم ذراعين في ذراعين وأدخله وأطبق عليه بالجصّ والآجرّ. وقال عبد الله بن الزّبير: من كان يطلب عمرو بن الزّبير بشيء فليأتنا نقصّه منه؛ فجعل الرّجل يأتي فيقول: نتف أشعاري. فيقول: انتف أشعاره. وجعل الآخر يقول: نتف حلمتي. فيقول: انتف حلمته. وجعل الرّجل يأتي فيقول: لهزني. فبقول: الهزه. وجعل الرّجل يقول: نتف لحيتي. فيقول: انتف لحيته.(19/206)
وكان يقيمه كلّ يوم يدعو النّاس إلى القصاص منه سنةً؛ فقام مصعب بن عبد الرحمن بن عوف فقال: جلدني مئة جلدة بالسّياط، وليس بوال، ولم آت قبيحاً، ولم أركب منكراً، ولم أخلع يداًمن طاعة. فأمر بعمرو أن يقام ودفع إلى مصعب سوطاً، وقال له عبد الله بن الزّبير: اضرب. فجلده مصعب مئة جلدة بيده. فتعكّر جسد عمرو فمات، فأمر به عبد الله فصلب. قال: ثم صحّ من بعد ذلك الضّرب، ثم مرّ به عبد الله بن الزّبيربعد أن أخرجه من السّجن جالساً بفناء المنزل الذي كان فيه، فقال أبا يكسوم، ألا أراك حيّاً؟. فأمر به فسحب إلى السّجن، فلم يبلغ حتى مات. فأمر به عبد الله فطرح في شعب الجيف، وهو الموضع الذي صلب فيه عبد الله بن الزّبير بعد.
عمرو بن زرارة بن قيس
ابن الحارث بن عداء بن الحارث بن عوف ويقال: ابن عمرو بن جشم بن كعب بن قيس بن سعد بن مالك بن النّخع بن عمرو النّخعيّ من أهل الكوفة، أدرك عصر النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ممّن سيّره عثمان بن عفّان من الكوفة إلى دمشق.
عن سعيد بن عمرو بن زرارة
عن أبيه، قال: كنت جالساً عند النّبيّ فتلا هذه الآية " إن المجرمين في ضلال وسعر " إلى قوله: " بقدر ". فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نزلت هذه الآية في ناس يكذّبون بقدر الله عزّ وجلّ ".(19/207)
قال المصنّف: لا يحفظ لعمرو صحبة، وإنّما يقال: إن أباه زرارة له صحبة.
قال محمد بن سعد: وفد إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد النّخع، وهم مئتا رجل، وكانوا آخر وفد قدموا من اليمن، فقدموا للنّصف من المحرم سنة إحدى عشرة من الهجرة، فنزلوا في دار رملة بنت الحارث، ثم جاؤوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقرّين بالإسلام، وقد بايعوا معاذ بن جبل باليمن، فقال رجل منهم يقال له زرارة: يا رسول الله، إني رأيت في سفري هذا عجباً. قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما رأيت؟ " قال: رأيت أتاناً تركتها في الحيّ كأنها ولدت جدياً أسفع أحوى. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل تركت أمةً لك مصرّةً على حمل؟ " قال: نعم يا رسول الله، تركت أمة لي قد حملت. قال: " فإنها قد ولدت غلاماً، وهو ابنك ". قال: يا رسول الله، فما باله أسفع أحوى؟ قال: " ادن منّي " فدنا منه، فقال له: " هل بك من مرض تكتمه؟ " قال: نعم، والذي بعثك بالحقّ ما علم به أحد، ولا اطّلع عليه غيرك. قال: " فهو ذاك ". قال: يا رسول الله، ورأيت النّعمان بن المنذر عليه قرطان ودملجان ومسكتان. قال: " ذلك ملك العرب رجع إلى أحسن زيّه وبهجته ". قال: يا رسول الله، ورأيت عجوزاً شمطاء خرجت من الأرض. قال: " تلك بقيّة الدّنيا ". قال: ورأيت ناراً خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له عمرو، وهي تقول: لظى لظى، بصير وأعمى، أطعموني آكلكم أهلكم ومالكم. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تلك فتنة تكون في آخر الزّمان ". قال: يا رسول الله، وما الفتنة؟ قال: " يقتل النّاس إمامهم، ويشتجرون اشتجار أطباق الرّأس " وخالف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أصابعه " يحسب المسيء فيها أنه محسن، ويكون دم المؤمن أحلّ من شرب الماء، إن مات ابنك أدركت الفتنة، وإن متّ أنت أدركها ابنك ". فقال: يا رسول الله، ادع الله أن لا أدركها. فقال(19/208)
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم لا يدركها ". فمات، وبقي ابنه عمرو بن زرارة، فكان أول خلق الله خلع عثمان بالكوفة وبايع عليّاً.
عمرو بن سبيع الرّهاويّ
وفد على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعقد له لواء، وكان في جيش أسامة الذي خرج إلى البلقاء، وشهد مع معاوية صفّين.
حدّث عمرو بن هزّان بن سعيد الرّهاويّ، عن أبيه، قال: وفد رجل منّا يقال له: عمرو بن سبيع إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعقد له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لواءً، فقاتل بذلك اللّواء يوم صفّين مع معاوية؛ وقال في إتيانه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من الطويل
إليك رسول الله أعلمت نصّها ... تجوب الفيافي سملقاً بعد سملق
على ذات ألواح أكلّفها السّرى ... تخبّ برحلي مرّةً ثم تعنق
فما لك عندي راحة أو تلجلجي ... بباب النّبيّ الهاشميّ الموفّق
عتقت إذاً من رحلة ثم رحلة ... وقطع دياميم وهمّ مؤرّق
عمرو بن سعد بن الحارث
ابن عبّاد بن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر له صحبة، وشهد مؤتة، واستشهد بها.(19/209)
عمرو بن سعد الفدكيّ
مولى أمير المؤمنين عثمان بن عفّان. ذكر أبو زرعة الرّازي أنه دمشقيّ.
روى عن نافع، قال: سأل عمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: " نعم، ويتوضّأ ".
وعنه، عن ابن عمر: أن عمر بن الخطّاب خرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمرّ بثوب سيراء، فأقبل عمر يساومه، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ماذا تريد إليه؟ " قال: أشتريه لك يا رسول الله، فتلبسه يوم عيد، وإذا قدم عليك الوفد. قال: " لا يلبس هذا في الدّنيا إلاّ من لاخلاق له في الآخرة ".
قال عنه أبو زرعة: دمشقيّ ثقة.
عمرو بن سعيد بن إبراهيم
ابن طلحة بن عمرو بن مرّة الجهنيّ من أهل دمشق.
عمرو بن سعيد أبي أحيحة
ابن العاص بن أميّة بن عبد شمس أبو عتبة الأمويّ
أخو خالد وأبان، لهم صحبة.(19/210)
قدم دمشق مجاهداً، وقتل يوم أجنادين وأجنادين على قول سيف بعد اليرموك وفتح دمشق وحمص، فمن شهدها مّمن خرج أوّلاً فقد شهد الفتح وقيل: إنه قتل باليرموك. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استعمل عمرو بن سعيد على خيبر ووادي القرى وتيماء وتبوك، وقبض النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يليها له.
عن عبد الله بن عمرو بن سعيد بن العاص، قال: لمّا أسلم خالد بن سعيد وصنع به أبوه أحيحة ما صنع، فلم يرجع خالد عن دينه، ولزم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى خرج إلى الحبشة في الهجرة الثانية، غاظ ذلك أبا أحيحة وغمّه وقال: لأعتزلنّ في مالي لا أسمع شتم آبائي ولا عيب آلهتي، هو أحبّ إليّ من المقام مع هؤلاء الصّبأة. فاعتزل في ماله بالظّريبة نحو الطّائف، وكان ابنه عمرو بن سعيد على دينه، وكان يحبّه ويعجبه، فقال أبو أحيحة: من الطويل
ألا ليت شعري عنك يا عمرو سائلاً ... إذا شبّ واشتدّت يداه وسلّحا
أتترك أمر القوم فيه بلابل ... وتكشف غيظاً كان في الصدر موجحا
قال: فلمّا خرج أبو أحيحة إلى ماله بالظّريبة أسلم عمرو بن سعيد، ولحق بأخيه خالد بن سعيد بأرض الحبشة.
وعن أم خالد بنت خالد، قالت: قدم علينا عمّي عمرو بن سعيد أرض الحبشة بعد مقدم أبي بسنتين، فلم يزل هناك حتى حمل في السّفينتين مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقدموا على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بخيبر سنة سبع من الهجرة، فشهد عمرو مع النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفتح وحنين والطّائف وتبوك؛ فلمّا خرج المسلمون إلى الشّام كان فيمن خرج، فقتل يوم أجنادين شهيداً في خلافة أبي بكر الصّدّيق في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وكان على النّاس يومئذ عمرو بن العاص.(19/211)
قال الزّبير بن بكّار: وكان إسلام خالد متقدّماً، وأسلم أخوه عمرو وهاجرا جميعاً إلى أرض الحبشة، وكانا مّمن قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السّفينتين. ولعمرو وخالد يقول أبان بن سعيد أخوهما جميعاً: من الطويل
ألا ليت ميتاً بالظّريبة شاهد ... لما يفتري في الدّين عمرو وخالد
أطاعا بنا أمر النّساء فأصبحا ... يعينان من أعدائنا من نكايد
فأجابه عمرو بن سعيد، فقال: من الطويل
أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه ... ولا هو عن سوء المقالة مقصر
يقول إذا شكّت عليه أموره: ... ألا ليت ميتاً بالظّريبة ينشر
فدع عنك ميتاً قد مضى لسبيله ... وأقبل على الحيّ الذي هو أفقر
ثم أسلم أبان واستشهد بأجنادين.
عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد، عن أبيه: أن أعماماً له خالداً وعمراً بني سعيد رجعوا عن أعمالهم حين بلغتهم وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر: ما أحد أحقّ بالعمل من عمّال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارجعوا إلى أعمالكم. قال بنو أبي أحيحة: لا نفعل بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغيره. فخرجوا إلى الشّام فقتلوا جميعاً؛ وكان خالد على اليمن، وأبان على البحرين، وعمرو على تيماء وخيبر.
عن عبد الله بن قرط الثّماليّ وكان من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد نزل حمص وأقام بها قال: مررت يومئذ بعمرو بن سعيد ومعه رجال من المسلمين سبعة أو ثمانية، وهم بارزو أيديهم نحو العدوّ، ويقول: " يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم(19/212)
الأدبار " حتى فرغ من الآية ولكن الجنّة نعم المصير، ولمن؟ هي والله لمن يشري نفسه لله، وقاتل في سبيل الله. ونادى: يا أهل الإسلام، أنا عمرو بن سعيد بن العاص، لا تفرّوا فإنّ الله يراكم، ومن رآه فارّاً عن نصر دينه مقته، فاستحيوا من ربّكم أن يراكم تطيعون أبغض خلقه إليه الشّيطان الرّجيم وتعصونه وهو أرحم الرّاحمين. قال عبد الله بن قرط: ودنا القوم من الرّوم فحملوا حملةً منكرة فرّقت بيني وبين أصحابي، فانتهيت إلى عمرو بن سعيد. قال: فقلت في نفسي: ما أنا بواجد اليوم في هذا العسكر رجلاً أقدم صحبة ولا أقرب من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابةً من هذا الرّجل؛ فدنوت منه ومعي رمحي، وقد أحاطت به من العدوّ جماعةً، فحملت عليهم فأصرع منهم واحداً، ثم أقبلت إليه وأقف معه، ثم قلت له: يا ابن أبي أحيحة أتعرفني؟ قال: نعم، ألست أخا ثقيف؟ فقلت له: لم تبعد من الإخوان والجيران والحلفاء، أنا أخو ثمالة، أنا عبد الله بن قرط. قال: مرحباً بك، أنت أخي في الإسلام وأقرب نسباً، والله لئن استشهدت لأشفعنّ لك. قال: فنظرت فإذا هو مضروب على حاجبه بالسّيف، وإذا الدّماء قد ملأت عينيه، وإذا هو لا يستطيع أن يطرف ولا يستطيع أن يفتح عينيه من الدّم. قال: فقلت: أبشر بخير فإن الله معافيك من هذه الضّربة، ومنزل النّصر على المسلمين. قال: أمّا النّصر على أهل الإسلام فأنزله الله فعجّل، وأمّا أنا فجعل الله لي هذه الضّربة شهادةً وأهدى إليّ بأخرى مثلها، فوالله ما أحبّ أنها بعرض أبي قبيس، والله لولا أن قتلي يكسر بعض من ترى حولي لأقدمت على هذا العدوّ حتى ترى يا بن أخي أن ثواب الشّهادة عظيم، وأن الدّنيا دار لا نسلم فيها.
قال عبد الله: فما كان بأسرع أن شدّت علينا منهم جماعة، فمشى إليهم بسيفه فضاربهم ساعةً(19/213)
وانكشف الكفّار. قال: فشددنا عليهم فصرعنا منهم ثلاثة، وإذا نحن بصاحبنا صريع، وقد قتل وبه أكثر من ثلاثين ضربة ممّا رأوا من شدّة قتاله إيّاهم، فحنقوا عليه، فأخذوه يجزّعونه بأسيافهم.
وقال معاذ بن جبل حين حصر القتال: يا أهل الإسلام، إن هذا اليوم له ما بعده، غضّوا أبصاركم وقدّموا أقدامكم على عدوّكم، ولا تفارقوا ذراريكم، ولا تزولوا عن مصافّكم، والعدوّ منهزمون، وسوقوهم سوقاً، ولا تشاغلوا عنهم بغنائمهم ولا بما في عسكرهم، إني أخاف أن يكون لهم عليكم عطفة إن أنتم تفرّقتم واشتغلتم بغنائمكم واطلبوهم حتى لا ترونّ لهم جمعاً ولا صفّاً. فمضى المسلمون على راياتهم وصفوفهم يقتلون ويأسرون، فقتلوا منهم في المعركة أكثر من ثلاثة آلاف، وقتلوا في عسكرهم نحواً من ألفين، فخرجوا على ذلك والجند يتبعهم حتى اقتحموا في فحل، وفحل على الهوتة تحتها الماء. قال: وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.
عمرو بن سعيد بن العاص
ابن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس أبو أميّة الأموي المعروف بالأشدق وهو ابن ابن أخي المذكور آنفاً. ولاّه معاوية ويزيد المدينة، ثم إنه بعد ذلك طلب الخلافة، وزعم أن مروان جعله(19/214)
وليّ عهده بعد عبد الملك ابنه، وغلب على دمشق، ثم قتله عبد الملك بعد أن أعطاه الأمان. يقال: إنه رأى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدّث قال: كنت عند عثمان فدعا بطهور، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من أمرىء مسلم تحضره صلاة متوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلاّ كانت كفّارة لما قبلها من الذّنوب ما لم يؤت كبيرةً، وذلك الدّهر كلّه ". أخرجه مسلم. وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن ". قال المصنّف: وهذا عندي مرسل.
عن عبد الملك بن عمير، عن أبيه قال: لمّا حضرت سعيد بن العاص الوفاة جمع بنيه فقال: أيّكم يكفل ديني؟ فسكتوا. فقال: ما لكم لا تكلّمون؟ فقال عمرو الأشدق وكان عظيم الشدّقين: وكم دينك يا أبه؟ قال: ثلاثون ألف دينار. قال: فيم استدنتها يا أبه؟ قال: في كريم سددت فاقته، وفي لئيم فديت عرضي منه. فقال عمرو: هي عليّ يا أبه. فقال سعيد: مضت خلّة وبقيت خلّتان. فقال عمرو: ما هما يا أبه؟ قال: بناتي لا تزوّجهن إلاّ من الأكفاء ولو بفلق الخبز الشّعير. فقال: وأفعل يا أبه. قال سعيد: مضت خلّتان وبقيت خلّة واحدة. فقال: وما هي يا أبه؟ فقال: إخواني، إن فقدوا وجهي فلا يفقدون معروفي. فقال عمرو: وأفعل يا أبه. فقال سعيد: أما والله ولئن قلت ذلك لقد عرفت ذلك في حماليق وجهك وأنت في مهدك.(19/215)
ثم قال سعيد: ما شتمت رجلاً كنت رجلاً، ولا كلّفت من يرتجبيني أن يسألني؛ لهو أمنّ عليّ منّي عليه إذا قضيتها له إذ قصدني لحاجته.
عن الزّبير بن بكّار، قال: وكان عمرو بن سعيد ولاّه معاوية المدينة، ثم ولاّه يزيد بن معاوية، وبعث عمرو بعثاً إلى ابن الزّبير بمكة؛ وقتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد بعد ذلك. وكان عمرو بن سعيد يدّعي أن مروان بن الحكم جعل إليه ولاية العهد بعد عبد الملك، ثم نقض ذلك وجعله إلى عبد العزيز بن مروان؛ فلّما شخص عبد الملك إلى حرب مصعب بن الزّبير خالف عليه عمرو وغلّق دمشق، فرجع إليه عبد الملك فأعطاه الأمان، ثم غدر به فقتله؛ فقال يحيى بن الحكم بن أبي العاص في ذلك: من الطويل
أعينيّ جودا بالدّموع على عمرو ... عشيّة تبتزّ الخلافة بالغدر
كأن بني مروان إذ يقتلونه ... بغاث من الطّير اجتمعن على صقر
غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل ... وأنتم ذوو قربى به وذوو صهر
فرحنا وراح الشّامتون عشيّة ... كأن على أكتافنا فلق الصّخر
وقال في ذلك سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: من الطويل
دعوت ولم أملك أفهر بن مالك ... وهل تنفعنيّ إن هتفت بها فهر
لعمرك لا أنسى وإن طال عهدها ... أحاديث عمرو إذ قضى نحبه عمرو
وقال التّيميّ: من الطويل
فلا تحسب السّلطان عاراً عقابها ... ولا ذلّة عند الحفائظ في الأصل
فقد السّلطان عمراًو مصعباً ... قريعي قريش واللّذين هما مثلي
عماد بني العاص الرّفيع عمادها ... وقرم بني العوّام آنية النّحل
قال: كان يقال لمصعب بن الزّبير: آنية النّحل من كرمه؛ وكان مروان يلّقب بخيط باطل.(19/216)
قال الخليفة: وفيها يعني سنة سبعين خلع عمرو بن سعيد بن العاص عبد الملك بن مروان، وأخرج عبد الرّحمن بن أم الحكم عن دمشق وكان خليفة عبد الملك عليها؛ فسار إليه عبد الملك فاصطلحا على أن يكون عمرّو الخليفة من بعد عبد الملك، وعلى أن لعمرو مع كلّ عامل عاملاً، وفتح المدينة ودخل عليه عبد الملك، ثم غدر به فقتله. وقال له عبد الملك: أبا أميّة، لو أعلم أن تبقى وتصلح قرابتي لفديتك ولو بدم النّواظر، ولكنه قلّ ما اجتمع فحلان في إبل إلاّ أخرج أحدهما صاحبه، فأخذ السّيف وهو يقول: من البسيط
يا عمرو إلاّ تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة: اسقوني
عمرو بن سعيد أبو سعيد الثّقفيّ
مولاهم، البصريّ وفد على الوليد بن يزيد.
روى عن أبي زرعة بن عمرو، عن جرير بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتل عرف فرس بأصبعيه وهو يقول: " الخيل معقود بنواصيها الخير، الأجر والمغنم، إلى يوم القيامة ".
قال عمرو بن سعيد الثّقفيّ: أوفدني يوسف بن عمر إلى الوليد، فلّما قدمت قال لي: كيف رأيت الفاسق؟ يعني الوليد ثم قال: إيّاك وأن يسمع هذا منك أحد. فقلت: حبيبة بنت عبد الرحمن بن جبير طالق إن سمعته أذني ما دمت حيّاً. فضحك.(19/217)
قال ابن سعد: وكان ثقةً.
وروى عن أنس، قال: ما رأيت بالعيال من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عمرو بن سعيد أبو بكر الأوزاعيّ
روى عن أبي سلام الأسود، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ساء ته سيّئته وسرّته حسنته فهو مؤمن ".
عمرو بن سفيان
ويقال: عمرو بن عبد الله بن سفيان ويقال: سفيان بن عمرو
ويقال: الحارث بن ظالم بن علس وهو: عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعيد ابن قائف بن الأوقص بن مرّة بن هلال ابن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان أبو الأعور السّلميّ يقال: له صحبة، ويقال: لا صحبة له. وشهد اليرموك أميراً على كردوس، وكان مع معاوية بصفّين، وكان على أهل الأردنّ وهم الميسرة.(19/218)
روى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّما أخاف على أمّتي شحّاً مطاعاً، وهوىّ متعباً، وإماماً ضالاً ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إيّاكم وأبواب السّلطان فإنه قد أصبح صعباً هبوطاً ".
وعن إسحاق بن بشر القرشيّ، قال: قالوا: وانحطّ إلى أبي بكر رجال من بني سليم فيهم عمرو بن سفيان، وهو أبو الأعور، وكانت له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخل عليه فقال: إنّا قد جئناك من غير قحمة عد وّ ولا عدم من مال، فإن شئت أقمنا معك مرابطين، وإن شئت وجّهتنا إلى عدوّك من المشركين. فقال أبو بكر: لا، بل تجاهدون الكفّار وتواسون المسلمين. قالوا: فسار حتى قدم بمن معه على أبي عبيدة بن الجرّاح. قال: ونزل أيضاً أبو في الأعور السّلميّ يعني يوم اليرموك فقال: يا معشر قيس خذوا نصيبكم من الأجر والصّبر، فإن الصّبر في الدّنيا عز ومكرمة، وفي الآخرة رحمة وفضيلة؛ فاصبروا وصابروا.
قال اللّيث بن سعد: ثم كانت غزوة عمّورية، أمير أهل مصر وهب بن عمير الجمحيّ، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين.
وعن يزيد بن عبيدة، قال: ثم غزا أبو الأعور السّلمي قبرس غزوتها الآخرة سنة ست وعشرين. وغزيت قبرس الثانية سنة سبع وعشرين، عليهم أبو الأعور السّلميّ.
عن أبي عبد الرحمن؛ أن أبا الأعور السّلمي كان جالساً في مجلس فقال رجل: والله ما خلق الله شيئاً أحبّ(19/219)
إليّ من الموت. فقال أبو الأعور السّلمي: لأن أكون مثلك أحبّ إليّ من حمر النّعم، ولكنّي والله أرجو أموت قبل أن أرى ثلثاً؛ أن أنصح فتردّ نصيحتي، وأرى الغير فلا أستطيع تغييره، وقبل الهرم.
عمرو بن أبي سلمة أبو حفص الدّمشقيّ
نزيل تنّيس.
حدّث عن الأوزاعي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن اليهود والنّصارى لا تصبغ، فخالفوهم ".
وعن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدّه؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلوا واشربوا وتصدّقوا في غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده ".
وعنه، بسنده إلى عجرد بن مدرع التّميميّ: أنه نازع رجلاً عند أبيّ بن كعب، فقال: يال تميم. فقال أبيّ: أعضّك الله بأير أبيك. فقالوا: ما عهدناك يا أبا المنذر فحّاشاً. فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا من اعتزى بعزاء الجاهليّة أن نعضّه ولا نكني.
وعن الأوزاعي، بسنده إلى ربيعة بن كعب الأسلميّ، قال: كنت أبيت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآتيه بوضوئه وبحاجته، فكان يقوم من اللّيل فيقول: " سبحان ربّي وبحمده، سبحان ربّي وبحمده، سبحان ربّي وبحمده " الهويّ، ثم يقول: " سبحان ربّ العالمين، سبحان ربّ العالمين " الهويّ.(19/220)
قال أبو حفص: الهويّ: هويّ من اللّيل.
قال ابن يونس: قدم مصر، وسكن تنّيس، وله بها بقيّة من ولده إلى الآن، ولهم ربع، وله جباب للماء مسبلة للنّاس والبهائم، وكان ثقةً. توفي بتنّيس سنة ثلاث عشرة ومئتين. وقال مرّة أخرى: سنة أربع عشرة ومئتين.
قال نصر بن مرزوق المصريّ: سمعت عمرو بن أبي سلمة يقول: قلت للأوزاعيّ: منذ أربعة أيّام لم أسمع منك إلاّ ثلاثين حديثاً!. قال: وتستقلّ ثلاثين حديثاً في أربعة أيّام؟ لقد سار جابر بن عبد الله إلى مصر، واشترى راحلةً وركبها حتى سأل عقبة بن عامر عن حديث واحد، وانصرف إلى المدينة؛ وأنت تستقلّ ثلاثين حديثاً في أربعة أيّام. الصّحيح أنه مات سنة أربع عشرة ومئتين.
عمرو بن سليمان بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأمويّ وأمّه أمّ ولد.
عمرو بن سليم الحضرميّ الحمصيّ
يأتي ذكره في باب الكنى إن شاء الله، في ترجمة أبي عذبة.(19/221)
عمرو بن سهيل بن عبد العزيز
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّ
بعثه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عامل يزيد بن الوليد على العراق أميراً على البصرة. وبلغني أن عمرو بن سهيل قتله مروان بن محمد بن مروان.
عمرو بن شراحيل أبو المغيرة
العنسيّ الدّارانيّ وكان قدريّاً.
روى عن بلال بن سعد، عن أبيه، قال: قلنا: يا رسول الله، أيّ أمتك خير؟ قال: " أنا وأقراني ". قال: ثم ماذا؟ قال: " ثم يأتون قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويحلفون ولا يستحلفون، ويؤتمنون ولا يؤدّون ".
قال أبو زرعة: أبو المغيرة، عمرو بن شراحيل، من الثّقات.
عن عمرو بن شراحيل، قال: سيّرنا هشام بن عبد الملك إلى دهلك، فلم ننزل بها حتى مات هشام واستخلف(19/222)
الوليد، فكلّم فينا فأبى، وقال: والله ما عمل هشام عملاً أرجى له عندي أن تناله المغفرة، من قتله القدريّة وتسييره إيّاهم. وكان الوالي علينا الحجّاج بن بشر بن فيروز بن الدّيلمي؛ فكان يقول: لا يعيش إلاّ ثمانية عشر شهراً حتى يقتل، ويكون قتله سبب هلاك أهل بيته.
عمرو بن شعيب بن محمد
ابن عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم أبو عبد الله، ويقال: أبو إبراهيم، القرشيّ السّهميّ روى عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو: عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يحضر الجمعة ثلاثة؛ فرجل حضرها بلغو فهو حظّه منها؛ ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه؛ ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطّ رقبة مسلم، ولم يؤذ أحداً، فهي كفّارة له إلى التي تليها وزيادة ثلاثة أيّام، ذلكم بأن الله يقول: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ".
وعن أبيه، عن جدّه، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في كم تقطع اليد؟ قال: " لا تقطع في ثمر معلّق، فإذا ضمّه الجرين قطعت في ثمن المجنّ، ولا تقطع في حريسة الجبل فإذا آواها المراح قطعت في ثمن المجنّ ". وسئل عن ضوالّ الغنم، قال: " لك أو لأخيك أو للذّئب زاد عبد الله: خذها ".(19/223)
وسئل عن ضوالّ الإبل، فقال: " معها الحذاء والسّقاء، دعها حتى يجدها ربّها ". وسئل عن اللّقطة، فقال: " ما كان في طريق مائيّ أو في قرية عامرة فعرّفها سنةً، فإن جاء صاحبها وإلاّ فلك، وما لم يكن في طريق مائي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الرّكاز الخمس ". وبه، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نتف الشّيب.
وعن أبيه، عن عبد الله بن عمرو: أن رجلاً وهب هبة فرجع فيها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا مثل الكلب الذي يأكل، حتى إذا شبع قاء ما في بطنه، ثم رجع إليه فأكله ".
قال ابن أبي حاتم: سكن مكة، وكان يخرج إلى الطّائف إلى ضيعة له.
عن رجاء بن أبي سلمة، قال: سمعت عمرو بن شعيب بمكة يقول: لا نفل بعد النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال سليمان بن موسى: أشغلك أكل الزّبيب بالطّائف؛ حدّثنا مكحول، عن زيادة بن جارية اللّخميّ، عن حبيب بن مسلمة الفهريّ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفّل في البدأة الرّبع بعد الخمس، وفي الرّجعة الثّلث بعد الخمس.
قال المصنّف: وليس في هذا الحديث حجّة على رد قول عمرو فإنه لم ينكر أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفّل،(19/224)
ويستدل عليه سليمان بهذا وهو يقّر بأن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفّل؛ فلو كان في الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك بعده حجّةً عليه.
عن الأوزاعيّ، قال: ما رأيت قرشيّاً أكمل من عمرو بن شعيب.
قال خليفة: وفي سنة ثمان عشرة ومئة مات عمرو بن شعيب. وزاده غيره: بالطّائف.
عمرو بن شمر بن غزيّة
ممّن أدرك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من قوّاد اليمن الذين شهدوا فتح دمشق.
قال ابن ماكولا: أمّا غزيّة؛ بفتح الغين وكسر الزّاي، عمرو بن شمر بن غزيّة؛ من قوّاد اليمن، بقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان.
عمرو ويقال: عمير بن شييم
ويقال: شييم بن عمرو بن عبّاد بن بكر بن عامر بن أسامة بن مالك بن جشم ابن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، التّغلبيّ المعروف بالقطاميّ شاعر من فحول الشّعراء، وكان نصرانيّاً فأسلم، فقدم دمشق مادحاً للوليد بن عبد الملك، ويقال: لعمر بن عبد العزيز.(19/225)
قال الدّارقطنيّ: سمّي القطاميّ بقوله: من الرجز
يحطهنّ جانباً فجانباً ... حطّ القطاميّ قطاً قواربا
والقطاميّ: اسم من أسماء الصّقر، وهو مشتق من القطم، وهو: القطع.
قال أبو عمرو: أول ما حرّك من القطاميّ فرفع من ذكره أنه قدم في خلافة الوليد بن عبد الملك دمشق ليمدحه، فقيل له: إنه بخيل لا يعطي الشّعراء؛ وقيل: بل قدمها في خلفة عمر بن عبد العزيز، فقيل له: إن الشّعر لا ينفق عند هذا ولا يعطي عليه شيئاً، وهذا عبد الواحد بن سليمان فامتدحه؛ فمدحه بقصيدة التي أوّلها: من البسيط
إنّا محيوك فاسلم أيّها الطّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّيل
فقال له: كم أمّلت من أمير المؤمنين؟. قال: أمّلت أن يعطيني ثلاثين ناقة، فقال: قد أمرت لك بخمسين ناقة وأن يوقر لك برّاً وتمراً وثياباً. ثم أمر بدفع ذلك إليه.
قال الكلابيّ: قال عبد الملك بن مروان للأخطل: من أشعر النّاس؟ قال: أنا، ثم المغدف القناع، القبيح السّماع، الضّيق الذّراع؛ يعني القطاميّ.
قال الأصمعي: سأل عمرو بن سعيد القرشيّ الأخطل: أيسرك أن لك شعراً بشعرك؟ قال: لا والله ما يسرني أنّ لي بمقولي مقولاً من مقاول العرب، غير أن رجلاً من قومي قد قال أبياتا حسدته عليها، وايم الله إنه لمغدف القناع، ضيّق الذّراع، قليل السّماع. قال: ومن هو؟ قال: القطاميّ. قال: وما الأبيات؟ قال: قوله: من البسيط(19/226)
يمشين رهواً فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصّدور على الأعجاز تتّكل
من كلّ سامية العينين تحسبها ... مجنونة أو ترى ما لا ترى الإبل
حتى وردن ركيّات الغوير وقد ... كاد الملاء من الكتّان يشتعل
يمشين معترضات والحصا رمض ... والرّيح ساكرة والظّل معتدل
والعيش لا عيش إلا ما تقرّ به ... عين ولا حال إلاّ سوف ينتقل
إن تصبحي من أبي عثمان منجحة ... فقد يهون على المستنجح العمل
والنّاس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي، ولأمّ المخطئ الهبل
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل
قال القاضي: لعمري إن هذه الأبيات لمن رصين الشعر وبليغه، وكلمة القطانيّ التي هذه الأبيات منها من أجود شعره.
قال محمد بن سلام: وكان القطاميّ شاعراً فحلاً، رقيق الحواشي، حلو الشّعر، والأخطل أبعد منه ذكراً، وأمتن شعراً. وكان زفر بن الحارث أسره في حرب بينهم وبين تغلب، فمنّ عليه وأعطاه مئة من الأبل، وردّ عليه ماله، فقال القطاميّ في كلمة له: من البسيط
من مبلغ زفر القيسيّ مدحته ... عن القطاميّ قولاً غير إفناد
فلن أثيبك بالنّعماء مشتمة ... ولن أبدّل إحساناً بإفساد
إنيّ وإن كان قومي ليس بينهم ... وبين قومك إلاّ ضربة الهادي
مثن عليك بما أسلفت من حسن ... وقد تعرّض منّي مقتل بادي
فإن هجوتك ما تّمت محافظتي ... وإن مدحت لقد أحسنت إصفادي
إذ يعتريك رجال يسألون دمي ... ولو تعطيهم أبكيت عوّادي(19/227)
وإذ يقولون: أرضيت العداة بنا ... لا، بل قدحت بزند غير صلاّد
ولا كردّك مالي بعدما كربت ... تبدي الشّماتة أعدائي وحسّادي
فإن قدرت علي يوم جزيت به ... والله يجعل أقواماً بمرصاد
فلمّا بلغ زفر قوله قال: لا قدرت على ذلك اليوم. وقال يمدحه في أخرى: من الوافر
ومن يكن استسلام إلى ثويّ ... فقد أحسنت يا زفر المتاعا
أكفر بعد دفع الموت عنّي ... وبعد عطائك المئة الرّتاعا
فلم أر منعمين أقلّ منّاً ... وأكرم عندما اصطنعوا اصطناعا
من البيض الوجوه بني نفيل ... أبت أخلاقهم إلاّ اتّساعا
بني القرم الذي علمت معدّ ... تفضّل فوقهم حسباً وباعا
وهو يقول في كلمة أخرى: من البسيط
إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّيل
والنّاس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي، ولأمّ المخطىء الهبل
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل
أمّا قريش فلن تلقاهم أبداً ... إلاّ وهم خيرمن يحفى وينتعل
قوم هم أمراء المؤمنين وهم ... رهط النّبيّ فما من بعده رسل
وفيها يقول:
وما هواي لتسليم على دمن ... بالغور غيّرهنّ الأعصر الأول
فهنّ كالحلل الموشيّ ظاهرها ... أو كالكتاب الذي قد مسّه بلل
كانت منازل بالغور منّا ما يجهمنا ... حتى تحلل دهر محيل حيل
والعيش لا عيش إلاّ ما تقرّبه ... عين ولا حال إلاّ سوف ينتقل(19/228)
عن محمد بن عبيد الله العتبيّ، قال: خرجت إلى المربد فإذا بأعرابيّ غزل، فملت إليه، فذكرت عنده النّساء، فتنفّس ثم قال: يا بن أخي، وإن من كلامهنّ لما يقوم مقام الماء فيسقي من الظّمأ. فقلت: يا أعرابيّ، صف لي نساءكم. فقال: نساء الحيّ تريد؟ قلت: نعم. فأنشأ يقول: من الكامل
رجح ولسن من اللّواتي بالضّحى ... لذيولهنّ على الطّريق غبار
وإذا خرجن يردن أهل مصيبة ... كان الخطا لسراعها الإستار
يأنسن عند بعولهنّ إذا خلوا ... وإذا هم خرجوا فهنّ خفار
قال العتبيّ: فرجعت إلى أبي فذكرت ذلك له. فقال: أتدري من أين أخذ الأعرابيّ قوله: وإن من كلامهنّ لما يقوم مقام الماء فيسقي من الظّمأ؟ قال: من قول القطاميّ: من البسيط
يقتلننا بحديث ليس يعلمه ... من يتّقين ولا مكنونه باد
فهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلّة الصّادي
قال الأصمعيّ: قال بلال بن أبي بردة لجلسائه ذات ليلة: خبّروني بسابق الشعراء والمصلّي والثّالث والرّابع. فسكتوا. ثم قالوا له: إن رأى الأمير أصلحه الله أن يخبرنا بذلك فعل. قال: سابق الشعراء قول المرقّش: من الطويل
من يلق خيراً يحمد النّاس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائماً
والمصلّي قول طرفة: من الطويل(19/229)
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
والثّالث قول النّابغة: من الطويل
ولست بمستبق أخاً لا تلمّه ... على شعث، أيّ الرّجال المهذّب؟
والرّابع قول القطاميّ: من البسيط
قد يدرك المتأنيّ بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل
عمرو بن صفوان بن أميّة
ابن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب القرشيّ، الجمحيّ، المكّيّ سكن دمشق، وعرض عليه يزيد بن معاوية ولاية مكّة، فأبى.
عمرو بن طراد بن عمرو
ابن حاتم بن سقر أبو القاسم الأسديّ الخلاّد حدّث عن أبي بكر الميانجيّ، بسنده إلى عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الورس والزّعفران.
قال شعبة: قلت لعبد الله: المحرم؟ قال: نعم. توفي في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وأربعمئة. وكان ثقةً مأموناً من أهل السّنّة.(19/230)
عمرو بن الطّفيل بن عمرو
ابن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس ابن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله ابن مالك بن نصر بن الأزد الأزديّ، الدّوسيّ وهو عمرو بن ذي النّور، أرسله خالد بن الوليد عند توجّهه من العراق إلى الشّام بشيراً لأبي عبيدة ومن بالشّام من المسلمين بتوجّهه إليهم، فأتى أبا عبيدة بالجابية، فأخبره بذلك.
قال أبو نعيم الحافظ: عمرو ذو النّور، وهو ابن الطّفيل الدّوسيّ، كان النّبيّ دعا له، واستشهد يوم اليرموك، وذو النّور هو أبوه الطّفيل بن عمرو، وابنه عمرو مختلف في صحبته.
وقال عبد الله بن محمد بن ربيعة القداميّ في كتاب فتوح الشّام: وكان عمرو جليداً شديداً، أصابته يومئذ يعني يوم أجنادين طعنة، فكان المسلمون يرجون أن يبرأ منها، فمكث أربعة أيّام أو خمسة ثم إنها انتقضت عليه، فاستأذن خالداً وأبا عبيدة فأذنا له، فخرج إلى أهله، فمات عندهم.
قال محمد بن سعد: ورجع الطّفيل بن عمرو إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان معه بالمدينة حتى قبض، فلمّا ارتدّت العرب خرج مع المسلمين فجاهد حتى فرغوا من طليحة، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطّفيل، فقتل الطّفيل باليمامة شهيداً، وجرح ابنه عمرو بن(19/231)
الطّفيل وقطعت يده، ثم استبلّ وصحّت يده؛ فبينما هو عند عمر بن الخطّاب إذ أتي بطعام فتنحّى عنه؛ فقال عمر: مالك؟ لعلّك تنحّيت لمكان يدك؟ قال: أجل. قال: لا والله لا أذوقه حتى تسوطه بيدك، فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنّة غيرك. ثم خرج عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطّاب مع المسلمين فقتل شهيداً.
عمرو بن العاص بن وائل
ابن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد، القرشيّ، السّهميّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أسلم طوعاً في الهدنة، وهاجر، واستعمله النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش ذات السّلاسل، وفيه أبو بكر وعمر، وبعثه إلى عمان، وأمرّه عمر في فتوح الشّام ثم ولاّه مصر، وولاّه إيّاها عثمان؛ روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. ودخل دمشق قبل الفتح برسالة من أبي بكر، وشهد فتح دمشق، وكان له بها دار عند سقيفة كرمس في جيرون، ودار في ناحية باب الجابية ما بين دار الشّعّارين وزقاق الهاشميّين، ودار تعرف ببني حجيجة في رحبة الزّبيب، ودار تعرف بالمارستان الأوّل عند عين الحمى. وشهد اليرموك أميراً على كردوس.
حدّث، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهاراً غير سرّ يقول: " إنّ آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين ".(19/232)
عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، قال: كنّا مع عمرو بن العاص في حجّ أو في عمرة، وإذا امرأة قد أخرجت يديها عليها حبائرها وخواتيمها، فوضعت يديها على هودجها، فعدل فدخل شعباً، فقال: كنّا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الشّعب فإذا غربان كثيرة، وإذا فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرّجلين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخل الجنّة من النّساء إلاّ كقدر هذا الغراب في هذه الغربان ".
قال محمد بن سعد: عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، ويكنى أبا عبد الله، وأمّه النّابغة بنت خزيمة من عنزة، قدم على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صفر سنة ثمان قبل الفتح بأشهر، هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، فأسلموا.
وقال ابن البرقيّ: وكانت وفاته بمصر بعد الفطر، صلّى عليه عبد الله بن عمرو سنة ثلاث وأربعين. وقال محمد بن عبد الله: وكان يوم توفي ابن تسعين سنة.
عن أبي هريرة، قال: قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابنا العاصي مؤمنان؛ هشام وعمر ".
قال ابن يونس: قدم مصر في الجاهلية للتّجارة، وشهد الفتح، وكان أمير العرب مدخلهم مصر، وولّي على مصر من سنة عشرين إلى مقتل عمر، وولي بعد عمر لعثمان بن عفّان حين انتقضت الإسكندرية، وولي أيضاً لمعاوية بن أبي سفيان من ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفي بمصر ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين.
وقال أبو نعيم الحافظ: كان يخضب بالسّواد، خرج إلى الحبشة، إلى النّجاشيّ، بعد الأحزاب، فأسلم عنده(19/233)
بالحبشة، فأخذه أصحابه بالحبشة فغمّوه، فأفلت منهم مجرداً ليس عليه قشرة، فأظهر للنّجاشيّ إسلامه، فاسترجع من أصحابه جميع ماله وردّه عليه، فقدم هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة مهاجرين المدينة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتقدّم خالد فبايع، ثم تقدّم هو فبايعه على أن يغفر له ما كان قبله، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الهجرة، والإسلام يجبّ ما قبله " ثم بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غزوة ذات السّلاسل والياً لعلمه بالحرب والمكيدة؛ وكان يلي مصر من قبل عمر بن الخطّاب، وكان يسرد الصّوم ويباشر الحروب، وشهد الفتنة. توفي بمصر والياً عليها ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين، ودفن يوم الفطر، وصلّى عليه ابنه عبد الله قبل صلاة الفطر، له نحو من مئة سنة. كان أحد دهاة العرب.
قال فيه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسلم النّاس وآمن عمرو ". وقال: " ابنا العاص مؤمنان، عمرو وهشام ". وقال: " نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأمّ عبد الله ".
حدّث عمرو بن العاص من فيه، قال: لمّا انصرفنا من الأحزاب عن الخندق جمعت رجالاً من قريش، فأتوا يرون رأيي ويسمعون منّي، فقلت لهم: والله إني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علوّاً منكراً وإني قد رأيت رأياً فما ترون فيه؟ قالوا: وما ذاك الذي رأيت؟ قال: قلت: رأيت أن نلحق بالنّجاشيّ فنكون معه، فإن ظهر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قومنا كنّا عند النّجاشيّ، فإنّا أن نكون تحت يديه أحبّ إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلم يأتنا منهم إلاّ خير. قالوا: هذا الرّأي. قلت: فاجمعوا له ما يهدى له وكان أحبّ ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدماً كثيراً، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه؛ فوالله إنّا لعنده إذ جاء عمرو بن أميّه الضّمريّ وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه قال: فدخل عليه، ثم خرج من عنده. قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أميّة، ولو قد دخلت على النّجاشيّ فسألته إيّاه فأعطانيه،(19/234)
فضربت عنقه؛ فإذا فعلت به ذلك رأت قريش أن قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد. قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع؛ فقال: مرحباً بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئاً؟ قلت: نعم، قد أهديت لك أدماً كثيراً؛ ثم قرّبته إليه، فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيّها الملك، قد رأينا رجلاً خرج من عندك، وهو رسول رجل عدوّ لنا، فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا. قال: فغضب، ثم مدّ يده فضرب بها أنفه ضربةً ظننت أنه قد كسره. قال: لو انشقّت الأرض لدخلت فيها فرقاً منه؛ ثم قلت: أيّها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه. فقال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه النّاموس الأكبر الذي كان يأتي موسى؟. قال: قلت: أيّها الملك، أكذلك هو؟ قال: ويحك يا عمرو، أطعني واتّبعه، فإنه والله على الحقّ، وليظهرنّ على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قال: قلت: أتبايعني على الإسلام؟ قال: نعم. فبسط يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى أصحابي، وقد حال رأيي عمّا كان عليه، فكتمت أصحابي إسلامي، ثم خرجت عامداً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إسلامي، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح وهو مقبل من مكة فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام الميسم، وإن الرّجل لنبيّ، أذهب والله أسلم، حتى متى؟ قال: قلت: فأنا والله ما جئت إلاّ للإسلام. فقدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتقدّم خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدّم من ذنبي. قال: ولا أذكر ماتأخّر. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجبّ ما كان قبلها ". قال: فبايعت، ثم انصرفت.(19/235)
وقال الزّبير: ثم بعث إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني أردت أن أوجّهك وجهاً، وأرغب لك رغبةً " فقال عمرو: أمّا المال فلا حاجة لي فيه، ووجّهني حيث شئت. فقال رسول الله عليه وسلم: " نعمّا بالمال الصّالح للرّجل الصّالح ". ووجّهه قبل الشّام، وأمره أن يدعو أخوال أبيه العاص من بليّ إلى الإسلام ويستنفرهم إلى الجهاد؛ فشخص عمرو إلى ذلك الوجه، ثم كتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمدّه؛ فأمدّه بجيش فيهم أبو بكر وعمر، وأميرهم أبو عبيدة بن الجّراح. فقال عمرو: إنّما أنتم أميركم. فقال له أبو عبيدة: تعلم يا عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إليّ أخالفك. فسلّم له أبو عبيدة، وصلّى خلفه.
عن طلحة بن عبيد الله، قال: سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " إن عمرو بن العاص لرشيد الأمر ".
وعن عليّ بن رباح، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: كان في المدينة فزع، فتفرّقوا، فنظرت إلى سالم مولى أبي حذيفة في المسجد، عليه سيف محتبياً به، فلّما نظرت إلى سالم دعوت بسيفي فاحتبيت به إلى جنبه؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أيّها النّاس لا يكون فزعكم إلاّ إلى الله ورسوله، ما هذا؟ ألا فعلتم كما فعل هذان الرّجلان المؤمنان؟ ".
عن علقمة بن رمثة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عمرو بن العاص إلى البحرين، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سريّة وخرجنا معه، فنعس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستيقظ، فقال: " يرحم الله عمراً " قال: فتذاكرنا كلّ من اسمه عمرو. فنعس رسول الله صلى الله وسلم، فاستيقظ، فقال: " يرحم الله عمراً " ثم نعس الثّالثة فاستيقظ، فقال: " رحم الله عمراً ".قلنا: يا رسول الله، من عمرو هذا؟ قال: " عمرو بن العاص " قلنا: وما شأنه؟ قال: " كنت إذا ندبت النّاس(19/236)
إلى الصّدقة جاء فأجزل منها، فأقول: أنّى لك هذا؟ فقال: من عند الله " قال: " وصدق عمرو إن له عند الله خيراً كثيراً ".
عن عمرو بن العاص، قال: ما عدل بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبخالد بن الوليد في حربه منذ أسلمنا أحداً من أصحابه.
عن إسماعيل بن قيس، قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمراً على جيش ذات السّلاسل، إلى لخم وجذام. قال: وكان في أصحابه قلّة. فقال لهم عمرو: لا يوقدنّ أحد منكم ناراً. قال: فشقّ ذلك عليهم، فكلّموا أبا بكر يكلّم لهم عمراً، فكلّمه، فقال: لا يوقد أحد منكم ناراً إلاّ ألقيته فيها. فقاتل العدوّ فظهر عليهم، فاستباح عسكرهم؛ فقال له النّاس: ألا تتبعهم؟ فقال: لا، إني لأخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون المسلمين. فشكوه إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رجعوا، فقال: " صدقوا يا عمرو؟ " فقال له: إنه كان في أصحابي قلة فخشيت أن يرغب العدوّ في قتلهم، فلّما أظهرني الله عليهم قالوا: أنتبعهم؟ فقلت: أخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون المسلمين؛ فكأن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمد أمره؛ فقال عمرو عند ذلك: أيّ النّاس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: " لم؟ " قال: لأحبّ من تحبّ. فقال: " أحبّ النّاس إليّ عائشة " فقال: لست أسألك عن النّساء، إنّما أسألك عن الرّجال. فقال: " أبو بكر ".
وعن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، أنه قال: لّما بعثني رسول الله صلى عليه وسلم عام ذات السّلاسل فاحتلمت في باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمّمت ثم صلّيت بأصحابي صلاة الصّبح. قال: فلّما قدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت ذلك له، فقال: " يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟ " قال: قلت: نعم يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني احتملت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله: " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً " فتيممّت ثم صلّيت. فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقل شيئاً.(19/237)
قال الحسن: قال رجل لعمرو بن العاص: أرأيت رجلاً مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبّه، أليس رجلاً صالحاً؟ قال: بلى. قال: قد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبّك، وهو استعملك. فقال: قد استعملني، فوالله ما أدري أحبّاً كان لي منه أو استعانةً بي؛ ولكن سأحدّثك برجلين مات وهو يحبّهما، عبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر.
عن مولى لعمرو بن العاص، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: أسلمت عند النّجاشيّ وبايعته على الإسلام، ثم قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأعلمته أني قدمت راغباً في الهجرة وفي ظهور الإسلام، وأنا أحبّ أن يرى أثري وغناي عن الإسلام وأهله فقد طال ما كنت عوناً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإسلام يجبّ ما كان قبله، وأنا باعثك في أناس أبعثهم إن شاء الله ". فلمّا كان بعد ذلك بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمانية نفر سمّاهم، فكنت أنا المبعوث إلى جيفر وعبد ابني الجلندى وكانا من الأزد، والملك منهما جيفر؛ وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معي إليهما كتاباً يدعوهما فيه إلى الإسلام، وكتب أبيّ بن كعب الكتاب وختمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجت حتى قدمت عمان، فعمدت إلى عبد بن الجلندى وكان أحلم الرّجلين وأسهلهما خلقاً فقلت: إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليك وإلى أخيك. فقال: أخي المقدّم عليّ بالسّنّ والملك، وأنا أوصلك إليه. فمكثت ببابه أيّاماً ثم وصلت إليه، فدفعت إليه الكتاب مختوماً، ففضّ خاتمه ثم قرأه إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه، وقال: يا عمرو أنت ابن سيّد قومك، فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة؟ فقلت: مات ولم يؤمن بمحمد، ووددت أنه كان أسلم وصدّق به، وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام. قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريباً. قال: فسألني أين كان إسلامي؟ فقلت: عند النّجاشيّ، وقد أسلم. قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ قلت: أقرّوه واتّبعوه. قال: والأساقفة والرّهبان تبعوه؟ قال: قلت: نعم. قال: فأبى أن يسلم، فأقمت أيّاماً ثم قلت: إني خارج غداً. فلمّا أيقن بخروجي أرسل إليّ فأجاب إلى الإسلام، فأسلم هو وأخوه، وصدّقا بالنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلّيا بيني وبين(19/238)
الصّدقة والحكم فيما بينهم، وكانا لي عوناً على من خالفني، فأخذت الصّدقة من أغنيائهم فرددتها على فقرائهم، وأخذت صدقات ثمارهم وما يجزوا به؛ فلم أزل مقيماً حتى بلغنا وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عمرو عن العاص، قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والياً على عمان، فأتيتها، فخرج إليّ أساقفتهم ورهبانهم فقالوا: من أنت؟ فقلت: عمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، رجل من قريش. قالوا: ومن بعثك؟ قلت: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالوا: ومن هو؟ قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب، وهو رجل منّا قد عرفناه وعرفنا نسبه، أمرنا بمكارم الأخلاق ونهانا عن مساوئها، وأمرنا أن نعبد الله وحده. قال: فصيّروا أمرهم إلى رجل منهم، فقال لي: هل به من علامة؟ قلت: نعم، لحماً متراكباً بين كتفيه يقال له: خاتم النّبوّة. فقال: فهل يأكل الصّدقة؟ قلت: لا. قال: فهل يقبل الهديّة؟ قلت: نعم، ويثيب عليها. قال: فكيف الحرب بينه وبين قومه؟ فقلت: سجالاً، مرّةً له ومرّةً عليه. قال: فأسلم وأسلموا. ثم قال لي: والله لئن كنت صدقتني لقد مات في هذه اللّيلة؛ أو: لقد أتى على أجله في هذه اللّيلة. قلت: ما تقول؟ قال: والله، لئن كنت صدقتني لقد صدقتك. قال: فمكثت أيّاماً فإذا راكب قد أناخ يسأل عن عمرو بن العاص؛ فقمت إليه مفزوعاً، فناولني كتاباً فإذا عنوانه: من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن العاص. فأخذت الكتاب ففككته فإذا فيه: " بسم الله الرّحمن الرّحيم "
من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن العاص: سلام عليك، أمّا بعد: فإن الله عزّ وجلّ بعث نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شاء، وأحياه(19/239)
ما شاء، ثم توفّاه حين شاء، وقد قال في كتابه الصّادق: " إنك ميّت وإنهم ميّتون " وإن المسلمين قلّدوني أمر هذه الأمّة عن غير إرادة منّي ولا محبّة، فأسأل الله العون والتوفيق. فإذا آتاك كتابي فلا تحلّنّ عقالاً عقله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تعقلنّ عقالاً حلّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والسّلام. فبكيت بكاءً طويلاً، ثم خرجت عليهم فأعلمتهم، فبكوا وعزّوني. فقلت: هذا الذي ولينا من بعده، ما تجدونه في كتابكم؟ قال: يعمل بعمل صاحبه اليسير ثم يموت. قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يليكم قرن الحديد، فيملأ مشارق الأرض ومغاربها قسطاً وعدلاً، لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يقتل. قال: قلت: يقتل؟ قال: إي والله يقتل. قال: قلت: ومن ملأ أم من غيلة؟ قال: بل غيلة. فكانت أهون عليّ. قال: ثم ماذا؟ وانقطع من كتاب الشّيخ.
عن اللّيث بن سعد، قال: نظر عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص يمشي، فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلاّ أميراً.
عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم، قال: خرج عمرو بن العاص إلى بطريق غزّة في نفر من أصحابه، عليه قباء عليه صدأ الحديد وعمامةً سوداء وفي يده رمح وعلى ظهره ترس: فلمّا طلع عليه ضحك البطريق، وقال: ما كنت تصنع بحمل السّلاح إلينا؟ قال: خفت أن ألقى دونك فأكون قد فرّطت. فالتفت إلى أصحابه فقال بيده عقد الأنملة على إبهامه، ثم قال: مرحباً بك: وأجلسه معه على سريره، وحادثه، فأطال: ثم كلّمه بكلام كثير، وحاجّه عمروّ ودعاه إلى الإسلام. فلمّا سمع البطريق كلامه وبيانه وأداءه قال بالرّوميّة: يا معشر الرّوم، أطيعوني(19/240)
اليوم واعصوني الدّهر، أمير القوم؛ ألا ترون أني كلّما كلّمته كلمةً أجابني عن نفسه؟ لا يقول: أشاور أصحابي، وأذكر لهم ما عرضت عليّ؛ وليس الرّأي إلاّ أن نقتله قبل أن يخرج من عندنا، فتختلف العرب بينها، وينتهي أمرهم، ويعفون من قتالنا. فقال من حوله من الرّوم: ليس هذا برأي. وقد كان دخل مع عمرو بن العاص رجل من أصحابه يعرف كلام الرّوم، فألقى إلى عمرو ما قال الملك؛ ثم قال الملك: ألا تخبرني هل في أصحابك مثلك يلبس ثيابك ويؤدّي أداءك؟ فقال عمرو: أنا أكلّ أصحابي لساناً، وأدناهم أداء؛ وفي أصحابي من لو كلّمته لعرفت أني لست هناك. قال: فأنا أحبّ أن تبعث إليّ رأسكم في البيان والتّقدّم والأداء حتى أكلّمه. فقال عمرو: أفعل. وخرج عمرو من عنده، فقال البطريق لأصحابه: لأخالفنّكم، لئن دخل فرأيت منه ما يقول لأضربنّ عنقه. فلمّا خرج عمرو من الباب كبّر، وقال: لا أعود لمثل هذا أبداً. وأتى منزله، فاجتمع إليه أصحابه يسألونه، فخبّرهم خبره وخبر البطريق، فأعظم القوم ذلك، وحمدوا الله على ما رزق من السّلامة. وكتب عمرو بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: الحمد لله على إحسانه إلينا، وإيّاك والتّغرير بنفسك أو بأحد من المسلمين في هذا أو شبهه، وبحسب العلج منهم أن يكلّم في مكان سواء بينك وبينه، فتأمن غائلته، ويكون أكسر. فلمّا قرأ عمرو بن العاص كتاب عمر، ترحّم عليه، ثم قال: ليس الأب البرّ بولده بأبرّ من عمر بن الخطّاب برعيّته.
عن موسى بن عمران بن مناح، قال: لمّا رأى عمرو بن العاص يوم اليرموك صاحب الرّاية ينكشف بها، أخذها، ثم جعل يتقدّم وهو يصيح: إليّ يا معاشر المسلمين؛ فجعل يطعن بها قدماً وهو يقول: اصنعوا كما أصنع؛ حتى إنه ليرفعها وكأن عليها ألسنة المطر من العلق.(19/241)
قال خليفة: وفي هذه السّنة يعني سنة ست عشرة افتتحت حلب وأنطاكية ومنبج.
وقال: إن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنّسرين فصالح أهل حلب وكتب لهم كتاباً. وقال: وولّى عمر عمرو بن العاص فلسطين والأردنّ، وكتب إليه عمر، فسار إلى مصر فافتتحها. وقال: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص أن سر إلى مصر، فسار، وبعث عمر الزّبير بن العوّام مدداً له، ومعه عمر بن وهب الجمحيّ وبسر بن أبي أرطاة وخارجة بن حذافة، حتى أتى باب اليون فامتنعوا، فافتتحها عنوة، وصالحه أهل الحصن. وكان الزّبير أوّل من ارتقى سور المدينة ثم اتّبعه النّاس بعد؛ فكلّم الزبير عمرو بن العاص أن يقسمها بين من افتتحها؛ فكتب عمرو إلى عمر فكتب عمر: أكلة وأكلات خير من أكلة، أقرّوها.
عن أبي العالية، قال: سمعت عمرو بن العاص على المنبر يقول: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليّ عهد ولا عقد، إن شئت قتلت وإن شئت بعت وإن شئت خمّست، إلاّ أهل أنطابلس فإن لهم عهداً نوفي به.(19/242)
قال يعقوب: ثم كان فتح الإسكندرية الأول، وأميرها عمرو بن العاص سنة ثنتين وعشرين؛ وغزوة عمرو بن العاص أطرابلس الغرب سنة ثلاث وعشرين؛ ثم كان فتح الإسكندرية الأخيرة أميرها عمرو بن العاص سنة خمس وعشرين.
قال عمرو بن العاص: خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية، فقال عظيم من عظمائهم: أخرجوا إلىّ رجلاً أكلّمه ويكلّمني. فقلت: لا يخرج إليه غيري. فخرجت معي ترجمان ومعه ترجمان حتى وضع لنا منبران؛ فقال: ما أنتم؟ قلت: نحن العرب، ومن أهل الشّوك والقرظ، ونحن أهل بيت الله، كنّا أضيق النّاس أرضاً وشرّه عيشاً، نأكل الميتة والدّم، ويغير بعضنا على بعض، كنّا بشر عيش عاش به النّاس، حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفاً ولا أكثرنا مالاً، وقال: أنا رسول الله إليكم؛ يأمرنا بما لا نعرف وينهانا عمّا كنّا عليه آباؤنا، فشنفنا له وكذّبناه، ورددنا عليه مقالته، حتى خرج إليه قوم من غيرنا فقالوا: نحن نصدّقك ونؤمن بك ونتّبعك ونقاتل من قاتلك؛ فخرج إليهم، وخرجنا إليه، وقاتلناه فقتلنا وظهر علينا وغلبنا، وتناول من يليه من العرب فقاتلهم حتى ظهر عليهم، فلو يعلم من ورائي ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلاّ جاءكم حتى يشرككم فيما أنتم فيه من العيش. فضحك ثم قال: إن رسولكم قد صدق، وقد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاء به رسولكم، وكنّا عليه حتى ظهرت فينا ملوك فجعلوا يعلمون فينا بأهوائهم ويتركون أمر رسولكم، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيّكم لم يقاتلكم أحد إلاّ غلبتموه، ولم يسارقكم أحد إلاّ ظهرتم عليه؛ فإذا فعلتم مثل الذي فعلنا فتركتم أمر نبيّكم، وفعلتم بمثل الذي عملوا بأهوائهم، وخلّي بيننا وبينكم، لم تكونوا أكثر عدداً منّا ولا أشدّ منّا قوّةً. قال عمرو بن العاص: فما كلّمت رجلاً قطّ أذكى منه.(19/243)
قال ربيعة بن لقيط: سمعت عمرو بن العاص وهو يصلّي باللّيل، وهو يبكي ويقول: أللهم إنك آتيت عمراً مالاً فإن كان أحبّ إليك إن تسلب عمراً ماله ولا تعذّبه بالنّار فاسلبه ماله؛ وإنك آتيت عمراً أولاداً فإن كان أحبّ إليك أن تثكل عمراً ولده ولا تعذّبه بالنّار فأثكله ولده؛ وإنك آتيت عمراً سلطاناً فإن كان أحبّ إليك أن تنتزع منه سلطانه ولا تعذّبه بالنّار فانزع منه سلطانه.
عن الزّهريّ، قال: توفّى الله عمر، واستخلف عثمان، فنزع عمرو بن العاص عن مصر وأمّر عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
وعن عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله الزّبير، عن أشياخه: أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش له نباهة أعمامها من عمرو بن العاص. قال: ومازال معتصماً بمكة ليس في شيء ممّا فيه النّاس، حتى كانت وقعة الجمل؛ فلّما حانت وقعة الجمل بعث إلى ابنيه عبد الله ومحمد ابني عمرو فقال لهما: إني قد رأيت رأياً، ولستما باللّذين تردّاني ولكن أشيراً عليّ؛ إني رأيت العرب صاروا غارين يضطربان، وأنا طارح نفسي بين جزّاري مكة، ولست أرضي بهذه المنزلة، فإلى أيّ الفريقين أعمد؟ فقال له عبد الله ابنه: إن كنت لا بدّ فاعلاً فإلى عليّ. فقال عمرو: ثكلتك أمّك، إني إن أتيت عليّاً قال لي: إنّما أنت رجل من المسلمين؛ وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره. فأتى معاوية.
عن الوليد البلخيّ، قال: فلّما انتهى كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص استشار ابنيه عبد الله ومحمداً ابني عمرو فقال: إنه قد كانت مني في عثمان هنات لم أستقلّها بعد، وقد كان منّي نفسي حيث ظننت أنه مقتول ماقد أحتمله؛ وقد قدم جرير على معاوية فطلب البيعة لعلّي، وقد(19/244)
كتب إليّ معاوية يسألني أن أقدم عليه فما تريان؟ فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وهو عنك راض، والخليفتان من بعده، وقتل عثمان وأنت عنه غائب، فأقم في منزلك فلست مجعولاً خليفة، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة فانية. فقال محمد: يا أبه، أنت شيخ قريش وصاحب أمرها، وإن تصرّم هذا الأمر وأنت فيه خامل خملت، فالحق بجماعة أهل الشام والطلب بدم عثمان. فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي. فلّما جنّ عليه اللّيل أرق في فراشه ذلك، وجعل يتفكر فيما يريد، أي الأمرين يأتي؟ ثم أنشأ يقول: من الطويل
تطاول ليلي للهموم الطّوارق ... وخوف التي تجلو وجوه العوائق
وإن ابن هند سألني أن أزوره ... وتلك التي فيها عظام البوائق
أتاه جرير من عليّ بخطّة ... أمرّت عليها العيش، ذات مضايق
فوالله ما أدري وما كنت هكذا ... أكون ومهما أن أرى فهو سابقي
أخادعه والخدع فيه دنيّة ... أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق
أم اقعد في بيتي وفي ذاك راحة ... لشيخ يخاف الموت في كلّ شارق
وقد قال عبد الله قولاً تعلّقت ... وإني لصلب الرّأي عند الحقائق
فلّما أصبح عمرو دعا غلامه وردان فقال: ارحل يا وردان، حطّ يا وردان مرتين أو ثلاثاً فقال له وردان: خلطت يا أبا عبد الله، أما إنك إن شئت أنباتك بما في نفسك. قال: هات. قال: اعترضت الدّنيا والآخرة على قلبك فقلت: عليّ معه الآخرة، وفي الآخرة عوض من الدّنيا، ومعاوية معه الدّنيا بلا آخرة، وليس في الدّنيا عوض من الآخرة، فأنت متحّير بينهما. فقال له عمرو: قاتلك الله، يا وردان والله ما أخطأت، فما ترى؟ قال: أرى أن تقيم في منزلك؛ فإن ظهر أهل الدّين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدّنيا لم يستغنوا عنك. فقال له عمرو: الآن حين شهرني النّاس بمسيري أقيم؟ فارتحل إلى معاوية.(19/245)
عن عبد الله بن معقل، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الله الله في أصحابي، لا تتّخذهم غرضاً من بعدي؛ فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم؛ ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن الله يوشك أن يأخذه ".
عن أبي هشام الرّماني، عن من حدّثه، قال: كتب عليّ بن أبي طالب عمرو بن العاص، فلّما أتى الكتاب أقرأه معاوية وقال: قد ترى ما كتب إليّ عليّ بن أبي طالب، فإمّا أن ترضني وإمّا أن ألحق به. فقال له معاوية: فما تريد؟ قال: أريد مصر مأكلةً. فجعلها له معاوية كما أراد.
عن سويد عن غفلة، قال: إني لأمشي مع عليّ بشطّ الفرات، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بني إسرائيل اختلفوا، فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلاً وأضلاّ، وإن هذه الأمّة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين؛ ضلاّ وضلّ من اتّبعهما.
عن عمرو بن محمد، عن رجل، قال: دعا معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص، وهو متحزّم عليه ثيابه وسيفه، وحوله إخواته وأناس من قريش؛ يا عمرو، إن أهل الكوفة أكرهوا عليّاً على أبي موسى وهو لا يريده، ونحن بك راضون، وقد ضمّ إليك رجل طويل اللّسان كليل المدية، وله بعد حظّ من دين؛ فإذا قال فدعه فليقل، ثم قل وأوجز واقطع المفصل، ولا تلقه بكلّ رأيك، واعلم أن خفيّ الرّأي زيادة في العقل؛ فإن خوّفك بأهل العراق فخوّفه بأهل الشّام، وإن خوّفك بعليّ فخوّفه بمعاوية، وإن خوّفك بمصر فخوّفه باليمن، وإن أتاك بالتفسير فأته بالحمل. قال له عمرو: يا أمير المؤمنين، أنت وعليّ رجلا قريش، ولم يقل في حربك ما رجوت ولم تأمن ما خفت؛ ذكرت أن لعبد الله ديناً، وصاحب الدّين منصور، وايم الله لأفنينّ علله ولأستخرجن خبيئه، ولكن إن جاءني بالإيمان والهجرة ومناقب عليّ فما عسيت أن أقول؟ فقال معاوية: قل ما ترى. فقال عمرو: فهل تدعني وما ترى؟ وخرج مغضباً، فقال لأصحابه: إنّما أراد معاوية أن يصغّر أبا موسى لأنه علم أني خادعه غداً،(19/246)
فأحبّ أن يقول: لم يخدع أريباً؛ فقد كذّبته بالخلاف عليه. وقال في ذلك شعراً: من الوافر
يشجّعني معاوية بن حرب ... كأنّي للحوادث مستكين
وأني عن معاوية غنيّ ... بحمد الله والله المعين
وهوّن أمر عبد الله عمرو ... وقال له على ما ذاك دين
فقلت له ولم أردد عليه ... مقالته وللشّكوى أنين
ترى أهل العراق يدبّ عنهم ... وعن حرماتهم رجل مهين
فإن جهلوه لم يجهل عليّ ... وغبّ القول يحمله السّمين
ولكن خطبه فيهم عظيم ... وفضل المرء فيهم مستبين
فإن أظفر فلم أظفر بوغد ... وإن يظفر فقد قطع الوتين
قال: فلمّا بلغ معاوية شعره غضب من ذلك، وقال: لولا مسيره كان لي فيه رأي. فقال عبد الرّحمن بن أم الحكم: أما والله إن أمثاله من قريش لكثير، ولكنك ألزمت نفسك الحاجة إليه، فألزمها الغنى عنه. فقال معاوية: فأجبه. فقال عبد الرّحمن: من الوافر
ألا يا عمرو عمرو قبيل سهم ... أمن طبّ أصابك ذا الجنون؟
دع البغي الذي أصبحت فيه ... فإن البغي صاحبه لعين
ألم تهرب بنفسك من عليّ ... بصفّين وأنت بها ضنين
حذاراً أن تلاقيك المنايا ... وكل فتى سيدركه المنون
ولسنا عاتبين عليك إلاّ ... لقولك: إنني لا أستكين
عن عمرو بن الحكم، قال: لمّا التقى النّاس بدومة الجندل قال ابن عبّاس للأشعريّ: احذر عمراً فإنّما يريد أن يقدّمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسنّ منّي؛ فكن متدبّراً لكلامه.(19/247)
فكان إذا التقيا يقول عمرو: إنك صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلي وأنت أسنّ منّي فتكلّم ثم أتكلّم. وإنّما يريد عمرو أن يقدّم أبا موسى في الكلام ليخلع عليّاً، فاجتمعا على أمرهما فأداره عمرو على معاوية فأبى، وقال أبو موسى: عبد الله بن عمرو. فقال عمرو: أخبرني عن رأيك. فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرّجلين ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين فيختاروا لأنفسهم من أحبّوا. قال عمرو: الرّأي ما رأيت. فأقبلا على النّاس وهم مجتمعون، فقال له عمرو: يا أبا موسى، أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع. فتكلّم أبو موسى: إنّ رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح به أمر هذه الأمّة. فقال عمرو: صدق وبرّ، ونعم النّاظر للإسلام وأهله، فتكلّم يا أبا موسى. فأتاه ابن عبّاس فخلا به فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقّبه، فإنّي أخشى أن يكون أعطاك أمراً خالياً ثم نزع عنه على ملأ من النّاس واجتماعهم. فقال الأشعريّ: لاتخشى ذلك، قد اجتمعنا واصطلحنا. فقام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس، قد نظرنا في أمر هذه الأمّة فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أن لا نبتزّ أمورها ولا نعصبها حتى يكون ذلك عن رضىً منها وتشاور، وقد اجتمعنا أنا وصاحبي على أمر واحد، على خلع عليّ ومعاوية، وتستقبل هذه الأمّة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولّون منهم من أحبّوا عليهم، وإنّي قد خلعت عليّاً ومعاوية، فولّوا أمركم من رأيتم. ثم تنحّى. وأقبل عمرو بن العاص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما قد سمعتم، وخلع صاحبه، وإنّي أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فإنه وليّ ابن عفّان والطّالب بدمه وأحقّ النّاس بمقامه. فقال سعد بن أبي وقّاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده. فقال أبو موسى: فما أصنع؟ جامعني على أمر ثم نزع عنه. فقال ابن عبّاس: لاذنب لك يا أبا موسى، الذّنب لغيرك، للّذي قدّمك في هذا المقام. فقال أبو موسى: رحمك الله، غدرني، فما أصنع؟(19/248)
وقال أبو موسى لعمرو: إنّما مثلك كالكلب " إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ". فقال عمرو: إنّما مثلك مثل " الحمار يحمل أسفاراً ". فقال ابن عمر: إلام صيّرت هذه الأمّة؟ إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف. وقال عبد الرّحمن بن أبي بكر: لو مات الأشعريّ من قبل هذا كان خيراً له.
وعن عبد الواحد بن أبي عوف، قال: لمّا صار الأمر في يدي معاوية استكثر طعمة مصر لعمرو بن العاص ما عاش؛ ورأى عمرو أن الأمر كلّه قد صلح به وبتدبيره وعنائه وسعيه فيه، وظنّ أن معاوية سيزيده الشّام مع مصر، فلم يفعل معاوية؛ فتنكّر عمرو لمعاوية فاختلفا وتغالظا وتميّز النّاس وظنّوا أنه لا يجتمع أمرهما، فدخل بينهما معاوية بن خديج فأصلح أمرهما، وكتب بينهما كتاباً، وشرط فيه شروطاً لمعاوية وعمرو خاصّة وللنّاس عامّة، وأن لعمرو ولاية مصر سبع سنين، وعلى أن على عمرو السّمع والطّاعة لمعاوية. وتواثقا وتعاهدا على ذلك، وأشهدا عليهما به شهوداً؛ ثم مضى عمرو بن العاص على مصر والياً عليها وذلك في آخر سنة تسع وثلاثين، فوالله ما مكث بها إلاّ سنتين أو ثلاثاً حتى مات.
عن عبد الله بن عمرو، قال وذكر معاوية: والله لأبي أقدم صحبةً، وكان أحبّ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن كرهنا الفرقة.
وعن عبد الكريم بن راشد، أن عمر بن الخطّاب قال: يا أصحاب محمد تناصحوا، فإنكم إن لم تفعلوا ذلك غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية.
قال شعيب بن يعقوب: اجتمع معاوية وعمرو بن العاص، فقال معاوية: من النّاس؟ قال: أنا وأنت ومغيرة وزياد. قال: وكيف ذلك؟ فقال: أنت للتّأنّي، وأمّا أنا فللبديهة، وأما مغيرة(19/249)
فللمعضلات، وأما زياد فللصّغير والكبير. قال له معاوية: أما ذانك فقد غابا، فهات قولك: أنا للبديهة؛ وأما أنا فللأناة، فهات بديهتك. قال: وتريد ذاك؟ قال: نعم. قال: فأخرج من عندك. فأمرهم فخرجوا حتى لم يبق في البيت غيرهما. قال: فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أسارّك. قال: فأدنى رأسه منه. قال: هذا من ذلك، ومن معنا في البيت حتى أسارّك؟ عن محمد بن سلاّم الجمحيّ، قال: كان عمر بن الخطّاب إذا رأى الرّجل يتلجلج في كلامه، قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد.
عن قبيصة بن جابر، قال: صحبت عمر بن الخطّاب فما رأيت رجلاً أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أحسن مداراةً منه؛ وصحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل عن غير مسألة منه؛ وصحبت معاوية بن أبي سفيان فما رأيت رجلاً أثقل حلماً منه؛ وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلاً أبين أو قال: أنصع طرفاً منه، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانية منه؛ وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلاّ بالمكر لخرج من أبوابها كلّها.
وعن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، قال: كان عمرو بن العاص يسرد الصّوم، وقلّ ما يصيب من العشاء، وأكثر ذلك كان يصيب من السّحر؛ فسمعته يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن فصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحر ".
وعن أبي عمران الفلسطينيّ، قال: بينما امرأة عمرو بن العاص تفلي رأسه إذ نادت جارية لها فأبطأت عنها، فقالت: يا زانية. فقال عمرو: رأيتها تزني؟ قالت: لا. قال: والله لتضربنّ لها يوم القيامة ثمانين سوطاً. فقالت لجاريتها وسألتها تعفو، فعفت عنها، فقالت: هل يجزيء عنّي؟ فقال لها: وما لها ألاّ تعفو وهي تحت يدك؟ فأعتقتها. فقالت: هل يجزيء عنّي ذلك؟ قال: فلعلّ.(19/250)
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام في الوهط، فسبّه المغيرة؛ فقال عمرو بن العاص: يال هصيص، يسبّني المغيرة! فقال له عبد الله ابنه: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " أدعوة القبائل وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها؟ فأعتق يعني عمرو بن العاص ثلاثين رقبة.
وعن عمرو بن دينار، قال: كان عمرو بن العاص يقيم كروم الوهط بألف ألف خشبة، كلّ خشبة بدرهم.
وعن المدائنيّ، قال: قال عمرو بن العاص: أربعة لا أملّهم أبداً؛ جليسي ما فهم عنّي، وثوبي ما سترني، ودابّتي ما حملتني، وامرأتي ما أحسنت عشرتي.
عن ابن الأعرابيّ، قال: قال عمرو بن العاص لعبد الله ابنه: يا بنيّ، سلطان عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم؛ يا بنيّ، زلّة الرّجل عظم يجبر؛ وزلّة اللّسان لا تبقي ولا تذر؛ يا بنيّ، استراح من لا عقل له. فأرسلها مثلاً.
قال الأصمعيّ: قال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان: يا أمير المؤمنين، لا تكوننّ لشيء من أمر رعيّتك أشدّ تعهداً منك لخصاصة الكريم حتى تعمل في سدّها، ولطغيان اللّئيم حتى تعمل في قمعه؛ واستوحش من الكريم الجائع ومن اللّئيم الشّبعان؛ فإن الكريم يصول إذا جاع، واللّئيم يصول إذا شبع.
وقال الأصمعيّ: قال معاوية لعمرو بن العاص: ما البلاغة؟ قال: من ترك الفضول واقتصر على(19/251)
الإيجاز. قال: فمن أصبر النّاس؟ قال: من كان في رأيه رادّاً لهواه. قال: فمن أسخى النّاس؟ قال: من بذل دنياه في صلاح دينه. قال: فمن أشبع النّاس؟ قال: من ردّ جهله بحلمه.
أنشد الحربيّ يعني إبراهيم بن إسحاق لعمرو بن العاص: من الطويل
إذا المرء لم يترك طعاماً يحبّه ... ولم يعص قلباً غاوياً حيث يمّما
قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
قال هلال بن لاحق: قال عمرو بن العاص: ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشرّ، ولكنه الذي يعرف خير الشّرّين؛ وليس الواصل الذي يصل من وصله، ولكنه الذي يصل من قطعه.
عن عليّ بن عبد الله بن سفيان، قال: قال معاوية بن أبي سفيان لعمرو بن العاص: ما السّرور يا أبا عبد الله؟ قال: الغمرات ثم تنجلي.
وقال عمرو بن العاص: نكح العجز التّواني فولد منه النّدامة. وقال: عجبت من الرّجل يفرّ من القدر وهو مواقعه، ومن الرّجل يرى القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه، ومن الرّجل يخرج الضّغن من نفس أخيه ويدع الضّغن في نفسه، وما تقدّمت على أمر فلمت نفسي على تقدّمي عليه، وما وضعت سرّي عند أحد فلمته على أن أفشاه، وكيف ألومه وقد ضقت به؟ وقال وهو في الموت: اللهم لا ذو قوّة فأنتصر، ولا ذو براءة فأعتذر، اللهم إنّي مقرّ يذنبي مستغفر.
عن الحسن، قال: لمّا احتضر عمرو بن العاص نظر إلى صناديق، فقال: من يأخذها بما فيها؟(19/252)
ياليته كان بعراً؛ ثم أمر الحرس فأحاطوا بقصره، فقال بنوه: ما هذا؟ فقال: ما ترون هذا يغني عنّي شيئاً.
عن عوانة بن الحكم، قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه! ؛ فلما نزل به قال له ابنه عبد الله بن عمرو: يا أبت، إنك كنت تقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فصف لنا الموت وعقلك معك. فقال: يا بنيّ، الموت أجل من أن يوصف، ولكنّي سأصف لك منه شيئاً؛ أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأن في جوفي شوك السّلاّء، وأجدني كأن نفسي يخرج من ثقب إبرة.
حدّث محمد بن زياد: أن عمرو بن العاص حين حضره الموت، قال: اللهم إنك أمرتنا بأشياء فتركناها، ونهيتنا عن أشياء فأتيناها؛ ثم قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله ثم قبض عليها بيده اليمنى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم قبض عليها بيده اليسرى قال: فقبض وإن يداه لمقبوضتان.
عن الحسن، قال: بلغني أن عمرو بن العاص لمّا كان عند الموت دعا حرسه فقال: أيّ صاحب كنت لكم؟ قالوا: كنت لنا صاحب صدق، تكرمنا، وتعطينا، وتفعل، وتفعل. قال: إنّما كنت أفعل ذلك لتمنعوني من الموت، ها هو ذا قد نزل بي، فاغنوه عنّي. فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: والله ما كنّا نحسبك تكلّم بالعوراء؛ يا أبا عبد الله، قد علمت أنّا لا نغني عنك من الموت شيئاً. فقال: أما والله لقد قلتها، وإني لأعلم أنكم لا تغنون عنّي من الموت شيئاً، ولكن والله لأن أكون لم أتّخذ منكم رجلاً قطّ(19/253)
يمنعني من الموت أحبّ إليّ من كذا وكذا؛ فيا ويح ابن أبي طالب إذ يقول: حرس امرءاً أجله. ثم قال عمرو: اللهم، لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، وإلاّ تدركني منك برحمة أكن من الهالكين.
وعن عبد الله بن عمرو: أنه حدّث أن أباه أوصاه، قال: يا بنيّ، إذا متّ فاغسلني غسلةً بالماء، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم اغسلني الثّانية بماء قراح، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم اغسلني الثّالثة بماء فيه شيء من كافور، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم إذا ألبستني الثّياب فأزرّ عليّ فإني مخاصم؛ ثم إذا حملتني على السّرير فامش بي مشياً بين المشيتين، وكن خلف الجنازة فإن مقدّمها للملائكة وخلفها لبني آدم، فإذا أنت وضعتني في القبر فسنّ عليّ التراب سنّاً؛ ثم قال: اللهم إنك أمرتنا فأطعنا، ونهيتنا فركبنا، فلا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر، ولكن لا إله إلاّ أنت. ما زال يقولها حتى مات.
توفي عمرو بن العاص يوم الفطر بمصر سنة ثلاث وأربعين وهو وال عليها.
وقيل: سنة اثنتين وأربعين. وقيل: سنة إحدى وخمسين. وقيل: سنة ثمان وخمسين.
عمرو بن عامر السّلميّ
شاعر، وفد على معاوية.
ذكر جعفر بن شاذان، قال: وفد عمرو بن عامر السّلميّ على معاوية، فدخل وهو يرعش كبراً، فقال له(19/254)
معاوية: كيف تجدك يا عمرو؟ قال: أحببت النّساء وكنّ الشّقاء، وفقدت المطعم وكان المنعم، وثقلت على وجه الأرض، وقرب بعضي من بعض، فنومي سبات، وفهمي هنات، وسمعي تارات. قال: فهل قلت في ذلك شعراً؟ قال: نعم؛ فأنشد: من الطويل
إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم ... وخلّفت في قرن فأنت غريب
وما للعظام الباليات من البلى ... شفاء، ولا للرّكبتين طبيب
وإنّ امرءاً قد سار تسعين حجّةً ... إلى منهل من ورده لقريب
فقال له معاوية: فما تحبّ؟ قال: عشرة آلاف درهم أقضي بها ديني، وعشرة آلاف درهم أقسمها في أهلي، وعشرة آلاف درهم أنفقها في بقيّة عمري. فقال له معاوية: فصرفت لك بكل عشرة مئةً. وأطلق له ثلاثمئة ألف درهم؛ فقبضها ورحل.
عمرو بن عبد الله بن رافع
ابن عمرو الطّائيّ، الحجراويّ
عمرو بن عبد الله بن أبي شعيرة
ويقال: عمرو بن عبد الله بن عليّ بن أحمد بن ذي يحمد أبو إسحاق الهمدانيّ، السّبيعيّ، الكوفيّ رأى عليّاً وأسامة بن زيد والمغيرة بن شعبة، وغزا الرّوم في أيّام معاوية مع عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد، وقدم على معاوية.(19/255)
روى عن البراء بن عازب، قال: صلّينا إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم صرفنا إلى القبلة.
قال سفيان: قيل للنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع بمن مضى من أصحابنا يعني: من قد صلّى إلى بيت المقدس فمات؟ قال: فنزلت " وما كان الله ليضيع إيمانكم " يعني: صلاتكم. وعنه، قال: سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أخذ مضجعه، قال: " اللهم إليك أسلمت نفسي، وإليك وجّهت وجهي، وإليك فوّضت أمري، وإليك ألجأت ظهري، رغبةً ورهبةً؛ لا ملجأ ولا منجى منك إلاّ إليك؛ آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك أو: بنبيّك الذي أرسلت ". فإن مات مات على الفطرة.
عن أبي بكر بن عيّاش، قال: سمعت أبا إسحاق يقول: سألني معاوية: كم كان عطاء أبيك؟ قال: قلت: ثلاثمئة. ففرض لي ثلاثمئة، وكذلك كانوا يفرضون في مثل عطاء أبيه. قال أبو بكر: فأدركت أبا إسحاق وقد بلغ عطاؤه ألف درهم من الزّيادة. وكان أبو إسحاق يقول: ولدت زمن عثمان رضي الله عنه.
عن عبد الكريم، عن أبيه، قال: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السّبيعيّ، كوفيّ ثقة.
قال أبو نعيم: قدم أصبهان في اجتيازه إلى خراسان، من كبار تابعي أهل الكوفة، روى عن أربعة وثلاثين نفساً من الصّحابة، وكان مولده لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفّان(19/256)
رضي الله عنه، ومات سنة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وعشرين ومئة وهو ابن تسعين سنة، وصلّى عليه الصّقر بن عبد الله عامل ابن هبيرة، كان يكابد اللّيل متهجّداً أربعين سنةً، فلمّا ضعف وبدن كان يصلّي قائماً فيقرأ في الرّكعة الواحدة بسورة البقرة وآل عمران وهو قائم.
قال أبو إسحاق: قال أبي: فانظر إلى أمير المؤمنين. فإذا هو على المنبر شيخ أبيض الرّأس واللّحية، أجلح، ضخم البطن، ربعة، عليه إزار ورداء وليس عليه قميص، ولم يرفع يديه. قال: فقال رجل: يا أبا إسحاق، أقنت؟ قال: لا. وقال: غزوت في زمن زياد ستّاً أو سبع غزوات. وقال: ما أقلّت عيني غمضاً منذ أربعين سنة.
عن الحسن بن ثابت، قال: سمعت الأعمش يعجب من حفظ أبي إسحاق لرجاله الذين يروي عنهم.
قال أبو داود الطيالسي: قال رجل لشعبة: سمع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: ما كان يصنع هو بمجاهد؟ كان هو أحسن حديثاً من مجاهد ومن الحسن وابن سيرين. قال: وسمعت أبي يقول: أبو إسحاق السّبيعيّ ثقة، وأحفظ من أبي إسحاق الشّيبانيّ، ويشبّه بالزّهريّ في كثرة الرّواية، واتّساعه في الرّجال.(19/257)
وعن عبد الله، قال: كان أبو إسحاق يحرّض الشّباب، يقول: ما أستطيع أن أستوي قائما حتى أعتمد على رجلين، وإذا اعتدلت قائماً قرأت بألف آية.
وقال أبو إسحاق: قد كبرت وصغرت، ما أصوم إلاّ ثلاثة أيّام من الشّهر، والاثنين والخميس، والأشهر الحرم.
قال أبو عبد الله بن حنبل: أبو إسحاق والأعمش رجلا أهل الكوفة.
وقال يعقوب: أبو إسحاق رجل من التّابعين، وهو ممّن يعتمد النّاس عليه في الحديث، هو والأعمش، إلاّ أنهما وسفيان يدلّسون، والتّدليس أمر قديم. توفي سنة ستّ أو سبع وعشرين ومئة، وقيل: سنة ثمان وعشرين ومئة، وقيل: سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
عمرو بن عبد الله بن صفوان
ابن عمرو النّصريّ والد أبي زرعة الحافظ حدّث عن أيوب بن سويد، بسنده إلى واثلة، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أعتق مسلماً كان فكاكه من النّار بكلّ عضو عضواً ".
وعن مروان بن محمد، بسنده إلى عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ساءته سيئته وسرّته حسنته فهو مؤمن ".
حكى أبو الفضل المقدسيّ، عن غيره؛ أن مولده سنة ثمان أو تسع وستين ومئة.(19/258)
قال أبو زرعة: وكنّا نختلف مع أبي إلى الوليد بن النّضر، ومحمد بن خالد بن حازم بالرّملة سنة إحدى عشرة ومئتين، والفريابيّ يومئذ باق.
عمرو بن عبد الله ابن الوليد
ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأمويّ
عمرو بن عبد الأعلى بن عمرو
ابن عبد الأعلى بن مسهر أبو عثمان الغسّانيّ
كان شيخاً أعور، مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمئة.
عمرو بن عبد الرحمن دحيم
ابن إبراهيم بن عمرو بن ميمون أبو الحسن القرشيّ حدّث عن محمد بن مصفّى، بسنده إلى أبي ذرّ، قال: قلت: يا رسول الله، أيّ المسلمين أسلم؟ قال: " من سلم النّاس من لسانه ويده ".(19/259)
عمرو بن عبد الرحمن أبو زرعة
ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان أبو سعيد النّصريّ حدّث عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى بلال بن سعد، عن أبيه، قال: قيل: يا رسول الله، ما للخليفة من بعدك؟ قال: " مثل الذي لي إذا عدل في الحكم، وقسط في القسط، ورحم ذا الرّحم بحقه، فمن فعل غير ذلك فليس منّي ولست منه ".
وحدّث سنة ثلاث وتسعين ومئتين عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى عامر بن ربيعة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا رأى أحدكم الجنازة، فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى تخلّفه أو توضع من قبل ". وكان عبد الله بن عمر إذا رآها تبعها إلى البقيع، فجلس قبل أن يؤتى بها، ثم يؤتى بها، قام حتى تخلف أو توضع.
عمرو بن عبد العظيم بن عمرو
ابن مهاجر بن دينار الدّمشقيّ، الأنصاريّ مولاهم قدم مصر.
عمرو بن عبد عمرو الثّقفيّ
وفد على يزيد بن معاوية.
قال عوانة بن الحكم: لمّا هلك معاوية واستخلف يزيد ابنه، اجتمع النّاس على بابه، فدخل عليه أشراف النّاس ووجوههم، وفيهم عمرو بن عبد عمرو أحد بني الأشعر بن غاضرة بن حطيط، فلم يتهيّأ لأحد منهم تعزية تجمع تعزية بأبيه مع تهنئته بالخلافة، حتى قام عطاء بن(19/260)
أبي صيفيّ الثّقفيّ ثم المالكيّ، فسلّم عليه تسليم الخلافة ثم قال: أصبحت يا أمير المؤمنين إماماً، ولديننا قواماً، رزئت خليفة الله وأعطيت خلافة الله، قضى معاوية نحبه يغفر الله له ذنبه وأعطيت بعده الرّئاسة، وولّيت بعده السّياسة، فأورده الله موارد السّرور، ووفّقك بعده لصالح الأمور، فقد رزئت جليلاً ووليت جليلاً، فاحتسب عند الله أعظم الرّزيّة، واشكر الله على أفضل العطيّة، عاش سعيداً ومات فقيداً، وكنت المنتخب وباب العرب، فأحسن الله عطاءك ورزقك شكراً على ما أعطاك. ثم قال: من البسيط
اصبر يزيد فما فارقت ذا كرم ... واشكر حباء الذي بالملك حاباكا
فما رزي أحد في النّاس كلّهم ... كما رزيت ولا عقبى كعقبا كا
أصبحت أنت أمير النّاس كلّهم ... فأنت ترعاهم والله يرعاكا
وفي معاوية الباقي لنا خلف ... إذا نعيت، ولا يسمع بمنعاكا
فعجب يزيد من حسن قوله، فقال له: ادن يا بن أبي صيفيّ؛ فأدناه حتى أقعده قريباً منه،، فقال له: هل تدري فيما تحالف الأحلاف من ثقيف؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فأخبرني عن ذلك وعمرو بن عبد جالس فقال: لأخبرنّك عن ذلك بخبر صادق، إن رجلاً من بني غاضرة بن حطيط وكان بينه وبين رجل من بني مالك ملاحاة في بعض الأمر، فاستشرى فيه الأمر، فغضب له بنو مالك بأجمعها وبنو مالك إذ ذاك أكثر ثقيف عدداً فأسفقت بنو الأشعر أن يجتمع عليهم بنو مالك، وخافوا الهضمة والحيف والظّلم والضّعف، فظعنوا عنهم حتى نزلوا على بني عوف وابن قيس فحالفوهم على بني مالك ولم يحالف قوم قطّ قوماً إلاّ عن هضمة وضعف فيهم، وقلّة من عددهم. فغضب عمرو بن عبد عمرو من قوله، فقال: تالله سمعت كلام رجل أبعد رشداً وصوابا، والله لتنتهينّ يا بن أبي صيفيّ عمّا أسمع أو لأوردنّك شعاباً تجدنّها يباباً ر تنبت إلاّ سلعاً وصابا وقال ابن خالد: السّلع: المرّ، والصّاب: العلقم.(19/261)
قال ابن أبي صيفيّ: إنك والله إن ترد شعابي تلقها مالكيّة مخصباً، تبهق مياهاً عذاباً، وتلف أهلها ميوساً صعاباً.
فقال عمرو بن عبد عمرو: بل إن أردها ألقها قليلاً تراها، يابساً ثراها، متوحشاً قواها، ذليلاً حماها. فقال عطاء بن أبي صيفيّ: بل إن تردها والله تلقها نديّاً ثراها، طيّباً مرعاها، منيعاً حماها، مضراً تهلك منحاها. قال عمرو بن عبد عمرو: بل إن أردها ألقها الرّياح الزّعزع، والذّئاب الجوّع، بيداء بلقع، لا تدفع كفّاً بمدفع. قال ابن أبي صيفيّ: إن تردها تلقها والله طيّبة المرتع، آمنة المربع، ليّنة المهجع، تقطع مثلك يوم المجمع. فلّما سمع يزيد بن معاوية مقالتهما خشي أن يرتفع الأمر بينهما، فقال: سألتكما بالله لما كففتما ممّا أسمع منكما؛ ثم قال: والله إن سمعت كاليوم رجلين أمضى وأمضى. فقال عطاء بن أبي صيفيّ: أمّا الأصل يا أمير المؤمنين فأصلّ مؤتلف، وأمّا السّبيل فمختلف، كلّ بذلك مقرّ معترف. فقال يزيد: أنتم يا بني ثقيف معدن العزّ والشّرف، وما أشبه المؤتنف بالسّلف؛ فلم غلبكم إخوتكم من بني عامر على الطائف؟ قال: أمر الكبير وأطاع الصّغير، وبعد المهرب وعزّ المطلب، فدفعاً بالرّاح، وحساً بالرّماح؛ حتى جاءنا الإسلام، وسوغنا سيّد الأنام محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: صدقت، ومثلك فليجالس الملوك. فأصلح يزيد بينهما، فقاما على ذلك، وانصرفا عليه، من غير أن يقعا في قبيح، أو يقول واحد منهما لما يحتمل ولا يحتمل.(19/262)
عمرو بن عبد الخولانيّ
خلف على أمّ مسلم، زوج أبي مسلم الخولانيّ بعده؛ وكان من العبّاد.
قال عبد الجبّار بن محمد بن مهنّا الخولانيّ: سمعت من أدركت من شيوخنا يذكر أن أمّ مسلم سئلت، فقيل لها: أيّ الرّجلين أفضل؟ فقالت: أمّا أبو مسلم فإنه لم يكن يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه إيّاه، وأما عمرو بن عبد فإنه كان ينار عليه في محرابه، حتى أني كنت اختدم على ضوء نوره من غير مصباح.
قال عبد الجبّار: وكان عمرو بن عبد من أفاضل المسلمين عند أهل زمانه، وتوفي بداريا ولم يعقب.
وعن عمير بن هانئ، قال: قيل لأمّ مسلم امرأة أبي مسلم: تزّوجت بعد أبي مسلم، وقد كان يقال: المرأة لآخر أزواجها؟ فقالت: أفترون أن أبا مسلم كان أفضل من عمرو بن عبد؟ لقد رأيتني وإنه ليقوم من اللّيل إلى مصلاّه، فينوّر به حتى يملأ البيت نوره، فأتناول من البيت ما أردت، لا يزال على ذلك حتى يطلع الفجر، وربّما غزلت على ضوء نوره.
عمرو بن عبسة بن خالد بن حذيفة
ابن عمر بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة ابن بهثة بن سليم بن منصور ابن عطرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار أبو نجيح السّلميّ، العجليّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من السّابقين اللأوّلين، كان يقال له: ربع الإسلام.
روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد اختلف في نسبه.(19/263)
قال عمرو بن عبسة: صلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السّكون والسّكاسك، وعلى خولان العالية، وعلى الأملوك أملوك ردمان.
عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة السّلميّ، قال: لقد رأيتني وإني لربع الإسلام. قال: قلت له: حدّثنا حدّيث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فيه انتقاص ولا وهم. قال: سمعته يقول: " من ولد له ثلاثة في الإسلام فقبضوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله الجّنة بفضل رحمته إيّاهم، ومن شاب شيبةً في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ العدّو أصاب أو أخطأ كان له كعتق رقبة، ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضواً منها عضواً منه من النّار، ومن أنفق زوجين في سبيل الله فإن للجنّة ثمانية أبواب يدخله الله من أيّ باب شاء ".
قال سيف بن عمر في تسمية الأمراء يوم اليرموك: وعمرو بن عبسة على كردوس.
قال خليفة: هو أخو أبي ذرّ لأمّه.
قال محمد بن عمر: لمّا أسلم عمرو بن عبسة بمكة رجع إلى بلاد قومه بني سليم، وكان ينزل بصفنة وحاذة وهي من أرض بني سليم فلم يزل مقيماً هناك حتى مضت بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر، ثم قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك المدينة.
عن حريز بن عثمان، أن حمص نزلها من بني سليم أربعمئة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم أبو نجيح(19/264)
السّلميّ، وهو من المهاجرين الأوّلين، شهد بدراً، وقال: أتيت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعكاظ وليس معه إلاّ أبو بكر وبلال، فلقد رأيتني ربع الإسلام.
عن عمرو بن عبسة، قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، وذلك أنها باطل، فلقيت رجلاً من أهل الكتاب، من أهل تيماء، فقلت: إني امرؤ ممّن يعبد الحجارة، فينزل الحي ليس معهم إله، فخرج الرّجل منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره، ويجعل أحسنها إلهاً يعبده، ثم لعلّه يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره إذا نزل منزلاً سواه، فرأيت أنه إله باطل لا ينفع ولا يضرّ، فدلنيّ على خير من هذا. فقال: يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها، فإذا رأيت ذلك فاتّبعه فإنه يأتي بأفضل الدّين. فلم تكن لي همّة منذ قال لي ذلك إلاّ مكة، فآتي فأسأل: هل حدث فيها حدث؟ فيقال: لا. ثم قدمت مرّةً فسألت، فقالوا: حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه، ويدعو إلى غيرها. فرجعت إلى أهلي فشددت راحلتي برحلها، ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزله بمكة، فسألت عنه فوجدته مستخفياً، ووجدت قريشاً عليه أشدّاء، تلطّفت له حتى دخلت عليه، فسألته، فقلت: أيّ شيء أنت؟ قال: " نبيّ " قلت: ومن أرسلك؟ قال: " الله " قلت: وبم أرسلك؟ قال: " بعبادة الله وحده لا شريك له، وبقن الدّماء، وبكسر الأوثان، وصلة الرّحم، وأمان السّبيل " فقلت: نعم ما أرسلت به، قد آمنت بك وصدّقتك، أتأمرني أمكث معك أو انصرف؟ قال: " ألا ترى كراهية النّاس ما جئت به؟ فلا تستطيع أن تمكث، كن في أهلك فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجاً فاتبعني ". فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه، فقدمت المدينة، فقلت: يا نبيّ الله، أتعرفني؟ قال: " نعم، أنت السّلمي الذي أتيتني بمكة فسألتني عن كذا وكذا، فقلت لك كذا وكذا ".(19/265)
فاغتنمت ذلك المجلس وعلمت أن لا يكون الدّهر أفرغ قلباً لي منه في ذلك المجلس، فقلت: يا نبيّ الله، أيّ الساعات أسمع؟ قال: " الثّلث الآخر، فإن الصّلاة مشهودة مقبولة حتى تطلع الشّمس، فإذا رأيتها حمراء كأنها الحجفة فأقصر نعها، فإنها تطلع بين قرني شيطان، فيصلّي لها الكفّار، فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فإن الصّلاة مشهودة مقبولة حتى يساوي الرّجل ظلّه، فأقصر عنها، فإنها حينئذ تسجر جهنّم، فإذا فاء الفيء فصل، فإن الصّلاة مشهودة مقبولة حتى تغرب الشّمس، فإذا رأيتها غربت حمراء كأنها الحجفة فأقصر ". ثم ذكر الوضوء، فقال: إذا توضأت فغسلت يديك ووجهك ورجليك، فإن جلست كان ذلك لك طهوراً، وإن قمت فصلّيت وذكرت ربّك بما هو أهله، انصرفت من صلاتك كهيئتك يوم ولدتك أمك من الخطايا ".
عن أبي نجيح السّلميّ، قال: حاصرت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصر الطّائف، فسمعت نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من رمى بسهم فبلغه درجة في الجنّة ". قال رجل: يا نبيّ الله، إن رميت فبلغت فلي درجة؟ قال: " نعم " قال: فرمى فبلغ. قال: فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً.
عمرو بن عبيد بن وهيب ابن أبي الشّعثاء مالك بن حريث بن جابر بن بحر وهو راعي الشّمس الأكبر بن يعمر بن عدّي ابن الدّيل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة أبو الحكم الدّيليّ، المعروف بالحزين شاعر من أهل الحجاز ويقال: إنه الحزين بن سليمان ويكنى سليمان أبا الشّعثاء مولى لبني الدّيل.(19/266)
قدم دمشق، وذكرها في شعره؛ كان هجاءً خبيث اللّسان قال في عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وكان أميراً على مصر: من البسيط
الله يعلم أن قد جبت ذا يمن ... ثم العراقين لا يثنيني السّأم
ثم الجزيرة أعلاها وأسفلها ... كذاك تسري على الأهوال بي القدم
ثم المواسم قد أوطنتها زمناً ... وحيث تحلق عند الحيرة اللّمم
قالوا دمشق ينبّيك الخبير بها ... ثم ائت مصر فثمّ النّائل الغمم
لّما وقفت عليها في الجموع ضحىً ... وقد ترّضت الحجّاب والخدم
حيّيته بسلام وهو مرتفق ... وضجّة القوم عند الباب تزدحم
في كفّه خيرزان ريحها عبق ... من كفّ أروع في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلاّ حين يبتسم
ترى رؤوس بني مروان واستبشروا جذلاً ... وإن هم آنسوا إعراضه وجموا
كلتا يديه ربيع غير ذي خلف ... بحر يفيض وهادي عارض هزم
قال أبو الفرج: ومن النّاس من يقول: إن الحزين قال في عبد العزيز بن مروان، لذكره دمشق ومصر، والصّحيح إنها في عبد الله بن عبد الملك.
قال محمد بن يحيى: وإنما سمّوا رعاة الشمس، لأن الشمس لم تكن تطلع في الجاهليّة عليهم ولا تغرب إلاّ وقدورهم تغلي للأضياف، فسمّوا لذلك رعاة الشمس؛ قال الحزين: من الطويل
أنا ابن ربيع النّاس في كلّ شتوة ... وجدّاي راعي الشمس وابن عريب
قال ابن ماكولا: أما حزين بفتح الحاء المهملة وكسر الزّاي التي تليها وآخره نون، فهو الحزين الشّاعر، من التّابعين.(19/267)
عن عبد الله بن مصعب: أن الحزين مرّ بالعقيق في غداة باردة، فمرّ عبد الله بن جعفر عليه مقطّعات خزّ، فاستعار الحزين من رجل ثوباً، ثم قام إليه فقال: من المتقارب
أقول له حين واجهته ... عليك السّلام أبا جعفر
فقال: وعليك السّلام. فقال:
فأنت المهذّب من غالب ... وفي البيت منها الذي يذكر
قال: كذبت يا عدوّ الله، ذاك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال:
فهذي ثيابي قد أخلقت ... وقد عضّني زمن منكر
قال: فلك ثيابي. فأعطاه ثيابه.
عن مصعب بن عبد الله، قال: مرّ الحزين على جعفر بن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث، وعليه أطمار؛ فقال له: يا بن أبي الشّعثاء إلى أين أصبحت غادياً؟ قال: أمتع الله بك، نزل عبد الله بن عبد الملك الحرّة يريد الحجّ، وقد كنت وفدت إليه بمصر فأحسن إليّ. قال: أفما وجدت شيئاً تلبسه غير هذه الثّياب؟ قال: استعرت أهل المدينة فلم يعرني أحد منهم شيئاً. قال: فدعا جعفر غلاماً له، فقال ائتني بجبّة وقميص ورداء؛ فجاءه به. فقال: البس وأبل وأخلق. فلمّا ولّى الحزين قال جلساء جعفر له: ما صنعت؟ يعمد إلى هذه الثياب التي كسوته فيبيعها ويفسد ثمنها؟ قال: ما أبالي إذا كافأته بثيابه ما صنع بها، مع إنه يصيب بها لذةً. فسمع الحزين قولهم، وما ردّ عليهم؛ ومضى حتى أتى عبد الله بن عبد الملك،(19/268)
فأحسن إليه وكساه. فلمّا أصبح الحزين أتى جعفراً ومعه القوم الذين لاموه بالأمس، فأنشده: من الطويل
ومازال ينمي جعفر بن محمد ... إلى المجد حتى عبهلته عواذله
وقلن له: هل من طريف وتالد ... من المال إلاّ أنت في الحقّ باذله
يحاولنه عن شيمة قد علمنها ... وفي نفسه أمر كريم يحاوله
ثم قال: بأبي أنت وأمّي، قد سمعت ما قالوا وما رددت عليهم.
قال الزّبير: ولطلحة بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصّدّيق يقول الحزين الدّيليّ: من المتقارب
وإن تك يا طلح أعطيتني ... عذافرةً تستخفّ الضّفارا
فما كان نفعك لي مرّةً ... ولا مرّتين ولكن مراراً
أبوك الذي صدّق المصطفى ... وسار مع المصطفى حيث سارا
وأمّك بيضاء تيميّةً ... إذا نسب النّاس كانت نضارا
أم طلحة هذا: عائشة بنت طلحة بن عبيد الله.
عمرو بن عتبة بن صخر بن حرب
ابن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سفيان، القرشيّ، الأمويّ، العتبيّ كان من رجالات قريش، قدم على عمّه معاوية بن أبي سفيان، وسمع منه ومن جماعة من الصّحابة. وسكن البصرة؛ وفد على يزيد بن معاوية وعلى عبد الملك بن مروان.(19/269)
عن العتبيّ، عن أبيه، قال: لمّا قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان ما كان يجريه عليهم، لمّا غضب على خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل عليه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فقال: يا أمير المؤمنين، أدنى حقك متعب، وبعضه فادح لنا، ولنا مع حقّك حقّ عليك بإكرام سلفنا إيّاك، فضعنا منك حيث وضعتنا الرّحم، وانظر إلينا بحيث نظر إليك سلفنا. فقال عبد الملك: أمّا من استعصى عطيّتنا فسنعطيه، وأمّا من ظنّ أنه مستغن عنّا فسندعه في نفسه. وردّ عليه وعلى ولد أبيه ما كان يجريه عليهم وأقطعه قطيعةً. فبلغ ذلك خالداً فقال: أبا لحرمان يهدّدني عبد الملك؟؟؟؟؟؟! يد الله فوق يده باسطة، وعطاؤه دونه مبذول، فأمّا عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مّما أخذ لها.
عن العتبيّ، عن أبيه، عن أبي خالد، قال: قدم محمد بن عمير بن عطارد البصرة، فاستزاره عمرو بن عتبة، فقال له محمد بن عمير: يا أبا سفيان، ما بال العرب يطيلون الكلام في حال ويقصّرونه في حال وخاصةً قريش؟ قال عمرو: يا هذا، بالجندل يرمى الجندل؛ إن كلامنا كلام يقلّ لفظه ويكثر معناه، ويكتفى بأولاه ويشتفى بأخراه، يتحدّر تحدّر الزّلال على الكبد الحرّى، ولقد نقصوا كما نقص غيرهم، بعد أقوام والله أدركتهم سهلت لهم ألفاظهم كما سهلت لهم أخلاقهم، وصاروا حديثاً حسناً، عاقبته في الآخرة أحسن؛ ولله درّ مادحهم حيث يقول: من الخفيف
وضع الدّهر فيهم شفرتيه ... فمضى سالماً وأضحوا شعوبا
شفرتان أدهشتا والله من كان قبلهم، فأذهبت أبدانهم وأبقت آثارهم؛ فيا موعوظاً بمن كان قبله وموعوظاً به هو آت بعده، اربح نفسك إذ خسرها غيرك؛ ثم أنشد: من الطويل
إذا غاب رهط المرء غاب نصيره ... وأطرق وسط القوم وهو جليد
وأكثر غضّ الطّرف دون عدوّه ... فأغضى وطرف العين منه حديد(19/270)
وإن امرءاً يأتي له الحول لا يرى ... من النّاس إلاّ الأبعدين وحيد
عن العتبيّ، عن أبي خالد، عن أبيه، قال: قال أبي: وصيّتني إيّاك بما أوصاني به مولاك؛ كنت وصيفاً لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فأسلمني في المكتب، فلمّا حذقت وتأدّبت ألزمني خدمته، فقال لي يوماً: يا أبا يزيد. فالتفتّ يمنةً وشامةً أنظر من يعني. فقال: إيّاك أعني؛ إنّا معاشر قريش لا ندعو موالينا بأسمائهم، إنك أمس كنت لي. وأنت اليوم منّي، وإن النّاس لا ينسبون إلى آبائهم بولادتهم إيّاهم، ولكن ينسبون إليهم بحكم الله فيهم؛ ألا ترى لو أن رجلاً أولد امرأةً من غير حلّ لم يكن ولدها له ولداً؟ فلمّا كان المولود بحكم الله من أبيه كان المولى من أقاربه بحكم رسول الله، فاستدم النّعمة عليك بالشّكر عليها منك.
عن سفيان بن عمرو بن عتبة، قال: لمّا بلغت خمس عشرة سنةً قال لي أبي: أي بنيّ، قد انقطعت عنك شرائع الصّبا، فاختلط بالخير تكن من أهله، ولا تزايله فتبين منه كله، ولا يغرّنّك من اغتّر بالله فيك فمدحك ما تعلم خلافه من نفسك، واعلم أنه يا بنيّ لا يقول أحد من الخير مالا يعلم إذا رضي إلاّ قال فيه مثله من الشّرّ ما ليس فيه إذا سخط؛ فاستأنس بالوحدة من جلساء السّوء تسلم من عواقبهم، ولا تنقل حسن ظنّي بك إلى غيره.
قال سفيان: فما زال كلام أبي لي قبلةً أنتقل معها ولا أنتقل عنها؛ وما شيء أحمد مغبّةً من ناصح معروف نصحه.
عمرو بن عتبة بن عمارة بن يحيى
ابن عبد الحميد بن محمد بن عمرو بن عبد الله بن رافع بن عمرو أبو الحسن الطّائيّ الحجراويّ، من أهل قرية حجرا وكان عمرو من المعمّرين.(19/271)
حدّث بقرية حجرا إملاءً في المحرم سنة خمسين وثلاثمئة وزعم أن له مئة سنة وعشرين سنة عن عمّه أبي السّلم بن يحيى بن عبد الحميد الطّائيّ، بسنده إلى عمرو الطّائيّ: أنه قدم على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجلسه معه على البساط، وأسلم، وحسن إسلامه، ورجع إلى قومه فأسلموا.
قال عمرو: سمعت منه كثيراً ولكن ذهب في الفتن.
عمرو بن عثمان بن سعيد
ابن كثير بن دينار أبو حفص الحمصيّ روى عن مروان بن محمد، بسنده إلى أبي سعيد الخدريّ، قال: مرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلام يسلخ شاةً، فقال له: " تنحّ حتى أريك، وإني لا أراك تحسن تسلخ ". قال: فأدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده بين الجلد واللّحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، وقال: " هكذا يا غلام فاسلخ " ثم انطلق، فصلّى بالنّاس ولم يتوضّأ؛ يعني لم يمسّ ماء.
وعن الوليد بن مسلم، بسنده إلى ابن عبّاس، قال: قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البركة مع أكابركم ". سئل أبو حاتم عنه: فقال: صدوق. مات سنة خمسين ومئتين.(19/272)
عمرو بن عثمان بن عبد الله
ابن موهب الكوفيّ، القرشيّ مولى آل طلحة بن عبيد الله، ويقال: مولى الحارث بن عامر التّيميّ.
روى عن موسى بن طلحة، عن عثمان بن أبي العاص الثّقفيّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عثمان أمّ قومك، ومن أمّ القوم فليخفّف، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة؛ فإذا صلّيت لنفسك فصلّ كيف شئت ". سئل يحيى بن معين عنه، فقال: كوفيّ ثقة.
عمرو بن عثمان عن عفّان
ابن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ القرشيّ الأمويّ وفد على معاوية فأغزاه أرض الرّوم.
روى عن أسامة بن زيد: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ".
عن يحيى بن حمزة: أن معاوية أغزا عمرو بن عثمان أرض الرّوم ففتح أنقرة.
قال عنه العجليّ: مدنيّ، ثقة، من كبار التّابعين.(19/273)
عمرو بن عثمان بن هانئ المدنيّ
مولى عثمان بن عفّان وفد على عمر بن عبد العزيز، وحدّث عنه.
روى عن عاصم بن عمر بن عثمان، عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل عليّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرفت في وجهه أن قد خفره شيء، فتوضّأ وما كلّم أحداً ثم خرج، فلصقت بالحجرات أسمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس، إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيبكم وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أستنصركم ". فما زاد عليهنّ حتى نزل. وقال: سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصرة، وهو خليفة، خطب النّاس قبل يوم الفطر بيوم وذلك يوم الجمعة فذكر الزّكاة فحضّ عليها، وقال: على كلّ إنسان صاع تمر، أو مدّان من حنطة. وقال: إنه لاصلاة لمن لا زكاة له؛ ثم قسمها يوم الفطر. قال: وكان يؤتى بالدّقيق والسّويق مدّين مدّين فيقبله.
عمرو بن عثمان
حدّث عن عمرو بن خالد، عن المهلهل بن الفضل، عن ثابت، عن أنس: أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ".(19/274)
عمرو بن عاصم بن يحيى
ابن زكريّا أبو العبّاس الصّوريّ الإمام حدّث عن خالد بن عبد الرحمن، بسنده إلى الحارث: أن عليّ بن أبي طالب قال: من يشتري علماً بدرهم؟ قال الحارث: أنا؛ فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم، فجئت بها، فأملى عليّ حتى كتبت؛ ثم قال عليّ: يا أهل الكوفة، أعجزتم أن تكونوا كشطر رجل. وكان الحارث أعور.
قال المصنّف: لا أرى عمرو بن عاصم أدرك خالداً بل بينهما رجل، والله أعلم.
وعن وزير بن القاسم الجبيليّ بجبيل، بسنده إلى جابر بن عبد الله، أنه حدّثهم، قال: عطش النّاس وهم بالحديبية حتى كادت أن تقطع أعناقهم من شدّة العطش، ففزعوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: هلكنا يا رسول الله، هلكنا. قال: " كلاّ، لن تهلكوا وأنا فيكم " ثم أدخل يده في تور كان بين يديه، فيه قريب من مدّ، ففرّج فيه أصابعه. قال جابر: فوالذي أكرمه بنبوّته لرأيت الماء يفور من بين أصابعه كالعيون التي تجري، فقال: " حيّ، بسم الله ". قال جابر: فشربنا وسقينا الرّكاب، ثم عمدنا إلى المزاد والقرب فملأناها حتى صدرنا، فتبسّم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: " أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأني نبيّ الله ورسوله، لا يقولها عبد يصدق قلبه ولسانه إلا دخل الجنّة ". قال عطاء: فسأل عبد الله أبي عمّار، فقال: يا أبا عبد الله، كم كنت يومئذ؟ قال: أربع عشرة مئة، ولو شهد ذلك اليوم أهل منى لوسعهم وكفاهم. قال أبو سليمان ابن زبر: سألت عمرو بن عاصم بن يحيى الصّوريّ، فقال لي: ولدت سنة تسع وثلاثين ومئتين.(19/275)
عمرو بن عثمان بن صالح
ابن ميمون بن الأخضر بن الحارث ابن أخي عمرو بن عبسة السّلميّ
عمرو بن أبي عمرو الحيرانيّ
أظنه حمصيّاً.
عمرو بن عيسى المصيصيّ
روى عن هشام بن خالد، بسنده إلى ابن عبّاس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ينظر أحدكم إلى فرج زوجته ولا فرج جاريته إذا جامعها، فإن ذلك يورث العمى ".
عمرو بن غيلان بن سلمة
ويقال: عمرو بن عبد الله بن غيلان، الثّقفيّ قيل: إن له صحبة. روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً واحداً، وعن عبد الله بن مسعود؛ وهو مولى أبي عبد ربّ الزّاهد من فوق. روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أللهم من آمن بي وصدّقني، وعلم أن جئت به الحقّ من عندك فأقلّ ماله وحبّب به هو الحقّ، فأكثر ماله وولده وأطل عمره ". قال خليفة: ولي البصرة، وهو من ساكني الطائف.(19/276)
عمرو بن قتيبة الصّوريّ
روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى ابن عمر، قال: كنت شاباً عزباً أبيت في المسجد، وكان الرّجل من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى الرؤيا أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بها، وعبّرها له. قال عبد الله: أللهم إن كان لي عندك خير فأرني رؤيا يعبّرها لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عبد الله: ولن أعود. قال عبد الله: فرأيت ملكاً أتاني فعمد بي إلى النّار، فإذا فيها كفم البئر وكفرون البقر، وإذا عليها ملك؛ فلّما رآني صرفني عنها، وقال: لست من أهلها. فلّما ولّيت قال: نعم الرّجل إن أحيا اللّيل. قال عبد الله: فلّما أصبحت قصصتها على حفصة فقصّتها حفصة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن عبد الله بن عمر رجل صالح ".
عمرو بن قيس قميئة بن ذريح
ابن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل ابن قاسط بن هنب بن أفضى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ويعرف بالضّائع.(19/277)
شاعر جاهليّ، أقدم من امرئ القيس، ولقيه امرؤ القيس في آخر عمره فأخرجه معه إلى قيصر لمّا توجّه إليه، فمات معه، وسمّته العرب: عمراً الضّائع لموته في غربة، وفي غير أرب ولا مطلب، وهو الذي عناه امرؤ القيس بقوله: من الطويل
بكى صاحبي لمّا رأى الدّرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
قال ابن ماكولا: هو أول من عمل شعراً في الخيال.
قال أبو بكر محمد بن يحيى الصّولي: قال عمرو بن قميئة: من المتقارب
نأتك أمامة إلاّ سؤالا ... وإلاّ خيالاً يوافي خيالا
يوافي مع اللّيل مستوطناً ... ويأبى مع الصّبح إلاّ زيالا
خيال يخيّل لي مثلها ... ولو قدرت لم تخيّل خيالا
وقال الشّرقيّ بن قطاميّ: كان عمرو بن قميئة البكري من أعجب النّاس إلى مرثد بن قيس بن ثعلبة، وكان يجمع بينه وبين امرأته على طعامه، وكانت إصبع عمرو الوسطى والتي تليها ملصقتين، فخرج مرثد ذات يوم يضرب بالقداح فأرسلت امرأته إلى عمرو: إن عمّك يدعوك: فجاءت به من وراء البيوت؛ فلمّا دخل عليها لم يجد عمّه، وأنكر شأنها، فأرادته على نفسه، فقال: لقد جئت بأمر عظيم. فقالت: إمّا لتفعلنّ أو لأسوءنّك. فقال: للمساءة ما دعوتني! ثم قال: فخرج، وأمرت بجفنة وكفئت على أثر قدمه؛ فلمّا رجع مرثد وجدها متغضّبة، فقال: ما شأنك؟ قالت: رجل قريب القرابة منك جاءني يسومني نفسي. قال: من هو؟ قالت: أمّا أنا فلا أسمّيه، وهذا أثر قدمه. فعرف مرثد أثر عمرو(19/278)
فأعرض عنه، وعرف عمرو من أين أتي، فقال في ذلك: من الطويل
لعمرك ما نفسي بجدّ رشيدة ... تؤامرني سرّاً لأصرم مرثدا
عظيم رماد القدر لا متعبّس ... ولا مؤيس منها إذا هو أخمدا
فقد ظهرت منه بوائق جمّة ... وأفرغ في لومي مراراً وأصعدا
على غير ذنب أن أكون جنيته ... سوى قول باغ جاهد فتجهّدا
وقال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السّجستانيّ: سمعت مشيختنا قالوا: وعاش عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة تسعين سنة، وقال: من المنسرح
يا لهف نفسي على الشباب ولم ... أفقد به إذ فقدته أمما
قد كنت في ميعة أسرّ بها ... أمنع صحبي وأهبط العصما
وأسحب الرّيط والبرود إلى ... أدنى تجاري وأنفض اللّمما
وقال حين مضت له تسعون حجّة، وهي قصيدة: من الطويل
كأني وقد جاوزت تسعين حجّة ... خلعت بها عنّي عذار لجامي
رمتني بنات الدّهر من حيث لا أرى ... فما بال من يرمى وليس برام
فلو أنّها نبل إذاً لاتّقيتها ... ولكنّما أرمى بغير سهام
إذا ما رآني النّاس قالوا: ألم تكن ... حديثاً جديد البزّ غير كهام
فأفنى وما أفني من الدّهر ليلةً ... ولم يغن ما أفنيت سلك نظام
على الرّاحتين مرّةً وعلى العصا ... أنوء ثلاثاً بعدهنّ قيامي
وأهلكني تأميل يوم وليلة ... وتأميل عام بعد ذاك وعام(19/279)
عمرو بن قيس بن ثور
ابن مازن بن خيثمة أبو ثور السّكونيّ، الكنديّ، الحمصيّ وفد مع أبيه على معاوية بن أبي سفيان، وولي الصّائفة لعمر بن عبد العزيز، وقدم دمشق مكرهاً في جيش الطّلب بدم الوليد بن يزيد.
حدّث عن عبد الله بن بشر المازنيّ، قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أيّ النّاس خير؟ قال: " طوبى لمن طال عمره وحسن عمله " قال: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: " أن تفارق الدّنيا ولسانك رطب من ذكر الله تعالى ".
وعن عديّ بن عديّ الكنديّ، قال: بينما أبو الدّرداء يوماً يسير شاذّاً، إذ لقيه رجلان شاذّان من الجيش، فقال: يا هذان، إنه لم يكن ثلاثة في مكان مثل هذا المكان إلاّ أمّروا عليهم أحدهم. فليؤمّرنّ أحدكم. فقالوا: أنت يا أبا الدّرداء أمير المؤمنين. قال: بل أنا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من والي ثلاثة إلاّ لقي الله مغلولاً يمينه إلى عنقه، فكّه عدله أو غلّه جوره ".
قال محمد بن سعد: وكان صالح الحديث.
روى عن جدّه مازن بن خيثمة، أن معاذ بن جبل بعثه يوم نزل بين السّكون والسّكاسك حتى أسلم النّاس، وافداً إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال عمرو بن قيس: قال لي الحجّاج: متى مولدك يا أبا ثور؟ قلت: تمام الحجّة سنة أربعين. قال: وهو مولدي.(19/280)
قال: فتوفي الحجّاج سنة خمس وتسعين، وتوفي عمرو بن قيس سنة أربعين ومئة. قال العجليّ: شاميّ، تابعيّ، ثقة.
قال هشام بن عبد الملك: من سيّد أهل فلسطين؟ قالوا: رجاء بن حيوة. قال: من سيّد أهل الأردنّ؟ قالوا: عبادة بن نسيّ. قال: من سيّد أهل دمشق؟ قالوا: يحيى بن يحيى الغسّانيّ. قال: من سيّد أهل حمص؟ قالوا: عمرو بن قيس السّكونيّ. قال: من سيّد أهل الجزيرة؟ قالوا: عديّ بن عديّ. قال أبو مسهر: كلّهم من كندة غير يحيى بن يحيى الغسّانيّ.
قال محمد بن عمر الواقديّ: إن عمراً كان من نسّاك أهل الشام وأفاضلهم. توفي عمرو بن قيس السّكونيّ، أبو ثور، سنة أربعين ومئة، وصلّى عليه جبريل بن يحيى البجليّ.
عمرو بن كلب أو كليب اليحصبيّ
مّمن أدرك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد اليرموك، ووجّهه أبو عبيدة من مرج الصّفّر إلى فحل.
عمرو بن محمد بن العبّاس
ابن مروان أبو العبّاس الفزاريّ، المقرئ، المؤدّب روى عن محمد بن القاسم بن عبد الخالق المؤذّن، بسنده إلى أنس بن مالك: أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة في عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فقيل له: يا رسول الله، هذا ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة. فقال: " اقتلوه ".(19/281)
وعن سعيد بن عبد العزيز، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج الخاصّ، فإذا كان ليلة المزدلفة فغر الله للتجار، فإذا كان يوم منى غفر الله للحمالين، فإذا كان عند جمرة العقبة غفر الله للسؤّال، ولا يشهد ذلك الموقف أحد إلاّ غفر الله له ".
عمرو بن محمد بن عبد الله
ابن سعيد بن العاص القرشيّ، الأمويّ، الكوفيّ وفد على هشام بن عبد الملك.
قال عمرو بن محمد: بعثني أبي إلى هشام بن عبد الملك، فقال لي: إنك تأتي باب أمير المؤمنين، وهم بنو هاشم وبنو أميّة، فإيّاك أن تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدّنيء فيجترئ عليك.
عمرو بن محمد بن عبد المطّلب
ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشميّ من أهل دمشق، ووليها من قبل أبي جعفر المنصور.
قال الزّبير: وكان له قدر وشرف، ولاّه أمير المؤمنين المنصور، أبو جعفر، دمشق وهو لأمّ ولد.
عمرو بن محمد بن عذرة
ويقال: غندة، أبو البركات السّلميّ الدّارانيّ، الفقيه المالكيّ توفي في شوال سنة ستين وأربعمئة.(19/282)
عمرو بن محمد بن عمرو
ابن ربيعة بن الغاز أبو حفص، الجرشيّ حدّث عن الوليد بن مسلم، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يوم يقوم النّاس لرّب العالمين " قال: " يقوم وقال أبو عبد الله: يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه ". ثقة.
عمرو بن محمد بن يحيى بن سعيد
أبو سعد الدّينوريّ، الورّاق، ورّاق محمد بن جرير قدم دمشق، وحدّث بها.
حدّث عن أبي جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرميّ بالكوفة، بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ".هذا حديث غريب. توفي بدمشق يوم الجمعة لأربع خلون من ربيع الأوّل سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة. قال عبد العزيز: حدّث عن محمد بن جرير الطبري بكتاب التّفسير وغيره، وحدّث عن غيره، ثقة مأمون.
عمرو بن محرز
ويقال: عمرو الأشجعيّ كان في الجيش الذي وجّهه يزيد بن معاوية من زيزاء إلى أهل الحرّة، مع مسلم بن عقبة، واستعمله مسلم على ميمنته.(19/283)
حدّث عن بعض من يحدّث، أن جبريل قال: مامن الإنس أهل عشرة أبيات إلاّ قد قلبتهم فما وجدت فيهم أحداً أشدّ إنفاقاً للمال من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال ابن جعفر: هو أول مولود ولد بحمص.
قال محمد بن عايد: وفي سنة ستّ وسبعين غزا عمرو بن محرز الأشجعيّ على الصّائفة ففتح هرقلة.
وقال الواقديّ: وكان مسلم بن عقبة خلّف على المدينة عمرو بن محرز الأشجعيّ ويقال: روح بن زنباع الجذاميّ وقدم عليهم الخبر بموت يزيد، فوثبوا على من كان عندهم من أهل الشام فأخرجوهم.
عمرو بن محصن بن سراقة
ابن عبد الأعلى بن سراقة الأزديّ شهد مع معاوية.
ذكر يحيى بن حمزة: أن الذي قتل عمّار بن ياسر، عمرو بن محصن الأزديّ وعبادة بن أوفى النّميريّ، أشركا فيه، وكان عمرو فارساً، وكان عبادة راجلاً.
عمرو بن مخلاة الكلبيّ
شاعر، فارس، شهد مرج راهط، وقال في ذلك أشعاراً منها: من الطويل(19/284)
ويوم ترى الرّايات فيه كأنّها ... حوائم طير مستدير وواقع
مضى أربع بعد اللّقاء وأربع ... وبالمرج باق من دم القوم ناقع
طعنّا زياداً في استه وهو مدبر ... وثوراً أصابته السّيوف القواطع
ونحبى حبيشاً ملهب ذو غلالة ... وقد جذّ من يمنى يديه الأصابع
وقد شهد الصّفّين عمرو بن محرز ... فضاق عليه المرج والمرج واسع
أراد زياد بن عمرو بن معاوية العقيليّ، وثور بن معن بن يزيد السّلميّ، وعمرو بن محرز الأشجعيّ. وقال عمرو بن مخلاة الكلبيّ في حرب كانت بين كلب وقيس. وكانت زعيم كلب فيها حميد بن بحدل، فودى من أصيب من قيس: من الوافر
خذوها يا بني ذبيان عقلاً ... على الأجياد واعتقدوا الخداما
دراهم من بني مروان بيض ... ينجّمها لكم عاماً فعاما
وأيقن أنه يوم طويل ... على قيس يذيقهم السّماما
ورأى شخصاً على شرف بعيد ... فكبّر حين أبصره وقاما
وأقبل يسأل البشرى إلينا ... فقال: رأيت إنساً أو نعاما
وقال لخيله: سيري حميد ... فإنّ لكلّ ذي أجل حماما
فما لاقيت من سمح وبدر ... ومرّة فاتركي حطباً حطاما
بكلّ مقلّص عبل شواه ... يدقّ بهمز نابيه اللّجاما
وكلّ طمرّة مرطى سبوح ... إذا ما شدّ فارسها الحزاما
وقائلة على دهش وحزن ... وقد بلّت مدامعها اللّثاما
كأنّ بني فزارة لم يكونوا ... ولم يرعوا بأرضهم الثّماما
ولم أر حاضراً منهم بشاء ... ولا من يملك النّعم الرّكاما(19/285)
عمرو بن مرثد
ويقال عمرو بن أسماء أبو أسماء الرّحبيّ من أهل دمشق.
حدّث عن ثوبان، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضل دينار ينفقه الرّجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابّته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ".
قال أبو قلابة: بدأ بالعيال، ثم قال: وأيّ رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عياله صغاراً وينفقهم الله به. وعنه: عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرّجل إذا عاد أخاه المسلم كان في خراف الجنّة أو خرفة حتى يرجع ".
قال ابن سميع: شهد أبو عثمان وأبو أسماء وأبو الأشعث فتح دمشق.
قال عنه العجليّ: شاميّ، تابعيّ، ثقة.
قال أبو سليمان ابن زبر: أبو أسماء الرّحبيّ من رحبة دمشق قرية من قراها بينها وبين دمشق ميل، عامرة.(19/286)
المرسل إلى العباد كافّة، أدعوهم إلى الإسلام، وآمرهم بحقن الدّماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله وحده، ورفض الأصنام، وبحجّ البيت، وصيام شهر رمضان شهر من اثني عشر شهراً، فمن أجاب فله الجنّة، ومن عصى فله النّار، فآمن يا عمرو يؤمّنك الله من هول جهنّم. فقلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنك رسول الله، آمنت بكلّ ما جئت به من حلال وحرام، وإن زعم ذلك كثير من الأقوام؛ ثم أنشدته أبياتاً قلتها حين سمعت به، وكان لنا صنّم وكان أبي سادنه، فقمت إليه فكسرته ثم لحقت بالنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا أقول: من الطويل
شهدت بأن الله حقّ وأنني ... لآلهة الأحجار أوّل تارك
وشمّرت عن ساقي الإزار مهاجراً ... أجوب إليك الوعث بعد الدكادك
لأصحب خير النّاس نفساً ووالداً ... رسول مليك النّاس فوق الحبائك
قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مرحباً بك يا عمرو " فقلت: بأبي أنت وأمّي، ألا بعثت بي إلى قومي لعلّ الله أن يمنّ بي عليهم كما منّ بك عليّ؟. قال: فبعثني، فقال: " عليك بالرّفق والقول السّديد، ولاتكن فظّاً ولا متكبّراً ولا حسوداً ". قال: فأتيت قومي فقلت: يا بني رفاعة، بل يا معشر جهينة؛ إني رسول رسول الله إليكم، أدعوكم إلى الإسلام، وآمركم بحقن الدّماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله وحده، ورفض الأصنام، وبحجّ البيت، وصيام شهر رمضان شهر من اثني عشر شهراً، فمن أجاب فله الجنّة، ومن عصى فله النّار: يا معشر جهينة، إن الله جعلكم خيار من أنتم منه، وبغّض إليكم في جاهليّتكم ما حبّب إلى غيركم من العرب، فإنهم كانوا يجمعون بين الأختين، والغزاة في الشّهر الحرام، ويخلف الرّجل على امرأة أبيه؛ فأجيبوا هذا النّبيّ المرسل من بني لؤيّ بن غالب تنالوا شرف الدّنيا وكرامة الآخرة.(19/287)
عمرو بن مرداس
قدم دمشق، وسمع بلالاً.
عمرو بن مرّة أبو طلحة
ويقال: أبو مريم الجهنيّ ويقال: الأسديّ، والأزديّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم على معاوية، وكانت له بدمشق دار بناحية باب توما، ينسب إلى ابنه طلحة بن عمرو يعرف اليوم بدرب طلحة، وكان معاوية يسمّيه أسيد، وكان قوّالاً بالحقّ.
قال عمرو بن مرّة الجهنيّ: جاء رجل إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أرأيت إن شهدت أن لا إله إلاّ الله، وأنك رسول الله، وصلّيت الصّلوات الخمس، وأدّيت الزّكاة، وصمت رمضان وقمته، فمن أنا؟ قال: " أنت من الصّدّيقين والشّهداء ".
عن أبي حسين، أن عمرو بن مرّة قال لمعاوية بن أبي سفيان: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " مامن وال يغلق بابه عن ذي الحاجة والخّلة والمسكنة، إلاّ غلّق الله عزّ وجلّ أبواب السّماء عن خلّته وحاجته ومسكنته ".
وزاد في آخر، قال: فجعل معاوية رجلاً على حوائج النّاس.(19/288)
وروى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أنتم من قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ ".
قال ابن سعد: كان شيخاً كبيراً في عهد النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال: أسلم قديماً، وصحب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد معه المشاهد، وكان أول من ألحق قضاعة باليمن؛ فقال في ذلك بعض البلويّين: لا تهلكوا في لجّة عمرو يعني لجاجه وولده بدمشق.
قال أبو سعيد: بدمشق داره ناحية باب توما، ولده بها، مات بالشام في خلافة عبد الملك.
قال البغويّ: سكن مصر، وقدم دمشق على معاوية.
وقال ابن مندة: سكن فلسطين.
قال عمرو بن مرّة الجهنيّ: خرجنا حجّاجاً في الجاهلية في جماعة من قومي، فرأيت في المنام وأنا بمكة نوراً ساطعاً من الكعبة حتى أضاء لي جبل يثرب وأشعر جهينة، وسمعت صوتاً في النّور وهو يقول: انقشعت الظّلماء، وسطع الضّياء، وبعث خاتم الأنبياء؛ ثم أضاء لي إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن؛ وسمعت صوتاً في النّور وهو يقول: ظهر الإسلام، وكسرت الأصنام، ووصلت الأرحام. قال: فانتبهت فزعاً، فقلت لقومي: والله ليحدثنّ في هذا الحيّ من قريش حدث؛ وأخبرتهم بما رأيت. فلّما انتهينا إلى بلادنا جاء الخبر أن رجلاً يقال له أحمد قد بعث.
قال: فخرجت حتى أتيته، وأخبرته بما رأيت، فقال: " يا عمرو بن مرّة، أنا النّبيّ(19/289)
فأجابوني إلاّ رجلاً منهم قال: يا عمرو بن مرّة أمرّ الله عيشك أتأمرني برفض آلهتنا، وأن نفرّق جمعنا، وأن نخالف دين آبائنا الشّيم العلى إلى ما يدعونا إليه هذا القرشيّ من أهل تهامة؟ لاحباء ولا كرامة. ثم أنشأ الخبيث يقول: من الكامل
إنّ ابن مرّة قد أتى بمقالة ... ليست مقالة من يريد صلاحا
إني لأحسب قوله ممّن وفعاله ... يوماً وإن طال الزّمان ذباحا
ليسفّه الأشياخ ممّن قد مضى ... من رام لا أصاب فلاحا
قال: فقال عمرو: الكاذب منّي ومنك أمرّ الله عيشه، وأبكم لسانه، وأكمه أسنانه.
قال: فوالله مامات حتى سقط فوه، وعمي، وخرف، وكان لا يجد طعم الطّعام؛ فخرج عمرو بمن أسلم من قومه حتى أتوا النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحيّاهم ورحبّ بهم، وكتب لهم كتاباً هذه نسخته: " بسم الله الرحمن الرّحيم " هذا كتاب من الله العزيز على لسان رسوله بحقّ صادق وكتاب ناطق، مع عمرو بن مرّة لجهينه بم زيد، أن لكم بطون الأرض وسهولها، وتلاع الأودية وظهورها؛ على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها، على أن تؤدّوا الخمس وتصلّوا الخمس، وفي الغنيمة والصّريمة شاتان إذا اجتمعا، فإن فرّقتا فشاة شاة، ليس على أهل المثيرة صدقة، ولا على الواردة لبقة، والله شهيد على ما بيننا ومن حضر من المسلمين كتاب قيس بن شماس وفي ذلك يقول عمرو بن مرّة: من الطويل
ألم تر أن الله أظهر دينه ... وبيّن برهان الران لعامر
إلى خير من يمشي على الأرض كلّها ... وأفضلها عند اعتكار الضّرائر
أطعنا رسول الله لّما تقطّعت ... بطون الأعادي بالظّبى والخناجر
فنحن قبيل قد بني المجد حولنا ... إذا احتملت في الحرب هام الأكابر
بنو الحرب نقريها بأيد طويلة ... وبيض تلالا في أكفّ الأعاور(19/290)
ترى حوله الأنصار يحيون سربهم ... بسمر العوالي والصّفيح البواتر
إذا الحرب دارت عند كلّ عظيمة ... ودارت رحاها باللّيوث الهوامر
تبلّج منه اللّون وازداد وجهه ... كمثل ضياء البدر بين البواهر
قال معاوية يوماً لعمرو بن مرّة الجهنيّ: هل لك أن تقوم مقامً تقول: إن قضاعة من معدّ، وأطعمك مصر والعراق سنةً؟ قال: إذا شئت. فتقدّم معاوية إلى أصحابه أن يكونوا حول المنبر، وجاء عمرو بن مرّة يرفل في حلله حتى صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: من الرجز
يا أيّها السّائل يوم المعجر ... حيث التقينا في العجاج الأكبر
قضاعة بن مالك بن حمير ... النّسب المعروف غير المنكر
فقال معاوية: مالك قطع الله لسانك؟ فقام إليه ابنه زهير فقال: يا أبه، ما كان عليك أن تشفع أمير المؤمنين ويطعمك مصر والعراق سنة! فأنشأ عمرو يقول: من الكامل
يوماً أطعتك يا زهير كسوتني ... في النّاس ضاحيةً ثياب صغار
أنبيع والدنا الذي ندعى له ... بأبي معاشر غائب متوار
قحطان والدنا الذي نسمو به ... وأبو خزيمة خندف بن نزار
قال خليفة: وفيها يعني سنة تسع وخمسين شتا عمرو بن مرّة بأرض الرّوم في البرّ، ولم يكن عامئذ بحر.
عمرو بن مرّة الحنفيّ
شاعر من أهل الحجاز، وفد على عبد الملك بن مروان، ويقال: على يزيد بن عبد الملك.(19/291)
عن الهيثم عن عديّ، قال: كان بالمدينة أربعة فتيان، فاصطحبوا على المنادمة وصحيح الإخاء، يتقارضون الشّعر، ويتباينون العشق، منهم عمرو بن مرّة الحنفيّ، وصعب بن سفيان الحارثيّ، وزيد بن سعد التّميميّ، وسفيان بن الحارث النّوفليّ؛ وكانوا يغدون كلّ يوم إلى جوار لعمرو بن أبي ربيعة المخزوميّ للمذاكرة، فعلق كلّ واحد منهم واحدةً منهنّ وعلقته، حتى فشا أمرهم وبلغ ذلك عمر بن أبي ربيعة، فجمعهنّ عنهم؛ فاشتدّ لذلك وجدهم، ونحلت أجسامهم، وتغيّرت ألوانهم؛ فاجتمعوا يجيلون الرّأي بينهم، فقال بعضهم: ما الرّأي إلاّ الخروج إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان نستعديه على الهوى، يصف كلّ واحد منّا ما يلقى في أبيات من الشّعر. فتجهزّوا وخرجوا حتى قدموا على عبد الملك بن مروان، فوافوه يوم قعد للمظالم، فدخلوا في جملة النّاس، فتقدّم عمرو بن مرّة الحنفيّ وكان أكبر القوم سنّاً فرفع إلى عبد الملك قصّته، وفيها هذه الأبيات: من الطويل
تغيّر وجه الأرض إذ غيّب البدر ... وحالفني الهجران لاسلم الهجر
على غير ذنب كان منّي عملته ... سوى أنّني نوّهت: أن غلب الصّبر
وأن امرءاً يبدي تباريح قلبه ... إلى إلفه إذ شفّه الشّوق والذّكر
حقيق بأن يصفو له الودّ والهوى ... ويصرف عنه العيب إذ صرح القدر
فقل يا أمير المؤمنين فإنّما ... أتيناك كي تقضي إذا وضح الأمر
فأجابه عبد الملك في ظهر قصّته: من الطويل
لقد وضحت فيك القضيّة يا عمرو ... وأنت حقيق أن يحلّ بك الهجر
لأنك أظهرت الذي كان كاتماً ... ونوّهت بالحبّ الذي ضمن الصّدر
فبحت به في النّاس حتى إذا بدا ... دقيق الهوى ناديت: أن غلب الصّبر
فألاّ بكتمان الهوى متّ صابراً ... فتهلك محموداً وفي كفّك العذر
فلست أرى إذ بحت بالحبّ والهوى ... جزاءك إلاّ أن يعاقبك البدر
وتقدّم زيد بن سعد، فرفع قصّته، وفيها: من الطويل
ومالكة للرّوح منّي تطلّعت ... بناب فؤادي نحوها بالتّبسّم(19/292)
فلمّا رأت في القلب تصوير حبّها ... أشارت بأنفاس ولم تتكلّم
فباح الهوى منها ومنّي صبابة ... بمكنون أسرار الضّمير المكتّم
فأيقنت أن القلب قد قال: مرحبا ... وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيّم
فأمسكت منها بالرّجاء وأمسكت ... بأردان قلب مستهام متيّم
فقل يا أمير المؤمنين فإنّما ... إليك رحلنا في الحكومة فاحكم
فأجابه عبد الملك في ظهر قصّته: من الطويل
سأحكم يا زيد بن سعد عليكما ... وأقضي بحقّ واجب غير مبهم
ذكرت بأن القلب منك بكفّها ... وحبّك منها في الضّمير المكتّم
فقد قاسمتك الحبّ منها فما أرى ... سبيلاً عليها في الحكومة فاعلم
تمسّكت منها بالرّجاء وأمسكت ... بأردان روح القلب منك المتيّم
فأخف هواها في فؤادك لا تبح ... به يا بن سعد في الأنام فتصرم
فإنّ بكتمان الهوى يظفر الفتى ... بكلّ كعاب كالرّبيب المنعّم
ورفع صعب بن سفيان قصّته، وفيها: من الطويل
تذكّرت أيّام الرّضى منك في الهوى ... على المطل منكم بالعصارة والتعب
وفعل كريم قد يجازى بمثله ... إذا نحن أجرينا الهوى غاية الحبّ
وإحداثك الهجران من بعد صبوة ... على غير ما جرم جنيت ولا ذنب
كأني على جمر الغضا من صدودكم ... يقلّبني جنباً لظهر على جنب
فقل يا أمير المؤمنين فإنّما ... أتيناك كي تقضي لقلب على قلب
فأجابه عبد الملك في ظهر قصّته: من الطويل
يحكّمني صعب وقد شفّه الهوى ... ولست أرى في الحكم جوراً على صعب
لقد جارت الحوراء يا صعب في الهوى ... عليك وما أحدثت ذنباً سوى الحبّ
علام وفيم الصّدّ منها وما أرى ... لها سبباً يدني إلى سبب العتب
فإن هي لم تقبل عليك بودّها ... وتلقاك منها بالبشاشة والرّحب
فحكمي عليها أن تجازى بفعلها ... كذلكم أقضي لقلب على قلب(19/293)
ورفع سفيان بن الحارث قصّته، وفيها أبيات حفظ منها: من الطويل
تبّدت بأسباب المودّة والهوى ... فلمّا حوت قلبي نبت بصدود
فلو شئت ياذا العرش حين خلقتني ... شقيّاً بمن أهواه غير سعيد
عطفت عليّ القلب منها برأفة ... وإن كان أقسى من صفاً وحديد
تعلّقت من رأس الرّجاء بشعرة ... وأمسكت من رأس الحبيب بجيد
فإن يغلب النّاس الرّجاء ويعتلى ... عليه فما منّي الرّدى ببعيد
فقل يا أمير المؤمنين فإنّما ... تحكم والأحكام ذات حدود
فأجابه عبد الملك في ظهر قصّته: من الطويل
أرى الجور منها ظاهر يا بن حارث ... وما رأيها فيما أتت بسديد
أمن بعدما صادت فؤادك واحتوت ... عليه نبت وجه الهوى بصدود
فلست أرى إلاّ تألّف قلبها ... بطول بكاء عندها وسهود
فإن هي لم ترحم بكاءك والتوت ... عليك فما منك الرّدى ببعيد
سأقضي عليها إذ تبيّن جورها ... بتركان حقّ أو بعطف ودود
بأن تعقب الهجران بالوصل والرّضا ... على رغم واش في الهوى وحسود
فحكمي عليها أن تقاد بقلبها ... لذي صبوة جارت عليه ودود
وكتب عبد الملك بن مروان إلى عمر بن أبي ربيعة أن يخرجهنّ إليهم، وكتب إلى عامله أن يبتاعهنّ منه لهم، وأحسن جوائزهم، وصرفهم.
عمرو بن مرّة الكلبيّ
أحد بني مارية قدم على الوليد بن يزيد يخبره بتوجّه جيش يزيد بن الوليد إليه.(19/294)
عمرو بن مسعدة بن سعيد
ابن صول بن صول أبو الفضل الصّولي، وزير المأمون قدم معه دمشق، عن المأمون، وكان أبوه مسعدة مولى خالد بن عبد الله القسريّ أمير العراق، وكان كاتبه.
حدّث عن المأمون، بسنده إلى ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " علّقوا السّوط حيث أهل البيت، فإنه آدب لهم ".
قال أبو الخطيب: هو أبو عمّ إبراهيم بن العبّاس بن محمد بن صول بن صول.
بلغني أن عمرو بن مسعدة كان عنده فرس أدهم أغرّ، لم يملك أحد مثله، فبلغ المأمون خبره، وبلغ ذلك عمراً، فقاده إليه وكتب معه: من مجزوء الرمل
يا إماماً لايداني ... هـ إذا عدّ إمام
فضل النّاس كما يف ... ضل نقصناناً تمام
قد بعثنا بجواد ... مثله ليس يرام
فرس يزهى به لل ... حسن سرج ولجام
دونه الخيل كما دو ... نك في الفضل الأنام
والذي يصلح للمو ... لى على العبد حرام
وذكر ابنه أبو محمد ابن عمرو بن مسعدة عنه: أنه لم يقل من الشعر إلاّ بيتاً واحداً، فإنه وقّع في ظهر رقعة لرجل: من البسيط
أعزز عليّ بأمر أنت طالبه ... لم يمكن النّجح فيه وانقضى أمده(19/295)
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: ومات عمرو بن مسعدة في هذه السّنة بأذنه يعني سنة سبع عشرة ومئتين. قال: وكان لعمرو منزلان بمدينة السّلام، إحداهما بحضرة طاق الحرّاني: هو إبراهيم بن ذكوان ومنزل آخر فوق الجسر، وهو المعروف بساباط عمرو بن مسعدة.
عمرو بن مسعود السّلميّ
من أهل الطّائف. شاعر وفد على معاوية بن أبي سفيان.
عن رجل من بني سليم، قال: كان عمرو بن مسعود رجل بني سليم، ثم أحدبني ذكوان، ينزل الطّائف، وكان صديقاً لأبي سفيان بن حرب وأخاً، وكان له مال وولد، فذهب ماله، وزوّج ولده؛ وإن الشّيخ عمّر حتى إذا استخلف معاوية أتاه بالخلّة التي كانت بينه وبين أبي سفيان، فأقام ببابه سنة وبعض أخرى لا يصل إليه، ثم إن معاوية ظهر للنّاس يوماً، فكتب إليه في رقعة: من البسيط
يا أيّها الملك لنا ضجراً ... لو كان صخر بعرض الأرض ما ضجرا
ما بال شيخك مخنوقاً بجرّته ... طال المطال به وهراً وقد كبرا
ومرّ حول ونصف ما يرى طمعاً ... يدينه منك وهذا الموت قد حضرا
قد جاء ترعد كفّاه بمحجنه ... لم يترك الدّهر من أولاده ذكرا
قد بشّرته أموراً فاقتأرّلها ... وقد حنا ظهره دهر وقد غبرا
نادى وكلكل هذا الدّهر يعركه ... قد كنت يا بن أبي سفيان معتصرا
فاذكر أباك أبا سفيان إن لنا ... حقّاً عليه وقد ضيّعته عصرا(19/296)
فلّما قرأ الكتاب دعا به، فقال: كيف أنت؟ وكيف عيالك؟ وحالك؟ فقال: ما تسأل يا أمير المؤمنين عمّن ذبلت بشرته، وقطعت ثمرته، فابيضّ الشّعر، وانحنى الظّهر، فقد كثر منّي ما منت أحبّ أن يقلّ، وصعب منّي ما كنت أحبّ أن يذلّ، فأجمت النّساء وكنّ الشقاء، وكرهت المطعم وكان المنعم، وقصر خطوي، وكثر سهوي، فسحلت مريرتي بالنّقض، وشقلت على وجه الأرض، وقرب بعضي من بعض، ودّل وكلّ، فقلّ انحياشه، وكثر ارتعاشه، وقلّ معاشه؛ فنومه سبات، وفهمه تارات، وليله هبات، كمثل قول عمّك: من البسيط
أصبحت شيخا كبيرا هامةً لغد ... يرنو لدى جدثي أو لا فبعد غد
أردى الزّمان حلوباتي وما جمعت ... يادهر قدني ممّا تبتغيه قد
والله لو كان يا خير الخلائف ما ... لاقيت في أحد ذلّت ذرا أحد
أو كان بالغرد الجوّال لانصدعت ... من دونه كبد المستعصم الغرد
لّما رأى يا أمير المؤمنين به ... تقلّب الدّهر من جمع إلى بدد
وأبصر الشّيخ في حلقومه نقعت ... منه الحشاشة بين الصّدر وفي قعد
رام الرّحيل وفي كفّيه محجنه ... يوامر النّفس في ظعن وفي قعد
إمّا جوار إذا ما غاب ضيّعها ... أو المقام بدار الهون والفند
فأستمحت نفسه بالسّير مغترباً ... وإن تحرّم في تامورة الأسد
فقلبه فرق وماؤه سرق ... ودمعه عسق من شدّة الكمد
لنسوة رغب أولادها سغب ... كأفرخ زغب حلّوا على ضمد
رام الرّحيل فداروا حول شيخهم ... يسترجعون له أن خاض في البلد
ينعي أصيبية فقدان والدهم ... ووالد واضع كفّاً على كبد
قالوا: أبانا إذا ما غبت كيف لنا ... بمثل والدنا في القرب والبعد
قد كنت ترضعنا إن درّة نكأت ... عنّا وتكلؤنا بالّروح والجسد
فغرغر الشيخ في عينيه عبرته ... أنفاسه من سخين الوجد في صعد
وقال يودع صبياناً ونسوته ... أوصيكم باتقّاه الله يا ولدي
فإن أعش فإياب من حلوبتكم ... أو مت فاعتصموا بالواحد الصّمد(19/297)
قال: فبكى معاوية بكاءً شديداً، وأمر له بثلاثمئة ألف، وكسى، وعروض، وحمله فوافى الطّائف لعشرة أيام من دمشق. تفسير غريبه.
قوله: ذبلت بشرته: أيّ قلّ وذهبت نضارتها، والبشرة ما يباشره البصر من ظاهر بدن الإنسان، والأدمة: باطن البدن؛ وفي ذبول البشرة وجه آخر وهو أن يكون كنايةً عن الفرج، يرد أنه قد ضعف واسترخى. قال سفيان بن عيينة في قوله عزّ وجلّ: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ":أراد بالجلود الفرج.
وقوله: قطعت ثمرته؛ يريد ذهاب الزّرع وانقطاع النّسل، وهو ثمرة الإنسان؛ وهو يؤيد التّأويل الآخر في ذبول البشرة. وقوله: كثر منه ما يحبّ أن يقلّ؛ يريد آفات الكبر كالسّهو والغلط ونحوها، وكالبوال والدّنين وما أشبههما من العلل، وأمّا صعوبة ما كان يجب أن يذلّ؛ فإنه يريد بذلك ما يعرض للمشايخ من خشونة المفاصل، فيقلّ معه اللّين واللّدونة التي بها تكون مطاوعة للقبض والبسط والاعتماد. وقوله: سحلت مريرته بالنقض؛ فإن المريرة: الحبل المفتول. والسحيل، أن يفتل الغزل طاقةً واحدةً، يقال: خيط سحيل، فإذا فتل طاقين فهو مبرم. قال: زهير: من الطويل
يميناً لنعم السّيّدان وجدتما ... على كلّ حال من سحيل ومبرم
وقال ابن هرمة: من الطويل
أرى النّاس في سحيل فلاتكنله صاحباً حتى ترى الأمر مبرماً(19/298)
وأما جعل الحبل وانتقاصه مثالاً لانحلال بدنه وانتقاص قواه. وقوله: أجم النّساء؛ أي ملّهنّ وعافهنّ كما يعاف الطّعام؛ ويقال: أجمت اللّحم، إذا أكثرت منه تعافه.
وقوله: قلّ انحياشه؛ أي حركته ونصرته في الأمور، إلاّ أن الحركة الضروريّة بالارتعاش قد كثرت منه وغلبت عليه. والسّبات: نوم المريض والشّيخ المسنّ، وهو الغشية الخفيقة؛ يقال: سبت الرّجل فهو مسبوت؛ ويقال: إنه مأخوذ من السّبت وهو القطع، وذلك لأنه سريع الانقطاع؛ ويقال: إنّما سمّي آخر أيّام الجمعة سبتاً لانقطاع الأيّام عنه، وذلك أن أوّلها يوم الأحد؛ والسّبت أيضاً: السّير السّريع. قال الشاعر: من الطويل
ومطويّة الأقراب أمّا نهارها ... فسبت وأمّا ليلها فذميل
والخفات: ضعف الحسّ؛ يريد أنه لا يدرك الصّوت إلاّ كهيئته السّرار، والخفوت: خفض الصوت، ومنه المخافتة في الكلام. قال الله تعالى: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ". وإنّما قيل للميّت: خافت، لانقطاع صوته؛ والخفات من خفت بمنزلة الصّمات من صمت، والسّكات من سكت.
وقوله: وليله هبات؛ فإن الهبات من الهبت، وهو اللّين والاسترخاء، ويقال: في فلان هبتة أي ضعف عقل؛ وقد هبت السّحاب إذا أرخت عزاليها، وقال الشاعر: من البسيط
سقيا مجلجلة ينهل وابلها ... من باكر مستهل الودق مهبوت
كأنه يريد أن نومه باللّيل إنّما هو بقدر أن تسترخي أعضاؤه من غير أن يستغرق نوماً؛ ولو قيل: وليلة هبّات، من هبّ النّائم من نومه، كان جيداً؛ إلاّ أن الرّواية متّبعة.(19/299)
عمرو بن معاذ العنسيّ الدّارانيّ
عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيليّ
ذكر الواقديّ أنه من جند دمشق، سمع معاوية بن أبي سفيان، وأمّره على الصّائفة. ويقال: إن عثمان بن عفّان ولاّه ارمينية.
عن سعيد بن حنظلة: أن معاوية بن أبي سفيان أمّر عمرو بن معاوية العقيليّ على الصّائفة، فلّما قدم سأله عمّا بلغ الخمس، فأخبره، فقال: أين هو؟ فقال عمرو: تسألني عن الخمس وأرى رجلاً من المهاجرين يمشي على قدميه لا أحمله؟ فقال معاوية: لاجرم، لا تنالها منّي ما بقيت. فأنشأ يقول: من الطويل
تهادى قريش في دمشق غنيمتي ... وأترك أصحابي فما بالعدل
ولست أميراً أجمع المال تاجراً ... ولا أبتغي طول الإمارة بالبخل
فإن يمسك الشّيخ الدّمشقيّ ماله ... فلست على مالي بمستغلق فقلي
وعن أبي حسبة: أن معاوية بن عمرو العقيليّ كان وهو وال على الجيش ينزل فيواسي أصحابه في سوق السّبي والجزور والرّمك مشمّراً عن ساقيه.(19/300)
عمرو بن معدي كرب بن عبد الله
ابن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد بن ربيعة بن سلمة ابن مازن بن ربيعة بن منبّه، وهو زبيد الأكبر بن صعب بن سعد العشيرة ابن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو ثور الزّبيديّ له وفادة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان شجاعاً من فرسان العرب المذكورين، روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً، روى عنه شراحيل بن القعقاع، وشهد اليرموك.
عن شراحيل بن القعقاع، قال: قال عمرو بن معدي كرب: الحمد لله، لقد كنّا من قريب إذا حججنا قلنا: لبّيك اللهم، لبّيك تعظيماً إليك عذراً، هذي زبيد قد أتتك قسراً، يقطعن خبّاً وجبالاً وعراً، قد تركوا الأنداد خلواً صفراً، يقطعن من بين غضىً وسمراً، ونحن اليوم نقول كما علّمنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لبّيك لبّيك، لا شريك لك لبّيك، إن الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك ". وإن كنّا لنمنع النّاس أن يقفوا بعرفة وذاك في الجاهليّة وإن كان موقفهم ببطن محسّر عشيّة عرفة فرقاً من أن يخطفنا الجنّ؛ فقال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجيزوا بطن عرنة فإنّما هم إذا أسلموا إخوانكم ".
عن أبي حذيفة إسحاق بن بشر القرشيّ، قال: وأمدّهم يعني أبا عبيدة بن الجرّاح بتسعة عشر رجلاً ممن شهد اليرموك، منهم عمرو بن معدي كرب، وذكر غيره، يعني يوم القادسيّة.(19/301)
عن الهيثم بن عديّ، قال: قال ابن عبّاس: عمرو بن معدي كرب ذهبت عينه يوم اليرموك.
قال ابن سعد: وكان عمرو فارس العرب.
وقال محمد بن إسماعيل: كان بالمدينة، ثم كان بالعراق.
قال أبو نعيم: له الوقائع المذكورة في الجاهليّة، وأدرك الإسلام، فقدم على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلّمه التّلبية، وله في الإسلام بالقادسيّة بلاء حسن حين بعثه عمر إلى سعد بن أبي وقاص، وكتب إليه أن يصدر عن مشورته في الحرب.
وكان لعمرو سيف يسمّيه الصّمصامة.
عن ابن إسحاق، قال: وقدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن معدي كرب في ناس من بني زبيد، فأسلم، وقد كان عمرو قال لقيس بن مكشوح المراديّ حين انتهى إليه أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا قيس، إنك سيّد قومك، وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد، قد خرج بالحجاز، يقول إنه نبيّ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبيّاً كما يقول فلن يخفى علينا، وإذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه؛ فأبى عليه قيس ذلك وسفّه رأيه. فركب عمرو حتى قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم وصدّق وآمن به؛ فلمّا بلغ ذلك قيساً أوعد عمراً، وتحطّم عليه، وقال: خالفني وترك رأيي. فقال عمرو في ذلك: من مجزوء الوافر
أمرتك يوم ذي صنعا ... ء أمراً بادياً رشده
أمرتك باتّقاء اللّ ... هـ والمعروف تتّعده(19/302)
خرجت من المنى مثل ال ... حميّر غرّه وتده
تمنّاني على فرس ... عليه جالساً أسده
عليّ مفاضة كالنّه ... ي أخلص ماءه جدده
تردّ الرّمح منثني الس ... سنان عوائراً قصده
فلو لاقيتني للقي ... ت ليثاً فوقه لبده
تلاقي شنبثاً ششن ال ... براثن ناشراً كتده
يسامي القرن إن قرن ... تيّممه فيضطهده
رفيقاً بافتراس القر ... ن يرميه فيفتضده
فيدمغه فيحطمه ... فيأكله فيزدرده
ظلوم الشّرك فيما أح ... رزت أنيابه ويده
براثنه له وظب ... كثير حوله عدده
فأقام عمرو في قومه من بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك، فلمّا توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدّ عمرو بن معدي كرب، فقال حين ارتدّ: من الوافر
وجدنا ملك فروة شرّ ملك ... حمار ساف منخره بثفر
وكنت إذا رأيت أبا عمير ... ترى الحولاء من خبث وغدر
وقد قيل: إن عمراً لم يأت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال عمرو بن معدي كرب: من الخفيف
إنني بالنّبيّ موقنة نف ... سي وإن لم أر النّبيّ عيانا
سيّد العالمين طرّاً وأدنا ... هم إلى الله حيث كان مكانا
جاء بالناموس من لدن الل ... هـ وكان الأمين فيه المعانا
حكمة بعد حكمة وضياء ... فاهتدينا بنورها من عمانا
ورأينا السّبيل حين رأينا ... هـ جديداً بكرهنا ورضانا(19/303)
وعبدنا الإله حقّاً وكنّا ... للجهلات نعبد الأوثانا
وائتلفنا به وكنّا عدوّاً ... ورجعنا به معاً إخوانا
فعليه السّلام والسّلم منّا ... حيث كنّا في البلاد وكانا
إن نكن لم نر النّبيّ فإنّا ... قد تبعنا سبيله إيمانا
وأسينا أن لا نكون رأينا ... هـ فقد أقرح الصّدور أسانا
لو رأيت النّبيّ ما لمت نفسي ... فيه بالعون حين كان استعانا
يوم أحد ولا غزاة حنين ... يوم ساقت هوازن غطفانا
ويرى أن في زبيد صلاحاً ... وضراباً من دونه وطعاناً
وتراني من دونه لا أبالي ... فيه وقع السّيوف والمرّانا
لوقيت النّبيّ بالنّفس منّي ... ولعانقت دونه الأقرانا
ويصلّي عليّ حيّاً شهيداً ... أو أروّي من النّجيع السّنانا
عن نيار بن مكرم الأسلميّ، قال: شهدت القادسيّة، فنزلنا يوماً اشتدّ فيه القتال بيننا وبين الفرس، فرأيت رجلاً يفعل بالعدوّ يومئذ الأفاعيل. قلت: من هذا جزاه الله خيراً؟ قيل: عمرو بن معدي كرب.
قال ابن إسحاق: فلمّا فتح الله للمسلمين يوم القادسيّة على عدوّهم، وأصابوا عسكرهم وما فيه، أقبل سعد على النّاس يقسم بينهم الأموال ويعطيهم على قدر ما قرؤوا من القرآن، فأراد التّقصير ببشر بن ربيعة الخثعميّ ويزيد بن جحفة التّميميّ، وكانوا أشدّ أهل العسكر، ولم يكونوا بلغوا في القرآن، فأبوا أن يأخذوا قسمته، إلاّ أن يفضّلهم على النّاس، فقال عمرو بن معدي كرب: من الوافر
أمن ليلى تسرّى بعد هدء ... خيال هاج للقلب ادّكارا
يذكّرني الشّباب وأمّ عمرو ... وشامات المرابع والدّيارا(19/304)
وحيّا من بني صعب بن سعد ... سقوا الأرصاد والدّيم الغزارا
ألا أبلغ أمير القوم سعداً ... فقد كذبت أليّته وجارا
وحرّق نابه ظلماً وجهلاً ... عليّ فقد أتى ذمّاً وعارا
هبلت لقد نسيت جلاد عمرو ... وأنت كخامع تلج الوجارا
أطاعن دونك الأعداء شزراً ... وأغشى البيض والأسل الحرارا
بباب القادسيّة مستميتاً ... كليث أريكة يأبى الفرارا
أكرّ عليهم مهري وأحمي ... إذا كرهوا الحقائق والذّمارا
جزاك الله في جنبي عقوقاً ... وبعد الموت زقّوماً ونارا
فلمّا بلغه قوله أرسل إليه فأعطاه، وفضّله فأرضاه.
قال أبو عبيدة: إن عمرو بن معدي كرب حمل يوم القادسيّة على مرزبان وهو يرى أنه رستم، فقتله، فقال في ذلك: من السريع
ألم بسلمى قبل أن تظعنا ... إنّ لسلمى عندنا ديدنا
قد علمت سلمى وأشياعها ... ما قطّر الفارس إلاّ أنا
شككت بالرّمح حيازيمه ... فالخيل تعدو رهباً بيننا
قال الشعبيّ: إن الأعاجم كانوا يومئذ يعني يوم القادسيّة مئة ألف وعشرين ألفاً، معهم ثلاثون فيلاً، مع كلّ فيل أربعة آلاف؛ فقال سعد بن أبي وقّاص لعمرو بن معدي كرب الزّبيدي ولقيس بن مكشوح المرادي ولطلحة بن خويلد الأسديّ: إنكم شواحطنا، فسيروا في النّاس فحرّضوهم. فقام عمرو بن معدي كرب فقال: أيّها النّاس، كونوا أشدّ حذراً إذا برز إلى أحدكم قرنه، فلا يكله إلى غيره، إن هؤلاء معشر الأعاجم إذا لقي أحدهم قرنه فهو تيس؛(19/305)
فبينما هو يحرّضهم ويرتجز ويقول: من الرجز
أنا أبو ثور وسيفي ذو النّون ... أضربهم ضرب غلام مجنون
يال زبيد إنّهم يموتون
إذ جاءته نشّابة أصابت قربوسه، فحمل على صاحبها، فأخذه أخذ الجارية، فوضعه بين الصّفّين، ثم احتزّ رأسه، وقال: اصنعوا هكذا! قال عمرو بن معدي كرب: كانت خيل المسلمين تنفر من الفيلة يوم القادسيّة، وخيل الفرس لا تنفر؛ فأمرت رجلاً فتّرس عنّي، ثم دنوت من الفيل فضربت خطمه، فقطعته، فنفر ونفرت الفيلة، فحطمت العسكر، وألحّ المسلمون عليهم حتى انهزموا.
قال عنه العجليّ: كوفيّ، تابعيّ، ثقة.
عن الشّعبيّ، عن رجل، قال: كنت في مجلس عمر بن الخطّاب، وعنده جماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتذاكرون فضائل القرآن؛ فقال بعضهم: خواتيم سورة النّحل، وقال بعضهم: سورة " يس "، وقال عليّ بن أبي طالب: فأين أنتم عن فضيلة آية الكرسيّ، أما إنّها خمسون كلمة، في كلّ سبعون بركةً. وفي القوم عمرو بن معدي كرب لا يحير جواباً، فقال: فأين أنتم عن " بسم الله الرّحمن الرّحيم "؟.
فقال له عمر: حدّثنا يا أبا ثور. فقال: بينما أنا في الجاهليّة إذ أجهدني الجوع، فأقحمت فرسي البرّيّة فما أصبت إلاّ بيض النّعام، فبينما أنا أسير إذا أنا بشيخ عربيّ في خيمة وإلى جانبه جارية كأنها شمس طالعة، ومعه غنيمات له؛ فقلت له: استأسر،(19/306)
ثكلتك أمّك. فرفع رأسه إليّ، وقال: يا فتى، إن أردت قرىً فانزل، وإن أردت معونة أعنّاك. فقلت له: استأسر. فقال: من الطويل
عرضنا عليك النّزل منّا تكرمّاً ... فلم ترعوني جهلاً كفعل الأشائم
وجئت ببهتان وزور ودون ما ... تمنّيته بالبيض حزّ الحلاقم
ووثب إليّ وثبةً وهو يقول: " بسم الله الرحمن الرحيم "، فكأني مثلت تحته. قال: أأقتلك أم أخلّي عنك؟ قلت: بل خلّ عنّي. ثم إن نفسي حدّثتني بالمعاودة، فقلت: استأسر، ثكلتك أمّك. فقال: من الوافر
ببسم الله والرّحمن فزنا ... هنالك والرّحيم به قهرنا
وما يغني جلادة ذي حفاظ ... إذا يوماً لمعركة برزنا
ثم وثب إليّ وثبة فكأني مثلت تحته؛ فقال: أأقتلك أم أخلّي عنك؟ قلت: بل خلّ عنّي. فخلّى عنّي. فانطلقت غير بعيد ثم قلت في نفسي: يا عمرو، يقهرك مثل هذا الشّيخ! والله للموت خير لك من الحياة. فرجعت إليه، فقلت: استأسر، ثكلتك أمّك. فوثب إليّ وثبة وهو يقول: " بسم الله الرّحمن الرّحيم " فكأني مثلت تحته، فقال: أأقتلك أم أخلّي عنك؟ فقلت: بل خلّ عنّي. قال: هيهات! يا جارية ائتني بالمدية. فأتته بالمدية، فجزّ ناصيتي وكانت العرب إذا ظفرت برجل فجزّت ناصيته استعبدته فكنت معه أخدمه مدةً. ثم إنه قال لي: يا عمرو، أريد أن تركب معي إلى البرّيّة، فليس بي منك وجل، وإني ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم " لواثق. قال: فسرنا، حتى أتينا وادياً أشبا نشبا، مهولاً مغولاً؛ فنادى بأعلى صوته: " بسم الله الرّحمن الرّحيم " فلم يبق طير في وكره إلاّ طار؛ ثم أعاد الصّوت، فلم يبق(19/307)
سبع في مربضه إلاّ هرب؛ ثم أعاد الصّوت، فإذا نحن بحبشيّ قد خرج علينا من الوادي كالنّخلة السّحوق. فقال لي: يا عمرو، إذا رأيتنا قد اتّحدنا فقل: غلبه صاحبي ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم ". قال: فلّما رأيتهما قد اتّحدا، قلت: غلبه صاحبي باللاّت والعزّى؛ فلم يصنع الشّيخ شيئاً. فرجع إليّ، وقال: قد علمت أنك خالفت قولي. قلت: أجل، ولست بعائد. فقال: إذا رأيتنا قد اتّحدنا فقل: غلبه صاحبي ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم ". قلت: أفعل. فلّما رأيتهما قد اتّحدا، قلت: غلبه صاحبي ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم ".قال: فاتّكأ عليه الشّيخ، فبعجه بسيفه، فانشقّ جوفه، فاستخرج منه شيئاً كهيئة القنديل الأسود، ثم قال: يا عمرو، هذا غشّه وغلّه؛ ثم قال: أتدري من تلك الجارية؟ قلت: لا. قال: تلك الفارغة بنت السّليل الجرهميّ، وكان أبو من خيار الجنّ، وهؤلاء أهلها وبنو عمّها، يغروني منهم كلّ عام رجل ينصرني الله عليه ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم "؛ ثم قال: لقد رأيت ما كان منّي إلى الحبشيّ، وقد غلب عليّ الجوع، فائتني بشيء آكله. فأقحمت فرسي البريّة، فما أصبت إلاّ بيض النّعام؛ فأتيته فوجدته نائماً، وإذا تحت رأسه شيء كهيئة الخشبة؛ فاستللته فإذا هو سيف عرضه شبر في سبعة أشبار؛ فضربت ساقيه ضربة أبنت السّاقين مع القدمين؛ فاستوى على فقار ظهره، وهو يقول: قاتلك الله ما أغدرك يا غدّار. قال عمر: ثم ماذا صنعت؟ قلت: فلم أزل أضربه بسيفه حتى قطّعته إرباً إرباً. قال: فوجم لذلك عمر ثم أنشأ يقول: من البسيط
بالغدر نلت أخا الإسلام عن كثب ... ما إن سمعت كذا في سالف العرب
والعجم تأنف ممّا جئته كرماً ... تبّاً لما جئته في السّيّد الأرب
إنّي لأعجب أنّى نلت قتلته؟ ... أم كيف جازاك عند الذّنب؟ لم تتب؟
قرم عفا عنك مرّات وقد علقت ... بالجسم منك يداه موضع العطب(19/308)
لو كنت آخذ في الإسلام ما فعلوا ... في الجاهليّة أهل الشّرك والصّلب
إذا لنالتك من عدلي مشطّبة ... يدعى لذائقها بالويل والحرب
قال: ثم ماذا كان من حال الجارية؟ قلت: ثم إني أتيت الجارية، فلمّا رأتني قالت: ما فعل الشّيخ؟ قلت: قتله الحبشيّ، قالت: كذبت، بل قتلته أنت بغدرك. ثم أنشأت تقول: من الخفيف
عيني جودي للفارس المغوار ... ثم جودي بواكفات غزار
لا تملّي البكاء إذ خانك الدّه ... ر بوافي حقيقة صبّار
وتقيّ، وذي وقار، وحلم ... وعديل الفخار يوم الفخار
لهف نفسي على بقائك عمرو ... أسلمتك الأعمار للأقدار
ولعمري لو لم ترمه بغدر ... رمت ليثاً بصارم بتّار
فأحفظني قولها، فاستللت سيفي، ودخلت الخيمة لأقتلها، فلم أر في الخيمة أحداً. فاستقت الماشية، وجئت إلى أهلي.
عن صالح بن الوجيه، قال: في سنة إحدى وعشرين كانت وقيعة نهاوند، ولقي النّعمان بن عمرو مقرّن المشركين بنهاوند وهم يومئذ في جمع لا يوصف كثرةً وعدّةً وكراعاً، فاشتدّت الحرب بينهم حتى قتل النّعمان، ثم انهزم المشركون في آخر النّهار، وشهد عمرو بن معدي كرب نهاوند، فقاتل حتى كان الفتح، وأثبتته الجراح، فحمل، فمات بقرية من قرى نهاوند يقال لها روذة، فقالت امرأته الجعفيّة ترثيه: من الطويل
لقد غادر الرّكبان حين تحمّلوا ... بروذة شخصاً لا جباناً ولا غمرا
فقل لزبيد بل لمذحج كلّها ... رزئتم أبا ثور قريعكم عمرا
وزاد في أخرى:
فإن تجزعوا لا يغن ذلك بعده ... ولكن سلوا الرّحمن يعقبكم أجرا(19/309)
وحدّث من شهد موت عمرو بن معدي كرب، قال: وكانت مغازي العرب إذ ذاك إلى الرّيّ، فخرج حتى نزل روذة، ورقد، فلما أرادوا الرّحيل أيقظوه، فقام وقد مال شقّه، وذهب لسانه، فلم يلبث أن مات، فدفن بروذة.
عمرو بن المؤمّل أبو الحارث العدويّ
من أهل دمشق.
روى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كافر.
قال أبو الحارث: أهل الثغر، أهل طرسوس على هذا القول اليوم.
عمرو بن مهاجر بن دينار أبي مسلم
أبو عبيد صاحب حرس عمر بن عبد العزيز، مولى الأنصار.
روى عن أبيه، عن أسماء بنت يزيد الأنصاريّة، أنها حدّثته: أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقتلوا أولادكم سرّاً، فإن الغيال يدرك الرّجل على ظهر فرسه ".
يعني بالسّرّ: الجماع.
وقال عمرو بن مهاجر: صلّيت خلف واثلة بن الأسقع على ستّين جنازة ماتوا من الطّاعون، فجعل الرّجال مّما يليه، والنّساء مّما يلي القبلة، وصفّهم صفّين، صفّاً للرّجال مّما يليه للنّساء بين يدي صف الرّجال، وقام وسطا، فكبّر أربع تكبيرات، ثم سلّم عن يمينه.(19/310)
قال ابن سعد: وكان عمرو بن المهاجر ثقة، له حديث كثير، ومات سنة تسع وثلاثين ومئة في خلافة أبي جعفر، وهو ابن أربع وسبعين سنة.
وقال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين: ثقة.
وقال العجليّ: شاميّ، ثقة.
عن محمد بن مهاجر: أن عمر بن عبد العزيز قال لأخيه عمرو بن مهاجر: لقد ولّيتك يا عمرو حين ولّيتك على غير قرابة بيني وبينك، ولا ولاء لي عليك؛ ولكنك رجل من الأنصار، وأنت امرؤ تحسن الصّلاة.
قال عمر بن عبد العزيز: إنّما مثلي ومثل عمرو بن مهاجر كمثل رجل اتّخذ سهماً لا ريش له؛ والله لأريشنّه. مات سنة تسع وثلاثين ومئة.
عمرو بن ميمون
أبو عبد الله ويقال: أبو يحيى، الأوديّ، المذحجيّ من أهل اليمن. أدرك الجاهليّة والإسلام، ولم يلق النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم الشّام مع معاذ بن جبل، ثم سكن الكوفة.
حدّث عن معاذ بن جبل، قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حمار يقال له يعفور، فقال: " يا معاذ، هل(19/311)
تدري ما حقّ الله على العباد؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً؛ وحقّهم على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ". قال: فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشّر النّاس؟ قال: " لا تبشّرهم فيتّكلوا ".
وعن ابن مسعود: عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله " يوم تبدّل الأرض غير الأرض " قال: " أرض بيضاء كأنها فضّة، لم يعمل فيها خطيئة، ولم يسفك فيها دم ".
قال عمرو بن ميمون: قدم معاذ بن جبل ونحن باليمن، فقال: يا أهل اليمن، أسلموا تسلموا، إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم. قال عمرو: فوقع له في قلبي حبّ، فلم أفارقه حتى مات، فلّما حضره الموت بكيت؛ فقال معاذ: ما يبكيك؟ قلت: أما إنه ليس عليك أبكي، إنّما أبكي على العلم الذي يذهب معك. فقال: إن العلم والإيمان ثابتين إلى يوم القيامة، العلم عند ابن مسعود وعبد الله بن سلام، فإنه عاشر عشرة في الجنّة، وسلمان الخير، وعويمر أبي الدّرداء. فلحقت بعبد الله بن مسعود، فذكر وقت الصّلاة، فذكرت ذلك لعبد الله بن مسعود، فأمرني بما أمره به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أصلّي لوقتها، وأجعل صلاتهم تسبيحاً؛ فذكرت له فضيلة الجماعة، فضرب على فخدي، وقال: ويحك، إن جمهور النّاس فارقوا الجماعة، إن الجماعة ما وافق طاعة الله عزّوجلّ.
قال أبو نعيم: أدرك الجاهليّة، وأسلم في حيلة النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد حجّ مئة حجّة وعمرة.
عن عيسى بن حطان، قال: دخلت مسجد الكوفة، فإذا عمرو بن ميمون الأودّي جالس وعنده ناس، فقال له رجل: حدّثنا بأعجب شيء رأيته في الجاهليّة. قال: كنت في حرث لأهلي في باليمن، فرأيت قروداً كثيرة قد اجتمعت. قال: فرأيت قرداً وقردةً اضطجعا، ثم أدخلت القردة(19/312)
يدها تحت عنق القرد، واعتنقا، ثم ناما؛ فجاء قرد فغمزها من تحت رأسها، فنظرت إليه، فأسلّت يدها من تحت رأس القرد، ثم انطلقت معه غير بعيد، فنكحا، وأنا أنظر، ثم رجعت إلى مضجعها، فذهبت تدخل يدها تحت عنق القرد كما كانت، فانتبه القرد، فقام إليها فشمّ دبرها، فاجتمعت القردة، فجعل يشير إليه وإليها، فتفرقت القردة، فلم ألبث أن جيء بذلك القرد بعينه أعرفه، فانطلقوا بها وبالقرد إلى موضع كثير الرّمل، فحفروا لها حفيرةً، فجعلوهما فيهما، ثم رجموهما حتى قتلوهما. والله لقد رأيت الرّجم قبل أن يبعث الله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال ابن مندة: هذا حديث غريب.
قال عنه العجليّ: كوفيّ، تابعيّ، ثقة، جاهليّ.
عن عمرو بن ميمون: أنه كان لا يتمنى الموت، حتى أرسل إليه يزيد بن أبي مسلم ولقي منه شدّةً، ولم يكد أن يدعه، ثم تركه بعد ذلك، قال: وكان يقول: اليوم أتمنّى الموت، اللهم ألحقني بالأبرار، ولا تلحقني مع الأشرار، واسقيني من خير الأنهار. مات سنة أربع وسبعين، وقيل: خمس وسبعين، وقيل: ست أو سبع، وقيل: أربع وثمانين، وهو وهم، والصواب أربع وسبعين.
عمرو بن ميمون بن مهران
أبو عبد الله بن أبي أيوب، الجزريّ، الفقيه وفد على عمر بن عبد العزيز يستعفي لأبيه عن العمل، فلم يعفه، وولاّه عمر البريد.
روى عن سليمان بن يسار، عن عائشة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أصاب ثوبه منيّ غسله، ثم يخرج إلى الصّلاة، وأنا أنظر إلى بقعه من أثر الغسل في ثوبه.(19/313)
وعن أبيه، عن جدّه، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يقرأ مع الإمام فصلاته خداج ".
قال عمرو بن ميمون: أرسلني أبي إلى عمر بن عبد العزيز أستعيفه من الولاية. قال: فدخلت على عمر، وعنده شيخ؛ فقال عمر: هذا ابن الشّيخ الذي كنّا في حدّيثه آنفاً. قال: فسلم عليّ الشّيخ وأدناني إلى جنبه، فقال لي: كيف أنت يا بنيّ؟ وكيف أبوك؟ قلت: صالح، وهو يقرأ عليك السّلام. قال: كيف يقرأ عليّ السّلام ولم يعرفني ولم يرني؟ قال: قلت: إنه سألني وأوصاني أن أبلغ عنه السّلام. قال: فقال الشّيخ لعمر: شدّ بهذا، ولا تعف أباه.
قال خليفة: نزل الرّقّة، مات سنة خمس وأربعين ومئة.
وقال يحيى بن معين: كان جزريّاً، نزل بغداد.
عن ميمون، قال: ما أحد من النّاس أحبّ إليّ من عمرو، ولأن يموت أحبّ إليّ من أن أراه على عمل. قال عنه يحيى بن معين: ثقة. مات سنة سبع وأربعين، والمحفوظ أنه مات سنة حمس وأربعين ومئة، وقيل: سنة ثماني وأربعين ومئة.
عمرو بن نصر بن الحجّاج
المعروف بابن عمرون روى عن أبيه، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " بينما راع في غنمه، عدا عليه الذّئب وأخذ شاة، فطلبه، فالتفت إليه الذّئب فقال: من لها يوم السّبع؟ يوم ليس لها راع غيري؟ " فقال(19/314)
النّاس: سبحان الله! قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإني أومن بذلك، أنا وأبو بكر وعمر ".
وعنه، بسنده إلى أنس بن مالك الأنصاريّ، قال: بينما نحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هبطنا ثنيّةً، ورأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسير وحده؛ فلمّا أسهلت به الطّريق ضحك وكبّر، فكبّرنا بتكبيره؟؟ ؛ ثم سار ربوةً، ثم ضحك وكبّر، فكبّرنا بتكبيره؛ ثم سار ربوةً، ثم ضحك وكبّر، فكبّرنا بتكبيره؛ ثم أدركته. فقال القوم: كبّرنا بتكبيرك يا رسول الله، لا ندري ممّ ضحكت؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قاد جبريل النّاقة، فلمّا أسهلت التفت إليّ فقال: أبشر وبشّر أمّتك، إنه من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنّة، وحرّم عليه النّار؛ فضحكت وكبّرت ".
عمرو بن واقد أبو حفص القرشيّ
مولى آل أبي سفيان محدّث، وشاعر.
روى عن عمرو بن يزيد النّصري، عن الزّهري، عن عروة، عن عائشة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " نضّر الله عبداً استمع كلامي ثم لم يزد فيه، ربّ حامل كلمة لمن هو أوعى لها منه، ثلاث لا يغل عليهنّ قلب مؤمن: الإخلاص لله، والمناصحة لولاة الأمر، والاعتصام بجماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من وراءهم ".
وبه، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أن ثلاثة نفر دخلوا في غار، فانطبق عليهم الجبل، فقال بعضهم لبعض: هذا بأعمالكم، فليقم كلّ امرئ منكم، فليدع الله بخير عمل عمله قطّ ".
فقام أحدهم فقال: اللهم، إنك تعلم أنه كان لي أبوان كبيران، وكنت لا أغتبق حتى أغبقهما، وإني أتيت ليلةً بغبوقهما، فقمت على رؤوسهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أنبّههما من نومهما، وكرهت أن أنصرف حتى يفيقا، فلم أزل قائماً على رؤوسهما حتى نظرا إلى الفجر،(19/315)
اللهم إن كنت تعلم أن ذلك كذلك فافرج عنّا؛ فانصدع الجبل حتى نظروا إلى الضّوء. ثم قام الآخر فقال: اللهم، إن كنت تعلم أنه كانت لي ابنة عمّ. فكنت أحبّها حبّاً شديداً، وإني سمتها نفسها، فقالت: لا، إلاّ بمئة دينار، فجمعتها لها، فلمّا أمكنتني من نفسها قالت: لا يحلّ أن تفضّ الخاتم إلاّ بحقّه. فقمت وتركتها؛ اللهم إن كنت تعلم أن ذلك كذلك فافرج عنّا. فانفرج الجبل حتى كادوا يخرجون. ثم قام الآخر، فقال: اللهم، إن كنت تعلم أنه كان لي أجراء كثير، وكان لا يبيت لأحد منهم عندي أجر، وأن أجيراً منهم ترك عندي أجرةً، وإني زرعته فأخصب، فاتّخذت منه عبيداً ومالاً كثيراً؛ فأتى بعد حين، فقال لي: يا عبد الله، أعطني أجري. قلت: هذا كلّه أجرك. قال: يا عبد الله، لا تتلاعب بي. قلت: ما أتلاعب بك. قال: فأخذه كلّه، ولم يترك لي منه قليلاً ولا كثيراً؛ اللهم إن كنت تعلم أن ذلك كذلك فافرج عنّا. فانفرج الجبل عنهم فخرجوا.
قال البخاريّ: عمرو بن واقد مولى قريش الدّمشقيّ منكر الحديث.
قال أبو مسهر: عمرو بن واقد يكذب من غير أن يتعمّد.
وقال عنه النّسائي: دمشقيّ متروك الحديث.
عمرو بن الوضّاح صاحب الوضّاحة
وهو قائد من قوّاد بني أميّة، كان مروان بن محمد بعثه لقتال الذين خلعوه بدمشق في أيّام زامل بن عمرو السّكسكيّ الحرّانيّ.(19/316)
عن شيخ من أهل قنّسرين: انه غزا في صائفة كان يقدمها عمرو بن الوضّاح في نحو من عشرين ألفاً، فوغل في داخل أرض الرّوم، فغنم وسبى سبياً كثيراً، وكنت فيمن غزا معه؛ فأقبل بتلك الغنائم يريد عقبة الرّكاب يتلقّى جماعة الصّائفة، فلمّا كان عقبة الرّكاب على مرحلة أو مرحلتين سمع منشداً ينشد: ألا من دلّ على بغلة كذا يتبعها إلفها برذون كذا، فدعا به عمرو، فقال: ما تقول: فأخبره بما ينشد. فقال: إنّما البغال تتبع إلفها من البراذين، ولا نعرف برذوناً يتبع البغال، فما أنت؟ ومن أين أنت؟ ومن بعث بك؟ قال: فذهب ينسب فلجلج، وعرف أنه لجلج فقال: ليخلني الأمير، فأخلاه، فأخبره أنه عين للرّوم، وأنه خلّف أهل الرّساتيق والكور قد حشروا إلى عقبة الرّكاب ليأخذوا عليك بها، ويستنقذوا ما غنمت، ماذا لي إن نصحتك نصيحةً تغنم بها جماعتهم، وتجيزها بإذن الله لمن معك وما معك؟. قال: لك الأمان، وغير ذلك؟ قال: إن الذين حشروا إليها كرهاً، وقد أقاموا وأبطأت عليهم، فالرّأي لك أن يؤذّن مؤذّنك في هذه السّاعة أن يصبح النّاس على ظهر نفير ليقيما ثم تصبح غاديتهم يوماً أو يومين وتبلغهم ليوافوك عند إقبالك من العقبة؛ فإذا ذهب الخير إليهم بذلك وسرت يومك رحلوا عنها أو أكثرهم، عطفت عليهم فأخذتها بإذن الله، وقويت على من بقي منهم.
قال الشيخ: نفعل ذلك. ثم عطفت راجعاً، فوافى الأمر على نحو مّما ذكر من رفض عامّتهم، وقلّة من ثبت عليها، فقاتلوه قتالاً شديداً، فنصره الله، وكان بيننا وبينهم شبه الملحمة، وأجاز بما كان سبا وغنم حتى لحقنا أرض الرّوم.
قال الوليد: كان ذلك سنة أربع عشرة ومئة، وأمير الصّائفة معاوية بن هشام.(19/317)
عمرو بن الوليد بن عقبة
ابن أبي معيط واسمه أبان بن أبي عمرو بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو الوليد القرشيّ، الأمويّ، المدنيّ، المعروف بأبي قطيفة
وإنّما قيل له أبو قطيفة لكثرة شعر رأسه ولحيته، شبّه بالقطيفة. شاعر محسن، سيّره ابن الزّبير في جملة من سيّر من بني أميّة إلى دمشق. وأبو قطيفة هو الذي يقول: من الخفيف
ليت شعري وأين منّي ليت ... أعلى العهد يلبنّ فبرام
أم كعهدي البقيع أم غيرّته ... بعدي المعصرات والأيّام
أقطع اللّيل كلّه باكتئاب ... وزفير فما أكاد أنام
نحو قومي إذ فرّقت بيننا الدّا ... ر وجارت عن قصدها الأحلام
خشية أن يصيبهم عنت الدّه ... ر وحرب يشيب فيها الغلام
ولقد حان أن يكون لهذا الد ... دهر عنّا تباعد وانصرام
وبقومي بدّلت لخماً وكلباً ... وجذاماً وأين منّي جذام
إقر عنّي السّلام جئت قومي ... وقليل لهم لديّ السّلام
وقال أيضاً أبو قطيفة: من الطويل
أيا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ... بقيع المصلّى أم كعهدي القرائن
أم الدّور أكناف البلاط عوامر ... كما كنّ أم هل بالمدينة ساكن
أحنّ إلى تلك البلاد صبابةً ... كأني أسير في السّلاسل راهن(19/318)
فما أخرجتنا رغبة عن بلادنا ... ولكنّه ما قدّر الله كائن
لعل قريشاً أن تريع حلومها ... ويزجر بعد الشّؤم طير أيامن
إذا برقت نحو الحجاز سحابة ... دعا الشّوق منّي برقها التيامن
وقال أيضاً: من الطويل
بكى أحد أن فارق النّوم أهله ... فكيف بذي وجد من القوم آلف
من اجل أبي بكر جلت عن بلادها ... أميّة والأيّام عوج عواطف
في شعر له كثير. وذكر في غير هذه الرّواية، أن ابن الزّبير لمّا بلغه شعر أبي قطيفة، قال: حنّ والله أبو قطيفة، وعليه السّلام ورحمة الله، من لقيه فليخبره أنه آمن فليرجع؛ فأخبر بذلك، فانكفأ إلى المدينة راجعاً، فلم يصل إليها حتى مات.
عمرو بن الوليد
من أهل دمشق. حدّث، أنه سأل سالم بن عبد الله عن الحجر حجر الكعبة، ما يقال فيه: حدّثني القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عبد الله بن الزّبير، عن عائشة أم المؤمنين، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيدها يوماً، فقال: " لولا حداثة قومك بالكفر لهدمت الكعبة، فأدخلت الحجر فيها، فإنه منها، ولكن قومك استحلّوا من بنيانه، ولجعلت لها بابين، وألصقتها بالأرض، فإن قومك إنّما رفعوا بابها لئلاّ يدخلها إلاّ من شاؤوا، ولأنفقت كنزها ".
قال الأوزاعيّ: عمرو بن الوليد ثقة.(19/319)
عمرو بن هاشم البيروتي
حدّث، قال: سمعت الأوزاعي يحدّث عن حسان بن عطيّة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حلف على يمين فاستثنى ثم أتى بما حلف فلا كفّارة عليه ".
وعن الهقل بن زياد، عن الأوزاعيّ، عن الزّهريّ، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّما الحمّى من فيح جهنّم، فأطفؤوها بالماء ".
وعن إدريس بن زياد الألهانيّ، عن محمد بن زياد الألهانيّ، عن أبي أمامة: أنه كان يسلّم على كلّ من لقيه. قال: فما علمت أحداً يسبقه بالسّلام، إلاّ يهوديّاً مرّة اختبأ له خلف اسطوانة، فخرج، فسلّم عليه؛ فقال له أبو أمامة: ويحك يا يهوديّ، ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك رجلاً تكثر السّلام فعلمت أنه فضل، فأحببت أن آخذ به. فقال أبو أمامة: ويحك، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله جعل السّلام تحيّةً لأمّتنا وأماناً لأهل ذمّتنا ".
قال ابن أبي حاتم: سألت عنه محمد بن مسلم فقال: كتبت عنه، كان قليل الحديث. قلت: ما حاله؟ قال: ليس بذاك، كان صغيراً حين كتب عن الأوزاعيّ.
عمرو بن محمد والد الأوزاعيّ
عن محمد بن كثير، قال: سمعت الأوزاعيّ يوماً، وذكر أباه، فبكى بكاءً خفيفاً لم ينتبه له إلاّ من قرب منه(19/320)
وتأمّله، ثم دعا له، وجعل يترحّم عليه، ثم قال: حدّثني أبي، قال: كنّا أغيلمة أتراباً نلعب في ميدان الأوزاع بربض مدينة دمشق، فمّر بنا راكب مسرع، فاعترضه رجل، فسأله وأنا أسمع، فقال: من أين جئت؟ قال: من المدينة. قال: هل وراءك من خبر؟ قال: نعم، قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب.
عمرو بن يحيى بن سعيد
ابن عمرو بن سعيد بن العاص بن أميّة ابن عبد شمس بن عبد مناف أبو أميّة المكّيّ قدم دمشق على بعض بني أميّة.
روى عن جدّه، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هلكت أمّتي على يدي غلمة من قريش " قال مروان وهو معنا في الحلقة قبل أن يلي شيئاً: فلعنة الله عليهم غلمةً. قال: أما والله لو أشاء أن أقول: بنو فلان وبنو فلان لفعلت. قال: فكنت أخرج أنا مع أبي وجدّي إلى مروان بعدما ملكوا، فإذا هم يبايعون الصّبيان ومنهم من بويع له وهو في خرقة. قال لنا: هل عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا أكبر؟ سمعت أبا هريرة يذكر أن هذه الملوك يشبه بعضها بعضاً قال عنه يحيى بن معين: صالح.(19/321)
عمرو بن يحيى بن وهب بن أكيدر
من أهل دومة الجندل.
روى عن أبيه، عن جدّه، قال: كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي أكيدر، ولم يكن معه خاتمه، فختمه بظفره.
عمرو بن يزيد بن معاوية
ابن أبي سفيان بن حرب أمّه أم ولد.
عمرو أبو عثمان البكاليّ
لم ينسب، وقيل: ابن سيف له صحبة، ويقال: لا صحبة له. شهد اليرموك. وكان يؤمّ النّاس بدمشق.
عن أبي تميمية الهجيمي، قال: أتيت الشّام فإذا أنا برجل مجتمع عليه، وإذا هو مجذوذ الأصابع. قال: قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أفقه من بقي على ظهر الأرض من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا عمرو البكاليّ. قال: قلت: فما شأن أصابعه؟ قالوا: أصيب يوم اليرموك. قال: وإذا هو يحدّث ويقول: يا أيّها النّاس، اعملوا وأبشروا، فإن فيكم ثلاثة أعمال ليس منهنّ عمل، إلاّ وهو يوجب لأهله الجنّة، قالوا: وما هنّ؟ قال: رجل يلقى في الفئة، فينصب نحره حتى يهراق دمه، فيقول الله لملائكته: ما حمل عبدي على ما صنع؟ قال: فيقولون: ربّنا، أنت أعلم. قال: يقول: أنا أعلم، ولكن أخبروني ما حمله على الذي صنع؟ قال: يقولون: ربّنا، رجّيته شيئاً فرجاه، وخوّفته شيئاً فخافه.(19/322)
قال: فيقول: فإني أشهدكم أني قد أوجبت له مارجا، وأمّنته ممّا يخاف. قال: ورجل يقوم في اللّيلة الباردة من دفوة فراشه إلى الوضوء والصّلاة فيقول الله لملائكته: ما حمل عبدي على ما صنع؟ قال: يقولون: ربّنا، أنت أعلم. قال: يقول: أنا أعلم، ولكن أخبروني ما حمله على ما صنع؟ قال: يقولون: ربّنا، رجّيته شيئاً فرجاه، خوّفته شيئاً فخافه. قال: قال: أشهدكم أني قد أوجبت له ما رجا، وأمّنته ممّا يخاف. قال: والقوم يكونون جميعاً، فيقرأ الرّجل عليهم القرآن؛ فيقول الله لملائكته: ما حمل عبادي هؤلاء على ما صنعوا؟ قال: يقولون: ربّنا، أنت رجّيتهم شيئاً فرجوه، وخوّفتهم شيئاً فخافوه. قال: فيقول: إني أشهدكم أني قد أوجبت لهم ما رجوا، وأمّنتهم ممّا خافوا.
قال موسى الكوفيّ: وقفت على منزل عمرو البكاليّ وهو أخو نوف بحمص، وهما من حمير.
قال ابن يونس: قدم مصر مع مروان بن الحكم سنة خمس وستّين.
قال عنه العجليّ: شاميّ، تابعيّ، ثقة، من كبار التابعين. بلغني أن عمراً البكاليّ عاش إلى بعد وقعة راهط.
عمرو الطّائيّ
ذكر أن له وفاة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نزل دمشق.(19/323)
عمرو الحضرميّ مولاهم
والد حريث بن عمرو، قدم مع أبي عبيدة بن الجرّاح، وشهد صفّين مع معاوية. قال خليفة في تسمية من قتل مع معاوية بصفّين: عمرو بن الحضرميّ.
عمرو السّرّاج الإسكاف
وأظنّه عمر بن السّرّاج، الذي تقدم.
حدّث، قال: مرّ بنا النّون بدمشق إلى المتوكل، وقد حمل على بغال البريد، فما كان بأسرع أن رجع؛ فسألته: بم تخلّصت منه؟ قال: دخلت إليه، فلّما رآني، استثبت لي أن قلت: يا من ليس في السّموات نظرات، ولا في البحار قطرات، ولا في ديباج الرّياح ولجات، ولا على الألسن من نطقات، ولا في القلوب خطرات، ولا في الجوانح حركات؛ إلاّ وهي عليك يا ربّ دالاّت، وبربوبيّتك معرّفات، التي أحدثت بها من في الأرض ومن في السّموات؛ أشغل قلبه عنّي. قال: فقال: يا أبا البيض، إنا أتعبناك، سل. قال: ردّني. قال: ردّوه. فدخل عليه عبد الله بن خاقان، فقال: يا أمير المؤمنين، آليت على نفسك إن رأيت ذا النّون لتقتلنّه، فلّما أن رأيته قمت إليه! قال: كان بين يديه أسود عايه سيف، على زاوية السّيف نار. فقال: همّ به حتى أهمّ بك!.(19/324)
عملّس بن عقيل بن علّفة
ابن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرّة ابن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ابن سعد بن قيس عيلان بن مضر، المرّيّ شاعر، قدم مع أبيه على بعض خلفاء بني أميّة.
عن ابن الأعرابيّ، قال: خرج عقيل بن علّفة المرّيّ إلى الشام، فحمل معه ابنته الجرباء، لأنه كان غيوراً، وخرج معه ابنه العملّس، فبيناهم يسيرون، قال عقيل: من الطويل
قضت وطراً من دير سعد وطالما ... على عرض ناطحنه بالجماجم
أجز يا عملّس. فقال:
فأصبحن بالبيداء يحملن فتيةً ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم
قال: أجيزي يا جرباء. فقالت:
كأن الكرى سقّاهم صرخديّة ... عقاراً تمشّى في المطا والقوائم
المطا: الظّهر. والصّرخديّة: الخمر. فلّما ذكرت ذلك لحقته غيرة، فقام إليها فضربها، فعحجز بينهما العملّس، فقال:(19/325)
أتضرب صابينا وتعذل في الصّبا ... وما هنّ والفتيان إلاّ شقائق
فأحال على العملّس يضربه، فبعد منه هنيّةً ورماه بسهم، فأقعد، ومضى إلى أهل الماء وقال: إن بعيراً لنا تركناه في المنزل، فمن أدركه منكم بماء فله نصيب من لحمه، ومن لا فلا: وإنّما أراد أن يسقى أبوه ماء، فشرعوا إليه بالماء فشرب وصلح، وأنشأ يقول: من الرجز
إن بنيّ زمّلوني بالدّم ... من يلق أبطال الرّجال يكلم
ومن يلق ذروته يقوّم ... شنشنة أعرفها من أخزم
الشّنشنة: الطبيعة والخليقة. والذّروة: أعلى الشّيء. يكلم: يجرح. وبلغني من وجه آخر، أنه قال:
قضت وطراً من دير هند
ومن وجه آخر:
من دير يحيى
فمضى عملّس بأخته فأحياها، ومضى هارباً من أبيه إلى الشام، وذلك أنه آلى ليضربنّه بالسّيف. وأقام عقيل سنين، ثم اشتاق إلى ابنه، فأقبل يطلبه، فلّما وافى بعض مدن الشام فإذا هو بجنازة، فقال: ويحكم، من هذه؟ قالوا: عملّس بن عقيل بن علّفة. فأنشأ يرثيه: من الطويل
لقد خبر القوم الشآمون غدوةً ... بموت فتىً في الحيّ غير ضئيل
لتسر المنايا حيث شاءت فإنّها ... محللة بعد الفتى ابن عقيل
فتىً كان مولاه يحلّ بربوةً ... فحلّ الموالي بعده بمسيل(19/326)
عمير بن الحارث الدّمشقيّ
عمير بن الحباب بن جعدة
ابن إياس بن حذافة بن محارب بن هلال بن فالج ابن ذكوان بن ثعلبه بن بهثة بن سليم بن منصور أبو المغلّس السّلمي الذّكوانيّ شاعر فارس، وفد على عبد الملك بن مروان، وكانت بينه وبين قبائل اليمن مغاورات وحروب وغارات.
عن عمير بن الحباب السّلميّ، قال: أسرت أنا وثمانية معي في زمان بني أميّة، فأدخلنا على ملك الرّوم، فأمر بأصحابي فضربت رقابهم، ثم إني قرّبت لضرب عنقي فقام إليه بعض البطارقة، فلم يزل يقبّل رأسه ورجليه حتى وهبني له، فانطلق بي إلى منزله، فدعا ابنةً له جميلة وكان عمير بن الحباب رجلاً جميلاً نبيلاً فقال لي البطريق: هذه ابنتي، أزوّجك بها، وأقاسمك مالي، وقد رأيت منزلي من الملك، فادخل في ديني حتى أفعل بك هذا. فقلت: ما أترك ديني لزوجة ولا لدنيا. قال: فمكث أيّاماً يعرض عليّ ذلك، وآبى؛ فدعتني ابنته ذات ليلة إلى بستان لها، فقالت: ما يمنعك ممّا عرض عليك أبي؟ يزوجني منك، ويقاسمك ماله، وقد رأيت منزلته من الملك، وتدخل في دينه؟ فقلت: ما أترك ديني لامرأة ولا لشيء. قالت: فتحبّ المكث عندنا أو اللّحاق ببلادك؟ فقلت: الذّهاب إلى بلادي. قال: فأرتني نجماً في السّماء، قالت: سر على هذا النّجم باللّيل، واكمن بالنّهار، فإنه يلقيك إلى بلادك. ثم زوّدتني وانطلقت، فسرت ثلاث ليال، أسير في اللّيل وأكمن في النّهار.(19/327)
قال: فبنيا أنا اليوم الرّابع مكمن، فإذا الخيل. قال: فقلت: طلبت. قال: فأشرعوا عليّ فإذا أنا بأصحابي المقتولين على دواب، معهم آخرون على دواب شهب. قال: فقالوا: عمير؟ فقلت: أو ليس قد قتلتم؟ قالوا: بلى، ولكن الله تعالى نشر الشّهداء وأذن لهم أن يشهدوا جنازة عمر بن عبد العزيز. قال: فقال لي بعض الذين معهم: ناولني يدك يا عمير. فناولته يدي؛ فأردفني، ثم سرنا يسيراً، ثم قذف بي قذفة وقعت قرب منزلي، من غير أن يكون لحقني شيء.
قال أبو أحمد العسكري: فأما الحباب: الحاء غير معجمة، وتحت الباء نقطة واحدة، فمنهم عمير بن الحباب السّلميّ، أحد فرسان العرب المشهورين بالنّجدة، وله أخبار مع عبد الملك بن مروان، ولا رواية له، وابنه الحباب بن الحباب، كان مع مروان بن محمد يقاتل الخوارج.
ذكر زياد بن يزيد عمير بن الحباب، عن أشياخ قومه، قال: أغار عمير بن الحباب على كلب، فلقي جمعاً لهم بالإكليل في ستمئة أو سبعمئة، فقتل منهم فأكثر، فقالت هند الجلاحيّة تحرّض كلباً: من الوافر
ألاهل ثائر بدماء قوم ... أصابهم عمير بن الحباب
وهل في عامر يوماً نكير ... وحيّي عبد ودّ أو جناب
فإن لم يثأروا من قد أصابوا ... فكونوا أعبدا لبني كلاب
أبعد بني الجلاح ومن تركتم ... بجانب كوكب تحت التّراب
تطيب لغابر منكم حياة ... ألا لاعيش للحيّ المصاب
فاجتمعوا، فلقيهم عمير، فأصاب منهم، ثم أغار فلقي جمعاً منهم بالجوف فقتلهم، وأغار عليهم بالسّماوة فقتل منهم مقتلةً عظيمةً، فقال عمير: من الوافر
ألا يا هند هند بني جلاح ... سقيت الغيث من تلك السّحاب
ألمّا تخبرني عنّا بأنّا ... نردّ الكبش أعضب في تباب(19/328)
ألا يا هند لو عاينت يوماً ... لقومك لا متنعت من الشّراب
غداة ندوسهم بالخيل حتى ... أباد القتل حيّ بني كلاب
ولو عطفت مواساة حميداً ... لغودر شلوه تحت التّراب
يعني حميد بن بحدل الكلبيّ.
قال أبو عبيدة: عمير بن الحباب: فارس سليم في الإسلام، قتل بني تغلب بالجزيرة، فقتلوه بعدما أثخن فيهم وقتل ساداتهم ورجالهم في خلافة عبد الملك بن مروان. وقال عبد الملك بن مروان يوماً: من أشجع النّاس؟ فقالوا: عمير بن الحباب.
قال اللّيث: وفي سنة سبعين قتل عمير بن الحباب. وبلغني أن عمير بن الحباب قتله زياد بن هوبر التّغلبيّ يوم الثّرثار.
عمير بن ربيعة
مولى بني عبد شمس وقيل: إنه أوزاعيّ حدّث عن ابن مسعود: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تبادروا الإمام بالرّكوع حتى يركع، ولا بالسّجود حتى يسجد، ولا ترفعوا رؤوسكم حتى يرفع، فإنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ".
وعنه: عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإني أخاف أن يخبروكم بالصّدق فتكذّبوهم، أو يخبروكم الكذب فتصدّقوهم؛ عليكم بالقرآن، فإن فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ".(19/329)
وعن كعب الأحبار: أنه كان يقول في مقبرة الفراديس: يبعث منها سبعون ألف شهيد، يشفعون في سبعين سبعين. يعني كلّ رجل منهم في سبعين.
قال أبو زرعة: في الطبقة التي تلي أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي العليا: عمير بن ربيعة.
عمير بن سعد بن شهيد بن قيس
ابن النعمان بن عمرو بن أميّة بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاريّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدّث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث، وشهد فتح دمشق، ولي على دمشق وحمص في خلافة عمر بن الخطّاب.
عن أبي طلحة الخولانيّ، قال: أتينا عمير بن سعد في داره بفلسطين قال: وكان يقال له: نسيج وحده فقعدنا على دكّان عظيم في الدّار. قال: وفي الدّار حوض حجارة. قال: فقال: يا غلام، أورد الخيل. قال: فأوردها. قال: فأين الفلانة؟ قال: سمّى الفرس لأنها أنثى فقال: جربة، تقطر دماً. فقال: أوردها. فقال القوم: إذن تجرب الخيل. قال: فقال: أوردها، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة " ألم تروا إلى البعير يكون بالصّحراء، فيصبح في كركرته أو مراقه نكتة من جرب لم يكن قبل ذلك، فمن أعدى الأوّل؟.(19/330)