قال ابن عياش: وأنا أقول: إنهم قد رأوا أن يولوا أبا بكرٍ بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن ابن أبي مليكة قال: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله، قال: أنا خليفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا راضٍ بذلك، وكره أن يقال: خليفة الله تعالى.
قال عبد الله بن محمد بن عثمان الحافظ:
الذين وقع عليهم اسم الخلافة ثلاثة، قال الله عز وجل لآدم: " إني جاعل في الأرض خليفة " قال ابن عباس: فأخرجه الله من الجنة قبل أن يدخله فيها، لأنه خليفة الأرض، خليفة فيها، وقوله تعالى لداود: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض " وأجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر، وقالوا له: يا خليفة رسول الله، ولم يسم أحد بعده خليفةً، ويقال: إنه قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثلاثين ألف مسلم، كل قال لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، ورضوا به ومن بعده، رضي الله عنهم.
قال أبو بكرة: أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون، فرمي ببصره في مؤخر القوم إلى رجلٍ، فقال: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدّيقه.
عن ابن عباس قال: أبو بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كل مؤمنٍ ومؤمنة.
وقال الحسن: والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر.
قال أبو بكر بن عياش: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن، لأن الله تعالى يقول: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون(13/94)
الله ورسوله أولئك هم الصادقون " فمن سماه صادقاً فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن معاوية بن قرة قال: ما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكون أن أبا بكرٍ خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يجتمعون على خطأ أو ضلالة، وما كانوا يكتبون إلا إلى أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان يكتب إلا من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما زالوا كذلك حتى توفي، فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال عمر: هذا يطول، قالوا: لا، ولكنا أمرناك علينا، فأنت أميرنا، قال: نعم، أنتم المؤمنون، وأنا أميركم، فكتب: أمير المؤمنين.
قال سفيان: ما أحسب أن الله يقبل لمن أساء الظن بالمهاجرين الأولين من تقدمة أبي بكر وعمر صوماً، ولا صلاة ولا يصعد له إلى السماء عمل.
عن شيخ من أهل الكوفة قال: لما بويع أبو بكر واستقام أمور الناس أنشأ رجل من قريشٍ يكنى أبا عمرة يقول في ذلك: من الكامل
شكراً لمن هو بالثناء حقيق ... ذهب الحِجاج، وبويع الصديق
من بعدما دحضت بسعدٍ بغلة ... ورجا رجاءً دونه العيوق
حفت به الأنصار عاصب رأسه ... فأتاهم الصديق والفاروق
وأبو عبيدة والذين إليهم ... نفس المؤمل للبقاء تتوق
بالحق إذ طلبوا الخلافة زلة ... لم يخط مثل خطائهم مخلوق
فتداركوها بالصواب فبايعوا ... بعد التي فيها لنا تحقيق(13/95)
إن الخلافة في قريشٍ ما لكم ... فيها ورب محمدٍ تعريق
عن رافع بن أبي رافع قال:
كنت رجلاً أغير على الناس، وأدفن الماء في أدحي النعام، فأستافه حتى أمر عليه بالفلاة، فأستثيره فلما كانت غزوة ذات السلاسل بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً، واستعمل عليهم عمرو بن العاص - وهي التي يفخر بها أهل الشام - وفيهم أبو بكر الصديق وأمرهم أن يستنفروا من مروا عليه من المسلمين، فمروا علينا في منازلنا، فاستنفرونا، فقلت: والله لأختارن لنفسي رجلاً فلأصحبنه، قال: فصحبت أبا بكر، قال: وكان له كساء فدكي، كان إذا ركب خله عليه، وإذا نزل لبسناه جميعاً، وهو الذي عيرته به هوازن، فقالوا: إذا الخلال نبايع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!؟ قال: فقضينا غزاتنا، ثم رجعت، فقلت: يا أبا بكر، إني قد صحبتك، وإن لي عليك حقاً، فأحب أن توصيني؛ فإني لست كل ساعة أستطيع أن آتي المدينة، قال: قد أردت أن أفعل ذلك، ولو لم تقله؛ اعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وأقم الصلاة، وآتي الزكاة، وحج البيت وصم رمضان، ولا تأمرن على رجلين، قال: قلت: هذا: أعبُد الله وأقيم الصلاة وأؤتي الزكاة وأحج البيت وأصوم رمضان، أرأيت قولك: ولا تأمرن على رجلين؟ فوالله ما يصيب الناس الخير والشرف إلا في الإمارة في الدنيا! قال: إنك استجهدتني فجهدت لك؛ إن الناس دخلوا في الإسلام طوعاً وكرهاً، فهم عواذ الله، وجيران الله، وفي ذمة الله، فمن ظلم أحداً منهم فإنما يخفر ذمة الله، وإن أحدكم لتؤخذ شاة جاره وبعير جاره فيظل ناتئ عضله لجاره، والله من وراء جاره.
فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكر. قال: قلت: صاحبي الذي قال لي ما قال(13/96)
لآتينه، قال: فأتيت المدينة، فالتمست خلوته حتى أتيته، قال: فسلمت عليه، وتعرفت إليه، فعرفني، فقلت له: أما تذكر قولاً قلته لي؟ قال: وما هو؟ قال: قلت: قولك ولا تأمرن على رجلين! قال: بلى، إن الناس كانوا حديث عهد بكفر وإني خشيت عليهم، وإن أصحابي لم يزالوا بي، قال: فوالله ما زال يعتذر إلي حتى عذرته.
عن عروة بن الزبير قال: قام أبو بكر خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وبيّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلَّمنا فعلمنا فأعلمنا أن أكيس الكيس التُّقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق؛ أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدعٍ، فإن أحسنت فاتبعوني، وإن زُغت فقوموني.
قال حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي: في حديث أبي بكر أنه قال: وليتكم، ولست بخيركم: مذهب هذا الكلام وطريقه مذهب التواضع وترك الاعتداد بالولاية، والتباعد من كبرياء السلطنة، ولم يزل من شيم الأبرار، ومذاهب الصالحين الأخيار أن يهتضموا أنفسهم وأن يسوغوا في حقوقهم، وقد كان له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حين يقول: " ليس لأحدٍ أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى " وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد ولد آدم، أحمرهم وأسودهم.
عن الحسن قال: لما بويع أبو بكر قام خطيباً، فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت هذا الأمر، وأنا له كاره، ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أقم به، كان(13/97)
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبداً أكرمه الله بالوحي، وعصمه به، ألا وإنما أنا بشر، ولست بخيرٍ من أحدٍ منكم فراعوني؛ فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطاناً يغيّرني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم.
عن أبي هريرة قال:
والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبِدَ الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أسامة بن زيدٍ في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا بكر، رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا حللت لواءً عقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيلٍ يريدون الارتداد ألاّ قالوا: لولا أن لهؤلاء قوةً ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
وعن عائشة قالت: خرج أبي شاهراً سيفه، راكباً على راحلته إلى ذي القَصَّة، فجاء علي بن أبي طالب، فأخذ بزمام راحلته، فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد: " أشمر سيفك، ولا تفجعنا بنفسك " فوالله لئن أُصِبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً، فرجع وأمضى الجيش.
عن يزيد الضخم قال: قلت لأبي بكر: ما أراك تنحاش لما قد بلغ من الناس، ولما يتوقع من إغارة(13/98)
العدو؟ فقال: ما دخلني إشفاق من شيءٍ، ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين، قال لي: " هون عليك، فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام ".
عن ابن شهاب قال: من فضل أبي أنه لم يشك في الله ساعة قط.
عن علي قال: قام أبو بكر بعدما استخلف بثلاث، فقال: من يَستَقيلُني بيعتي فأقيله؟ فقلت: والله لا نقيلك، ولا نستقيلك، من ذا الذي يؤخرك وقد قدمك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان نقش خاتم أبي بكر الصديق: نعم القادر الله.
عن الحسن: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " قال: أبو بكر وأصحابه.
وقرأ الحسن: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " حتى قرأ الآية، قال: فقال الحسن: فولاها أبا بكر الصديق وأصحابه.
عن عبد الرحمن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انزل عن مجلس أبي! فقال: صدقت، إنه لمجلس أبيك، قال: ثم أجلسه في حجره وبكى، فقال علي: والله ما هذا عن أمري، قال: صدقت والله ما اتهمتك.
وقد روي هذا للحسين بن علي مع عمر.
وعن الضحاك: في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.(13/99)
عن عائشة قالت: توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها؛ اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب من كل جانب، فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي في خطتها وعنانها؛ قالوا: أين ندفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فما وجدنا عند أحدٍ من ذلك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه " قالت: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحدٍ من ذاك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنا - معشر الأنبياء - لا نورث، ما تركنا صدقة ".
وقالت: من رأى عمر عرف أنه خلق عتّالاً للإسلام، كان والله أحْوَزِياً، نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها.
عن صالح بن كيسان قال: لما كانت الردة قام أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
الحمد لله الذي هدى، فكفى وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعلم شريد والإسلام غريب طريد، قد رث حبله، وخلق عهده، وضل أهله منه، ومقت الله أهل الكتاب، فلا يعطيهم خيراً لخيرٍ عندهم، ولا يصرف عنهم شراً، لشرٍّ عندهم، قد غيروا كتابهم، وأتوا عليه ما ليس فيه، والعرب الأميون صِفْر من الله، لا يعبدونه، ولا يدعونه، أجهدهم عيشاً، وأضلهم ديناً، في ظلفٍ من الأرض مع قلة السحاب، فجمعهم الله بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم، حتى قبض الله نبيه، فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله الله عنه، وأخذ بأيديهم،(13/100)
وبغى هلكتهم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين " إن من حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم، وإن رجعوا إليه، أزهد منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا، على ما قد فقدتم من بركة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد وكلكم إلى الكافي الذي وجده ضالاً فهداه، وعائلاً فأغناه، " وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها " والله لا أدع أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده، ويوفي لنا عهده، ويقتل من قتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منا خليفته، وورثته في أرضه قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض " الآية، ثم نزل رحمه الله.
عن زيد بن علي قال: أبو بكر الصديق إمام الشاكرين، ثم قرأ " وسيجزي الله الشاكرين ".
عن قتادة قال: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب كلها إلا ثلاثة مساجد: مكة والمدينة والبحرين، فقالوا: أما الصلاة فإنا سنصلي، وأما الزكاة فوالله لا نُغصب أموالنا، فكلموا أبا بكرٍ أن يخلي عنهم؛ فإنهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة طائعين، فقال: لا أفرق بين شيء جمعه الله، فوالله لو منعوني عقالاً فما سوى ذلك مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه.
فبعث الله معه عصابةً، فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله حتى أقروا بالماعون، وهو الزكاة المفروضة، فسارت إليه وفود العرب، فخيرهم بين خطة مخزية، أو حرب مجلية، فاختاروا الخطة المخزية، وذلك أنهم يشهدون على قتلاهم، أنهم في النار، وأن قتلى المسلمين في الجنة، وأن ما أصابوا من أموال المسلمين ردوه عليهم، وما أصاب المسلمون من أموالهم لم يردوه عليهم.(13/101)
ومن طريق ابن سعد: أن أبا بكرٍ الصديق كان له بيت مالٍ بالسنح معروف ليس يحرسه أحد، فقيل له: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا تجعل على بيت المال من يحرسه، فقال: لا يخاف، قلت: لم؟ قال: عليه قفل، وكان يعطي ما فيه لا يبقى فيه شيء، فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوله، فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها، وكان قدم عليه مال من معدن القبلية ومن معادن جهينة كثير - انفتح معدن بني سُليم في خلافة أبي بكر - فَقُدم عليه منه بصدقته، فكان يوضع ذلك في بيت المال، فكان أبو بكر يقسمه على الناس نقراً نقراً، فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا، وكان يسوي بين الناس في القسم: الحر، والعبد، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير فيه سواء. وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عاماً قطائف أتى بها من البادية، ففرّقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، فلما توفي أبو بكر، ودفن دعا عمر الأمناء، ودخل بهم بيت مال أبي بكر، ففتحوا بيت المال، فلم يجدوا فيه لا ديناراً، ولا درهماً، ووجدوا خيشةً للمال، فنفضت فوجدوا فيها درهماً، فترحموا على أبي بكر، وكان بالمدينة وزّان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مالٍ، فسئل الوزّان: كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف.
عن عائشة: أن أبا بكر حين استخلف ألقى كل دينارٍ ودرهمٍ عنده في بيت مال المسلمين، وقال: قد كنت أتجر فيه، وألتمس به فلما وليتهم شغلوني.
ومن طريق ابن سعد قال:
لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: السوق، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟(13/102)
قالا: انطلق حتى نفرض لك شيئاً، فانطلق معهما، ففرضوا له كل يوم شطر شاةٍ، وما كسوه في الرأس والبطن، فقال عمر: إليَّ القضاء، وقال أبو عبيدة: وإليَّ الفيء.
قال عمر: فلقد كان يأتي عليَّ الشهر ما يختصم إليَّ فيه اثنان.
عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكرٍ قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه، قالوا: نعم، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، قال أبو بكر رضيت.
وعن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال: زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة، قال: فزادوه خمسمائة، قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة.
ومن طريق ابن سعد أيضاً: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان منزله بالسُّنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرةً من شعْرٍ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة، فأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرسٍ له، وعليه إزار، ورداء ممشق، فيوافي المدينة، فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، فكان إذا حضر صلى بالناس، وإذا لم يحضر صلى بهم عمر بن الخطاب. وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح، يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح لقدر الجمعة، فيُجَمِّع بالناس، وكان رجلاً تاجراً، فكان يغدو كل يوم السوق، فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج هو بنفسه فيها، وربما كفيها، فرُعيت له، وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من(13/103)
الحي: الآن لا تُحلَبُ لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنّها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن خُلقٍ كنت عليه؛ فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية من الحي: يا جارية، أتحبين أن أرغي لك، أو أصرح؟ فربما قالت: ارغ، وربما قالت: صرح، فأي ذلك قالت فعل، فمكث كذلك بالسنح ستة أشهرٍ، ثم نزل إلى المدينة، فأقام بها، ونظر في أمره فقال: لا والله، ما يصلح أمر الناس التجارة، وما يصلح لهم إلا التفرغ، والنظر في شأنهم.
ثم اعتمر أبو بكر في رجب سنة اثنتي عشرة، فدخل مكة ضحوةً، فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره، ومعه فتيان أحداث إلى أن قيل له: هذا ابنك، فنهض قائماً، وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته، فنزل عنها وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبه لا تقم! ثم لاقاه، فالتزمه وقبل بين عينيه، وجعل الشيخ يبكي فرحاً بقدومه. وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصافحوه جميعاً فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم سلموا على أبي قحافة، فقال أبو قحافة: يا عتيق، هؤلاء الملأ، فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: إنه لا حول ولا قوة إلا بالله؛ طوقت عظيماً من الأمر، ولا قوة لي به، ولا يدان إلا بالله، ولقيه الناس يعزونه بنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبكي، حتى انتهى إلى البيت فاضطبع بردائه، ثم استلم الركن، ثم طاف سبعاً، وركع ركعتين، ثم انصرف إلى منزله فلما كان الظهر خرج، فطاف أيضاً بالبيت، ثم جلس قريباً من دار الندوة، فقال: هل من أحدٍ يتشكى من ظلامة، أو يطلب حقاً؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيراً، ثم صلى العصر، وجلس، فودعه الناس ثم خرج راجعاً إلى المدينة، فلما كان وقت الحج سنة اثنتي عشرة حج أبو بكر بالناس تلك السنة، وأفرد الحج، واستخلف على المدينة عثمان ابن عفان.
عن محمد بن سيرين قال:
لم يكن أحد بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي(13/104)
بكر لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد لها في كتاب الله أصلاً ولا في السنة أثراً، فقال: أجتهد برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني، وأستغفر الله.
عن زيد بن أرقم قال: دعا أبو بكر بشرابٍ، فأُتي بماءٍ وعسل، فلما أدناه من فيه نحاه ثم بكى حتى بكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسكته، ثم أفاق، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أر أحداً معه، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أرى معك أحداً، قال: " هذه الدنيا تمثلت لي، فقلت لها: إليك عني، فتنحت، ثم رجعت، فقالت: أما إنك إن أفلتَّ فلن يفلت مني من بعدك " فذكرت ذلك، فخفت أن تلحقني.
عن الضحاك بن مزاحم قال: قال أبو بكر يوماً: ورأى الطير واقعاً على شجرةٍ، فقال - طوبى لك يا طائر! لوددت أني كنت مثلك! تقع على الشجر، وتأكل الثمر ثم تطير ولا حساب عليك ولا عذاب؛ والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق، فمر علي بعير، فأخذني وأدخلني فاه فلاكني، ثم ازْدَردَني فأخرجني بعراً، ولم أكن بشراً.
عن ابن مُليكة قال: كان ربما سقط الخطام من أبي بكرٍ الصديق، قال: فيضرب بذراع ناقته، فينيخها فيأخذه، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حِبّي أمرني ألا أسأل الناس شيئاً.
عن ابن العالية الرياحي قال: قيل لأبي بكرٍ الصديق في جمعٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل شربت الخمر في(13/105)
الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله، فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي؛ فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته، قال: فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " صدق أبو بكر، صدق أبو بكر " مرتين.
عن عبد الله بن الزبير قال: ما قال أبو بكرٍ شعراً قط، ولكنكم تكذبون عليه.
عن معروف بن خربوذ: أن أبا بكر الصديق أحد عشرةٍ من قريش اتصل لهم شرف الجاهلية بشرف الإسلام.
قال الزبير بن بكار سمعت بعض أهل العلم يقول: خطباء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب.
عن موسى بن عقبة أن أبا بكر الصديق كان يخطب فيقول: الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت، فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق مبشراً ونذيراً، وسراجاً منيراً " لينذر من كان حياً ويَحِقَّ القول على الكافرين " ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل ضلالاً مبيناً أوصيكم بتقوى الله، والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم، وهداكم به، فإن جوامع هدى الإسلام بعد كلمة الإخلاص السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم، فإنه من يطع والي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقد أفلح، وأدى الذي عليه من الحق، وإياكم وإتباع الهوى، فقد أفلح من حُفظ من الهوى، والطمع، والغضب، وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من ترابٍ، ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي، وغداً ميتاً، فاعملوا يوماً بيوم، وساعةً بساعةٍ، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا: فإن العمل كله بالصبر، واحذروا فالحذر ينفع، واعملوا فالعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعه فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا أو تفهموا واتقوا أو تَوَقُّوا: فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجى به من(13/106)
نجى قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحب من الأعمال، وما يكره؛ فإني لا ألوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم، وما تطوعتم به فاجعلوه نوافل بين أيديكم، وإن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحدٍ من خلقه نسب يعطيه به خيراً، ولا يصرف عنه سوءاً إلا بطاعته، وإتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر بشرٍ بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلوات الله على نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن عبد الله بن عُكَيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رَغَباً ورَهَباً، وكانوا لنا خاشعين " ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقّه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم، لا يُطفأ نوره، ولا تنقضي عجائبه، فاستضيئوا بنوره، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم الظلمة فإنه إنما خلقكم لعبادته، ووكل بكم كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم، وتردكم إلى أسوأ أعمالكم؛ فإن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، فالوَحَى الوَحَى، ثم النجاءَ النجاءَ؛ فإن وراءكم طالباً حثيثاً مره سريع.
عن ابن عيينة قال: كان أبو بكر الصديق إذا عزى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع(13/107)
فائدة، الموت أهون ما قبله، وأشد ما بعده، اذكروا فقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصغر مصيبتكم، وأعظم الله أجركم.
عن ابن عباس: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ. " قال: نزلت في عشرة: في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن مسعود.
وقال: نزلت في أبي بكر الصديق: " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً " إلى قوله: " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ".
عن الضحاك في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
عن عكرمة: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قال: أبو بكر وعمر.
عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع.
عن عبد الله بن حسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر منا أهل البيت ".
قال عمر: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً، وقال: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر.(13/108)
ورأى رجل عمر وهو يتصدق عام الرمادة، فقال: إن هذا لحبر هذه الأمة بعد نبيها، قال: فعمد عمر، وجعل يضرب صلعة الرجل بالدرة، ويقول: كذب الآخر، أبو بكر خير مني، ومن أبي، ومنك، ومن أبيك.
وقال رجل لعمر: يا خير الناس - أو ما رأيت أميراً خيراً منك - فقال: هل رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا، قال: فهل رأيت أبا بكر؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك رأيت واحداً منهما لأوجعتك!.
وقال نفر لعمر: ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط ولا أقول بالحق، ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عوف بن مالك: كذبتم لقد رأيت خيراً منه غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل إليه عمر، فقال: من هو يا عوف؟ فقال: أبو بكر، فقال عمر: صدق عوف وكذبتم، لقد كان أبو بكر أطيب من المسك، وإني لمثل بعير أهلي.
وقال عمر: ليتني شعرةً في صدر أبي بكر.
وقال عبد الله بن عمر: كنا نقول ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي: أفضل أمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان - وزاد في رواية: فيبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا ينكر.
وعن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبتِ، من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: أبو بكر يا بني، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فخفت من أن قلت: ثم من؟ أن يقول عثمان: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: ما أبوك إلا رجل من المسلمين.
عن عبد خير الهمداني - وكان أمير شرطة علي - قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: فذكر أبا بكر، ثم قال: ألا أخبركم(13/109)
بالثاني؟ قال: فذكر عمر، ثم قال: لو شئت لأنبأتكم بالثالث، قال: وسكت، فرأينا أنه يعني نفسه، فقيل: أنت سمعته يقول هذا؟ قال: نعم ورب الكعبة، وإلا فَصُمّتا.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أنا الأول، وأبو بكر المصلي، وعمر الثالث، والناس من بعدنا الأول فالأول ".
عن قيس الخارفي قال: سمعت علياً يقول: سبق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلّى أبو بكر، وثلّث عمر.
عن أبي سريحة قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا إن أبا بكر أوّاه منيب القلب، ألا إن عمر ناصح الله فنصحه.
عن علي قال: إن أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر الصديق، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين.
وسئل علي عن أبي بكر وعمر، فقال: كانا إمامَي هدىً، راشدَين مرشدين مفلحين منجحين خرجا من الدنيا خميصين.
وقال: إن الله عز وجل جعل أبا بكرٍ وعمر حجةً على من بعدهم من الولاة إلى يوم القيامة، سبقا والله سبقاً بعيداً، وأتعبا من بعدهم إتعاباً شديداً، فذكرهما حرب للأمة، وطعن على الأئمة.
وقال: لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
وقال: وهل أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر.(13/110)
مر رجل من التابعين يقال له سويد بن غفلة برجلين من أصحاب علي، وهما ينتقصان أبا بكرٍ وعمر، فلم يملك نفسه أن ذهب إلى عليٍّ، فقرع الباب، فخرج فقال: يا أبا حسن، إني مررت بفلانٍ وفلان صاحبيك، وهما ينتقصان أبا بكرٍ، وعمر، وايم الله، لو لم تضمر مثل ما أبديا ما اجترأ على ذلك! قال: فغضب علي غضباً شديداً حتى استُدِرَّ عرق بين عينيه، ونودي بالصلاة جامعةً، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: تجندت عليَّ الجنود، ووردت علي الوفود عند مستقر الخطوب، وعند نوائب الدهر: ما بال أقوامٍ يذكرون سيدي قريشٍ، أبوي المؤمنين بما ليسا من هذه الأمة بأهل، وبما أنا عنه منزه، ومنه بريء، وعليه معاقب؟! أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا منافق ردي.
عن ابن عباس: أنه سئل عن أبي بكرٍ، فقال: كان والله خيراً كله، وسئل عن عمر، فقال: كان والله كالطير الحذر الذي ينصب له في كل طريقٍ شرك، وكان يعمل على ما يرى مع العنف، وشدة النشاط، وسئل عن عثمان، فقال: كان والله صواماً قواماً، قارئاً للقرآن، من رجل غرته نومته من يقظته، وسئل عن علي، فقال: كان والله مزكوناً علماً وحلماً، من رجل غرته سابقته من أن لن يمد يده إلى شيءٍ إلا اتبعه، فوالله ما رأيته مد يده إلى شيء إلا خالفه.
عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة؛ أرحمه بنا، وأحناه علينا.
عن عائشة:
أنها بلغها أن قوماً تكلموا في أبيها، فبعثت إلى أزفلةٍ من الناس، وعلت وسادتها، وأرخت ستارتها، ثم قالت: أبي، وما أبيه، أبي والله لا تعطوه الأيدي، ذاك طود(13/111)
منيف، وظل مديد، هيهات! كذبت الظنون أنجح إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم، سبق الجواد إذا استولى على الأمد، فتى قريش ناشئاً، وكهفها كهلاً، يريش مملقها، ويرأب شعبها، ويلم شعثها حتى حليته قلوبها، ثم استشرى في دين الله فما برحت شكيمته، في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات المبطلون، وكان - رضي الله عنه - غزير الدمعة، وقيذ الجوانح، شجي النشيج، فانقصفت عليه نسوان أهل مكة، وولدانهم يسخرون منه، ويستهزئون به " الله يستهزئ بهم، ويمدهم في طغيانهم يعمهون " وأكبرت ذلك رجالات قريشٍ فحنت قسيها، وفوقت سهامها، وامتثلوه غرضاً، فما فلوا له صفاة، ولا قصموا له(13/112)
قناةً، ومضى على سيسائه، حتى إذا ضرب الدين بجرانه، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجاً، ومن كل فرقةٍ أرسالاً وأشتاتاً اختار الله لنفسه ما عنده، فلما قبض الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضطرب حبل الدين، ومرج أهله، وبغى الغوائل، وظنت رجال أن قد أكثبت نُهَزُها، ولات حين يظنون، وأنى، والصديق بين أظهرهم؟! فقام حاسراً مشمراً، فرقع حاشيتيه بطبه، وأقام أوده بثقافه حتى امذقر النفاق، فلما انتاش الدين بنعشه، وأراح الحق على أهله، وقرت الرؤوس في كواهلها، وحقن الدماء في أهبها حضرت منيته فسد ثلمته بنظيره في السيرة والمرحمة، ذاك ابن الخطاب، لله در أم حملت به ودرت عليه! لقد أوجدت به، فديّخ الكفرة وفنخها، وشرد الشرك شذر مذر، وبعج الأرض فنجعها حتى قاءت أكلها، ترأمه ويصد عنها، وتصدّى له، فيأباها، وتريده ويصدف عنها، ثم فرغ فيئها، ثم تركها كما(13/113)
صحبها، فأروني ماذا ترتؤون؟ وأي يومي أبي تنقمون؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أم يوم ظعنه إذ نظر لكم؟ أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
ثم التفتت إلى الناس، فقالت: سألتكم بالله، هل أنكرتم مما قلت شيئاً؟ قالوا: اللهم لا!.
عن أبي عبد الرحمن الأزدي قال: لما انقضى الجمل قامت عائشة، فتكلمت، فقالت: أيها الناس إن لي عليكم حرمة الأمومة، وحق الموعظة لا يتهمني إلا من عصى ربه، قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري، وأنا إحدى نسائه في الجنة، ادخرني ربي، وحصنني من كل بضاعة، وبي مُيّز مؤمنكم من منافقكم، وفيّ رخص لكم في صعيد الأقواء وأبي رابع أربعةٍ من المسلمين، وأول من سمي صديقاً، قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنه راضٍ، فطوقه وهف الأمانة، ثم اضطرب حبل الدين، فأخذ بطرفيه، وربق لكم أثناءه، فوقد النفاق وأغاض نبع الردة، وأطفأ ما حشت يهود، وأنتم(13/114)
حينئذٍ جحظ، تنتظرون العدوة، وتستمعون الصيحة، فرأب الثأي، وأؤذم العطلة، وامتاح من المهواة، واجتهر دفن الرواء، فقبضه الله واطئاً على هامة النفاق، مذكياً نار الحرب للمشركين، يقظان في نصرة الإسلام صفوحاً عن الجاهلين.
عن مسروق قال: حب أبي بكر وعمر، ومعرفة فضلهما من السنة.
وقد روي هذا القول عن عبد الله بن مسعود.
عن أنس قال: رحم الله أبا بكر وعمر أمرهما سُنة.
وقال الحسن: قدمهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن ذا الذي يؤخرهما.
وقال: ثلاثة لا يربعهم أحد أبداً: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر.
وقال الأعمش: ما كنت أرى أني أعيش في زمانٍ أسمعهم يفضلون فيه على أبي بكر وعمر.
عن طلحة اليامي قال: كان يقال: الشاك في أبي بكر وعمر كالشاك في السنة.
وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبوا الإسلام وأمه.
فذكر ذلك لأبي أيوب الشاذكوني، فقال: صدق.(13/115)
وقال أبو حسين: ما ولد لآدم في ذريته بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكرٍ الصديق ولقد قام ليوم الردة مقام نبي من الأنبياء.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأرجو لأمتي في حب أبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول: لا إله إلا الله ".
عن مالك بن أنس قال: قال أمير المؤمنين هارون لي: يا مالك، صف لي مكان أبي بكر وعمر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا أمير المؤمنين قربهما منه في حياته كقرب قبرهما من قبره، فقال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك!
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: ما تقول في رجل سب أبا بكرٍ؟ قال: يُقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يُقتل.
قال ربعي بن خراش: قذف المحصنة يهدم عمل سبعين سنةً، وشتم أبي بكر وعمر يهدم عمل مائة سنةٍ.
قال جعفر بن محمد: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكرٍ وعمر.
عن حيان الهجري قال: كان لي جليس يذكر أبا بكرٍ وعمر، فأنهاه فيُغْرَى، فأقوم عنه، فذكرهما يوماً، فقمت عنه مغضباً، واغتممت مما سمعت، إذ لم أرد عليه الرد الذي ينبغي فنمت، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي كأنه أقبل ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، إن لي جليساً يؤذيني في هذين، فأنهاه فيغرى، ويزداد، قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجلٍ قريب منه، فقال: " اذهب إليه فاذبحه " فذهب الرجل إليه، وأصبحت، فقلت: إنها لرؤيا، فلو أتيته فخبرته لعله ينتهي، قال: فمضيت أريده، فلما صرت قريباً من داره إذا الصراخ، قلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، طرقته الذبحة في هذه الليلة فمات.(13/116)
عن إسماعيل بن أبي خالد قال: جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير: بسم الله الرحمن الرحيم: من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة؛ وإنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه، وهو يومئذ من أصح أهل المدينة، فتوفي بين صلاة الأولى، وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره، وغشيناه بردين وكساء، فأتاني آتٍ وأنا أسبح بعد المغرب، فقال: إن زيداً قد تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسرعاً، وقد حضره قوم من الأنصار، وهو يقول - أو يقال على لسانه -: الأوسط أجلد القوم، الذي كان لا يبالي في الله لومة لائمٍ، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين، صدق، صدق، كان ذلك في الكتاب الأول، قال: ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان، وبقي أربع، واختلف الناس، وأكل بعضهم بعضاً فلا نظام، وأبيحت الأحماء، ثم ارعوى المؤمنون فقالوا: كتاب الله وقدره، أيها الناس أقبلوا على أميركم، واسمعوا وأطيعوا فمن تولى فلا يعهدن دماً، كان أمر الله قدراً مقدوراً، الله أكبر، هذه الجنة، وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون: سلام عليك يا عبد الله بن رواحة، هل أحسست لي خارجة؟ - لأبيه - وسعداً اللذين قتلا يوم أحد " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى " ثم خفت صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه، فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا فنظر بعضنا إلى بعضٍ فإذا الصوت من تحت الثياب فكشفنا عن وجهه، فقال: هذا أحمد رسول الله، سلام عليك، يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ضعيفاً في جسمه، قوياً في أمر الله عز وجل صدق، صدق، وكان في الكتاب الأول.
وكان زيد بن خارجة من سروات الأنصار، وكان أبوه خارجة بن سعد حيث هاجر(13/117)
أبو بكر نزل عليه في داره، وتزوج ابنته، وقتل أبوه وأخوه سعد بن خارجة يوم أحد، فمكث بعدهم حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خلافة أبي بكر وعمر، وشيئاً من خلافة عثمان؛ فبينا هو يمشي في طريق من طرق المدينة بين الظهر والعصر إذ خر، فتوفي، فأعلمت به الأنصار، فأتوه، فاحتملوه إلى بيته.
عن مسلم الطبين قال: من الكامل
أنى تعاتب، لا أبا لك، عصبةً ... علقوا الفرى، وبروا من الصديق
وبروا سفاهاً من وزير نبيهم ... تباً لمن يبرا من الفاروق
إني على رغم العداة لقائل ... دانا بدين الصادق المصدوق
عن زياد بن حنظلة قال: كان سبب موت أبي بكر الكمد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على قوته في أمر الله، فمرض بعد خروج خالد من العراق إلى الشام، وثقل بعد قدوم خالد على أهل اليرموك، ومات قبل الفتح بأيامٍ.
وعن ابن شهاب:
أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله إن فيها لسم سنةٍ، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحدٍ! قال: فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يومٍ واحدٍ عند انقضاء السنة.
قالوا: كان أول بدء مرض أبي بكرٍ أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسة عشر يوماً، لا يخرج إلى صلاةٍ، وكان يأمر عمر بن(13/118)
الخطاب يصلي بالناس، ويدخل الناس عليه يعودونه، وهو يثقل كل يومٍ، وهو نازل يومئذٍ في داره التي قطع له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه.
قال أبو السفر: دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: قد نظرت إلي، قالوا: ما قال لك؟ قال: قال: " إني فعال لما أريد ".
وروى ابن سعد من طرق: أن أبا بكرٍ الصديق لما استعز به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمرٍ إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإن، فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: أنت أخبرنا به - فقال: على ذلك أبا عبد الله، فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور، وأسيد بن الحضير، وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، الذي يُسِرُّ خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.
وسمع بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر، وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكرٍ، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته؟! فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوفوني!؟ خاب من تزود من أمركم بظلمٍ! أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من وراءك! ثم اضطجع، ودعا عثمان، فقال اكتب:(13/119)
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني أستخلف عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم أل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئٍ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون " والسلام عليكم ورحمة الله.
ثم أمر بالكتاب، فختمه، فقال بعضهم: لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب بقي ذكر عمر، فذهب به قبل أن يسمي أحداً، فكتب عثمان: إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ثم أفاق أبو بكر، فقال: اقرأ علي ما كتبت، فقرأ عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر، وقال: أراك خفت أن أفتلت نفسي في غشيتي تلك، فيختلف الناس، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً، والله إن كنت لها أهلاً، ثم أمره، فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب، وأسيد بن سعية القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا. ثم دعا أبو بكر عمر خالياً، فأوصاه بما أوصاه، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يديه مداً، فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به، واجتهدت لهم برأيي، فوليت عليهم خيرهم، وأقواه عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم واليهم، واجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدى نبي الرحمة، وهدى الصالحين بعده، وأصلح له رعيته.(13/120)
عن زبيد أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب:
إني موصيك بوصية - إن حفظتها - إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله في الليل حقاً لا يقبله في النهار، وإنه لا يقبل نافلةً حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الحق، وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، ولإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الباطل، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف، وإن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم، فيقول قائل: أنا أفضل من هؤلاء، وذكر آية الرحمة، وآية العذاب، ليكون المؤمن راغباً راهباً ولا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة.
فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت، ولا بد لك منه، وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن أمر أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه! وعن الأعرابي مالك قال: لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بعث إليه، فدعاه، فقال: إني أدعوك إلى أمرٍ متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته، وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق، وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخف يدك من دمائهم، وأن تصم بطنك من أموالهم، وان يخف لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوة إلا بالله.(13/121)
عن عبد الرحمن بن عوف: أنه دخل على أبي في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مفيقاً، فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً، فقال أبو بكر: تراه؟ قال: نعم، قال: إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم، يا معشر المهاجرين، أشد علي من وجعي إني ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر له، ورأيتم الدنيا قد أقبلت، ولما تقبل، ولهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمون بالانضجاع على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان، والله لأن يقدم أحدكم فتضرب رقبته في غير حدٍّ خير له من أن يخوض غمرة الدنيا! وأنتم أول ضال بالناس غداً، فيصفقون عن الطريق يميناً وشمالاً يا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر.
فقال له عبد الرحمن: خَفِّض عليك يرحمك الله، فإن هذا يهيضك على ما بك، إنما الناس في أمرك رجلان: إما رجل رأى ما رأيت، فهو معك، وإما رجل رأى ما لم ترَ، فهو يشير عليك بما يعلم، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، ولم تزل صالحاً مصلحاً مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا، فقال أبو بكر: أجل، لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لو تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني لو فعلتهن، وثلاث وددت لو أني سألت عنهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما التي وددت أني تركتهن: يوم سقيفة بني ساعدة وددت لو أني ألقيت هذا الأمر في عنق أحد هذين الرجلين - يعني عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً، ووددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء، مع أنهم أغلقوه على الحرب، ووددت أني لو لم أكن(13/122)
حرقت الفجاءة السلمي، وأني كنت قتلته سريحاً، أو خليته نجيحاً، وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني كنت فعلتهن: وددت لو أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، ووددت أني يوم وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت كلتا يدي في سبيل الله، ووددت أني حين أُتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شراً إلا أعان عليه، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن هذا الأمر بعده؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل للأنصار فيه شيء؟ ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ميراث بنت الأخ والعمة، فإن في نفسي منها شيء.
عن محمد بن سيرين: أن أم المؤمنين عائشة كانت عند أبي بكر وهو في الموت، فقالت: من الطويل
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر: بل هكذا قولي " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ".
عن أنسٍ قال:
أطفنا بغرفة أبي بكر الصديق في مرضته التي قبض فيها، قال: فقلنا: كيف أصبح، أو كيف أمسى خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فاطلع علينا اطلاعةً فقال: ألستم ترضون بما أصنع؟ قلنا: بلى قد رضينا، قال: وكانت عائشة هي تمرضه، قال: فقال: أما إني قد كنت حريصاً على أن أوفر في المسلمين فيئهم مع أني قد أصبت من اللحم(13/123)
واللبن، فانظروا إذا رجعتم مني، فانظروا ما كان عندنا فأبلغنه عمر، قال: فذاك حيث عرفوا أنه استخلف عمر، قال: وما كان عنده ديناراً ولا درهم، ما كان إلا خادم، ولقحة، ومحلب، فلما رأى ذلك عمر يُحمل إليه قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.
وعن محمد قال: توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف درهم كان أخذها من بيت المال، فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها، فلما توفي أبو بكر ذكر ذلك لعمر، فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أحب ألا يدع لأحدٍ بعده مقالاً، وأنا والي الأمر بعده، وقد رددتها عليكم.
عن عائشة قالت: قال أبو بكر: انظروا إلى ما زاد في مالي منذ دخلت في هذه الإمارة فردوه إلى الخليفة من بعدي، فإني قد كنت أسلخه جهدي إلا الودك فإني قد كنت أصبت منه نحواً مما كنت أصيب من التجارة، قالت: فنظرنا، فوجدنا زاد فيه ناضح، وغلام نوبي كان يحمل صبياً له، قالت: فأرسلت به إلى عمر، قالت: فأخبرني جدي أنه بكى، ثم قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده إتعاباً شديداً.
ولما اشتد مرض أبي بكر، وأغمي عليه، فأفاق، قال: أي يومٍ توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني لأرجو من الله عز وجل ما بيني وبين الليل، فمات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح وقال: في كم كفنتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: كفناه في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلي ثوبي هذا، وبه ردع زعفرانٍ أو مشقٍ، واجعلوه مع ثوبين جديدين،(13/124)
قلت: إنه خلق، قال الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة، - يعني ما يخرج منه - فكفن في ثلاثة أثواب سحولٍ يمانية.
عن ابن أبزى في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال: قال أبو بكر: ما أحسنها يا رسول الله! قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إنها ستقال لك يا أبا بكر ".
عن عطاء أن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء، فإن لم تستطع استعانت بعبد الرحمن بن أبي بكر.
وفي رواية: فإن عجزت أعانها ابنه منه محمد، ولا يصح ذلك، لأنه كان له يوم توفي أبو بكر ثلاث سنين أو نحوها.
عن حبة العرني، عن علي بن أبي طالب قال: لما حضرت أبا بكرٍ الوفاة أقعدني عند رأسه، وقال لي: يا علي، إذا أنا مت فغسلني بالكف الذي غسلت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحنطوني، واذهبوا بي إلى البيت الذي فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذنوا، فإن رأيتم الباب قد تفتح فادخلوا بي، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين حتى يحكم الله بين عباده، قال: فغُسل وكفن، وكنت أول من بادر إلى الباب، فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فرأيت الباب قد تفتح، فسمعت قائلاً يقول: أدخلوا الحبيب إلى حبيبه، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق.
قال الحافظ: هذا منكر، والمحفوظ أن الذي غسل أبا بكر امرأته أسماء بنت عميس.
عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعدان: أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وعزم عليها أن تفطر ليكون أقوى لها، ففعلت، فلما كان من آخر النهار دعت بماء، فأفطرت عليه، وقالت: لا أتبعه اليوم حنثاً.(13/125)
عن أسيد بن صفوان - وكانت له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
لما كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر رجَّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء علي بن أبي طالب باكياً مسرعاً وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقفت على البيت الذي فيه أبو بكر مسجى، فقال: رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاماً، وأكملهم إيماناً، وأخوفهم لله، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبةً، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجةً، وأقربهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلساً، وأشبههم به هدياً، وخلقاً، وسمتاً، وفعلاً، وأشرفهم منزلةً، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام، وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً؛ صدقته حين كذبوه، فسماك الله صديقاً، فقال: " والذي جاء بالصدق " محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وصدَّق به " أبو بكر الصديق، أعطيته حين بخلوا وقمت معه حين عنه قعدوا، وصحبته بأحسن الصحبة، ثاني اثنين صاحبه، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، ومواطن الكره، خلفته في أمته أحسن خلافة حين ارتد الناس، وقمت بدين الله قياماً لم يقمه خليفة نبيٍّ؛ قويت حين ضعف أصحابه، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كنت خليفته حقاً، لم تنازع، ولم تصد برغم المنافقين، وصغر الفاسقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، قمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تقبَّضوا ومضيت بنور الله إذ وقفوا، واتبعوك فهدوا، كنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم فوقاً وأطولهم صمتاً، وأصوبهم نطقاً، وأبلغهم كلاماً، وأكثرهم أناةً، وأشرحهم قلباً، وأشدهم نفساً، وأسدهم عقلاً، وأعرفهم بالأمور كنت أولاً حين تفرق عنه، وآخراً حين فشلوا، كنت للمؤمنين أباً رحيماً، صاروا عليك عيالاً،(13/126)
تحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، فأدركت آثار ما طلبوا، وناولوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكفار عذاباً واصباً، وللمسلمين غناءً وحصناً، فطرت بغنائها وذهبت بفضائلها، وأحرزت سوابقها: لم تفلل حجتك، ولم يرع قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمن الناس في صحبتك وذات يدك، عوناً في أمر الله، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله، خليلاً في الأرض، كبيراً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مطمعاً، ولا لقائل مغمز، ولا لأحدٍ عندك هوادة: الضعيف الذليل عندك قوي حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ذليل حتى تأخذ منه الحق، فالعزيز والضعيف عندك سواء في ذلك، شأنك الحق والرفق، قولك حق وحتم، وأمرك احتياط وحزم.
أقلعت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، وقوي الإسلام، وظهر أمر الله ولو كره المشركون، وسبقت والله سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً، وفزت بالحق فوزاً مبيناً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثلك أبداً، كنت للدين عزاً وكهفاً، وللمسلمين حصناً، وعلى المنافقين غيظاً، فالحمد لله، لا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك.
وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكوا، وقالوا: صدقت يابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(13/127)
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: دخل علي على أبي بكر بعدما سُجي قال: ما أحد ألقى الله بصحبته أحب إلي من هذا المسجى.
عن جد الأصمعي قال: وقفت عائشة على قبر أبيها فقالت: رحمك الله يا أبه، لقد قمت بالدين حين وهى سعيه، وتفاقم صدعه، ورحبت جوانبه، وبغضت ما أصغوا إليه، شمرت فيما ونوا عنه، واستخففت من دنياك ما استوطنوا، وصغرت منها ما عظموا، ولم تهضم دينك، ولم تنسى غدك، ففاز عند المساهمة قدحك، وخف مما استوزروا ظهرك حتى قررت الرؤوس على كواهلها، وحقنت الدماء في أهبها - يعني في الأجساد - فنضر الله وجهك يا أبه، فلقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها، وللآخرة معزاً بإقبالك عليها، ولكأن أجل الرزايا بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رزؤك، وأكبر المصائب فقدك، فعليك سلام الله ورحمته غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.
عن الأصمعي:
أن قوم خفاف بن ندبة السلمي ارتدوا، وأبى أن يرتد، وحسن ثباته على الإسلام، فقال في أبي بكر شعراً قوافيه ممدودة مقيدة: من السريع
ليس لشيءٍ غير تقوى الله جداء ... وكل خلق عمره للفناءْ
إن أبا بكرٍ هو الغيث إذ ... لم تزرع الأمطار بقلاً بماء
المصطفي الجرد بأرسانها ... والناعجات المسرعات النجاء
والله لا يدرك أيامه ... ذو طرةٍ ناش ولا ذو رداء(13/128)
من يسع كي يدرك أيامه ... يجتهد الشد بأرض فضاء
الشد: العدو.
عن البجلي: أن أبا بكر الصديق لما مات حمل على السرير الذي كان ينام عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت عائشة، ونزل في قبره: عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر.
وسئل سعيد بن المسيب: أين صلي على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر، وكبر عليه عمر أربعاً.
وقبر أبو بكر ليلاً.
وعن عروة والقاسم بن محمد: أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما توفي حفر له، وجُعل رأسه عند كتفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألصق اللحد بقبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبر هناك.
وتوفي أبو بكر مساء الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، هذا هو الصحيح المتواتر، وقيل غيره.
ووهم الحافظ من قال: إنه توفي وهو ابن ستين سنة.
عن سعيد بن المسيب قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فمن استخلف الناس بعده؟ قالوا: ابنك، قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد شمس، وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا مانع لما(13/129)
أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، فلما قبض أبو بكر ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ دون ذلك، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: ابنك مات، فقال أبو قحافة: هذا خبر جليل - أو قال: رزء جليل - من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر، قال: صاحبه.
عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: ورث أبا بكرٍ أبوه أبو قحافة السدس، وورثه معه ولده: عبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم بنو أبي بكر، وامرأتاه: أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج، وهي أم أم كلثوم.
وعن مجاهد: كُلِّم أبو قحافة في ميراثه من أبي بكر الصديق، فقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر، قالوا: ثم لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياماً، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة، وهو ابن سبع وتسعين سنة.
عبد الله بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان
صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي: وفد على عبد الملك بن مروان.
عن أبي المقدام قال: هلك معاوية بن يزيد بن معاوية بالشام، وقد قيل له: اعهد إلى رجل يُفزَع إليه، قال: لا، تذهبون بحلاوتها وأذهب بمرارتها! ليختر الناس لأنفسهم، فقدم عليهم الوليد بن عتبة، وكان أسن آل أبي سفيان، فلما كبَّر عليه الثالثة خر مطعوناً، فلم يرفعوه إلا ميتاً، فقدموا عليه عثمان ابن عنبسة بن أبي سفيان، وكان أسن آل أبي سفيان يومئذٍ، فلما صلى عليه أحاطوا به، فقالوا: نبايعك بالخلافة، فقال: لا، بل ألحق بخالي(13/130)
عبد الله بن الزبير - وأمه ابنة الزبير بن العوام - فقال له مروان: عمك لا خالك، إنها والله ما هي بساعة أخوال، فقال عبد الرحمن بن أم الحكم: من الكامل
أودت خلافة آل حر ... بٍ حين أودي بالوليد
ومضت بعثمان الركا ... ب من القريب إلى البعيد
فخرج حتى أتى ابن الزبير، وشهد المرج، يقاتل بني أمية، فحمل على ألف دابةٍ، فلما انهزم أرسل إلى ابن الزبير: إن بأصحابي حاجة فأمدهم، فبعث إليه بمائة مد برٍ، ومائة مد شعير، فأرسل إليه عثمان: أحمل على ألف دابةٍ في قتال قومي وتبعث إلي بهذا؟ والله لا أكلمك أبداً.
واستحيا من الرجوع إلى بني أمية، فأقام بمكة، فلما احتضر قال لابنه عبد الله: يا بني، الحق بقومك: فإن أباك لم يغتبط بفراقهم، وأوصى إلى خالد بن يزيد، وهو بالشام، فلما قدم عبد الله أدخله على عبد الملك، فلما رآه قال: لا رحم الله أباك! والله لا أدع لك خضراء، ولا بيضاء إلا قبضتها، قال: فجمع الغلام رداءه ثم رمى به وجه عبد الملك، ثم قال: اقبض هذا أولاً، وخرج حاسراً، فقال عبد الملك للوليد: يا وليد، رجل والله! فاجعله في صحابتك.
عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك
أبو أحمد الجرجاني المباركي الحافظ المعروف بابن القطان أحد أئمة أصحاب الحديث، والمكثرين فيه، والجامعين له، والرحالين فيه.
رحل إلى الشام ومصر رحلتين، أولاهما في سنة سبع وتسعين وماءتين والثانية في سنة خمس وثلاثمائة، وكان مصنفاً حافظاً ثقةً على لحن فيه.(13/131)
روى بسنده عن عبد الله بن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اتخذ كلباً إلا كلب ماشيةٍ، أو ضاري نقص من أجره كل يومٍ قيراط، والقيراط مثل أحد ".
وبسنده عن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ ".
ولد عبد الله بن عدي سنة سبع وسبعين ومائتين، وهي السنة التي مات فيها أبو حاتم الرازي.
قال حمزة بن يوسف: صنف أبو أحمد بن عدي في معرفة ضعفاء المحدثين كتاباً مقدار ستين جزءاً سماه: كتاب الكامل، سألت أبا الحسن الدارقطني - رحمه الله - أن يصنف كتاباً في ضعفاء المحدثين فقال لي: أليس عندك كتاب ابن عدي؟ قلت: نعم، قال: فيه كفاية لا يزاد عليه، وكان ابن عدي جمع أحاديث مالك بن أنس، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وشعبة، وإسماعيل بن أبي خالد، وجماعة من المقلين، وصنف على كتاب المزني سماه: الانتصار، وتوفي سنة خمسٍ وستين وثلاثمائة.
قال أبو أحمد بن عدي: قال لي عبدان الأهوازي: أغرب علي لخالد الحذاء حديثاً، فذكرت له هذا الحديث عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة.(13/132)
عبد الله بن عروة بن الزبير
ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب أبو بكر القرشي الأسدي: وفد على الوليد بن يزيد.
حدث عن أبيه، عن عائشة قالت:
اجتمعن - وفي رواية: اجتمعت - إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، فقالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل، لا سهلٍ فيرتقى ولا سمين فينتقل، قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره، قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أسكت أعلق، وإن أنطق أطلق، قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر، ولا قر، ولا مخافة، ولا سآمة، قالت الخامسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن نام التف، ولا يولج الكف ليعلم البث، قالت السادسة: زوجي غياياء أو عياياء - شك الراوي - طباقاء، كل داءٍ له داء اشجك أو فلك، أو جمع كلاً(13/133)
لك، قالت السابعة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد، قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب، قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النادي، قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك! مالك خير من ذلك، له إبل قليلات المسارح كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك، قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حليٍّ أذني، وملأ من شحمٍ عضدي، وبجحني فبجحت إليّ نفسي، فوجدني في أهل غنيمة بشقٍ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقٍّ، فعنده أقول ولا أقبّح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح أم أبي زرعٍ،(13/134)
وما أم أبي زرعٍ؟ عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع، وما ابن أبي زرع، مضجعه كمسل شطبةٍ، وتشبعه ذراع الجفرة، ابنة أبي زرع، وما ابنة أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمها وملء مكسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، وما جارية أبي زرع، لا تبثث حديثنا تبثيثاً، ولا تنقل ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً، خرج أبو زرع، والوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خطياً، وأراح علي نعماً ثرياً، قال: كلي أم زرعٍ، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كل شيءٍ أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عائش، كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرعٍ - وفي رواية: يا عائشة ".
وروى عن أبي سفيان بن الحارث قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هوازن، وقد جمعت له العرب كلها، فلما أتوه(13/135)
حملوا عليه حملةً واحدةً، قال الله عز وجل: " ثم وليتم مدبرين " وثبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته الشهباء.
قال أبو سفيان وبيدي السيف صلتاً، ثم أخذت بلجام بغلته، وعباس بن عبد المطلب ينادي: يا أصحاب سورة البقرة، فثاب إليه الناس حتى توافى حول بغلته نحو من مائة.
وروى عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: كان أكثر صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ثقل وبدَّن وهو جالس.
وعن عبد الله بن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " دعوا الفتنة التي يفتن فيها المرء في قبره " قال عبد الله بن عروة: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي.
قال الزبير بن بكار: ومن ولد عروة بن الزبير: عمر بن عروة قتل مع عبد الله بن الزبير، وكان مشجعاً لا عقب له، وعبد الله بن عروة؛ أمها: فاختة بنت الأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها: أم شيبة بنت حكيم بن حزام، وأمها: زينب بنت العوام، كان عبد الله بن عروة أسن بني عروة، وبه كان يكنى، وبلغ خمساً - أو ستاً - وتسعين سنة، لم يكن بينه وبين أبيه إلا خمس عشرة سنة، وكان له عقل وحزم، ولسان وفضل، وشرف، وكان يشبه عبد الله في لسانه، وكان عبد الله بن الزبير يعرف ذلك له، وهو رسول عبد الله ابن الزبير إلى الحصين بن نمير حين لقيه بمر.
قال الحاكم أبو أحمد: هو والد عمر بن عبد الله بن عروة.(13/136)
سئل أبو حاتم عن عبد الله بن عروة، فقال ثقة.
عن الزبير بن خبيب قال: أرسل معاوية بن أبي سفيان رسولاً، وكتب معه إلى عبد الله بن الزبير يخطب إليه ابنته أم حكيم بنت عبد الله على ابنه يزيد بن معاوية، فزوجها عبد الله بن عروة، وكان أول من زوج من بين أخيه، فقال له رسول معاوية: ما تجيب به أمير المؤمنين؟ قال: ما له عندي جواب إلا ما رأيت.
قال عبد الله بن عروة:
كان عمي عبد الله بن الزبير يبيت عند أمه كما يبيت عند أهله، فإذا كانت الليلة التي يكون فيها عند أمه جئته، فيقوم، فيصلي ليلته، وأقوم إلى جنبه أصلي حتى الصباح، وأهجر كل يومٍ، فأصلي معه، فمكثت بذلك ما شاء الله؛ فأدركني يوماً، وأنا رائح بالهجير إلى المسجد، فصاح بي: مهيم؟ فوقفت، فاتكأ على يدي حتى بلغ باب المسجد. ثم قال: أفيك خير؟ فقلت: أين يُذهب بالخير عني؟ قال: أزوجك ابنتي أم حكيم، قد عرفت منزلتها مني، قلت: نعم، فدخل بي إلى المسجد، فجلس إلى عبد الله بن عمر، فحمد الله وأثنى عليه، وزوجني أم حكيم، ثم قام، وقمت معه حتى أتى مصلاه، فوقف فيه، فخرجت حتى أتيت أبي، فأعلمته، فكذبني، وقال: لا يسمعن هذا منك أحد، فقلت: قد والله كان ذلك، فأرسل إلى عبد الله بن الزبير: أكان ما ذكر عبد الله؟ قال: نعم، زوجته أم حكيم، فقال لي: هذا مال لك عندي ورثته من أمك، وهو عشرون ألف درهمٍ، فأحمله إليها، ففعلت، فأرسل إلي عمي عبد الله، فجئته، فقال: ألم تعدني الخير من نفسك؟ قال: قلت: بلى، قال: فما حملك على أن بعثت إلينا بمالٍ؟ لو أردت المال لوجدته عند غيرك! - يريد معاوية - احمل مالك، فلا حاجة لنا فيه،(13/137)
قال: فرجعت بالمال إلى أبي.
وكانت أم حكيم بنت عبد الله قالت لأبيها: لم تؤثر بنيك في النخل علينا؟ وبناتك أحق بالأثرة لضعفهن؟ أترى بنيك يؤثروننا على نسائهم؟ فقال لها: لا أفعل بعدها.
وكانت أم حكيم أحب ولد عبد الله إليه.
ومن طريق المعافى بن زكريا: أن عبد الله بن عروة بن الزبير - وأمه ابنة المغيرة بن شعبه - دخل على هشام بن عبد الملك، وقد كان إبراهيم بن هشام أضر به وهو على المدينة، فقال له عبد الله: يا أمير المؤمنين، إنك قد وليت خالك ما بين المدينة إلى عدن، فلم يمنعه كثير ما في يديه من قليل ما في أيدينا أن نازعته نفسه اختلاس ما في اختلاسه هلكنا، فأنشدك الله، يا أمير المؤمنين أن تصل رحماً بقطيعة أخرى، فوالله ما سخا بأنفسنا عن الأموات إلا ما كف وجوه الأحياء، ولأن نموت مرفوعين أحب إلينا من أن نعيش مخفوضين.
فقال هشام لعبد الله: إنه لا سلطان لخالي عليك بعد يومك هذا.
وحج هشام، فاجتمع عنده: عبد الله بن عروة، وإبراهيم بن هشام، وحضره مسلمة بن عبد الملك، فقال عبد الله بن عروة: يا أمير المؤمنين، إن مما طيب أنفسنا عمن أصبت منا لما بقي بأيدينا بما كف الله به وجوهنا عن قومنا وغيرهم، فتناول هذا أعراضنا وأموالنا، فكيف الحياة مع هذا؟! فقال هشام: ألا تسمع يا إبراهيم ما يقول هذا؟ فقال إبراهيم: أمير المؤمنين أمير المؤمنين، وأنا أنا، وهو هو! قال هشام: فماذا الكلام؟ أجل لعمري إن ذا لكذا، وأقبل هشام بعد ذلك على مسلمة، فقال: سمعت ما قال ابن عروة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، كأنك قد قلت لي: تجهز إلى الحجاز، قد سمعت كلام رجل لا يقيم على ما شكا إن أقام، إلا قليلاً.(13/138)
عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن عروة قال: إلى الله أشكو عيبي ما لا أترك، ونعتي ما لا أتي.
وأنشد عبد الله بن عروة: من البسيط
يبكون بالدين للدنيا وبهجتها ... أرباب دنيا، عليها كلهم صادي
لا ينظرون لشيءٍ من معادهم ... تعجلوا حظهم في العاجل البادي
لا يهتدون، ولا يهدون تابعهم ... ضل المقود، وضل القائد الهادي
قال حماد بن عطيل بن فضالة: رأيت عبد الله بن عروة في سنيات خالد بن عبد الملك بن الحارث - وكان والياً لهشام بن عبد الملك على المدينة سبع سنين قحط المطر في تلك السبع فكان يقال لها: سنيات خالد، فجلا الناس من بادية الحجاز، فلحقوا بالشام، فحضرت عبد الله بن عروة بن الزبير في أمواله بالفرع - يدخل الناس في مربد تمره طرفي النهار: غدوةً فيتغدون من التمر، وعشية فيتعشون، فما زال كذلك يفعل حتى أحيا الناس.
وقال: جلونا مرة إلى الشام في جهدٍ أصاب الناس، ثم رجعنا فوجدنا عبد الله بن عروة قد هدم الثلم، وكسر الوشع، وأمرج الناس في مال أبيه، وجنى لهم فأطعمهم.
قال عبد الله بن عروة: بعث إلي عبد الله بن الزبير، فقال: انطلق إلى الحصين بن نمير حتى تلقاه، فتناظره، فانطلقت حتى لقيت الحصين بن نمير، فأدناني منه، فكلمته وأنا مشرف عليه، فجعل يتطاول إلي بعنقه.(13/139)
قال يوسف بن يعقوب الماجشون:
كنت مع أبي في حاجةٍ، فلما انصرفنا قال لي أبي: هل لك في هذا الشيخ؟ فإنه بقيةً من بقايا قريش، وأنت واجد عنده ما شئت من حديث ونبيل رأي - يريد عبد الله بن عروة - قال: فدخلنا عليه، فحادثه أبي طويلاً، ثم ذكر أبي بني أمية، وسوء سيرتهم، وما قد لقي الناس منهم، وقال: انقطع آمال الناس من قريش. فقال عبد الله: أقصر أيها الشيخ، فإن الناس لم يبرح لهم أمر صالح من قريش ما لم يلِ بنو فلانٍ، فإذا وليت بنو فلان انقطع آمالهم.
فقال له سلمة الأعور صاحبنا: بنو هاشم؟ فقال برأسه: أي نعم.
قال مصعب بن عبد الله: جمع عبد الله بن عروة بنيه، ثم قال: يا بني، إن الله تعالى لم يبن شيئاً فهدمه، وإن الناس لم يبنوا شيئاً قط إلا هدموه، وإن بني أمية من عهد معاوية إلى اليوم يهدمون بشرف علي، فلا يزيده الله إلا شرفاً وفضلاً ومحبةً في قلوب المؤمنين، يا بنيّ، فلا تشتموا علياً.
وكان عبد الله بن عروة يشهد الجمعة، وينصت لخالد بن عبد الملك بن الحارث، فإذا شتم خالد علياً تكلم عبد الله بن عروة، وأقبل على أدنى إنسان يكون إلى جنبه يحدثه، فيقال له: الإمام يخطب! فيقول: إنا لم نؤمر ننصت لهذا.
قالوا لعبد الله بن عروة بن الزبير: ألا تأتي المدينة؟ فقال: ما بقي بالمدينة إلا حاسد لنعمة، أو فرح بنقمة.
قال عمرو بن صفوان: كان لعبد الله بن عروة ابن له سبع سنين مثل الدينار، فلدغته حية، فمات، فقال: من الوافر(13/140)
فلولا الموت لم يهلك كريم ... ولم يصبح أخو عزٍّ ذليلا
ولكن المنية لا تبالي ... أغراً كان أم رجلاً جليلا
لقد أهلكت حية بطن وادٍ ... كريماً ما أريد به بديلا
مقيماً ما أقام جبال لبس ... فليس بزائل حتى تزولا
وله: من الطويل:
ترى المرء يبكيه الذي مات قبله ... وموت الذي يبكي عليه قريب
يحب الفتى المال الكثير وإنما ... لنفس الفتى مما تحب نصيب
وقال للوليد بن عبد الملك حين أخذ إبراهيم ومحمداً ابني هشام: من الطويل
عليك أمير المؤمنين بشدةٍ ... على ابني هشام إن ذاك هو العدل
تبيح بها أموالهم ودماءهم ... ويبقى عليهم بعد ذلكم نصل
عبد الله بن عطية بن عبد الله بن حبيب
أبو محمد المفسر المقرئ المعدل روى عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا بسنده عن العرباض سارية قال: قام فينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة وجفت منها قلوبنا، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، وعظتنا موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: " عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، وسيرى من بقي منكم بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والمحدثات؛ فإن لكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ".
أنشد أبو محمد عبد الله بن عطية لنفسه: من الكامل
احذر مودة مارقٍ ... مزج المرارة بالحلاوه(13/141)
يحصي الذنوب عليك أي ... ام الصداقة للعداوه
وله:
كنت الضنين بمن فجعت به ... فسلوت حين تقادم الدهر
ولخير حظك في المصيبة أن ... يلقاك عند نزولها الصبر
ومن إنشاده: من الكامل
يا دهر أين الخيرون ذوو الندى ... أغفوا؟ فنحييهم بطيب ثنائهم
والمنعمون إذا عدا دهر على ... إخوانهم بالفضل من نعمائهم
والدافعون الضيم عن جيرانهم ... والبادرون سواهم بعطائهم؟
فأجابني: لم يبق منهم غير ما ... حفظت بطون الكتب من أنبائهم
توفي أبو محمد عبد الله بن عطية بن عبد الله بن حبيب المعدل المفسر يوم الاثنين لأربع وعشرين ليلة خلت من شوال سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة.
وكان يقال: إنه يحفظ خمسين ألف بيت شعرٍ في الاستشهاد على معاني القرآن وغيره. وكان ثقة.
عبد الله بن أبي أوفى
واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أسيد بن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن ابن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس الخزاعي الأسلمي، أبو معاوية
صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخزاعة هم: بنو عمرو بن عامر، سموا بذلك لأنهم انخزعوا عن قومهم، وعبد الله بن أبي أوفى سكن الكوفة، وكان ممن بايع تحت الشجرة وكان قدم على أبي عبيدة وهو محاصر دمشق بكتاب عمر بن الخطاب.(13/142)
عن عبد الله بن أبي أوفى: أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إني لا أقرأ من القرآن، فهل شيء غيره يجزيني من قراءة القرآن؟ قال: " تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله " قال: فقبضهن خمساً، قال: فقال الرجل: هذا لله، فما أقول لنفسي؟ قال: " تقول: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني " فقبضهن خمساً، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ملأ يديه من الخير ".
وقال عبد الله بن أبي أوفى: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه قوم بصدقةٍ قال: " اللهم صل عليهم - وفي رواية: اللهم صل على آل فلان " - فأتاه أبي بصدقة قومه - وفي رواية: بصدقته - فقال: " اللهم صل على آل أبي أوفى ".
عن أبي يعفور قال: أتينا عبد الله بن أبي أوفى نسأله عن الجراد، فقال: غزوت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات نأكل الجراد.
وقال: اعتمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واعتمرنا معه، فطاف بالبيت، وطفنا معه، وسعى بين الصفا والمروة، وسعينا معه، نستره من حجارة المشركين التي ترمى.
قال إسماعيل: فرأيت بذراع ابن أبي أوفى جرحاً، فقلت: متى أصابك هذا؟ قال: يوم حُنَين، فقلت: أوقد شهدته مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وقبله.
قال محمد بن عمر: لم يزل عبد الله بن أبي أوفى بالمدينة حتى قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتحول إلى الكوفة، فنزلها حيث نزلها المسلمون، وابتنى بها داراً في أسلم، وكان قد ذهب بصره.
قال سعيد بن جمهان: كنا نقاتل الخوارج، وفينا عبد الله بن أبي أوفى، وقد لحق غلامه الخوارج، وهم من(13/143)
ذلك الشط، ونحن من ذلك الشط، فناديناه: أبا فيروز، ويحك، هذا مولاك عبد الله بن أبي أوفى، قال: نِعْم الرجل هو لو هاجر، قال: ما يقول عدو الله؟ قال: قلنا: يقول: نعم الرجل لو هاجر، قال: أهجرة بعد هجرتي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " طوبى لمن قتلهم وقتلوه ".
قال عبد الله بن أبي أوفى: كنا يوم الشجرة ألفاً وثلاثمائة.
قال محمد بن عمر: أول غزوة غزاها عبد الله بن أبي أوفى: الفتح، ثم حنين، ثم الطائف، ثم تبوك.
وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكوفة، مات في سنة ست وثمانين.
قال البخاري: ومات عبد الله بن أبي أوفى سنة سبع - أو ثمان - وثمانين، وكنيته أبو إبراهيم الأسلمي.
وقيل: كنيته أبو هاشم.
عبد الله بن علي بن أحمد
ويقال: ابن علي بن هلال أبو القاسم البغدادي الخلال المالكي الدقاق قدم دمشق في رجب سنة أربع وعشرين وأربعمائة.
روى عن محمد بن عبد الله بن أخي ميمي بسنده عن عائشة قالت: طاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع حول الكعبة على بعيرٍ يستلم الركن بمحجنٍ كراهية أن يصرف عنه الناس.(13/144)
عبد الله بن علي بن أحمد بن علي بن الحسن بن عبد الله
أبو القاسم الأنصاري روى عنه الحافظ ابن عساكر بسنده عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أحب الأنصار فقد أحب الله ورسوله، ومن أبغض الأنصار فقد أبغض الله ورسوله، ما يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق ".
مات أبو القاسم الأنصاري سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.
عبد الله بن علي بن سعيد
أبو محمد القصري الشافعي قال الحافظ ابن عساكر: سمعت درسه، وقرأت عليه بعض غريب الحديث لأبي عبد الله بن نبهان.
وروى من طريقه عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا.
توفي أبو محمد القصري سنة أربعين وخمسمائة بحلب.
عبد الله بن علي بن عبد الله
ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي
عم السفاح والمنصور، وهو الذي افتتح دمشق، وهدم سورها، وتولى قتال(13/145)
مروان بن محمد، وقتل من قتل من بني أمية بنهر أبي فطرس من أرض الرملة، وكان السفاح جعله ولي عهده حين وجهه إلى مروان، فلما بلغه موت السفاح دعا إلى نفسه، فبايعه أهل الشام بالخلافة، فوجه إليه المنصور أبا مسلم الخراساني، فهزمه.
روى عن أخويه وأبيه علي بن عبد الله بن عباس: أن عبد الله بن عباس توفي بالطائف، فصلى عليه محمد بن الحنفية، فكبر عليه أربعاً، وقال: لولا أني سمعته يقول: إن السنة أربع لكبرت عليه سبعاً.
وقال: لما أدرج عبد الله بن عباس في أكفانه، وأدخل حفرته خرج من أكفانه طير أبيض، وسمعوا صوتاً وهو يقول: " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضيةً، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ".
ووهم ابن عساكر الحديث من هذا الطريق وذكره من طريق آخر.
قال يحيى بن حمزة: أول رجل رأيته يلبس السواد عبد الله بن علي، رأيته في باب كيسان عليه قميص أسود، وعمامة سوداء متقلداً سيفاً أسود، والنساء والصبيان يحضرون ينظرون إليه ويقولون: أميرنا عليه ثياب سواد، فسمعت رجلاً ممن كان يتولى بني أمية قال: صليت خلف عبد الله بن علي في مسجد الجامع يوم الجمعة، وكان إلى جنبي شيخ من مشايخ أهل الشام؛ فقال الشيخ: الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ما أوحش وجهك، وأشد سواد لباسك! فقلت: إن الرجل لما رأى السواد استقطعه.
ذكر إبراهيم بن عيسى بن منصور: أن عبد الله بن علي ولد في سنة ثلاث ومائة، وسقط عليه البيت في سنة ثمان وأربعين ومائة.(13/146)
ومن طريق الخطيب: أول من دفن في مقابر باب الشام عبد الله بن علي سنة سبعٍ وأربعين ومائة وهو ابن اثنتين وخمسين سنةً.
وقال المرزباني: ولد في آخر سنة اثنتين ومائة، ومات في حبس المنصور في سنة سبع وأربعين ومائة، وهو القائل لما قتل من بني أمية من قتل بالشام: مجزوء الكامل
الظلم يصرع أهله ... والظلم مرتعه وخيم
ولقد يكون لك البعي ... د أخاً ويقطعك الحميم
وله أيضاً: من البسيط
بني أمية قد أفنيت آخركم ... فكيف لي منكم بالأول الماضي
يطيب النفس أن النار تجمعكم ... عوضتم بلظاها شر معتاض
منيتم، لا أقال الله عثرتكم ... بليث غاب، إلى الأعداء نهاض
إن كان غيظي لفوتٍ منكم فلقد ... رضيت منكم بما رضي به راض
قال الخطيب: سار عبد الله إلى مروان حتى قتله، واستولى على بلاد الشام، ولم يزل أميراً عليها مدة خلافة السفاح، فلما ولي المنصور خالف عليه، ودعا إلى نفسه، فوجه إليه المنصور أبا مسلم صاحب الدولة، فحاربه بنَصِيبين فانهزم عبد الله بن علي، واختفى، وصار إلى البصرة، فأشخصه سليمان بن علي والي البصرة إلى بغداد، فحبسه أبو جعفر المنصور، ولم يزل في حبسه ببغداد حتى وقع عليه البيت الذي حبس فيه، فقتله.
ودخل عبد الله بن علي على هشام بن عبد الملك، فأدنى مجلسه حتى أقعده معه، وأكرم لقاءه، وأظهر بره، ثم قال: ما أقدمك؟ فذكر له حاجته، وما أصابه من خلة الزمان، فخرج بني لهشام ابن عبد الملك صغير معه قوس ونشاب، وهو يلعب كما يلعب الصبيان، فجعل الصبي يأخذ السهم فيرمي به عبد الله بن علي، حتى فعل ذلك مرات، وعبد الله بن علي ينظر إليه، ثم قام عبد الله، فخرج، فقال مسلمة بن عبد الملك:(13/147)
يا أمير المؤمنين، أما رأيت ما صنع الصبي؟ والله لا يكون قتله، وقتل رجال أهل بيته إلا على يديه! فما مضت الأيام والليالي حتى ورد عبد الله والياً على الشام من قبل أبي العباس، فقتل ثلاثة وثمانين رجلاً من بني أمية، فأتي بالصبي فيمن أتي به، فقال: أنت صاحب القوس! فقُدّم، فضربت عنقه.
قال محمد بن عائذ:
فلما كان سنة ست وثلاثين ومائة أغزى أبو العباس جماعة من أهل الشام والجزيرة والموصل كما كانوا يغزون، وأغزى جماعة من أهل خراسان، وأهل العراقين، وولى على جماعتهم عبد الله بن علي، وأمره بالإدراب وتوفي أبو العباس، فرأوا كتمان عبد الله بن علي ذلك ليتم إدرابه، وكتبوا إلى صالح بن علي وهو بمصر بولايته على عمله الأول، وعلى ما كان يليه عبد الله بن علي من الشام، ويأمرونه بالمسير إلى ذلك فمر الرسول بذلك إلى صالح بن علي بقربة له بحلب فباح به إليه، واستكتمه إياه يوماً وليلة، ومضى الرسول: فأخبر بذلك المستكتم عامل عبد الله بن علي على حلب، فأخذ الكتاب، فبعث به إلى عبد الله وهو بدُلوك، فقرأه فجمع إليه الناس، ودعا إلى نفسه، واستشهد حميد بن قحطبة وأصحاباً له أن أبا العباس قد كان جعل له العهد في مسيره إلى مروان إن هو هزمه، فشهدوا له بذلك، فبايعوه بالخلافة، وانصرف عن الإدراب، ومضى يريد العراق، فوجه إليه أبو جعفر أبا مسلم في نحوٍ من أربعين ألفاً، فقاتل عبد الله بن علي فاتحة سبع وثلاثين ومائة حتى هزمه الله.
قال العجلي: كان عيسى بن موسى لا يقطع أمراً عن ابن شُبرمة، فبعث أبو جعفر إلى عيسى بن موسى عبد الله بن علي، وأمره أن يحبسه، ثم كتب إليه أن يقتله، فبعث عيسى بن موسى إلى ابن شبرمة، فقال: إن أبا جعفر بعث إلي بعمه، وأمرني أن أحبسه، وكتب إلي أن أقتله، فقال له ابن شبرمة: لم يرد غيرك! وكان عيسى بن موسى ولي العهد بعد أبي جعفر، فقال له ابن شبرمة: احبسه واكتب إليه: إني قد قتلته، فقال أبو جعفر - وقد علم بالأمر - قتلني الله إن لم أقتل الأعرابي، عيسى بن موسى لا يعرف هذا! فما زال ابن(13/148)
شبرمة مختفياً حتى مات؛ وسيره عيسى بن موسى إلى خراسان حين خشي عليه، وإنما أراد أن لو قتل عبد الله بن علي فيقتله به، فيكون قد قتلهما جميعاً.
عبد الله بن علي بن عبد الله
أبو الحسين الصيداوي الوكيل المعروف بابن المخ روى عن أبي الحسن بن جميع بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ".
قال الأمير: وأما المُخ - بضم الميم وبالخاء المعجمة - فهو شيخ سمعنا منه بصيدا من ثغور الشام.
قال غيث بن علي: سألته عن مولده، فقال: في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة.
عبد الله بن علي بن عبد الرحمن
ويقال عبد الله بن أبي العجائز أبو محمد الأزدي روى عن سلم بن معاذ بسنده عن أبي هريرة: عن هذه الآية: " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "، قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة.
وروى عن أبي بكر الخرائطي بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من آتاه الله وجهاً حسناً، وخلقاً حسناً، وجعله في موضع غير شائن له فهو من صفوة الله من خلقه ".(13/149)
قال ابن عباس: قال الشاعر: من الخفيف
أنت شرط النبي إذ قال يوماً ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه
وفي رواية - أنت وصف - بدل: شرط.
عبد الله بن علي بن عياض
ابن أحمد بن أيوب بن أبي عقيل أبو محمد بن أبي الحسن الصوري القاضي، عين الدولة روى عن محمد بن أحمد بن جميع بسنده عن أنس بن مالك قال: كان لأبي طلحة ابن يكنى أبا عُمير، فكان له نُغَير يلعب به، فمات النغير، فحزن عليه، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل على أم سليم قال: " يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ ".
قال حمزة بن محمد الصوفي:
خرجت أنا ووالدي ورجل يعرف بأبي حاتم الصوفي إلى الخربة، فبينا نحن كذلك إذ عثر بنا القاضي أبو محمد راكباً وأحد أولاده معه، فسلما عليه، فلما ولى قال أبو حاتم: يا مولاي، تقول: " نحن قسمنا بينهم " ما هذه القسمة؟! هذا رجل شيخ وأنا كذلك، وله ولد، ولي ولد، وهو غني وولده جميل، وأنا فقير وولدي خالفة، قال: والقاضي يسمع ذلك، فلم يتكلم، ومضى، فلما عاد قال: إذا كان غداً ائتني يا شيخ، قال: ففرقنا من ذلك، وصعب علينا، وخفناه فلما أصبح أنفذ رسولاً استدعى والدي؛ فلما دخلا عليه أخرج لأبي حاتم ثوبين وعمامتين وخمسة دنانير، فدفعها(13/150)
إليه، وكتب له رقعةً إلى الوكيل بجرة عسل، وجرة زيتٍ، وحنطة، وسكر، ثم قال: رضيت يا شيخ؟ قال: لا والله يا سيدي، ما هذه قسمة، قال: كلما فرغ عرفني به حتى أجدده لك، رضيت الآن؟ قال: أمّا إذا كان الأمر هكذا فنعم.
توفي القاضي عين الدولة أبو محمد سنة خمسين وأربعمائة.
عبد الله بن علي بن محمد بن يحيى
أبو نصر بن أبي الحسن السراج الصوفي الطوسي روى عن أبي العباس أحمد بن محمد البرذعي بسنده عن يحيى بن معاذ الرازي قال: حقيقة المودة هي التي لا تزيد بالبر، ولا تنقص بالجفاء.
مات أبو نصر سنة ثمانٍ وسبعين وثلاثمائة.
عبد الله بن عمران
ويقال: ابن محمد بن عمران بن موسى أبو محمد البغدادي بالنجار، الفقيه الحافظ قدم دمشق سنة تسعٍ وتسعين ومائتين.
روى عن عباس بن الحسين، قاضي الري، بسنده إلى أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ستر ما بين أعين الجن وبين عورات بني آدم إذا وضع الرجل ثوبه أن يقول: بسم الله ".
وروى عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده إلى جابر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باع مُدَبَّراً.(13/151)
عبد الله بن عمر بن أيوب
ابن المعمر بن قعنب بن يزيد بن كثير بن مرة بن مالك والد أبي نصر بن الجبان روى عن محمد بن خريم بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ".
روى عنه ابنه أبو نصر: أن الناس بدمشق في سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة نهبوا دار أبي الحسين بن مكلاح النصراني الكاتب، وبسببه أحرقت كنيسة مريم لقصة كانت له، وطلب الناس قتله فهرب وكتب على داره: من الوافر
ونفسك فز بها إن خفت ضيماً ... وخل الدار تبكي من بكاها
فإنك واجد داراً بدارٍ ... ولست بواجدٍ نفساً سواها
عبد الله بن عمر بن الخطاب
ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح أبو عبد الرحمن القرشي العدوي من المهاجرين، شهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخندق وما بعده من المشاهد، وشهد غزوة مؤتة مع زيد وجعفر، وشهد يوم اليرموك.
عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين - زاد في رواية: في بيته - وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته.(13/152)
عن ابن عمر قال: بينا الناس في مسجد قباء، في صلاة الصبح إذ جاء رجل فقال: أنزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرآن، فأمر أن يتحول إلى الكعبة، فقال: هكذا يوصف أنهم استداروا إلى القبلة.
عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية، قال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقامي، فسلم، فقال: " استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى إن الرجل يبتدئ بالشهادة قبل أن يُسألها، وباليمين قبل أن يُسألها، فمن أراد بحبحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون أحدكم بامرأةٍ، فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن ".
عن ابن عمر قال: أَصَبنا يوم اليرموك طعاماً وعلفاً فلم يقسم.
قال الزبير بن بكار:
فمن ولد عمر بن الخطاب: عبد الله بن عمر، استُصغر يوم أحد، وشهد الخندق مع رسول الله، وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وهو ابن عشر سنين، وبقي حتى مات سنة ثلاثٍ وسبعين، وأخته لأبيه وأمه حفصة بنت عمر، زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الرحمن الأكبر؛ وأمهم: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، كانت من المهاجرات وكان عبد الله بن عمر يتوجه في السرايا على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان إسلام عبد الله بمكة مع إسلام أبيه، ولم يكن بلغ يومئذٍ، وكان ربعةً يخضب بالصفرة، وتوفي بمكة، ودفن بذي طوى، ويقال: دفن بفخ مقبرة المهاجرين، وكان لابن عمر مَقْدَم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة إحدى عشر سنةً.(13/153)
قال أبو نعيم الحافظ: خال المؤمنين، من أملك شباب قريش عن الدنيا، كان آدم طالاً، له جمة مفروقة تضرب قريباً من منكبيه، يقص شاربه، ويصفر لحيته ويشمر إزاره، أعطي القوة في العبادة، وفي الجماع، كان من التمسك بآثار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسبيل المبين، وأعطي المعرفة بالآخرة، والإيثار لها، لم تغيره الدنيا، ولم تفتنه كان من البكّائين الخاشعين، وعدّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصالحين، نقش خاتمه عبد الله لله، أصاب رجله زج رمحٍ، فورمت رجلاه، فتوفي منها بمكة سنة أربع - وقيل: سنة ثلاث - وسبعين، ودفن بالمُحصِّب، وقيل: بذي طوى، وقيل: بفخ، وقيل: بسرف، مات وهو ابن ست وثمانين.
قال الخطيب: خرج إلى العراق، فشهد يوم القادسية، ويوم جلولاء، وما بينهما من وقائع الفرس، وورد المدائن غير مرة.
عن الحارث بن جزء الزبيدي قال: توفي صاحب لي، فكنا على قبره أنا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكان اسمي العاص، واسم ابن عمر العاص، واسم ابن عمرو العاص، فقال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انزلوا واقبروه، وأنتم عبيد الله " قال: فنزلنا فقبرنا أخانا، وصعدنا من القبر وقد بدلت أسماؤنا.
قال أبو إسحاق: رأيت ابن عمر رجلاً آدم جسيماً ضخماً في إزارٍ إلى نصف الساقين.
قال ابن عمر: إنما جاءتنا الأُدمة من قبل أخوالي، والخال أنزع شيءٍ، وجاءني البُضْع من(13/154)
أخوالي؛ فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي، رحمه الله؛ كان أبي أبيض، لا يتزوج النساء شهوةً إلا لطلب الولد - وفي رواية: لشهوة.
وقال: عُرضْتُ على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ وأنا ابن ثلاث عشرة فردني، ثم عرضت عليه يوم أحدٍ، وأنا ابن أربع عشرة فردني، ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشر فأجازني.
قال يزيد بن هارون: وهو في الخندق ينبغي أن يكون ابن ست عشرة سنةً؛ لأن بين أحدٍ والخندق بدراً الصغرى.
عن البراء قال: عرضت أنا وابن عمر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ، فاستصغرنا، وشهدنا أحداً.
قال ابن عمر: شهدت الفتح وأنا ابن عشرين سنةً.
وكان ابن عمر يوم مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن اثنتين وعشرين سنةً.
عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطنٍ، وجبة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن مقرن المزني قائماً على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه، والناس يبايعونه.
عن ابن عمر قال: كان الرجل في حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنت غلاماً عزباً شاباً، وكنت أنام في(13/155)
المسجد على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فرأيت في المنام كأن ملكين أتياني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، فإذا لها قرنان كقرني - وفي رواية: قرن كقرن - البئر، قال: فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك، فقال: لن تراع، قال: فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل " قال: فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وفي رواية أخرى قال:
رأيت في المنام كأن في يدي سَرَقَةً من حرير، فما أهوي بها إلى مكانٍ من الجنة إلا طارت بي إليه، فقصصتها على حفصة، فقصَّتها على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن أخاكِ رجل صالح، أو قال: إن عبد الله رجل صالح ".
وفي رواية أخرى قال: رأيت في المنام كأن بيدي قطعة إستبرق، ولا أشير بها إلى مكانٍ من الجنة إلا طارت بي إليه.
قال ابن عمر: كنت شاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حائط نخلٍ، فاستأذن أبو بكرٍ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائذنوا له، وبشروه بالجنة " ثم استأذن عمر، فقال: " ائذنوا له، وبشروه بالجنة " ثم استأذن عثمان، فقال: " ائذنوا له وبشروه بالجنة على بلوى تصيبه " قال: فدخل يبكي ويضحك.
قال عبد الله: فأنا يا نبي الله، قال: " أنت مع أبيك ".(13/156)
عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كتب المهاجرين على خمسة آلاف، والأنصار على أربعة آلاف، ومن لم يشهد بدراً من أبناء المهاجرين على أربعة آلاف؛ وكان منهم: عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسدي المخزومي، وأسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش الأسدي، وعبد الله بن عمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: إن ابن عمر ليس من هؤلاء؛ إنه وإنه! فقال ابن عمر: إن كان لي حق فأعطنيه، وإلا فلا تعطني، فقال عمر لابن عوف: اكتبه على خمسة آلاف، واكتبني على أربعة آلاف، فقال عبد الله: لا أريد هذا، فقال عمر: والله لا أجتمع أنا وأنت على خمسة آلاف!.
قال عبد الله بن عمر: كساني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلة من حلل السير أهداها له فيروز، فلبست الإزار، فأغرقني طولاً وعرضاً، فسجبته، ولبست الرداء، فتقنعت به، وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعاتقي، فقال: " يا عبد الله بن عمر، ارفع الإزار، فإن ما مست الأرض من الإزار إلى ما أسفل من الكعبين في النار "، فلم يُرَ أشد تشميراً من عبد الله بن عمر.
قال حذيفة: ما منا أحد يفتش إلا فُتّش عن جانفةٍ أو مثقلةٍ إلا عمر وابنه.
قال جابر بن عبد الله: من سره أن ينظر إلى أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين مضوا قبله وبعده، ولم يغيروا، ولم يبدلوا فلينظر إلى هذا - يعني عبد الله بن عمر - وفي رواية: ما أحد منا أدرك الدنيا إلا مالت به، ومال بها إلا ابن عمر.
قالت عائشة: ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من عبد الله بن عمر.(13/157)
وقالت عائشة لابن عمر: ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلاً قد استولى على أمرك، وظننت أنك لن تخالفيه - يعني ابن الزبير - قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت، قال: وكانت تقول: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فإذا مر قيل لها: هذا ابن عمر، فلا تزال تنظر إليه.
عن السدي قال: رأيت نفراً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وابن عمر، كانوا يرون أنه ليس أحد منهم على الحال التي فارق عليها محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عبد الله بن عمر.
قال أبو سلمة: مات ابن عمر، وهو مثل عمر في الفضل.
وقال: إن عمر كان في زمَانٍ له فيه نظراء، وإن ابن عمر كان في زمان ليس له فيه نظير.
وقال سعيد بن المسيب: لو شهدت لأحدٍ أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر.
وسئل عن العلم يكون في العمامة، فقال: كان عبد الله بن عمر يكرهه، وسئل عن الحرير، فقال: كان ابن عمر يوم مات خير من بقي، وكان يقول: إنه ثياب من لا خلاق له، وقال: مات ابن عمر يوم مات وما في الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منه، وسئل عن صوم يوم عرفة فقال: كان ابن عمر لا يصومه، قلت له: فغيره؟ قال: حسبك به شيخاً.
عن سالم قال: كان عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر لا يُعرف فيهما البِرُّ حتى يقولا أو يفعلا - يعني أنهما لم يكونا مؤنثين ولا متماوتين.(13/158)
قال طاوس: ما رأيت رجلاً أورغ من ابن عمر.
قال بعض الخلفاء لمالك - يظن أنه هارون -: يا أبا عبد الله، ما لكم أقبلتم على عبد الله بن عمر، وتركتم ابن عباس؟ قال: لا على أمير المؤمنين ألا يسأل عن هذا، قال: فإن أمير المؤمنين يريد أن يعلم ذلك، قال: كان أورع الرجلين.
كان يقال: ما رجل أضل بعيره بأرض فلاةٍ؛ فهو في طلبه بأتبع له من عبد الله بن عمر لعمر.
عن القاسم بن محمد قال: كان ابن عمر قد أتعب أصحابه، فكيف من بعدهم؟! عن ابن عمر قال:
ما وضعت لبنةً على لبنةٍ ولا غرست نخلةً منذ توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي جعفر قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً أجدر ألا يزيد فيه، ولا ينقص منه، ولا، ولا، من عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وعن نافع: أن ابن عمر كان يتبع آثار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل مكان صلى فيه، حتى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل تحت شجرةٍ، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو تركنا هذا الباب للنساء " فلم يدخل فيه ابن عمر حتى مات.
قال الزبير بن بكار: كان عبد الله بن عمر يتحفظ ما سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويسأل إذا لم يحضر من حضر عما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو فعل، وكان يتبع آثار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل مسجد صلى فيه، وكان يعترض براحلته في كل طريق مر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقال له في(13/159)
ذلك، فيقول: إني أتحرى أن تقع أخفاف راحلتي على بعض أخفاف راحلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد شهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع، فوقف معه بالموقف بعرفة، فكان يقف في ذلك الموقف كلما حج، وكان كثير الحج، حج عام قتل ابن الزبير مع الحجاج، وكان عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج بن يوسف يأمره ألا يخالف ابن عمر في الحج، فأتى ابن عمر حين زالت الشمس يوم عرفة، ومعه ابنه سالم، فصاح به عند سرادقه: الرواح، فخرج عليه الحجاج في معصفرةٍ، فقال: هذه الساعة؟ قال: نعم، قال: فأمهلني أصب علي ماءً، فدخل ثم خرج، قال سالم: فسار بيني وبين أبي، فقلت له: إن كنت تحب أن تصيب السنة فعجل الصلاة، وأوجز الخطبة، فنظر إلى عبد الله ليسمع ذلك منه، فقال عبد الله: صدق، ثم انطلق حتى وقف في موقفه الذي كان يقف فيه، فكان ذلك الموقف بين يدي الحجاج، فأمر من نخس به حتى نفرت به ناقته فسكنها ابن عمر حتى سكنت، ثم ردها إلى ذلك الموقف، فوقف فيه، فأمر الحجاج أيضاً بناقته، فنخست، فنفرت بابن عمر، فسكّنها ابن عمر حتى سكنت، ثم ردها إلى ذلك الموقف، فثقل على الحجاج أمره، فأمر رجلاً معه حربة، يقال إنها كانت مسمومة، فلما دفع الناس من عرفة لصق به ذلك الرجل، فأَمَرَّ الحربة على قدمه، وهي في غرز رحله، فمرض منها أياماً، ثم مات بمكة، فدفن بها وصلى عليه الحجاج.
عن الشعبي قال: صحبت ابن عمر سنة، ما رأيته يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا حديثاً واحداً.
وفي رواية: جالست ابن عمر قريباً من سنتين، فما سمعته يحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيءٍ، غير أنه قال يوماً: كان ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكلون ضباً فيهم سعد بن مالك، فنادتهم امرأة من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه ضب، فأمسكوا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا فإنه حلال، ولا بأس به، ولكنه ليس من طعام قومي ".
وعن زيد بن عبد الله بن عمر: ما ذكر ابن عمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بكى، وما مر على ربعهم إلا غمض عينيه.(13/160)
عن يوسف بن ماهك قال: رأيت ابن عمر وهو عند عبيد بن عمير، وعمير يقص، فرأيت ابن عمر عيناه تُهراقان دمعاً.
وعن عبيد بن عمير: أنه قرأ: " فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ " حتى ختم الآية، فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه، قال الذي كان إلى جنب ابن عمر: لقد أردت أن أقوم إلى عبيد بن عمير، فأقول له: أقصر عليك، فإنك قد آذيت هذا الشيخ!.
عن نافعٍ قال: وكان ابن عمر إذا قرأ هذه الآية: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " بكى حتى يغلبه البكاء.
عن القاسم بن أبي بزة، حدثني من سمع ابن عمر قرأ: " ويل للمطففين " فلما بلغ " يوم يقوم الناس لرب العالمين " بكى حتى خر، وامتنع من قراءة ما بعده.
عن ابن أبي مليكة قال: مر رجل على عبد الله بن عمر وهو ساجد في الحجر، وهو يبكي، فقال: أتعجب أن أبكي من خشية الله وهذا القمر يبكي من خشية الله! ونظر إلى القمر حين شفَّ أن يغيب.(13/161)
قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: لا يطيقونه، الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما.
وعن نافع:
أن ابن عمر كان يحيي الليل، ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول: لا، فيعاود الصلاة، فإذا قلت: نعم قعد يستغفر الله، ويدعو حتى يصبح.
وكان ابن عمر إذا فاتته صلاةً في جماعة صلى إلى الصلاة الأخرى، فإذا فاتته العصر سبَّح إلى المغرب، ولقد فاتته صلاة عشاء الآخرة في جماعة فصلى حتى طلع الفجر.
قال: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر؛ إلا أن يمرض، أو أيام يَقْدَم؛ فإنه كان رجلاً كريماً يحب أن يؤكل عنده، قال: وكان يقول: ولأن أفطر في السفر، وآخذ برخصة الله أحب إلي من أن أصوم.
وعن سالم قال: ما لعن ابن عمر خادماً قط إلا مرة فأعتقه.
وعن نافع: أن عبد الله بن عمر كانت له جارية، فلما اشتد عجبه بها أعتقها وزوجها مولى له، فولدت غلاماً؛ فلقد رأيت عبد الله بن عمر يأخذ ذلك الصبي، فيقبِّله، ثم يقول: واهاً لريح فلانة - يعني الجارية التي أعتق.
قال زيد بن أسلم: مر عبد الله بن عمر براعٍ، فقال: يا راعي الغنم، هل من جزرةٍ؟ قال الراعي: ليس ها هنا ربها، فقال له ابن عمر: تقول إنه أكلها الذئب، قال: فرفع الراعي رأسه إلى السماء، ثم قال: فأين الله؟ قال ابن عمر: فأنا والله أحق أن أقول: فأين الله! فاشترى ابن عمر الراعي، واشترى الغنم، فأعتقه، وأعطاه الغنم.(13/162)
عن نافع قال: خرج ابن عمر في بعض نواحي المدينة، ومعه أصحاب له، فوضعوا له سفرة له، فمر بهم راعي غنمٍ، قال: فسلم، فقال له ابن عمر: هلم يا راعي، هلم فأصب من هذه السُّفرة، فقال له: إني صائم، فقال له ابن عمر: أتصوم في مثل هذا اليوم الحار الشديد سمومه، وأنت في هذه الحال ترعى هذه الغنم؟ فقال له: إني والله أبادر أيامي هذه الخالية، فقال له ابن عمر وهو يريد يختبر ورعه: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها ونعطيك من لحمها، فتفطر عليه - وساق الخبر.
وقال: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيءٍ من ماله قربه لربه عز وجل وكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمر أحدهم، ولزم المسجد، إذا رآه ابن عمر على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن، والله ما بهم إلا أن يخدعوك! فيقول ابن عمر: فمن خدعنا بالله انخدعنا له.
قال ميمون بن مهران: مر أصحاب نجدة الحروري على إبلٍ لعبد الله بن عمر، فاستاقوها، فجاء راعيها، فقال: يا أبا عبد الرحمن، احتسب الإبل، قال: ما لها؟ قال: مر بها أصحاب نجدة، فذهبوا بها، قال: كيف ذهبوا بالإبل وتركوك؟ قال: قد كانوا ذهبوا بي معها، لكني انفلت منهم، فما حملك على أن تركتهم وجئتني؟ قال: أنت أحب إلي منهم، قال: الله الذي لا إله إلا هو لأنا أحب إليك منهم؟ قال: فحلف له، قال: فإني أحتسبك معها؛ فأعتقه، فمكث ما مكث، ثم أتاه آتٍ، فقال: هل لك في ناقتك الفلانية؟ - سماها باسمها - ها هي بالسوق تباع، قال: أرني ردائي، فلما وضعه على منكبه وقام جلس، فوضع رداءه، ثم قال: كنت احتسبتها، فلِمَ أطلبها؟ وكاتب غلاماً له، ونجّمها عليه نجوماً، فلما حل أول النجم أتاه المكاتب به، فسأله ابن عمر: من أين أصبت هذا؟ قال: كنت أعمل وأسأل، قال: فجئتني بأوساخ الناس تريد أن تطعمنيها؟! أنت حر، ولك ما جئت به.(13/163)
عن زاذان قال: كنت عند ابن عمر، فدعا غلاماً له، فأعتقه، ثم قال: ما لي فيه من أجرٍ ما يسوى هذا، أو يزن هذا - وتناول شيئاً من الأرض - سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ضرب عبداً له حداً لم يأته، أو ظلمه - أو لطمه، شك الراوي - فإن كفارته أن يعتقه ".
عن محمد العمري قال: أعطى عبد الله بن جعفر عبد الله بن عمر بنافعٍ عشرة آلاف درهم إلى ألف دينار، فدخل عبد الله على صفية امرأته، فقال: إنه أعطاني ابن جعفر بنافع عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار، فقالت: يا أبا عبد الرحمن، فما تنتظرنّ؟! تبيع! قال: فهلا ما هو خير من ذلك؛ هو حر لوجه الله تعالى، قال: فكان يخيل إلي أن ابن عمر كان ينوي قول الله عز وجل " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ".
وروى سالم أنه لم يسمع عبد الله يلعن خادماً له قط، غير مرة واحدة غضب فيها على بعض خدمه، فقال له: لعنة الله عليك، كلمة لم أكن أحب أن أقولها.
عن نافع قال:
أُتي ابن عمر ببضعةٍ وعشرين ألفاً، فما قام من مجلسه حتى أعطاها، وزاد عليها، ولم يزل يعطي حتى أنفد ما كان عنده، فجاءه بعض من كان يعطيه، فاستقرض من بعض من كان أعطاه، فأعطاه.
وقال: عن ابن عمر أنه ربما تصدق في الشهر بثلاثين ألف درهم، وما يأكل فيه أكلة لحم، واشترى سمكة طرية بدرهم ونصف، فأتاه سائل، فتصدق بها عليها، وقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أيما امرئٍ اشتهى شهوةً، فرد شهوته، وآثر على نفسه غفر الله له ".(13/164)
واشتكى ابن عمر فاشتهى العنب في غير زمانه، فطلبوه، فلم يجدوه له إلا عند رجلٍ سبع حباتٍ بدرهم، فأُشتري له، فجاء سائل، فأمر له به، ولم يذقه.
عن أبي بكر بن حفص قال: كان ابن عمر لا يحبس عن طعامه بين مكة والمدينة مجذوماً، ولا أبرص، ولا مبتلى حتى يقعدوا معه على مائدته؛ فبينما هو يوماً قاعداً على مائدته أقبل موليان من موالي أهل المدينة، فسلما، فرحبوا بهما، وحيوهما، وأوسعوا لهما، فضحك عبد الله بن عمر، فأنكر الموليان ضحكه، فقالا: يا أبا عبد الرحمن، ضحكت، أضحك الله سنك، فما الذي أضحكك؟ قال: عجباً من بنيّ هؤلاء، يجيء هؤلاء الذين تدمى أفواههم من الجوع، فيضيقون عليهم، حتى لو أن أحدهم يأخذ مكان اثنين فعل، جئتما أنتما قد أوقرتما الزاد، فأوسعوا لكما، وحيوكما؛ يطعمون طعامهم من لا يريده، ويمنعونه من يريده.
دخل سائل إلى ابن عمر، فقال لابنه: أعطه ديناراً، فأعطاه فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه، فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة، أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت، تدري ممن يتقبل الله؟ إنما يتقبل الله من المتقين.
عن ميمون بن مهران: أن امرأة ابن عمر عوتبت فيه، فقيل لها: ما تلطفين بهذا الشيخ، قالت: وما أصنع به؟ لا نصنع له طعاماً إلا ما دعا عليه من يأكله، فأرسلت إلى قومٍ من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد، فأطعمتهم وقالت: لا تجلسوا بطريقه، ثم جاء إلى بيته فقال: أرسلوا إلى فلان وإلى فلان، وكانت امرأته قد أرسلت إليهم بطعام، وقالت: إن دعاكم فلا تأتوه، فقال: أردتم ألا أتعشى الليلة، فلم يتعش تلك الليلة.(13/165)
عن نافع: أن ابن عمر أُتي بجوارشٍ، فكرهه، وقال: ما شبعت من كذا وكذا.
عن ميمون بن مهران: دخلت منزل عبد الله بن عمر، فما كان فيه ما يسوى طيلساني هذا.
وسئل عبد الله بن دينار: كيف كان طعام ابن عمر؟ قال: كان يطعمنا ثريداً، فإن لم نشبع زادنا آخر، فقيل: كيف كان لباس ابن عمر؟ قال: كان يلبس ثوبين ثمن عشرين درهماً، وكان يلبس ثوبين قطريين ثمن عشرة دراهم.
عن ميمون بن مهران: أن رجلاً من بني عيد الله بن عمر استكساه إزاراً، وقال: تخرق إزاري، فقال له: اقطع إزارك، ثم انكسه، فكره الفتى ذلك، فقال له عبد الله بن عمر: ويحك! اتق الله، ولا تكونن من القوم الذين يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم، وعلى ظهورهم.
كتب عبد العزيز بن مروان إلى ابن عمر قال: ارفع إلي حاجتك، قال: فكتب إليه ابن عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " إن اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول " ولست أسألك شيئاً، ولا أرد رزقاً رزقنيه الله منك.
عن نافع قال: نزل ابن عمر بقومٍ، فلما مضت ثلاثة أيامٍ قال: يا نافع، أنفق علينا من مالنا، لا حاجة لنا أن يُتصدَّق علينا.
وقال: عن ابن عمر أنه كان ليلةً على الصفا، فقال: اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعملني بسنة نبيك، وتوفني على ملته، وأعذني من شر مضلات الفتن.(13/166)
وقال: لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلا انتقص من درجاته عند الله، وإن كان على الله كريماً.
وعن وهب: أن ابن عمر حماراً، فقيل له: لو أمسكته، قال: لقد كان لنا موافقاً ولكنه أذهب شُعبةً من قلبي، فكرهت أن أشغل قلبي بشيء.
عن نافع قال: سمع ابن عمر شيئاً، فضحك، وهو عند قبر ابنه يوم مات، وكان أحب الناس إليه، فقال: إنما نفرح بهم، ونحزن عليهم ما داموا معنا، فإذا انقرضوا، وصاروا إلى الله انقطعوا منا.
ومرض ابن له، فجزع جزعاً شديداً، فلما مات خرج على أصحابه مكتحلاً، مدهناً، فقالوا: لقد أشفقنا عليك يا أبا عبد الرحمن! فقال: إذا وقع القضاء فليس إلا التسليم.
قال خالد بن أسلم مولى عمر:
آذى رجل من قريش عبد الله بن عمر، فأبى عبد الله أن يقول له شيئاً، فجئت، فقلت: أبا عبد الرحمن، بلغني أن فلاناً آذاك، فإما أن تنصر وإما أن ننتصر لك منه، فقال عبد الله: إني وأخي عاصماً لا نُسابُّ الناس.
عن نافع أو غيره: أن رجلاً قال لابن عمر: يا خير الناس، أو ابن خير الناس، فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه.
قال وبرة: أتى رجل ابن عمر، فقال: أيصلح أن أطوف بالبيت وأنا محرم؟ قال: ما يمنعك(13/167)
من ذلك؟ قال: إن فلاناً ينهانا عن ذلك، حتى ترجع الناس من الموقف، ورأيته كأنه مالت به الدنيا أعجب إلينا منه، قال ابن عمر: حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، وسنة الله ورسوله أحق أن تتبع من سنة ابن فلان، إن كنت صادقاً.
قيل لابن عمر: لا يزال الناس بخيرٍ ما أبقاك الله لهم، فغضب ابن عمر وقال: إني لأحسبك عراقياً، وما يدريك علام يغلق عليه ابن أمك بابه - وفي رواية: وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه؟! عن حصين قال: قال ابن عمر: إني لأخرج، وما لي أن أسلم على الناس، ويسلموا عليَّ.
عن أبي بردة عن أبيه قال: صليت إلى جانب ابن عمر، فسمعته حين سجد يقول: اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلي، وخوفك أخوف الأشياء عندي، وسمعته حين سجد يقول: " رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين " وقال: ما صليت صلاة مذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفارةً.
وقال لأبي بردة: علمت أن أبي لقي أباك فقال له: يا أبا موسى، أيسرك أن عملك الذي كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلص لك، لا عليك، ولا لك؟ قال: لا؛ قرأت القرآن، وعلَّمت الناس، قال: قال عمر: ليت أن علمي خلص لي كفافاً لا عليَّ، ولا لي.
قال أبو بردة: إن أباك أفقه من أبي.(13/168)
عن عبد الجبار بن موسى، عن أبيه: أن رجلاً أتى ابن عمر يسأله، فألقى إليه عمامته، فقال له بعض القوم: لو أعطيته درهماً لأجزأه، فقال ابن عمر: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من أبر البِر أن يصل الرجل أهل ود أبيه " وإن هذا كان من أهل ود عمر.
قال نافع: دخلت مع ابن عمر الكعبة وهو يومئذ مُضَيَّق، فسمعته وهو ساجد يتضرع إلى ربه، يقول: يا رب، وقد تعلُم، لولا خوفك لزاحمنا قريشاً على هذه الدنيا.
قال عبد الله بن عمر: ساعة للدنيا، وساعة للآخرة، وبين ذلك؛ اللهم اغفر لنا.
ومكث عبد الله بن عمر على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها.
وقال: لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يرى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنتعلم حلالها وحرامها، وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلَّمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجلاً لا يرى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، وما يدري ما آمره، ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثر نثر الدقل.
قال عمر: ما منكم أحد إلا وأنا أحب أن أقول عليه: إنا لله وإنا إليه راجعون خلا عبد الله؛ فإني أحب أن يبقى ليأخذ به الناس.
وكانوا يرون أن أعلم الناس بالمناسك ابن عفان، وبعده ابن عمر.(13/169)
قال مجاهد: ترك الناس أن يقتدوا بابن عمر وهو شاب، فلما كبُر اقتدوا به.
قال سعيد بن عبد العزيز: كان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام، ثم كان العلماء بعد هؤلاء: زيد، ثم كان بعد زيد بن ثابت: ابن عمر، وابن عباس، وكان بعد هذين سعيد بن المسيب.
قال مسعود بن سليمان: أتينا معاوية بالأبطح مجلساً، فجلس عليه، ومعه ابنه قرظة، فإذا هو بجماعة على رحالٍ لهم، وإذا شاب قد رفع عقيرته يغني: من الرمل
من يساجلني يساجل ماجداً ... أخضر الجلدة في بيت العربْ
فقال: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن جعفر، قال: خلوا له الطريق فليذهب، قال: ثم إذا هو بجماعةٍ فيهم غلام يغني: من الرمل
بينما يذكرنني أبصرنني ... عند قيد الميل يسعى بي الأغرّ
قلن: تعرفن الفتى؟ قلن: نعم ... قد عرفناه، وهل يخفى القمرْ؟
قال: من هذا؟ قالوا: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال: خلوا له الطريق، فليذهب، ثم إذا هو بجماعةٍ، فإذا رجل منهم يُسأل، فقال له: رميت قبل أن أحلق، وحلقت قبل أن أرمي؛ لأشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج: فقال: من هذا؟(13/170)
فقالوا: عبد الله بن عمر، فالتفت إلى ابنة قرظة، فقال: هذا وأبيك الشرف، هذا والله شرف الدنيا والآخرة.
قال مالك بن أنس: لا يعدلن برأي ابن عمر، فإنه أقام بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستين سنةً، فلم يذهب عنه من أمره، ولا من أمور أصحابه شيء.
قال ابن سيرين: قال رجل: اللهم أبقني ما أبقيت ابن عمر أقتدي به، وقال رجل: لقد رأيت هذه الفتنة وما فينا أحد إلا فيه غير عبد الله بن عمر.
عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس يجلسان للناس عند قدوم الحاج، فكنت أجلس إلى هذا يوماً وإلى هذا يوماً، وكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما قال عنه، وكان ابن عمر ما يرد أكثر مما يفتي.
وسأل رجل ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه، ولم يجبه حتى ظن الناس أنه لم يسمع مسألته: قال: فقال له: يرحمك الله، أما سمعت مسألتي؟ قال: بلى، ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا، يرحمك الله، حتى نتفهم في مسألتك، فإن كان لها جواب عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به.
عن عقبة بن مسلم: أن ابن عمر سئل عن شيءٍ فقال: لا أدري، ثم أتبعها فقال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسوراً في جهنم أن تقولوا: أفتانا ابن عمر؟ وعن نافع عن ابن عمر: انه سئل عن أمرٍ فقال: لا أعلمه، ثم قال: نِعْمَ ما قال ابن عمر، سئل عن أمرٍ لا يعلمه، فقال: لا أعلمه.(13/171)
عن الشعبي قال: كان ابن عمر جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه.
عن الليث قال: كتب رجل إلى ابن عمر: اكتب إليّ بالعلم كله، فكتب إليه ابن عمر: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافاً لسانك عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم فافعلِ، والسلام.
عن أبي عبد الرحمن القرشي قال: بعثت أم ولدٍ لعبد الملك بن مروان إلى وكيلٍ لها بالمدينة تستهديه غلاماً وقالت له: يكون على هذه الصفة: عالماً بالسنة، قارئاً لكتاب الله، فصيح اللسان، حسن البيان، عفيف الفرج، كثير الحياء، قليل المراء، قال: فكتب إليها: قد طلبت الغلام الذي استهديتني على ما وصفت، فلم أجد غلاماً بهذه الصفة إلا عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد ساومت به أهله فأبوا أن يبعوه!! عن نافع قال: كنا مع ابن عمر - في سفر -، فقيل: إن السبع في الطريق قد حبس الناس، فاستخف ابن عمر راحلته، فلما بلغ إليه نزل، فعرك أذنه وقعّده، وقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لو أن ابن آدم لم يخف إلا الله لم يسلط عليه غيره، ولو أن ابن آدم لم يرج إلا الله لم يكله إلى سواه ".
عن الشعبي قال:
لقد رأيت عجباً؛ كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم: ليقم(13/172)
كل رجلٍ منكم، فليأخذ بالركن اليماني، ويسأل الله حاجته؛ فإنه يعطى من ساعته. قم يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولودٍ ولد في الهجرة، فقام، فأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك عظيم، ترجى لكل عظيم، أسألك بحرمة وجهك، وحرمة عرشك، وحرمة نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا تميتني من الدنيا حتى توليني الحجاز، ويسلم عليّ بالخلافة، وجاء حتى جلس، فقالوا: قم يا مصعب بن الزبير، فقام حتى أخذ بالركن اليماني، فقال: اللهم إنك رب كل شيءٍ، وإليك يصير كل شيء، أسألك بقدرتك على كل شيء ألا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق، وتزوجني سكينة بنت الحسين، وجاء حتى جلس، فقالوا: قم يا عبد الملك بن مروان، فقام، فأخذ بالركن اليماني، فقال: اللهم رب السموات السبع، ورب الأرضين ذات النبت بعد الفقر، أسألك بما سألك عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحرمة وجهك، وأسألك بحقك على جميع خلقك، وبحق الطائفين حول عرشك ألا تميتني من الدنيا حتى توليني شرق الأرض وغربها، ولا ينازعني أحد إلا أتيت برأسه، ثم جاء حتى جلس، فقالوا: قم يا عبد الله بن عمر، فقام حتى أخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك رحمن رحيم، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ألا تميتني من الدنيا حتى توجب لي الجنة.
قال الشعبي: فما ذهبت عيناي حتى رأيت كل رجلٍ منهم قد أعطي ما سأل.
قال مصعب بن عثمان بن مصعب بن عروة بن الزبير: خطب عروة بن الزبير إلى عبد الله بن عمر ابنته سودة بنت عبد الله، وهو بمكة، فلم يرد عليه شيئاً، فلما قدم المدينة أتاه عروة وهو في المسجد، فسلم عليه، فقال له عبد الله بن عمر: أرأيت ما ذكرت لي بمكة، أهو من شأنك اليوم؟ قال له عروة: نعم، ولقد عجبت من سكاتك عني بمكة! فقال: إني خرجت حاجاً، فكرهت أن أخلط حجي بشيءٍ، فتشهد عبد الله بن عمر، ثم زوجه.
عن عبد الله بن واقد قال: رأيت ابن عمر يفت المسك في الدهن يدَّهِن به.(13/173)
قال زيد بن عبد الله الشيباني: رأيت ابن عمر إذا مشى إلى الصلاة دب دبيباً، لو أن نملة مشت معه قلت: لا يسبقها.
عن مجاهد قال: مررت مع عبد الله بن عمر بخربةٍ، فقال: يا مجاهد، ناد، يا خربة أين أهلك، أو قال: ما فعل أهلك؟ قال: فناديت، فقال ابن عمر: ذهبوا، وبقيت أعمالهم.
قال إبراهيم بن أدهم: مر عبد الله بن عمر على قومٍ مجتمعين، وعليه بردة حسناء، فقال رجل من القوم: إن أنا سلبته بردته فما لي عندكم؟ فجعلوا له شيئاً، فأتاه فقال: يا أبا عبد الرحمن، بردتك هذه هي لي. قال: فقال: فإني اشتريتها بالأمس! قال: قد أعلمتك وأنت في حرج من لبسها، قال: فهتكتها ليدفعها إليه، قال: فضحك القوم، فقال: ما لكم؟ فقالوا له: هذا رجل بطال، قال: فالتفت إليه فقال: يا أخي أما علمت أن الموت أمامك لا تدري متى يأتيك صباحاً أو مساءً، ليلاً أو نهاراً؟! ثم القبر، وهول المطلع، ومنكر ونكير، وبعد ذلك القيامة، يوم يخسر فيه المبطلون!؟ فأبكاهم ومضى.
قال أبو عبد الله بن الأعرابي: أراد رجل أن يعتزل الناس، فقال له عبد الله بن عمر: إنه لا بد لك من الناس، ولا بد للناس منك، ولكن كن كأصم يسمع، وأعمى يبصر، وسكوت ينطق.
عن ابن سيرين: أن ابن عمر كان إذا خرج في سفرٍ أخرج معه سفيهاً، فإن جاءه سفيه رده عنه.
عن قتادة قال: كان ابن عمر يقول: إن الحليم ليس من ظلم ثم حلم حتى إذا هيجه قوم اهتاج، ولكن الحليم من قدر ثم عفا، وإن الوصول ليس من وصل - يعني من وصله - فتلك مجازاة، ولكن الوصول من قطع ثم وصل، وعطف على من لم يصله.(13/174)
عن حميد الطويل قال: قال ابن عمر: البِر شيء هين، وجه طليق وكلام لين.
قال ابن عمر: ما حمل الرجال حملاً أثقل من المروءة، فقال له أصحابه: أصلحك الله، صف لنا المروءة، فقال: ما لذلك عندي حد أعرفه، فألح عليه رجل منهم، فقال: ما أدري ما أقول: إلا أني ما استحييت من شيءٍ علانيةً إلا استحييت منه سراً.
عن مالكٍ قال:
اشترى ابن عمر جاريةً رومية، فأحبها حباً شديداً، فوقعت يوماً عن بغلةٍ كانت عليها، فجعل ابن عمر يمسح التراب عنها، ويفديها، فكانت تقول له: - أي رجل صالح - ثم هربت منه، فقال ابن عمر: من البسيط
قد كنت أحسبني قالون، فانطلقت ... فاليوم أعلم أني غير قالون
قال المغيرة بن شعبة لعمر: ألا أدلك على القوي الأمين؟ قال: بلى، قال: عبد الله بن عمر، قال: ما أردت بقولك هذا؟ ولأن يموت فأكفِّنه بيدي أحب إلي من أوليه وأنا أعلم أن في الناس من هو خير منه.
عن عبد الله بن موهب: أن عثمان قال لابن عمر: اذهب قاضياً، قال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: عزمت عليك إلا ذهبت، فقضيت، قال: لا تعجل، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من عاذ بالله فقد عاذ بمَعَاذٍ " قال: نعم، قال: إني أعوذ بالله أن أكون قاضياً، قال: ما يمنعك، وقد كان أبوك يقضي؟ قال: لأني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كان قاضياً فقضى بجهلٍ كان من أهل النار، ومن كان قاضياً عالماً فقضى بحقٍ أو بعدلٍ سأل الله أن ينقلب كفافاً " فما أرجو منه بعد؟!(13/175)
قال مصعب بن عبد الله: جاءت جماعة من بني عدي إلى عبد الله بن عمر، وهو عند عثمان في الدار يوم قتل عثمان، قبل قتله فاحتملوا عبد الله بن عمر من الدار، فخرجوا به.
قال نافع: لما قتل عثمان جاء علي ابن عمر، فقال: إنك محبوب إلى الناس؛ فسر إلى الشام، فقال ابن عمر: بقرابتي وصحبتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والقرابة التي بيننا، فلم يعاوده.
قال مصعب بن عبد الله: لما قتل عثمان، وبويع علي أُتي بعبد الله بن عمر، فقيل: بايع، فأبى، فشد به أصحاب علي، فقال عبد الله بن عمر لعلي: ما تصنع بهذا، لا والله؟ لا أبسط يدي ببيعة في فرقةٍ، ولا أقبضها في جماعة أبداً، فقال علي: خلوه، وأنا كفيله، وخرج بعد قتل عثمان إلى مكة ليلاً، فلما أصبح علي فقده، وظنه خرج إلى الشام، فنهض إلى سوق الظهر، وقال: عليَّ بالإبل، فأمر بجمعها ليرسل في طلبه، فأرسلت إليه ابنته أم كلثوم: لا تعن بطلبه، فلم يخرج إلى الشام وإنما خرج إلى مكة، وأنا عذيرتك منه، فوقف عن طلبه.
قال ابن عمر: دخلت علي حفصة ونوساتها تنطف، فقلت: قد كان من الناس ما ترين، ولم يجعل لي من الأمر شيء، قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الحكمان خطب معاوية، فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إلي قرنه، فلنحن أحق بذلك منه ومن أبيه - يعرض بابن عمر - فحلَلْتُ حبوتي، فهممت أن أقول: أحق بذلك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع، ويسفك فيها الدم، وأحمل فيها على غير رأيي؛ فذكرت ما أعد الله في الجنان.
قال معاوية لعبد الله بن جعفر: بلغني أن ابن عمر يريد هذا الأمر، وفيه ثلاث خصالٍ لا يصلحن في خليفة: هو(13/176)
رجل غيور، وهو رجل عييٍّ وهو رجل بخيل، قال: فذهب ابن جعفر فأخبر ابن عمر، فقال ابن عمر: أما قوله: إني رجل غيور، فإني كنت أغلق بابي على أهلي، فما حاجة الناس إلى ما وراء ذلك؟ وأما قوله: إني لرجل عييٍّ فإني كنت أعلم الناس بكتاب الله، ولا كلام أبلغ منه، وأما قوله: إني رجل بخيل؛ فإني كنت أقسم على الناس فيئهم بكتاب الله، فإذا فعلت ذلك فما حاجة الناس إلى ما أورثني ابن الخطاب؟ فأخبر ابن جعفر معاوية بها، فقال معاوية: عزمت عليك ألا يسمع هذا منك أحد.
وقد روي نحو هذه المقالة عن الحجاج.
عن قطن قال: أتى رجل ابن عمر، فقال: ما أحد شر لأمة محمد منك، فقال: لمَ؟ فوالله ما سفكت دماءهم، ولا فرقت جماعتهم، ولا شققت عصاهم! قال: إنك لو شئت ما اختلف فيك اثنان، قال: ما أحب أنها أتتني ورجل يقول: لا، وآخر يقول: بلى.
وعن ميمون قال:
دس معاوية عمرو بن العاص، وهو يريد ما في نفس ابن عمر: يريد القتال أم لا، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما يمنعك أن تخرج فنبايعك، وأنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن أمير المؤمنين، وأنت أحق الناس بهذا الأمر؟ قال: وقد اجتمع الناس كلهم على ما تقول؟ قال: نعم إلا نفر يسير، قال: لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهَجَرَ لم يكن لي فيها حاجة، قال: فعلم أنه لا يريد القتال، قال: فهل لك أن تبايع لمن قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه، ويكتب لك من الأرضين، ومن الأموال ما لا تحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده؟ فقال: أفٍّ لك اخرج من عندي ثم لا تدخل عليّ، ويحكّ! إن ديني ليس بديناركم ولا درهمكم، وإني لأرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقية.(13/177)
وعن نافع عن ابن عمر: أنه أتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أنت ابن عمر، وصاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر مناقبه - فما يمنعك من هذا الأمر؟ قال: يمنعني أن الله حرم دم المسلمين، قال: فإن الله تعالى يقول: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله "؟ قال: قد فعلنا، قد قاتلناهم حتى كان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوهم حتى يكون الدين لغير الله.
عن أبي العالية: أن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان كانا ذات يوم قاعدين في الحِجر، فمر بهما ابن عمر، وهو يطوف بالبيت، فقال أحدهما لصاحبه: أتراه بقي أحد خير من هذا؟ ثم قالا لرجل: ادعه لنا إذا قضى طوافه، فلما قضى طوافه، وصلى ركعتين أتاه رسولهما، فقال: هذا عبد الله ابن الزبير وعبد الله بن صفوان يدعوانك إليهما؛ فقال عبد الله بن صفوان: أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تبايع أمير المؤمنين؟ - يعني ابن الزبير - فقد بايع له أهل العروض، وأهل العراق، وعامة أهل الشام، فقال: والله لا أبايعكم وأنتم واضعون سيوفكم على عواتقكم، تصيب أيديكم من دماء المسلمين! عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رجلاً أتاه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما الذي يحملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً، وتترك الجهاد في سبيل الله، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ قال: يا بن أخي، بُني الإسلام على خمسة: إيمان بالله ورسوله، وصلاة الخمس، وصيام شهر رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت، فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتبه: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " فما يمنعك أن تقاتل الفئة الباغية(13/178)
كما أمرك الله عز وجل في كتابه؟ فقال: يا بن أخي لأن أعتبر بهذه الآية فلا أقاتل أحب إلي من أن أعتبر بالآية التي يقول الله عز وجل فيها: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم " قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال ابن عمر: قولي في علي وعثمان؛ أما عثمان فكان الله عفا عنه وكرهتم أن يعفو الله، وأما علي فابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وختنه، وأشار بيده: هذا بيته حيث ترون! عن نافع قال: دخل ابن عمر الكعبة، فسمعته وهو ساجد يقول: قد تعلم ما يمنعني من مزاحمة قريشٍ على هذه الدنيا إلا خوفك.
وكتب إلى عبد الله بن الزبير: إنك انبريت على رقاب الناس بغير شورى، فدع ما أنت فيه، فإنك لست في شيءٍ.
عن الأوزاعي: أن ابن عمر قال: لقد بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما نكثت، ولا بدلت إلى يومي هذا، ولا بايعت صاحب فتنة، ولا أيقظت مؤمناً من مرقده.
قال حبيب بن أبي مرزوق: بلغني أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان وهو يومئذٍ خليفة: من عبد الله بن عمر إلى عبد الملك بن مروان، فقال مَنْ حول عبد الملك: بدأ باسمه قبل اسمك! فقال عبد الملك: هذا من أبي عبد الرحمن كثير.
عن عبد الرحمن بن يسار قال: سمعت الحجاج وهو يقول: إن عبد الله بن الزبير قد بدل كلام الله، فقال(13/179)
ابن عمر: كذبت، ليس تبديل كلام الله بيدك، ولا بيد ابن الزبير، كتاب الله أعز من أن يبدَّل، قال: فقال الناس لابن عمر: اخرج، فأبى أن يخرج حتى صلى معه.
عن محمد بن سيرين قال: كان ابن عمر يأتي العمال، ثم قعد عنهم، فقيل له: لو أتيتهم، فلعلهم يجدون في أنفسهم، فقال: أرهب إن تكلمت أن يروا أن الدين غير الذي بي، وإن سكت رهبت أن آثم.
سئل نافع عن بدء مرض ابن عمر وموته، فقال: أصابته عارضة محمل بمكة بين إصبعين من أصابعه عند الجمرة، فمرض، فدخل عليه الحجاج، فلما رآه ابن عمر غمّض عينيه، فكلمه الحجاج، فلم يكلمه، قال: فغضب الحجاج وقال: إن هذا يقول: إني على الضرب الأول.
وقال سعيد بن عمرو: قدم ابن عمر حاجاً، فدخل عليه الحجاج وقد أصابه زج رمحٍ، فقال: من أصابك؟ فقال: أصابني من أمرتموه بحمل السلاح في مكانٍ لا يحل فيه حمله.
عن نافع قال: ذكرت الوصية لابن عمر في مرضه، فقال ابن عمر: أما مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه، وأما رباعي وأرضي فإني لا أحب أن يشارك ولدي فيها أحد.
عن سعيد بن جبير قال: لما حضر ابن عمر الموت قال: ما آسى على شيءٍ من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقتل هذه الفئة التي نزلت بنا - يعني الحجاج.
قال ابن عمر عند الموت لسالم: يا بني، إن أنا مت فادفني خارجاً من الحرم؛ فإني أكره أن أدفن فيه بعد أن(13/180)
خرجت منه مهاجراً، فقال: يا أبه، إن قدرنا على ذلك، فقال: تسمعني أقول لك، وتقول: إن قدرنا؟! قال: أقول: الحجاج يغلبنا يصلي عليك، قال: فسكت ابن عمر.
وكان آخر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتاً بمكة عبد الله بن عمر، مات سنة أربع وسبعين، وبلغ من السن سبعاً وثمانين، وقيل: أربعاً وثمانين، ودفن بالمحصب، وبعض الناس يقول: بفخ، وقيل بذي طوى.
وقيل إنه توفي سنة ثلاث وسبعين بعد ابن الزبير بشهرين أو ثلاثة أشهر.
عن رجاء بن حيوة قال: نعي إلينا ابن عمر في مجلس ابن محيريز، فقال ابن محيريز: إن كنت لأعد بقاء عبد الله بن عمر أماناً لأهل الأرض.
عبد الله بن عمر بن سليمان
أبو العباس الكوكبي النيسابوري روى عن يزيد بن محمد الدمشقي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تنجسوا موتاكم: فإن المؤمن ليس بنجسٍ حياً ولا ميتاً ".
وعن يزيد بن محمد بن عبد الصمد، بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باليمين مع الشاهد.
قال أبو عبد الله الحافظ: كان عبد الله بن عمر بن سليمان أبو العباس الكوكبي النيسابوري من الرحالة المكثرين، ومن الصالحين الأثبات، توفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة في السنة التي توفي فيها السراج، وكان يكتب إلى أن مات.(13/181)
وقيل إنه توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وهو الصحيح من وفاته.
عبد الله بن عمر بن عبد الله بن علي بن عدي
أبو عدي القرشي العبشمي المعروف بالعبلي حجازي شاعر مشهور، وفد على هشام بن عبد الملك.
وليس هو في الحقيقة عبلياً، إنما العبلات من ولدته عبلة بنت عبيد بن خاذل بن قيس بن حنظلة، وكانت زوج عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له أمية الأصغر، وعبداً، ونوفلاً، فأولادها هم العبلات، ولكن العبلات هم أخوته.
حدث عن عبيد بن حنين مولى الحكم بن أبي العاص بسنده عن أبي مويهبة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أهبَّني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل، فقال: " يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع " فخرجت معه أتينا البقيع، فرفع يديه، فاستغفر لهم طويلاً، ثم قال: " ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى، يا أبا مويهبة، إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة " فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها. ثم الجنة، فقال: " والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي، ثم الجنة " فانصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أصبح ابتدئ بوجعه الذي قبضه الله فيه.
وفد أبو عدي الأموي إلى هشام بن عبد الملك، وقد امتدحه بقصيدته التي يقول فيها: من الخفيف
عبد شمسٍ أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكانٍ بعيد(13/182)
والقرابات بيننا واشجات ... محكمات القوى بعقد شديد
فأنشده إياها، وأقام ببابه مدةً حتى حضر بابه وفود قريشٍ فدخل فيهم فأمر لهم بمالٍ، فضّل فيه بني مخزوم أخواله، وأعطى أبا عديٍّ عطيةً لم يرضها، فانصرف وقال: من الخفيف
خس حظي أن كنت من عبد شمسٍ ... ليتني كنت من بني مخزوم
فأفوز الغداة فيهم بقسم ... وأبيع الأب الكريم بلوم
قال الزبير بن بكار: لحق العبلي الدولة العباسية، ولما ظهر محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن اتبعه العبلي، وطلبه المنصور بعد ذلك فقال: من الخفيف
وتقربت بإتباعي علياً ... فإذا ذاك كان داءً دويا
وهو الذي يقول حين قتل مروان بن محمد، وظهرت بنو هاشم: من السريع
هيهات مروان وأشياعه ... هيهات أهل الجور والباطل
مريت يا مروان أطنابها ... حتى استمرت بدم حائل
هيجتم الحرب فلا تنكلوا ... ليس أخو النهمة بالناكل
جاشت خراسان لكم جيشةً ... فارتج منها عُرُض الكاهل
وله يذكرون خؤولة بني مخزوم ويثني عليهم: من الطويل
جزى الله مخزوم بن مرٍّ جزاءها ... إذا عدت الأقوام فضل الأوائل
هم شرفوني في المواطن كلها ... وهم رفدوني نصرهم غير آجل
أولئك إخواني وأخوالي الألى ... أسابق بهم، مستبدلاً لا أبادل(13/183)
قال سليمان بن عياش السعدي: جاء عبد الله بن عمر الذي يعرف بالعبلي سويقة، وهو طريد من بني العباس - وذلك بزمان خروج ملك بني أمية، وانتقاله في بني العباس - إلى عبد الله وحسن ابني حسن بن حسن، فاستنشده عبد الله بن حسن من شعره، فأنشدهم، فقالوا: نريد بعض ما كان من شعرك فيما كان من أمركم وأمر القوم، فأنشدهم: من المتقارب
تقول أمامة لما رأت ... نشوزي عن المنزل المنفس
وقلة نومي على مضجعي ... لدى هجيعة الأعين النعس
أبي، ما عراك؟ فقلت الهموم ... عرين أباك، فلا تبلسي
عرين أباك فحبّسنه ... من الطود في شر ما محبس
لفقد العشيرة إذ نالها ... سهام من الحدث المؤيس
رمتها المنون بلا نصلٍ ... ولا طائشاتٍ، ولا نكس
بأسهمها الخالسات النفو ... س متى ما تصب مهجةً تخلس
فصرعاهم في نواحي البلا ... د تلقى بأرضٍ ولم ترسس(13/184)
تقيٍّ أصيب وأثوابه ... من العار والعيب لم تدنس
وآخر قد رس في حفرةٍ ... وآخر طار فلم يحسس
فكم تركوا من بواكي العيو ... ن حزنى ومن صبية بؤَّس
إذا ما ذكرنهم لم تقم ... صباح الوجوه ولم تجلس
يرجعن مثل بكاء الحما ... م في مأتم قلق المجلس
فذاك الذي غالني فاصمتي ... ولا تسألني وتستنحسي
وفي ذاك أشياء قد ضفنني ... ولست لهن بمستحلس
أفاض المدامع قتلى كدىً ... وقتلى بكثوة لم ترمس
وبالزابيين نفوس ثوت ... وقتلى بنهر أبي فطرس
أولئك قومي أذاعت بهم ... حوادث في زمنٍ متعس(13/185)
أذلت حياتي لمن رامها ... وأنزلت الرعم بالمعطس
فلما أتى عليها استبكى محمد بن عبد الله بن حسن، قال: فنظر عبد الله إلى أخيه حسن، فقال حسن: ما لك تنظر؟ أما والله لو كان ابنك على غير ما ترى - لمكان خبر النازلة - قال: وقام حسن إلى منزله، فبعث إلى عبد الله بن عمر المعروف بالعبلي بخمسين ديناراً، يقول له: استعن بهذه على نفسك، وارحل عنا إلى حيث شئت، فإنا نخاف يغيرنا قربك، قال: وأعطاه عبد الله بن حسن، وابناه محمد وإبراهيم كل واحد منهما مثل ذلك، وكانت هند بنت أبي عبيدة مقتفية له، فقال العبلي: من الوافر
أقام ثوي بنت أبي عبيدٍ ... بخير منازل الجيران جارا
أتاهم خائفاً وجلاً طريداً ... فصادف خير دور الناس دارا
إذا ذم الجوار نزيل قومٍ ... شكرتهم ولم أذمم جوارا
فقالت هند بنت أبي عبيدة لعبد الله بن حسن، ولابنيها محمد وإبراهيم: والله ما مدحكم بأفضل مما مدحني به، ولتُعطُنّه عني مثل ما أعطاه أحدكم، فأعطوه عنها خمسين ديناراً.
قال مصعب الزبيري:
قتلى كدى: يعني آل أسيد بن أبي العيص، مسكنهم مكة، فهربت منهم طائفة، فنزلوا الطائف، فقتل داود بن علي منهم خلقاً حتى قتل أربعين صبياً، ما فيهم أحد لبس سراويل، وكدى: عقبة الطائف التي يهبط عليها، وقوله: وقتلى بكوثة، ويروى بكثوة، والأجود الأول، يعني من قلته داود بن علي من بني أسيد بن أبي العيص، ومكة تسمى كوثة.(13/186)
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي ولي الكوفة ليزيد بن الوليد.
روى عن أبيه بسنده عن عثمان بن عفان: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد حراء، فارتج بهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق، أو شهيد " وعليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد بن زيد - وزاد في رواية أخرى: وعبد الرحمن بن عوف.
وروى عن أبيه عن جده قال: وحج معاوية بن أبي سفيان، فلما انتهى إلى المدينة - قال: وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير قاعدان، فلما انتهى إليهما قام سعيد بن العاص - قال: فقال معاوية: أخوك أفقه منك، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من سره إذا رأته الرجال مقبلاً أن تمثل له قياماً بنى الله له بيتاً في النار ".
وقال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: اللهم إني أعوذ بك من أن أبدل نعمةً لك كفراً، أو أنكرها بعد أن أعرفها، أو أنساها فلا أثني بها.
قال محمد بن سعد: فولد عمر بن عبد العزيز: عبد الله، وبكراً، وأم عمار؛ وأمهم لميس بنت علي بن الحارث بن عبد الله بن الحصين ذي الغصة بن يزيد بن شداد بن قنان الحارثي.(13/187)
عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال: قال لي أبي: ما نقش خاتمك؟ قال: قلت: لكل عملٍ ثواب، قال: إذاً يا بني فادأب لرب الأرباب.
وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: يا بني، ذكروني آية الأربعين، فإن كنت أذكرها زدتموني ذكراً، وإن كنت قد نسيتها ذكرتموني: " حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنةً ".
وكان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ملازماً للمقابر، ومعه كتاب لا يفارقه، فقيل له في ذلك، فقال: ما شيء أوعظ من قبرٍ، ولا آنس من كتاب، ولا أسلم من الوحدة.
وكان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز أكولاً؛ كان يأكل في اليوم تسع مراتٍ، وينتبه من السحر، فيدعو بالطعام، فيأكل أكل من لم يطعم طعاماً منذ أيام.
واستعمل على البصرة فحفر لهم نهر ابن عمر.
وولي العراق سنة ست وعشرين ومائة، وهو ابن أقل من أربعين سنة، ولما قتل ابن هبيرة عبيدة بن سوار الخارجي وأصحابه، وسار إلى واسط وثب من كان في المدينة فسدوا باب القصر على ابن عمر باللبن حتى أتاه ابن هبيرة فأرسل به إلى مروان فحبسه بحران مع إبراهيم بن محمد بن علي، ثم قتله غيلة، ويقال: بل مات في السجن من وباء وقع بحران.
عبد الله بن عمر بن عمرو
ابن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو عثمان، ويقال: أبو عمر الأموي الشاعر المعروف بالعرجي نسب إلى عرج الطائف لسكناه به، من الشعراء المجيدين، قدم الشام غازياً، واجتاز بدمشق.(13/188)
ذكر أبو بكر البلاذري: أن العرجي غزا مع مسلمة بن عبد الملك في البحر في خلافة سليمان بن عبد الملك، فقال: يا معشر التجار، من أراد من الغزاة المعدمين شيئاً فأعطوهم، فأعطوهم عليه عشرين ألف دينار، فلما استخلف عمر بن عبد العزيز قال: بيت المال هو أولى بمال هؤلاء التجار من مال العرجي فقضى ذلك من بيت المال.
وأمه آمنة بنت عمر بن عثمان بن عفان.
روى أبو الفرج من طريقه: أن العرجي كان أزرق كوسجاً ناتئ الحنجرة، وكان صاحب غزل وفتوة، وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم.
وروى المرزباني في معجم الشعراء: أن العرجي سجن في تهمة دمٍ، فلم يزل في السجن حتى مات، وهو القائل في الحبس: من الوافر
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسداد ثغر
وخلوني لمعترك المنايا ... وقد شرعت أسنتها لنحري
كأني لم أكن فيهم وسيطاً ... ولم تك نسبتي في آل عمرو
وقال في ذلك أيضاً: من البسيط(13/189)
يا ليت سلمى رأتنا لا يراع لنا ... لما هبطنا جميعاً أبطح السوق
وكشرنا، وكُبُول القين تنكبنا ... كالأسد تكشر عن أنيابها الروق
والناس صفان من ذي بغضةٍ حنقٍ ... وممسكٍ بدموع العين مخنوق
وفي السطوح كأمثال الدمى خرد ... يكتمن لوعة حبٍّ غير ممزوق
من كل ناشرةٍ فرعاً لرؤيتنا ... ومفرقٍ ذي نبات غير مفروق
يضربن حر وجوهٍ لا يلوحها ... لفح السموم، ولا شمس المشاريق
كأن أعناقهن التلع مشرفةً ... من الزهو كأعناق الأباريق
حج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وخرج معه بأشعب بن جبير مولى عبد الله بن الزبير، ويعقوب بن مجاهد بن جبير القاضي، فبعث إليه العرجي وهو محبوس يسأله أن يتكلم فيه، ويعني به، فوعده ذلك، ثم نفر النفر الأول، ولم يكن منه فيما سأله العرجي شيء، فقال له العرجي: من الطويل
عذرت بني عمي إلى الضعف ما هم ... وخالي، فما بال ابن عمي تنكبا
تعجل في يومين عني بنفسه ... وآثر يعقوباً عليَّ وأشعبا
أنشد ابن أبي عتيق قول عبد الله بن عمر العرجي: من الطويل
يا ليلة الاثنين لست ببالغٍ ... جزاء الذي أوليتني آخر الدهر(13/190)
فما ليلة عندي وإن قيل جمعة ... ولا ليلة الأضحى، ولا ليلة الفطر
بعادلة الاثنين عندي وبالحرى ... يكون سواءً مثلها ليلة القدر
فما أنس مِ الأشياء لا أنس قولها ... لخادمها: قومي سلي لي عن الوتر
فقالت: يقول الناس في ست عشرةٍ ... فلا تعجلي عنه، فإنك في أجر
قال الزبير بن بكار: ولسكينة بنت مصعب بن الزبير، ولأم ولدٍ، ولعثيمة بنت بكير يقول عبد الله بن عمر العرجي: من الخفيف
إن عثمان والزبير أحلا ... بيتها باليفاع إذ ولداها
إنها بنت كل أبيض قرم ... نال في المجد من قُصَيٍّ ذراها
سكن الناس بالظواهر منها ... فتبوّا لنفسه بطحاها
فهي أترجة تحير ماءً ... مألف الظل بالعشي خباها
منهم الطيب النبي به الل ... هـ إلى كل باب خيرٍ هداها
من ترابٍ بين المقام إلى الرك ... ن براها الإله حين براها
وأنشد مصعب الزبيري للعرجي: من البسيط
خمس بعثن رسولاً في ملاطفةٍ ... ثقفاً إذا أسقط الهيّابة الوهم
إلي أن ائتنا وهناً إذا غفلت ... أحراسنا وافتضحنا إن هم علموا(13/191)
أقبلت أمشي على هول أُجشِّمه ... تجشم المرء هولاً في الهوى كرم
قالت كلابة من هذا فقلت لها ... هذا الذي أنت من أعدائه، زعموا
إني امرؤ لج بي فأجرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم
فأنعمي نعمة تجزي بأحسنها ... فربما مسّني من أهلك النعم
قالت رضيت ولكن جئت في قمر ... هلا تلبثت حتى تدخل الظلم
خلت عناني كما خليت ذا عذرٍ ... إذا رأته إناث الخيل ينتحم
عبد الله بن عمر بن يزيد بن الحكم
ويقال: ابن زيد بن الحكم أبو زرارة الحكمي قال: حضرت عمر بن عبد العزيز في عسكره حين كتب إلى الأجناد يمنع من طبخ الطلاء الذي قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فكلمه فيه أصحابه من أهل الشام وقالوا: أحله عمر ونهيت عنه؟ فقال: نهيت عن طبخه ليترك حرامه.(13/192)
عبد الله بن عمرو بن أويس الأكبر بن سعد بن أبي سرح
ابن الحارث بن حُبيّب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري كان رسول يزيد بن معاوية إلى ابن عمه الوليد بن عتبة أمير المدينة بموت أبيه، وأخذ البيعة له.
سمع عبد الملك بن مروان يقول لقبيصة بن ذؤيب: هل سمعت في الوداع بدعاء؟ فقال: لا، فقال عبد الملك: ولا أنا.
عبد الله بن عمرو بن الحارث
مولى بني عامر بن لؤي كان على بيت مال الوليد بن عبد الملك، وسليمان، وهشام، وكان أبوه على خاتم عبد الملك بن مروان بعد قبيصة.
روى عن عمر بن عبد العزيز أنه أُتي بأسير أسره مسلمة بن عبد الملك، وأن أهله سألوه أن يفتدوه بمائة مثقال، فرده عمر إليهم، وفداه بمائة مثقال.
عبد الله بن عمرو بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي
قال الحافظ: أظنه عبد الله بن عمرو بن عبد الله بن صفوان.
سكن دمشق، وأقطعه العباسيون بها إذ دخلوا إقطاعاً لدلالته إياهم على بني أمية.(13/193)
عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم
ابن عيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو محمد.
ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نصير السهمي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من أكثر أصحابه عنه حديثاً، وقيل: كان اسمه العاص فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله.
عن عبد الله بن عمرو قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنودي بالصلاة جامعة، فركع ركعتين بسجدة، ثم قام؛ فركع ركعتين بسجدة، ثم جلس حتى جُلِّي عن الشمس، فقالت عائشة: ما سجد سجوداً، ولا ركع ركوعاً قط أطول منه.
وعنه أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلبٍ واحد، يصرفه حيث يشاء " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم مُصرِّف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك ".
كتب معاوية بن أبي سفيان إلى مسلمة بن مخلد: أن سل عبد الله بن عمرو بن العاص أسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير مضطر "؟ فإن أخبرك أنه سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فابعثه إلي على مركبة من البريد، فقدم على البريد، فقال: أنت(13/194)
سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله؟ قال: نعم، قال معاوية: وأنا سمعته منه كما سمعته.
قال الزبير بن بكار: كان عبد الله بن عمرو يصوم الدهر، ويقوم الليل، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " صم، وأفطر، وصل، ونم ".
أم عبد الله بن عمرو ريطة بنت مُنبِّه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم، أسلم قبل أبيه، وكان له من الولد: محمد وبه كان يكنى، وهشام، وهاشم، وعمران، وأم إياس، وأم عبد الله، وأم سعيد، وشهد الفتح بمصر، واختط بمصر، استأذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتابة عنه في حال الغضب والرضى، فأذن له، وحفظ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألف مثل، وكان قد قرأ الكتب، وكان يرغب عن غثيان النساء، ولم يعل عمرو بن العاص ابنه في السن إلا بثنتي عشرة سنةً.
وكان عبد الله بن عمرو رجلاً سميناً طوالاً أحمر عظيم البطن.
عن عبد الله بن الحارث بن جزءٍ قال: توفي صاحب لنا غريب بالمدينة، وكنا على قبره، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اسمك؟ " فقلت: العاص، وقال لعبد الله بن عمر: " ما اسمك؟ " فقال: العاص، وقال لعبد الله بن عمرو: " ما اسمك؟ " فقال: العاص، فقال: " أنزلوه فاقبروه، فأنتم عبيد الله " قال: فقبرنا أخانا وخرجنا وقد بدلت أسماؤنا.
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نِعْم أهل البيت أبو عبد الله، وأم عبد الله، وعبد الله ".
عن أبي أمامة قال: مر ابن العاص على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مسبل إزاره، ومسبل جُمَّته، فقال: "(13/195)
نِعْم الفتى ابن العاص لو شمر من مئزره، وقصر من لمته " قال: فحلق رأسه، وقصر، ورفع إزاره إلى الركبة.
عن عبد الله بن عمرو قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيتي هذا، فقال: " يا عبد الله، ألم أخبرك أنك تكلفت قيام الليل، وصيام النهار؟ " قال: قلت: إني لأفعل، قال: فقال: " إن من حسبك - ولم يقل افعل - أن تصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيامٍ؛ الحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله "، قال: قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني، قال: " فخمسة أيامٍ " قال: قلت: إني أجد قوة، فإني أحب أن تزيدني، قال: سبعة أيام " قال: فجعل يستزيده ويزيده يومين يومين حتى بلغ النصف، فقال: " إن أخي داود كان أعبد البشر، وإنه كان يقوم نصف الليل، ويصوم نصف الدهر؛ إن لأهلك عليك حقاً، وإن لعبدك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً " فكان عبد الله بعدما كبر وأدركه السن يقول: ألا كنت قبلت رخصة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلي من أهلي ومالي.
وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقرأ القرآن في شهرٍ " فقلت: إني أقوى، فقال: " اقرأه في خمسٍ وعشرين " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في عشرين " قلت: إني أقوى: قال: " اقرأه في خمس عشرة " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في عشر " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في خمسٍ " قلت: إني أقوى، قال: " لا ".
عن عبد الله: أنه رأى في المنام كأن في إحدى يديه عسلاً، وفي الأخرى سمناً، فإنه يلعقهما، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تقرأ الكتابين التوراة والقرآن " فكان يقرؤهما.(13/196)
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تدري من معنا في البيت؟ جبريل عليه السلام وقد سلم عليك ".
وقال: كنت أكتب كل شيءٍ أسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيءٍ تسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق ".
قال أبو هريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني إلا عبد الله بن عمرو؛ فإني كنت أعي بقلبي ويعي بقلبه، ويكتب.
عن مجاهد قال: دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص، فتناولت صحيفة تحت رأسه، فتمنّع عليَّ، فقلت: تمنعني شيئاً من كتبك؟ فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بيني وبينه أحد، فإذا سلم لي كتاب الله، وسلمت لي هذه الصحيفة والوهط لم أبال ما صنعت الدنيا.
عن سليمان بن الربيع العدوي قال: لقينا عمر، فقلنا: إن عبد الله بن عمرو حدثنا بكذا وكذا، فقال عمر: عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول؛ قالها ثلاثاً، ثم نودي بالصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه، فخطبهم عمر، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله ".(13/197)
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيء، قال عكرمة: فأخبرت ابن عباس بقوله، فقال: إن عنده لعلماً، ولقد كان يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحلال والحرام.
عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت له: يا بن أخت، إني قد أخبرت أن عبد الله بن عمرو حاج في عامه هذا، فالقه، فإنه قد حفظ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث كثيرةً.
التقى كعب الأحبار وعبد الله بن عمرو، فقال كعب: أتطيُّر يا عبد الله؟ قال: نعم، قال: فما تقول؟ قال: الله لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك، فقال: أنت أفقه العرب؛ إنها لمكتوبة في التوراة كما قلت.
وقدم كعب مكة، وبها عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال كعب: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو عالم؛ سلوه عن شيء من الجنة وضعه الله للناس في الأرض، وسلوه ما أول ماء وضع بالأرض، وما أول شجرة غرست بالأرض، فسئل عبد الله عنها، فقال: الشيء الذي وضعه الله للناس في الأرض فهذا الركن الأسود، وأول ماء وضع بالأرض فبرهوت ماء باليمن ترده هام الكفار، وأما أول شجرةٍ غرسها الله في الأرض فالعوسجة التي اقتطع منها موسى عصاه، فلما بلغ ذلك كعباً قال: صدق، الرجل والله عالم.
عن مولى لعمرو بن العاص: أن عبد الله بن عمرو نظر إلى المقبرة، فلما نظر إليها نزل، فصلى ركعتين، فقيل(13/198)
له: هذا شيءٍ لم تكن تصنعه، فقال: ذكرت أهل القبور، وما حيل بينهم وبينه فأحببت أن أتقرب إلى الله عز وجل بهما.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لأن أعمل اليوم عملاً أقر عليه أحب إلي من ضعفه فيما مضى؛ لأنا حين أسلمنا وقعنا في عمل الآخرة، فأما اليوم فقد خلبتنا الدنيا.
وقال: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله عز وجل فإن المنبت لا بلغ بعداً، ولا أبقى ظهراً، وأعمل عمل امرئ يظن ألا يموت إلا هرماً، واحذر حذر امرئٍ يحسب أنه يموت غداً.
وقال: لأن أكون عاشر عشرةٍ مساكين يوم القيامة أحب إلي من أن أكون عاشر عشرةٍ أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا - يقول: يتصدق يميناً وشمالاً.
قال ابن أبي مليكة:
بينما عبد الله بن عمرو بن العاص يصلي وراء المقام، وهو يبكي، وقد كسف - أو خسف - القمر إذ مر به العلاء بن طارق، فوقف يسمع، فقال: ما توقفك يا بن أخي؟ تعجب من أني أبكي؟! والله إن هذا القمر يبكي من خشية الله، أما والله لو تعلمون اليقين لبكى أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه.
عن عبد الله بن يزيد قال: قلت لعبد الله بن عمرو: بلغني أنك كنت من أحسن قريشٍ عيناً، فما الذي أرى بهما؟ قال: البكاء.(13/199)
وقال عبد الله بن عمرو: ما أُعطي إنسان شيئاً خيراً من صحة، وعفة، وأمانة، وفقه.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يضرب فسطاطه في الحل، ويجعل مصلاه في الحرم، فقيل له: لِمَ تفعل ذلك؟ قال: لأن الأحداث في الحرم أشد منها في الحل.
قال عمرو بن العاص لابنه: يا بني، ما الشرف؟ قال: كف الأذى، وبذل الندى، قال: فما المروءة؟ قال: عرفان الحق، وتعاهد الصنعة، قال: فما المجد؟ قال: احتمال المغارم، وابتناء المكارم.
وسأله: ما الغي؟ قال: طاعة المفسد، وعصيان المرشد، قال: فما البله؟ قال: عمى القلب، وسرعة النسيان.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لأخواله - حي من عنزة يقال لهم بنو فلان - يا بني أمي إنه ليس الواصل الذي يصل من وصله، ويقطع من قطعه، وليس الحليم الذي يحلم عمن يحلم عنه، ويجهل على من يجهل، قالوا: فمن ذاك؟ قال: ذاك المنصف، إنما الحليم الذي يحلم عمن يحلم عنه، ويحلم عمن يجهل عليه.
هم أخوال أبيه عمرو بن العاص، وهذا الكلام محفوظ من كلام عمرو بن العاص.
عن حميد بن هلال قال: كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: دع ما لست منه في شيءٍ، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك.
قال الشعبي: قيل لعبد الله بن عمرو وهو قاعد بالكعبة: إن كنت تريد أن تذكر فقد ذكرت،(13/200)
وإن كنت تريد أن يشاع حديثك فقد أشيع، حدثنا شيئاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعنا مما وجدت في خرجك، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ".
كانت راية عمرو بن العاص يوم اليرموك يحملها ابنه عبد الله بن عمرو.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص على الميمنة بصفين مع معاوية.
عن حنظلة بن خويلد العنزي قال: بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمارٍ، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه؛ فإني سمعت - يعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " تقتله الفئة الباغية " فقال معاوية: ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطع أباك ما دام حياً، ولا تعصه ما دام حياً " وأنا معكم ولست أقاتل.
وقال عبد الله بن عمرو: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء أبو بكر، فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " ثم جاء عمر، فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " ثم جاء عثمان فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " قال: قلت: فأين أنا؟ قال: " أنت مع أبيك ".
وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف بك إذا بقيت في حثالةٍ من الناس، قد مرجت عهودهم ومواثيقهم، وكانوا هكذا " - فخالف بين أصابعه - قال: تأمرني بأمرٍ(13/201)
يا رسول الله؟ قال: " تأخذ ما تعرف، وتدع ما تنكر، وتعمل بخاصة نفسك، وتدع الناس وعوام أمرهم " قال: فلما كان يوم صفين قال له أبوه عمرو بن العاص: يا عبد الله بن عمرو، اخرج فقاتل، فقال: يا أبتاه أتأمرني أن أخرج فأقاتل، وقد سمعت ما سمعت يوم يعهد إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يعهد؟ فقال: أنشدك الله يا عبد الله بن عمرو ألم يكن آخر ما عهد إليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أخذ بيدك فوضعها بيدي، ثم قال: " أطع أباك " قال: اللهم بلى، قال: فإني أعزم عليك أن تخرج فتقاتل، فخرج عبد الله بن عمرو، فقاتل يومئذٍ متقلداً بسيفين، فلما انكشف الحرب أنشأ عمرو بن العاص يقول: من الرمل
شبت الحرب فأعددت لها ... مفرغ الحارك مروي الثبجْ
يصل الشد بشدٍّ فإذا ... دنت الخيل من الشد معج
جرشع أعظمه جفرته ... فإذا ابتل من الماء حدج
قال: وأنشأ عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: من الطويل
فلو شهدت جمل مقامي ومشهدي ... بصفين يوماً شاب منها الوائب
عشية جا أهل العراق كأنهم ... سحاب ربيعٍ دفعته الجنائب
وجئناهم نردي كأن صفوفنا ... من البحر موج موجه متراكب
إذا قلت: قد ولوا سراعاً بدت لنا ... كتائب منهم، وارجحنّت كتائب(13/202)
فدارت رحانا واستدارت رحاهم ... سراة النهار ما تولي المناكب
كان عبد الله بن عمرو بن العاص في زمن عمر وعثمان بمصر يجلس يحدث، وكان يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنها ستكون فتنة عمياء صماء الراقد فيها خير من اليقظان، والجالس فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي " فلما كانت الفتنة التي كانت بين معاوية وعلي حضر عبد الله بن عمرو صفين فقاتل فيها، فاستعمل معاوية بذلك عمرو بن العاص على مصر، فلما ولي عبد الله مصر جلس ذلك المجلس الذي كان يجلسه في زمن عمر وعثمان، فحدث كيف كان القتال بصفين، فقال له رجل من أهل مصر: قاتلت؟ قال: بلى، قال: والله لا أكلمك كلمةً بعد هذا.
عن عبد الله بن أبي مُليكة قال: كان عبد الله بن عمرو يأتي الجمعة من المغمَّس، فيصلي الصبح، ثم يرتفع إلى الحجر ويكبر حتى تطلع الشمس، ثم يقوم في جوف الحجر، فيجلس إليه الناس، فقال يوماً: ما أفرق على نفسي إلا من ثلاثٍ: مواطن في دم عثمان. فقال له عبد الله بن صفوان: إن كنت رضيت قتله فقد شركت في دمه، وأني آخذ المال، فأقول: أقرضه الله هذه الليلة، فيصبح في مكانه، فقال ابن صفوان: أنت امرؤ لم توق شح نفسك، ويوم صفين.
عن سليمان بن الربيع قال: انطلقت في رهْطٍ من نسألك أهل البصرة إلى مكة، فقلنا: لو نظرنا رجلاً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتحدثنا إليه، فدللنا على عبد الله بن عمرو بن العاص، فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة، قال: فقلنا: على كل هؤلاء حج عبد الله بن عمرو؟ قالوا: نعم؛ وهو ومواليه وأحباؤه، قال: فانطلقنا إلى البيت، فإذا نحن برجلٍ(13/203)
أبيض الرأس واللحية، بين بردين قطريين، عليه عمامة، ليس عليه قميص، قال: فقلنا: أنت عبد الله بن عمرو، وأنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجل من قريش، وقد قرأت الكتاب الأول، وليس أحد نأخذ عنه أحب إلينا - أو قال: أعجب إلينا - منك، فحدثنا بحديث لعل الله أن ينفعنا به. فقال لنا: ممن أنتم؟ فقلنا: من أهل العراق، فقال: إن من أهل العراق قوماً يَكذِبون ويُكَذِّبون، ويسخرون، قال: قلنا: ما كنا لنكذِّبك، ولا نكذب عليك، ولا نسخر منك، حدثنا بحديثٍ لعل الله أن ينفعنا به، فحدثهم بحديث في بني قنطور بن كركر.
وفي رواية أخرى قال:
أما ورب هذا المسجد الحرام، والبلد الحرام، واليوم الحرام، والشهر الحرام، أسميت اليمين أم لا، قال: قلنا: قد اجتهدت، قال: ليوشك بنو قنطور بن كركر؛ قوم خنس الأنوف صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، في كتاب الله المنزل أن يسوقوكم بخراسان وسجستان سياقاً عنيفاً، قوم يرزقون اللحم، وينتعلون الشعر، ويحتجزون السيوف على أوساطهم حين ينزلون الأبلة، قال: وكم الأبلة من البصرة؟ قلنا: أربعة فراسخ، قال: ويعقدون بكل نخلة من نخل دجلة رأس فرس، ثم يرسلون إلى أهل البصرة اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل البصرة من البصرة، فيلحق لاحق ببيت المقدس، ويلحق لاحق بالمدينة، ويلحق آخر بمكة، ويلحق آخرون بالأعراب، ثم يسيرون حتى ينزلوا البصرة، فيلبثون بها سنة، ثم يرسلون إلى أهل الكوفة أن اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل الكوفة منها، فيلحق لاحق ببيت المقدس ويلحق لاحق المدينة، ويلحق آخر بمكة، ويلحق آخرون بالأعراب، فلا يبقى في الأرض من المسلمين إلا قتيل أو أسير، في أيديهم في دمه ما يشاؤون، فانصرفنا عنه، وساءنا الذي حدثنا، ومشينا من عنده غير بعيد، ثم انصرف إليه المنتصر بن الحارث، فقال: يا عبد الله بن عمرو، إنك قد حدثتنا بحديث قد قطعتنا، وإنا لا ندري من يدركه(13/204)
منا، فحدثنا هل بين يدي ذلك من علامة؟ قال: نعم لا تعدم عقلك، بين يدي ذلك أمارة، قال: فقال له المنتصر: وما الأمارة؟ قال: الأمارة العلامة، قال: وما تلك العلامة؟ قال: إمارة الصبيان، فإذا رأيت إمارة الصبيان قد طبقت الأرض فاعلم أن الذي حدثتك قد جاء.
فانصرف عنه المنتصر، فمشى قليلاً، ثم رجع إليه، فقلنا: مهلاً، علام تؤذي هذا الشيخ؟ قال: والله لا أفارقه حتى يتبين لي، فلما رجع بين.
قال طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي: كان عبد الله بن عمرو إذا جلس لم تنطق قريش، فقال يوماً: كيف أنتم بخليفةٍ يملككم ليس هو منكم؟ قالوا: فأين قريش يومئذٍ؟ قال: يفنيها السيف.
عن عبيد الله بن سعيد: أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاص المسجد الحرام، والكعبة محرَّقة حين أدبر جيش الحصين بن نمير، والكعبة تتناثر حجارتها، فوقف ومعه ناس غير قليل، فبكى حتى إني لأنظر إلى دموعه تسيل على وجنتيه، فقال: والله لو أن أبا هريرة أخبركم أنكم قاتلوا ابن نبيكم، ومحرقوا بيت ربكم لقلتم: ما أحد أكذب من أبي هريرة؛ أنحن نقتل نبينا، ونحرق بيت ربنا عز وجل؟ فقد والله فعلتم، فانتظروا نقمة الله عز وجل فوالذي نفسي بيده ليلبسنّكم الله شيعاً، ويذيق بعضكم بأس بعضٍ - قالها ثلاثاً - ثم نادى بصوت فأسمع: أين الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر؟ والذي نفس عبد الله بيده، لقد ألبسكم الله شيعاً، وأذاق بعضكم بأس بعض، لبطن الأرض خير لمن عليها لم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر.
قال عمرو بن صفوان: كان لعبد الله بن عمرو ابن سبع سنين مثل الدينار، فلدغته حية، فمات، فقال: من الوافر(13/205)
فلولا الموت لم يهلك كريم ... ولم يصبح أخو عزٍّ ذليلا
ولكن المنية لا تبالي ... أغراً كان أم رجلاً جليلا
لقد أهلكت حية بطن وادٍ ... كريماً ما أريد به بديلا
مقيماً ما أقام جبال لبسٍ ... فليس بزائلٍ حتى يزولا
وكان عبد الله بن عمرو قد صار إلى قريته بعسقلان، وهي حبس من عمرو بن العاص لولده، فلم يزل بها حتى مات، ودفن بقريةٍ يقال لها أولاميس، وهي من عسقلان على فرسخين.
قالوا: توفي عبد الله بن عمرو ليالي الحرة في ولاية يزيد بن معاوية.
وكانت الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وقيل بعد ذلك.
عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان
ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي وفد على عبد الملك بن مروان.
روى عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الولد للفراش ".
عن عبد الله بن نافع قال: كان ثابت بن عبد الله بن الزبير إذا قدم على عبد الملك نهى بني أمية عن كلامه.(13/206)
فخرج من عنده مرةً فمر بعبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو جالس مع أهل الشام، فجعل ثابت يتصفح وجوههم، فقال له عبد الله: إلام تنظر؟ هؤلاء قتلة أبيك! قال: لكن أبوك ما قتله إلا حملة القرآن.
قال الزبير بن بكار: وولد عمرو بن عثمان بن عفان: عبد الله الأكبر؛ وأمه: حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكان يقال لعبد الله بن عمرو المطرف من حسنه وجماله.
عن نافع: أن ابنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عبد الله بن عمرو بن عثمان، فطلقها البتة، فانتقلت، فأنكر ذلك عليه عبد الله بن عمر.
قال مصعب بن عثمان: قدم الوليد بن عبد الملك المدينة وهو خليفة، فوضع أربع كراسي عليها أربعة أشرافٍ من قريش كلهم أمه من بني عدي بن كعب: عبد الله بن عمرو بن عثمان، وأمه حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن المنذر بن الزبير؛ أمه: عاتكة بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وطلحة بن عبد الله بن عوف؛ وأمه: بنت مطيع بن الأسود، ونوفل بن مساحق؛ وأمه: بنت مطيع بن الأسود.
قال جميل لبثينة: ما رأيت عبد الله بن عمرو بن عثمان يخطر على البلاط إلا أخذتني الغيرة عليك وأنت بالجناب.
ولعبد الله يقول الفرزدق: من الوافر
أعبد الله إنك خير ماشٍ ... وساعٍ بالجراثيم الكبار(13/207)
نمى الفاروق أمك وابن أروى ... أباك فأنت منصدع النهار
هما قمرا السماء وأنت نجم ... به الليل يدلج كل ساري
هل في الناس من أحدٍ يساوي ... يديك إذا تبوع للفخار
كلا أبويك عبد الله نور ... رفيع في المنازل والديار
عن يزيد بن عياض بن جعدبة قال: خرج الحسن بن الحسن بن علي، وعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان إلى الصحراء، فأخذتهما السماء، فأويا إلى سرحة، فكتب الحسن بن الحسن على السرحة: من الخفيف
خبرينا خصصت يا سرح بالغي ... ث بصدقٍ والصدق فيه شفاء
هل يموت المحب من لاعج الشو ... ق ويشفي من الحبيب اللقاء؟
وقال الآخر: من الخفيف
إن جهلاً سؤالك السرح عما ... ليس فيه على اللبيب خفاء
ليس للعاشق المحب من الحبْ ... بِ سوى لذة اللقاء شفاء
مات عبد الله بن عمرو بن عثمان بمصر سنة ست وتسعين.(13/208)
عبد الله بن عمرو بن غيلان
ابن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف بن منبه ابن بكر بن هوازن الثقفي أصله من دمشق، وولاه معاوية البصرة.
روى عن عبد الله بن مسعود أنه حدثه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يستنج أحدكم إذا خرج إلى الخلاء بعظمٍ ولا ببعرةٍ، ولا بروثة ".
عن أبي رجاء العطاردي قال: عزل سمرة بن جندب عن البصرة سنة خمسٍ وخمسين، واستعمل عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي، فاقر زرارة بن أوفى على القضاء، ثم استعمل عبيد الله بن زياد على البصرة.
وقال: ولى معاوية عبد الله بن عمرو بن غيلان بن سلمة الثقفي ستة أشهر ثم عزله.
عبد الله بن عمرو السعدي
ابن وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب أبو محمد القرشي العامري، ويعرف بابن السعدي لأن أباه عمراً كان مسترضعاً في بني سعد بن بكر، ولعبد الله صحبة، وسكن الأردن.
قال: وفدت في نفرٍ من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضوا حوائجهم، وخلفوني في رحالهم، فجئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(13/209)
فقلت: يا رسول الله، أخبرني عن حاجتي، فقال: " ما حاجتك؟ " قلت: انقطعت الهجرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت خيرهم حاجة - أو قال: حاجتك من خير حاجاتهم - لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار ".
وفي رواية: وفدت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبعةٍ أو ثمانيةٍ أو تسعةٍ، كلنا يطلب حاجةً، فكنت آخرهم دخولاً على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله إني تركت من خلفي وهم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، فقال: حاجتك خير حاجاتهم ".
وعن ابن السعدي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل ".
وقال عبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تنقطع الهجرة ما تُقُبِّلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولةً حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت من المغرب خُتم على كل قلبٍ بما فيه، وكفي الناس العمل ".
وقال عبد الله بن السعدي: قدمت على عمر بن الخطاب، فأرسل إلي بألف دينار، فرددتها، فقال: لم رددتها؟ قلت: أنا عنها غني، وستجد من هو أحوج إليها مني، فقال: خذها، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني عطاءً فقلت: يا رسول الله، أنا عنه غني، وستجد من هو أحوج إليه مني، فقال: " خذه هذا رزق الله إذا ساق الله إليك رزقاً لم تسأله، ولم تشره إليه نفسك، فهو رزق الله ساقه إليك، فخذه ".(13/210)
قال الزبير بن بكار: وولد وقدان بن عبد شمس: عبداً، وعمراً، وهو السعدي، وأمهما: عقيلة بنت غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، ومن ولد السعدي: عبد الله بن السعدي، كانت له صحبة.
قال محمد بن سعد: عبد الله بن السعدي أسلم يوم فتح مكة، ثم تحول فنزل دمشق، فمات هناك، وأم عبد الله بن السعدي ابنة الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم.
عن عبد الله بن السعدي قال: بينا أنا نائم على جبلٍ، فبينا أنا عليه طلعت علي ثلة من هذه الأمة قد سدت الأفق، حتى إذا دنوا مني دفعت عليهم الشعاب بكل زهرة من الدنيا، فمروا، ولم يلتفت إليها منهم راكب، فلما جاوزوها قلصت الشعاب بما فيها، فلبثت ما شاء الله أن ألبث، ثم طلعت علي ثلة مثلها، حتى إذا بلغوا مبلغ الثلة الأولى دفعت عليهم الشعاب بكل زهرة من الدنيا، فالآخذ والتارك، وهم على ظهْرٍ، حتى إذا جاوزوها قلصت الشعاب بما فيها، ولبثت ما شاء الله، ثم طلعت الثلة الثالثة، حتى إذا بلغوا مبلغ الثلتين دفعت الشعاب بكل زهرةٍ من الدنيا، فأناخ أول راكبٍ، فلم يجاوزها راكب، فنزلوا يهتالون من الدنيا، فعهدي بالقوم يهتالون، وقد ذهبت الركاب.
مات عبد الله بن السعدي سنة سبع وخمسين.
وقال ابن حبان: مات في خلافة عمر بن الخطاب.
قال الحافظ ابن عساكر: ولا أراه محفوظاً، والله أعلم.(13/211)
عبد الله بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط أبان
ابن أبي عمرو بن أمية، أبو وهب القرشي الأموي، وهو ابن أبي قطيفة الشاعر كان في زمان هشام بن عبد الملك، وبينه وبينه مراجمة بالشعر قال له هشام بن عبد الملك: من الطويل
أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك شر الناس عيباً لصاحب
ثم قال: والله لئن هجوتني لأبلغن في عقوبتك.
عبد الله بن عمرو بن هلال
ويقال: عبد الله بن عمرو بن عوف ويقال: عبد الله بن عمرو بن مسعود بن عمرو بن النعمان ابن سلمان بن صبح بن مازن بن حلاوة بن ثعلبة بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان - وهو: مزينة - بن عمر بن أُدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان المزني والد بكر بن عبد الله المزني. له صحبة، وشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة الفتح، وكان معه أحد ألوية مزينة، وخرج مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، وتوجه منها إلى دومة الجندل، ثم نزل البصرة، ذكر هذا النسب خليفة بن خياط في ترجمة ابنه، وفرق بين نسب بكر بن عبد الله، وبين نسب علقمة بن عبد الله.(13/212)
عن علقمة بن عبد الله المزني عن أبيه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأسٍ: أن يكسر الدرهم، فيجعل فضة، ويكسر الدينار فيجعل ذهباً.
قال محمد بن عمر الواقدي في غزوة دومة الجندل، قالوا: فكان عبد الله بن عمرو يقول: كنا أربعين رجلاً من مزينة مع خالد بن الوليد، وكانت سُهماننا خمس فرائض كل رجلٍ مع سلاح يقسم علينا درع ورماح.
قال الواقدي: يقول الله تعالى: " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت: لا أجد ما أحملكم عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون " هؤلاء البكاؤون، وهم سبعة: أبو ليلى المازني، وسلمة بن صخر الزرقي، وثعلبة بن عنمة السلمي، وعلبة بن زيد الحارثي، والعرباض بن سارية السلمي، وعبد الله بن عمرو المزني، وسالم بن عمير.
قال: وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني حين أراد الخروج لفتح مكة - إلى مزينة بلال بن الحارث، وعبد الله بن عمرو المزني، وكانت مزينة - يعني من حضر منها الفتح - ألفاً، فيها من الخيل مائة فرس ومائة درع، وفيها ثلاثة ألوية: لواء مع النعمان بن(13/213)
مقرن، ولواء مع بلال بن الحارث، ولواء مع عبد الله بن عمرو.
عن بكر بن عبد الله المزني قال: قال لي علقمة بن عبد الله المزني:
غسل أباك أربعة من أصحاب البدر - وفي رواية: أربعة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما زاد على أن حسروا عن سواعدهم، وجعلوا ثيابهم في حجزهم، فلما فرغوا توضؤوا ولم يغتسلوا.
عبد الله بن عمرو الدوسي
ممن أدرك عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل يوم أجنادين، وكانت أجنادين سنة ثلاث عشرة.
عبد الله بن عمير
روى عن بلال بن سعد قال: أُتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرابٍ، وهو في أصحابه، فنظر في وجوههم فقال: " أعطه أبا عبيدة بن الجراح، فإن البركة مع أكابرهم ".
عبد الله بن عنبسة بن سعيد
ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي من وجوه قريش، كان مع الوليد بن يزيد حين قتل، واستشاره الوليد في بعض أمره، ثم تحول إلى الحجاز، فقتل فيمن قتل من بني أمية؛ قتله داود بن علي، وهو صاحب القصر الذي يقال له: قصر ابن عنبسة.(13/214)
عبد الله بن عوف
أبو القاسم الكناني القارئ سمع أبا جمعة جنبذ بن سبع يقول: قاتلت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول النهار كافراً، وقاتلت معه آخر النهار مسلماً، وكنا ثلاثة رجال، وسبع نسوةٍ، وفينا أنزلت: " ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات " الآية.
وسمع عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد بن العاص قال لبشير بن عقربة: يا أبا اليمان، إني قد احتجت اليوم إلى كلامك، فقم، فتكلم، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من قام بخطبةٍ لا يريد بها إلا رياء وسمعة وقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة ".
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن عوف القارئ: إذا أتاك كتابي هذا، فاركب أنت ومن معك إلى البيت النجس الذي برفح فاقلعه من أساسه، ثم أذره في البحر.
عبد الله بن عون بن أرطبان
أبو عون مولى مزينة، من أهل البصرة، أحد الأئمة، أدرك أنس بن مالك، قدم دمشق.
روى عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أتى الجمعة فليغتسل ".(13/215)
روى عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلاً بعشائرهم وقبائلهم، لا يزاد فيهم رجل، ولا ينقص منهم، وخلق النار، وخلق لها أهلاً بعشائرهم وقبائلهم، لا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم " قيل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ".
وروى عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ".
قال ابن عون: أنا رأيت غيلان القدري مصلوباً على باب دمشق.
قال ابن عون: حدثني أبي، عن جدي أرطبان قال: لما عتقت اكتسبت مالاً، فأتيت عمر بن الخطاب بزكاته، فقال لي: ما هذا؟ قلت: زكاة مالي، قال: أولك مال؟ قلت: نعم، قال: بارك الله لك في مالك وولدك.
وكان أرطبان شماساً في بيعة ميسان، فوقع في السهم لعبد الله بن ذرة المزني، وقيل: لعبد الله ابن معقل المزني.
قال ابن عون: رأيت على أنس بن مالك جبةً وعمامةً وكساء خزٍّ، ورأيته تقاد به دابته، لا يلقى ما ألقى أنا، لقد تركوني ما أقدر أن أخرج إلى حاجة!(13/216)
قال حماد بن زيد: مكث ابن عون بالبصرة نحواً من سبعين سنة أو سنتين وليس له في أيدي الناس إلا ثمانية أو سبعة أحاديث حتى مات أيوب.
قال شعبة: شك ابن عون أحب إلي من يقين غيره.
ولد ابن عون سنة ست وستين، ومات سنة إحدى وخمسين ومائة.
حدث هشام بن حسان مرةً، فقال له رجل: من حدثك به؟ قال: من لم تر عيناي والله مثله قط؛ عبد الله بن عون، وما استثني الحسن، ولا ابن سيرين، وقدم هشام مرةً من مكة، فأتى ابن عون، فقال: والله ما أتيت أهلي، ولا أحداً حتى أتيتك.
قال مالك بن أنس للثوري: يا أبا عبد الله، من خلفت بالعراق؟ قال: فكرهت أن أذكر له أهل الكوفة، قال: فقلت له: تركت بها أيوب، ويونس بن عبيد، وابن عون والتيمي، قال: فقال لي: ذكرت الناس.
عن أبي إسحاق الفزاري قال: كنت عند الأوزاعي، فقال: لو خيرت لهذه الأمة من ينظر لها، ويختار لها ما اخترت لها إلا سفيان بن سعيد، وعبد الله بن عون.
وقال: إذا مات ابن عون وسفيان الثوري استوى الناس.
قال سفيان الثوري:
دخلت البصرة فرأيت أربعة أئمة: سليمان التيمي، وأيوب السختياني، وابن عون، ويونس، كل يقول: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فرجعت عن قولي، فقلت كما قالوا: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وكان قوله: بكر، وعمر، وعلي، وعثمان.
عن ابن عون أنه نادته أمه، فأجابها، فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين.(13/217)
عن عباد المهلبي قال: أتيت ابن عون، فسلمت عليه، قال: فرجعت إلى البيت، فإذا أنا بإنسان قد ضرب الباب، فإذا هو ابن عون، فقلت: ادخل فما جاء به إلا أمر، وإنما فارقته الساعة، فقلت: يا بن عون، مه؟ قال: أردت أن آتيك، فأسلم عليك، فكرهت أن أعوّد نفسي هذه العادة؛ أن أنوي شيئاً ثم لا أفي به.
قال ابن المبارك: ما رأيت أحداً ذُكر لي قبل أن ألقاه ثم لقيته إلا وهو على دون ما ذكر لي، إلا حيوة بن شريح، وابن عون، وسفيان؛ فأما ابن عون فلوددت أني لزمته حتى أموت، أو يموت.
وقيل لابن المبارك: ابن عون بمَ ارتفع؟ قال: بالاستقامة.
كان يقال لابن عون سيد القراء في زمانه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
وكان ابن عون إذا غضب على أحدٍ من أهله قال: بارك الله فيك، فقال: أنا بارك الله فيّ؟ قال: نعم، فقال بعض من حضر: ما قال لك إلا خيراً، قال: ما قال لي هذا حتى أجهد. وكان يأتيه السابري من سابور؛ فإذا أراد أن يبيعه أخرجه إلى صحن الدار، فيريهم المتاع، قال: فيشترونه منه، قال: وكان له جار مجوسي يأتيه السابري من سابور، فإذا أراد أن يبيعهم أدخلهم في موضع مظلم، فكانوا لا يشترون من المجوسي شيئاً حتى لا يصيبوا عند ابن عون شيئاً.
قال بكار بن محمد: صحبت ابن عونٍ دهراً من الدهر حتى مات، وأوصى إلى أبي، فما سمعته حالفاً على يمينٍ برةٍ ولا فاجرة حتى فرق الموت بيننا، وما رأيت بيد ابن عون ديناراً، ولا درهماً(13/218)
قط، ولا رأيته يزن شيئاً قط، وكان إذا توضأ للصلاة لا يعينه عليه أحد، وكان يمسح وجهه بالمنديل إذا توضأ أو بخرقة، وكان لا يبكر إلى الجمعة ذاك التبكير الذي يُعرف، ولا يؤخرها، وكان أحب الأمور إليه أوسطها، والاختلاط بالجماعة، وكان يغتسل للجمعة والعيدين، ويتطيب للجمعة والعيدين، ويرى ذلك سُنة، وكان طيب الريح في سائر الأيام، لين الكسوة، وكان يلبس للجمعة والعيدين أنظف ثيابه، وكان يأتي الجمعة ماشياً وراكباً، ولا يقيم بعد صلاة الجمعة، وكان في شهر رمضان لا يزيد على المكتوبة في الجماعة، ثم يخلو في بيته، وكان إذا خلا في منزله إنما هو صامت، ولا يزيد على الحمد لله ربنا، وكان إذا وصل إنساناً وصله سراً، وإن صنع شيئاً صنع سراً، يكره أن يطلع عليه أحد، وكان لابن عون سُبْع يقرؤه كل ليلة، فإذا لم يقرأه بالليل أتمه بالنهار.
عن عباد المهلبي قال: سأل رجل ابن عون عن الوتر، أي متى يُوتر؟ قال: فحدثه بما كانوا يفعلون، قال: فقال: حدثني كيف تفعل أنت، فقال: كفى بالرجل ما يخطئ في نفسه.
قال بكار بن محمد: كان ابن عون يغزو على ناقته إلى الشام، فإذا صار إلى الشام ركب الخيل، قال: وبارز ابن عون رومياً، فقتله، وكان إذا جاءه إخوانه فكأن على رؤوسهم الطير، لهم خشوع وخضوع ليس أراه لأحد، وكان يرد عليهم: وعليكم السلام ورحمة الله، وكان لا يدع أحداً من أصحاب الحديث، ولا غيرهم يتَّبعه، واتبع ابن عون محمد بن سيرين يوماً، فقال: ألك حاجة؟ قال: لا، قال: فانصرف، وما رأيت ابن عون يمازح أحداً، ولا يماري أحداً، ولا ينشد شعراً؛ وكان مشغولاً بنفسه، وكان إذا صلى الغداة مكث مستقبلاً القبلة في مجلسه يذكر الله، فإذا طلعت الشمس صلى، ثم أقبل على(13/219)
أصحابه، وما رأيت ابن عون شاتماً أحداً قط: عبداً، ولا أمةً، ولا شاةً، ولا دجاجةً، ولا شيئاً، ولا رأيت أحداً أملك للسانه منه.
وكان ابن عون قد سمع بالكوفة علماً كثيراً، فعرضه على محمد، قال محمد: ما أحسن هذا! حدث به. وما كان سوى ذلك أمسك عنه حتى مات وكان إذا حدث بالحديث تخشع عنده حتى نرحمه، مخافة أن يزيد أو ينقص.
عن سلام بن أبي مطيع قال:
لما بعث سليمان بن علي بالألفين إلى يونس وابن عون، فقبلها يونس، فدخلت عليه، فقال: يا أبا سعيد ما اكتسبت مالاً قط أطيب عندي منه، قال: وكان الرسول فيها حميد، قال: وأما ابن عون فأقبل على حميد فقال: ما لي ولك يا حميد، ما لي ولك يا حميد! أتستطيع أن تخرجني مما أدخلتني فيه؟! قال: فأبى أن يقبلها.
قال عصام بن يوسف: سمعت خارجة بن مصعب يقول: صحبت ابن عون ثنتي عشرة سنة، فما رأيته تكلم بكلمة كتبها عليه الكرام الكاتبون.
قال بكار بن محمد: حدثني بعض أصحاب ابن عون قال: كان له ناقة يغزو عليها، ويحج عليها، وكان بها معجباً، فأمر غلاماً له يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها على وجهها، فسالت عينها على خدها، قلنا: إن كان من ابن عون شيء فاليوم! قال: فلم يلبث أن نزل إلينا فلما نظر إلى الناقة قال: سبحان الله أفلا غير الوجه؟ بارك الله فيك، اخرج عني، اشهدوا أنه حر! وقال بكار بن محمد: ما سمعت ابن عون ذاكراً بلال بن أبي بردة بشيءٍ قط، ولقد بلغني أن قوماً قالوا:(13/220)
يا أبا عون، بلال فعل، فقال: إن الرجل يكون مظلوماً فلا يزال يقول حتى يكون ظالماً، ما أظن أحداً منكم أشد على بلالٍ مني، قال: وكان بلال قد ضربه بالسياط لأنه كان تزوج امرأة عربية.
قيل لابن عون: ألا تتكلم، فتؤجر؟ قال: أما يرضى المتكلم بالكفاف؟ قال إبراهيم بن رستم: كنت عند ابن عون ببغداد إذا جاءت الجارية وبيدها قصعة، فسقطت القصعة من يدها، وفزعت، فنظر إليها ابن عون، فقال لها بالفارسية: أخفت مني؟ قالت: نعم، فقال لها: فأنت حرة، فأنت حرة.
قال ابن عون: يا إخوتاه، أوصيكم بثلاثٍ: بقراءة القرآن، ولزوم السنة، والكف عن الناس.
سلم عمرو بن عبيد على ابن عون فلم يرد عليه، وجلس إليه، فقام عنه.
قال سليم بن أخضر: أردت السفر إلى مكة، فأتيت ابن عون لأودعه، فقال: يا سليم، اتق الله، وعليك بالإحسان؛ فإن المحسن معان، " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ".
عن عبد الله بن عون: أما بعد، فاتهم الشيطان على دينك، واحذره على نعمة الله عليك أن يفتنك كما أخرج أبويك من الجنة، فإنه عدو مضل مبين، عدو للحق، ولي للباطل، قاعد بصراط الله المستقيم، يصد عن صراط الجنة، ويدعو إلى سبيل النار، وقد صارع كل خصلةٍ من الطاعة شهوة من المعصية، وكل شريعة من الهدى شريعة من الضلالة، حريص على أن يصدق ظنه، وأن يكثر نفعه، من هنالك سأل النظرة إلى الوقت المعلوم، اعلم أنه يعرض(13/221)
الشهوات على العباد كلها، والمعاصي صغيرها وكبيرها، كلما عرض على عبدٍ باباً من الحرام فلم يوافق شهوته، ولم يطع فيه عرض عليه آخر حتى يصادف هواه، فيستهويه عند ذلك، ويتركه حيران لا يدري أين توجه، كلما مل العبد شهوةً من الحرام أطرفه بأخرى، وأخبره أنه قد تاب من الأولى، كلما غلق في عينه باب من أبواب المعاصي جدد له آخر، وزينه له، فهو يعلل العبد بالشهوات، ويعده بالغرور، ويلهيه بالأماني والأمل كما يعلل الصبي حتى يقذفه في النار، ثم يتبرأ منه.
وعن ابن عون قال: لا تثق بكثرة العمل، فإنك لا تدري يقبل منك أم لا، ولا تأمن من ذنوبك فإنك لا تدري هل كفرت عنك أم لا، إن عملك عنك مغيب كله، ما تدري ما الله صانع فيه؛ أيجعله في سجين أم في عليين.
وقال: وددت أني خرجت من العلم كفافاً، ما أنا على شيء مقيم؛ أخاف أن يدخلني النار غيره. جاء شرطي يطلب رجلا في مجلس ابن عون، وهو في المجلس، قال: يا أبا عون فلان رأيته؟ قال: ما في كل الأيام يأتينا فلان، فذهب وتركه.
عن عبد الله بن عون قال: أوصى إلي ابن عم لي وأنا غائب، فذكرت ذلك لمحمد بن سيرين، فقال: اقبض وصيته، قال: فأخذتها وكتبت إلى نافع أسأله: هل علمت ابن عمر رد وصية أحدٍ من أقاربه، أو من غيرهم من إخوانه من المسلمين؟ فكتب: إني لا أعلم ابن عمر رد وصية أحدٍ من أقاربه، ولا من غيرهم من إخوانه من المسلمين، قال: فقبلها.
قال ابن عون: رأيت في المنام كأني مع محمد في بستان، قال: فجعل يمشي فيه، فيمر على الجدول،(13/222)
فيثبه، وأنا خلفه أفعل ذلك، قال: فأتيته فقصصتها عليه، فرأيت أنه عرفها، فقال: ما شاء الله، هذا رجل يتبع رجلاً يتعلم منه الخير.
عن محمد بن فضاء قال:
رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم وهو يقول: " زوروا ابن عونٍ؛ فإن الله ورسوله يحبه، أو أنه يحب الله ورسوله ".
عن النضر بن كثير قال: رأيت ابن عون في أعلى منارةٍ في المسجد الجامع التي في مؤخر المسجد مستقبل القبلة، وإصبعه في أذنه، وهو يقول: هذا صراط ابن عون المستقيم.
قال مولى سليمان بن علي: رأيت ابن عون مقيداً يمشي في سكك المربد.
قال بكار بن محمد: كان ابن عون يتمنى أن يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يره إلا قبل وفاته بيسير، فسر بذلك سروراً شديداً، فنزل من درجته إلى مسجد كان في الدار، قال: فسقط، فأصيب في رجله، فلم يعالجها حتى مات، وكفن في برد شراؤه مائتي درهم فماكسنا بنوه، وقالوا: لا نشتري إلا بدون ذلك، فقالت عمتي، وكانت امرأته: احسبوا الباقي علي، وحضرته الوفاة، فكان موجّهاً حتى قبض يذكر الله حتى غرغر بالموت، وما رأيت أحداً أشد عقلاً منه عند الموت، ومات في السحر فما قدرنا على أن نصلي عليه حتى وضعناه في محراب المصلى، غلبنا عليه الناس ومات وعليه من الدين بضعة عشر ألفاً، وأوصى بخُمس ماله بعد دينه إلى أبي في قرابته المحتاجين وغير المحتاجين، وكانت وفاته في رجب سنة إحدى وخمسين ومائة في خلافة أبي جعفر، وصلى عليه جميل بن محفوظ الأزدي صاحب شرطة عقبة بن مسلم.
قال أبو الربيع الزهراني: وكان من خيار الناس، حدثني جار لنا قال: رأيت ابن عون في النوم، فقلت:(13/223)
ما صنع الله بك؟ فقال: ما غربت الشمس من يوم الاثنين حتى عرضت على صحيفتي وغفر لي.
عبد الله بن العلاء بن زبر
أبو عبد الرحمن الربعي روى عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه أعرابي، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: " ما ألوانها؟ " قال: فذكر كلمةً، قال: " هل فيها من أورق؟ " قال: نعم، قال: " فأنى ذلك؟ " قال: لعل عرقاً نزعه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فلعل هذا نزع ابنك ".
عن عبد الله بن العلاء وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر قالا: ثنا أبو سلاّم، حدثني أبو سلمى راعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بخٍ بخٍ! خمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم، فيحتبسه ".
وروى عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: أهللت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرةٍ في حجته - وفي رواية أخرى: أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرةٍ وحجة.
ولد عبد الله بن العلاء بن زبر سنة خمس وسبعين، وتوفي سنة أربع وستين ومائة - وقيل: سنة خمس وستين ومائة. وكان ثقة لا بأس به.(13/224)
عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو الحارث القرشي المخزومي المديني ولد بأرض الحبشة في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل أنه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم دمشق غازياً.
عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض بيوت آل بني ربيعة، إما لعيادة مريض، وإما لغير ذلك، فقالت له أسماء بنت المخربة التميمية وكانت أم الجلاس، وهي أم عبد الله بن عياش ابن أبي ربيعة: يا رسول الله، ألا توصني؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أم الجلاس، ائتني إلى أختك ما تحبين أن تأتي إليك، وأحبي لأختك ما تحبين لك " ثم أُتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصبي من ولد عياش، وكانت أم الجلاس ذكرت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرضاً بالصبي، أو علة، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرقي الصبي، ويتفل عليه، وجعل الصبي يتفل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما تفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل بعض أهل البيت ينهى الصبي ويكفهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك.
وقال: ما قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتلك الجنازة، إلا أنها كانت يهودية، فآذاه ريح بخورها، فقام حتى جازته.
قال الزبير بن بكار:
وولد عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: عبد الله بن عياش - ونِعْم عبد الله كان - حكي عن نافع مولى ابن عمر أنه قيل له: أكان عبد الله بن عمر يقول لمن يصحبه في السفر: إن كنت تصوم فلا تصحبنا؟ قال: قد كان يصحبه ابن عياش، وهو يصوم، فيأمر له بسحورٍ، وأم عبد الله بن عياش بنت سلامة بن مخرِّبه بن جندل.(13/225)
قال نافع: سمعت من عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة حديثاً، لا أدري عمن حدث به، قال: يبعث الله ريحاً بين يدي الساعة، لا تدع أحداً في قلبه من الخير شيء إلا أماتته.
عن محمد بن ميناء: أن عبد العزيز أبا عمر بن عبد العزيز بعث إلى ابن عمر بمالٍ في الفتنة، فقبله، وبعث إلى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة فلم يقبل.
عن نافع قال: رأيت عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بطريق مكة يسعيان على أرجلهما، وإنهما لشيخان.
قتل عبد الله بن عياش بسجستان سنة ثمان وسبعين.
عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
أبو محمد الأنصاري الكوفي فقدم دمشق، وأبو ليلى له صحبة، وقد اختلف في اسمه.
حدث عن عبد الله بن جبير، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضأ في إناءٍ يسع رطلين، وكان يغتسل بصاعٍ.
عن عبد الله بن عيسى قال: لقيت زيد بن علي بالشام، فذاكرته المسح على الخفين، وقلت له: إن علياً مسح، قال: أنتم أعلم بعلي منا، كان فيكم، أما أنا ففي نفسي منه شيء، قال: وحدثته بحديث، فكتبه في ألواح معه صغار.(13/226)
وقال: رآني عبد الرحمن بن أبي ليلى وأنا أصلي، فقال: ألزق أنفك بالأرض يا بن عيسى، وكان عبد الله بن عيسى ابن أخي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، كانوا يقولون: هو أفضل من عمه، وهو أسن من عمه، وكان ثقةً صالحاً.
قال علي بن المديني: عبد الله بن عيسى الذي روى عن عكرمة، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس منا من خبّب امرأة على زوجها " هو عندي منكر الحديث.
هلك عبد الله بن عيسى سنة ثلاثين ومائة.
عبد الله بن الفرج بن عبيد الله
ويقال: ابن عبد الله أبو محمد القرشي، المعروف بابن البرامي روى عن القاسم بن عثمان الجوعي بسنده إلى أبي سعيد بن رافع قال: سألت ابن عمر عن هذه الآية: " إنك لا تهدي من أحببت " أفي أبي جهل وأبي طالبٍ نزلت؟ قال: نعم.
عبد الله بن فروخ
مولى عائشة، شامي، تابعي، ثقة.
روى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافعٍ، وأول مُشفَّع ".(13/227)
عبد الله بن فيروز
أبو بشر ويقال: أبو بسر الديلمي وكانت لأبيه صحبة، وأبوه من أبناء اليمن، صحب عبد الله معاذ بن جبل بالشام إلى أن مات، وسكن فلسطين، ويقال: الأردن، ووفد على عمر بن عبد العزيز.
عن عبد الله بن فيروز الديلمي قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله خلق خلقه في الظلمة، ثم ألقى - وفي رواية: فألقى - عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل، ولذلك - وفي رواية: فلذلك - أقول: جف القلم عن علم الله عز وجل ".
عن أبي بسر عبد الله الديلمي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن سليمان بن داود لما فرغ من بنيان بيت المقدس سأل الله حكماً يصادف حكمة، وملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، ولا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما اثنتان فقد أعطيهما، وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة ".
عن ابن الديلمي قال:
وقع في نفسي شيء من القدر، فأتيت أُبي بن كعب، فقلت: يا أبا المنذر، إنه وقع في نفسي شيء من القدر قد خشيت أن يكون فيه هلاك ديني، أو أمري، فحدثني من ذلك شيئاً، لعل الله عز وجل أن ينفعني، فقال: لو أن الله عز وجل عذب أهل سماواته، وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحدٍ - أو مثل جبل أحد - ذهباً، فأنفقته في سبيل الله عز وجل ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن(13/228)
تأتي أخي عبد الله بن مسعود، فأتيت عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك، وقال: لا عليك أن تأتي أخي حذيفة بن اليمان، فتسأله، فأتيت حذيفة، فسألته، فقال مثل ذلك، وقال: لو أتيت زيد بن ثابت، فأتيت زيد بن ثابت فسألته، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله عز وجل لو عذب أهل سماوته، وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالمٍ لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك جبل أحد - أو مثل جبل أحد - ذهباً أنفقته في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك؛ فإن مت على غير هذا دخلت النار ".
عن ابن الديلمي قال: كنت ثالث ثلاثةٍ ممن يخدم معاذ بن جبل، فلما حضرته الوفاة قلنا: يرحمك الله، إنما صحبناك، وانقطعنا إليك لمثل هذا اليوم، ولتحدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ننتفع به، قال: ساء ساعة الكذب هذه، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مات وهو مؤمن بثلاث: أن الله حق، وأن الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور دخل الجنة - أو قال: نجا من النار ".
كان عبد الله بن الديلمي يصحب عبد الملك بن مروان، ويجالسه.
خرج عبد الله بن الديلمي إلى صنعاء، فلما أراد أن يخرج شيعه وهب بن منبه، فقال: يا أبا بشر أين منزلك؟ فأخبره، فقال: إن استطعت ألا تنام إلا في موضع ترى فيه أهلك فافعل، قال: فاشترى داراً بكورة بيت جبرين في قرية يقال لها: معلولا.(13/229)
عبد الله بن القاسم بن الحكم
ابن عبد الرحمن بن معاوية بن عبد الله بن أبان بن عثمان بن عفان، أبو محمد العثماني حدث عن يونس بن عبد الأعلى بسنده إلى مالك: أن لقمان الحكيم قال لابنه: يا بني، إن الناس قد تطاول عليهم ما يوعدون، وهم إلى الآخرة سراعاً يذهبون، وإنك قد استدبرت الدنيا منذ كبرت، واستقبلت الآخرة، وإن داراً تسير إليها أقرب إليك من دارٍ تخرج منها.
عبد الله بن القاسم بن سهل بن جوهر
أبو الحسن الموصلي الفقيه الصواف روى عن أحمد بن محمد بن إسحاق بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يستأنى بالجراحات سنةً ".
عبد الله بن قرط الأزدي الثمالي
من أهل دمشق - يقال: هو أخو عبد الرحمن صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم سكن حمص، وولاه إياها معاوية، وشهد فتح دمشق على ما ذكره عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي في كتابه: فتوح الشام، وبعثه يزيد بن أبي سفيان بكتابه إلى أبي بكر، وشهد اليرموك، وذكر الواقدي أنه كان من جند دمشق.
عن عبد الله بن قرط أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أفضل الأيام عند الله عز وجل يوم النحر، ثم يوم القر، يستقر الناس(13/230)
فيه، وهو الذي يلي يوم النحر " وقُدّم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدنات خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه، بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبهن قال كلمةً خفيةً لم أفهمها فقلت للذي إلى جنبي: ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: " من شاء اقتطع ".
عن مسلم بن عبد الله الأزدي قال: جاء عبد الله بن قرط الأزدي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اسمك؟ " قال: شيطان بن قرط، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت عبد الله بن قرط ".
وقيل: إن عبد الله بن قرط خرج يعس وهو والٍ على حمص على شاطئ الساحل، فنام على فرسه لم يشعر حتى أخذته الروم، فقتلته في هذا الموضع - يعني عند برج ابن قرط، وذلك سنة ست وخمسين.
قال سليم بن عامر: سمعت عبد الله بن قرط الأزدي على المنبر يقول في يوم أضحى أو فطرٍ؛ ورأى على الناس ألوان الثياب فقال:
يا لها من نعمةٍ ما أسبغها، ويا لها من كرامة ما أظهرها! وإنه ما زال عن جادة قومٍ أشد من نعمة لا يستطيعون ردها، وإنما تلبث - وفي رواية: تثبت - النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم.
وقد روي نحو هذه الخطبة عن أخيه عبد الرحمن بن قرط من وجه آخر.
عن عروة بن رويم: أن عمر بن الخطاب تصفح الناس، فمر به أهل حمص، فقال: كيف أميركم؟ قالوا: خير أمير، إلا أنه بنى علية يكون فيها، فكتب كتاباً، وأرسل بريداً، وأمره أن(13/231)
يحرقها، فلما جاءها جمع حطباً وحرق بابها، وأخبر بذلك، فقال: دعوه! فإنه رسول. ثم ناوله الكتاب، فلم يضعه من يده حتى ركب إليه، فلما رآه عمر قال: احبسوه عني في الشمس ثلاثة أيام، فلما مضت قال: يا بن قرط، الحقني إلى الحرة - وفيها إبل الصدقة - قال: انزع ثيابك، فألقى إليه نمرة من أوبار الإبل، ثم قال: امتح، واسقِ هذه الإبل! فلم ينزع حتى تعب، ثم قال: متى عهدك يا بن قرط بهذا؟ قال: قريب يا أمير المؤمنين، قال: فلذلك بنيت العلية وارتفعت بها على المسكين والأرملة واليتيم؟ ارجع إلى عملك ولا تعد! عن أبي حذيفة إسحاق بن بشر قال: وقد كان عمر بن الخطاب وجّه عبد الله بن قرط إلى حمص، ثم وجد عليه عمر، فعزله، وولى عبادة بن الصامت الأنصاري حمص، فلما قدمها قام في الناس خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: ألا إن الدنيا خضرة يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيه ملك قادر، ألا وإن للدنيا بنين، وللآخرة بنين، فكونوا من بني الآخرة، ولا تكونوا من بني الدنيا؛ فإن كل أم يتبعها بنوها يوم القيامة.
قم يا شداد بن أوسٍ فعظِ الناس - وكان شداد مفوهاً، قد أعطي لساناً وحكمةً وبياناً - فقال: يا أيها الناس، تعاهدوا كتاب الله عز وجل، وإن تركه كثير من الناس، فإنكم لن تروا من الخير إلا أسبابه، ثم إن الله عز وجل قد جمع الخير كله بحذافيره، فجعله في الجنة، وجمع الشر كله بحذافيره، فجعله في النار، وإن الجنة حزنة، وإن النار سهلة، ألا وإن الجنة حفت بالمكاره والصبر، ألا وإن النار حفت بالهوى والشهوات، فمن كشف حجاب الكره والصبر أسفر عن الجنة، ومن أسفر عن الجنة كان من أهلها؛ ألا فاعملوا(13/232)
بالحق تنزلوا بالحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق.
وكتب إلى عبادة بن الصامت أن يشخص إليه عبد الله بن قرط الثمالي، فلما قدم عليه قال: لأردنك إلى بلادك ورعية الإبل! فرده إلى بلاد ثمالة، فمكث بها سنةً، ثم كتب إليه فقدم عليه، ورضي عنه، وأذن له إلى حمص، فكان بها حتى كان من آخر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفاةً.
عبد الله بن قيس بن سليم
ابن حضار بن حرب بن عامر بن عنز بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر - وهو نبت - بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو موسى الأشعري كان عامل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زبيد وعدن وساحل اليمن، واستعمله عمر على الكوفة، والبصرة، وشهد وفاة أبي عبيدة بالأردن، وخطبة عمر بالجابية، ثم قدم دمشق على معاوية.
عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، وكان القوم يصعدون ثنية أو عقبةً، فإذا صعد الرجل قال: لا إله إلا الله والله أكبر، قال: أحسبه قال: بأعلى صوته، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته يعترضها في الخيل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيها الناس، إنكم لا تنادون أصم، ولا غائباً " ثم قال: " يا عبد الله بن قيس - أو يا أبا موسى الأشعري - ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: " قل لا حول ولا قوة إلا بالله ".(13/233)
عن أبي يوسف الحاجب قال: قدم أبو موسى الأشعري، فنزل بعض الدور بدمشق، وكان معاوية يخرج ليلاً، فيسمع قراءته.
قال خليفة: ولي لعمر بن الخطاب البصرة، واستعمله عثمان بن عفان على الكوفة بعد أن فتح الله به البلدان الكثيرة، وبنى بها داراً إلى جنب المسجد، وقُتل عثمان وهو على الكوفة، وله بها عقب.
وأم أبي موسى ظبية بنت وهب من عك، كانت أسلمت، وماتت بالمدينة، وكان أبو موسى الأشعري قدم مكة، فحالف سعيد بن العاص بن أمية أبا أُحَيحة، وأسلم بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مع أهل السفينتين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد فتح خيبر بثلاث، قسم لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقسم لأحدٍ لم يشهد الفتح غيرهم، وكان تولى فتح أصبهان في وقت عمر بن الخطاب، وكان أحسن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوتاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد أُوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود " دعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أوطاس فقال: " اللهم اغفر له ذنبه، وأدخله مدخلاً كريماً ".
تزوج أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأولدها موسى بن أبي موسى.
وكان رجلاً خفيف الجسم، خفيف اللحية، قصيراً.
عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال: ليس أبو موسى من مهاجرة الحبشة، وليس له حلف في قريش، وقد كان أسلم بمكة قديماً، ثم رجع إلى بلاد قومه، فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول(13/234)
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر وأصحابه من أرض الحبشة، ووافوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فقالوا: قدم أبو موسى مع أصحاب السفينتين.
ويقولون: إنما أصابوا دماً باليمن، فخرجوا منها، وهم عشرة، ورأسهم أبو عامر حتى قدموا مكة، فنزلوا بالمعلاة حيث يقال: بيت أبي موسى، وحالفوا آل سعيد بن العاص، ثم شخصوا حين سمعوا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فركبوا في السفينة عند جدة، فقدموا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتفق قدومهم، وقدوم جعفر، فأطعمهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر طعمة وهي معروفة، يقال لها: طعمة الأشعريين، وشهدوا معه حنيناً، وهم عشرة، فلما انهزمت هوازن وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عامر في طلبهم، فلحقهم بأوطاس، فنزل إليه رجل منهم، فدعا إلى البراز، فخرج إليه أبو عامر، وقال: اللهم اشهد، فقتله، ثم آخر، فخرج إليه أبو عامر، فقال: اللهم اشهد، فقتله، حتى قتل منهم تسعة، ثم خرج العاشر، فبرز له أبو عامر، فقال: اللهم اشهد، فقال العاشر: اللهم لا تشهد، فقتل أبا عامر، وأخذ الراية أبو موسى، فقتل قاتله، وانهزم القوم، وصارت الرئاسة لأبي موسى.
عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم - إما قال: بضعاً، وإما قال ثلاثة، أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي - فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، قال جعفر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا. قال: فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، قال: فوافقنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، أو قال: فأعطانا منها، وما قسم لأحدٍ غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفرٍ وأصحابه؛(13/235)
قسم لهم معهم، قال: قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: سبقناكم بالهجرة، قال: فدخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا، على حفصة ذا مرة - وفي رواية: حفصة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائرةً - وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، فقال عمر: آلحبشيه هذه، آلبحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، ونحن أحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغضبت، وقالت: كلمةً يا عمر، كلا والله، كنتم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يطعم جائعكم، ويعظ - وفي رواية: ويعلم - جاهلكم، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وايم الله لا أطعم طعاماً، ولا أشرب شرباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسأله، ووالله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك.
فلما جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فما قلت له؟ " قالت: قلت كذا وكذا، قال: " ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم - أهل السفينة - هجرتان " قال: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح، ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث.
قال أنس بن مالك: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقدم عليكم غداً قوم هم أرق قلوباً للإسلام منكم " قال: فقدم الأشعريون، فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون:
غداً نلقى الأحبه ... محمداً وحزبه
فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة.(13/236)
قال عياض الأشعري: لما نزلت: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هم قومك يا أبا موسى " وأومى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده إلى أبي موسى.
عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: يا بني، لو رأيتنا ونحن مع نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصابتنا السماء لحسبت ريحنا ريح الضأن؛ وإنما لباسنا الصوف، وطعامنا الأسودان: الماء والتمر.
عن أبي موسى قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزاةٍ، ونحن ستة نفرٍ بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، فنقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، قال: فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق.
فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، فقال: ما كنت أصنع بأن أذكر هذا الحديث، قال: لأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه، الله يجزي به.
عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين بعث أبا عامر على جيشٍ إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريداً، وهزم الله أصحابه.
قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامرٍ، قال: فرمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهمٍ، فأثبته قي ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عم، من رماك؟(13/237)
فأشار أبو عامر إلى أبي موسى: إن ذاك قاتلي، تراه، ذاك الذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له، فاعتمدت له، فلحقته، فلما رآني ولى عني ذاهباً، فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحي، ألا تثبت، ألا تستحي، ألست عربياً؟ فكف فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف، فقتلته، ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: قد قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته، فنزا منه الماء، قال: يا بن أخي، انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقره مني السلام، وقل له: يقول لك: استغفر لي، قال: فاستخلفني أبو عامر، ومكث يسيراً، ثم إنه مات، فلما رجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دخلت عليه، وهو في بيت على سرير، قد أثّر السرير بظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجنبيه، فأخبرته خبرنا وخبر أبي عامرٍ، فقلت: إنه قد قال: استغفر لي - وفي رواية: قل له يستغفر لي - قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بماءٍ، فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: " اللهم اغفر لعُبيدٍ أبي عامر " ثم قال: " اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير خلقك - أو من الناس - " فقلت: وليّ يا رسول الله فاستغفر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم اغفر لعبد الله بن قيسٍ ذنبه، وأدخله مدخلاً كريماً " قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى. عن أبي موسى قال:
كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل أعرابي، فقال: ألا تنجز لي يا محمد ما وعدتني؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبشر " فقال الأعرابي: أكثرت عليَّ من أبشر، ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فأقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: " إن هذا قد رد البشرى فاقبلا أنتما " فقالا: قبلنا يا رسول الله، ثم دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدحٍ فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال لهما: " اشربا منه، وأفرغا منه على وجوهكما،(13/238)
ونحوركما وأبشرا " فأخذا القدح، ففعلا ما أمرهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادتهما أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما مما في إنائكما، فأفضلا لها منه طائفةً.
خرج بريدة عشاءً، فلقيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ بيده، فأدخله المسجد، فإذا صوت رجلٍ يقرأ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تراه يرائي؟ " فأسكت بريدة، فإذا رجل يدعو، فقال: اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده - أو قال: والذي نفس محمد بيده - لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب " قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاءً، ولقيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ بيده، فأدخله المسجد، فإذا صوت رجل يقرأ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تراه مرائياً؟ " فقال بريدة: أتقوله مرائياً يا رسول الله؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بل مؤمن منيب، لا بل مؤمن منيب " فإذا الأشعري يقرأ بصوتٍ له في جانب المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الأشعري - أو إن عبد الله بن قيس - أُعطي مزماراً من مزامير داود "، فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟ فقال: " بلى فأخبره " فأخبرته، فقال: أنت لي صديق، أخبرتني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث.
عن أنسٍ قال: قعد أبو موسى في بيتٍ - وفي رواية: في بيته - واجتمع إليه ناس، وأنشأ يقرأ عليهم القرآن، قال: فأتى رجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ألا أعجبك من أبي موسى! إنه قعد في بيتٍ، واجتمع إليه ناس، وأنشأ يقول عليهم القرآن، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(13/239)
أتستطيع أن تقعدني حيث - وفي رواية: من حيث - لا يراني منهم أحد؟ " قال: نعم، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقعده الرجل حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبي موسى، قال: فقال: " إنه يقرأ - وفي رواية: ليقرأ - على مزمارٍ من مزامير آل داود ".
عن أنسٍ: أن أبا موسى الأشعري قام ليلةً يصلي، فسمع أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، وكان حلو الصوت، فقمن يستمعن، فلما أصبح قيل له: النساء كن يستمعن، فقال: لو علمت لحبّرتكن تحبيراً، ولشوقتكن تشويقاً - وفي رواية: لحبرتكم وشوقتكم.
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، وقل طعامهم - وفي رواية: أو قل طعام عيالهم - بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم ".
عن أبي عامر الأشعري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نِعْم الحي الأسد، والأشعريون لا يفرون في القتال، ولا يغلون، هم مني وأنا منهم " قال عامر ابن أبي عامر: فحدثت به معاوية، فقال: ليس هكذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه قال: " هم مني وإليَّ " فقلت: ليس هكذا حدثني أبي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه قال: " هم مني وأنا منهم " قال: فأنت أعلم بحديث أبيك.(13/240)
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا، بالقرآن، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالليل، ومنهم حكيم إذا لقي الخيل - أو قال: العدو - قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنتظروهم ".
حدث كعب بن عاصم الأشعري قال:
ابتعت قمحاً أبيض، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي، فأتيت به أهلي، فقالوا: تركت القمح الأسمر الجيد وابتعت هذا؟ والله لقد أنكحني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياك، وإنك لعيي اللسان، دميم الجسم، ضعيف البطش، وصنعت منه خبزةً، فأردت أن أدعو عليها أصحابي الأشعريين أصحاب العقبة، فقلت: أتجشأ من الشبع، وأصحابي جياع، فأتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشكو زوجها، وقالت: انزعني من حيث وضعتني، فأرسل إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجمع بينهما، فحدثه حديثها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم تنقمي منه شيئاً غير هذا؟ " قالت: لا، قال: " فلعلك تريدين أن تختلعي منه، فتكوني كجيفة الحمار؟ أو تبغين ذا جمة فينانة على كل جانب من قُصَّته شيطان قاعد؟ ألا ترضين أني أنكحتك رجلاً من نفرٍ ما تطلع الشمس على نفَرٍ خير منهم؟ " قالت: رضيت، فقامت المرأة حتى قبلت رأس زوجها، وقالت: لا أفارق زوجي أبداً.
خطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس قائماً، فحمد الله، وأثنى عليه، وذكر الطوائف من المسلمين، فأثنى عليهم خيراً، ثم قال: " ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم، ولا يفقهونهم، ولا يفطنونهم، ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم؟ ما بال أقوامٍ لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يفقهون، ولا يفطنون!؟ والذي نفسي بيده لتعلمن جيرانكم، ولتفقهنهم ولتعظنهم، ولتأمرنهم، ولتنهنهم؛ وليتعلمن قوم من جيرانهم، وليتفقهن وليتفطنن أو لأعجلنهم بالعقوبة في دار الدنيا " ثم نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل بيته، فقال أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(13/241)
بينهم: من يعني بهذا الكلام؟ قالوا: ما نعلم بهذا الكلام إلا الأشعريين؛ إنهم فقهاء علماء، ولهم جيران من أهل المياه جفاة جهلة، فاجتمع جماعة من الأشعريين، فدخلوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: ذكرت طوائف المسلمين بخير، وذكرتنا بشرٍ، فما بالنا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتعلمن جيرانكم، ولتفقهنهم، ولتفطننهم، ولتأمرنهم، ولتنهنهم، أو لأعاجلنكن بالعقوبة في دار الدنيا " فقالوا: يا رسول الله أمّا إذاً فأمهلنا سنةً ففي سنةٍ، نعلمهم ويتعلمون، فأمهلهم سنةً ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ".
قال نعيم بن يحيى التميمي: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيد الفوارس أبو موسى ".
عن أبي بردة قال: قال ابن عمر: علمت أن أباك لقي أبي، فقال: يا أبا موسى، أتحب أن تخلص عملك مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنك تفلت كفافاً؟ قال: لا، قد علمت الناس، وأقرأتهم، قال عمر: ولكن وددت أنه يخلص عملي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأني أنفلت كفافاً، قال: إن أباك كان أفقه من أبي.
قال الأسود بن يزيد: لم أر بالكوفة من أصحاب محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم من علي بن أبي طالب والأشعري.
قال الشعبي: كان الفقهاء من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة: عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وزيد، وأبو موسى، وأُبي بن كعب.
وقال: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد، وأبو موسى الأشعري، ودهاة هذه الأمة أربعة: عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة، وزياد.(13/242)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال أبي: تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان كتابي مثل العقارب.
قال سليمان أو غيره: ما كان يشبه كلام أبي موسى إلا الجزار الذي لا يخطئ المفصل.
قال عمر بن الخطاب: بالشام أربعون رجلاً، ما منهم رجل كان يلي أمر الأمة إلا أجزأه، فأرسل إليهم، فجاء رهط منهم، فيهم: أبو موسى الأشعري، فقال: إني أرسلت إليكم لأرسلك إلى قومٍ عسكر الشيطان بين أظهرهم، قال: فلا ترسلني، فقال: إن بها جهاداً، وإن بها رباطاً، قال: فأرسله إلى البصرة.
عن الحسن قال: بعث عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري وهو بالشام، فقدم عليه، فلما قدم عليه قال له: إني إنما بعثت إليك لخيرٍ، لتؤثر حاجتي على حاجتك؛ أما حاجتك فالجهاد في سبيل الله، وأما حاجتي فأبعثك إلى البصرة، فتعلمهم كتاب ربهم وسُنة نبيهم، وتجاهد بهم عدوهم، وتقسم بينهم فيئهم.
قال الحسن: ففعل والله، لقد علمهم كتاب ربهم، وسُنة نبيهم، وجاهد بهم عدوهم، وقسم بينهم فيئهم، فوالله ما قدم عليهم راكب كان خيراً لهم من أبي موسى.
قال ابن شوذب: كان إذا صلى الصبح أمر الناس فثبتوا في مجالسهم، ثم استقبل الصفوف رجلاً رجلاً يقرئه القرآن، حتى يأتي على الصفوف، ودخل على جملٍ أورق، وخرج عليه حين عُزل.
عن أبي مرية قال: جعل أبو موسى الأشعري يعلم سنتهم ودينهم فقال: ولا يدافعن أحد منكم في(13/243)
بطنه غائطاً ولا بولاً، وإن حك أحدكم فرجه فمرشة أو مرشتين، وليكن ذلك خفيفاً، فشخصت أبصارهم - أو قال: فصرفوها عنه - فقال: ما صرف أبصاركم عني؟ قالوا: الهلال، أيها الأمير، قال: أفذاك الذي أشخص أبصاركم عني؟ قالوا: نعم، قال: فكيف بكم إذا رأيتم الله جهرةً؟! وقال لأهل البصرة: إن أمير المؤمنين عمر بعثني أعلمكم كتاب ربكم، وسُنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم.
عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر إلى أبي موسى: أما بعد؛ فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آسِ بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يأيس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر والصلح بين المسلمين إلا صلح أحل حراماً أو حرّم حلالاً، لا يمنعك قضاء قضية راجعت فيه نفسك، وهُديت فيه لرشدك أن تراجع الحق؛ فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسُنة، اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك، فأحبه إليّ أحبه إلى الله، وأشبهها بالحق فيما يرى، اجعل للمدعي أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذ حقه، وإلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك أجلى للعمى، وأبلغ للعذر، والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلود في حد، أو مجرب في شهادة زورٍ، أو ظنين في ولاءٍ أو قرابةٍ، إن الله تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم الشبهات، ثم إياك والقلق، والضجر، والتأذي بالناس، والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر، ويحسن بها الذخر، فإنه من يصلح نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن(13/244)
تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله، فما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته، والسلام عليك.
عن أبي بردة قال: كتبت حديث أبي، فقال: ألا أراك تكتب حديثي؟ قلت: أجل، قال: فاتني به، قال: فأتيته به، فمحاه، وقال: احفظ كما حفظت.
قال قتادة: بلغ أبا موسى أن قوماً منعهم من الجمعة أن ليس لهم ثياب، قال: فخرج على الناس في عباءة.
عن السميط بن عبد الله السدوسي قال: قال أبو موسى وهو يخطب: إن باهلة كانت كراعاً، فجعلناها ذراعاً، قال: فقام رجل، ألا أنبئك بألأم منهم؟ قال: من؟ قال: عك والأشعريون، قال: أولئك وأبيك آبائي، يا ساب أميره، تعال؛ قال: فضرب عليه فسطاطاً فراحت عليه قصعة، وغدت أخرى، فكان ذاك سجنه.
قدم أبو موسى البصرة والياً سنة سبع عشرة بعد عزل المغيرة، فلم يزل عليها حتى قتل عمر.
وكتب إليه عمر: أن سر إلى كور الأهواز، فسار أبو موسى، واستخلف على البصرة عمران ابن حصين، فأتى الأهواز، فافتتحها - يقال: عنوةً، ويقال: صلحاً - فوظف عليها عمر عشرة آلاف ألف وأربعمائة ألف، وفي سنة ثمان عشرة افتتح الرها، وافتتح سميساط، وما والاها عنوة.
وكان أبو عبيدة بن الجراح وجه عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى(13/245)
بعد فتح هذه المدائن، فمضى ومعه أبو موسى، فافتتحا حران، ونصيبين وطوائف الجزيرة عنوةً - ويقال: وجه أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى الجزيرة فوافق أبا موسى الأشعري قد افتتح الرها، وسميساط، فوجه خالد أبا موسى وعياضاً إلى حران فصالحا أهلها، ومضى خالد إلى نصيبين فافتتحها، ثم رجع إلى آمد، فافتتحها صلحاً وما بينهما عنوةً، وفيها: فتح جنديسابور، والسوس صلحاً، صالحهم أبو موسى، ثم رجع إلى الأهواز، وفي سنة عشرين كانت وقعة تستر، وفتحها.
سار أبو موسى الأشعري إلى تستر، وفيها الهرمزان، وكان من أهل مهرجان كذق، وكان شهد جلولاً، مع الناس، فلما هزم لحق بيزدجرد، فقال له: ائذن لي فأرجع إلى عملي بالأهواز، فأحبس عنك العرب من هذا الوجه، وأمدك بالأموال، فأذن له، فجاء حتى أتى تستر، وأجفلت الأساورة، وعظماء الأعاجم إليه، وأمده.
ونزل الهرمزان على حكم أمير المؤمنين عمر بعد أن هزمه الله، فبعثه أبو موسى مع أنس إلى عمر، فقدم به عليه، فقال عمر: تكلم لا بأس عليك، فاستحياه، فأسلم، وفرض له.
وفي ذلك يقول ابن ذي نمر الخزاعي: من المتقارب
قدمنا المدينة بالهرمزان ... عليه القلائد والمنطقه
يزف إليك زفاف العروس ... على بغلةٍ سهوةٍ معتقه
قد أنزله الله من حصنه ... على الحكم، أرجوك أن تعتقه
وذا الأشعري لنا والد ... وأم بنا برة مشفقه(13/246)
تهيء المهاد لأولادها ... وتنفض عن لطعها المرفقه
ترى الوجه منه طليقاً لنا ... ونلقاه بالأوجه المشرقه
فلسنا نريد به غيره ... عليه الجماعة مستوسقه
ولا تشمتن بنا حاسداً ... رماه بأسهمه المفرقه
قال: فأشرق وجه عمر سروراً بكلامه.
قال عبد الله بن يزيد الباهلي: دخل ضبة بن محصن من الليل، فتحدث عندي حتى خشيت عليه الحرس، قال: فكان فيما حدثني قال: شاكيت أبا موسى في بعض ما يشاكي الرجل أمره، قال: فانطلقت أبووا عليه عند عمر، قال: وذلك عند حضور وفادة أبي موسى إلى عمر، فكتب أبو موسى إلى عمر - والبرد إذ ذاك على الإبل - قال: السلام عليك، أما بعد فإني كتبت إليك، وأنا خارج إليك في كذا وكذا، قال: وكتب إليه، وضبة بن محصن قد خرج من عندي عاصياً بغير إذن بيني وبينك، فأحببت أن تعلم ذلك يا أمير المؤمنين، قال: فسبقني كتابه، فقدمت المدينة، فجئت إلى باب عمر، فقلت: السلام عليكم، يدخل ضبة بن محصن، فقال عمر: لا مرحباً ولا أهلاً! قال: فقلت: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل ولا مال! قال: فأعدت ذلك ثلاث مرات، وأعادهن ثلاثاً، ثم قال: ادخل، أو قال: أذن لي، فدخلت، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين الرجل يظلمه سلطانه، فإذا انتهى إلى أمير المؤمنين لم يجد عنده خيراً، فوالله يا أمير المؤمنين إن الأرض لواسعة، وإن العدو لكثير، قال: فكأنما كُشف عن وجهه غطاء، فقال: ادن دنوك، فقال: إيه، ثم قال: إيه، قال: قلت: أبو موسى اصطفى لنفسه أربعين من الأساورة. قال: فقال: اكتب، فكتب. قال: ثم قال: إيه؟ قلت: أبو موسى له مكتالان يكيل للناس بغير الذي يكتال به، قال: اكتب، فكتب قال: قلت: عقيلة سريته، لها قصعة غادية رائحة يأكل منها أشراف الجند، قال: اكتب، فكتب. فما لبث إلا يسيراً حتى قدم أبو موسى، قال: فمشيت إلى جنبه، أعطفه، وأذكر أمير المؤمنين قال: حتى(13/247)
انتهى إلى أمير المؤمنين، قال: فقال له: ما بال أربعين اصطفيتهم لنفسك من أبناء الأساورة؟ قال: يا أمير المؤمنين، اصطفيتهم، وخشيت أن يخدع الجند عنهم، ففاديتهم، واجتهدت في فدائهم، وكنت أعلم بفدائهم، ثم خمست وقسمت، قال ضبة: وصادقاً، والله ما كذبه أمير المؤمنين وما كذبته، قال: فما بال مكتالٍ تكتال به، وتكيل للناس بغيره؟ قال: مكتال أكيل به قوت أهلي، وأرزاق دوابي، وما كلت به لأحدٍ، وما اكتلت به من أحد، قال ضبة: وصادقاً والله، فوالله ما كذبه أمير المؤمنين وما كذبته، قال: فما بال قصعة عقيلة الغادية الرائحة؟ قال: فسكت ولم يعتذر منها بشيءٍ، قال: فقال عمر لوفده: أنشد الله رجلاً أكل منها، قال: فسكت القوم، ثم عاد ثلاث مرات، قال: فقال وكيع بن قشير التميمي: قبح الله تلكم القصعة، فإني إخالنا قد أصبنا منها، قال: فقال عمر: لا جرم، والذي نفسي بيده لا ترى عقيلة العراق ما دمت أملك شيئاً! فاحتبسها عنده.
عن أنس بن مالك قال: قال الأشعري وهو على البصرة:
جهزني، فإني خارج يوم كذا وكذا، فجعلت أجهزه، فجاء ذلك اليوم، وقد بقي من جهازه شيء لم أفرغ منه، فقال: يا أنس إني خارج، فقلت: لو أقمت حتى أفرغ من بقية جهازك، فقال: إني قد قلت لأهلي إني خارج يوم كذا وكذا، وإني إن كذبت أهلي كذبوني، وإن خنتهم خانوني، وإن أخلفتهم أخلفوني، فخرج وقد بقي من حوائجه بعد شيء لم يفرغ منه.
قال محمد بن عمر: وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وكان عامله عليها سبع سنين، وولى عبد الله بن عامر بن كريز.
قال خليفة: وفيها - يعني سنة تسع وعشرين - عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وفيها -(13/248)
يعني سنة أربع وثلاثين - أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص، وولوا أبا موسى، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يولي أبا موسى، فولاه، وأقر عثمان أبا موسى الأشعري على البصرة أربع سنين.
عن أبي مجلز قال: صلى أبو موسى بأصحابه، وهو مرتحل من مكة إلى المدينة، فصلى العشاء ركعتين، وسلم، ثم قام، فقرأ مائة آية من سورة النساء في ركعة، فأُنكر ذلك عليه، فقال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن أصنع مثل الذي صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى ربما قال له: ذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ.
وكان يقرأ بين يدي عثمان بن عفان في غير صلاة.
وكان أبو موسى إذا قرأ: " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم " قال: يعني الجهل، ويبكي. وإذا قرأ: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني، وهم لكم عدو " بكى.
عن أبي موسى قال: غزونا غزوةً في البحر نحو الروم، فسرنا، حتى إذا كنا في لجة البحر، وطابت لنا الريح، فرفعنا الشراع إذ سمعنا منادياً ينادي: يا أهل السفينة، قفوا أخبركم، قال: فقمت، فنظرت يميناً وشمالاً، فلم أر شيئاً، حتى نادى سبع مرات، فقلت: من هذا؟ ألا ترى على أي حالٍ نحن؟! إنا لا نستطيع أن نُحبس قال: ألا أخبرك بقضاءٍ قضاه الله على نفسه؟ قال: قلت: بلى، قال: فإنه من عطش نفسه لله في الدنيا في يومٍ حار كان على الله أن يرويه يوم القيامة.(13/249)
فكان أبو موسى لا نكاد نلقاه إلا صائماً في يوم حار.
عن أبي إدريس قال: صام أبو موسى حتى عاد كأنه خلال، فقيل له: لو أجممت نفسك؟ فقال: هيهات، إنما يسبق من الخيل المضمرة! عن أبي موسى قال: ما استويت قائماً لغسل منذ أسلمت.
وكان إذا اغتسل في بيتٍ مظلمٍ تحادب وحنى ظهره حتى يأخذ ثوبه، ولا ينتصب، وكان له سراويل يلبسه بالليل إذا نام، مخافة أنت تنكشف عورته.
قال أبو موسى: من كثر صديقه ركب رقاب أعدائه.
وقال: إن هذه الفتنة فتنة باقرة كوجع البطن لا يُدرى أنى يؤتى، المضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، كسروا القسي، وقطعوا الأوتار.
وقال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كانت معك أسهم فخذ بنصولها لا تجرح مسلماً، أو تخرق ثوبه ".
قال أبو موسى: فهؤلاء يأمرونني أن أستقبل بها حدق المسلمين.
قال عمار بن ياسر: يا أبا موسى، أنشدك الله، ألم تسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " وأنا سائلك عن حديثٍ، فإن صدقت، وإلا بعثت عليك من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يقررك به، أنشدك الله، أليس إنما عناك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(13/250)
فقال: " إنها ستكون فتنة بين أمتي، أنت - يا أبا موسى فيها نائماً خير منك قاعداً، وقاعداً خير منك قائماً، وقائماً خير منك ماشياً " فخصك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يعم الناس؟ فخرج أبو موسى ولم يرد عليه شيئاً.
عن سويد بن غفلة قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون في هذه الأمة حكمين ضالين، ضال من اتبعهما " فقلت: يا أبا موسى، انظر لا تكون أحدهما، قال: فوالله ما مات حتى رأيته أحدهما.
عن عكرمة قال:
لما كان يوم الحكمين، فحكم معاوية من قبله عمرو بن العاص قال الأحنف بن قيس لعلي: يا أمير المؤمنين، حكم ابن عباس، فإنه نحوه وابن عباس رجل مجرب، قال علي: فأنا أفعل، فحكم ابن عباس، فأتت اليمانية، وقالوا: لا، حتى يكون منا رجل، ودعوا إلى أبي موسى الأشعري، فجاء ابن عباس إلى علي فقال: علام تحكم أبا موسى؟ فوالله لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا وهو يرجو ما نحن فيه، فتدخله الآن في معاقد الأمر، مع أن أبا موسى ليس بصاحب ذاك، فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو فاجعل الأحنف بن قيس، فإنه مجرب من العرب، وهو قرن لعمرو بن العاص، فقال علي: فأنا أجعل الأحنف، فأتت اليمانية أيضاً، وقالوا: لا يكون فيها إلا يمان، فلما غلب علي جعل أبا موسى.
وقال ابن عباس: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكم الأشعري، فإنه معه رجلاً حذر مرس قارح من الرجال، فَلُز بي إلى جنبه، فإنه لا يحل عقدة إلا عقدتها، ولا يعقد عقدة إلا حللتها، قال: يا بن عباس، فما أصنع؟ إنما أوتى من أصحابي، قد ضعفت بينهم، وكلوا في الحرب، هذا الأشعث بن قيس يقول: لا يكون فيها مضريان أبداً حتى يكون أحدهما يمان، قال ابن عباس: فعذرته، وعرفت أنه مضطهد، وأن أصحابه لا نية لهم.(13/251)
قال أبو صالح: قال علي: يا أبا موسى، احكم ولو على حز عنقي.
وعن عبد الله بن الحسن قال: قال علي في الحكمين: أحكمكما على أن تحكما بكتاب الله، وكتاب الله كله لي، فإن لم تحكما بكتاب الله فلا حكومة لكما.
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أن معاوية كتب إليه: سلام عليك، أما بعد فإن عمرو بن العاص قد تابعني على ما أريد، وأقسم بالله لئن بايعتني على الذي بايعني لأستعملن ابنيك، أحدهما على الكوفة والآخر على البصرة، ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة، وقد كتبت إليك بخط يدي، فاكتب إلي بخط يدك. قال: فقال لي أبي: يا بني إنما تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فكتب إليه كتاباً مثل العقارب، فكتب: سلام عليك، أما بعد فإنك كتبت إلي في جسيم أمر أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فماذا أقول لربي عز وجل إذا قدمت عليه؟ ليس لي فيما عرضت من حاجةٍ، والسلام عليك.
وكتب معاوية بن أبي سفيان بعد الحكومة إلى أبي موسى الأشعري، وهو يومئذ عائذ بمكة من علي، وأراد بكتابه إليه أن يضمه إلى الشام: أما بعد، فلو كانت النية تدفع خطأ لنجا المجتهد، وأعذر الطالب، ولكن الحق لمن قصد له فأصابه، ليس لمن عارضه فأخطأه، وقد كان الحكمان إذا حكما على رجلٍ لم يكن له الخيار عليهما، وقد اختار القوم عليك، فاكره منهم ما كرهوا منك؛ وأقبل إلى الشام؛ فإنها أوسع لك.
وكتب إليه بهذه الأبيات: من الطويل(13/252)
وفي الشام أمر واسع ومعول ... وعذرك مبسوط وقولك جائز
وإن كنت قد أعطيت عقلاً فشبته ... بتركك وجه الحق والحق بارز
وإن كنت أبصرت الهدى فاتبع الهدى ... وإن كنت لم تبصر فإنك عاجز
جمعت بخرقٍ منك خلعي وخلعه ... كما جمع السيرين في الخرز خارز
فأصبحت فيما بيننا متذبذباً ... تهادى بما قد كان منك العجائز
قدم أبو موسى على معاوية بعد الجماعة، فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، قال: فرحب به معاوية؛ ثم قال: بايع يا أبا موسى، قال: لنا وعلينا؟ فقبض معاوية يده، وخرج أبو موسى من عنده، فأتى منزله، فأتاه عبد الله بن عضاه، فدخل عليه منزله، فقال: يا أبا موسى إنك والله ما أنت في زمان أبي بكر، ولا زمان عمر، ولا عثمان، فاتق على نفسك؛ فإني أخاف أن تقتل، وخرج ابن عضاه، فقال أبو موسى لأبي بردة: اتبع الرجل، فانظر أين يدخل؟ قال: فتبعه، فدخل ابن عضاه إلى معاوية، فرجع أبو بردة إلى أبي موسى، فأخبره، فقال أبو موسى: معاوية أرسله، ثم راح أبو موسى إلى معاوية، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قال: ما الذي أنكرت من سلامي عليك بالأمس؟ قد كنا نسلم على عمر، وعلى عثمان بأمير المؤمنين، وبالأمير، إذا سلمنا عليك بالإمرة فنحن المؤمنون، وأنت أمير المؤمنين، وإن لم نقلها لك، وما الذي أنكرت من قولي لك: لنا وعلينا؟ لنا أجرها، وعلينا الوفاء بها! ثم قال: امدد يدك يا أبا موسى، قد علمت أنك لم تأتنا حتى زممتها، وخطمتها! قال: ثم بايع، فأمر له بعطاء خمس سنين كان حرمه إياها.
قال أبو بردة: أوصى أبو موسى حين حضره الموت، فقال: إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي، ولا يتبعني مجمر، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب، ولا تجعلوا على قبري(13/253)
بناءً، وأشهدكم أني بريء من كل حالقة، أو سالقة، أو خارقة، قالوا: أو سمعت فيه شيئاً؟ قال: نعم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب قال: دعا أبو موسى فتيانه حين حضرت الوفاة، قال: اذهبوا فما حفروا، وأوسعوا وأعمقوا. فجاؤوا فقالوا: قد حفرنا، وأوسعنا وأعمقنا، فقال: والله إنها لإحدى المنزلتين، إما ليوسعن علي قبري حتى تكون كل زاوية منه أربعين ذراعاً، ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلأنظرن إلى أزواجي ومنازلي، وما أعد الله لي من الكرامة، ثم لأكونن أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من ريحها، ورَوحها حتى أبعث، ولئن كانت الأخرى، ونعوذ بالله منها، ليضيقن علي قبري حتى يكون أضيق من القناة في الزج، ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكونن إلى مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث.
عن ثابت بن قيس قال: أرسل أبو موسى إلى امرأته وهو مريض، فلما أتته بكت قال: مه، ألم تعلمي أني بريء ممن تبرأ منه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا أنا مت فغسليني وعلي قميصي، فإذا فرغت فانزعيه عني أو شقيه.
ومات أبو موسى الأشعري بالكوفة في خلافة معاوية، واختلف في تاريخ وفاته، فقيل: سنة ثنتين وأربعين، وقيل: سنة أربع وأربعين، وقيل: سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة ثنتين وخمسين.(13/254)
عبد الله بن قيس بن مخرمة
ابن المطلب بن عبد مناف قصي بن كلاب القرشي المطلبي يقال: إن له صحبة، ووفد على عبد الملك بن مروان.
روى عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأرمقن الليلة صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتوسدت عتبته، أو فسطاطه، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة.
عن عبيد الله بن موهب قال: أول من فرق بين هاشم والمطلب في الدعوة عبد الملك بن مروان، قدم عليه عبد الله بن قيس ابن مخرمة، أخو بني عبد المطلب، فقال له عبد الملك: أقد رضيت يا عبد الله أن تُدعى لغير أبيك، فتجيب؟ قال: ومن يدعوني لغير أبي؟ قال: أليس يدعى ببني هاشم ولا يدعى بنو المطلب فتجيب؟ قال: أمر صنعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف لي بذلك. قال: سلني أن أقركم على عريفٍ، فأفعل، فلما أذن للناس من الغد قام عبد الله بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين، إنا أصبحنا ليس لنا عريف، إنما تدعى بنو هاشم فنجيب، فاجعل لنا عريفاً، فكتب له: أن تعرفوا على عريف، ويكون ذلك عبد الله بن قيس يليها، ويوليها من أحب.
قال الزبير بن بكار:
وكان لقيس بن مخرمة من الولد: عبد الله، ومحمد، وعبد الملك، ونساء؛ أمهم: درة بنت عقبة ابن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري، استخلف(13/255)
حجاج بن يوسف
عبد الله بن قيس بن مخرمة على المدينة حين استعمله عبد الملك بن مروان على الكوفة والبصرة.
قال محمد بن سعد: أسلم عبد الله بن قيس يوم فتح مكة.
قال الحافظ: هذا وهم من ابن سعد، عبد الله بن قيس تابعي، لا أعرف له صحبة.
قال عبد الله بن قيس بن مخرمة: أقبلت من مسجد بني عمرو بن عوف بقباء على بغلةٍ لي، قد صليت فيه، فلقيت عبد الله بن عمر ماشياً، فلما رأيته نزلت عن بغلتي، ثم قلت: اركب ابن عمر، قال: أي ابن أخي، لو أردت أن أركب الدواب لوجدتها، ولكني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي إلى هذا المسجد، حتى يأتي، فيصلي فيه، فأنا أحب أن أمشي إليه كما رأيته يمشي، قال: فأبى أن يركب، ومضى على وجهه.
قال خليفة: ولاها - يعني المدينة - عبد الملك الحجاج بن يوسف سنة ثلاث وسبعين، فاستقضى الحجاج عبد الله بن قيس بن مخرمة.
عبد الله بن قيس
أبو بحرية التراغمي الحمصي شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية، وقدم دمشق.
روى عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الملحمة العظمى، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ".(13/256)
عن أبي بحرية قال: قدمت الشام، فجئت المسجد، فإذا أنا بحلقة مشيخة، فيهم فتى شاب يحدثهم قد أنصتوا له، قلت: من هؤلاء؟ قالوا أصحاب محمد، قلت: ومن الشاب؟ قالوا: معاذ بن جبل، فرحت إلى المسجد، وكان يُهجِّر فجئته، وقد قضى سبحته، وجلس، فجلست، فقلت: إني لأحبك في الله، فأخذ بججزتي، فجذبها وقال: الله؟ قلت: الله، مرتين أو ثلاثاً، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " وجبت رحمتي - أو قال: محبتي - للذين يتحابون فيّ، ويتجالسون فيّ، ويتزاورون فيّ، ويتباذلون فيّ ".
قال حسان بن عطية: دخل أبو كبشة السلولي مسجد دمشق، فقام إليه عبد الله بن أبي زكريا ومكحول وأبو بحرية في أناسٍ، قال حسان: فكنت فيمن قام إليه، فحدثنا قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربعون حسنة أعلاها منيحة العنز لا يعمل رجل بخصلةٍ منها رجاء ثوابها، وتصديق موعودها إلا أدخله بها الجنة ".
قال حسان: فذهبنا نعد: رد السلام، وإماطة الحجر، ونحو ذلك مما دون منيحة العنز، فما أجزنا خمسة عشر.
عن أبي بحرية قال: عُدنا أبا عبيدة بن الجراح بالشام في رهطٍ من أصحابنا، فلما جلسنا إليه قال رجل منا: أبشر بالأجر من الله يا أبا عبيدة، فقال: أي بني - أو ابن أخي - إنما الأجر في سبيل الله، ولكن المرض يحط الخطايا والذنوب كما تحط عن الإبل أوثاقها إذا هي جاءت من أرض نائية.(13/257)
عن محمد بن عمر الواقدي في كتاب الصوائف: أن عثمان كتب إلى معاوية أن أغز الصائفة رجلاً مأموناً على المسلمين، رفيقاً بسياستهم، فعقد لأبي بحرية بن عبد الله بن قيس الكندي، وكان ناسكاً فقيهاً، يُحمل عنه الحديث وكان عثماني الهوى، حتى مات في زمن الوليد بن عبد الملك، وكان معاوية وخلفاء بني أمية يعظمونه، وكان فيمن غزا مع عمير بن سعد الصائفة، أول صائفة قطعت درب الروم على عهد عمر، فكان ذا غناء وجرأة - فغزا أبو بحرية بالناس.
عن أبي بكر بن عبد الله بن حويطبٍ قال: كنت جالساً عند عبد الله بن عبد الملك، إذ دخل شيخ من شيوخ الشام يقال له: أبو بحرية مجتنح بين شابين، فلما رآه عبد الله قال: مرحباً بأبي بحرية، فأوسع له بيني وبينه، وقال: ما جاء بك يا أبا بحرية؟ أتريد أن نضعك من البعث؟ قال: لا أريد أن تضعني من البعث، ولكن تقبل مني أحد هذين - يعني ابنيه - ثم قال: من هذا عندك؟ قال: هو يخبرك عن نفسه، فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا أبو بكر بن عبد الله بن حويطب، فقال: مرحباً، وأهلاً بابن أخي، أما إني في أول جيش - أو قال: في أول سريةٍ - دخلت أرض الروم زمن عمر بن الخطاب.
وهذا دليل على أن أبا بحرية عاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان.
عبد الله بن قيس الهمداني الحمصي
شهد عمر بالجابية قال:
كنت فيمن تلقى عمر بن الخطاب مقدمه الشام والجابية يريد قسم ما فتحنا من الأرضين، قال: فتلقيناه خلف أذرعات مع أبي عبيدة بن الجراح، قال: فبينا هو يساير(13/258)
أبا عبيدة إذ لقيه المقلسون من أهل أذرعات، فأنكرهم عمر، وأمر بردهم، فقال أبو عبيدة: إنها بيعة الأعاجم، فإنك إن تمنعهم من هذا يرون أن في نفسك نقضاً لعهدهم، فقال عمر: دعوهم؛ عمر وآل عمر في طاعة أبو عبيدة، قال: ثم مضى حتى نزل الجابية، فذكر عمر قسم الأرضين، فأشار عليه معاذ بن جبل بإيقافها، فأجاب عمر إلى إيقافها.
قال سيف بن عمر: كان عبد الله بن قيس على كردوسٍ يوم اليرموك.
عبد الله بن قيس الفزاري
ويقال: الأنصاري ولاه معاوية غزو البحر، وركب من ساحل دمشق.
عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: كنا في البحر وعلينا عبد الله بن قيس الفزاري، ومعنا أبو أيوب الأنصاري؛ فمر بصاحب المقاسم، وقد أقاموا السبي، فإذا بامرأةٍ تبكي، فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: فرقوا بينها وبين ولدها، قال: فأخذ بيد ولدها حتى وضعه في يدها، فانطلق صاحب المقاسم إلى عبد الله بن قيس، فأخبره فأرسل إلى أبي أيوب: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من فرق بين والدةٍ وولدها فرق الله بينه وبين الأحبة يوم القيامة ".(13/259)
عن صفوان بن عمرو: أن عبد الله بن قيس لقي في مسيره إلى القسطنطينية بمحرَّقاته محرَّقات الروم على الخليج، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمت محرقات المسلمين محرقات الروم، وجاؤوا بالأسارى من الروم، فضرب أعناقهم يزيد بن معاوية، والروم تنظر إليهم.
فتح عبد الله بن قيس الفزاري سقلية في خلافة معاوية، فكانت غنائمهم يومئذٍ مائتي دينارٍ، وأوقية تبرٍ، وقمقم صفْرٍ.
وفي سنة سبعٍ وخمسين شتا عبد الله بن قيس بأرض الروم.
عبد الله بن أبي قيس
ويقال ابن قيس أبو الأسود النصري ويقال: عبد الله بن أبي موسى عن عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: كان أحب الشهور إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان.
عن أبي الأسود عبد الله بن قيس: أن عطية بن عازب أرسله إلى أم المؤمنين عائشة يسألها عن ثلاث خصالٍ، فقرأ عليها السلام من عطية وأهدى هديةً، فقالت: ابن عفيفٍ؟ قال: نعم، أمرني أن أسألك عن وصال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: كان يصوم يوماً وليلةً، وسألها عن صيامه، فقالت: يصل شعبان برمضان، وسألها عن ركعتين بعد العصر، فنهت عنهما، وقالت: سألت عائشة عن ذُرّية المؤمنين، وذرية المشركين، فقالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فقال: " ذرية المؤمنين مع آبائهم " قالت: قلت: بلا عمل؟ قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين " قلت: ذرية المشركين؟ قال: " مع آبائهم " قلت: بلا عمل؟ قال: " اللهم أعلم بما كانوا عاملين ".(13/260)
وقال عبد الله بن أبي قيس: خرجت مع عفيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فلما أتينا دمشق قال عفيف: لو انطلقنا إلى أبي الدرداء، فسلمنا عليه فقال لعفيفٍ: أين تريد؟ قال: نؤم بيت المقدس، قال أبو الدرداء: إن كنت لا بد فاعلاً فلا تزد على صلاة يوم وليلةٍ، والق أبا ذر، فقل له: إن أبا الدرداء أخاك يقرئك السلام، ويقول لك: اتق الله، وخف الناس. قال: فلما أتينا بيت المقدس لقينا أبا ذرٍ قائماً يصلي، وإذا قيامه قريب من ركوعه، وركوعه قريب من سجوده، فجلسنا حتى فرغ من صلاته، سلمنا عليه، فقلنا له: إن أخاك أبا الدرداء يقرئك السلام، ويقول: اتق الله، وخف الناس. فقال: رحم الله أبا الدرداء إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد جالسنا فقد جلس، أو ما علم أني قد بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أخاف في الله لومة لائم.
وقال عبد الله بن أبي قيس: رأيت عمر يطوق بالكعبة، ويقبّل الحجر ويقول: والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبّلك ما قبّلتك.
عبد الله بن كثير القارئ الطويل
إمام جامع دمشق.
روى عن سعيد بن عبد العزيز بسنده، عن ابن عباس: أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نذرٍ كان على أمه، فهلكت قبل أن تقضيه، فأمره أن يقضي عنها.
وروى عن شيبان، عن منصور، عن إبراهيم قال:
" الذين هم على صلاتهم دائمون " قال: هي الصلاة المكتوبة.(13/261)
قال محمد بن الفيض الغساني: سمعت أبي يقول: صلى بنا عبد الله بن كثير القارئ، فقرأ: " وإذا قال إبراهام لأبيه " فبعث إليه نصر بن حمزة - وكان الوالي بدمشق - فخفقه بالدرة خفقاتٍ ونحاه عن الصلاة.
عبد الله بن لُحَيّ
أبو عامر الهوزني الحمصي شهد خطبة عمر بالجابية، وحج مع معاوية.
قال: حججت مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة أخبر بقاصٍ يقص على أهل مكة، مولى لبني مخزوم، فأرسل إليه معاوية فقال: أمرت بالقصص؟ قال: لا، قال: فما حملك على أن تقص بغير إذنٍ؟ قال: ننشر مما علَّمناه الله عز وجل، فقال معاوية: لو كنت تقدمتُ إليك من قبل مرَّتي هذه لقطعت منك طابقاً! ثم قال حين صلى صلاة الظهر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملةً، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين ملةً كلها في النار إلا واحدةً، وهي الجماعة " وقال: " إنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى عرق، ولا مفصل إلا دخله، والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغيركم من الناس أحرى ألا يقوم به ".
قال العسكري: لُحَيّ: أول الاسم لام مضمومة، والحاء غير معجمة.(13/262)
قال العجلي: أبو عامر عبد الله بن لحي شامي تابعي ثقة، من كبار التابعين.
عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرغان
أبو عبد الرحمن ويقال: أبو النّضر الحضرمي المصري الفقيه قدم الشام غازياً مع صالح بن علي سنة ثمان وثلاثين، فنزل معه برصافة هشام، واجتاز بدمشق أو بساحلها، ذكر قدومه في هذه الصائفة الواقدي.
روى عن شرحبيل بن شريك المعافري بسنده عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ".
وروى عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إياكم والوصال " قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل؟! قال: " لست في ذلك كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ".
قال مروان: قلت لليث بن سعد - ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان -: يا أبا الحارث، ما لك أن تنام بعد العصر، وقد حدثنا ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نام بعد العصر، فاختلس عقله، فلا يلومن إلا نفسه " قال الليث: لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة عن عقيل! قال محمد بن سعد: عبد الله بن عقبة بن لهيعة الحضرمي، من أنفسهم، يكنى أبا عبد الرحمن، وكان(13/263)
ضعيفاً، وعنده حديث كثير، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالاً في روايته ممن سمع منه بأخره، وأما أهل مصر فيذكرون أنه لم يختلط، ولم يزل أول أمره وآخره واحداً؛ ولكن كان يُقرأ عليه ما ليس من حديثه فيسكت عليه، فقيل له في ذلك، فقال: وما ذنبي؟ إنما يجيئون بكتابٍ، يقرؤونه ويقومون ولو سألوني لأخبرتهم أنه ليس من حديثي.
قال يحيى بن بكير: احترق منزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين ومائة.
قال إبراهيم بن إسحاق قاضي مصر: أنا حملت رسالة الليث بن سعد إلى مالك بن أنس، وأخذت جوابها، فكان مالك يسألني عن ابن لهيعة، فأخبره بحاله، فجعل مالك يقول لي: فابن لهيعة ليس يذكر الحج؟ فسبق إلى قلبي أنه يريد السماع منه.
قال يحيى بن حسان: ما رأيت أحفظ من ابن لهيعة بعد هشيم، فقلت له: إن الناس يقولون: احترقت كتب ابن لهيعة، فقال: ما علمت له كتاباً.
قال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع، وقال: حججت حججاً لألقى ابن لهيعة.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: وددت اني سمعت من ابن لهيعة خمسمائة حديثٍ، وأني غرمت مؤدى.
قال ابن وهب: وسأله رجل عن حديث، فحدثه به، فقال له: من حدثك بهذا يا أبا محمد؟ قال: -(13/264)
حدثني به - والله - الصادق البار عبد الله بن لهيعة.
وقال: حديثه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار " ما رفعه لنا ابن لهيعة في أول عمره قط.
قال ابن أبي حاتم:
سألت أبي وأبا زُرعة عن ابن لهيعة والإفريقي أيهما أحب إليكما؟ فقالا: جميعاً ضعيفان، بين الإفريقي وبين ابن لهيعة كثير، أما ابن لهيعة فأمره مضطرب، يكتب حديثه على الاعتبار، قلت لأبي: إذا كان من يروي عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك، وابن وهب يحتج به؟ قال: لا. قال: وسئل أبو زرعة عن ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ قال: أوله وآخره سواء، إلا أن ابن المبارك، وابن وهب كانا يتتبعان أصوله، فيكتبان منها، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ، وكان ابن لهيعة لا يضبط، وليس ممن يحتج بحديثه.
قال أبو أحمد بن عدي: ابن لهيعة حديثه حُسّان، كأنه بستان عمن روى عنه، وهو ممن يكتب حديثه.
قال عثمان بن صالح: ولا أعلم أحداً أخبر بسبب علة ابن لهيعة مني؛ أقبلت أنا وعثمان بن عتيق بعد انصرافنا من الصلاة يوم الجمعة نريد إلى ابن لهيعة، فوافيناه أمامنا راكباً على حماره يريد إلى منزله، فأفلج، وسقط عن حماره، فبدر ابن عتيق إليه فأجلسه، وصرنا به إلى منزله، فكان ذلك أول علته.
مات عبد الله بن لهيعة سنة أربع وسبعين ومائة، وصلى عليه داود بن يزيد بن حاتم، وكان واليهم، ومات وهو ابن ثمان وسبعين سنةً.(13/265)
عبد الله بن محمد بن إبراهيم
أبو نصر الهمداني حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أحدكم إذا مات عُرض على مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، ثم يقال: هذا مقعدك حتى تبعث يوم القيامة ".
وروى عن خيثمة بن سليمان بسنده، عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم ستجندون أجناداً. " فذكر الحديث.
عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس
ويقال: إبراهيم بن أسد أبو القاسم الرازي الشافعي روى عن أحمد بن إبراهيم بن عبادل بسنده عن أنسٍ قال: كانت زينب تفخر على أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: زوجني الله من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس الناس، وأولم عليّ خبزاً ولحماً، وفيّ أنزلت آية الحجاب.
وروى عن محمد بن يوسف الهروي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عدل يومٍ واحدٍ من عبادة ستين سنةً ".
قال أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال: مات أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أسد الرازي الشافعي الملقب بالدود سنة سبعٍ وثمانين وثلاثمائة.(13/266)
عبد الله بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن زهير
أبو محمد بن أبي كامل الأطرابلسي روى عن علي بن عبد العزيز بسنده عن أبي ذر قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد عند غروب الشمس، فقال: " يا أبا ذر، أتدري أين تغرب الشمس؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " تذهب حتى تسجد تحت العرش، عند ربها عز وجل فتستأذن في الرجوع، فيؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها حتى تستشفع، وتطلب فإذا طال عليها قيل لها: اطلعي مكانك، فذلك قوله: " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ".
عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن يوسف
أبو محمد الطرسوسي، المعروف بالنسائي، المؤدب روى عن أحمد بن محمد بن عمارة بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن رجلاً كان يبيع الخمر في سفينةٍ، ومعه قرد في السفينة، وكان يشوب الخمر بالماء، فأخذ القرد الكيس وصعد في الزورق، وفتح الكيس، فجعل يأخذ ديناراً فيلقيه في السفينة، وديناراً في البحر حتى جعله نصفين ".
وروى عن أحمد بن محمد بن عمارة بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سمعتك يا أبا بكر تخافت بالقراءة " قال: قد أسمعت من ناجيت، وقال: " سمعتك يا عمر تجهر بقراءتك " قال: أُنفّرالشيطان، وأوقظ الوسنان، " وسمعتك يا بلال تقرأ من هذه السورة، ومن هذه السورة " قال: كلام طيب يجمع الله بعضه إلى بعضٍ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلكم قد أصاب ".(13/267)
مات عبد الله بن محمد المؤدب سنة ست وتسعين وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن صدقة
أبو محمد بن الغزال المصري وكان جده يلقب بالغزال لسرعة عدوه.
روى عنه الحافظ ابن عساكر بسنده عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأةٍ يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
قال الحافظ: لم أسمع منه غيره، وذكر أن ابن الغزال توفي في سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
عبد الله بن محمد بن الأشعث
أبو الدرداء الأنطرطوسي روى عن إبراهيم بن محمد بن عبيدة بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم ".
عبد الله بن محمد بن أيوب بن حيان
أبو محمد القطان الحافظ روى عن علي بن محمد بن عبد الله المروزي بسنده: أن رجلاً قام إلى أبي مسلم وهو يخطب، فقال له: ما هذا السواد الذي أرى عليك؟(13/268)
فقال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، وهذه ثياب الهيبة، وثياب الدولة، يا غلام، اضرب عنقه.
عبد الله بن محمد بن بهلول
أبو أسامة الحلبي روى عن أبي سعد عمر بن حفص الأنصاري بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من الشعر حكمةً، وإن من البيان سحراً ".
قدم أبو أسامة دمشق سنة تسع وستين ومائتين.
عبد الله بن محمد بن جعفر
أبو القاسم القزويني الفقيه الشافعي ولي قضاء دمشق نيابةً عن محمد بن العباس الجمحي، وولي قضاء الرملة، وسكن مصر.
روى عن إبراهيم بن سليمان بن حبان بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ".
قال أبو سعيد بن يونس: كان عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني فقيهاً على مذهب الشافعي، وكانت له حلقة بمصر، وكان قد تولى قضاء الرملة وكان محموداً فيما يتولى، وكان يظهر عبادةً وورعاً، وكان قد ثقل سمعه ثقلاً شديداً، وكان يفهم الحديث ويحفظ، وكان له مجلس إملاء في داره، وكان يجتمع إليه حفاظ الحديث، وذوو الأسنان منهم، وكان مجلسه وقيراً(13/269)
ويجتمع فيه جمع كثير، فخلط في آخر عمره، ووضع أحاديث على متونٍ محفوظةٍ معروفة، وزاد في نسخٍ معروفة مشهورة فافتضح، وحرّقت الكتب في وجهه وسقط عند الناس.
قال علي بن زريق بن إسماعيل: أحد ما أخذ على
عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني روايته عن أبي قرة بسنده عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قرب العشاء، وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعَشاء ".
قال الدارقطني: عبد الله بن جعفر القزويني ضعيف كذاب، يضع الحديث، ألف كتاب: سنن الشافعي، فيها مائتا حديث - أقل أو أكثر - لم يحدث بها الشافعي.
وكان يصحف في أسماء شيوخه الذين يحدث عنهم.
توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن جعفر
أبو محمد النهاوندي المقرئ المالكي روى عن الحسين بن بندار عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا حملة القرآن، إن أهل السموات يذكرونكم عند الله عز وجل فتحببوا إلى الله عز وجل بتوقير كتابه يزدكم حباً، ويحببكم إلى عباده، يا حملة القرآن إنكم لتسألون عما يسأل عنه الأنبياء، يا حملة القرآن، فتحببوا إلى الله بتوقير كتابه يزدكم حباً، ويحببكم إلى عباده، أنتم المخصصون برحمة الله، المعلمون كلام الله، المقربون إلى الله، من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله، يُدفع عن قارئ القرآن بلاء الدنيا، ويُدفع عن مستمع القرآن بلاء الآخرة، يا حملة القرآن، فتحببوا إلى الله بتوقير كتابه يزدكم حباً، ويحببكم إلى عباده ".(13/270)
عبد الله بن محمد بن الحسن
ابن إسماعيل بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي روى عن جده بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للمملوك على مولاه ثلاث خصال: لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، وإذا استباعه باعه ".
عبد الله بن محمد بن الحسن
ابن الخصيب بن الصقر بن حبيب، أبو بكر الخصيبي الشافعي الأصبهاني ولي قضاء دمشق في خلافة أبي إسحاق المتقي لله سنة اثنتين وثلاثمائة، ثم وليه من قبل المطيع لله أبي القاسم الفضل بن جعفر في حدود الخمسين والثلاثمائة، وكان له كتاب في الفقه سماه: المسائل المجالسية، يدل على فضلٍ فيه.
روى عن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بسنده عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة يومٍ ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ترك صلاة العصر حبط عمله ".
وذكر أبو محمد بن الأكفاني: أن عبد الله بن محمد بن الخصيب ولي القضاء بمصر في أيام المطيع لله في سنة أربعين وثلاثمائة إلى أن توفي في تاسع المحرم سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائة.
والخصيبي: أوله خاء معجمة، وبعدها صاد مبهمة ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها ثم باء معجمة واحدة.(13/271)
عبد الله بن محمد بن الحسين بن جمعة
روى عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده عن عبادة بن الصامت قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً جهر فيها بالقراءة، ثم انصرف إلينا، فقال: " ألا أراكم تقرؤون مع إمامكم؟ " قلنا: أجل يا نبي الله، فقال: " إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ لا تفعلوا إذا جهر الإمام بالقرآن فلا تقرؤوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ".
عبد الله بن محمد بن حمزة بن أبي كريمة
أبو يعلى الصيداوي ولي القضاء بيت المقدس.
روى عن عبد الرحمن بن إسماعيل الكوفي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ترك العصر حتى تغيب الشمس من غير عذرٍ فكأنما وُتِرَ أهله وماله ".
عبد الله بن محمد بن ذويد
مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان، له شعر في حرب أبي الهيذام مع القحطانية.(13/272)
عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون
أبو بكر النيسابوري الفقيه الحافظ الشافعي، مولى آل عثمان بن عفان.
روى عن العباس بن الوليد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يستام الرجل على سوم أخيه حتى يشتري، أو يترك، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يرد، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإن المسلمة أخت المسلمة ".
وروى عن عبد الرحمن بن بشر بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا لم يجد المحرم النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين ".
وروى عن يونس بن عبد الأعلى بسنده عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة ".
قال أبو عبد الله الحافظ: عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل من أحفظ الناس للفقه واختلاف الصحابة.
وقال الدارقطني: ما رأيت أحفظ من أبي بكر النيسابوري.
وقال: لم نر مثله في مشايخنا، لم نر أحفظ منه للأسانيد والمتون، وكان أفقه المشايخ، وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون.
وقال: كنا ببغداد يوماً جلوساً في مجلس اجتمع فيه جماعة من الحفاظ يتذاكرون - وذكر(13/273)
الدارقطني أبا طالب الحافظ، وأبا بكر الجعابي وغيرهما - رجل من الفقهاء، فسأل الجماعة: من روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعلت لي الأرض مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً " فقال الجماعة: روى هذا الحديث فلان وفلان، وسموهم، فقال السائل: أريد هذه اللفظة: " وجعلت لنا تربتها لنا طهوراً " فلم يكن عند واحد منهم جواب، ثم قالوا: ليس لنا غير أبي بكر النيسابوري، فقاموا بأجمعهم إلى أبي بكر، فسألوه عن هذه اللفظة، فقال: نعم، وساق في الوقت من حفظه الحديث، واللفظة فيه.
قال أبو بكر النيسابوري: تعرف من أقام أربعين سنةً لم ينم الليل، ويتقوت كل يومٍ بخمس حباتٍ، ويصلي صلاة الغداة على طهارة العشاء الآخرة؟ ثم قال: أنا هو، وهذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن، أيش لمن زوجني، ثم قال في أثر هذا: ما أراد إلا خيراً.
توفي أبو بكر النيسابوري سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان
أبو محمد الحلبي الشاعر المعروف بالخفاجي أنشد لنفسه: من الطويل
خليليّ بثا ما أملت عليكما ... دموعي فإني ما أريد الهوى سرا
أصابكما برح الغرام لعله ... يمهّد لي ما بين قلبيكما عذرا
سقى الله أياماً من الدهر لم تشب ... بهم كأنا ما عرفنا بها الدهرا
ومائلة الأعطاف من نشوة الصبا ... سقتني الهوى صرفاً، ورنّحها سكرا
رمت عينها عيني وراحت سليمةً ... فمن حاكم بين الكحيلة والعبرى
فيا طرف قد حذرتك النظرة التي ... خلست، فما راقبت نهياً ولا زجرا
ويا قلب قد أرداك من قبل مرةً ... فويحك لم طاوعته مرةً أخرى(13/274)
ومما كتب به إلى الأمير الأجل شرف أمراء العرب أبي سلامة محمود بن نصر بن صالح على طريق الهزل والدعابة: من الخفيف
قد قنعنا من وصلكم بالخيال ... ورضينا من وعدكم بالمطال
وصبرنا على ملالكم الزا ... ئد عن كل مذهبٍ في الملال
ورأينا دياركم فلقينا ... كل رسمٍ بالٍ بجسمٍ بال
دارساتٍ وناحلين فما يف ... رق بين العشاق والأطلال
أكذا تفعل الصبابة أم عا ... د علينا الصيام في شوال
ففراق الكرام يصنع في الأ ... جسام ما يصنعون في الأموال
حفظ الله معشراً ضيعوا العه ... د وحالوا في سائر الأحوال
قيل لي لم قعدت عنهم وهل يح ... سن أن يترك العبيد الموالي؟
قلت لا تعجلوا عليّ فلو سر ... ت لكانت نهاية الاختلال
يا أجل الملوك عماً وخالاً ... عند ذكر الأعمام والأخوال
ومثير الحرب العوان من المه ... دي إلى يوم وقعة الدجال
ليت شعري بأي فنٍ أداري ... ك فقد قل في رضاك احتيالي
ليس يجدي جدي ولا ينفع الهز ... ل سوى أن أعد في الجهال
ثقّل الناس في الطلاب وخفف ... ت بجهدي عليك من أثقالي
توفي الشاعر الخفاجي سنة ست وستين وأربعمائة في قلعة عزاز.(13/275)
عبد الله بن محمد بن سلم بن حبيب بن عبد الوارث
أبو محمد المقدسي الفريابي روى عن هشام بن عمار بسنده عن عائشة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد الحج.
وروى عن أبي عروبة الحراني بسنده عن ابن عمر قال: عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن بن عوف بعمامةٍ سوداء كرابيس، وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع، وقال: " هكذا فاعتم، فإنه أعرف له وأجمل " وقال: " اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا، هذا عهد الله، وسنة نبيكم فيكم ".
عبد الله بن محمد بن سيار
أبو محمد الفرهياني - ويقال: الفرهاذاني روى عن عباس بن عبد العظيم بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لبيك بعمرةٍ وحجةٍ معاً ".
وروى عن عبد الملك بن شعيب بسنده عمن لا يتهمه من قومه: أن كعب بن عجرة الأنصاري أصابه أذىً في رأسه، فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله، فأمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيام ثلاثة أيامٍ.
وروى عن قتيبة بن سعيد بسنده عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يدّخر شيئاً لغدٍ.(13/276)
قال أبو أحمد بن عدي: عبد الله بن محمد بن سيار الفرهاذاني، رفيق أبي عبد الرحمن، كان من الأثبات، وكان له بصر بالرجال.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعيد
أبو محمد - ويعرف بالفاقاني البزاز روى عن أحمد بن سليمان بن حذلم بسنده عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اسمح يُسمح لك ".
وبسنده عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد مر بالروحاء سبعون نبياً عليهم العباء، يؤمون البيت العتيق فيهم موسى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وروى عن عبد الرحمن بن عمر بن راشد - بخبر له - أن بسر بن أبي أرطأة سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ".
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم
الأنصاري الشاعر المعروف بالأحوص وأمه أُثيلة بنت عمير بن مخشي، وكان أصفر أحوص العينين، والحوص أن يكون في مؤخر العين ضيق.(13/277)
ذكره ابن سلام في الطبقة السادسة من الإسلاميين.
قال الوليد بن هشام القحذمي:
وفَد وفْد من أهل المدينة إلى الوليد بن عبد الملك بالشام، فبينما هو جالس والناس عنده إذ دخل عليه عبد الأحوص بن محمد الأنصاري، فقال: أعوذ بالله، وبك يا أمير المؤمنين مما يكلفني الأحوص! قال: وما يكلفك؟ فأخبره أنه يريده على أمرٍ مذموم، فقال له الوليد: كذبت أي عدو الله على مولاك، اخرج قال: فخرج، فلما شاع الخبر اندس الأحوص إلى غلامٍ من آل أبي لهب، فقال له: إن دخلت على أمير المؤمنين، فشكوت من مولاك ما شكا عبدي مني أعطيتك مائتي دينار، فدخل العبد على الوليد، فشكا من مولاه ما شكا عبد الأحوص منه، ومولاه جالس عند الوليد في السماطين، فنظر إليه الوليد، فقال: ما هذا يا فلان!؟ قال: مظلوم يا أمير المؤمنين، والله ما كان هذا، وهذا وفد أهل المدينة، فسلهم عني، فسألهم، فقالوا: ما أبعده مما رماه به غلامه. فقال: خذوه فأُخذ الغلام فضُرب بين يدي الوليد، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تعجل عليّ حتى أخبرك بالأمر: أتاني الأحوص، فجعل لي مائتي دينارٍ على أن أدخل عليك، وأشكو من مولاي ما شكا عبده منه، فأرسل إلى الأحوص فأتى به، فأمر به الوليد فجرد وضرب بين يديه ضرباً مبرحاً، وقال: أي عدو الله، سترت عليك ما شكا عبدك، فعمدت إلى رجلٍ من قريشٍ تريد أن تفضحه؟! فسُيّر إلى دَهْلك - جزيرة في البحر - فلم يزل مسيراً أيام الوليد وسليمان؛ فلما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رجع الأحوص إلى المدينة، وقال: هذا رجل أنا خاله - يعني عمر - فما يصنع؟ - وكانت أم عمر بن عبد العزيز أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وأم أم عاصم أنصارية بنت عاصم بن أبي الأقلح الأنصاري - فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فأمر به فرد إلى دهلك.
فلما قام يزيد بن عبد الملك رجع الأحوص إلى المدينة؛ ثم إنه خرج وافداً إلى(13/278)
يزيد بن عبد الملك، فمر بمعبدٍ المغني، فقال له معبد: الصحبة، يا أبا عثمان، قال: ما أحب أن تصحبني، تقول وفود العرب: هذا ابن الذي حمت لحمه الدبر والغسيل معبد معه مغنٍ! قال: لا بد والله من الصحبة فلما أبى إلا أن يصحبه ذهب، فلما نزل البلقاء وهي من الشام، أصابهم مطر من الليل، فأصبحت الغدر مملوءة، فقال الأحوص: لو أقمنا اليوم ها هنا، فتغدينا على هذا الغدير ففعلا.
ورفع لهما قصر لم يريا بناءً غيره، فلما أصبحوا خرجت جارية معها جرة إلى غدير من تلك الغدر، فملأت جرتها، فلما رفعتها ومضت بها رمت بالجرة فكسرتها، فقال معبد للأحوص: أرأيت ما رأيت، وما صنعت هذه؟ قال: نعم، فأرسل إليها الأحوص بعض غلمانه، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: أنا طربت، قال: وما أطربك؟ قالت: ذكرت صوتاً كنا نغني به أنا وصواحب لي بالمدينة، فأطربني، فكسرت الجرة، قال: وما الصوت؟ قالت: من الكامل
يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل
قال: ولمن هذا الشعر؟ قالت: للأحوص الأنصاري، قال: والغناء؟ قالت: لمعبد، فقالا لها: أفتعرفينا؟ قالت: لا، قال: فأنا الأحوص وهذا معبد. لمن كنت بالمدينة؟ قالت: لآل فلان، اشتراني أهل هذا القصر، فصرت ها هنا ما أرى أحداً غيرهم. وقالت: فإن لي حاجةً، قالا: ما حاجتك؟ قالت لمعبد: أن تغنيني قال الأحوص لمعبد: غنِّها، قال: فجعلت تقترح ويغنيها حتى قضت حاجتها، ثم قالا لها: أتحبين أن نعمل لك في الخروج من ها هنا؟ قالت: نعم، قالا: فإن نحن فعلنا أتشكريننا؟ قالت: نعم، فلما قدما على يزيد بن عبد الملك، ودخلا عليه قال الأحوص: يا أمير(13/279)
المؤمنين إني رأيت في مسيرنا عجباً! نزلت إلى البلقاء فرأينا جارية - وقص عليه قصتها - قال: أفتعرفها؟ قال: نعم. فسماها وأهلها وموضعها، وقال: يا أمير المؤمنين أنا الذي أقول فيها: من الخفيف:
إن زين الغدير من كسر الجر ... ر وغنى غناء فحلٍ مجيد
قلت: من أنت يا ظعين؟ فقالت ... كنت فيما مضى لآل الوليد
ثم بُدّلت بعد حي قريشٍ ... من بني عامرٍ لآل الوحيد
فغنائي لمعبدٍ ونشيدي ... لفتى الناس الأحوص الصنديد
يعجز المال عن شراك ولكن ... أنت في ذمة الهمام يزيد
قال: فمضى لذلك ما مضى، ثم دخل الأحوص ومعبد يوماً على يزيد، فأخرج إليهما الجارية، ثم قال: يا أحوص، أفتعرف هذه الجارية؟ قال: نعم. ثم قال لها الأحوص: أوفينا لك؟ قالت: نعم، جزاكما الله خيراً.
عن أيوب بن عمر، عن أبيه قال: ركب الأحوص إلى الوليد قبل ضرب ابن حزم إياه، ليشكوه إليه، فلقيه رجل من بني مخزوم، يقال له: ابن عنبة، فوعده أن يعينه على ابن حزم، فلما دخلا على الوليد قال له الوليد: ويلك! ما هذا الذي أتيت به يا أحوص؟ قال: يا أمير المؤمنين، والله لو كان الذي رماني به ابن حزمٍ أمراً من أمر الدين، إلا أن دناءته ونذالته على ما هي عليه لاجتنبته، فكيف وهو من أكبر معاصي الله؟ وأنا الذي أقول: " لظلوا وأيديهم إليك تشير " قال: فقال ابن عنبة: يا أمير المؤمنين، إن ابن حزمٍ من فضله، وعدله، ورضاه في بلده، وليس ممن يتهم له قول ولا حكم، فقال الأحوص: هذا والله كما قال الأول: من الطويل(13/280)
وكنت كذئب السوء لما رأى دماً ... بصاحبه يوماً أحال على الدم
وفي رواية: أغار - وعدني والله أن يعينني على ابن حزم ثم هذا قوله! قال محمد بن سلام: كان الأحوص الشاعر يشبب بنساء أهل المدينة، فتأذوا به، وكان معبد وغيره من المغنين يتغنون في شعره، فشكاه قومه، فبلغ ذلك سليمان بن عبد الملك، فكتب إلى عامله بالمدينة أن يضربه مائة سوطٍ، ويقيمه على البلس للناس، ثم يسيره إلى دهلك. ففعل به. فثوى بها سلطان سليمان، وعمر بن عبد العزيز، فأتى رجال من الأنصار عمر بن عبد العزيز، فسألوه أن يرده إلى حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: عرفت نسبه، وموضعه من قومه، وقد أخرج إلى أرض الشرك، فنطلب إليك أن ترده إلى حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودار قومه، فقال عمر: من الذي يقول: من الطويل
فما هو إلا أن أراها فجاءةً ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب؟
قالوا: الأحوص، قال: فمن الذي يقول: من الطويل
أدور، ولولا أن أرى أم جعْفَرٍ ... بأبياتكم ما درت حيث أدور؟
قالوا: الأحوص، قال: فمن الذي يقول: مجزوء البسيط
الله بيني وبين قيِّمها ... يفر مني بها وأتّبع؟
قالوا: الأحوص، قال: فمن الذي يقول: من الطويل
سيُلقى لها في القلب في مضمر الحشا ... سريرة حبٍّ يوم تبلى السرائر؟(13/281)
قالوا: الأحوص، قال: إنه عنها يومئذ لمشغول، والله لا أرده ما كان لي سلطان.
فمكث هنالك صدراً، ثم استخلف يزيد بن عبد الملك، فبينا يزيد ليلةً على سطح، وجاريته حبابة تغنيه بشعر الأحوص، إذا قال يزيد: من يقول هذا الشعر؟ قالت: لا وعينيك ما أدري. قال: وقد كان ذهب من الليل شطره، فقال: ابعثوا إلى الزهري فعسى أن يكون عنده علم من ذلك، فأتي ابن شهاب الزهري، فقرع بابه، فخرج فزعاً حتى أتى يزيد، فلما صعد إليه قال: لا بأس، لم ندعك إلا لخيرٍ، اجلس. فجلس، فقال: من يقول هذا الشعر؟ قال: الأحوص يا أمير المؤمنين، قال: ما فعل؟ قال: قد طال حبسه بدهلك، قال: عجبت لعمر بن عبد العزيز كيف أغفله؟ فأمر بالكتاب بتخلية سبيله، ثم قدم عليه، فأجازه وأحسن جائزته.
قال يحيى بن عروة بن أذينة: لما قدم الفرزدق أتى مجلس أبي، فأنشده الأحوص شعراً، قال: من أنت؟ قال: الأحوص بن محمد، قال: ما أحسن شعرك! فقال: أهكذا تقول لي؟ فوالله لأنا أشعر منك، قال: وكيف تكون أشعر مني، وأنت تقول: من الطويل
يقر بعيني ما يقر بعينها ... وأفضل شيء ما به العين قرت
فإنه يقر بعينها أن تنكح، فيقر ذاك بعينك؟! عن خويلد الهذلي قال: بينما أنا وأبي نطوف بالبيت إذا نحن بعجوز يضرب أحد لحييها بالآخر، أقبح عجوزٍ رأيتها قط، فقال: أي بني، أتعرف هذه؟ قلت: لا، ومن هذه؟ قال: هذه التي يقول فيها الأحوص: من البسيط(13/282)
سلام ليت لساناً تنطقين به ... قبل الذي نالني من خبله قطعا
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني ... حتى إذا قلت: هذا صادق نزعا
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
عن يوسف بن عنيزة قال:
هجا الأحوص بن محمد رجلاً من الأنصار من بني حرام يقال له: ابن بشير، وكان كثير المال، فغضب من ذلك، فخرج حتى قدم على الفرزدق بالبصرة، فأهدى له وألطفه، فقبل ذلك منه، فجلسا يتحدثان، فقال له الفرزدق: ممن أنت؟ قال: من الأنصار، قال: ما أقدمك؟ قال: جئت مستجيراً بالله ثم بك من رجلٍ هجاني، قال: قد أجارك الله منه وكفاك مؤونته، فأين أنت عن الأحوص بن محمد؟ قال: هو الذي هجاني، فأطرق ساعةً، ثم قال: أليس الذي يقول: من الطويل
ألا قف برسم الدار فاستنطق الرسما ... فقد هاج أحزاني وذكرني نعما؟
قال: بلى، قال:(13/283)
فلا والله ما أهجو رجلاً هذا شعره، فخرج ابن بشير، فاشترى أفضل من الشراء الأول من الهدايا، وقدم بها على جرير، فأخذها وقال له: ما أقدمك؟ قال: جئت مستجيراً بالله وبك من رجل هجاني، قال: قد أجارك الله وكفاك، أين أنت عن ابن عمك الأحوص بن محمد؟ قال: هو الذي هجاني، قال: فأطرق ساعةً ثم قال: أليس الذي يقول: من الطويل
تمشى بشتمي في أكاريس مالك ... شبابة كالكلب الذي ينبح النجما
فما أنا بالمخسوس في جذم مالكٍ ... ولا بالمسمى ثم يلتزم الاسما
ولكن بيتي إن سألت وجدته ... توسط منها العز والحسب الضخما؟
لا والله، لا أهجو رجلاً هذا شعره. فاشترى أفضل من تلك الهدايا، وقدم على الأحوص، فأهداها له، وصالحه.
عن إسماعيل بن محمد المخزومي قال: اجتمع خمس نسوةٍ عند امرأةٍ من أهل المدينة، فقلن: أرسلي إلى الأحوص، فإنا نحب أن نتحدث معه، ونسمع من شعره، قالت: إذاً لا يزيد إذا خرج من عندكن، وعرفكن أن يفضحكن بالشعر، فلم يزلن بها حتى أرسلت رسولاً يذكر رسولاً يذكر له أمرهن، ولا يسميهن، ويأتي مخمراً رأسه.
ففعل، وتحدث معهن، وأنشدهن؛ فلما أراد الخروج شق طرة من ردائه فوضعها على جدار باب الدار، ثم تيمم الموضع لما أصبح، فطاف عليه حتى وجد العلامة، فقال: من الكامل
خمس دسنن إليّ في لطفٍ ... حور العيون نواعم زهر
فطرقتهن مع الرسول وقد ... نام الرقيب، وحلق النسر
متأبطاً للحي إن فزعوا ... عضباً يلوح بمتنه أثر
فعكفن ليلتهن ناعمةً ... ثم استفقن وقد بدا الفجر
بأشم معسولٍ بحاجبه ... غض الشباب رداؤه غمر
قامت تخاصره لكلتها ... تمشي التأود غادة بكر
فتناغيا من دون نسوتها ... كلما يُسَرُّ كأنه سحر
كل يرى أن الشباب له ... في كل مبلغ لذةٍ عذر(13/284)
قال إسماعيل: فخرجت وأنا شاب، ومعي شباب، لنزور مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرنا خبر الأحوص هذا وشعره، وقدامنا عجوز عليها وسم جمالٍ، فلما بلغنا المسجد وقفت، والتفتت إلينا، فقالت: يا فتيان، أنا والله إحدى الخمس، كذب ورب هذا القبر والمنبر ما خلت معه واحدة، ولا راجعته دون نسوتها كلاماً.
وقال من قصيدة يرثي معاوية: من الكامل
يا أيها الرجل الموكل بالصبا ... وصبا الكبير إذا صبا تعليل
قدّم لنفسك قبل موتك صالحاً ... واعمل، فليس إلى الخلود سبيل
لا بد من يومٍ لكل معمرٍ ... فيه لمدة عيشه تكميل
أين ابن هندٍ، وهو فيه عبرة؟ ... إما اعتبرت لمن له معقول
ملك تدين له الملوك مبارك ... كادت لمهلكه الجبال تزول
تجبى له بلخ ودجلة كلها ... وله الفرات وما سقاه النيل
لو أنه وزن الجبال بحلمه ... لوفى بها، أو ظل وهو يميل
فأزال ذلك ريب يومٍ واحدٍ ... عنه وحكم ماله تبديل
حتى ثوى جدثاً كأن ترابه ... مما تطرده الصبا منخول
فهو الذي لو كان حي خالداً ... يوماً لكان من المنون يؤول
وقال يمدح عبد العزيز بن مروان: من الطويل
أقول بعمانٍ، وهل طربي به ... إلى أهل سلعٍ، إن تشوفت نافع؟
أصاحِ، ألم تحزنك ريح مريضة ... وبرق تلالا بالعقيقين رافع
فإن الغريب الدار مما يشوقه ... نسيم الرياح، والبروق اللوامع(13/285)
نظرت على فوتٍ، وأوفى عشيةً ... بناء منظر من حصن عمان يافع
لأبصر أحياء بخاخٍ تضمنت ... منازلهم منها التلال الداوفع
فأبدت كثيراً نظرتي من صبابتي ... وأكثر منها ما تجن الأضالع
وكيف اشتياق المرء يبكي صاببةً ... إلى من نأى عن داره وهو طائع
وإنا عدانا عن بلادٍ نحبها ... إمام دعانا نفعه المتتابع
أغر لمروانٍ وحربٍ كأنه ... حسام جلت عنه الصياقل قاطع
هو الفرع من عبدي منافٍ كليهما ... إليه انتهت أحسابها والدسائع
هو الموت أحياناً يكون، وإنه ... لغيث حيا يحيى به الناس واسع
قال عبد الله بن عمران بن أبي فروة: أتت الأحوص الأنصار حين وقفه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في سوق المدينة، وإنه يصيح: من الكامل
ما من مصيبة نكبةٍ أعنى بها ... إلا تعظمني وترفع شاني
وتزول حين تزول عن متخمطٍ ... تخشى بوادره على الأقران
إني إذا خفي اللئام رأيتني ... كالشمس لا تخفى بكل مكان
وأنشد نفطويه النحوي للأحوص: من الطويل(13/286)
وإني لآتي البيت ما إن أحبه ... وأكثر هجر البيت وهو حبيب
وأغضي عن الأشياء منكم تريبني ... وأدعى إلى ما سركم فأجيب
وقال الأحوص: من الوافر
أأن نادى هديلاً ذات فلجٍ ... مع الإشراق في فننٍ حمام
ظللت كأن دمعك در سلكٍ ... هوى نسقاً وأسلمه النظام
تموت تشوق طرباً وتحيا ... وأنت جوٍ بدائك مستهام
كأنك من تذكر أم حفص ... وحبل وصالها خلق رمام
صريع مدامةٍ غلبت عليه ... تموت لها المفاصل والعظام
وأنى من بلادك أم حفص ... سقى بلداً تحل به الغمام
سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
ولا غفر الإله لمُنكحيها ... ذنوبهم، وإن صلوا وصاموا
فطلقها فلست لها بأهلٍ ... وإلا شق مفرقك الحسام
وقال الأحوص في مرضه الذي مات فيه: من البسيط(13/287)
يا بشر، يا رب محزونٍ بمصرعنا ... وشامتٍ جذلٍ ما مسه الحزن
وما شمات امرئ إن مات صاحبه ... وقد يرى أنه بالموت مرتهن؟!
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله
أبو الحسين الحنظلي السمناني روى عن عيسى بن حماد بسنده عن خولة بنت حكيم السلمية قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من نزل منزلاً ثم يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ".
أنشد أبو الحسين عبد الله بن محمد السمناني لنفسه: من الطويل
ترى المرء يهوى أن يطول بقاؤه ... وطول البقا ما ليس يشفي له صدرا
ولو كان في طول البقاء صلاحنا ... إذاً لم يكن إبليس أطولنا عمرا
توفي أبو الحسين السمناني - بسمنان - سنة ثلاثٍ وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع
أبو أحمد، المعروف بابن المفسر الفقيه الشافعي روى عن أحمد بن علي بن سعيد القاضي المروزي بسنده عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزالون بخيرٍ ما كان فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخيرٍ ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخيرٍ ما كان فيكم من رأى من رأى رآني وصاحبني ".
ولد ابن المفسر سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وتوفي سنة خمس وستين وثلاثمائة.(13/288)
عبد الله ويقال عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله
أبو القاسم القرشي الحراني روى عن ابن أبي شيخ بسنده عن سفيان بن عيينة قال: عيرت اليهود عيسى بن مريم بالفقر، فقال: من الغنى إثم، بحسبك أنه من شرف الفقر أنك لا ترى أحداً يعصي الله ليفتقر.
وبسنده عن الشافعي أنه قال: صحبة من لا يخاف العار عار.
توفي أبو القاسم القرشي إمام الجامع العبد الصالح سنة سبع وستين وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هلال
أبو بكر الحنائي البغدادي الأديب روى عن أبي يوسف يعقوب بن أحمد بن عبد الرحمن الجصاص الدعاء بسنده عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخل الجنة قاطع ".
مات أبو بكر الحنائي سنة إحدى وأربعمائة، وكان ثقة.
عبد الله بن محمد بن عبد الله
أبو محمد الأندلسي يعرف بابن العربي والد أبي بكر، دخل إلى المشرق بابنه أبي بكر.(13/289)
روى أبو بكر محمد بن طرخان من طريقه موطأ مالك.
قال أبو محمد بن العربي: صحبت الإمام أبا محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم سبعة أعوامٍ، وسمعت منه جميع مصنفاته حاشا المجلد الأخير من كتاب: القصد، نحو السدس، وقرأنا من كتاب: الاتصال، أربع مجلدات، ولم يفتني من تواليفه شيء سوى ما ذكرته.
قال ابن طرخان: وكان عند الإمام أبي محمد كتاب: الاتصال، في أربعةٍ وعشرين مجلداً بخط يده.
عبد الله بن محمد بن عبد الله
ابن محمد بن عبد الله بن سليمان أبو محمد التنوخي ولد بمعرة النعمان يوم الأربعاء التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
أنشد ابنه أبو اليسر له: من الكامل
يا من تنكب قوسه وسهامه ... وله من اللحظ السقيم سيوف
يغنيك عن حمل السلاح إلى العدى ... أجفانك المرضى فهن حتوف
وأنشد له في الربوة: من الرمل
قف على الربوة يا حادي الركاب ... وقفةً تذهب عني بعض ما بي
وارجع العيس على أدراجها ... نقض حق الود من دار الرباب
كيف لا أصبو إلى أرضكم ... وبها صاحبت أيام الشباب
فإذا ما ابتسمت من نحوها ... بوميض البرق أجفان السحاب(13/290)
لج من فرط غرامي بكم ... دمع عيني وحنيني وانتحابي
توفي عبد الله بن محمد بمصر سنتة ست عشرة وخمسمائة.
عبد الله بن محمد بن عبد الله
أبو محمد الصنهاجي المغربي، المعروف بابن الأشيري كان أديباً له شعر جيد.
اجتمع به الحافظ ابن عساكر بدمشق، وذكر وفاته سنة إحداى وستين وخمسمائة.
عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن
ابن أبي بكر بن أبي قحافة بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي المدني قال عبد الله بن أبي عتيق: كنا عند عائشة، فجيء بطعامٍ، فقام القاسم يصلي، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يصلي بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان ".
وفد ابن أبي عتيق على عبد الملك بن مروان، فلقي حاجبه، فسأله أن يستأذن له عليه، فسأله الحاجب: ما نزعه؟ فذكر دَيناً فدحه، فاستأذن له، فأمر(13/291)
عبد الملك بإدخاله، فأدخله، وعند رأس عبد الملك ورجليه جاريتان له وضيئتان، فسلم وجلس، فقال له عبد الملك: حاجتك؟ قال: ما لي حاجة إليك، قال: ألم يذكر لي الحاجب أنك شكوت إليه دَيناً عليك، وسألته ذكر ذلك لي؟ قال: ما فعلت وما علي دين، وإني لأيسر منك، قال: انصرف راشداً، فقام، ودعا عبد الملك الحاجب، فقال له: ألم تذكر لي ما شكا إليك ابن أبي عتيق من الدَين؟ قال: بلى، قال: فإنه أنكر ذلك! فخرج إليه الحاجب، فقال: ألم تشكُ إلي دَينك، وذكرت أنك خرجت إلى أمير المؤمنين فيه، وسألتني ذكره له؟ قال: بلى، قال: فما حملك على إنكار ذلك عند أمير المؤمنين؟ قال ابن أبي عتيق: دخلت عليه وقد أجلس الشمس عند رأسه، والقمر عند رجليه ثم قال لي: كن سؤالاً! لا والله ما كان الله تعالى ليرى هذا أبداً! فدخل الحاجب على عبد الملك، فأخبره، فضحك ووهب الجاريتين له، وقضى دينه ووصله.
قال الزبير بن بكار: ومن ولد عبد الرحمن بن أبي بكر: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو أبو عتيق، وابنه: عبد الله الذي يقال له: ابن أبي عتيق، وهو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق، وكان امرأ صالحاً، وكانت فيه دعابة، وقد سمع من عائشة أم المؤمنين، ودخل عليها في مرضها الذي ماتت فيه، فقال لها: كيف أصبحت يا أمه، جعلني الله فداك؟ فقالت له: أصبحت ذاهبة! فقال: فلا إذاً! وأمه: رميثة بنت الحارث بن حذيفة بن مالك بن ربيعة من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة.
قال موسى بن عقبة: ما نعلم أربعةً في الإسلام أدركوا هم وأبناؤهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هؤلاء الأربعة: أبو قحافة، وأبو بكر وابنه، وابن ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وأبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر، واسم أبي عتيق: محمد.(13/292)
قال أبو نصر الحافظ: عتيق - بفتح العين.
قال عبد الله بن كثير بن جعفر: اقتتل غلمان عبد الله بن العباس، وغلمان عائشة، فأخبرت عائشة بذلك، فخرجت في هودجٍ على بغلةٍ لها، فلقيها ابن أبي عتيق، فقال: أي أمي جعلني الله فداك، أين تريدين؟ قالت: بلغني أن غلماني وغلمان ابن عباس اقتتلوا، فركبت لأصلح بينهم، فقال: يعتق كل ما يملك إن لم ترجعي! فقالت: يا بني، ما حملك على هذا؟ قال: انقضى عنا يوم الجمل حتى تريدين أن تأتينا بيوم البغلة! قال الزبير: وحدثني أبي أن ابن عتيق دخل على أم المؤمنين عائشة وهو مشتمل على قرد، فقال لها: يا أمه، برّكي فيّ، فقالت: بارك الله فيك، قال: وفيما معي، قالت: وفيما معك، فتكشف لها عنه، فغضبت وقالت له: لقد هممت أن أدعو عليك بدعوة تدخل معك قبرك! وجاء ابن عتيق إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال له: يا أبا عبد الرحمن: من الرمل
ما ترى فيمن قد آلى جاهداً ... حالفاً بالله في قطع الرحم
قال رب الناس: صلها، قال: لا ... مثلما لو قال: لا، قال: نعم
وعبد الله بن عمر يضحك.
كان لرجلٍ على ابن أبي عتيق دين، فتقاضاه، فلما ألح عليه قال: ائتني العشية في مجلس القلادة - وكان مجلس القلادة مجلساً لقريش يتذاركون الفقه وأصناف العلوم - فاسألني عن بيت قريش، فأتاه الغريم في المجلس، فقال: إنا تلاحينا في بيت قريشٍ، ورضيناك حكماً، فقال: أعفني من الكلام في هذا، قال: لا بد من أن تقول، قال: فإن بيت قريش آل حرب بن أمية،(13/293)
قال: ثم من؟ قال: ثم آل أبي العاص، قال: وعبد الله بن عباس حاضر، فقال الرجل: فأين بنو عبد المطلب؟ فقال: لم أظنك تسألني عن بيت الملائكة، ومهبط جبريل، إنما ظننتك تسألني عن بيت الآدميين، فأما إذا صرت إلى بيت رسول رب العالمين، وسيد كل شهيدٍ، وعم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطيار في الجنة مع الملائكة فمن يسامي هؤلاء؟ وأي فخر إلا وهو ينقطع دونهم؟ قال: فجلا عن ابن عباس ما كان فيه، فدعاه بعد ما قام الناس، فقال: ألك حاجة؟ قال: نعم، علي دَين، فقال: قد قضيناه عنك.
وقد رويت الحكاية من وجهٍ آخر فيه الحسن بدل ابن عباس.
قال مروان بن الحكم: بغلة الحسن تعجبني، فقال له ابن أبي عتيق: فإن أخذتها لك تقضي لي أربعين حاجة؟ قال: نعم، قال: فإذا كان العشية فأذن للناس، فإني سأذكر أولية قريش إذا جلس الحسن، ولا أذكر من ناحية الحسن شيئاً، فقل: ما لك لا تذكر أبا محمد؟ قال: فلما كان عشية أذن للناس، فلما أخذوا مجالسهم أفاض ابن أبي عتيق مع مروان يذكر أولية قريش وشرفهم، فقال له مروان: أراك تذكر أولية قريش وشرفهم، ولا أسمعك تذكر أبا محمد، وحظه من ذلك الحظ الوافر؟ فقال له ابن أبي عتيق: إنا كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لذكرنا أبا محمد، فلما قام الحسن قام معه ابن أبي عتيق، فلما خرج أضحك الحسن، وأقبل عليه، فقال: ألك حاجة؟ قال: نعم، البغلة، قال: هي لك فأعطاها مروان.
قال عبد الله بن عروة بن الزبير: لقد اشتقت إلى حديث ابن أبي عتيق، وأرسل إليه يقول له: إني قد اشتقت إلى حديثك، فأحب أن تزورني، قال: فقال ابن أبي عتيق للرسول: نعم، قال: فأين تعده؟ قال: الحوض، فرجع الرسول إلى عبد الله بن عروة، فأخبره، فقال: هذا موعد مغمس، ارجع إليه فاسأله أي حوض؟ فرجع إليه، فقال: يقول لك: أي حوض؟ قال: حوض القيامة، فذكر ذلك الرسول لعبد الله بن عروة، فضحك، وقال: قل له: أتعدنا حوضاً لا ترده؟ عن عبد الله بن نافع بن ثابت قال: جلس ابن أبي عتيق مع أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في مجلس للقضاء،(13/294)
فخاصمت إلى أبي بكرٍ امرأة منتقبة لها عين حسنة حوراء، فأقبل أبو بكر على ابن أبي عتيق، فقال: ما تقول في أمر هذه؟ فقال: لها عين مظلومةٍ، إلى أن طالت بها الخصومة، فأذلقتها، فكشفت وجهها، فإذا أنفها ضخم قبيح، فقال له أبو بكر: ما تقول في أمرها؟ قال: لها أنف ظالمة، وأبو بكر بن محمد إذ ذاك يلي عمل المدينة، وقضاءها.
عن إبراهيم بن أبي يحيى قال: كنا نعرض على ابن أبي عتيق وهو في المسجد، فربما أغمض فنسكت، فيقول: اقرؤوا ما لكم؟ فنقول: ظنناك نمت، فيقول: لا ولكن مر رجل يثقل علي فغمضت عينيّ.
أنشد منشد لعبد الله بن محمد بن أبي عتيق: من الطويل
وإني لأستحيي من الله أن أرى ... إذا غبت عن ليلى أُسرُّ وأفرح
وأن ترتعي عيناي في وجه غيرها ... أبى ذاك في الحشا ليس يبرح
عن ابن أبي عتيق: أنه مر به رجل ومعه كلب، فقال للرجل: ما اسمك؟ قال: وثاب، قال: فما اسم كلبك؟ قال: عمرو، قال: واخلافاه.
حضر ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة وهو ينشد: من الطويل
من كان محزوناً لإهراق دمعةٍ ... وهى عزمها فليأتنا نبكها معا
قال: قد أتيناك، ولا تبرح أو نبكي، فبكى معه.
عن الزبير بن بكار قال: لما قال عمر بن أبي ربيعة القرشي: من الوافر
أحن إذا رأيت جمال سعدى ... وأبكي إن سمعت لها حنينا(13/295)
فقد أزف المسير فقل لسعدى ... فديتك خبّري ما تأمرينا
قال: فخرج ابن أبي عتيق حتى أتى الجباب من أرض غطفان، ثم أتى خيمة سعدى، فاستأذن عليها، وأنشدها البيتين، ثم قال: ما تأمرين، قالت: آمره بتقوى الله.
قال عمر بن أبي ربيعة، وهو أول من وصف القوادة بهذين البيتين: من الرمل
فأتتها طبّة عالمة ... تخلط الجد مراراً باللعب
ترفع الصوت إذا لانت لها ... وتطأطي عند سورات الغضب
فقال ابن أبي عتيق: قد طلبنا مثل هذه تصلح أمر الناس يوم قتل عثمان بن عفان فلم نصبها!.
عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد
أبو محمد الجهني الأندلسي القرطبي روى عن حمزة بن محمد بن علي بن محمد بن العباس الكناني المصري بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ".
قال أبو محمد بن أسد: أعطيت بوادي القرى ثيابي لامرأةٍ أعرابيةٍ تغسلها، فغسلتها وأتت بها، فدقتها بحذائي بين حجرين وهو تقول: من الرجز(13/296)
أعط الأجير أجره وينصرف ... إن الأجير بالهوان معترف
قال: فحفظت عنها الشعر، وزدتها على أجرتها قيراطاً.
قال أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الفرضي: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد الجهني من أهل قرطبة، رحل إلى المشرق سنة اثنتين وأربعمائة، وتوفي يوم السبت لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن الصامت
أبو هاشم حدث عن أبي لبيد محمد بن إدريس السرخسي بسنده إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: المروءة مروءتان، فللسفر مروءة، وللحضر مروءة، فأما مروءة السفر فبذل الزاد، وقلة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله، وأما مروءة الحضر فالإدمان إلى المساجد، وتلاوة القرآن، وكثرة الإخوان في الله.
سنة ست وعشرين وثلاثمائة توفي أبو هاشم بن الصامت.
عبد الله بن محمد بن عبد الغفار
ابن أحمد بن إسحاق بن ذكوان أبو محمد البعلبكي القاضي حدث عن أبي الدحداح بن محمد بن إسماعيل التميمي بسنده عن حبة العرني قال: سمعت علياً يقول: أنا أول من صلى خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأول من أسلم مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(13/297)
وعن الحسين بن عبد الله البغراسي بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ".
توفي ابن ذكوان في سنة ثلاثٍ وثمانين وثلاثمائة، وقيل: سنة ثمانين وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
ابن نصير بن عبد الوهاب بن عطاء بن واصل أبو سعيد القرشي الرازي الصوفي روى عن محمد بن أيوب الرازي بسنده عن البراء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سئل المسلم في القبر فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فذلك قول الله عز وجل: " يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ".
وروى عن أحمد بن عمير بن يوسف الدمشقي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل درهم رباً فهو مثل ثلاثةٍ وثلاثين زنيةً ".
توفي أبو سعيد الرازي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب
ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو محمد الهاشمي العقيلي المدني وفد على هشام بن عبد الملك.(13/298)
روى عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاهدت في سبيل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبرٍ حتى أقتل أدخل الجنة؟ قال: " نعم، إلا أن يكون عليك دين ليس عندك له وفاء ".
قدم عبد الله بن محمد بن عقيل على هشام بن عبد الملك فأمر له بأربعة آلاف أو نحوها، فأتى هذا الدير، فنزل فيه، فطُرِق من الليل، فذُهِب بها.
قال عبيد الله بن عمرو: فنهضت أنا وأبو المليح، ورجل آخر يقال له: محمد بن عتبة من أهل الرقة، فجمعنا له مثلها أو نحوها، ثم أتيناه بها، فقال لنا: أي شيءٍ هذه؟ إن كانت صلة قبلتها، وإن كانت صدقةً فلا حاجة لي فيها، لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تحل الصدقة لنا - أهل البيت " قلنا: بل هي صلة، قال: فأخذها.
قال مصعب بن عبد الله: انقرض ولد عقيل بن أبي طالب إلا من محمد بن عقيل، كانت عند محمد بن عقيل زينب بنت علي بن أبي طالب، فولدت له: عبد الله بن محمد بن عقيل.
قال محمد بن سعد: كان عبد الله بن محمد بن عقيل منكر الحديث، لا يحتجون بحديثه، وكان كثير العلم.
عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال: كنت أنطلق أنا ومحمد بن علي أبو جعفر، ومحمد بن الحنفية إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، فنسأله عن سنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن صلاته، فنكتب عنه، ونتعلم منه.(13/299)
وقال: أتيت الربيع بنت معوذ بن عفراء، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ عندها، فأخرجت إلي إناءً يكون مداً أو مداً وربع بمد ابن هشام، فقالت: بهذا كنت أخرج لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوضوء، فيبدأ، فيغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء - وزاد في رواية في المسح، قال: ثم مسح قرنيه إلى عارضيه حتى بلغ لحيته.
قال سفيان بن عيينة: رأيت ابن عقيل يحدث نفسه، فحملته على أنه قد تغير.
كان مالك لا يروي عن عبد الله بن محمد بن عقيل، ولم يدخله في كتبه، ولم يروِ عنه يحيى ابن سعيد القطان.
وسئل علي بن المديني عن عبد الله بن محمد بن عقيل، فقال: كان ضعيفاً.
وقال يحيى بن معين: لا يحتج بحديثه، وقال: ليس بذاك، ضعيف الحديث.
مات عبد الله بن محمد بن عقيل بالمدينة قبل خروج محمد بن عبد الله بن حسن، وخرج محمد بن عبد الله بن حسن سنة خمسٍ وأربعين ومائة.
أجمعوا على تضعيفه.
عبد الله بن محمد بن علي
ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو هاشم العلوي الهاشمي من أهل المدينة، وفد على الوليد بن عبد الملك - ويقال: على سليمان بن عبد الملك - فأدركه أجله بالبقاء في رجوعه، ودفن بالحميمة.(13/300)
روى عن أبيه انه سمع أباه علي بن أبي طالب يقول لابن عباس: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.
قال مصعب: كان عبد الله بن محمد يكنى أبا هاشم، وكان صاحب الشيعة، فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ودفع إليه كتبه ومات عنده، وقد انقرض ولده إلا من قبل النساء.
قال خليفة: أمه فتاة - يعني أم ولد - توفي سنة ثمان - أو تسع - وتسعين.
قال ابن سعد: كان أبو هاشم صاحب علم ورواية، وكان ثقة قليل الحديث، وكانت الشيعة يلقونه وينتحلونه وكان بالشام مع بني هاشم.
قال البخاري: كان عبد الله يتبع السبائية.
قال عيسى بن علي: مات أبو هاشم بن الحنفية في عسكر الوليد بدمشق، فخالفني مصعب الزبيري وقال: مات بالحِجر من بلاد الثمود.
عن عبد الله بن عياش وجويرية بن أسماء:
أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي وفد إلى سليمان بن عبد الملك في حوائج عرضت له، فدخل عليه، فأكرمه سليمان، ورفعه، وسأله، فأجاب بأحسن جواب، وخاطب سليمان بأشياء مما قدم له من أموره، فأبلغ وأوجز، فاستحسن سليمان كلامه(13/301)
وأدبه واستعذب ألفاظه، وقال: ما كلمني قرشي قط بشبه هذا، وما أظنه إلا الذي كنا نخبر عنه أنه سيكون منه كذا وكذا، وقضى حوائجه، وأحسن جائزته وصرفه. فتوجه من دمشق يريد فلسطين، فبعث سليمان مولى له أديباً حصيفاً مكراً، فسبق أبا هاشم إلى بلاد لحمٍ وجذام، فواطأ قوماً منهم، فضربوا أبنية على الطريق كهيئة الحوانيت، وبين كل بناء نحو الميل - وأقل وأكثر - وأعدوا عندهم لبناً مسموماً، فلما مر بهم أبو هاشم، وهو راكب بغلةً له جعلوا ينادون: الشراب الشراب، اللبن اللبن، فلما تجاوز عدةً منهم تاقت نفسه إلى اللبن، فقال: هاتوا لبنكم هذا، فناولوه، فلما استقر في جوفه، وتجاوزهم قليلاً أحس بالأمر، وعلم أنه قد اغتيل، فقال لمن معه: أنا والله يا هؤلاء ميت، فانظروا القوم الذين سقوني اللبن من هم؟ فعادوا إليهم، فإذا هم قد طاروا على وجوههم، فذهبوا فقال أبو هاشم: ميلوا بي إلى ابن عمي محمد بن علي بالحميمة، وما أحسبني أدركه، فأغذوا السير، قال: فجدوا في السير حتى أدركوا الحميمة كداً - وهي من الشراة - فنزل على محمد بن علي، فقال: يا بن عم، إني ميت من سم سقيته، وأخبره الخبر، وأعلمه أن هذا الأمر صائر إلى ولده، وأوصاه في ذلك، وعرفه بما تمسك به محمد بن علي، ومات أبو هاشم من ساعته.
وذكر أبو معشر ان الذي سم أبا هاشم الوليد بن عبد الملك.
عبد الله السفاح بن محمد بن علي
ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو العابس، أمير المؤمنين ويقال له: المرتضى والقائم ولد بالحميمة من أرض الشراة من ناحية البلقاء، فكان بها إلى أن جاءته الخلافة، وبويع به بالكوفة، وأمه الحارثية، وهي ريطة - ويقال: رائطة - بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان بن الديان، وكانت قبل أن يتزوجها محمد عند عبد الله بن عبد الملك بن مروان.(13/302)
حدث عن أخيه إبراهيم بن محمد، بسنده عن علي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر أنه يفد عليه وفدان في يومٍ واحدٍ من السند وإفريقية بسمعهم وطاعتهم، وتلك علامة وفاته.
ولا يعلم أن السفاح روي عنه حديث مسند غير هذا الحديث.
بويع أبو العباس السفاح بالكوفة ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ومات بالجدري بالأنبار سنة خمس وثلاثين ومائة، وكان مولده سنة ثمان ومائة، وموته في سنة خمس وثلاثين ومائة يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة، وهو ابن ثمان وعشرين سنة، وصلى عليه عيسى بن علي، وكانت ولايته أربع سنين وتسعة أشهر وفي تاريخ مولده ووفاته ومدة خلافته خلاف، وكان نقش خاتمه: الله ثقة عبد الله وكان أبو العباس طوالاً، أبيض، أقنى، ذا شعرة جعدةٍ، حسن اللحية جعدها.
عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يخرج عند انقطاعٍ من الزمان، وظهورٍ من الفتن رجل يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثياً ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي ".
وعن ابن عباس قال: " والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لأدال الله من بني أمية، ليكونن منا السفاح والمنصور والمهدي ".(13/303)
عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ولد خليفةٍ، لا تصير إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من خراسان، فيقتلونكم مقتلةً لم تروا مثلها - ثم ذكروا شيئاً - فإذا كان ذلك فأتوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله - وفي رواية: ثم تجيء الرايات السود، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه، فإنه خليفة الله المهدي ".
عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحجر الأسود من حجارة الجنة، وزمزم خطفة مقام جبريل عليه السلام، وسيكون لبني العباس رايةً، فمن تبعها رشد، ومن تخلف عنها هلك، ولن يخرج الأمر منهم إلى غيرهم ".
عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" تخرج رايات سود من قبل خراسان، فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء ".
عن ابن عباس قال: إني لأرجو ألا تذهب الأيام والليالي حتى يبعث الله منا غلاماً شاباً، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، لم يلبس الفتن، ولم تلبسه الفتن، وإني لأرجو أن يختم الله بنا هذا الأمر كما فتحه، فقال له رجل: يا أبا عباس، عجزت عنها شيوخكم وترجوها لشبابكم؟ قال: إن الله يفعل ما يشاء.
وعن ابن عباس قال: قال حذيفة وكعب: إذا ولي بنوك - يعني الخلافة - لم تخرج منهم حتى يدفعوها إلى عيسى عليه السلام.(13/304)
عن محمد بن علي بن عبد الله قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز، وعنده رجل من النصارى، فقال له عمر بن عبد العزيز: من تجدون الخليفة بعد سليمان؟ قال له النصراني: أنت، قال: فأقبل عمر بن عبد العزيز عليّ، فقال: دمي في ثيابك يا أبا عبد الله! قال محمد بن علي: فلما كان بعد ذلك جعلت ذلك النصراني من بالي، فرأيته يوماً، فأمرت غلامي أن يحبسه عليّ، وذهبت به إلى منزلي، وسألته عما يكون، وقلت له: خلفاء بني مروان واحداً واحداً؟ فعد لي خلفاء بني مروان واحداً واحداً، وتجاوز عن مروان بن محمد، قال محمد بن علي: فقلت له: ثم من؟ قال: ثم ابنك ابن الحارثية، وهو اليوم حمل.
حدثني عبد الله بن المغيرة عن أبيه قال: رأيت أبا العباس حين الجمعة على برذونٍ أشهب قريبٍ من الأرض بين عمه داود بن علي وأخيه أبي جعفر، شاباً جميلاً تعلوه صفرة، فأتى المسجد فصعد المنبر، فتكلم فصعد داود بن علي فقام عتبتين من المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، والله ما علا منبركم هذا خليفة بعد علي بن أبي طالب غير ابن أخي هذا، ووعد الناس، ومناهم.
قال: فقال أبي: ثم إني رأيته الجمعة الثانية كأن وجهه ترس، وكأن عنقه إبريق فضةٍ، وقد ذهبت الصفرة، والله ما كان بينهما إلا أسبوع.
عن سعيد بن سلم الباهلي قال: حدثني من حضر مجلس السفاح، وهو أحشد ما كان ببني هاشم، والشيعة، ووجوه الناس. فدخل عبد الله بن حسن بن حسن ومعه مصحف، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف، قال: فأشفق الناس من أن يعجل السفاح بشيء إليه، فلا يريدون ذلك في شيخ بني هاشم في وقته، أو يعيا بجوابه،(13/305)
فيكون ذلك نقصاً له، وعاراً عليه، قال: فأقبل عليه غير مغضب ولا مزعجٍ، فقال: إن جدك علياً - وكان خيراً مني وأعدل - ولي هذا الأمر، فأعطى جديك الحسن والحسين - وكانا خيراً منك - وكان الواجب أن أعطيك مثله؛ فإن كنت فعلت قد أنصفتك، وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك، قال: فما رد عبد الله جواباً، وانصرف والناس يعجبون من جوابه له.
قال يعقوب بن إبراهيم بن سعد: دخل عمران بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع العدوي على أبي العباس في أول وفدٍ وفد عليه من المدينة، فأمروا بتقبيل يده، فتبادروها، وعمران واقف، ثم حياه بالخلافة وهنأه، وذكر حسبه ونسبه، ثم قال: يا أمير المؤمنين إنها والله لو كانت تزيدك رفعةً، وتزيدني من الوسيلة إليك ما سبقني بها أحد؛ وإني لغني عما لا أجر لنا فيه، وعلينا فيه ضعة، قال: ثم جلس. قال: فوالله ما نقص من حظّ أصحابه.
قال ابن النطاح: روينا أن السفاح عمل بيتين ووجه برجلٍ إلى عسكر مروان ليقوم على الجبل ليلاً فيصيح بهما، وينغمس، فلا يوجد، وهما هذان البيتان: من البسيط
يا آل مروان إن الله مهلككم ... ومبدل أمنكم خوفاً وتشريدا
لا عمّر الله من أنسالكم أحداً ... وبثكم في بلاد الخوف تطريدا
قال: ففعل ذلك، فدخلت قلوبهم مخافة.(13/306)
قال جعفر بن يحيى: نظر أمير المؤمنين السفاح في المرآة، وكان من أجمل الناس وجهاً، فقال: اللهم إني لا أقول كما قال عبد الملك: أنا الملك الشاب، ولكني أقول: اللهم عمرني طويلاً في يطاعتك مُمتّعاً بالعافية، فما استتم كلامه حتى سمع غلاماً يقول لغلامٍ آخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيامٍ، فتطير من كلامه، وقال: حسبي الله، ولا قوة إلا بالله عليه توكلت وبه أستعين، فما مضت الأيام حتى أخذته الحمى، فجعل يوم يتصل بيوم إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام.
عن أبي عبيد الله محمد بن عمران بن موسى قال: قال أبو العباس في علته التي مات فيها، وجسه الطبيب: من مجزوء الكامل
انظر إلى ضعف الحرا ... ك وذله بيد السكون
ينبئك أن بيانه ... هذا مقدمة المنون
وله - وقال له الطبيب: إنك صالح: من الوافر
يبشرني بأني ذو صلاحٍ ... يبين له وبي داء دفين
لقد أيقنت أني غير باقٍ ... ولا شك إذا وضح اليقين
حدث إسحاق بن عيسى بن علي عن أبيه: أنه دخل في أول النهار من يوم عرفة على أبي العباس، وهو في مدينته بالأنبار، قال إسحاق: قال أبي: وكنت قد تخلفت عنه أياماً لم أركب إليه فيها، فعابتني على تخلفي عنه، فأعلمته أني كنت أصوم منذ أول يوم من أيام العشر، فقبل عذري، وقال لي: أنا في يومي هذا صائم، فأقم عندي لتقضيني فيه بمحادثتك إياي ما فاتني من محادثتك(13/307)
في الأيام التي تخلفت عني فيها، ثم تختم ذلك بإفطارك عندي، فأعلمته أني أفعل ذلك، فأقمت إلى أن تبينت النعاس في عينيه، قد غلب عليه، فنهضت عنه، واستمر به النوم، فميّلت بين القائلة في داره، وبين القائلة في داري، فمالت نفسي إلى الانصراف إلى منزلي، لأقيل في الموضع الذي اعتدت القائلة فيه، فصرت إلى منزلي، وقلت إلى وقت الزوال، ثم ركبت إلى دار أمير المؤمنين، فوافيت باب الرحبة الخارج، فإذا برجلٍ دحداحٍ، حسن الوجه، مؤتزر بإزارٍ، متردٍّ بآخر، فسلم علي، فقال: هنأ الله الأمير هذه النعمة، وكل نعمة البشرى، أنا وافد أهل السند، أتيت أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم، وبيعتهم، فما تمالكت سروراً أن حمدت الله عز وجل على توفيقه إياي في الانصراف رغبةً في أن أبشر أمير المؤمنين بهذه البشرى، فما توسطت الرحبة حتى وافى رجل في مثل لونه وهيئته، وقريب الصورة من صورته، فسلم علي كما سلم الآخر، وهنأني بمثل تهنئته، وذكر أنه وافد أهل إفريقية إلى أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم، فتضاعف سروري، وأكثرت من حمدي على ما وفقني له من الانصراف، ثم دخلت الدار، فسألت عن أمير المؤمنين، فأخبرت أنه في موضع كان يتهيأ فيه للصلاة، وكان يكون فيه سواكه، وتسريح لحيته، فدخلت إليه وهو يسرح لحيته، فابتدأت بتهنئته، وأعلمته أني رأيت ببابه رجلين، فسقط عليه زمع، وقال: الآخر وافد أهل إفريقية بسمعهم وطاعتهم؟ فقلت: نعم، فوقع المشط من يده، ثم قال: سبحان الله، كل شيءٍ بائد سواه! نعيت والله نفسي.
حدثني إبراهيم الإمام، عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه يقدم عليّ في يومٍ واحدٍ في مدينتي هذه وافدان، وافد السند، والآخر وافد إفريقية بسمعهم وطاعتهم، وبيعتهم، فلا تمضي بعد ذلك ثلاثة أيام حتى أموت " وقد أتاني الوافدان، فأعظم الله أجرك يا عم في ابن أخيكّ فقلت له: كلا يا أمير المؤمنين -(13/308)
إن شاء الله - قال: بلى - إن شاء الله - لئن كانت الدنيا حبيبةً إليّ فصحة الرواية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إليّ منها، والله ما كذبت، ولا كُذبت، ثم نهض، وقال لي: من مكانك حتى أخرج إليك، فما غاب حيناً حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهر، فخرج إلي خادم له، فأمرني بالخروج إلى المسجد، والصلاة بالناس، ففعلت ذلك، ورجعت إلى موضعي حتى آذنه المؤذنون بصلاة العصر، فخرج إلي الخادم، فأمرني بالصلاة بالناس، والرجوع إلى موضعي، ففعلت، ثم آذنه المؤذنون بصلاة المغرب، فخرج الخادم، فأمرني بمثل ما كان أمرني به في صلاة الظهر والعصر، ففعلت ذلك، ثم عدت إلى مكاني، ثم آذنه المؤذنون بصلاة العشاء، فخرج إلي الخادم، فأمرني بمثل ما كان يأمرني به، ففعلت مثل ما كنت أفعل، ولم أزل مقيماً بمكاني إلى أن مر الليل، ووجبت صلاته، فقمت، فتنفلت حتى فرغت من صلاة الليل والوتر إلا بقية بقيت من القنوت، فخرج عند ذلك ومعه كتاب، فدفعه إليّ حين سلمت، فإذا هو معنون مختوم:
" من عبد الله عبد الله أمير المؤمنين، إلى الرسول والأولياء وجميع المسلمين " وقال: يا عم، اركب في غدٍ، فصل بالناس في المصلى، وانحر، وأخبر بعلة أمير المؤمنين، وأكثر لزومك داره، فإذا قضى نحبه فاكتم وفاته حتى تقرأ هذا الكتاب على الناس، وتأخذ عليهم البيعة للمسمى في هذا الكتاب، فإذا أخذتها، واستحلفت الناس عليها بمؤكدات الأيمان فانعَ إليهم أمير المؤمنين، وجهزه وتول الصلاة عليه، ثم انصرف في حفظ الله، فتأهب لركوبك، فقتل: يا أمير المؤمنين، هل وجدت علة؟ فقال: يا عم، وأي عِلَّةٍ هي أقوى وأصدق من الخبر الصادق عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأخذت الكتاب ونهضت، فما مشيت إلا خطىً حتى هتف بي يأمرني بالرجوع، فرجعت وقال لي: إن الله عز وجل قد ألبسك كمالاً أكره أن يُحظّك الناس فيه، وكتابي الذي في يديك مختوم، وسيقول من يحسدك على ما جرى على يديك من هذا الأمر الجليل: إنك إنما وفيت للمسمى في هذا الكتاب؛ لأن الكتاب كان مختوماً وقد رأى أمير المؤمنين أن يدفع إليك خاتمه ليقطع بذلك ألسنة الحسدة عنك، فوالله لتفين للمسمى في هذا(13/309)
الكتاب، وليَلِيَنَّ الخلافة ما كذبت ولا كُذبت، وانصرف. وتأهبت للركوب فركبت وركب معي الناس حتى صليت بأهل العسكر، ونحرت وانصرفت إليه، فسألته عن خبره، فقال: خبر ما، به الموت لا محالة! فقلت: يا أمير المؤمنين، هل وجدت شيئاً؟ فأنكر عليّ قولي، وكشر في وجهي وقال: يا سبحان الله! أقول لك: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنه يموت " فتسألني عما أجد؟! لا تعد لمثل هذا الذي كان منك! ثم دخلت إليه عشية يوم العيد، وكان من أحسن من عاينته عيناي وجهاً، فرأيته في تلك العشية وقد حدثت في وجهه وردية لم أكن أعرفها، فزادت وجهه كمالاً، ثم بصرت بإحدى وجنتيه في الحمرة مثل حبة الخردل بيضاء، فارتبت بها، ثم صوبت بطرفي إلى الوجنة الأخرى، فوجدت فيها حبةً أخرى، ثم أعدت نظري إلى الوجنة التي عاينتها بدياً فرأيت الحبة قد صارت ثنتين، ثم لم أزل أرى الحب يزداد حتى رأيت في كل جانب من وجنتيه مقدار الدينار حباً أبيض صغاراً، فانصرفت وهو على هذه الحال.
وغَلّست غداة اليوم الثاني من أيام التشريق فوجدته قد هجر، وذهبت عنه معرفتي ومعرفة غيري، فرحت إليه بالعشي، فوجدته قد صار مثل الزق المنفوخ، وتوفي في اليوم الثالث من أيام التشريق، فسجيّته كما أمرني، وخرجت إلى الناس فقرأت عليهم الكتاب وكان فيه: سلام عليكم، أما بعد فقد قلّد أمير المؤمنين الخلافة عليكم بعد وفاته أخاه، فاسمعوا له وأطيعوا، وقد قلد الخلافة بعد عبد الله: عيسى بن موسى - إن كان.
ثم أخذت البيعة على الناس، وجهزته، وصليت عليه، ودفنته في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة.(13/310)
وقيل: كان آخر ما تكلم به عند موته: " الملك لله الحي القيوم، ملك الملوك، وجبار الجبابرة ".
عبد الله بن محمد بن علي
ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو جعفر المنصور بويع له بالخلافة بعد أخيه أبي العباس السفاح، وأمه أم ولد بربرية اسمها سلامة.
روى عن أبيه عن جده عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه.
كان المنصور حاجاً في وقت وفاة السفاح، فعقد له البيعة بالأنبار عمه عيسى بن علي، وورد الخبر على المنصور في أربعة عشر يوماً، وكان له من السن إذ ذاك إحدى وأربعون سنة وشهور، وكان مولده بالحُميمة سنة خمسٍ وتسعين.
وصفه علي بن ميسرة الرازي فقال: رأيت سنة خمسٍ وعشرين أبا جعفر المنصور بمكة فتىً أسمر رقيق السمرة، موفر اللمة، خفيف اللحية، رحب الجبهة، أقنى الأنف، بيّن القنى، أعين، كأن عينيه لسانان ناطقان، تخالطه أبهة الملوك بزي النساك، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، يعرف الشرف في تواضعه، والعتق في صورته، واللب في مشيته.
خرج أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس سنة أربع وخمسين، واستقرى الجزيرة وأجناد الشام مدينةً مدينةً، ودخل دمشق مرتين.(13/311)
عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح، ومن المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمةً من دمٍ، وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً ".
عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس، فذكرنا المهدي، وكان منضجعاً فاستوى جالساً، فقال: " منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي ".
قالت سلامة أم أمير المؤمنين المنصور: لما حملت بأبي جعفر رأيت كان أسداً خرج من فرجي، فأقعى وزأر وضرب بذنبه، فرأيت الأُسد تقبل من كل ناحية إليه، فكلما انتهى إليه أسد منها سجد له.
حدث أبو سهل بن علي بن نوبخت قال: كان جدنا نوبخت على دين المجوسية، وكان في علم النجوم نهايةً، وكان محبوساً بسجن الأهواز، فقال: رأيت أبا جعفر المنصور وقد أدخل السجن، فرأيت من هيبته وجلالته، وسيماه وحسن وجهه وبنائه ما لم أرَ لأحدٍ قط، قال: فصرت من موضعي إليه، فقلت: يا سيدي، ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد! فقال: أجل يا مجوسي، قلت: فمن أي بلادٍ أنت؟ فقال: من أهل المدينة، فقلت: أي مدينةٍ؟ فقال: من مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة؟ قال: لا، ولكني من عرب المدينة، قال: فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته؟ فقال: كنيتي أبو جعفر، فقلت: أبشر فوحق المجوسية لتملكن جميع(13/312)
ما في هذه البلدة حتى تملك فارس، وخراسان، والجبال، فقال لي: وما يدريك يا مجوسي؟ قلت: هو كما أقول، فاذكر لي هذه البشرى، فقال: إن قضي شيء فسوف يكون، قال: قلت: قد قضاه الله من السماء فطب نفساً، وطلبت دواةً، فوجدتها فكتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم: يا نوبخت، إذا فتح الله على المسلمين، وكفاهم مؤونة الظالمين، ورد الحق إلى أهله لم نُغفل ما يجب من حق خدمتك إيانا.
قال نوبخت: فلما ولي الخلافة صرت إليه، فأخرجت الكتاب، فقال: أنا له ذاكر، ولك متوقع، فالحمد لله الذي صدق وعده، وحقق الظن، ورد الأمر إلى أهله، فأسلم نوبخت، فكان منجّماً لأبي جعفر.
عن الربيع بن حظيان قال: كنت مع أبي جعفر المنصور في مسجد دمشق عند المقصورة أيام مروان بن محمد، فقال لي: يا ربيع، ترى لهذا الأمر من فرج؟ ثم تذاكرنا الأمر، فقلت: من ترى لهذا الأمر؟ فقال: ما أعرف له أحداً إلا عبد الله بن حسن بن حسن، فقلت: ما هو لها بأهلٍ، لا في فضله، ولا في عقله، قال: لا تقل ذاك يغفر الله لك، إن له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابةً قريبة، فقال لي: فأنت من ترى لها؟ فقلت له: أنت؟ ووالله الذي لا إله غيره ما علمت يومئذٍ أحداً أحق بها منه. قال: فلما ولي الخلافة أرسل إليّ، فدخلت عليه فقال لي: يا ربيع الحديث الذي كان بيني وبينك بدمشق تحفظه؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: والله يا ربيع لو نازعني فيها أحد من الناس لضربت ما بين عينيه بالسيف، قال: ثم لم يزل يحادثني ويذاكرني أمر عبد الله بن حسن، وقال: قد وليتك دار الضرب بدمشق، فاخرج إليها.
واستخلف أبو جعفر المنصور - وهو عبد الله الأكبر، ويقال له: عبد الله الطويل الأكبر - يوم توفي العباس بالأنبار، وأبو جعفر يومئذٍ بمكة في الحج، وأنفذ إليه الخبر بذلك، فلقيه الرسول في منصرفه من الحج بمنزلٍ يقال له: صُفَينة، من ناحية طريق(13/313)
الجادة، فتفاءل باسم المنزل، وقال: صفت لنا - إن شاء الله - وأغذ السير، ثم قدم الأنبار، وهي يومئذٍ دار الملك، فاستقبل بخلافته المحرم من سنة سبع وثلاثين، فكانت خلافته ثنتين وعشرين سنةً تنقص أياماً، وتوفي بأكناف مكة وهو محرم، وكان يلقب في أيام أبيه مدرك الترات.
ويحكى أن أبا جعفر المنصور كان يرحل في طلب العلم قبل الخلافة، فبينا هو يدخل منزلاً من المنازل قبض عليه صاحب الرصد، فقال: زن درهمين، قال: خل عني؛ فإني من بني أعمام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: زن درهمين، قال: خل عني، فإني رجل قارئ لكتاب الله، قال: زن درهمين، قال: خل عني فإني رجل عالم بالفقه والفرائض، قال: زن درهمين، قال: فلم أعياه أمرُه وزن الدرهمين، ولزم جمع المال، والتدنيق فيه، فبقي على ذلك بُرهةً من زمانه إلى أن قلد الخلافة، وبقي عليه فصار الناس يبخلونه، فلقب بأبي الدوانيق.
عن الأصمعي قال: قالت أعرابية للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العباس: أعظم الله أجرك في أخيك، لا مصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم من خلافتك.
قال المنصور: الخلفاء أربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والملوك أربعة: معاوية، وعبد الملك، وهشام، وأنا.
عن مالك بن أنس قال: دخلت على أبي جعفر الخليفة فقال: من أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فهجم عليّ أمر لم أعلم رأيه، قال: قلت: أبو بكر، وعمر، قال: أصبت، وذلك رأي أمير المؤمنين.(13/314)
وأقام الحج أبو جعفر المنصور سنة ست وثلاثين ومائة، وسنة أربعين ومائة، وسنة أربع وأربعين ومائة، وسنة سبع وأربعين ومائة، وسنة اثنتين وخمسين ومائة.
عن إسماعيل الفهري قال: سمعت المنصور في يوم عرفة على منبر عرفة يقول في خطبته: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على فيئه بمشيئته، أقسمه بإرادته، وأعطيه بإذنه، وقد جعلني الله تعالى عليه قفلاً إذا شاء أن يفتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم، وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني، فارغبوا إلى الله تعالى، أيها الناس، وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه إذ يقول: " اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً " أن يوفقني للصواب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، والإحسان إليكم، ويفتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم، فإنه سميع مجيب.
عن الأصمعي قال: صعد أبو جعفر المنصور المنبر، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأؤمن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، اذكر من أنت في ذكره! فقال أبو جعفر: مرحباً، مرحباً، لقد ذكرت جليلاً، وخوفت عظيماً، وأعوذ بالله من أن أكون ممن إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها، فأحلف بالله ما الله أردت بها، وإنما أردت أن يقال: قام، فقال: فعوقب، فصبر، فأهون بها من قائلها، وإياكم - معشر الناس - وأمثالها.
قال أبو الفضل الربعي: حدثني أبي قال: بينما المنصور ذات يومٍ يخطب، وقد علا بكاؤه، إذ قام رجل فقال: يا وصاف،(13/315)
تأمر بما تحتقبه، وتنهى عما تركبه؟ بنفسك فابدأ، ثم بالناس. فنظر إليه المنصور وتأمله ملياً، وقطع الخطبة، ثم قال: يا عبد الجبار خذه إليك، فأخذه عبد الجبار، وعاد إلى خطبته حتى أتمها، وقضى الصلاة، ثم دخل ودعا بعبد الجبار، فقال له: ما فعل الرجل؟ قال: محبوس عندنا يا أمير المؤمنين، قال: أملٍ عليه ثم عرض له بالدنيا، فإن صدف عنها، وقلاها فلعمري إنه لمريد، وإن كان كلامه ليقع موقعاً حسناً، وإن مال إلى الدنيا، ورغب فيها إن لي فيه أدباً يزعه عن الوثوب على الخلفاء، وطلب الدنيا بعمل الآخرة.
فخرج عبد الجبار، فدعا بالرجل، وقد دعا بغدائه، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: حق لله كان في عنقي، فأديته إلى خليفته، قال: ادن فكل من هذا الطعام حتى يدعو بك أمير المؤمنين، قال: لا حاجة لي فيها، قال: وما عليك من أكل الطعام؟ إن كانت نيتك حسنةً فلا يفثؤك عنها شيء، فدنا، فأكل فلما أكل طمع فيه، فتركه أياماً، ثم دعاه فقال: لَهِيَ عنك أمير المؤمنين وأنت محبوس، فهل لك في جارية تؤنسك، وتسكن إليها؟ قال: ما أكره ذلك، فأعطاه جاريةً، ثم أرسل إليه: هذا الطعام قد أكلت، والجارية قد قبلت، فهل لك في ثيابٍ تكتسيها، وتكسو عيالك - إن كان لك عيال - ونفقة تستعين بها على أمرك إلى أن يدعو بك أمير المؤمنين؟ قال: ما أكره ذلك، فأعطاه، ثم قال له: ما عليك أن تصنع خلة تبلغ بها الوسيلة من أمير المؤمنين إن أردت الوسيلة عنده، إذا ذكرك، قال: وما هي؟ قال: أوليك الحسبة والمظالم، فتكون أحد عماله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، قال: ما أكره ذلك، فولاه الحسبة والمظالم، فلما انتهى شهر قال عبد الجبار للمنصور: الرجل الذي تكلم بما تكلم به، فأمرت بحبسه قد أكل من طعام أمير المؤمنين، ولبس من ثيابه، وعاث في نعمته، وصار أحد ولاته، وإن أحب أمير المؤمنين أن أدخله إليه في زي الشيعة فعلت. قال: فأدخله، فخرج عبد الجبار إلى الرجل، فقال: قد دعا بك أمير المؤمنين وقد(13/316)
أعلمته أنك أحد عماله على المظالم والحسبة، فادخل عليه في الزي الذي يحب، فدخل، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك، ألست القائم بنا والواعظ لنا ومذكرنا بأيام الله على رؤوس الملأ؟ قال: نعم، قال: فكيف ملت عن مذهبك؟ قال: يا أمير المؤمنين فكرت في أمري فإذا أنا قد أخطأت فيما تكلمت به، ورأيتني مصيباً في مشاركة أمير المؤمنين في أمانته، فقال: هيهات أخطأت استك الحفرة! هبناك يوم أعلنت الكلام، وظننا أنك أردت الله به، فكففنا عنك! فلما تبين لنا أنك الدنيا أردت جعلناك عظةً لغيرك حتى لا يجترئ بعدك مجترئ على الخلافة، أخرجه يا عبد الجبار، فاضرب عنقه! فأخرجه فقتله.
قال أبو عبيد الله: سمعت المنصور أمير المؤمنين يقول لأمير المؤمنين المهدي: يا أبا عبد الله، إن الخليفة لا يصلحه إلى التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه.
وقال له: لا تبرمن أمراً حتى تفكر فيه؛ فإن فكرة العاقل مرآة تريه قبيحه وحسنه.
عن الأصمعي أن المنصور قال لابنه: أي بني ائتدم النعمة بالشكر، والمقدرة بالعفو، والطاعة بالتآلف والنصر بالتواضع والرحمة للناس.
عن المبارك بن فضالة قال: كنا عند أمير المؤمنين المنصور فدعا برجلٍ، ودعا بالسيف، فأخرج المبارك رأسه(13/317)
في السماط، فقال: يا أمير المؤمنين، سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما سمعه المنصور يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل عليه بوجهه يسمع منه، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة قام منادٍ من عند الله ينادي: ليقم الذين أجرهم على الله، فلا يقوم إلا من عفا " فقال المنصور: خلوا سبيله، ثم أقبل على جلسائه يخبرهم بعظيم جرمه، وما صنع.
حدث قطن بن معاوية الغلابي قال: كنت ممن سارع إلى إبراهيم، واجتهد معه؛ فلما قتل طلبني أبو جعفر، واستخفيت فقبض أموالي ودوري، فلحقت بالبادية، فجاورت في بني نصر بن معاوية، ثم في بني كلاب، ثم في بني فزارة، ثم في بني سليم، ثم تنقلت في بلاد قيس أجاورهم حتى ضقت ذرعاً، فأزمعت على القدوم على أبي جعفر، والاعتراف له؛ فقدمت البصرة فنزلت في طرفٍ منها، ثم أرسلت إلى أبي عمرو بن العلاء، وكان لي وداً، فشاورته في الذي أزمعت عليه، فقيَّل رأيي، وقال: والله إذا ليقتلنك، وإنك لتعين على نفسك، فلم ألتفت إليه، وشخصت حتى قدمت بغداد، وقد بنى أبو جعفر مدينته، ونزلها، وليس من الناس أحد يركب فيها ما خلا المهدي، فنزلت الخان، ثم قلت لغلماني: أنا ذاهب إلى أمير المؤمنين، فأمهلوا ثلاثاً، فإن جئتكم وإلا فانصرفوا.
ومضيت حتى دخلت المدينة، فجئت دار الربيع، والناس ينتظرونه وهو يومئذٍ داخل المدينة في الشارعة على قصر الذهب، فلم ألبث أن خرج يمشي، فقام إليه الناس، وقمت معهم، فسلمت عليه فرد علي وقال: من أنت؟ قلت: قطن بن معاوية، قال: انظر ما تقول! قلت: أنا هو. فأقبل على مسودةٍ معه، فقال: احتفظوا بهذا. قال: فلما حرست لحقتني ندامةً، وتذكرت رأي أبي عمرو، فتأسفت عليه، ودخل الربيع، فلم يطل حتى خرج خصيّ فأخذ بيدي فأدخلني قصر الذهب، ثم أتى بيتاً حصيناً فأدخلني فيه، ثم أغلق بابه وانطلق فاشتدت ندامتي، وأيقنت بالبلاء،(13/318)
وخلوت بنفسي ألومها، فلما كانت الظهر أتاني الخصي بماءٍ، فتوضأت وصليت وأتاني بطعامٍ، فأخبرته أني صائم، فلما كانت المغرب أتاني بماءٍ، فتوضأت وصليت، وأرخى الليل علي سدوله، فيئست من الحياة، وسمعت أبواب المدينة تغلق، وأقفالها تشدد، فامتنع مني النوم، فلما ذهب صدر الليل أتاني الخصي، ففتح عني، ومضى بي فأدخلني صحن دارٍ ثم أدناني من سترٍ مسدولٍ، فخرج علينا خادم، فأدخلنا، فإذا أبو جعفر وحده والربيع قائم في ناحيةٍ، فأكب أبو جعفر هنيهةً مطرقاً، ثم رفع رأسه فقال: هيه! قلت: يا أمير المؤمنين أنا قطن ابن معاوية، قد والله جهدت عليك جهدي؛ فعصيت أمرك، وواليت عدوك، وحرصت على أن أسلبك ملكك؛ فإن عفوت فأهل ذاك أنت، وإن عاقبت فبأصغر ذنوبي تقتلني، قال: فسكت هنيهةً، ثم قال: هيه!؟ فأعدت مقالتي، فقال: فإن أمير المؤمنين قد عفا عنك.
وكتب إلى عامله على البصرة برد جميع ما اصطفى له.
قال الأصمعي: أُتي المنصور برجلٍ يعاقبه على شيءٍ بلغه عنه، فقال: يا أمير المؤمنين الانتقام عدل، والتجاوز فضل، ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين، فعفا عنه.
ولقي أبو جعفر المنصور أعرابياً بالشام فقال: احمد الله يا أعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا - أهل البيت - قال: إن الله لم يجمع علينا حشفاً وسوء كيلٍ؛ ولايتكم والطاعون!.(13/319)
قال عباد بن كثير لسفيان الثوري: قلت لأبي جعفر المنصور: أتؤمن بالله!؟ قال: نعم، قلت: فحدثني عن الأموال التي اصطفيتموها من أموال بني أمية، فوالله لئن كانت صارت إليهم ظلماً وغصباً لما رددتموها إلى أهلها الذين ظلموا وغُصبوا؟! ولئن كانت الأموال لهم لقد أخذتم ما لا يحل، ولا يطيب، إذا دعيت يوم القيامة بنو أمية بالعدل جاؤوا بعمر بن عبد العزيز، فإذا دعيتم أنتم بالعدل وأنتم أمس رحماً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تجيئوا بأحدٍ، فكن أنت ذاك الأحد؛ فقد مضت خلافتك ست عشرة سنةً، وما رأينا خليفةً قبلك بلغ اثنتين وعشرين سنةً، فهبك تبلغها، فما ست سنين تعدل فيها؟! عن النضر بن زرارة قال: أدخل سفيان الثوري على أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين، فأقبل عليه أبو جعفرٍ يوبخه، فقال: تُبغِضنا، وتبغض هذه الدعوة، وتُبغِض عِترة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وسفيان ساكت يقول: سَلْم، سلم. قال: فلما قضى أبو جعفر كلامه، قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد " إلى قوله: " إن ربك لبالمرصاد " قال: ونكس أبو جعفرٍ رأسه، وجعل ينكت بقضيبٍ في يده الأرض، فقال سفيان: البول البول، قال: قم، قال: فخرج وأبو جعفر ينظر إليه.
عن بكر العابد قال: قال سفيان الثوري لأبي جعفر المنصور.
إني لأعلم رجلاً إن صلح صلحت الأمة، قال: ومن هو؟ قال: أنت.
قال محمد بن منصور البغدادي: قام بعض الزهاد بين يدي المنصور، فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، واذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلةً، واذكر ليلةً تمخّض عن يومٍ لا ليلة بعده.(13/320)
قال: فأفحم أبو جعفر من قوله، فقال الربيع: أيها الرجل، إنك قد عممت أمير المؤمنين! فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، هذا صحبك عشرين سنةً لم يرَ لك عليه أن ينصحك يوماً واحداً، ولا عمل وراء بابك بشيءٍ من كتاب الله تبارك وتعالى، ولا بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر له المنصور بمالٍ، فقال: لو احتجت إلى مالك لما وعظتك.
عن عقبة بن هارون قال:
دخل عمرو بن عبيد على أبي جعفرٍ المنصور، وعنده المهدي، بعد أن بايع له ببغداد، فقال له: يا أبا عثمان، عظني، فقال: إن هذا الأمر الذي أصبح في يدك لو بقي في يد غيرك ممن كان قبلك لم يصل إليك، فأحذِّرك ليلةً تمخّض بيومٍ لا ليلة بعده.
عن إسحاق بن الفضل، قال: إني لعلى باب المنصور، وإلى جنبي عمارة بن حمزة إذا طلع عمرو بن عبيد على حماره، فنزل عن حماره، ونحى البساط برجله، وجلس دونه، فالتفت إلي عمارة، فقال: لا تزال بصرتكم، قد رمتنا بأحمق! فما فصل كلامه من فيه حتى خرج الربيع وهو يقول: أبو عثمان عمرو بن عبيد، قال: فوالله ما دل على نفسه حتى أرشد إليه، فاتكأ بيده ثم قال: أجب أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، فمر متوكئاً عليه، فالتفت إلى عمارة، فقلت: إن الرجل الذي استحمقت قد دعي وتركنا! فقال: كثيراً ما يكون مثل هذا، فأطال اللبث، ثم خرج الربيع وعمرو متوكئاً عليه، وهو يقول: يا غلام، حمار أبو عثمان! فما برح حتى أقره على سرجه، وضم إليه نشر ثوبه، واستودعه الله، فأقبل عمارة على الربيع فقال: لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل فعلاً لو فعلتموه بوليِّ عهدكم لكنتم قد قضيتم حقه! قال: فما غاب عنك والله مما فعله أمير المؤمنين أكثر وأعجب! قال: فإن اتسع لك الحديث فحدثنا فقال: ما هو إلا أن سمع أمير المؤمنين بمكانه، فما أمهل حتى أمر بمجلسٍ ففرش لبوداً، ثم(13/321)
انتقل هو والمهدي، وعلى المهدي سواده وسيفه، ثم أذن له، فلما دخل سلم عليه بالخلافة فرد عليه، وما زال يدنيه حتى أتكأه على فخذه، وتخفى به، ثم سأله عن نفسه، وعن عياله، يسميهم رجلاً رجلاً، وامرأةً امرأةً، ثم قال: يا أبا عثمان عظني، فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: " والفجر، وليالٍ عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، هل في ذلك قسم لذي حجر، ألم تر كيف فعل ربك بعادٍ، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك - يا أبا جعفر - لبالمرصاد " قال: فبكى بكاءً شديداً، كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا تلك الساعة، ثم قال: يا أبا عثمان، هل من حاجة؟ قال: نعم، قال: وما هي؟ قال: لا تبعث إلي حتى آتيك، قال: إذاً لا نلتقي، قال: عن حاجتي سألتني! قال: فاستخلفه الله عز وجل وودعه، ونهض، فلما ولى أمده بصره وهو يقول: مجزوء الكامل
كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيدْ
غير عمرو بن عبيد
عن عبد السلام بن حرب قال: قدم أبو جعفر المنصور البصرة، فنزل عند الجسر، فبعث إلى عمرو بن عبيد، فجاءه، فأمر له بمالٍ، فأبى أن يقبله، فقال المنصور: والله لتقبلنه، فقال: لا والله لا أقبله، فقال له المهدي: يحلف عليك أمير المؤمنين، فتحلف ألا تقبله! فقال: أمير المؤمنين أقوى على كفارة اليمين من عمك، فقال المنصور: يا أبا عثمان، علمت أني جعلت هذا ولي عهدي؟ قال: يا أمير المؤمنين يأتيه الأمر يوم يأتيه وأنت مشغول.(13/322)
عن عبد الله بن صالح قال: كتب أبو جعفر إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة: انظر الأرض التي يخاصم فيها فلان القائد فلاناً التاجر، فادفعها إلى فلانٍ القائد.
فكتب إليه سوار: إن البينة قد قامت عندي أنها لفلانٍ التاجر، فلست أخرجها من يديه إلا ببينة. فكتب إليه أبو جعفر المنصور: والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى فلان القائد! فكتب إليه سوار: والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجتها من يد فلانٍ التاجر إلا بحق! فلما جاءه الكتاب قال أبو جعفر: ملأتها والله عدلاً، صار قضاتي يردوني إلى الحق.
قالوا: شُكي سوار بن عبد الله القاضي إلى أبي جعفر المنصور، وأُثني عليه عنده شراً، قال: فاستقدمه، فلما قدم دخل عليه، فعطس المنصور، فلم يشمته سوار، فقال: ما يمنعك من التشميت؟ قال: لأنك لم تحمد الله، فقال: حمدت في نفسي، قال: فقد شمتك في نفسي، فقال: ارجع إلى عملك، فإنك إذا لم تحابني لم تحاب غيري.
عن نمير المدني قال:
قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة، ومحمد بن عمران الطلحي على قضائه، وأنا كاتبه، فاستعدى الجمالون على أمير المؤمنين في شيءٍ ذكروه، فأمرني أن أكتب إليه كتاباً بالحضور معهم، وإنصافهم، فقلت: تعفيني من هذا، فإنه يعرف خطي، فقال: اكتب! فكتبت، ثم ختمه، فقال: لا يمضي به والله غيرك، فمضيت به إلى الربيع وجعلت أعتذر إليه، فقال: لا عليك فدخل عليه بالكتاب، ثم خرج الربيع فقال للناس: - وقد حضر وجوه أهل المدينة والأشراف وغيرهم - إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم: إني قد دعيت إلى مجلس الحكم، فلا أعلمن أحداً قام إليّ، إذا خرجت أو تدانى بالسلام، ثم خرج المسيب بين يديه، والربيع، وأنا خلفه، وهو في إزارٍ ورداء، فسلم على الناس، فما قام إليه أحد، ثم مضى حتى بدأ بالقبر، فسلم على(13/323)
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم التفت إلى الربيع، فقال: يا ربيع، ويحك! أخشى إن رآني ابن عمران أن يدخل قلبه لي هيبة، فيتحول عن مجلسه، وبالله لئن فعل لا ولي ولايةً أبداً! فلما رآه وكان متكئاً أطلق رداءه عن عاتقه ثم احتبى به، ودعا بالخصوم والجمالين، ثم دعا بأمير المؤمنين، ثم ادعى عليه القوم، فقضى لهم عليه، فلما دخل الدار قال للربيع: اذهب فإذا قام وخرج من عنده من الخصوم فادعه، فقال: يا أمير المؤمنين ما دعا بك إلا بعد أن فرغ من أمر الناس جميعاً، فلما دخل عليه سلم، فقال: جزاك الله عن دينك، وعن نبيك، وعن حسبك، وعن خليفتك أحسن الجزاء، قد أمرت لك بعشرة آلاف دينارٍ فاقبضها، وكانت عامة أموال محمد بن عمران من تلك الصلة.
قال المعلى بن أيوب: دخل رجل على المنصور، فقال له: ما مالك؟ فقال: ما يكف وجهي، ويعجز عن بر الصديق، فقال المنصور: لقد تلطف للسؤال، ووصله.
قال محمد بن يزيد المبرد: دخل أعرابي على المنصور، فكلمه بكلام أعجبه، فقال له المنصور: سل حاجتك، فقال: ما لي حاجة يا أمير المؤمنين، فأطال الله عمرك، وأنعم على الرعية بدوام النعمة عليك، قال: ويحك! سل حاجتك؛ فإنه لا يمكنك الدخول علينا كلما أردت، ولا يمكننا أن نأمر لك كلما دخلت، قال: ولِمَ يا أمير المؤمنين وأنا لا أستقصر عمرك، ولا أغتنم مالك؟ وإن العرب لتعلم في مشارق الأرض ومغاربها أن مناجاتك شرف، وما للشريف عنك منحرف، وإن عطاءك لزين، وما مسألتك بنقصٍ ولا شين، فتمثل المنصور بقول الأعشى: من البسيط(13/324)
فجربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا
ثم قال: يا غلام أعطه ألف دينار.
قال محمد بن حفص العجلي: ولد لأبي دلامة ابنة فغدا على أبي جعفر المنصور فقال له: يا أمير المؤمنين، إنه ولد لي الليلة ابنة، قال: فما سميتها؟ قال: أم دلام، قال: وأي شيءٍ تريد؟ قال: أريد أن يعينني عليها أمير المؤمنين، ثم أنشده: من البسيط
لو كان يقعد فوق الشمس من كرمٍ ... قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس
ثم ارتقوا في شعاع الشمس كلكم ... إلى السماء، فأنتم أكرم الناس
قال: فهل قلت فيها شيئاً؟ قال: نعم قلت: من الوافر
فما ولدتك مريم أم عيسى ... ولم يكفلك لقمان الحكيم
ولكن قد تضمك أم سوءٍ ... إلى لباتها وأن لئيم
قال: فضحك أبو جعفر ثم أخرج أبو دلامة خريطة من خرق، فقال: ما هذه؟ قال: يا أمير المؤمنين أجعل فيها ما تحبوني به، قال: املؤوها له دراهم، فوسعت ألفي درهم.
عن بعض الهاشميين قال: كنت جالساً عند المنصور بإرمينية، وهو أميرها لأخيه أبي العباس، وقد جلس للمظالم، فدخل عليه رجل، فقال: إن لي مظلمةً، وإني أسألك أن تسمع مني مثلاً أضربه قبل أن أذكر مظلمتي، قال: قل، قال: إني وجلت لله تبارك وتعالى؛ خلق الخلق(13/325)
على طبقَاتٍ، فالصبي إذا خرج إلى الدنيا لا يعرف إلا أمه، ولا يطلب غيرها، فإذا فزع من شيءٍ لجأ إليها، ثم يرتفع عن ذلك طبقةً، فيعرف أن أباه أعز من أمه، فإن أفزعه شيء لجأ إلى أبيه، ثم يبلغ، ويستحكم، فإن أفزعه شيء لجأ إلى سلطانه، فإن ظلمه ظالم انتصر به، فإذا ظلمه السلطان لجأ إلى ربه، واستنصره، وقد كنت في هذه الطبقات وقد ظلمني ابن نهيك في ضيعةٍ لي في ولايته، فإن نصرتني عليه، وأخذت بمظلمتي وإلا استنصرت إلى الله عز وجل ولجأت إليه، فانظر لنفسك أيها الأمير، أو دع!
فتضاءل أبو جعفر، وقال: أعد علي الكلام؟ فأعاده، فقال: أما أول شيءٍ فقد عزلت ابن نهيك عن ناحيته، وأمر برد ضيعته.
قيل لأبي جعفر المنصور: هل بقي لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال: بقيت خصلة؛ أن أقعد في مصطبةٍ وحولي أصحاب الحديث، يقول المستملي: من ذكرت - رحمك الله -؟ قال: فغدا عليه الندماء، وأبناء الوزير بالمحابر والدفاتر فقال: لستم به، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم برد الآفاق ونقلة الحديث.
عن محمد بن سلام والزيادي قالا: اجتمع جماعة من أهل العلم عند المنصور فيهم عمرو بن عبيد، فسأل المنصور عمرو بن عبيد عن الحديث: " فيمن اقتنى كلباً لغير زرعٍ، ولا حراسة، إنه ينقص كل يومٍ من أجره قيراط " فقال له عمرو بن عبيد: هكذا جاء الحديث، قال المنصور: خذها بحقها؛ إنما قيل ذلك لأنه ينبح الضيف، ويروّع السائل، ثم أنشد: من الكامل(13/326)
أعددت للضيفان كلباً ضارياً ... عندي، وفضل هراوةٍ من أرزن
ومعاذراً كذباً، ووجهاً باسراً ... وتشكياً عض الزمان الألزن
قال: فما بقي أحد في المجلس إلا كتب عن المنصور.
قال أبو العيناء: دخل المنصور من باب الذهب، فإذا ثلاثة قناديل مصطفة، فقال: ما هذا؟ أما واحد من هذا كان كافياً؟ يقتصر من هذا على واحدٍ، فلما أصبح أشرف على الناس وهم يتغدون، فرأى الطعام قد خف من بين أيديهم من قبل أن يشبعوا، فقالوا: يا غلام، علي بالقهرمان، قال: ما لي رأيت الطعام قد خف من بين أيدي الناس قبل أن يشبعوا؟ قال: يا أمير المؤمنين، رأيتك قد قدرت الزيت فقدرت الطعام، قال: فقال: وأنت لا تفرق بين زيتٍ يحترق في غير ذات الله، وهذا طعام إذا فضل فضل وجدت له آكلاً! ابطحوه، فبطحوه فضربه سبع دررٍ.
عن الربيع الحاجب قال: لما مات المنصور قال لي المهدي: يا ربيع، قم بنا حتى ندور في خزائن أمير المؤمنين، قال: فدرنا فوقعنا على بيتٍ فيه أربعمائة حبٍّ مطينة الرؤوس، قال: فقلنا: ما هذه؟ قيل: هذه فيها أكباد مملحة، أعدها المنصور للحصار.
عن يونس قال: كتب زياد بن عبيد الله الحارثي إلى المنصور يسأله الزيادة في عطائه وأرزاقه، وأبلغ في كتابه فوقّع المنصور في القصة: إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا في رجلٍ أبطراه، وأمير المؤمنين يشفق عليك من ذلك، فاكتف بالبلاغة.(13/327)
قال المنصور: إذا مد إليك عدوك يده، فإن قدرت على قطعها وإلا قبلها.
عن محمد بن سلام قال: رأت جارية للمنصور قميصه مرقوعاً، فقالت: خليفة وقميصه مرقوع؟! فقال: ويحك! أما سمعت ما قال ابن هرمة: من الكامل
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق، وجيب قميصه مرقوع
لما قتل المنصور أبا مسلم قال وهو طريح بين يديه: من الوافر
قد اكتنفتك خلات ثلاث ... جلبن عليك محتوم الحمام
خلافك وامتناعك من يميني ... وقودك للجماهير العظام
وله لما عزم على قتله: من الطويل
إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ ... فإن فسادها الرأي أن تترددا
ولا تمهل الأعداء يوماً بقُدرةٍ ... وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا
قال الربيع الحاجب: حججت مع المنصور أبي جعفر، فلما كنا بالقادسية، قال لي: يا ربيع، إني مقيم بهذا المنزل ثلاثاً، فناد في الناس، فناديت، فلما كان من الغد قال لي: يا ربيع، أجمت المنزل، فناد بالرحيل، فقلت: ناديت أمس أنك مقيم بهذا المنزل ثلاثاً، وترحل الساعة!؟ قال: أجمت المنزل، فرحل، ورحل الناس، وقربت له ناقة ليركب، وجاؤوه بمجمرٍ ليتبخر، فقمت بين يديه، فقال: ما عندك؟ فقلت: رحل الناس، فأخذ فحمة من المجمر، فبلها بريقه، وقام إلى الحائط، فجعل يكتب على الحائط بريقه(13/328)
حتى كتب أربعة أسطرٍ، ثم قال: اركب يا ربيع، فكان في نفسي هم لأعلم ما كتب، ثم حججنا، فكان من أمر وفاته ما كان، ثم رجعت من مكة، فبسط لي في الموضع الذي بسط له فيه في القادسية، فدخلت وفي نفسي أن أعلم ما كتب على الحائط، فإذا هو قد كتب على الحائط: مجزوء الكامل
المرء يأمل أن يعي ... ش وطول عمرٍ قد يضره
تبلى بشاشته ويب ... قى بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام حت ... ى لا يرى شيئاً يسره
كم شامتٍ بي إن هلك ... ت وقائلٍ لله دره
وقال: لما مرض أمير المؤمنين المنصور بالله مرضه الذي مات فيه بمكة أتيته يوماً وهو وحده، فنظر إلى القبلة، فرأى فيها كتاباً، فقرأه وقال: يا ربيع، قم بيني وبين القبلة، فإذا الكتابة في صدري، فقال: افتح الباب، فعاد الكتاب إلى القبلة، فقال: ظننت هذا من حيلة الآدميين، وإذا فيه: من الطويل
أبا جعفرٍ حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد واقع
أبا جعفرٍ هل كاهن أو منجمٍ ... لك اليوم من ريب المنية دافع
قال طيفور: كان سبب إحرام المنصور من خضراء مدينة السلام أنه نام ليلةً، فانتبه فزعاً، ثم عاود النوم، فانتبه فزعاً ثم راجع النوم، فانتبه فزعاً، فقال: يا ربيع، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: لقد رأيت في منامي عجباً، قال: ما رأيت، جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت كأن آتياً أتاني، فهينم بشيءٍ لم أفهمه، فانتبهت فزعاً، ثم عاودت النوم، فعاودني يقول ذلك الشيء، ثم عاودني يقوله، حتى فهمته، وحفظته، وهو: من الطويل(13/329)
كأني بهذا القصر قد باد آهله ... وعري منه أهله ومنازله
وصار رئيس القوم من بعد بهجةٍ ... إلى جدثٍ تبنى عليه جنادله
وما أحسبني يا ربيع إلا قد حانت وفاتي، وحضر أجلي، ومالي غير ربي.
قال بعض أهل العلم: كان آخر ما تكلم به عند الموت أبو جعفر عبد الله بن محمد: اللهم بارك لي في لقائك، وكان نقش خاتمه: الله ثقة عبد الله، وبه يؤمن.
قال فليح بن سليمان: قال لي أبو جعفر سنة حج، فمات فيها: ابن كم أنت؟ قلت: ابن ثلاثٍ وستين، قال: تلك سني، ثم قال: تدري ما كانت العرب تسميها؟ قلت: لا، قال: مدقة الأعناق، ثم مضى فمات فيها.
قال الحكم بن عثمان: قال المنصور أبو جعفر أمير المؤمنين عند موته: اللهم إنك تعلم أني قد ارتكبت من الأمور العظام جرأةً مني عليك، وإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك، شهادة أن لا إله إلا الله مخلصاً، مناً منك لا مناً عليك، ثم خرجت نفسه.
عن هارون الفروي: حدثني من رأى أبا جعفر محمولاً على السرير ميتاً مكشوف الوجه، وكان مات محرماً، قال: وبصرت برجلٍ أبصره على تلك الحال تمثل هذا البيت: من المتقارب
وافى القبور أبو مالكٍ ... برغم العداة وأوتارها(13/330)
ومات أبو جعفر ببئر ميمون يوم السبت لسبع خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وصلى عليه عيسى بن موسى بن محمد بن علي - ويقال: إبراهيم بن يحيى بن محمد، وكانت خلافته ثنتين وعشرين سنةً، ودفن مكشوف الوجه.
قال أبو شيخ: كنت حاجاً في سنة ثمان وخمسين - وقد حج فيها أبو جعفر - فلما قربنا من مكة رأيت كان رأسي قطع، فأخبرت بذاك عديلي سعيد بن خالد، فقال: الرأس أبو جعفر، ولا أراه إلا يموت، فما مكثنا إلا أياماً حتى مات أبو جعفر.
عبد الله بن محمد بن علي
ابن نفيل بن زراع بن عبد الله بن قيس أبو جعفر النفيلي الحراني روى عن محمد بن سلمة بسنده عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال: لما استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا عنده أتاه بلال، فآذنه بالصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس ".
قال الخطيب في ولد بَصَر - بالباء المعجمة بواحدة -: أبو جعفر النفيلي المحدث، واسمه: عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، بن زراع بن عبد الله ابن قيس بن عُصُم بن كوز بن هلال بن عصم بن بصر بن زِمّان.
وقال أبو علي التنوخي في نسب تنوخ: وبعض النساب يقول: نصْر - بالنون وبالصاد الساكنة.(13/331)
قال أبو جعفر بن نفيل: قدم علينا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فسألني يحيى وهو يعانقني، فقال: يا أبا جعفر، قرأت على معقل بن عبيد الله، عن عطاء: " أدنى وقت الحائض يوم "؟ فقال: له أبو عبد الله: لو جلست! فقال: أكره أن يموت، أو يفارق الدنيا قبل أن أسمعه.
ثم قال: حدثك نضر بن عربي، عن عكرمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرش له في قبره قطيفة بيضاء بعلبكية؟ وذكر أبو عبد الله أبا جعفر النفيلي فأثنى عليه خيراً، وقال: كان يجيء معي إلى مسكين بن بكير.
قال صالح بن علي النفيلي:
سألت النفيلي عن تفضيل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجرى بيني وبينه كلام - فقلت: يا أبا جعفر، فأنا أريد أن أجعلك حجةً بيني وبين الله عز وجل قال: ومن أنا؟ قلت: لم أرَ مثلك، قال: يا بن أخي، فإنا نقول: خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. قلت: يا أبا جعفر، إن أحمد بن حنبل، ويعقوب ابن كعب يقولان: عثمان، ويقفان عن علي، قال: أخطآ جميعاً؛ أدركت الناس وأهل السنة والجماعة على هذا.
وقال أبو جعفر النفيلي: من شرب مسكراً فقد شرب خمراً، ولو أن رجلاً حلف بالطلاق لا يشرب خمراً، فشرب نبيذاً مسكراً، فإن كانت له نية في خمر العنب فهو ونيته، وأن لم يكن له نية قلت له: اعتزل امرأتك.
وقال: المسكر حرام، المسكر حرام.
مات أبو جعفر النفيلي سنة أربعٍ وثلاثين ومائتين.(13/332)
وثقه النسائي والدارقطني.
عبد الله بن محمد بن علي الهمداني الدينوري القاضي
سمع أبا زرعة الدمشقي يقول: سمعت أبا مسهر يقول: سأل المأمون مالك بن أنسٍ: هل لك دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينارٍ، وقال: اشتر بها داراً، قال: ثم أراد المأمون الشخوص، وقال لمالك: تعال معنا؛ فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال مالك: ليس إلى ذلك سبيل؛ وذاك أن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افترقوا بعده في الأمصار، فحدثوا، فعند كل أهل مصر علم، ولا سبيل إلى الخروج معك؛ فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " وقال: " المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد " وهذه دنانيركم، فإن شئتم فخذوه، وإن شئتم فدعوه.
روى عبد الله بن محمد بن القاضي الهمداني، عن أبي زرعة قال: قلت لأحمد بن حنبل: مالك أفقه أو الأوزاعي؟ قال: مالك، قلت: مالك أفقه أو الثوري؟ قال: مالك، قلت: مالك أفقه أو الليث بن سعد؟ قال: مالك.(13/333)
عبد الله بن محمد بن عمر
ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو محمد العلوي روى عن أبيه، عن جده، عن علي قال: كان أحب ما في الشاة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذراع.
قال الزبير بن بكار: وولد محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: عمر، وعبد الله، وعبيد الله، وأم كلثوم، أمهم: خديجة بنت علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمها أم ولد، وولد عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: أحمد، ومحمداً، يكنى أبا عمر؛ وأمهما أم ولد، وعيسى يلقب مباركاً، كان راوية للشعر والحديث، وكان شاعراً، ويحيى وأم عبد الله أمهم أم الحسين بنت عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ وأمها أم ولد.
كان عبد الله بن محمد بن عمر يلقب دافناً، مات في آخر زمن أبي جعفر، وكان قليل الحديث.
عبد الله بن محمد بن عمر بن العباس بن الوليد
ابن سليمان بن الوليد أبو العباس المعروف بابن الجليد الأسدي روى عن هشام بن عمار بسنده عن عائشة: أن رجلاً ابتاع غلاماً من رجلٍ، فكان عنده ما شاء الله، ثم ردّه من عيب وجد به،(13/334)
فقال الرجل: قد كان استعمل غلامي منذ كان، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخراج بالضمان ". قال ابن ماكولا: جليد - بفتح الجيم وكسر اللام.
توفي أبو العباس بن الجليد سنة سبع وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن عمرو بن الجراح
أبو العباس الأزدي الغزي روى عن محمد بن يوسف الفريابي بسنده عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَمَسَّحوا بالأرض؛ فإنها بكم برة ".
وعن الفريابي بسنده عن جرير قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يرحم الناس لا يرحمه الله ".
قال أبو العباس الغزي: كتب أحمد بن حنبل إلى أبي مسهر أن يكتب إليه بهذا الحديث؛ يعني حديث أم حبيبة: " من مس فرجه فليتوضأ " فقلت لأبي مسهر: اكتب به معي، لأتبجح به عنده، فقال لي: كتب إليّ: اكتب بخطك، وأنا الساعة في شغل.(13/335)
عبد الله بن محمد بن الفضيل
ويقال: ابن الفضل الصيداوي حدث عن محمد بن صالح بسنده عن سليمان التيمي قال: ليس قوم أشد نقصاً للإسلام من الجهمية والقدرية؛ فأما الجهمية فقد بارزوا الله، وأما القدرية فإنهم قالوا في الله.
عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم بن خلف
أبو محمد الأندلسي الثغري القلعي من أهل قلعة أيوب، كان شيخاً جليلاً من أهل العلم والزهد والشجاعة، رحل إلى المشرق سنة خمسين وثلاثمائة، ودخل العراق والشام، ثم انصرف إلى الأندلس، فلزم العبادة والجهاد، واستقضاه المستنصر بالله الأموي، ثم استعفاه من القضاء، فأعفاه.
وكان فقيهاً، فاضلاً، ديناً، ورعاً، صليباً في الحق، لا يخاف في الله لومة لائم كان يشبه بسفيان الثوري في زمانه.
وأنكر على بعض أسباب السلطان شيئاً في ناحيته، فبغي به، فعهد بإسكانه قرطبة، فقدمها سنة خمسٍ وسبعين وثلاثمائة، قرأ عليه أبو الوليد بن الفرضي كتاب: معاني القرآن، للزجاج.
توفي سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة بقلعة أيوب، وهو ابن ثلاث وستين سنة.(13/336)
عبد الله بن محمد بن مسلم
أبو بكر الأسفرائيني الجوربذي من قرية جوربذ.
روى عن عيسى بن أبي عمر البزاز عن عتبة بن عبد السلمي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " النار لها سبعة أبوابٍ، والجنة لها ثمانية أبوابٍ ".
وروى عن محمد بن عزيز الأيلي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب الملحين في الدعاء ".
كان عبد الله بن محمد بن مسلم النيسابوري من الأثبات المجودين الجوالين في أقطار الأرض. ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين، وتوفي سنة ثمان عشرة وثلاثمائة.
عبد الله بن محمد بن المُسلَّم
أبو المفضل الهاشمي روى عن أبوي القاسم السميساطي والحنائي بسندهما عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر.
عبد الله بن محمد بن منصور
أبو منصور الهروي البزاز قال: سمعت هشام بن عمار: وبلغه أن ناساً ينسبونه إلى اللفظية، فغضب، وخطب خطبةً أثنى فيها على الله(13/337)
تعالى، ووصفه بالآيات الست من أول الحديد؛ وتلاها علينا، وذكر من عظمة الله ما عجب منه السامعون، من حسنه، ثم ذكر القرآن فقال: القرآن كلام الله، وليس بمخلوقٍ، ومن قال: القرآن - أو قدرة الله أو عزة الله - مخلوق؛ فهو من الكافرين.
فقيل له: ما تقول فيمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق؟ فقال: " قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد " هذا الذي قرأت كلام الله، فقيل له: تحدث الناس ببغداد أنك كتبت إلى الكرابيسي! فقال: ومن الكرابيسي، ما رأيته قط!؟ ولا أدري من هو، والله ما كتبت إليه.
توفي عبد الله بن محمد بن منصور البزاز سنة تسع وثمانين ومائتين.
عبد الله بن محمد بن نصر بن طويط
ويقال: طويت أبو الفضيل البزاز الرملي الحافظ.
روى عن محمد بن علي، ابن أخي رواد بن الجراح بسنده عن أبي هريرة وعائشة، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه ولذته، فإذا فرغ أحدكم من حاجته فليتعجل إلى أهله ".
عبد الله بن محمد بن وهب
ابن بشر بن صالح بن حمدان أبو محمد الدينوري الحافظ روى عن العباس بن يزيد البحراني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".(13/338)
قال أبو علي الحافظ: كان عبد الله بن محمد بن وهب الدينوري صاحب حديث حافظاً، بلغني أن أبا زرعة كان يعجز عن مذاكرته في زمانه.
قال الدارقطني: عبد الله بن وهب الدينوري متروك، يضع الحديث.
عبد الله بن محمد بن يزداذ بن سويد
أبو صالح الكاتب أصله من مرو، كان أبوه وزيراً للمأمون، ووزر هو للمستيعن نحواً من شهر، ووزر أيضاً للمهتدي، وقدم دمشق في صحبة المتوكل.
ذكره أبو بكر محمد بن يحيى الصولي في كتاب: الوزراء، وذكر من شعره: من الخفيف
ضاق صدري لما بعدت ولو كن ... ت قريباً إذاً لما ضاق صدري
يا خلياً مما ألاقيه فيه ... ليس بالحب والصبابة تدري
بأبي وجهك الذي لم يزل لي ... قائماً عند من يلوم، بعذر
وذكر له أيضاً: من المجتث
سكرت من حب شكر ... وبعت عرفاً بنكر
وأكثرت ذكر هجري ... فصار منها كهجر
ومن شعره: من البسيط
لا تجحد الذنب ثم اطلب تجاوزنا ... عنه؛ فإن جحود الذنب ذنبان
وامحُ الإساءة بالإحسان مقتبلاً ... إن الإساءة قد تمحى بإحسان(13/339)
وله يفخر بما كان المأمون عقده لأبيه من ولائه لبني هاشم: من الخفيف
إن بيتي من الأكاسرة الغر ... ر مكاناً تحله العيوق
ولها من ولاء أحمد خير ال ... ناس ما نحوه النفوس تتوق
تتلظى الأعداء شحاً عليه ... ما لهم من جمالة ثفروق
والإمام المأمون أكد منه ... سبباً زاده له التوفيق
مات أبو صالح بن يزداد وهو مستخفٍ في داره، ودفن؛ فشاع موته، فنُبش حتى نُظر إليه، ثم رُدّ في قبره في رجب سنة إحدى وستين ومائتين.
/(13/340)
عبد الله بن محمد بن أبي يزيد الخلنجي القاضي ولي قضاء الكرخ ببغداد. وقيل: ولي قضاء دمشق. وكان من رؤوس أصحاب أحمد بن أبي داؤد. وكان الخلنجي من المجردين للقول بخلق القرآن المعلنين به. وكان حاذقاً بالفقه، على مذهب أبي حنيفة، واسع العلم، ضابطاً. وتقلد المظالم. فأخبر ابن أبي دؤاد أنه مشتغل عالم بالقضاء ووجوهه، فكلم ابن أبي دؤاد المعتصم فولاه قضاء همذان، فأقام نحو عشرين سنة لا يشكى، وتلطف له محمد بن الجهم في مال عظيم فلم يقبله. ولما ولي الشرقية ظهرت عفته وديانته لأهل بغداد. وكان فيه كبر شديد، وكتب إليه المعتصم في أن يمتحن الناس، وكان يضبط نفسه، فتقدمت إليه امرأة فقالت: إن زوجي لا يقول بقول أمير المؤمنين في القرآن ففرق بيني وبينه، فصاح عليها. فلما كان في سنة سبع وثلاثين في جمادى عزله المتوكل، وامره أن يكشف ليفضحه بسبب ما امتحن الناس في خلق القرآن، فما انكشف عليه أنه أخذ حبة واحدة.
وكان القاضي عبد الله هو ابن أخت علوية المغني، وكان تياهاً صلفاً. وكان يجلس إلى أسطوانة من أساطين المسجد فيستند إليها بجميع جسده ولا يتحرك، فإذا تقدم إليه الخصمان أقبل عليهما بجميع جسده وترك الاستناد حتى يفصل بينهما ثم يعود إلى حاله،(14/5)
فعمد بعض المجان إلى رقعة من الرقاع التي يكتب فيها الدعاء وألصقها في موضع ذنبته وطلاها بدبق، وجاء الخلنجي فجلس كما كان يجلس فالتصقت ذنبته بالدبق وتمكن منها.
فلما تقدم إليه الخصوم وأقبل عليهم بجميع جده كما كان يفعل انكشف رأسه وبقيت الذنبة في موضعها مصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلموبة، فقام الخلنجي مغضباً وعلم أنها حيلة وقعت عليه. فغطى رأسه بطيلسانه وانصرف وتركها مكانها حتى جاء بعض أصحابه فأخذها. وقال بعض شعراء أهل عصره فيه: المنسرح
إن الخلنجي من تتايهه ... أثقل بادٍ لنا بطلعته
ماتيه ذي نخوةٍ مناسبة ... بين أخاوينه وقصعته
يصالح الخصم من يخاصمه ... خوفاً من الجورفي قضيته
لو لم تدبقه كف قانصه ... لطار تيهاً على رعيته
قال: وشهرت الأبيات والقصة ببغداد، وعمل علوية حكاية أعطاها للزفانين والمخنثين فأحرجوه فيها. وكان علوية يعاديه لمنازعةٍ كانت بينهما، ففضحه. واستعفى الخلنجي من القضاء ببغداد، وسأل أن يولى بعض الكور البعيدة، فولي جند دمشق أو حمص. فلما ولي المأمون الخلافة غناه علوية بشعر الخنلجي وهو: الطويل
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا
ولكنهم لما رأوك غريةً ... بهجري تواصوا بالنميمة واحتالوا
فقد صرت أذناً للوشاة سميعةً ... ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا
فقال له المأمون: من يقول هذا الشعر؟ قال: دمشق. فأمر المأمون بإحضاره فحضر، وجلس المأمون وأحضر علوية ودعا بالقاضي فقال له: أنشدني قولك: برئت من الإسلام إن كان ذا الذي. فقال له: يا أمير المؤمنين، هذه أبيات قلتها منذ(14/6)
أربعين سنة وأنا صبي، والذي أكرمك بالخلافة، وورثك ميراث النبوة ما قلت شعراً من أكثر من عشرين سنة إلا في زهدٍ أو عتاب صديق فقال له: اجلس فجلس، فناوله قدح نبيذ كان في يده وقال له: اشرب فأرعد وبكى، وأخذ القدح من يده وقال: والله يا أمير المؤمنين ما غيرت الماء بشيء قط مما يختلف في تحليله فقال: لعلك تريد نبيذ التمر والزبيب، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين ما أعرف شيئاً منها، فأخذ القدح من يده وقال: أما والله لو شربت شيئاً من هذا لضربت عنقك، ولقد ظننت أنك صادق في قولك كله، ولكن لا يتولى القضاء أبداً رجل بدأ في قوله بالبراءة من الإسلام. انصرف إلى منزلك وأمر علوية فغير هذه الكلمة وجعل مكانها:
حرمت مناي منك إن كان ذا الذي
وقد رويت هذه القصة لغير الخلنجي وذكر أنها لعمر بن أبي بكر المؤملي. وسيأتي ذكره.
قال علي بن محمد بن الفرات: لما تولى الخلنجي قضاء الشرقية كثر من يطالبه بفك الحجر، فدعا بالأمناء وقال لهم: من كان منكم في يده مال ليتيم فليشتر له منه مراً وزبيلاً يكون قبله، وليدفع إليه ماله. فإن أتلفه عمل بالمر والزبيل.
قال داود بن علي: سمعت بعض شهود الخلنجي يقول: ما علمت أن القرآن مخلوق إلى اليوم.. فقلت: وكيف علمت! أجاءك وحي؟ قال: سمعت القاضي يقول..
توفي الخلنجي سنة ثلاث وخمسين ومئتين.(14/7)
عبد الله بن محمد
والصواب عبد الملك بن محمد الصنعاني من صنعاء دمشق.
حدث عن سعيد بن عبد العزيز بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استحيوا فإن الله لا يستحي من الحق. لا تأتوا النساء في أدبارهن.
قال: كذا وقع في هذه الرواية. وإنما هو عبد الملك بن محمد.
عبد الله بن محمد الدمشقي
قال: سمعت محمد بن المبارك الصوري يقول: أعمال الصادقين لله بالقولب، وأعمال المرائين بالجوارح للناس، فمن صدق فليقف موقف العمل لله لعلم الله به، لا لعلم الناس بمكان عمله.
عبد الله بن محمد المعروف بابن الوسخ
البزار، اشيخ الصالح حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى عروة أن الزبير أعلم يوم بدر بعمامة صفراء.
عبد الله بن محمد النسائي
أبو أحمد حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى معاذ بن جبل قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منزل أبي أيوب. قال: فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية: يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تغرغرت -(14/8)
يعني: عينيه - فقلت: يا رسول الله، ما تفسير هذه الآية " يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً " فبكى حتى غشي عليه ثم أفاق، فإذا هو ينتفض ويفيض عرقاً، ثم قلت: يا رسول الله، ما قوله: فتأتون أفواجاً؟ قال: يا معاذ لقد سألتني عن أمر عظيم، وبكى حتى ظننت أني أسأت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم أقبل علي فقال: يا معاذ، هل تدري عم سألت؟ قلت: أخبرني يا رسول الله عن قوله " فتأتون أفواجاً " قال: إنك أول من سألني عنها: إذا كان يوم القيامة تجزأ أمتي عشرة أجزاء، يحشرون على عشرة أفواج: صنف على صورة القردة، وصنف على صورة الخنازير، وصنف على صورة الكلاب، وصنف على صورة الحمر، وصنف على صورة الذر، وصنف على صورة البهائم، وصنف على صورة السباع، وصنف يحشرون على وجوههم، وصنف ركبان، وصنف مشاة:
فأما الذين يحشرون على صورة القردة فهم قوم من هذه الأمة يسمون القدرية. قلت: يا رسول الله، وما علاماتهم وقولهم؟ قال: يا معاذ، إنهم مشركو أمتي، يزعمون أن الله تعالى قدر بعض الأشياء ولم يقدر بعضها، وأن المعاصي ليست بمخلوقة، أولئك مشركو هذه الأمة، يعذبهم الله تعالى في النار على صورة القردة قال: قلت: يا رسول الله، فمن هؤلاء الذين يحشرون على صورة الخنازير؟ قال: يا معاذ، أولئك آفة أهل الإسلام، وهلاك الدين، المكذبين بما جئت به. قلت: من هم؟ قال: قوم يسمون بالمرجئة، قلت: يا رسول الله، وما علاماتهم وقولهم؟ قال: يا معاذ، إنهم يزعمون أن الإيمان قول لا يضرهم مع القول كثرة المعاصي، كما لا ينفع أهل الشرك كثرة من صالح الأعمال، أولئك يعذبهم الله عز وجل في النار مع هامان في صورة الخنازير. قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على صورة الكلاب؟ قال: يا معاذ؛ أولئك قوم من أهل الدعوة مرقوا من الدين، واستحلوا دماء أمتي واستباحوا حرمهم، وتبرؤوا من أصحابي، يسمون بالحرورية، أولئك كلاب النار. ثلاثاً، لو قسم عذابهم على الثقلين لأوسعهم، لهم في الدنيا نباح كنباح الكلاب. قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على صورة الحمر؟ قال: صنف من هذه الأمة يسمون الرافضة. قالت: يا رسول الله، فما علامتهم؟ قال: إنهم مشركون ينتحلون حبنا، ويتبرؤون من أبي بكر وعمر، ويشتمونهما لهم نبز. لا يرون جمعة ولا جماعة، أولئك في النار شر مكاناً. قلنا:(14/9)
يا رسول الله، أليس هؤلاء الأصناف مؤمنون؟ قال: يا معاذ، ما نفعهم إيمانهم شيئاً إذا تركوا الإيمان وخالفوا ما جئت به، أولئك لا تنالهم شفاعتي. قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على صورة السباع؟ قال: يا معاذ، زنادقة الأمة. قلت: يا رسول الله، صفهم، وما قولهم. قال: ينكرون حوضي وشفاعتي، ويكفرون بفضائلي، الا إن الله عز وجل - يعني، جعل منهم قوماً يحشرون عطاشاً إلى النار على صورة السباع - قلت: يا رسول الله، اتنفعهم شفاعتك؟ قال: يا معاذ، كيف تنفعهم شفاعتي ولم يقروا بشفاعتي؟ قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على صورة الذر؟ قال: يا معاذ، المتكبرون المتعظمون من أمتي، وأصحاب البغي على أمتي، وأصحاب التطاول، يحشرون على صورة الذر إلى النار. قالت: يا رسول الله؛ فما الصنف الذين يحشرون على صورة البهائم؟ قال: أولئك أكلة الربا، الذين لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس قالت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على وجوههم؟ قال: أولئك المصورون، والهمازون، واللمازون، والسعاة من هذه الأمة. قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون مشاة؟ قال: أولئك أهل اليمين. قلت: فما الصنف الذين يحشرون ركوباً؟ قال: أولئك المقربون إلى جنات عدن.
قال: هذا حديث منكر. وفي إسناده غير واحد من المجهولين.
عبد الله بن محمد أبو العباس
الأنباري، المعروف بابن شرشير الناشئ الشاعر المتكلم قدم دمشق، وله كتب ينقض فيها كتاب المنطق، وأشعار في ذلك. وكان شاعراً، وله قصيدة على روي واحد وقافية واحدة تكون أربعة آلاف بيت، ذكرها الناجم، وذكر أنه أنشده إياها، وكان يقول في خلاف كل معنى قالت فيه الشعراء. وكان متهوساً شديد الهوس، وشعره كثير، وهو مع كثرته قليل الفائدة، وكان أخذ نفسه بالخلاف على أهل المنطق والشعراء والعروضيين وغيرهم، ورام أن يحدث لنفسه أقوالاً ينقض بها ما هم عليه، فسقط ببغداد، فلجأ إلى مصر، فشخص إليها وأقام بها بقية عمره.(14/10)
رئي الناشئ في مسجد دمشق وقد خلع سراويله ليبيعه، فقيل له: لو تعرضت لهؤلاء الملوك، فأنشأ يقول: من الطويل
وإني لأرض باليسير تعففاً ... ولي همة تسطو على نوب الدهر
أفكر في بيعي قبائي بهمتي ... فأرتاح من ذل السؤال إلى الفقر
مخافة أن ألقى بخيلاً مصرداً ... يثمن لي نزر العطية بالشكر
ومن شعر أبي العباس المتكلم: المتقارب
وكان لنا أصدقاء حماة ... واعداء سوءٍ فما خلدوا
تساقوا جميعاً كؤوس الحمام ... فمات الصديق ومات العدو
ومن شعره: الكامل
إني ليهجرني الصديق تجنياً ... فأريه أن لهجره أسبابا
وأراه إن عاتبته أغريته ... فيكون تركي للعتاب عتابا
وإذا بليت بجاهلٍ متحلمٍ ... يجد المحال من المور صوابا
أوليته مني السكوت وربما ... كان السكوت عن الجواب جوابا
مات أبو العباس الناشئ سنة ثلاث وتسعين ومئتين.
عبد الله بن محمد الرعيني
حدث عن محمد بن الوزير بسنده إلى سليمان بن موسى أن أبا سيارة المتعي أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن لي نخلاً، قال: أد العشر. قال: يا نبي الله، احم جبلها قال: يحمى له جبلها.
سمع بدمشق سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة.(14/11)
عبد الله بن محمد أبو القاسم
الدمشقي الساجي الصوفي صنف كتاب مقالات الصوفية.
حكى عن إبراهيم بن المولد قال: قال أبو سعيد الخزاز: علامة العبودية ثلاث: الوفاء لله على الحقيقة، والمتابعة للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشريعة، والنصيحة لجميع الأمة.
وروى عن السلبي قال: الورع أن يتورع عن كل ما سوى الله.
وحكى عن إبراهيم بن المولد قال: سألت ابن أجلا: متى يستحق الفقير اسم الفقير؟ قال: إذا لم يبق عليه بقية منه، فقلت: كيف ذاك؟ فقال: إذا كان له فليس له، وإذا لم يكن له فهو له.
قال عبد الله الدمشقي: أنشدني بعضهم: الوافر
هجرتك لا قلى مني ولكن ... رأيت بقاء ودك في الصدود
كهجر الحائمات الورد لما ... رأت أن المنية في الورود
تفيض نفوسها ظمأ وتخشى ... حذاراً وهي تنظر من بعيد
تصد بوجه ذي البغضاء عنه ... وترمقه بألحاظ الودود
قال عبد الله بن محمد الدمشقي: كنت واقفاً على حلقة الشلبي، فجعل يبكي ولا يتكلم، فقال له رجل: ما هذا البكاء؟! فأنشأ يقول: الوافر
إذا عاتبته أو عاتبوه ... شكا فعلي وعدد سيئاتي
فيا من دهره غضب وسخط ... أما أحسنت يوماً في حياتي؟(14/12)
عبد الله بن محمد أبو القاسم المقدسي الإمام
حدث بدمشق عن أبي حفص عمر بن يوسف بن سليمان البغدادي المذكر، المعروف بالباقلاني بسنده قال: سمعت ميمون بن سياه يقول: سمعت حرسياً يقول: قال الله عز وجل: وعزتي وجلا لي وجودي ومجدي، ما من عين بكت من مخافتي إلا بدلتها ضحكاً في نور قدسي في جواري حيث تسمع كلامي.
قال الحافظ: كذا وجد المقدسي وأظنه القرشي، وقد يصحف عليهم.
عبد الله بن محمد أبو محمد بن الزجاج الوشاء
حدث بدمشق إملاء من لفظه عن أبي بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي بسنده إلى أسيد بن صفوان - وكانت له صحبة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ارتجت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء علي عليه السلام باكياً مسرعاً وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجى فقال: رحمك الله أبا بكر، كنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم إيماناً. فذكره بطوله.
عبد الله بن المبارك بن واضح
أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم، المروزي من أئمة المسلمين. قدم دمشق.
حدث عن حميد الطويل عن أنس بن مالك، قال: كان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأتى أعرابي فسأله، فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ وأقيمت الصلاة فنهض فصلى. فلما فرغ(14/13)
من صلاته قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاةٍ ولا صيام، إلا أني أحب الله ورسوله. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المرء مع من أحب. قال: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم به.
وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا ولها الدنيا وما فيها إلا الشهيد، لما يرى من فضل الشهادة فيتمنى أن يرجع فيقتل مرة أخرى.
وحدث ابن المبارك عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك شك في رفعه، ووقع عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سليمان عن أنس مرفوعاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام أو قال: ثلاث ليالٍ.
قال عبد الله بن المبارك:
قدمت الشام على الأوزاعي - قريته ببيروت - فقال لي: يا خاساني، من هذا الذي خرج بالكوفة؟ - يعني: أبا حنيفة - فرجعت إلى بيتي فأقبلت على كتب أبي حنيفة فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئته يوم الثالث وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي، فقال: أي شيء هذا الكتاب؟ فناولته، فنظر في مسألة منها، وقعت عليها: قال النعمان بن ثابت: ... فما زال قائماً بعدما أذن حتى قرأ صدراً من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كمه، ثم أقام وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها. فقال لي: يا خراساني، من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: شيخ لقيته بالعراق، فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه.
قلت: هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه.
قال ابن المبارك: قال ابن المبارك: ذاكرني عبد الله بن إدريس السن فقال: ابن كم أنت؟ فقلت: إن العجم لا يكادون يحفظون ذلك، ولكني أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عندما خرج أبو مسلم، فقال لي:(14/14)
وقد ابتليت بلبس السواد؟ قلت: إني كنت أصغر من ذلك. كان أبو مسلم أخذ الناس كلهم بلبس السواد، الصغار والكبار.
وعبد الله بن المبارك الخراساني مولى عبد شمس من بني سعد بني تميم، وكانت أم عبد الله بن المبارك خوارزمية وأبوه تركي. وكان عبداً لرجلٍ من التجار من همذان من بني حنظلة، وكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لولده ويعظمهم.
وروى عبد الله بن المبارك كثيراً، وطلب العلم، وصنف6 كتباً كثيرة في أبواب العلم وصنوفه، حملها عنه قوم، وكتبها الناس عنهم، وسمع علماً كثيراً وكان ثقة، مأموناً، إماماً، حجةً، كثير الحديث.
وقال سلام بن أبي مطيع: ما خلف بالمشرق مثله.
وكان من الربانيين في العلم، الموصوفين بالحفظ، ومن المنادين بالزهد.
سئل ابن المبارك عن أول زهدة فقال: إني كنت يوماً في بستان، وأنا شاب مع جماعة من أترابي، وذلك في وقت الفواكه، فأكلنا وشربنا، وكنت مولعاً بضرب العود، فقمت في بعض الليل، وإذا غصن يتحرك تحت رأسي، فأخذت العود لأضرب به فإذا بالعود ينطق وهو يقول: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " قال: فضربت بالعود الأرض فكسرته، وصرفت ما عندي من جميع الأمور التي كنت عليها مما شغل عن الله، وجاء التوفيق من الله تعالى، فكان ما سهل لنا من الخير بفضل الله ورحمته.
قال ابن المبارك: كنا نطلب هذا الحديث وفي خفافنا المباخر، وكنا نطلبه لغير الله فردنا إلى الله.(14/15)
سأل أبو خراش بالمصيصة عبد الله بن المبارك: إلى متى تطلب اعلم؟ قال: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم أسمعها بعد.
وفي رواية قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أسمعها بعد.
وفي رواية قال: أرجو أن تروني فيه إلى أن أموت.
اجتمع ابن المبارك ووكيع عند شريك يكتبان عنه، فكان وكيع إذا سود ورقتيه تركهما تجف وأخذ في الكلام، وكان ابن المبارك إذا سود ورقتيه تركهما تجف وقام يركع.
وسمع ابن المبارك وكيعاً يقدم علياً على عثمان فقال له: يا أبا سفيان، وإنك لعلى هذا! إنك لرجل لا كلمتك حتى ألقى الله عز وجل.
قال أحمد بن يونس: سمعت عبد الله بن المبارك قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق فقد كفر بالله العظيم.
وعن ابن المبارك قال: القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق.
قال سفيان بن سعيد: أحببت أن أكون خمسة أيام على وتيرة ابن المبارك، فلم أقدر عليه، وأربعة أيام فلم أقدر عليه، وثلاثة أيام فلم أقدر عليه، ويومين فلم أقدر عليه.
قال شعيب: كنا نأتي ابن المبارك فنحفظ عنه هل نستطيع أن نتعلق عليه بشيء فلا نقدر على شيء من ذلك.(14/16)
قال عمران بن موسى الطرسوسي: جاء رجل فسأل سفيان الثوري عن مسألة فقال له: من أين أنت؟ قال: من أهل المشرق. قال: أوليس عندكم أعلم أهل المشرق؟ قال: ومن هو يا أبا عبد الله؟ قال: عبد الله بن المبارك. قال: هو أعلم أهل المشرق؟ قال: نعم، واهل المغرب.
قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغزوهم معه.
قال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين.
قال عبد الرحمن بن مهدي:
ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفاً من شعبة، ولا اعقل من مالك بن أنس، ولا أنصح للأمة من عبد الله بن المبارك.
قال شعيب بن حرب: ما لقي ابن المبارك رجلاً إلا وابن المبارك أفضل منه.
وقال علي بن صدقة: سمعت أبا أسامة يقول: ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس.
قال معاذ بن خالد: تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد الله بن المبارك، فقال إسماعيل بن عياشِ: ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك، ولا أعلم أن الله عز وجل خلق خصلة من خصال الخير إلا وجعلها في عبد الله بن المبارك، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الحبيس، وهو الدهر صائم.
قال أسود بن سالم: كان ابن المبارك إماماً اقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة. إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام.(14/17)
قال محمد بن معتمر: قلت لأبي: من فقيه العرب؟ قال: سفيان الثوري. فلما مات سفيان قلت له: من فقيه العرب؟ قال: عبد الله بن المارك.
وقال المعتد أيضاً: ما رأيت مثل ابن المبارك نصيب عنده الشيء الذي لا نصيبه عند أحد.
قال الحسن بن عيسى: اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك مثل الفضل بن موسى ومخلد بن حسين ومحمد بن النضر فقالوا: تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والشعر، والفصاحة، والورع، والإنصاف، وقيام الليل والعبادة، والحج، والغزو، والسخاء، والشجاعة، والفروسية، والشدة في بدنه، وترك الكلام فيما لا يعنيه، وقلة الخلاف على أصحابه.
وكان كثيراً ما يتمثل: الرمل
وإذا صاحبت فاصحب ما جداً ... ذا حياءٍ وعفافٍ وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم
قال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: قلت ليحي بن معين: إذا اختلف يحيى القطان ووكيع؟ قال: القول قول يحيى.
قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويحي؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: الأشجعي؟ قال: مات الأشجعي ومات حديثه معه. قلت: ابن المبارك؟ قال: ذلك أمير المؤمنين.
وقال عمار بن الحسن يمدح ابن المبارك: الطويل
إذا سار عبد الله من مرو ليلةً ... فقد سار منها نورها وجمالها
إذا ذكر الأخيار في كل بلدةٍ ... فهم أنجم فيها وأنت هلالها(14/18)
قال ابن المبارك: استعرت قلماً بأرض الروم، فذهبت على أن أرده إلى صاحبه. فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى ارض الشام حتى رددته على صاحبه.
قال أبو وهب: مر ابن المبارك برجل أعمى. قال: فقال: أسألك أن تدعو الله أن يرد علي بصري قال: فدعا الله فرد عليه بصره، وانا أنظر.
قال الحسن بن عيسى: رأيت ابن المبارك دخل زمزم، فاستقى دلواً واستقبل البيت ثم قال: اللهم، إن عبد الله بن المؤمل حدثني عن ابن الزبير عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ماء زمزم لما شرب له. اللهم، إني أشربه لعطش يوم القيامة. فشرب.
زاد في رواية: قال الحسن بن عرفة: ما رأيت أكثر شرباً من يومئذٍ.
قيل لابن المبارك: رجلان أحدهما أخوف، والآخر قتل في سبيل الله. فقال: أحبهما إلي أخوفهما.
دخل شيخ على عبد الله بن المبارك فرآه على وسادة حسنة مرتفعة. قال: فأردت أن أقول له، فرأيت به من الخشية حتى رحمته، فإذا هو يقول: قال الله عز وجل: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " قال: لم يرض الله أن ننظر إلى محاسن المرأة فكيف بمن يزني بها؟ وقال الله عز وجل: " ويل للمطففين " في الكيل والوزن فكيف بمن يأخذ المال كله؟ وقال الله تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضاً " ونحو هذا. فكيف بمن يقتله؟ قال: فرحمته وما رأيته فيه فلم اقل له شيئاً.
سئل ابن المبارك: من أحسن الناس حالاً؟ قال: من انقطع إلى الله عز وجل.(14/19)
قال النضر بن مساور: قلت لعبد الله بن المبارك: هل تتحفظ الحديث؟ قال: فتغير لونه، وقال: ما تحفظت حديثاً قط، إنما آخذ الكتاب فأنظر فيه، فما اشتهيته علق بقلبي.
قال عبد الله بن المبارك: قال لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقنها؟ قال: قلت: وما علي من ذلك، وهو في صدري؟ حدث صخر صديق ابن المبارك قال:
كنا غلماناً في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك ورجل يخطب خطبة طويلة. فلما فرغ قال لي ابن المبارك: وقد حفظتها، فسمعه رجل من القوم فقال له: هاتها، فأعادها عليهم ابن المبارك وقد حفظها.
قال فضالة النسوي: كنت أجالس أصحاب الحديث بالكوفة، فكانوا إذا تشاجروا في حديث قالوا: مروا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله. يعنون عبد الله بن المبارك.
قال يحيى بن آدم: كنت إذا طلبت الدقيق من المسائل فلم أجده في كتب ابن المبارك أيست منه.
قال ابن المبارك: من ضن بالحديث ولم يفده ابتلي بإحدى ثلاث: إما أن يصحب السلطان فيذهب علمه، أو يكذب في الحديث، او يموت.
قال بعض الشعراء، ويقال: هو ابن المبارك: الطويل
تعلم فليس المرء يخلق عالماً ... وليس أخو علمٍ كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل
ذكر لعبد الله بن المبارك رجل ممن كان يدلس فقال فيه قولاً شديداً، وأنشد: السريع(14/20)
دلس للناس أحاديثه ... والله لا يقبل تدليسا
وكان يقول: لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يدلس حديثاً.
قال محمد بن حميد ونوح بن حبيب: كنا عند ابن المبارك فألحوا عليه فقال: هاتوا كتبكم حتى أقرأ، فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه، فأصاب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمعة ابن المبارك حرف كتابه فانشق، وسال الدم، فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن، ثم قال: سبحان الله كاد أن يكون قبالاً، ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه.
حضر ابن المبارك عند حماد بن زيد مسلماً عليه، فقال أصحاب الحديث لحماد بن زيد: يا أبا إسماعيل، تسأل أبا عبد الرحمن أن يحدثنا؟ فقال: يا أبا عبد الرحمن، تحدثهم فإنهم قد سألوني؟ قال: سبحان الله يا أبا إسماعيل، أحدث وأنت حاضر! قال: فقال: أقسمت لتفعلن. قال: فقال ابن المبارك: خذوا: حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد. فما حدث بحرفٍ إلا عن حماد بن زيد.
قال ابن المبارك: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته.
عطس رجل عند ابن المبارك، فقال له ابن المبارك: أي شيء يقول الرجل إذا عطس؟ قال: يقول: الحمد الله، فقال له ابن المارك: يرحمك الله، فعجب من حضر من حسن أدبه.
قال ابن المبارك لأصحاب الحديث: انتم إلى قليل من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم.
قال عباد بن زياد: سمعت ابن المبارك يقول: يا بن المبارك، إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل فيك.(14/21)
قدم الرشيد هارون أمير المؤمنين الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب. فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.
قال عبدة بن سليمان: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو. فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو، فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله. ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه، فقتله، فازدحم إليه الناس. فكنت فيمن ازدحم إليه وهو يلثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا؟! قال محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة: أملى علي عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته للخروج وأنفذها معي لفضيل بن عياض في سنة سبعين ومئة. وقيل: في سنة سبع وسبعين: الكامل
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت انك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطلٍ ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب:
لا يستوي وغبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميتٍ لا يكذب
فلقيت الفضيل بن عياض في مسجد الحرام بكتابه، فلما قرأه ذرفت عيناه، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قلت: نعم(14/22)
يا أبا علي. قال: فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا وأملى علي الفضيل بسنده إلى أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل تستطيع أن تصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟ فقال: يانبي الله. أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فو الذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت فضل المجاهدين في سبيل الله، أما علمت أن فرس المجاهد ليستن في طوله، فتكتب بذلك الحسنات؟.
قال عبد الله بن المبارك: خرج ابن المبارك من بغداد يريد المصيصة فصحبه الصوفية فقال لهم: أنتم لكم أنفس، تحتشمون أن ينفق عليكم، ياغلام، هات الطست، فألقى على الطست منديلاً ثم قال: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه، قال: فجعل الرجل يلقي عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين درهماً، فأنفق عليهم إلى المصيصة. فلما بلغ المصيصة قال: هذه بلاد نفير فنقسم ما بقي، فجعل يعطي الرجل عشرين ديناراً فيقول يا أبا عبد الرحمن: إنما أعطيت عشرين درهماً، فيقول: وما تنكر؟ إن الله تعالى وتبارك يبارك للغازي في نفقته.
قال علي بن الحسن بن شقيق: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوته من أهل مرو فيقولون: نصحبك، فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها ثم يكتري لهم، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، ولا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة حتى يصلوا إلى مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول لكل رجل منهم: ما امرك عيالك أن تشتري لهم من طرف(14/23)
المدينة؟ فيقول: كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فينفق عليهم إلى أن يصلوا إلى مرو فإذا صاروا إلى مرو صنع لهم بعد ثلاثة أيام وليمة وكساهم، إذا أكلوا وسروا دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه، فحدث خادمه انه عمل آخر سفرة سافرها دعوة، فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خواناً فالوذج، قال: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مئة ألف درهم.
قال المسيب بن واضح: كنت عند ابن المبارك إذ كلموه في رجل يقضي عنه سبع مئة درهم ديناً، فكتب إلى وكيله أن يدفع له سبعة آلاف درهم. فلما ورد الكتاب على الوكيل قال للرجل: أي شيء قصتك؟ قال: كلموه أن يقضي عني سبع مئة درهم، فقال: الكتاب أصبت فيه غلطاً، ولكن اقعد موضعك حتى أجري عليك، من مالي وأبعث إلى صاحبي فأوامدة فبك فكتب إلى عبد الله بن المبارك اتاني كتابك وسألت صاحبه فذكر أنه كلمك في سبع مئة درهم وها هنا سبعة آلاف درهم، فإن يكن منك غلطاً فاكتب إلي، فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفاً، فكتب إليه: إن كان على هذا الفعل تفعل، ما أسرع ما تبيع الضيعة، فكتب إليه عبد الله: إن كنت وكيلي فأنفذ ما آمرك به، وإن كنت أنا وكيلك فتعال إلى موضعي حتى أصير إلى موضعك فأنفذ ما تامرني به.
قال محمد بن عيسى:
كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث. قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب، وكان مستعجلاً، فخرج في النفير، فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. قال: فقال عبد الله: وكم يبلغ دينه؟ قالوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه ألا يخبر أحداً ما دام عبد الله حياً، وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس، وأدلج عبد الله فأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا وكان يذكرك، وقد خرج، فخرج الفتى في أثره(14/24)
فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة، فقال: يا فتى، أين كنت؟ لم أرك في الخان، قال: نعم يا أبا عبد الرحمن، كنت محبوساً بدين، قال: فكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أعلم به حتى خرجت من الحبس، فقال لي عبد الله: يا فتى، احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك، فلم يخبر ذلك الرجل أحداً إلا بعد موت عبد الله.
قال حبان بن موسى: عوتب ابن المبارك فيما يفرق المال في البلدان، ولا يفعل في أهل بلده فقال: إني لأعرف مكان قوم، ولهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا الطلب للحديث، وحاجة الناس إليهم شديدة، وقد احتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أغنيناهم بثوا العلم لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم.
قال علي بن الفضيل: سمعت أبي يقول لابن المبارك: أنت تامرنا بالزهد والتقلل وبالبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا، وأنت تأمرنا بخلاف ذا؟! فقال ابن المبارك: يا أبا علي، أنا أفعل لأصون بها وجهي وأكرم بها عرضي، وأستعين بها على طاعة ربي، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا بن المبارك، ما احسن ذا إن تم ذا.
قال نعيم بن حماد: قيل لابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، تكثر القعود في البيت وحدك! قال: أنا وحدي! أنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يعني النظر في الحديث.
قال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: إنه ليعجبني من القراء كل طلق مضحاك، فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك بعمله فلا أكثر الله في القراء مثله.(14/25)
سئل ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: غريزة عقل. قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب حسن. قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح بستشيره. قيل: فإن لم يكن؟ قال صمت طويل. قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل.
كان عبد الله بن المبارك كثيراً كان يتمثل بأييات حميد النحوي: الخفيف
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحا
وإذا ما هممت بالنطق في البا ... طل فاجعل مكانه تسبيحا
فاغتنام السكوت أفضل من خوضَ ... وإن كنت بالحديث فصيحا
سمع ابن المبارك رجلاً يتكلم بما لا يعنيه فقال: المتقارب
تعاهد لسانك إن اللسان ... سريع إلى المرء في قتله
وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله
قال محمد بن إدريس الحنظلي: قال عبد الله بن المبارك: المنسرح
أدبت نفسي فما وجدت لها ... من بعد تقوى الإله من أدب
في كل حالاتها وإن قصرت ... أفضل من صمتها عن الكذب
وغيبة الناس إن غيبتهم ... حرمها ذو الجلال في الكتب
إن كان من فضةٍ كلامك يا ... نفس فإن السكوت من ذهب
قال أبو أمية الأسود: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الصالحين وأنا شر منهم، ثم أنشأ عبد الله يقول: مجزوء الكامل
الصمت أزين بالفتى ... من منطقٍ في غير حينه
والصدق أجمل بالفتى ... في القول عندي من يمينه(14/26)
وعلى الفتى بوقاره ... سمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفى عليك ... إذ نظرت إلى قرنيه
رب امرئٍ متيقنٍ ... غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه ... فابتاع دنياه بدينه
كان عبد الله بن المبارك يقول:
سخاء النفس عما في أيدي الناس أكثر من سخاء النفس بالبذل، والقناعة والرضا أكثر من مروءة الإعطاء، وانشد: البسيط
ماذاق طعم الغنى من لا قنوع له ... ولن ترى قانعاً ما عاش مفتقرا
فالعرف من يأته تحمد عواقبه ... ما ضاع عرف وإن أوليته حجرا
وعن عبد الله بن المبارك: البسيط
لا تضرعن لمخلوقٍ على طمعٍ ... فإن ذاك مضر منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه ... فإنما هي بين الكاف والنون
ألا ترى كل من ترجو وتامله ... من البرية مسكين ابن مسكين؟
قال عبد الله بن المبارك: لن يخلو المؤمن من ثلاثة: من نفس تدعوه، وشيطان يبغيه، ومنافق يحسده.
سئل ابن المبارك: من الناس؟ قال: العلماء. قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قال: فمن السفلة؟ قال: الذي يأكل بدينه. قيل له: فمن الغوغاء؟ قال: خزيمة بن حازم وأصحابه. قيل له: فمن الدنيء؟ قال: الذي يذكر غلاء السعر عند الضيف.
كان ابن المبارك يقول: من طلب العلم تعلم العلم، ومن تعلم العلم خاف من الذنب، ومن خاف من الذنب هرب من الذنب، ومن هرب من الذنب نجا من الحساب.(14/27)
قال زرقان: سمعت ابن المبارك يقول على سور طرسوس: الكامل
ومن البلاء وللبلاء علامة ... ألا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها ... والحر يشبع مرة ويجوع
أنشد الحسن بن إبراهيم البجلي لعبد الله بن المبارك: الكامل
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
قال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: الرمل
خالق المناس بخلقٍ حسنٍ ... لاتكن كلباً على الناس تهر
كان ابن المبارك يقلو: إذا تاكد الإخاء قبح الثناء.
قال عبد الله بن المبارك: إن العبد إذا استخف بستر الله عليه أنطق الله لسانه بمعايب نفسه حتى يكفي الناس مؤنته.
سأل حاتم بن عبد الله العلاف ابن المبارك حين أراد الخروج إلى مكة فقال: أما توصينا؟ فقال عبد الله بن المبارك: الوافر
إذا صاحبت في الأسفار قوماً ... فكن لهم كذي الرحم الشفيق
بعيب النفس ذا بصرٍ وعلمٍ ... غني النفس عن عيب الرفيق
ولا تأخذ بعثرة كل قومٍ ... ولكن قل هلم إلى الطريق
فإن تأخذ بعثرتهم يقلوا ... وتبقى في الزمان بلا صديق
قال عبد الله بن المبارك: حفروا بخراسان حفيراً، فوجدوا رأس إنسان فوزنوا سناً من أسنانه فإذا فيه سبعة اسانين(14/28)
وفي رواية: فوزنهما أو وزن أحدهما فإذا فيه منوان وزيادة في كل سن، فقال عبد الله من أبيات: المتقارب
أرى الناس يبكون موتاهم ... وما الحي أبقى من الميتينا
أليس مصيرهم للفناء ... وإن عمر القوم أيضاً سنينا
يساقون سوقاً إلى يومهم ... فهم في السياق وما يشعرونا
فإن كنت تبكين من قد مضى ... فبكي لنفسك في الهالكينا
أتيت بسنين قد رمتا ... من الحصن لما أثاروا الدفينا
على وزن منيين إحداهما ... تقل به الكف شيئاً رزينا
ثلاثين أخرى على قدرها ... تباركت يا أحسن الخالقينا
فماذا يقوم لأجرامهم ... وما كان يملأ تلك البطونا
إذا ما تذكرت أجسامهم ... تصاغرت النفس حتى تهونا
وكل على ذاك لاقي الردى ... فبادوا جيمعاً فهم خامدونا
وعن أبي موسى الأشعري قال: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فأما عرضان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف في الأيدي. ثم قال عبد الله بن المبارك: البسيط
وطارت الصحف في الأيدي منشرةً ... فيها السرائر والأخبار تطلع
فكيف سهوك والأنباء واقعة ... عما قليلٍ ولا تدري بما يقع
أفي الجنان وفوز لا انقطاع له ... أم الجحيم فما تبقي وما تدع
تهوي بسكانها طوراً وترفعهم ... إذا رجوا مخرجاً من غمها وقعوا
طال البكاء فلم ينفع تضرعهم ... هيهات لا رقة تجزي ولا جزع(14/29)
لن ينفع العلم قبل الموتٍ عالمه ... قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا
كان ابن المبارك يقول في دعائه: اللهم، إني أسألك الشهادة في غير جهد بلية ولا تبديل نية، فأجيبت دعوته، فمات شهيداً غريباً في غير تربته من غير جهد في الشهادة ولا تبديل في الإرادة.
ولما حضرت ابن المبارك الوفاة قال لنصر مولاه: اجعل رأسي على التراب. قال: فبكى نصر، فقال له: ما يبكيك؛ قال: أذكر ما كنت فيه من النعيم، وأنت هو ذا تموت فقيراً غريباً فقال له: اسكت، فإني سألت الله تبارك وتعالى أن يجنبني جباه الأغنياء، وان يميتني ميتة الفقراء. ثم قال: لقني، ولا تعد علي إلا أن أتكلم بكلام ثان.
لما حضر ابن المبارك جعل رجل يلقنه: قل: لا إله إلا الله، فأكثر عليه، فقال: إنك ليس تحسن، وأخاف أن تؤذي بها رجلاً مسلماً بعدي. إذا لقنتني فقلت: لا إله إلا الله ثم لم أحدث كلاماً بعدها فدعني، فإذا أحدثت كلاماً بعدها فلقني حتى تكون آخر كلامي.
لما احتضر ابن المبارك فتح عينيه وضحك وقال: " لمثل هذا فليعمل العاملون ".
لما مات ابن المبارك قال هارون أمير المؤمنين: مات سيد العلماء.
قال ابن المديني: مات خيار الرض جميعاً في سنة واحدة: مالك، وحماد، وخالد، وسلام بن سليم أبو الأحوص، وعبد الله بن المبارك سنة تسع وسبعين ومئة.
قال: وهذا القول وهم، والمحفوظ أن عبد الله خرج إلى العراق سنة إحدى وأربعين ومئة ومات بهيت وعانات في رمضان سنة إحدى وثمانين ومئة. مات سحراً ودفن بهيت، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكان منصرفاً من الغزو.(14/30)
وولد عبد الله بن المبارك بمرو سنة ثمان عشرة ومئة. وقيل: سنة تسع عشرة.
قال عبد الله بن رستم: رئي على قبر عبد الله بن المبارك مكتوب: السريع
الموت بحر موجه غالب ... تذهل فيه حيل السابح
لا يصحب المرء إلى قبره ... غير التقى والعمل الصالح
قال أبو حاتم الفربري: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام واقفاً على باب الجنة، بيده مفتاح فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، ما يوقفك ها هنا؟ قال: مفتاح باب الجنة دفعه إلي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: حتى أزور الرب، فكن أميني في السماء كما كنت أميني في الأرض.
قال إسماعيل بن إبراهيم بن أبي جعفر المصيصي: رأيت الحارث بن عطية في النوم، فقلت: ما فعل الله بك يا أبا عبد الله؛ قال: غفر لي. قلت: فأين ابن المبارك؟ قال: بخٍ بخٍ، ابن المبارك في عليين ممن يلج على الله في كل يوم مرتين.
قال صخر بن راشد: رأيت عبد الله بن المبارك في منامي بعد موته، فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى. قلت: فما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب. قلت: فسفيان الثوري؟ قال: بخٍ بخٍ، ذاك: " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ".
قال محمد بن فضيل بن عياض: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه. قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم. قلت: فأي شيء صنع بك ربك؟ قال غفر لي مغفرة تتبعها مغفرة، وكلمتني امرأة من أهل الجنة، أو امرأة من الحور العين.
وفي حديث آخر: قلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: وجهي هذا الذي مت فيه. قال: فقلت له: فالحديث؟ قال: قدم الحديث.(14/31)
عبد الله بن محمود بن أحمد
أبو علي البرزي المعروف بالخشبي حدث عن أبي الحسن محمد بن عوف بن أحمد المزي بسنده إلى جابر بن عبد الله قال:
بينا نحن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب، أصابها في بعض المغازي، فجاء بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ركنه الأيمن، فقال: يا رسول الله، خذها مني صدقه، فوالله مالي مال غيرها، فأعرض عنه، ثم جاءه عن ركنه الأيسر فقال مثل ذلك، ثم جاءه من بين يديه فقال مثل ذلك، فقال: هاتها، مغضباً، فحذفه بها حذفة لو أصابته لأوجعته أو لعقرته، ثم قال: يأتيني أحدكم بماله لا يملك غيره فيتصدق به، ثم يقعد بعد ذلك يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غناء. خذا الذي لك، فلا حاجة لنا به، فأخذ الرجل ماله وذهب.
عبد الله بن محيريز بن جنادة
ابن وهب بن لوذان بن سعد بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب أبو محيريز القرشي الجمحي المكي نزل بيت المقدس، واجتاز بدمشق غازياً. وقيل في اسمه عبد الرحمن بن محيريز. وقيل: هو عبد الله. وله ابن يقال له عبد الرحمن بن عبد الله بن محيريز، وكان يتيماً في حجر أبي محذورة.
حدث عن معاوية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن السامع المطيع لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له.
وحدث عن أي سعيد الخدري أن ناساً أتوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله، إنا نصيب سبايا فما ترى في العزل؟(14/32)
فقال: وإنكم لتفعلون ذلك، لا عليكم ألا تفعلوه، إنه ليس نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي خارجة.
قال رجاء بن جيوة: إن يفخر عينا أهل المدينة بعابدهم عبد الله بن عمر فإنا نفخر عليهم بعابدنا عبد الله بن محيريز.
قال خالد بن دريك: كانت في ابن محيريز خصلتان ما كانتا في أحد ممن أدركت من هذه الأمة: كان من أبعد الناس أن يسكت عن حق بعد أن يتبين له، يتكلم فيه، غضب في الله من غضب ورضي فيه من رضي، وكان من أحرص الناس أن يكتم من نفسه أحسن ما عنده.
وعن الأوزاعي أنه قال: من كان مقتدياً فليقتد بمثل ابن محيريز. فإن الله لم يكن ليضل أمة فيها ابن محيريز.
قال ابن محيريز لرجل وهو يوصيه: إن استطعت أن تعرف ولا تعرف، ويسأل ولا تسأل، وتمشي ولا يمشي إليك فافعل.
وعن يحيى بن أبي عمرو قال: قال لنا ابن محيز: إني أحدثكم فلا تقولوا: حدثنا ابن محيرز، فإني أخاف أن يصرعني ذلك يوم القيامة مصرعاً يسوؤني.
وعن ابن محيريز قال: كفى بالمرء شراً أن يشار إليه بالأصابع في دينٍ أو دنيا.
وكان ابن محيرز يجيء إلى الجمعة يوم الخميس من قريته، يقيم حتى يصلي الجمعة ثم يروح. وهي أربعة أميال من الرملة.
دخل ابن محيريز حانوتاً بدابق يريد أن يشتري ثوباً، فقال رجل لصاحب(14/33)
الحانوت: هذا ابن محيريز فأحسن بيعه، فغضب ابن محيريز وخرج، وقال: إنما نريد أن نشتري بأموالنا. لسنا نشتري بديننا.
قال سلم بن أبي العلاء: رأيت ابن محيريز واقفاً بدابق فسمع رجلاً وهو يساوم رجلاً وهو يقول: لا والله، وبلى والله. فقال: ما هذا؟ لا يكونن الله أهون بضاعتك عليك.
قال همام بن مسلم القرشي: كنت مع ابن محيريز بمرج الديباج، فرأيت منه خلوة، فسألته عن مسألة فقال لي: ما تصنع بالمسائل؟ قلت: لولا المسائل ذهب العلم. قال: لا تقل ذهب العلم، لا يذهب العلم ما قرئ القرآن، ولكن لو قلت: لذهب الفقه.
قال أبو زرعة: غل رجل مئة دينار. فلما حضرته الوفاة أوصى أن يسأل عنها ابن محيريز، فما قال فيها من شيء عمل به. فلما مات لقيه الوصي، فقال له ابن محيريز: اسأل غيري. فقال له الرجل: إنما أمرت أن أسألك، ولا أسأل غيرك. فقال له ابن محيريز: هل تستطيع أن تجمع ذلك الجيش؟ قال: لا، وكيف وقد تفرقوا؟ قال: فلا شيء إلا ذلك.
وعن ابن محيريز قال: ما ملأت بين جنبي بعد فيء يعدل فيه بين اسود والأحمر أحب إلي من مال تاجرٍ صدوق.
قال عبد الرحمن بن محيريز: لما ثقل أبي وهو سائر يريد الصائفة قال: قلت له: يا أبة، لو أقمت، قال: أي بني، لا تدع أن تغدو بي وتروح في سبيل الله. قال: فما زلت أغدو به وأروح حتى مات.(14/34)
وعنه قال: مات أبي وهو غاز فهمني من يحضره. قال: فغشيني جماعة من الناس كثيرة فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى معي عليه صفوف، قال: جماعة كثيرة.
وعن رجاء بن حيوة أنه كان يقول:
إن بقاء ابن محيريز بين أظهر هؤلاء الناس أمان لهم. يقول: لن يعذب الله أمة فيها مثل ابن محيريز. وكان ابن محيريز يقول: إن بقاء ابن عمر بين أظهر هؤلاء الناس أمان لهم.
قال رجاء بن حيوة: أتانا يعني: ابن عمر ونحن في مجلس ابن محيريز، فقال ابن محيريز: والله إن كنت لأعد بقاء ابن عمر أماناً لأهل الأرض. وقال رجاء بن حيوة بعد موت ابن محيريز: وأنا والله إن كنت لأعد بقاء ابن محيريز أماناً لأهل الأرض.
توفي ابن محيريز في ولاية الوليد بن عبد الملك. وقيل إنه مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.
عبد الله بن المخارق بن سليمان
وقال ابن سليم ابن حصيرة بن مالك بن قيس بن شيبان بن حمار بن حارثة بن عمرو ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة الشيباني، والمعروف بنابغة بني شيبان شاعر من شعراء الأمويين، وفد على عبد الملك، وعلى يزيد ابنه، وعلى هشام بن عبد الملك، وعلى الوليد بن يزيد. وكان مداحاً لهم وكان نصرانياً. وقيل: كان اسمه جميل بن سعد بن معقل. والأول أثبت، وهو إسلامي كثير الشعر، وهو القائل: من الطويل(14/35)
وكائن ترى من ذي همومٍ تفرجت ... وذي غربةٍ عن داره سيؤوب
ومغتبطٍ ناءٍ بأرضٍ يحبها ... ستذهل عنها نفسه وتطيب
وقد ينطق الشعر العيي لسانه ... وتعيي القوافي المرء وهو لبيب
ومن شعره: من البسيط
من يلق بؤساً يصبه بعدها فرج ... والناس بني ذوي روحٍ ومكروب
لاتحمدن امرأ حتى تجربه ... ولا تذمنه من غير تجريب
لما هم عبد الملك بن مروان بخلع عبد العزيز أخيه وولاية ابنه الوليد العهد، وكان نابغة بني شيبان منقطعاً إلى عبد الملك، مداحاً له، فدخل إليه في يوم حفل، والناس حوله وولده قدامه، فأنشده من أبيات: من المنسرح
آل أبي العاص أهل مأثرةٍ ... غر عتاق بالخير قد نفخوا
خير قريشٍ وهم أفاضلها ... في الجد جد وإن هم فرحوا
أرحبها ذرعاً وأصبرها ... أنتم إذا القوم في الوغى كلحوا
أما قريش فأنت وارثها ... تكف من شغبهم إذا طمحوا
حفظت ما ضيعوا وزندهم ... أوريت إن أصلدوا وإن قدحوا
آليت جهداً وصادق قسمي ... برب عبدٍ لله ينتصح
يظل يتلو الإنجيل يدرسه ... من خشية الله قلبه نقح
لابنك أولى بملك والده ... وعمه إن عصاك مطرح
داود عدل فاحكم بسيرته ... ثم ابن حربٍ فإنهم نصح
وهم خيار فاعمل بسنتهم ... واحي بخيرٍ واكدح كما كدحوا(14/36)
قال: فتبسم عبد الملك، ولم يتكلم في ذلك بإقرار ولا دفع، فعلم الناس أن رأيه خلع عبد العزيز. فبلغ ذلك من قول النابغة عبد العزيز فقال: لقد أدخل ابن النصرانية بنفسه مدخلاً ضيقاً، وأوردها مرداً خطراً. والله لئن ظفرت به لأخضبن قدمه بدمه.
قال عيسى بن عمر: كان نابغة بني شيبان ينشد الشعر فيكثر، حتى إذا فرغ قبض على لسانه فقال: لأسلطن عليك ما يسؤوك: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر.
عبد الله بن مخمر الشرعبي
حمصي، ويقال: دمشقي، كان قد أدرك الجاهلية، وقدم دمشق، واستشاره معاوية في قتل حجر بن عدي وأصحابه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن تعاقبهم فقد أصبت، وإن تعف فقد أحسنت.
وعبد الله بن مخمر الشرعبي عامل يزيد بن معاوية على حمص.
ومخمر: بفتح الميم الأولى وكسر الميم الثانية والخاء ساكنة، وقيل: مخمر بكسر الميم الأولى وسكون الخاء المعجمة وفتح الميم الثانية.
حدث عبد الله بن مخمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة: احتجبي من النار ولو بشق التمرة.
وعن عبد الله بن مخمر أنه قال وهو على المنبر، وقد رأى الناس وقد تلبسوا: واحسناه، واجمالاه بعد العدم والسدم من الدم والحوتكية والبرود، أصبحتم(14/37)
زهراً وأصبح الناس عبراً، يعطون انتم تأخذون، وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون، وأصبح الناس ينسجون وأنتم تلبسون، وأصبح الناس يزرعون وانتم تأكلون.
وأول من اتخذ صاحب حرس معاوية، وأول من وضع ديوان الخاتم معاوية، وكان على رأس الحرس أبو المختار مولى لحمير، وعلى الخاتم عبد الله بن مخمر الحميري قاضي القضاة.
قيل: إنه توفي زمن يزيد بن معاوية.
عبد الله بن مخيمرة
قال: لقيت شيخاً بدمشق قد جالس كعب الأحبار فقال: سمعت كعباً يقول: يتصل العمران ما بين باب الجابية إلى البضيع.
عبد الله بن مدرك بن عبد الله
أبو مدرك الأزدي حدث أبو مدرك أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن أمه أسماء بنت أبي بكر قالت: ذبحنا فرساً فأكلنا نحن وأهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحدث أبو مدرك عن عباية عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعدة من النار.
عبد الله بن مروان بن معاوية
أبو حذيفة الفزاري سمع بدمشق وغيرها.(14/38)
حدث عن عبد الله بن رجاء بسنده إلى علي قال: ما رأيت يهودياً أصدق من فلان، زعم أن نار الله الكبرى هي البحر، فإذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل فيه الشمس والقمر والنجوم ثم بعث عليه الدبور فسعر به.
أنشد أبو حذيفة: الوافر
ومنتظر سؤالك بالعطايا ... وأفضل من عطاياه السؤال
إذا لم يأتك المعروف عفواً ... فدعه فالتنزه عنه مال
وكيف يلذ ذوأدبٍ نوالاً ... ومنه لوجهه فيه ابتذال
إذا كان النوال ببذل وجهٍ ... وإلحاحٍ فلا كان النوال
وقيل في اسمه: عبيد الله بن مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن عيينية بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، بزيادة ياء، وهو وهم، وكان صدوقاً. سمع أبو القاسم البغوي من أبي حذيفة سنة إحدى وثلاثين ومئتين.
عبد الله بن مروان أبو علي
قيل إن أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمه جرجاني.
حدث عن عيسى الهاشمي عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في مجلس فقال رجل: يا سعد، وقال آخر: يا سعد، وقال آخر: يا سعد فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما جمع ثلاثة سعود في حديث إلا سعد أهله.
وحدث عبد الله بن مروان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من انهمك في أكل الطين فقد أعان على نفسه.
وحدث عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: قالرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.(14/39)
عبد الله بن مساحق بن عبد الله
ابن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي العامري من بني حسل حدث عن ابن عمز قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تجندون أجناداًن فقال رجل: خر لي يا رسول الله، قال: عليك بالشام، فإنها صفوة الله من بلاده، فيها حيرته من عباده، فمن رغب عن ذلك فليلحق بيمنه، وليسق من غدرة، فإن الله قد تكلف بالشام وأهله.
وعن عبد الله بن مساحق قال: كل وتر لا يكون بعده ركعتان فهو أبتر. قال الزبيدي: ثم يقول راشد: سلوا عن عبد الله بن مساحق من كان.
عبد الله بن مسافع بن عبد الله
الأكبر بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ابن كلاب بن مرة القرشي، العبدري، المكي الحاجب وفد على سليمان بن عبد الملك فأدركه أجله عنده.
حدث عبد الله بن مسافع عن مصعب بن شيبة بسنده إلى عبد الله بن جعفر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شك في صلاته فليسجد سجدتين وهو جالس.
وفي حديث آخر: من شك في صلاة فليسجد سجدتين بعدما يسلم.
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: فلم يزل سليمان بن عبد الملك معسكراً بدابق لا يريد القفول دون أن(14/40)
يفتح يعني: القسطنطينية أو تؤدى الجزية، فشتا بدابق شتاء بعد شتاء، إذ ركب ذات عشية من يوم جمعة فمر بالتل الذي يقال له: تل سليمان اليوم، فالتفت فإذا بقبر ثري فقال: من صاحب هذا القبر؟ قالوا قبر ابن مسافع القرشي المكي، فقال: يا ويحه، لقد أمسى فترة بدار غربة. قال ابن جابر: ويمرض ويموت ويدفن إلى جانب قبر عبد الله بن مسافع الجمعة التي تليه أو الثانية.
عبد الله بن مسعدة
ويقال ابن مسعود بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري
له رؤية من سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل: إنه كان من سبي فزارة وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهبه لفاطمة ابنته فأعتقته وكان غلاماً ربته فاطمة وعلي، وكان بعد ذلك مع معاوية أشد الناس على علي. وذكر الواقدي أن عبد الله بن مسعدة قتل في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولعل هذا أخ له سمي باسمه. وسكن دمشق وكان مع معاوية بصفين، وبعثه يزيد بن معاوية على جند دمشق يوم الحرة، وبقي إلى أن بايع مروان بن الحكم بالخلافة بالجابية.
حدث عبد الصمد بن العباس قال بكرت إلى الهيثم بن عدي يوماً، فجئته قبل أن يأتيه الناس، فسلمت عليه وجلست، فقال لي: يا هاشمي، ما أحسن طلبك العلم، لا جرم لأحدثنك حديثاً قل من سمعة مني، فقال: حدثني أبي عن عبد الله بن مسعود الفزاري قال: لما أوفدني معاوية بن أبي سفيان إلى ملك الروم دخلت عليه، فوجدت عنده رجلاً على سرير دون سرير الملك، فكلمني بالعربية فقلت له: من أنت؟ فقال: جبلة بن الأيهم، فإذا انصرفت من عنده فائت إلى منزلي. فلما انصرفت أتيته فدخلت عليه، فإذا هو على سرير وبين يديه شراب، وعنده جاريتان تغنيان بشعر حسان بن ثابت، فتحدثنا وتساءلنا وحملني رسالة إلى معاوية بن أبي سفيان، ورأيت بين يديه كتاباً ينظر فيه فظننت أنه الإنجيل أو التوراة، فقلت له: ما هذا الكتاب؟ فيه التوراة؟ قال: لا. قلت: الإنجيل؟(14/41)
قال لا. ولكنه أخبار الأنبياء. فقلت له: أنظر فيه، فقال: دونك، فإذا أوله: بسم الرب الشفيق المتحنن على خلقه. حدثنا شمعون بن خنوع بن مارغ عن زكريا بن غمريل بن دان بن يحيى قال: مما أثر علماؤنا عن نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام أنه مر ببساطه فبسط، وحف بكراسي وجلس عليه معه رجال من بني إسرائيل ثم أمر بالسحاب فأظلته، وأمر بالريح فحملته، وسار متنزهاً. فلما سار غير بعيد هبط عليه جبريل عليه السلام، قال: يا نبي الله، إلى أين سفرك هذا؟ فقال: أردت أن أروح عن قلبي، وأفتح عيني، وأنظر إلى نبات بلاد ربي عز وجل، فقال له جبريل: إن الله جل وعز ملائكة وكلهم بالمسافرين، فإذا خرج الرجل من بلده مسافراً تلقاه ملك فيقول له: أين تقصد في وجهك هذا؟ فإن قال: أغزو في سبيل الله، أطلب ثواب الله، قال الملك: اللهم اصحبه بالسلامة في سفره، والغنيمة في معيشته، واخلفه بخير، وإن قال: ألتمس التمحيص لذنوبي بالشهادة، قال الملك: اللهم، ارزقه شهادة سعيدة تمحص عنه ذنوبه وتحط بها أوزاره، وإن قال: خرجت طالباً للعلم والفقه في ديني، قال: اللهم، آته من الحكمة ما تفقهه في دينه وعلمه من تأويل كتابك، وأتبعه سنة نبيك. فإن قال: أور أخاً لي، قال الملك: أبينك وبينه رحم تصلها، أو له عندك معروف، أو يد تكافئه بذلك عليها؟ فإن قال: لا إلا أني أحبه في الله، قال الملك: اللهم، اكتب بخطاه حسنات، وامح بعدها سيئات، وإن قال: أقصد فلاناً الملك ألتمس من نائله، قال له الملك: أي ملك أعظم من الله سبحانه ملكاً، واوسع منه رزقاً، وأسرع منه عطاء؟ وإن قال: خرجت أتعرض من فضل الله، وأعود به على عيالي، قال الملك: اللهم، احفظ عليه ماله وأوسع ربحه وأسرع أوبته، وإن قال: خرجت متنزهاً ومتصيداً، قال الملك: أما علمت أن الله جل ثناؤه سيسألك يوم القيامة عن ما له الذي أعطاك فيم أنفقته؟ وعن عمرك فيم أفنيته؟ وعن قوتك فيم استعملتها؟ وعن بدنك فيم أتبعته؟ قال: فاستحيا سليمان من جبريل عليه السلام، ورجع من ساعته، فما عاد ليسفر إلا في سبيل الله.(14/42)
وعن خديج خصي لمعاوية أن معاوية قال له: ادع لي عبد الله بن مسعدة الفزاري، فدعوته، وكان آدم شديد الأدمة، فقال: دونك هذه، يعني جارية، بيض بها ولدك.
دخل أبو قتادة على معاوية، فأجلسه معه على سريره، فقال له أبو قتادة: يا معاوية، فقال عمرو بن سعدة الفزاري وهو ابن عم عيينة؟ من هذا الذي يسمي أمير المؤمنين؟ فأشار إليه معاوية أن أسكت، فأبى أن يسكت، فقال أبو قتادة: من هذا المتكلم؟ قال: عمرو بن مسعدة الفزاري. قال: ابن سارق لقاح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما والله إني لصاحب أبيك حين أدركته فطعنته بالرمح في جاعرته فما اتقاني إلا بسلحه، فما منعني من سلبه إلا ذلك، فقال معاوية: أرغم الله أنفك.
عبد الله بن مسعود بن غافل
ابن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم ابن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو عبد الرحمن الهذلي حليف بني زهرة وابن أختهم، وفي نسبه اختلاف، وجده غافل سماه ابن سعد غافلا بالغين المعجمة والفاء. وسماه خليفة عاقلاً بالعين المهملة والقاف. وفار: قاله الطبري بالفاء وفي جمهرة النسب عن ابن الكلبي فارى بالفاء، بزيادة ياء.(14/43)
من المهاجرين الأولين، شهد بدراً، وهاجر الهجرتين، وشهد اليرموك، وكان غل النفل.
حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من توضأ فذكر الله على وضوئه كان طهوراً لسائر جسده، ومن توضأ ولم يذكر الله عز وجل لم يطهر منه إلا ما أصابه، يعني الماء.
وعن عائذ الله أبي إدريس الخولاني قال: قام فينا عبد الله بن مسعود على درج هذه الكنيسة - وفي رواية: على درج كنيسة دمشق - فما أنسى أنه يوم خميس، فقال: يا أيها الناس عليكم بالعلم قبل أن يرفع، فإن من رفعه أن يقبض أصحابه، وإياكم والتبدع والتنطع، وعليكم بالعتيق فإنه سيكون في آخر هذه الأمة أقوام يزعمون أنهم يدعون إلى ثواب الله وقد تركوه وراء ظهورهم.
وأم عبد الله بن مسعود أم عبد بنت الحارث بن زهرة وقيل: أمه أم عبد بنت ود بن سوي بن فويم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. وأمها هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب. بعثه عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة معلماً ووزيراً، وسكن الكوفة، وهو فقههم وأقرأهم القرآن، وكان على بيت المال، وهو الذي أجاز على أبي جهل يوم بدر وضرب عنقه بعد أن أثبته ابنا عفراء. وشهد أحداً والخندق والمشاهد كلها مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس يعدل أهل الكوفة بقوله شيئاً، وليس أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنبل صاحباً من ابن مسعود. قال علي: أصحاب عبد الله سرح هذه القرية وثلاثة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعون قولهم لقول ثلاثة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان ابن مسعود يدع قوله لقول عمر، وكان أبو موسى الأشعري يدع قوله لقول علي، وزيد بن ثابت يدع قوله لقول أبي.(14/44)
وكان إسلامه فيما روي عنه أنه قال: لقد رأيتني سادس ستةٍ ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا، وكان آدم له ضفيرتان، عليه مسحة أهل البادية، دقيق الساقين، وكناه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عبد الرحمن قبل أن ولد له، وكان سادس الإسلام سبقاً وإيماناً. وهو أحد الأربعة من القراء الذين قال فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استقرئو القرآن من الأربعة. تلقن من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة. قال فيه: من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه بقراءة، وأخبر أن ساقيه في الميزان أثقل من أحد. وامر أمته أن يتمسكوا بعهد ابن أم عبد. وقال: رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد. وقال له حين سمع دعاءه وثناءه: سل تعطه. وقال له: إذنك علي أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي حتى أنهاك. كان أشبه الناس هدياً ودلاً بسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم المحفوظون من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه من أقربهم إلى الله وسيلة. نفله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيف أبي جهل حين أتاه برأسه. بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة، وولاه بيت المال، وكتب فيه إليهم: هو من النجباء وآثرتكم بعبد الله على نفسي فاقتدوا به. وقال: هو كنيف ملئ علماً وفقهاً. وقال فيه علي: قرأ القرآن، وقام عنده، وكفي به. وقال أبو موسى: كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا. وقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم.
وقال فيه معاذ بن جبل حين حضره الموت وأوصى أصحابه: التمسوا العلم عند أربعة: عند ابن أم عبد. كان أحد الثمانية الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح. وكان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة. وهو أول من أفشى القرآن بمكة من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يوقظ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نام، ويستره إذا اغتسل، ويرحل له إذا سافر، ويماشيه في الأرض الوحشاء. أحد النفر الذين دار عليهم علم القضاء والأحكام من الصحابة. توفي بالمدينة، وأوصى أن يصلي عليه الزبير بن العوام، عاده عثمان بن عفان في مرضه فقال: كيف تجدك؟ فقال: مردود إلى قول الحق. ترك تسعين ألفاً. وعقبه بالكوفة. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى عليه الزبير للمؤاخاة التي بيتهما. وكان أحمش الساقين، عظيم البطن،(14/45)
قضيفاً، لطيفاً، فطناً، له ضفيرتان يرسلهما من وراء أذنيه. وقيل: كان آدم، خفيف اللحم، قصيراً، شديد الأدمة، لا يغير، وكان من أجود الناس ثوباً أبيض، من أطيب الناس ريحاً. أسند عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم نيفاً وثلاث مئة حديث.
عن زيد من بن وهب قال قال عبد الله إن أول شيء علمت من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمت مكة مع عمومةٍ لي أو ناسٍ من قومي نبتاع منها متاعاً، فكان في بغيتنا شراء عطر، فأرشدونا على العباس بن عبد المطلب، فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض، تعلوه حمرة، وله وفرة جعدة إلى أنصاف أذنيه أشتم، أقنى، أذلف، أدعج العينين، براق الثنايا، دقيق المسربة، شثن الكفين والقدمين، كث اللحية، عليه ثوبان أبيضان، كأنه القمر ليلة البدر، يمشي على يمينه غلام، حسن الوجه مراهق أو محتلم، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها، حتى قصد نحو الحجر فاستلمه ثم استلمه الغلام واستلمته المرأة، ثم طاف بالبيت سبعاً والغلام والمرأة يطوفان معه، ثم استقبل الركن، فرفع يديه وكبر، وقامت المرأة خلفهما، فرفعت يديها وكبرت، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه من الركوع، فقنت ملياً، ثم سجد وسجد الغلام معه والمرأة، يتبعونه، يصنعون مثلما يصنع، فرأينا شيئاً أنكرناه، لم نكن نعرفه بمكة، فأقبلنا على العباس فقلنا: يا أبا الفضل، إن هذا الدين حدث فيكم، أو أمر لم نكن نعرفه فيكم! قال: أجل، والله، ما تعرفون هذا؟ قال: قلنا: لا والله ما نعرفه. قال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله، والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته. أما والله ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة.
وعن عبد الله بن مسعود: كنت غلاماً يافعاً في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر معه(14/46)
فقال: يا غلام، هل معك من لبن؟ فقلت: نعم ولكني مؤتمن، قال: آتني بشاة لم ينز عليها الفحل، فأتيته بعناق أو جذعة فاعتقلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم جعل يمسح ويدعو حتى انزلت. فاتاه أبو بكر بصخرة، فاحتلب فيها ثم قال لأبي بكر: اشرب فشرب أبو بكر، ثم شرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم بعدة ثم قال للضرع: اقلص فقلص. فعاد كما كان. قال: ثم أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن. فمسح رأسي وقال: إنك غلام معلم. قال: فلقد أخذت من فيه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر.
وفي حديث بمعناه: فإنك غلام معلم، فأسلمت فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبينما نحن عنده على حراء إذ نزلت عليه سورة المرسلات، فأخذتها وإن فاه ليرطب بها فلا أدري بأية الآيتين ختمت " وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون " " فبأي حديثٍ بعده يؤمنون ".
وعن سعد بن أبي وقاص قال:
كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن ستة نفر، فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا. فكنت أنا وعبد الله بن مسعود ورجل من هذيل ورجلان قد نسيت اسمهما، فوقع في نفس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شاء الله، وحدث به نفسه، فأنزل الله تعالى: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " الآية، " وكذلك فتنا بعضهم ببعضٍ ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ".
وعن علي قال: أول من قرأ آية من كتاب الله عن ظهر قلبه عبد الله بن مسعود.
وعن ابن جريج " ولو أنا كتبنا عليهم أن أقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم " في عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر.(14/47)
وعن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين الزبير وبين عبد الله بن مسعود وعن ابن مسعود قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين فولى عنه الناس، وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أقدامنا نحواً من ثمانين قدماً، ولم نولهم الدبر، وهم الذين انزل الله عليهم السكينة. قال: ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته، فمضى قدماً فحادت بغلته، فمال عن السرج، فقلت: ارتفع رفعك الله، فقال: ناولني كفاً من التراب. قال: فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم تراباً، قال: أين المهاجرون والأنصار؟ قلت: هم هنا، قال: اهتف بهم، فهتفت بهم، فجاؤوا وسيوفهم بأيمانهم كانها الشهب، وولى المشركون أدبارهم.
وعن ابن مسعود قال: أنا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر ويم أحد وبيعة الرضوان. في حديث طويل.
وعن ابن عباس قال: ما بقي مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد إلا أربعة أحدهم عبد الله بن مسعود.
وعن عبد الله في قول الله عز وجل: " الذين استجابوا لله وللرسول " قال: كنا ثمانية عشر رجلاً.
وعن زيد بن وهب قال: كنا جلوساً عند حذيفة وأبي موسى في المسجد فقال أحدهما: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول كذا وكذا. قال: فسمعته أنت؟ قال: لا، قال: فإن صاحب هذه الدار زعم أنه سمعه - يعني عبد الله بن مسعود - قال: فو الله لئن قال ذاك، لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا.(14/48)
وعن أبي الأحوص قال: كنت في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحف، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك بعده أحداً أعلم من هذا القائم. قال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك لقد كان يشهد إذا غبنا ويؤذن له إذا حجبنا.
وعن أبي موسى قال: قدمت أنا وأخي من اليمين فمكثنا حيناً وما نحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكثرة دخولهم وخروجهم عليه.
قال أبو عمرو الشيباني: أتيت أبا موسى فذكرت له قول ابن مسعود فقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم. فوالله لقد رأيته وما أراه إلا عبداً لآل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن عبد الله بن مسعود قال: كانت أمي تكون مع نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل، وكنت ألزمه بالنهار.
وعن عبد الله قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذنك علي أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي حتى أنهاك. قال سفيان: سوادي: سري.
قالوا: السواد: السرار.
وقالوا: المحادثة. وذكروا أن امرأة حملت من غلام لها، فقيل لها: ما حملك على هذا؟! قالت: قرب الوساد وطول السواد. وقد قال: أساود ربها أي: أخادعه عنها.
وعن عبيد الله بت عبد الله بن عتبة قال: كان عبد الله بن مسعود صاحب سواد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني سره - ووساده - يعني: فراشه وسواكه وسوتكه ونعليه وطهوره. وهذا يكون في السفر.
وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان عبد الله يلبس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا، حتى إذا أتى(14/49)
مجلسه نزع نعليه، فأد خلهما في ذارعيه وأعطاه العصا. فإذا أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقوم ألبسه نعليه ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن عبد الله بن مسعود قال:
ما كذبت منذ أسلمت إلا كذبة واحدة. قيل: وما هي يا أبا عبد الرحمن؟ قال: كنت أرحل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر برجل من الطائف ليرحل له فقال الرجل: من كان يرحل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقيل: ابن أم عبد. قال: فأتاني فقال: أي الراحلة كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: الطائفية المنكبة. قال: فرحل بها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فركب بها وكانت من أبغض الراحلة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من رحل هذه؟ فقالوا: الرجل الطائفي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مروان ابن أم عبد فليرحل لنا، فردت الراحلة إلي.
وعن عبد الله بن مسعود قال: دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حائطاً فأتبعته بإداوة من ماء فقال: من أمرك بهذا؟ قلت: لا أحد. قال: أحسنت. قال: وقال: أبشر بالجنة، والثاني والثالث والرابع، فجاء أبو بكر وجاء عمر فبشرته وجاء علي فبشرته.
وعن أبي ظالم قال: جاء رجل إلى سعيد بن زيد فقال: إني أحببت علياً حباً لم أحبه أحداً. قال: أحببت رجلاً من أهل الجنة. ثم إنه حدثنا قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حراء فذكر عشرة في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود.
وعن ابن عباس في هذه الآية " ونزعنا ما في صدورهم من غل " قال: نزلت في عشرة: في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وسعيد بن زيد وعبد الله بن مسعود.
وعن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا(14/50)
ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات " الآية. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت منهم.
وعن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بين أبي بكر وعمر، وعبد الله يصلي، فافتتح سورة النساء، ويسجلها فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد. ثم سأل في الدعاء، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سل تعطه، سل تعطه، سل تعطه، فقال فيما قال: اللهم، إني أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفد، ومرافقة نبيك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أعلى جنة الخلد، فأتى عمر عبد الله ليبشره فوجد أبا بكر خارجاً قد سبقه فقال: إن فعلت إنك لسباق بالخير.
وعن عبد الله قال: مر بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وأنا أمجد الله وأعظمه وأصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: سل تعطه، ولم أسمعه، فأدلج إلي أبو بكر يبشرني بما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم أتاني عمر فأخبرني بما قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: قد سبقك إليها أبو بكر، فقال عمر: يرحم الله أبا بكر، ما استبقنا بخير قط إلا سبقني إليه، إنه كان سباقاً بالخيرات. قال: فقال عبد الله: قد صليت منذ كذا وكذا، ما صليت فريضة ولا تطوعاً إلا دعوت الله في دبر كل صلاة: اللهم، إني أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفد، ومرافقة نبيك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أعلى جنة الخلد، فأنا أرجو أن اكون قد دعوت بهن البارحة.
وفي حديث آخر بمعناه عن قيس بن مروان أنه أتى عمر فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، فتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه. فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرجل، فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود، فما زال يطفأ ويسير عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك، والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه. الحديث.(14/51)
وعن عمار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب أن يسمع القرآن جديداً غضاً كما أنزل فليسمعه من ابن مسعود. قال: فلما كان الليل ذهب عمر إلى بيت ابن مسعود يستمع قرآنه، فوجد أبا بكر قد سبقه، فاستمعا، فإذا هو يقرأ قراءة هينة مفسرة حرفاً حرفاً. قال: كانت تلك قراءة ابن مسعود.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو كنت مستخلفاً أحداً من غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد.
وفي رواية عنه: لو كنت مؤمراً أحداً دون مشورة المؤمنين لأمرت ابن أم عبد.
وعن أم موسى قالت:
ذكرت عبد الله بن مسعود عند علي فذكر من فضله ثم قال: لقد ارتقى مرة شجرة أراك يجتني لأصحابه، فضحك أصحابه من دقة ساقه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يضحككم! فلهي أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد.
وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: والذي نفسي بيده، إن عبد الله بن مسعود أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد.
وعن أبي الوليد سعيد بن مينا قال: لما فرغ أهل مؤتة ورجعوا أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمسير إلى مكة. فلما انتهى الى مر نزل بالعقيقة، وأرسل الجناة يجتنون اللباب، فقلت لسعيد: وما هو؟ قال: ثمر الأراك، فانطلق ابن مسعود فيمن يجتني، فجعل الرجل إذا أصاب حبة طيبة يدقها في فيه، وكانوا ينظرون إلى دقة ساقي ابن مسعود وهو يرقى في الشجرة، فيضحكون، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعجبون من دقة ساقية؛ فو الذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد. وكان ابن مسعود ما اجتنى من شيء جاء به وخياره فيه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هذا جناي وخياره فيه، إذ كل جانٍ يده إلى فيه.(14/52)
وعن عبد الله بن مسعود قال: لما قتلت أبا جهل قال نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قوة ابن مسعود لقوة أبي جهل، وحمشة ساق عبد الله ودقته، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرف إليهم بصره ولحن كلامهم ثم قال: والذي نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده لساقا عبد الله يوم القيامة أشد وأعظم من أحد وحراء.
وعن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد.
وفي حديث آخر بمعناه: وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه.
وعن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إني رضيت لأمتي ما رضي لهم ابن أم عبد.
وعن عمرو بن حريث قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن مسعود: اقرأ. قال: أقرأ وعليك أنزل! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فافتتح سورة النساء حتى إذا بلغ " فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً " فاستعبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكف عبد الله، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تكلم، فحمد الله في أول كلامه، وأثنى على الله وصلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد شهادة الحق وقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد.
وعن أبي الدرداء قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخطب خطبة خفيفة. فلما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خطبته قال: يا أبا بكر قم، فاخطب، فقام أبو بكر فخطب فقصر دون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما فرغ أبو بكر من خطبته قال: يا عمر قم فاخطب، فقام عمر فخطب فقصر دون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/53)
ودون أبي بكر. فلما فرغ من خطبته قال: يا فلان، قم فاخطب. قال: قلت: يا أبا عبد الله، من ذاك؟ قال: إما أن يكون ذكر لي فنسيته، وإما لم يذكر فاستوفى القول. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجلس أو اسكت، قال: التشقيق من الشيطان والبيان من السحر. ثم قال: يا بن أم عبد، قم فاخطب، فقام ابن أم عبد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن الله ربنا، والقرآن إمامنا، وإن البيت قبلتنا، وإن هذا نبينا - ثم أومأ بيده إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصاب ابن أم عبد وصدق. مرتين. رضيت بما رضي الله به لأمتي وابن أم عبد، وكرهت ما كره الله لأمتي وابن أم عبد.
رواه سعيد بن جبير عن أبي الدرداء. قال الحافظ: سعيد بن جبير لم يدرك أبا الدرداء.
وعن أبي نوفل العرنجي قال: لما حضر عمرو بن العاص جزع جزعاً شديداً جعل يبكي، فقال له ابنه: لم تجزع! فقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعملك ويدنيك، قال: قد كان يفعل، ولا أدري أحب ذلك منه أو تآلف يتألفني به، ولكن أشهد على رجلين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبهما: ابن سمية - يعني عماراً - وابن مسعود.
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال:
أتينا حذيفة فقلنا له: حدثنا بأقرب الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدياً وسمتاً ودلا نأخذ عنه، ونسمع منه. قال لك كان أقرب الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدياً وسمتاً ودلا عبد الله بن مسعود، حتى يتوارى عنا في بيته. ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه من أقربهم إلى الله زلفى.
وفي حديث مختصر: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ابن أم عبد أقربهم إلى الله وسيلة يوم القيامة.(14/54)
وعن شقيق قال: سمعت حذيفة يقول: إن أشبه الناس هدياً وسمتاً ودلا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن مسعود، من من حين أن يدخل إلى أن يرجع، ما أدري ما يصنع في بيته.
وعن علقمة قال: كان عبد الله يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هدية ودله وسمته. وكان علقمة يشبه بعبد الله.
وعن إبراهيم بن ميسرة قال: بلغني أن ابن مسعود مر بلهو معرضاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أصبح، أو امسى ابن مسعود لكريماً. ثم تلا إبراهيم " وإذا مروا باللغو مروا كراماً ".
وعن جابر بن عبد الله قال: لما استوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر يوم الجمعة قال: اجلسوا. فسمع ذلك ابن مسعود، فجلس عند باب المسجد فرآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: تعال يا عبد الله بن مسعود.
كتب عمر إلى أهل الكوفة: إنني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً، وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً، وهما من النجباء من اصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل بدر، فاقتدوا بهما واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي.
وعن مسروق قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، لقد قرأت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعاً وسبعين سورة، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغني الإبل إليه لأتيته.
وعن مسروق قال: كنا نأتي عبد الله بن عمرو فنتحدث عنده، فذكرنا يوماً عبد الله بن مسعود، فقال: لقد ذكرتم رجلاً لا أزال أحبه منذ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: خذوا القرآن من(14/55)
أربعة: من ابن أم عبد - فبدأ به - ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة.
وعن مسروق قال: قال عبد الله حين صنع بالمصاحف ما صنع: والذي لا إله غيره، ما أنزلت من سورة إلا أعلم حيث أنزلت، وما من آية إلا أعلم فيم أنزلت، ولو أني أعلم أجداً أعلم بكتاب الله تعالى مني تبلغنيه الإبل لأتيته.
وعن مسروق قال: كان عبد الله وحذيفة وأبو موسى في منزل أبي موسى فقال حذيفة: اما أنت يا عبد الله بن قيس فبعثت إلى أهل البصرة أميراً ومعلماً، فأخذوا من أدبك ومن لغتك ومن قراءتك وأما أنت يا عبد الله بن مسعود فبعثت إلى أهل الكوفة معلماً، فأخذوا من أدبك ومن لغتك ومن قراءتك، فقال عبد الله: أما إني إذاً لم أضلهم، وما في كتاب الله آية إلا أعلم حيث نزلت، وفيم نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لرحلت إليه.
وعن أبي وائل قال: خطبنا عبد الله فقال: والله، إني لأعلم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب الله عز وجل، وما أنا بخير منهم، ولو علمت مكان رجل أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لرحلت إليه. قال أبو وائل: فجلست في الحلق بعد ذلك فما رأيت أحداً ينكر ما قال.
وعن عبد الله بن مسعود قال: عجبت - وفي رواية: عجب الناس - فتركتم قراءتي، وأخذتم قراءة زيد، وقد أخذت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة، وزيد بن ثابت غلام صاحب ذؤابة، يجيء ويذهب في المدنية.
وعن ابن مسعود قال: أقرأني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة أحكمتها، قبل أن يسلم زيد بن ثابت.
وعن خمير بن مالك قال: أمر بالمصاحف أن تغير. قال: قال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغل مصحفه(14/56)
فليغله فإنه من غل شيئاً جاء به يوم القيامة. قال: ثم قال: قرأت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة أفأترك ما أخذت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وعن أبي وائل قال:
خطب ابن مسعود على المنبر فقال: من يغلل يأت بما غل يوم القيامة، غلوا مصاحفكم، كيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعاً وسبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، ما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بأكبركم، ولو أعلم مكاناً تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق فما أحد ينكر ما قال.
وعن خمير بن مالك قال: سمعت ابن مسعود يقال: إني غال مصحفي، فمن استطاع أن يغل مصحفاً فليغلل، فإن الله يقول: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ". الحديث.
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
أن عبد الله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف، فقال: يا معشر المسلمين، أعزل عن نسخ كتاب المصاحف، ويولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب أبيه كافر - يريد زيد بن ثابت - ولذلك قال عبد الله: يا أهل الكوفة - أو يا أهل العراق - اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها فغن الله عز وجل يقول: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " فالقوا الله بالمصاحف. قال الزهري: فبلغني أن ذلك كره من مقالة ابن مسعود كرهه رجال من أفاضل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن أبي داود: عبد الله بن مسعود بدري وزيد ليس هو بدرياً وإنما ولوه لأنه كاتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(14/57)
وعن علقمة قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فقال: كنا نعد عبد الله حناناً فما باله يواثب الأمراء؟! وعن ابن عباس قال: أي القراءتين تعدون أول؟ قال: قلنا: قراءة عبد الله. قال: لا، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعرض عليه القرآن في كل رمضان مرة إلا العام الذي قبض فيه، فإنه عرض عليه مرتين بحضرة عبد الله، فشهد ما نسخ منه وما بدل. قال: وإنما شق ذلك على ابن مسعود لأنه عدل عنه مع فضله وسنه وفوض ذلك إلى من هو بمنزلة ابنه، وإنما ولى عثمان زيد بن ثابت لحضوره وغيبة عبد الله، ولأنه كان يكتب الوحي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب المصحف في عهد أبي بكر الصديق. وقد روي عن ابن مسعود أنه رضي بذلك وتابع ووافق رأي عثمان في ذلك. وراجع فيما روي عن عبد الله بن مسعود أنه أتاه ناس من أهل الكوفة فقرأ عليهم السلام، وأمرهم بتقوى الله عز وجل وألا يختلفوا في القرآن ولا يتنازعوا فيه، فإنه لا يختلف ولا ينسى ولا ينفذ لكثرة الرد، أفلا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة حدودها وفرائضها وأمر الله فيها، ولو كان شيء من الحرفين يأتي بشيء ينهى عنه الآخر كان ذلك الاختلاف، ولكنه جامع لذلك كله، وإني لأرجو أن يكون قد اصبح فيكم اليوم من الفقه والعلم من خير ما في الناس، ولو أعلم أحداً تبلغنيه الإبل هو أعلم بما أنزل على لقصدته حتى أزداد علماً إلى علمي، فقد علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعرض عليه القرآن كل عام مرة فعرض عام توفي فيه مرتين، فكنت إذا قرأت عليه أخبرني أني محسن، فمن قرأ على قراءتي فلا يدعها رغبة عنها، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يدعه رغبة عنه، وإن من جحد بحرف منه حجد به كله.
ولما أراد عبد الله أن يأتي المدينة جمع أصحابه فقال: والله، إنني لأرجو أن يكون قد أصبح اليوم فيكم من أفضل ما أصبح في أجناد المسلمين من الدين والفقه والعلم بالقرآن. إن هذا القرآن أنزل على حروف، والله إن كان الرجلان ليختصمان أشد ما اختصما في شيء قط، فإذا قال القارئ: هذا أقرأني قال: أحسنت، وإذا قال الآخر قال: كلاكما محسن فأقرأنا: إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، واعتبروا ذاك بقول أحدكم لصاحبه: كذب وفجر، وبقوله له(14/58)
إذا صدق: صدقت وبررت، إن هذا القرآن لا يختلف ولا يستشن ولا يتفه لكثرة الرد، فمن قرأه على حرف فلا يدعه رغبة عنه، ومن قرأه على شيء من تلك الحروف التي علم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يدعه رغبة عنه، فإنه من يجحد بآية منه يجحد به كله، فإنما هو كقول أحدكم لصاحبه: أعجل وحيهلا. والله لو أعلم رجلاً أعلم بما أنزل الله على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني لطلبته حتى أزداد علمه إلى علمي. إنه سيكون قوم يميتون الصلاة، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا أصلابكم معهم تطوعاً، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعارض بالقرآن في كل رمضان، وإني عرضت عليه في العام الذي قبض مرتين فأنبأني أني محسن، وقد قرأت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة.
وعن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم ناتك زائرين ولكن جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سبعة أبواب على سبعة أحرف - او حروف - وإن الكتاب قبلكم كان ينزل - أو نزل - من باب واحد على حرف واحد معناهما واحد.
وعن عبد الله قال: كنا إذا تعلمنا من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر آيات من القرآن لم نتعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه. فقيل لشريك: من العمل؟ قال: نعم.
وعن أبي البختري قال: قيل لعلي بن أبي طالب: حدثنا عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: عن أيهم؟ قالوا: عن عبد الله بن مسعود، فقال: قرأ القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفي بذاك.
وفي حديث بمعناه فقال: قرأ القرآن ثم قام عنده وكفي به.(14/59)
وعن النزال بن سبرة الهلالي قال: قالوا - يعني لعلي -: تحدثنا عن ابن مسعود؟ قال: ذاك امرؤ قرأ القرآن، تعلم حلاله وحرامه، وعمل بما فيه، ونزل عنده وختم. في حديث طويل.
وعن أبي بريدة " قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً " قال: عبد الله بن مسعود.
وعن زيد بن وهب قال: إني لجالس مع عمر إذ جاءه ابن مسعود يكاد الجلوس يوارونه من قصره، فضحك عمر حين رآه، فجعل يكلمه عمر ويضاحكه وهو قائم عليه ثم ولى فاتبعه عمر بصره حتى توارى فقال: كنيف ملئ علماً.
وعن رجل يكنى أبا خالد قال: وفدنا إلى عمر بن الخطاب، ففضل أهل الشام على أهل الكوفة في الجائزه فقلنا له: تفضل أهل الشام علينا؟! قال يا أهل الكوفة، أتجزعون أني فضلت عليكم أهل الشام لبعد شقتهم؟! فقد آثرتكم بابن أم عبد.
وعن أبي عبيدة قال: سافر عبد الله سفراً:؛ فذكروا أن العطش قتله هو وأصحابه، فذكر ذلك لعمر فقال: لهو أن يفجر الله له عيناً يسقيه منها وأصحابه أظن عندي من أن يقتله عطشاً.
وعن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلاً قد أسبل فقال: ارفع إزارك، فقال: وأنت يا بن مسعود فارفع إزارك، فقال له عبد الله: إني لست مثلك إن بساقي حموشة وأنا أؤم الناس، فبلغ ذلك عمر، فجعل يضرب الرجل، ويقول: ترد على ابن مسعود؟! كان عمر على دار لعبد الله بالمدينة ينظر إلى بنائها فقال رجل من قريش: يا أمير(14/60)
المؤمنين، إنك تكفأ هذا. فأخذ لبنة فرماه بها، وقال: أترغب بي عن عبد الله؟! وعن حبة قال: لما قدم علي الكوفة أتاه نفر من أصحاب عبد الله فسألهم عنه حتى رأوا أنه يمتحنهم.
قال: وأنا أقول فيه مثل ما قالوا وأفضل: قرأ القرآن، فأحل حلال، وحرم حرامه، فقيه في الدين، عالم بالسنة.
وعن علي أنه أتي في فريضة ابني عم، أحدهما أخ لأم، فقالوا: أعطاه ابن مسعود المال كله، فقال: يرحم الله ابن مسعود إن كان لفقيهاً، لكني أعطيه سهم الأخ من الأم من قبل أمه، ثم أقسم المال بينهما.
وعن أبي عمرو الشيباني قال:
أتى رجل ابن مسعود فقال: في حجري بنت عم لي، وإن امرأتي خافتني عليها، فأرضعتها، فقال: سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم، أبا موسى، فقال: حرمت عليك، قال: إنه لا يقول شيئاً، لا أحرم من الرضاع إلا ما أثبت اللحم والدم، فأتيت أبا موسى فذكرت ذلك له فقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم، فوالله لقد رأيته وما أراه إلا عند آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أبي عطية قال: جاء رجل إلى أبي موسى فقال: إن امرأتي ورم ثديها فمصصت، فدخل حلقي شيء فسبقني، فشدد عليه أبو موسى، فأتى ابن مسعود فقال: سألت أحداً غيري؟ قال: نعم، أبا موسى فشدد علي. قال: فأتى أبا موسى فقال: أرضع هذا؟ فقال أبو موسى: لا تسألوني ما دام هذا الحبر بين أظهركم.
سأل رجل أبا موسى عن امرأة تركت ابنتها وابنة ابنها وأختها، فقال: النصف للبنت وللأخت النصف، وقال: ائت ابن مسعود فإنه سيتابعني. قال: فأتوا ابن مسعود فأخبروه بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، لأقضين فيها بقضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للابنة النصف، ولا بن الابن السدس الكلمة الثلثين، وما بقي فللأخت،(14/61)
فأتوا أبا موسى فأخبروه بقول ابن مسعود فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء مادام هذا الحبر بين أظهركم.
وعن أبي موسى قال: لمجلس كنت أجالسه عبد الله بن مسعود أوثق في نفسي من عملي سنة.
وعن عمر بن ميمون قال: قدم معاذ بن جبل على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوقع حبه في قلبي، فلزمته حتى واريته في التراب، ثم لزمته بالشام، ثم لزمت أفقه الناس من بعده: عبد الله بن مسعود.
وعن مسروق قال: شاممت أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، وشاممت الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي، وعبد الله.
وفي حديث غيره: ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى عمر، وعلي، وعبد الله.
وعن مسروق قال: جالست أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا كالإخاذ، يروي الراكب، والإخاذ يروي الراكبين، والإخاذ يروي العشرة، والأخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، وإن عبد الله من تلك الأخاذ.
وعن تميم بن حذلم قال: جالست أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر وعمر فما رأيت أحداً أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أحب إلي أن أكون في مسلاخه منك يا عبد الله بن مسعود.(14/62)
وعن الأعمش قال: ذكر أبو وائل أبا بكر وعمر فذكر فضلهما وسابقتهما فقلت: فعبد الله فلا تنسه، قال: ذاك رجل لا أعد معه أحداً.
وعن الأعمش قال: سمعت أبا وائل يقول: ذاك رجل ما أعدل به أحداً، يعني عبد الله.
بعث عمر بن الخطاب إلى أبي مسعود وابن مسعود فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرونه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! ولم يكن هذا من عمر على وجه التهمة لابن مسعود، وإنما أراد التشديد في باب الرواية لئلا يتجاسر أحد إلا على رواية ما تتحقق صحته، وقد كان من حسن رأيه في ابن مسعود وثنائه عليه ما يدل على عدالته عنده، هذا مع ما روي عن ابن مسعود من تحرزه في الرواية وتخوفه من السهو فيها، وذلك بين فيما روي عن مسروق قال: كان عبد الله بن مسعود يأتي عليه الحول قبل أن يحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث.
وعن مسروق عن عبد الله قال: حدث يوماً فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذته الرعدة، ورعدت ثيابه ثم قال نحو هذا أو هكذا.
وحدث الشعبي عن عمه قال: جالست ابن مسعود سنة فلم أسمعه يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء، وحدث يوما بحديث فانتفض انتفاض السعفة.
وعن عمرو بن ميمون قال: كان عبد الله بن مسعود تأتي عليه السنة لا يحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث.
فحدث ذات يوم عنه بحديث، فتغير وجهه، وعلته كآبة، فجعل العرق يتحدر من جبينه ويقول: نحو هذا أو قريب من هذا.(14/63)
وعن عبد الله بن مسعود أنه حدث ذات يوم أصحابه بحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذته رعدة شديدة، فقالوا له: مالك يا أبا عبد الرحمن؟! قال: إني حدثت بحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتخوفت أن أزيد فيه شيئاً أو انقص منه شيئاً.
قال الأعمش: كان عبد الله إذا صلى كأنه ثوب ملقى.
وعن عبد الله
أنه كان إذا قام إلى الصلاة يغض بصره وصوته ويده.
وعن عبيد الله بن عبد الله قال: كان عبد الله إذا هدأت العيون قام فسمعت له دوياً كدوي النحل حتى يصبح.
وكان عبد الله حسن الصوت بالقرآن.
وعن يحيى بن أبي كثير قال: أراد ابن مسعود أن يقوم من الليل يصلي، فأخذت امرأته بثوبه فقالت: أين تقوم؟! علينا ليل، فقال: اللهم إنهما اثنان وأنا واحد، فأعني عليهما، يعني: امرأته والشيطان.
وعن أبي وائل قال: بعثني ابن مسعود إلى قرية له وأمرني أن أعمل فيها بما كان يعمل العبد الصالح - رجل كان في بني إسرائيل - أن أتصدق بثلث، وأخلف فيها ثلثاً، وآتيه بثلث.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني عملاً أحب إلي من أن يكون لي ملء الأرض ذهباً.
وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رجل عند عبد الله: ليتني من أصحاب اليمين. قال عبد الله: ليتني إذا مت لم أبعث.(14/64)
وعن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره ما أصبح عند آل عبد الله ما يرجون أن يعطيهم الله به خيراً أو يدفع عنهم به سوءاً إلا أن الله تعالى قد علم أن عبد الله لا يشرك به شيئاً.
وعن عبد الله قال: لو تعلمون ذنوبي ما تبعني منكم رجلان، ولوددت أني دعيت عبد الله بن روثة وأن الله غفر لي ذنباً من ذنوبي.
وعن الحارث بن سويد قال: أكثروا على عبد الله ذات يوم فقال: والذي لا إله غيره لو تعلمون علمي لحثيتم التراب على رأسي.
وقال عبد الله: وددت أن الله عز وجل غفر لي خطيئة من خطاياي، وأنه لم يعرف نسبي. وكان ابن مسعود يقول في دعائه: خائف مستجير، تائب مستغفر، راغب راهب.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلياً، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغاً ليس في عمل آخرة ولا دنيا.
قال أبو الأحوص: دخلنا على عبد الله بن مسعود وعنده بنون، لهم غلمان كأنهم الزنابير حسناً، فجعلنا نتعجب من حسنهم، فقال عبد الله: كأنكم تغبطوني. قلنا: والله إن مثل هؤلاء يغبط بهم الرجل المسلم، فرفع رأسه إلى سقف بيت له قصير قد عشش فيه الخطاف وباض فقال: والذي نفسي بيده لأن أكون قد نفضت يدي من تراب قبورهم أحب إلي من أن يخر عش هذا الخطاف فينكسر بيضه.(14/65)
وعن عبد الله بن مسعود قال: حبذا المكروهان: الموت والفقر، وايم الله ما هو إلا الغنى والفقر، وما أبا لي بأيهما ابتدئت لن حق الله في كل واحد منهما واجب، إن كان الغنى إن فيه للعطف، وإن كان الفقر إن فيه للصبر.
وعن عبد الله قال: إن الناس قد أحسنوا القول كلهم، فمن وافق قوله فعله فذلك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه.
وعن عبد الله بن مسعود قال: والله الذي لا إله إلا هو ما على ظهر الأرض شيء أحق بطول سجن من لسان.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لوددت أني من الدنيا فرد، كالراكب الغادي الرائح.
وعن عدسة الطائي قال: مر بنا ابن مسعود ونحن بزمالة: فأتينا بطائر، فقال: من أين صيد هذا الطائر؟ فقلنا: من مسيرة ثلاث؛ فقال: وددت أني حيث هذا الطائر لا يكلمني بشر ولا أكلمه حتى ألقى الله عز وجل.
وعن عبد الله قال: من أراد الآخرة أضر بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة، يا قوم، فأضروا بالفاني للباقي.
وعن عبد الله أنه قال: لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا أهل زمانهم، ولكنهم وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا من دنياهم، فهانوا عليهم، سمعت نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من جعل الهموم هماً واحداً، همه المعاد كفاه الله سائر همومه، ومن شعبته الهموم أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك.(14/66)
كان ابن مسعود يقول: قولوا خيراً، تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، ولا تكونوا عجلاً، مذاييع، بذراً.
قال ابن مسعود: اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله، ولا تحمد أحداً على رزق الله، ولا تلم أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، وإن الله بقسطه وعلمه وحكمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: علمني كلمات جوامع نوافع، فقال: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتزول مع القرآن أينما زال، ومن جاءك بصدق من صغير أو كبير وإن كان بعيداً بغيضاً فاقبله منه، ومن جاءك بكذب وإن كان حبيباً قريباً فاردده عليه.
كان عبد الله بن مسعود إذا قعد يقول: إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً يوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع ما زرع، ولا يسبق بطيء حظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، فمن أعطي خيراً فالله أعطاه، ومن وقي شراً فالله وقاه. العلماء سادة، والفقهاء قادة، مجالستهم زيادة.
قال عبد الله بن مسعود: ارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس، واجتنب المحارم تكن من أورع الناس، وأد ما افترض عليك تكن من أعبد الناس.(14/67)
قال وجاءه رجل يشتكي إليه جاراً له، فقال: إنك إن سببت الناس سبوك، وإن نافرتهم نافروك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن فررت منهم ادركوك، وإن جهنم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام، كل زمام بسبعين ألف ملك.
وعن عبد الله قال: لا أعرفن رجلاً يستلقي لحلاوة القفا، يجعل رجلاً فوق رجل - ولعله أن يكون شبع - يتغنى، ويدع أن يقرأ كتاب الله تعالى، وقد جعلوا يفعلون.
وعن أبي الأحوص أنه سمع عبد الله يقول: مستريح ومستراح منه، فأما المستريح فالمؤمن استراح من هم الدنيا، وأما المستراح منه فالفاجر.
وعن عبد الله بن مسعود قال: جاهدوا المنافقين بأيديكم، فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم، فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجودههم فاكفهروا في وجوههم.
وعن عبد الله قال: انظروا إلى حلم المرء عند غضبه، وإلى أمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب؟ وما علمك بأمانته إذا لم يطمع؟ ولا يعجبنكم صاحبكم حتى تنظروا على أي شقية يقع.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لا تعجلوا بحمد الناس، ولا بذمهم، فإنك لعلك ترى من أخيك اليوم شيئاً يسرك، ولعلك يسوؤك منه غداً؛ ولعلك ترى منه اليوم شيئاً يسوؤك ولعلك يسرك منه غداً.
والناس يغيرون، وإنما يغفر الذنوب الله، والله أرحم بالناس من أم واحد فرشت له بأرض فيء ثم لمست، فإن كانت لدغة كانت بها قبله، وإن كانت شوكة كانت بها قبله.(14/68)
قال ابن مسعود: مجالس الذكر محياة للعلم، وتحدث للقلب خشوعاً.
وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في خطبته: إن أصدق الحديث كلام الله، وأثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وأحسن القصص هذا القرآن، وأحسن السنن سنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأشرف الحديث ذكر الله، وخير الأمور عزائمها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء، وأشرف الموت مثل الشهداء، وأعمى الضلالة بعد الهدى، وخير الهدي ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من السفلى، وما قل كفى خير مما كثر وألهى، ونفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها، وشر المعذرة عند حضرة الموت، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبراً، ومن الناس من لا يذكر الله هجراً وأعظم الخطايا اللسان الكذوب وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والريب من الكفر، والنوح من عمل الجاهلية، والغلول من جمر جهنم، والكبر كير من النار، والشعر من مزامير إبليس، والخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل أكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه، وإنما يصير إلى موضع أربعة أذرع والأمر بآخره، وأملك العمل به خواتيمه، وشر الروايا روايا الكذب، وكل ما هو آتٍ قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل ماله من معاصي الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن تباك على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزايا يعقبه الله، ومن يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرفه ينكر، ومن يستكبر يضعه الله، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن ينو الدنيا تعجزه، ومن يطع الشيطان يعص الله، ومن يعص الله يعذبه.
وعن عبد الله بن مسعود قال:
ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله عز وجل، فمن كانت راحته في لقاء الله عز وجل فكأن قد.(14/69)
وعن سلمة بن تمام قال: لقي رجل ابن مسعود فقال: لا تعدم حالماً مذكراً: رأيتك البارحة ورأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على منبر مرتفع، وأنت دونه وهو يقول: يا بن مسعود، هلم إلي، فلقد جفيت بعدي، فقال: الله أنت رأيته؟ قال: نعم. قال: فعزمت أن تخرج من المدينة حتى تصلي علي، فما لبث إلا أياماً حتى مات، رحمة الله عليه، فشهد الرجل الصلاة عليه.
أوصى عبد الله بن مسعود فكتب: إن وصيتي إلى الله وإلى الزبير بن العوام وإلى ابنه عبد الله بن الزبير وإنهما في حل وبل، فيما وليا وقضيا في تركتي، وإنه لا تزوج امرأة من نسائي إلا بإذنهما.
قال أنس بن مالك: دخلنا على عبد الله بن مسعود نعوده في مرضه فقلنا: كيف أصبحت أبا عبد الرحمن؟ قال: أصبحنا بنعمة الله إخواناً، قلنا: كيف تجدك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أجد قلبي مطمئناً بالإيمان. قلنا له: ما تشتكي أبا عبد الرحمن؟ قال: أشتكي ذنوبي وخطاياي، قلنا: ما تشتهي شيئاً؟ قال: أشتهي مغفرة الله ورضوانه، قلنا: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب أمرضني.
وفي حديث آخر قال: الطبيب أنزل بي ما ترون، قال: ثم بكى عبد الله ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن العبد إذا مرض يقول الرب تبارك وتعالى: عبدي في وثاقي فإن كان نزل به المرض في فترة منه قال: اكتبوا له من الأمر ما كان في فترته، فأنا أبكي أنه نزل بي المرض في فترة، ولوددت أنه كان في اجتهاد مني.
وزاد في حديث آخر قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: لا حاجة لي به، قال: تركة نسائك، قال: لا حاجة لهن به.
وفي حديث غيره قال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً.(14/70)
قال أبو سيف: كان ابن مسعود قد ترك عطاءه حين مات عمر، وفعل ذلك رجال من أهل الكوفة أغنياء، واتخذ ضيعة براذان، فمات عن تسعين ألف مثقال سوى رقيق، وعروض وماشية بالسيلحين. فلما رأى الشر ودنو الفتنة استأذن عثمان فلم يأذن له. وقرب موته، فقدم على عثمان فلم يلبث أن مات فوليه عثمان، وبينهما أشهر.
قال الشعبي: لما حضر عبد الله بن مسعود الموت دعا ابنه فقال: يا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، إني موصيك بخمس خصال فاحفظهن عني: أظهر اليأس للناس، فإن ذلك غنى فاضل، ودع مطلب الحاجات إلى الناس، فإن ذلك فقر حاضر، ودع ما يعتذر منه من الأمور، ولا تعمل به، وإن استطعت ألا يأتي عليك يوم إلا وأنت خير منك بالأمس فافعل، وإذا صليت صلاة فصل صلاة مودع كأنك لا صلاة بعدها.
كان عبد الله بن مسعود أوصى إلى الزبير، وقد كان عثمان حرمه عطاءه سنين، فأتاه الزبير فقال: إن عياله أحوج إليه من بيت المال، فأعطاه عطاءه عشرين ألفاً أو خمسة وثمانين ألفاً.
وفي حديث آخر: فأخذ عطاءه بعد وفاته فدفعه إلى ورثته.
أوصى عبد الله بن مسعود: إذا أنا مت أن يصلي عليه الزبير بن العوام.
قيل: إن عبد الله بن مسعود مات سنة ثمان وعشرين. قبل: قبل عثمان، وقيل: هذا وهم. قال أبو نعيم: مات ابن مسعود سنة ثمان عشرة من متوفى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال ابن عباس: توفي عبد الله بن مسعود سنة اثنتين وثلاثين من مهاجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتوفي(14/71)
بالمدينة ودفن بالبقيع، وهو ابن بضع وستين سنة. وقيل: صلى عمار بن ياسر.
وقيل: صلى عليه عثمان، وهو أثبت. وقيل: توفي سنة ثلاث وثلاثين، وله ثلاث وستون. ولما جاء نعي عبد الله إلى أبي الدرداء قال: ما ترك بعده مثله.
عبد الله بن مسلم بن عبيد الله
ابن عبد الله بن شهاب بن الحارث أبو محمد القرشي الزهري المدني، أخو أبي بكر الزهري قدم الشام غازياً القسطنطينية مع مسلمة بن عبد الملك، أيام سليمان.
حدث عن أنس بن مالك أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله،. ما الكوثر؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو نهر، أعطانيه ربي في الجنة، أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إنها لناعمة، فقال: آكلها أنعم منها.
وعنه قال: سمعت أنس بن مالك يقول:
قيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما الكوثر الذي أعطاك ربك؟ قال: نهر جميل، ما بين صنعاء إلى أيلة من أرض الشام، آنيته أكثر من عدد نجوم السماء، يرده طائر لها أعناق كأعناق البخت، فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إنها لناعمة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آكلها أنعم منها.
وفي حديث آخر بمعناه: فقال أبو بكر: يا رسول الله، إنها لناعمة فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آكلها أنعم منها.
وعن عبد الله بن مسلم قال: رأيت ابن عمر وجد تمرة، فعض بعضها، ثم أرى سائلاً فأعطاه بعضها.
توفي محمد بن مسلم بن عبيد الله بت شهاب سنة أربع وعشرين ومئة، وتوفي أخوه عبد الله بن مسلم قبله.(14/72)
عبد الله بن مسلم بن رشيد
أبو محمد الهاشمي مولاهم من أهل دمشق.
حدث عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ.
وحدث عن إبراهيم بن هدية عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
ظن به أنه مات بعد الأربعين والمئتين.
عبد الله بن مسلم القرشي الدمشقي
فرق أبو بكر الخطيب بينه وبين ابن رشيد المذكور قبله.
ومسلم بفتح السين واللام المشددة.
حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى ابن عمر قال: لما طعن عمراً أمر بالشورى، دخلت عليه ابنته حفصة فقالت له: يا أبتاه، إن الناس قد تكلموا، فقال: أسندوني. فلما أسند قال: ما عسى يقولون في علي بن أبي طالب؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا علي، يدك في يدي، تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل. ما عسى يقولون في عثمان بن عفان؟! سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يوم يموت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء. قال: قلت: يا رسول الله، عثمان خاصة أو الناس عامة؟ قال: لعثمان خاصة ما عسى يقولون في طلحة بن عبيد الله؟! سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سقط رحله يقول: من يسوي رحلي، فهو معي في الجنة؟ فبرز طلحة(14/73)
فسواه له حتى ركب، فقال النبي يا طلحة، جبريل يقرئك السلام ويقول لك: أنا معك في أهوال القيامة، أنجيك منها.
ما عسى يقولون في الزبير بن العوام؟! رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد نام فجلس الزبير عند وجهه حتى استيقظ، فقال له: أبا عبد الله لم تزل؟ قال: لم أزل بأبي وأمي، قال: هذا جبريل يقرئك السلام ويقول لك: أنا معك يوم القيامة حتى أذهب عن وجهك شرر جهنم. ما عسى يقولون في سعد بن أبي وقاص؟! سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر وقد لوي قوسه أربع عشرة مرة يقول له: ارم فداك أبي وأمي. ما عسى يقولون في عبد الرحمن بن عوف؟! رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعاً ويتضوران فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يصلنا بشيء؟ فطلع عبد الرحمن بن عوف بصحفة فيها حيسة، ورغيفين بينهما إهالة، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كفاك الله أمر دنياك، فأما آخرتك فأنا لها ضامن.
عبد الله بن معافى بن أحمد
ابن محمد بن بشير بن أبي كريمة الصيداوي، أخو محمد بن المعافى حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له.
عبد الله بن معانق
أبو معانق الشعري الدمشقي ويقال: إنه من الأردن.
حدث عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى والناس نيام.(14/74)
وحدث عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي عامر الأشعري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إسباغ الوضوء نصف الإيمان، والحمد تملأ الميزان، والتسبيح نصف الميزان، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك وعليك، والناس غادون: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها.
وحدث عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
من سأل القتل في سبيله صادقاً من نفسه ثم مات أو قتل، فله أجر شهيد، ومن جرح جرحاً في سبيل الله، أو نكب نكبة فإنها تأتي يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها كالزعفران، وريحها ريح المسك، ومن خرج به خراج في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء.
عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان
أبو الخير، ويقال: أبو سليمان كان يلقب بمبقت. وكان مضعف العقل.
مر عبد الله بن معاوية يوماً بطحان قد شد بغله في الرحى للطحن، وجعل في عنقه جلاجل فقال له: لم جعلت في عنق بغلك هذا هذه الجلاجل؟ فقال الطحان: جعلتها في عنقه لأعلم أن قد قام فلم يدر الرحى، فقال له: أرأيت إن هو قام وحرك رأسه؟ كيف تعلم إنه لا يدير الرحى؟ فقال له الطحان: إن فعل هذا أصلح الله الأمير فليس له عقل مثل عقل الأمير.(14/75)
عبد الله بن معاوية بن عبد الله
ابن جعفر بن أبي طالب أبو معاوية الهاشمي الجعفري وفد على بعض خلفاء بني أمية، وكان صديقاً للوليد بن يزيد قبل أن تفضي إليه الخلافة.
حدث عن أبيه معاوية بن عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: علي أصلي، وجعفر فرعي، أو جعفر أصلي، وعلي فرعي.
وحدث عن أبيه عن جده قال: خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: الناس من شجرة، يعني أنا وجعفر من شجرة.
حدث عبد الله بن معاوية الهاشمي أن عبد المطلب جمع بنيه عند وفاته، وهم يومئذ عشرة، فأمرهم، ونهاهم، وقال: وإياكم والبغي، فوالله ما خلق الله عز وجل شيئاً أعجل عقوبة من البغي، ولا رأيت أحداً بقي على البغي إلا إخوتكم من بني عبد شمس.
كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر صديقاً للوليد يأتيه ويؤانسه، فجلسا يوماً يلعبان بالشطرنج، وأتاه الإذن، فقال: أصلح الله الأمير، رجل من أخوالك من أشراف ثقيف قدم غازياً، وأحب السلام عليك، فقال: دعه، فقال عبد الله: وما عليك؟ ائذن له، فقال: نحن على لعبنا وقد أنجحت عليك، قال: فادع بمنديل فضع عليها، ويسلم الرجل، ونعود، ففعل، ثم قال: ائذن له فدخل يشمر، له هيئة، بين عينيه أثر السجود، وهو معتم، قد رجل لحيته، فسلم ثم قال: أصلح الله الأمير، قدمت غازياً فكرهت أن أجوزك حتى أقضي حقك، قال: حياك الله وبارك عليك، ثم سكت عنه. فلما أنس أقبل عليه الوليد فقال: يا خال، هل جمعت(14/76)
القرآن، قال: لا، كانت تشغلنا عنه شواغل، قال: هل حفظت من سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومغازيه وأحاديثه شيئاً؟ قال: كانت تشغلنا من ذلك أموالنا، قال: فأحاديث العرب وايامها وأشعارها؟ قال: لا، قال: فأحاديث أهل الحجاز ومضاحكها؟ قال: لا، قال: فأحاديث العجم وآدابها؟ قال: إن ذلك شيء ما كنت أطلبه، فرفع الوليد المنديل وقال: شاهك. قال عبد الله بن معاوية: سبحان الله، قال: لا والله ما معنا في البيت أحد. فلما رأى ذلك الرجل خرج، وأقبلوا على لعبهم.
قال المصنف: ما اعجب كلام الوليد هذا وألطفه، ويشبهه ما روي أن رجلاً خاطب معاوية فأكثر اللغو في كلامه، فضجر معاوية وأعرض عنه، فقال: أسكت يا أمير المؤمنين؟! فقال: وهل تكلمت؟! ولعمري إن ذا الجهل والغباوة إلى منزلةٍ من النقص وسقوط القدر وغن اتفق لهم بالجد إعظام كثير من الناس لهم. وقد ذكر أن بزرجمهر سئل: ما نعمة لا يحسد صاحبها عليها؟ قال: التواضع، قال: فما بلية لا يرحم صاحبها؟ قال: الكبر. قيل: فما الذي إذا انفرد لم يساو شيئاً؟ قال: الحسب بلا أدب.
وكان عبد الله بن معاوية جواداً، شاعراً، وخرج عبد الله بن معاوية بالكوفة في خلافة مروان بن محمد، فبعث إليه مروان جنداً، فلحق بأصبهان، فغلب عليها وعلى تلك الناحية، واجتمع إليه قوم كثير في سنة إحدى وثلاثين ومئة، ثم قتل بمدينة جي. وقيل: بل هرب ولحق بخرسان وأبو مسلم يدعو بها، فبلغه مكانه، فأخذه فحبسه في السجن حتى مات في سنة إحدى وثلاثين ومئة.
وكان عبد الله بن معاوية ظهر وبويع له بالخلافة بأصبهان سنة سبع وعشرين ومئة في خلافة مروان بن محمد، وملك فارس وكرمان، وكثر تبعه، وجبى الأموال، وملك تلك البلاد، وقوي أمره، وكانت بينه وبين عمال مروان وقائع وحروب كثيرة، ولم يزل هناك إلى أن جاءت الدولة العباسية ثم حاربه مالك بن الهيثم صاحب أبي مسلم، فظفربه، وحمله إلى أبي مسلم، فحبسه وقتله. وقيل: بل مات في سجنه.(14/77)
كتب بند إلى عمران بن هند أن عبد الله بن معاوية بعث إليك مع فلان بعشرين ألف درهم صلة وبخمسين ثوباً وجارية وخدماً من الغلمان، فقطع بذلك المال في جبال الأكراد، وذكر له أنه قد اجتمع الخلق من الناس إليه، فكتب عمران بن هند إلى بند: الطويل
أتاني كتاب منك يا بند سرني ... يخبرني فيه بإحدى الرغائب
تخبرني أن العجوز تزوجت ... على كبرٍ منها كريم الضرائب
فهناكم الله المليك نكاحها ... وراش بكم كل ابن عم وصاحب
يكني عن الخلافة بالعجوز.
ومن شعر عبد الله بن معاوية من ولد ذي الجناحين: الخفيف
أيها المرء لا تقولن قولاً ... ليس تدري ما يعيبك منه
الزم الصمت إن في الصمت حكماً ... وإذا أنت قلت قولاً فزنه
وإذا القوم ألغطوا في حديث ... ليس يعنيك شأنه فاله عنه
ومن شعره: الطويل
رأيت فضيلاً كان شيئاً ملفقاً ... فكشفه التمحيص حتى بداليا
أأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا
فلا زاد ما بيني وبينك بعدما ... بلوتك في الحاجات إلا تماديا
فلست براء عيب ذي الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضياً
فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا
ونسب ابن طلاب هذه الأبيات لجعفر بن محمد الصادق، وهو وهم. والفضيل في الشعر هو الفضيل بن السائب بن الأقرع الثقفي، قاله فيه حين لم ينهض بحاجته.(14/78)
قالوا. وظهر أبو مسلم في رمضان سنة تسع وعشرين ومئة فحبس عبد الله بن معاوية وأخويه ثم قتله، ثم خلى عن أخويه في سنة ثلاثين ومئة.
عبد الله بن معاوية بن يحيى
الهاشمي ويعرف بابن شمعلة كان ثقة.
حدث عن أيوب بن مدرك الحنفي عن مكحول عن واثلة. قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تمنعوا عباد الله فضل ماءٍ ولا كلأٍ ولا نار، فإن الله جعلها متاعاً للمقوين وقواماً للمستغيثين.
عبد الله بن مغيث بن أبي بردة
ابن أسير بن عروة بن سواد بن الهيثم الأنصاري الظفري المديني استقدمه يزيد بن عبد الملك فكان عنده مع الزهري.
حدث عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيخرج من الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسةً لا يدرسها أحد بعده.
وحدث عبد الله بن مغيث قال: أرسلت أم عامرٍ الأشهلية بقعبة فيها حيس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في قبته، وهو(14/79)
عند أم سلمة فأكلت أم سلمة حاجتها، ثم خرج بالبقية فنادى منادي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عشائه فأكل أهل الخندق حتى نهلوا وهي كما هي.
مغيث بغين معجمة وياء بنقطتين تحتها وثاء بثلاث نقط
عبد الله بن مفرج
أبو محمد الأندلسي قدم دمشق.
حدث عن أبي عبد الله محمد بن الفرج بن عبد الولي الأنصاري بسنده إلى عطاء بن يسار عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته.
ولد في سنة سبع عشر وأربع مئة.
عبد الله بن منصور بن عبد الله
أبو نصر إمام مسجد المربعة.
حدث عن أبي بكر أحمد بن عبد الله بسنده إلى عم حزام بن حكيم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أنكم قد أصبحتم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه؛ كثير من يعطي، قليل من يسأل، العمل فيه خير من العلم، وسيأتي عليكم زمان كثير خطباؤه، قليل فقهاؤه، كثير من يسأل، قليل من يعطي، العلم فيه خير من العمل.(14/80)
عبد الله بن منصور بن عمران
أبو بكر الربعي الواسطي المقرئ قدم دمشق.
أنشد لأبي الحسن محمد بن علي بن أبي الصقر الواسطي لنفسه ارتجالاً وقد دخل عزاء لصبي وهو في عشر المئة، وبه ارتعاش، فتغامز عليه الحاضرون فقال: المتقارب
إذا دخل الشيخ بين الشباب ... وقد مات طفل صغير
رأيت اعتراضاً على الله إذ ... توفى الصغير وعاش الكبير
فقل لابن شهرٍ وقل لابن ألفٍ ... وما بين ذاك: هذا المصير
عبد الله بن أبي موسى التستري
نويل بيروت، ونزيل الشام.
حدث عن ابن عجلان بسنده عن عائشة رضوان الله عليها قالت: لو أدرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذه النساء ما أدركنا لنهاهن عن الخروج إلى المساجد كما نهي نساء بني إسرائيل. قالت عمرة: فقلت لعائشة: ونهي نساء بني إسرائيل؟ قالت: نعم.
قال عبد الله بن أبي موسى: قيل لي: حيثما كنت فكن من قرب فقيه. قال: فأتيت بيروت إلى الأوزاعي. قال: فبينا أنا عنده إذ سألني عن امرئ، فأخبرته. - قال: وكان أسلم - فقال لي: ألك أب؟ قلت: نعم، تركته بالعراق مجوسياً. قال: فهل لك أن ترجع إليه لعل الله أن يهديه على يديك؟ قال: ترى لي ذاك؟ قال: نعم، فأتيت أبي فوجدته مريضاً فقال لي: يا بني أي شيء أنت عليه؟ وساءله عن أمره، قال: فأخبرته أني أسلمت. قال:(14/81)
فقال لي: اعرض علي دينك. قال: فأخبرته بالإسلام وأهله، قال: فإني أشهدك أني قد أسلمت. قال: فمات في مرضه ذاك، فدفنته، ورجعت إلى الأوزاعي فأخبرته.
عبد الله بن موهب
الهمداني، ويقال الخولاني الفلسطيني القاضي وفد على عمر بن عبد العزيز.
حدث عن قبيصة بن ذؤيب قال: أغار رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سرية من المشركين، فانهزمت فغشي رجل من المسلمين رجلاً من المشركين وهو منهزم، فلما أراد أن يعلوه بالسيف قال الرجل: لا إله إلا الله، فلم ينثن عنه حتى قتله، ثم وجد في نفسه من قتله، فذكر حديثه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فهلا نفثت عن قلبه، فإنما يعبر عن القلب اللسان. فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى توفي ذلك الرجل القاتل، فدفن، فأصبح على وجه الأرض، فجاء أهله فحدثوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك فقال: ادفنوه، فدفنوه، فأصبح على وجه الأرض، فجاء أهله فحدثوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الأرض قد أبت أن تقبله، فاطرحوه في غارٍ من الغيران.
وعن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما السنة في الرجل الكافر يسلم على يدي المسلم؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو أولى الناس بمحياه ومماته، قال عبد العزيز بن عمر: وشهدت عمر بن عبد العزيز قضى بذلك في رجل أسلم على يدي رجل، فمات وترك مالاً وابنةً له، فأعطى عمر ابنته النصف والذي أسلم على يديه النصف.
زاد في حديث: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله بهذا الحديث وأمرهم أن يأخذوا به.(14/82)
وعن عمرو بن مهاجر قال: حضرت عمر بن عبد العزيز واختصم إليه رجلان، اشترى أحدهما من الآخر جارية صغيرة، واشترط البائع على المبتاع عتقها، فسأل عنها عمر ابن موهب فقال: يبطل البيع، وسأل عنها ابن حلبس فقال: جاز البيع، وبطل الشرط، قال عمر: لم ذلك؟ قال: من أجل الظهار. قال: صدقت، فأجاز البيع، وأبطل الشرط.
قال المعلى بن رؤية التميمي: كانت لي حاجة إلى رجاء بن حيوة وكان عند سليمان بنيعان، فلقيته في الطريق، فقال: ولى الأمير عبد الله بن موهب القضاء، ولو خيرت بين أن أحمل إلى حفرتي وبين ما ولي ابن موهب لا خترت أن أحمل إلى حفرتي. قال: قلت له: إن الناس يزعمون أنك الذي أشرت به. قال: صدقوا، إني إنما نظرت للعامة ولم أنظر له.
وعن ابن موهب قال: ثلاث إذا لم تكن في قاضٍ فليس بقاضٍ: يسأل وإن كان عالماً، ولا يسمع من أحد شكية ليس معه خصمه، ولا يقضي إلا بعد أن يفهم.
عبد الله بن مهاجر الشيعيثي النصري
حدث عن عنبسة بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة أم المؤمنين أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من صلى قبل الظهر أربعاً حرمه الله على النار.(14/83)
عبد الله بن ملاذ الأشعري
من أهل دمشق.
حدث عن نمير بن أوس بسنده إلى آبي عامر الأشعري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نعم الحي الأسد، والأشعريون لا يفرون في القتال ولا يغلون، هم مني وأنا منهم. قال عامر بن أبي عامر: فحدثت به معاوية قال: ليس هكذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه قال: هم مني وإلي، فقلت: ليس هكذا حدثني أبي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: هم مني وأنا منهم. قال: فأنت إذاً أعلم بحديث أبيك.
عبد الله بن ميمون
وهو عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني مولى آل المنكدر التيميين، واسم أبي سلمة ميمون. وقدم دمشق مع عروة بن الزبير، وفدا على الوليد بن عبد الملك حين أصيب عروة بابنه ورجله.
حدث عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: غدونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمناً إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر.
قال مصعب بن عبد الله: توفي محمد بن عروة مع أبيه وعروة يومئذٍ عند الوليد بن عبد الملك، وفي ذلك السفر أصيبت رجل عروة، وكان محمد بن عروة من أحسن الناس، وكان عروة يحبه حباً شديداً. قال: فقام محمد بن عروة على سطح فيه خلاء، فقام من الليل فسقط من الخلاء في اصطبل الدواب، فتخبطته حتى مات، وكان الماجشون مع عروة بالشام، فكره أصحاب عروة وغلمانه أن يخبروه خبره، فذهبوا إلى الماجشون فأخبروه،(14/84)
فجاء من ليلته، فاستأذن على عروة، فوجده يصلي، فاذن له في مصلاه، فقال له: هذه الساعة؟! قال: نعم، يا أبا عبد الله طال علي الثواء، وذكرت الموت، وزهدت في كثير مما كنت أطلب، وخطر ببالي ذكر من مضى من القرون، فبكى، فجعل الماجشون يذكر فناء الناس، وما مضى ويزهد في الدنيا ويذكر بالآخرة حتى أوجس عروة فقال: قل فما تريد؟ فإنما قام محمد من عندي آنفاً، فمضى في قصته، ولم يذكر شيئاً، ففطن عروة، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون، واحتسب محمداً عند الله، فعزاه الماجشون عليه، وأخبره بموته.
وقيل: إن الوليد حمل عروة على بغلة كان الحجاج أهداها إلى الوليد، فخرج من عنده محمد ابنه فضربته البغلة، فمات، فأسقط في يد غلمانه، ولم يخبر أحد بخبره، ومضوا إلى الماجشون.. الحديث.
قال: فما رئي أصبر منه. ولما قطعوا رجله قالوا له: تسقى شيئاً؟ قال: فتمسك. قال: وبسطها على مرفقه حتى نشرت وحسمت، فما تكلم، ولا تأوه.
عبد الله بن ميمون بن عياش بن الحارث
ويقال: عبد الله بن محمد بن ميمون أبو الحواري التغلبي الغطفاني والد أحمد بن أبي الحواري الزاهد. كان من الزهاد أيضاً، وكان بدمشق. وقيل: كان كوفياً وانتقل ابنه إلى دمشق.
قال عبد الله: سمعت وهيب بن الورد يقول: إذا دخل العبد في لاهوتية الرب، ومهيمنة الصديقين، ورهبانية الأبرار لم يلق أحداً يأخذه بقلبه، ولا يلحقه عينه. قال أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري: حدثت به أبا سليمان فقال: أما اللاهوتية فالعظمة. قال: فما المهيمنية؟ قلت: لا أدري؟ قال: اليقين. قال: فما الرهبانية؟ قال: قلت: لا ادري. قال: هو الزهد.(14/85)
وحدث عن وهيب بن الورد قال خلق ابن آدم وخلق الخبز معه، فما زاد على الخبز فهو شهوة، قال: فحدثت به سليمان بن أبي سليمان فقال: صدق، والخبز مع الملح شهوة.
وحدث عبد الله بن أبي الحواري عن أبيه أنه رأى موضع أركان قبة دمشق وقد بلغت الماء.
قال أحمد بن أبي الحواري: لبست الصوف وأبي حي، فقال لي: يا بني، ما أراك تقوى على هذا، هذه طريقة الأنبياء - وكانت مرقعة - وكان عبد الله بن ميمون أبو الحواري والد أحمد من مذكوري المشايخ وابنه أحمد أخذ عنه الطريقة.
قال أحمد بن أبي الحواري: قال لي أبي: يا بني، لا تكثر البكاء فإنه يغشي القلب.
وقال: سمعت آبي يقول: من كانت نيته في العافية ملأ الله حضنه بالعافية.
عبد الله بن نافع بن ذؤيب
ويقال ذويد من أهل دمشق.
حدث عن أبيه قال: قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك فخرج برجله قرحة الأكلة، فبعث إليه الوليد بالأطباء فأجمع رأيهم على إن لم ينشروها قتلته، فقال: شأنكم بها، فقالوا: نسقيك شيئاً كيلا تحس بما نصنع، فقال: لا، شأنكم بها، قال: فنشروها بالمنشار، فما حرك عضواً عن عضو وصبر. فلما رأى القدم بأيديهم دعا بها فقلبها في يده فقال: أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بها إلى حرام، أو قال: معصية. قال الوليد: قال عبد الله بن نافع بن ذويب أو غيره من أهل دمشق عن أبيه أنه حضر عروة حين فعل به ذلك قال هذه المقالة، ثم أمر بها فغسلت وطيبت، ولفت في قبطية، ثم بعث بها إلى مقابر المسلمين.(14/86)
عبد الله بن نزار العبسي
أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجهه أبو بكر الصديق بكتابه إلى أبي عبيدة بن الجراح حين توجه إلى فتح دمشق.
عن ابن عباس قال:
ثم سار - يعني أبا عبيدة - حتى إذا دنا من باب الجابية أتاه آتٍ فقال له: إن هرقل بأنطاكية، وقد جمع لك من الجنود جمعاً لم يجمعه أحد من الأمم ممن كان قبله، فانصر نصرك الله، فاختبر أبو عبيدة عن ذلك فوجده حقاً، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله أبي بكر الصديق خليلفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنا نسأل الله أن يعز الإسلام وأهله عزاً منيعاً وأن يفتح لهم فتحاً يسيراً، فإنه بلغني أن ملك الروم نزل قرية من قرى الروم يقال لها أنطاكية، وأنه بعث إلى أهل مملكته يحشرهم إليه، وأنهم خرجوا إليه على الصعبة والذلول، فقد رأيت أن أعلمك ذاك فترى رأيك، ورأيك موفق رشيد والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. قال: فكتب إليه أبو بكر: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي عبيدة بن الجراح - ومنهم من قال: إنما كتب من أبي بكر، وكان عمر هو الذي أحدث من عبد الله عمر أمير المؤمنين، فكتب أبو بكر - سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فقد أتاني كتابك وفهمت ما ذكرت من أمر هرقل ملك الروم، فأما نزوله بأنطاكية فهزيمة له ولأصحابه، وفتح من الله عليك وعلى المسلمين إن شاء الله، وأما حشره لكم بمملكته وجمعه لكم الجموع فإن ذلك إنا نعلم وأنتم تعلمون أنه سيكون منهم ما كان قوم ليدعوا سلطانهم، ولا ليخرجوا من ملكهم بغير قتال، ولقد علمت - والحمد الله - أن قد غزاهم رجال كثير من المسلمين يحتسبون من الله في قتالهم الأجر العظيم، ويحبون الجهاد في سبيل الله أشد من حبهم أبكار نسائهم، وعقائل أموالهم،(14/87)
الرجل منهم عند الهيج خير من ألف رجل من الروم، فالقهم بجندك، ولا تستوحش لمن غاب عنك من المسلمين، فإن الله معك، وأنا مع ذلك ممدك بالرجال بعد الرجال حتى تكتفي ولا تحب أن تزداد، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعث بالكتاب مع عبد الله بن نزار العبسي.
عبد الله بن نصر بن هلال السلمي
والد أبي الفضل.
حدث عن محمد بن المبارك الصوري بسنده إلى واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، التقوى ها هنا، وأومأ بيده إلى القلب. قال: وحسب امرئ من الشر أن يخفر أخاه المسلم.
عبد الله بن نصر
أبو محمد التبريزي القاضي حدث عن الشيخ أبي نصر أحمد بن محمد بن شبيب الكاغدي البلخي الإمام المفسر، وإمام خراسان بسنده إلى عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لملك الموت حربة مسمومة، طرف لها بالمشرق، وطرف لها بالمغرب، يقطع بها عرق الحياة، والذي لا إله إلا هو، والذي نفس محمد بيده، والذي بعثني بالحق نبياً إن معالجته أشد من ألف ضربة بالسيف، وألف نشرة بالمناشير، وألف طبخة في القدور، وإن الصراط مسيرة ثلاثة آلاف عام، ألف طالع وألف نازل وألف استواء، أدق من الشعر وأحد من السيف، ثم قال: والذي بعثني بالحق نبياً من أكرم عالماً مات ولم يعلم وجاز الصراط ولم يعلم.
قال الحافظ: الحديث منكر.(14/88)
عبد الله بن نعيم بن همام القيني
ذكر أنه دمشقي، وذكر في كتاب تسمية كتاب أمراء دمشق، فقيل: كان كاتب الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب الأشعري، وقيل: كان من كتاب عمر بن عبد العزيز.
حدث عبد الله بن نعيم عن الضحاك بن عبد الرحمن بن غرزب الأشعري عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقد لأبي عامر الأشعري يوم حنين على خيل الطلب، فلما انهزمت هوازن طلبها حتى أدرك دريد بن الصمة، فأسرع به فرسه فقتل ابن دريد أبا عامر. قال: أبو موسى: فشددت على ابن دريد فقتله، وأخذت اللواء، وانصرفت بالناس. فلما رآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واللواء بيدي، قال: أبا موسى، قتل أبو عامر؛ قلت: نعم، قال: فرفع يديه يدعو له ويقول: اللهم، أبا عامر اجعله في الأكثرين يوم القيامة. هذا أو نحوه.
وحدث عن الضحاك أيضاً أنه أخبره أن عبد الرحمن بن غنم أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب يقول:
ليمت يهودياً أو نصرانياً - يقولها ثلاث مرات - رجل مات ولم يحج، وجد لذلك سعة، وخليت سبيله، لحجة أحجها وأنا صرورة أحب إلي من ست غزوات أو سبع - ابن نعيم يشك - ولغزوة أغزوها بعدما أحج أحب إلي من ست حجات أو سبع، ابن نعيم يشك فيهما.
وحدث أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول لابنه عبد الملك وبصق عن يمينه وهو في مسيره فنهاه عمر عن ذلك فقال: إنك تؤذي صاحبك، ابصق عن شمالك.
القيني: بالقاف والياء المعجمة باثنتين تحتها ونون.(14/89)
عبد الله بن واقد الجرمي
شهد قتل الوليد بن يزيد. قال: دخلوا على الوليد وقد ظاهر بين درعين وبيده السيف صلتاً، فأحجموا عنه فنادى مناديهم: اقتلوا اللوطي قتلة قوم لوط، فقتل.
عبد الله بن وقاص
قال: إني لعند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال المؤذن، حتى إذا قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. فلما قال حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك.
عبد الله الأصغر بن وهب
ابن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي الزمعي وفد على معاوية.
حدث عن ام سلمة قالت: دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة بعد الفتح فنا جاها فبكت، ثم حدثها فضحكت، فقالت أم سلمة: فلم أسألها عن شيء حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألتها عن بكائها وضحكها قالت: أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يموت فبكيت، ثم حدثني أني سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فضحكت.
وحدث عنها أيضاً قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من أحد يحيي أرضاً فتشرب منها كبد حرى أو يصيب منها عافية إلا كتب الله له بها أجراً.(14/90)
وحدث عنها قالت: لعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراشي والمرتشي في الحكم.
وحدث قال: سمعت أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: لقد خرج أبو بكر على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تاجراً إلى بصرى، لم يمنع أبا بكر من الضن برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشحة على نصيبه منه من الشخوص إلى التجارة، وذلك لإعجابهم بكسب التجارة وحبهم للتجارة، ولم يمنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر من الشخوص في تجارته لحبه صحابته، وضنه بأبي بكر، وقد كان بصحابته معجباً لاستحباب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التجارة وإعجابه بها.
لما اجتمع الناس على معاوية خرج إليه عبد الله بن وهب الأصغر طالباً بدم أخيه عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي، وقال: إما وجدت قاتله فأمكنني منه فقتله، وإما لم أجده فكان ذلك وسيلة لي إليه، فقدم عليه. فلما حضر الطعام قال له معاوية: ادن يا بن مسلم بن مسلم، قال: فتقدمت إلى الغداء، وما يسوغ لي أبداً في آبائي، وأعود فلا أجد فيهم مسلماً، فرجعت إلى المدينة، وقد كان معاوية قال له: أما قاتل أخيك فلا يعرف، قتل في فتنة واختلاط من الناس، ولكن هذه الدية فهي لك، وأعطاه الدية، وأحسن جائزته. قال: فانصرفت، فدخلت المدينة فسألتني زوجتي كريمة بنت المقداد بن عمرو عن سفري، فأخبرتها بما قال لي معاوية، فقالت: صدق، كان جدك أسد بن عبد العزى لا يدع مهتجرين من قريش إلا أصلح بينهما فسمي مسلماً.
فلما توفي قام ذلك المقام المطلب بن أسد فسمي مسلماً. فلما توفي قام ذلك المقام أبو زمعة الأسود بن المطلب فسمي مسلماً، فأنت أبن مسلم ابن مسلم ابن مسلم. قال: فخرجت إلى أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت لها قول معاوية، فقالت مقالة كريمة بنت المقداد، فقلت: والله لأرجعن إلى معاوية، فرجعت إليه لذلك لا يفزعني غيره. فلما حضر الغداء قالك ادن يا بن مسلم ابن مسلم، قال؛ قلت: أي والله، إني لابن مسلم ابن مسلم ابن مسلم، قال لك علمت فتعلمت! قلت: إنما العلم بالتعلم.
كان أخوه عبد الله بن وهب الأكبر قتل مع عثمان بن عفان في الدار.(14/91)
عبد الله بن وهيب بن عبد الرحمن
ابن عمر بن حفص أبو العباس ويقال: أبو إسحاق الجذامي الغزي حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة أو تيسير من عسرة أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام.
توفي أبو العباس الغزي سنة إحدى وثلاث مئة.
عبد الله بن هارون بن محمد
ابن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو العباس - ويقال: أبو جعفر المأمون بن الرشيد قدم دمشق دفعات، وأقام بها مدة.
قال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: صليت العصر في الرصافة خلف المأمون في المقصورة يوم عرفة. فلما سلم كبر الناس، فرأيت المأمون خلف الدرابزين وعليه كمة بيضاء وهو يقول: لا يا غوغاء لا يا غوغاء، غداً سنة أبي القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلما كان يوم الأضحى حضرت الصلاة فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.. حدثنا هشيم بن بشير أخبرنا ابن شبرمة عن الشعبي عن البراء بن عازب عن أبي بردة بن نيار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم قدمه لأهله، ومن ذبح بعد أن يصلي فقد أصاب السنة، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، اللهم، أصلحني واستصلحني وأصلح على يدي.(14/92)
قال أحمد بن إبراهيم الموصلي: كنت بالشماسية والمأمون يجري الحلبة فسمعته يقول ليحيى بن أكثم وهو ينظر إلى كثرة الناس: أما ترى؟ ثم قال: حدثنا يوسف بن عطية الصفار عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الخلق كلهم عيال الله عز وجل، فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله.
وحدث المأمون عن هشيم عن منصور عن الحسن عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء من الإيمان.
ولد المأمون في ربيع الأول سنة سبعين ومئة، ليلة مات موسى الهادي، واستقامت له الولاية في المحرم سنة ثمان وتسعين ومئة، ومات سنة ثمان عشرة ومئتين، فكانت ولايته عشرين سنة وخمسة أشهر وأياماً، ودعي له بالخلافة بخراسان في حياة أخيه الأمين ثم قدم بغداد بعد قتله. وكان إبراهيم يقول: مات خليفة، وولي خليفة، وولد خليفة في ليلة واحدة: مات موسى، وولي الرشيد، وولد المأمون في ليلة واحدة. وكان المأمون بايع لعلي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وسماه الرضا، وطرح السواد وألبس الناس الخضرة، فمات علي بسرخس، وقدم المأمون بغداد سنة أربع ومئتين في صفر وطرح الخضرة، وعاد إلى السواد، وامر المأمون في آخر عمره أن يكون أخوه أبو إسحاق الخليفة من بعده. وكانت كنيته أولاً أبو العباس، فلما ولي الخلافة اكتنى بأبي جعفر. وأمه أم ولد يقال لها: مراجل الباذغيسية، توفيت في نفاسها به، وكان ولي عهد أبيه الرشيد بعد أخيه محمد الأمين، وكان يدعى للمأمون بالخلافة ومحمد حي، دعي له من آخر سنة خمس وتسعين ومئة إلى أن قتل محمد، واجتمع الناس عليه، وتفرق عماله في البلاد، ومحمد حي، ودعي له بالحرمين، وأقيم الحج للناس بإمامته في سنتي ست وسبع وتسعين ومئة، وهو مقيم بخراسان، والكتب تنفذ عنه، والأموال تحمل إليه، وأمره ينفذ في الآفاق، فاجتمع الناس عليه بعد قتل محمد، وبويع له ببغداد على يدي طاهر بن الحسين في المحرم سنة ثمان وتسعين وورد الخبر عليه وهو(14/93)
بمرو في صفر سنة ثمان وتسعين. ولم يزل المأمون مقيماً بمرو. ووجه الحسن بن سهل صنو ذي الرياستين إلى بغداد وجعله خليفته بالعراق، وعقد له عليه، وكان وجه قبله منصور بن المهدي إلى بغداد، ودفع إليه خاتمه، وأمره أن يكاتب عنه. فلما قدم الحسن بن سهل لم يكن لمنصور من الأمر شيء غير المكاتبة والختم. وعقد المأمون بخراسان العهد بعده لعلي بن موسى بن جعفر وسماه الرضا، وخلع السواد، وألبس الناس الخضرة في سنة إحدى ومئتين. فلما اتصل ذلك بمن في العراق من العباسيين من ولد الخلافة وغيرهم عظم عليهم، وأنكروه، واجتمعوا، فكتبوا إلى المأمون كتاباً في ذلك، وورد كتابه على الحسن بن سهل يأمره بأخذ البيعة على الناس لعلي بن موسى بعده فأعظم الناس ذلك وأبوه وخالفوا الأمر فيه ودعاهم ذلك إلى أن بايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة، وخلعوا المأمون.
وكان المأمون أبيض، ربعة، حسن الوجه، قد وخطه الشيب، تعلوه صفرة، أغبر، طويل اللحية رقيقها، ضيق الجبين، على خده خال، وكان ساقاه من سائر جسده صفراوين، حتى كأنهما طليتا بالزعفران.
قال أبو محمد اليزيدي:
كنت أؤدب المأمون وهو في حجر سعيد الجوهري. قال: فأتيته يوماً وهو داخل، فوجهت إليه بعض خدمه يعلمه بمكاني، فأبطأ علي، ثم وجهت إليه آخر فأبطأ، فقلت لسعيد: إن هذا الفتى ربما تشاغل بالبطالة وتأخر، قال: أجل، ومع هذا إنه إذا فارقك تعرم على خدامه، ولقوا منه أذى شديداً فقومه بالأدب. فلما خرج أمرت بحمله فضربته سبع درر. قال: فإنه ليدلك عينيه من البكاء إذ قيل له: هذا جعفر بن يحيى قد أقبل، فأخذ منديلاً، فمسح عينيه من البكاء، وجمع ثيابه، وقام إلى فرشه، فقعد عليها متربعاً ثم قال: ليدخل، فدخل، فقمت عن المجلس، وخفت أن يشكوني إليه، فألقى(14/94)
منه ما أكره. قال: فأقبل عليه بوجهه وحديثه حتى أضحكه، وضحك إليه. فلما هم بالحركة دعا بدابته، وأمر غلمانه، فسعوا بين يديه، ثم سأل عني فجئت، فقال: خذ على ما بقي من جزئي. فقلت: ايها الأمير - أطال الله بقاءك - لقد خفت أن تشكوني إلى جعفر بن يحيى فلو فعلت ذلك لشكر لي، فقال: أتراني يا أبا محمد كنت أطلع الرشيد على هذه؟ فكيف بجعفر بن يحيى حتى أطلعه؟ إني أحتاج إلى أدب. إذاً يغفر الله لك بعد ظنك، ووجيب قلبك، خذ في أمرك، فقد خطر ببالك ما لا تراه أبداً، ولو عدت في كل يوم مئة مرة.
أراد الرشيد سفراً فأمر الناس أن يتأهبوا لذلك، وأعلمهم أنه خارج بعد الأسبوع، فمضى الأسبوع ولم يخرج، فاجتمع الناس إلى المأمون فسألوه أن يستعلم ذلك، ولم يكن الرشيد يعلم أن المأمون يقول الشعر فكتب إليه المأمون: السريع
يا خير من دنت المطي به ... ومن تقدى بسرجه فرس
هل غاية في المسير نعرفها ... أم أمرنا في المسير ملتبس؟
ما علم هذا إلا إلى ملكٍ ... من نوره في الظلام نقتبس
إن سرت سار الرشاد متبعاً ... وإن تقف فالرشاد محتبس
فقرأها الرشيد وسر بها، ووقع فيها: يا بني، ما أنت والشعر إنما الشعر أرفع حالات الدنيء، وأقل حالات السري والمسير إلى ثلاث أن شاء الله.
حدث ذو الرياستين في شوال سنة اثنتين ومئتين أن المأمون ختم في شهر رمضان ثلاثاً وثلاثين ختمة. أما سمعتم في صوته بحوحة؟ إن محمد بن أبي محمد اليزيدي في أذنه صمم، كان يرفع صوته ليسمع، وكان يأخذ عليه.
قال محمد بن عباد: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان والمأمون.(14/95)
حدث يحيى بن أكثم القاضي قال: قال لي المأمون يوماً: يا يحيى إني لرأيت أن أحدث، فقلت: ومن أولى بهذا من أمير المؤمنين؟ فقال: ضعوا لي منبراً بالحلبة، فصعد وحدث، فأول حديث حدثنا به من هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار. ثم حدث بنحو من ثلاثين حديثاً، ثم نزل فقال لي: يا يحيى، كيف رأيت مجلسنا؟ قلت: أجل مجلس، يا أمير المؤمنين، تفقه الخاصة والعامة، فقال: لا، وحياتك، ما رأيت لكم حلاوة، إنما المجلس لأصحاب الخلقان والمحابر، يعني من أصحاب الحديث.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: لما فتح المأمون مصر قام فرج الأسود فقال: الحمد الله الذي كفاك أمر عدوك، وأدان لك العراقين والشامات ومصر، وأنت ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: ويحك يا فرج، إلا أنه بقيت لي خلة، وهو أن أجلس في مجلس، ويستملي يحيى فيقول: من ذكرت رضي الله عنك؟ فأقول: حدثنا الحمادان: حماد بن سلمة بن دينار، وحماد بن زيد بن درهم قالا: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من عال ابنتين أو ثلاثاً أو أختين أو ثلاثاً حتى يمتن أو يموت عنهن كان معي كهاتين في الجنة. وأشار بالمسبحة والوسطى.
قال أبو بكر الخطيب: في هذا الخبر غلط فاحش. قال: ويشبه أن يكون المأمون رواه عن رجل عن الحمادين، وذلك أن مولد المأمون في سنة سبعين ومئة، ومات حماد بن سلمة في سنة سبع وستين ومئة، قبل مولده بثلاث سنين، وأما حماد بن زيد فمات في سنة تسع وسبعين ومئة.
قال محمد بن سهل بن عسكر:
وقف المأمون يوماً للإذن، ونحن وقوف بين يديه إذ تقدم إليه رجل غريب بيده محبرة، فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع به، فقال له المأمون: ما تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر فيه شيئاً، فما زال المأمون يقول: حدثنا هشيم، وحدثنا حجاج بن محمد، وحدثنا فلان حتى ذكر الباب، ثم سأله عن بابٍ باب فلم يذكر فيه شيئاً، فذكره(14/96)
المأمون، ثم نظر إلى أصحابه فقال: أحدهم يطلب الحديث ثلاثة أيام ثم يقول: أنا من أصحاب الحديث؟! أعطوه ثلاثة دراهم.
قال محمد بن حفص الأنماطي: تغدينا مع المأمون في يوم عيد. قال: فأظنه وضع على مائدته أكثر من ثلاث مئة لون. قال: فكلما وضع لون نظر المأمون إليه فقال: هذا نافع لكذا، ضار لكذا، فمن كان منكم صاحب بلغم فليجتنب هذا، ومن كان منكم صاحب صفراء فليأكل من هذا، ومن غلبت عليه السوداء فلا يعرض لهذا، ومن قصده قلة الغذاء فليقتصر على هذا. قال: فوالله إن زالت تلك حاله في كل لون يقدم إليه حتى رفعت الموائد، فقال له يحيى بن أكثم: يا امير المؤمنين، إن خضنا في الطب كنت جالينوس في معرفته، أو في النجوم كنت هرمس في حسابه، او في الفقه كنت علي بن أبي طالب في علمه، أو ذكر السخاء كنت حاتم طيئ في صفته، أو صدق الحديث فأنت أبو ذر في لهجته، أو الكرم فأنت كعب بن مالك في فعاله، أو الوفاء فأنت السموءل بن عادياء في وفائه. فسر بهذا الكلام، وقال: يا أبا محمد، إن الإنسان إنما فضل بعقله، لولا ذلك لم يكن لحم أطيب من لحم، ولا دم أطيب من دم.
قال: ونظر يوماً إلى رؤوس آنيته محشوة بقطن، وكانت قبل ذلك بأطباق فضة، فقال لصاحب الشراب: أحسبت يا بني أنما تباهي بالذهب والفضة من قلاً عنده، واما نحن فينبغي أن نباهي بالفعال الجميلة والأخلاق الكريمة، فإياك أن تحشو رؤوس أوانيك إلا بالقطن، فذلك بالملوك أهيأ وأبهى.
قال يحيى بن أكثم القاضي: ما رأيت أكمل آلة من المأمون وجعل يحدث بأشياء استحسنها من كان في مجلسه ثم قال: كنت عنده - يعني ليلة أذاكره أو أحدثه، ثم نام وانتبه فقال: يا يحيى، انظر إيش عند رجلي، فنظرت فلم أر شيئاً، فقال: شمعة، فتبادر الفراشون فقال: انظروا، فنظروا فإذا تحت فراشه حية بطوله فقتلوها، فقلت: قد انضاف إلى كمال أمير المؤمنين علم الغيب، فقال: معاذ الله، ولكن هتف بي هاتف الساعة وأنا نائم فقال: مجزوء الكامل(14/97)
يا راقد الليل انتبه ... إن الخطوب لها سرى
ثقة الفتى بزمانه ... ثقة محللة العرى
قال: فانتبهت، فعلمت أن قد حدث أمر إما قريب وإما بعيد، فتأملت ما قرب فكان ما رأيت.
قال عمارة بن عقيل: قال ابن أبي حفصة الشاعر: أعلمت أن المأمون أمير المؤمنين لا يبصر الشعر؟ فقلت: من ذا يكون أفرس منه، والله إنا لننشد أول البيت، فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه. قال: إني أنشدته بيتاً أجدت فيه، فلم أره تحرك له، وهذا البيت فاسمعه: البسيط
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلاً ... بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
فقلت له: مازدت على أن جعلته عجوزاً في محرابها في يدها سبحة. فمن يقوم بأمر الدنيا إذا كان مشغولاً عنها؟ فهو المطوق بها، ألا قلت كما قال عمك جرير لعبد العزيز بن الوليد: الطويل
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: كنت واقفاً على رأس المأمون، وهو يتفكر، ثم رفع رأسه فقال: يا إبراهيم، بيتا شعر قيلا لم يسبق قائلهما إليهما أحد، ولا يلحقهما أحد. قلت: من هما يا أمير المؤمنين؟ قال: أبو نواس وشريح، فتبسمت فقال: أمن أبي نواس وشريح؟ قلت: نعم. قال: خذ، قال أبو نواس: الطويل
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدوٍ في ثياب صديق
قال: قلت أحسن يا أمير المؤمنين، فما قال شريح؟ فقال: قال شريح الطويل
تهون على الدنيا الملامة أنه ... حريص على استصلاحها من يلومها(14/98)
فقلت: أحسن يا أمير المؤمنين، فقال: أحسن منها ما سمعته أنا: كنت أسير في موكبي فألجأني الزحام إلى دكان، عليه أسمال، فنظر إلي نظر من رحمني أو متعجب مما أنا فيه فقال: الطويل
أرى كل مغرور تمنيه نفسه ... إذا ما مضى عام سلامة قابل
قال النضر بن شميل:
دخلت على أمير المؤمنين المأمون بمرو وعلي أطمار متر عبلة، فقال لي: يا نضر، أتدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب؟! فقلت: يا أمير المؤمنين، إن حر مرو لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق. قال: لا، ولكنك تتقشف فتجارينا الحديث، فقال المأمون: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز، قلت: صدق قول أمير المؤمنين عن هشيم. حدثني عوف الأعرابي عن الحسن أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز، وكان المأمون متكئاً، فاستوى جالساً وقال: السداد لحن يا نضر؟ قلت: نعم هاهنا، وإنما لحن هشيم، وكان لحاناً، فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السداد: القصد في السبيل، والسداد: البلغة، وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد. قال: أفتعرف العرب ذلك؟ قلت نعم. هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسداد ثغرٍ
فأطرق المأمون ملياً ثم قال: قبح الله من لا أدب له، ثم قال: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب. قلت: قول ابن بيض في الحكم بن مروان: المنسرح(14/99)
تقول لي والعيون هاجعة: ... أقم علينا يوماً فلم أقم
أي الوجوه انتجعت؟ قلت لها: ... لأي وجهٍ إلا إلى الحكم
متى يقل حاجبا سرادقه: ... هذا ابن بيضٍ بالباب يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلاً ... هيهات إذ حل أعطني سلمي
فقال المأمون: لله درك، فكأنما شق لك عن قلبي. أنشدني أنصف بيت قالته العرب، قلت: قول ابن أبي عروبة المدني بأمير المؤمنين: الكامل
إني وإن كان ابن عمي عاتباً ... لمراجم من خلفه وورائه
ومفيده نصري وإن كان امرأ ... مترحرحاً في أرضه وسمائه
وأكون والي سره وأصونه ... حتى يحين إلي وقت أدائه
وإذا الحوادث أجحفت بسوامه ... قرنت صحيحتنا إلى جربائه
وإذا دعا باسم ليركب مركباً ... صعباً قعدت له على سيسائه
وإذا أتى من وجهه بطريقة ... لم أطلع فيما وراء خبائه
وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقل: ... يا ليت أن علي حسن ردائه
فقال: أحسنت يا نضر. أنشدني الآن أقنع بيت للعرب، فأنشدته قول ابن عبدل: المنسرح(14/100)
إني امرؤ لم أزل من الله أديب أعلم الأدبا
أقيم بالدار ما اطمأنت بي الدار وإن كنت نازحاً طربا
لا أجتوي خلة الصديق ولا ... أتبع نفسي شيئاً إذا ذهبا
أطلب ما يطلب الكريم من الرزق وأجمل الطلبا
وأحلب الثرة الصفي ولا ... أجهد أخلاف غيرها حلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغبته في ضيعةٍ رغبا
والعبد لا يطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلا إذا رهبا
مثل الحمار الموقع السوء لا ... يحسن شيئاً إلا إذا ضربا
وام أجد عروة العلائق إلا الدين لما اختبرت والحسبا
قد يرزق الخافض المقيم وما ... شد بعنسٍ ولا قتبا
ويحرم الرزق ذو المطية والرحل ومن لا يزال مغتربا
قال: أحسنت يا نضر، أفعندك ضد هذا؟ قلت: نعم احسن منه، قال: هاته وأنشدته: الوافر
يد المعروف غنم حيث كانت ... تحملها كفور أو شكور
قال: أحسنت يا نضر، وأخذ القرطاس فكتب شيئاً لا أدري ما هو، ثم قال: كيف تقول أفعل من التراب؟ قلت: أترب. قال: الطين؟ قلت: طن، قال: فالكتاب ماذا؟ قلت: مترب مطين، قال: هذه أحسن من الأولى، قال: فكتب لي بخمسين ألف درهم، ثم أمر الخادم أن يوصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمني إلى الفضل بن سهل، فمضيت(14/101)
معه. فلما قرأ الكتاب قال: يا نضر، لحنت أمير المؤمنين؟! قلت: كلا، ولكن هشيم لحانة، فأمر لي بثلاثين ألف درهم، فخرجت إلى منزلي بثمانين ألفاً.
وقال لي الفضل: يا نضر، حدثني عن الخليل بن أحمد، قلت: حدثني الخليل بن أحمد قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من اعلم من رأيت، وكان على سطح أو سطيح. فلما رأيناه أشرنا باليد بالسلام، فقال: استووا، فلم ندر ما قال، فقال لنا شيخ عنده يقول لكم: ارتفعوا، فقال الخليل: هذا من قول الله عز وجل " ثم استوى إلى السماء وهي دخان " ثم ارتفع ثم قال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير، وماء نمير؟ فلما فارقناه قال: سلاماً، قلنا: فسر قولك هذا، فقال متاركة: لا خير ولا شر، فقال الخليل: هذا مثل قول الله عز وجل " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " أي متاركة.
قال محمد بن زياد الأعرابي: بعث إلي المأمون، فصرت إليه، وهو في بستان يمشي مع يحيى بن أكثم، فرأيتهما موليين، فجلست. فلما أقبلا قمت فسلمت عليه بالخلافة، فسمعته يقول: يا أبا محمد، ما أحسن أدبه، رآنا موليين فجلس، ثم رآنا مقبلين فقام، ثم رد علي السلام، وقال: يا ابا محمد، أخبرني عن أحسن ما قيل في الشراب، فقلت: يا أمير المؤمنين قوله: الطويل
تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقها يتمطق(14/102)
فقال: أشعر منه الذي يعني: أبا نواس: السريع
فتمشت في مفاصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمهم ... كتمشي البرء في السقم
فعلت في البيت إذ مزجت ... مثل فعل الصبح في الظلم
واهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السفر بالعلم
فقلت: فائدة يا أمير المؤمنين، فقال: أخبرني عن قول هند بنت عتبة:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
من طارق هذا؟ قال: فنظرت في نسبها فلم أجده، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما اعرفه في نسبها، فقال: إنما أرادت النجم، وانتسبت إليه لحسنها من قول الله تعالى " والسماء والطارق " الآية قال: فقلت: فائدتان يا أمير المؤمنين، فقال: أنا بؤبؤ هذا الأمر وابن بؤبئه، ثم دحا إلي بعنبرة كان يقلبها في يده، بعتها بخمسة آلاف درهم.
حدث محمد بن عبد الرحمن الشروي صاحب أبي نواس قال: أشرف المأمون ليلة من موضع كان به على الحرس، فقال: هل فيكم من ينشد لأبي نواس أربعة أبيات؟ قال: فقال غلام من الحرس؛ أو من أبناء الحرس: أنا يا أمير المؤمنين، قال: هات، فأنشده: البسيط(14/103)
لاتبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
كأساً إذا انحدرت من حلق شاربها ... أجدته حمرتها في العين والخد
فالخمر يا قوتة والكأس لؤلؤة ... في كف لؤلؤةٍ ممشوقة القد
تسقيك من عينها خمراً ومن يدها ... خمراً فمالك من سكرين من بد
لي نشوتان وللندمان واحدة ... شيء خصصت به من بينهم وحدي
فقال المأمون: هذا والله الشعر، لا قول الذي يقول: ألا هبي بسلحك فالطحينا.
وأمر للغلام بأربعة آلاف درهم.
قال يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يخطب يوم العيد فأثنى على الله، وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأوصاهم بتقوى الله، وذكر الجنة والنار ثم قال: عباد الله، عظم قدر الدارين، وارتفع جزاء العاملين، وطال مدة الفريقين، فوالله إنه الجدلا اللعب، وإنه الحق لا الكذب، وما هو إلا الموت والبعث والحساب، والفصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم والصراط ثم العقاب والثواب، فمن نجا يومئذ فقد فاز، ومن هوى يومئذ فقد خاب، الخير كله في الجنة والشر كله في النار.
وعن الحسن بن عبد الجبار المعروف بالعرق قال:
بينا المأمون في بعض مغازيه يسير مفرداً عن أصحابه ومعه عجيف بن عنبسة إذ طلع رجل متخبط متكفن. فلما عاينه المأمون وقف ثم التفت إلى عجيف فقال: ويحك، اما ترى صاحب الكفن مقبلاً يريدني؟! فقال له عجيف: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين، قال: فما كذب الرجل أن وقف على المأمون، فقال له المأمون: من أردت يا صاحب الكفن؟ قال: إياك أردت، قال: وعرفتني؟ قال: لو لم أعرفك ما قصدتك، قال: أولا سلمت علي؟ قال: لا أرى السلام عليك، قال: ولم؟ قال: لإفسادك علينا الغزاة، قال عجيف: وأنا ألين مس سيفي لئلا نبطئ ضرب عنقه إذ التفت المأمون، فقال: يا عجيف: إني جائع ولا رأي لجائع، فخذه إليك حتى أتغدى، وأدعو به. قال: فتناوله عجيف فوضعه بين يديه. فلما صار المأمون إلى رحلة دعا(14/104)
بالطعام. فلما وضع بين يديه أمر برفعه، وقال: والله ما أسيغه حتى أناظر خصمي، يا عجيف، علي بصاحب الكفن. قال: فلما جلس بين يديه قال: هيه يا صاحب الكفن، ماذا قلت؟ قال: قلت: لا أرى السلام عليك لإفسادك الغزاة علينا، قال: بماذا أفسدتها؟ قال: بإطلاقك الخمور تباع في عسكرك وقد حرمها الله في كتابه، فابدأ بعسكرك ثم اقصد الغزو، بماذا استحللت أن تبيح شيئاً قد حرمه الله كهيئة ما أحل الله؟! قال: أو عرفت الخمر أنها تباع ظاهراً ورأيتها؟ قال: لو لم أرها وتصح عندي ما وقفت هذا الموقف. قال: فشيء سوى الخمر أنكرته؟ قال: نعم إظهارك الجواري في العماريات وكشفهن الشعور منهن بين أيدينا كأنهن فلق الأقمار، خرج الرجل منا يريد أن يهراق دمه في سبيل الله، ويعقر جواده قاصداً نحو العدو، فإذا نظر إليهن أفسدت قلبه، وركن إلى الدنيا، وانصاع إليها، فلم استحللت ذاك؟ قال: ما استحللت ذاك، وسأخبرك العذر فيه فإن كان صواباً وإلا رجعت ثم قال: شيئاً غير هذا أنكرته؟ قال: نعم، شيء أمرت به، تنهانا عن الأمر بالمعروف، قال: أما الذي يأمر بالمنكر فإني أنهاه، وأما الذي يأمر بالمعروف فإني أحثه على ذلك وأحدوه عليه، أفشيء سوى ذاك؟ قال لا.
قال: يا صاحب الكفن، أما الخمر فلعمري قد حرمه الله، ولكن الخمر لا تعرف إلا بثلاث جوارح: بالنظر والشم والذوق، أفتشربها؟ قال: معاذ الله أن أنكر ما أشرب، قال: أفيمكن في وقتك هذا أن تقصى على بيعها حتى نوجه معك من يشتري منها؟ قال: ومن يظهرها لي أو يبيعنيها فيها على هذا الكفن؟ قال: صدقت، قال: فكأنك إنما عرفتها بهاتين الجارحتين. يا عجيف: علي بقوارير فيها شراب، فانطلق عجيف، فأتاه بعشرين قارورة، فوقفها بين يديه في أيدي عشرين وصيفاً، ثم قال: يا صاحب الكفن، نفيت من آبائي الراشدين المهديين إن لم تكن الخمر فيها، فإنك تعلم أن الخمر من ستر الله على عباده، وأنه لا يجوز لك أن تشهد على قوم مستورين إلا بمعاينةٍ وعلم، ولا يجوز لي أن آخذ إلا بمعاينة بينة وشاهدي عدل، قال: فنظر صاحب الكفن إلى القوارير فقال له(14/105)
عجيف: أيها الرجل، لو كنت خماراً ما عرفت موضع الخمر بعينها من هذه القوارير، فقال له: هذه الخمر بعينها من هذه القوارير، فأخذ المأمون القارورة فذاقها ثم قطب ثم قال: يا صاحب الكفن، انظر إلى هذه الخمر فتناول الرجل القارورة فذاقها فإذا خل ذابح، فقال: قد خرجت هذه عن حد الخمر، فقال المأمون: صدقت، إن الخل مصنوع من الخمر، ولا يكون خلاً حتى يكون خمراً، ولا والله ما كانت هذه خمراً قط، وما هو إلا رمان حامض يعصر لي أصطبغ به من ساعته، فقد سقطت الجارحتان، وبقي الشم، يا عجيف، صيرها في رصاصيات وائت بها، قال: ففعل، فعرضت على صاحب الكفن فشمها، فوقع مشمه على قارورة منها فيها ميبختج فقال: هذه، فأخذها المأمون فصبها بين يديه وقال: انظر إليها كأنها طلاء قد عقدتها النار بل تقطع بالسكين. قد سقطت إحدى الثلاث التي أنكرت يا صاحب الكفن، ثم رفع المأمون رأسه إلى السماء وقال: اللهم، إني أتقرب إليك بنهي هذا ونظرائه عن الأمر بالمعروف، يا صاحب الكفن، أدخلك الأمر بالمعروف في أعظم المنكر، شنعت على قوم باعوا من هذا الخل ومن هذا الميبختج الذي شممت. فلم تسلم، استغفر الله من ذنبك هذا العظيم، وتب إليه.
والثاني؟ قال: الجواري، قال: صدقت، أخرجتهن أبقي عليك وعلى المسلمين، كرهت أن تراهن عيون العدو والجواسيس في العماريات والقباب، والسجف عليهن، فيتوهمون أنهن بنات أو أخوات، فيجدون في قتالنا، ويحرصون على الغلبة على ما في أيدينا حتى يجتذبوا خطام واحد من هذه الإبل يستقيدونه بكل طريق إلى أن يبين لهم أنهن إماء، فأمرت برفع الظلال عنهن، وكشف شعورهن، فيعلم العدو أنهن إماء نقي بهن حوافر دوابنا، لا قدر لهن عندنا. هذا تدبير دبرته للمسلمين عامة، ويعز علي أن ترى لي حرمة، فدع هذا فليس هو من شأنك، فقد صح عندك أني في هذا مصيب، وأنك أنكرت باطلاً.(14/106)
أي شيء الثالثة؟ قال: الأمر بالمعروف، قال: نعم، أرأيتك لو أنك أصبت فتاة مع فتى قد اجتمعا في هذا الفج على حديث، ما كنت صانعاً بهما؟ قال: كنت أسألهما: ما أنتما؟ قال: كنت تسأل الرجل فيقول: امرأتي، وتسأل المرأة فتقول: زوجي، ما كنت صانعاً بهما؟ قال: كنت أحول بينهما وأحبسهما، قال: حتى يكون ماذا؟ قال: حتى أسأل عنهما، قال: ومن تسأل عنهما؟ قال أسألهما: من أين أنتما؟ قال: سألت الرجل: من أين أنت؟ قال: أنا من أسفيجاب، وسألت المرأة، من أين أنت؟ فقالت: من أسفيجاب، ابن عمي، تزوجنا وجئنا، كنت حابساً الرجل والمرأة لسوء ظنك وتوهمك الكاذب إلى أن يرجع الرسول من أسفيجاب، مات الرسول أو ماتا إلى أن يعود رسولك؟ قال: كنت أسأل في عسكرك هذا، قال: فعلك لا تصادف في عسكري هذا من أهل أسفيجاب إلا رجلاً أو رجلين فيقولان لك: لا نعرفهما على هذا النسب، يا صاحب الكفن، ما احسبك إلا أحد ثلاثة رجال: إما رجل مديون، وإما مظلوم، وإما رجل تأولت في حديث أبي سعيد الخدري في خطبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وروى الحديث عن هشيم وغيره، ونحن نسمع الخطبة إلى ... مغربان الشمس إلى أن بلغ إلى قوله: إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، فجعلتني جائراً وأنت الجائر، وجعلت نفسك تقوم مقام الأمر بالمعروف، وقد ركبت من المنكر ما هو أعظم عليك، لا والله لأضربنك سوطاً، ولا زدتك على تخريق كفنك، ونفيت من آبائي الراشدين المهديين، إن قام أحد مقامك هذا لا يقوم بالحجة إن نقصته من ألف سوط، ولآمرن بصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمبه في الموضع الذي يقوم فيه. قال: فنظرت إلى عجيف وهو يخرق كفن الرجل، ويلقي عليه ثياب بياض.
وعن ابن عباد أنه ذكر المأمون يوماً فقال: كان والله أحد ملوك الأرض، وكان يجب له هذا الاسم على الحقيقة.(14/107)
قال ابن أبي داود دخل رجل من الخوارج على المأمون فقال: ما حملك على خلافنا؟ قال: آية في كتاب الله تعالى، قال: وما هي؟ قال: قوله " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ". فقال له المأمون: ألك علم بأنها منزلة؟ قال: نعم، قال؛ وما دليلك؟ قال: إجماع الأمة، قال: فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل، قال: صدقت. السلام عليك يا أمير المؤمنين.
وعن أبي العيناء قال: كان المأمون يقول: كان معاوية بعمره، وعبد الملك بحجاجه، وأنا بنفسي.
قال قحبطة بن حميد بن قحطبة: حضرت المأمون يوماً وهو يناظر محمد بن القاسم النوبنجاني في شيء، ومحمد يغضي له ويصدقه، فقال له المأمون: أراك تنقاد لي إلى ما تظن أنه يسرني قبل وجوب الحجة عليك، ولو شئت أن أقتسر الأمور بفضل بيان، وطول لسان، وأبهة الخلافة، وسطوة الرئاسة لصدقت وإن كنت كاذباً، وصوبت وإن كنت مخطئاً، وعدلت وإن كنت جائراً. ولكني لا أرضى إلا بإزالة الشبهة، وإن شر الملوك عقلاً وأسخفهم رأياً من رضي بقولهم: صدق الأمير.
قيل للمأمون يوماً: يا أمير المؤمنين، لو نصبت للناس رجلاً وأقمته لحوائجهم، فتشاغل بهم واقتصرت عليه بينك وبين الرعية، ولم تشغل نفسك بالاستماع إلى كل داخل، فقال المأمون: إني بسطت للناس في الكلام، وأذنت لهم علي، وجعلت حوائجهم بيني وبينهم لتصل إلي أخبارهم، وأعرف مبلغ عقولهم، وأعطي كل امرئ منهم على قدره، فيكون كل إنسان وجميل حاجته، ولسان طلبته خارجاً عن يدي شكله والطلب إلى مبلغ، ولو جعلت ذلك إلى أحدٍ لضاق على الرعية المذهب، وخفيت علي أمورهم،(14/108)
وحبست عني أخبارهم، وموطلوا بحوائجهم وتآمر عليهم غيري، وكان الحمد والمن لواحد في زمانهم دوني ودون أوليائي، وخفت مع هذا أن لو نصبت لهم رجلاً لا أشكر على صنيعة، فينسون نعمتي أوليائي ويستعبدهم غيري، فأكون قد صبرت أحراراً أرقاء.
قال قحطبة بن حميد بن الحسن بن قحطبة: كنت واقفاً على رأس المأمون أمير المؤمنين يوماً، وقد قعد للمظالم، فأطال الجلوس حتى زالت الشمس، فإذا امرأة قد أقبلت تعثر في ذيلها حتى وقفت على طرف البساط فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورجمة الله وبركاته، فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم، فأقبل يحيى عليها فقال: تكلمي، فقالت: يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبين ضيعتي، وليس لي ناصر إلا الله تبارك وتعالى، فقال لها يحيى بن أكثم: إن الوقت قد فات، ولكن عودي يوم المجلس، قال: فرجعت. فلما كان يوم المجلس قال المأمون: أول من يدعى المرأة المظلومة، فدعا بها، فقال لها: أين خصمك؟ قالت: واقف على رأسك يا أمير المؤمنين قد حيل بيني وبينه، وأومأت إلى العباس، ابنه، فقال لأحمد بن أبي خالد: خذه بيده وأقعده معها، ففعل، قتناظر ساعة حتى علا صوتها عليه، فقال لها أحمد بن أبي خالد: أيتها المرأة، إنك تناظرين الأمير أعزه الله بحضرة أمير المؤمنين، فاخفضي عليك، فقال المأمون: دعها يا أحمد، فإن الحق أنطقها، والباطل أخرسه، فلم تزل تناظره حتى حكم لها المامون عليه، وأمره برد ضيعتها، وأمر ابن أبي خالد أن يدفع إليها عشرة آلاف درهم.
وقد حكي عن هذه المرأة أنها دخلت على المأمون، وقد أذن المؤذن فقالت: البسيط
يا خير منتصف يهدى له الرشد ... ويا إماماً به قد أشرق البلد
تشكو إليك عقيد الملك أرملة ... عدا عليها فلم تقوبه أسد
فابتز مني ضياعي بعد منعتها ... وقد تفرق عني الأهل والولد
فأجابها المأمون:
من دون ما قلت عيل الصبر والجلد ... مني ودام به من قلبي الكمد(14/109)
هذا أوان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة الظهر فانصرفيوأحضري الخصم في اليوم الذي أعد
والمجلس السبت إن يقض الجلوس لنا ... أنصفك منه وإلا المجلس الأحد
وساق بقية الحديث بمعناه.
قال أحمد بن يوسف القاضي: قلت للمامون: يا أمير المؤمنين، إن رجلاً ليس بينه وبين الله أحد يخشاه لحقيق أن يتقي الله عز وجل، فقال المأمون: صدقت.
قال محمد بن منصور: وقع المأمون في رقعة متظلم من علي بن هشام: علامة الشريف أن يظلم من فوقه، ويظلمه من هو دونه، فأخبر أمير المؤمنين: أي الرجلين أنت؟.
ووقع في قضية رجل يظلم من بعض أصحابه: ليس من المروءة أن تكون ابنتك من ذهب وفضة وغريمك عارٍ، وجارك طاو.
قال أبو عيسى الهاشمي: حدثني أبي قال: كنت بحضرة المأمون فأحضر رجلاً، فأمر بضرب عنقه، وكان الرجل من ذوي العقول، فقال ليحيى بن أكثم: إن أمير المؤمنين قد أمر بضرب عنقي، وإن دمي عليه لحرام، فهل لي في حاجة أسأله إياها لا تضر بدينه ولا مروءته؟ فإذا فعل ذلك فهو في حل من دمي، فأظهر المأمون تحرجاً، فقال ليحيى بن أكثم: سله عنها، فقال الرجل: يضع يده في يدي إلى الموضع الذي يضرب فيه عنقي، فإذا فعل ذلك فهو في حل من دمي، فقالم المأمون من مجلسه وضرب بيده إلى يد الرجل، فلم يزل يخبره وينشده، ويحدثه حتى كأنه من بعض أسرته، فلما أن رأى السياف والسيف والموضع الذي يكون فيه مثل هذه الحال انعطف فقال للمأمون: بحق هذه الصحبة والمحادثة لما عفوت، فعفا عنه، وأجزل له الجائزة.
وقف رجل بين يدي المأمون قد جنى جناية، فقال له: والله لأقتلنك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، تأن علي، فإن الرفق نصف العفو، فقال: فكيف وقد حلفت(14/110)
لأقتلنك؟ فقال: يا امير المؤمنين، لأن تلقى الله حانثاً خير لك من أن تلقاه قاتلاً.
قال: فخلى سبيله.
قال المأمون: لوددت أن أهل الجرائم عرفوا رأبي في العفو، ليذهب الخوف عنهم، ويخلص السرور إلى قلوبهم.
قال عبد الله بن البواب: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا في بعض الأوقات، وغنه جلس يستاك على دجلة من وراء ستره، ونحن قيام بين يديه، فمر ملاح وهو يقول: بأعلى صوته: أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه؟ قال: فوالله ما زاد على أن تبسم وقال لنا: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل؟!.
قال يحيى بن أكثم: بت ليلة عند المأمون، فعطشت في جوف الليل، فقمت لأشرب ماء، فرآني المأمون فقال: مالك؛ ليس تنام يا يحيى! فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا عطشان، قال: ارجع إلى موضعك، فقالم إلى البرادة، فجاءني بكوز ماء، وقام على رأسي وقال: اشرب يا يحيى، فقلت: يا أمير المؤمنين فهلا وصيف أو وصيفة؟ (يعني: فقال: إنهم نيام، قلت: فأنا كنت أقوم للشرب، فقال لي: لؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه قال: يا يحيى، قلت: لبيك، قال: ألا أحدثك؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، قال: حدثني الرشيد، حدثني المهدي، حدثني المنصور عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس، حدثني جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيد القوم خادمهم.
قال يحيى بن أكثم: ما رأيت أكرم من المامون، بت ليلة عنده فعطش، وقد نمنا، فكره أن يصيح بالغلمان فأنتبه، وكنت منتبهاً، فرأيته قد قام يمشي قليلاً قليلاً إلى البرادة وبينه وبينها بعيد حتى شرب ورجع، قال يحيى: ثم بت عنده ونحن بالشام، وما مي أحد، فلم يحملني النوم، فأخذ المأمون سعال، فرأيته يسد فاه بكم قميصه حتى لا أنتبه، ثم حملني آخر الليل النوم، وكان له وقت يقوم فيه يستاك، فكره أن ينبهني. فلما ضاق الوقت عليه تحركت فقال: الله أكبر، يا غلمان، نعل أبي محمد.(14/111)
قال يحيى بن أكثم: وكنت أمشي يوماً مع المأمون في بستان موسى في ميدان البستان، والشمس علي وهو في الظل. فلما رجعنا قال لي: كن الآن أنت في الظل، فأبيت عليه، فقال: أول العدل أن يعدل الملك في بطانته، ثم الذين يلونهم حتى يبلغ إلى الطبقة السفلى.
كان المأمون يقول: الملوك لا تحتمل ثلاثة أشياء: إفشاء السر، والتعرض للحريم والقدح في الملك.
قال يحيى بن خالد البرمكي: سمعت المأمون يقول: يا يحيى، اغتنم قضاء حوائج الناس، فإن الفلك أدور، والدهر أجور من أن يترك لأحد حالاً، أو يبقي لأحد نعمة.
قال المأمون: غلبة الحجة أحب إلي من غلبة القدرة، لأن غلبة القدرة تزول بزوالها، وغلبة الحجة لا يزيلها شيء.
قال المأمون لأبي حفص عمر بن الأزرق الكرماني؛ أريدك للوزارة، قال: لا أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح لها يا أمير المؤمنين، قال: ترفع نفسك عنها؟! قال: ومن يرفع نفسه عن الوزراة؟ ولكني قلت هذا رافعاً لها، وواضعاً لنفسي بها، فقال المأمون: إنا نعرف موضع الكفاة الثقات، المتقدمين من الرجال، ولكن دولتنا منكوسة إن قومناها بالراجحين انتقضت، وإن أيدناها بالناقصين استقامت، ولذلك اخترت استعمال الصواب فيك.
قال المبرد: انشد المأمون بيت أبي العتاهية: الوافر
تعالى الله يا سلم بن عمروٍ ... أذل الحرص أعناق الرجال
فقال: الحرص مفسدة للدين والمروءة، والله ما عرفت من أحد قط حرصاً أو شرهاً فرأيت فيه مصطنعاً.
كان المأمون يقول: من لم يحمدك على حسن النية لم يشكرك على جميل الفعل.(14/112)
قال أبو العالية: سمعت المأمون يقول: ما أقبح اللجاجة بالسلطان، وأقبح من ذلك الضجر من القضاة قبل التفهم، وأقبحمنه سخافة الفقهاء بالدين، وأقبح منه البخل بالأغنياء، والمزاح بالشيوخ، والكسل بالشباب، والجبن بالمقاتل.
قال المأمون: اظلم الناس لنفسه من عمل بثلاث: من يتقرب إلى من يبعده، ويتواضع لمن لا يكرمه، ويقبل مدح من لا يعرفه.
قال مخارق: أنشدت المأمون قول أبي العتاهبة: الطويل
وإني لمحتاج إلى ظل صاحبٍ ... يرق ويصفو إن كدرت عليه
قال: أعد فأعدت سبع مرات، فقال لي: يا مخارق خذ مني الخلافة، وأعطني هذا الصاحب، لله در أبي العتاهبة، ما أحسن ما قال.
كان للمأمون ابن عم جيد الخط، فدخل عليه يوماً، فقال له المأمون: يا بن عمي، بلغني أنك جيد الخط، وذلك معدوم في أهلك فقال: يا امير المؤمنين، جودة الخط بلاغة اليد، قال: وبلغني أنك شاعر، قال: ذاك ضعه للشريف ورفعة للوضيع، قال: وبلغني أنك سخي، قال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود قلة ثقة بالمعبود، قال: فأنت أكبر أم أمير المؤمنين؟ قال: جوابي في ذلك جواب جدك العباس للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سئل، فقيل له: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر أم أنت؟ فقال: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر، وولدت قبله.
قال هدبة بن خالد: حضرت غداء المأمون. فلما رفعت المائدة جعلت التقط ما في الأرض، فنظر إلي المأمون، فقال: اما شبعت يا شيخ؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، إنما شبعت في فنائك وكنفك، ولكن حدثني حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أكل ما تحت مائدته أمن من الفقر. فنظر المأمون إلى خادم(14/113)
واقف بين يديه فأشار إليه، فما شعرت حتى جاءني ومعه منديل، فيه ألف دينار، فناولني، فقلت: يا أمير المؤمنين، وهذا أيضاً من ذلك.
قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: يا أبا عبد الله، قد أعطيتك ألف ألف وألف ألف وألف ألف وعليك دين! إن فيك سرفاً، قال: يا أمير المؤمنين إن منع الموجود سوء الظن بالمعبود، قال المأمون: أحسنت يا محمد، أعطوه ألف ألف وألف ألف وألف ألف.
قال ثمامة بن أشرس: تفرد المأمون يوماً في بعض تصيده، فانتهى إلى بعض بيوت البادبة، فرأى صبياً يضبط قربة، وقد غلبه وكاؤها، وهو يقول: يا أبه، اشدد فاها، فقد غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها. قال: فوقف عليه المأمون، فقال: يا فرخ غمه، ممن يكون؟ قال: من قضاعة، قال: من أيها؟ قال: من كلب، قال: وإنك لمن الكلاب! قال: لسنا هم، ولكنا قبيل يدعى كلباً، قال: فمن أيهم أنت؟ قال: من بني عامر، قال: من أيها؟ قال: من الأجدار ثم من بني كنانة، فمن أنت يا خال؟ فقد سألتني عن حسبي، قال: ممن تبغضه العرب كلها، قال: فأنت إذاً من نزار، قال: أنا ممن تبغضه نزار كلها، قال: فأنت إذاً من مضر، قال: أنا ممن تبغضه مضر كلها، قال: فأنت إذالً من قريش، قال: أنا ممن تبغضه قريش كلها، قال: فأنت إذاً من بني هاشم، قال: أنا ممن تحسده بنوهاشم كلها، قال: فأرسل فم القربة، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وضرب بيده إلى شكيمة الدابة وهو يقول: مشطور الرجز
مأمون يا ذا المن (ن الشريفه ... وصاحب الكتيبة الكثيفه
هل لك في أرجوزةٍ ظريفه ... أظرف من فقه أبي حنيفه؟
لا والذي أنت له خليفه ... ما ظلمت في أرضنا ضعيفه
عاملنا مؤنته خفيفه ... وما حبا فضلاً عن الوظيفه
والذئب والنعجة في سقيفه ... واللص والتاجر في قطيفه
قد سار فينا سيرة الخليفة
فقال له المأمون: أحسنت يا فرخ غمه، فأيهما أحب إليك، عشرة آلافٍ معجلة أو(14/114)
مئة ألف موكلة؛ قال: بل أؤخرك يا أمير المؤمنين. فما لبث أن أبلت الفرسان، فقال: احملوه، حتى كان أحد مسامريه.
ركب المأمون يوماً إلى المطبق، وبلغ القواد ركوبه فتبعوه، وكان رجل من الطالبيين يلقب بكلب الجنة، وكان طيباً ظريفاً، فكان كلب الجنة ممن ركب تلك العشية، قال: فبصر به المأمون، وفي يده خشبة من حطب الوقود، وفي اليد الآخرى لحافه، فقال: كلب الجنة؟ قال: نعم، كلب الجنة، بلغه ركوبك فجاء لنصرتك، والله ما وجدت سلاحاً إلا هذه المشققة من الحطب، ولا ترساً إلا لحافي هذا، وعياش بن القاسم في بيته ألف ترس وألف درع، والف سيف قائم غير مكترث، فوصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمه بثلاثين ألفاً؛ وجاء عياش يركض فشتمه المأمون وناله بمكروه.
قال عمرو بن سعيد بن سلم الباهلي:
كنت في حرس المأمون بحلوان حين قفل من خراسان. قال: فخرج لينظر إلى العسكر في بعض الليالي فعرفته، ولم يعرفني، فأغفلته، فجاء من ورائي حتى وضع يده على كتفي، فقال لي: من أنت، فقلت: أنا عمرو - عمرك الله - ابن سعيد - اسعدك الله - ابن سلم، سلمك الله، فقال: أنت الذي كنت تكلؤنا من هذه الليلة؟ فقلت: الله يكلؤك يا أمير المؤمنين، فأنشأ المأمون يقول: مشطور الرجز
إن أخا هيجاك من يسعى معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب زمانٍ صدعك
فرق من جميعه ليجمعك
ثم قال: أعطه لكل بيت ألف دينار، فوددت أن تكون الأبيات طالت علي فأجد الغناء، فقلت: يا أمير المؤمنين، وازيدك بيتاً من عندي فقال لي هات، فقلت:
وإن غدوت طالما غدا معك(14/115)
فقال: أعطه لهذا البيت ألف دينار، فما برحت من موقفي حتى أخذت خمسة آلاف دينار.
دخل المأمون يوماً ديوان الخراج، فمر بغلام جميل، على أذنه قلم، فأعجبه ما رأىمن حسنه، فقال: من أنت يا غلام؟ قال: الناشئ في دولتك وخريج أدبك يا أمير المؤمنين، المتقلب في نعمتك، والمؤمل لخدمتك، الحسن بن رجاء، فقال له المأمون: يا غلام، بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول، ثم أمر أن يرفع عن مرتبة الديوان، وأمر له بمئة ألف درهم.
قال أبو الفضل الربعي: لما ولد جعفر بن المأمون المعروف بابن بخه دخل المهنئون على المأمون فهنؤوه بصنوف من التهاني، وكان فيمن دخل العباس بن الأحنف، فمثل قائماً بين يديه ثم أنشأ يقول: الرجز
مد لك الله الحياة مدا ... حتى ترى ابنك هذا جدا
ثم يفدى مثلما تفدى ... كأنه أنت إذا تبدى
أشبه منك قامةً وقدا ... مؤزراً بمجده مردى
فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم.
كانت للرشيد هارون جارية غلامية، تصب على يده، وتقف على رأسه، وكان المأمون يعجب بها، وهو أمرد، فبينا هي تصب على هارون من إبريق معها، والمأمون مع هارون قد قابل بوجهه وجه الجارية إذ أشار إليها بقبلة، فزبرته بحاجبها، وأبطأت عن الصب في مهلة ما بين ذلك، فنظر إليها هارون، فقال: ما هذا؟! فتلكأت عليه، فقال: ضعي ما معك، علي كذا، إن لم تخبريني لأقتلنك، فقالت: أشار إلي عبد الله بقبلة، فالتفت إليه وإذا هو قد نزل به من الحياء والرعب ما رحمه منه فاعتنقه، وقال: أتحبها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: قم فادخل بها في تلك القبة، فقام، ففعل، فقال له، هارون: قل في هذا شعراً، فأنشأ يقول: المجتث
ظبي كنيت بطرفي ... عن الضمير إليه
قبلته من بعيد ... فاعتل من شفتيه(14/116)
ورد أحسن رد ... بالكسر من حاجبيه
فما برحت مكاني ... حتى قدرت عليه
عشق المأمون جارية لأم عيسى امرأته، فوجدت عليه فكتب إليها شعراً به: الوافر
أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي؟
فرضيت عنه. وجاءها فأخرجت إليه الجواري، فغنت الجارية الشعر من بينهن، فقال المأمون:
أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود
فقالت: خذها غير مبارك لك فيها.
قال بعض النخاسين: عرضت على المأمون جارية فصيحة، متأدبة، شطرنجية، فساومته في ثمنها بألفي دينار، فقال المأمون: إن هي أجازت بيتاً أقوله ببيت من عندها اشتريتها بما تقول، وزدتك. قال: فكم الزيادة يا أمير المؤمنين؟ قال: مئة دينار، قال: زدني، قال: مئتا دينار، قال: زدني، قال: ثلاث مئة دينار، قال: زدني، قال: خمس مئة دينار، قال: فليسألها أمير المؤمنين عما أراد، فأنشد المأمون: البسيط
ماذا تقولين فيمن شفه أرق ... من جهد حبك حتى صار حيرانا
فأجازته:
إذا وجدنا محباً قد أضر به ... داء الصبابة أوليناه إحسانا(14/117)
كان المأمون يهوى جارية من جواريه يقال لها: تتريف، فبعث إليها ليلة خادماً يأمرها بالمصير إليه، فجاءها الخادم، فقالت: لا والله، لا أجيؤه، فإن كانت الحاجة له فليصر إلي. فلما استبطأ المأمون الخادم أنشأ يقول: الطويل
بعثتك مشتاقاً ففزت بنظرةٍ ... وأغفلتني حتى أسأت بك الظنا
ونا جيت من أهوى وكنت مقرباً ... فيا ليت شعري عن دنوك ما أغنى
ورددت طرفاً في محاسن وجهها ... ومتعت باستمتاع نغمتها أذنا
أرى أثراً منها بوجهك ظاهراً ... لقد سرقت عيناك من حسنها حسنا
فقال الخادم: لا والله يا سيدي، إلا أنها قالت كذا وكذا، فقال: إذاً والله أقوم إليها.
ومن شعر المأمون يقوله في نديم له، وقد ثمل عنده سكراً، فناوله قدحاً بيده فقال: خذ، فقال: يدي لا تطاوعني، فقال: قم نم في فراشك، وكان ينام عنده، فقال رجلي لا تواتيني، فقال فيه المأمون: البسيط
أبصرته وظلام الليل منسدل ... وقد تمدد سكراً في الرياحين
فقلت: خذ قال: كفي لا تطاوعني ... فقلت: قم قال: رجلي لا تواتيني
إني غفلت عن الساقي فصيرني ... كما تراني سليب العقل والدين
ومن شعر المأمون: البسيط
مولاي ليس لعيشٍ أنت حاضره ... قدر ولا قيمة عندي ولا ثمن
ولا فقدت من الدنيا ولذتها ... شيئاً إذا كان عندي وجهك الحسن(14/118)
كتب الرضى إلى المأمون: السريع
إنك في دار لها مدة ... يقبل فيها عمل العامل
أما ترى الموت محيطاً بها ... يقطع منها أمل الآمل
يعجبك الذنب لما تشتهي ... وتأمل التوبة في قابل
والموت يأتي أهله بغتةً ... ماذا بفعل الحازم العاقل
دخل المريسي يوماً على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، إن ها هنا شاعراً يهجو، ويقول الشعر فيما أحدثناه من أمر القرآن، فأحب أن تحدد له عقوبة، فقال المأمون: أما غنه إن كان شاعراً فلست أقدم لك عليه، وإن كان فقيهاً أقدمت عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه يدعي الشعر، وليس بشاعر، فقال: إنه قد خطر على فؤادي في هذه الليلة أبيات فأنا أكتب بها إليه، فإن لم يجبني أقدمت عليه فكتب: المنسرح
قد قال مأموننا وسيدنا ... قولا له في الكتاب تصديق
إن علياً أعني أبا حسنٍ ... أفضل من أرقلت به النوق
بعد نبي الهدى وإن لنا ... أعمالنا والقران مخلوق
فلما قرأها الشاعر قال: اكتب: البسيط
يا أيها الناس لا قول ولا عمل ... لمن يقول كلام الله مخلوق
ما قال ذاك أبو بكر ولا عمر ... ولا النبي ولم يذكره صديق
ولم يقل ذاك إلا كل مبتدعٍ ... على الإله وعند الله زنديق
عمداً أراد به إمحاق دينكم ... لأن دينهم والله ممحوق
أصح يا قوم عقلاً من خليفتكم ... يمسي ويصبح في الأغلال موثوق؟
فلما ورد الشعر على المأمون التفت إلى المريسي فقال له: يا عاض كذا من أمه، لا يكني، أليس زعمت أنه ليس بشاعر؟ وأغلظ له في القول.(14/119)
قال معلى بن أيوب: وقف المأمون في بعض أسفاره وهو قافل إلى طرسوس في قدمته التي مات فيها، فوقف على شرفٍ عالٍ ثم انشاً يقول: البسيط
حتى متى أنا في حط وترحالٍ ... وطول سعيٍ وإدبارٍ وإقبالٍ
ونازح الدار لا أنفك مغترباً ... عن الأحبة ما يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها ... لا يخطر الموت من حرصٍ على بالي
ولو قعدت أتاني الرزق في دعةٍ ... إن القنوع الغنى لا كثرة المال
وصفت للمأمون جارية، بكل ما توصف امرأة من الكمال والجمال، فبعث في شرائها فأتي بها وقت خروجه إلى بلاد الروم. فلما هم ليلبس درعه خطرت بباله، فأمر، فأخرجت إليه. فلما نظر إليها أعجب بها؛ فقالت: ما هذا؟ قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم. قالت: قتلتني والله يا سيدي، وحدرت دموعها على خدها كنظام اللؤلؤ، وأنشأت تقول: الوافر
سأدعو دعوة المضطر رباً ... يثيب على الدعاء ويستجيب
لعل الله أن يكفيك حرباً ... ويجمعنا كما تهوى القلوب
فضمها المأمون إلى صدره، وأنشأ يقول: الطويل
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها ... وإذ هي تذري الدمع منها الأنامل
صبيحة قالت في العتاب قتلتني ... وقتلي بما قالت هناك تحاول
ثم قال لخادمه: يا مسرور، احتفظ بها، وأكرم محلها، وأصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح لها كل ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي، فلولا ما قال الأخطل حين يقول: البسيط
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار(14/120)
ثم خرج، فلم يزل يتعهدها، ويصلح ما أمر به، فاعتلت الجارية علةً شديدة، وورد عليها نعي المأمون. فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وتوفيت. وكان مما قالت وهي تجود بنفسها: البسيط
إن الزمان سقانا من مرارته ... بعد الحلاوة انفاساً وأروانا
أبدى لنا تارة منه فأضحكنا ... ثم انثنى تارة أخرى فأبكانا
إنا إلى الله فيما لا نزال به ... من القضاء ومن تلوين دنيانا
دنيا نراها ترينا من تصرفها ... مالا يدوم مصافاةً وأحزانا
ونحن فيها كأنا لا نزايلها ... للعيش أحياؤنا يبكون موتانا
توفي المأمون وسنة ثمان وأربعون سنة، وقيل تسع وأربعون، وسنه الصحيح ثمان وأربعون سنة وأ؟ ربعة أشهر وخمسة أيام. وتوفي ناحية طرسوس في رجب سنة ثمان عشرة ومئتين. ودفن بطرسوس في دار خاقان الخادم. وقال أبو سعيد المخزومي: الخفيف
ما رأيت النجوم أغنت من المأ ... مون في عز ملكه المأسوس
خلفوه بعرصتي طرسوس ... مثلما خلفوا أباه بطوس
عبد الله بن هارون
أبو إبراهيم الصوري حدث عن الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خيار أمتي خمس مئة، والأبدال أربعون، فلا الخمس مئة ينقصون، ولا الأربعون ينقصون. وكلما مات بدل ادخل الله من الخمس مئة مكانه، وأدخل في الأربعين مكانهم، فلا الخمس مئة ينقصون، ولا الأربعون ينقصون؛ فقالوا: يا رسول الله، دلنا على أعمال هؤلاء، فقال: هؤلاء يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويواسون مما آتاهم(14/121)
الله، قال: وتصديق ذلك في كتاب الله " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ".
عبد الله بن هاشم بن عتبة
ابن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري الكوفي أقدمه معاوية لشيء بلغه عنه.
حدث أبو الهيثم الحميري قال: إني لعند معاوية ذات يوم، وكتب إلى زياد بن أبي سفيانأن اطلب لي عبد الله بن هاشم المرقال في منزل سارة مولاة بني هاشم، فإن ظفرت به فاشدد يده إلى عنقه، وألبسه مدرعة من صوف، واحمله على قتب، ووجه به إلي، فلما قرأ زياد الكتاب طلب الرجل فأصابه، فوجه به إليه على حال ما وصف له معاوية فلم يصل إلى معاوية حتى لوحته الشمس، وغيرت لونه. فلما دخل عليه، وعنده عمرو بن العاص، فقال له معاوية: يا عمرو اتعرف الرجل الماثل بين يديك؟ فنظر إليه عمرو بن العاص طويلاً، وقال: لا يا أمير المؤمنين، قال: هذا ابن الذي يقول: الرجز
إني شريت النفس لما اعتلا ... واكثر الوين ولم يقلا
أعور يبغي أهله محلا ... قد عالج الحياة حتى ملا
لا بد أن يفل أو يفلا ... أتلهم بذي الكعوب تلا
لا خير منا في كريمٍ ولى(14/122)
قال: عرفت يا أمير المؤمنين: الضب المضب، فأشخب أوداجه على أثباجه، فإنه إن أفلت من حبالك بعد أن رمت، ومن قرانك بعد أن حزمت، ليحملن عليكجيشاً تحيا فيه أصائله ويكثر فيه صهيله ودواغله، فإن العصا من العصية، ولا تلد الحية إلا حية، وإنما مثله يا أمير المؤمنين كما قال الشاعر: الوافر
أمامة قد حللت بلاد قومٍ ... هم الأعداء والأكباد سود
هم إن يأخذوني يقتلوني ... ومن أثقف فليس له خلود
قال: فقال عبد الله بن هاشم: فأين كنت عن ذلك يا بن الأبتر يوم تلوذ بعاتق الدماث، وتطير مع الغداف، يوم كسرتك بصفين، وأنت كالأمة السوداء لا تمنع يد لامس، فقال معاوية: تلك أضغان صفين، وما ورثك أبوك. قال: فما فيك يا معاويةما تنتصر حتى تسلط علينا عبدكم، والله لئن شئت لأربدن وجهه، ولأخرسن لسانه، وليقومن وبين كتفيه عنابة يلين لها أخدعاه، فأمر به معاوية إلى الحبس، وخرج عمرو مغضباً وأنشأ يقول: الطويل.
أمرتك أمراً حازماً فعصيتني ... وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
أليس أبوه يا بن هند الذي به ... رمانا علي يوم حز الغلاصم
يقتلنا حتى جرت من دمائنا ... بصفين أمثال البحار الخضارم
فهذا ابنه والمرء يشبه عيصه ... ولا شك أن تقرع به سن نادم(14/123)
فبلغ ذلك عبد الله بن هاشم فكتب إلى معاوية من الحبس: الطويل
معاوي إن المرء عمراً أتت به ... ضغينة صدرٍ ودها غير سالم
يرى لك قتلي يا بن هند وإنما ... يرى ما يرى عمرو وملوك الأعاجكم
على أنهم لا يقتلون أسيرهم ... إذا كان منهم منعة للمسالم
وقد كان منا يوم صفين وقعة ... عليك جناها هاشم وابن هاشم
مضى من قضاء الله فيها الذي مضى ... وما قد مضى منها كأضغاث حالم
هي الوفعة العظمى التي تعرفونها ... وكل على ما فات ليس بنادم
فإن تعف عني تعف عن ذي قرابةٍ ... وإن تر قتلي تستحل محارمي
فقال معاوية:
أرى العفو عن عليا معد وسيلةً ... إلى الله في اليوم العبوس القماطر
فبعث إليه معاوية، فأخرجه من السجن، فحلف أن لا يخرج عليه، فأحسن جائزته وخلى سبيله.
وكان هاشم بن عتبة صاحب راية علي بن أبي طالب، فقتل، فتناول الراية ابنه عبد الله بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال، فقاتل قتالاً شديداً.
عبد الله بن أبي هاشم بن عتبة
ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي العبشمي قال سعيد بن عبد العزيز: لما حضرت عبد الله بن أبي هاشم بن ربيعة الوفاة، وكان ولي عهد معاوية ترك مئتي ألف دينار، فقال: ياليته كان بعيراً محيلاً، يا ليتني غلام من غلمان المهاجرين، لي فرس وغلام ونعلان أغزو عليهما في سبيل الله، قال أبو ريحانة: الله أكبر يفرون إلينا، ولا نفر إليهم.(14/124)
عبد الله بن هبة الله بن القاسم
أبو محمد الصوري، ابن السمسار المعدل حدث عن أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى المازني بسنده إلى المقداد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان في مصر من الأمصار يسعى على عياله في عسرة ويسرة جاء يوم القيامة مع النبيين. أما إني لا أقول: يمشي معهم، ولكن في منزلتهم.
توفي أبو محمد عبد الله سنة سبع وسبعين وأربع مئة. وكان مولده سنة خمس وأربع مئة، وذكر أن له ثلاثاً وسبعين سنة.
عبد الله بن هشام بن عبد الله بن سوار
أبو الحسين العنسي الداراني قال عبد الله بن هشام قال أبو محمد بن عطية: الخفيف
إن من لم يكن على الناس ذئباً ... أكلته في ذا الزمان الذئاب
توفي أبو الحسين عبد الله بن هشام سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
عبد الله بن همام بن نبيشة
ابن رياح بن مالك بن الهجيم بن خوزة بن عمرو بن مرة ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو عبد الرحمن السلولي شاعر مشهور، من فحول الشعراء، من أهل الكوفة. قالوا: وولد مرة بن صعصعةأمهم سلول إليهم ينسبون. استقدمه يزيد بن معاوية، وكان قد وجد عليه في(14/125)
أشعار قالها. فلما قدم عليه مدحه بأشعار حثه فيها على العهد إلى ابنه معاوية بن يزيد. وكان يقال له: العطار من حسن شعره. وكان في صدر الإسلام، وكان وجيهاً عند آل أبي سفيان، مكيناً عندهم، وبلغ شيئاً عالياً، وهو القائل للنعمان بن بشير أيام تقلده الكوفة: الطويل
إذا انتصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول يخلفه الفعل
وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ... أفاويق حتى ما يدر لها ثعل
وله لما بويع يزيد بن معاوية: الوافر
شربنا الغيظ حتى لوسقينا ... دماء بني أمية ما روينا
ولو جاؤوا برملة أو بهندٍ ... لبايعنا أميرة مؤمنينا
وكان عبد الله بن همام رجلاً له جاه عند السلطان ووصلة بهم، وكان سرياً في نفسه، له همة تسمو به، وكان عند آل حرب مكيناً حظياً فيهم، وهو الذي جرأ يزيد بن معاوية على البيعة لابنه معاوية، فأنشده شعراً رثى فيه معاوية بن أبي سفيان، وحضه على البيعة لابنه معاوية بن يزيد فقال: الوافر
تعزوا يا بني حربٍ بصبرٍ ... فمن هذا الذي يرجو الخلودا؟
لعمر منا خهن ببطن جمعٍ ... لقد جهزتم ميتاً فقيدا
لقد وارى قبيلكم بياناً ... وحلماً لا كفاء له وجودا
وجدناه بغيضاً في الأعادي ... حبيباً في رعيته حميدا
أميناً مؤمناً لم يقض أمراً ... فيوجد غبه إلا رشيدا
فقد أضحى العدو رخي بالٍ ... وقد أمسى التقي به عميدا(14/126)
فعاض الله أهل الدين منكم ... ورد لنا خلافتكم جديدا
مجانبة المحاق وكل نحسٍ ... مقارنة الأيامن والسعودا
خلافة ربكم خافوا عليها ... ولا ترموا بها الغرض البعيدا
تلقفها يزيد عن أبيه ... وخذها يا معاوي عن يزيدا
فإن دنياكم بكم اطمأنت ... فأولوا أهلها خلقاً سدسدا
وإن ضجرت عليكم فاعصبوها ... عصاباً تستدر به شديدا
وأنشده غيرها أيضاً. فلم يزل في نفس يزيد حتى بايع لمعاوية ابنه، فعاش بعد أبيه أربعين ليلة بعد أن أتته البيعة من الآفاق، ثم مات. وقيل له: أوصه، فقال: ما أحب أن أزودهم الدنيا وأخرج عنها.
قال الأصمعي: وشى واشٍ بعبد الله بن همام السلولي إلى زياد فقال له: إن ابن همام هجاك، فقال له: وما علمك؟ قال: أنا جاره وأعلم الناس به، فقال: أنا أجمع بينكما، فقال: ذلك إليك، فأدخله بيتاً، وبعث إلى ابن همام، فأحضره ثم قال له: بلغني أنك هجوتني فقال له: ما فعلت ذلك أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمحك الله، ولا أنت لذلك بأهل، فقال: إن فلاناً بلغني، وأخرج الرجل إليه، فقال له ابن همام: أنا هجوت الأمير؟ فقال: نعم، فأطرق ابن همام قليلاً ثم أنشأ يقول: الطويل
وأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت وإما قلت قولاً بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلةٍ بين الخيانة والإثم
فأعجب زياداً جوابه، وأقصى الساعي، ولم يقبل منه.(14/127)
عبد الله بن هلال بن الفرات
أبو محمد الربعي الدومي دمشقي، سكن بيروت، وكان أحد الزهاد، وكان صادقاً، صالحاً.
حدث عن أحمد بن أبي الحواري بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من رضي عن الله رضي الله عنه.
وحدث عنه أيضاً بسنده إلى فضيل بن غزوان الضبي قال: لقيني أبو إسحاق السبيعي فقال: والله إني لأحبك، ولولا الحياء لقبلتك، فقال أبو إسحاق: حدثني أبو الأحوص عن عبد الله أن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله " لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ".
وحدث عنه أيضاً بسنده إلى محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تجالس قوم مجلسا فلم ينصت بعضهم لبعض إلا نزع من ذلك المجلس البركة.
وحدث عنه أيضاً بسنده إلى محمد بن المنكدر قال: إن العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم.
وحدث عنه أيضاً بسنده إلى سفيان الثوري قال: وددت أن كل حديث في صدري، وكل حديث حفظه الرجال عني نسخ من صدري وصدورهم، فقلت: يا أبا عبد الله، ذا العلم الصحيح، وذا السنة الواضحة التي بثثتها، تمنى أن تنسخ من صدرك وصدور الرجال؟! قال: اسكت، وما يدريك، لست أريد أن أقف يوم القيامة حتى أسأل عن كل مجلس جسته، وعن كل حديث حدثته: إيش أردت به؟(14/128)
وحدث عنه قال: وسئل سفيان بن عيينة عن الزهد فقال: من لم تمنعه النعماء من الشكر، ولا البلوى من الصبر، فذاك عندنا الزهد. قال أحمد: فقلت له: قد يكون لا تمنعه النعماء من الشكر ويمسكها، قال: فضرب بمؤخر يده ساقي ثم قال: اسكت، من لم تمنعه النعماء من الشكر، ولا البلوى من الصبر فذاك عندنا الزاهد.
وحدث عنه بسنده إلى سفيان قال: لما جاء البشير إلى يعقوب عليه السلام قال: على أي دين تركت يوسف عليه السلام؟ قال: على الإسلام، فقال: الآن تمت النعمة.
وحدث عنه قال: سمعت أبا سليمان يقول: كل ما شغلك عن الله من أهل أو مال أو ولد فهو عليك مشؤوم.
عبد الله بن يحيى بن موسى
أبو محمد السرخسي القاضي له رحلة إلى مصر والشام.
حدث عن سعيد بن يعقوب الطالقاني بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أصبح مطيعاً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة، وإن كان واحداً فواحداً. ومن أمسى غاضباً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار، وإن كان واحداً فواحداً. قال الرجال: وإن ظلماه؟! قال: وإن ظلماه، وإن ظلماه.
عبد الله بن يزيد بن آدم السلمي
وقال: الأودي البابي حدث عن أبي الدرداء وأبي أمامة الباهلي وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع قالوا: خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نتمارى في أمر الدين، فغضب غضباً شديداً لم(14/129)
يغضب مثله ثم قال: مه مه يا أمة محمد، لا تهيجوا على انفسكم وهج النار، ثم قال أبهذا أمرتم؟! أوليس عن هذا نهيتم؟ أوليس إنما هلك من كان قبلكم بهذا؟ ثم قال: ذرواالمراء، لعله خيرة فإن نفعه قليل، ويهيج العداوة بين الإخوان، ذروا المراء، فإن المراء لا تؤمن فتنته، ولا تغفل حكمته، ذروا المراء، فإنه يورث الشك، ويحبط العمل، ذروا المراء، فكفاك إثماً أن لا تزال مما رياً، ذروا المراء، فإن المؤمن لا يماري، فانا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة لمن ترك المراء وهو صادق، ذروا المراء، فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة، ذروا المراء، فإن أول ما نهاني عنه ربي عز وجل بعد عبادة الأوثان المراء وشرب الخمر، ذروا المراء، فإن الشيطان قد يئس أن تعبدوه، ولكن قد رضي منكم بالتحريش، وهو المراء في دين الله عز وجل، ثم قال: إن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة، وإن أمتي تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها ضال إلا السواد الأعظم، قالوا: يا رسول الله، وما السواد الأعظم؟ قال: من لا يماري في دين الله، ومن كان على ما أنا عليه اليوم. قال ابن عباس في قول الله عز وجل: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله عز وجل: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله عز وجل: " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ": هم أصحاب الأمراء والخصومات في دين الله عز وجل وقوله: " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله: " فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزبٍ بما لديهم فرحون ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله عز وجل. وقوله عز وجل: " إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله عز وجل: "(14/130)
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله عز وجل: " أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، ثم قال ابن عباس: اجتمعوا على القرآن ما اتفقت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا، فإن المراء بالقرآن كفر.
وحدث عنهم قالوا: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء. قالوا: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلون إذا فسد الناس، فلا يمارون في دين الله، ولا يكفرون أهل القبلة بذنب.
ذكر عنه أن أحاديثه موضوعة.
عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز
أبو يحيى القسري البجلي. أبو خالد بن عبد الله الأمير.
من أهل دمشق. كان مع عمرو بن سعيد حين غلب على دمشق. فلما قتل عمرو سيره عبد المك فلحق بابن الزبير فوجهه إلى العراق. فلما أمن عبد الملك الناس بعد قتل ابن الزبير سألت اليمانية عبد الملك فيه فأمنه.
وقيل: إن عبد الله كان كاتباً مفوهاً وغنه كتب لحبيب بن مسلمة في خلافة عثمان، فنال حظاً وشرفاً. وقيل: إنه غير صحيح النسب في بجيلة.(14/131)
عن سيار أنه سمع خالد بن عبد الله القسري وهو يخطب على المنبر وهو يقول: حدثني أبي عن جدي أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتحب الجنة؟ قال: قلت: نعم. قال: فأحب لأخيك ما تحب لنفسك.
وعن بسر بن عبيد الله الحضرمي قال:
لما بعث زياد بحجر بن عدي وأصحابه إلى معاوية قال: فأمر معاوية بحبسهم بمكان يقال له مرج العذراء، ثم استشار الناس فيهم، فجعلوا يقولون: القتل القتل، قال: فقام عبد الله بن يزيد بن أسد البجلي وهو أبو خالد فقال: يا أمير المؤمنين، أنت راعينا، ونحن رعيتك، وأنت ركننا ونحن عمادك، إن عاقبت قلنا: أصبت، وإن عفوت قلنا: أحسنت، والعفو أقرب للتقوى، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته، فتفرق القوم على قوله.
وكان أعور، ذهبت عينه يوم مرج راهط، وكان من عقلاء الرجال. قال له عبد الملك يوماً: ما مالك؟ قال: شيئان لا عيلة علي معهما: الرضى عن الله والغناء عن الناس. فلما نهض من بين يديه قيل له: ألا أخبرته بمقدار مالك؟ فقال: لم يعد أن يكون قليلاً فيحقرني أو كثيراً فيحسدني.
عبد الله بن يزيد بن راشد
أبو بكر الدمشقي القرشي المرئ المعروف بحمار القراء حدث عن صدقة بن عبد الله بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفر لحيته وما فيها عشرون شعرة بيضاء.
وحدث عنه بسنده إلى أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه، ويعين عليه مالا يعين على العنف.
توفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين، مولده سنة ست وثلاثين ومئة. عمر خمساً وتسعين سنة.(14/132)
عبد الله بن يزيد بن ربيعة
وقيل: عبد الله بن ربيعة بن يزيد حدث عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان داود عليه السلام يقول: اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم، اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي والماء البارد. قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر داود وحدث عنه قال: كان أعبد البشر.
عبد الله بن يزيد بن عبد الله
ابن أصرم بن شعيثة بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال أبو ليلى الهلالي شاعر شامي، وهو جد زفر بن عاصم.
وقف عبد الله بن يزيد بباب عبد الملك بن مروان مع جماعة فأذن لغيره قبله فقال: الطويل
فلو كنت صهراً لابن مروان قربت ... ركابي وأصحابي إلى المنزل الرحب
ولكني صهر النبي محمدٍ ... وخال بني العباس والخال كالأب
أراد بالمصاهرة كون ميمونة بنت الحارث الهلالية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأختها لبابة الكبرى بنت الحارث عند العباس بن عبد المطلب، وهي أم الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وقثم، ومعبد، وعبد الرحمن بن العباس. وعبد الله بن يزيد هو القائل فيهم: الرجز(14/133)
ما ولدت بختية من فحل ... بجبلٍ نعلمه أو سهل
كنسبةٍ من نجل أم الفضل ... أكرم بها من كهلةٍ وكهل
وله يهجو بني عبس: الطويل
فسادة عبسٍ في الحديث نساؤها ... وقادة عبسٍ في القديم عبيدها
يريد بقوله نساؤها: أم الوليد وسلميان ابني عبد الملك وأمهما عبسية، وقوله عبيدها: يريد عنترة بن شداد.
عبد الله الأكبر ويقال الأوسط
ابن يويد بن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي، وهو المعروف بالأسوار لقب بذلك لجودة رميه. وأمه أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر.
قال مصعب بن عثمان:
دخل عبد الله بن يزيد بن معاوية على أخيه خالد بن يزيد فقال: لقد هممت اليوم بقتل الوليد بن عبد الملك فقال له خالد: بئس ما هممت به، ابن أميرالمؤمنين وولي عهد المسلمين؟! فقال: إنه لقي خيلي فعقرها، وتلعب بها، فقال له خالد: أنا أكفيكه إن شاء الله، فدخل خالد على عبد الملك وعنده الوليد بن عبد الملك، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن ولي عهد المسلمين ابن أمير المؤمنين لقي خيل ابن عمه بعد الله بن يزيد فعقرها وتلعب بها، فنكس عبد الملك، وقرع الأرض بقضيب في يده ثم رفع رأسه إليه فقال: " إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون " فقال له خالد: " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق(14/134)
عليها القول فدمرناها تدميراً " فقال له عبد الملك: أتكلمني فيه وقد دخل علي لا يقيم لسانه لحناً؟! فقال له خالد: يا أمير المؤمنين، أفعلى الوليد تعول في اللحن؟ قال: إن يك لحاناً فأخوه سليمان، قال خالد: وإن يك لحاناً فأخوه خالد، فقال الوليد لخالد: أتكلمني ولست في عير ولا في نفير؟! قال خالد: ألا تسمع يا أمير المؤمنين ما يقول هذا؟ أنا والله ابن العير والنفير، سيد العير جدي أبو سفيان، وسيد النفير جدي عتبة، ولكن لو قلت: حبيلات وغنيمات والطائف لقلنا صدقت، ورحم الله عثمان.
عبد الله بن يزيد أبو إلا صبع
حدث عن صفوان بن صالح بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: كنا مع رجاء بن حيوة فتذاكرنا شكر النعم فقال: ما أحد يقوم بشكر نعمه، وخلفنا رجل على رأسه كساء، فكشف الكساء عن رأسه، فقال: ولا أمير المؤمنين؟ قلنا: وما ذكر أمير المؤمنين هاهنا؟! إنما أمير المؤمنين رجل من الناس، فغفلنا عنه، فالتفت رجاء فلم يره، فقال: أتيتم من صاحب الكساء، ولكن إن دعيتم فاستحلفتم فاحلفوا. فما علمنا إلا وحرسي قد أقبل فقال: أجيبوا أمير المؤمنين، فأتينا باب هشام، فأذن لرجاء من بيننا. فلما دخل عليه قال: هيه يا رجاء! يذكر أمير المؤمنين فلا تحتج له؟! قال: فقلت: وما ذاك يا امير المؤمنين؟ قال: ذكرتم شكر النعم فقلتم: ما احد يقوم بشكر نعمه، قيل لكم: ولا أمير المؤمنين؟! فقلتم: أمير المؤمنين رجل من الناس، فقلت: لم يكن ذاك، قال: الله، قلت: الله قال رجاء: فأمر(14/135)
بذلك الساعي فضرب سبعين سوطاً وخرجت، وهو متلوث في دمه، فقال: هذا وأنت ابن حيوة؟! قلت: سبعون في ظهرك خير من دم مؤمن. قال ابن جابر: فكان رجاء بن حيوة إذا جلس بعد ذلك في مجلس التفت فقال: احذروا صاحب الكساء.
عبد الله بن يوسف
أبو محمد الدمشقي نزل تنيس.
حدث عن الهيثم بن حميد بسنده إلى أبي موسى الأشعري إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل يبعث الأيام على هيأتها، ويبعث يوم الجمعة وهي زهراء منيرة، أهلها محفون بها، كالعروس تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج، وريحهم يسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان ما يطرفون تعجباً، حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون.
وحدث عن يحيى بن حمزة بسنده إلى أبي الدرداء قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره في يوم حارٍ، إن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، فما كان منا صائم إلا ما كان من نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن رواحة.
توفي بمصر سنة ثمان عشرة ومئتين. وكان ثقة حسن الحديث، وروى عن مالك الموطأ. وكان يحيى بن معين يقول: ما بقي على أديم الأرض أحد أصدق في الموطأ من عبد الله بن يوسف التنيسي.
عبد الله الأسدي
سمع أبا الدرداء بدمشق.
قال عبد الله الأسدي: بينا أنا وأبو الدرداء ليلة في رمضان إذ سلم من بعض القيام، فالتفت إلى الناس، فقال: يا أهل دمشق، ألا تستحيون مما تصنعون؟! والله إنكم لإخواني في(14/136)
الدين، وجيراني في الديار، وأعواني على العدو، أفلا تستحيون مما تصنعون؟: تجمعون مالا تاكلون، وتبنون مالا تسكنون، وتأملون ما لا تدركون كالذين من قبلكم بنوا شديداً، وجمعوا كثيراً، وأملوا بعيداً، فأصبحت بيوتهم قبوراً، وجمعهم بوراً، واصبح أملهم غروراً.
عبد الله أبو يحيى المعروف بالبطال
كان ينزل أنطاكية. لما أراد عبد الملك بن مروان بن الحكم أن يوجه ملسمة ابنه إلى بلاد الروم قال: قد أمرت عليكم مسلمة بن عبد الملك. قال: وولى على رؤساء أهل الجزيرة والشام البطال، وأقبل على مسلمة فقال: صير على طلائعك البطال، وأمره فليعس باللسيل العسكر، فإنه أمين، ثقة، مقدام، شجاع.
قالوا: وعقد مسلمة للبطال على عشرة آلاف من المسلمين، فجعلهم سيارة فيما بين عسكر المسلمين، وما يليهم من حصون الروم، ومن يتخوفون اعتراضه في نشر المسلمين وعلاقاتهم، ويخرج المسلمون يتعلقون فيما بينهم وبين العسكر، فيصيبون ويخطئون، فيأمن بهم العسكر وتلك العلاقات.
قال البطال: سألني بعض ولاة بني أمية عن أعجب ما كان من أمري مع الروم فقلت: خرجت في سرية ليلاً، ودفعنا إلى قرية، وقلت لأصحابي: أرخوا لجم خيولكم، ولا تحركوا أحداً بقتل ولا سبي حتى تشحنوا القرية فإنهم في نومة. قال: ففعلوا، وافترقوا في أزقتها، وذفعت في ناسٍ من أصحابي إلى بيت يزهر سراجه، وامرأة تسكت ابنها من بكائه، وهي تقول: لتسكتن أو لأدفعنك إلى البطال يذهب بك. فانتشلته من سريره فقال: أمسك يا بطال، فأخذته.(14/137)
حدث أبو مروان قال: سمعت البطال يحدث قال: خرجت ذات يوم متوحداً على فرسي لأصيب غفلة - أو منفرداً متسمطاً مخلاة فيها عليق فرسي، ومنديل فيه خبز وشواء. فبينا أنا أسير إذ مررت ببستان فيه بقل طيب، فنزلت، فعلقت على فرسي، وأصبت من ذلك الشواء ببقل البستان إذ أسهلني بطني، فاختلفت ماراً، فأشفقت من دوائه وضعفي عما يجيء علي من الركوب، فبادرت فركبت، ولزمت طريقاً، واستفرغني على سرجي كراهية أن أنزل فأضعف عن الركوب حتى لزمت عنقه مخافة أن أسقط عنه، وذهب بي، ولا أدري أين يذهب بي إذ سمعت وقع حوافره على بلاط، ففتحت عيني فإذا دير، فوقف في وسط الدير، وإذا نسوة يتطلعن من أبواب الدير. فلما رأين أنه لا تبع لي، ورأين حالي وضعفي عن النزول خرجت صاحبة منهن حتى وقفت علي، ونظرت في وجهي، وعرفت من حالي، ورطنت لهن تحتسب علي، فأمرتهن فنزعن ثيابي وغسلن ما بي، ودعت بثياب فألبستنيها وترياق أو دواء فشربته، ثم أمرت بي فجعلت على سرير لها ودثار، وامرت بطعام فهيئ لي، فأتيت به، وأقمت يومي ذاك. وتلك الليلة مسبوتاً، لا ادري ما أنا فيه، وأصبحت من الغد على ضعف من الركوب، وأقمت ليلتي ويومي وليلتي، فذهب عني السبات، وأنا ضعيف عن الركوب، حتى كان في اليوم الثالث جاءها من يخبرها أن فلاناً البطريق قد أقبل في موكبه، فأمرت بفرسي فغيب، وأغلق علي باب بيتي الذي أنا فيه، ودخل البطريق، فانزلته منزلاً، واقتفت به وبأصحابه، وأسمع بعض النسوة تخبر أنه خاطب لها، فبينا هو على ذلك إذ جاءه من يخبره عن موضع فرسي وإغلاقهم علي، فهم ان يهجم علي، فأقسمت لئن تعرضني لا نال حاجته، فأمسك، وأقام قائلة ذلك اليوم في قرى ثم تروح، وخرجت، فدعوت بفرسي، فخرجت إلي فقالت: إني لا آمن أن يكمن لك، دعه يذهب، فأبيت عليها وركبت، فقفوت الأثر حتى لحقته، وشددت عليه، فانفرج عنه أصحابه فقتلته، وطلبت أصحابه فهربوا عني، وأخذت فرسه وسمطت رأسه، ورجعت إلى الدير فألقيت الرأس، ودعوتها ومن معها من نسائها(14/138)
وخدمها، فوقفن بين يدي وأمرتها بالرحلة ومن معها على دواب الدير، وسرت بهن إلى العسكر حتى دفعت بهن إلى الوالي، فجعل نفلي منهن، فتنفلت المرأة بعينها، وسلمت سائر الغنيمة في المقسم واتخذتها.، فهي أم بني. قال أبو مروان: وكان أبوها بطريقاً من بطارقة الروم له شرف، يهاديه ويكاتبه.
حدث آبو يحيى البطال:
أن هشاماً أو غيره من خلفاء بني أمية كان قد استعمله على ثغر المصيصة وما يليها، وإنه راث عليه خبر الروم، فوجه سرية لتأتيه بالخبر عن غير إذن من الوالي. قال: فتوجهوا، وأجلتهم أجلاً، فاستوعبوا الأجل، فأشفقت من مصيبتهم ولائمة الخليفة، فخرجت متوحداً حتى وغلت في الناحية التي أمرتهم بها، فلم أجد لهم خبراً، فعرقت أنهم أجبروا بغفلة ناحية أخرى فتوجهوا إليها، وكرهت أن أرجع، ولم أسنقذهم مما هم فيه، إن كان عدو يكاثرهم، وأعرف من خبرهم ما أسكن إليه، فلم أجد أحداً يخبرني بشيء فمضيت حتى أقف على باب عمورية، فضربت بابها، وقلت للبواب: افتح لفلان سياف الملك ورسوله، وكنت أشبه به، فأعلم ذلك صاحب عمورية، فأمره بفتح الباب، ففعل أدخلني. فلما صرت إلى بلاطها وقفت وأمرت من يشتد بين يدي إلى باب بطريقها ففعل، ووافقت باب البطريق قد فتح، وجلس لي، ونزلت عن فرسي وأنا متلثم بعمامتي، فأذن لي، ومضيت حتى جلست على مثال إلى جانب مثاله، فرحب بي، وقرب، وقلت: أخرج من أرى فإني قد حملت إليك، فأخرجهم، وشددت عليه حتى غلق باب الكنيسة، وعاد إلى مجلسه، واحترطت سيفي فضربت به على رأسه، فقلت له: قد وقعت بهذا الموضع فاعطني عهداً حتى أكلمك بما أردت حتى أرجع من حيث جئت، لا يتبعني منك خلاف، ففعل، فقلت: أنا البطال، فاصدقني عما أسألك عنه، وانصحني وإلا أجزت عليك، فقال: سل عما بدا لك، فقلت: السرية، فقال: نعم، وافت البلاد غارة لا يدفع أهلها يد لامس، فوغلوا في البلاد، وملؤوا أيديهم غنائم، وهذا(14/139)
آخر خبر جاءني: إنهم بوادي كذا. قد صدقتك، وليس عندي من خبرهم غير هذا، فغمدت سيفي وقلت: ادع لي بطعام فدعا، ثم قمت وقال: اشتدوا بين يدي رسول الملك، حتى يخرج، ففعلوا، وقصدت إلى السرية حتى قدمت عليهم، وخرجت بهم بما غنموا. فهذا أعجب ما كان.
قفل البطال من حجه في السنة التي قتل فيها رحمه الله. وأخبر أنه لم يزل فيما مضى من عمره مشتغلاً عن حجه الإسلام بما فتح له من الجهاد، وأنه سأل الله الحج والشهادة، وأن الله قد قضى عنه حجة، وهو يرجو أن يرزقه الشهادة في عامه هذا، ثم مضى إلى منزله، وغزا في عامه، فاستشهد. رحمه الله تعالى.
وكان ليون طاغية الروم قد خرج في نحو من مئة ألف، وأشار البطال على مالك بن شبيب - مقدم الجيش - باللحاق ببعض مدن الروم، والتحصن بها حتى يلحقهم الأمير سليمان بن هشام فعصاه في إشارته. قال: ولقينا ليون، فقاتل مالك ومن معه حتى قتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس، فتجمعوا عليه وشد عليهم، فذكر بعض من كان معه اسمه فشدت عليه فرسان الروم حتى شالته برماحها عن سرجه، وألقته إلى الأرض، وأقبلت تشد على بقية المسلمين، والناس معتصمون بسيوفهم حتى كان مع اصفرار الشمس، وليون طاغية الروم قد نزل عن دابته، فضربت له مغارة، وأمر برهبانه وأساقفته فأحضروا، فرفع يده ورفعوا أيديهم يستنصرون على المسلمين، ورأوا من قلتهم وقلة من بقي، قال: ناد يا غلام برفع السيف، وترك بقية القوم لله، وانصرفوا بنا إلى معسكرنا، والقوم في بلادنا، نفاديهم، فدخل وانصرف إلى معسكره، وبات، وأمر البطال منادياً ينادي: أيها الناس، عليكم بسنادة، فادخلوها وتحصنوا فيها، وأمر البطال رجلاً على مقدمتهم وآخر على ساقتهم لا يخلف جريحاً ولا ضعيفاً فيما قدر عليه وثبت في مكانه، وثبت معه قريب له في ناسٍ من مواليه، وأمر من يسير في أوائلهم ويقول: أيها الناس، الحقوا فإن البطال يسير بأخراكم، وأمر من يقول في أخراهم. أيها الناس، الحقوا فيإن البطال في أولاكم، يهديكم الطريق، ويهيئ(14/140)
منزلكم بسنادة. فمضى الناس، فلم يصبحوا إلا وقد دخلوا سنادة، وافتقدوا البطال، فأجمع رأيهم على تحصينها، والقتال عليها، وأصبح البطال في مكانه في المعركة به رمق، وركب ليون بجيشه حتى أتى المعركة، فوجدهم قد لحقوا بسنادة إلا البطال ومن ثبت معه فأخبر به، فأتاه حتى وقف عليه فقال: أبا يحيى، كيف رأيت؟ قال: وما رأيت؟ كذلك الأبطال تقتل وتقتل. قال ليون: علي بالأطباء، فأتي بهم، فأمرهم بالنظر في جراحه، فأخبروه أنها قد أنفذت مقاتله، فقال: هل من حاجة؟ قال: نعم، تأمر من ثبت معي، ومن في أيديكم من أسارى المسلمين بولايتي وكفني والصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة علي، ودفني، وتخلى سبيل من ثبت عندي، ففعل ذلك، وقصد إلى الناس بسنادة فحاصرهم، فبينا هم على ذلك إذ أشرف عليهم ثابت البهراني على فرسه في رجال، على خيول الطلائع، وهو يقول: أيها الناس، أنا رسول الأمير سليمان بن هشام يخبركم بسرعة سيره إليكم، وهو آتيكم أحد اليومين، فسر ذلك المسلمين، وأصبح ليون سائراً بعسكره، قافلاً إلى القسطنطسنية، حتى دخلها، واقبل سليمان بمن معه حتى نزل بسنادة. الحديث..
قال أبو بكر بن عياش: قيل للبطال: ما الشجاعة؟ قال: قبل صبر ساعة.
ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أن البطال قتله الروم في سنة اثنتي عشرة ومئة.
وذكر أبو حسان الزيادي أنه قتل في سنة ثلاث عشرة.
وقال خليفة: سنة إحدى وعشرين ومئة. وقتل بأرض الروم. رحمه الله تعالى.(14/141)
عبد الله الطويل
إن لم يكن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فهو غيره.
حدث عن أبي جابر بسنده إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الأول يقول: سلوا الله عز وجل العافية والمعافاة، فإنه ما أوتي عبد بعد يقين خيراً من معافاة.
عبد الله العابد حدث حسين ابن المصري أحد شيوخ الصوفية قال: كنت بدمشق، وكان خارجها جبل، فوقه رجل يقال له عثمان مع أصحابه يتعبدون، وكان أسفل الجبل آخر يقال له عبد الله مع غلمانه. فكان يوصف عنه أنه إذا سمع شيئاً من الذكر عدا فلم يرده شيء لا نهر ولا ساقية ولا وادٍ. قال حسن: فبينا أنا عنده ذات يوم إذ قرأ قارئ. قال: فتهيأ له غلمانه فتبعوه، حتى استقبلته نار الأعراب، وقد أوقدوها. قال: فوقع بعضه على النار وبعضه على الأرض، فحملوه. قال الجنيد: إيش نقول في رجل وقعت به حالة هي أقوى من النار؟.
عبد الله
أحد أصحاب أبي عبيد محمد بن حسان البسرى حدث عن أبي عبيد قال:
كنت معه يوماً قاعداً بدمشق انا وجماعة من إخوانه إذ مر رجل على دابة، وخلفه غلام يعدو، وقد انبهر، بيده غاشية. فلما حاذى أبا عبيد قال: اللهم، اعتقني وأرحني منه، ثم التفت إلى الجماعة وقال: ادعوا الله لي، فقال أبو عبيد: اللهم، أعتقه من النار،(14/142)
ومن الرق، فعثرت الدابة بمولاه فسقط إلى الأرض، فالتفت إلى الغلام فقال له: أنت حرلوجه الله. قال: فرمى بالغاشية إليه وقال: يا مولاي أنت لم تعتقني، إنما أعتقني هؤلاء، وصحب أصحابنا وتوفي بينهم.
عبد الأعلى بن عبيد الله
ابن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس أبو عبد الرحمن القرشي العبشمي البصري وفد على هشام بن عبد الملك.
حدث عن عبد الله بن الحارث الهاشمي قال: خطب عمر بن الخطاب بالشام والجاثليق ماثل، معناه: قائم، فتشهد فقال: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. قال الجاثليق: لا، فقال عمر: ما تقول؟ فأعاده، فقال: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فقال الجاثليق بجبته ينفضها وقال: إن الله لا يضل أحداً، فقال عمر: ما يقول؟ فقالوا، فقال: كذبت عدو الله، الله خلقك، والله أضلك، ثم يميتك، فيدخلك النار إن شاء الله. والله لولا ولث عهدٍ لك لضربت عنقك، ثم قال: إن الله خلق آدم ثم نثر ذريته، ثم كتب أهل الجنة وما هم عاملون، وكتب اهل النار وما هم عاملون، ثم قال: هؤلاء لهذه، وهؤلاء لهذه. قال: فتصدع الناس، ولا يتنازع اثنان في القدر. قال: وقد كان قبل ذلك شيء من التنازع.
وحدث عبد الأعلى قال: قدمت مع أمي - أو قال: جدتي - مكة، فأتتها صفية بنت شيبة فأكرمتها. فقالت صفية: ما أدري ما أكافئها به، فأرسلت إليها بقطعة من الركن، فخرجنا بها، فنزلنا أول منزل، فذكر من مرضهم وعلتهم جميعاً. قال: فقالت أمي - أو جدتي -: ما أرانا أتينا إلا(14/143)
أنا أخرجنا هذه القطعة من الحرم، فقالت لي - وكنت أمثلهم -: انطلق بهذه القطعة إلى صفية فردها وقل لها: إن الله وضع في حرمه شيئاً فلا ينبغي أن يخرج منه. قال عبد الأعلى: فقالوا لي: فما هو إلا أن تحينا دخولك الحرم فكأنا أنشطنا من عقال.
كان عبد الأعلى يفد إلى هشام بن عبد الملك فيتكلم عنده، فيعجب مسلمة كلامه ويقول: والله إني لأرفع كور العمامة عن أذني لأستفرغ كلام ابن عامر. ويقول: إن الرجل يكلمني في الحاجة يستوجبها فيلحن فكأنه يقضمني حب الرمان الحامض حتى يسكت فأرده عنها، ويكلمني الرجل في الحاجة ما يستوجبها فيعرب فأجيبه إليها.
قال أبو عاصم: سأل سائل عبد الأعلى بن عبد الله، وليس عليه إلا إزار فقال: امدد طرف الإزارثم اجذبه إليك، ففعل السائل، وتوارى عبد الأعلى بباب بيته ثم أغلقه على نفسه.
وكان عبد الأعلى كثير الطعام، فقال بلال بن أبي بردة للجارود ابن أبي سبرة: أخبرني عن طعام عبد الأعلى، قال: كثير، قال: فكيف هو على طعامه؟ قال: يأتيه صاحب الطعام، فيقوم بين يديه، فيقول له: ما عندك من الطعام؟ فيصف له طعامه. قال بلال: ولم يفعل هذا؟ قال: لعل بعض من عنده يشتعي بعض تلك الأطعمة فيقي نفسه التي تشتهي فيدعو بالطعام، فيتحدث عليه، ويضحك أصحابه، ويتناول الطعام، فيقسمه بينهم، ويأكل ولا يجهد، قال: ولم؟ قال: يريد أن يأكل آخر من ياكل.
عبد الأعلى بن أبي عبد الله الغبري
وقد على عمر بن عبد العزيز.
وحدث عنه قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة في ثياب دسمة، ورآه حبشي يمشي، فلما انتهى إلى الناس رجع الحبشي، فكان عمر إذا انتهى إلى الرجلين قال: هكذا رحمكما الله،(14/144)
حتى صعد المنبر فخطب فقرأ " إذا الشمس كورت " فقال: وما شأن الشمس " إذا النجوم أنكدرت " حتى انتهى " وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت " فبكى، وبكى أهل المسجد؛ وارتج المسجد بالبكاء حتى رأيت أن حيطان المسجد تبكي معه.
عبد الأعلى بن أبي عمرة الشيباني مولاهم
أرسله عمر بن عبد العزيز في مفاداة أسرى المسلمين من الروم.
حدث عبد الأعلى بن أبي عمرة عن عبادة بن نسي بسنده إلى معاذ بن جبل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المجرة التي في السماء هي عرق الأفعى التي تحت العرش.
وعن عبد الأعلى
أن عبد العزيز بن مروان أرسل معه إلى ابن عمر ألف دينار فقلبها. وكان عبد الأعلى بن أبي عمرة على أخت موسى بن نصير، وكانت له من عبد العزيز بن مروان منزلة، فخطت له داره ذات الحمام. وسأل عبد العزيز حين قدم من عند اليون صاحب الروم فقال: قد أبليت المسلمين في وجهي هذا نصحاً، فمر لي بأربعة سوارٍ من خراب الإسكندرية، فأمر له بها، فهي على حوض حمامه الأعظم. قال أبو سعيد: وهو حمام التبن.
حدث صالح بن كيسان ان خالد بن الوليد سار حتى نزل على عين التمر فقتل، وسي. فكان من تلك السبايا أبو عمرة، مولى بني شيبان وهو أبو عبد الأعلى بن أبي عمرة.
قال عبد الأعلى بن أبي عمرة: لما بعثني عمر بن عبد العزيز لفداء أسرى القسطنطينية قلت: أرأيت إن أبوا أن يفدوا الرجل بالرجل كيف أصنع؟ قال: زدهم، قالت: أرأيت إن أتوا أن يفدوا الرجل(14/145)
بالاثنين؟ قال: فأعطهم ثلاثة، قلت: فإن أبوا إلا أربعة؟ قال: فأعطهم بكل مسلم ما سألوا، فوالله للرجل من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي، إنك ما فديت به المسلم فقد ظفرت، إنك إنما تشتري الإسلام، قال: فقلت له: أرأيت إن وجدت رجالاً قد تنصروا فأرادوا أن يرجعوا إلى الإسلام أفديهم؟ قال: نعم، بمثل ما تفدي بهم غيرهم، قال: فقلت له: ارأيت إن وجدت امرأة قد تنصرت، فأرادت أن ترجع إلى الإسلام؟ قال: افدها بمثل ما تفدي به غيرها، قال: فقلت له: أفرأيت العبيد أفديهم إذا كانوا مسلمين؟ قال: نعم، بمثل ما تفدي به غيرهم، قال: قلت: أرأيت إن وجدت منهم من قد تنصر، فأراد أن يرجع إلى الإسلام؟ قال: اصنع بهم مثلما تصنع بغيرهم، قال: فصالحت عظيم الروم على رجل من المسلمين برجلين من الروم.
عبد الأعلى بن مسهر
أبو درامة الغساني كان سريع الحفظ. ما كان يسمع شيئاً إلا حفظه.
قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: قلت لأبي مسهر: ما حمل جدك على أن اكتنى بأبي درامة؟ فقال: وعجائب جدي كانت واحدة؟! إذا استثقل إنساناً قال له: اقرأ ما على هذا.
وكان نقش خاتم أبي درامة أبرمت فقم، فكان إذا استثقل إنساناً أراه الخاتم فينظر إليه فيقوم.
قتل عبد الأعلى بن مسهر يوم دخل عبد الله بن علي دمشق سنة اثنتين وثلاثين ومئة. وقيل غير ذلك. والأول أصح.(14/146)
عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر
أبو مسهر الغساني الفقيه يعرف بابن أبي درامة شيخ الشام في وقته.
حدث عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة، مولاة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: ائتوه، فصلوا فيه، قالت: وكيف الروم إذ ذاك فيه؟ قال: فإن لم تستطيعوا فابعثوا بزيت يسرج في قناديله.
وحدث عن هيثم بن حميد بسنده إلى أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من مس فرجه فليوضأ.
قال العلاء: قال مكحول: من مسه متعمداً.
ولد أبو مسهر سنة أربعين ومئة.
قال إبراهيم بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين - وذكر أبا مسهر - فقال: كان يبغض الموالي، وقال لي يوماً: عندك حديث في الموالي في عيبهم؟ قلت ليحيى: فمن كان أبو مسهرٍ؟ قال: كان عربياً غسانياً.
كان عبد الأعلى راوية لسعيد بن عبد العزيز التنوخي وغيره من الشاميين وكان أشخص من دمشق إلى عبد الله بن هارون وهو بالرقة، فسأله عن القرآن فقال: هو كلام الله، وأبى أن يقول مخلوق، فدعا له بالسيف والنطع ليضرب عنقه. فلما رأى ذلك قال: مخلوق، فتركه من القتل، وقال: أما إنك لو قلت ذلك قبل أن أدعو لك بالسياف لقبلت منك، ورددتك إلى بلادك وأهلك، ولكنك تخرج الآن فتقول: قلت ذلك فرقاً من القتل أشخصوه إلى بغداد، فاحبسوه بها حتى يموت، فأشخص من الرقة إلى بغداد في ربيع الآخر سنة ثمان عشرة ومئتين، فحبس، فلم يلبث في الحبس إلا يسيراً حتى(14/147)
مات في غرة رجب سنة ثمان عشرة ومئتين، فاخرج ليدفن فشهده قوم كثير من أهل بغداد، رحمه الله تعالى.
قال أبو زرعة: سمعت محمد بن عثمان التنوخي يقول، وقد جئنا إليه: من أين جئتم؟ فقلنا: من عند أبي مسهر قال: تركتم أبا مسهر وجئتموني، ما بالشام مثل أبي مسهر.
وقال يحيى بن معين: ما رأيت منذ خرجت من بلادي أحداً أشبه بالمشيخة الذين أدركتهم من ابي مسهر، والذي يحدث وفي البلاد أولى بالتحديث منه فهو أحمق.
قال إسحاق بن إبراهيم: لما صار المأمون إلى دمشق ذكروا له أبا مسهر الدمشقي، ووصفوه بالعلم والفقه، فوجه من جاءه به. فلما دخل إليه قال: ما تقول في القرآن؟ قال: كما قال الله عز وجل " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " قال: أمخلوق أوغير مخلوق؟ قال: ما يقول أمير المؤمنين؟ قال: يقول أمير المؤمنين: إنه مخلوق، قال: يخبر عن رسول الله أو عن الصحابة أو عن التابعين أو عن أحد من الفقهاء؟ قال: بالنظر، واحتج عليه، قال له: يا أمير المؤمنين، نحن مع الجمهور الأعظم أقول بقولهم، والقرآنكلام الله غير مخلوق، قال: يا شيخ، أخبرني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل اختتن؟ قال: لا أدري، وما سمعت في هذا شيئاً، قال: فأخبرني عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكان يشهد إذا تزوج أو زوج؟ قال: ولا أدري. قال اخرج قبحك الله، وقبح من قلدك دينه، وجعلك قدوة.
خرج السفياني المعروف بأبي العميطر وهو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، وأمه نفيسة بنة عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، فولى القضاء بدمشق عبد الأعلى بن مسهر الغساني كرهاً، ثم تنحى أبو مسهر عن القضاء لما خلع على بن عبد الله، فلم يل القضاء أحد بدمشق بعد ذلك حتى قدم المأمون.(14/148)
قال المأمون لأبي مسهر: والله لأحبسنك في أقصى عملي أو تقول: القرآن مخلوق، تريد تعمل للسفياني! فقال أبو مسهر: يا أمير المؤمنين، القرآن كلام الله غير مخلوق.
قال أبو داود سليمان بن الأشعث - وقيل له: إن أبا مسهر كان متكبراً في نفسه فقال: كان من ثقات الناس، ورحم الله أبا مسهر، لقد كان من الإسلام بمكان، حمل على المحنة فأبى، وحمل على السيف، فمد رأسه، وجرد السيف فأبى أن يجيب. فلما رأوا ذلك منه حمل إلى السجن، فمات.
قال علي بن عثمان النفيلي: كنا بدمشق على باب أبي مسهر عبد الأعلى جماعةً من أصحاب الحديث نسمع منه، فمرض أبو مسهر أياماً، ثم دخلنا عليه نعوده، فقلنا له: إيش خبرك يا أبا مسهر؟ كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والحمد الله في عافية، راضياً عن الله، ساخطاً على ذي القرنين حيث لم يجعل السد بيننا وبين أهل العراق كما جعل بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج، قال: فما كان بعد هذا إلا يسيراً حتى وافى المأمون دمشق، ونزل سفح جبل دير المران وبني القبيبة التي فوق الجبل، فكان يأمر بالليل بجمر عظيم، فيوقد ويجعل في طسوس كبار، وتدلى من فوق الجبل من عند القبيبة بالسلاسل والحبال، فتضيء له الغوطة، فيبصرها بالليل.
قال: وكان أبو مسهر له حلقة في مسجد دمشق بين العشاء والعتمة عند حائط الشرقي، قال: فبينا أبو مسهر ليلة من الليالي جالس في مجلسه إذا قد دخل المسجد ضوء عظيم، فقال أبو مسهر: ما هذا؟ قالوا: هذه النار التي توقد لأمير المؤمنين من الجبل حتى تضيء له الغوطة، فقال أبو مسهر: " أتبنون بكل ريعٍ آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون " وكان في حلقة أبي مسهر صاحب خبرٍ للمأمون، فرفع ذلك إلى المأمون، فحقدها عليه، وكان قد بلغه أنه كان على قضاء أبي العميطر.(14/149)
فلما أن رحل المأمون من دمشق أمر أن يحمل أبو مسهر إليه، فحمل وامتحنه بالرقة في القرآن، وأحدر إلى بغداد، فكان آخر العهد به.
قال هاشم: كنت كثيراً ما أسمع أبا مسهر يقول: الهزج
كما أضحك الدهر ... كذاك الدهر يبكيكا
قال: فما مضت الأيام حتى حمل في الامتحان، وهو يبكي ويقول: مأسور والله.
حدث محمود بن خالد أنه ودع أبا مسهر محمولاً إلى المأمون، قال: فسمعته يقول: وما هو إلا القتل أو الكفر.
قال عبد الرحمن: فأدخل على المأمون، فامتحنه في القرآن، فالتوى أبو مسهر بين يديه، لم يلقه بالذي يستحل بها دمه، ولم يلقه بإعطاء ما يوجب عليه الكفر، فقال له المأمون؛ أعلي تلغز؟! علي بالسيف، فلما أحضر ارتعد الشيخ وقاربه فيما أراد منه، فأمر به فأحدرإلى العراق، وأكرمه إسحاق بن إبراهيم أمير بغداد. وتكلم أبو مسهر بالعراق بشيء حمده أهل الحديث، ثم مات بها محموداً مشكوراً.
وقيل: إن أبا مسهر أدخل على المأمون بالرقة، وقد ضرب رقبة رجل وهو مطروح بين يديه، فأوقف أبو مسهر بين يديه في تلك الحال فامتحنه، فلم يجبه، فأمر به، فوضع في النطع ليضرب رقبته، فأجاب - يعني إلى خلق القرآن - وهو في النطع. ثم بعد أن أخرج من النطع رجع عن قوله ثم أعيد إلى النطع. فلما صار في النطع أجاب، فأمر به أن يوجه إلى بغداد. الحديث.
وقيل: إن أبا مسهر أقيم ببغداد بباب إسحاق بن إبراهيم ليقول قولاً يبرئ فيه نفسه عن المحنة ويقي المكروه، فقيل: إنه قال في ذلك الموقف؛ جزى الله أمير المؤمنين خيراً، علمنا مالم نكن نعلم، وعلم علماً لم يعلمه من كان قبله، وقال: قل: القرآن مخلوق، وإلا(14/150)
ضربت رقبتك، ألا فهو مخلوق، وهو مخلوق، قال: فازديد بمقالة أبي مسهر عجباً، وارجو أن تكون له نجاة.
كان أبو مسهر يقول: عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره.
قال أبو زرعة: سئل أبو مسهر عن الرجل يغلط، وبهم ويصحف، فقال: بين أمره، فقلت لأبي مسهر: أترى ذلك من الغيبة؟ قال: لا. قال: ورأيت أبا مسهر يفعل ذلك فيما حمل عن سعيد بن عبد العزيز، ورأيته يكره الرجل أن يحدث إلا أن يكون عالماً بما يحدث، ضابطاً يعني: إذا خفي عليه بعض الحديث واستفهم من غيره فينبغي له أن يبين.
ومن شعر أبي مسهر: الخفيف
هبك عمرت مثل ما عاش نوح ... ثم لاقيت كل ذاك يسارا
هل من الموت لا أبا لك بد ... أي حي إلى سوى الموت صارا؟
ومن شعره: الطويل
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ... من الله في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنه ... متاع قليل والزوال قريب
ومن شعره: المنسرح
أفٍ لدنيا ليست تواتيني ... إلا بنقضي لها عرى ديني
عيني لحيني نذير مقلتها ... تريد ما ساءها لترديني
ومن شعره: الوافر
فلا بعدي يغير حال ودي ... عن العهد القديم ولا اقترابي
ولا عند الرخاء بطرت يوماً ... ولا في فاقتي دنست ثيابي
كماء المزن بالعسل المصفى ... أكون وتارة سلعاً بصاب(14/151)
عبد الأعلى بن هلال
أبو النضر السلمي الحمصي حدث عن عرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم تأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأت حين وضعته نوراً أضاءت منه قصور الشام.
قال طلحة بن يحيى: كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه عبد الأعلى بن هلال فقال: أبقاك الله يا أمير المؤمنين مادام البقاء خيراً لك. قال: قد فرغ من ذاك يا أبا النضر، ولكن قل: أحياك الله حياة طيبة، وتوفاك مع الأبرار.
قال خالد بن معدان: حضرنا صنيعاً لعبد الأعلى بن هلال. فلما فرغنا من الطعام قام أبو أمامة فقال: لقد قمت مقامي هذا وما أنا بخطيب، وما أريد الخطبة، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول عند انقضاء الطعام: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير ملقى ولا مودع ولا مستغنى عنه. قال: فلم يزيل يرددهن علينا حتى حفظنا هن.
توفي عبد الأعلى سنة أربع ومئة.
عبد الباقي بن أحمد بن إبراهيم بن علي
أبو البركات بن النرسي البغدادي الأزجي المعدل ولي حسبة بغداد، وقدم دمشق في تجارة مرتين، ولم يكن يحسن الحديث، وكان شافعياً، ويظهر التعصب للحنابلة لأجل سكناه بباب الأزج. وقيل: إنه كانت فيه(14/152)
غفلة. شهد في بيع عقار غير محدد، فعاب عليه القاضي ذلك، وقال: لا يشهد إلا فيما ذكرت حدوده، فأتاه اثنان قد تبايعا سفينة، فنظر في الكتاب ثم قال: أين الحدود؟ خذ كتابك.
حدث عن أبي القاسم عبد الله بن الحسن بن الخلال بسنده إلى أبي سعيد قال: أخر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العشاء ذات ليلة إلى نحو من شطر الليل، ثم خرج، فصلى، قال: خذوا مقاعدكم، فأخذنا مقاعدنا، فقال: إن الناس قد صلوا وناموا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم - وأحسبه قال: وحاجة ذي الحاجة - لخرت هذه الصلاة إلى هذه الساعة.
ولد عبد الباقي سنة تسع وخمسين واربع مئة.
عبد الباقي بن أحمد بن محمد
أبو القاسم، ابن الطرسوسي الفقيه حدث عن أبي منصور بن رامش النيسابوري بسنده إلى عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أعان ظالماً سلطه الله عليه.
وحدث عنه بسنده إلى حذيفة قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العزبة فقال: يا حذيفة، خير أمتي أولها المتزوجون وآخرها العزاب، وإني أحللت لأمتي الترهب إذا مضت إحدى وثمانون ومئة سنة، قلت: يا رسول الله، وعن الجماعة يوم الجمعة قد جعلها الله علينا فريضة واجبة؟ فقال: يا حذيفة، يوشك أن يجتمعوا في مساجدهم، والمؤمن يومئذٍ فيهم قليل، قلت: يا رسول الله، يكون فيهم منافقون؟ فقال: نعم، أظهر فيهم منهم اليوم فيكم، قلت: يا رسول الله، فبم يعرف المنافق في ذلك الزمان؟ فقال: إذا رأيته نعاصاً براقاً، قد احتشى واكتسى من الحرام يترايش في الناس بالحلم والعلم، إن أمر المؤمن للضعيف فيهم بأمر قالوا: إن لله جميل يحب الجمال، أوليس قد كلم الله تعالى وتبارك موسى(14/153)
عليه السلام في جبة صوف، وقلنسوة من لبود ونعلين من جلد حمار ميت؟ أو ليس قد رفع الله عيسى عليه السلام شقة قد تجلل بها، ألا وإن علي هذه الجبة من صوف، وإن الله عز وجل طلب مني يقيناً صادقاً، وعملاً صالحاً، والنصيحة له في خلقه، وليس الجميل من يتجمل بالثياب ويخلق دينه.
ولد أبو القسم الطرسوسي سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وتوفي سنة ثمان وأربعون وأربع مئة بدمشق.
عبد الباقي بن أحمد بن هبة الله
أبو الحسن البزار صهر أبي علي الأهوازي.
حدث عن أبي علي الأهوازي بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا ينجي أحداً عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، فسددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من القصد يبلغوا.
ولد عبد الباقي سنة أربع مئة وتوفي سنة ثمانين وأربع مئة.
قيل إنه كذاب.
عبد الباقي بن جامع بن الحسن
أبو القاسم الفقيه التاجر سكن بيت المقدس.
حدث عن أبي الحسين محمد بن الحسين بن علي ابن محمد بن هارون الصوفي بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، وسنة قائمة، وفريضة عادلة.(14/154)
عبد الباقي بن عبد الكريم بن الحسين بن إسماعيل
أبو محمد الشاهد حدث عن أبي الحسن علي بن الخضر بن محمد الحلبي المؤدب بسنده إلى القاضي أبي طاهر محمد بن أحمد قال: سمعت ثعلباً وسئل عن قوله عز وجل: " يرونهم مثليهم رأي العين " قال: ثلاثة أضعافهم. قال: وقاله الفراء. قال القاضي: وسمعت ثعلباً يقول: وسئل عن قوله: " ووجدك ضالاً فهدى " قال: يعني بين قوم ضلال. قال: ومن كان في قوم نسب إليهم.
توفي في سنة ثمان وخمسين وأربع مئة.
عبد الباري بن عبد الملك بن عبد العزيز
أبو عبد العبسي الجسريني حدث عن مروان بن محمد بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل حسنة بعشرة أمثالها إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي، فهو لي وأنا أجزي به.
عبد الجبار بن أحمد بن عبد الله بن علي
أبو القاسم التغلبي الأديب أنشد لأبي الفرج الببغاء: البسيط
يا غازياً أتت الأحزان غازية ... إلى فؤادي في الأحشاء حين غزا
إن بارزتك كماة الروم فارمهم ... بسهم عينيك تقتل كل من برزا(14/155)
وأنشد أبو القاسم: السريع
من سره العيد فما سرني ... بل زاد من همي وأشجاني
لأنه ذكرني ما مضى ... من عهد أحبابي وإخواني
عبد الجبار بن الحارث بن مالك
أبو عبيد الحدسي ثم المناري من أهل الشراة من أرض البلقاء، وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعه على الإسلام.
قال عبد الجبار:
وفدت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أرض شراة، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحييته بتحية العرب، فقلت: أنعم صباحاً، فقال: إن الله عز وجل قد حيا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته بغير هذه التحية، بالتسليم بعضها على بعض، فقلت: السلام عليكم يا رسول الله، فقال لي: وعليك السلام، ثم قال لي: ما اسمك؟ فقلت: الجبار بن الحارث، فقال لي: أنت عبد الجبار بن الحارث، فقلت: وأنا عبد الجبار بن الحارث، فأسلمت وبايعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما بايعت قيل له: إن هذا المناري فارس من فرسان قومه، فحملني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فرس، فأقمت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقاتل معه، ففقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صهيل فرسي الذي حملني عليه، فقال: ما لي لا أسمع صهيل فرس الحدسي؟ فقلت يا رسول الله، بلغني أنك تأذيت من صهيله فأخصيته، فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إخصاء الخيل، فقيل لي: لو سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً كما سأله ابن عمك تميم الداري، فقلت: أعاجلاً سأله أم آجلاً؟ فقالوا: بل عاجلاً سأله، فقلت: عن العاجل رغبت، ولكن أسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغيثني غذاً بين يدي الله عز وجل.(14/156)
عبد الجبار بن عاصم
أبو طالب الخراساني النسائي نزيل بغداد. سمع بدمشق وبحلب وبغيرها.
حدث عن هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة العقيلي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نضر الله من سمع قولي ثم لم يزد عليه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل الله عز وجل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم.
وحدث عن أبي عبد الملك الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي عن أبي معاوية قال: صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال: أيها الناس، هلى سمع أحد منكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفسر " حم عسق "؟ فوثب ابن عباس فقال: أنا، فقال: حم اسم من أسماء الله عز وجل، قال: فعين؟ قال: عاين المشركون عذاب يوم بدر، قال: فسين؟ قال: ف " سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "، قال: فقاف؟ فجلس، فسكت، فقال عمر: أنشدكم بالله، هل سمع أحد منكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفسر: " حم عسق " فوثب أبو ذر فقال: حم؟ فقال: اسم من أسماء الله، فقال: عين؟ فقال: عاين المشركون عذاب يوم بدر، قال: فسين؟ قال: " سيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون "، قال: فقاف؟ قال: قارعة من السماء تصيب الناس.
توفي عبد الجبار ببغداد سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين ومئتين.
قال موسى بن إسحاق: كان أبو طالب جلاداً، فتاب الله عليه، فيقال: إنه دلي عليه كيس فكان ينفق منه.(14/157)
عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة
أبو الفتح الأردستاني ثم الرازي الجوهري الواعظ سكن دمشق مدة، ثم تحول إلى أصبهان.
حدث عبد الجبار في دكانه بباب البريد سنة سبع وخمسين وأربع مئة عن الفقيه أبي الحسن علي بن محمد بن عمر القصار بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنت مع حذيفة في المدائن، فاستسقى، فأتاه دهقان من دهاقينها بإناء من فضة يسقيه منه، فخذفه به، فطأطأ الدهقان رأسه فأخطأه، ثم قال: إني أعتذر إليكم من شأن هذا الدهقان، إنه أتاني بهذا الإناء قبل هذه المرة، فنهيته عنه، فأبى إلا أن يعود سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تشربوا في الذهب والفضة، ولا تلبسوا الديباج ولا الحرير، فإنها لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة.
ولد عبد الجبار سنة ثمان وسبعين وثلاث مئة، وخرج من دمشق قبل حريق الجامع بسنةٍ أو نحوها إلى بغداد، ومات بها، وكان شيخاً كبيراً.
عبد الجبار بن عبد الله بن علي
أبو القاسم التغلبي الأوجي أنشد لأبي الفرج حمد بن علي الزعفراني: المتقارب
مضيق الأمور إلى مفرج ... وكل خلي كأن قد شجي
فيا شامتاً بنعيي أفق ... فإني هناك إلى أن تجي(14/158)
عبد الجبار بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم
ويقال: عبد الرحمن بن داود أبو علي الخولاني الداراني المعروف بابن مهنا حدث عن أبي الحارث أحمد بن سعيد بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت:
قلت: يا رسول الله، إن الكهان كانوا يحدثونا بأشياء فنجدها حقاً، قال: تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه، فيكذب معها مئة كذبة.
عبد الجبار بن عبيد الله بن سلمان
أبو عبد رب العزة من أهل دمشق.
قال عبد الجبار في قوله تعالى: " إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين " قال: يرسل عليهم من أمر الله أمراً، فيولون مدبرين، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدموع، فيبكون حتى ينفد الدمع، ثم تستجيب أعينهم بالدم، فيبكون دماً حتى ينفذ الدم، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح، فيبكون قيحاً حتى ينفذ القيح، وتعود أبصارهم كالحرق في الطين.
قال أبو عبد رب العزة وذكر عن أويس القرني قال: كان إذا نظر إلى الرؤوس المشوية ذكر هذه الآية " تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون " ثم يقع مغشياً عليه.(14/159)
عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل بن علي
أبو هاشم السلمي المؤدب حدث في رمضان سنة ثلاث وستين وثلاث مئة عن أبي جعفر محمد بن خالد البرذعي بسنده إلى ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله، ما يمنع حبش بني المغيرة أن يأتوك إلا إنهم يخشون أن تردهم، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا خير في الحبش، لئن جاعوا سرقوا، وإن شبعوا شرسوا، وإن فيهم لخلتين حسنتين، إطعام الطعام، وبأس عند البأس.
حدث أبو هاشم عبد الجبار الإمام بمسجد الجامع بدمشق عن الحسن بن حميد الإمام عن أبي عبد الله البصري وكان من الزهاد قال: سمعت أبا محمد سهل بن سوار يقول: الدنيا كلها جهل وموات إلا العلم، والعلم كله حجة إلا العمل منه، والعمل كله هباء إلا الإخلاص منه، والإخلاص له خطر عظيم لا يدري بما يختم له.
ولد عبد الجبار سنة ست وثمانين ومئتين، وتوفي سنة أربع وستين وثلاث مئة وكان ثقة مأموناً.
عبد الجبار بن عبد الواحد التنوخي
قال عبد الجبار: قال عمر وهو على المنبر: أنشد الله، لا يعلم رجل عني عيباً إلا عابه، فقال رجل: نعم يا أمير المؤمنين، فيك عيبان: قال: ما هما؟ قال: تذيل بين البردين، وتجمع بين الأدمين، ولا يسع ذاك الناس، قال: فما أذال بين بردين، ولا جمع بين أدمين حتى لقي الله عز وجل.(14/160)
عبد الجبار بن محمد
أبو الفتح المقدسي الواعظ المعروف بزرتيلات قدم دمشق، وتوجه إلى الموصل؛ وعقد مجلس الوعظ، وظهر له قبول ووعظ ببغداد، وكان صحيح الاعتقاد.
حدث عن أبي المعالي الجويني بسنده إلى سالم بن زيد قال: سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه واعظاً بكناس الكوفة وقد سئل عن مسائل أجاب فيها بغير الصواب، فخرج مسرعاً وقام مقامه وقال: ذمتي بما اقول رهينة وأنا به زعيم، إن أمرأ صرحت له العواقب بما بين يديه من المثلات، حجزه التقوى عن تقحم الشبهات، وإن شر الناس لرجل قمش أقاويل في أوباش من الناس، فهو في قطع من الشبهات كمثل نسج العنكبوت خباط عشوات، ركاب جهالات، فهو من أبغض خلق الله إلى الله، قد وكله الله إلى نفسه، جائراً عن قصد السبيل مشغوفاً بكلام بدعة، يعمل فيها برأيه، قد لهج منها بالصوم والصلاة، ضالاً عن هدى من قبله، مضلاً لمن اقتدى به بعده، سماه أشباه له من الناس عالماً، فانتصب قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهات هيأ حشواً من رأيه ثم قطع، إن أصاب أخطأ لأنه لا يدري أصاب أم أخطأ، وإن أخطأ لم يعلم، لم يعض على العلم بضرسٍ قاطع فيعلم، ولا سكت عما لم يعلم ليسلم، فويل للدماء والأموال والفروج من أمثاله.(14/161)
عبد الجبار بن مسلم
أخو الوليد بن مسلم حدث عن الزهري بسنده إلى ابن عباس إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن جلود الميتة فقال: دباغها طهورها.
وحدث عنه بسنده إلى ابن عباس قال: إنما حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الميتة لحمها، فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به، وفي حديث آخر عنه: وأما الجلد والعظم والشعر فلا بأس به.
ضعفه الدارقطني.
وقال هشام بن عمار: كان للوليد أخ صلب، متكبر، يركب الخيل، ويخرج معه غلمان له كثير، وكان صاحب صيد وبزة، وكان يخرج إلى الصيد في فوارس ومطابخ.
عبد الجبار بن واقد الليثي
من أهل دمشق، من المتعبدين. كان يكون ببيت المقدس.
قال قاسم بن عثمان:
كتب إلي عبد الجبار بن واقد، قال: كان مما أوصى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم عليه السلام: يا عيسى إن الذين يعبدوني على حب منهم لي لأجعلنهم في أعين أوليائي ملوكاً في الجنة.
خرج قاسم الجوعي إلى بيت المقدس وبه أستاذه عبد الجبار بن واقد، فدخل إليه، ومعه غلام حدث، من أهل الخير. فلما نظر إليه عبد الجبار أعرض عنه وقال لقاسم: يا قاسم، ما هذه الفتنة؟ فقال: يا أستاذ، إنه يريد الخير، فقال له: يا قاسم، أنى لك بعصمة لم تضمن؟ ونفس لا تؤمن، إني أرى الذبابة على الذبابة فأمذي.(14/162)
عبد الجبار بن يزيد بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي وأمه أو ولد. أدرك ولاية أخيه الوليد.
حدث عياش المروي أن أباه حمل عدة جوارٍ إلى الوليد بن يزيد، فدخل عليه وعنده أخوه عبد الجبار، وكان حسن الوجه والشعرة، وفيه لين، فأمر الوليد جارية منهن أن تغني: البسيط
لو كنت من هاشم أو من بني أسدٍ ... أو عبد شمسٍ وأصحاب اللوا الصيد
فغنت ما أمرها به أخوه، فغضب الوليد واحمر وجهه، وظن أنها فعلت ذلك ميلاً إلى أخيه، وعرفت الشر في وجهه فاندفعت فغنت: الخفيف
أيها العاتب الذي خاف هجري ... وبعادي وما عمدت لذاكا
أترى أنني بغيرك صب ... جعل الله من تظن فداكا
أنت كنت الملول في غير شيء ... بئس ما قلت ليس ذاك كذاكا
ولو أن الذي عتبت عليه ... خير الناس واحداً ما عداكا
ارض عني جعلت نعليك إني ... والعظيم الجليل أهوى رضاكا
الشعر لعمر بن أبي ربيعة، قال: فسري عن الوليد، وقال لها: ما منعك أن تغني ما دعوتك إليه، قالت: لم أكن أحسنه، وكنت أحسن الصوت الذي سألنيه، أخذته من ابن عائشة. فلما تيقنت غضبك غنيت هذا الصوت، وكنت أخذته من معبد، تعني: الصوت الذي اعتذرت به إليه.(14/163)
قال خليفة: أخذ عبد الله بن علي حين دخل دمشق يزيد بن معاوية بن مروان وعبد الله بن عبد الجبار بن يزيد فبعث بهما إلى أبي العباس فصلبهما، وقيل: إن المصلوب عبد الجبار بن يزيد، وقيل: إن عبد الجبار وأخاه الغمر ابني يزيد قتلا بنهر أبي فطرس.
عبد الجبار بن يزيد الكلبي
كان دليل بني المهلب حين هربوا من السجن بالعراق، ولحقوا بالشام.
ذكر الدينوري في كتاب الأنواء قال: وممن شهد بصدق الأمر عبد الجبار بن يزيد الكلبي، دليل بني المهلب، وكانوا مختبئين بلعلع، فهربوا، فلحقوا بالشام فنكب بهم عبد الجبار جواد الطريق، وتتبع معامي الأرض، فتحير يوماً وهو بالسماوة فارتبك، فاتهمه يزيد وأراد قتله، فقال له عبد الجبار: أنت على قتلي إذا شئت قادر، ولكن دعني أنم نومة، فنام، فانتبه، وقد تجلت حيرته، فسمت بهم السمت المصيب حتى نفذ، فقال: الطويل
ورهطٍ من أبناء الملوك هديتهم ... بلا علم بادٍ ولا ضوء كوكب
ولا قمرٍ إلا ضئيل كأنه ... سوار جناه صائغ السور مذهب
على كل حرجوجٍ كأن ضلوعها ... إذا حل عنها الكور أعواد مشجب
قال أبو حنيفة: قوله: ولا ضوء كوكب يعني أن الكواكب غمت بالقتام فهداهم بالقمر، ثم أخبر أن القمر أيضاً ضئيل أصغر لما دونه من القتام فكأنه في تلك الحال سوار مذهب.(14/164)
عبد الجبار الخولاني
من أهل دمشق.
قال: دخل رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجد دمشق، وإذا كعب يقص، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال، فبلغ ذلك كعباً، فما رئي يقص بعدها.
وعن عبد الجبار الخولاني قال: قدم عليه رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمشق، فرأى ما فيه الناس - يعني من الدنيا - فقال: وما يغني عنهم؟ أليس من ورائهم الفلق؟ قيل: وما الفلق؟ قال جب في النار إذا فتح هر منه أهل النار.
قال يحيى: هر منه أهل النار ولم يقل: فر منه.
عبد الجليل بن عبد الجبار بن عبد الله بن طلحة
أبو المظفر المروزي الشافعي قدم دمشق، وولي القضاء سنة ثمان وستين وأربع مئة حين دخل الترك إلى دمشق. وكان عفيفاً نزهاً مهيباً. قيل: إنه لم ير قط في سقاية.
حدث بدمشق سنة ست وسبعين عن القاضي التقي أبي المظفر محمد بن أحمد التميمي بسنده إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء.
توفي أو المظفر عبد الجليل سنة تسع وسبعين وأربع مئة بدمشق.(14/165)
عبد الجليل بن محمد بن الحسن
أبو سعد الساوي البيع المعدل سمع بدمشق وبمصر وبغيرها، وسكن بغداد.
حدث عن أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أكثروا من ذكر هادم اللذات: توفي أبو سعد عبد الجليل سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة. ودفن عند قبر أبي حنيفة.
عبد الحليم بن محمد بن عبيد الله
ابن أبي المهاجر المخزومي حدث عن ابين شهاب عن محمد بن قيس بن مخرومة بن المطلب قال: فقال - يعني للزبير بن باطا القرظي الذي استوهبه ثابت بن قيس من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله -: ما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قلت: هيهات! مات، قتل. قال: فنكس وقال: ما فعل الذي كان وجهه مرآة مضيئة تتراءى فيها عذارى الحي وجوههم: كعب بن أسد؟ قال: يعني. قتل. قال: فنكس. قال: فما فعل جناحنا إذا وقفنا، ومقدمتنا إذا فررنا: عزال بن سموءل؟ قلت: هيهات! قتل. فنكس. ثم رفع بصره فقال: ما فعل المجلسان كعب وعمرو ابنا قريظة؟ قلت: هيات! هلكا، فنكس ثم رفع بصره فقال: فما أنا بصابرٍ لله فتلة دلو ناضح.(14/166)
حدث عبد الحليم بن محمد عن عمه إسماعيل قال: قالت لي أم الدرداء: كيف يا إسماعيل ينام رجل عند رأسه عشرة آلاف؟ قال: قلت لها: لا، بل، كيف ينام إذا لم يكن تحت رأسه عشرة آلاف؟ قالت: ما أراك إلا سوف تبتلى بالدنيا! قال أبو مسهر: فابتلي بالدنيا.
قال عبد الحليم بن محمد: قدم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه. قال: فذهب ليقول، فنهاه عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إني إنما أذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاذكر؟ فقال: الكامل
إن الذي ابتعث النبي محمداً ... جعل الخلافة للأمير العادل
رد الظالم حقها بيقينها ... عن جورها وأقام ميل المائل
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً ... والنفس موزعة بحب العاجل
فقال له عمر: ما أجد لك في كتاب الله حقاً فقال: بلى يا أمير المؤمنين، إنني ابن سبيل: قال: فأمر له من خاصة ماله: خمسين ديناراً.
عبد الحميد بن بكار
أبو عبد الله السلمي الدمشقي ثم البيروتي حدث عن محمد بن شعيب بسنده إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبرح هذا الصوت: إيماني كإيمان جبريل وميكائيل صلى الله عليها ما.
وحدث عن سعيد بن بشير بسنده إلى مالك بن الحويرث قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه إذا كبر في الصلاة حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.(14/167)
عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين
أبو سعيد الدمشقي ثم البيروتي كاتب الأوزاعي حدث عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب:
أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: اسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الحنة، فقال سعيد: أوفيها سوق؟ قال أبو هريرة: نعم أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أهل الجنة إذا دخلوها فنزلوا فيها بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من ايام الدنيا، فيرون الله، ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من ذهب ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم - وما فيهم دني - على كثبان المسك والكافور، لا يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً. قال أبو هريرة: وهل نرى ربنا يا رسول الله؛ قال: هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا: لا، قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم عز وجل، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضر الله محاضرة حتى إنه يقول للرجال منهم: يا فلان بن فلان أتذكر يوم علمت كذا وكذا؟ فيذكره بعض غدراته في الدنيا، فيقول: رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى بسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه. قال: فبينا هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط. قال: ثم يقول ربنا عز وجل: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. قال: فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة، فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم يخطر على القلوب. قال: فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيه شيء ولا يشترى، في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقى من هو دونه، وما فيهم دني، فيروعه ما يرى من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها. قال: ثم ننصرف إلى منازلنا، فتلقانا أزواجنا فيقولن: مرحباً وأهلاً بحبنا، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه. قال: فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا عز وجل ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلينا.(14/168)
عبد الحميد بن حريث بن أبي حريث
أبو الحكم مولى قريش، من أهل دمشق، أخو سعيد بن حريث حدث عبد الحميد أن رجلاً قال لعمر بن عبد العزيز وهو على المنبر بخناصرة - وأنا حاضر -: يا أمير المؤمنين، هذا رجل يسبك فأعرض عنه عمر، ثم قال له الثانية فأعرض عنه، ثم قال له الثالثة فقال عمر: سنستدرجه - والله - من حيث لا يعلم.
قال يونس بن ميسرة لعبد الحميد بن حريث يا أبا الحكم، إنك كنت عودتنا عادة: كنت لا تزال تصنع الخبيص، وتدعونا إليه، ثم تركت! قال: يا أبا حلبس، اما إن القدر التي كنا نعمل فيها فهي عندنا، والجارية التي كانت تعمله فهي صافية، فقد عرفتها، فعلي بعسل وسمن - وفي رواية: فاحمل إلينا شيئاً من عسل وسمن - ثم ادع بما شئت، فقال ابن حلبس: إنا لله وإنا إليه راجعون، لولا مودة كانت بيني وبين أبيك ما كلتمك أبداً، ذهب أهل الجود وبقينا في الفسفارين؟.
عبد الحميد بن الحسين بن علي
ابن الحسن بن محمد المعري أبو يحيى بن المعري ونسبه إلى يزدجرد بن بهرام جور.
حدث عن أبيه بسنده إلى يزيد بن عمرو بن مسلم الخزاعي قال: حدثني أبي عن أبيه قال: شهدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنشد ينشده قول سويد بن عامر المصطلقي: البسيط
لا تأمنن وإن أمسيت في حرمٍ ... إن المنايا بجنبي كل إنسان(14/169)
فاسلك طريقك تمشي غير مختشعٍ ... حتى تلاقي ما يمني لك الماني
فكل ذي صاحبٍ يوماً مفارقه ... وكل زادٍ وإن أبقيته فان
والخير والشر مجموعان في قرنٍ ... بكل ذلك يأتيك الجديدان
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أدركني هذا لأسلم فبكى أبي، قثلت: يا أبه، ما يبكيك من مشرك مات في الجاهلية؟! قال: يا بني، ما رأيت مشركة بلغت من مشرك خيراً من سويد.
عبد الحميد بن حماد بن عبيد الله
أبو الوليد القرشي البعلبكي حدث عن سويد بن عبد العزيز بسنده إلى أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان. إن أفاضلكم أحسانكم أخلاقاً، إن من الإيمان حسن الخلق.
وحدث عنه أيضاً بسنده إلى عبد الله بن عمر قال:
جاء حبشي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، فضلتم علينا بالنبوة والصور، فقال عمر بن الخطاب: ما أجاد المسألة، ما أحكمها، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سل واستفهم، فقال: يا نبي الله، فضلتم علينا بالنبوة والصور والألوان أفإن آمنت بك، وعملت بالذي عملت به فإني كائن معك في الجنة؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم، والذي نفسي بيده، من آمن بالذي آمنت به، وعمل بالذي عملت به فإنه كائن معي في الجنة، ثم قال: والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة مئة عام أو ألف عام، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا إله إلا الله كتب له بها عهد عند الله، ومن قال: سبحان الله وبحمده كتب له بها مئة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة، فقالوا: يا رسول الله(14/170)
كيف نهلك بهد هذا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده، إن العبد ليجيء يوم القيامة، معه من الحسنات ما - لو كان على جبلٍ لأثقله، قال: ثم تقوم نعمة مما أنعم الله عليه، فتكاد تذهب بذلك كله، حتى يتطول الله عز وجل عليه منه برحمة. قال: ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً " حتى انتهى إلى قوله: " وإذا رأيت نعيماً وملكاً كبيراً " قال الحبشي: يا رسول الله، إن عيني هاتين لتريان ما ترى عيناك يوم القيامة. قال: واستبكى الحبشي شوقاً إلى الجنة حتى خرجت نفسه. قال ابن عمر: وأنا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دلاه في قبره.
عبد الحميد بن شميط
حكى عبد الحميد أن رجلاً استأجر لعابين ثلاثة أيام بسبعة دنانير، فلعبوا له بالوجوه كلها، فمطل الرجل اللعابين، فأتوا به نمير بن أوس - وكان قاضي دمشق زمن هشام بن عبد الملك - فقضى عليهم، وقال: إنا لا نقضي لكم بعمل الشياطين، فأبطل أجورهم.
عبد الحميد بن عبد الرحمن
ابن زيد بن الخطاب بن نفيل أبو عمر القرشي العدوي الخطابي كان عامل عمر بن عبد العزيز على الكوفة، ووفد عليه.
حدث عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمير الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام. قال ابن عباس: فقال عمر بن الخطاب: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمرٍ وما نرى أن ترجع عنه(14/171)
وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعاهم، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرار من قدر الله! فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، وكان عمر يكره خلافه، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كانت لك إبل كثيرة فهبطت وادياً له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في بعض حاجته، قفال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه. قال: فحمد الله عمر ثم انصرف.
وحدث عبد الحميد بن عبد الرحمن قال: أتينا عبد الله بن عباس وهو مسند ظهره إلى سارية من سواري مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلمت عليه وانتسبت فقال لي: أنت ابن العامرية؟ قلت: نعم، وأخذ بيدي وأدناني منه حتى لصقت ركبتي برأسه، فقلت: يا عم، أخبرني عن الوضوء، فقبض يده، ثم بسطها وقال: سألت عمك عمر بن الخطاب عن الوضوء، فقبض على يدي وقال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوضوء ففعل مثل ذلك وقال: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً.
وحدث عبد الحميد بن عبد الرحمن عن ابن يسار
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية " وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم " الآية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذريته ثم قال: خلقت هؤلاء للجنة،(14/172)
وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون. قال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على أعمال أهل الجنة، ويدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على أعمال أهل النار، فيدخله الله به النار.
وحدث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي الرجل يأتي امرأته وهي حائض قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار. قال عبد الله: هذه سنة تفرد بها أهل المدينة، وهذا عبد الحميد من ولد عمر بن الخطاب ثقة مأمون.
وعبد الحميد بن عبد الرحمن ولي الكوفة لعمر بن عبد العزيز، وهو الأعوج، وكان معه أبو الزناد عبد الله بن ذكوان كاتباً له.
قال ميمون بن مهران: دخلت على عمر بن عبد العزيز وهو متغيظ على عبد الحميد، وهو على الكوفة فقال عمر: بلغني أنه قال: لا اطلع على شاهد زور إلا قطعت لسانه. قال ميمون: قلت يا أمير المؤمنين، إنه ليس بفاعل، إنما أراد أن يؤدب أهل مصره، فقال عمر: انظروا إلى هذا الشيخ، إن خلتين خيرهما الكذب لخلتا سوء.
وأم عبد الحميد ميمونة بنت بشر بن معاوية بن ثور بن معاوية.
قال أبو يعقوب بن زيد: أجاز عمر بن عبد العزيز عبد الحميد بن عبد الرحمن، وكان عامله على العراق بعشرة آلاف درهم.
كتب عبد الحميد بن عبد الرحمن إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد، يا أمير المؤمنين، فإن الناس قد اصابوا من الخير قبلنا خيراً كثيراً، حتى لقد تخوفت أن ذلك سيطغيهم. فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن الله عز وجل لما أدخل أهل الجنة الجنة، وأسكنهم داره وأحلهم جواره، رضي منهم بأن قالوا: الحمد الله رب العالمين. فآمر من قبلك أن يحمدوا الله على ما رزقهم.
توفي عبد الحميد بحران في خلافة هشام بن عبد الملك.(14/173)
عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الحميد
أبو خازم السكوني القاضي ولي قضاء دمشق، والأردن، وفلسطين في أيام أحمد بن طولون في خلافة المعتمد وكان ممن أفتى بدمشق بخلع أبي أحمد الموفق.
حدث عن شعيب بن أيوب بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار.
أبو خازم بالخاء المعجمة. قاضي مدينة السلام وغيرها. كان عراقي المذهب، وكان عفيفاً، ورعاً، فاضلاً، نبيلاً، أديباً. وكان حنفي المذهب، عالما بمذهب أهل العراق، والفرائض، والحساب، والزرع، والقسمة، حسن العلم بالجبر، والمقابل، وحساب الدور، وغامض الوصايا والمناسخات. قدوة في العلم بصناعة الحكم ومباشرة الخصوم وأحذق الناس بعمل المحاضر والسجلات والإقرارات. أخذ العلم عن هلال بن يحيى وجماعة. كان يفضل عليهم. وأما عقله قالوا: لا نعلم أحداً رآه فقال: إنه رأى أعقل منه.
وبلغ من شدته في الحكم أن المعتضد وجه إليه بطريف المخلدي فقال له: إن على الضبعي بيعاً كان للمعتضد، ولغيره مالاً، وقد بلغني أن غرماءه ثبتوا عندك، وقد قسطت لهم من ماله، فاجعلنا كأحدهم، فقال أبو خازم: قل له: أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - ذاكر لما قال لي وقت قلدني: إنه قد أخرج الأمر من عنقه وجعله في عنقي ولا يجوز لي أن أحكم في مال رجل لمدع إلا ببينة، فرجع إليه طريف فأخبره، فقال: قال له: فلان وفلان يشهدان - يعني لرجلين جليلين - كانا في ذلك الوقت - فقال: يشهدان عندي، وأسأل عنهما، فإن زكيا قبلت شهادتهما وإلا أمضيت ما قد ثبت عندي، فامتنع أولئك من الشهادة فزعاً، ولم يدفع إلى المعتضد شيئاً.
وحدث وكيع القاضي قال:
كنت أتقلد لأبي خازم وقوفاً في أيام المعتضد، منها وقوف الحسن بن سهل. فلما(14/174)
استكثر المعتضد من عمارة القصر المعروف بالحسني أدخل إليه بعض وقوف الحسن بن سهل التي كانت في يدي ومجاورة للقصر، وبلغت السنة آخرها، وقد حببت مالها إلا ما أخذه المعتضد، فجئت إلى أبي خازم فعرفته اجتماع مال السنة، واستأذنته في قسمته في سبيله وعلى أهل الموقف، فقال لي: فهل جبيت ما على أمير المؤمنين؟ فقلت له: ومن يجسر على مطالبة الخليفة؟! فقال: والله لا قسمت الراتفاع أو تأخذ ما عليه، والله إن لم يزح العلة لا وليت له عملاً، ثم قال: امض إليه الساعة وطالبه فقلت: من يوصلني إليه؟ فقال لي: امض إلى صافي الحرمي، وقل إنك رسول أنفذت في مهم، فإذا وصلت فعرفه ما قلتلك. فجئت فقلت لصافي ذلك، فأوصلني، وكان آخر النهار. فلما مثلت بين يدي الخليفة ظن أن أمراً عظيماً قد حدث وقال: هيه! قل، كأنه متشوف، فقلت له: إني ألي لعبد الحميد قاضي أمير المؤمنين وقوف الحسن بن سهل، وفيها ما قد أدخله أمير المؤمنين إلى قصره، ولما جئت بمال هذه السنة امتنع من تفرقته إلى أن أجبي ما على أمير المؤمنين، وقد أنفذني الساعة قاصداً بهذا السبب، وأمرني أن أقول: إني حضرت في مهم، لأصل. فسكت ساعة مفكراً لم قال: أصاب عبد الحميد، يا صافي، هات الصندوق. قال: فأحضره صندوقاً لطيفاً، فقال: كم يجب لك؟ فقلت: الذي جبيت عام أول من ارتفاع هذا العقار: أربع مئة دينار. قال: كيف حذقك بالنقد والوزن؟ قلت: أعرفهما، قال: هاتوا ميزاناً، فجاؤوا بميزان، فأخرج من الصندوق دنانير عيناً، فوزن لي منها أربع مئة دينار، فقبضتها وانصرفت إلى أبي خازم بالخبر، فقال: أضفها إلى ما اجتمع للوقف عندك، وفرقه في غدٍ في سبيله، ولا تؤخر ذلك، ففعلت. فكثر شكر الناس لأبي خازم بهذا السبب وإقدامه على الخليفة بمثل ذلك، وشكرهم للمعتضد في إنصافه.(14/175)
حدث أبو عبد الله الصيمري أن عبد الله بن سليمان الوزير وجه بأبي إسحاق الزجاج إلى أبي خازم القاضي وأبي عمر محمد بن يوسف يسألهما في رجل محبوس بدين ثابت عندهما، فبدأ أبو إسحاق بأبي خازم، فجاء إليه وقد علا النهار، ودخل داره، فقال أبو إسحاق للبواب: استأذن لإبراهيم الزجاج، فقال: إن القاضي الآن دخل إلى الدار، وليس العادة بعد أن يقوم من مجلسه، ويدخل الدار أن يستأذن عليه، حتى يصلي العصر، فقال له أبو إسحاق: تعلمه أن الزجاج بالباب، فأبى عليه ذلك، فقال: تعلمه أن رسول الوزير عبيد الله بن سليمان بالباب، فأبى عليه ذلك فقال تعلمه أن رسول الوزير عبيد الله فقال: لو جاء الوزير الساعة لم يستأذن عليه. فانصرف أبو إسحاق وقعد في المسجد مغتاظاً مما جرى، غير أنه لا يشتهي الانصراف إلى الوزير إلا بعد قضاء الحاجة، وقعد إلى وقت العصر، فخرج البواب وكنس الباب ورش، وقال للزجاج: القاضي قد جلس، فإن كان لك رأي في الدخول إليه فقم، فقام أبو إسحاق، فدخل على أبي خازم، فسلم عليه، وتعرف كل واحد منهما خبر صاحبه، غير أنه لم يكن منه من الإقبال ما كان أبو إسحاق يعتقد منه، فأدى أبو إسحاق الرسالة، فقال أبو خازم: تقرأ على الوزير - أعزه الله - السلام وتقول له: إن هذا الرجل محبوس لخصمه في دينه، وليس بمحبوس لي، فإن أراد الوزير إطلاقه، فإما أن يسأل خصمه إطلاقه، أو يقضي عنه دينه، فإن الوزير لا يعجزه ذلك. قال أبو إسحاق: جئت إلى هاهنا قبل الظهر فامتنع البواب من الاستئذان على القاضي، فجلست إلى الآن للدخول عليه - وهو يقصد بهذا أن ينكر القاضي على البواب - فقال له: نعم، هكذا عادتي، إذا قمت من مجلسي، ودخلت إلى داري اشتغلت ببعض الحوائج التي تخصني، فإن القاضي لا بد له من خلوة وتودع، فاغتاظ أبو إسحاق من ذلك أكثر، وقال له مبكتاً له؛ كنت بحضرة الوزير في بعض هذه الليالي، فأنشدت بين يديه: المتقارب.(14/176)
أذل فيا حبذا من مذل ... ومن سافكٍ لدمي مستحل
إذا ما تعزز قابلته ... بذل وذلك جهد المقل
فسأل عن ذلك فقيل: إنها للقاضي أعزه الله، فقال أبو خازم: نعم هذه الأبيات قلتها في والدة هذا الصبي - لغلام قاعد بين يديه، في يده كتاب من الفقه، يقرأ عليه وهو ابنه - فإني كنت ضعيف الحال أول ما عرفتها، وكنت مائلاً إليها، ولم يمكن إرضاؤها بالمال، فكنت أطيب قلبها بالبيت والبيتين. فقام أبو إسحاق وودعه، ومضى إلى أبي عمر فاستقبله حجابه من باب الدار، وأدخلوه إلى الدار، فاستقبله القاضي من مجلسه بخطوات، وأجلسه في موضعه، وأكرمه كما يكرم من يكون خصيصاً بوزير إذا جاء إلى ناظر من قبله، فقال له: في أي شيء يرسم؟ فأدى إليه رسالة الوزير في باب الرجل المحبوس، فقال أبو عمر: السمع والطاعة لأمر الوزير، أنا أسأل صاحب الحق حتى يفرج عنه، فإن فعل، وإلا وزنت الدين من مالي إجابة لمسألة الوزير، فقام أبو إسحاق فودعه، وانصرف إلى الوزير ضيق الصدر من أبي خازم، مسروراً بصنيع أبي عمر، فاستبطأه الوزير، فحكى له ما جرى من كل واحد منهما، فقال له الوزير: فأي الرجلين أفضل عندك يا أبا إسحاق؟ فقال: أبو عمر، في عقله وسداده وحسن عشرته ومعرفته بحقوق الوزير يغري بأبي حازم: فقال الوزير: دع هذا عنك، أبو خازم دين كله، وأبو عمر عقل كله.
وحكى أبو عبد الله الصيمري قال: كتب عبيد الله بن سليمان رقعة إلى أبي خازم القاضي يسأله في ضيعة ليتيم يبيعها بثمنها أو أكثر من بعض الدهاقين الكبار له ملك يجاور هذه الضيعة، فوقف أبو خازم على الرقعة وكتب إليه: إن هذه الضيعة لا حاجة باليتيم إلى بيعها، لو كان ثمنها في ملك اليتيم لرأيت أن أشتري له مثلها، إذ كانت هذه الضيعة مما يرغب هذا الدهقان في شرائها، وإن رأى الوزير أن يجعلني أحد رجلين: إما رجل صين الحكم به أو صين الحكم عنه، والسلام.
جلس أبو خازم القاضي في الشرقية - وهو قاضيها - للحكم، وارتفع إليه خصمان، فاجترأ أحدهما بحضرته إلى ما أوجب التأديب، فأمر بتأديبه، فأدب، فمات في الحال،(14/177)
وكتب إلى المعتضد من المجلس: اعلم أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - أن خصمين حضراني فاجترأ أحدهما إلى ما وجب عليه معه الأدب عندي، فأمرت بتأديبه، فأدب فمات، وإذا كان المراد بتأديبه مصلحة المسلمين فمات في الأدب فالديه واجبة في بيت مال المسلمين، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بحمل الدية لأحملها إلى ورثته، فعاد الجواب إليه بأنا قد أمرنا بحمل الدية إليك، وحمل إليه عشرة آلاف درهم، فأحضر ورثة المتوفى ودفعها إليهم.
حدث مكرم بن بكر - وكان من فضلاء الرجال وعلمائهم - قال:
كنت في مجلس أبي خازم القاضي، فتقدم رجل شيخ، ومعه غلام حدث، فادعى الشيخ عليه ألف دينار عيناً ديناً، فقال له: ما تقول؟ فأقر، فقال للشيخ: ما تشاء؟ قال: حبسه، فقال للغلام: قد سمعت، فهل لك أن تنقده البعض وتسأله إنظارك؟ فقال: لا، فقال الشيخ: إن رأى القاضي أن يحبسه. قال: فتفرس أبو خازم فيها ساعة ثم قال: تلازما إلى أن أنظر بينكما في مجلس آخر. قال: فقلت لأبي خازم: وكان بيننا أنسة: لم أخر القاضي حبسه؟ فقال لي: ويحك! إني أعرف في أكثر الأحوال في وجه الخصوم وجه المحق من المبطل، وقد صارت لي بذلك دربة لا تكاد تخطئ وقد وقع لي في أن سماحة هذا بالإقرار هي عن بلية وأمرٍ بعيد من الحق، وليس في كلزومهما بطلان حق، ولعله ينكشف لي من أمرهما ما أكون معه على وثيقة مما أحكم به بينهما، أما رأيت قلة تغاضبهما في المناظرة، وقلة اختلافهما، وسكون طباعهما مع عظم المال؟ وما جرت عادة الأحداث بفرط التورع حتى يقر بمثل هذا طوعاً عجلاً بمثل هذا المال. قال: فنحن كذلك نتحدث إذ استؤذن على أبي خازم لبعض وجوه الكوخ من مياسير التجار، فأذن له فدخل وسلم، وتثبت لكلامه، فأحسن فقال: قد بليت بابن لي حدث يتقاين، ويتلف كل ما ظفر به من مالي في القيان عند فلان المقين، فإذا منعته مالي احتال بحيل تضطرني إلى التزام غرم له، وإن عددت ذلك طال، وأقربه أن قد نصب المقين اليوم ليطالبه بألف دينار عينا ديناً حالاً، وبلغني أنه تقدم إلى القاضي ليقر له بها، فيحبس، وأقع مع أمه فيما ينغص عيشي إلى أن أزن ذلك عنه للمقين، فإذا قبضه المقين حاسبه بذلك من الجذور. ولما سمعت بذلك بادرت إلى القاضي لأشرح له هذا الأمر فيداويه بما يشكره(14/178)
الله عز وجل، فجئت فوجدتهما على الباب. قال: فحين سمع ذلك أبو خازم تبسم وقال لي: كيف رأيت؟ قال: فقلت: لهذا ولمثله فضل الله عز وجل القاضي، وجعلت أدعو له، فقال: علي بالغلام والشيخ فدخلا، فأرهب أبو خازم على الشيخ، ووعظ الغلام. قال: فأقر الشيخ بأن الصورة كما بلغ القاضي، وأنه لا شيء له على الغلام، وأخذ الرجل بيد ابنه وانصرفوا.
مات أبو خازم سنة اثنين وتسعين ومئتين، وله خمس وتسعون سنة.
عبد الحميد بن محمود بن خالد بن يزيد
أبو بكر السلمي حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا سها أحدكم في صلاته فلا يدري أثلاثاً صلى أم أربعاً فليسجد سجدتين وهو جالس.
وحدث على إبراهيم بن المنذر بسنده إلى عامر بن سعد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب فقال: أما بعد.
وحدث عن موسى بن أيوب بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ابتلي بشيء من البنات فأحسن صحبتهن كن له ستراً من النار.
وحدث عن أبيه بسنده إلى عباية بن رافع قال: كنا عند رافع بن خديج فقال: تحدثوا بما شئتم فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار.
توفي عبد الحميد بن محمود سنة أربع وستين ومئتين. وقيل: سنة ست وستين بدمشق.(14/179)
عبد الحميد بن يحيى بن داود
أبو محمد البويطي حدث بالرملة عن أبي عبد الله أحمد بن هشام بن عمار بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: قال رجل: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وتصديق بوعده، وجهاد في سبيله. قال: أريد أهون من ذلك، قال: السماحة والصبر، قال: أريد أهون من ذلك، قال: لا تتهم الله في قضائه.
عبد الحميد بن يحيى بن سعد
أبو يحيى الكاتب مولى بني عامر بن لؤي، ويقال بني عامر بن كنانة، الذي يضرب به المثل في الكتابة. كان كاتباً لمروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وهو صاحب الرسائل والبلاغات، وهو مولى قريش.
حدث عبد الحميد بن يحيى بسنده إلى زيد بن ثابت كاتب الوحي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا كتبت فبين السينة في: بسم الله الرحمن الرحيم.
قال أحمد بن يوسف الكاتب: رآني عبد الحميد بن يحيى أكتب خطاً رديئاً فقال لي: إن أردت أن تجود خطك فأطل جلفتك وأسمنها، وحرف قطتك وأيمنها ثم قال: الطويل
إذا جرح الكتاب كان قسيهم ... دوياً وأقلام الدوي لهم نبلا(14/180)
قال الأخفش: قوله: جلفتك أراد: فتحة رأس القلم.
وقيل: إن عبد الحميد من سبي القادسية. يتولون عامر بن لؤي.
قيل: إن عبد الحميد استجلي بعد قتل مروان فوجد بالشام أو بالجزيرة، فدفعه السفاح إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن - وكان على شرطة - فكان يحمي طستاً بالنار ويضعها على رأسه حتى مات.
ومن شعر عبد الحميد الكاتب: المتقارب
ترحل ما ليس بالقافل ... وأعقب ما ليس بالآفل
فلهفي من الخلف البادل ... ولهفي على السلف الراحل
أبكي على ذا وأبكي لذا ... بكاء المولهة الثاكل
تبكيٍ من ابن لها قاطعٍ ... وتبكي على ابنٍ لها واصل
عبد الخالق بن زيد بن واقد الدمشقي
حدث عن أبيه عن مكحول عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قول الناس في العيد: يقبل الله منا ومنكم. قال: ذاك فعل أهل الكتابين، وكرهه.
وحدث عن أبيه أيضاً بسنده إلى أم سلمة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من لبس ثوباً يتباهى به ليروه الناس لم ينظر الله إليه حتى ينزعه.
ضعيف منكر الحديث.(14/181)
عبد الخالق بن محمد بن محمد بن عبد الوهاب
أبو العز الأصبهاني حدث عن محمد بن أحمد البصري بسنده إلى سلمان قال: قال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار: أخبرنا من فضائل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل مولده، قال: نعم يا أمير المؤمنين، قرأت فيما قرأت أن إبراهيم الخليل وجد حجراً مكتوباً عليه أربعة أسطرٍ الأول: أنا الله لا إله أنا فاعبدني، والثاني: إني أنا الله لا إله إلا أنا، محمد رسول الله، طوبى أمن به واتبعه، والثالث: إني أنا الله لا إله إلا أنا، من اعتصم بي نجا، والرابع: إني أنا الله لا إله إلا أنا. الحرم لي، والكعبة بيتي، من دخل بيتي أمن عذابي.
عبد الخالق بن منصور
أبو عبد الرحمن القشيري النيسابوري سكن الشام أو مصر.
حدث عن أبي النضر هاشم بن القاسم بسنده إلى عون بن عبد الله عن أبيه قال: ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كتب وقرأ. قال مجاهد: فذكرت ذلك للشعبي فقال: قد صدق، قد سمعت من أصحابنا يذكرون ذلك.
توفي عبد الخالق سنة ست وأربعين ومئتين.
عبد الدائم بن الحسن بن عبيد الله
ابن عبد الله بن عبد الوهاب بن صالح بن سليمان بن علي وفي نسبه اختلاف.
حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعوذ يقول: اللهم، إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب(14/182)
النار وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فاتنة الفقر. اللهم، وإني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال. اللهم، اغسل قلبي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم، وإني أعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم.
ولد أبو الحسن عبد الدائم سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة بدمشق، وتوفي سنة ستين وأربع مئة.
عبد الدائم بن المحسن بن عبد الله بن خليل
أبو القاسم حدث عن أبي بكر محمد بن سليمان بن يوسف الربعي السمسار بسنده إلى أبي جحيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما أنا فلا آكل متكئاً.
عبد ربه بن صالح القرشي
من أهل دمشق.
حدث عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة: ربنا خلقتهم يأكلون، ويشربون، وينكحون، ويركبون، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة، فقال الله تبارك وتعالى: لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له: كن فيكون.(14/183)
عبد ربه بن ميمون
أبو عبد الملك الأشعري النحاس قاضي دمشق.
حدث عن النعمان عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تضع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخمرة في المسجد وهي حائض.
وحدث عن العلاء بن الحارث عن مكحول - رفعه - قال: أيما شجرة أظلت على قوم فصاحبه بالخيار من قطع ما أظل منها أو أكل ثمرها.
وحدث عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه قال في مري النينان: غيرته الشمس.
عبد الرب بن محمد بن عبد الله
ابن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر أبو ذر الغساني
حدث عن أبيه بسنده إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من صبغ بالسواد لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ومن نتف شيبه قمعه الله بمقاميع من نار يوم القيامة.
كان أبو ذر من بيت علم. وتوفي سنة ثلاثين وثلاث مئة. وجد أبيه أبو مسهر محدث الشام في زمانه.(14/184)
عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن
أبو الفضل العجلي الرازي رحل وسمع بدمشق وبمصر وبغيرهما.
حدث بأصبهان سنة اثنتين وخمسين واربع مئة عن أبي مسلم محمد بن أحمد بن علي البغدادي الكاتب بسنده إلى ابن مسعود أنه حدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يكون في النار قوم ما شاء الله أن يكونوا، ثم يرحمهم الله فيخرجهم، فيكونون في وادٍ أدنى الجنة، فيغتسلون في نهر الحياة، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين، لو أضاف أحدهم أهل الدنيا لأطعمهم وسقاهم، وفرشهم ولحفهم - وأحسبه قال: وزوجهم - لا ينقص ذلك مما عنده شيئاً.
كان عبد الرحمن بن أحمد شيخاً فاضلاً، ثقة، إماماً في القرآن، جوالاً في الآفاق في طلب الحديث. وكان الشيوخ يكرمونه ويعظمونه. وكان لا يسكن الخانقاهات، ولكنه كان يأوي إلى مسجد خراب يسكنه في أطراف البلد، يطلب الخلوة فيه، فإذا عرف مكانه تركه، وانتقل إلى مسجد آخر، وكان فقيراً قليل الانبساط لا يأخذ من أحد شيئاً، فإذا فتح عليه بشيء أعطاه غيرة وأنفقه.
قال الإمام أبو الفضل عبد الرحمن: يحتاج العالم إلى ثلاثة أشياء: جنان مفكر، ولسان معبر، وبيان مصور.
قال أبو الفضل الرازي: هذه الأوراق تحل منا محل الأولاد.
ومن شعر أبي الفضل عبد الرحمن الرازي: السريع(14/185)
يا موت ما أجفاك من زائر ... تنزل بالمرء على رغمه
وتأخذ العذراء من خدرها ... وتاخذ الواحد من أمه
توفي أبو الفضل سنة أربع وخمسين وأربع مئة. وقيل: سنة خمس وخمسين وأربع مئة.
عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين
أبو محمد النيسابوري الواعظ قدم دمشق حاجاً، وحدث بها.
حدث بدمشق سنة تسع وخمسين وأربع مئة بمشهد زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام عن أبي الحسن عبيد الله بن محمد بن منده الأصبهاني بسنده إلى آنس بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من قال حين يصلي الغداة: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، والله أكبر مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك فذلك خير له من أن يجمع له ما بين الشرق والغرب ويدأب الملائكة أياماً يكتبون ولا يحصون ما قال.
أنشد أبو محمد عبد الرحمن قال: أنشدنا السيد أبو الحسن محمد بن عبد الله البلخي لنفسه: مجزوء الكامل
ما واحد من واحدٍ ... أولى ببعد من جهاله
وأحق بالشيم الحمي ... دة والنزوع عن الضلالة
ممن تقلب أصله ... بين الوصاية والرساله(14/186)
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن الفضل
أبو بشر الأصبهاني المديني المعروف بالولادي المتعبد سمع بدمشق وغيرها. من كبار المتعبدين.
حدث عن أبي نعيم الحافظ بسنده إلى ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
توفي أبو بشر بعد الثمانين ومئتين.
حدث عن العراقيين والشاميين والمصريين.
عبد الرحمن بن أحمد بن عطية
ويقال: عبد الرحمن بن عطية - ويقال: عبد الرحمن بن عسكر أبو سليمان العنسي الداراني الزاهد من صليبة العرب. وقيل: إن أصله من واسط.
قال أبو سليمان الداراني: سمعت علي بن الحسن بن أبي الربيع الزاهد يقول: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: سمعت ابن عجلان يذكر عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى قبل الظهر أربعاً غفر له ذنوبه يومه ذلك قال أبو سليمان الداراني: اقام داود الطائي أربعاً وستين عزباً، فقيل له: كيف صبرت عن النساء؟! قال: قاسيت شهوتهن عند إدراكي سنة، ثم ذهبت شهوتهن من قلبي.
كان أبو سليمان أستاذ أحمد بن أبي الحواري، له الكلام المتين، والأحوال السنيات، والرياضات والسياحات، شهرته تغني عن الإكثار فيه.(14/187)
وكان من أهل داريا، وهي ضيعة إلى جنب دمشق. كان أحد عباد الله الصالحين، ومن الزهاد المتعبدين. قدم إلى بغداد وأقام بها مدة، وعاد إلى الشام، فأقام بداريا حتى توفي. وهو العنسي بالنون.
حكي عن أبي سليمان قال: اختلفت إلى مجلس قاص، فاثر كلامه في قلبي. فلما قمت لم يبق في قلبي منه شيء، فعدت ثانياً فسمعت كلامه فبقي في قلبي كلامه في الطريق، ثم زال، ثم عدت ثالثاً فبقي أثر كلامه في قلبي حتى رجعت إلى منزلي، وكسرت آلات المخالفات ولزمت الطريق فحكى هذه الحكاية ليحيى بن معاذ فقال: عصفور اصطاد كركياً: أراد بالعصفور القاص وبالكركي أبا سليمان الداراني.
قال أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي المثنى الموصلي: رأيت أبا سليمان الداراني ببغداد سنة ثنتين ومئتين مخضوب اللحية، له شعيرة، في مسجد عبد الوهاب الخفاف، فقيل له: إن عبد الوهاب الخفاف يقول بشيء من القدر، فترك الصلاة في مسجده، وذهب إلى مسجد آخر. قال أبو جعفر: وإني لأرجو برؤيته خيراً.
وقال أبو سليمان: صل خلف كل صاحب بدعة إلا القدري، لا تصل خلفه وإن كان سلطاناً. قال أحمد: وبه نأخذ.
قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: صليت وخلفي قدري. قال: فلما سلمت إذا هو خلفي رافع يديه يدعو. قال: فضربت بيدي إلى يديه أمسكتهما، فقلت له: إيش تسأل أنت؟ دعني أنا أسأل الذي أزعم أني لا أقدر على شيء، واذهب أنت اعمل الذي تزعم أنك تعمل ما تريد.
قال(14/188)
أبو محمد عباس العكي في قول الله عز وجل " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " قال: الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله إلى ما لا يعلمون، فحدثت به أبا سليمان، فأعجبه وقال: ليس ينبغي لمن ألهم شيئاً من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الآثر، فإذا سمع به في للآثر عمل به، وحمد الله حين وافق ما في قلبه.
قال أبو سليمان: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة.
وقال أبو سليمان: أفضل الأعمال خلاف هوى النفس.
وقال: لكل شيء علم، وعلم الخذلان ترك البكاء.
وقال: لكل شيء صدأ، وصدأ نور القلب شبع البطن.
وقال: كل ما شغلك عن الله من أهل، أو مال، أو ولد فهو عليك مشؤوم.
وقال أبو سليمان: كنت ليلة باردة في المحراب، فأقلقني البرد، فخبأت إحدى يدي من البرد، وبقيت الأخرى ممدودة، فغلبتني عيني، فهتف بي هاتف: يا أبا سليمان، قد وضعنا في هذه ما أصابها، ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها، فآليت على نفسي أن لا أدعو إلا ويداي خارجتان حراً كان حراً أو برداً.
وقال: نمت ليلة عن وردي، فإذا أنا بحوراء تقول لي: تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمس مئة عام؟.(14/189)
قال: ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال، ولولا أني بعد أدع الفكر فيها ما جزتها أبداً. ولربما جاءت الآية من القرآن تطير العقل فسبحان الذي رده إليهم بعد.
وقال: خير ما أكون أبداً إذا لزق بطني بظهري، فلربما شبعت شبعة فأخرج. فإنما عيناي تطمحان، وربما جعت الجوعة فترحمني المرأة فما ألتفت إليها.
قال أبو سليمان: لأن أترك من عشائي لقمة أحب إلي من أن أقوم الليل إلى آخره.
قال أبو سليمان: مفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع. وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل، وإن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، وإن الجوع عنده في خزائن مدخرة، فلا يعطي إلا لمن أحب خاصة.
وقال أبو سليمان في قول الله عز وجل " أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى " قال: أزال عنهم الشهوات.
قال أبو سليمان: إذا جاع القلب وعطش صفا ورق، وإذا شبع وروي عمي.
حدث أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان: يا أحمد، جوع قليل، وذل قليل، وعري قليل، وفقر قليل، وضر قليل، وقد انقضت عنك أيام الدنيا.
قال: وقال: يا أحمد، ما أنجب من أنجب إلا بالقبول من مشايخهم، كم أقول لك: لا تفتح أصابعك في القصعة، فأنت لا تقبل مني، يا أحمد عهدت قوماً من القراء، وشهدت طوائف من الصوفية يعدون الجوع فيهم غنيمة كما تعد أنت وأصحابك الشبع غنيمة.(14/190)
قال: وقال: أي شيء يزيد الفاسقون عليكم؟ إذا كان كلما اشتهيتم شيئاً أكلتموه وأولئك كلما أرادوا شيئاً فعلوه؟.
قال أحمد:
اشتهى أبو سليمان رغيفاً حاراً بملح، فجئت به إليه، فعض منه عضة، ثم طرحه، وأقبل يبكي ويقول: يا رب، عجلت لي شهوتي، لقد أطلت جهدي وشقوتي، وأنا تائب، فاقبل توبتي. قال أحمد: ولم يذق أبو سليمان الملح حتى لحق بالله عز وجل.
قال أحمد: سمعت أبا سليمان يقول: قدم أهلي إلي مرة خبزاً وملحاً، فكان في الملح سمسمة، فأكلتها، فوجدت رانها على قلبي بعد سنة.
قال أبو سليمان: ما رضيت عن نفسي طرفة عين، ولو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يضعوني كاتضاعي عن نفسي ما أحسنوا.
وقال: من رأى لنفسه قيمة لم يذق حلاوة الخدمة.
وقال: إذا تكلف المتعبدون أن لا يتكلموا إلا بالإعراب ذهب الخشوع من قلوبهم.
وقال أبو سليمان: ليس شيء أحب إلي من أن أكفى المؤونة يتحدث رجل، وأسمع أنا، ولربما حدثني الرجل بالحديث أنا أعلم به منه فأنصت إليه كأني ما سمعته قط، ولربما مشيت إلى الرجل هو أولى بالمشي إلي مني إليه.
وقال: من حسن ظنه بالله ثم لا يخاف فهو مخدوع.(14/191)
قال أحمد بن أبي الحواري: قال لي أبو سليمان: يا أحمد، أيكون شيء أعظم ثواباً من الصبر؟ قال: قلت: نعم، الرضى عن الله عز وجل. قال: ويحك إذا كان الله تعالى يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، فانظر إلى ما يفعل بالراضي عنه.
وقال أبو سليمان: أرجو أن أكون عرفت طرفاً من الرضى لو أنه أدخلني النار لكنت بذلك راضياً.
قال أبو سليمان: ربما مثل لي أني على قنطرة من قناطير جهنم بين حجرين، فكيف يكون عيش من هو هكذا؟.
قال أبو سليمان: لولا الذنوب لسألناه أن يقيم القيامة، ولكن إذا ذكرت الخطيئة قلت: أبقى لعلي أتوب.
قال أبو سليمان: ما يسرني أن لي من أول الدنيا إلى آخرها أنفقه في وجوه البر وأني أغفل عن الله طرفة عين.
قال رجل لأبي سليمان: أوصني، فقال أبو سليمان: قال زاهد لزاهد: أوصني، قال: لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، قال: زدني، قال: ما عندي زيادة.
قال أبو سليمان: وقعت أمي من فوق وتكسرت، فأهمني أمرها، فقلت: يا رب، من يخدمها؟ فجعلت أبكي في سجودي، فإذا بهاتف يهتف: يا أبا سليمان، قم إلى الحائط فخذ ما فيه وادع به، فقمت، فإذا بقرطاس ما رأيت على نقائه وبياضه، بخط ما رأيت مثله حسناً، تفوح منه رائحة المسك، وإذا فيه مكتوب: يا مدرك الفوت بعد الفوت، ويا من يسمع في ظلم(14/192)
الليل الصوت، ويا من يحيى العظام وهي رميم بعد الموت، فدعوت بها وأنا ساجد، فإذا أمي تقول: يا أبا سليمان، ما فعلت الغلة؟ قال: قلت لها: قد قمت؟ قالت: نعم.
قال أحمد بن أبي الحواري: بات أبو سليمان ذات ليلة. فلما انتصف الليل قام ليتهيأ. فلما أدخل يده في الإناء بقي على حالته حتى انفجر الصبح وحان وقت الإقامة، فخشيت أن تفوت صلاته فقلت: الصلاة يرحمك الله، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: يا أحمد، أدخلت يدي في الإناء فعارضني عارض من سري: هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك، فبماذا تغسل قلبك؟ فبقيت متفكراً، فألهمت حتى قلت: بالغموم والأحزان فيما يفوتني من الأنس بالله.
قال ابن أبي الحواري: كنت مع أبي سليمان حين أراد الإحرام، فلم يلب حتى سرنا ميلاً، وأخذه كالغشية في المحمل ثم افاق فقال: يا أحمد، إن الله تبارك وتعالى أوصى إلى موسى: مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري، فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة حتى يسكت، ويحك يا أحمد! بلغني أنه من حج من غير حله، ثم لبى قال الله له: لا لبيك ولا سعد يك حتى ترد ما في يديك، فما يؤمننا أن يقال لنا ذلك؟.
قال أبو سليمان: ينبغي للخوف أن يكون أغلب على الرجاء، فإذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب.
قال أبو سليمان: من أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه، والله تعالى أكرم من أن يعذي قلباً لشهوة تركت له.
قال أبو سليمان: إذا سكنت الدنيا القلب ترحلت منه الآخرة.(14/193)
قال: إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزحمها، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تزحمها الاخرة. إن الآخرة كريمة، والدنيا لئيمة.
قال أبو سليمان:
إن في الجنة أنهاراً، وعلى شاطئها خيام، فيهن الحور ينشئ الله خلق إحداهن إنشاء، فإذا تكامل خلقها ضربت الملائكة عليهن الخيام، جالسة على كرسي، ميل في ميل، قد خرجت عجيزتها من جوانب الكرسي. قال: فيجيء أهل الجنة من قصورهم يتنزهون ما شاؤوا، يخلو كل رجل منهم بواحدة منهن. قال أبو سليمان: كيف يكون في الدنيا حال من يريد يفتض الأبكار على شاطئ الأنهار في الجنة؟.
قال أحمد بن أبي الحواري: دخلت على ابي سليمان يوماً وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟! فقال: يا أحمد ولم لا أبكي؟ إذا جن الليل، ونامت العيون، وخلا كل حبيب بحبيبه افترش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم، وتقطرت في محاريبهم أشرف الجليل سبحانه فنادى: يا جبريل بعيني من تلذذ بكلامي، واستراح إلى ذكري، وإني لمطلع عليهم في خلواتهم أسمع أنينهم، وأرى بكاءهم، فلم لا تنادي فيهم يا جبريل: ما هذا البكاء؟ هل رايتم حبيباً يعذب أحباءه؟! أم كيف يجمل بي أن آخذ قوماً إذا جنهم الليل تملقوا في، حلفت إذا وردوا علي القيامة لأكشفن لهم عن وجهي الكريم حتى ينظروا إلي، وأنظر إليهم.
قال أحمد بن أبي الحواري: بت عند أبي سليمان الداراني، فسمعته يقول: وعزتك وجلالتك لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك، ولئن أمرت بي إلى النار لأخبرنهم أني كنت أحبك.
قال أبو سليمان: لو شك الناس كلهم في الحق ما شككت فيه وحدي. قال أحمد بن أبي الحواري: كان قلبه في هذا مثل قلب أبي بكر الصديق يوم الردة.(14/194)
قال أبو سليمان: كنت نائماً في بيت فوقه علية فجاءني حين رقدت فحركني، فقال: يا عبد الرحمن، قم، وتوضأ، وصل، قلت: بكلامك يا لعين أصلي أنا؟ فرقدت وتركته، قال: فجاءني بعد فحركني، فقال: يا عبد الرحمن، افتح عينيك، قال: ففتحتهما، فإذا بحيطان البيت والجدر والسقف وشي محبرة قال: فرقدت، وتركته. قال: ثم جاءني بعد فحركني، فقال: يا عبد الرحمن، افتح عينيك، فإذا سقف البيت وسقف العلية قد انفرج. قال: فجعلت أنظر إلى النجوم، وأنا في الفراش.
قال: وقال أبو سليمان: رأيت لصاً قط يجيء إلى خربة، ينقبها، وهو يدخل من أي أبوابها شاء؟ إنما يجيء إلى بيت، قد جعل فيه رزم بر، وأقفل، فينقب حائطاً يستخرج رزمة، كذلك إبليس ليس يجيء إلا إلى كل قلب عامرٍ ليستنزله عن شيء.
قال أبو سليمان: ما خلق الله خلقاً أهون علي من إبليس، ولولا أني أمرت أن أتعوذ منه ما تعوذت منه أبداً، ولو بدا لي ما لطمت إلا صفحة وجهه.
قال أبو سليمان: إذا أخلص العبد انقطع عنه الوسواس والرؤيا. قال: وربما أقمت سنين فما ارى في النوم شيئاً.
قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: أقمت عشرين سنة لم أحتلم، فدخلت مكة، فأحدثت فيها حدثاً، فما أصبحت حتى احتلمت، فقلت له: وأي شيء كان الحدث؟ قال: فاتتني صلاة العشاء في جماعة.(14/195)
قال أبو سليمان: الزاهد حقاً لا يذم الدنيا ولا يمدحها، ولا ينظر إليها، ولا يفرح بها إذا أقبلت، ولا يخزن عليها إذا ولت.
قال الجنيد: شيء يروى عن أبي سليمان الداراني أنا أستحسنه كثيراً: قوله: من اشتغل بنفسه شغل عن الناس، ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن الناس.
قال أبو سليمان الداراني: إذا أحب العبد الدنيا فآثرها يقول الله عز وجل: لأنسينه معرفتي حتى يلقاني وهو لا يعرفني.
قال أبو سليمان: خير السخاء ما وافق الحاجة.
قال أبو سليمان: إن في خلق الله خلقاً، ما تشغلهم الجنان وما فيها من النعيم عنه، فكيف يشتغلون بالدينا؟ قال أبو سليمان: الدنيا عند الله أقل من جناح بعوضة، فما قيمة جناح بعوضة حتى يزهد فيها؟ وإنما الزهد في الجنة والحور العين، وكل نعيم خلقه الله ويخلقه، حتى لا يرى الله في قلبك غير الله.
قال أبو سليمان: من طلب الدنيا حلالاً واستعفافاً عن المسألة واستغناء عن الناس لقي الله يوم يلقاه ووجهه كالقمر ليلة البدر، ومن طلب الدنيا حلالاً مكاثراً مفاخراً مرائياً لقي الله وهو عليه غضبان.(14/196)
قال أبو سليمان: ليس الزاهد من ألقى غم الدنيا واستراح منها إنما تلك راحة، وإنما الزاهد من ألقى غمها، وتعب فيها لآخرته. قال أبو سعيد: يقول: كما يزهد فيها يزهد في الراحة، فإن الراحة في الدنيا من الدينا ومن نعيمها.
قال أبو سليمان:
إن قوماً طلبوا الغنى فحسبوا أنه في جمع المال ألا وإنما الغنى في القناعة، وطلبوا الراحة في الكثرة، وإنما الراحة في القلة، وطلبوا الكرامة من الخلق ألا وهي في التقوى، وطلبوا النعمة في اللباس الرقيق اللين، وفي طعام طيب، والنعمة في الإسلام والستر والعافية.
قال أبو سليمان: في قول الله عز وجل " وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً " قال: عن الشهوات.
قال أبو سليمان: نظروا إلى آخر غاية فجعلوها أول غاية: لباس الصوف. ينبغي إذا لم يبق في القلب شهوة من الدنيا تدرع العباء، لأنها علم الزهد، أما يستحي أحدكم أن يلبس عباء بثلاثة دراهم وفي قلبه شهوة بخمسة؟! قال أبو سليمان: لأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولربما رأيت القلب يضحك ضحكاً.
زاد في حديث آخر: ولولا الليل ما أحببت البقاء.
قال أبو سليمان: إنما الأخ الذي يعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه، لقد كنت أنظر إلى الأخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهراً.(14/197)
قال أبو سليمان: لا يكون العبد تائباً حتى يندم بالقلب، ويستغفر باللسان، ويرد المظالم فيما بينه وبين الناس، ويجتهد في العبادة.
قال أحمد بن أبي الحواري: ذكرات أبا سليمان الصبر، فقال: والله، ما نصبر على ما نحب فكيف نصبر على ما نكره؟ قال أحمد بن أبي الحواري: تنهدت يوماً عند أبي سليمان الداراني فقال لي: إنك عنها مسؤول يوم القيامة، فإن كان على ذنب سلف فطوباك، وإن كان على الدنيا فويل لك.
قال أبو سليمان: إنما رجع القوم من الطريق قبل الوصول، ولو وصلوا إلى الله ما رجعوا.
قال ابن المبارك: لا تقل: ما أجرأ فلاناً على الله! فإن الله تعالى أكرم من أن يجترأ عليه، ولكن قل: ما أعز فلاناً بالله قال أبو سليمان: صدق ابن المبارك، هو أكرم من أن يجترأ عليه، ولكنهم هانوا عليه فتركهم ومعاصيهم، ولو كرموا عليه لمنعهم منها.
قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: أريد أن أدع السوق وأتعبد، فقال: الزم السوق وتعبد. قال: قلت: فليس في السوق ما يكفيني، قال: فتحتاج إلى درهم؟ قلت: نعم، قال: فتكسب في السوق دانقاً؟ قلت: نعم. قال: فتحتال خمسة دوانيق خير من أن تحتال الدرهم كما هو.
قال: وقلت لأبي سليمان: تخالف العلماء؟ فغضب، وقال: رأيت عالماً قط بعينك؟ رأيت عالماً يأتي أبواب السلطان فيأخذ دراهمهم؟ قال أبو سليمان: إذا دخلت الدنيا من باب البيت خرجت الآخرة من الكوة.(14/198)
قال أبو سليمان: من صارع الدنيا صارعته.
قال احمد بن أبي الحواري: حججت أنا وأبو سليمان، فبينا نحن نسير إذ سقطت السطحية مني، فقلت لأبي سليمان: فقدت السطحية وبقينا بلا ماء، وكان برد شديد، فقال أبو سليمان: يا راد الضالة، ويا هادي من الضلالة، اردد علينا الضالة، فإذا واحد ينادي: من ذهبت له سطحية؟ قال: فقلت: أنا، فأخذتها. فبينا نسير وقد تدرعنا بالفراء لشدة البرد، فإذا نحن بإنسان عليه طمران، وهو يترشح عرقاً، فقال أبو سليمان: تعال ندفع إليك شيئاً مما علينا من الثياب، فقال: يا أبا سليمان، أتشير إلى الزهد وتجد البرد؟ أنا أسيح في هذه البرية منذ ثلاثين سنة، ما انتفضت، ولا ارتعدت، يلبسني في البرد فيحاً من محبته، ويلبسني في الصيف مذاق برد محبته، ومر.
قال ابن أبي الحواري: قلت لأبي صفوان: ما رأيت مثل أبي عبد الله النباجي، فقال لي: ما رأيت أنت أحداً قط مثل أبي سليمان، ولكن أخبرك بقصتك حين فضلت أبا عبد الله: إن أبا سليمان زرع في قلبك حبيبة أصابها عطش، فسقاها النباجي فأنبتت، فالأصل بركة أبي سليمان.
مات أبو سليمان سنة أربع ومئتين. وقيل: سنة خمس ومئتين. وقيل: سنة خمس عشرة ومئتين. وقيل: سنة خمس وثلاثين ومئتين.
قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لمروان حين مات أبو سليمان: لقد أصيب به أهل دمشق، قال: أهل دمشق؟! لقد أصيب به أهل الإسلام.(14/199)
قال أحمد بن أبي الحواري: تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني في المنام، فرأيته بعد سنة، فقلت له: يا معلم، ما فعل الله بك؟ قال: يا أحمد، دخلت من باب الصغير فرايت وسق شيح، فأخذت منه عوداً، فلا أدري تخللت به ام رميت به؟ فأنا في حسابه من سنة إلى هذه الغاية.
عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر
أبو محمد السلمي، يعرف بابن سيده
كان ثقة متحرزاً. ولد سنة إحدى وستين وأربع مئة.
حدث عن أبي الحسن علي بن الحسن بن عبد السلام بن أبي الحزور بسنده إلى شقيق قال: كنت أنا وحذيفة إذ جاء شبث بن ربعي، فقام يصلي، فبزق بين يديه. فلما انفتل قال له حذيفة: يا شبث لا تبزق بين يديك ولا عن يمينك، عن يمينك كاتب الحسنات، وابزق عن يسارك أو خلفك، فإن الرجل إذا قام يصلي استقبله الله عز وجل بوجهه فلا يصرفه حتى يكون هو الذي يصرفه، أو يحدث حدث سوء.
توفي أبو محمد سنة إحدى عشرة وخمس مئة.
عبد الرحمن بن أحمد بن عمران
أبو القاسم الدينوري الواعظ حدث عن عبد الله بن محمد بن وهب بن حمدان بسنده إلى عائشة قالت: لما فتح الله علينا خيبر قلت: يار سول الله، الآن نشبع من التمر.
كان أبو القاسم عبد الرحمن الواعظ قلما خلا مجلس وعظه إلا وهو يقول: قال ابن السماك: الكامل
يا أيها الرجل المعلم غيره ... ألا لنفسك كان ذا التعليم؟(14/200)
تصف الدواء من السقام لذي الطنى ... ومن الطنى هذا وأنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
توفي أبو القاسم الدينوري الواعظ بقينية سنة إحدى وستين وثلاث مئة.
عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف
أبو علي المزني الأعرج حدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب.
عبد الرحمن بن أحمد
أبو غالب ابن بنت علي بن عيسى الوزير أنشد أبو غالب لابن بسام العريب: الخفيف
إن صحبنا الملوك ملوا وصدوا ... واستبدوا بالأمر دون الجليس
أوصحبنا التجار عدنا إلى الذر ... وصرنا إلى حساب الفلوس
فلزمنا البيوت نتخذ الحب ... ر ونملا به وجوه الطروس
عبد الرحمن بن إبراهيم بن زياد
أبو طاهر المعروف بالحراني حدث عن أبي زكريا يحيى بن عبد الله الواقدي الحراني بسنده إلى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله، إنا نتساءل بيننا، قال: فليسأل أحدكم في فتق أو جائحةٍ فإذا بلغ أو كرب أمسك.(14/201)
وجاء من طريق آخر عنه قال: قلت: يا رسول الله، إنا قوم نتساءل أموالنا قال: يسأل الرجل في الجائحة أو الفتق ليصلح به بين قومه، فإذا بلغ أو كرب استعف.
وحدث أبو طاهر عن أبي زكريا أيضاً بسنده إلى عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه.
توفي أبو طاهر عبد الرحمن سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.
عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو بن ميمون
أبو سعيد، المعروف بدحيم الفقيه قاضي دمشق وطبرية.
حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى أبي سعيد الخدري أن أعرابياً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الهجرة فقال: ويحك! إن شأن الهجرة شديد، فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فهل تؤدي صدقتها؟ قال: نعم قال: فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك.
ولد عبد الرحمن سنة سبعين ومئة، وكان ثقة مأموناً، توفي سنة خمس وأربعين ومئتين وقد جاوز خمساً وسبعين سنة. قالوا: وكان عبد الرحمن بن إبراهيم، دحيم ثقة وكان يختلف إلى بغداد، وسمعوا منه، فذكروا الفئة الباغية هم أهل الشام، فقال: من قال هذا فهو ابن الفاعلة، فنكب الناس عنه ثم سمعوا منه.
قال أبو عمر الكندي في كتاب قضاة مصر: فوليها الحارث بن مسكين إلى أن صرف عنها.
وورد كتاب المتوكل على دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعيد بن ميمون مولى(14/202)
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وهو على قضاء فلسطين يأمره بالانصراف إلى مصر ليليها، فتوفي بفلسطين سنة خمس وأربعين ومئتين.
وقيل: توفي بالرملة: وقيل في نسبه: أبو سعيد دحيم بن إبراهيم القرشي، المنسوب إلى اليتيم.
عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي
حدث عن ليث بن سعد بسنده إلى عقبة بن عامر قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما عرج لي إلى السماء دخلت جنة عدن، فوقعت في كفي تفاحة، وانفلقت عن حوراء مرضية، كأن شفار عينيها مقادم أجنحة النسور، فقلت: لمن أنت؟ فقالت: أنا للخليفة من بعدك المقتول عثمان بن عفان.
قال العقيلي: عبد الرحمن بن ابراهيم يحدث عن الليث بن سعد مجهول بالنقل، وحديثه موضوع لا أصل له.
عبد الرحمن بن آدم
يعرف بصاحب السقاية البصري مولى أم برثن، ويقال له ابن أم برثن، لأنها تبنته.
وفد على يزيد بن معاوية متظلماً من ابن زياد.
حدث عبد الرحمن مولى أم برثن قال: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقوموا لنا حلب شاة أن كفيناهم، فبينا نحن نسوقهم في أدبارهم إذ انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتلقتنا عنده رجال حسان، بيض الوجوه. قالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا، فرجعنا، وركبوا أكتافنا وكانت إياها.(14/203)
وحدث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وأنا أولى بعيسى بن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين كأن رأسه يقطر، ولم يصبه بلل، وإنه يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويفيض المال، حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، وحتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الاسلام وحتى يهلك الله في زمانه مسيح الضلالة، الأعور الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض، حتى يرعى الأسد مع الإبل، والنمر مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضاً، يبقى في الأرض أربعين سنة، ثم يموت، ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه.
وحدث عبد الرحمن قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثهم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إياكم والبدع، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة تصير إلى النار.
استعمل عبيد الله بن زياد عبد الرحمن بن أم برثن ثم غضب عليه، فعزله وأغرمه مئة ألف، فخرج إلى يزيد، فذكر عبد الرحمن أنه لما صار من دمشق على مرحلة قال: فنزلت وضرب لي خباء وحجرة، فإني لجالس إذا كلب سلوقي قد دخل، في عنقه طوق من ذهب، يلهث، فأخذته، وطلع رجل على فرس. فلما رأيت هيبته أدخلته الحجرة، وأمرت بفرسه يعود، فلم ألبث أن توافت الخيل، فإذا هو يزيد بن معاوية، فقال لي بعدما صلى: من أنت؟ وما قصتك؟ فأخبرته، فقال: إن شئت كتبت لك من مكانك وإن شئت دخلت، قال: بل تكتب لي من مكاني. قال: فأمر، فكتب لي: إلى عبيد الله بن زياد أن اردد عليه مئة ألف، فرجعت. قال: واعتق عبد الرحمن يومئذ في المكان الذي كتب له فيه الكتاب ثلاثين مملوكاً، وقال لهم: من أحب أن يرجع معي فليرجع، ومن أحب أن يذهب فليذهب. وكان عبد الرحمن يتأله.
ورمى غلاماً له يوماً بسفود فأخطأ الغلام وأصاب رأس ابنه فنثر دماغه، فخاف(14/204)
الغلام حين قتل عبد الرحمن ابنه بسببه أن يقتله، فدعاه فقال: يا بني، اذهب فأنت حر، فما أحب أن ذلك كان بك، لأني رميتك متعمداً، فلو قتلتك هلكت، وأصبت ابني خطأ. ثم عمي عبد الرحمن بعد ومرض، فدعا الله في مرضه ذلك ألا يصلي عليه الحكم، ومات من مرضه، وشغل الحكم ببعض أموره، فلم يصل عليه، وصلى عليه الأمير قطن بن مدرك فيما يقال.
وكان شأن عبد الرحمن - فيما ذكر جويرية بن أسماء - أن أم برثن كانت امرأة من بين ضبيعة تعالج الطيب، وكانت تخالط آل عبيد الله بن زياد، فأصابت غلاماً لقطة، فربته وتبنته حتى أدرك وسمته عبد الرحمن، فكلمت نساء عبيد الله بن زياد فكلمن عبيد الله فيه فولاه، فكان يقال له: عبد الرحمن بن أم برثن، كما يقال فيروز حصين.
ويقال: ابن برثن، وابن برثم، ونسب إلى آدم أبي البشر صلوات الله على نبينا محمد وعليه وسلامه لأنه لا يعرف أبوه.
عبد الرحمن بن آدم الأزدي
ويقال الأودي قال الوليد بن مسلم:
ذكرت لعبد الرحمن بن آدم أمر الرايات السود فقال: سمعت عبد الرحمن بن الغاز بن ربيعة الجرشي يقول: إنه سمع عمرو بن مرة الجهني صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليخرجن من خراسان راية سوداء حتى تربط خيولها بهذا الزيتون الذي بين بيت لهيا وحرستا. قال عبد الرحمن بن الغاز: فقلنا له: والله، ما نرى بين هاتين القريتين زيتونة قائمة! فقال عمرو بن مرة: إنه ستنصب فيما بينهما؛ حتى تجيء أهل تلك الراية، فتنزل تحتها وتربط بها خيولها. قال عبد الرحمن بن آدم: فحدثت بهذا الحديث أبا الأعيس عبد الرحمن بن سلمان السلمي فقال: إنما يربطها أصحاب الراية السوداء الثانية التي تخرج على الراية الأولى منهم، فإذا نزلت تحت الزيتون خرج عليهم خارج فهزمهم.(14/205)
عبد الرحمن بن أرطأة بن سيحان
ويقال: عبد الرحمن بن سيحان بن أرطأة بن سيحان - بن عمرو ابن نجيد بن سعد بن الأحب بن ربيعة بن شكم بن عبد الله بن عوف ابن زيد بن بكر بن عميرة بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس ابن عيلان بن مضر بن نزار، المحاربي المدني شاعر مقل. له اختصاص بآل أبي سفيان، ووفد على معاوية.
وسيحان بسين مهملة مفتوحة وبعدها ياء ساكنة وجاء مهملة.
قال سلمة بن بلال: كان أرطأة بن سيحان حليفاً لأبي سفيان. فأخذ في شراب، فرفع إلى مروان، وهو على المدينة فضربه ثمانين فكتب أرطأة إلى معاوية يشتكيه، ويصف ما صنعه به، فكتب إليه معاوية: أما بعد، يا مروان، فإنك أخذت حليف أبي سفيان، فضربته على رؤوس الناس ثمانين، والله لتبطلنها عنه أو لأقيدنه منك، فقال مروان لابنه عبد الملك: ما ترى؟ قال: أرى أن لا تفعل، قال: ويحك! أنا أعلم بمعاوية منك ثم صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني كنت ضربت أرطأة بن سيحان بشهادة رجل من الحرس، فقد وقفت على أنه غير عدل ولا رضي، فأشهدكم أني قد أبطلت ذلك عنه، ثم نزل ورضي أرطأة فأمسك.
هكذا روي. قالوا: والمحفوظ عبد الرحمن بن أرطأة.
كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربي شاعراً، حلو الأحاديث، عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها وأشعارها، وكان يصيب من الشراب، فكان كل من قدم من ولاة بني أمية وأحداثهم ممن يصيب الشراب يدعوه وينادمه. فلما ولي الوليد بن(14/206)
عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان في نفسه، وكان قد شعثه، فحمل ذلك مروان عليه واضطغنه، وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان، فيشرب معه وابن سيحان لا يظن أن مروان يفعل به الذي فعله، قد كان ابن سيحان مدحه ووصله مروان، ولكن مروان أراد فضيحة الوليد فرصده ليلة في المسجد، وكان ابن سيحان يخرج من السحر من عند الوليد ثملاً فيمر في المقصورة من المسجد حتى يخرج في زقاق عاصم، وكان محمد بن عمرو يبيت في المسجد يصلي، وكذلك عبد الله بن حنظلة وغيرهما من القراء. فملا خرج ابن سيحان ثملاً من دار الوليد أخذه مروان وأعوانه، ثم دعا له محمد بن عمرو وعبد الله بن حنظلة وأشهدهما على سكره، وقد سأله أن يقرأ أم الكتاب فلم يقرأها، فدفعه إلى صاحب شرطه، فحبسه. فلما أصبح الوليد بلغه الخبر، وشاع في المدينة، وعلم أن مروان إنما أراد أن يفضحه، وأنه لو لقي ابن سيحان ثملاً خارجاً من عند غيره لم يعرض له، فقال الوليد: لا يبرئني من هذا عند أهل المدينة إلا ضرب ابن سيحان، فأمر صاحب شرطه فضربه الحد ثم أرسله، فجلس ابن سيحان في بيته لا يخرج حياء من الناس، فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده - وكان له جليساً - فقال له: ما يجلسك في بيتك؟! قال: الاستحياء من الناس. قال: اخرج أيها الرجل، وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة، فقال له: البسها، ورح معنا إلى المسجد، فهذا أحرى أن يكذب به مكذب، ثم ترحل إلى أمير المؤمنين، فتخبره بما صنع بك الوليد، فإنه يصلك ويبطل هذا الحد عنك، فراح مع عبد الرحمن في جماعة ولده متوسطاً لهم، حتى دخل المسجد، فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى ركعتين ثم تساند مع عبد الرحمن إلى الأسطوانة، فقائل يقول: لم يضرب، وقائل يقول: عزراً أسواطاً. فمكث أياماً ثم رحل إلى معاوية، فدخل على يزيد، فكلم يزيد، فكلم يزيد أباه معاوية في أمره، فدعا به فأخبره بقصته، وما صنعه به مروان، فقال: قبح الله الوليد، ما اضعف عقله! أما استحيا من ضربك فيما شرب؟!(14/207)
وأما مروان فإني ما كنت أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودتك له، ولكنه أراد أن يضع الوليد عندي، ولم يصب، وقد صير نفسه في حد كنا ننزهه عنه. صار شرطياً، ثم قال لكاتبه: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة. أما بعد، فالعجب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه، ما زدت على أن عرفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرم عليك، فإذا جاءك كتابي هذا فأبطل الحد عن ابن سيحان، وطف به في حلق المسجد، وأخبرهم أن صاحب شرطتك تعدى عليه وظلمه، وأن أمير المؤمنين قد ابطل ذلك عنه، أليس ابن سيحان الذي يقول: الطويل
وإني امرؤ أنمى إلى أفضل الربى ... عديداً إذا ارفضت عصا المتحلف
إلى نضدٍ من عبد شمس كأنهم ... هضاب أجاً أركانها لم تقصف
ميامين يرضون الكفاية إن كفوا ... ويكفون ما ولوا بغير تكلف
غطارفة ساسو البلاد فأحسنوا ... سياستها حتى أقرت لمردف
وكتب له بأن يعطى أربع مئة شاة، وثلاثين لقحة مما توطن السيالة، وأعطاه هو خمس مئة دينار، وأعطاه يزيد مئتي دينار ثم قدم بكتاب معاوية إلى الوليد، فطاف به في المسجد، وأبطل ذلك الحد عنه، وأعطاه ما كتب له به معاوية. وكتب معاوية إلى مروان يلومه فيما فعله بابن سيحان، وما أراده بذلك، ودعا الوليد عبد الرحمن بن سيحان أن يعود للشرب معه فقال: والله لا ذقت معك شراباً أبداً.(14/208)
ولعبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان المحاربي حليف بني أمية بن عبد شمس: الرجز
لا صبر عن دار بني باليه ... إني أرى ليلتهم لا هيه
قد شربوا الخمر وناموا معاً ... وآثروا الدنيا على الباقيه
وابتسطوا الديباج في دارهم ... واستصبحوا في الليل بالغاليه
قال: فرأيتهم في بعض الليالي، وهم على لهوهم، فلم يجدوا للمصباح زيتاً، فاستصبحوا بغالية. هم بنو باليه بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.
عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف
ابن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب أبو جبير القرشي الزهري له صحبة. حدث عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقدم الشام مع عمر بن الخطاب في خرجته التي رجع فيها من سرغ، وشهد حنيناً مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان عبد الرحمن بن أزهر يحدث أن خالد بن الوليد بن المغيرة جرح يومئذ - يعني يوم حنين - وكان على الخيل خيل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ابن أزهر: قد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما هزم الله الكفار، ورجع المسلمون إلى رحالهم يمشي في المسلمين ويقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ قال: فمشيت - أو قال: فسعيت - بين يديه، وأنا محتلم أقول: من يدل على رحل خالد؟ حتى دللنا على رحله، فإذا خالد مستند إلى مؤخرة رحله، فأتاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إلى جرحه. قال الزهري: وحبست أنه قال: ونفث فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(14/209)
وفي حديث آخر: فأتي بشارب فأمرهم، فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بنعله، ومنهم من ضربه بعصاً، ومنهم من ضربه بسوط، وحثى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التراب.
وحدث عبد الرحمن بن أزهر أنه حضر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين كان يحثي في وجوههم التراب، يعني المداحين، أو شراب الخمر.
وعن عبد الرحمن بن الأزهر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كمثل حديدة تدخل النار، فيذهب خبثها، ويبقى طيبها.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا جئتم الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة.
عبد الرحمن بن إسحاق بن إبراهيم
ابن إسماعيل بن سليمان بن راشد بن سليم ويقال: ابن إسحاق بن محمد أبو محمد بن الضامدي الثقفي، ويقال: السلمي حدث بمكة في المسجد الحرام عن محمد بن وزير بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد، فإن سبقني لم أقربه، وإن سبقته لم يقربه.(14/210)
وذكر في ترجمته حديثاً مروياً عن عبد الرحمن بن معاوية بن أبي سفيان أنه ذكر لهم وضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مسح رأسه حتى قطر الماء عن رأسه أو كاد يقطر.
عاش ابن الضامدي إلى سنة تسع وتسعين ومئتين.
عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث
ويعرف بعباد القرشي، ويقال: الثقفي.
من أهل المدينة.
كان كثير العلم والرواية، شاعراً فصيحاً، وهو الذي كلم يزيد بن الوليد في أمر أهل بيته ونبهه على ظلمهم، ودعاه إلى القول بالقدر، وذلك أيام هشام بالرصافة.
حدث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا قبر أحدكم - أو إنسان - أتاه ملكان أزرقان أسودان ياقل لأحدهما: المنكر، والآخر: النكير فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل، يعني: محمداً؟ فهو قائل ما كان يقول، فإن كان مؤمناً قال: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيفسح له في قبره سبعين ذراعاً في سبعين ذراعاً؛ وينور له فيه، ويقولان له: نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا كأحب أهله إليه، فيقول: دعني أرجع إلى أهلي، فأخبرهم، فيقولان: لا نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا كأحب أهله إليه، فلا يزال كذلك حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقاً يقولان له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أسمع الناس يقولون شيئاً وكنت أقوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقولان للأرض: خذيه، فتأخذه، حتى تختلف فيها أضلاعه، ولا يزال معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.(14/211)
سئل سفيان عن
عبد الرحمن بن إسحاق فقال: كان قدرياً، فنفاه أهل المدينة، فجاءنا هاهنا مقتل الوليد، فلم يجالسه.
وقالوا: إنه سمع الحديث. وثقه قوم وتكلم فيه قوم. قال الدارقطني: كان عبد الرحمن بن إسحاق يرمى بالقدر. ضعيف الحديث.
عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الحميد
ابن فضالة ويقال: عبد الرحمن بن عبد الحميد أبو محمد الكتاني
حدث بدمشق عن أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء.
توفي عبد الرحمن بعد سنة ثمانين ومئتين.
عبد الرحمن بن إسحاق
أبو القاسم الزجاجي النحوي تلميذ أبي إسحاق الزجاج. من أهل بغداد. حدث بدمشق.
روى عن أبي عبد الله الحسين بن محمد الرازي بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى مخيلة أقبل، وأدبر، وتغير، قالت: فذكرت ذلك له(14/212)
فقال: ما يدرينا؟ لعله مثل قوم قال الله عز وجل لهم: " هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم ".
أبو القاسم الزجاجي له كتاب الجمل، وتصانيف، وأمالٍ. وروي عن أبي علي الفارسي أنه قال - وقد وقف على كلامه في النحو - لو رآنا لا ستحيا. وتوفي أبو القاسم الزجاجي بطبرية سنة أربعين وثلاث مئة. وقيل: سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة.
قيل: وهو خطأ.
عبد الرحمن بن إسماعيل بن علي
ابن سعيد بن كردم أبو محمد الرقي، المعروف بالكوفي سكن دمشق، وحدث بها. وجده سعيد المعروف بزيد بن كردم، قتل مع الحسين، وكردم قتل مع علي بصفين.
حدث بدمشق بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم، وأعطى الحجام أجره. ولو كان خبيثاً لم يعطه.
وحدث بسنده إلى سعيد بن المسيب وسئل عن الرجل يصلي في قميص واحد ليس على عاتقة إزار قال: ليس بذلك بأس إذا كان يواريه.
قال سعيد بن المسيب: قال ابن مسعود: كنا نصلي في ثوب واحد حتى جاء الله بالثياب، فقال: صلوا في ثوبين.
قال أبي بن كعب: ليس في هذا شيء، قد كنا نصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الثوب الواحد، ولنا ثوبان. قيل لعمر بن الخطاب: ألا تقضي يمين هذين؟ وهو جالس، قال: أنا مع أبي.
توفي أبو محمد عبد الرحمن بدمشق سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.(14/213)
عبد الرحمن بن اسميفع
ويقال ابن السميفع بن وعلة السبائي المصري السبائي: بسين مهملة مفتوحة وباء موحدة وهمزة مكسورة.
وفد على معاوية بن أبي سفيان. وكان شريفاً بمصر؛ وصار إلى إفريقية، وبها مسجده ومواليه.
روى عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا دبغ الإهاب فقد طهر.
وفي حديث آخر: دباغ كل إهاب طهوره.
عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث
ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب أبو محمد القرشي الزهري المدني ولد على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدث أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن من الشعر حكمة.
حدث الطفيل بن الحارث وكان رجلاً من أزد شنوءة، وكان أخاً لعائشة من أمها أم رومان قال: بلغ عائشة رضي الله عنها أن ابن الزبير يقول: لتنتهين عائشة عن بيع رباعها أو لأحجرن عليها، فبلغ عائشة فقالت: أو قاله؟! إن الله تعالى عليها ألا تكلمه أبداً. قال: فهجرته، فنقصه الله تعالى في أمره كله، فاستشفع عليها الناس، فلم تقبل، فسأل(14/214)
المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أن يستأذنا عليها في أمره ويكلماها ففعلا فقالت: ادخلا فقالا: ومن معنا؟ فقالت: ومن معكما. قال: وابن الزبير بينهما في ثوب، فدخلا دون الحجاب، وجدخل ابن الزبير عليها في الحجاب، فبكى إليها، وبكت إليه، وقبلها، وكلماها فيه وذكرا قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يحل لامرئ أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فبعد لأي ما كلمته، فبعث بمال إلى اليمن، واشتروا به أربعين رقبة، فأعتقهم كفارةً لنذرها، وكانت تذكر نذرها، فتبكي حتى تبل خمارها.
وعن عكرمة في قوله تعالى وتقدس: " إنا كفيناك المستهزئين ". قال: هم خمسة فتية، كلهم هلك قبل بدر: العاص بن وائل. والوليد بن المغيرة، وأبو زمعة بن الأسود، والحارث بن قيس بن العيطلة، والأسود بن عبد يغوث.
قال الزبير بن بكار: الأسود بن عبد يغوث من المستهزئين حنى جبريل عليه السلام ظهره ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر فقال: يا جبريل، خالي، فقال جبريل: دعه عنك، فمات.
وكان لعبد الرحمن بن الأسود قدر. ذكروا أنه كان ممن ذكر عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري في الحكومة، فقالوا: ليس له ولا لأبيه هجرة. وكان ذا منزلة من عائشة أم المؤمنين. وكان أبيض الرأس واللحية، فغدا على جلسائه يوماً قد حمرها فقال القوم:(14/215)
هذا أحسن، فقال: إن أمي عائشة أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة، وأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يصبغ.
حدث عبد الرحمن بن الأسود أنهم حاصروا دمشق، فانطلق رجل من أسد شنوءة، فأسرع إلى العدو وحده، ليستقتل، فعاب ذلك المسلمون عليه؛ ورفع حديثه إلى عمرو بن العاص وهو على جند من الأجناد، فأرسل إليه عمرو فرآه فقال له عمرو: " عن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص "، وقال الله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " فقال له الرجل: يا عمرو، أذكرك الله الذي وجدك رأس كفر فجعلك رأس الإسلام أن تصدني عن أمر جعلته في نفسي، فغني أريد أن أمشي حتى يزول هذا - واشار إلى جبل الثلج - فلم يزل يناشد عمراً حتى خلى عمرو سبيله، فانطلق حتى أمسى وجنح الليل قبل العدو ثم رجع، فقال له المسلمون: الحمد الله الذي رجعك، وأراك غير رأيك الذي كنت عليه. قال: إني والله ما انثنيت عما كان في نفسي، ولكني رأيت المساء وخشيت أن أهلك بمضيعة، فلما أصبح غدا إلى العدو وحده فقاتلهم حتى قتل.
لما حصر عثمان اطلع من فوق داره، فذكر أنه يستعمل عبد الرحمن بن الأسود على العراق، فبلغ ذلك عبد الرحمن فقال: والله لركعتان أركعهما أحب إلي من الإمرة على العراق.
كان عبد الرحمن بن الأسود رجلاً صالحاً، يعتبر من كبار التابعين.(14/216)
عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد
ابن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان أبو حفص النخعي المذحجي الكوفي، وقيل: كنيته أبو بكر وفد على عمر بن عبد العزيز: حدث عن أبيه عن عائشة قالت: رخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رقية كل ذي حمة وبه قالت: صلاتان ما تركهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي قط: ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر.
قال عمرو بن مرة: سمعت إبراهيم يقول: إن غلاماً لآل الأسود شهد القادسية، فابلى، فأراد الأسود أن يعتقه فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال: دعه حتى يشب عبد الرحمن، مخافة الضمان.
وعن عبد الرحمن بن الأسود قال: كان أبي يبعثني إلى عائشة أسألها. فلما كان عام احتلمت أتيتها، فناديت من وراء الحجاب فقلت: يا أمر المؤمنين، ما يوجب الغسل؟ فقالت: أفعلتها يالكع! إذا التقت المواسي.
وعن عبد الرحمن بن الأسود أنه كان يصلي بقومه في رمضان اثنتي عشرة ترويحة، ويصلي لنفسه بين كل ترويحتين اثنتي عشرة ركعة، ويقرأ بهم ثلث القرآن، كل ليلة. قال: وكان يقوم بهم ليلة الفطر ويقول: إنها ليلة عيد.(14/217)
وفي رواية: كان يقوم بهم ليلة الفطر كما يقوم بهم في رمضان أربعين ركعة ثم يوتر، وكان ينفع رجليه في الماء وهو صائم.
قالت ريا خادم عبد الرحمن بن الأسود لعبد الرحمن بن الأسود: ياسيدي، ليس ارى أحداً يصلي بعد العصر غيرك! قال: أكثري من الصلاة ما استطعت.
قال ابن إسحاق: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود حاجاً، فاعتلت إحدى قدميه، فقام يصلي حتى أصبح على قدم، فصلى الفجر بوضوء العشاء.
وعن زبيد قال: ما لقيت عبد الرحمن بن الأسود إلا قال: تيسروا للقاء ربكم.
قال الربيع بن خثيم لعبد الرحمن بن الأسود: يا بن أخي، اعلم أنه ما من غائب ينتظره المؤمن خير له من الموت، فانتظره انتظار رجل بشر بقدوم غائبه. قال: فكان عبد الرحمن يصوم بعد ذلك حتى أحرق الصوم لسانه، فكنت إذا رأيته حسبته بعض السودان.
وعن الشعبي قال: أهل بيت خلقوا للجنة: علقمة، والأسود، وعبد الرحمن.
قال سنان بن حبيب السلمي: خرجت مع عبد الرحمن بن الأسود إلى القنطرة، فكان لا يمر على يهودي ولا على نصراني إلا سلم عليه. قال: فقلت له: تسلم على هؤلاء وهم أهل الشرك؟! فقال: إن السلام سيماء المسلم، فأجبت أن يعلموا أني مسلم.(14/218)
وعن الحكم قال:
لما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى، فقيل له: ما يبكيك؟! قال: أسفاً على الصوم والصلاة. قال: ولم يزل يقرأ القرآن حتى مات. قال: فرئي له أنه من أهل الجنة. فكان الحكم يقول: وما يبعد من ذلك؟ لقد كان يعمل نفسه مجتهداً لهذا حذراً من مصرعه الذي صار إليه توفي عبد الرحمن بن الأسود آخر خلافة سليمان بن عبد الملك سنة ثمان أو تسع وتسعين.
عبد الرحمن بن أيوب بن نافع بن كيسان
حدث عن أبيه عن جده نافع بن كيسان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ينزل عيسى بن مريم عند باب دمشق، قال نافع: ولا أدري أي بابها يومئذ، قال: عند المنارة البيضاء لست ساعات من النهار، في ثوبين ممشقين، كأنما ينحدر من رأسه اللؤلؤ.
عبد الرحمن بن بجير الشامي
وفد على عمر بن عبد العزيز.
وحدث قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز فسألني: ما فعل دين عبد الرحمن بن حيويل، هل قضي عنه؟ - يعني، قلت: نعم - قال: فغمزني نعيم بن سلامة. فلما خرجنا قال لي نعيم: ما رأيته، فد سقطت منك مثل هذه. إن أمير المؤمنين يسأله عن دينه وأنت تعلم أنه يقضي عمن ترك وفاء دينه نصف دينه، ويجعل نصف ما ترك للورثة، قال: قلت: قد كان ذلك.(14/219)
عبد الرحمن بن بحر بن معاذ
أبو محمد البزاز النسوي سمع بدمشق.
حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى عمرو بن العاص أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر.
وحدث عن محمد بن يحيى بن أبي عمر بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا رأى أحدكم من هو فوقه في المال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم.
حدث بنيسابور سنة ثلاث وثلاث مئة.
عبد الرحمن بن بشير
أبو أحمد الشيباني سكن دمشق.
حدث عن محمد بن إسحاق بسنده إلى صفية بنت شيبة قالت: والله لكأني أنظر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الغداة حين دخل الكعبة، ثم خرج منها، ثم وقف على باب الكعبة، وإن في يده لحمامة من عيدان وجدها في البيت، فخرج بها في يده، حتى إذا قام على باب الكعبة كسرها ثم رمى بها.
وحدث عنه أيضاً بسنده إلى جابر قال: أتي بوم الفتح بأبي قحافة ليبايع، وإن رأسه ولحيته كالثغامة. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غيره بشيء.(14/220)
وحدث عن عمار بن إسحاق بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم النفر ليرمي الجمار ماشياً، وأمر بناقته فأنيخت. فلما أخذ بشعبتي الرحل جاء رجل فأخذ بجديل الناقة، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: كلمة عدل عند إمام جائر، خل سبيل الناقة.
وحدث عن محمد بن إسحاق بسنده إلى عائشة رضي الله عنها عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحرب خدعة.
عبد الرحمن بن بكران
أبو القاسم الدربندي المقرئ سكن دمشق.
حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بسنده إلى سمرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أشد حسرات ابن آدم ثلاث: رجل كانت له امرأة حسناء تعجبه، فولدت له غلاماً فماتت، وليس عنده ما يسترضع، ورجل كان في بعث فسار أصحابه إلى غنيمة، وهو على فرس فرماه فرسه من الغنيمة، فوقع فرسه فمات، ورجل كان له زرع وناضح، فمات ناضحه حين أعجبه زرعه، وليس عنده ما يشتري بعيراً، فمات زرعه.
عبد الرحمن بن بيهس بن صهيب
ابن عامر بن عبد الله بن نائل بن مالك بن عبيد بن علقمة الجرمي قال عبد الرحمن بن بيهس: قلت لرجل، استعمله هشام بن عبد الملك على الغوطة، يقال له الوليد بن عبد الرحمن، وكلمته في حاجة فقال: قد حلفت على هذا ونحوه، فقلت له: إن لم تكن حلفت بيمين قط إلا أبررتها فما أحب أن أكون أول إخوانك أحنثك، وإن كنت ربما حلفت باليمين فرايت ما هو خير منها فكفرتها فلست أحب أن أكون أهون إخوانك عليك، فقال: سحرتني والله وقضى حاجته.(14/221)
عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان
أبو عبد الله الزاهد حدث عن عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش قال:
ذكر عند عبد الله بن مسعود ليلة القدر فقال: من قام شهر رمضان كله أدركها. قال: فقدمت المدينة، فذكرت ذلك لأبي بن كعب فقال: والذي نفسي بيده إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقيامها، قال: وسالته قال: ليلة سبع وعشرين.
كان عبد الرحمن بن ثابت فيه سلامة وكان مجاب الدعوة، وكان عابداً، واختلف فيه فقيل: ثقة. وكان يحيى بن معين يضعفه، وكان يذهبه مذهب القدر.
دعا أخ لابن ثوبان ابن ثوبان قال: تعش عندي، قال ابن ثوبان: نعم، فما زال ينتظره حتى أصبح. فلما أصبح لقيه، فقال له ابن ثوبان: لولا ميعادك ما أخبرتك بالذي عرض لي: إني لما صليت العتمة قلت: أوتر قبل أن أجيئك. فلما كنت في الوتر عرضت لي روضة خضراء من الجنة، فما زلت أنظر إليها حتى أصبحت.
أغلظ ابن ثوبان للمهدي أمير المؤمنين في كلام كلمه به، فاستشاط غضباً، ثم سكن، فقال: والله لو كان المنصور حياً ما أقالكها، قال: لا تقل ذاك يا أمير المؤمنين. فوالله لو كشف لك عن المنصور حتى تخبر بما لقي وعاين ما جلست مجلسك هذا.
ولد ابن ثوبان سنة خمس وسبعين، ومات سنة خمس وستين ومئة. وصلى عليه سعيد بن عبد العزيز.
عبد الرحمن بن أبي ثور الكوفي
قال: وفدت على معاوية في وفد من أهل الكوفة. فلما جلسنا على مائدته أتينا ببصل فأكل ثلاثاً، ثم نبذ إلى القوم فقال: كلوا من فحا أرضكم، فلقلما أكل قوم من فحا أرضهم فضرهم ماؤها.(14/222)
عبد الرحمن بن جيش بن شيخ
أبو محمد الفرغاني سكن الشاغور.
حدث عن أبي إسحاق إبراهيم بن زهير المقرئ بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقدموا بين يدي رمضان بصوم، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً. قال: فكان ابن عمر إذا كان ذلك اليوم أرسل من ينظر إلى الهلال، فإن رآه أصبح صائماً، وإن لم يرع أصبح مفطراً، وإن كان بينه وبينه سحاب أصبح صائماً.
شيخ: بشين وخاء معجمتين.
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم
أبو محمد المخزومي من أهل المدينة، أدرك عصر سيدنا رسول الله صلى اله عليه وسلم وخرج مع أبيه الحارث إلى الشام مجاهداً، وهو صغير، وأقام بالشام مدة، ورجع إلى المدينة، وأرسلته عائشة إلى معاوية بدمشق تكلمه في حجر بن الأدبر الكندي، فألفاه قد قتله وقتل خمسة من أصحابه، فقال له عبد الرحمن: أين عزب عنك حلم أبي سفيان في حجر وأصحابه؟ ألا حبستهم في السجون، وعرضتهم للطاعون، قال: حين غاب عني مثلك من قومي، وكان عبد الرحمن بن الحارث ممن ارتضاه عثمان بن عفان لإعراب المصحف.(14/223)
حدث عبد الرحمن بن الحارث ان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج أم سلمة في شوال، وجمعها في شوال، وقالت: يا رسول الله، سبع عندي، قال: إن شئت سبعت عندك ثم سبعت عند صواحبك، وإن شئت فثلاثك. قالت: بل ثلاثي، ثم تدور علي في يومي.
وأورد هذا الحديث في هذه الترجمة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه حدث أن أم سلمة أخبرته.
أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنها ابنة أبي أمية بن المغيرة، فكذبوها، ويقولون: ما أكذب الغرائب، حتى أنشأ ناس منهم للحج، فقالوا: نكتب إلى أهلك، فكتبت معهم، فرجعوا إلى المدينة يصدقونها، فازدادت عليهم كرامة.
قالت: فلما وضعت زينب جاءني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطبني، فقلت: مثلي ينكح؟! أما أنا فلا ولد في، وأنا غيور عجوز، ذات عيال. قال: أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله عز وجل، وأما العيال فإلى الله وإلى رسوله، فتزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يأتيها فيقول: أين زناب؟ حتى جاء عمار فاختلجها، فقال: هذه تمنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت ترضعها، فجاء إليها، فقال: أين زناب؟ فقالت قريبة بنت أبي أمية ووافقها عندها: أخذها ابن ياسر، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني أتيكم الليلة، قالت: فوضعت ثفالي، فأخرجت حباتٍ من شعير كانت في جرتي وأخرجت شحماً، فعصدت له. قالت: فبات ثم أصبح، فقال حين أصبح: عن لك على أهلك كرامة، إن شئت سبعت لك، وإن أسبع لك أسبع لنسائي.
وكان عبد الرحمن بن الحارث حين قبض سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عشر سنين، وكان عبد الرحمن من أشراف قريش والمنظور إليه، وشهد الدار فارتث جريحاً، وكان له(14/224)
خمس عشرة بنتاً، فلما أتي به صحن وصاح معهن غيرهن، فم بهن عمار بن ياسر فاستمع فمضى وهو يقول: الطويل
ذوقوا كما ذقنا غداة محجرٍ ... من الحر في أكبادنا والتحوب
يريد بذلك أن أبا جهل قتل أمه، وما كانوا يعذبونه في الجاهلية، وكان إذا مر بدار عبد الرحمن بن الحارث وضع يده عليها وقال: إنها محمومة. يريد أنها عثمانية.
توفي عبد الرحمن بن الحارث في خلافة معاوية.
كان عبد الرحمن بن الحارث اسمه إبراهيم، فدخل على عمر بن الخطاب في ولايته حين أراد أن يغير اسم من تسمى بأسماء الأنبياء فغير أسمه، فسماه عبد الرحمن، فثبت اسمه إلى اليوم، وتوفي الحارث بن هشام في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة، فخلف عمر بن الخطاب على امرأته فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وهي أم عبد الرحمن بن الحارث، فكان عبد الرحمن في حجر عمر، وكان يقول: ما رأيت ربيباً خيراً من عمر بن الخطاب. وكان عبد الرحمن رجلاً شريفاً سخياً مريا، وكان قد شهد الجمل مع عائشة.
قال محمد بن قيس: ذكر لعائشة يوم الجمل فقالت: والناس يقولون يوم الجمل؟! قالوا لها: نعم، فقالت عائشة: وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي فكان أحب إلي من أن أكون ولدت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعة عشر رجلاً كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث، أو مثل عبد الله بن الزبير. وفي رواية: لأن أكون قعدت في منزلي عن مسيري إلى البصرة احب إلي من أن يكون لي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرة من الولد كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث.
قالت عائشة: كان عبد الرحمن بن الحارث رجلاً سرياً، له من صلبه اثنا عشر رجلاً.(14/225)
قال أنس بن مالك: أمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن يكتبوا المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية منه فاكتبوه بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسان قريش، فاختلفوا في التابوت، فقال القرشيون: التابوت، وقال زيد بن ثابت: التابوت، فرفعوه إلى عثمان بن عفان فقال اكتبوه التابوه كما قالت قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم.
قال عبد الله بن عكرمة: دخلت على عبد الرحمن بن الحارث أعوده فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجدني والله للموت، وما موتي بأشد علي من أم هشام، أخاف أن تتزوج بعدي، فحلفت له أنها لا تتزوج بعده، فغشي وجهه نور، ثم قال: الآن فلينزل الموت متى شاء ثم مات. فلما انقضت عدتها، وتزوجت عمر بن عبد العزيزفقلت: الطويل
فإن لقيت خيراً فلا يهنئنها ... وإن تعست فلليدين وللفم
قال: فبلغها ذلك، فكتبت إلي: قد بلغني ما تمثلت به، وما مثلي وما مثل أخيك إلا كما قال الشاعر: الطويل
وهل كنت إلا والهاً ذات ترحةٍ ... قضت نحبها بعد الحنين المرجع
فدع ذكر من قد وارت الأرض شخصه ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
قال: فبلغ ذلك مني كل غيظ، فحسبت حسابها فإذا هي قد عجلت، فبقي عليها من عدتها أربعة أيام، فدخلت على عمر فأعلمته فانتقض النكاح. وعزل عمر عن المدينة.(14/226)
عبد الرحمن بن الحارث السلامي الساحلي
قال عبد الرحمن: قال أبي للزهري، وكنا عنده:
لانزال نحسن الظن بالرجل من أهل القرأن وأهل المساجد ثم يخلف، قال الزهري: ذلك النقص يا أبا محمود، ثم قال الزهري: إن الناس كانوا في حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل سنة، ولم يكن لهم كثير عبادة، ولكنهم كانوا يؤدون الأمانة، ويصدقون النية. فلما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هبط الناس درجة، وكانوا على شريعة من أمرهم مع أبي بكر وعمر. فلما مات عمر هبط الناس درجة، وكانوا مع عثمان حسنة علانيتهم لا بأس بحالهم حتى قتل عثمان انتهك الحجاب، وكان الناس في فتنتهم استحلوا الدماء فتقاطعوا وتدابروا حتى انكشفت، ثم ألفهم الله في زمان معاوية بن أبي سفيان رحمه الله، فكانوا أهل دنيا يتنافسون فيها، ويتصنعون لها، ثم حضرتهم فتنة ابن الزبير فكانت الصليم، ثم صلحوا على يدي عبد الملك بن مروان. فأنت منكر معهم ما تذكر من حسن ظنك بهم وخلافهم، فليس يزال هذا الأمر ينقص حتى يكون أسعد أهل الإسلام أصحاب الحمام والكلاب، يعبدون الله على الأمر، ولا يعرفون حلالاً ولا حراماً.
قال عبد الرحمن بن الحارث: سمعت عمير بن هانئ يخطب عند منبر دمشق يقول: يا أيها الناس، إنما الهجرة هجرتان: هجرة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهجرة مع يزيد.
قال: ورايت زيد بن واقد ومبرد بن سنان أتيا الوليد يحملان رأس الوليد بن يزيد على ترس.
روى في هذه الترجمة عن عبيد الله بن عمر قال: لا تقل للرجل وهو ينازع: اتق الله، فإنه يقبح، وإذا ذكر رجل في قوم بصلاح فلا تقل: سبحان الله، فإنها غيبة، تدافع ذلك عنه، وإذا ذكر رجل من قوم بخير فلا تقل: لا إله إلا الله، فإنها إنكار، وفضل السلام على المعرض رياء، ولا بأس بالقوم إذا كانوا يتزاورون ويتهادون، لا يقطع العرض ذاك أن يكونوا على حالة.(14/227)
عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة
أبو يحيى بن أبي محمد اللخمي أحد بني راشدة ابن أذب بن جزيلة من لخم - وهو مالك - بن عدي بن الحارث بن مرة ابن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان من أهل المدينة، ولد على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبوه من أهل بدر حليف لبني أسد. قدم دمشق مع النعمان بن بشير بقميص عثمان حين قتل. كتبت نائلة بنت الفرانصة إلى معاوية وبعثت بالقميص معهما.
حدث عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من اغتسل يوم الجمعة، ولبس أحسن ثيابه، وبكر، ودنا كفارة إلى الجمعة الأخرى، أو كما قال.
وحدث عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المقوقس ملك الإسكندرية. قال: فجئته بكتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزلني في منزله، وأقمت عنده، ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته وقال: إني سأكلمك بكلام، وأحب أن تفهمه مني. قال: قلت: هلم، قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ قلت: بلى هو رسول الله، قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيره؟ قال: فقلت: عيسى بن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه فأرادوا ان يقتلوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله عز وجل، حتى رفعه الله إلى السماء الدنيا؟ فقال لي: انت حكيم جاء من عند حكيم، هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد، وأرسل معك ببذرقة يبذرقونك إلى مأمنك. قال: فأهدى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث جوارٍ، منهن أم إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواحدة وهبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت الأنصاري، وأرسل إليهم بطرف من طرفهم.(14/228)
وعن عبد الرحمن بن حاطب قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي العيد يذهب في طريق، ويرجع في طريق آخر.
وعن عبد الرحمن عن أبيه حاطب بن أبي بلتعة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يزوج المؤمن في الجنة ثنتين وسبعين زوجة: سبعين من نساء الآخرة، وثنتين من نساء الدنيا.
وكان حاطب عبداً لعبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، فكاتبه فأدى كتابته يوم الفتح. وأصل حاطب من اليمن من الأزد. مات سنة ثمان وستين بالمدينة.
وسعاد بفتح السين وتشديد العين سعاد بن راشدة بن جزيلة بن لخم بن عدي من آباء حاطب بن أبي بلتعة. وقيل عبد الرحمن بن أبي بلتعة قتل يوم الحرة، وكانت الحرة سنة ثلاث وستين، وحاطب توفي في خلافة عمر بن الخطاب.
عبد الرحمن بن حسان بن ثابت
ابن المنذر بن حران بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار أبو محمد - ويقال: أبو سعيد - الأنصاري الخزرجي المدني الشاعر يقال: إنه أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قدم دمشق في أيام معاوية، ووفد على يزيد بن معاوية.
حدث عبد الرحمن عن أبي قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوارات القبور.
وحدث عبد الرحمن بن حسان عن أمه سيرين قالت: حضرت موت إبراهيم، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما صحت أنا واختي ما ينهانا. فلما مات نهانا عن الصياح، وغسله الفضل بن عباس، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعباس جالسان، ثم(14/229)
حمل، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شفير القبر، والعباس جالس إلى جنبه، ونزل في حفرته الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس ذلك اليوم فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته، وراى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد، فقيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أما إنها لا تضر ولا تنفع ولكن تقر بعين الحي، وإن العبد إذا عمل عملاً أحب الله ان يتقنه. ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر.
وأم عبد الرحمن سيرين القبطية أخت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهبها لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان فهو ابن خالة إبراهيم بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً ما يقول لعبد الرحمن بن حسان: أنشدني قول أحيحة بن الجلاح: الوافر
فهل من كاهن أو ذي إلهٍ ... إذا ما حان من ربي نزول
يراهنني فيرهنني بنيه ... وأرهنه بني بما أقول
فما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعول
وما تدري وإن أزمعت أمراً ... بأي الأرض يدركك المقيل
وما تدري وإن أضربت شولاً ... أتلقح بعد ذلك أم تحول
وما تدري وإن انتجت سقباً ... لأي الناس ينتج ذا الفصيل
وما من إخوة كثروا وطالوا ... بأيهم لأمهم الهبول(14/230)
لما قدم معاوية المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري فقال معاوية: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، فما يمنعكم أن تلقوني؟! قال: لم يكن لنا دواب، قال معاوية: فأين النواضح؟ فقال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، قال: ثم قال أبو قتادة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنا: إنكم سترون أثرة بعدي، قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه، قال: فاصبروا حتى تلقوه، فقال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه ذلك: الوافر
ألا أبلغ معاوية بن حربٍ ... أمير المؤمنين ثنا كلامي
فإنا صابرون ومنظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام
قال يزيد بن معاوية لأبيه: ألا ترى إلى عبد الرحمن بن حسان يشبب بابنتك؟! فقال معاوية: وما قال؟ قال: يقول: الخفيف هي زهراء مثل لؤلؤة الغواص ميزت من جوهرٍ مكنون فقال معاوية: صدق، قال: فإنه يقول:
فإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناءٍ من المكارم دون
فقال معاوية: صدق، قال: فإنه يقول:
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمرٍ مسنون
فقال معاوية: كذب.
قوله: خاصرتها أي أخذت بيدها، يقال: خرج القوم متخاصرين: إذا كان بعضهم آخذاً بيد بعض.
شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية فقال: الخفيف
رمل هل تذكرين يوم غزالٍ ... إذ قطعنا مسيرنا بالتمني(14/231)
إذ تقولين عمرك الله هل شي ... ء وإن جل سوف يسليك عني
أم هل أطعمت منكم يا بن حسا ... ن كما قد أراك أطمعت مني
فبلغ شعره يزيد، فغضب، ودخل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، ألم تر إلى هذا العلج من أهل يثرب كيف يتهكم بأعراضنا ويشبب بنسائنا؟! قال: من هو؟ قال: عبد الرحمن بن حسان، وأنشده ما قال، فقال: يا يزيد، ليس العقوبة من أحدٍ أقبح منها من ذوي المقدرة، فأمهل حتى يقدم وفد الأنصار، ثم أذكرني به. فلما قدموا أذكره به، فلما دخلوا عليه قال: يا عبد الرحمن، الم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين؟! قال: بلى يا أمير المؤمنين، ولو علمت أحداً أشرف منها لشعري لشببت بها، قال: فأين أنت عن أختها هند؟ قال: وإن لها لأختاً يقال لها هند؟. قال: نعم، وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعاً فيكذب نفسه، فلم يرض يزيد ما كان من ذلك، فأرسل إلى كعب بن جعيل فقال: اهج النصار؟ فقال: أفرق من أمير المؤمنين، ولكني أدلك على الشاعر الكافر الماهر، فقال: من هو؟ قال: الأخطل فدعاه، فقال: اهج النصار، قال: أفرق من أمير المؤمنين، قال: لا تخف شيئاً، أنا لك بهذا، فهجاهم فقال: الكامل
وإذا نسبت ابن الفريعة خلته ... كالجحش بين حمارةٍ وحمار
لعن الإله من اليهود عصابةً ... بالجزع بين صليصل وصرار
خلوا المكارم لستم من أهلها ... وخذوا مساحيكم بني النجار
ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللؤم تحت عمائم الأنصار
فبلغ الشعر النعمان بن بشير، فدخل على معاوية فحسر عن رأسه وعمامته وقال: يا أمير المؤمنين، أترى لؤماً؟! قال: بل أرى كرماً وخيراً، وما ذاك؟ قال: زعم(14/232)
الخطل أن اللؤم تحت عمائمنا! قال: وفعل؟ قال: نعم. قال: فلك لسانه، وكتب ان يؤتى به. فلما أتي به قال للرسول: أدخلني على يزيد، فأدخله عليه، فقال: هذا الذي كنت أخاف؟! قال: فلا تخف شيئاً، ودخل على معاوية، فقال: علام أرسل إلى هذا الرجل الذي يمدحنا، ويرمي من وراء جمرتنا؟ قال: هجاء الأنصار، قال: ومن يعلم ذلك؟ قال: النعمان بن بشير، قال: لا يقبل قوله، وهو يدعي لنفسه، ولكن تدعوه بالبينة، فإن ثبت شيئاً أخذت له، فدعاه بها، فلم يأت بشيء فخلاه.
ويروى أن عبد الرحمن بن حسان هجا قريشاً فقال: الكامل
أحياؤكم عار على موتاكم ... والميتون خزايةً للعار
فأرسل يزيد إلى كعب بن جعيل، فقال: اهج الأنصار، فقال: إن لهم عندي يداً في الجاهلية، فلا أجزيهم بهجائهم، ولكني أدلك على المغدف القناع، المنقوص السماع القطامي، فأمر القطامي، فقال: أنا امرؤ مسلم أخاف الله، وأستحي المسلمين من هجاء الأنصار، ولكني أدلك على من لا يخاف الله، ولا يستحي من الناس، قال: ومن هو؟ قال: الغلام المالكي الخطل، فأرسل إليه وأمره بذلك فقال: على أن تؤمنني، فقال: على أن أومنك، قال: فرفلني واكسني وأظهر إكرامي ففعل فبلغ ذلك عبد الرحمن بن حسان فقال: الكامل
لعن الإله من اليهود عصابة ... بين الثوير فمدفع الثرثار
قوماً يدوسون النساء طوامثاً ... ويكون محفل ميتهم في النار
قوماً إذا هدر العصير رأيتهم ... حمراً عيونهم من المصطار
فاللؤم فوق أنوف تغلب كلها ... كالرقم فوق ذراع كل حمار(14/233)
فقال الأخطل أبياته:
واللؤم تحت عمائم النصار
تلك الأبيات.
وقيل: إن الأخطل لما أتى يزيد ركب إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، لي حاجة، قال: قد قضيتها إن لم يكن الأخطل، قال: وما لي وللأخطل؟ لعنه الله، ليس الخطل حاجتي، قال: قد قضيتها، قال: هب لي لسان النعمان بن بشير، قال: هو لك، وبلغ الخبر النعمان، فكف عن الأخطل.
لما أراد عبد الرحمن بن حسان أن يهاجي النجاشي قال له أبوه: هلم، فأنشدني من شعرك، فإنك تهاجي أشعر العرب. قال: فأنشده، فهوى حسان إلى شيء خلفه فعلاه به ضرباً، وقال: يا عاض كذا وكذا، أبهذا تهاجيه؟! اذهب، فقل ثلاث قصائد قبل أن تصبح. قال: فقال ثلاث قصائد في ليلته، ثم جاء بها، فعرضها عليه، فقال حسان: اذهب فابسط الشر على ذراعيك، فقال له: يا أبه، ما هذه وصية يعقوب بنيه، فقال له حسان: ما أبوك مثل يعقوب، ولا أنت مثل بني يعقوب، اعمد إلى أمرأة لطيفة بأخت النجاشي فمرها، فلتصفها لك، واجعل لها جعلاً، ففعل. فلما كانت أيام منى قيل له: إن ها هنا نفراً من بني عامر إخوة مطاعين في قومهم، فخرج إلى أمهم، فكلمها، وانتسب لها، وذكر الذي أراد، فأرسلت إليهم، فقالت: قوموا مع هذا الرجل، وكلموا بني عمكم، يقوموا معه، ففعلوا، وجعلوا له غبيطاً على نجيبة، ثم وتروا فوق الغبيط رجلاً، فجاء مشرفاً على الناس، وجاء النجاشي على فرس وهو يقول: الرجز
أنا النجاشي على جماز ... راغ ابن حسان من ارتجازي
روغ الحبارى من خوات البازي(14/234)
فقال ابن حسان:
يا ليل يا أخت النجاشي اسلمي ... هل تذكرين ليلة بإضم
وليلة أخرى بحر الحرم ... والشامة السوداء بالمخدم
والخال بالكشح اللطيف الأهضم
قال: فانكسر النجاشي إذ أتى بما يعرف.
عاش حسان بن ثابت مئة سنة وأربع سنين، وعاش أبوه ثابت مئة سنة وأربع سنين، وعاش المنذر جده مئة سنة وأربع سنين، وعاش حرام جد أبيه مئة سنة وأربع سنين، وكان
عبد الرحمن بن حسان إذا حدثنا بهذا الحديث اشرأب لها وثنى رجليه على مثلها، فمات وهو ابن ثمان وأربعين سنة، وتوفي سنة أربع مئة.
قال راويه: ولا أراه محفوظاً.
عبد الرحمن بن حسان
أبو سعيد الكناني دمشقي ويقال: حمصي.
حدث عن الزهري عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الناس كالإبل المئة لا تكاد توجد فيها راحلة.
عبد الرحمن بن الحسام
حدث عن رجل مري من أهل حوران عن رجل آخر قال: اجتمع عشرة من بني هاشم، فغدوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما انقضت الصلاة التفت إليهم، فسلم عليهم، وسلموا عليه ثم قال بعضهم: غدونا يا رسول الله إليك(14/235)
لنذاكرك بعض أمورنا: إن الله تبارك وتعالى قد خصك بهذه الرسالة وهذه النبوة، فشرفك بها، وشرفنا بشرفك، فكل شيء من أمرك حسن جميل والله محمود، وهذا معاوية بن أبي سفيان قد نخا علينا بكتابة الوحي، فرأينا أن غيره من أهل بيتك أولى، فقال: نعم، انظروا في رجلٍ. فكان الوحي ينزل في كل أربعة أيام من عند الله تبارك وتعالى إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام الوحي أربعين ليلة لا ينزل شيء. فلما كان يوم أربعين هبط جبريل بصحيفة بيضاء فيها مكتوب: يا محمد، ليس لك أن تغير من اختاره الله لكتابة وحيه، فأقره فإنه أمين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين معاوية، فجاء معاوية فأجلسه، وأثبته على ما كان عليه من كتاب الوحي.
قال: هذا حديث منكر، وفيه غير مجهول.
عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الله
ويقال: ابن عبد الرحمن - بن يزيد بن نعيم السلمي الحوراني ويقال: البج حوراني، من بج حوران.
حدث عن مروان بن معاوية الفزاري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قال: يا رسول الله، ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تمنعه من ظلمه، فذلك نصرك إياه.
وحدث عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهير أنه حدثه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تقولوا الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم، ولكن قولوا: الأعناب.(14/236)
عبد الرحمن بن الحسن بن محمد
أبو القاسم الفارسي الصوفي قدم دمشق.
حدث سنة ثمان وسبعين واربع مئة عن أبي الغنائم محمد بن محمد بن محمد بن الفراء المقرئ البصري بسنده إلى أبي حفص الأبار قال: كان لي عن ابن شبرمة حاجة، فقضاها، فأتيته أشكره، فقال: على أي شيء تشكرني؟ قلت: قضيت لي حاجة، فقال: اذهب. إذا سألت صديقك حاجة يقدر على قضائها فلم يبذل نفسه وماله فتوضأ للصلاة، وكبر عليه أربعاً، وعده في الموتى.
قال أبو خالد السجستاني: المنسرح
ارض من المرء في مودته ... بما يؤدي إليك ظاهره
من كشف الناس لم يجد أحداً ... تصح منه له سرائره
عبد الرحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم
أبو محمد الداراني الكتاني حدث عن أبي الفضل بن الفرات بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الرجل ليكون من أهل الصلاة والزكاة والحج والعمرة والصيام والجهاد، حتى ذكر سهام الخير، وما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله.
توفي أبو محمد الداراني سنة ثمان وخمسين وخمس مئة.(14/237)
عبد الرحمن بن الحسين بن الحسن
ابن علي بن يعقوب بن إبراهيم بن شاكر بن أبي العقب أبو القاسم الهمداني حدث عن جد أبيه أبي القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب بسنده إلى جابر بن عبد الله.
أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، وأراد أن يسيبه، فلحقني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربه، ودعا له، فسار سيراً لم يسر مثله، ثم قال: بعنيه بوقية، فبعته، واستثنيت حملانه إلى أهلي. فلما قدمنا المدينة أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم انصرفت، فأرسل على أثري، قال: أتراني ما كستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك، فهما لك.
عبد الرحمن بن الحسين بن علي
ابن الخضر بن عبدان بن أحمد بن زياد بن وردازاد ابن غند بن شبة بن أحمد بن عبد الله أبو القاسم الأزدي المقرئ حدث عن القاضي أبي القاسم سعد بن أحمد بن محمد النسوي بسنده إلى جندب قال: قالت امرأة من قريش للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أرى شيطانك إلا قد ودعك وقلاك، فنزلت " والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ".
توفي أبو القاسم سنة أربعين وخمس مئة.(14/238)
عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس
أبو مطرف ويقال: أبو حرب ويقال: أبو الحارث أخو مروان بن الحكم سكن دمشق. شاعر محسن. أدرك عائشة، وشهد يوم الدار.
حدث القاسم بن محمد سليمان بن يسار أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم البتة، فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم، فأرسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان بن الحكم - وهو أمير المدينة - فقالت: اتق الله يا مروان، ورد المرأة إلى بيتها، فقال مروان: أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، قال مروان: فإن كان بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر.
عرض على معاوية فرس وعنده عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان، فقال: كيف ترى هذا يا أبا مطرف؟ فقال: أراه أجش هزيماً، قال: أجل، ولكنه لا يطلع على الكنائن، قال: يا أمير المؤمنين، لم استوجبت هذا الجواب؟ قال: قد عوضتك منه عشرين ألفاً.
ومعنى قوله: أجش هزيم: قول النجاشي: الطويل
ونجى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجش هزيم والرماح دوان
وأما قوله: لا يطلع على الكنائن فإنه كان يتهم بنساء إخوته.
لما ادعى معاوية زياداً كتب بذلك إلى الآفاق، فكتب إليه عبد الرحمن بن الحكم: الوافر(14/239)
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فقد ضاقت بما تأتي اليدان
أتغضب أن يقال أبوك عف ... وترضى أن يقال أبوك زان؟
فأشهد أن رحمك من زيادٍ ... كرحم الفيل من ولد الأتان
وأشهد أنها حملت زياداً ... وصخر من سمية غير دان
فلما قرأ معاوية الكتاب رمى به، وغضب على عبد الرحمن غضباً شديداً، وقال: والله لا أرضى عنه حتى يرضى زياد، وغضب على مروان بن الحكم، ومنع سعيد بن العاص عطاءه، وقال: لا أرضى عنهم حتى يرضى زياد، فأتى عبد الرحمن بن الحكم العراق. فلما دخل على زياد أنشأ يقول:
ألا من مبلغ عني زياداً ... مغلغلة من الرجل الهجان
حلفت برب مكة والمطايا ... ورب العرش أحلف والقران
لأنت زيادة في آل حرب ... أحب إلي من وسطى بناني
من أبيات، فقال زياد: أراك شاعراً، فقبلها، وكتب إلى معاوية بالرضى، فرضي عنه.
قال معاوية بن أبي سفيان لعبد الرحمن بن الحكم: أراك تعجب بالشعر، فإن فعلت فإياك والتشبيب بالنساء، فإنه تعر به الشريفة، وترمي به العفيفة، وتقر على نفسك بالفضيحة، وإياك والهجاء، فإنك تحنق به كريماً، وتستثير به لئيماً، وإياك والمدح، فإنه كسب الوقاح، وطعمه السواد، ولكن افخر بمفاخر قومك، وقل من الأمثال ما تزين به نفسك وشعرك، وتودد به إلى غيرك - وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وفي حديث قال - ويقال: الشعر أدنى مروءة السري وأفضل مروءة الدني.
لما أدخل ثقل الحسين بن علي عليه السلام على يزيد بن معاوية ووضع رأسه بين يديه بكى يزيد وقال: الطويل(14/240)
نفلق هاماً من رجال أحبةٍ ... إلينا وهم كانوا أعق وأظلما
أما والله لو كنت أنا صاحبك ما قتلتك أبداً، فقال علي بن حسن: ليس هكذا. قال: فكيف يا بن أم؟ فقال: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " وعنده عبد الرحمن بن الحكم، فقال عبد الرحمن: الطويل
لهام بجنب الطف أدنى قرابة ... من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل
سمية أمسى نسلها عدد الحصى ... وبنت رسول الله ليس لها نسل
فرفع يزيد يده فضرب صدر عبد الرحمن وقال: اسكت.
مر عبد الرحمن بن الحكم بناس من بني جمح، فنالوا منه، فبلغه ذلك، فمر بهم وهم جلوس فقال: يا بني جمح قد بلغني شتمكم إياي وانتهاككم ما حرم الله، وقديماً شتم اللئام الكرام، وأبغضوهم. وايم الله، ما يمنعني منكم إلا شعر عرض لي، فذلك الذي حجزني عنكم، فقال له رجل منهم: وما الشعر الذي نهاك عن شتمنا؟ فقال عبد الرحمن: الطويل
فوالله ما بقيا عليكم تركتكم ... ولكنني أكرمت نفسي عن الجهل
بأوت بها عنكم وقلت لعاذلي ... على الحلم دعني قد تداركني عقلي
وجللني شيب القذال ومن يشب ... يكن قمناً أن يستفيق عن العذل
وقلت لعل القوم أخطأ رأيهم ... فقالوا وخالوا الوعث كالمنهج السهل
فمهلاً أريحوا الحكم بيني وبينكم ... بني جمح لا تشربوا كدر الضحل(14/241)
ولعبد الرحمن بن الحكم: الوافر
وأكرم ما تكون على نفسي! ... إذا ما قل في الكربات مالي
فتحسن سيرتي وأصون عرضي ... ويجمل عند أهل الرأي بالي
أرسل عبد الرحمن أخاه مروان ليخطب له إلى رجل شريف، فتزوج مروان وترك أخاه، فكان يشبب بنسائه، فوجهت إليه امرأة مروان فقالت: أما تستحي وأنا أختك من الرضاعة؟! فقال عبد الرحمن من أبيات: الطويل
وما خلت أمي حرمتك صغيرة ... علي ولا أرضعت لي بلبان
دعتني أخاها بعدما كان بيننا ... من الأمر مالا يفعل الأخوان
منها:
تقول وقد جردتها من ثيابها ... وقلص عن أنيابها الشفتان
تعلم يقيناً أم مروان قاتلي ... ومنزوعة من ظهرك العضدان
عبد الرحمن بن حنبل بن مليك
ويقال: ابن عبد الله بن حنبل، أبو حنبل وأبوه من أهل اليمن. شهد حصار دمشق مع خالد بن الوليد. وقتل عبد الرحمن بن حنبل مع علي بصفين، وكان ممن ينحرف عن عثمان، وهجاه ظالماً له: وذلك أنه أتاه فذكر له أن ناقته ماتت فحمله، ثم أتاه ثانية فحمله، ولما كان في الثالثة منعه وقال: ما هذا؟! في كل يوم تنفق ناقتك؟! فهذا سبب هجائه إياه، فحبسه عثمان، فكلمه فيه علي، فقال عبد الرحمن يهجو عثمان: المتقارب
أحلف بالله جهد اليمين ... ما ترك الله أمراً سدى
ولكن خلفت لنا فتنة ... لكي نبتلى بك أو تبتلى
دعوت الطريد فأدنيته ... خلافاً لسنة من قد مضى
وأعطيت مروان خمس العبا ... د ظلماً لهم وحميت الحمى(14/242)
ومالاً أتاك به الأشعري ... من الفيء أعطيته من دنا
وإن الأمينين قد بينا ... منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهماً غيلة ... ولا قسما درهماً في هوى
وكان عثمان بن عفان قد حمل عبد الرحمن بن حنبل على فرس فباعه، فلامه عثمان على بيعه فغضب، فهجا بني أمية بأبيات منها: الكامل
أبلغ أمية أن صاحب أمرها ... كالبكر يوم رغا على الأطواق
عرفت لكم فاعلوا عليها وأسفلوا ... فعل القبيح ودقة الأخلاق
فضربه عثمان، وسيره إلى خيبر وحبسه في القموص فقال: الطويل
إلى الله أشكو لا إلى الناس ماعدا ... أبا حسن غلا شديداً أكابده
بخيبر في قعر القموص كأنها ... جوانب قبر عمق اللحد لاحده
أأن قلت حقاً أو نشدت أمانة ... قتلت فمن للحق إن مات ناشده
عبد الرحمن بن حيان أبو مسلم
قال: أظنه بصرياً. كان جليساً للوليد.
حدث عن الحسن في قوله عز وجل: " فلنحيينه حياة طيبةً " قال: لنرزقنه قناعة يجد لذتها في قلبه.(14/243)
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة المخزومي، ابن سيف رسول الله أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان مع أبيه يوم اليرموك، وسكن حمص، وشهد صفين مع معاوية، وكان معه اللواء، وكان معاوية يستعمله على غزو الروم، وله معهم وقائع، وكان شريفاً ممدحاً، وله بدمشق دار.
حدث عبد الرحمن بن خالد أنه احتجم على هامته وبين كتفيه فقيل له: ما هذه الدماء؟ فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء.
وفي حديث آخر فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحتجمها في هامته ويقول: من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء لشيء.
استعمله معاوية على جماعة الناس في غزوة أرمينية سنة اثنتين وأربعين فشتا بهم سنة أربع وخمس وست؛ وقدم حمص في سنة ست وأربعين قافلاً، فدس ابن أثال النصراني بعض أولئك المماليك فسقاه شربة فمات بحمص، فاعترض لابن أثال خالد بن عبد الرحمن بن خالد فضربه بالسيف، فقتله فرفع إلى معاوية فحبسه أياماً، وأغرمنه ديته، ولم يقده منه. وكان عبد الرحمن بطلاً شجاعاً. وقيل: إن عبد الرحمن مات بأرض الروم.
قال أبو أيوب: ادربنا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وهو أمير الناس يومئذ على الدروب،(14/244)
فنزلنا منزلاً من أرض الروم، فأقمنا به، وكان أبو أيوب قد اتخذ مسجداً، فكنا نروح ونجلس إليه ويصلي لنا ونستمع من حديثه قال: فإنا لعشية معه إذ جاء رجل فقال: أتي الأمير الآن بأربعة أعلاج من الروم، فأمر بهم أن يصبروا، فرموا بالنبل حتى قتلوا، فقام أبو أيوب فزعاً حتى جاء
عبد الرحمن بن خالد فقال: أصبرتهم؟! لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن صبر الدابة، وما احب أن لي كذا وكذا وأني صرت دجاجة. قال: فدعا عبد الرحمن بن خالد بغلمان له أربعة فأعتقهم مكانهم.
لما ولي العباس بن الوليد حمص قال ذات يومٍ لأشراف أهل حمص: يا اهل حمص، مالكم لا تذكرون أميراً من أمرائكم مثل ما تذكرون عبد الرحمن بن خالد بن الوليد؟ فأسكت القوم، فقال عبد الرحمن بن خالد الحمصي: إن شاء الأمير أخبرناه. قال: فأخبرنا، قال: كان يدني شريفنا، ويغفر ذنبنا، ويجلس في أبنيتنا، ويمشي في أسواقنا، ويعود مرضانا، ويشيع جنائزنا، وينصف مظلومنا من ظالمنا، ويخير بن علمائنا.
وفي سنة ست أربعين مات عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. قتله ابن أثال النصراني بحمص. وقيل: مات سنة تسع وأربعين.
عبد الرحمن بن خالد
لم يسم جده، كان أميراً على الصائفة. وليس هو بابن خالد بن الوليد لأنه قديم الوفاة. لم يدرك أبو حازم الغزو معه.
قال زيد بن أسلم: كنت مع أبي حازم في الصائفة، فأرسل عبد الرحمن بن خالد - وكان أصلح من بقي من أهل بيته - إلى أبي حازم أن ائتنا حتى نسائلك، وتحدثنا، فقال أبو حازم: معاذ(14/245)
الله، أدركت أهل العلم لا يحملون الدين إلى أهل الدنيا، فلن أكون بأول من فعل ذلك، فإن كانت لك حاجة فأبلغنا، فتصدى له عبد الرحمن وسأل عنه، وقال: لقد ازددت علينا بهذا كرامة.
عبد الرحمن بن الخشخاش العذري
قاضي دمشق لعمر بن عبد العزيز.
حدث عبد الرحمن قال:
حضرت فضالة بن عبيد وأتي برجل معه سرقة، فقالوا: سرقها، فجعل يقول: لا إخاله سرقها، لا إخاله إلا وجدها، فجعل بعض الناس كأنه يلقنه، فقال: وجدتها، فقال: خلوا سبيله.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الرحمن بن الخشخاش العذ1ري: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن رجلاً أعمر رجلاً مسكناً له ولعقبه، وتسألني عن رأيي في ذلك، فإذا انقضت العامورة فأولياء المسكن أولى بمسكنهم، أو أحق بمسكنهم.
والخشخاش: بخاء وشين معجمتين.
عبد الرحمن بن داود بن منصور
أبو محمد الفارسي سمع بدمشق وغيرها: حدث عن خالد بن روح بسنده إلى أنس بن مالك قال: قلنا: يا رسول الله، متى ترى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر(14/246)
فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم، قال: قلنا: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك في صغاركم.
وحدث سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جده يحيى بن حمزة قال: كتب إلى المهدي أمير المؤمنين أن أصلب في الحكم، وقال في كتابه إلي: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال ربك عز وجل: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً يقدر أن ينصره فلم ينصره.
توفي بفارس.
عبد الرحمن بن زياد بن أنعم
ابن ذري بن يحمد بن معدي كرب أبو خالد ويقال: أبو أيوب المعافري ثم الشعباني الإفريقي قاضي إفريقية، وفد على خلفاء بني أمية، وولاه مروان بن محمد قضاء إفريقية، وكان قوالاً للحق.
حدث عن أبي علقمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله ملء الميزان، والله أكبر ملء السموات والأرض، ولا إله إلا الله ليس دونها ستر ولا حجاب حتى تخلص إلى ربها عز وجل.(14/247)
وحدث عن زياد بن نعيم الحضرمي قال: سمعت زياد بن الحارث الصدائي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث قال: وحدث عن زياد بن نعيم الحضرمي قال: سمعت زياد بن الحارث الصدائي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعته على الإسلام، وأخبرت أنه بعث جيشاً إلى قومي فقلت: يا رسول الله، اردد الجيش، فأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم، فقال لي: اذهب، فردهم، فقلت: يا رسول الله، إن راحلتي قد كلت، فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فردهم.
قال الصدائي: وكتبت إليهم كتاباً، فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أخا صداء، إنك لمطاع في قومك، فقلت: بل الله هو هداهم للإسلام، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفلا أؤمرك عليهم؟ فقلت: بلى يا رسول الله قال: فكتب لي كتاباً، فقلت: يا رسول الله، مر لي بشيء من صدقاتهم، قال: نعم، فكتب لي كتاباً آخر.
قال الصدائي: وكان ذلك في بعض أسفاره، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلاً، فاتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم وقولون: أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو فعل؟ فقالوا: نعم، فالتفت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصحابة وأنا فيهم فقال: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن.
قال الصدائي: فدخل قوله في نفسي، ثم أتاه آخر، فقال: يا نبي الله، أعطني، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سأل الناس عن ظهر غنى، فصداع في الرأس، وداء في البطن، فقال السائل: فأعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الجزاء أعطيناك حقك. قال الصدائي، فدخل ذلك في نفسي أني سألته من الصدقات. وأنا غني، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتشى من أول الليل فلزمته، وكنت قوياً، وكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون حتى لم يبق معه أحد غيري. فلما كان أوان أذان الصبح أمرني فأذنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله؟ فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر ناحية المشرق إلى الفجر فيقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبرز، ثم(14/248)
انصرف إلي، وقد تلاحق أصحابه، فقال: هل من ماء يا أخا صداء؟ فقلت: لا، إلا
شيء قليل. لا يكفيك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجعله في إناء ثم ائتني به، ففعلت، فوضع كفه في الماء. قال الصدائي: فرأيت بين كل اصبعين من أصابعه عيناً تفور، قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقينا وأسقينا، ناد في أصحابي من له حاجة في الماء، فناديت فيهم، فأخذ من أراد منهم، ثم قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأراد بلال أن يقيم، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أخا صداء هو أذن، ومن أذن فهو يقيم. قال الصدائي: فأقمت الصلاة. فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة أتيته بالكتابين فقلت: يا بني الله، إعفني من هذين، فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بدا لك؟ فقلت: سمعتك يا نبي الله تقول: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن، وأنا أؤمن بالله ورسوله، وسمعتك تقول للسائل: من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، وسألتك وأنا غني، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو ذا، فإن شئت فاقبل، وإن شئت فدع، فقلت: أدع، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدلني على رجل أؤمره عليكم، فدللت على رجل من الوفد الذين قدموا عليه، فأمره عليهم، ثم قلنا: يا نبي الله، إن لنا بئراً، إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها، فتفرقنا على مياه حولنا، وقد أسلمنا، ةكل من حولنا عدو لنا، فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها، فنجتمع عليها ولا نتفرق، فدعا بسبع حصيات فعركهن في يده، ودعا فيهن ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات، فإذا أتيتم البئر، فالقوا واحدة واحدة، واذكروا اسم الله عز وجل. قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها يعني: البئر.
وحدث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي - وكان أول مولود ولد في الإسلام بالمغرب من إفريقية - عن مسلم بن يسار عن سفيان بن وهب عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كل مسكر حرام.
توفي سنة ست وخمسين ومئة، وكان جاز المئة، وكان قدم على أبي جعفر بغداد في بيعة أهل إفريقية.(14/249)
وذري: بذال معجمة وراء مكسورة وياء خفيفة. وذكر في نسبه جماعة، وفي أسمائهم أسماء غير معهودة.
قال عبد الرحمن بن زياد: أرسل إلي أبو جعفر المنصور، فقدمت عليه، فدخلت والربيع قائم على رأسه، فاستدناني ثم قال لي: يا عبد الرحمن، كيف ما مررت به من أعمالنا إلى أن وصلت إلينا؟ قال: قلت: رأيت يا أمير المؤمنين أعمالاً سيئة، وظلماً فاشياً، وظننته لبعد البلاد منك، فجعلت كلما دنوت منك كان أعظم للأمر. قال: فنكس رأسه طويلاً ثم رفعه إلي فقال: كيف لي بالرجال؟ قلت: أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: إن الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها، فإن كان براً أتوه ببرهم، وإن كان فاجراً أتوه بفجورهم. قال: فأطرق طويلاً، فقال لي الربيع وأومأ إلي أن اخرج، فخرجت، وما عدت إليه.
وحدث إسماعيل بن عياش قال: ظهر بإفريقية جور من السلطان. فلما قام أبو العباس قدم عبد الرحمن بن زياد بن أنعم على أبي جعفر فشكى إليه العمال ببلده، فأقام ببلاده أشهراً ثم دخل عليه فقال: ما أقدمك! فقال: ظهر الجور ببلدنا، فجئت لأعلمك فإذا الجور يخرج من دارك، فغضب أبو جعفر، وهم به ثم أمر بإخراجه.
قال عبد الرحمن بن زياد:
كنت أطلب العلم مع أبي جعفر أمير المؤمنين قبل الخلافة، فادخلني منزله، فقدم إلي طعاماً ومريقة من حبوب ليس فيها لحم، ثم قدم إلي زبيباً ثم قال: يا جارية، عندك حلواء؟ قالت: لا، قال: ولا التمر؟ قالت: ولا التمر، فاستلقى ثم قرأ " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون " فلما ولي الخلافة دخلت عليه، فقال لي: يا عبد الرحمن، بلغني أنك كنت تفد لبني أمية قال: قلت:(14/250)
أجل، كنت أفد لهم، وأفد إليهم، قال: وكيف رأيت سلطاني من سلطانهم؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، والله ما رأيت في سلطانهم من الجور والظلم إلا رأيته في سلطانك، تحفظ يوم أدخلتني منزلك فقدمت إلي طعاماً ومريقة من حبوب لم يكن فيها لحم، ثم قدمت إلي زبيباً، ثم قلت: يا جارية، عندك حلواء؟ قالت: لا، قلت: ولا التمر؟ قالت: ولا التمر، فاستلقيت ثم تلوت هذه الآية: " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون "؟ فقد والله أهلك عدوك، واستخلفك في الأرض، فانظر ما تعمل، فقال: يا عبد الرحمن، إنا لا نجد الأعوان قلت: يا أمير المؤمنين، إن السلطان سوق نافق، لو نفق عندك الصالحون تحببوا إليك قال: فكأني أقمته الحجر، فلم يرد علي شيئاً.
كتب ابن الإفريقي إلى سفيان الثوري: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، وشغل عظيم الآخرة عن شغل صغر الدنيا، والسلام.
قال أحمد بن صالح: كان الإفريقي أسيراً في الروم، فخلوا عنه لما رأوا منه، على أن يأخذ لهم شيئاً عند الخليفة، فلذلك أتى أبا جعفر.
وثقه قوم، وضعفه آخرون.
عبد الرحمن بن زياد بن عبيد
أخو عبيد الله وسلم وعباد، أحد الأجواد. وفد على معاوية فولاه خراسان، ثم وفد على يزيد بن معاوية.
حدث عن عبيد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن(14/251)
أبغضهم فبغضبي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني فقد آذى الله عز وجل، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه.
قدم عبد الرحمن بن زياد وافداً على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، ما لنا حق؟ قال: بلى، قال: فما ذاك؟ قال: توليني، قال: بالكوفة النعمان بن بشير، وهو رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبيد الله بن زياد على البصرة وخراسان، وعباد بن زياد على سجستان، ولست أرى عملاً يشبهك إلا أن أشركك في عمل أخيك عبيد الله، قال: أشركني، فإن عمله واسع يحتمل الشركة، فولاه خراسان.
وقدم عبد الرحمن بن زياد على يزيد بن معاوية من خراسان بعد قتل الحسين، واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم، وقال يزيد لعبد الرحمن بن زياد: كم قدمت به معك من خراسان؟ قال: عشرين ألف ألف درهم، قال: إن شئت حاسبناك، وقبضناها منك وردناك على عملك، وإن شئت سوغناك، وعزلناك، وتعطي عبد الله بن جعفر خمس مئة ألف درهم، قال: بل سوغني ما قلت، وتستعمل عليها غيري، وبعث عبد الرحمن بن زياد إلى عبد الله بن جعفر بألف ألف درهم وقال: خمس مئة ألف من قبل أمير المؤمنين، وخمس مئة ألف من قلبي، وقيل: إن ولايته خراسان كانت في سنة تسع وخمسين.
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب
ابن نفيل بن عبد العزى، القرشي العدوي ابن أخي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفد على يزيد بن معاوية، وولي إمرة مكة.
حدث عبد الرحمن بن زيد عن أبيه قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع: أرقاءكم أرقاءكم، أطعموهم مما تأكلون، والبسوهم مما تلبسون، وإن جاؤوا بذنب لا تريدون أت تغفروه، فبيعوا عبد الله ولا تعذبوهم.(14/252)
وحدث عن أبيه قال:
خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة نحو المقابر، فقعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قبر، فرأيناه كأنه يناجي، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الدموع من عينيه، فتلقاه عمر، وكان أولنا، فقال: بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟! قال: إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي، وكانت والدة ولها قلبي حق أن أستغفر لها، فنهاني. قال: ثم أومأ إلينا أن اجلسوا فجلسنا، فقال: إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فمن شاء منكم أن يزور فليزر، وإني نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فكلوا، وادخروا، ما بدا لكم، وإني كنت نهيتكم عن ظروف، وأمرتكم بظروف، فانتبذوا، فغن الآنية لا تحل شيئاً ولا تحرمه، واجتنبوا كل مسكر.
وعن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس بمنى فقال: يا ايها الناس، إنا أدركنا أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذنا عنهم، وسمعنا منهم، فحدثونا أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، إلا أن يشهد رجلان ذوا عدل أنهما رأياه بالأمس، فصوموا لرؤيتهما، وأفطروا لرؤيتهما، وانسكوا لرؤيتهما.
وفي حديث مختصر بمعناه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها.
حدث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نظر عمر إلى أبي عبد الحميد - أو ابن عبد الحميد - وكان اسمه محمداً، ورجل يقول: يا محمد، فعل الله بك، وفعل وفعل، وقال وجعل يسبه، قال: فقال أمير المؤمنين عند ذلك: يا بن زيد، ادن مني، ألا أرى محمداً يسب بك، ولا والله، لا تدعى محمداً ما دمت حياً، فسماه عبد الرحمن، ثم أرسل إلى بني طلحة ليغير أسماءهم، وهم يومئذ(14/253)
سبعة، وسيدهم أكبرهم محمد. قال: فقال محمد بن طلحة: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، فوالله إن سماني محمداً - يعني إلا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فقال عمر: قوموا لا سبيل إلى شيء سماه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأم عبد الرحمن لبابة بنت أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري. وكان عبد الرحمن من أطول الرجال وأتمهم، وكان شبيهاً بأبيه، وكان عمر بن الخطاب إذا نظر إليه قال: الوافر
أخوكم غير أشيب قد أتاكم ... بحمد الله عاد له الشباب
وزوجه عمر بن الخطاب ابنته فاطمة، فولدت له عبد الله بن عبد الرحمن، وقبض سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الرحمن ابن ست سنين، ومات في زمن ابن الزبير بالمدينة.
وولد عبد الرحمن بن زيد وهو ألطف من ولد، فاخذه جده أبو أمه أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري في كنفه، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هذا معك يا ابا لبابة؟ فقال: ابن ابنتي يا رسول الله، ما رأيت مولداً قط أصغر خلقةً منه، فحنكه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومسح على رأسه، ودعا فيه بالبركة. قال: فما رئي عبد الرحمن بن زيد مع قوم في صفٍ إلا برعهم طولاً.
وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد ولي الكوفة لعمر بن عبد العزيز، وكان كاتبه أبو الزناد.
قال العتبي: أرسلت امرأة من بني هاشم بجارية لها إلى عبد الرحمن بن زيد، ومعها شمعة فأدنتها منه، وانصرفت، وكان أحسن الناس وجهاً، فقال لها: ما هذا؟ فقالت: طفئ مصباحنا، فأردنا أن نقتبس من ضياء وجهك.
كان عبد الرحمن بن زيد والياً ليزيد على مكة، فوفد إليه. قال: فمكث سبعاً، ثم خرج على فرس أعز محجل، مشمراً، على يده بازي، فقلت: ما عند هذا خير،(14/254)
فدنوت منه، فكلمته، فأنكرت عقله، ثم رده إلى مكة، فكان آثر الناس عنده عبد الله بن الزبير، فبلغ ذلك يزيد فعزله عن مكة وولاها الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة.
لما توفي عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أرادوا أن يخرجوه من الليل لكثرة الزحام، فقال ابن عمر: لو أخرتموه إلى أن تصبحوا - وفي رواية: إن أخرجتموه - فلا تصلوا عليه حتى ترتفع الشمس، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الشمس تطلع بقرن شيطان.
عبد الرحمن بن سابط بن أبي حميضة
ابن عمرو بن أهيب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي بن غالب الجمحي المكي، ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط دخل دمشق مجتازاً إلى الغزو.
حدث عبد الرحمن بن سابط عن سعيد بن أبي راشد أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن في أمتي خسفاً ومسخاً وقذفاً.
حدث ابن ساباط: أنه خرج من قنسرين، وهو قافل، يريد دمشق، فأشار إنسان إلى قبر عبد الملك بن مروان، فوقفت أنظر، فمر عبادي، فقال لي: لم وقفت هاهنا؟ قلت: أنظر إلى قبر هذا الرجل الذي قدم علينا مكة في سلطان وأمر، ثم عجبت إلى ما رد إليه، فقال: ألا أخبرك خبره لعلك ترهب؟ قلت: وما خبره؟ قال: هذا ملك الأرض، بعث إليه ملك السموات والأرض، فأخذ روحه، فجاء به أهله، فجعلوه ها هنا حتى يأتي الله يوم القيامة مع مساكين أهل دمشق.(14/255)
توفي عبد الرحمن بن سابط بمكة سنة ثمان عشرة ومئة، وكان ثقة، كثير الحديث.
سابط: بسين مهملة وباء موحدة وطاء مهملة.
عبد الرحمن بن سراقة الأزدي
أخو عبد الأعلى من وجوه أهل دمشق.
كان عبد الرحمن يبغض قريشاً، فقال لعبد الله بن علي يوم دخل دمشق بالسيف: إنه قد بقي لحق السيف في أهل دمشق ساعتان، وكان محبوساً، فأطلقه عبد الله بن علي، ثم قيل لعبد الله بن علي: إنه يبغض قريشاً، وإنه قال هذا عصبية، فأمر بطلبه وأحل دمه، فبينا هو ينشد عند الخربة: من وجد عبد الرحمن فله دية، إذ بصر به رجل من أهل الشام فلزق به وقال. أنت طلبة الأمير، فقال له: الأمر كما ذكرت، ولك هذه الخمسة دراهم، اخرج، اتبع لي بها عمامة زرقاء، ولك نصف الجائزة، فخرج الشامي كما سأله، ثم رجع يطلبه فلم يجده، فصاح المنشد، وطلب فلم يوجد حتى مات.
عبد الرحمن بن سعد الخير
أبو القاسم الحمصي حدث بدمشق عند مسجد الثقفيين في المربعة، عند دار كروس عن العباس بن إسماعيل بسنده إلى أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه قميص أصفر، ورداء أصفر، وعمامة صفراء.
عبد الرحمن بن سعيد بن بشير
أبو غفار أو عفان أصله بصري.
حدث عن الوليد بن عبد الله بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: كان إدريس النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم يدعو بدعوة، كان يأمر ألا(14/256)
يعلموها السفهاء، فيدعون بها، فكان يقول: يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، وأنس الخائفين، إني أسألك إن كنت في أم الكتاب شقياً أن تمحو من أم الكتاب شقائي، وثبتني عندك سعيداً وإن كنت في أم الكتاب محروماً مقتراً علي في رزقي أن تمحو من أم الكتاب حرماني، وإقتار رزقي، وثبتني عندك سعيداً، موفقاً للخير كله.
عبد الرحمن بن سعيد الدمشقي
حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من تعار من الليل، فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم دعا: رب اغفر لي، غفر له. قال الوليد: وإذا دعا استجيب له، وإذا قام، فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته.
عبد الرحمن بن السفر الدمشقي
حدث عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الله تبارك وتعالى ينزل على أهل هذا المسجد - مسجد مكة - في كل يوم وليلة(14/257)
عشرين ومئة رحمة، فستين للطائفين، وأربعين للراكعين، وعشرين منها للناظرين وفي راوية: وأربعين للمصلين. هو أبو الفيض.
عبد الرحمن بن سلمان ويقال عبيد
أبو الأعيس الخولاني حمصي، ويقال: من أهل دمشق.
قال أبو الأعيس في قول الله عز وجل: " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قال: الجنة أو النار.
وقال أبو الأعيس: لما سأل يوسف ربه قوله: " رب قد آتيتني من الملك " إلى آخر الآية. فعاش بعد ذلك ثمانين عاماً.
قال أبو الأعيس: منت مع خالد بن يزيد بن معاوية في صحن بيت المقدس، فاستقبله رجل فأخذ بيد خالد فقال: يا خالد، هل علينا من عين؟ قال: فاستنكرت من قوله:(14/258)
يا خالد، فقلت: نعم، عليكما من الله أذن سميعة، وعين بصيرة. قال: فاستل يده من يد خالد، وأرعد، فقلت: يا خالد، من هذا؟! فقال: هذا عمر بن عبد العزيز، يوشك إن طال بك عمر أن تراه إماماً عادلاً، أو إماماً مهدياً.
عبد الرحمن بن سلمة
الجمحي القرشي، ويقال: المخزومي
حدث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفلح من أسلم، وكان رزقه كفافاً، وصبر عليه.
عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون
أبو سليمان العنسي، بالنون من ساكني داريا.
حدث عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعض جسدي فقال: يا عبد الله، كن كأنك غريب في الدنيا، أو كعابر سبيل، وعد نفسك في أهل القبور، وإذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من شبابك قبل هرمك، ومن صحتك قبل سقمك، ومن غناك قبل فقرك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك - يا عبد الله - لا تدري ما اسمك غداً.(14/259)
عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب
ابن ربيعة بن عبد شمي بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو سعيد القرشي العبشمي وفي نسبه اختلاف. صحابي من ساكني البصرة، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث.
حدث عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير.
وقال ابن خزيمة: وأت الذي هو خير.
وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً ونحن في صفة بالمدينة، فقام علينا فقال: إني رأيت البارحة عجباً: رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره بوالديه، فرد ملك الموت عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوءه، فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله عز وجل، فطرد الشيطان عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً من أكتي يلهث عطشاً، كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاء صيامه شهر رمضان، فأسقاه ورواه، ورأيت رجلاً من أمتي ورأيت النبيين جلوساً حلقاً حلقاً، كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاءه غسله من الجنابة، فاخذ بيده، فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمتي من بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه - يعني: ظلمة - وعن شماله ظلمة، ومن فوقه ظلمة، وهو متحير(14/260)
فيه، فجاءه حجة وعمرته فاستخرجاه من الظلمة، وأدخلاه في النور، ورأيت رجلاً من أمتي يقي بيده وجهه وهج النار وشررها، فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار فظلا على رأسه، ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه، فقالت: يا معشر المؤمنين إنه كان وصولاً لرحمة فكلموه، فكلمه المؤمنون، وصافحوه، وصار فيهم، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الزبانية، فجاء أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة، ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه، وبينه وبين الله عز وجل حجاب، فجاءه حسن خلقه وأخذ بيده، فأدخله على الله عز وجل، ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من الله عز وجل أفراطه فثقلوا ميزانه ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذلك، ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي قد هوى في النار، فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله عز وجل، فاستنقذته من ذلك، ورايت رجلاً من أمتي قائماً على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل، فسكن رعدته، ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على السراط، ويحبو أحياناً، ويتعلق أحياناً، فجاءته صلاته علي فأنقذته، وأقامته على قدميه، ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله، ففتحت له الأبواب، وأدخلته الجنة.
حدث عمار بن مولى بني هاشم أنه مر على عبد الرحمن بن سمرة وهو قاعد على نهر أم عبد الله يسبل الماء مع غلمته ومواليه يوم جمعة، فقال له عمار: الجمعة يا أبا سعيد؟ فقال له عبد الرحمن: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: إذا كان مطر وابل فليصل أحدكم وحده.(14/261)
وعن عبد الرحمن بن سمرة قال:
وجهني خالد بن الوليد يوم مؤتة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أتيته قال لي: اسكت يا عبد الرحمن، أخذ اللواء زيد فقاتل زيد، فرحم الله زيداً، ثم أخذ اللواء جعفر، فقاتل جعفر، فقتل جعفر فرحم الله جعفراً، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فقاتل عبد الله، فقتل عبد الله، فرحم الله عبد الله، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، فقاتل خالد، ففتح الله لخالد.
وأن عبد الرحمن بن سمرة أروى بنت أبي الفارعة، من بني فراس بن غنم. توفي بالبصرة سنة إحدى وخمسين، ويقال: سنة خمسين. وافتتح سجستان وزالق، وكان أسلم عبد الرحمن يوم فتح مكة، وكان اسمه عبد الكعبة، فسماه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسلم عبد الرحمن، وقيل: كان اسمه عبد كلال، وقيل: عبد كلوب، ويقال: عبد يكرب.
وتحول عبد الرحمن بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى البصرة، فنزلها، واستعمله عبد الله بن عامر على سجستان، وغزا خراسان، ففتح بها فتوحاً، ورجع إلى البصرة، فأقام بها حتى مات.
قالوا: وولى عثمان البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز، فوجه ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة إلى سجستان، فافتتحها صلحاً على أن لا يقتل بها ابن عرس ولا قنفذ وذلك لمكان الأفاعي بها، إنها تأكلها. ثم مضى إلى أرض الداور، فافتتحها واففتح بست وما يليها، ومضى إلى كابل وزابلستان، فافتتحها جميعاً، وبعث بالغنائم إلى ابن عامر وكان ورد المدائن رسولاً إلى الحسن من عند معاوية، كما روي عن الشعبي قال: بايع أهل العراق بعد علي الحسن بن علي، فأرسل الحسن بن علي عبد الله بن الحارث إلى معاوية، وأرسل معاوية عبد الله بن عامر بن كريز وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب، فقدما المدائن إلى الحسن بن علي رضي الله عنه، فأعطياه ما أراد ووثقا له.(14/262)
قال عيينة بن عبد الرحمن: حدثني أبي قال: شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة، وخرج زياد يمشي بين يدي سريره، ورجال يستقبلون السرير رويداً، يمشون على أعقابهم، يقولون: رويداً، بارك الله فيكم. يدبون دبيباً، حتى إذا كنا في بعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة. فلما رأى أولئك وما يصنعون حمل عليهم بغلته، وأهوى إليهم بسوطه، وقال: خلوا، فوالذي نفسي بيده لقد رأيتنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنا نكاد أن نرمل بها رملاً، فأسرعوا المشي وأسرع زياد المشي.
عبد الرحمن بن سهل بن زيد
ابن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة الأنصاري الحارثي ممن شهد أحداً والخندق، وحدث عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقدم الشام غازياً في خلافة عثمان - ومعاوية أمير على الشام - ومرت به روايا خمر تحمل، فقل فبقركل راوية منها فناوشه غلمانه حتى بلغ شأنه معاوية فقال: دعوه، فإنه شيخ قد ذهب عقله، فقال: كذب والله، ما ذهب عقلي، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهانا أن يدخل بطوننا وأسقيتنا، وأحلف بالله لئن أنا بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبقرن بطنه أو لأموتن دونه.
حدث عبد الرحمن بن سهل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما كانت نبوة قط إلا تبعتها خلافة، ولا كانت خلافة قط إلا تبعها ملك، ولا كانت صدقة قط إلا كان مكساً.(14/263)
وعبد الرحمن بن سهل أمه ليلى بنت رافع بن عامر، وهو المنهوش بحريرات الأفاعي، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمارة بن حزم برقيه برقية أمره بها، فرقاه، فهي رقية آل يتوارثونها إلى اليوم.
وكان عمر استعمل عبد الرحمن بن سهل على البصرة حين مات عتبة بن غزوان. ولما نهش عبد الرحمن بن سهل قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهبوا به إلى عمارة بن حزم فليرقه. قال: قالوا: يا رسول الله، إنه يموت، قال: وإن، قال: فذهبوا به إلى عمارة فرقاه، فشفاه الله.
وفي رواية عن سهل بن أبي حثمة قال: لدغ رجل لنا بحرة الأفاعي، فدعي بن حزم يرقيه، فأبى أن يرقيه حتى جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذنه فقال: اعرضها علي، فعرضها عليه فأذن له فيها.
وحرة الأفاعي حين نروح من الأبواء إلى مكة، على ثمانية أميال على المحجة، وكانت منزلاً للناس قبل اليوم فأجلتهم منه الحيات
عبد الرحمن بن شبل بن عمرو
ابن زيد بن نجدة بن مالك بن لوذان بن عمرو بن عوف ابن عبد عوف، الأنصاري
له صحبة، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث.
قال عبد الرحمن بن شبل: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاني عن أكل الضب.(14/264)
كتب معاوية إلى عبد الرحمن بن شبل: أن علم الناس ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجمعهم، فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تعلموا القرآن، فإذا علمتموه فلا تغلوا فيه، ولا تخفوا عنه، ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ثم قال: إن التجار هم الفجار. قالوا: يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع وحرم الربا؟ قال: بلى، ولكنهم يحلفون ويأثمون، ثم قال: إن الفساق هم أهل النار. قالوا: يا رسول الله، ومن الفساق؟ قال: النساء. قالوا: يا رسول الله، ألسن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟ قال: بلى، ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن، وإذا ابتلين لم يصبرن. ثم قال: ليسلم الراكب على الراجل، والراجل على الجالس، والأقل على الأكثر، فمن أجاب السلام كان له، ومن لم يحب فلا شيء له.
وبنو مالك بن لوذان يقال لهم: بنو السميعة. كان يقال لهم في الجاهلية بنو الصماء، وهي امرأة من مزينة أرضعت أباهم مالك بن لوذان، فسماهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني السميعة.
وأم عبد الرحمن بن شبل أم سعد بنت عبد الرحمن بن حارثة بن سهل بن حارثة بن قيس بن عامر بن مالك بن لوذان وروى عبد الرحمن بن شبل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن نقرة الغراب، وافتراس السبع.
توفي عبد الرحمن بن شبل بالشام في إمارة معاوية، وكان أحد النقباء.
عبد الرحمن بن شبيب الفزاري
كان بدمشق عيناً لعلي بن أبي طالب.
حدث الضحاك أن ابن غزية الأنصاري ثم النجاري قدم على علي بن أبي طالب عليه السلام من(14/265)
مصر، وقدم عبد الرحمن بن شبيب الفزاري عليه من الشام، وكان عينه بها، فأما الأنصاري فكان مع محمد بن أبي بكر، فحدثه بما رأى وعاين من هلاك محمد بن أبي بكر، وحدثه الفزاري بأنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تترى، يتبع بعضها بعضاً بفتح مصر، وقتل محمد بن أبي بكر، حتى آذن معاوية بقتله على المنبر، وقال له: ما رأيت يا أمير المؤمنين قوماً قط أسر، ولا سرور قومٍ قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم هلاك محمد بن أبي بكر، فقال له علي: أما إن حزننا على قتله على قدر سوروهم به، لا بل يزيد أضعافاً، وحزن علي على محمد بن أبي بكر حزناً رئي في وجهه، وتبين فيه، وقام في الناس خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا إن مصر أصبحت قد افتتحت، ألا وإن محمد بن أبي بكر قد أصيب، رحمه الله، عند الله نحتسبه. أما والله إن كان ما علمت لممن ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويحب هدى المؤمن. والله ما ألوم نفسي في تقصير، ولا عجز. إني بمقاساة الحروب لجد خبير، وإني لأتقدم في الأمر، فأعرف وجه الحزم، فأقول فيكم بالرأي المصيب، واستصرخ معلناً، وأناديكم نداء المستغيث، لا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون لي أمراً، حتى تصير بي الأمور إلى عواقب المساءة، وأنتم اليوم لا تدرك بكم الأوتار، ولا يشفى بكم الغل. دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نية في جهاد العدو، ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف " كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ". فأف لكم، ثم نزل فدخل رحله.(14/266)
عبد الرحمن بن شماسة بن ذئب بن أحور
أبو عمرو المهري الدمشقي ثم المصري قال عبد الرحمن بن شماسة بن ذئب إن فقيماً اللخمي قال لعقبة بن عامر: تختلف بين هذين الغرضين، وأنت كبير، يشق عليك فقال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أعانه، قال: قلت للحارث: قلت لابن شماسة: وما ذاك؟ قال: إنه من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى.
عبد الرحمن الأكبر بن صفوان
ابن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي ين غالب بن فهر بن مالك الجمحي المكي أمه أم حبيب أميمة بنت أبي سفيان أخت معاوية.
روى أن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من أبيه صفوان أدراعاً، فهلك بعضها. فقال: إن شئت غرمنا فقال: لا. وفد على معاوية هو أخوه عبد الله، وكان معاوية يقدم عبد الله بن صفوان على عبد الرحمن، فعاتبته أخته في تقديمه إياه على ابنها، فأدخل ابنها عبد الرحمن وأمه عند معاوية، فقال:: حاجتك، فذكر ديناً وعيالاً،(14/267)
وسأل حوائج لنفسه، فقضاها له ثم أذن لعبد الله بن صفوان، فقال: حوائجك، فقال: تخرج العطاء وتفرض للمنقطعين؛ فإنه قد حدث في قومك نائبة لا ديوان لهم، وقواعد قريش لا تغفل عنها، فإنهن قد جلسن على ذيولهن ينتظرن ما يأتيهن منك، وحلفاؤك من الأحابيش قد عرفت نصرهم ومؤازرتهم اخلطهم بنفسك وقومك، قال: أفعل، هلم حوائجك لنفسك، قال: فغضب عبد الله وقال: وأي حوائج لي إليك إلا هذا وما أشبهه؟ إنك لتعلم أني أغنى قريش، ثم قام وانصرف، فأقبل معاوية على أم حبيب بنت أبي سفيان أخته، وهي أم عبد الرحمن، فقال: كيف ترين؟ فقالت: أنت - يا أمير المؤمنين - أبصر بقومك.
وعن عبد الرحمن بن صفوان قال: قلت لعمر بن الخطاب: كيف صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين الكعبة؟ قال: صلى ركعتين.
عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس
ابن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك، الفهري من سروات قريش وكرمائهم.
قال الأصمعي: لما ولي محمد بن الضحاك بن قيس الفهري المدينة صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، لن تعدموا مني ثلاث خلال: لا اجمر لكم جيشاً، وإن أمرت فيكم بخير عجلته لكم، أو بشر أخرته عنكم، ولا يكون بيني وبينكم حجاب. فمكث عندهم كذلك. فلما عزل صعد المنبر، فبكى، وبكى الناس لبكائه، وقال: والله(14/268)
ما أبكي جزعاً من العزل، وضناً بالولاية، ولكني أربأ بهذه الوجوه أن يتبدلها بعدي من لا يرى لها من الحق ما كنت أراه، وإني وإياكم يا معشر أولاد المهاجرين والأنصار لكما قال أخو كنانة: الطويل
فما القيد أبكاني ولا السجن شفني ... ولكنني من خشية النار أجزع
بلى إن أقواماً أخاف عليهم ... إذا مت أن يعطوا الذي كنت مانع
وقع في رواية الأصمعي: لما ولي محمد بن الضحاك، وإنما هو عبد الرحمن بن الضحاك.
ولما استعمل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري على المدينة خطب فاطمة بنت حسين بن علي فقالت: والله، ما أريد النكاح، ولقد قعدت على بني هؤلاء، وجعلت تحاجزه، وتكره أن تباديه لما تخاف منه، وألح عليها، فقال: والله، لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر ولدك في الخمر - يعني: عبد الله بن حسن - قال: فبينا هي كذلك، وكان على ديوان المدينة ابن هرمز، فكتب إليه يزيد بن عبد الملك أن يرتفع إليه للمحاسبة، فدخل على فاطمة يودعها، وقال: هل من حاجة؟ فقالت: تخبر أمير المؤمنين ما ألقى من ابن الضحاك، وما يتعرض مني، قال: وبعثت رسولاً بكتاب إلى يزيد تذكر قرابتها ورحمها، وما ينال ابن الضحاك منها، وما يتوعدها به، فقدم ابن هرمز فأخبر يزيد، وقرأ كتابها، فنزل من أعلى فراشه، فجعل يضرب بخيزرانة في يده، ويقول: لقد اجترأ ابن الضحاك، من رجل يسمعني صوته في العذاب، وأنا على فراشي؟ ثم كتب إلى عبد الواحد بن عبد الله النصري - وهو يومئذ بالطائف - إني قد وليتك المدينة فأغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار، وعذبه حتى أسمع صوته، وأنا على فراشي. وبلغ ابن الضحاك الخبر فهرب إلى الشام، فلجأ إلى مسلمة بن عبد الملك، فاستوهبه من يزيد، فلم يفعل، وقال: قد صنع ما صنع وأدعه؟ فرده إلى النصري إلى المدينة، فاعزمه أربعين ألف دينار، وعذبه، وطاف به في جبة من صوف.(14/269)
ولما عزل بالنصري عزم على التوجه إلى المدينة، فرد من الطريق، ووقف للناس، وكذلك كانت بنو أمية تفعل بالعامل إذا عزلته، فكان يمر به القرشيون فيعد لون إليه ويثنون عليه، ويجلسون تحته، حتى صاروا حلقة ضخمة؛ وسقط خف رجليه من الشمس حتى حمل حملاً.
عبد الرحمن بن عامر
أبو الأسود الكوفي سكن دمشق.
حدث عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن جيش عن حذيفة قال:
رأينا في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السرور ذات يومٍ، فقلنا: يا رسول الله، لقد رأينا في وجهك اليوم تباشير السرور، فقال: ما لي لا أسر وقد أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما.
عبد الرحمن بن عائذ
أبو عبد الله - ويقال: أبو عبيد الله - الأزدي ثم الثمالي الحمصي يقال: إن له صحبة. وكان مع معاذ بن جبل بالجابية.
حدث ابن عائذ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ثلاثة لا يحببهم ربك عز وجل: رجل نزل بيتاً خرباً، ورجل نزل على طريق السبيل، ورجل أرسل دابته ثم جعل يدعو الله أن يحبسها.
وحدث عبد الرحمن بن عائذ قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بعث بعثاً قال: تألفوا الناس، وتأوبوهم، ولا تغيروا(14/270)
عليهم حتى تدعوهم، فما على الأرض من أهل بيت مدر ولا وبر إلا تأتوني بهم مسلمين أحب إلي من أن تأتوني بنسائهم وأولادهم، وتقتلوا رجالهم.
وعن عبد الرحمن بن عائذ قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغير لحيته بماء السدر، وكان يأمرنا بالتغيير مخالفة للأعاجم.
وحدث عبد الرحمن بن عائذ عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للناس يوماً: ألا أحدثكم ما حدثني الله في الكتاب؟ إن الله خلق آدم، وبنيه حنفاء، مسلمين وأعطاهم المال حلالاً لا حرام فيه، فمن شاء اقتنى، ومن شاء احترث، فجعلوا مما أعطاهم حلالا وحراماً. وعبدوا الطواغيت، فأمرني الله أن آتيهم فأبين لهم الذي جبلهم عليه، فقلت لربي أخاطبه: إني إن آتيهم به تثلغ قريش رأسي، كما تثلغ الحبرة، فقال: أمضه أمضه وأنفق، انفق عليك، وقاتل بما أطاعك من عصاك، وإن شاء جعل مع كل جيش بعثته عشرة أمثالهم من الملائكة، ونافخ في صدر عدوك الرعب، ومعطيك كتابي لا يمحوه الماء. أذكركه نائماً ويقظاناً، فانصروني وقريشاً هذه، فإنهم قد دموا وجهي، وسلبوني أهلي وأنا مناديهم، فإن أغلبهم يأتوا ما دعوتهم إليه، طائعين، أو كارهين، وإن يغلبوني فاعلموا أني لست على شيء، ولا أدعوكم إلى شيء. قال: وقد كان مكحول يضارع حديث عبد الرحمن بن عائذ عن عياض بن حمار.
وعائذ: بياء معجمة باثنتين تحتها وذال معجمة.
قال ثور بن يزيد: كان أهل حمص يأخذون كتب ابن عائذ، فما وجدوا فيها من أحكام عمدوا بها على باب المسجد قناعة بها ورضى بحديثها.
لما أتي الحجاج بعبد الرحمن بن عائذ أسيراً يوم الجماجم وكان به عارفاً فقال له(14/271)
الحجاج: عبد الرحمن بن عائذ، كيف أصبحت؟ قال: كما لا يريد الله، ولا يريد الشيطان، ولا أريد. قال له: ما تقول ويحك! قال: نعم، يريد الله أن أكون عابداً زاهدا. ما أنا بذاك، ويريد الشيطان أن أكون فاسقاً مارقاً، والله ما أنا بذاك، وأريد أن أكون مخلى سربي، آمناً في أهلي، والله ما أنا بذاك، فقال له الحجاج: مولد شامي، وأدب عراقي، وجيراننا إذ كنا في الطائف، خلوا عنه.
عبد الرحمن بن عائش الحضرمي
له صحبة، وقيل: لا صحبة له، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً واحداً.
حدث عبد الرحمن قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة فقال قائل: ما رأيت أسفر وجهاً منك الغداة، فقال: ما لي، وقد تبدى لي ربي في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت: أنت أعلم أي رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت: أنت أعلم أي رب، فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السموات والأرض، ثم تلا هذه الآية " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين " قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: في الكفارات رب، قال: وما هن؟ قال: المشي على الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد خلاف الصلوات، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره، قال: من يفعل ذلك يعش بخير، ويمت بخير، ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات إطعام الطعام، وبذل السلام، وأن يقوم بالليل والناس نيام. سل تعطه، قلت: اللهم، إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب علي، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، فتعلموهن، فوالذي نفسي بيده إنه لحق.(14/272)
وذكر أبو سلام أنه سمع عبد الرحمن بن عائش يقول في هذا الحديث إنه سمع روس الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اللهم، إني أسألك حبك وحب من أحبك، وحباً يبلغني حبك.
ومن طريق آخر أن عبد الرحمن حدث عن مالك بن يخامر السكسكي عن معاذ بن جبل قال: احتبس عنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة عن صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فثوب بالصلاة، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتجوز في صلاته. فلما سلم دعا بصوته قال لنا: على مصافكم كما أنتم، ثم انفتل إلينا فقال: إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي تعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد، قلت: لبيك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى..الحديث.
عائش: بياء باثنتين من تحتها، وشين معجمة.
عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث
ابن نظام بن جشم بن عمرو بن مالك بن الحارث بن عبد الجن أبو المصبح الهمداني الشاعر الأعشى، المعروف بأعشى همدان.
شاعر فصيح، من أهل الكوفة، وكانت تحته أخت الشعبي الفقيه، وأخته تحت الشعبي، وكان فقيهاً، قارئاً، ثم ترك ذلك، واشتغل بقول الشعر، وقدم دمشق في صدر أيام بني أمية، وخرج مع ابن الأشعث فأتي به الحجاج، فقتله صبراً.
قال الأعشى للشعبي: يا أبا عمروٍ، رأيت كأني دخلت بيتاً فيه حنطة وشعير، فقبضت بيميني حنطة، وقبضت بيساري قبضة شعير، ثم خرجت، فنظرت، فإذا في يميني شعير، وإذا في يساري حنطة، فقال: لئن صدقت رؤياك لتستبدلن بالقرآن الشعر، فقال الأعشى الشعر بعدما كبر، وكان قبل ذلك إمام الحي ومقرئهم.(14/273)
قال الهيثم بن عدي: لما عزل النعمان بن بشير عن الكوفة وولاه معاوية حمص وفد عليه أعشى همدان، فقال له: ما اقدمك أبا المصبح؟! قال: جئتك لتصلني وتحفظ قرابتي وتقضي ديني، قال: فأطرق ثم رفع رأسه، ثم قال، والله ما من شيء، ثم قال: هيه، كأنه ذكر شيئاً، فقام فصعد المنبر فقال: يا أهل حمص - وهم يومئذ في الديوان عشرون ألفاً - هذا ابن عم لكم، من أهل القرآن والشرف قدم عليكم يسترفدكم، فما ترون فيه؟ قالوا: أصلح الله الأمير احكم له فأبى عليهم، فقالوا له، فإنا قد حكمنا له على أنفسنا: من كل رجل في العطاء بدينارين دينارين، نعجلها له من بيت المال، فعجل له أربعين ألف دينار فقبضها ثم أنشأ يقول: الطويل
ولم أر للحاجات عند التماسها ... كنعمان نعمان الندى ابن بشير
إذا قال أوفى بالمقال ولم يكن ... كمدل إلى القوام حبل غرور
متى أكفر النعمان لا أك شاكراً ... وما خير من لا يقتدي بشكور
قال الشعبي: كنت أجالس الأحنف فأفاخر جلساءه من أهل البصرة بأهل الكوفة، فقال: إنما أنتم خول لنا، استنقذناكم من عبيدكم، فذكرت كلمة قالها أعشى همدان: الرمل
أفخرتم أن قتلتم أعبداً ... وهزمتم مرة آل رعل
نحن قدناكم إليهم عنوةً ... وجمعنا أمركم بعد الفشل
فإذا فاخرتمونا فاذكروا ... ما فعلناه بكم يوم الجمل
بين شيخٍ خاضب عثنونه ... أو فتى أبيض وضاح رفل(14/274)
جاءنا يهدر في سابعةٍ ... فذبحناه كما ذبح الحمل
وعفونا فنسيتم عفونا ... وكفرتم نعمة الله الأجل
فقال الأحنف: يا جارية.، هاتي تلك الصحيفة الصفراء.
وعن عامر قال: كنت أجالس الأحنف بن قيس فأفاخر أهل البصرة بأهل الكوفة، فبلغ منه كلامي ذات يوم، وأنا لا أدري، فقال: يا جارية، هاتي ذلك الكتاب، فجاءت به، فقال: اقرأ وما يدري أحد من القوم ما فيه، قال: فقرأته فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من المختار بن أبي عبيد إلى إلى الأحنف بن قيس ومن قبله من ربيعة ومضر، أسلم أنتم؟ فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد. فويل لأم ربيعة ومضر، وإن الأحنف مورد قومه سقر، حيث لا يستطيع بهم الصدر، وإني لا أملك لكم ما خط في القدر، وإنه بلغني أنكم تكذبون، وتؤذون رسلي، وقد كذبت الأنبياء، وأوذوا من قبلي، فلست بخير من كثير منهم والسلام. فملا قرأته قال: أخبرني، هذا من أهل البصرة أو من أهل الكوفة؟ قلت: يغفر الله لك أبا بحر، إنما كنا نمزح، ونضحك. قال: لتخبرني ممن هو، قلت: يغفر الله لك، أبا بحر، قال: لتخبرني، قلت: من أهل الكوفة، قال: فكيف تفاخر أهل البصرة وهذا منكم؟! ومما قاله أعشى همدان في المختار وشيعته: الطويل
شهدت عليكم أنكم سبئية ... وأني بكم يا شرطة الشرك عارف
وأقسم ما كرسيكم بسكينةٍ ... وإن كان قد لفت عليه اللفائف
وأن ليس كالتابوت فينا وإن سعت ... شبام حواليه ونهد وخارف(14/275)
وإني امرؤ أحببت آل محمدٍ ... وتابعت وحياً ضمنته المصاحف
وبايعت عبد الله لما تبايعت ... عليه قريش شمطها والغطارف
يعني ابن الزبير، والكرسي كان مع المختار، يزعم أنه كالتابوت في بني إسرائيل.
وفي سنة ثلاث وثمانين زحف ابن الأشعث إلى البصرة، فلقي الحجاج بالزاوية، فاقتتلا، ثم إن ابن الأشعث توجه إلى الكوفة منهزماً من الحجاج لعشر خلون من المحرم، وخرج الحجاج في أثره حتى اجتمعوا في دير الجماجم، فكانت بين الحجاج وبين عبد الرحمن بن الأشعث ثمانون وقعة، ومضى ابن الأشعث في شعبان إلى البصرة، وتبعه الحجاج حتى أجلاه عنها نحو الهواز، وشخص في أثره فالتقوا بدجيل الأهواز، فهزمه الحجاج، وأسر من اصحابه ثلاثة آلاف رجل، فضرب أعناقهم كلهم، ووجه في طلب ابن الأشعث عمارة بن تميم ومحمد بن الحجاج، ورجع الحجاج إلى واسط، فابتدأ في بنائها.
وقتل الأعشى الهمداني الشاعر، قتله الحجاج صبراً يومئذ، وأتي به إليه أسيراً.
عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن
أبو القاسم المقرئ الشافعي الدمشقي حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بن موسى بن راشد بن خالد بن يزيد بن سعيد بن عبد الله الكلابي المعروف بأخي تبوك بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر.
توفي سنة ثلاث وأربعين.(14/276)
عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن
ابن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن الحكم بن سليمان أبو الحسين بن أبي القاسم بن أبي عبد الله السلمي، المعروف بابن أبي الحديد خطيب دمشق المعدل.
حدث عن جده أبي عبد الله بسنده إلى ابي ثعلبة الخشني قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بما يحل لي وما يحرم علي، قال: فصعد في البصر وصوبه وقال: نوبئته، قلت: يا رسول الله، نوبئته خير، أو نوبئته شر؟ قال: بل نوبئته خير: لا تأكل لحم الحمار الأهلي، ولا ذا ناب من السباع.
قال أبو الحسين: إنه ولد سنة أربع وستين واربع مئة، وذكر قبل ذلك أنه ولد سنة اثنتين وستين. توفي سنة ست وأربعين وخمس مئة.
عبد الرحمن بن عبد الله بن الزبير
ابن محمد بن دينار بن مهران أبو بكر الرهاوي حدث بدمشق وسكنها.
روى عن أبيه بسنده عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: سألت أنس بن مالك: كيف تتوضأ؟ قال: تسألني كيف أتوصأ، ولا تسألني كيف رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ؟ قلت: نعم، قال: رأيته توضأ ثلاثاً، وقال: بهذا أمرني ربي عز وجل.(14/277)
عبد الرحمن بن عبد الله
ابن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المدني غزا القسطنطينية.
حدث عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: " قل هو الله أحد " يرددها. فلما أصبح أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، وكان الرجل يتقللها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن.
توفي ابن أبي صعصعة الأنصاري في خلافة أبي جعفر.
عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة
ابن عبد الله بن مسعود، الهذلي المسعودي الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز.
حدث عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال:
لقد دعوت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وليمة ليس فيها خبز ولا لحم، قال: فقلت: يا أبا حمزة، فماذا أكلوا؟ قال: أتي بنطاع فبسطت، ثم أتي بتمر وسمن، فأكلوا، أو ليس التمر من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير؟.
وفي نسخة: سويق بدل سمن.
توفي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ببغداد. وكان ثقة كثير الحديث، إلا أنه اختلط في آخر عمره، ورواية المتقدمين عنه صحيحة. قيل: إنه تغير قبل موته بسنة أو سنتين.(14/278)
قال أبو النضر هاشم بن القاسم: إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه المسعودي: كنا عنده وهو يعزى في ابن له إذ جاءه إنسان، فقال له: إن غلامك أخذ عشرة آلاف من ملكك وهرب، ففزع وقام يدخل إلى منزله، ثم خرج إلينا وقد اختلط، رأينا فيه الاختلاط.
قال محمد بن عمران بن زياد: قال أبو نعيم - وسألته عن حديث عن المسعودي - فقال: لو رأيت رجلاً عليه قباء أسود وشاشية، وفي وسطه خنجر، كيف تكتب عنه؟ ثم قال: رأيت المسعودي هكذا، ومكتوب بين كتفيه ببياض: " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " وقيل: إن ابنه وقع في بئر قد كنس فيها، فخرج فمات، فاختلط حين رآه.
توفي المسعودي سنة ستين ومئة.
عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان
ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك أبو محمد - ويقال: أبو عبد الله - ويقال: أبو عثمان - ابن أبي بكر الصديق له صحبة بسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم الشام قبل الفتح، ورأى ابنة الجودي ببصرى، ثم دخل الشام بعد الفتح.
حدث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، وسادس، أو كما قال. وأن أبا بكر جاء بثلاثة نفر، وانطلق نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعشرة، وكنت أنا وأبي وأمي.(14/279)
ولا أدري لعله قال: امرأتي، وخادمي - بين بيتنا وبيت أبي بكر، وإن أبا بكر تعشى عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع، فلبث حتى نعس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله، قالت امرأته: ما حبسك؟ قد حبست عن أضيافك - أو قالت: ضيفك - قال: أو ما عشيتموهم؟ قالت: لا، أبوا إلا انتظارك حتى تجيء، قال: فعرضوا عليهم، فغلبوهم، قال: فذهبت فاختبأت، فقال لي أبو بكر: يا غنثر، فجئت، قال: فجدع وسب وقال: كلوا هنيئاً، لا أطعمه أبداً، قال: فأكلنا، قال: فوالله ما كنا نأخذ لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها قال: فشبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، ونظر إليها أبو بكر، فإذا هي كما هي أو أكثر، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ قالت: لا، وقرة عيني، ألا وهي الآن أكثر منها ثلاث مرات، فأكل منها أبو بكر، ثم قال: إنما كان ذلك من الشيطان - يعني: يمينه - فأكل منها لقمة ثم حملها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصبحت - يعني: عنده - قال: وكان بينه وبين قوم عقد، فمضى الأجل، فعرضنا، فإذا هم اثنا عشر رجلاً، مع كل واحد منهم أناس، الله أعلم بهم كثرة إلا أنها بقيت معهم بقية من ذلك الطعام، فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أردف عائشة فأعمرها من التنعيم.
قال الزبير: عبد الرحمن بن أبي بكر كان اسمه عبد العزى، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن.
وقال مصعب: عبد الرحمن أسن ولد أبي بكر.(14/280)
وكان يختلف إلى الشام في تجارة قريش في الجاهلية. فرأى هناك امرأة يقال لها: ابنة الجودي من غسان، وكان يهذي بها، ويذكرها في شعره.
وأم عبد الرحمن وعائشة أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة. وقيل: أمهما أم رومان بنت عمير بن عبد مناف بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة، وقيل: أم رومان بنت الحارث بن الحويرث من بني فراس بن غنم بن كنانة بن خزيمة، وفيها خلاف آخر.
ولم يزل عبد الرحمن بن أبي بكر على دين قومه، وشهد بدراً مع المشركين، ودعي إلى المبارزة، فقام إليه أبو بكر الصديق ليبارزه فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متعنا بنفسك. ثم اسلم عبد الرحمن في هدنة الحديبية، وهاجر إلى المدينة، وأطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخبير أربعين وسقاً، وشهد الجمل مع عائشة، وقدم على عبد الله بن عامر البصرة، وتوفي قبل عائشة بيسير. وكانت وفاة عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين، وكانت وفاة عبد الرحمن بالحبشي من مكة على بريد في سنة ثلاث وخمسين، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، بعد سعد بن أبي وقاص.
وقدم مصر سنة ثمان وثلاثين. وكان سبب قدومه أن عائشة لما بلغها أن معاوية قد عقد لعمرو بن العاص، وأمره بالمسير إلى مصر لقتال محمد بن أبي بكر، وكان محمد أمير مصر لعلي أرسلت عبد الرحمن ليتكلم في أمر محمد. فما أغنى عنه شيئاً. وقيل: إن عمرو بن العاص قال لعبد الرحمن: ما جعل إلي معاوية من الأمرشيئاً، وما أنا إلا بواء، وما الأمر إلا لهذا الكندي، يريد: معاوية بن حديج.
توفي عبد الرحمن بمكة في نومة نامها، فأعتقت عائشة رضي الله عنها عنه، وقابلت في أمره معاوية سنة ثلاث وخمسين، وقيل: أربع وخمسين، وقيل: خمس، وقيل: ست، وقيل: سنة ثمان وخمسين.(14/281)
وقال علي بن زيد جدعان: إن عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في فتية من قريش إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الفتح.
وقال مصعب بن عبد الله: وقف محكم اليمامة يوم الحديقة على ثلمة فحماها، فلم يجترئ عليه أحد فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر فقتله، فدخل المسلمون من تلك الثلمة. قال: وكان أحد الرماة.
قال يحيى بن يحيى الغساني: كان عبد الرحمن بن أبي بكر يشبب بجارية في الجاهلية، فقدم على يعلى بن منية وهو على اليمن، فوجدها في السبي، فسأله أن يدفعها إليه، فابى، وكتب يعلى إلى أبي بكر يذكر له أمر عبد الرحمن، فكتب أن ادفعها إليه.
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قدم الشام في تجارة، فرأى هنالك امرأة يقال لها ابنة الجودي على طنفسة، حولها ولائد، فأعجبته واسمها ليلى، وذكر من جمالها، فقال عبد الرحمن فيها: الطويل
تذكرت ليلى والسماوة دونها ... فما لابنة الجودي ليلى وماليا
وأنى تعاطي قلبه حارثية ... تدمن بصرى أو تحل الجوابيا
وأنى تلاقيها بلى ولعلها ... إن الناس حجوا قابلاً أن توافيا(14/282)
فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام قال لصاحب الجيش: إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوة فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فظفر بها، فدفعها إلى عبد الرحمن، فأعجب بها، وآثرها على نسائه حتى شكونه إلى عائشة، فعاتبته على ذلك فقال: والله كاني أرشف بأنيابها حب الرمان، فأصابها وجع سقط له فوها، فجفاها حتى شكته إلى عائشة، فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن، لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضتها فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهزها إلى أهلها، فجهزها إلى أهلها.
وعنه أن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي حين فتح دمشق، وكانت ابنة ملك دمشق.
كتب معاوية إلى مروان أن يبايع ليزيد بن معاوية، فقال عبد الرحمن: جئتم بها هرقلية وفوقية، يبايعون لأبنائكم، فقال مروان: أيها الناس، إن هذا الذي يقول الله تعالى: " والذي قال لوالديه أف لكما " إلى آخر الآية، فغضبت عائشة وقالت: والله، ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسميته.
قال عبد الله بن نافع بن ثابت: قام مروان على المنبر، فدعا إلى بيعة يزيد، فكلمه الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير بكلام، موضعه غير هذا، وقال له عبد الرحمن بن أبي بكر: أهرقلية؟! إذا مات كسرى كان كسرى مكانه، لا نفعل والله أبداً.
جاء كتاب من معاوية إلى مروان وهو على المدينة في سيد المسلمين وشيخ أمير المؤمنين يزيد بن أمير المؤمنين، وإنا قد بايعنا له، قال: فمسح مروان إحدى يديه على الأخرى، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: يا مروان، إنما هي هرقلية! كلما مات هرقل كان هرقل مكانه! ما لأبي بكر لم يستخلفني؟ وما لعمر لم يستخلف عبد الله؟ فقال له مروان: أنت الذي أنزل الله فيه " والذي قال لوالديه أف لكما " إلى(14/283)
آخر الآية، فقام عبد الرحمن حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فأخبرها، فضربت بسترٍ على الباب، فقالت: يا بن الزرقاء أعلينا تتأول القرآن؟! لولا أني أرى الناس كأنهم أيدٍ يرتعشون، لقلت قولاً تخرج من أقطارها، فقال مروان: ما يومنا منك بواحد.
وعن عبد العزيز الزهري قال: بعث معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بمئة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية، فردها عبد الرحمن، وأبى أن ياخذها، وقال: أبيع ديني بدنياي؟! وخرج إلى مكة فمات بها.
وعن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين توفي، تعني: كفن في حلة، ثم بدا لهم فنزعوها، وكفن في ثلاثة أثواب سحولية، ثم إن عبد الرحمن بن أبي بكر أخذ تلك الحلة، فقال: تكون في كفني، ثم بدا له، فقال: شيء لم يرضه الله لرسوله لا خير فيه فأماطه.
قال: كذا روي. والمحفوظ أن الذي حبس الحلة عبد الله بن أبي بكر.
وعن ابن مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر هلك وقد حلف أن لا يكلم إنساناً. فلما مات قالت عائشة: يميني في يمين ابن أم رومان.
وعن القاسم بن محمد أن معاوية انصرف حين قدم المدينة من مكة، فلم يلبث ابن أبي بكر إلا يسيراً حتى توفي، بعدما خرج معاوية من المدينة.(14/284)
وعنه قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر في مقيل قاله، على غير وصية، فأعتقت عنه عائشة رقيقاً من تلاده، ترجو أن ينفعه الله بذلك بعد موته.
وعن ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر توفي بالحبشي على رأس أميال من مكة، فنقله ابن صفوان إلى مكة، فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: ما آسى من أمره إلا على خصلتين: إنه لم يعالج ولم يدفن حيث مات. قال نافع: وكان مات فجأة.
وعن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أن امرأة دخلت بيت عائشة، فصلت عند بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي صحيحة، فسجدت فلم ترفع رأسها حتى ماتت، فقالت عائشة: الحمد الله الذي يحيي ويميت، إن في هذه لعبرة لي في عبد الرحمن بن أبي بكر، رقد في مقيل له قاله، فذهبوا يوقظونه فوجدوه قد مات، فدخل نفس عائشة تهمة أن يكون صنع به شر، أو عجل عليه فدفن وهو حي، فرات أنه عبرة لها، وذهب ما كان في نفسها من ذلك. ولما مات أخو عائشة فجأة شق عليها وقالت: لو كان أصيب في بعض جسده لكان أحب إلي، ثم قالت: أما إنها أخذه أسف، وتخفيف عن المؤمن.
وعن ابن أبي مليكة قال: مات عبد الرحمن بن أبي بكر بالصفاح أو قريباً منها، فحملناه على عواتق الرجال حتى دفناه بمكة، فقدمت عائشة بعد وفاته، فقالت: أين قبر أخي؟ فأتته فصلت عليه.
وعنه قال: لما قدمت عائشة أتت قبر أخيها فبكت عليه وقالت: أما والله لو حضرتك حيث مت لدفنتك مكانك، ولو حضرت ما بكيت وقالت:(14/285)
وكنا كندماني جذيمة حقبةً ... من الدهر حتى قيل لن نتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلةً معا
وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دفنته إلا حيث مات، وما أدخلته مكة.
قدمت أم المؤمنين ذا طوى حين رفعوا أيديهم عن قبر عبد الرحمن بن أبي بكر. قال: ففعلت يومئذ وتركت، فقالت لها امرأة: وإنك لتفعلين مثل هذا يا أم المؤمنين؟! قالت: وما رأيتيني فعلت؟ إنه ليست لنا أكباد الأبل، ثم أمرت بفسطاط فضرب على القبر ووكلوا به إنساناً، وارتحلت، فقدم ابن عمر فرأى الفسطاط مضروباً، فسأل عنه فحدثوه، فقال للرجل: انزعه، فقال: إنهم وكلوني، قال: انزعه، وأخبرهم أن عبد الرحمن إنما يظله عمله. قال: وتوفيت عائشة بعد ذلك بيسير سنة تسع وخمسين.
عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان
ابن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم ابن قسي - وهو ثقيف - ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عقيل أبو سليمان - ويقال: ابو مطرف - الثقفي، المعروف بابن أم الحكم
امه أم الحكم بنت أبي سفيان أخت معاوية. روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. وقيل: له صحبة. أمر في غزوه الروم، وغلب على دمشق لما خرج عنها الضحاك بن قيس إلى مرج راهط، ودعا إلى مروان بن الحكم.
حدث عبد الرحمن بن عبد الله ابن أم الحكم الثقفي قال: بينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض سكك المدينة إذ عرض له اليهود فقالوا: يا محمد ما الروح؟ وبيده عسيب نخل، فاعتمد عليه، ورفع رأسه ثم قال: " ويسألونك عن الروح " إلى قوله: " قليلاً ". قال: فسمع الله عز وجل فمقتهم.(14/286)
وعن عبد الرحمن بن أبي عقيل قال: انطلقت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد ثقيف، قال: فأتيناه، فأنحنا ببابه، وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما في الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال: فإنك منا يا رسول الله، ألا سألت ربك فملكك ملك سليمان؟ قال: فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: لعل صاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله لم يبعث نبياً إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذ بها دنيا فأعطيها، ومنها من دعا بها على قومه لما عصوه أهلكوا بها، ثم إن الله تعالى أعطاني دعوة اختبأتها عند ربي: شفاعة لأمتي يوم القيامة.
وحدث عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي أنه صلى خلف عثمان - يعني: ابن عفان - صلاة الجمعة، فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن وسورة الجمعة، وفي الركعة الثانية بأم القرآن وسبح - للحواريين - يعني: سورة الصف.
وحدث أيضاً قال: صليت خلف عثمان بن عفان الصلاة فكان يقرأ في صلاة الصبح من يوم الجمعة إلى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة الصبح من يوم الخميس ما بين " الذين كفروا " إلى الممتحنة أربع عشرة سورة، ويقرأ في صلاة الجمعة بسبح - للحواريين - والجمعة، ويقرأ في صلاة العشاء من ليلة الجمعة إلى صلاة العشاء من ليلة الخميس من " إذا جاءك المنافقون " إلى " هل أتى على الإنسان " أربع عشرة سورة، ويقرأ في صلاة المغرب من ليلة الجمعة إلى صلاة المغرب من يوم الخميس من المرسلات إلى " لا أقسم بهذا البلد " أربع عشرة سورة، سورة في إثر سورة.
كان جد عبد الرحمن بن أم الحكم عثمان بن عبد الله يحمل لواء المشركين يوم حنين - لواء هوازن - فقتله علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبعده الله، إنه كان يبغض قريشاً. وولي عبد الرحمن الكوفة ومصر، وولده يسكنون دمشق.(14/287)
وحبيب بتشديد الياء باثنتين من تحتها، هو حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط.
وعن كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعداً فقال: انظروا إلى هذا الحبيب يخطب قاعداً، وقد قال الله عز وجل: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائماً ".
وعن ثابت بن عبيد قال: قتل عبد الرحمن بن أم الحكم ابن صلوبا، فجاء الشيخ صلوبا، فدخل المسجد آخذاً بلحيةٍ له بيضاء، فقال: يا معشر المسلمين، علام قتل ابني؟ على هذا صالحت عمر بن الخطاب؟ قال: فقال الناس: ذمتكم ذمتكم، فاجتمع الناس، وجاء جرير، قال: فجاء عبد الرحمن ناس فقالوا له: إنا نخاف عليك فأغلق باب المقصورة.
ولما اشتد بلاء عبد الرحمن بن أم الحكم على أهل الكوفة قال عبد الله بن همام السلولي شعراً، وكتبه في رقاع وطرحها في مسجد الجامع الوافر
ألا أبلغ معاوية بن صخرٍ ... فقد خرب السواد فلا سوادا
أرى العمال أفتننا علينا ... بعاجل نفعهم ظلموا العبادا
فهل لك أن تدارك ما لدينا ... وتدفع عن رعيتك الفسادا؟
وتعزل تابعاً أبداً هواه ... يخرب من بلادته البلادا
إذا ما قلت أقصر عن مداه ... تمادى في ضلالته وزادا
فبلغ الشعر معاوية فعزله.(14/288)
قال الجارود بن أبي سبرة: دخلت على بلال ابن أبي بردة فقلت: قال حارثة بن بدر في عبد الرحمن بن أم الحكم: البسيط
نهاره في قضايا غير عادلةٍ ... وليله في هوى سعد بن هبار
فيصبح القوم طلحى قد أضر بهم ... نص المطي وليل المدلج الساري
ما يسمع الناس أصواتاً لهم ظهرت ... إلا دوياً دوي النحل في الغار
فلما خرجت مني ندمت، وقلت يظن أني قد عرضت بت وبالرغل، والرغل من حرم، أي أنه يشرب معه. قال: فأمر خبيئة فأخرج على جرته ثلاث مئة درهم في النهرين، وما كان في النهرين شيء. قال: وأكثر أهل النهرين ذمة؟.
استعمل معاوية ابن أم الحكم على الكوفة فأساء السيرة فيهم، وطردوه، فلحق بمعاوية وهو خاله، فقال: أوليك خيراً منها: مصر، قال: فولاه، فتوجه إليها، وبلغ معاوية بن حديج السكوني الخبر، فخرج، فاستقبله على مرحلتين من مصر، فقال: ارجع إلى خالك، فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة، فرجع إلى معاوية، وأقبل معاوية بن حديج وافداً، قال: وكان إذا جاء قلست له الطريق - يعني: ضربت له قباب الريحان - قال: فدخل على معاوية وعنده أم الحكم، فقالت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: بخٍ، هذا معاوية بن حديج، قالت: لا مرحباً به تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: على رسلك يا أم الحكم، أما والله لقد تزوجت فما أكرمت، وولدت فما أنجبت، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا، فيسير فينا كما سار في(14/289)
إخواننا من أهل الكوفة، ما كان الله ليرى ذلك، ولو فعل لضربناه ضرباً يصامي منيته، وإن كان ذلك الجالس، فالتفت إليها معاوية، فقال: كفي.
كان عبد الرحمن بن أم الحكم ينازع يزيد بن معاوية كثيراً، فقال معاوية لأبي خداش بن عتبة بن أبي لهب: إن عبد الرحمن لا يزال يتعرض ليزيد، فتعرض له أنت، حتى يسمع يزيد ما يجري بينكما، ولك عشرة آلاف درهم، قال: عجلها لي، فعجلها له، فحملت إليه ثم التقوا عند معاوية، فقال أبو خداش: يا أمير المؤمنين، أعدني على عبد الرحمن، فإنه قتل لي مولى بالكوفة، فقال عب الرحمن: يا بن بنت، ألا تسكت؟ فقال أبو خداش لعبد الرحمن: يا بن تمدر، يا بن البريج، يا بن أم قدح، فقال معاوية: يا أبا خداش، حسبك، يرحمك الله علي دية مولاك، فخرج أبو خداش، ثم عاد إلى معاوية، فقال: أعطني عشرة آلاف درهم أخرى، وإلا أخبرت عبد الرحمن أنك أنت أمرتني بذلك، فأعطاه عشرة آلاف وقال: فسر ليزيد ما قلت لعبد الرحمن، قال: هن أمهات لعبد الرحمن حبشيات، وقد ذكرهن ابن الكاهلية الثقفي وهو يهجو ابن عم لعبد الرحمن: الوافر
ثلاث قد ولدنك من حبوش ... إذا يسمو خدينك بالزمام:
تمدر والبريج وأم قدح ... ومجلوب يعد من ال حام
وعن عكرمة بن خالد أن عبد الرحمن بن أم الحكم سأل امرأة له أن يخرجها من ميراثها منه في مرضه فأبت، فقال: لأدخلن عليك من ينقص حقك أو يضر به، فنكح ثلاثاً في مرضه، أصدق كل واحدة منهن ألف دينار، فأجاز عبد الملك بن مروان، وشرك بينهن في الثمن.(14/290)
عبد الرحمن بن عبد الله بن علي
ابن عبد الرحمن بن سعيد بن خالد بن صهيب بن طليب بن البخيت بن علقمة بن الصبر أبو علي بن أبي العجائز الأزدي المعدل حدث ابن أبي العجائز بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من آية أو سورة أوتيها رجل ثم نسيها.
حدث محمد بن قدامة قال: أتينا باب سفيان بن عيينة فحجبنا عنه، قال: فجلسنا على بابه، فلم نشعر إلا بخادم الرشيد هارون، يقال له حسين جاء في طلبه، فأخرجه، فقمنا إليه فقلنا: يرحمك الله، أما أهل الدنيا فيصلون إليك، وأما نحن فلا نصل إليك، قال: قد وجدتم مقالاً فقولوا: لا افلح ذوعيال، ثم أنشأ يقول: البسيط
اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
ثم التفت إلينا فقال: يا أصحاب الحديث، تركتم الطواف وجئتم؟ قلنا: أصلحك الله قد طفنا، ولسنا نترك حظنا منك، قال: ما مثلي ومثلكم إلا كمثل إخوة يوسف إذ قالوا: اقتلوه وكونوا من بعده قوماً صالحين ثم قال: يا أصحاب الحديث، بم تشبهون حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما شغل عبدي ذكري عن مسألتي إلا أعطيته أفضل ما أعطي السائلون؟ قلنا له: تقول يرحمك الله، قال: بقول الشاعر: مجزوء الكامل
وفتى خلا من ماله ... ومن المروءة غير خال
أعطاك قبل سؤاله ... وكفاك مكروه السؤال
توفي ابن أبي العجائز في المحرم سنة تسع وعشرين وأربع مئة.(14/291)
عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد
أبو الميمون البجلي
حدث أبو الميمون بن راشد عن بكار بن قتيبة بسنده إلى مالك بن أنس قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بأرض يخترف، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الرجل إلى أبيه وأمه؟ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبرني بهن جبريل عليه السلام آنفاً. فقال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: فقرأ عليه الآية " من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " فأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعته، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، يار سول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني يبهتوني، قال: فجاءت اليهود، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالزا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أفرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله بن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وإن محمداً رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، فنقضوه، فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.
ولد أبو الميمون سنة اثنتين وخمسين ومئتين، وقيل: سنة خمسين. وكان شيخاً جليلاً من معدلي دمشق، ومات سنة سبع وأربعين وثلاث مئة. وكان نبيلاً، مأموناً، من أهل الأدب، ويقول الشعر، وكان ممتعاً ببصره وعقله وصحة جسده، غير أن سمعه كان قد لحقه ثقل.(14/292)
عبد الرحمن بن عبد الله بن محيريز
الجمحي الفلسطيني غزا أرض الروم مع أبيه، واجتاز بدمشق.
حدث عن أبيه عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب على نبيه أو على عينيه أو على والديه فإنه لا يرح رائحة الجنة.
حدث عبد الرحمن بن عبد الله بن محيريز عن أبيه أنه كان في بعث الصائفة، فمرض مرضاً شديداً، فقال: يا بني، احملني فسر بي إلى أرض الروم، قال: فحملته، فلم أزل أسير به وهو يقول يا بني، أسرع في السير، قلت: يا أبه، إنك شاكٍ، قال: يا بني، إني أحب أن يكون أجلي بأرض الروم، فما زالت أسير به حتى هلك بأرض حمص.
وفي رواية قال: مرض أبي، ونحن نسير إلى دابق غازياً، فقلت: يا أبه، أقيم بك، قال: يا بني إن استطعت أن تنقلني من منزل إلى منزل فافعل، قال: فلما مات همني من يصلي عليه، فرأيت على جنازته صفوفاً لا أعرفهم.
وفي رواية: كنت مع أبي في السفر الذي مات فيه. فلما أتينا فامية قضى.
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود
ابن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم الهذلي الكوفي حدث عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.(14/293)
وعنه قال: لعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه.
وعنه قال: الصفقة بالصفقتين ربا. وأمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسباغ الوضوء.
وحدث عبد الرحمن بن عبد الله قال: إن الوليد بن عقبة أخر الصلاة بالكوفة، وأنا جالس مع أبي في المسجد، فقام عبد الله بن مسعود فثوب بالصلاة، فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد: ما حملك على ما صنعت! أجاءك من أمير المؤمنين أمر فسمع وطاعة؟ أو ابتدعت الذي صنعت؟! قال: لم يأتني من أمير المؤمنين أمر، ومعاذ الله أن أكون ابتدعت، أبى الله علينا ورسوله أن ننتظرك في صلاتنا، ونتبع حاجتك.
وعن قيس بن ابي حازم قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال: إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة، وهم يقرؤون قراءة ما أنزلها الله على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً، قال: فأرسل إليهم عبد الله فأتى بهم وهم يتبعون رجلاً، ورأسهم عبد الله بن النواحة، قال: فأمر به عبد الله فقتل، ثم قال: ما كنا لنحرز الشيطان هؤلاء ولكنا نحدرهم إلى الشام، لعل الله أن يكفيناهم.
وفي حديث آخر عن عبد الله بن مسعود في ارتداد ابن النواحة وإيمانه بمسيلمة قال:
فقال لقرظة بن كعب: انطلق فأحط بالدار فخذهم، فأتني بهم، قال: فأخذهم، فجاء بهم، فقال له عبد الله: أكتاب بعد كتاب الله؟! ورسول بعد رسول الله؟! قال: فقال لقرظة بن كعب: انطلق به إلى السوق، فاضرب عنقه، ثم انطلق برأسه حتى تجعله في حجر أمه، فإني أراها قد كانت تعلم منه علماً، قال فقال القوم: فإنا نسنغفر الله، ونتوب إليه، ونشهد أم مسيلمة هو الكذاب، قال: فقال عبد الرحمن - يعني ابن عبد الله بن مسعود - فلقيت شيخاً منهم بالشام طويل اللحية فقال لي: يرحم الله أباك، والله لو قتلنا جميعاً لدخلنا النار.(14/294)
وعن أبي إسحاق قال: ذكر الضب عند عبد الرحمن بن عبد الله فقال إنسان من القوم: حرام، فقال عبد الرحمن: من حرمه؟ سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إن محرم الحلال كمستحل الحرام.
توفي عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود مقدم الحجاج العراق سنة سبع وسبعين. وقيل: سنة تسع وسبعين، وكان ثقة، قليل الحديث، وقد تكلموا في روايته عن أبيه، وكان صغيراً. قيل: إنه سمع من أبيه، وقيل: إنه لم يسمع من أبيه شيئاً. وكان هذلياً حليف بني زهرة، وكان شاعراً وهو القائل: الخفيف
أيها الشاتمي لتوهن عرضي ... أنت بي جاهل وفيك اغترار
ومتى أدع زهرة بن كلابٍ ... يستجيبوا أو تأتني أنصار
فيهم غلظة لمن خاشنوه ... ويسار إذا يراد يسار
قيل: إن عبد الله مات، وعبد الرحمن ابن ست، أو نحو ذلك.
أوصى عبد الله ابنه عبد الرحمن فقال: أوصيك بتقوى الله، وليسعك بيتك، وابك من خطيئتك، واملك عليك لسانك.
عبد الرحمن بن عبد الله بن يزداد الرازي
سكن بخارى، وسمع بدمشق.
حدث ببخارى عن الحسن بن حبيب الدمشقي بسنده قال: قال بشر بن الحارث: ما رأيت أسمج من فقير جالس بين يدي غني، ولا رأيت أحسن من غني جالس بين يدي فقير.(14/295)
عبد الرحمن بن عبد العزيز
أبو عبد الملك ابن الفارسي القيسراني حدث عن الفريابي قال: سمعت الأوزاعي يقول: لما فرغ عبد الله بن علي من قتل بني أمية بعث إلي، وكان قتل يومئذٍ نيفاً وسبعين بالكافر كوبات إلا رجلاً واحداً فدخلت عليه، وقد أقام أولئك الجند بالسيوف والغمد، قال: فدخلت فسلمت، فأشار بيده، فقعدت فقال: ما تقول في دماء بني أمية؟ فحدت، فقال: قد علمت من حيث حدت، أجب إلى ما سألتك عنه، قال: وما لقيت مفوهاً مثله قط، قال: فحدت أيضاً، فقال: كأن لهم عليك عهداً، وإن كان ينبغي لك أن تفي لهم بالعهد الذي جعلته، قال: فقال لي: فاجعلني وإياهم، ولا عهد لهم علي، ما تقول في دمائهم؟ قلت: هي عليك حرام، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يحل قتل مسلم إلا في ثلاث: الدم بالدم، والثيب الزاني، والمرتد عن الإسلام، فقال لي: ولم ويلك؟ أوليست الخلافة وصية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاتل عليها علي بصفين؟ قلت: لو كانت الخلافة وصية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما رضي علي بالحكمين، قال: فنكس، ونكست أنتظر، قال: فأطلت ثم قلت: البولة، قال: فأشار بيده: هكذا، أي اذهب، قال: فقمت، فجعلت لا أخطو خطوة إلا ظننت أن رأسي يقع عندها.
وحدث عبد الرحمن بن عبد العزيز عن محمد بن عبد الله بن حميد المقراني قال: لما نزل الأوزاعي مدين خرج خادمه ليشتري تمراً فقال: أين تريد؟ قال: أشتري تمراً، قال: لا خير فيه، إنه مسوس، قال: لا اشتري إلا جيداً، قال: ذاك الجيد مسوس، يعني: ابن الصوافي.(14/296)
عبد الرحمن بن عبد الغفار الدمشقي
حدث بمسجد حلب عن قاسم بن عثمان الجوعي قال: سمعت سباع الموصلي يقول: أوحى الله إلى نبي إسرائيل: إن كنت تريد أن أسكنك عندي غداً في حضيرة القدس فكن في الدنيا مغموماً مهموماً، فريداً وحيداً، شريداً بمنزلة الطير الوحداني، يظل في الأرض الفلاة، يأكل من رؤوس الجبال، ويشرب من ماء الأنهار، إذا جنة الليل أوى وحده استئناساً بربه عز وجل.
عبد الرحمن بن عبد الغفار بن عفان
البيروتي حدث عن رواحة بنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بسندها إلى أبي أمامة قال: علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فقال: قل: اللهم، إني أسألك نفساً بك مطمئنة تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك.
عبد الرحمن بن عبد الواحد
ابن عبد الرحمن - أبي الميمون - ابن عبد الله بن عمر بن راشد
أبو الميمون البجلي حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار. وزاد في رواية أخرى: متعمداً.
توفي في رمضان سنة خمس عشرة وأربع مئة.(14/297)
عبد الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن علي
أبو القاسم بن أبي محمد الغساني السمسار في البز حدث عن الفقيه أبي الفتح نصر بن إبراهيم بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن تستجاب دعوته في الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء.
توفي أبو القاسم بن عبد الكريم سنة ست وأربعين وخمس مئة. وكان خيراً مواظباً على الجماعة، فيه ذكاء ومعرفة.
عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد
أبو الحسن بن أبي الحسين الكلابي حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى علي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر.
وورد هذا الحديث بطريق آخر عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أربع لن يجد رجل طعم الإيمان حتى يؤمن بهن: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله بعثني بالحق، وبأنه ميت ثم مبعوث من بعد الموت، ويؤمن بالقدر كله.
عبد الرحمن بن عبيد الله بن أحمد
أبو محمد الأسدي حدث سنة اثنتين وتسعين ومئتين عن إبراهيم بن سعيد الجوهري بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يدخل النار من بايع تحت الشجرة، إلا صاحب الحمل الأحمر.(14/298)
عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد العزيز
ابن الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو محمد - ويقال: أبو القاسم - الهاشمي الحلبي المعدل المعروف بابن أخي الإمام قدم دمشق سنة اثنتين وثلاث مئة، وحدث بها وبحلب.
روى عن محمد بن قدامة الجوهري بسنده إلى ابي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً.
عبد الرحمن بن عبيد نفيع
ويقال: ابن عبيد بن نعيم - العنسي، بالنون من أهل حرستا.
حدث عبد الرحمن أنه مكان في مسجد الكوفة ينتظر ركوع الضحى، ومتع النهار، قال: فبينا هو جالس إذ أجفل الناس في ناحية المسجد، قال: فأجلفت فيمن أجفل، فإذا برجلٍ جاثٍ على ركبتيه، عليه إزار وملاءة وهو يقول: أنا المصعب بن سعد بن أبي وقاص، سمعت أبي يأثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: اربع من كن فيه فهو مؤمن، فمن جاء بثلاث وكتم واحدة فقد كفر: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأنه مبعوث من بعد الموت، وإيمان بالقدر خيره وشره. من جاء بثلاث وكتم واحدة فقد كفر.(14/299)
عبد الرحمن بن عبيد ويقال ابن عبد
أبو راشد الأردني له صحبة، سماه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكناه. نزل الأردن، ويقال إنه نزل داريا. كانت كنيته، أبوة مغوية، بالغين المعجمة.
حدث أبو راشد قال: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وأخي أبو عاكية. من سروات الأزد، فأسلمنا جميعاً، فكتب لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً إلى جميع الأزد: من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يقرأ عليه كتابي هذا، من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة فله أمان الله، وأمان رسوله. وكتب هذا الكتاب العباس بن عبد المطلب.
قال: في إسناده النضر بن سلمة، وهو كذاب يضع الحديث.
وحدث أبو راشد عبد الرحمن بن عبد قال:
قدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مئة رجل من قومي. فلما دنونا من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقفنا، وقالوا لي: تقدم أنت يا أبا مغوية، فإن رأيت ما تحب رجعت إلينا حتى نتقدم إليه، وإن لم تر مما تحب شيئاً. انصرفت إلينا حتى ننصرف، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنت أصغر القوم، فقلت: أنعم صباحاً يا محمد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس هذا سلام المسلمين بعضهم على بعض، فقلت له: فكيف يا رسول الله؟ فقال: إذا أتيت قوماً من المسلمين قلت: السلام عليكم ورحمة الله، فقلت: السلام عليكم يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قال: وعليك السلام ورحمة الله، فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما اسمك؟ ومن انت؟ فقلت: أنا أبو مغوية بن عبد اللات والعزى فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل أنت أبو راشد عبد الرحمن، فأكرمني(14/300)
وأجلسني إلى جانبه، وكساني رداءه، وأعطاني حذاءه، ودفع إلي عصاه، وأسلمت، فقال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم من جلسائه: يا رسول الله، إنا نراك قد أكرمت هذا الرجل، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا شريف قوم فإذا أتاكم شريف قوم فأكرموه. قال أبو راشد: وكان معي عبد لي يقال له سرحان، فأسلم معي، فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل لك يا أبا راشد أن تعتقه فيعتق الله عز وجل بكل عضو منه عضواً منك من النار؟ قال أبو راشد: فأعتقته وقلت: اشهد يا رسول الله أنه حر لوجه الله، وانصرفت إلى أصحابي، فأدركت منهم قوماً، وفاتني منهم قوم، فأتوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلموا.
وفي رواية أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من هذا معك؟ قلت: مولاي، قال: ما اسمه؟ قلت: قيوم، قال: كلا، ولكنه عبد القيوم.
وأبو راشد هذا هو من ولد رحب بن خولان، وليس بداريا رحبي غيره وولده ومن ولده جماعة بداريا.
قال محمد بن شعيب: حدث سعيد بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب كان يقاسم عماله نصف ما أصابوا بعند عزلهم، فقاسم خالد بن الوليد حتى إحدى نعليه. قال: وأراد مقاسمة أبي هريرة، فامتنع عليه لإمامته. قلت لسعيد: فما كان يلي؟ قال: البحرين، قلت: ولاه عمر؟ قال: نعم، قلت: فهل قاسم أبا عبيدة؟ قال: قد رد أبو عبيدة؟ قال: قد رد أبو عبيدة عمالته إلى بيت المال، وكان عمر أعمله على ألفي درهم في السنة، قلت: فردها كلها؟ قال: نعم. قال سعيد: ثم لم يزل العمال يقاسمون حتى كان عبد الملك، فكان يقاسمهم. قال: وكان معاوية يقاسمهم، يحاسبهم بنفسه، فقدم عليه أبو راشد من الأسد، من أهل فلسطين. قال سعيد: ويذكرون أن في الأسد أمانة. فلما ذهب يحاسبه بكى أبو راشد، فقال: ما يبكيك؟! قال: ما من المحاسبة أبكي، ولكن ذكرت حساب يوم القيامة، فتركه معاوية، فلم يحاسبه.(14/301)
عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب القرشي التيمي، ابن أخي طلحة بن عبيد الله له صحبة، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدث عبد الرحمن بن عثمان التميمي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لقطة الحاج. قال حرملة: لقط الحاج نتركها حتى يجدها صاحبها.
وحدث عبد الرحمن قال: ذكر طبيب عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دواء عمل فيه الضفدع، فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل الضفدع.
وفي رواية عنه أن طبيباً سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهى النبي عن قتلها.
قال محمد بن سعد: في الطبقة السابعة عبد الرحمن بن عثمان التيمي، يقال له: شارب الذهب.
قال: دخلنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، فسلك بين الصخرتين اللتين في المروة مصعداً فيها. وقيل: كان عثمان بن عمرو بن كعب يقال له: شارب الذهب. وشهد عبد الرحمن اليرموك مع أبي عبيدة، وأصيب مع ابن الزبير، فدفن في المسجد الحرام، وأخفي مكان قبره عن أهل الشام.
قال عبد الرحمن بن عثمان: أسلمت يوم الفتح وبايعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن عبد الرحمن بن عثمان وكان قد أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أنه كان بين فرشة قضيب له، وكان يأتيه بنوه وبنو أخيه وناس من أهل بيته،(14/302)
فربما غلبه الحديث فيقول أحدهم: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فينزع القضيب فيعلوه به ويقول له: أين أنت لا أم لك من الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! حدث عثمان بن عبد الرحمن عن أخيه قال: قال: أصيب أبوك عبد الرحمن مع ابن الزبير فدفن في مسجد الكعبة، ثم أمر الخيل على قبره كيلا يرى أثره. وقيل: إنه دفن بالحزورة. فلما زيد في المسجد دخل قبره في المسجد الحرام.
عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم
ابن معروف بن حبيب بن أبان بن إسماعيل أبو محمد بن أبي نصر التميمي العدل حدث أبو محمد بن أبي نصر عن أبي اسحاق ابراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت بسنده إلى معاذ قال: كنت ردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا معاذ، ألا تسألني إذا خلوت معي؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يا معاذ، هل تدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، قال: فهل تدري ما حق العبادعلى الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يدخلهم الجنة.
ولد أبو محمد في رمضان، سنة سبع وعشرين وثلاث مئة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة عشرين وأربع مئة. ولم تر جنازة أعظم من جنازته. كان بين يديه جماعة من أصحاب الحديث يهللون ويكبرون ويظهرون السنة. وحضر جنازته جميع أهل البلد حتى اليهود والنصارى، ولم يوجد شيخ مثله زهداً وورعاً وعبادة ورئاسة، وكان ثقة، عدلاً، مأموناً، رضىً، وكان يلقب بأبي محمد بن أبي نصر العفيف.(14/303)
عبد الرحمن بن عثمان بن هشام
ابن عبد الرحمن بن زبر، أبو هشام حدث عن الوليد بن مسلم بسندة إلى بلال بن سعد عن أبيه قال: قلنا: يا رسول الله، ما للخليفة من بعدك؟ قال: مثل الذي لي، ما عدل في الحكم، وقسط في القسط، ورحم ذا رحم، فإن لم يفعل ذلك فليس مني ولست منه، يريد: الطاعة في طاعة الله، والمعصية في معصية الله.
وحدث عن أبي النضر أسحاق بن إبراهيم بسنده إلى ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل وهو يحتجم عند الحجام، وهو يعرض رجلاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفطر الحاجم والمحجوم.
قال أبو الحسن محمد بن الفيض: لقي أبو بكر ابن عزون لأبي هشام ابن زبر، ومر به، وكان يلبس طويلة فقال له: إيش خبرك يا أبا هشام؟ وكيف حالك؟ قال: بخير، قال: كيف أكلك؟ قال: معدة قبول، وضرس طحون، قال: فكيف قوة ذكرك في الجماع؟ قال: يهتز كأنه جان، قال أبو الحسن: وكان له نيف وتسعون سنة حين قال هذا الكلام.
توفي أبو هشام المحدث في رمضان ثلاث وخمسين ومئتين.
عبد الرحمن بن عثمان أبو عثمان
من ساكني الراهب، محلة كانت قبل المصلى.
حدث عن أبي حمزة قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا لا وتر بعد الفجر، ألا لا وتر بعد الفجر.(14/304)
عبد الرحمن بن عديس بن عمرو
ابن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن هميم بن ذهل بن هني بن بلي أبو محمد البلوي وفي نسبه خلاف.
له صحبة، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وكان ممن سكن مصر، وأعان على قتل عثمان رضي الله عنه، فحبسه معاوية ببعلبك، ويقال: بفلسطين، فهرب، فأدرك بجبل لبنان من أعمال دمشق، فقتل.
حدث عبد الرحمن بن عديس قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيخرج ناس من أمتي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقتلون بجبل لبنان أو الجليل، أو بالجليل أو بجبل لبنان. فلما كانت الفتنة كان ابن عديس ممن أخذه معاوية في الرهن فسجنهم بفلسطين، فهربوا من السجن، فأدركوا، فأدرك فارس ابن عديس فقال له: ويحك، اتق الله في دمي، فإني من أصحاب الشجرة، قال: الشجر في الجبل كثير فقتله.
قال ابن لهيعة: قتل ابن عديس بجبل لبنان، أو بجبل الجليل. وكان عبد الرحمن ممن رحل إلى عثمان حين حصر، حتى قتل، وكان أحد فرسان بلي المعدودين بمصر، وشهد الفتح بمصر، وكان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان بن عفان، وكان فيمن أخرجه معاوية من مصر في الرهن، وقتل سنة ست وثلاثين بفلسطين.
وعديس: بضم العين وفتح الدال وسكون الياء المعجمة باثنتين تحتها. وهني: بضم الهاء، والأشهر هني بفتح الهاء. وقال ابن ما كولا: أما العتري: بكسر العين المهملة وسكون التاء المعجمة باثنتين فوقها فجماعة منهم عبد الرحمن بن عديس العتري.(14/305)
حدث أبو ثور الفهمي قال: قدمت على عثمان بن عفان، فبينا أنا عنده إذ خرجت، فإذا وفد أهل مصر، فرجعت إلى عثمان فقلت: إني أرى وفد أهل مصر قد رجعوا جيشاً عليهم ابن عديس. قال: وكيف رأيتهم؟ قال: رأيت قوماً في وجوههم الشر، فصعد ابن عديس منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى بهم الجمعة وقال في خطبته: إن عبد الله بن مسعود حدثني أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن عثمان أضل من عتبة غاب قفلها، فدخلت على عثمان وكان محصوراً فسألني: بماذا قام فيهم؟ فأخبرته، فقال: كذب والله ابن عديس ما سمعها ابن عديس عن ابن مسعود قط، ولا سمعها ابن مسعود من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط، ولقد اختبأت عند ربي عشراً، ولولا ما ذكر ابن عديس ما ذكرت: إني لرابع أربعة في الإسلام، ولقد ائتمنني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنته، ثم توفيت فأنكحني الأخرى، والله، ما زنيت، ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام، ولا تغنيت، ولا تمنيت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولقد ختمت القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا مرت بي جمعة إلا وأنا عتق فيها رقبة منذ أسلمت إلا ألا أجد في تلك الجمعة ثم أعتق لها بعد.
قال محمد بن يحيى الذهلي: عبد الرحمن البلوي هو رأس الفتنة، لا يحل أن يحدث عنه بشيء.
عبد الرحمن بن عراك
أبو إدريس الأصغر الفزاري، ويقال: العدوي من أهل دمشق، من حملة القرآن.
حدث أبو إدريس قال: إذا كان رجل بأرض فلاة فتصيبه مجاعة فيقول: اللهم، ائتني برزقي الذي قدرته لي إلا أتاه الله برزقه.(14/306)
عبد الرحمن بن عسيلة
أبو عبد الله المرادي الصنابحي، وقيل: اسمه عبد الله بن عسيلة والصنابح: بطن من مراد، من أهل اليمن. هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتوفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يقدم المدينة بخمس أو ست، وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى خلف أبي بكر الصديق، ولم ير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل إنه يشبه أن يكون له صحبة.
قال الصنابحي: دخلت على عبادة بن الصامت، وهو في الموت، فبكيت فقال: مه لم يبكي؟! فوالله إن استشهدت لأشهدن لك، وإن شفعت لأشفعن لك، وإن استطعت لأنفعنك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثاً واحداً، وسوف أحدثكموه اليوم، وقد أحيط بنفسي. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار.
وحدث الصنابحي عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: شبابه فيما أبلاه، وعمره فيما أفناه، وماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن عمله ماذا عمل فيه. قال أبو سعيد: قال لنا صامت بن معاذ: ليس لمسألة منها جواب.
حدث أبو الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق، وهجر الرواح، فلقي شداد بن أوس والصنابحي معه فقال: أين تريدان رحمكما الله؟ قالا: نريد هاهنا، إلى أخ لنا مريض نعوده، قال: فانطلقت معهما حتى دخلا على ذلك الرجل فقالا له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة الله وفضله، قال: فقال له شداد: أبشر بكفارات السيئات، وحط الخطايا، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله عز وجل يقول: إني إذا ابتليت عبداً(14/307)
من عبادي مؤمناً فحمدني على ما اتبليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الله: إني أنا قيدت عبدي هذا، وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون قبل ذلك، وهو صحيح.
قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن عسيلة أدرك عبد الملك بن مروان، وكان يجلس معه على السرير، وهو من أهل مصر. وكان ثقة قليل الحديث.
وعن عبد الله الصنابحي سمع عبادة: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما عرج به إلى السماء ثم هبط فلينظر إلى هذا، يعني: الصنابحي.
وحدث قيس بن الحارث المذحجي
أنه دخل هو والصنابحي على عبادة بن الصامت في مرضه الذي مات فيه، فقال حين نظر إلى الصنابحي: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما صعد إلى السماء فهو يعمل بما يرى فلينظر إلى هذا.
وفي حديث غيره: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سماوات فعمل ما عمل على ما رأى فلينظر إلى هذا.
وفي حديث غيره: من أحب أن ينظر إلى رجل عرج به إلى السماء، فنظر أهل الجنة وأهل النار فرجع وهو يعمل على ما رأى فلينظر إلى هذا.
وحدث أبو الخير عن الصنابحي أنه قال له: متى هاجرت؟ قال: خرجنا من اليمن مهاجرين، فقدمنا الجحفة، فأقبل راكب فقلت له: ما الخبر فقال: دفنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ خمس، قلت: هل سمعت في ليلة القدر شيئاً؟ قال: نعم، أخبرني بلال مؤذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه في السبع في العشرالأواخر.(14/308)
وفي رواية: فسألت بلالاً عن ليلة القدر فلم يغتم وقال: ليلة ثلاث وعشرين.
وعن أبي عبد الله الصنابحي أنه قال: الدنيا تدعو إلى فتنة، والشيطان يدعو إلى خطيئة، وأما الله خير من الإقامة معهما.
وكان أبو عبد الله الصنابحي يحدث الواحد والاثنين، فإذا نظر إلى الثالث قال: لا سبيل إلى الحديث سائر اليوم، فقطع الحديث.
أتى الصنابحي دمشق، فحضره الموت، فقال ليزيد بن نمران الذماري: يا يزيد، إن مت في هذا البيت فانظر لي قبراً سليماً، ولو مكثت في هذا البيت ثلاثة أيام فلا تخرجني حتى تصير لي قبراً سليماً.
عبد الرحمن بن عسيلة المرادي الصنابحي، شهد الفتح بمصر.
وعسيلة بعين مهملة مضمومة وسين مفتوحة.
عبد الرحمن بن علي بن الحسين بن صفوان
أبو القاسم المرادي المكي حدث بدمشق.
روى عن عمر بن حفص الشطوي بسنده إلى ابن عمر قال: كان لنعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبالان.(14/309)
عبد الرحمن بن علي بن العجلان القرشي الدمشقي
حدث عن عبد الملك بن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت، ثم مدت الأرض، وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض أبو قبيس، ثم مدت منه الجبال.
عبد الرحمن بن علي بن القاسم بن أحمد بن إبراهيم
أبو القاسم بن أبي الحسن الصوري المعدل البيع، المعروف بابن الكاملي سمع بدمشق وغيرها.
حدث بصور عن أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله النصيبي بسنده إلى جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله.
ولد عبد الرحمن في المحرم سنة تسع عشرة وأربع مئة، وتوفي في رمضان سنة تسعين وأربع مئة بصور.
عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عمر بن رجاء بن عمر
أبو القاسم بن أبي العيش، أخو أبي العيش الجمحي الأطرابلسي حدث عن أبي محمد خلف بن محمد بن علي حمدون الواسطي الحافظ بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خير نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون.
توفي أبو القاسم بن أبي العيش في جمادى الأولى من سنة أربع وستين وأربع مئة.(14/310)
عبد الرحمن بن عمر بن نصر بن محمد
أبو القاسم الشيباني السامري البزاز المؤدب حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب بسنده إلى جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس بين العبد والكفر والشرك إلا ترك الصلاة.
وحدث عن خيثمة بسنده إلى محمد بن شعيب: في قوله: " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " قال: هي الصلاة، والصيام، والغسل من الجنابة.
توفي أبو القاسم عبد الرحمن الشيباني في رجب سنة عشر وأربع مئة، وكان يتهم بالاعتزال، واتهم في ابن أبي ثابت. والله أعلم.
عبد الرحمن بن عمر
أبو عمر، مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة المدني، المعروف بدحمان كان جمالاً يكري إلى المواضع، ويتجر، وكانت له مروءة.
قال في حكاية:
ثم خرجت إلى الشام، فبينا أنا ذات يوم نازل إذا أنا براكب قد طلع، فسلم علينا، فرددنا عليه السلام، وقال: أتأذنون لي أن أنزل تحت ظلكم هذا ساعة؟ قلنا: نعم، فأقبل علي وقال لي: أتبعيني هذه الجارية؟ لجارية كانت كعي فقلت: نعم، قال: بكم؟ فقلت له كالعابث: بعشرة آلاف دينار، قال: قد أخذتها، فهلم دواة وقرطاساً، فجئته بذلك فكتب: ادفع إلى حامل كتابي هذا ساعة تقرأه عشرة آلاف دينار، واستوص به خيراً، وأعلمني بمكانه، وختم الكتاب، وقال: إذا دخلت البخراء(14/311)
فأسأل عن فلان، وادفع كتابي هذا إليه، وقبض منه مالك، ثم انصرف بالجارية. قال: ومضيت. فلما دخلت البخراء سألت عن اسم الرجل فدللت عليه، فدخلت عليه، ودفعت الكتاب إليه فقبله، ووضعه على عينيه ودعا بعشرة آلاف دينار، فدفعها إلي وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين. يعني: الوليد بن يزيد.
عبد الرحمن بن عمرو
ابن عبد الله بن صفوان بن عمرو أبو زرعة النصري - بالنون - الحافظ الدمشقي شيخ الشام في وقته، وداره بدمشق.
حدث عن أحمد بن خالد عن محمد بن إسحاق عن عياض بن دينار قال: دخلت المسجد وأبو هريرة يخطب الناس خليفة لمروان على المدينة أيام الحج في يوم الجمعة، قال: قال أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم التي تليها على أشد نجوم السماء إضاءة. قال: ونحن الآخرون السابقون، وذلك أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، اليهود غداً والنصارى بعد غد، وهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، وهدانا الله له، في يوم الجمعة ساعة لا توافق مؤمناً وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. قال أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويفيض المال، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج. قيل: يا رسول الله، ما الهرج؟ قال: القتل، القتل، القتل.
قال أبو زرعة: سألني أحمد بن مدبر عن بيع الكلأ فأعلمته أن الأوزاعي يقول: الناس فيه أسوة. قال أبو زرعة: فتظلم إلى ابن مدبر رجل من الرعية على رجل يدعي كلأ له فلم يعده، وقال: فقيه أهل الشام لا يرى لك حقاً.
توفي أو زرعة بدمشق سنة ثمانين، وقيل: سنة إحدى وثمانين ومئتين.(14/312)
عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الرحمن
ويقال: ابن عبد الرحيم - أبو عمرو الرحبي الحمصي حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رأيت يوسف ليلة أسري بي في السماء الثالثة، وإذا أنا برجل راعني حسنه، شاب فضل على الناس بالحسن، قيل: هذا أخوك يوسف.
وجدث عن أبي عتبة أحمد بن الفرج بسنده إلى أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرغ الله إلى كل عبد من خمس: خلقه، وخلقه، وأثره، ومضجعه، ورزقه.
عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الرحمن
دحيم بن إبراهيم أبو سعيد حدث عن إسماعيل بن عبد الرحمن الكناني الدمشقي بسنده إلى أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن العزل فقال: أنت تخلقه؟ أنت ترزقه؟ أقره قراره.
عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد أبي عمرو
أبو عمرو الأوزاعي إمام أهل الشام في الحديث والفقه. كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس بمحلة الأوزاع، ثم تحول إلى بيروت، فسكنها مرابطاً إلى أن مات بها.
حدث عن أبي جعفر محمد بن علي بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مثل الراجع في صدقته كالكلب يقيء فيرجع في قيئه فيأكله.(14/313)
وحدث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بسنده إلى ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآتيه بوضوئه وحاجته، فكان يقوم من الليل فيقول: سبحان ربي وبحمده، سبحان ربي وبحمده، القوي، سبحانرب العالمين، سبحان رب العالمين، سبحان رب العالمين القوي. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل لك حاجة قلت: يا رسول الله، مرافتك في الجنة، قال: فأعني بكثرة السجود.
والأوزاع بطن من همدان، وهو من أنفسهم. ولد سنة ثما وثمانين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين، والأول أصح. وكان ثقة، مأموناً، حافظاً، صدوقاً، فاضلاً، خيراً، كثير الحديث والعلم، والفقه، حجة.
قال محمد بن إسماعيل:
عبد الرحمن الأوزاعي، ولم يكن منهم، نزل فيهم، والأوزاع من حمير الشام. وقال غيره: الأوزاع قرية بدمشق، إذا خرجت من باب الفراديس. قالوا: وكان ينزل الأوزاع فنسب إلى الأوزاع، وليس منهم. وعرض هذا القول على أحمد بن عمير - وكان علامة بحديث الشام وأنساب أهلها - فلم يرضه، وقال: إنما قيل أوزاعي لأنه من أوزاع القبائل، والأوزاع من قبائل شتى، وهو ابن عم يحيى بن أبي عمرو السيباني لحاً، وقول من نسبه إلى القرية التي هي خارج باب الفراديس أصح، وهو موضع مشهور بربض مدينة دمشق يعرف بالأوزاع، سكنه في صدر الإسلام بقايا من قبائل شتى.
قال الأصمعي: الأوزاع: الفرق يقول: وزعت الشيء على القوم إذا فرقته عليهم، وهذا اسم جمع لا واحد له.
قال الرياشي: والأوزاع: بطون من العرب يجمعها هذا الاسم.
وقال العباس بن الوليد: إنما سمي الأوزاعي لأنه كانت هجرته معهم فنسب إليهم، وهو سيباني من بني سيبان، وكان اسمه عبد العزيز فسمى هو نفسه عبد الرحمن، وكان أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمه من سباء السند فكان ينزل في الأوزاع، فغلب عليه ذلك، والأوزاع قبيلة من حمير.(14/314)
وإليه فتوى الفقه لأهل الشام لفضله فيهم وكثرة روايته، وكانفصيحاً، وكانت صنعته الكتابة والترسل، ورسائله تؤثر وتكتب.
روى عن مالك بن يخامر قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: العرب كلها بنو إسماعيل بن إبراهيم إلا أربع قبائل: إلا السلف، والأوزع، وحضرموت، وثقيف.
قال الأوزاعي: كنت محتلماً أو شبيهاً به في خلافة عمر بن عبد العزيز.
قال العباس بن الوليد بن مزيد سمعت أبي يقول: كان مولد الأوزاعي ببعلبك، ومنشؤه بالبقاع، ثم نقلته أمه إلى بيروت، فما رأيت أبي يتعجب من شيء مما رآه في الدنيا تعجبه منه، فكان يقول: سبحانك تفعل ما تشاء. كان الأوزاعي يتيماً فقيراً في حجر امرأة تنقله من بلد إلى بلد، وقد جرى حكمك فيه بأن بلغته حيث رأيته، ثم يقول: يا بني، عجزت الملوك أن تؤدب أنفسها وأولادها، أدبه في نفسه، ما سمعت منه كلمة قط فاضلة إلا احتاج مستمعوها إلى إثباتها عنه، ولا رأيته ضاحكاً قط حتى يقهقه، ولا يلتفت إلى شيء إلا باكياً، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد أقول في نفسي: أترى في المجلس قلب لم يبك، ولا يرى ذلك فيه.
وكان الأوزاعي فوق الربعة، خفيف اللحية، به سمرة، وكان يخضب بالحناء.
قال الأوزاعي: مات أبي وأنا صغير، فذهبت ألعب مع الغلمان، فمر بنا فلان - وذكر شيخاً من العرب جليلاً - قال: ففر الصبيان حين رأوه، وثبت أنا، فقال: ابن من أنت فأخبرته، فقال: ابن أخي، يرحم الله أباك، فذهب بي إلى بيته، فكنت معه حتى بلغت، فألحقني في الديوان، وضرب علينا بعثاً إلى اليمامة. فلما قدمت اليمامة، ودخلنا مسجد الجامع، فلما خرجنا قال لي رجل من أصحابنا: رأيت يحيى بن أبي كثير معجباً بك، يقول: ما رأيت في هذا البعث أهدأ من هذا البعث أهدأ من هذا الشاب. قال: فجالسته فكتبت عنه أربعة عشر كتاباً أو ثلاثة عشر، فاحترق كله.
خرج الأوزاعي في بعث إلى اليمامة. فلما وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم إليها دخل مسجدها، فاستقبل(14/315)
سارية يصلي إليها، وكان يحيى بن أبي كثير قريباً منه، فجعل يحيى ينظر إلى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته فأعجبته، وقال: ما أشبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة هذا لافتى بصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة عمر بن عبد العزيز، قال: فقام رجل من جلساء يحيى فانتظر حتى إذا فرغ الأوزاعي من صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته أخيبره بما قال يحيى، فجاء الأوزاعي الديوان وأقام عند يحيى مدة يكتب عنه، ويمسع منه، فقال له يحي: ينبغي لك أن تبادر إلى البصرة لعلك أن تدرك الحسن البصري ومحمد بن سيرين، فتأخذ عنهما، فانطلق إليهما فوجد الحسن قد مات قبل دخوله بشهرين، وابن سيرين حي، فذكر الأوزاعي أنه أتى بابه وهو مريض، قال: فكنا ندخل فنعوده، ونحن قيام لا نتكلم، وهو أيضاً لا يتكلم، فمكثنا أياماً فخرج إلينا الرجل الذي كان يوصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمنا إليه، فقلنا له: ما خبر الشيخ؟ قال: تركته قد لزق لسانه بحنكه، وهو يقول: لا إله إلا الله، ومات من يومه ذلك، وكان به البطن.
قال الأوزاعي: حججت، فلقيت عبدة بن أبي لبابة بمنى، فقال لي: هل لقيت الحكم؟ قال: قلت: لا، قال: فاذهب فالقه، فما بين لاييتها أفقه منه، قال: فلقيته، فإذا برجل حسن السمت مقنع.
قال أبو رزين اللخمي: أول ما سئل الأوزاعي عن الفقه سنة ثلاث عشرة ومئة وهو يومئذٍ ابن خمس وعشرين سنة، ثم لم يزل يفتي بعد ذلك بقية عمره إلى أن توفي رحمة الله عليه.
قال هقل بن زياد: أجاب الأوزاعي في سبعين ألف مسألة، أو نحوها من العلم، قال: وسئل يوماً عن مسألة فقال: ليس عندي فيه خبر، أي إن الذي أفتيتها كلها كان عندي أخبار.
قال إسماعيل بن عياش: انقلب الناس من غزاة الندوة سنة أربعين ومئة فسمعتهم يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة.(14/316)
فال أبو شعيب: قلت لأمية بن زيد بن أبي عثمان: أين الأوزاعي من مكحول؟ فقال: هو عندنا أرفع من مكحول، فقلت له: إن مكحولاً قد رأى أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وإن كان قد رآهم، فأين فضل الأوزاعي في نفسه؟ وقد جمع العبادة، والورع، والعلم، والقول، الحق.
قال إسحاق بن عباد الختلي: حدثني أبي قال: حججت في بعض السنين، فرأيت شيوخاً أحدهم راكب، والآخر يسوق به، وآخر يقود به، يقولون: أوسعوا للشيخ، وأسعوا للشيخ، فقلت: من الراكب؟ ومن القائد؟ ومن السائق؟ فقالوا: الراكب الأوزاعي، والقائد مالك، والسائق الثوري، قال: لولا أنهم رأوا أنه أفضلهم ما فعلوا به ذلك.
بلغ سفيان الثوري وهو بمكة مقدم الأوزاعي، فخرج حتى لقيه بذي طوى. فلما لقيه حل رسن البعير من القطار، فوضعه على رقبته، فجعل يتخلل به، فإذا مر بجماعة قال: الطريق للشيخ.
قال عثمان بن عاصم، أخو علي بن عاصم: رأيت شيخاً بين الصفا والمروة على ناقة وشيخاً يقوده، واجتمع أصحاب الحديث عليه، فجعل الشيخ الذي يقود يقول: يا معشر الشباب، كفوا حتى نسأل الشيخ فقلت: من هذا الراكب؟ قالوا: هذا الأوزاعي، فقلت: من هذا الذي يقوده؟ قالوا: هذا سفيان الثوري.
قال احمد بن حنبل: دخل سفيان الثوري والأوزاعي على مالك. فلما خرجا قال مالك: أحدهما أكثر علماً من صاحبه ولا يصلح للإمام، والآخر يصلح للإمامة، يعني الأوزاعي للإمامة، ولا يصلح سفيان.
لم يكن لمالك في سفيان رأي.(14/317)
ذكر الأوزاعي عند مالك فقال: ذاك إمام يقتدى به.
قال محمد بن عبد الحكم: جاء أهل الثغر إلى مالك فقالوا له: إن رأي هذين الرجلين قد غلب على أهل الثغر: سفيان الثوري، والأوزاعي، فرأي من ترى نأخذ؟ فقال: مالك: كان الأوزاعي عندنا إماماً.
قال يحيى بن سعيد القطان: قال مالك بن أنس: اجتمع عندي الأوزاعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة فقلت: فأيهم وجدته أكثر علماً؟ قال: كان أرجحهم الأوزاعي.
قال عبد الرحمن بن القاسم:
جئت يوماً إلى منزل مالك بن انس، فوجدت سفيان الثوري وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي خارجين من عنده، فدخلت إلى مالك فقلت له: أبا عبد الله، لقيت الساعة الأوزاعي والثوري خارجين من عندك، فقال لي: أما أحدهما فمن الراسخين في العلم، يريد: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
قال عون بن حكيم: حججت مع الأوزاعي وكان حجاجاً، فلما أتينا المدينة أتى المسجد، فبلغ مالكاً مقدمه، فأتاه فسلم عليه، قال: فجلسا بين الظهر والعصر يتذاكران الفقه، فلا يذكران باباً من أبواب العلم إلا ذهب الأوزاعي عليه، ثم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلميا العصر، فعاودا المذاكرة، فلم يزل الأوزاعي على تلك الحال حتى اصفرت الشمس، فناظره مالك في كتاب المكاتب والمدبر فخالفه فيه. فلما صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلميا المغرب قلت لأصحابه: كيف رأيتم صاحبنا من صاحبكم؟ فقالوا: لو لم يكن في صاحبكم إلا سمته لأقررنا بفضله.(14/318)
وروي أن مالكاً والأوزاعي اجتمعا في مسجد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتناظرا في المغازي فغمره الأوزاعي، ثم تناظرا في الفقه فغمره مالك.
قال سفيان بن عيينة: اجتمع الأوزاعي والثوري بمنى، فقال الأوزاعي للثوري: لم لا ترفع يديك في خفض الركوع ورفعه؟ فقال الثوري: حدثنا يزيد بن أبي زياد، فقال الأوزاعي: أروي لك عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعارضني بيزيد بن أبي زياد؟! يريد: رجل ضعيف الحديث، وحديثه مخالف للسنة، قال: فاحمار وجه سفيان الثوري، فقال الأوزاعي: كأنك كرهت ما قلت! قال الثوري: نعم، فقال الأوزاعي: قم بنا إلى المقام، نلتعن أينا على الحق، قال: فتبسم الثوري لما رأى الأوزاعي قد احتد، وقال: أنت المقدم.
قال الوليد بن مسلم: قال لي سعيد بن عبد العزيز: أما رأيت ابن عمرو الأوزاعي؟ قلت: بلى، قال: فاقتد يه، فقد كفاك من كان قبله.
قال علي بن بكار: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: ما رأيت مثل رجلين: الأوزاعي، والثوري، فأما الأوزاعي فكان رجل عامة، وأما الثوري فكان رجل خاصة نفسه، ولو خيرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي. قال علي بن بكار: فقلت في نفسي: لو خيرت لهذه الأمة اخترت لها أبا إسحاق الفزاري.
وفي رواية: لو قيل لي: اختر لهذه الأمة: سفيان أو الأوزاعي لاخترت لها الأوزاعي لأنه كان أكثر توسعاً.(14/319)
حدث الفزاري عن الأوزاعي قال: وكان والله إماماً إذ لا نصيب اليوم إماماً.
وقال إبراهيم بن محمد الفزاري: لو أن الأمة أصابتها شدة، والأوزاعي فيهم لرأيت لهم أن يفزعوا إليه.
قال محمد بن عبد الوهاب بن هشام بن الغاز: كنا عند أبي إسحاق الفزاري يوماً فذكر الأوزاعي فقال: إن ذاك رجل كان شأنه عجباً. قال: فقال بعض أهل المجالس: وما كان عجبه يا أبا إسحاق؟ قال: يسأل عن الشيء، عندنا فيه الأثر، فيقول: ما عندي فيه شيء، وأنا أكره التكلف، ولعله يبتلى بلجاجة السائل حتى يردد عليه، فلا يعدو الأثر الذي عندنا، فقال بعض أهل المجلس: هذا أشبه بالوحي يا أبا إسحاق! قال: فأغضبه ذلك، وقال: من هذا نعجب كان والله يرد الجواب كما هو عندنا في الأثر، ولا يقدم منه مؤخراً، ولا يؤخر منه مقدماً.
قال أبو إسحاق الفزاري: ما رأيت أحداً كان أشد تواضعاً من الأوزاعي، ولا أرحم بالناس منه، وإن كان الرجل ليناديه فيقول: لبيك. وكان الأوزاعي أفضل أهل زمانه.
قال عبد الرحمن بن مهدي: إنما الناس في زمانهم أربعة: حماد بن زيد بالبصرة، وسفيان بالكوفة، ومالك بن أنس بالحجاز، والأوزاعي بالشام.
قال بقية: إنا لنمتحن الناس بالأوزاعي، فمن ذكره بخير عرفنا أنه صاحب سنة، ومن طغى عليه عرفنا أنه صاحب بدعة.
قال الوليد بن مسلم: كان الأمر لا يبين على الأوزاعي حتى يتكلم، فإذا تكلم جل وملأ القلب.
قال صدقة بن عبد الله: ما رأيت أحداً أحلم، ولا أكمل، ولا أجمل فيما جمل من الأوزاعي.(14/320)
قال العباس بن الوليد البيروتي: سمعت أبي يقول: ما رأيت الأوزاعي قط ضاحكاً مقهقهاً. وكان إذا أخذ في الفرائض كثر تبسمه، ولا رأيته باكياً قط.
قال موسى بن يسار: صحبت مكحولاً أربع عشرة سنة. قال عقبة: فسمعت موسى بن يسار يقول: ما رأيت أحداً قط أحد نظراً ولا أنفى للغل عن الإسلام من الأوزاعي.
قال محمد بن عجلان: ما أعلم مكان أحد أنصح للمسلمين من الأوزاعي.
قال إسحاق بن إبراهيم: إذا اجتمع سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي على أمر فهو سنة، وإن لم يكن في كتاب ناطق فإنهم أئمة.
قال عبد الرحمن بن مهدي: سفيان الثوري إمام في الحديث، وليس بإمام في السنة، والأوزاعي إمام في السنة، وليس بإمام في الحديث، ومالك بن أنس إمام فيهما جميعاً.
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي: سألت أحمد بن حنبل قلت: ما تقول في مالك بن أنس؟ فقال: حديث صحيح ورأي ضعيف. قلت: فالأوزاعي؟ قال: حديث ضعيف ورأي ضعيف. قلت: فالشافعي؟ قال: حديث صحيح ورأي صحيح.
قال أحمد البيهقي: قوله في الأوزاعي: حديث ضعيف يريد به بعض ما احتج به، لا انه ضعيف في الرواية، والأوزاعي إمام ثقة في نفسه، لكنه قد يحتج في بعض مسائله بأحاديث من عساه لم يقف على حاله، ثم يحتج بالمراسيل والمقاطيع وذلك بين في كتبه.(14/321)
وعن الأوزاعي قال: كان السلف إذا صدع الفجر أو قبله شيئاً كأنما على رؤوسهم الطير مقبلين على أنفسهم، حتى لوأن حميماً لأحدهم غاب عنه حيناً ثم قدم ما التفت إليه، فلا يزالون كذلك حتى يكون قريباً من طلوع الشمس، ثم يقوم بعضهم إلى بعض فيتحلقون، فأول ما يقتضون فيه أمر معادهم وما هم صائرون إليه، ثم يتحلقون إلى الفقه والقرآن.
وعن الأوزاعي قال: طالب العلم بلا سكينة ولا حلم كالإناء المنخرق، كلما حمل فيه شيء تناثر.
قال الأوزاعي: كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما يعرض الدرهم المزيف، فما عرفوا منه أخذنا، وما أنكروا منه تركنا.
قال الوليد بن مسلم: كنا إذا جالسنا الأوزاعي فرأى فينا حدثاً قال: يا غلام، قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم قال: " يوصيكم الله في أولادكم " فإن قال: لا، قال: اذهب تعلم القرآن قبل أن تطلب العلم.
قال عمرو بن أبي سلمة: قلت للأوزاعي: في المناولة أقول فيها: حدثنا؟ قال: إن كنت حدثتك فقل، فقلت: أقول أخبرنا؟ قال: لا، قلت: فكيف أقول؟ قل: قال أبو عمرو، وعن أبي عمرو.
وعن الأوزاعي قال: ما زال هذا العلم غزيراً يتلاقاه الرجال حتى وقع في الصحف، فحمله أو دخل فيه غير أهله.
وفي رواية: كان هذا الأمر شيئاً شريفاً إذ كان الناس يتلاقونه بينهم. فلما كتب ذهب نوره، وصار إلى غير أهله.(14/322)
قال أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر: بكر أصحاب الحديث على الأوزاعي، قال: فالتفت إليهم فقال: كم من حريص خاشع ليس بمنتفع ولا نافع.
قال أبو مسهر: وكان الأوزاعي لا يلحن.
قال بشر بن أبي بكر: سئل الأوزاعي فقيل: يا أبا عمرو، الرجل يسمع الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه لحن أيقيمه على عربيته؟ قال: نعم، إن سول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتكلم إلا بعربي.
وقال الأوزاعي: أعربوا الحديث، فإن القوم كانوا عرباً.
وقال الأوزاعي: لا بأس يا صلاح الخطأ واللحن في الحديث.
قال الوليد بن مسلم: احترقت كتب الأوزاعي زمنه الرجفة، ثلاثة عشر قنداقاً، فأتاه رجل بنسخها، قال: يا أبا عمرو، هذه نسخة كتابك، وإصلاحك بيدك، فما عرض لشيء منها حتى فارق الدنيا.
مر إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - بالأوزاعي وحوله الناس فقال: على هذا عهدت الناس، كأنك معلم وحولك الصبيان، والله لوأن هذه الحلقة على أبي هريرة لعجز عنهم. قال: فقام الأوزاعي وترك الناس.(14/323)
قال أبو عبيد الله كاتب المنصور: كانت ترد على المنصور من الأوزاعي - رحمه الله - كتب يتعجب منها، ويعجز كتابه عن الإجابة، فكانت تنسخ في دفاتر، وتوضع بين يدي المنصور، فيكثر النظر فيها استحساناً لألفاظها، فقال لسليمان بن مجالد: وكان من أحظى كتابه عنده، وأشدهم تقدماً في صنعته: ينبغي أن نجيب الأوزاعي عن كتبه جواباً تاماً، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ذلك وإنما أرد عليه ما أحسن، وإن له نظماً في الكتب لا أظن أحداً من جميع الناس يقدر على إجابته عنه، وأنا أستعين بألفاظه على من لا يعرفها ممن نكاتبه في الآفاق.
قال الوليد بن مسلم:
ما كنت أحرص على السماع من الأوزاعيحختى رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقيل لي: إنه ها هنا في شبه غار. قال: فدخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا الأوزاعي جالس إلى جنبه. قال: فقلت: يا رسول الله، عمن أحمل العلم؟ قال لي: عن هذا، واشار إلى الأوزاعي رحمة الله عليه.
وعنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي، فقلت: يا رسول الله، عمن أكتب العلم؟ فقال: عن الأوزاعي. قال: فقلت له: عبد الله بن سمعان؟ قال: لا.
وعنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فسلمت عليه فقلت: يا رسول الله، ائذن لي في تقبيل يدك، قال: ومالك وتقبيل اليد؟ إنما تقبيل اليد من شكل الأعاجم، ثم قام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(14/324)
في مصلى ذلك البيت يصلي. قال الوليد: فحانت مني التفاتة، فإذا أنا بالأوزاعي قائم في مصلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعنه قال: رأيت في المنام كأني دفعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا شيخ جالس إلى جنب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا الشيخ مقبل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثه، وإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقبل على الشيخ يسمع حديثه، قال: فسلمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد علي السلام، ثم جلست إلى بعض الجلساء، فقتل للذي جلست إليه: من ذلك الشيخ الذي قد أقبل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يسمع حديثه؟ قال: وما تعرف هذا؟ قال: قلت: لا قال: هذا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي. قال: إنه لذو منزلة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: نعم.
قال الأوزاعي: رايت كأن ملكين عرجا بي، وأوقفاني بين يدي رب العزة، فقال لي: أنت عبدي عبد الرحمن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ فقتل: بعزتك أي رب، أنت أعلم. قال: فهبطا بي حتى رداني إلى مكاني.
وفي رواية: فقال: يا عبد الرحمن، أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فقلت: بفضلك يا رب، فقلت: يا رب أمتني على الإسلام، فقال: وعلى السنة.
قال محمد بن الأوزاعي: قال لي أبي: يا بني، أريد أن أحدثك بشيء، ولا أفعل حتى تعطيني موثقاً إنك لا تحدث به ما دمت حياً، قال: فقلت: افعل يا أبه، قال: إني رأيت فيما يرى النائم أني أدخلت الجنة، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أبو بكر وعمر، وهم يعالجون مصراع باب الجنة، فإذا ردوه زال، ثم يعالجونه فإذا ردوه زال، قال: فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عبد الرحمن، ألا تمسك معنا؟ قال: فجئت فأمسكت معهم، فثبت. قال العباس: ونرى ذلك مما كان يذب عن السنة.(14/325)
قال محمد بن شعيب: جلست إلى شيخ في المسجد - يعني: مسجد دمشق - فقال: أنا ميت يوم كذا وكذا. فلما كان ذلك اليوم أتيته فإذا به في الصحن يتفلى فقال: ما أخذتم السرير؟ خذوه قبل أن تسبقوا إليه. قلت: ما تقول رحمك الله؟ قال: هو ما أقول لك، إني رايت في المنام كأن طائراً وقع على ركنٍ من أركان هذه القبة، فسمعته يقول: فلان قدري، وفلان كذا، وأبو حفص عثمان بن أبي العاتكة نعم الرجل وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي خير من يمشي على الأرض، وأنت ميت يوم كذا وكذا. قال: فما جاء الظهر حتى مات وأخرج بجنازته.
كان الأوزاعي من العبادة على شيء لم يسمع بأحد قوي عليه، ما اتى عليه زوال قط إلا وهو فيه قائم يصلي.
قا الأوزاعي: من أطال القيام بالليل هون الله عليه طول القيام يوم القيامة.
قال ضمرة بن ربيعة: حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومئة، فما رأيته مضطجعاً على المحمل في ليلٍ ولا نهار قط، كان يصلي، فإذا غلبه النوم استند إلى القتب.
وكان الأوزاعي لا يكلم أحداً بعد صلاة الفجر حتى يذكر الله تعالى، فإن كلمه أحد أجابه.
وقال بشر بن المنذر: رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع.
قال ابن عفان: حدثتني أمي قالت: دخلت على امرأة الأوزاعي فرأيت الحصير الذي يصلي عليه مبلولاً، فقلت: يا أختي، أخاف أن يكون الصبي بال على الحصير، فبكت وقالت: ذلك دموع الشيخ.(14/326)
قال أبو مسهر: ما رئي الأوزاعي باكياً قط، ولا ضاحكاً حتى تبدو نواجذه، وإنما كان يتبسم أحياناً. كما روي في الحديث. وكان يحيي الليل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماةً وقرآنا وبكاء.
قال: وأخبرني بعض إخواني من أهل بيروت أن أمه كانت تدخل منزل الأوزاعي وتتفقد موضع مصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماه، فتجده رطباً من دموعه في الليل. قال: وتفقدت ذلك في الشتاء، فلم يكن الموضع يجف في الصيف حتى يقلع الحصير من موضعه ويبسط غيره فيكون سبيله سبيل الأول.
دخل محمد بن عبد الله دمشق فهرب الأوزاعي، فبقي ثلاثة أيام صائماً يطوى، لا يجد ما يأكله، فقصد صديقاً له عند الإفطار، فقدم إليه، فقال: لو علمت قبل هذا لتقدمنا لك، فقام الأوزاعي وخرج عنه، ولم يفطر.
قال العباس بن مزيد: سمعت أصحابنايقولون: صار إلى الأوزاعي أكثر من سبعين ألف دينار، يعني من السلطان من بني امية وبني العباس. فلما مات ما خلف إلا سبعة دنانير، بقية من عطائه، وما كان له أرض ولا دار. قال العباس: نظرنا فإذاه قد أخرجها كلها في سبيل الله والفقراء.
وعن الأوزاعي: أنه ذكر الخردل، كان يحبه أو يتدواى به، فقال رجل من أهل صفورية: انا أبعث إليك منه يا أبا عمرو، فإنه ينبت عندنا كثير، بري. قال: فبعث إليه منه بصرة، وبعث بمسائل فبعث الأوزاعي بالخردل إلى السوق، فباعه، وأخذ ثمنه فلوساً فصرها في رقعته، وأجابه في المسائل، وكتب إليه: أن لم يحملني على ما صنعت شيء تكرهه، ولكن كانت معه مسائل فخفت أن يكون كهيئة الثمن لها.
قال محمد بن عيسى بن الطباع: أهدوا للأوزاعي هدية أصحاب الحيدث. فلما اجتمعوا قال لهم: أنتم بالخيار: إن شئتم قبلت هديتكم ولم أحدثكم وإن شئتم حدثتكم ورددت هديتكم.(14/327)
قال أحمد بن أبي الحواري: بلغني أن نصرانياً أهدى إلى الأوزاعي جرة عسل، فقال له: يا أبا عمرو، تكتب إلى ملك بعلبك، فقال: إن شئت رددت الجرة وكتبت لك، وإلا قبلت الجرة ولم أكتب لك. قال: فرد الجرة، وكتب له، فوضع عنه ثلاثين ديناراً.
قال محمد بن الأوزاعي: قال لي أبي: يا بني، لوكنا نقبل من الناس كل ما يعرضون علينا لأوشك بنا أن نهون عليهم.
قال أبو هزان: كان الأوزاعي من أسخا الناس، وإن كان الرجل ليعرض بالشيء فينقلب الأوزاعي، فيعالج الطعام فيدعوه.
كان الأوزاعي يقول: ندور مع السنة حيثما دارت.
وعن الأوزاعي قال: اصبر على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما يسعهم.
وعن الأوزاعي قال: يا بقية، لا تذكر أحداً من أصحاب نبيك إلا بخير، وأزيدك يا بقية: ولا أحداً من أمتك، قال بقية: إذا سمعت الرجل يقع في غيره فهو يقول: انا خير منه.
وقال لي الأوزاعي، يا بقية، العلم ما جاء عن أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وما لم يجئ عن أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس بعلم.
وعن الأوزاعي قال: لا يجتمع حب علي وعثمان إلا في قلب مؤمن.
وعن الأوزاعي قال: إذا أراد الله بقوم شراً فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل.(14/328)
وعن الهيثم بن عمران قال: لي الأوزاعي: أعرى الإسلام تقوى في كل يوم، وتزيد أم تضعف وتضحل وترق؟ قلت: بل تضعف، وتضمحل وترق، فقال: صدقت، ولو كان القدر من عرى الإسلام لضعف واضمحل ورق، ولكنه بدعة وهو يطول وينمو أو يزيد.
قال الأوزاعي: لا يكون في آخر الزمان شيء أعز من أخ مؤنس، أو كسب درهم من حله، أو سنة يعمل بها.
قال الأوزاعي: كتب إلي قتادة من البصرة: إن كانت الدار فرقت بيننا وبينك فإن ألفة الإسلام بين أهلها جامعة.
قال الأوزاعي: جئت إلى بيروت أرابط فيها، فلقيت سوداء عن المقابر فقلت لها: يا سوداء، أين العمارة؟ فقالت لي: أنت في العمارة، وإن أردت الخراب فبين يديك، فقلت: هذه سوداء تقول هذا؟! لأقيمن بها، فأقمت ببيروت.
قال الأوزاعي: خرجت إلى الصحراء فإذا أنا برجل من جراد في السماء، وإذا أنا برجل راكب على جرادة منها، وهوشاكٍ في الحديد، وكلما قال بيده هكذا مال الجراد مع يده، وهو يقول: الدنيا باطل، باطل ما فيها، الدنياباطل، باطل ما فيها، الدنيا باطل، باطل ما فيها.
قال الأوزاعي: كان عندنا رجل صياد يسافر يوم الجمعة يصطاد، ولا ينتظر الجمعة، فخرج يوماً فخسف ببغلته، فلم يبق منها إلا أذنها.(14/329)
كان الأوزاعي على باب دكان بحذاء درج مسجد بيروت، وحذاءه صاحب دكان يبيع فيه ناطفاً، وإلى جانبه صاحب دكان يبيع بصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماً، وهو يقول: يا أحلى من الناطف، فقال الأوزاعي: سبحان الله، ما يرى هذا بالكذب بأساً.
حدث الوليد عن مكحول أنه قال: لو خيرت بين القضاء وبين ضرب رقبتين لاخترت ضرب رقبتي. قال: ثم قدم علينا الأوزاعي، وقد كانوا يريدون يولونه القضاء. قال: فحدثته بقول مكحول، ثم رأيته بعد وقد صرف ذلك عنه، قال: إن كنت لمن سدد لي رأيي.
قال سليمان بن عبد الرجمن: قال عقبة بن علقمة: أرادوا الأوزاعي للقضاء فامتنع، وأبى، فتركوه. قال: فقلت لعقبة: هم كانوا يكرهون الناس على ما يريدون، فكيف لم يكرهوا الأوزاعي؟! فقال: هيهات، إنه كان في أنفسهم أعظم قدراً من ذلك.
وعن الأوزاعي قال: كنا قبل اليوم نمزح ونضحك، فأما إذا صرنا أئمة ينظر إلينا ويقتدى بنا، فينبغي لنا أن نتحفظ.
وفي رواية: فلما صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التبسم.
كان الأوزاعي يقول: إن المؤمن قليلاً، ويعمل كثيراً. وإن المنافق يقول كثيراً، ويعمل قليلاً.
وقال: من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير من العمل، ومن عرف أن منطقه من عمله قل كلامه.
كتب الأوزاعي إلى أخ له: أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يشار بك كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به. والسلام.(14/330)
وقال الأوزاعي: لؤم بالرجل ودناءه نفس يفوته وقت الصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة بكسب دانق.
حدث الهقل بن زياد: أن الأوزاعي وعظ فقال في موعظته: أيها الناس، تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من " نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة " فإنكم في دارٍ، الثواء فيها قليل، وأنتم فيها مرحلون، خلائف بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفسها وزهرتها، فهم كانوا أطول منكم أعماراً، وأمد أجساماً، وأعظم آثاراً، فجددوا الجبال، وجابوا الصخور، ونقبوا في البلاد، مؤيدين ببطش شديد، وأجساد كالعماد، فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مدتهم، وعفت آثارهم، وأخوت منازلهم، وأنست ذكرهم، فما تحسن منهم من أحد، ولا تسمع لهم ركزاً، كانوا بلهو الأمل آمنين، لميقات يوم غافلين، ولصباح قوم نادمين، ثم إنكم قد علمتم الذي نزل بساحتهم بياتاً من عقوبة الله عز وجل، فأصبح كثير منهم في ديارهم جاثمين وأصبح الباقون ينظرون في آثار نقمه وزوال نعمه، ومساكن خاوية، فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم، وعبرة لمن يخشى، وأصبحتم من بعدهم في أجل منقوص، ودنيا مقبوضة في زمان قد ولى عفوه، وذهب رخاؤه، فلم يبق منه إلا حمة شر، وصبابة كدر، وأهاويل غير، وعقوبات عبر، وأرسال فتن، وتتابع زلازل، ورذالة خلف، بهم ظهر الفساد في البر والبحر، فلا تكونوا أشباهاً لمن خدعه الأمل، وغره طول الأجل، وتبلغ بالأماني، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن وعى وانتهى، وعقل مثواه فمهد لنفسه.
قال محمد بن كثير: سمعت الأوزاعي يقول: البسيط
الملك ملكان مقرونان في قرن ... فأهنأ العيش عندي خفة المؤن(14/331)
وصحة الجسم ملك ليس يعدله ... ملك وما الملك إلا صحة البدن
قال أبو سعيد هاشم بن مزيد: سمعت أحمد بن الغمر يقول: سمعت عبد الله بن أبي السايب يقول:
قلت لأبي عمرو الأوزاعي: يا أبا عمرو، رضي الله عنك، أخبرني عن تفسير حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يأتي على الناس زمان، المتمسك فيه بدينه كالقابض على الجمر، متى هو؟ قال الأوزاعي: إن لم يكن زماننا هذا فلا أدري متى هو. قال أبو سعيد: فقلت لأبي عبد الله، أحمد بن الغمر: يا أبا عبد الله، أخبرني عن قول الأوزاعي: زماننا هذا وما بعده أشد منه كما جاءت به الآثار. فلما جاءت المحنة التي نزلت به - لما نزل عبد الله بن علي حماة - بعث إلى الأوزاعي: فأشخص إليه. قال: فنزل على ثور بن يزيد الحمصي. قال الأوزاعي: فلم يزل ثور يتكلم في القدر من بعد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة العشاء الآخرة إلى أن طلع الفجر، والأوزاعي ساكت، ما أجابه بحرف. فلما انفجر الفجر قام فتوضأ لصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة الصبح، ثم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى، وركب، فأتى حماة، فدخل الآذن، فأذن للأوزاعي. قال: فدخلت على عبد الله، وهو على سريره، وفي يده خيزرانة ينكت بها الأرض، وحوله المسودة بالسيوف المصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمتة والغمد الحديد، والسيف والنطع بين يديه، فسلمت: فنكت في الأرض ثم رفع رأسه إلي وقال: يا أوزاعي، أتعد مقامنا هذا - أو مسيرنا - رابطاً؟ فقلت: جاءت الآثار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لامرأة يتزوجها، أو دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه. قال: فنكت(14/332)
بالخيزرانة نكتاً هو أشد من النكت الأول، وجعل من حوله يعضون لي أيديهم، ثم رفع رأسه فقال: يا أوزاعي، ما تقول في دماء بني أمية؟ قلت: جاءت الآثار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أنه لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الزاني بعد إحصان، والمرتد عن الإسلام، والنفس بالنفس، فنكت بالخيزرانة نكتاً هو أشد من ذلك وأطرق ثم رفع رأسه، فقال: يا أوزاعي، ما تقول في أموال بني أمية؟ فقلت: إن كانت لهم حراماً فهي عليك حرام، وإن كانت لهم حلالاً فما أحلها الله لك إلا بحقها. قال: فنكت بالخيزرانة نكتاً هو أشد من ذلك وأطرق ملياً ثم رفع رأسه، فقال: يا أوزاعي، هممت أن أوليك القضاء، فقلت: اصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح الله الأمير، قد كان انقطاعي إلى سلفك ومن مضى من أهل بيتك، وكانوا بحقي عارفين، فإن رأى الأمير أن يستتم ما بتدأه آباؤه فليفعل. قال: كأنك تريد الإذن، قلت: إن ورائي لحرماً بهم حاجة إلى قيامي بهم وستري لهم. قال: فذاك لك. قال: فخرجت فركبت دابتي، وانصرفت. قال: فلم أعلم حين وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمت إلى بيروت إلا وعثمان على البريد. قال: قلت: بدأ الرجل في، فقال: إن الأمير غفل عن جائزتك، وقد بعث لك بمئتي دينار.
قال أحمد: قال ابن أبي العشرين - يعني: عبد الحميد: فلم يبرح الأوزاعي مكانه حتى فرقها في الأيتام والأرامل والفقراء، ثم وضع الرسائل في رد ما سمع من ثور بن يزيد في القدر.
وزاد في حديث آخر بمعناه قال: أخبرني عن الخلافة: وصية لنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فورد علي أمر عظيم، واستسلمت للموت، فقلت: لأصدقنه، فقلت: أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح الله الأمير، كان بيني وبين داود مودة، ثم قلت، لو كانت وصية من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ترك علي بن أبي طالب أحداً يتقدمه.
كتب أبو جعفر أمير المؤمنين إلى الأوزاعي:
أما بعد، فقد جعل أمير المؤمنين في عنقك ما جعل الله لرعيته قبلك في عنقه، فأطلعه طلعهم، واكتب إليه بما رأيت فيه المصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمحة، وبما أحببت وبدا لك. قال: فكتب إليه الأوزاعي: أما بعد، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين يعلمني أنه قد جعل في عنقي ما جعل الله لرعيته في عنقه، ويأمرني أن أطلعه طلعهم وأكتب إليه بما رأيت فيه المصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمحة لهم، وبما أحببت، وبدا لي، فعليك يا أمير المؤمنين بتقوى الله وطاعته، وتواضع يرفعك الله يوم يضع المتكبرين في الأرض بغير الحق، واعلم أن قرابتك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لن تزيد حق الله عليك إلا عظيماً، ولا طاعته إلا وجوباً، ولا الإياس فيما خالف ذلك منه إلا إنكاراً. والسلام.(14/333)
قال الأوزاعي: بعث إلي أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين وأنا بالساحل. فلما وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمت إليه سلمت عليه بالخلافة، ورد علي، واستجلسني ثم قال: ما الذي بطأ بك عنا يا أوزاعي؟ قلت: وما الذي تريد يا أمير المؤمنين؟ قال: أريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم، قلت: فانظر يا أمير المؤمنين ألا تجهل شيئاً مما أقول لك. قال: وكيف أجهله، وأنا أسألك عنه، وفيه وجهت إليك، وأقدمتك له؟! قلت: أن تسمعه ولا تعمل به: يا أمير المؤمنين، من كره الحق فقد كره الله، إن الله هو الحق المبين، فصاح بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف، فانتهره المنصور وقال: هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة، فطابت نفسي، وانبسطت في الكلام، فقلت: يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول عن عطية بن بسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنما هي نعمة من الله سيقت إليه، فإن قبلها يشكر، وإلا كانت حجة من الله عليه، ليزداد بها إثماً، ويزداد الله عليه سخطاً.
يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول عن عطية بن بسر قال: قال ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما وال بات غاشاً لرعيته حرم الله عليه الجنة.
يا أمير المؤمنين، من كره الحق فقد كره الله عز وجل، إن الله هو الحق المبين. يا أمير المؤمنين، إن الذي لين قلوب أمتكم لكم حين ولأكم أمورها لقرابتكم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كان بهم رؤوفاً رحيماً، مواسياً لهم بنفسه في ذات يده، وعن الناس لحقيق أن تقوم له فيهم بالحق، وأن تكون بالقسط فيهم قائماً، ولعوراتهم ساتراً، لم تغلق عليه دونهم الأبواب، ولم تقم دونهم الحجاب، تبتهج بالنعمة عندهم، وتبتئس بما أصابهم من سوء. يا أمير المؤمنين، قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم، أجرهم وأسودهم، ومسلمهم وكافرهم، فكل له عليك نصيب من العدل، فكيف بك إذا اتبعك منهم فئام وراء فئام، ليس منهم أحد إلا وهو يشكو شكوة، أو يشكو بلية أدخلتها عليه، أو ظلامة سقتها إليه؟.(14/334)
يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول عن عروة بن رويم قال: كانت بيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جريدة رطبة يستاك بها، ويردع بها المنافقين، فاتاه جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد، ما هذه الجريدة التي قد كسرت بها قرون أمتك، وملأت بها قلوبهم رعباً؟! فكيف بمن شقق أبشارهم، وسفك دماءهم، وخرب ديارهم وأجلاهم عن بلادهم، وغيبهم الخوف منه يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا إلى القصاص من نفسه في خدشة خدشها أعرابياً لم يتعمده، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله لم يبعثك جباراً ولا متكبراً، فدعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعرابي فقال: اقتص مني، فقال الأعرابي: قد احللتك، بأبي أنت وأمي، وما كنت لأفعل ذلك أبداً، ولو أتيت على نفسي، فدعا الله له بخير.
يا أمير المؤمنين، رض نفسك لنفسك، وخذ لها الأمان من ربك، وارغب في جنة عرضها السموات والأرض التي يقول فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقيد قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها. يا أمير المؤمنين، إن الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك، وكذلك لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك. يا أمير المؤمنين، ما جاء في تاويل هذه الآية عن جدك: " ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها " قال: الصغيرة: التبسم، والكبيرة: الضحك. فكيف بما عملته الأيدي وأحصته الألسن؟ يا أمير المؤمنين، بلغني أن عمر بن الخطاب قال: لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخفت أن أسأل عنها، فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك؟ يا أمير المؤمنين، تدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك: " يا داود إنا جعلنا لك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى ". قال: يا داود؛ إذا قعد الخصمان(14/335)
بين يديك، فكان لك في أحدهما هوى فلا تتمنين في نفسك أن يكون الحق له، فيفلج على صاحبه، فأمحوك من نبوتي، ثم لا تكون خليفتي، ولا كرامة. يا داود، إني إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاء كرعاء الإبل، لعلمهم بالرعاية ورفقهم بالسياسة، ليجبروا الكسير، ويدلوا الهزيل على الكلأ والماء. يا أمير المؤمنين، إنك قد بليت بأمر لو عرض على السموات والأرض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه.
يا أمير المؤمنين، حدثني يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أن عمر بن الخطاب استعمل رجلاً من الأنصار على الصدقة، فرآه بعد أيام مقيماً فقال له: ما منعك من الخروج إلى عملك؟ أما علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله؟ قال: لا، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنه بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من والٍ يلي شيئاً من أمور المسلمين إلا أتي به يوم القيامة، يده مغلولة إلى عنقه، فيوقف على جسر في النار، ينتقض به ذلك الجسر انتقاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه، ثم يعاد فيحاسب، فإن كان محسناً نجا بإحسانه، وإن كان مسيئاً انخرق به ذلك الجسر، فهوى به في النار سبعين خزيفاً. قال له: ممن سمعت هذا؟ قال: من أبي ذر وسلمان، فأرسل إليهما عمر فسألهما، فقالا: نعم، سمعناه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عمر: واعمراه، من يتولاها بما فيها؟ فقال أبو ذر: من سلت الله أنفه وألصق خده بالأرض. قال: فأخذ المنديل فوضعه على وجهه ثم بكى، وانتحب حتى أبكاني، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، قد سأل جدك العباس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمارة على مكة أو الطائف أو اليمن، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عباس، يا عم النبي، نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها، نصيحةً منه لعمه وشفقة منه عليه، وإنه لا يغني عنه من الله شيئاً إذ أوحى إليه " وأنذر عشيرتك الأقربين " فقال: يا عباس عم النبي، يا صفية عمة النبي، ويا فاطمة بنت محمد، إني لست أغني عنكم من الله شيئاً، لي عملي ولكم عملكم. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله(14/336)
عنه: لا يقيم أمر الناس إلا حصيف العقل، أريب العقدة، لا يطلع منه على عورة، ولا يحنق على جرة، ولا تأخذه في الله لومة لائم. وقال علي رضي الله عنه: السلطان أربعة أمراء: فأمير ظلف نفسه وعماله، فذلك كالمجاهد في سبيل الله، يد الله عليه باسطة بالرحمة. وأمير ظلف نفسه وأرتع عماله لضعفه فهو على شفى هلاك إلا أن يرحم الله - وفي رواية: إلا أن يتركهم - وأمير ظلف عماله وأربع نفسه فذلك الحطمة الذي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شر الرعاء الحطمة، فهو الهالك وحده. وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكوا جميعاً.
وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن جبريل عليه السلام أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أتيتك حين أمر الله بمنافيخ النار، فوضعت على النار لتسعر إلى يوم القيامة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جبريل، صف لي النار، فقال: إن الله أمر بها، فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، قم أوقد عليها ألف عام حتى أصفرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لا تطفأ - وقيل: لا يضيء لهبا ولا جمرها - والذي بعثك بالحق لو أن ثوباً من ثياب أهل النار ظهر لأهل الأرض لماتوا جميعاً، ولو أن ذنوباً من شرابها صب في مياه الأرض جميعاً لقتل من ذاقه، ولو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها الله عز وجل وضع على جبال الأرض لزالت، وما استقلت، ولو أن رجلاً دخل النار ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه وتشويه خلقه وعظمه، فبكى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكى جبريل لبكائه فقال: أتبكي يا محمد، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم بكيت يا جبريل، وأنت الروح الأمين أمين الله على وحيه؟ فقال: أخاف أن أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وما روت، فهو الذي منعني من اتكالي على(14/337)
منزلتي عند ربي، فأكون قد أمنت مكره، فلم يزالا يبكيان حتى نودي من السماء أن يا جبريل ويا محمد، إن الله قد آمنكما أن تغضباه، فيعذبكما.
وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اللهم، إن كنت تعلم أني لا أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على مال الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين. يا أمير المؤمنين إن أشد الشدة القيام لله بحقه، وإن اكرم الكرم عند الله المقري، وإنه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله وأعزه، ومن طلبه بمعصية الله أذله الله، ووضعه.
وهذه نصيحتي، والسلام عليك. ثم نهضت فقال: إلى أين؟ فقلت: إلى البلد والوطن بإذن الله وإذن أمير المؤمنين إن شاء الله قال: قد أذنت لك، وشكرت لك نصيحتك، وقبلتها بقبولها، والله هو المرفق للخير والمعين عليه، وبه أستعين، وعليه أتوكل، وهو حسبي ونعم الوكيل، فلا تخلني من مطالعتك إياي بمثلها، فإنك المقبول القول، غير المتهم في النصيحة، قلت: أفعل إن شاء الله، فامر له بمال يستعين به على خروجه، فلم يقبله، وقال: أنا في غنى عنه، وما كنت لأبيع نصيحتي بعرض من أعراض الدنيا كلها، وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه في رده.
رفع إلى المهدي أن الأوزاعي لا يلبس السواد ويحرمه، فقال لأبي عبيد الله وزيره: ادع هذا الشيخ فسله عما عنده من تحريم السواد، فأحضره أبو عبيد الله فقال له: يا شيخ، إنه رفع إلى أمير المؤمنين أنك تحرم السواد، فما عندك فيه؟ فقال: لا احرمه، ولكني أكرهه. قال: وما الذي تكره منه؟ فقال الأوزاعي: لم أر محرماً أحرم فيه، ولا عروساً جليت فيه، ولا ميتاً كفن فيه، فمن ها هنا أكرهه. فدخل أبو عبيد الله على المهدي فأخبره بقول الأوزاعي، فاستضحك المهدي، وقال: ما أحسن ما تخلص الشيخ، لا تعرضوا له، فإنه شيخ فاضل.
هكذا ورد المهدي، وإنما هو المنصور، والأوزاعي لم يبق إلى دولة المهدي.(14/338)
قال بشر بن بكر:
كان والٍ بالشام قد أراد الأوزاعي على شيء فلم يجده عنه. قال: فهم أن يؤدبه، فقال له بعض من يعتاده: لا تفعل، فإنه لا مقام لك بالشام مع الأوزاعي، فإن يكن من أمير المؤمنين شيء كان من غيرك. قال: فكف عنه. قال: فبينما هم كذلك إذ جاءه كتاب أن يخرج إلى فلان الشاري، فيقابله. قال: فقال له أولئك: الآن جاءك ما تحب منه، لو ضربت رقبته لم يجبك فيه بشيء. قال: فأرسل إليه، فاجتمع، واجتمع من كان يؤلبه على الأوزاعي وغيرهم. قال: فقال له الوالي: يا أبا عمرو، هذا كتاب أمير المؤمنين يأمر فيه بالخروج إلى هذا الظالم الشاري. قال: فقال الأوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير اليمامي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما الأعمال بالنية، ولكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وروسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه. قال: فقال له الوالي: أخبرك عن كتاب أمير المؤمنين وتعارضني بغيره؟! قال: فقال له الأوزاعي: اسكت، أخبرك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعارضني بغيره؟! قال: فأشار إليه بعض من كان يؤلبه عليه بيده أن يسكت. قال: فقال له: انصرف يا أبا عمرو. قال: فلما قام قال لهم الوالي: هذا رجل معصوم. قال: وقال الوالي لمن كان يؤلبه: إشارتكم إلي أن أسكت لم كان؟ قالوا: لو أشار إلى أهل الشام لضربت رقبتك.
قال ابن أبي العشرين: سمعت أميراً كان بالساحل يقول وقد دفنا الأوزاعي ونحن عند القبر: رحمك الله أبا عمرو، لقد كنت أخافك أكثر ممن ولاني.
قال أبو مهر: ما مات الأوزاعي حتى جلس وحده، ما يجلس إليه أحد، وحتى ملئت أذنه شتماً وهو يسمع.
قال محمد بن عبيد الطنافسي: كنت جالساً عند الثوري، فجاءه رجل فقال: رأيت كأن ريحانة من المغرب قلعت -(14/339)
وفي رواية: من الشام رفعت - قال: إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي، فكتبوا ذلك فجاء موت الأوزاعي في ذلك اليوم، أو تلك الليلة.
قال يحيى بن معين: مات الأوزاعي في الحمام.
قال خيران بن العلاء وكان من خيار أصحاب الأوزاعي وكان الأوزاعي روى عنه قال: دخل الأوزاعي الحمام، وكان لصاحب الحمام حاجة، فاغلق الباب عليه، وذهب قال: ثم جاء ففتح الباب، فوجده ميتاً، قد وضع يده اليمنى تحت خده، وهو مستقبل القبلة.
وقيل: إن امرأته أغلقت عليه باب حمام فمات فيه. ولم تكن عامدة لذلك، فأمرها سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبة. قال: وما خلف ذهباً ولا فضة ولا عقاراً ولا متاعاً إلا ستة دنانير، فضلت من عطائه، وكان قد اكتتب في ديوان الساحل.
توفي الأوزاعي سنة خمسين ومئة. وقيل: سنة إحدى وخمسين ومئة. وقيل: سنة ست وخمسين. وقيل: سنة سبع وخمسين. وكان مولده سنة فتح الطوانة. فلم يتم عمره سبعين سنة، وقيل: ولد سنة ثمان وثمانين. ولما مات شيع جنازته أهل أربعة أديان: المسلمون، واليهود، والنصارى، والقبط.
قال بشر بن أبي بكر: رأيت في المنام كأني دخلت الجنة، فإذا سفيان بن سعيد الثوري والأوزاعي قاعدان، فقلت لهما: ما فعل مالك؟ فقالا: وأين مالك؟ رفع مالك.
قال يزيد بن مذعور: رأيت الأوزاعي في منامي فقلت: يا أبا عمرو، دلني على درجة أتقرب بها إلى الله عز وجل قال: ما رأيت هناك أرفع من درجة العلماء، ومن بعدها درجة المحرومين.(14/340)
عبد الرحمن بن عمرو اليحصبي
حدث عن صدقة بن عبد الله السمين بسنده إلى أبي أمامة قال: كان الناس كشجرة ذات جنى، ويوشك أن يعودوا كشجرة ذات شوك.
عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني
ويقال: الأزدي، أخو محمد بن أبي عميرة له صحبة. وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قيل: إنه سكن دمشق، وقيل: إنه سكن حمص.
حدث عبد الرحمن بن أبي عميرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب.
وحدث أيضاً أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من الناس نفس مسلمة يقبضها ربها تعالى تحب أن ترجع إليكم، وإن لها الدنيا وما فيها، غير الشهيد.
وقال ابن أبي عميرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل المدر والوبر.
وقال أيضاً: خمس حفظتهن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
لا صفر، ولا هامة، ولا عدوى، ولا يتم شهران ستين يوماً، ومن خفر ذمة اله لم يرح رائحة الجنة.
نزل عبد الرحمن بن أبي عميرة الشام، وهو الذي روى في معاوية ما روى من حديث الوليد بن مسلم قال:(14/341)
حدثنا شيخ من أهل دمشق، حدثنا يونس بن ميسرة بن حلبس قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يكون في بيت المقدس بيعة هدى.
عبد الرحمن بن عوف
ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك أبو محمد القرشي الزهري صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أحد العشرة الذين شهد لهم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة. من المهاجرين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وغيرها من المشاهد، وهو أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يدي أبي بكر، وأحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب فيهم الشورى، وأخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي وهو عنهم راضٍ. وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، ويقال: عبد الكعبة. قدم مع عمر بن الخطاب الجابية، وشهد في كتاب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح أهل بيت المقدس، وكان على ميمنة عمر في تلك الخرجة، وعلى ميسرته في خرجته الثانية إلى الشام التي رجع عمر فيها من سرغ بحديثه، وسماه عمر: العدل الرضي.
عن المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي قال: أخبرني عن قصتكم يوم بدر قال: اقرأبعد العشرين ومئة من آل عمران تجد قصتنا " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " إلى قوله: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا: " قال: هم الذين طلبوا الأمان من المشركين، إلى قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " قال: فهو تمني لقاء المؤمنين إلى قوله: " إذ تحسونهم بإذنه ".(14/342)
وعن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
قال ابن عباس: كنت جالساً مع عمر بن الخطاب وهو خليفة فقال: يا بن عباس، أما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من أحد من أصحابه يذكر ما أمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سها المرء في صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته؟ قلت: لا، أو ما سمعت ذلك أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. قال: فدخل الخمية علينا عبد الرحمن بن عوف فقال: فيم أنتما؟ قال عمر: سألته: هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من أحد من أصحابه يذكر ما أمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سها المرء في صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته؟ فقال عبد الرحمن: عندي علم من هذا، فقال عر: هلم فحدثنا، فأنت عندنا العدل الرضي، فقال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا شك أحدكم في الاثنتين والواحدة فليجعلها واحدة، وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها اثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثاً، حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم ليتم ما بقي من صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته، ويسجد سجدتين، وهو جالس قبل أن يسلم. زاد في رواية: ثم يسلم.
وعن عكرمة بن خالد المخزومي: أن عمر بن الخطاب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى بالناس بالجابية المغرب، فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى ثنتين ثم دخل خباه فأطاف به عبد الرحمن، وسلم، فذكره ما بقي من صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته فاستأنف.
ولد عبد الرحمن بن عوف بعد الفيل بعشر سنين. وأمه صفية بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب. وقيل: أمه العنقاء، وهي الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث.
وعبد الرحمن بن عوف أمين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نسائه، وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وراءه في غزوة تبوك، وهو صاحب الشورى، وكان اسمه عبد عمرو فأسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسلم عبد الرحمن. وكان رجلاً طويلاً، حسن الوجه، رقيق البشرة،(14/343)
فيه جنأ، أبيض مشرب حمرة لا غير شعره، أعين، أهدب الأشفار، أقنى، طويل النابين الأعليين وربما أدمى نابه شفته، له جمة أسفل من أذنيه، أعين، ضخم الكفين، غليظ الأصابع، أعشر، أعرج. وبعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية وعممه، وعقد له اللواء بيده، وكان أصابته يوم أحد جراحات كثيرة قيل: إنها إحدى وعشرين جراحة، وهتم فسقطت ثنيتاه، وكان أهتم، وعرج في رجله.
حدث عبد الرحمن بن عوف قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا محمد، ما صنعت في استلام الحجر؟ قال: استلمت وتركت. قال: أصبت.
وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: البار، الصادق، وآخى بينه وبين سعد بن الربيع الخزوجي، وله أخوان: عبد الله، والأسود.
قال عبد الرحمن بن عوف: سافرت إلى اليمن قبل مبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنة ونحوها، فنزلت على عسكلان بن عواكن الحميري، وكان شيخاً كبيراً، قد أسني له في العمر حتى عاد كالفرخ وهو يقول: الوافر.
إذا ما الشيخ صم فلم يكلم ... وأودى سمعه إلا بدايا
ولا عب في العشي بني بنيه ... كفعل الهر يفترس العظايا
فذاك الداء ليس له دواء ... سوى الموت المنطق بالرزايا(14/344)
يفديهم وودوا لو سقوه ... من الداذي مترعةً ملايا
شهدت تتابع الأملاك منا ... وأدركت المرفق في القضايا
فماتوا أجمعون وصرت حلساً ... صريحاً لا أبوح إلى الجلايا
قال عبد الرحمن: وكنت لا أزال إذا قدمت اليمن نزلت عليه، فيسائلني عن مكة والكعبة وزمزم ويقول: هل ظهر فيكم رجل له نبه؟ له ذكر؟ هل خالف أحد منكم عيكم في دينكم. فأقول: لا، فأسمي له من قريش وذوي الشرف حتى قدمت القدمة التي بعث فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعقبها، فوافيته وقد ضعف، وثقل سمعه، فنزلت عليه، فاجتمع عليه ولده وولد ولده، وأخبروه بمكاني، فشد عصابة على عينية واشتد، فقعد وقال لي: انتسب لي يا أخا قريش، فقلت: أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة، قال: حسبك يا أخا زهرة، ألا أبشرك ببشارة وهي خير لك من التجارة؟ قلت: بلى، قال: أنبئك بالمعجبة، وأشرك بالمرغبة، إن الله عز وجل قد بعث في الشهر الأول من قومك نبياً، ارتضاه، صفياً، وأنزل عليه كتاباً، وجعل له ثواباً، ينهى عن الأصنام، ويدعو إلى الإسلام، يأمر بالحق ويفعله، وينهى عن الباطل ويبطله، قال: فقلت: ممن هو؟ قال: لا من الأزد، ولا ثمالة، ولا من السرو ولا تبالة، هو من بني هاشم وأنتم أخواله، يا عبد الرحمن، أخف الوقعة، وعجل الرجعة، ثم امض ووازره، وصدقه واحمل إليه هذه الأبيات: مخلع البسيط
أشهد بالله ذي المعالي ... وفالق الليل والصباح(14/345)
أنك في السور من قريشٍ ... يا بن المفى من الذباح
أرسلت تدعو إلى يقينٍ ... يرشد للحق والفلاح
هد كرور السنين ركبي ... عن بكير السير والرواح
فصرت حلساً لأرض بيتي ... وقص من قوتي جناحي
إذا نأى بالديار بعد ... فأنت حرزي ومستراحي
أشهد بالله رب موسى ... أنك أرسلت بالبطاح
فكن شفيعي إلى مليكٍ ... يدعو البرايا إلى الفلاح
قال عبد الرحمن: فحفظت الأبيات، وأسرعت في تقصي حوائجي، حتى إذا أحكمت منه ما أردت ودعته وانصرفت، فقدمت مكة، فلقيت أبا بكر رضوان الله عليه وكان خليطاً، فأخبرته الخبر مما سمعت من الحميري فقال: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه الله رسولاً إلى خلقه، فائته، فأتيته. وهو في بيت خديجة رضي الله عنها، فاستأذنت عليه. فلما رآني ضحك وقال: أرى وجهاً خليقاً أردو له خيراً، ما وراءك يا أبا محمد؟ قلت: وماذاك يا محمد؟ قال: حملت إلي وديعة؟ أم أرسلك مرسل إلي برسالة؟ هاتها، فهاتها، أما إن أخا حمير من خواص المؤمنين. قال عبد الرحمن بن عوف: فأسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأنشدته شعره وأخبرته بقوله. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رب مؤمن بي ولم يرني، ومصدق لي وما شهدني، أولئك إخواني حقاً. قال عبد الرحمن: وأنا الذي أقول في إسلامي: الطويل.
أجبت منادي الله لما سمعته ... ينادي إلى الدين الحنيف المكرم
فقلت له بالبعد لبيك داعياً ... إليك متابي بل إليك تميمي
أجوب الفيافي من أفاويق حميرٍعلى جلعم جلد القوائم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمقم(14/346)
بأبناء صدقٍ علمتها موفق ... ولا العلم إلا باطلاب التعلم
فكم مخبرٍ بالحق في الناس ناصحٍ ... وآخر أفاكٍ كثير التوهم
ألا إن خير الناس في الأرض كلهم ... نبي جلا عنا شكوك الترجم
نبي أتى والناس في أعجمية ... وفي سدفٍ من ظلمة الكفر معتم
فأقشع بالنور المضيء ظلامة ... فسعقاً لهم في قعد مهوى جهنم
وخالفه الأشقون من كل فرقة ... وساعده في أمره كل مسلم
حدث إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: كنا نسير مع عثمان بن عفان في طريق مكة إذ رأى عبد الرحمن بن عوف فقال عثمان: ما يستطيع أحد أن يعتد على هذا الشيخ فضلاً في الهجرتين جميعاً، يعني: هجرته إلى الحبشة، وهجرته إلى المدينة.
وعن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر آخى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عثمان بن عفان فقال له: إن لي حائطين فاختر أي حائطي شئت، قال: بارك الله لك في حائطيك، ما لهذا أسلمت، دلني على السوق، قال: فدله، فكان يشتري السمينة والأقيطة والإهاب، فجمع، فتزوج، فاتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه ردع من صفرة قال: مهيم؟ قال: تزوجت، فقال: بارك الله لك، أو لم ولو بشاة، قال: فكثر ماله حتى قدمت له سبع مئة راحلة تحمل البز وتحمل الدقيق والطعام، قال: فملا دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رجة، فقالت عائشة: ما هذه الرجة؟ فقيل لها: عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف، وسبع مئة راحلة تحمل البز والدقيق والطعام، فقالت عائشة: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: وعبد الرحمن لا يدخل الجنة إلا حبواً. فلما بلغ ذلك عبد الرحمن قال: يا أمه، إني أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها وأقتابها في سبيل الله عز وجل.
قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر.(14/347)
قال الحارث بن الصمة: سألني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد وهو في الشعب، فقال: هل رأيت عبد الرحمن بن عوف؟ فقلت: نعم، رأيته إلى جنب الجبيل، وعليه عكر من المشركين فهويت إليه لأمنعه، فرأيتك فعدلت إليك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الملائكة تقاتل معه. قال الحارث: فرجعت إلى عبد الرحمن فأجد بين يديه سبعة صرعى، فقلت: ظفرت يمينك أمل هؤلاء قتلت؟! فقال: أما هذا - لأرطأة بن شرجبيل - وهذا فأنا قتلتهما، وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره، فقلت: صدق الله ورسوله.
قال ابن منده: هذا حديث غريب.
قال عمرو بن وهب الثقفي:
كنا مع المغيرة بن شعبة فسئل: هل أم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد من هذه الأمة غير أبي بكر؟ فقال: نعم، كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صفر. فلما كان من السحر ضرب عنق راحلتي، فظننت أن له حاجة، فعدلت معه، فانطلقنا حتى برزنا عن الناس، فنزل عن راحلته ثم انطلق فتغيب عني حتى ما أراه، فمكث طويلاً ثم جاء فقال: حاجتك يا مغيرة، قلت: مالي حاجة، قال: هل معك ماء؟ فقلت: نعم، فقمت إلى قربة - أو سطيحة - معلقة في آخر الرحل، فأتيته بها فصببت عليه فغسل يديه، فأحسن غسلهما - وقال: وأشك أقال: دلكهما بتراب أم لا - ثم غسل وجهه، ثم ذهب يحسر عن يديه وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فضاقت، فأخرج يديه من تحتها إخراجاً، فغسل وجهه وبدنه. قال: فيجيء في الحديث غسل الوجه مرتين فلا أدري أهكذا كان أم لا، ثم مسح بناصيته، ومسح على العمامة، ومسح على الخفين، وركبنا، فادركنا الناس، وقد أقيمت الصااة، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف، وقد صلى بهم ركعة، وهم في الثانية فذهبت أوذنه فنهاني، فصلينا الركعة التي أدركنا، وقضينا الركعة التي سبقنا.
وفي حديث بمعناه: فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى مع الناس خلفه ركعة. فملا سلم قال: أصبتم، أو أحسنتم.(14/348)
وفي رواية: فلما أحس بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهب يتأخر فأومأ إليه أن يتم الصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة وقال: قد أحسنت كذلك فافعل.
وعن المغيرة بن شعبة قال: اثنتان لا أسأل عنهما أحداً لأني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله: المسح على الخفين، وصلة الرجل خلف رعيته، وقد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي ركعتين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة الفجر خلف عبد الرحمن بن عوف.
وعن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أنه كان جالساً معه على قباء، فأتاه رجل من أهل العراق يسأله عن إرسال العمامة خلفه، فقال ابن عمر: سأنبئك عنه بعلم إن شاء الله: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاشر عشرة رهط في مسجده فيهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وابن جبل، وابن مسعود، وأبو مسعود، وأبو سعيد الخدري، وابن عمر، فجاءه رجل من الأنصار فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقاً. قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم له استعداداً، أولئك هم الأكياس، ثم أمسك الفتى.
وأقبل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا معشر المهاجرين، خصال خمس، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم، فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، ولم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله عز وجل إلا جعل الله بأسهم بينهم.(14/349)
ثم أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عوف أن يتجهز لسرية يبعثها، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء، فأدناه إليه ثم نقضها فعمه بيده، وأرسل العمامة خلفه، أربع أصابع، أو نحو ذلك، ثم قال: هكذا يا بن عوف فاعتم، فإنه أعرف وأحسن، ثم أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً يدفع إليه اللواء فحمد الله عز وجل وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: خذ يا بن عوف، اغزوا في سبيل الله جميعاً، قاتلوا من كفر بالله، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً. فهذا عهد الله إليكم وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكم.
وذكر خليفة في تسمية عمال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصدقات: عبد الرحمن بن عوف على صدقات كلب.
وعن ابن عباس قال:
جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد خروجه من الطائف بستة أشهر، ثم أمره الله عز وجل بغزوة تبوك، وهي التي ذكر الله عز وجل ساعة العسرة، وذلك في حر شديد، وقد كثر النفاق، وكثر أصحاب الصفة بيت كان لأهل الصدقة، يجتمعون فيه، فتأتيهم صدقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين وإذا حضر غزو عمد المسلمون إليهم، فاحتمل الرجل الرجل، أو ما شاء الله بشبعة، فجهزوهم، وغزوا معهم، واحتبسوا عليهم - فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين بالنفقة في سبيل الله والحسبة، فأنفقوا احتساباً، وأنفق رجال غير محتسبين، وحمل رجال من فقراء المسلمين، وبقي أناس، وأفضل ما تصدق به يومئذٍ أحد عبد الرحمن بن عوف، تصدق بمئتي أوقية، وتصدق عمر بن الخطاب بمئة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري بتسعين وسقاً من تمرٍ، وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إني لا أرى عبد الرحمن إلا قد اخترب: ما ترك لأهله شيئاً، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل تركت لأهلك شيئاً؟ قال: نعم، أكثر مما أنفقت، وأطيب. قال: كم؟ قال: ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير، وذكر الحديث.(14/350)
وعن قتادة: في قوله تبارك وتعالى " الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات " قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله ثمانية آلاف دينار، فتصدق بأربعة الاف دينار، فقال أناس من المنافقين: إن عبد الرحمن لعظيم الرياء، فقال الله تعالى: " الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم ". وكان لرجل من الأنصار صاعان من تمر، فجاء بأحدهما، فقال أناس من المنافقين: إن الله عن صاع هذا لغني، وكان المنافقون يطعنون عليهم ويسخرون منهم فقال الله تعالى: " والذين لايجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم " الآية.
وعن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشطر ما له أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفاً، ثم تصدق بأربعين الف دينار، ثم حمل على خمس مئة فرس في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمس مئة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة.
وعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا بن عوف، إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفاً، فأقرض الله يطلق لك قدميك، قال ابن عوف: فما الذي أقرض الله يا رسول الله؟ قال: تبرأ مما أنت فيه، قال: أمن كله أجمع يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فخرج ابن عوف وهو يهم بذلك، فأرسل إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أتاني جبريل، فقال: مر ابن عوف فليضف الضيف، وليطعم المسكين، وليعط السائل، ويبدأ بمن يعول، فإنه إذا فعل ذلك كان تزكية ما هو فيه.
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أريت أني دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا بلال، فنظرت، فإذا أعالي أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المؤمنين، وإذا ليس فيها(14/351)
أحد - يعني: من الأغيناء والنساء - فقلت: ما لي لا أرى فيها أحداً أقل من الأغنياء والنساء؟! فقيل لي: أما الأغنياء فإنهم على الباب يحاسبون ويمحصون، وأما النساء فألها هن الأحمران: الذهب والحرير. فخرجت من أحد الثمانية أبواب فوضعت في كفة الميزان، وأمتي في كفة فرجحتها، ثم جيء بأبي بكر فوضع في كفة وأمتي في كفة فرجح بها، ثم جيء بعمر فوضع في كفه وأمتي في كفة فرجح بها، ثم جعلوا يعرضون علي أمتي رجلاً رجلاً فاستبطات عبد الرحمن بن عون فلم أره إلا بعد إياسة، فلما رآني بكى فقلت: عبد الرحمن بن عوف؟ ما يبكيك؟! فقلت: والذي بعثك بالحق ما رأيتك، حتى ظننت أني لا أراك أبداً إلا بعد المشيبات. قال: فقلت: وما ذاك؟ قال: من كثرة مالي، ما زلت أحاسب بعدك وأمحص.
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال:
خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً على أصحابه فقال: يا أصحاب محمد، لقد أراني الله تعالى الليلة منازلكم في الجنة وقدر منازلكم من منزلي، ثم أقبل على علي عليه السلام فقال: يا علي، ألا ترضى أن يكون منزلك مقابل منزلي في الجنة؟ قال: بلى بأبي وأمي يا رسول الله، قال: فإن منزلك في الجنة مقابل منزلي، ثم أقبل على أبي بكر فقال: إني لأعرف رجلاً باسمه واسم أبيه وأمه إذا أتى باب الجنة لم يبق باب من أبوابها ولا غرفة من غرفها إلا قال له مرحباً، فقال له سلمان: إن هذا لغير خائب يا رسول الله، فقال: هو أبو بكر بن أبي قحافة، ثم أقبل على عمر فقال: يا عمر، لقد رأيت في الجنة قصراً من درة بيضاء، شرفه من لؤلؤ أبيض، مشيد بالياقوت، فاعجبني حسنه فقلت: يا رضوان، لمن هذا القصر؟ فقال: لفتى من قريش، فظننته لي، فذهبت لأدخله فقال لي رضوان: يا محمد، هذا لعمر بن الخطاب، فولا غيرتك يا أبا حفص لدخلته، قال: فبكى عمر قم قال: أعليك أغار يا رسول الله؟ ثم أقبل على عثمان فقال: يا عثمان، إن لكل نبي رفيقاً في الجنة وأنت رفيقي في الجنة، ثم أقبل على طلحة والزبير فقال: يا طلحة ويا زبير، إن لكل نبي حواري، وأنتما حواري، ثم أقبل على(14/352)
عبد الرحمن بن عوف فقال: يا عبد الرحمن، لقد بطئ بك عني حتى حسبت أن تكون قد هلكت، ثم جئت وقد عرقت عرقاً شديداً، فقلت: ما بطأ بك عني؟ لقد حسبت أن تكون قد هلكت، فقلت: يا رسول الله، كثرة مالي، ما زلت موقوفاً محتبساً، أسأل عن مالي، من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ قال: فبكى عبد الرحمن، وقال: يا رسول الله، هذه مئة راحلة، جاءتني الليلة عليها من تجارة مصر فأشهدك أنها بين أرامل أهل المدينة وأيتامهم، لعل الله يخفف عني ذلك اليوم.
وعن عبد الرحمن بن عوف: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في النوم أنه دخل الجنة فلم يجد فيها أحداً إلا فقراء المؤمنين، ولم يجد فيها من الأغنياء إلا عبد الرحمن بن عوف، فقال: رأيت عبد الرحمن دخلها - حين دخلها - حبواً، فأرسلت أم سلمة إلى عبد الرحمن بن عوف تبشره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رآك دخلت الجنة، ويراك دخلتها حبواً، فقال عبد الرحمن: إن لي عيراً أنتظرها، فهي في سبيل الله، وأحمالها ورقيقها، وإني لأرجو أن أدخلها غير حبو.
وعن أنس قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتاً في المدينة فقالت: ما هذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام، تحمل من كل شيء. قال: فكانت سبع مئة بعير، فارتجت المدينة من الصوت، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: قد رأيت عبد الرحمن يدخل الجنة حبواً، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال: إن استطعت لأدخلنها قائماً، فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل.
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه دخل على أم سلمة فقال: يا أم المؤمنين، إني أخشى أن أكون قد هلكت، إني من أكثر قريش مالاً، بعت أرضاً لي بأربعين ألف دينار. قالت: يا بني، أنفق، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه، فأتيت عمر فأخبرته، فأتاها فقال: بالله أنا منهم؟ قالت: اللهم لا، ولن أبرئ أحداً بعدك.(14/353)
وعن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تصدق عجب لها الناس حتى ذكرت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أعجبتكم صدقة ابن عوف؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لروعة صعلوك من صعاليك المهاجرين يجر سوطه في سبيل الله أفضل من صدقة ابن عوف.
وعن أبي هريرة قال: وقع بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد بعض ما يكون بين الناس، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوا لي أصيحابي - فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً لم يدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
وعن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها! قال: فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهباً ما بلغتم أعمالهم.
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال:
شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خالد، لا تؤذ رجلاً من اهل بدر، فلو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله. قال: يقعون في فأرد عليهم، فقال: لا تؤذوا خالداً، فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار.
وفي حديث عن الحسن بمعناه قال: فكان بعد ذلك بين عبد الرحمن والزبير شيء فقال خالد: يا بني الله، نهيتني عن عبد الرحمن، وهذا الزبير يسابه! فقال: إنهم أهل بدر، وبعضهم أحق ببعض.
وعن سعيد بن زيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على حراء ومعه أبو بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، قال: اثبت حراء، فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد.
وذكر سعيد بن زيد أنه كان معهم.(14/354)
وعن عبد الرحمن بن الأخنس قال: خطبنا المغيرة بن شعبة، فنال من علي، فقام سعيد بن زيد فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، ولو شئت أن أسمي العاشر. زاد في حديث: يعني نفسه.
وعن أبي حاتم - وهو ابن خديجة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، إنك باركت لأمتي في أصحابي، فبارك لأصحابي في ابي بكر، ولا تسلبهم البركة، واجمعهم عليه، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره. اللهم، وأعز عمر بن الخطاب، وصبر عثمان بن عفان، ووفق علي بن أبي طالب، وثبت الزبير، واغفر لطلحة، وسلم سعداً، ووفق عبد الرحمن بن عوف، والحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، الذين يدعون لي، ولأموات أمتي، ولا يتكلفون - ألا وإني بريء من التكلف - وصالح أمتي.
وعن سهل بن يوسف بن سهل ابن أخي كعب عن أبيه عن جده قال: لما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة من حجة الوداع صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك له. يا أيها الناس، إني عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، والمهاجرين الأولين راضٍ، فاعرفوا ذلك لهم. أيها الناس، احفظوني في أصحابي، وأصهاري، وأحبائي لا يطلبنكم الله بمظلمة أحد منهم. أيها الناس، ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيراً.
وعن بسرة بنت صفوان قالت: دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أمشط عائشة، فقال: يا بسرة، من يخطب أم كلثوم؟ قلت: يخطبها فلان وفلان وعبد الرحمن بن عوف، فقال: أين أنتم عن عبد الرحمن؟ فإنه من سادة المسلمين، وخيارهم أمثاله، قلت: يا رسول الله،(14/355)
إنما تكره أن تنكح على ضر أو تسأل طلاق بنت عمها شيبة بن ربيعة. قال: فأعاد قوله كما قال، قالت: فأعدت عليه قولي، فأعاد قوله الثالثة فقال: إنها عن تنكح تحظ وترض. قالت عائشة: يا فتيتاه! ألا تسمعين ما يقول لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قالت: فمسحت يدي من غسلها، وذهبت إلى أم كلثوم فأخبرتها بما قاله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: فأرسلت أم كلثوم إلى عثمان بن عفان وإلى خالد بن سعيد، فزوجانيه. قال: فحظيت والله ورضيت.
وعن عبيد الله بن عبد الله عتبة بن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى رهطاً منهم إلا عبد الرحمن بن عوف فلم يعطه معهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج عبد الرحمن يبكي، فلقيه عمر بن الخطاب فقال: ما يبكيك؟ فقال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رهطاً وأنا معهم، وتركني ولم يعطني، فأخشى أن يكون منع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موجدة وجدها علي. قال: فدخل عمر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره خبر عبد الرحمن بن عوف وما قال، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس بي سخط عليه، ولكني وكلته إلى إيمانه.
وعن الحضرمي قال: قرأ رجل عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لين الصوت، أولين القراءة، فما بقي أحد من القوم إلا فاضت عينه غير عبد الرحمن بن عوف فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لم يكن عبد الرحمن فاضت عينه فقد فاض قلبه.
وكان عبد الرحمن بن عوف يقال له: حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
خياركم خياركم لنسائي. قال: فأوصى عبد الرحمن لهن بحديقة قومت - أو بيعت بأربع مئة ألف.(14/356)
وعن المسور بن مخرمة: أن عبد الرحمن بن عوف باع كيدمة من عثمان بأربعين ألف دينار، فأمر عثمان بن عفان عبد الله بن أبي سرح، فأعطاه الثمن، فقسمه بين نبي زهرة، ويبن فقراء المسلمين، وأزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال المسور: فأتيت عائشة بنصيبها، فقالت: ما هذا؟ فقلت: بعث به عبد الرحمن بن عوف، فقالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
وعن عائشة قالت: جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه في مرضه فقال: سيحفظني فيكم الصابرون، الصادقون.
وعن ابن أبي نجيح أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الذي يحافظ على أزواجي من بعدي هو الصادق البار. قال: فكان عبد الرحمن بن عوف يخرج بهن، ويحج معهن، ويجعل على هوادجهن الطيالسة، وينزل بهن في الشعب الذي ليس له منفذ.
وعن مجاهد قال: لما صدر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسارى عن بدر أنفق سبعة من المهاجرين على أسارى مشركي بدر منهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، وأبو عبيدة بن الجراح. قال: فقالت الأنصار: قبلناهم في الله وفي رسوله، ونفوتهم بالنفقة! فأخبرت الأنصار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله فيهم تسع عشرة آية: " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً " إلى قوله " عيناً فيها تسمى سلسبيلاً ".
وكان عبد الرحمن بن عوف إذا أتى مكة كره أن ينزل منزله الذي هاجر منه. وفي حديث: منزله الذي كان ينزله في الجاهلية حتى يخرج منها.(14/357)
وكان عبد الرحمن ممن يفتي في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأبي بكر، وعمر، وعثمان بما سمع من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن عمرو بن ميمون قال: كنت شاهد عمر حين طعن فقال: الأمر بعدي إلى هؤلاء الستة الذي توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض، فذكر علياً، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.
وحدث محمد بن جبير عن أبيه أن عمر قال: إن ضرب عبد الرحمن إحدى يديه على الأخرى فبايعوه.
وحدث زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر قال: الستة هم الذين خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدنيا وهو عنهم راض. قال: بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن، فمن أبى فاضربوا عنقه.
وعن ابن عمر عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختر لكم، وأنتفي منها؟ قال علي: نعم، أنا أول من رضي، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لك: إنك أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض وعن أم بكر بنت المسور عن أبيها قال: لما ولي عبد الرحمن بن عوف الشورى كان أحب الناس إلي أن يليه، فإن تركه فسعد بن أبي وقاص، فلحقني عمرو بن العاص فقال: ما ظن خالك بالله إن ولى هذا الأمر أحداً وهو يعلم أنه خير منه، قال: فقال لي: ما أحب، فأتيت عبد الرحمن فذكرت ذلك له، فقال من قال ذلك لك؟ فقال: لا أخبرك، فقال: إن لم تخبرني لا أكلمك أبداً، فقلت: عمرو بن العاص، فقال عبد الرحمن: والله لأن تؤخذ مدية فتوضع في حلقي، ثم ينفذ بها إلى الجانب الآخر أحب إلي من ذلك.
وعن عبد الرحمن بن أزهر أن عثمان بن عفان اشتكى رعافاً فدعى حمران فقال: اكتب لعبد الرحمن العهد من(14/358)
بعدي، فكتب له، فانطلق حمران إلى عبد الرحمن، فقال لي: البشرى، قال: لك البشرى وذاك، ما ذاك؟ قال: إن عثمان قد كتب لك العهد من بعده، فقام بين يدي القبر والمنبر، فدعا فقال: اللهم، إن كان من تولية عثمان إياي هذا فأمتني قبل عثمان، فلم يمكث إلا ستةة أشهر حتى قبضه الله تعالى.
وعن سعد بن أبي وقاص أنه أرسل إلى عبد الرحمن بن عوف أن ارفع رأسك، وانظر في أمر الناس، فقال له عبد الرحمن: إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر إلا لامه الناس.
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: أقطعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا، وذهب الزبير إلى آل عمر فاشترى نصيبه منهم، فأتى عثمان بن عفان فقال: إن عبد الرحمن وعمر إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا، وإني اشتريت نصيب آل عمر فقال عثمان: عبد الرحمن جائز الشهادة له وعليه.
وعن سعد بن إبراهيم عن أبيه
أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائماً، فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، فكفن في بردته، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
وعن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بيت.
وعن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: كان أهل المدينة عيالاً على عبد الرحمن بن عوف: ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم بماله، وثلث يصلهم.(14/359)
وعن الدرامي أن سائلاً أتى عبد الرحمن بن عوف وبين يديه طبق من عنب، فناوله حبة، فكف السائل يده، فقيل له: واين تقع هذه منه؟ قال: يقبل الله مثقال ذرة وخردلة، وكم فيها مثقال ذرة؟ وكان عبد الرحمن بن عوف إذا دخل بيته قرأ في زواياه آية الكرسي قال أبو هناد: رأيت رجلاً يطوف بالبيت وهو يقول: رب، قني شح نفسي، قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال: إذا وقيت شح نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل. يعني: عبد الرحمن بن عوف.
وكان عبد الرحمن بن عوف حرم الخمر في الجاهلية وقال فيها بيت شعر: الوافر
رأيت الخمر شاربها مجمبرجع القول أو فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم الخطاب
قال سعيد بن المسيب: كان بين طلحة وعبد الرحمن بن عوف تباعد، فمرض طلحة، فجاء عبد الرحمن يعوده، فقيل له: أبو محمد عبد الرحمن بالباب، قال: أقد جاء على ما بيننا؟ ليدخل. فلما دخل قال له طلحة: أنت والله يا أخي خير مني، فقال له عبد الرحمن: لا تفعل يا أخي، فقال: بلى، والله أنت خير مني، لأنك لو كنت المريض ما عدتك.
حدث إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أنه غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه فظنوا أنه فاظت نفسه فيها، حتى قاموا من عنده، وجللوه ثوباً، وخرجت أم كلثوم ابنة عقبة امرأته إلى المسجد، تستعين بما امرت أن تستعين به من الصبر والصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة، فلبثوا ساعة، وهو في غشيته ثم أفاق، فكان أول ما تكلم به أن كبر فكبر أهل البيت، ومن يليهم، ثم قال لهم: غشي(14/360)
علي انفاً؟ قالوا: نعم، فقال: صدقتم. كأنه انطلق بي في غشيتي رجلان، أحد فيهما سدةً وغلظةً وفظاظة، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، فانطلقا بي حتى لقيا رجلاً فقال: أين تذهبان بهذا؟ فقالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، فقال: أرجعاه. فإنه من الذين كتبت لهم السعادة والمغفرة، وهم في بطون أمهاتهم. وإنه سيمتع به بنوه إلى ما شاء الله. فعاش بعد ذلك شهراً ثم توفي.
وفي رواية: فلقد عاش بعد ذلك حيناً.
وعن عروة بن الزبير: أن عبد الرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، فكان الرجل يعطى ألف دينار.
قال الزهري: أوصى عبد الرحمن بن عوف لمن بقي ممن شهد بدراً أربع مئة دينار لكل رجل، وكانوا مئة، فأخذوها، واخذ عثمان فيمن أخذ، وهو خليفة. وأوصى بألف فرس في سبيل الله.
أوصى عبد الرحمن بن عوف إلى الزبير بن العوام. وتوفي عبد الرحمن بن عوف وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وقيل: ابن خمس وسبعين سنة بالمدينة، ودفن بالبقيع.
قال يحيى بن أبي غنية: توفي سنة إحدى وثلاثين، وله ثلاث وستون سنة. وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وعليه الأكثر. وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى عليه عثمان، وسمع علي بن أبي طالب يقول يوم مات عبد الرحمن: اذهب يا بن عوف، فقد أدركت صفوها، وسبقت رنقها. وسمع عمرو بن العاص يوم مات عبد الرحمن يقول: اذهب عنك ابن عوف ببطنتك ما يغضغض منها من شيء.(14/361)
حدث سعد بن إبراهيم عن أبيه قال: رأيت سعد بن أبي وقاص بين عمودي سرير عبد الرحمن المقدمين، وأصبعه على كاهله وهو يقول: واجبلاه.
قال أنس بن مالك: لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن بن عوف وبه وضر من خلوق، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مهيم عبد الرحمن؟ قال: تزوجت امرأة من الأنصار، قال: كم أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أولم ولو بشاة.
قال أنس: فلقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مئة ألف.
وفي حديث بمعناه: مئة ألف درهم.
توفي عبد الرحمن بن عوف وكان فيما ترك ذهباً، قطع بالقوس حتى مجلت أيدي الرجال.
قال مجاهد: أصاب كل امرأة من نساء عبد الرحمن بن عوف ربع الثمن: ثمانون ألف.
قال عثمان بن الشريد: ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير، وثلاثة ألاف شاة، ومئة فرس ترعى بالبقيع. وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحاً، فكان يدخل قوت أهله من ذلك سنة.(14/362)
عبد الرحمن بن عيسى
أبو محمد حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد الأوزاعي قال: مر ميسرة بن حلبس بمقابر باب توما، وكان يسكن المصيصة، وقائده يقوده وكان مكفوفاً - حتى إذا صار إلى مقبرة باب توما، قال له قائده: هذه المقبرة، فقال: السلام عليكم أهل القبور، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، فرحمنا الله وإياكم، وغفر لنا ولكم. فكأن قد صرتم إلى ما صرتم إليه، فرد الله الروح في رجل منهم فأجابه، فقال: طوبى لكم يا أهل الدينا، حين تحجون في الشهر أربع مرات. قال: وإلى أين يرحمك الله؟ قال: إلى الجمعة، أفما تعلمون أنها حجة مبرورة متقبلة؟ قال: ما خير ما قدمتم؟ قال: الاستغفار يا أهل الدنيا. قال: ما يمنعك أن ترد السلام؟ قال: يا أهل الدنيا، السلام والحساب قد رفعت عنا فلا في حسنة تزيد، ولا من سيئة تنقص. غلقت زهوتنا يا أهل الدنيا.
عبد الرحمن بن المغاز بن ربيعة الجرشي
من أهل دمشق.
حدث عن عمرو بن مرة الجهني صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لتخرجن راية سوداء من خراسان، حتى تربط خيولها بهذا الزيتون الذي بين بيت لهيا وحرستا. قال عبد الرحمن: فقلنا: والله، ما بين هاتين القريتين زيتونة قائمة! فقال عمرو بن مرة: إنه ستنصب فيما بينهما، حى يجيء أهل تلك الراية فينزلون تحتها، ويربطون خيولهم بها. والله أعلم.
/(14/363)
عبد الرحمن بن غنم بن كريب ابن هانىء بن ربيعة بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية ابن حنيك بن جماهر بن أدعم الأشعري قيل: إن له صحبة. وأبوه غنم بن سعد ممن قدم مع أبي موسى الأشعري من الأشعريين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أتاه جبريل في صورة لم يعرفه فيها حتى وضع يده على ركبتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تسلم وجهك لله، وتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، قال: فإن فعلت ذلك فقد أسلمت؟ قال: نعم، قال: صدقت، قال: فما الإيمان يا رسول الله؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله واليوم الآخر، والملائكة والكتاب، والنبيين، وبالموت، والحياة بعد الموت، والحساب، والميزان، والجنة و، والنار، والقدر، كله خيره وشره، قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال: نعم، قال: صدقت، قال: فما الإحسان يا رسول الله؟ قال: تخشى الله كأنك تراه، فإنك إلا تك تراه، فإنه يراك. قال: وإذا فعلت ذلك فقد أحسنت؟ قال: نعم، قال: صدقت، قال: فمتى الساعة يا رسول الله؟ قال: سبحان الله! خمس من الغيب لا يعلمهن إلا(15/7)
الله، ما المسؤول عنهن بأعلم بهن من السائل: " إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت "، وإن شئت أخبرتك بعلم ما قبلها: إذا ولدت الأمة ربتها، وتطاول أهل البناء، ورأيت الحفاة العالة على رقاب الناس، قال: ومن هم يا رسول الله؟ قال: عريب. ثم ولى الرجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين السائل؟ قال: ما رأينا طريقه منفذاً، قال: ذاكم جبريل يعلمكم دينكم، وماجاءني قط إلا عرفته إلا اليوم.
وروى عبد الرحمن بن غنم، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: سلم علي ملك، ثم قال لي: لم أزل أستأذن ربي - عز وجل - في لقائك حتى كان أوان أذن لي، وإني بشرتك أنه ليس أحد أكرم على الله - عز وجل - منك.
وعن عبد الرحمن بن غنم قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العتل الزنيم، قال: هو الشديد الخلق، المصحح، الأكول الشروب، الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس، رحيب الجوف.
وعن عبد الرحمن بن غنم:
أنه كان في مسجد دمشق مع نفر من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيهم: معاذ بن جبل، فقال عبد الرحمن: يا أيها الناس؛ إن أخوف عليكم الشرك الخفي، فقال معاذ: اللهم غفراً! أو ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ودعنا: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرتكم هذه، ولكن يطاع فيما تحتقرون - وفي رواية: تحقرون - من أعمالكم فقد رضي. فقال عبد الرحمن: أنشدك الله يا معاذ، أما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(15/8)
من صام رياء فقد أشرك، ومن تصدق رياء فقد أشرك، ومن صلى رياء فقد أشرك؟ فقال معاذ: لما تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية " فمن كان يرجو لقاء ربه " قال: فشق على القوم ذلك، واشتد عليهم، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أولا أفرج عنكم؟ قال: فقالوا: بلى يا رسول الله، فرج الله عنك الهم والأذى، قال: هي مثل الآية التي في الروم: " وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس فلا يربوا عند الله " فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عمل رياء لم يكتب له، ولا عليه " وقوله: " فقد أشرك "، يريد به، والله أعلم، فقد أشرك في إرادته بعمله غير الله، فيقول الله: أنا منه بريء، وهو الذي أشرك.
قال عبد الرحمن بن غنم: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ويل ديان من في الأرض من ديان من في السماء؛ إلا من أم بالعدل، وقضى بالحق، ولم يقض على رغبٍ، ولا رهب، ولا قرابة، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه.
قال ابن غنم: فحدثت بهذا الحديث عثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، وعبد الملك بن مروان.
قال أبو مسهر: وكان أصحاب معاذ بن جبل كباراً - فذكرهم، وذكر منهم: عبد الرحمن بن غنم الأشعري.
وقال أبو زرعة: ناظرت عبد الرحمن بن إبراهيم، قلت: أرأيت الطبقة التي أدركت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تره، أدركت أبا بكر، وعمر، ومن بعدهما من أهل الشام، ومن المقدم منهم:(15/9)
الصنابحي أو عبد الرحمن بن غنم؟ قال: ابن غنم المقدم عندي، وهو رجل أهل الشام. ورآه مقدماً لمكانه من أمراء المؤمنين، وحديثه عن عثمان بن عفان.
مات عبد الرحمن بن غنم سنة ثمان وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان
عبد الرحمن بن الفتح الثقفي البيروتي
إمام جامع بيروت حدث عن محمود بن الربيع الجرجاني - من أصحاب إبراهيم بن أدهم - بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال عند مضجعه من الليل: الحمد لله الذي علا، فقدر، والذي بطن، فخبر، والحمد لله الذي ملك فقدر، والحمد لله الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير، بات على غير ذنب.
عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج بن عبد الواحد
أبو بكر الهاشمي المعروف بابن الرواس ابن أخت إبراهيم بن أيوب الحوراني.
حدث عن عبد الأعلى بن مسهر بسنده، عن أم أيمن قالت: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أهله: لا تشرك بالله شيئاً، وإن عذبت وحرقت، أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من كل شيء هو لك فاخرج منه، لا تترك صلاة " عمداً؛ فإنه من ترك الصلاة عمداً فقد برئت منه ذمة الله، إياك والخمر؛ فإنها مفتاح(15/10)
كل شرٍ، إياك والمعصية؛ فإنها لسخط الله، لا تفر يوم الزحف، وإن أصاب الناس موتان، لاتنازع الأمر أهله، وإن رأيت أنه لك، أنفق من طولك على أهل بيتك، لاترفع عصاك عنهم، أخفهم في الله - عز وجل.
قال عبد الرحمن: سمعت من أبي مسهر وأنا ابن إحدى عشرة سنة:، قال: فسمعته يقول: من الكامل قال عبد الرحمن:
داود محمود وأنت مذمم ... عجباً لذاك وأنتما من عود
ولرب عودٍ قد يشق لمسجد ... نصفاً وسائره لحش يهود
فالحش أنت له وذاك لمسجدٍ ... كم بين موضع مسلح وسجود
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
عبد الله بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، أبو محمد القرشي التيمي الفقيه المديني وفد على هشام بن عبد الملك متظلماً من عامل المدينة خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم، المعروف بابن مطيرة. واستوفده الوليد بن يزيد مع فقهاء من أهل المدينة ليستفتيهم عن الطلاق قبل النكاح، فمات بالفدين من أرض حوران، ودفن بها سنة ست وعشرين ومائة؛ وكان بعث إليه وإلى أبي الزناد، ومحمد بن المنكدر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن.(15/11)
روى عن أبيه، عن عائشة قالت:
كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإحرامه ولحله قبل أن يطوف بالبيت. قال سفيان: لهما. وزادت رواية: قبل أن يحرم.
وفي رواية أخرى: طيبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحرمه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت - وفي رواية: بيدي قبل أن يفيض، وفي رواية: لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يفيض، وفي رواية أخرى: لحرمه قبل أن يطوف بالبيت.
وروى عبد الرحمن بن القاسم أن عائشة قالت: المبتوتة لاتخرج من بيتها حتى ينقضي أجلها.
كان عبد الرحمن أفضل أهل زمانه، ولم يكن بالمدينة رجل أرضى منه.
قال يحيى بن سعيد: وقع بيني وبين مالك مخالفة في شيءٍ، قال: فدحت إلى هشام بن عروة، فقال لي: ما كان بينك وبين العبد؟ قال: ثم لم يبرح حتى قال رجل: حدثني مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، فقال: مليء مليء - يعني عبد الرحمن عن أبيه.
وحدث هارون الفروي المديني عن أبيه قال: كنا نجلس عند مالك، وابنه يحيى يدخل ويخرج، ولا يجلس معنا، فيقبل علينا مالك، فيقول: - مما يهون علينا أمر ابنه يحيى - إن هذا الشأن لا يورث، وإن أحداً لم يخلف أباه في مجلسه إلا عبد الرحمن بن القاسم.
وحدث هارون الفروي المدين عن أبيه قال: كنا نجلس عند مالك، وابنه يحيى يدخل ويخرج، ولا يجلس معنا، فيقبل علينا مالك، فيقول: - مما يهون علينا أمر ابنه يحيى - إن هذا الشأن لا يورث، وإن أحداً لم يخلف أباه في مجلسه إلا عبد الرحمن بن القاسم.
وعن ابن شوذب قال: قلت لأيوب السختياني: إن لي حاجة " إلى عبد الرحمن بن القاسم، وقد أردت أن(15/12)
أكتب إليه، قال: فابدأ به.
وعن حماد بن زيد قال: ما رأيت أيوب يبدأ بأحدٍ في الكتاب إلا عبد الرحمن بن القاسم، فقلت له: فقال: إن سيد!.
قال إبراهيم بن حمزة: كان عبد الرحمن بن القاسم يعين أباه في خصومةٍ على ابن أبي عتيق، وكانت أمه - وهي ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - تقول له: تعين أباك على خالك؟ والله لتضطجعن حتى أطأ رقبتك! فيضطجع لها، فتطأ على رقبته، فيقول لها القاسم: يا أم عبد الرحمن، من شاء أن يعقه ولده عقه.
مات عبد الرحمن عن القاسم بالشام سنة ست وعشرين ومائة.
وفي رواية: مات بالمدينة.
وقال الفلاس: مات عبد الرحمن بن القاسم في ولاية مروان بن محمد، وهو آخر من ولي من بني أمية، وقتل مروان سنة إحدى وثلاثين.
وقال الحافظ: وقد قدمنا أنه مات في أيام الوليد بن يزيد.
عبد الرحمن بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي
حدث عن أبيه، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: " أنت أمامي يوم القيامة، فيدفع إلي لواء الحمد، فأدفعه إليك، وأنت تذود الناس عن حوضه "(15/13)
عبد الرحمن بن قريش
ويقال: ابن محمد بن قريش بن فهير بن خزيمة، أبو نعيم الهروي الجلاب حدث عن إدريس بن موسى الهروي بسنده عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قال الرجل لأخيه: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ بالثناء " وحدث عن القاسم بن عبد الأعلى المازني - بسنده - عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته، فليسرع الرجوع إلى أهله " وعن إدريس بن موسى الهروي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السعادة كل السعادة طول العمر في طاعة الله " قدم عبد الرحمن بن قريش بغداد، وحدث بها.
وذكر أنه توفي سنة ثلاث وثلاثمائة.
عبد الرحمن بن قرط
قيل إنه أخو عبد الله بن قرط الثمالي، وقيل إنه سكن دمشق، وقيل هو من أهل فلسطين. له صحبة(15/14)
عن عبد الرحمن بن قرط
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسرى به إلى المسجد الأقصى كان بين المقام وزمزم، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات السبع، فلما رجع قال: " سمعت تسبيحاً في السماوات العلى مع تسبيح كثير، سبحت السماوات العلى من ذي المهابة، مشفقات لذي العلا بما علا. سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى وفي رواية: وكان جبريل عن يمينه وفي رواية لم يسند فيها الحديث: لنا أسرى بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد الأقصى فلما رجع كان بين المقام وزمزم أتاه جبريل وميكائيل. فطارا به إلى السماء، فسمع تسبيح الملائكة وسمع تسبيحاً في السماوات كلها سبحت السماوات السبع العلي من ذي المهابة.
وعن عروة بن رويم قال: كان ابن قرط والياً على حمص في زمان عمر نب الخطاب، فبلغه أن عروساً حملت في هودج، وحمل معها النيران، فكسر الهودج، وأطفأ النيران، ثم أصبح، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إني كنت مع أهل الصفة - وهم مساكين في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن أبا جندل نكح أمامة، فصنع له جفنات من طعام، فدعانا، فأكلنا، وحمدنا الله، فقتل أبو جندل شهيداً، وتوفيت أمامة محمودة، فرحم الله أبا جندل، وصلى الله على أمامة، ولعن الله أهل هودجكم، البارحة حملوا النيران، واستنوا بسنة أهل الكفر. وإن إبراهيم لما شاب رآه نوراً، فحمد الله، وإن ابن الحرابية أطفأ نوره، والله مطفئه يوم القيامة.
وكان ابن الحرابية أول من صبغ من أهل حمص بالسواد.(15/15)
وعن عروة بن رويم أن عبد الرحمن بن قرط صعد منبره فرأى الزعفراني في أهل اليمن، والمعصفر في قضاعة، فقال: يالك فضلاً، يالك كرامة " ما أطهرك، يالك نعمة " ماأسبغك! اعلموا أيها الناس أنه ما ظعن عن جادة قوم ظاعن قط أشد عليهم من نعمة الله لا يطيقون ردها "، وأنه إنما قامت النعمة على المنعم عليه بالشكر للمنعم، لله رب العالمين قال الحافظ: الذي ولي حمص عبد الله بن قرط، ويقال: إنه أخو عبد الرحمن هذا.
قال البخاري: عبد الرحمن بن قرط، وكان من أصحاب الصفة، صفة مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الأمير: قرط - بضم القاف وبالطاء المهملة - عبد الرحمن بن قرط، له صحبة.
عبد الرحمن بن أبي قسيمة
ويقال: ابن أبي قسيم - الحجري من أهل دمشق.
روى عن وائلة عن الأسقع أنه حدثه قال: كنت في محرس يقال له: الصفة، وهم عشرون رجلاً، فأصابنا جوع، وكنت أحدث أصحابي سناً، فبعثوني إلى رسول الله صلى وسلم أشكو جوعهم، فالتفت في بيته، فقال: " هل من شيء؟ قالوا: نعم، هاهنا كسرة - أو كسر - وشيء من لبن، قال: أئتوني به،. ففت الكسر فتاً دقيقاً، ثم صب عليه اللبن، ثم جبله بيده حتى جعله كالثريد، ثم قال لي: ياواثلة، ادع لي عشرة " من أصحابك، وخلف عشرة، ففعلت،(15/16)
فقال: اجلسوا، بسم الله، فجلسوا، وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برأس الثريد، فقال: " كلوا، بسم الله من جوانبها، واعفوا رأسها؛ فإن البركة تأتيها من فوقها، وإنها تمد. قال: فرأيتهم يأكلون، ويتخللون أصابعه حتى تملؤوا - وفي رواية تضلعو - شبعاً، فلما انتهوا قال لهم: " انصرفوا إلى أماكنكم، وابعثوا أصحابكم. فانصرفوا. فقمت متعجباً لما رأيت. فأقبل على العشرة، وأمرهم مثل الذي كان أمر به أصحابهم، وقال لهم مثل الذي قال لهم، فأكلوا منها حتى تملؤوا شبعاً، وحتى انتهوا، وإن فيها لفضلة.
وروي عن طريق آخر فقيل: ابن أبي قسيم.
وقال الأمير: قسيم: - بضم القاف وفتح السين - عبد الرحمن بن أبي قسيم الحجري
عبد الرحمن بن القعقاع العبسي
غزا أرض الروم في خلافة هشام بن عبد الملك
عبد الرحمن بن قيس بن سواء
أبو عطية المذبوح شهد اليرموك حدث عنه خال بن معدان قال: توفي رجل على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال بعضهم: يا رسول الله، لاتصل عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه رسول: " هل رآه أحد منكم على شيء من أعمال الخير؟ " فقال رجل: حرس معنا ليلة كذا وكذا. فصلى عليه، ثم مشى إلى قبره، فجعل يحثو عليه، ويقول: " إن(15/17)
أصحابك يظنون أنك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة ".ثم قال: " يا عمر، إنك لا تسأل عن أعمال الناس، إنما تسأل عن الفطرة " قال الهيثم بن مالك:
كنا نتحدث عند أيفع بن عبد، وعنده أبو عطية المذبوح، فتذاكروا النعيم، فقالوا: من أنعم الناس؟ فقالوا: فلان، وفلان. فقال أيفع: ما تقول ياأباعطية؟ فقال: أنا أخبركم بمن هو أنعم منه؛ جسد في لحد، قد أمن من العذاب.
قال حماد بن سعيد بن أبي عطية المذبوح: لما حضر أبا عطية الموت جزع، فقيل له: أتجزع من الموت؟ فقال: ومالي لا أجزع، وإنما هي ساعة، ثم لا أدري أين يسلك بي؟ وإنما سمي أبو عطية المذبوح لأنه أصابه سهم وهو مع أبي عبيدة بن الجراح باليرموك، فقطع جلده، ولم يحز الأوداج.
عبد الرحمن بن قيسية بن كلثوم
ابن حباشة بن هدم بن عامر بن حولي بن وائل بن سوم بن عدي بن أشرس بن شبيب بن أشرس بن كندة ثم السومي من أشراف أهل مصر وممدحيهم. وقد على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: من خيركم، يا عبد الرحمن؟ فعد له رجالاً، فقال: ما أراك تذكر أبا زرعة الناسك! قال: يا أمير المؤمنين، ذاك رجل من موالينا. قال: فهو، والله، خير بني سوم! قال أبو مصعب البلوي قيس بن سلمة الشاعر في قصيدته التي امتدح فيها عبد الرحمن بن قيسية: من الكامل
وأبوك سلم داره وأباحها ... لحياة قومٍ ركعٍ وسجود(15/18)
عبد الرحمن بن أبي كبشة
واسم أبي كيشة حيوئل السكسكي من أهل دمشق قال الليث بن سعد: وفيها - يعني سنة خمس وتسعين - فتح على الحجاج بن يوسف الصغد، وأمر عبد الرحمن بن أبي كبشة السكسكي على أهل العراق
عبد الرحمن بن أبي كبيرة العنسي الداراني
سمع أبا الدرداء يقول لرجلٍ مر بين يديه: ما حملك على ما صنعت؟ قال: وما صنعت؟ قال: مررت بين يدي صلاة أخيك، وهدمت من عملك بنيان سنةٍ أو سنتين.
عبد الرحمن بن محمد بن إدريس
أبو محمد بن أبى حاتم الرازي أحد الحفاظ. صنف كتاب: الجرح والتعديل، فأكثر فائدته.
روى عن أحمد بن سنان الواسطي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله - تبارك وتعالى - من هذه الأيام -(15/19)
يعني أيام العشر "، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيءٍ قال أبو الحسن علي بن الحسن المصري - بالري - في جنازة عبد الرحمن بن أبي حاتم - وكان رحل إليه من العراق وسمع منه: قلنسوة عبد الرحمن من السماء، وما هو بعجب، رجل منذ ثمانين سنة على وتيرة واحدة، ما انحرف عن الطريق ساعة واحدة.
وقال أبو الحسن علي بن أحمد الفرضي: ما رأيت أحداً ممن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط. وكنت ملازمة مدة طويلة، فما رأيته إلا على وتيرة واحدةٍ، لم أر منه ما أنكرته من أمر الدنيا، ولامن أمر الآخرة، بل رأيته صائناً لنفسه ودينه ومروءته.
وكان أبو حاتم يقول: ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن؟ لا أعرف لعبد الرحمن ذنباً! لا يتهيأ لي أن أعمل ما يعمل عبد الرحمن.
قال علي بن إبراهيم: سمعت عبد الرحمن يقول: لم يدعني أبي اشتغل بالحديث حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان، ثم كتبت الحديث.
وكان حافظاً للقرآن، ويصلي التروايح بنفسه. قد رأيت مشايخ أهل العلم، ما رأيت أحسن شيبة " من عبد الرحمن بن أبي حاتم.
وقال علي بن عبد الرحمن: كان عبد الرحمن بن أبي حاتم مقبلاً على العبادة من صغره، والسهر بالليل، والذكر، ولزوم الطهارة، فكساه الله بها نوراً، فكان يسر به من نظر إليه.(15/20)
وقال محمد بن عبد الله البغدادي: وكان من منة الله على عبد الرحمن أنه ولد بين قماطر العلم والروايات، وتربى بالمذاكرات مع أبيه، وأبي زرعة، فكانا يزقانه كما يزق الفرخ الصغير، ويعنيان به؛ فاجتمع له مع جوهر نفسه كثرة عنايتهما، ثم تمت النعمة برحلته مع أبيه، فأدرك الإسناد، وثقات الشيوخ بالحجاز، والعراق، والشام، والثغور، وسمع بانتخابه حتى عرف الصحيح من السقيم، فترعرع في ذلك. ثم كانت رحلته الثانية بنفسه بعد تمكن معرفته، يعرف له ذلك. وتقدم بحسن فهمه، وديانته، وقديم سلفه.
وقال عبد الرحمن: ساعدتني الدولة في كل شيء، حتى أخرجني أبي سنة خمس وخمسين ومائتين، وما احتلمت بعد، فلما بلغنا الليلة التي خرجنا فيها من المدينة نريد ذا الحليفة احتلمت، فحكيت ذلك لأبي، فسر بذلك، وقال: الحمد لله حيث أدركت حجة الإسلام.
قال عبد الرحمن:
كنت مع أبي في الشام في الرحلة، فدخلنا مدينة، فرأيت رجلاً واقفاً على الطريق يلعب بحية، ويقول: من يهب لي درهماً حتى أبلع هذه الحية؟ فالتفت إلي أبي، فقال: بابني، احفظ دراهمك، فمن أجلها تبلع الحيات! وقال عبد الرحمن: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
وقال: كنا بمصر سبعة أشهر، فلم نأكل فيها مرقة، وذلك أنا كنا نغدو بالغدوات إلى مجلس بعض الشيوخ، ووقت الظهر إلى مجلس آخر، ووقت العصر إلى مجلسٍ آخر،(15/21)
ثم بالليل للنسخ والمعارضة، فلم نتفرغ نصلح شيئاً. وكان معي رفيق خراساني أسمع كتابه، ويسمع في كتابي؛ فما أكتب لا يكتب، وما يكتب لا أكتب. فغدونا يوماً إلى مجلس بعض الشيوخ، فقال: هو عليل، فرجعنا، فرأينا في طريقنا حوتاً يكون بمصر، يشق جوفه، فيخرج منه أصغر، فأعجبنا، فلما صرنا إلى المنزل حضر وقت مجلس بعض الشيوخ، فلم يمكنا إصلاحه، ومضيا إلى المجلس، فلم يزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام كاد أن يتغير، فأكلناه نيئاً.
فقيل له: كنتم تعطونه لمن يشويه، ويصلحه، قال: من أين كان لنا فراغ!؟ وكان لعبد الرحمن ثلاث رحلات: رحلة مع أبيه في سنة حج؛ سنة خمس وخمسين، وست وخمسين، والرحلة الثانية بنفسه إلى مصر ونواحيها، والشام ونواحيها، في الستين ومائتين، والرحلة الثالثة إلى أصبهان سنة أربع وستين.
روى ابن صاعد ببغداد في أيامه حديثاً أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد، وارتفعوا إلى الوزير علي بن عيسى، فكتب الوزير إلى ابن أبي حاتم يسأله عن ذلك، فنظر وتأمل، وإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة، وارتفع شأنه.
قال أبو أحمد الحاكم: كنت بالري، فرأيتهم يوماً يقرؤون على أبي محمد بن أبي حاتم كتاب: " الجرح والتعديل "، فلما فرغوا قلت لعبدويه الوراق: ما هذه الضحكة؟ أراكم تقرؤون كتاب التاريخ لمحمد بن اسماعيل البخاري على شيخكم على الوجه، وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم؟ فقال: يا أبا أحمد، اعلم أن أبا زرعة، وأبا حاتم لما حمل إليهما هذا الكتاب(15/22)
قالا: هذا علم حسن لايستغنى عنه، ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا، فأقعدا أبا محمد عبد الرحمن حتى سألهما عن رجلٍ بعد رجل، وزادا فيه، ونقصا، ونسبه عبد الرحمن إليهما، قلت لأبي أحمد - رحمه الله: فما زادا ونقصا فوائد كثيرة لا توجد في كتاب البخاري.
وقال محمد بن الفضل العباسي: كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو ذا يقرأ علينا كتاب الجرح والتعديل، فدخل عليه يوسف بن الحسين الرازي، فقال له: يا أبا محمد، ما هذا الذي تقرؤه على الناس؟ قال: كتاب صنعته في الجرح والتعديل، فقال: وما الجرح والتعديل؟ فقال: أظهر أحوال أهل العلم؛ من كان منهم ثقة " أو غير ثقة، فقال له يوسف بن الحسين: استحيت لك يا أبا محمد، لكم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة، ومائتي سنة، وأنت تذكرهم وتغتابهم على أديم الأرض! فبكى عبد الرحمن، وقال: يا أبا يعقوب، لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيعي هذا الكتاب لما صنعته!.
وفي رواية: فبكى، وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية، ولم يقرأ في ذلك المجلس شيئاً.
قال علي بن إبراهيم: دخلنا يوماً على عبد الرحمن بغلس قبل صلاة الفجر في مرضه الذي توفي فيه، وكان على الفراش قائماً يصلي، وكنا جماعة، وأبو الحسين الدرستني في الجماعة، فركع، فأطال الركوع، فقال أبو الحسين: هو على العادة التي كان يستعملها في صحته.
وقال علي بن إبراهيم: سمعت أحمد بن محمد بن عمر الرازي بعد وفاة عبد الرحمن بن أبي حاتم، والناس مجتمعون للتعزية، والمسجد غاص بأهله، قام، فقرأ: " قد أفلح المؤمنون الذين هم في(15/23)
صلاتهم خاشعون " إلى قوله: " أولئك هم الوارثون "، الآية، فضج المسجد بالبكاء والنحيب، وقالوا: نرجو أن يكون عبد الرحمن من أهل هذه الآيات؛ فإن هذه الخصال كانت كلها فيه.
قال ابن زبر: سنة سبع وعشرين وثلاثمائة - فيها - توفي أبو محمد بن عبد الرحمن بن أبي حاتم.
عبد الرحمن بن محمد بن الجارود بن هارون الرقي
روى عن قطن بن صالح بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يعذب الموحدين في جهنم بقدر نقصان إيمانهم، ثم يردهم إلى الجنة خلوداً دائماً بإيمانهم. "
وروى عن ويونس بن عبد الأعلى بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رجل: " يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ " فلم يذكر كثيراً إلا أنه يحب الله ورسوله، قال: فأنت مع من أحببت ".
وروى عن أحمد بن هاشم بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن للجنة باباً يقال له الضحى لا يدخل منه إلا أصحاب الضحى، تحن الضحى إلى صاحبها، كما تحن الناقة إلى فصيلها "(15/24)
عبد الرحمن بن محمد بن العباس
ابن الوليد بن محمد بن عمر بن الدرفس، أبو بكر الغساني روى عن العباس بن الوليد بسنده عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي رواية: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احثوا في وجوه المداحين التراب " توفي أبو بكر بن الدرفس الغساني سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد
أبو عبد الله ويقال: أبو محمد القاري وفد على عمر بن عبد العزيز روى عن أبيه أو عمه إبراهيم، عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال: سقانا الله فقد آمن بالله " "، قال البخاري: يعني في المطر.
وروى عن أبيه أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل موسى الأشعري، فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: ما فعلتم به؟ قال: قربناه، فضربنا عنقه، قال: فهلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب، أو يراجع أمر الله؟ اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني!(15/25)
وروى أنه كان عند عمر بن عبد العزيز إذ جاءه رجل فقال: سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله، فقال له عمر: عم بسلامك! وقال: خطب عمر بن عبد العزيز هذه الخطبة، وكانت آخر خطبة خطبها: حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولن تتركوا سدى، وإن لكم ميعاداً ينزل الله فيه ليحكم فيكم، ويفصل بينكم، وخاب، وخسر من خرج من رحمة الله، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض. ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر الله اليوم وخافه، وباع نافذاً بباق، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان. ألا ترون أنكم من أسباب الهالكين، وستصير من بعدكم للباقين، وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين. ثم أنكم تشيعون كل يوم غادياً ورائحاً إلى الله - عز وجل - قد قضى نحبه، وانقضى أجله، حتى تغيبوه في صدع من الأرض، ثم تتركوه غير ممهد، ولا موسد، قد فارق الأحباب، وباشر التراب، ووجه للحساب، مرتهناً بما عمل، غنياً عما ترك، فقيراً إلى ما قدم. فاتقوا الله قبل موافاته، وحلول الموت بكم. أم والله، إني لأقول هذا وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي، فاستغفروا الله، وما منكم من أحد يبلغنا حاجته، يتسع له ما عندنا إلا تمنيت أن يبدأ بي وبخاصتي، حتى يكون عيشنا وعيشه عيشاً واحداً. أم والله أردت غير هذا من غضارة عيش لكان الشأن به ذلولاً وكنت بسببه عالماً. ولكن سبق من الله كتاب ناطق، وسنة " عادلة "، دل فيها على طاعته، ونهى فيها عن معصيته. ثم رفع طرف ردائه فبكى وأبكى من حوله.
وقال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: أن ضع عن الناس المائدة،(15/26)
والنوبة، والمكس. ولعمري ما هو بالمكس، ولكنه البخس الذي قال الله: " ولا تبخسوا الناس أشياؤهم ولاتعثوا في الأرض مفسدين ". فمن أتى بزكاة ماله فقد أقبل منه، ومن لم يأت فالله حسيبه.
قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن محمد بن عبد القاري ثقة.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران بن سلمة
أبو مسلم البغدادي الحافظ الزاهد قال أبو عبد الله الحافظ: ما رأيت في البغداديين أورع منه، كان أوحد عصره في علم أهل الحقائق من الزهاد والصوفية، ثم تقدم أيضاً في معرفة الحديث. سمع بالعراق، وبالجزيرة، وبالشام، وأظنه دخل مصر أيضاً. ورد أبو مسلم بنيسابور سنة ثلاثين وثلاثمائة، وكتب عن الحسن بن الحسين بن منصور، وأبي حامد بن بلال، وأقرانهما، ثم خرج من نيسابور سنة ثلاث وثلاثين، وأقام بمرو مدة، وسمع بها الكثير، ثم دخل بخارى، وكتب إلى بغداد في حمل كتبه، فسلمت، وحملت إليه؛ فأقام بسمرقند ثلاثين سنة، وجمع المسند الكبير على الرجال. وخرج إلى مكة سنة ثمان وستين، وجاور بها. وكان يجهد ألا يظهر للتحديث، وغيره.
فحدثني أبو نصر البزاز أنه مرض بمكة، وكان الناس يعودونه، وهو يخالقهم بغير أخلاقه التي كان عليها من التقريب لهم، والبسط، والدعاء، ويظهر الفرح بأن الله قد أجاب دعوته أن يقبض بمكة(15/27)
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: صحب الشبلي ومن فوقه من البغداديين، وهو أوحد المشايخ في طريقته من لزوم الشريعة، والرجوع إلى علم الظاهر، وحفظ الحديث.
قال الخطيب: كان الدارقطني والشيوخ يعظمونه. وحكى لنا أبو العلاء أن أبا الحسين البيضاوي حضر عند أبي مسلم يوماً، وفي رجل البيضاوي نعل ليست بالجيدة، قد أخلقت، فوضع أبو مسم مكانها نعلاً جديدة، وأخذها، وذلك بغير علم من البيضاوي. فلما قام لينصرف طلب نعله فلم يجدها، ورأى النعل الجديدة مكانها، فبقي متحيراً، وسأل عن نعله، فقال له أبو مسلم: هذه نعلك يا أبا الحسين - يعني الجديدة - وأمره بلبسها.
قال الخطيب: فحدثني القاضي أبو العلاء الواسطي: أنه توفي بمكة للنصف من ذي القعدة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، ودفن بالبطحاء بالقرب من فضيل بن عياض.
وقال محمد بن أبي الفوارس: كان أبو مسلم بن مهران قد صنف المسند، والثوري، وشعبة، ومالكاً، وأشياء كثيرة.
عبد الرحمن بن أبي الرجال
محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان بن نفع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة ابن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري المدني كان ينزل بعض ثغور الشام(15/28)
روى عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة قالت: مازلت أصلي بعد العصر ركعتين حتى مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان عبد الرحمن بين أبي الرجال ثقة.
قال محمد بن سعد: أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان، من بني مالك بن النجار، وحارثة من أهل بدر. ويكنى أبو الرجال أبا عبد الرحمن، وإنما كني بأبي الرجال بولده، وكانوا عشرة رجال. وأمه: عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة.
قال أبو زراعة الرازي: حارثة وعبد الرحمن ابنا أبي الرجال: حارثة واه، وعبد الرحمن أشبه، عبد الرحمن أيضاً يرفع أشياء لا يرفعها غيره.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن الأشعث
أبو الأشعث بن أبي بكر العجلي حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه قال: سئل الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز عما يصنع الناس في قرض الخبز، والخبز بلا وزن؟ قالا: لا بأس به، قيل له: فإنه ربما أخذ القوم أفضل مما أعطوا، قال: لا بأس بذلك إذا لم يكن المعطي ينوي الفضل.
قال: وسئل الأوزاعي عن الخبز بالحنطة؟ قال: لا بأس بذلك. قال الأوزاعي: الحنطة بالدقيق لا بأس به. قيل للأوزاعي: فالحنطة اليابس بالحنطة المقلي؟ قال: لا بأس به وزناً بوزن. قيل: فالخبز اللين بالخبز اليابس؟ قال: إن أخذه أهل البيت(15/29)
ليأكلوه؟ قال: لا بأس به.
توفي أبو الأشعث سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مسلم
أبو سعيد بن أبي عبد الله الأبهري المالكي قدم دمشق، وحدث بها ببعض كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج حدث عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن شعيب القاضي بسنده عن ابن مسعود قال: قال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سباب - أو سب - المسلم فسوق، وقتاله كفر " سئل الأبهري عن مولده، فقال: بأبهر، سنة أربع وأربعمائة، ودخلت مصر مع والدي سنة خمسٍ وعشرين وأربعمائة، وسمعت بها.
توفي أبو سعيد الأبهري سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وكانت وفاته في ربيع الأول، ودفن في مقبرة باب الفراديس.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن عامر بن إسماعيل
أبو طالب الشيرازي الصوفي روى عن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد الحلبي البزار بسنده عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين: من صلى على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتاب صلت الملائكة عليه مادام اسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتاب.(15/30)
وعن أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل القاضي المحاملي بسنده عن أبي هريرة قال: زار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أمه، فبكى، وأبكى من حوله، فقال: " استأذنت ربي - عز وجل - في أن استغفر لها، فلم يأذن لي، واستأذنت في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت " سئل الخطيب عن أبي طالب عبد الرحمن بن محمد الشيرازي، فقال: كذاب، يدعي أن رجلاً حدثه عن القاضي المحاملي، وليس كذلك.
توفي أبو طالب عبد الرحمن بن محمد الشيرازي عند صلاة المغرب من ليلة الجمعة، ودفن من الغد بعد الظهر السابع من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، ودفن لصيق قبر أبي إسحاق القباني.
صنف مجلدة " في الدعوات قد أدخل فيها ما ليس من الدعوات، دلت منه على تخلف شديد. وكان خطه رديئاً.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوهاب العطار
حدث عن هشام بن خالد بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سبق العاطس بالحمد وقاه الله وجع الخاصرة، ولم ير فيه مكروها حتى يخرج من الدنيا. "(15/31)
عبد الرحمن بن محمد بن عصام
ويقال: عصيم بن جبلة، أبو القاسم القرشي مولاهم. من سكان لؤلؤة الكبيرة خارج باب الجابية.
حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أم الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تجوز عن أمتي عن ثلاثة: عن الخطأ، والنسيان، والكره " وفي رواية: عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء توفي عبد الرحمن بن محمد بن عصام سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.
عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أحمد بن سعيد
أبو القاسم البخاري الحنفي رحل، وسمع، وصنف كتاباً أسماه عدة المسترشد في الترغيب في فضائل الأعمال، وحكى فيه عن جماعة من الصوفية، سمع منه بعضه عباد بن عمر بن محمد بن عباد العسقلاني.
روى عن أبي حفص عمر بن أحمد بن حسين بن خلف البخاري بسنده عن خلف بن تميم قال: دخلنا على أبي هرمز نعوده فقال: دخلنا على أنس بن مالك نعوده فقال: صافحت بكفي هذه كف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما مست خزاً، ولا حريراً ألين من كفه.
قال أبو هرمز لأنس بن مالك: صافحنا بالكف التي صافحت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصافحنا. قال خلف بن تميم: قلنا لأبي هرمز: صافحنا بالكف التي صافحت بها أنس بن مالك، فصافحنا.... الحديث.(15/32)
وروى عن طريق إبراهيم بن إسحاق الحربي أنه جاءه رجل فقال له: جرى بيني وبين حرمتي كلام إلى أن قالت لي: يا سفلة، فقلت لها: أنت طالق إن كنت سفلة.
قال له إبراهيم: أتحب أبا بكر؟ قال: نعم، قال: أفتحب عمر؟ قال: نعم، قال: أفتحب عثمان؟ قال: نعم، قال: أفتحب علياً؟ قال: نعم، قال: نعم، قال: فما أنت سفلة.
عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر
أبو الحسن التميمي الجوبري كان يسكن في زقاق الرمان.
حدث عن أبي القاسم بن أبي العقب عن أنس أن أبا بكر الصديق أخبرهم: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو معه في الغار - فقال: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه - فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ توفي أبو الحسن الجوبري سنة خمس وعشرين وأربعمئة كان ثقة، ولم يكن يحسن يقرأ ولا يكتب، وكان والده محدثاً، فسمعه الكثير. وحدث مدة يسيرة.
عبد الرحمن بن محمد
حدث عن محمد بن تميم بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من أذى مؤمناً فقيراً بغير حق فكأنما هدم مكة عشر مرات، وبيت المقدس، وكأنما قتل ألف ملك من المقربين "(15/33)
عبد الرحمن بن مثنى بن مطاع
ابن عيسى بن مطاع بن زيادة بن مسلم أبو مسعود اللخمي حدث عن أبيه بسنده عن جده مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماه مطاعاً، وقال له: " يا مطاع، أنت مطاع في قومك "، وحمله على فرس أبلق، وأعطاه الراية، وقال له: " يا مطاع، امض إلى أصحابك، فمن دخل تحت رايتي هذه فقد أمن العذاب "
عبد الرحمن بن مدرك بن علي
ابن محمد بن عبد الله بن سليمان أبو سهل التنوخي المعري له أشعار حسنة منها ما قاله في مقامه بدمشق: من الوافر
كأن دمشق أفلاك تدور ... تلوح بها الشموس أو البدور
وأي محلة قابلت منها ... رأيت كواكباً فيها تسير
وكتب من حماة لصديقه أبي اليسر شاكر وكان في حماة: مجزوء الكامل
لابد أن أشكو الذي ... لاقيت من ألم الفراق
وأبث وجدي ما استطع ... ت وطول همي واشتياقي
فلعل علام الغيو ... ب وخالق السبع الطباق
يقضي لنا بتجمع ... أبداً على الأيام باقي
وله: من المتقارب
جرحت بلحظي خد الحبيب ... فما طالب المقلة الفاعله(15/34)
ولكنه اقتص من مهجتي ... كذاك الديات على العاقلة
وله: من البسيط
بالله يا صاحب الوجه الذي اجتمعت ... فيه المحاسن واستولى على المهج
خذني إليك فإن لم ترضني صلفا ... فاطرد بي العين عن ذا المنظر البهج
كيف السلامة من جفنيك أنهما ... حتف لكل محب في الهوى وشج
وله من أبيات: من البسيط
ريم يعز إذا ماريم مطلبه ... ويستبيح نفوس الناس كلهم
أظلهم علم للحسن منه بدا ... وإنما يهتدي الضلال بالعلم
له وداد سقيم ما يصح لنا ... كأنما طرفه أعداه بالسقم
ما أنس لا أنس قولي في العتاب له ... وقد بدا لي منه وجه محتشم
إن كان هجرك من خوف الرقيب فصل ... بالذكر مثلي فكم ساع بلا قدم
وابعث إلى الطرف طيفاً إن بعثت به ... فإنه مذ حجبتم عنه لم ينم
أجبتكم ونهتني عفتي فغدا ... أحلى وصالكم ما كان في الحلم
وله: من الطويل
تعم رأسي بالمشيب فساءني ... وما سرني تقبيح نور بياضه
وقد أبصرت عيني خطوباً كثيرة " ... فلم أر خطباً أسوداً كبياضه
توفي أبو سهل في زلزلة حماة في رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة.(15/35)
عبد الرحمن بن مروان بن سالم بن المبارك
أبو محمد التنوخي المعري الواعظ المعروف بابن المنجم قال الحافظ كان أبوه منجماً رأيته يجلس على الطريق، وكان عبد الرحمن ينشد في صباه في الأسواق، ويمشي على الدكاكين، وكان صوته شجى ". ثم خرج عن دمشق وهو شاب، وغاب عنها مدة، ثم رجع إليها، فكان يعظ في الأعزية، ورزق قبولاً، واكتسب بالوعظ مالاً. ثم خرج إلى العراق، وأقام ببغداد مدة، وأظهر الزهد، وأظهر له بها سوق. وكان يعرف ببغداد بالدمشقي. ثم رجع في آخر عمره إلى دمشق، ووعظ بها، وونفقت سوقه، ومع ذلك لم يترك الوعظ في الأعزية.
وحضرت مجلس وعظه يوماً واحداً في المسجد الجامع، فسمعته ينشد شعراً لنفسه.
ومات ابن المنجم في يوم الجمعة العشرين من رجب سنة سبع وخمسين وخمسمائة، ودفن يوم السبت بجبل قاسيون
عبد الرحمن بن مرزوق
من أهل دمشق حدث عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العمرى ميراث لأهلها "(15/36)
وروى عن عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث الكندي، عن عائشة قالت: أوتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول الليل، وأوسطه، وآخره.
وروى عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال المرادي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " فتح الله باباً للتوبة من المغرب عرضه مسيرة سبعين عاماً، لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه "
عبد الرحمن بن مسعود بن الحارث
ابن عمرو بن حرجة بن حزام بن سعد بن عدي بن فزارة بن ذيبان بن بغيض ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان الفزاري أحد القواد الذين ولوا صوائف الروم في أيام معاوية. وفيه قيلت هذه الأبيات حين استخلف على الصائفة بعد أن هلك سفيان بن عوف: من الطويل
أقم يابن مسعودٍ قناة " صليبة ... كما كان سفيان بن عوفٍ يقيمها
وسم يابن مسعودٍ مدائن قيصر ... كما كان سفيان بن عوفٍ يسومها
وسفيان قرم من قروم قبيلةٍ ... تضيم وما في الناس حي يضمها
قال ابن عائذ: غضب معاوية على ابن مسعود في شيء، فقال له: هلا فعلت كما فعل سفيان بن عوف؟ فقال: يا أمير المؤمنين، وأين أنا من سفيان بن عوف؟ قال: قد عفونا عنك بمعرفتك فضل سفيان.
وقد قيل: إن المستخلف عبد الله بن مسعود المعروف بابن مسعدة أخا عبد الرحمن(15/37)
وفي خبرٍ أن سفيان بن عوف هو الذي استخلف عبد الرحمن بن مسعود على الناس لما أدركه أجله.
عبد الرحمن بن مسلمة
قال الحافظ: أظنه ابن حبيب بن مسلمة الفهري روى
أن رجلاً أجار رجلاً - زاد في رواية: من المشركين - وهو مع أبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد. قال عمر وخالد: لا نجير من أجاره. فقال أبو عبيدة: بلى، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يجير على المسلمين بعضهم " - وفي رواية: " أحدهم ".
قال ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن مسلمة، سألت أبي عنه، فقال: هو صالح الحديث، وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب الضعفاء
عبد الرحمن بن مسلم
ويقال: ابن عثمان بن يسار، أبو مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس قدم هو وأبو سلمة حفص بن سليمان المعروف بالخلال على إبراهيم بن محمد الإمام، فأمرهما بالمصير إلى خراسان، وبالحميمة كان إبراهيم الإمام حينئذ(15/38)
روى مصعب بن بشر، عن أبيه قال: قام رجل إلى أبي مسلم، وهو يخطب، فقال له: ما هذا السواد الذي أرى عليك؟ قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، وهذه ثياب الهيبة، وثياب الدولة. يا غلام، اضرب عنقه.
وروى أبو مسلم عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يرد هوان قريشٍ أهانه الله " - وفي رواية: " من أراد " قيل إن مولد أبي مسلم بأصبهان، برستاق فريذين، وهو الذي أقام دولة بني العباس، وقيل له: كيف أنت إذا حوسبت على إنفاقك المال في غير حقه؟ فقال: لولا ذنوبي في إقامة دولة بين العباس لطمعت في خفة المحاسبة على تبذير المال.
وكان فاتكاً شجاعاً، ذا رأي وعقل وتدبير وحزم.
قال الخطيب: كان اسم أبي مسلم صاحب الدعوة: إبراهيم بن عثمان بن يسار بن شيدوس بن جوردن، من ولد بزر جمهر، وكان يكنى أبا إسحاق، وولد بأصبهان، ونشأ بالكوفة. وكان أبوه أوصى إلى عيسى بن موسى السراج، فحمله إلى الكوفة، وهو ابن سبع سنين، فقال له إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس لما عزم على توجيهه إلى خراسان: غير اسمك: فإنه لايتم لنا الأمر إلا بتغييرك اسمك على ما وجدته في الكتب، فقال: قد سميت نفسي عبد الرحمن بن مسلم. وتكنى أبا مسلم. ومضى لشأنه وله(15/39)
ذؤابة، فمضى على حمار بإكاف، وقال له: خذ نفقة من مالي، لا أريد أن تمضي بنفقةٍ من مالك، ولامن مال عيسى السراج.
فمضى على ما أمره. ومات عيسى ولا يعلم أن أبا مسلم هو أبو مسلم إبراهيم بن عثمان. وتوجه أبو مسلم لشأنه وهو ابن تسع عشرة سنة "، وزوجه إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بنت عمران بن إسماعيل الطائي، المعروف بأبي النجم على أربعمائة، وهي بخراسان مع أبيها، وزوجه وقت خروجه إلى خراسان، وبنى بها بخراسان.
وروى المعافى بن زكريا الجريري بسنده عن رجل من آل خراسان قال: كنت أطلب العلم، فلا آتي موضعاً إلا وجدت أبا مسلم قد سبقني إليه، فألفني، فدعاني إلى منزله، ودعا بما حضر، فأكلت، ثم قال: كيف لعبك بالشطرنج؟ وذكر أنه كان يلاعبه ويلهو بهذين البيتين: من الطويل
ذروني ذروني ما قررت فإنني ... متى ما أهج حرباً تضيق بكم أرضي
وأبعث في سود الحديد إليكم ... كتائب سوداً طالما انتظرت نهضي
قال رؤبة: كان أبو مسلم عالماً بالشعر.
وذكر الخطيب من طريقه عن محمد بن زكويه قال: روي لنا أن أبا مسلم صاحب الدولة قال: ارتديت الصبر، وآثرت الكتمان، وحالفت الأحزان والأشجان، وسامحت المقادير والأحكام حتى بلغت غاية همتي، وأدركت نهاية بغيتي. ثم أنشأ يقول: من البسيط
قد نلت بالحزم والكتمان ما عجزت ... عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا
مازلت أضربهم بالسيف فانتبهوا ... من رقدةٍ لم ينمها قبلهم أحد(15/40)
طفقت أسعى عليهم في ديارهم ... والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا
ومن رعى غنماً في أرض مسبعةٍ ... ونام عنها تولى رعيها الأسد
دعا أبو مسلم الناس إلى البيعة، فدعا إبراهيم الصائغ، فقال له: بايع طوعاً غير كاره، فقال الصائغ: لا بل كرهاً غير طائعٍ، قال: فكيف بايعت لنصر بن سيار؟ قال: إني لم أسأل عن ذلك، ولو سئلت لقلت.
وكتب الصائغ إلى أبي مسلم كتاباً يأمره وينهاه، وكان أبو مسلم وعده القيام بالحق، والذب عن الحرم أيام دولة بني أمية، فقال أبو مسلم: يا إبراهيم، أين كنت عن نصر بن سيار وهو يتخذ زقاق الذهب للخمر، فيبعث بها إلى الوليد بن يزيد؟ فقال إبراهيم: إني كنت معهم أخشى، وأنت وعدتني أن تعمل بالحق، وأن تقيمه. فكف عنه أبو مسلم. وكان إبراهيم يظهر مخالفته إياه، ومع ذلك لا يدع ما يمكنه.
قال محمد بن سلام الجمحي: دخل أبو مسلم على أبي العباس، فسلم عليه، وعنده أبو جعفر، فقال له: يا أبا مسلم، هذا أبو جعفر، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا موضع لا يؤدى فيه إلا حقك.
ومن طريق المعافى: كتب أبو مسلم إلى المنصور حين استوحش منه: أما بعد، فقد كنت اتخذت أخاك إماماً، وجعلته على الدين دليلاً لقرابته، والوصية التي زعم أنها صارت إليه، فأوطأني عشوة الضلالة، وأوهقني في ربعة الفتنة، وأمرني أن آخذ بالظنة، وأقتل على التهمة، ولا أقبل المعذرة؛ فهتكت بأمره(15/41)
حرمات حكم الله وصيانتها - وفي رواية: حتم الله صونها - وسفكت دماء فرض الله حقنها، وزويت الأمر عن أهله، ووضعته منه في غير محله. فإن يعف الله عني فبفضل منه، وإن يعاقب فيما كسبت يداي، وما الله بظلام للعبيد.
ثم أنساه الله هذا حتى جاءه حتف أنفه فقتله.
ومن كتب أبي جعفر إلى أبي مسلم: أما بعد، فإنه يرين على القلوب، وتطبع عليها المعاصي، فقع أيها الطائر، وأفق أيها السكران، وانتبه أيها الحالم، فإنك مغرور بأضغاث أحلام كاذبة، وفي برزخ دنيا قد غرت قبلك، وسحر بها سوالف القرون، فهل " تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ركزاً. وإن الله تعالى لا يعجزه من هرب، ولا يفوته من طلب. ولا تغتر بمن معك من شيعتي، وأهل دعوتي، فكأنهم قد صاولوك إن أنت خلعت الطاعة، وفارقت الجماعة، فبدا لك عند ذلك من الله ما لم تكن تحتسب. فمهلاً مهلاً، أحذر البغي أبا مسلم؛ فإنه من بغى واعتدى تخلى الله عنه، ونصر عليه من يصرعه باليدين والفم. أحذر أن تكون سنة في الذين خلوا من قبل، فقد قامت الحجة، أعذرت إليك، وإلى أهل طاعتي فيك؛ قال الله تعالى: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين "(15/42)
فأجابه أبو مسلم: أما بعد، فقد قرأت كتابك، فرأيتك فيه للصواب مجانباً، وعن الحق حائداً، إذ تضرب فيه الأمثال على غير أشكالها، وتضرب لي فيه آيات منزلة " من الله في الكافرين، وما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وإني والله ما انسلخت من آيات الله، ولكن يا عبد الله بن محمد كنت رجلاً متأولاً فيكم من القرآن آياتٍ أوجبت لكم بها الولاية والطاعة، فأتممت بأخوين لك من قبلك، ثم بك من بعدهما؛ فكنت لهم شيعة " متديناً، أحسبني هادياً، وأخطأت في التأويل، وقديماً لعمري ما أخطأ المتأولون المريدون بذلك وجه الله تعالى، المبتغون إقامة حكم الله سبحانه. وفيما أنزل الله سبحانه من القرآن: " إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل: سلام عليكم "، إلى قوله: " فإنه غفور رحيم " ومن رسالة أخرى كتبها إليه أبو جعفر: أيها الفاسق، إني وليت موسى بن كعب خراسان، وأمرته بالمقام بنيسابور، فإن أردت خراسان لقيك دونها بمن معه من قوادي وشيعتي. وأنا موجه للقائك أقرانك، فاجمع كيدك وأمرك غير مسددٍ، ولا موفق، وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل.
وسفرت بين أبي مسلم وأبي جعفر السفراء، وأخذوا له الأمان، فأقبل حتى دخل على أبي جعفر، وهو يومئذ بالرومية من المدائن، فأمر الناس، فتلقوه، وأذن له، فدخل على دابته، ورحب به، وعانقه، وقال: كدت تخرج قبل أن أفضي إليك بما أريد، قال: أتيت يا أمير المؤمنين، فمر بأمرك، قال: انصرف إلى منزلك، وضع ثيابك، وادخل الحمام، واسترح عنك كلال السفر.
وجعل أبو جعفر ينتظر به الفرص، ويريه من الإكرام ما لم يره قبل ذلك حتى إذا مضت أيام أقبل على التجني عليه. فأتى أبو مسلم عيسى بن موسى، فقال: اركب معي إلى أمير المؤمنين، فإني قد أردت عتابه، قال عيسى: تقدم حتى آتيك، قال أبو مسلم:(15/43)
إني أخافه، قال: أنت في ذمتي، وأقبل أبو مسلم، فقيل له: ادخل، فلما صار إلى الرواق الداخل قيل له: أمير المؤمنين يتوضأ، فلو جلست. وأبطأ عيسى بن موسى عليه.
وقد هيأ له أبو جعفر عثمان بن نهيك في عدة فيهم: شعيب بن رزاح. وتقدم أبو جعفر إلى عثمان فقال: إذا عاتبته فعلا له صوتي، فأخرجوا، وعثمان وأصحابه في سترة من أبي مسلم.
قال الحافظ: الصواب: شبيب بن واج قال أبو العباس المنصوري: لما قتل أمير المؤمنين المنصور أبا مسلم قال: رحمك الله أبا مسلم، بايعتنا وبايعناك، وعاهدتنا، وعاهدناك، ووفيت لنا، ووفينا لك؛ وإنا بايعناك على أنه لا يخرج علينا أحد في هذه الأيام إلا قتلناه، فخرجت علينا، فقتلناك.
قال: ولما أراد المنصور قتله دس له رجالاً من القواد منهم: شبيب بن واج، وتقدم إليهم فقال: إذا سمعتم تصفيقي فاخرجوا إليه، فاضربوه، فلما حضر وحاوره طويلاً حتى قال له في بعض قوله: وقتلت وجوه شيعتنا: فلاناً وفلاناً، وقتلت سليمان بن كثير وهو من رؤساء أنصار دولتنا، وقتلت لاهزاً، قال: إنهم عصوني، فقتلتهم. وقد كان قبل ذلك قال المنصور له: ما فعل سفيان بلغني أنك أخذتهما من عبد الله بن علي؟ فقال: هذا أحدهما يا أمير المؤمنين - يعني السيف الذي هو متقلده - قال: أرينه، قال: فدفعه إليه، فوضعه المنصور تحت مصلاه، وسكنت نفسه. فلما قال ما قال، قال المنصور: ياللعجب! أتقتلهم حين عصوك، وتعصيني أنت فلا أقتلك؟! ثم صفق، فخرج القوم، وبدرهم إليه شبيب فضربه فلم يزد على أن قطع حمائل سيفه، فقال له المنصور: اضربه، قطع الله يدك، فقال أبو مسلم: يا أمير المؤمنين، استبقني(15/44)
لعدوك، قال: وأي عدو أعدى لي منك؟!! اضربوه! فضربوه بأسيافهم حتى قطعوه إرباً إرباً، فقال المنصور: الحمد لله الذي أراني يومك يا عدو الله.
واستؤذن لعيسى بن موسى، فلما دخل، ورأى أبا مسلم على تلك الحال استرجع، فقال له المنصور: احمد الله، فإنك إنما هجمت على نعمةٍ، ولم تهجم على مصيبة.
وروى يعقوب بن جعفر بعد قتل أبي مسلم فقال: أيها الناس، لا تنفروا أطراف النعمة بقلة الشكر فتحل بكم النقمة، ولا تسروا غش الأئمة، فإن أحداً لا يسر منكراً إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه، وطوالع نظره، وإنا لن نجهل حقوقكم ما عرفتم حقنا، ولا ننسى الإحسان إليكم ما ذكرتم فضلنا. ومن نازعنا هذا القميص أوطأنا أم رأسه خبيىء هذا الغمد. وإن أبا مسلم بايع لنا على أنه من نكث بيعتنا، وأضمر غشاً لنا فقد أباحنا دمه، ونكث، وغدر، وفجر وكفر، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا.
قيل لعبد الله بن المبارك: أبو مسلم كان خيراً أو الحجاج؟ قال: لا أزعم أن أبا مسلم كان خيراً من أحدٍ، ولكن الحجاج شر منه.
ظهر أبو مسلم لخمسٍ بقين من شهر رمضان سنة تسعٍ وعشرين ومائة، ثم سار إلى أمير المؤمنين أبي العباس سنة ست وثلاثين ومائة، وقتل في سنة سبع وثلاثين ومائة، وبقي أبو مسلم فيما كان فيه ثمانية وسبعين شهراً غير ثلاثة عشر يوماً. وقتل لخمس ليال بقين من شعبان - ويقال: لليلتين بقيتا منه - وفي رواية: لسبع ليالٍ خلون من شعبان - وفي رواية: سنة أربعين ومائة - وفي المدائن كان مقتله.(15/45)
عبد الرحمن بن مسلم
روى عن واقد بن عبد الله البصري بسنده عن عبد الله بن عمر قال:
لما طعن عمر وأمر الناس بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته، فقالت له: يا أبت، إن الناس يزعمون أن هؤلاء الستة ليسوا برضى "، فقال: سندوني، سندوني. فلما سندوه قال: ما عسى أن يقولوا في علي بن أبي طالب؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يوم يموت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء " قلت: يا رسول الله لعثمان خاصة ما عسى أن يقولوا في طلحة بن عبيد الله سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليله وقد سقط رحله، أم للناس عامة؟ قال: " لعثمان خاصة "، يقول: " من يسوي لي رحلي وله الجنة "؟ فبرز طلحة حتى سوى رحله، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ياطلحة، هذا جبريل يقرئك السلام، ويقول لك: أنا معك يوم القيامة حتى أنجيك من أهوالهاً. ماعسى أن يقولوا في الزبير بن العوام؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد نام، فجلس الزبير يذب عن وجهك حتى استيقظ، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا عبد الله، لم تزل؟ " قال: لم أزل، بأبي وأمي. قال: " هذا جبريل يقرئك السلام، ويقول لك: أنا معك يوم القيامة حتى أذب عن وجهك شرر جهنم ". ما عسى أن يقولوا في سعد بن أبي وقاص؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ وقد أوتر قوسه أربع عشر مرة يدفعها إليه ويقول: " ارم، فداك أبي وأمي ". ما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوفي؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في بيت فاطمة، والحسن والحسين يبكيان جوعاً، ويتضوران، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يصلهما بشيء؟ فأطلع عبد الرحمن بن(15/46)
عوف بصحفةٍ ورغيفين بينهما إهالة. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كفاك الله أمر دنياك، فأما آخرتك فأنا لها ضامن ".
قال الحافظ: وهذا هو عبد الله بن مسلم بن رشيد الدمشقي الذي حدث بنيسابور، وهو ضعيف.
عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة
ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، أبو المسور الزهري المديني الفقيه قدم الشام مع سعد بن أبي وقاص.
روى عن أبي رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من نبي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له في أمته حواري وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون به، ثم يخلف من بعدهم خلف يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة من خردل - وفي رواية: حبة خردل " ".
وفي رواية أخرى: " ما كان نبي إلا وله حواريون يهدون بهديه، ويستنون بسنته، ثم يكون بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون، ويعملون ما ينكرون، من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل. "(15/47)
وروى عن سعد قال: كنا معه بالشام شهرين، فكنا نتم، وكان يقصر، فقلنا له، فقال: إنا نحن أعلم.
وحكى عبد الرحمن بن المسور: أنه خرج مع أبيه أدرج ومعه سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري، حتى إذا كانوا بسرغ سمعوا بالطاعون بالشام.
قال أبو عون: رأيت المسور بن محرمة حين خرج إلى مكة في وجهه الذي قتل فيه كتب وصيته، ودفعها وهي مختومة إلى رجال بني زهرة، وأشهدهم أن ما فيها حق، وأمرهم أن يشهدوا على ما فيها وهي مختومة، فقبضوها على ذلك. قال: فلما قتل المسور دفعوا الكتاب إلى عبد الرحمن بن المسور، وكانت الوصية إليه، فأنفذ مافيها.
مات عبد الرحمن بن المسور بن مخزمة سنة تسعين، وكان يكنى أبا المسور.
عبد الرحمن بن مصاد بن زهير
ويقال: ابن زياد الكلبي من وجوه أهل المزة الذين قاموا في أمر يزيد بن الوليد حتى بويع، ولم يكن يرى ذلك، وإنما حمله عليه أخوه هشام بن مصاد، وحكى شيئاً من أمر حربه. وكان بطلاً شديداً.(15/48)
عبد الرحمن بن معاذ بن جبل الأنصاري
أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد اليرموك، وتوفي مطعوناً في طاعون عمواس قبل أبيه.
قال أبو حذيفة إسحاق بن بشر: قالوا: فبدر معاذ بن جبل - يعني باليرموك - فنادى المسلمين: يا معشر أهل الشام، إنهم قد تهيئوا للشدة، ولا والله، لا يردهم إلا الصدق عند اللقاء، والصبر عند القراع!.
ثم نزل عن فرسه، فقال: من يريد فرساً يركبه، يقاتل عليه؟ قال: فوثب ابنه عبد الرحمن وهو غلام حين احتلم، فأخذه، فقال: ياأبه، إني لأرجو ألا يكون فارس أعظم غناء " في المسلمين مني فارساً. وأنت يا أبت راجل أعظم منك فارس، الرجالة هم عظم المسلمين، فإذا رأوك حافظا مترجلاً صبروا - إن شاء الله - وحافظوا. قال: فقال أبوه: وفقني الله وإياك يا بني.
قال شهر بن حوشب: طعن عبد الرحمن بن معاذ بن جبل، فدخل عليه أبوه، فقال له: كيف تجدك أي بني؟ فقال له: يا أبت " الحق من ربك فلا تكونن من الممترين "، قال معاذ: " ستجدني إن شاء الله من الصابرين " وعن أبي منيب الأحدب قال: خطب معاذ بالشام، فذكر الطاعون، فقال: إنها رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وقبض الصالحين قبلكم، اللهم أدخل على آل معاذ نصيبهم من هذه الرحمة. ثم نزل من مقامه ذلك فدخل على ابنه.(15/49)
عبد الرحمن بن معاوية بن حديج بن جفنة بن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس
ابن معاوية بن جعفر بن أسامة بن سعد بن أشرس بن شبيب التجيبي المصري قاضي مصر، ووفد على الوليد بن عبد الملك ببيعه أهل مصر.
وروى: أن رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ما يحل لي مما يحرم علي؟ فسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرد عليه ثلاث مرات، كل ذلك يسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: " أين السائل؟ " فقال: " أنا ذا يا رسول الله، قال: - ونقر بإصبعه - " ما أنكر قلبك فدعه " وقال: سمعت رجلاً من كندة يقول: حدثني رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنصار أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا ينتقص أحدكم من صلاته شيئاً إلا أتمها الله له من سبحته " ولي القضاء عبد الرحمن بن معاوية بن حديج في ربيع الأول سنة ست وثمانين، وكان على الشرط أيضاً، وفي هذه السنة توفي عبد العزيز بن مروان، فقدم عبد الله بن عبد الملك بن مروان أميراً فأقر عبد الرحمن بن معاوية على القضاء والشرط إلى شهر رمضان سنة ست وثمانين، ثم صرفه عنهما.
وكان عبد الرحمن بن معاوية بن حديج أول قاضٍ نظر في أموال اليتامى، وضمن عريف كل قومٍ أموال يتامى تلك القبيلة، وكتب بذلك كتاباً، فكان عنده.
توفي سنة خمس وتسعين.
وضبط ابن ماكولا حديج - بضم الحاء وفتح الدال -(15/50)
عبد الرحمن بن معاوية بن هشام
ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو المطرف الأموي الهشامي المعروف بالداخل ولد بدير حنيناء، وذكر البلاذري أنه من عمل دمشق. غلب على الأندلس حين قتل مروان بن محمد، وهو لأم ولد اسمها راح.
ويقال إنه لما خرج هارباً من مصر إلى أرض برقة، أقام ببرقة خمس سنين، ثم رحل من برقة يريد الأندلس.
وكان دخول عبد الرحمن الأندلس سنة تسعٍ وثلاثين ومائة - وقيل سنة ثمان وثلاثين - في زمن أبي جعفر المنصور.
وكان الوالي على الأندلس يوسف الفهري أول من قطع الدعوة عن بني أمية، وكان من قبل يوسف من الولاة يدعون لولد عبد الملك بالخلافة، فلما أتى يوسف قطع الخلافة عنهم، ودعا لنفسه، فلما دخل عبد الرحمن الأندلس قاتل يوسف، وأخذ البلاد.
قيل إن عبد الرحمن لما توجه إلى يوسف الفهري أتلى الخبر يوسف بشخوصه، وأخبر بقدومه، وتوجهه إليه، فلم يعبأ يوسف، ولم يكترث، وإن عبد الرحمن لما توجه إليه غدا إلى الجزيرة، فنزلها، فاتبعه أهلها، ثم مضى منها إلى شذونة، فاتبعه أهلها، ثم مضى من شذونة إلى اشبيلية، فاتبعه من فيها، ثم مضى من اشبيلية إلى قرطبة، وهي مدينة الأندلس، فاتبعه من فيها، فكان كلما دخل مدينة ابتعه أهلها حتى دخلوا معه الأندلس. فذكروا أنهم دخلوها يوم الأضحى، أول الفطر، فلما رأى يوسف العساكر قد أظلته خرج هارباً إلى دار الشرك، فتحصن فيها هناك.(15/51)
وغزاه عبد الرحمن من بعد ذلك، فوقعت نفرة في عسكره، فانهزم، وانصرف عبد الرحمن ومن معه بلا حرب. وجعل عبد الرحمن لمن أتاه برأسه جعلاً، فأتاه رجل من أصحاب يوسف برأس يوسف، فسره ذلك، فأجازه، وأكرمه.
وأقام عيال يوسف في مسكنهم لم يهجهم بشيء، فلما كان بعد ذلك خير عياله في الخروج عنه، أن المقام في موضعهم، فاختاروا موضعهم، فأقاموا فيه.
وكان عبد الرحمن الأندلسي، ووليها نائباً، وقال: إن أتت رسل بين العباس سلمت إليهم، وأنزلتهم هاهنا، فقال له مولاه - يقال له: مهدي بن الأصفر -: تخاف قوماً بينك وبينهم طول هذه المدة، والبحر دونك ودونهم؟ فأشار عليه ألا يفعل، فقبل منه.
ولعبد الرحمن أدب وشعر. ومما أنشد له يتشوق إلى معاهده بالشام: من الخفيف
أيها الراكب الميمم أرضي ... أقر من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرضٍ ... وفؤادي ومالكيه بأرض
قدر البين بيننا فافترقنا ... وطوى البين عن جفوني غمضي
قد قضى الله بالفراق علينا ... فعسى باجتماعنا سوف يقضي
وكان من أهل ذلك الصقع جفاء وغلظة، فلما أمن به عبد الرحمن، ونشأ أولاده فضلاء علماء سمحاء توفر أعيان الرعية به على التأدب والتفقه، فرقت حواشيهم، ونبغ فيهم شعراء، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، والملك سوق يجلب إليها ما ينفق فيها.
وكان المنصور يثني على عبد الرحمن، ويقول: ذاك صقر قريش، دخل المغرب وقد قتل قومه، فلم يزل يضرب العدنانية بالقحطانية، ويلبس القحطانية بالعدنانية حتى ملك.
وكان الناس يقولون: ملك الأرض ابنا بربريتين - يعنون: عبد الرحمن والمنصور، أم المنصور سلامة البربرية، وأم عبد الرحمن راح البربرية.(15/52)
وكان عبد الرحمن على سيرة جميلة من العدل، ومن قضاته: معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي.
كان مولد عبد الرحمن بالشام سنة ثلاث عشرة ومائة. ومات سنة اثنتين وسبعين ومائة.
عبد الرحمن بن مغراء بن عياض بن الحارث بن عبد الله بن وهب
أبو زهير الدوسي الرازي سكن ماشهران، قرية من قرى الري. وولي قضاء الأردن، وقدم دمشق، وحدث بها. وكان جده الحارث قدم مع أبيه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السبعين الذين قدموا من دوس.
روى عن محمد بن إسحاق بسنده، عن خزيمة بن جزء قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فقلت: يارسول الله، إني جئت أسألك عن أحناش الأرض، قال: " سل عما شئت "، قال: فسألته عن الضب، فقال: " لا آكله، ولا أحرمه "، فقلت: إني آكل ما لم يحرم، قال: " إنها فقدت - يعني - أمة من الأمم، وإني رأيت خلقاً رابني ". قال: وسألته عن الأرنب، فقال: " لا آكله، ولا أحرمه "، قلت: فإني آكل ما لم يحرم، قال: " بلغني أنها تدمى ". قال: وسألته عن الضبع، قال: " ومن يأكل الضبع؟! " قال: وسألته عن الذئب، فقال: " لا يأكل الذئب أحد فيه خير ".(15/53)
روى عن الأعمش، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم قرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب الله - عز وجل - لأهل البلاء " قال عيسى بن يونس: كان عبد الرحمن بن مغراء طلابة ".
وقال أبو خالد الأحمر: طلب الحديث قبلنا وبعدنا.
وقال أبو زرعة: صدوق وقال محمد بن مهران: ذاك صاحب الأسمر وقال علي بن عبد الله بن المديني: ليس بشيء، تركناه، لم يكن بذاك وقال ابن عدي: هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم.
عبد الرحمن بن مل
ويقال: ابن ملي بن عمرو بن عدي بن وهب بن ربيعة بن سعد بن جذيمة ابن كعب بن رفاعة ابن مالك بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير، أبو عثمان النهدي من أكابر التابعين. وأدرك حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصدق إليه، ولم يره، وسكن البصرة، وغزا غزوات كثيرة. شهد اليرموك.
روى عن أسامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قمت على باب الجنة، فإذا عامة من يدخلها الفقراء، وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار. وقمت على باب النار، فإذا عامة من يدخلها النساء ".
وفي رواية: " فإذا عامة من دخلها المساكين ".
هاجر عبد الرحمن بن مل إلى المدينة بعد موت أبي بكر، ووافق استخلاف عمر.(15/54)
قال أبو حفص الفلاس: أبو عثمان النهدي، اسمه عبد الرحمن بن مل. وكان أصله من الكوفة. قال: عمران بن حدير: كنت آتية في الحاجة، فيقوم ستين قومة، ثم يصلي ستين ركعة.
وعن عاصم الأحول:
سئل أبو عثمان النهدي وأنا أسمع: هل أدركت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، أسلمت على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأديت إليه صدقات، وغزوت على عهد عمر: القادسية، وجلولاء، وتستر، ونهاوند، وأذربيجان، ومهران، ورستم - وقال في رواية: فكنا نأكل السمن، ونترك الودك.
وروى البخاري أنه قال: بلغت نحواً من ثلاثين ومائة سنة - زاد غير البخاري: وما مني شيء إلا قد أنكر خلا أملي.
وروى عمرو بن علي أنه قال: حججت في الجاهلية حجتين وقال أبو نعيم الحافظ: وكان كثير العبادة، حسن القراءة، لزم سلمان الفارسي وصحبه اثنتي عشرة سنة قال الحجاج بن أبي زينب: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: كنا في الجاهلية نعبد حجراً، فسمعنا منادياً: ينادي: إن ربكم قد هلك فالتمسوا رباً غيره. قال: فخرجنا على كل صعب وذلول، فينا نحن كذلك نطلبه إذا نحن بمنادٍ ينادي: أن قد وجدنا ربكم.
وقال أبو عثمان النهدي: رأيت يغوث صنماً من رصاصٍ يحمل على جملٍ أجرد، فإذا بلغ وادياً فبرك فيه قالوا: قد رضي لكم ربكم هذا الوادي.(15/55)
وقال: حججت ليغوث، وكان صنماً من رصاص لقضاعة بمثال امرأةٍ، وعبدت ذا الخلصة، ودورت الأدورة، ثم اتبعت الإسلام.
وقال: كنت ابن سبعة عشرة سنة أرعى إبل أهلي، فكان يمر بنا المار جائي من تهامة، فنقول له: ما هذا الصابىء الذي خرج فيكم؟ فيقول؛ خرج والله رجل يدعو إلى الله وحده، قد أفسد ذات بينهم.
وقال: أتيت أطلب رسول الله فوجدته قد مات، ثم كان أبو بكر قلما لبث، ثم أتيت عمر بن الخطاب، فكنت عنده شهرين، وكان يقنت في صلاة الغداة بعد الركوع.
وقال: كنت فيمن يضرب عمر قدميه لإقامة الصف.
قال ابن عياش: كان الفقهاء والمحدثون بعد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هؤلاء النفر المسلمين. فذكرهم، وفيهم أبو عثمان النهدي قال عاصم الأحول: بلغني أن أبا عثمان النهدي يصلي فيما بين المغرب والعشاء مائة ركعة، فصليت المغرب، ثم قام يصلي، وقعدت أعد صلاته، قال: فقلت: إن هذا لهو الغبن، يصلي وأنا جالس؟ فقلت له: كم أحصيت إلى تلك الساعة؟ قال: خمسين ركعة ".
وعن سليمان التيمي قال: إني لأحسب أن أبا عثمان كان لا يصيب دنيا، كان ليله قائماً، ونهاره صائماً، وإن كان ليصلي حتى يغشى عليه.
وقال عبد السلام بن عجلان: كان أبو عثمان النهدي إذا حدث قال: ارجعوا مغفوراً لكم، فلو حلفت لبررت إنه مغفور لكم.(15/56)
وعن ثابت البناني، عن أبي عثمان النهدي قال: إني لأعلم حين يذكرني الله، فقيل له: من أين تعلم ذلك؟ قال: يقول الله عز وجل: " اذكروني أذكركم " فإذا ذكرت الله ذكرني. قال: وكنا إذا دعونا الله قال: والله لقد استجاب الله لنا، ثم يقول: " ادعوني استجب لكم " - وزاد في رواية: فقال له الحسن: يا أبا عثمان تألى على الله!؟ فقال له: أرأيت لو وعدتني ميعاداً ظننت أنك لا تخلفني؟! وقال سليمان التيمي: كنت ابتدىء أبا عثمان بالحديث، فيحدثني به.
وقال عاصم: قلت لأبي عثمان: إنك تحدثنا بالحديث، فربما حدثتناه كذلك، وربما نقصت، قال: عليك بالسماع الأول.
وقال مالك بن إسماعيل النهدي: كان أبو عثمان النهدي من ساكني الكوفة، ولم يكن له دار في النهد، فلما قتل الحسين بن علي تحول فنزل البصرة، وقال: لا أسكن بلداً قتل فيه ابن بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الحافظ: الصواب: من سكني الكوفة، وله بها دار في بني نهد.
قال أبو حاتم: أبو عثمان النهدي ثقة. كان عريف قومه. سئل أبو زرعة عن أبي عثمان النهدي فقال: بصري ثقة.(15/57)
وقال عبد السلام بن شداد " رأيت أبا عثمان النهدي شرطياً. قال: يجيء، فيأخذ من أصحاب الكمأة.
قال هشيم: بلغني أن أبا عثمان النهدي توفي وهو ابن اربعين ومائة سنة.
وقال عمرو بن علي: وهو ابن ثلاثين ومائة سنة.
ومثله من طريق خليفة وفي سنة وفاته خلاف: قال عمرو بن علي: مات سنة خمس وتسعين ومثل ذلك من طريق ابن زبر وقال: وهو ابن اثنتين وثلاثين ومائة سنة.
وقال المدائني: سنة مائة مات أبو عثمان النهدي. وقال الهيثم مثل ذلك، ومثله من طرق أخرى.
وقال خليفة: مات بعد سنة مائة - ويقال بعد خمسٍ وتسعين وقالوا: مات أبو عثمان النهدي أول ماقدم الحجاج.
عبد الرحمن بن ميسرة
أبو سليمان الكلبي من أهل دمشق
حدث عن عطية مولى السلم من طريقه عن أبي ذر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، ومات لا يشرك بالله شيئاً فإن حقاً على الله أن يغفر له، هاجر أو مات في مولده "(15/58)
قال الحافظ: وقد فرق البخاري بين الدمشقي والحضرمي، فقال: عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي، ثم ذكر بعده ما قدمناه.
قال العجلي: عبد الرحمن بن ميسرة شامي، تابعي، ثقة.
عبد الرحمن بن نافع
أبو عبد رب الوضوء سمع يونس بن ميسرة بن حلبس يقول: ثلاثة يحبهم الله: من كان عفوه قريباً ممن أساء إليه، فذلك الذي تقوم به الدنيا، ومن كره سوءاً يأتيه إلى أخيه أو صاحبه، فذاك قمن أن يستحي الله منه، ومن كان بمنزلة رفعةٍ في الدنيا، فتواضع، فذلك الذي يخاف عظمتي، ويخاف مقتي - وقال غيره: يعرف عظمتي.
عبد الرحمن بن نجيح
أبو محمد الثقفي المؤذن حدث عن أبي علي الجرجاني بسنده، عن عبد الله بن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال عند مضجعه بالليل: الحمد لله الذي علا فقهر، والذي بطن فخبر، والحمد لله الذي ملك فقدر، والحمد لله الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير، مات على غير ذنب "
عبد الرحمن بن نشر بن الصارم
ابو سعيد الغافقي المصري وفد على سليمان بن عبد الملك، ورجع إلى الأندلس فاستشهد بها في قتال الروم. كان قتله في سنة اثنتين وعشرين ومائة فيما حكي عن ابن بكير، عن الليث.(15/59)
قال أبو نصر الحافظ: نشر: أوله نون مفتوحة بعدها شين ساكنة معجمة
عبد الرحمن بن أبي بكرة نفيع
ابن الحارث ويقال: مسروح بن الحارث أبو بحر - ويقال: أبو حاتم - الثقفي وفد مع أبيه على معاوية. وقدم على معاوية أيضاً يخبره بمجيء زياد من فارس.
روى عن أبيه أن رجلاً مدح رجلاً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ويحك! قطعت عنق صاحبك ". ثم قال: " إن كان أحدكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً، ولا أزكي على الله أحداً، حسيبه الله، إن كان يرى أنه كذلك ".
وقال عبد الرحمن بن أبي بكرة: وفدنا إلى معاوية نعزيه مع زياد، ومعنا أبو بكر، فلما قدمنا عليه لم يعجب بوفدٍ ما أعجب بنا، فقال: يا أبا بكرة، حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكرة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجبه الرؤيا الحسنة، ويسأل عنها، وإنه قال ذات يوم: " أيكم رأى رؤيا؟ " فقال رجل من القوم: أنا رأيت ميزاناً دلي من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت بأبي بكر، ووزن فيه أبو بكر وعمر، فرجح أبو بكر(15/60)
بعمر، ووزن عمر وعثمان، فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان. فاستأولها نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي أولها، فقال: " خلافة نبوةٍ ويؤتي الملك من يشاء "، قال:، فزخ في أقفائنا، وأخرجنا. فلما كان الغد عدنا، فقال: يا أبا بكرة، حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فبكعه به، قال: فذخ في أقفائنا واخرجنا فلما كان في اليوم الثالث عدنا فسأله أيضاً فبكعة به. فقال معاوية: يقول: إنا ملوك، فقد رضينا بالملك، فقال أبو بكرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل نفساً معاهدة بغير حقها لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد مسيرة خمسمائة سنة ". وقال أبو بكرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليردن على الحوض رجال ممن صحبني ورآني، فإذا رفعوا إلي ورأيتهم اختلجوا دوني، فأقول: يارب، أصحابي - وفي رواية: أصيحابي! - فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك " قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن أبي بكرة أدرك عمر. شهد فتح تستر وقال: أنا أول مولود ولد بالبصرة، ونحرت علي جذور.
ومن طريق سيف: خرج عتبة بن غزوان في سبعمائة من المدائن، فسار حتى نزل على شاطىء دجلة، وتبوأ دار مقامه، فولد فيها عبد الرحمن بن أبي بكرة، فنحر أبو بكرة عليه جزوراً، فدعا عليها أهل البصرة يومئذ، فكفتهم.
ومن طريق آخر، قال عبد الرحمن: أنا أنعم الناس، أنا أبو أربعين، وعم أربعين، وخال أربعين، وأبي أبو بكرة، وعمي زياد.
وقال يونس بن عبيد:
شهدت وقعة ابن الأشعث وهم يصلون في شهر رمضان، وكان عبد الرحمن بن أبي(15/61)
بكرة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسعيد بن أبي الحسن، وعمران العبدي، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة، ولايقنتون إلا في النصف الثاني، وكانوا يختمون القرآن مرتين.
عن ابن سيرين: اشتكى رجل، فوصف له لبن الجواميس، فبعث إلى عبد الرحمن بن أبي بكرة: ابعث إلينا بجاموسةٍ، قال: فبعث إلى قيمه: كم حلوب لنا؟ قال: تسعمائة، قال: ابعث بها إلينا. فلما أتته قال: إنما أردت واحدة "! قال: فبعث إليه: اقبضها كلها.
قال الحافظ: وقد رويت هذه الحكاية لعبيد الله بن أبي بكرة، وهي به أشبه.
وعن العتبي: عزى عبد الرحمن بن أبي بكرة سليمان بن عبد الملك فقال: إنه من طال عمره فقد الأحبة، ومن قصر عمره كانت مصيبته في نفسه.
وروي الخبر عن الأصمعي قال: عزى عبد الرحمن بن أبي بكره سليمان بن عبد الملك بجارية له كان يجد بها وجداً مبرحاً، فاغتم عليها، فقال: يا أمير المؤمنين، من طال عمره فقد الأحبة، ومن قصر عمره كانت مصيبته في نفسه. فقال سليمان بن عبد الملك: من الكامل
وإذا تصبك مصيبة فاصبر لها ... عظمت مصيبة مبتلى لايصبر
عن المدائني: مات عبد الرحمن بن أبي بكرة سنة ست وتسعين، صلى عليه الجراح في الرحبة.
ومن طريق آخر عنه: مات عبد الرحمن بن أبي بكرة وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.(15/62)
عبد الرحمن بن نمر
أبو عمر اليحصبي من أهل دمشق روى عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان ركعتين صدراً من خلافته ركعتين، ثم أتمها عثمان أربعا: حين اتخذ الأموال بمكة، وأجمع على إقامةٍ بعد الحج.
وقال: سألت الزهري عن الرجل يمس ذكره، أو المرأة تمس فرجها، فقال: حدثني عروة بن الزبير أنه سمع مروان بن الحكم يقول: أخبرتني بسرة بنت صفوان الأسدية أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالوضوء من مس الذكر، والمرأة مثل ذلك.
وروى عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منادياً: " إن الصلاة جامعة "، فاجتمع الناس، وتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكبر، وافتتح القرآن، وقرأ قراءة طويلة يجهر بها، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: " سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد "، ثم افتتح القرآن وهو قائم لم يسجد فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً وهو أدنى من الركوع الأول ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم كبر، ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك، فاستكمل أربع(15/63)
ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس. ثم قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحدٍ، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة. " قال الزهري: فقلت لعروة: والله ما فعل ذلك أخوك عبد الله بن الزبير، انخسفت الشمس وهو بالمدينة، ومن أراد أن يسير إلى الشام، فما صلى إلا مثل صلاة الصبح!. قال عروة: أجل، إنه أخطأ السنة قال أبو زكريا البخاري: نكر - بالنون - والد عبد الرحمن بن نمر صاحب الزهري قال دحيم: عبد الرحمن بن نمر صحيح الحديث عن الزهري وقال ابن معين: هو ضعيف في الزهري وقال أبو حاتم: ليس بقوي وقال ابن عدي: وقول ابن معين: هو ضعيف في الزهري ليس أنه أنكر عليه في أسانيد ما يرويه عن الزهري أو متونها إلا ما ذكرت من قوله: " والمرأة مثل ذلك "، وهو في جملة ن يكتب حديثه من الضعفاء. وابن نمر هذا له عن الزهري غير نسخة، وهي أحاديث مستقيمة.(15/64)
عبد الرحمن بن هرمز
أبو داود الأعرج المدني مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وفد على يزيد بن عبد الملك.
وروى عن عبد الله بن بحينة قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة " - يطن أنها العصر - فقام في الثالثة ولم يجلس، فلما كان قبل أن يسلم سجد سجدتين - وفي رواية: قام في السجدتين من الظهر ولم يجلس بينهما، فلما فرغ من صلاته ...
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا استأذن أحدكم جاره أن يضع خشبة " في حائطه فلا يمنعه "، قال: فأعرضوا، فقال: مالي أراكم معرضين؟ لألقينها بين أكتافكم! وعن الواقدي: أن عبد الرحمن بن هرمز أراد الشخوص إلى يزيد بن عبد الملك، وكان على ديوان أهل المدينة، فأرسلت إليه فاطمة بنت الحسين بن علي، وعرفته أن عبد الرحمن بن الضحاك الفهري خطبها، وسألته أن ينهي ذلك إلى يزيد.
قال ابن المديني: أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، والأعرج، وأبو صالح، ومحمد بن سيرين، وطاوس. وكان همام بن منبه يشبه حديثه حديثهم إلا أحرفاً.(15/65)
وسئل عن أعلى أصحاب أبي هريرة، فبدأ بسعيد بن المسيب، ثم قال: وبعده أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو صالح السمان، وابن سيرين، فقيل له: فالأعرج؟ فقال: هو ثقة، وهو دون هؤلاء.
قال محمد بن عكرمة: كان عبد الرحمن الأعرج يكتب المصاحف: وروى ابن المبارك عن رجل: أن عبد الرحمن نظر إلى رجل صلى في المسجد صلاة سوءٍ، فقال له عبد الرحمن: قم فصل! قال: قد صليت، قال: والله لا تبرح حتى تصلي! فقال: مالك ولهذا يا أعرج؟! قال: والله لتصلينه أو ليكونن بيني وبينك أمر يجتمع علينا أهل المسجد! فقام الرجل، فصلى صلاة " حسنة.
قال أبو إسحاق: لقيت أبا الزناد، فسألته عن الهمز، فكأنما يقرؤه من كتاب.
وعن نافع بن أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج: أنه قرأ: " لتخذت عليه أجراً "، قال: لا تأخذها عنه، فإنه لم يكن عالماً بالنحو.
قال أبو علقمة الفروي: رأيت عبد الرحمن الأعرج جالساً على باب داره إذا مر به مسكين أعطاه تمرة.
قال عبد الرحمن: إني أريد أن آتي الإسكندرية فأرابط بها، فقيل له: وما تصنع بها وما عندك قتال؟ وما تكون في مكان إلا كنت كلا على المسلمين؟! قال: سبحان الله،(15/66)
فأين الحصيصا؟! قال: وكان سيخاً كبيراً، فخرج إليها، فأراه مات بها. وثقة العجلي وابن خراش.
مات عبد الرحمن الأعرج بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة - وقيل: سنة عشر ومائة، وقيل: قريباً من سنة سبع عشرة ومائة - وقيل: سنة عشر ومائة، وقيل: قريباً من سنة سبع عشرة ومائة.
عبد الرحمن بن أبي هريرة الدوسي
حدث عن أبي هريرة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال فقد صام الدهر كله " وفي رواية: " صوم شهر الصبر - يعني رمضان - وستة أيام من شوال من العد صوم الدهر " وروي عن رجل من رهط أبي هريرة أن عبد الرحمن بن أبي هريرة صنع لهم طعاماً يوم الفطر، وهم بدمشق، ثم دعاهم، ثم حدثهم عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وعن نافع: أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل عبد الله بن عمر عما لفظ البحر، فنهاه عن أكله، ثم انقلب عبد الله، فنظر بالمصحف، فقرأ: " أحل لكم صيد البحر وطعامه " قال نافع: فأرسلني عبد الله بن عمر إلى عبد الرحمن بن أبي هريرة: إنه لا بأس به، فكله.(15/67)
عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل
ابن عبيد الله بن أبي المهاجر ويقال: ابن يحيى بن عبد العزيز، أبو محمد المخزومي روى بسنده عن إسماعيل بن عبيد قال: قال لي عبد الملك بن مروان: يا إسماعيل، أدب ولدي، فإني معطيك - أو مثيبك - فقال إسماعيل: وكيف بذلك يا أمير المؤمنين؟ وقد حدثتني أم الدرداء، عن أبي الدرداء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أخذ على تعليم القرآن قوساً قلده الله - تبارك وتعالى - قوساً من نار يوم القيامة "! فقال عبد الملك: يا إسماعيل، إني لست معطيك - أو مثيبك - عن القرآن، إنما أعطيك على النحو.
وروى عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً حتى يفكه العدل، أو يوثقه الجور " توفي أبو محمد عبد الرحمن بن يحيى بن اسماعيل المخزومي في سنة سبعٍ وعشرين ومائتين.
قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، صدوق.
عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي
أخو عبد الله بن يزيد بن تميم روى عن الزهري، عن زيد بن أسلم:
أن عبد الله بن عمر دخل على عبد الله بن مطيع حين هاجت الفتنة، فقال: مرحباً(15/68)
بابي عبد الرحمن، ضعوا له وسادة "، فقال: إني لم آتك لأقعد، ولكن جئت لأحدثك كلمتين سمعتهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من نزع يدا من طاعةٍ فإنه يأتي يوم القيامة لا طاعة، ولا حجة، ومن مات مفارقاً للجماعة فقد مات موتة جاهلية ".
وروى عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه قال: خرجت في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوةٍ، فلقينا العدو، فشددت على رجلٍ، فطعنته، ففطرته، وأخذت سلبه، فنفلينه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال دحيم: وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم منكر الحديث عن الزهري وسئل دحيم: عبد الرحمن بن يزيد ين تميم أين هو من أخيه عبد الله؟ قال: كان عبد الله يتهم بالقدر، وكان عبد الرحمن عنده كتاب كبير للزهري.
وقال أبو حاتم: سألت محمد بن عبد الرحمن، ابن أخي حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر؟ قال: قدم الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، ويزيد بن جابر بن يزيد بن جابر. ثم قدم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر. فالذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر، هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم. وقال: ضعيف وقال أبو بكر بن أبي داود: ابن يزيد بن تميم قدم فاراً مع القدرية، وكان من أهل دمشق. وقد سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وجميعاً يحدثان عن مكحول، وابن جابر أيضاً دمشقي، وحدث عن مكحول؛ ظن أبو أسامة أنه ابن جابر الذي روى عنه ابن المبارك. وابن جابر ثقة مأمون يجمع حديثه، وابن تميم ضعيف، روى عن الزهري أحاديث مناكير.(15/69)
وقال احمد بن حنبل: أقلب أحاديث شهر بن حوشب، صيرها حديث الزهري وقال البخاري: منكر الحديث وقال أبو داود والنسائي: متروك وقال الدار قطنب وأبو زرعة: ضعيف
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر
أبو عتبة الأزدي الداراني حدث عن القاسم، عن عقبة بن عامر الجهني قال: بينا - وفي رواية: بينما - أنا أقود برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نقب من تلك النقاب إذ قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اركب ياعقب "، قال: فأجللت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أركب مركبه، ثم أشفقت أن تكون معصية "، فركبت هنية - وفي رواية: هنيهة - ثم نزلت، ثم ركب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدت به، فقال لي: " يا عقب، ألا أعلمك من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ فقلت: بلى، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال: " قل أعوذ برب الفلق "، و" قل أعوذ برب الناس "، قال: فلما أقيمت الصلاة صلاة الصبح قرأ بهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم مر بي، فقال: كيف رأيت يا عقب؟ اقرأ بهما كلما نمت وقمت - وفي رواية: اقرأهما " كان عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أكبر من أخيه يزيد بن يزيد. مات سنة ثلاث(15/70)
وخمسين ومائة، وهو ابن بضع وثمانين سنة - وقيل سنة أربع وخمسين ومائة - في خلافة أبي جعفر. وفي رواية: سنة ست وخمسين ومائة.
وكان ثقة.
وذكر هشام بن الغاز أن أبا جعفر المنصور كتب إليه وإلى عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فقدما عليه بغداد.
وذكروا أن يزيد بن جابر كان من أهل البصرة. قدم مع عباد بن زياد، وولد عبد الرحمن ويزيد بالشام.
وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: كنت أردف أبي أيام الوليد بن عبد الملك، فقدم علينا سليمان بن يسار، فدعاه أبي إلى الحمام، وصنع له طعاماً.
وقال: كنت ألي المقاسم في أيام هشام، وصليت بسليمان بن موسى، وكنت أسن منه.
وقال: وكنت أدخل أنا ومكحول المسجد، وقد صلى الماس فيؤذن مكحول، ويقيم، ويتقدم، فيصلي بهم.
وكان الوليد بن مسلم يثني على ابن جابر.
وقيل: إذا رأيت الشامي يذكر الأوزاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وسعيد بن عبد العزيز فاطمئن إليه.
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: " لا تكتبوا العلم إلا ممن يعرف بطلب الحديث "(15/71)
قال الخطيب: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ووهموا في ذلك، فالحمل عليهم في تلك الأحاديث، ولم يكن ابن تميم ثقة "، وإلى تلك الأحاديث أشار عمرو بن علي، وأما ابن جابر فليس في حديثه منكر.
وحدثت عن دعلج بن أحمد قال: قال موسى بن هارون:: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان في ذلك وهماً منه، هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف.
عبد الرحمن بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك واسمه هانىء الهمداني أخو خالد بن يزيد بن أبي مالك ولي قضاء دمشق للمهدي بعد يحيى بن حمزة، ثم عزله المهدي ورد يحيى بن حمزة. وقيل: إن الذي عزله الهادي.
سماه أبو زرعة في نفرٍ ثقات، وفي الإخوة من أهل الشام.
عبد الرحمن بن يزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر روى عن أبيه عن جده قول حذيفة: لاتفتح القسطنطينة حتى تفتح القريتان: نيقية وعمورية؟(15/72)
عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي روى عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يضمن لي واحدة أضمن له الجنة؟ قلت: أنا يا رسول الله، قال: " لا تسأل الناس شيئاً ". فكان سوط ثوبان يسقط وهو على بعيره، فينيخ حتى يأخذه، ولا يقول لأحد: ناولنيه.
وفي رواية: " من يتقبل لي بواحدة أتقبل له بالجنة " - وفي رواية: تقبلت له بالجنة -؟ "، قال: ثوبان: أنا يا رسول الله، قال: " لا تسأل أحد شيئاً " قال: فربما سقط سوط ثوبان وهو على البعير، فما يسأل أحداً يناوله إياه حتى ينزل فيأخذه.
وروى عن ثوبان، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أرقاءكم " قال المفضل بن غسان الغلابي: قلت ليحيى بن معين: يزيد بن هارون، نا عن العوام بن حوشب، عن عبد الكريم المكتب، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية قال: الكلمات التي تلقى آدم من ربه كلمات؛ قال: هو عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية.
قال مصعب: كان عبد الرحمن بن يزيد رجلاً صالحاً(15/73)
وعن الوليد بن هشام: كان عمر بن عبد العزيز يرق على عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية لما هو عليه من النسك.
وقال: قدم عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية على عمر بن عبد العزيز، فرفع إليه ديناً، أربعة آلاف دينار، فوعده بقضاء ذلك عنه، فقال له: وكل أخاك الوليد بن هشام، وانصرف إلى أهلك. قال الوليد: فتقاضيته ذلك، قال: فقال لي: قد بدا لي أن أقضي عن رجل واحدٍ أربعة آلاف دينار، وإن كنت أعلم أنه أنفقها في خير. قال: قلت يا أمير المؤمنين، فأين ما كنا نتحدث أن من أخلاق المؤمن أن ينجز ما وعد؟ فقال لي: ويحك يا بن هشام؟ قد وضعتني بهذا الموضع؟؟؟؟ قال المفضل بن غسان: كان يقال: أربعة كلهم عبد الرحمن، وكلهم عابد، وكلهم قريش: عبد الرحمن بن زياد بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن أبان بن عثمان، وعبد الرحمن بن يزيد بن معاوية. يقال: إنه أفضلهم الذي حدث: " فتلقى آدم من ربه كلمات " وعن المعتمر بن سليمان قال: قال عبد الرحمن بن يزيد - وكان له حظ من دينٍ وعقل، فقال لبعض أصحابه -: أيا فلان، أخبرني عن حالك التي أنت عليها، أترضاها للموت؟ قال: لا، قال: فهل أزمعت للتحويل إلى حال ترضاها للموت؟ قال: لا، والله ماتاقت نفسي إلى ذلك بعد، قال: فهل بعد الموت دار فيها معتمل؟ قال: لا، قال: فهل تأمن أن يأتيك الموت وأنت على حالك هذه؟ قال: ولا، قال: ما رأيت مثل هذه حالاً رضي بها، وأقام عليها - أحسبه قال: - عاقل وكان عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية خلا لعبد الملك بن مروان، فلما مات عيد الملك، وتصدغ الناس عن قبره وقف عليه، فقال له: أنت عبد الملك بن مروان(15/74)
الذي كنت تعدني فأرجوك، وتوعدني فأخافك، أصبحت وليس معك من ملكك غير ثوبيك، وليس لك غير أربعة أذرع في عرض ذراعين ثم أنكفأ إلى أهله، فاجتهد في العبادة حتى صار كأنه شن بال، فدخل عليه بعض أهله، فعاتبه في نفسه، وإضراره بها، فقال لقائله: أسألك عن شيء تصدقني عنه ما بلغه علمك؟ قال: نعم، قال: أخبرني عن حالك التي أنت عليها، أترضاها للموت؟ قال: اللهم لا، قال: فاعتزمت على انتقالك منها إلى غيرها؟ قال: ما أشخصت رأيي في ذلك، قال: أفتأمن أن يأتيك الموت على حالك التي أنت عليها؟ قال: اللهم لا، قال: فيعد الدار التي أنت فيها معتمل؟ قال: اللهم لا، قال: حال ما أقام عليها عاقل. ثم أنكفأ إلى مصلاه.
عبد الرحمن بن يسار أبي ليلى
ويقال: اسم أبي ليلى داود بن بلال ويقال: يسار - بن بلال بن بليل بن أحيحة بن الجلاح ابن الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف أبو عيسى الأنصاري الكوفي الفقيه وفد على معاوية بن أبي سفيان. واستوفده عبد الملك بن مروان روى عن علي أن فاطمة أتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشكو إليه ما تلقى من يدها من أثر الرحى، فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت له عائشة. فقال علي: فأتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أخذنا مضاجعنا. قال: فذهبنا لنقوم، فقال: " على مكانكما "، قال: فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري،(15/75)
فقال: " ألا أدلكما، أو أخبركما، بخير مما سألتما؟ إذا أويتما إلى فراشكما فكبرا الله أربعاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين؛ فإنه خير لكما من خادم، أو مما سألتما " وروى عن سمرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين " وعن البراء: أنه كان يقنت في الصبح. قال عمرو: فذكرت ذلك لإبراهيم، فغضب وقال: إنه كان صاحب أمراء - يعني: ابن أبي ليلى وفي رواية أخرى: أنه كان يقنت في الصبح. قال عمرو: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال لي: لم يكن كأصحاب عبد الله، كان صاحب أمراء. قال: فرجعت، فتركت القنوت، فقال أهل مسجدنا: تالله ما رأينا كاليوم قط شيئاً لم يزل في مسجدنا. قال: فرجعت إلى القنوت. قال: فبلغ ذلك إبراهيم، فلقيني، فقال: هذا مغلوب على صلاته.
قدم ابن أبي ليلى - يعني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - من عند أبي جعفر، وقد كساه، وأعطاه، فأتيته مسلماً، فوجدت عنده طربالاً وأخا طربال، فسأله، فقال: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وانتسب إلى أحيحة بن الجلاح، فقال له معاوية: أعد، فأعاد، ثم قال له: أعد، فأعاد، ثم قال له: أعد، ففعل، وقال له: يا أمير المؤمنين، قبس؛ فإن وجوهنا تضيء عنده.(15/76)
قال يحيى بن سعيد: فاستحييت، وعلمت أنه يعلم ما يقول الناس في نسبه، فأراد أن يقوي نسبه بهذا الحديث.
قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف: احمل إلي عبد الرحمن بن أبي ليلى مقيداً. فأرسل إلي الحجاج حوشب بن رويم - وكان له صديقاً -: إن أمير المؤمنين قد كتب يأمر بحملك مقيداً، فأته وأنت مطلق. قال: فشخصت إليه.
وروى عبد الله بن محمد بن عمارة، ابن القداح، قال: والعقب من ولد أحيحة بن الجلاح في ولد بلالٍ وبليلٍ ابني أحيحة، وأما أبو ليلى فلا يعرفونه، ولا يعرفون نسبه، ولا يعرفون له صحبة، ولامشهداً. من ولد أبي ليلى: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بن عتورة بن بليل بن بلال بن أحيحة بن الجلاح. إلى هذا النسب ينسب ولد أبي ليلى، وقد أبت ذلك عليهم الأوس. واسم أبي ليلى يسار، وكان من رقيق العرب. قال عمر بن الخطاب: نعم الرجل يسار.
وزعموا أن عمر بن الخطاب وجده مضطجعاً في مسجد قباء، فقال: قم فأعطني جريدة "، واتق العواهن، فأتاه، فجعل عمر يمسح بها المسجد ويقول: لو كنت على مسيرة شهرٍ لضربنا إليك أكباد الإبل.
وقد أدرك عبد الرحمن بن أبي ليلى عمر بن الخطاب ويقال: إنه ولد لست سنين بقين من خلافة عمر بن الخطاب، وقتل بدجيل سنة ثلاث وثمانين - وقيل: سنة إحدى وثمانين. وكان يسكن الكوفة.
وروي عن البخاري قال: كان بعضهم يقول: هو من أنفسهم.(15/77)
قال ثابت البناني: كنا إذا قعدنا إلى ابن أبي ليلى يقول لرجلٍ: اقرأ القرآن، فإنه يدلني على ما تريدون؛ نزلت هذه الآية في كذا، وهذه في كذا.
وعن الحكم، عن عبد الرحمن: خرج عمر من داره، وأتبعته، حتى إذا كان في بعض الطريق تنحى إلى حائط، فبال، ثم أخذ عوداً من حجر، فرأيت أنه قد اعتاده، ثم دعا بماءٍ فتوضأ، ومسح على خفيه، كأني أنظر إلى أثر أصابعه على خفيه. فاقل بعضهم: ماجئنا إلا لنسألك عن هذا، قال: ما فعلته إلا لتنظروا. ودخل المسجد.
قال عبد الرحمن: لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة " من الأنصار من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما أحد منهم يحدث حديثاً إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولايسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
قال وكيع: لم يلق ابن أبي ليلى عمر، يصغر عن ذلك.
وسئل يحيى بن معين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر؟ فقال: لم يره، فقيل له: الحديث الذي يروى: كنا مع عمر نتراءى الهلال؟ فقال: ليس بشيء.
وكان شعبة ينكر أن يكون سمع ابن أبي ليلى من عمر.
وعن ابن أبي ليلى: صحبت علياً في الحضر والسفر، وأكثر ما يحدثون عنه باطل.
قال عبد الملك بن عمير: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى في نفرٍ من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمعون لحديثه، وينصتون له، منهم: البراء بن عازب صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(15/78)
وقال الشعبي: كان الفقه بعد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكوفة في أصحاب عبد الله، في هؤلاء الرهط " علقمة بن قيس النخعي، وعبيدة بن قيس المرادي، ثم السلماني، وشريح بن الحارث الكندي، ومسروق بن الأجدع الهمداني ثم الوادعي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري.
وقال ابن سيري: جلست إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأصحابه يعظمونه كأنه أمير.
وقال عبد الله بن الحارث: ما شعرت أن النساء ولدت مثله.
وقال ثابت البناني: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى إذا صلى الصبح نشر المصحف، وقرأ حتى تطلع الشمس.
وعن مجاهد: كان لعبد الرحمن بن أبي ليلى بيت فيه مصاحف يجتمع فيه القراء، فقلمتا تفرقوا إلا عن طعام.
وقال يزيد بن أبي زياد الهاشمي: ما استأذنت على عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا أطعمني طعاماً طيباً أو حدثني بحديث حسن.
وقال ابن أبي ليلى: إحياء الحديث مذاكرته، فتذاكروا، فقال له عبد الله بن شداد بن الهاد: رحمك الله، كم من حديث أحييته في صدري كان قد مات - وفي رواية: إحياء العلم.
قال أبو حصين: لما قدم الحجاج العراق استعمل عبد الرحمن بن أبي ليلى على القضاء. قال: ثم عزله، واستعمل أبا بردة بن أبي موسى، وأقعد معه سعيد بن جبير.(15/79)
وفي رواية: لما قدم الحجاج أراد أن يستعمل عبد الرحمن بن أبي ليلى على القضاء، فقال له حوشب: إن كنت تريد أن تبعث علي بن أبي طالب على القضاء فافعل.
وعن محمد بن الحنيفة قال: ما بالكوفة أهل بيتٍ أشد لنا حباً من آل أبي ليلى.
وقال عبد الله بن عيسى: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى علوياً، وكان عبد الله بن عكيم عثمانياً، وكانا في مسجد واحد، وما رأيت واحداً منهم يكلم صاحبه - يعني كلام مخاصمةٍ ومناظرةٍ في عثمان وعلي.
وقال أبو الجهم: صحبت عبد الله بن عكيم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى عشرين عاماً، هذا علوي، وهذا عثماني يتزاورون في اليوم مراراً. سمعت عبد الله يقول: رحمك الله أبا عيسى، لو صبر صاحبك - يعني علياً - ثم كان بعدن إبين لأتاه الناس حتى يبايعوه.
وماتت أم عبد الرحمن بن أبي ليلى فقدم عليها عبد الله بن عكيم.
وعن مجمع بن يحيى الأنصاري قال: دخل عبد الرحمن بن أبي ليلى على الحجاج، فقال: إن أردتم رجلاً يشتم عثمان بن عفان فها هو ذا؟. فقلت: إنه يمنعني من ذلك آيات في كتاب الله ثلاثاً: قال الله عز وجل: " للفقراء والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون "، وكان عثمان منهم. " والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم " إلى قوله: " المفلحون "، فكان أبي منهم. وقال: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " - إلى قوله: " رؤوف رحيم " فكنت منهم، فقال: صدقت(15/80)
قال الأعمش: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد ضربه الحجاج، وهو متكىء على ابنه معقل، وهم يقولون: العن، فيقول: لعن الله الكذابين، ثم يسكت، ثم يقول: علي بن أبي طالب، والمختار بن أبي عبيد - وزاد في رواية: عبد الله بن الزبير.
وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: لا أعقل من شأن أبي شيئاً إلا أني أعرفه كانت له امرأتان، وكان له حبان أخضران، فيبيت عنه هذه يوماً، وعند هذه يوماً.
وقال إبراهيم التيمي: أعجب خصلة إلى رأيتها منه أني خرجت إلى الظهر، وكان الناس يخرجون، فجاء عبد الرحمن بن أبي ليلى حتى نزل إلى جنبنا، فكان يأمر ابنه بالأذان.
قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بي أبي ليلى ثقة.
وكذلك قال العجلي. قال أبو حاتم: لا بأس به.
ومن أقواله: لا أماري صاحبي؛ إما أن أكذبه، وإما أن أغضبه - وفي رواية: أخي
وقال: إن الرجل ليعذلني في الصلاة، فأشكر ذلك له.(15/81)
عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش
أبو محمد البغدادي الحافظ حدث بسنده عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن عمار بن ياسر أنهم سألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل أتيت في الجاهلية من النساء شيئاً حراماً؟ قال: " لا، وقد طنت على ميعادين؛ أما أحدهما فغلبتني عيني، وأما الآخر فشغلني عنه سامر قوم " ومن أقواله: شربت بولي في هذا الشأن - يعني الحديث - خمس مرات.
ومن إنشاده: من السريع
وقائل كيف تهاجرتما ... فقلت قولاً فيه إنصاف
لم يك من شكلي فتاركته ... والناس أشكال وألاف
قال ابن عدي: وابن خراش هذا هو أحد من بذكر بحفظ الحديث من حفاظ العراق، وكان له مجلس مذاكرة لنفسه على حدة. وإنما ذكر بشيء من التشيع، فأما في الحديث فإني أرجو أنه لا يتعمد الكذب.
وقال ابن عقدة: كان ابن خراش في الكوفة إذا كتب شيئاً - يعني من باب التشيع - يقول لي: هذا لا ينفق إلا عندي وعندك يا أبا العباس.(15/82)
وحمل ابن خراش إلى بندار جزأين صنفهما في مثالب الشيخين، فأجازه بألفي درهم، فبنى بذلك حجرة ببغداد ليحدث فيها، فما متع بها، ومات حين فرغ منها.
وكان من المعدودين المذكورين بالحفظ والفهم بالحديث.
مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين. وقيل: سنة أربع وتسعين ومائتين
عبد الرحمن بن يونس بن محمد
أبو محمد الرقي السراج روى عن سويد بن سعيد بسنده عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخرج، فناد في المدينة: من شهد أن لاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فله الجنة ". فخرجت، فلقيني عمر، فقال: أين؟ فأخبرته، فقال: ارجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقل: يا رسول الله، دع الناس فإنهم يعملون، فإنهم إن سمعوا هذا اتكلوا، فلم يعملوا فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته بما قال لي عمر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق عمر ".
سئل أحمد عن عبد الرحمن بن يونس السراج، فقال: ما علمت منه إلا خيراً مات يعد سنة ست وأربعين ومائتين. وقيل إنه مات في سنة ثمان وأربعين ومائتين.
عبد الرحمن أبو المهاجر البهليبي
تابعي من أهل مصر ذكره أبو عمر محمد بن يوسف الكندي في كتاب " موالي أهل مصر "، قال: ومنهم أبو المهاجر البلهيبي، واسمه عبد الرحمن. وكان من سبي بلهيب حين انتقضت(15/83)
في خلافة عمر. وكان معاوية قد عرفه على موالي تجيب. وهو الذي خرج إلى معاوية بشيراً بفتح خربتا
عبد الرحمن السيدي
ويقال: ابن السيدي - أبو أمية مولى سليمان بن عبد الملك، ويقال: مولى عمر بن عبد العزيز. كاتب عمر بن عبد العزيز. كان يسكن نابلس.
قال: كنت وصيفاً بين يدي الحجاج إذ دخل عليه أنس بن مالك وهو على الغداء، فدعاه، فجلس ناحية "، فقال له الحجاج: كيف رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع إذا أكل اللحم؟ قال: رأيته تعرق كتفاً أو عظماً، ثم مسح يده، ثم صلى ولم يتوضأ.
وفي رواية أخرى: رأيت أنس بن مالك دخل على الحجاج، فأتي الحجاج بلطفٍ بعد العصر إلا أنه ليس بلحم، فزعم أنه شيء طبخ، فجمع. فلما وضع الطبق بين يديه فأكل أنس والحجاج وعنبسة بن سعيد بن العاص. ثم أتي الحجاج بوضوءٍ، فأشار إلى الخصي أن يقدم الوضوء إلى أنس، فقال أنس: قد اكتفيت بمسح المنديل، وتوضأ الحجاج أطراف أصابعه، ثم قال الحجاج لأنس: بلغني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل لحماً ثم يتوضأ، قال: نعم، أتي بعضوٍ من لحم شواءٍ، وعنده أبو بكر الصديق، ودخل عليهم عمر بن الخطاب، فأكلوا جميعاً، ثم تمسحوا بخرقة، ثم انتظروا حتى أتاهم المؤذن بالمغرب، فقامت جميعاً، فصلوا، ولم يتوضأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، وعمر بن الخطاب.(15/84)
وقال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفطر إذا كان صائماً على اللبن. وجئته بقدحٍ من لبن، فوضعته إلى جانبه، فغطى عليه وهو يصلي.
قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا كان يوم الشك من شهر رمضان يقول لغلامه: أخر غداءك إلى العشاء، فإنا نبادر الأحداث وإلا فات.
قال أبو حاتم: عبد الرحمن مولى سليمان بن عبد الملك، وهو منكر الحديث.
عبد الرحمن الطويل
ولي ديوان دمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز حدث عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: - وذكر الجمعة، فقال: " من غسل واغتسل، ثم غدا وابتكر، وخرج يمشي، ولم يركب، ثم دنا من الإمام، فأنصت له، ولم يلغ كان له كأجر سنةٍ صيامها وقيامها ". وفي رواية: " له بكل خطوةٍ كأجر سنةٍ صيامها وقيامها ".
عبد الرحيم بن أحمد بن نصر
ابن إسحاق بن عمرو بن مزاحم بن غياث أبو زكريا التميمي البخاري الحافظ روى بسنده عن علي السلام أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "(15/85)
اغسلوا ثيابكم، وخذوا من شعوركم، واستاكوا، وتزينوا، وتنظفوا فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساؤهم. " وروى بسنده عن النعمان بن بشير، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مثل الواقع في حدود الله والمدهن كمثل قوم ركبوا في سفينة، فاستهموا عليهما، فركب قوم علوها، وقوم سفلها، فكانوا إذا استقوا آذوهم، وأصابوهم بالماء، فقالوا: قد آذيتمونا بما تمرون علينا. فأعطوا رجلاً فأساً ينقب عندهم نقباً، قالوا: ما هذا الذي تصنعون؟ قالوا: تأذيتم بنا، فننقب عندنا نقبا لنستقي منه. فإن تركوهم هلكوا وهلكوا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجواً قال أبو زكريا البخاري: رأى أبو إسحاق الهجيمي أنه تعمم، فدور على رأسه مائة " وثلاث دورات، فعبر له أن يعيش مائة سنةٍ وثلاث سنين، فلم يحدث حتى بلغ المائة، ثم حدث، فقرأ القارىء عليه، وأرادا أن يخبر عقله: رجز
أل الجبان حتفه من فوقه ... كالكلب يحمي جلده بروقه
فقال الهجيمي: قل: كالثور، ياثور. فإن الكلب لاروق له. ففرح الناس بصحة عقله.
سئل عبد الرحيم بن أحمد عن مولده، فقال: في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة قال الحافظ: قرأت في كتاب: " تكملة الكامل في معرفة الضعفاء " لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي: عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري أبو زكريا. حدث عن عبد الغني بن سعيد بكتاب " مشتبه النسبة "، وقال: قراءة " عليه وأنا أسمع. وفي هذا نظر، فإني(15/86)
سمعت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني - رحمه الله - يقول: لم يرو هذا الكتاب عن عبد الغني غير ابن ابنته أبي الحسن بن بقاء الخشاب - والله أعلم.
قال الحافظ: وفي قول الزنجاني نظر، فإن هذه شهادة على يقين، وقد وجد ما يبطلها، وهو أنه قد روى هذا الكتاب عن عبد الغني أيضاً أبو الحسن رشأ بن نظيف المقرىء، وكان من الثقات، وأبو نصر
عبد الرحيم بن أحمد ثقة، ما سمعنا أحداً تكلم فيه، ففي إخراج المقدسي ذكره في كتاب الضعفاء نظر.
توفي أبو زكريا البخاري سنة إحدى وستين وأربعمائة بالحوراء
عبد الرحيم
ويقال: عبد الرحمن بن إلياس بن أحمد الملقب بالمهدي أبو القاسم المعروف بولي العهد جعله ابن عمه الملقب بالحاكم ولي عهده في سنة أربعٍ وأربعمائة، وقرىء المنشور بذلك بدمشق في شهر ربيع الأول من هذه السنة. ثم قدم دمشق والياً عليها في آخر أيام الملقب بالحاكم.
اعتقل ولي العهد في مصر بحجرة إلى أن قتل نفسه بسكين حملت إليه مع بطيخ.
عبد الرحيم بن عمر بن عاصم
أبو مروان المازني الماسح كان يسكن الخريميين روى بسنده عن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "(15/87)
خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة " وبسنده عن عروة: أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مائة رقبةٍ، وحمل على مائة بعير، فسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخبره بما صنع؛ فقال: إني أعتقت في الجاهلية مائة رقبة، وحملت على مائة بعير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسلمت على ما سلف لك من خيرٍ " وبسنده عن أبي ثعلبة الخشني، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع
عبد الرحيم بن محمد بن أحمد
ابن إبراهيم بن إسحاق بن عبيد ويقال: ابن إسحاق بن يعقوب بن مروان أبو مروان ويقال: أبو فرسخ الجرشي القزاز من أهل باب توما روى بسنده عن بشر بن عاصم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أيما والٍ ولي المسلمين شيئاً وقف به على جسر جهنم، فيهتز به الجسر حتى يزول كل عضو " وروى بسنده عن الهيثم بن عدي قال:
ركب أبو علقمة النميري بغلاً، فوقف على أبي عبد الرحمن القرشي، فقال: يا أبا علقمة، إن لبغلك هذا منظراً، فهل مع حسن هذا المنظر من خبر؟ قال:(15/88)
سبحان الله، أو ما بلغك خبره؟ قال: لا؟. قال: لقد خرجت عليه مرة من مصر، فقفز بي قفزة إلى فلسطين، والثانية إلى الأردن، والثالثة إلى دمشق. فقال له أبو عبد الرحمن: تقدم إلى أهلك يدفنوه معك في قبرك، فلعله يقفز بك الصراط.
مات عبد الرحيم القزاز سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
عبد الرحيم بن محمد بن علي
ويقال: عبد الرحيم بن محمد بن شعيب بن صالح بن حنظلة أبو محمد الأنصاري الداراني المؤذن من ولد حنظلة الغسيل حكى عنه ابنه أبو القاسم عبد العزيز أنه قال: رأيت الوليد بن مسلم شيخاً أبيض الوجه، وكان كثير الصلاة.
حكى أبو هاشم محمد بن عبد الأعلى بن عليك الإمام قال: هيأ ابن الأجدع طعاماً، ودعا قاسم الجوعي، وأحمد بن أبي الحواري، وعبد الرحيم المؤذن على أنهم يصلون العتمة ويجيئون إلى عنده. فصلوا، وخرجوا. فلما صاروا عند دار ابن أبي الفاتك قال أحمد بن أبي الحواري لعبد الرحيم المؤذن: اذكر لنا شيئاً قبل أن ندخل، فأنشأ يقول: من الطويل
علامة صدق المستخصين بالحب ... بلوغهم المجهود في طاعة الرب
وتحصيل طيب القوت من مجتنائه ... وإن كان ذاك القوت في مرتقى صعب
فضرب أحمد بن أبي الحواري إلى عارض عبد الرحيم بيده، وقال: مر به كذا وكذا لئن برحت لأتبعنها. فلم يزل يردد الكلام وهو قيام حتى أذن مؤذن الفجر، ورجعوا إلى المسجد.
سئل عبد الرحيم بدمشق عن سنه، فقال: لي مائة وثماني عشرة سنة.(15/89)
ولعبد الرحيم هذا خبر مع أم هارون الخراسانية وأبي سليمان الداراني
عبد الرحيم بن محمد بن مجاشع
أبو علي الأصبهاني الحافظ المجاشعي حدث بالرملة بسنده عن ابن سيرين قال: رأيت أبا أيوب توضأ، ثم خلع خفيه ولم يمسح، ثم قال: أما إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ، ومسح على الخفين، ولكني امرؤ حبب إلى الطهور.
وبسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من آذى المسلمين في طرقهم أصابته لعنتهم "
عبد الرحيم بن محرز
ابن عبد الله بن محرز بن سعيد بن حيان بن مدرك بن زياد أبو عطية الفزاري ومدرك بن زياد الفزاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم مع أبي عبيدة فتوفي بدمشق في قرية يقال لها: رواية، وكان أول مسلم دفن فيها.
روى عبد الرحيم بن محرز عن أحمد بن تبوك بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: إنا لجلوس ذات يومٍ عند علي بن أبي طالب في خلافة أبي بكر إذ أقبل رجل من حضر موت لم أر رجلاً قط أنكر منه، ولا أطول، فاستشرفه الناس، وراعهم منظره، وأقبل مسرعاً جواداً حتى وقف وسلم، وجثا، فكلم أدنى القوم منه مجلساً، فقال: من عميدكم؟ فأشاروا إلى علي بن أبي طالب، فقالوا: هذا ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعالم الناس، والمأخوذ عنه، فقام فقال: - وذكر أبياتاً منها: من البسيط(15/90)
سمعت بالدين دين الحق جاء به ... محمد وهو قرم الحاضر البادي
فجئت متنقلاً من دين باغيةٍ ... ومن عبادة أوثانٍ وأنداد
فادلل على القصد واجل الريب عن خلدي ... بشرعة ذات إيضاح وإرشاد
قال: فأعجب علياً والجلساء شعره، وقال له علي: لله درك من رجلٍ، ما أرض شعرك. ممن أنت؟ قال: من حضرموت. سر به علي، وشرح له الإسلام، فأسلم على يديه ثم إن علياً سأله عن الأحقاف وقبر هود، فوصف له ماحكى علي عليه السلام أنه سمعه من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عبد الرحيم بن المحسن
ابن عبد الباقي بن عبد الله بن أبي حصين أبو محمد التنوخي المعري سكن دمشق، وخرج منها إلى ماردين، واتصل بتمرتاش بن الغازي بن أرتق. ثم مضى إلى ميا فارقين، ونزل بها على بني نباته.
ومن شعره: من البسيط
هاج اشتياق برق خاطف لمعا ... وهنأ ونوح حمام الأيك إذ سجعا
يا برق ما العهد منسي لديك ولا ... حبل الهوى رث لما بنت فانقطعا
إن الأولى بنواحي الغوطتين وإن ... شط المزار بهم يوماً وإن شسعا
أشهى إلى ناظري من كل ما نظرت ... عيني في مسمعي من كل ماسمعا
توفي أبو محمد التنوخي بميا فارقين سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة(15/91)
عبد الرحيم بن يعقوب بن سهل
أبو المهذب البدري الأنصاري النيسابوري الكرميني قدم دمشق طالب علم حدث عن أبي الفضل محمد بن أحمد الزهري بسنده عن الزهري أنه كان عند عبد الملك بن مروان، فلما أراد أن يقوم أجلسه عبد الملك، فجيء بالغداء، فلما أكلوا قربوا البطيخ، فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه أنه سمع بعض عمات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلاً، ويذهب بالداء أصلاً. فقال له عبد الملك: لو أخبرتني بذلك يا بن شهاب لفعلنا كذلك. فدعا صاحب الجراية، وسار في أذنه شيئاً، فأقبل الخازن ومعه مائة ألف، فوضعها بين يدي الزهري.
قال الخطيب: عبد الرحيم بن يعقوب، أبو المهذب الأنصاري النيسابوري. علقت عنه شيئاً يسيراً. وبلغنا أنه توفي بخراسان في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
عبد الرزاق بن عبد الله
ابن الحسين بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن الفضيل أبو القاسم الكلاعي روى عن أبي بكر الحنائي بسنده عن أنس قال: أقيمت الصلاة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نجي لرجلٍ في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم.(15/92)
وروى عن أبي القاسم السراج بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن مه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلس له إذ أقبل أعرابي على بعير له حتى جاء فوقف، فسلم عليهم، فقال: أيكم محمد؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا محمد ". فنزل الأعرابي، فجثا على يديه، وقال: يا رسول الله، إن لي اليوم خمسة أيام، خرجت من أهلي أطلب الإسلام، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن يسلم قلبك ولسانك، وأن تصلي الخمس، وإن كان لك مال تؤدي زكاة مالكن وتحج البيت، وتغتسل من الجنابة، وتؤمن بالله " قال: يا رسول الله، فإذا فعلت هذا فأنا مسلم؟ فقال: " نعم "، ثم ركب راحلته، فسار هنية، فسقط من بعيره في جحر كم جردٍ، فوقص الأعرابي ميتاً. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قوموا إلى أخيكم، فخذوا في جهازه " توفي عبد الرزاق بن عبد الله بن الفضيل في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة.
عبد الرزاق بن عبد الله بن المحسن
أبي القاسم بن عبد الله بن عمرو أبو غانم بن أبي حصين التنوخي المعري القاضي روى عن إسماعيل بن عبد الرحمن أبي عثمان الصابوني بسنده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً ببعض جسدي، فقال: " كن في الدنيا كأنك غريب، وكأنك عابر سبيل، وعد نفسك من أهل القبور " قال مجاهد: ثم أقبل علي عبد الله بن عمر، فقال: يا مجاهد، إذا أصبحت فلا تحدث(15/93)
نفسك بالمساء، وخذ من حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً.
ومما أنشده لنفسه يصف كوز الفقاع: من الوافر
ومحبوس بلا جرمٍ جناه ... له سجن بباب من رصاص
يضيق بابه خوفاً عليه ... ويوثق بعد ذلك بالعفاص
إذا أطلقته خرج ارتقاصا ... وقبل فاك فرح الخلاص
ولد أبو غانم المعري سنة ثمان عشرة وأربعمائة بالمعرة وتوفي سنة تسع وثمانين وأربعمائة - وقيل سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
عبد الرزاق بن علي
ويقال: ابن محمد بن أبي الكراديس النحوي البجلي قال: أصول ظاءات القرآن العظيم إحدى وعشرون كلمة ثم يتفرع بالاشتقاق منها، وهذه الأبيات التي تجمعها: من الطويل
ظفرت بحظ من ظلومٍ تعاظمت ... ظواهره للناظر المتيقظ
ظمئت فلم تحظر على ظلالها ... فظاظة ألفاظٍ ولا غيظ وعظ
ظنون تلظى للكظوم شواظها ... تغلظ عيب الظاعن المتحفظ(15/94)
عبد الرزاق بن عمر بن بلدج بن علي بن إبراهيم
أبو بكر الشاشي المقرىء روى عن أبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن الحسين الأرموي بمصر، بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لايبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يتوضأ منه "
توفي أبو بكر الشاشي بدمشق سنة ثلاث وأربعين وثمانين وأربعمائة
عبد الرزاق بن عمر بن مسلم
العابد الدمشقي روى عن مدرك بن أبي سعد بسنده عن أبي الدرداء قال: ما من عبد يقول: حسبي الله، لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، سبع مرات، صادقاً كان بها أو كاذباً إلا كفاه الله ماأهمه - وفي رواية: من قال: ...
كان عبد الرزاق بن عمر الدمشقي فاضلاً متعبداً، وكان يعد من الأبدال.
عبد الرزاق بن عمر
أبو بكر الثقفي روى عن الزهري، عن أنس بن مالك.
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح، فقال: " هذا أمين هذه الأمة "(15/95)
وفي رواية " لكل أمة أمين، وهذا أميننا "، وأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح وروى عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى " أجمعوا على تضعيف عبد الرزاق بن عمر الثقفي عن الزهري، والسبب في ذلك أن كتبه ذهبت، فأدخل عليه الأحداث شيئا فاضطرب.
قال أبو مسهر: سمع من الزهري، فذهب كتابه، فتتبع حديث الزهري من كتب الناس، فرواها فتركوه.
وكان خرج إلى بيت المقدس، فجعل كتبه في خرج جديد، وثيابه في خرج خلق، فجاء اللصوص، فأخذوا الخرج الجديد، فذهبت كتبه. وكان بعد ذلك إذا سمع حديثاً من حديث الزهري قال: هذا مما سمعت.
وقال سعيد بن عمرو: وأحاديثه عن غير الزهري أشبه، ليس فيها تلك المناكير، إنما المناكير في حديثه عن الزهري قال ابن عدي: ولعبد الرزاق بن عمر عن الزهري غير حديث لا يتابع عليه. وقد روى عبد الرزاق هذا عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث الغار. وهذا معروف بشعيب بن أبي حمزة عن الزهري. وقد روى عن معاوية بن يحيى عن الزهري، ومعاوية ضعيف.(15/96)
عبد الرزاق بن عمر
أبو محمد الأدمي حدث القاضي أبي بكر الميانجي بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من عمر ستين فقد أعذر الله عز وجل إليه في العمر "
عبد الرزاق بن محمد بن سعيد العطار
أبو محمد الشاهد حدث عن أبي المسمون بن راشد بسنده عن عائشة قالت: " أهدى النجاشي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلية فيها خاتم ذهبٍ، فصه حبشي. فدعا أمامة بنت أبي العاص، بنت ابنته زينب، فقال: " تحلي بهذا يابنية ".
وروى عن أبي الميمون بن راشد بسنده عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رحم الله حارس الحرس " مات أبو محمد عبد الرزاق بن سعيد العطار سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.
عبد الرزاق بن همام بن نافع
أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني أحد الثقات المشهورين، قدم الشام تاجراً.(15/97)
روى عن معمر، عن همام قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قام أحدكم من الليل، واستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فلينصرف، فليضطجع " وروى عن معمر بسنده عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه.
وروى محمد بن عبيد الصنعاني قال: دفع سفيان الثوري إلى عبد الرزاق بن همام أربعمائة درهم ليشتري له بالشام أثواباً، فلم يجد عبد الرازق ما سمى سفيان، فاشترى بردين، فلما قدم عبد الرزاق من الشام، ودخل مكة وجد مشترى لهذين الثوبين، فباعهما بسبعمائة دينار قبل أن يصير إلى سفيان، فلما صار إلى سفيان قال له سفيان: يا عبد الرازق، كأن نفسي تحدثني مع ربح كثير، فهات بضاعتي التي أمرتك. فقال له عبد الرازق: قد أغناك الله، يا أبا عبد الله، خذ سبعمائة دينار. فقال سفيان: هذا من أين؟ فقال عبد الرازق: اشتريت لك ثوبين بردٍ، وبعتها هنا بسبعمائة دينار، والذي أمرتني لم أجد، فقد أغناك الله، وخذ من حيث شئت، فقال سفيان: يا عبد الرازق، أما تعلم أن أبا الزبير حدثني عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ريح ما لم يضمن؟ رد علي رأس مالي، والباقي لك. ففعل عبد الرزاق.
ولد عبد الرزاق سنة ست وعشرين ومائة، ومات سنة إحدى عشرة ومائتين. وهو مولى لقومٍ من العرب.
قال أحمد: عبد الرازق يماني من الأبناء(15/98)
وروى عنه أنه قال:
جالست معمراً ما بين الثمان إلى التسع - وفي رواية أخرى: لزمت معمراً ثماني سنين. وقال: صار معمر هليلجة في فمي وقال عبد الرزاق: لما قدم علينا سفيان قال: ائتوني برجل خفيف الكتاب. قال: فأتيناه بهشام بن يوسف، فكان هو يكتب ونحن ننظر في الكتاب، فإذا فرغ ختمها، حتى نسخه.
وقال سلمة بن شبيب: قلت لأحمد بن حنبل: عبد الرزاق أعجب إليك أم هشام بن يوسف؟ فقال: لابل عبد الرزاق، قلت: إني سمعت عبد الرزاق يقول: كان هشام بن يوسف يكتب لنا عند الثوري ونحن ننظر في الكتاب، فإذا فرغ ختم الكتاب، فقال لأحمد بن حنبل: إن الرجل ربما نظر مع الرجل في الكتاب وهو أعلم بالحديث منه.
وقال يحيى بن معين: كان عبد الرزاق في حديث معمر أثبت من هشام بن يوسف، وكان هشام بن يوسف أثبت من عبد الرزاق في حديث ابن جريج، وكان أقرأ لكتب ابن جريج من عبد الرزاق، وكان ألم بحديث سفيان الثوري من عبد الرزاق.
وقال أحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق. وقال: عبد الرزاق يشبه رجل أهل العراق.
وقال: كتب عبد الرزاق ثلثي العلم.
وقال يحيى بن معين: عبد الرزاق ثقة لابأس به.(15/99)
وقال في حديث عبد الرزاق: " إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأس على عمر قميصاً "، هو حديث منكر، ليس يرويه أحد غير عبد الرزاق. قيل له: إن عبد الرزاق كان يحدث بأحاديث عبيد الله عن عبد الله بن عمر، ثم حدث بها عن عبيد الله بن عمر، قال يحيى: لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله بن عمر، قال يحيى: لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله، ولكنها كانت منكرة، وسئل أبو حاتم عن عبد الرزاق فقال: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال معمر: يختلف إلينا في طلب العلم من أهل اليمن أربعة: رباح بن زيد، ومحمد بن ثور، وهشام بن يوسف، وعبد الرزاق بن همام، فأما رباح بن زيد فخليق أن يتكلم، تغلب عليه العبادة، فينتفع بنفسه، ولا ينتفع به الناس، وأما هشام بن يوسف فخليق أن يغلب عليه السلطان، وأما محمد بن ثور فكثير النسيان قليل الحفظ، وأما ابن همام، فإن عاش، فخليق أن تضرب إليه أكباد الإبل.
وقال أحمد: لما قدمت صنعاء اليمن أنا ويحيى بن معين في وقت صلاة العصر، فسألنا عن منزل عبد الرزاق، فقيل لنا: بقريةٍ يقال لها الرمادة، فمضيت لشهوتي للقائه - وفي رواية: إلى لقائه - وتخلف يحيى بن معين، وبينها وبين صنعاء قريب حتى سألت - وفي رواية إذا سألت - عن منزله، قيل لي: هذا منزله. فلما ذهبت أدق الباب قال لي قائل تجاه داره: مه! لا تدق، فإن الشيخ مهيب - وفي رواية: مهوب - فجلست، حتى إذا كان قبل صلاة المغرب خرج لصلاة المغرب، فوثبت إليه، وفي يدي أحاديث قد انتقيتها، فقلت له: سلام عليكم، تحدثني بهذه - رحمك الله - فإني رجل غريب. فقال لي: ومن(15/100)
أنت؟ ورحب بي، فقلت: أنا أحمد بن حنبل. قال: فتقاصر، ورجع، وضمني إليه، وقال: بالله أنت أبو عبد الله؟! ثم أخذ الأحاديث، فلم يزل يقرؤها حتى أشكل عليه الظلام، فقال للنقال: هلم للمصباح، حتى خرج وقت المغرب - وفي رواية: صلاة المغرب - وكان يؤخرها.
قال عبد الله: فكان أبي إذا ذكر أنه نوه باسمه عند عبد الرزاق بكى.
وقال يحيى بن معين: كنت أنا وأحمد بن حنبل عند عبد الرزاق، وكنت أكتب الشعر والحديث، وكان أحمد يكتب الحديث وحده، فخرج إلينا يوماً عبد الرزاق وهو يقول: من السريع
كن موسراً إن شئت أو معسراً ... لابد في الدنيا من الهم
وكلما زادك من نعمةٍ ... زاد الذي زادك من غم
فقال له أحمد: كيف قلت؟ فأعاده عليه، فكتبها.
وقال محمد بن رافع: كنت مع أحمد بن حنبل، وإسحاق عند عبد الرزاق، فجاءنا يوم الفطر، فخرجنا مع عبد الرزاق إلى المصلى ومعنا ناس كثير، فلما رجعنا من المصلى دعانا عبد الرزاق إلى الغداء، فجعلنا نتغدى معه، فقال عبد الرزاق لأحمد وإسحاق: رأيت اليوم منكما عجباً؛ لم تكبرا! قال أحمد وإسحاق: يا أبا بكر، نحن كنا ننظر إليك هل تكبر فنكبر، فلما رأيناك لم تكبر أمسكنا عن التكبير. قال: وأنا كنت أنظر إليكما هل تكبران، فأكبر.
وقال أبو خثيمة زهير بن حرب:
لما خرجت أنا وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين نريد عبد الرزاق، فلما وصلنا مكة كتب أصحاب الحديث إلى صنعاء، إلى عبد الرزاق: قد أتاك حفاظ الحديث، فانظر كيف يكون: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خثيمة زهير بن حرب. فلما قدمنا صنعاء غلق الباب عبد الرزاق، ولم يفتحه إلا لأحمد بن حنبل، لديانته، فدخل، فحدثه بخمسة وعشرين حديثاً، ويحيى بن معين بين البابين جالس، فلما خرج قال يحيى(15/101)
لأحمد: أرني ماحدثك؟ فنظر فيها، فخطأ الشيخ في ثمانية عشر حديثاً، فلما سمع أحمد بالخطأ رجع، فأراه موضع الخطأ، وأخرج عبد الرزاق الأصول، فوجده كما قال يحيى، ففتح الباب، فقال: ادخلوا، وأخذ مفتاح بيت، فسلمه إلى أحمد بن حنبل، وقال: هذا البيت ماد خلته يد غيري منذ ثمانين سنة أسلمه إليكم بأمانة الله على أنكم لا تقولون مالم أقل، ولاتدخلون علي حديثاً من حديث غيري. ثم أومأ لأحمد، فقال: أنت أمين الله على نفسك وعليهم. قال: فأقاموا عنده حولاً، فلما انصرفوا بلغهم أن بالمدينة شيخاً بدوياً عنده خمسون حديثاً في صحيفة، فجاء يحيى، فأخذ الصحيفة، وجلس يكتب حديثاً من حديثه، وحديثين من حديث غيره. ثم مزجها كلها، ثم جاء ليقرأ، فكان إذا مر على الشيخ حديثه عده، فإذا مر على أذنه حديث غيره قال بيده هكذا، وأشار بيده: لا. قال: فلم يزل حتى انتقاها، فما مر عليه حرف. ثم أجال نظره في وجوه القوم، وهو يومئذ لا يعرفهم، فوقعت عيناه على أحمد بن حنبل، فقال: أما أنت فلا تستحل أن تفعل مثل هذا، ثم وقعت عينه علي - يقول زهير - فقال: أما أنت فلا تحسن أن تفعل مثل هذا. وأومأ بيده إلى يحيى بن معين، ثم رفع رجله، فصك بها صدره، فأقلبه على قفاه، فقال: لاتعد لمثل هذا! وقال عبد الرزاق: كتب عني ثلاثة لا أبالي ألا يكتب عني غيرهم؛ كتب عني ابن الشاذكوني، وهو من أحفظ الناس، وكتب عني يحيى بن معين، وهو من أعرف الناس بالرجال، وكتب عني أحمد بن حنبل وهو من أزهد الناس.
وقال ابن زهير النسائي: تشفعنا بأمرأة عبد الرزاق على عبد الرزاق، فدخلنا على عبد الرزاق، فقال: هاتوا، تشفعتم إلى بمن يتقلب على فراشي. ثم أنشأ يقول: من البسيط
ليس الشفيع الذي يأتيك متزراً ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
وقال أحمد بن الحسن الخلال: أتينا في الرحلة جماعة مسافرين إلى عبد الرزاق بن همام بصنعاء، فامتنع أن(15/102)
يحدثنا، فقلنا: أيها الشيخ، رق لنا، وتعطف علينا، ارحمنا. فحرك رأسه، وأنشأ يقول: من الكامل
فتركتني حتى إذا ... ما صرت أبيض كالشطن
ألقيت تطلب وصلنا ... في الصيف ضيعت اللبن
ثم قال لنا: أتدرون ما قال عمرو بن معدي كرب؟ فقلنا: وما قال؟ فقال: إنه يقول: من الوافر
إذا لم تستطع أمراً فدعه ... وجاوره إلى ما تستطيع
وقال عبد الرزاق: حججت، فصرت إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرمت الدخول إلى مالك بن أنس، فحجبني ثلاثة أيام، ثم دخلت إليه وهو جالس في فرش خز، فلما أن نظرت إليه قلت: حدثني معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن في جهنم رحى تطحن جبابرة العلماء طحنا "، فقال لي: يا أبا بكر، وإنك لهو الله، وما علمت بقدومك، ولو علمت لتلقيتك. فأخرج إلي كتبه، فكتبت منها، ورحلت.
وقال عبد الرزاق: قدمت مكة، فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث، فمضيت، فطفت،(15/103)
وتعلقت بأستار الكعبة، وقلت: يارب، مالي؟ أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ قال: فرجعت إلى البيت، فجاؤوني.
وقال: أخزى الله سلعة لا تنفق إلا بعد الكبر والضعف، حتى إذا بلغ أحدهم مائة سنةٍ كتب عنه، فإما أن يقال: كذاب، فيبطلون علمه، وإما أن يقال: مبتدع، فيبطلون علمه، فما أقل من ينجو من ذلك.
وقال: قال لي وكيع: أنت، رجل عندك حديث، وحفظك ليس بذاك، فإذا سئلت عن حديث فلا تقل: ليس هو عندي، ولكن قل: لا أحفظه.
قال يحيى بن معين: قال عبد الرزاق: اكتب عني ولو حديث واحد من غير كتاب، فقلت: لا، ولاحرف.
وقال أبو عبد الله: من سمع عبد الرزاق بعد ذهاب بصره فهو ضعيف السماع. أتيناه نحن قبل المائتين.
قال يحيى:
أخبرني أبو جعفر السويدي أن قوماً من الخراسانية من أصحاب الحديث جاؤوا إلى عبد الرزاق بأحاديث للقاضي هشام بن يوسف، فتلقطوا أحاديث من معمر من حديث هشام وابن ثور - قال يحيى: وكان ابن ثور هذا ثقة - فجاؤوا بها إلى عبد الرزاق، فنظر فيها، فقال: هذه بعضها سمعتها، وبعضها لا أعرفها، ولم أسمعها. قال: فلم يفارقوه حتى قرأها، ولم يقل لهم: حدثنا، ولا أخبرنا.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الرزاق بن همام فيه نظر لمن كتب عنه بآخره - وفي رواية أخرى:(15/104)
عبد الرزاق بن همام من لم يكتب عنه من كتاب ففيه نظر، ومن كتب عنه بآخره جاء عنه بأحاديث مناكير.
وقال الدارقطني: ثقة يخطىء على معمر في أحاديث لم تكن في الكتاب وقال أبو عبد الله: حديث زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر: " ائتدموا بالزيت " هو عندنا مرسل. عبد الرزاق حدثناه.
وقال أبوعبد الله في حديث أبي هريرة: حديث عبد الرزاق، يحدث به: " النار جبار "، ليس بشيء، لم يكن في الكتب، باطل، ليس بصحيح.
قال أحمد بن محمد بن أبي هانىء: قلت لأبي عبد الله: سمعت الحلواني يحدث عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق، عن أبي مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت "، فعجب منه. قيل له: وعن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينا، عن ابن عباس، في اليمين مع الشاهد، قال: لم أسمعه.
قلت لأبي عبد الله: سمعت رجلاً حدث عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،(15/105)
عن ابن عباس: " أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما زوج علياً فاطمةً كلاماً عجباً، فسمعته منه؟ قال: لا، ماأعرف هذا.
وقيل لأبي عبد الله: فحديث أنس بن مالك: " دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وابن رواحة آخذ بغرزة ". فقال: وهذا أيضاً، قيل: ياأبا عبد الله، ليس له أصل؟ قال: ما أدري كيف أقول لك، فأنكره.
وقال عبد الرزاق لعلي بن المديني حيث ودعه: إذا ورد حديث عني لا تعرفه، فلا تنكره، فإنه ريما لم أحدث به.
وحكم يحيى بن جعفر البيكندي قال: كنت مرجئاً، فخرجت إلى الحج، فدخلت الكوفة، فسألت وكيع بن الجراح عن الإيمان، فقال: الإيمان قول وعمل، فلم أستحل أن أكتب عنه، ثم دخلت مكة، فسألت سفيان بن عيينة عن الإيمان، فقال: الإيمان قول وعمل، فلم أستحل أن أكتب عنه. ثم دخلت اليمن، وجلست في مجلس عبد الرزاق، فلم أسأله عنه، فأخبر بمذهبي، فلما جلس أصحابي قال لي: ياخراساني، والله لو علمت أنك على هذا المذهب ما حدثتك، اخرج عني. قال: فقلت في نفسي: صدق عبد الرزاق، لقيت وكيع بن الجراح، فقال: الإيمان قول وعمل، ولقيت سفيان بن عيينة، فقال: الإيمان قول وعمل، فرجعت عن مذهبي، وكتبت عنهما بعد رجوعي من اليمن.
وقال عبد الرزاق: قال لي إبراهيم بن يحيى: إني أرى المعتزلة عندكم كثيراً. قال: قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم، قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا، قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وأن الدين ليس لمن غلب.(15/106)
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي قلت: عبد الرزاق كان يتشيع ويفرط في التشيع، فقال: أما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئاً، ولكن كان رجلاً تعجبه أخبار الناس، والإخبار عنه.
وقال يحيى بن معين: سمعت من عبد الرزاق كلاماً يوماً فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب، فقلت له: إن أستاذيك الذين أخذت عنهم ثقات كلهم أصحاب سنة: معمر، ومالك بن أنس، وابن جريج، وسفيان، والأوزاعي، فعمن أخذت هذه المذاهب؟ فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته فاضلاً، حسن الهدي، فأخذت هذا عنه.
وقال مخلد الشعيري: كنا عند عبد الرزاق، فذكر رجل معاوية، فقال: لا تقذروا مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان " قال أبو الأزهر: سمعت عبد الرزاق يقول: أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه، ولو لم يفضلهما لم أفضلهما، كفى بي إزراء أن أحب علياً، ثم أخالف قوله.
وقال ابن عدي: ولعبد الرزاق بن همام أصناف، وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم، وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأساً، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع. وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات. وأما في باب الصدق فإني أرجو أنه لابأس به إلا أنه سيق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير.
قال سلمة بن شبيب: أقمت على عبد الرزاق بصنعاء أربعين سنة "، فلما أردت الرجوع إلى نيسابور دنوت منه وهو خارج من منزله، فسلمت عليه، وقلت: كيف أصبح الشيخ؟ فقال: بخير منذ لم أر وجهك؛ ثم قال: لعن الله صنعة لا تروج إلا بعد ثمانين سنة.(15/107)
عبد الرزاق أبو محمد
روى عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق المقرىء بسنده عن أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال كل يومٍ حين يصبح، وحين يمسي: لا إله إلا الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا وأمر الآخرة، صادقاً كان بها أو كاذباً ".
عبد الرؤوف بن عثمان
روى عن أخيه يزيد بن عثمان، عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو وهو ساجد ليلة النصف من شعبان يقول: " أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جل وجهك ". وقال: " أمرني جبريل أن أرددهن في سجودي، فتعلمتهن وعلمتهن ".
عبد السلام بن أحمد بن سهيل بن مالك بن دينار
أبو بكر البصري نزيل مصر.
روى عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يا بن مسعود "، قلت: لبيك، ثلاثاً، قال: " أتدري أي عرى الإيمان أوثق؟ "، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " الولاية في الله، والحب في الله، والبغض في الله "، ثم قال: " يا بن مسعود "، قلت: لبيك يا رسول الله، ثلاثا "، قال: " أي المؤمنين أعلم؟ "، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " إذا اختلفوا - وشبك بين أصابعه -(15/108)
أبصرهم بالحق، وإن كان في عمله تقصير، وإن كان يزحف زحفاً. ثم الق: " يا بن مسعود، هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة لم ينج منها إلا ثلاث فرق؟ فرقة أقامت في الملوك والجبابرة، فدعت إلى دين عيسى بن مريم، فقاتلت حتى قتلت، فلحقت بالله، فنجت، ثم قامت فرقة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال، فقامت بالقسطاس في الملوك والجبابرة، فدعت إلى دين الله، ودين عيسى بن مريم، فأخذت، فقطعت بالمناشير، وحرقت بالنيران، فصبرت حتى لحقت بالله، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها بالقتال قوة، ولم تطق القيام بالقسط، فلحقت بالجبال، فتعبدت، وترهبت، وهم الذين ذكرهم الله - عز وجل - فقال: " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها " إلى " وكثير منهم فاسقون "، وهم الذين لم يؤمنوا بي، ولم يصدقوني، فلم يرعوها حق رعايتها، وهم الذين فسقهم الله - عز وجل " مات عبد السلام بن أحمد، أبو بكر البصري سنة ثمان وتسعين ومائتين.
عبد السلام بن أحمد بن محمد بن الحارث
ويقال: ابن أبي الحارث أبو علي القرشي القزاز روى عن أحمد بن أصرم المغفلي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسو ل الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الصلاة نور المؤمن " وروى عن محمد بن إسماعيل بن محمد التميمي بسنده عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عمل الأبرار من الرجال الخياطة، وعمل الأبرار من النساء المغزل "(15/109)
عبد السلام بن أحمد بن محمد
أبو الفتح الفارسي روى عن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن الطبيز بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل خطوة يخطوها أحدكم إلى الصلاة يكتب له بها حسنة "، ويمحى عنه بها خطيئة "
عبد السلام بن إسماعيل بن زياد
أبو الحسن العثماني الحداد روى عن عمر بن عبد الواحد بسنده عن ابن عمر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، واعدد نفسك من أهل القبور " وعن أوس بن أوس، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من غسل يوم الجمعة واغتسل، وغدا ابتكر، ومشى، ولم يركب، ثم دنا من الإمام فأنصت، ولم يلغ حتى ينصرف الإمام كلن له عمل سنةٍ، صيامها وقيامها "
عبد السلام بن الحسن بن علي بن زرعة
أبو أحمد الصوري، ويعرف بحمدان قال الحافظ: وكان مستوراً، ولم يكن الحديث من شأنه. سمعت منه.(15/110)
روى عن نصر بن إبراهيم الزاهد بسنده عن علي بن أبي طالب قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين يعذبان، فقال: " إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لايستنزه عن بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة "
ولد أبو أحمد بن زرعة سنة سبع وخمسين وأربعمائة بصور. ومات سنة تسع وخمسين وخمسمائة بدمشق.
عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام
ابن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن يزيد بن تميم أبو محمد الشاعر، المعروف بديك الجن من أهل حمص، شاعر مطبوع. له شعر حسن.
قدم دمشق، ومدح بها ابن المدبر. وكان جده تميم من أهل مؤتة، فأسلم على يد حبيب بن مسلمة الفهري. ويقال: إنه مولى لطيء روى عن دعبل بن علي الشاعر بسنده عن الطرماح بن عدي الشاعر قال: لقيت نابغة بني جعدة الشاعر، فقلت له: لقيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها: من الطويل
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال: " إلى أين يا أبا ليلى؟ " قلت: إلى الجنة، يا رسول الله، قال: " إلى الجنة إن شاء الله "(15/111)
وله من قصيدة أنشدها أحمد بن المدبر بدمشق: من البسيط
إني امرؤ نازل في ذروتي شرفٍ ... لقيصر ولكسرى محتدي وأبي
فإن تجد تجد النعمى وتحظ بها ... وإن تضق لا يضق في الأرض مضطربي
حرف أمون ورأي غير مشتركٍ ... وصارم من سيوف الهند ذو شطب
وخوض ليلٍ تهاب الجن بجته ... وينطوي جيشها عن جيشه اللجب
لكن نوائب نابتني وحادثة ... والدهر يطرق بالأحداث والنوب
وليس يعرف لي قدري ولاأدبي ... إلا امرؤ كان ذا قدرٍ وذا أدب
قال أبو الحسن سعيد بن يزيد الحمصي: دخلت على ديك الجن، وكنت أختلف إليه، أكتب عنه شعره، فرأيته وقد شابت لحيته وحاجباه، وشعر يديه، وكانت عيناه خضراوان، ولذلك سمي ديك الجن، وقد صبغ لحيته وحاجبيه بالزنجار خضراً، وعليه ثياب خضر، وكان حسن الغناء بالطنبور، وبين يديه صينية الشراب، وهو يغني نفسه: من المنسرح
أقصيتموني من بعد فرقتكم ... فخبروني علام إقصائي
عذبني الله بالصدود، ولا ... فرج عني هموم بلوائي
إن كنت أحببت حبكم أحدا ... أو كان ذاك الكلام من رائي
فلا تصدوا فليس ذا حسنا ... أن تشتموا بالصدود أعدائي
وقيل لأبي تمام: لو أنبهت ديك الجن مما هو فيه، ولك عشرة آلاف درهم. قال أبو تمام: فدخلت عليه وهو مطروح على حصير سكران، وغلام على رأسه يروحه، فلما رآني الغلام قال له: مولاي، أبو تمام! قال: ويلك! حبيب؟ قال: نعم. فقام، ولببني، قال: أتحسن تقول مثلي؟ وأنشد أبياتاً منها: من البسيط(15/112)
أما ترى راهب الأسحار قد هتفا ... وحث تغريده لما علا الشعفا
مشنف بعقيقٍ فوق مذبحه ... هل كنت في غير أذنٍ نعرف الشنفا
هز اللواء على ماكان من سنةٍ ... فارتج ثم علا واهتز ثم هفا
إذا استهل استهلت فوقه عصب ... كالحي صيح صباحاً فيه فاختلفا
فلم أزل به حتى نومته وخرجت. فقيل لي: إنما قلنا لك أنبهه، ولم تقل لك نومه! قال: قلت لهم: دع ذا ينام، فإنه إن انتبه يحرمنا عشرة آلاف كبيرة!.
وكان عبد السلام بن رغبان الملقب بديك الجن شاعراً أديباً ذا نغمة ٍ حسنةٍ، وكان له غلام كالشمس، وجارية كالقمر، وكان يهواهما جميعاً. فدخل يوماً منزله، فوجد الجارية معانقة للغلام تقله، فشد عليهما، فقتلهما، ثم جلس عند رأس الجارية، فبكاها طويلاً، ثم قال: من الكامل
يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها
رويت من دمها الثرى ولطالما ... روى الهوى شفتي من شفتيها
ثم جلس عند رأس الغلام، فبكى، وأنشأ يقول: من الكامل
قمر أنا استخرجته من دجنةٍ ... بمودتي وجنتيه من خدره
فقتلته وله علي كرامة ... ملء الحشا، وله الفؤاد بأسره
ولهذه الحكاية رواية أخرى ومما أنشده لنفسه: من الخفيف
ياسمي المقتول بالطف خير الن ... اس طراً حاشى أبيه وجده
عنفوني أن ذاب فيك فؤادي ... أوما ذاك من شقاوة جده(15/113)
أنا أفدي من المكاره من دم ... عي عليه أرق من ورد خده
وله أيضاً من أبيات: من الطويل
أمالي على الشوق اللجوج معين ... إذا نزحت دار وخف قطين
إذا ذكروا ذكر الشآم استعادني ... إلى من بأكناف الشآم حنين
عبد السلام بن العباس
ابن الوليد بن الزبير الحضرمي الحمصي روى عن عبد الرحمن بن أيوب السكوني الحمصي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" لو أذن الله في التجارة لأهل الجنة لاتجروا في البز والعطر
عبد السلام بن عبد الرحمن
أبو القاسم الحرداني روى عن شعيب بن شعيب بسنده عن أبي هريرة: عن هذه الآية: " وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف النبي في الصلاة توفي عبد السلام الحرداني سنة تسعين ومائتين(15/114)
عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب
أبو محمد الكلاعي روى عن أبيه بسنده عن سعد السكوني قال: دخلت على معاوية بن أبي سفيان، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من شرب مخمراً مسكراً مستحلاً له بعد تحريمه، لم يتب، ولم ينزع، فليس مني، ولا أنا منه يوم القيامة " وروى عن هشام ين عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" أربع لا يشبعن من أربعٍ: أرض من مطرٍ، وأنثى من ذكرٍ، وعين من نظر، وطالب علمٍ من علم " قال ابن عدي: لا يرويه عن هشام غير عبد الرحمن هذا، وهو بهذا الإسناد منكر، وعامة ما يرويه غير محفوظ.
وروى عن ثور بن يزيد بسنده عن أبي أمامه الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تذهب الأيام والليالي حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، ويسمونها بغير اسمها " قالوا: عبد السلام بن عبد القدوس وأبوه ضعيفان.(15/115)
عبد السلام بن عتيق بن حبيب بن أبي عتيق
كانت داره بناحية باب السلام روى عن أبي مسهر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيكون بعدي خلفاء، يعملون يما يعلمون، ويفعلون مايؤمرون، وسيكون من يعدهم خلفاء يعملون يما لا يعلمون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن أنكر عليهم برىء، ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضي وتابع! " قال النسائي في أسماء شيوخه: عبد السلام بن عتيق، صالح.
وقيد ابن ماكولا: عتيق: بفتح العين.
وقال ابن زبر: وفيها - يعني سنة سبع وخمسين ومائتين - توفي أبو هشام عبد السلام بن عتيق
عبد السلام بن محمد بن عبد الصمد بن لاوي
أبو الحسن الطرابلسي، المعروف بالزرافي روى عن أبيه بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في العيدين: " سبح اسم ربك الأعلى " و" هل أتاك حديث الغاشية ".(15/116)
عبد السلام بن محمد بن أبي موسى
أبو القاسم البغدادي المخرمي الصوفي سكن مكة. وكان شيخ الحرم في وقته في التصوف. وكان ثقة.
روى عن أحمد بن عمير بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، ثم يسجد سجدني السهو " وروى عن محمد بن زيان بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحمى من فيح الجهنم، فأطفئوها بالماء ".
قال الخطيب: عبد السلام بن محمد، أبو القاسم المخرمي البغدادي. جمع بين علم الشريعة، وعلم الحقيقة، والفتوة، وحسن الخلق، وأقام بمكة سنين، وبها مات سنة أربع وستين وثلاثمائة.
عبد السلام بن محمد بن محمد بن يوسف
أبو يوسف القزويني المتكلم على مذهب المعتزلة مصنف مشهور. سكن أطرابلس مدة، ثم عاد إلى بغداد وسكنها إلى أن توفي بها.
روى عن القاضي أبي عبد الله المحاملي بسنده عن هشام بن عامر قال: شكونا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرح يوم أحد، فقلنا: كيف تأمرنا بقتلانا؟ قال: "(15/117)
احفروا، ووسعوا، وعمقوا، وادفنوا في القبر الاثنين والثلاثة، وقدموا أكثرهم قرآناً " وروى عن عبد الجبار بن أحمد بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" ليؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء " فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في العلم في السنة سواء فأقدمهم هجرة "، فإن كانوا في الهجرة سواء " فأكبرهم سناً. ولا يؤم رجلاً في بيته، ولافي سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه "
صنف أبو يوسف القزويني في تفسير القرآن في ثلاثمائة ونيفٍ مجلداً، وقال: من يقرؤه على وهبت له النسخة، فلم يقرأه عليه أحد.
ولد القاضي أبو يوسف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، ومات في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
عبد السلام بن محمد
أبو بكر العقيلي روى عن أبي الحسن بن جوصا بسنده عن أبي هريرة قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر، ويفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد.
عبد السلام بن مسلم
والمعروف أنه عبد الله بن مسلم روى عن وهب بن وهب بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله، وصلوا على من قال: لا إله إلا الله "(15/118)
عبد السلام بن مكلبة الثعلبي البيروتي
سأل الأوزاعي عن رجل أرسل كليه في الحل على صيدٍ، فدخل الحرم، فطلبه الكلب في الحرم حتى أخرجه إلى الحل، فقتله، فقال: ما عندي فيها جواب، ولاسمعت فيها بشيء، قلت: فأجبني برأيك، قال: إني أكره التكلف، فألححت عليه، فقال: ما أحب أن يأكله، ولا أوجب عليه أن يديه.
وحين رزقه الله الحج أتى ابن جريج، فسأله عنها، فقال له: إن ابن عباس سئل عنها، فقال: ما أحب أن يأكله، ولا أوجب عليه أن يديه.
وحين رزقه الله الحج أتى ابن جريج، فسأله عنها، فقال له: إن ابن عباس سئل عنها، فقال: ما أحب له أن يأكله، ولا أرى أن يديه.
وكان عبد السلام من أعلم الناس بالأوزاعي وبحديثه وفتياه.
عبد الصمد بن أحمد بن خنبش
ابن القاسم بن عبد الملك بن سليمان بن عبد الملك بن حفص بن سليمان أبو الفتح الخولاني الحمصي روى عن خيثمة بن سليمان بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه " ولد أبو الفتح الخولاني بحمص في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة.
وسمع منه ثلاث وثمانين وثلاثمائة.
ومما أنشده لنفسه: من البسيط
الجسم بعدك ماينفك من سقم ... والعين مذ غبت لم ترقد ولم تنم
ووجبة البين تغشاني وتطرقني ... حتى يقال به ضرب من اللمم
ياقرة العين ماقرت دموعي مذ ... سار المطي بكم من داره العلم(15/119)
ولاحضرت سرورا " في مغيبكم ... إلا شرقت بطيب الريق الشبم
ولادعيت إلى راح لأشربها ... إلا توهمتها ممزوجة " بدم
أسائل الركب عن أخبار عيركم ... خوف الظنون وإشفاقاً من التهم
قال الخطيب: عبد الصمد بن أحمد بن خنبش أبو القاسم الخولاني الحمصي. ورد بغداد، وأقام بها مدة طويلة.
وقال عبد الغني: خنبش - بالنون وبالباء معجمة بواحدة وبالشين المعجمة
عبد الصمد بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن يعقوب
أبو القاسم الكندي القاضي قاضي حمص. قدم دمشق قديماً.
روى عن سليمان بن أيوب البهراني بسنده عن أم سلمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعمار: " تقتلك الفئة الباغية " وروى عن العباس بن السندي بسنده عن سعد بن محيصة أفسدت ناقة للبراء بن عازبٍ في حائط قومٍ، فرفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى بحفظ المائية على أهلها بالليل، وحفظ الحوائط على أهلها بالنهار.
توفي عبد الصمد الحمصي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.(15/120)
عبد الصمد بن عبد الله بن عبد الصمد
المعروف بابن أبي يزيد، ابن أخي يزيد بن عبد الصمد، أبو محمد القرشي قاضي دمشق.
روى عن محمود بن خالد بن يزيد السلمي بسنده عن ابن عمر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كن كأنك غريب في الدنيا، أو عابر سبيل، واعدد نفسك من أهل القبور ". ثم قال ابن عمر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك، قبل موتك؛ فإنك لا تدري ما اسمك غداً. " مات عبد الصمد بن أبي يزيد سنة خمس وثلاثمائة أو سنة ست وثلاثمائة.
عبد الصمد بن عبد الأعلى
ويقال: أبي العلاء السلامي روى عن الوليد بن مسلم بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لدرهم أعطيه في غفلٍ أحب إلي من خمسةٍ في غيره " قال البخاري: سمع عبد الصمد، عن ابن عمر أنه غسل الإناء إذا أنبذ له لكي لايضر قال أبو حاتم: شيخ مجهول(15/121)
عبد الصمد بن عبد الأعلى بن أبي عمرة
أبو وهب ويقال: أبو بكر الشيباني مؤدب الوليد بن يزيد. شارع، كان يتهم بالزندقة روى عن محمد بن جرير الطبري قال: ظهر من الوليد بن يزيد مجون وشراب الشراب حمله على ذلك عبد الصمد بن عبد الأعلى الشيباني، وكان مؤدب الوليد. فكان هشام يعيب الوليد، ويتنقصه، وكثر عبثه به وبأصحابه، وقصر به، فلما رأى ذلك الوليد خرج، وأخرج معه عبد الصمد بن عبد الأعلى، فشربوا يوماً، فلما أخذ فيهم الشراب قال الوليد لعبد الصمد: يا أبا وهب، قل أبياتاً، فقال: من المتقارب
ألمن تر للنجم شيعا ... يبادر في برجه المرجعا
تحيز من قصد مجراته ... أتى الغور والتمس المطلعا
فقلت وأعجبني شأنه ... وقد لاح إذ لاح لي مطمعا
لعل الوليد دنا ملكه ... فأمسى إليه قد استجمعا
فروي الشعر، وبلغ هشاماً، فقطع عن الوليد ماكان يجري عليه.
وكتب إلى الوليد أن يخرجه، فأخرجه وكتب إلى هشام يعلمه بإخراجه، ويعتذر إليه مما بلغه من منادمته.
عبد الصمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر بن خالد
أبو الحسين الدولابي روى عن أبي عمر بن فضالة بسنده عن أنس قال: عطس رجلان عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقيل له: يا(15/122)
رسول الله، عطس رجلان، فشمت أحدهما، ولم تشمت الآخر، فقال: " هذا حمد الله، وإن هذا لم يحمد الله " وفي رواية: " إن هذا حمد الله - عز وجل - فشمته، وإن هذا لم يحمد الله، فلم أشمته "
عبد الصمد بن علي بن عبد الله
ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو محمد الهاشمي ولد بالحميمة، ثم شهد حصار دمشق مع أخويه صالح وعبد الله ابني علي. وولي دمشق. وولي الموسم، وإمرة المدينة. ثم ولي إمرة البصرة للمنصور، ثم وليها للرشيد.
روى عن أبيه، عن جده عبد الله بن عباس قال: لما نزلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن تبدو مافي أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " شق ذلك على أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت: " فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء "، فسري بذلك عنهم.
وروى عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرموا الشهود؛ فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويدفع بهم الظلم " وروى - في حديث طويل - أن المنصور قال له: ياعم حدث ولدك، وإخوتك، وبني أخيك حديث البر والصلة. فقال:(15/123)
حدثني أبي، عن جدي عبد الله بن العابس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن البر والصلة ليطيلان الأعمار، ويعمران الديار، ويكثران الأموال، ولو كان القوم فجارا ".
ثم قال: يا عم، الحديث الآخر، فقال عبد الصمد بن علي: حدثني أبي، عن جدي عبد الله بن العباس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن البر والصلة ليخففان سوء الحساب يوم القيامة ". ثم تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم، ويخافون سوء الحساب " فقال المنصور: يا عم، الحديث الآخر، فقال عبد الصمد بن علي: حدثني عن جدي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه كان من بني إسرائيل ملكان أخوان على مدينتين، وكان أحدهما باراً برحمه، عادلاً على رعيته، وكان الآخر عاقاً برحمه، جائراً على رعيته. وكان في عصرهما نبي، فأوحى الله إلى ذلك النبي أنه بقي من عمر هذا البار ثلاث سنين، وبقي من عمر هذا العاق ثلاثون سنة ". قال: فأخبر ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رعية هذا، ورعية هذا. قال: فأحزن ذلك رعية العادل، وأحزن ذلك رعية العادل، وأحزن ذلك رعية الجائر. قال: ففرقوا بين الأطفال والأمهات، وتركوا الطعام والشراب، وخرجوا إلى الصحراء، يدعون الله - عز وجل - أن يمتعهم بالعادل، ويزيل عنهم أمرالجائر. فأقاموا ثلاثاً، فأوحى الله - عز وجل - إلى ذلك النبي أن أخبر عبادي أني قد رحمتهم، وأجبت دعاءهم، فجعلت ما بقي من عمر هذا البار لذلك الجائر، وما بقي من عمر الجائر لهذا البار. قال: فرجعوا إلى بيوتهم. ومات العاق لتمام ثلاث سنين، وبقي العادل فيهم ثلاثين سنة " ثم تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما يعمر من(15/124)
معمرٍ ولا ينقص من عمره إلا في كتابٍ. إن ذلك على الله يسير "
ثم التفت المنصور إلى جعفر بن محمد، فقال: يا أبا عبد الله، حدث أخوتك، وبني عملك بحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من ملك يصل رحمه، وذوي قرابته، ويعدل على رعيته إلا شد الله له ملكه، وأجزل له ثوابه، وأكرم مآبه، وخفف حسابه " ولد عبد الصمد بالشراة، وهو لأم ولد، أمه كثيرة التي كان عبيد الله بن قيس الرقيات يشبب بها في شعره ويقول: من المنسرح
عاد له من كثيرة الطرب ... فعينه بالدموع تنسكب
قال الزبير: وعبد الصمد بن علي، وإسماعيل بن محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، وعبيد الله بن عروة بن الزبير ورثوا آخر من بقي من عبد بن قصي بالقعدد قال المدائني: كان أول من هاج الحرب بالشام في أيام أبي الهيذام المري، والأمير يومئذ على دمشق عبد الصمد بن علي.
وقال الخطبي: وكان عبد الله بن علي حين بويع له بالشام في سنة سبع وثلاثين ومائة عقد العهد من بعده لأخيه عبد لصمد بن علي - وكان خرج مع أخيه عبد الله خالف على المنصور - فلما انقضى أمر عبد الله حمل عبد الصمد إلى المنصور أسيراً، فعفى عنه، وأطلقه.(15/125)
وولي مكة والمدينة للمنصور، وولي الجزيرة للمهدي، وولي البصرة للرشيد. وكان الرشيد حبسه ثم أطلقه.
وحج بالناس سنة خمسين ومائة، وسنة خمس وخمسين ومائة، وسنة إحدى وسبعين ومائة وإليه ينسب شارع عبد الصمد بالجانب الشرقي من بغداد.
وكانت فيه خلال؛ منها: انه ولد سنة أربع ومائة، وتوفي سنة خمس وثمانين، وولد أخوه محمد سنة ستين. فكان بينه وبين أخيه في المولد أربع وأربعون سنة. وتوفي محمد بن علي سنة ست وعشرين، وتوفي عبد الصمد سنة خمس وثمانين، فكان بينهما في الوفاة تسع وخمسون سنة. وحج يزيد بن معاوية سنة خمسين، وحج عبد الصمد بالناس سنة خمسين ومائة، وهما في النسب إلى عبد مناف سواء. وولد عبد الله بن الحارث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو وعبد الصمد في النسب إلى عبد مناف سواء. وأدرك أبا العباس وهو ابن أخيه، ثم أدرك أبا جعفر، ثم أدرك المهدي، وهو عم أبيه، ثم أدرك الهادي، وهو عم جده، ثم أدرك الرشيد.
وكانت أسنانه قبل أن يثغر قطعة واحدة من فوق، وقطعة من أسفل، ومات بأسنانه التي ولد بها. وكانت قدمه ذراعاً بالأسود.
واستخرج عمه حمزة في عام الجرفة - وكان يلي المدينة - استخرجه من قبره كهيئته، وعليه النمرة التي كفنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها، والإذخر على قدميه.
ومات، وليس على الأرض عباسية إلا وهو محرم بها. وهو أعرق الناس في العمى: هو أعمى ابن أعمى ابن أعمى ابن أعمى. وكان عمي بريشةٍ، وذلك أنه طرح في بيت فيه ريش، فطارت ريشة، فسقطت في عينه، فذهبت.(15/126)
وحكى ابن أخت سفيان الثوري قال: مرض خالي سفيان، فعاده عبد الصمد بن علي، وكان سيد بني هاشم، فقال لنا سفيان: لا تأذنوا له؟ فقلنا: ويمكن ذلك؟ فحول وجهه إلى الحائط، ودخل عبد الصمد، فسلم، فلم يرد السلام، فجلس عبد الصمد ملياً، فقال: أحسب أن أبا عبد الله نائم، فقال سفيان: لست بنائم، فقال عبد الصمد: يا أبا عبد الله، لك حاجة؟ قال: نعم، ثلاث حوائج: لاتعود إلي ثانية، ولاتشهد جنازتي، ولا تترجم علي إذا ذكرت عندك. قال: فخجل عبد الصمد، وقام، فلما خرج قال: والله لقد هممت ألا أخرج إلا ورأسه معي؟ وكان عمر بن حبيب على قضاء الرصافة لهارون الرشيد، فاستعدى إليه رجل على عبد الصمد بن علي، فأعداه عليه، فأبى عبد الصمد، وقام، فلما خرج قال: والله لقد هممت ألا أخرج إلا ورأسه معي.
وكان عمر بن حبيب على قضاء الرصافة لهارون الرشيد، فاستعدى إليه رجل على عبد الصمد بن علي، فأعداه عليه، فأبى عبد الصمد أن يحضر مجلس الحكم، فختم عمر بن حبيب قمطره، وقعد في بيته، فرفع ذلك إلى هارون، فأرسل إليه، فقال: ما منعك أن تجلس للقضاء؟ فقال: أعدي على رجل فلم يحضر مجلسي، قال: ومن هو؟ قال: عبد الصمد بن علي. فقال هارون: والله لا يأتي مجلسك إلا حافياً. وتوجه الحكم على عبد الصمد، فحكم عليه، وسجل به.
مات عبد الصمد بن علي ببغداد في سنة خمس وثمانين ومائة، ودفن في مقابر باب البردان. وكان عظيم الخلق.
عبد الصمد بن محمد بن عبد الله بن حيويه
أبو محمد - ويقال: أبو القاسم - البخاري الحافظ
حدث عن أبي نصر محمد بن محمد بن حاتم السجستاني بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بلالاً يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم ". وإنما كان بينهما قدر ما ينزل هذا، ويرتقي هذا. "(15/127)
وروى عن الهيثم بن كليب الشاشي بسنده عن الحسن قال: قدم ابن أبي طالب - يعني عقيلاً - البصرة، فتزوج امرأة "، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تقولوا ذلك؛ فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهانا عن ذلك، وأمرنا أن تقول: " بارك الله لك، وبارك عليك " قال أبو القاسم بن أبي العقب: عبد الصمد بن محمد البخاري من أصحاب الحديث، قدم علينا في حديث فيه لقمان بن عاصم أنه الفلتان بن عاصم، وذكر لي أنه مسموع معه من " تاريخ العسال " وقال عبد الصمد: سمعت أبا بكر بن حرب - شيخ أهل الرأي في بلدنا - يقول: كثيراً ما أرى أصحابنا في مدينتنا هذه يظلمون أهل الحديث؛ كنت عند حاتم العتكي، فدخل عليه شيخ من أصحابنا من أهل الرأي، فقال: أنت الذي تروي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في ذلك - يعني قوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " - فقال له: كذبت، إن فاتحة الكتاب لم تكن في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إنما نزلت في عهد عمر بن الخطاب.
قال أبو عبد الله الحافظ: عبد الصمد بن محمد بن حيويه البخاري، أبو محمد الأديب الحافظ النحوي. وكان من أعيان الرحالة في طلب الحديث. قدم علينا نيسابور سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وأقام عندنا إلى سنة سبع، ثم خرج إلى العراق، ودخل الشام ومصر، وجمع الحديث الكثير، وانصرف إلى بغداد سنة أربعين، ودخلتها، وهو بها سنة إحدى وأربعين. وكان جمع علي " صحيح البخاري " وجوده. ثم اجتمعنا بعد ذلك بنيسابور، ثم كتبنا عنه ببخارى سنة خمس - أو ست - وخمسين. وكان قلما يفارقنا سنين. وتوفي - رحمه الله - ببخارى في شهر رمضان سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.(15/128)
وقال غنجار: إنه توفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة بالدينور.
وقال أبو نصر الحافظ: حيويه: بياء قبل الواو معجمة باثنتين من تحتها.
عبد الصمد بن هشام بن الغاز الجرشي
وجد في كتاب أبيه: هذه أول حكمة فارس: أدنى عمل خير من الفراغ، والفراغ خير من عمل السوء، عدو حكيم خير من صديق أحمق، والوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، ما يفعل الحكيم بعدوه ما يفعل الأحمق بنفسه.
عبد العزيز بن أحمد بن علي بن حمدان
أبو القاسم اللخمي المقرىء الخفاف حدث عن أبي سليمان بن زبر بسنده عن أبي تحيى قال: سمعت علياً يحلف لأنزل الله - عز وجل - اسم أبي بكر صديقاً وعن أبي سليمان بن زبر بسنده عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت عتيق الله من النار " فسمي عتيقاً توفي عبد العزيز بن أحمد اللخمي الإسكاف سنة خمس وعشرين وأربعمائة.(15/129)
عبد العزيز بن أحمد بن محمد
ابن علي بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز أبو محمد التميمي الكتاني الصوفي الحافظ سمع الكثير، وكتب الكثير، ورحل في طلب الحديث روى عن أبي القاسم صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الولاء، وعن هبته وسمع عبد الوهاب بن جعفر بسنده عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن هذه الآية نزلت في القدرية: " إن المجرمين في ضلال وسعر " ولد عبد العزيز الكتاني سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وبدأ بسماع الحديث سنة سبع وأربعمائة، كان ثقة أميناً، كتب عنه شيوخه وسمعوا منه.
توفي سنة ست وستين وأربعمائة.
عبد العزيز بن إسحاق العسقلاني
روى عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أئتوا المساجد حسراً ومقنعين؛ فإن ذلك من سيماء المسلمين "(15/130)
عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر
روى عن سليمان بن حبيب، عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لتنقضن عرى الإسلام عروة " عروة "، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة ".
وروي عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير قال: يقول الله - عز وجل -: ألا إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وإن كان مكافىء قرناءه.
وفي رواية عن عمارة بن زعكرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ".... وهو ملاق قرنه " وروى عن أبيه أنه كان فيما يمجد به نواح بني إسرائيل: سبحانك إلهي، أنت بديع، كرسيك كرسي الكرامة، عرشك عرش المهابة الذي هو على رقاب الكروبيين، يسبحون بحمدك، ويقدسون باسمك، ويرهبون من جلال، فأنت الله يحمل من حمل عرشك.
وعبد العزيز بن إسماعيل هذا أخو مروان، وعبد الغفار، ويحيى، وعبد الحكيم.
قال أبو حاتم: ليس به بأس.(15/131)
عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي
ولي الجزيرة لعمر بن عبد العزيز، وأذربيجان، وغزا الترك. ووفد على عمر بن عبد العزيز. وكان سيداً في الجزيرة، وكذلك كان أبوه حاتم بن النعمان. ومات بأرمينية.
عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو الأصبغ القرشي الأموي كان وجيهاً عند يزيد بن الوليد الناقص لقيامه معه في محاربة الوليد بن يزيد، وهو الذي تولى قتال الوليد حتى قتل. وجعله يزيد بن الوليد ولي عهده بعد أخيه إبراهيم بن الوليد. وكان يقول بالقدر.
وتزوج عبد العزيز هذا أم سلمة بنت هشام بن عبد الملك. وكان أخاً أبي العباس السفاح لأمه؛ أمهما ريطة بنت عبيد الله بن عبد الله الحارثي.
وحين غلب مروان بن محمد على دمشق وذلك في سنة سبع وعشرين توجه عبد العزيز بن الحجاج إلى داره ليخرج عياله، فثار به أهل دمشق، فقتلوه، واحترزوا رأسه، فأتوا به أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وكان محبوساً مع يوسف بن عمر وأصحابه، فأخرجوه، فوضعوه على المنبر في قيوده، ورأس عبد العزيز بين يديه، وحلوا قيوده وهو على المنبر، فخطبهم، وبايع لمروان، وشتم يزيد وإبراهيم ابني الوليد وأشياعهم، وأمر بجسد عبد العزيز فصلب على باب الجابية منكوساً، وبعث برأسه إلى مروان بن محمد.(15/132)
عبد العزيز بن الحسن بن علي بن أبي صابر
أبو محمد البغدادي الصيرفي الجهبذ الدلال روى عن العباس بن أحمد بن محمد البرتي بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ أخرى، فأرصد الله - عزوجل - وفي رواية: له - على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أردت أخاً لي في هذا القرية، فقال: هل له عليك من نعمةٍ تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله - عز وجل - قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه " توفي عبد العزيز بن أبي صابر الجهبذ سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وكان ثقة.
عبد العزيز بن الحسين بن أحمد
أبو محمد دلال البز. والد بركات بن عبد العزيز سمع محمد بن علي بن يحيى المازني بسنده عن عبد الله، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أول من سيب السوائب أبو خزاعة بن عامر، وإني رأيته في النار يجر أمعاءه فيها ".
توفي عبد العزيز بن الحسين بن أحمد سنة خمس وتسعين وأربعمائة بدمشق. وكان ثقة.(15/133)
عبد العزيز بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد
أبو الفضل الرازي بن أخي أبي سعد السمان حدث عن عبد الجبار بن أحمد بسنده عن جابر بن عبد الله: أن أمرأة من الأنصار صنعت شاة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعته في نفر من أصحابه، وفرشت لهم صوراً، ثم أتتهم بطعامٍ، فأكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكلنا معه، فدعا بماءٍ، فتوضأ، ثم صلى بنا الظهر، ثم أتي بفضول طعامهم، فأكلوا، ثم قام، فصلى بنا العصر، ولم يتوضأ.
عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان
أبو سهل - ويقال: أبو الأصبغ - الخراساني ثم المروزي روى عن ثابت البناني، عن إسحاق بن عبد الله بن نوفل، عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند وفاته، فجعل سكرة الموت تذهب به الطويل ثم سمعته يهمس يقول: " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ثم يغلب عليه، ثم يعود، فيقول مثلها، ثم قال: أوصيكم بالصلاة، أوصيكم بما ملكت أيمانكم " ثم قضي عندها.
وروي عن الزهري بسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قائم على المنبر يقول: " من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل "(15/134)
وعن أبي الزبير، عن جابر:
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على النجاشي، وكنت أنا في الصف الثاني، فكبر عليه أربعاً - وليست " عليه " في رواية.
قال البخاري: عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ليس بالقوي، سكتوا عنه.
وقال مسلم: ذاهب الحديث وقال يحيى بن معين: خراساني ضعيف الحديث، ليس بشيء، لايسوى حديثه فلساً قال ابن المديني: بلاء من البلاء، وضعفه جداً.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بقوي، منكر الحديث، ضعيف الحديث، وسألت أبا زرعة، فقال: لا يكتب حديثه.
وقال النسائي: متروك الحديث وقال أبو أحمد بن عدي: والضعف على رواياته بين. وقد روى عن الزهري أحاديث مشاهير، وأحاديث مناكير.(15/135)
عبد العزيز بن حيان بن صابر بن حريث
أبو القاسم الأزدي المعولي الموصلي روى عن هشام بن عمار بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في جهنم رحى تطحن علماء السوء طحناً " وروى بسنده عن جابر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الاستجمار وتر، ورمي الجمار وتر، والسعي بين الصفاوالمروة وتر " قال أبو زكريا يزيد بن محمد بن إياس الأزدي في كتاب: " طبقات محدثي أهل الموصل ": عبد العزيز بن حيان بن جابر بن حريث المعولي، ومعولة من الأزد، كان فيه فضل وصلاح. وطلب الحديث، ورحل فيه، وأكثر الكتاب. حدث الناس دهراً طويلاً، وتوفي سنة إحدى وستين ومائتين.
عبد العزيز بن خلف بن محمد بن المكتفي
أبو الأصبغ، ويقال: أبو محمد الأندلس المعافري قد م دمشق سنة اثنتين وخمسمائة، وحدث بها بكتاب الموطأ. وسئل عن مولده فقال: في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة.
روى بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أتى الجمعة فليغتسل "(15/136)
عبد العزيز بن زرارة بن جزء
ابن عمرو بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كطلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر الكلابي وفد على معاوية، وطال مكثه على بابه، ولما وصل إليه قال له: يا أمير المؤمنين، لم أزل أستدل بالمعروف عليك، وأمتطي النهار إليك، حتى إذا جاء الليل أقام بدني، وسافر أملي، والاجتهاد عذر، وإذا بلغت فقط ومن شعره في ذلك: من الوافر
دخلت على معاوية بن حربٍ ... وذلك إذ أيست من الدخول
وما نلت الدخول إليه حتى ... حللت محلة الرجل الذليل
ومن شعره: من الوافر
ومالب اللبيب بغير حظ ... بأنفع في المعيشة من فتيل
رأيت الحظ يستر عيب قومٍ ... وهيهات الحظوظ من العقول
كان عبد العزيز بن زرارة الكلابي رجلاً شريفاً ذا مالٍ كثيرٍ، وإنه أشرف عشية فواجهه مال كثير، فما أدرك بصره من ذلك الكال شيئاً إلا وفيه عانة قائمة على ولدها؛ إما فرس، وإما ناقة، وإما وليدة، وإما نعجة، وإما عنز. فقال عبد العزيز لغلامٍ له: لمن هذا المال؟ قال: لآل زرارة، فقال عبد العزيز: إني لأرى مالاً إن له انصراماً، اللهم أحسنت زراعة آل فأحسن صرامهم، اللهم إن عبد العزيز يشهدك أن قد حبس ماله ونفسه وأهله في سبيل الله.(15/137)
ثم أتى أباه، فقال: يا أبه، ما ترى في رأي أرتأيته؟ قال: تطاع فيه، وتنعم عيناً، قال: فإني قد حبست نفسي، وأهلي، ومالي في سبيل الله، قال: فارتحل، يا عبد العزيز على بركة الله. قال: فأصبح على ظهرٍ يصلح من أمره، فلما وجه ذلك السوام، أقبل على أهله يقود جمله، حتى وقف عليهم فقال: إن لي فيكم قرائب، فلا تزوجوهن إلا رجلاً يرضينه.
وذكر القطر بلي أنه استشهد في غزوة يزيد القسطنطينة سنة وخمسين.
عبد العزيز بن سعيد
أبو الأصبغ الهاشمي روى بسنده عن أنس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتجم ثلاثاً، ثنتان في الأخدعين وواحدة على الكاهل.
عبد العزيز بن سليمان بن أبي السائب القرشي
أخو الوليد بن سليمان وعم عبد العزيز بن الوليد، عبيد. من أصحاب مكحول، وعمربن عبد العزيز. وبنو أبي السائب أهل بيت من أهل دمشق، أهل علم، وفضل، وخير.
عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة
أبو محمد السعدي الأندلسي الشاطبي قدم دمشق طالب علمٍ، ورحل إلى العراق. وصنف غريب حديث أبي عبيد القاسم بن سلام على حروف المعجم، وجعله أبواباً(15/138)
روى عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: توفي عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة سنة خمس وستين وأربعمائة في حوران
عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد
ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي المكي ولي مكة لسليمان بن عبد الملك. وقيل: إنه وليها أيضاً لعبد الملك وكان جواداً ممدحاً. وتوفي برصافة هشام. والأظهر أنه دخل دمشق. وقد كان لأخيه خالد بن عبد الله بها دار.
روى عن رجل ٍ من خزاعة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الجعرانة ليلاً، فاعتمر، ثم رجع، فأصبح بها كبائتٍ فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة.
وروى عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عرفة: اليوم الذي يعرف فيه الناس " وقال الزبير بن بكار في تسمية من ولد عبد الله بن خالد بن أسيد: وعبد العزيز وعبد الملك ابني عبد الله. وأمهما أم حبيب بنت جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل. وأخوهما لأمهما: عبد الله بن سعيد بن العاص. استعمل عبد الملك بن(15/139)
مروان عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد على مكة. وله يقول أبو صخر الهذلي: من البسيط
ياأم حسان إني والسرى تعب ... جبت البلاد بلا سمت ولاهادي
إلا قلائص لم تطرح أزمتها ... حتى ونين ومل العقبة الحادي
والمرسمون إلى عبد العزيز بها ... معاً وشتى ومن شفعٍ وإفراد
كان من حل أعياص دوحته ... إذا تولج في أعياص آساد
ومات عبد العزيز برصافة هشام، فرثاه أبو صخر الهذلي، فقال: من الطويل
إن تمس رمساً بالرصافة ثاوياً ... فما مات يابن أيامك الزهر
وذي ورقٍ من فضل مالك ماله ... وذي حاجة قد رشت ليس له وفر
حج عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بالناس ثمان وتسعين، وهو يومئذٍ أمير مكة - يعني في ولاية سليمان بن عبد الملك. وحج سنة إحدى ومائة - يعني في أيام يويد بن عبد الملك.(15/140)
عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح القرشي العدوي المدني وفد على هشام بن عبد الملك في شأن صدقة جديه: عمر وابن عمر رضي الله عنهما.
وعنه أنه قال: استأدى على مولى لي جرحته، يقال له: سلام البربري إلى ابن حزم. فقال: جرحته؟ فقلت: نعم، فقال: سمعت عمرة تقول: قالت عائشة: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ". قال: فخلي سبيله، ولم يعاقبه - وزاد في رواية: وقد أقلناك.
وروى عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حج عن والديه بعد وفاتهما كتب الله له عتقاً من النار، وكان للمحجوج عنهما أجر حجة تامةٍ من غير أن ينتقص من أجورهما شيء " وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مشى عن راحلته بأفضل من حجةٍ يدخلها عليه بعد موته في قبره " وعن الزبير بن بكار: حدثني مصعب بن عثمان قال: اختصم آل عمر بن الخطاب في ولاية صدقة عمر وعبد الله بن عمر، فخرجت معهم(15/141)
في جماعة إلى هشام بن عبد الملك، فيهم: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر، فأعجب هشاماً جمال عبد العزيز، وبيانه، فقال له: لمن تطلب ولاية الصدقتين؟ قال: لأخي عبد الحميد بن عبد الله، وكلني بذلك، قال: ماأسأل عن عبد الحميد بعد أن كنت أنت وكيله.
قال الزبير: وكان عبد العزيز بن عبد الله مع نباهته بارع الجمال.
وقال ابن سعد: وأمه: أم عبد الله بنت عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل. فولد عبد العزيز بن عبد الله: عمر بن عبد العزيز، وأمه: كيسة بنت عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب، وعبد الله بن عبد العزيز، وهو العابد، وأمه: أمة الحميد بنت عبد الله بن عياض بن عمرو بن بليل بن بلال بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة.
وكان آل عبد الله بن عبد الله إذا خاصمهم أحد من بني عمهم في ولاية الصدقة يهرعون بعبد العزيز، ويقولون: نبايض بعبد العزيز عذائمنا - أي نفاخر به في أيامه البيض وأخباره البيض.
وكان عبد العزيز ممن أسر مع محمد بن عبد الله بن الحسن، فلما قتل محمد حمل عبد العزيز إلى أمير المؤمنين المنصور في حديد، فلما أدخل عليه قال: ما رضيت أن خرجت علي حتى خرجت معك أسياف من ولدك؟! فقال: أفعل، فعفا عنه، فقال له عبد الله بن الربيع المدائني " يا أمير المؤمنين، اضرب عنقه، لا يطمع فيك فتيان قريش، فقال له أمير المؤمنين المنصور: إذا قتلت هؤلاء، فعلى من أحب أن أتأمر؟(15/142)
عبد العزيز بن عبد الحميد اللخمي الداراني
روى عن الأوزاعي بسنده عن أبي موسى قال: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل في صورة أعرابي، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعرفه، فقال: يا محمد، ما الإيمان؟ قال: " تؤمن - وفي رواية: أن تؤمن - بالله واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والبعث بعد الموت، والقدر خيره وشره ". قال: إذا فعلت هذا - وفي رواية: ذلك - فأنا مؤمن؟ قال: " نعم "، قال: صدقت. قال: فما الإسلام؟ قال: " تشهد أن - وفي رواية: شهادة أن - لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم شهر رمضان ". قال: صدقت - وزاد في رواية: قال: فما الإحسان؟ قال: " تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تره فإنه يراك ". قال: صدقت - قال: فالتفت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلب الرجل، فلم يقدر عليه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا جبريل، جاءكم يعلمكم دينكم - وفي رواية: قال: قال: ثم انصرف، ثم طلبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يقدر عليه. قال: ثم قال: " هذا جبريل يعلمكم أم دينكم "
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم
أبو الحسن - وقيل: أبو القاسم القزويني الفقيه الشافعي روى عن أبيه بسنده عن عائشة قالت: مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي، بين ليلتي ويومي، بين سحري ونحري، وخلطت ريقي بريقه. قيل: يا أم المؤمنين، كيف خلطت ريقك بريقه؟ قالت: دخل(15/143)
عبد الرحمن وبيده سواك، فنظر إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعلمت أنه قد اشتهاه، فأخذت لسواك، فكسرته، ثم مضغته، ثم ناولته النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشتاق به.
ولد عبد العزيز بن عبد الرحمن سنة تسعٍ وسبعين وثلاثمائة، وتوفي سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.
قال غيث بن علي: طاف البلاد حتى سمع، وطاف حتى سمع منه. وما علمت من حاله إلا خيراً.
عبد العزيز بن عبد الرحيم بن محمد بن علي
أبو القاسم الأنصاري الداراني المؤذن روى عن عبد الصمد بن عبد الله بن عبد الصمد بسنده عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: أتى العباس وعلي أبا بكر لما استخلف؛ فجاء علي يطلب نصيب فاطمة، وجاء العباس يطلب عصبته مما كان في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان في يده نصف خيبر، ثمانية عشر سهماً - وكانت ستة وثلاثين سهماً - وأرض بني قريظة، وفدك، فقالا: ادفعها إلينا، فإنها كانت في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهما أبو بكر لا أرى ذلك، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " إنا - معاشر الأنبياء - لا نورث، ما تركنا فهو صدقة ". فقام قوم من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشهدوا بذلك. قالا: فدعها تكون في أيدينا، تجري على ما كنت في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: لا أرى ذلك، أنا الوالي من بعده، وأنا أحق بذلك منكما أضعها في موضعها الذي كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضعها فيه. فأبى أن يدفع إليهما شيئاً.
فلما ولي عمر أتياه: قال: فإني لعند عمر، وقد أتاه مال، قال: فقال: خذ هذا المال، فاقسمه في قومك بني فلان. إذا جاء الآذن، فقال: بالباب أناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ائذن، فدخلوا قال: ثم أتاه، فقال: علي والعباس بالباب، قال: ائذن لهما، فدخلا، فقال عمر: ما جاء بكما إلي؟ قد طلبتماه من أبي بكر، فأبى أن يدفعه إليكما. قال: فترددوا عليه فيها. فلما رأى ذلك قال: أدفعها إليكما على أن آخذ(15/144)
عليكما عهد الله وميثاقه أن تعملا فيها كما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخذاها، فأعطاهما، فقبضاها، ثم مكثا ما شاء الله. ثم إنهما اختصما فيما بينهما فيها. قال: فجاءا إلى عمر، وعنده أناس من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاختصما بين يديه، فقالا ما شاء الله أن يقولا. فقال بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما، وأرح كل واحد منهما من صاحبه، فقال: والله لا أقضي فيها أبداً إلا قضاء " قد قضيته، فإن عجزتما عنها فرداها إلي كما دفعتها إليكما. فقاما من عنده.
فلما ولي عثمان أتياه فيها، وأنا عنده، فقال: أنا أولى، وأنا أحق بها منكما جميعاً. فلما سمع ابن عباس قوله أخذ بيد أبيه، فقال: قم هاهنا، فقال: أين تقيمني؟ قال: بلى، قم أكلمك، فإن قبلت وإلا رجعت إلى مكانك. فقال معه، فقال له: دعها تكون في يد ابن أخيك، فهو خير لك من أن تكون في بعض بني أمية. فخلاها العباس، ودفعها إلى عليٍ، فلم تزل في يد ولده حتى انتهت إلى عبد الله.؟
عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر
أبو الأصبغ الأموي الأندلسي روى سليمان بن أحمد بن يحيى بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لكل بني أبٍ عصبة ينتمون إليها، إلا ولد فاطمة فأنا وليهم، وأنا عصبتهم، وهم عترتي، خلقوا من طينتي، ويل للمكذبين بفضلهم، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله.
قال أبو عبد الله الحافظ: عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر الأموي، أحد المذكورين في الدنيا. من الرحالة في طلب الحديث. ولد بقرطبة، وتوفي ببخارى سنة خمسٍ وستين وثلاثمائة(15/145)
عبد العزيز بن عثمان بن محمد
أبو القاسم القرقساني الصوفي روى عن إسحاق بن صالح التنوخي بسنده عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم القيامة: عين بكت من خشية الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله - عز وجل " وروى عن أبي بكر أحمد بن كامل بن شجرة بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربعة قرونٍ من بعد أصحابي: القرن الأول والثاني والثالث تترى، والقرن الرابع فرادى " حدث القرقساني بكتاب محمد بن جرير " " التفسير " وغيره، وكان أشعري المذهب توفي سنة سبع وأربعمائة.
عبد العزيز بن علي بن الحسن
أبو القاسم الشهرزوري المالكي عابر الأحلام، كان يحفظ من علم الرؤيا عشرة آلاف ورقة.
روى عن أبي بكر محمد بن الحسن بن محمويه الحنائي بسنده عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يارسول الله، كيف ترى في اللقطة؟(15/146)
فقال: " أعرف عددها، ووكاءها، ثم عرفها سنة "، فإن جاء صاحبها، وإلا فاستنفقها تكون عندك وديعة "، قال: فضالة الغنم؟ قال: خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، وتعرفها "، قال: فضالة الإبل؟ قال: دعها، فإن معها سقاءها، وحذاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يقدم صاحبها " قتل عبد العزيز بن علي بالمغرب سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
عبد العزيز بن عمدان بن كوشيذ
أبو بكر الأصبهاني المديني من أهل مدينة جي، مدينة أصبهان، كان من الرحالة المصنفين روى عن محمد بن يعقوب بن حبيب بسنده عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو، فيقول: " اللهم إنك سألتنا من أنفسنا مالا نملكه إلا بك، اللهم فأعطنا منها ما يرضيك عنا "
عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن
ابن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الزهري وفد على عبد الملك بن مروان حدث عن أبي سلمة قال: قال عبد الرحمن بن عوف: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر على الحال التي قال الله - عز وجل -: " وإن(15/147)
فريقاً من المؤمنين لكارهون " إلى قوله: " وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم "، قال: العير.
وروى أن حفصاً وعبد العزيز ابني عمر بن عبد الرحمن بن عوف تنازعا إلى والي المدينة، فأشكل عليه أمرهما، فكتب بأمرهما إلى عبد الملك بن مروان، فكتب إليه: أن أشخصهما ألي، ففعل، فسبق عبد العزيز، ثم قدم حفص بعد ذلك، فقال له عبد الملك: الفحلتين، فدفنته، وأقبلت. ففزع عبد الملك، وجلس، فقال: حقاً؟. قال: حقاً. قال عبد الملك: وإن مما يقول أهل الكتاب لباطل.
وكان ناس يرون أن أزهر بن مكمل يلي الخلافة
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو محمد الأموي روى عن قزعة، عن ابن عمر قال: ودعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " استودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك " وروى عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قضينا عمرتنا قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استمتعوا من هذه النساء "، قال: والاستمتاع عندنا اليوم التزويج، قال: فعرضنا ذلك على النساء، فأبين إلا أن نضرب بيننا وبينهن أجلاً. قال: فذكرنا ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " افعلواً، قال: فانطلقت أنا وابن عم لي، ومعه بردة، ومعي بردة، وبرده(15/148)
أجود من بردي، وأنا أشب منه، فأتينا امرأة، فعرضنا ذلك عليها، فأعجبها شبابي، وأعجبها برد ابن عمي، فقالت: برد كبردٍ، فتزوجتها، فكان الأجل بيني وبينها عشراً.
قال: فبت عندها تلك الليلة، ثم أصبحت غادياً إلى المسجد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الباب والحجر يخطب الناس يقول: " ألا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً.
وحكى أن محمد بن أبي سويد أقامه للناس وهو غلام، بالطائف في شهر رمضان، يؤمهم، فكتب بذلك إلى عمر يبشره، فغضب عمر، وكتب إليه: ما كان نولك أن تقدم للناس غلاماً لم تجب عليه الحدود.
قدم عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عاملاً ليزيد بن الوليد على المدينة لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ست وعشرين ومائة، ونزع عن المدينة سنة ثمان وعشرين ومائة، وفي رواية: سنة تسع وعشرين.
وحج بالناس سنة سبع وعشرين ومائة وسنة ثمان وعشرين ومائة.
قال يحيى بن معين: ثقة، ليس به بأس وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وقال لبن عمار: ثقة ليس بين الناس فيه اختلاف وقال أبو مسهر: ضعيف الحديث.(15/149)
ومما أنشد له:
فإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أشرب لقاحا ولابردا
وروي عن رجل قال: رأيت عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز على ثلاثة أحوال: رأيته في زمن أبيه بمكة وهو مسند ظهره إلى المنبر، وهو يدعو لبني أمية، ويثني عليهم، ثم رأيته أيام أبي جعفر المنصور بمكة، وهو مسند ظهره إلى المنبر، وهو يشتم بني أمية، ويثلبهم، ثم رأيته بعد ذلك بالسراقة، ومعه جملان يستقي عليهما.
كذا، ولعله أرادا بالسوارقية.
عبد العزيز بن عمير
أبو الفقير الخراساني الزاهد روى عن زيد بن أبي الزرقاء بسنده عن عمر قال: نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواية: نظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مصعب بن عمير مقبلاً، عليه إهاب كبش، قد تنطق به، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انظروا إلى هذا الذي نور الله قلبه، قد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حلة شراؤها بمائتي درهم، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون - وفي رواية: حب الله، وحب رسوله " وروى عن عطاء الأزرق، عن عبد الواحد بن زيد قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد، من أين أتى هذا الخلق؟ قال: من قلة الرضا عن الله - عز وجل - قلت: فكيف أتوا من قلة الرضا عن الله - عز وجل - قال: من قلة المعرفة بالله - عز وجل(15/150)
وروى عن عبد العزيز الراسبي - وسئل ما بقي مما تلذذ به؟ فقال: - سرداب أخلو فيه، فلا أرى أحداً حتى أموت وروى عن أبي سليمان الداراني قوله: ذكر النعم يورث الحب لله - عز وجل ومن أقواله: إن في القلوب قلوباً مرتصدة، فإذا وجدت بغيتها طارت إليه.
وقال: مارضوا له بتعطيل الدارين حتى بذلوا له المهج وقال: إنما يفتح على المؤدب بقدر المتأدبين وقال: أوحى الله تعالى إلى داود - عليه السلام -: ياداود، إذا رأيت لي طالباً، فكن له خادماً، ياداود، اصبر على المؤونة تأتك المعونة.
وكانت رابعة تسميه: سيد العابدين؟
عبد العزيز بن غانم بن علي بن غانم
الغساني الخطيب حدث عن أبي القاسم هبة بن إبراهيم الصواف بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاتملؤوا أعينكم من أبناء الملوك؛ فإن لهم فتنة أشد من فتنة العذارى "(15/151)
عبد العزيز بن محمد بن أحمد
ابن إسماعيل بن علي أبو القاسم بن البرزي المعتوقي المقرىء روى عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن مالك بن حويرث: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه إلى فروع أذنيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
وضبط ابن ماكولا البرزي - بتقديم الراء الساكنة على الزاي - وقال: برزة ضيعة من سواد دمشق.
توفي أبو القاسم سنة اثنتين وستين وأربعمائة
عبد العزيز بن محمد بن إسحاق
أبو المعتب الضرير حدث بصيدا عن أبي الوليد محمد بن أحمد بن برد بسنده، عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، دلني على عملٍ إذا أنا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، قال: " أزهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس "
عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز
ابن أبي كريمة أبو كريمة المؤذن الصيداوي حدث عن أبي نعيم عبد الرحمن بن قريش الهروي بسنده عن عبد الله بن مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يؤتى برجل من أمتي يوم القيامة، وماله من حسنةٍ ترجى له الجنة، فيقول الرب - عز وجل: أدخلوه الجنة؛ فإنه كان يرحم عياله "(15/152)
عبد العزيز بن محمد بن عمر
أو عمير أبو الأصبغ الأسدي إمام جامع دمشق روى عن هشام بن عمار بسنده عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعلى رأسه المغفر.
عبد العزيز بن محمد بن محمد
ابن عاصم بن رمضان بن علي بن أفلح أبو محمد بن أبي جعفر بن أبي بكر النسفي النخشبي العاصمي الحافظ قدم دمشق، وحدث بها، وانتقى على بعض شيوخها.
روى عن أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن عبد الله السجستاني بسنده عن عاشئة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً.
قال عبد الغافر في تذليله تاريخ نيسابور: عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم النخشبي الحافظ، أبو محمد. رجل فاضل نبيل محدث حافظ، يجمع ويذاكر. وكان ثقة ورعاً مجتهداً. طاف في البلاد، وحج.
توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة وقيل: إنه توفي سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، واختلف في مكان وفاته.
عبد العزيز بن مروان بن الحكم
ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو الأصبغ الأموي أصله من المدينة، وولاه أوبه مصر، وجعله ولي عهدٍ بعد أخيه عبد الملك. ودخل دمشق غير مرة، وشهد قتل عمرو بن سعيد بن العاص بدمشق(15/153)
وسمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شر مافي رجلٍ: شح هالع، وجبن خالع - وفي رواية: مافي الرجل " وأمه: ليلى بنت زبان بن الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن بن ضمضم الحارث بن عدي بن جناب بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة.
قال الزبير بن بكار: وولد مروان بن الحكم: عبد العزيز بن مروان، ولي بمصر، ومات بها قبل عبد الملك، وكان ولي العهد بعد عبد الملك، وفي ذلك يقول عبيد الله بن قيس الرقيات: من المنسرح
يلتفت الناس خحول منبره ... إذا عمود البرية انهدما
ومن قول كثير عزة فيه: من الطويل؟ شهدت ابن ليلى في مواطن قد خلت يزيد بها ذا الحلم حلما حضورها
فلا هاجرات القول يؤثرون عنده ... ولاكلمات النصح مقصى مشيرها
ترى القوم يخفون المواعظ عنده ... وينذرهم عور الكلام نذيرها
قال محمد بن سعد: وكان مروان بن الحكم قد عقد ولاية العهد لعبد الملك بن مروان، وبعده عبد العزيز بن مروان، وولاه مصر، فأقره عليها عبد الملك. وثقل على عبد الملك مكانه، وهم أن يخلعه ويعقد لابنيه: الوليد وسليمان وبعده بالخلافة، فنهاه عن ذلك قبيصة بن ذؤيب، وقال له: لاتفعل هذا، فإنك تبعث به عليك صوتاً نعاراً، ولعل(15/154)
الموت بأتيه فتستريح منه. فكف عبد الملك عن ذلك، ونفسه تنازعه أن يخلعه. فدخل عليه ليلة " رزح بن زنباع الجذامي فقال: ياأمير المؤمنين، لو خلعته ماانتطحت فيه عنزان، فقال عبد الملك: نصيح - إن شاء الله - فبينما هو على ذلك، وقد نام عبد الملك بن مروان، وروح بن زنباع إلى جنبه إذ دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب طروقاً - وكان لايحجب عنه في أي ساعة جاء في ليلٍ أو نهار - وكان الخاتم إليه، فقال: آجرك الله ياأمير المؤمنين في أخيك. قال: وهل توفي؟ قال: نعم، قال: فاسترجع عبد الملك بن مروان، ثم أقبل على روح، فقال: أبا زرعة، كفانا الله ماكنا نريد.
وكان موت عبد العزيز في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وقال ابن يونس مات سنة ست وثمانين - وهذا وهم، لأنه مات قبل عبد الملك، وتوفي عبد الملك سنة خمس وثمانين.
وقال خليفة: اثنتين وثمانين، ومن طريقه أيضاً أنه مات سنة أربع وثمانين دخل عبد العزيز بن مروان على معاوية، فقال: إني رحلت إليك بالأمل، واحتملت جفوتك بالصبر. وإني رأيت ببابك أقواماً قدمهم الحظ، وآخرون باعدهم الحرمان: فليس ينبغي للمقدم أن يأمن، ولا للمؤخر أن ييأس.
وقال عبد الملك لأخيه عبد العزيز حين وجهه إلى مصر: أعرف حاجبك وكاتبك، وجليسك؛ فإن الغائب يخبره عنك كاتبك، والمتوسم يعرفك بحاجبك، والخارج من عندك يعرفك بجليسك.
ودخل على عبد العزيز بن مروان رجل يشكو صهراً له، فقال: إن ختني فعل بي كذا وكذا. فقال به عبد العزيز: من ختنك؟ فقال له: ختني الختان الذي يختن الناس. فقال عبد العزيز لكاتبه: ويحك. بم أجابني؟ فقال له: أيها الأمير، إنك لحنت، وهو لايعرف اللحن، كان ينبغي أن تقول له. ومن خنتك؟ فقال عبد العزيز: أراني أتكلم بكلامٍ لايعرفه العرب؟ لاشاهدت الناس حتى أعرف اللحن.(15/155)
قال: فأقام في البيت جمعة " لايظهر، ومعه من يعلمه العربية. قال: فصلى بالناس الجمعة وهو من أفصح الناس.
قال: وكان يعطي على العربية ويحرم على اللحن.
وكتب إلى ابن عمر: ارفع إلي حاجتك، قال: فكتب إليه ابن عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول "، ولست أسألك شيئاً، ولا أرد رزقاً رزقنية الله.
وقال عبد العزيز بن مروان: مانظر إلي رجل قط فتأملني فاشتد تأمله إياي إلا سألته عن حاجته، ثم أتيت من ورائها، فإذا تعار من وسنه مستطيلاً لليله، مستبطئاً لصبحه، متأرقاً للقائي، ثم غدا إلي أنا تجارته في نفسه، وغدا التجار إلى تجارتهم إلا رجع من غدوه بأربح من تجر. وعجباً لمؤمنٍ موقن، يوقن أن الله يرزقه، ويوقن أن الله يخلف عليه، كيف يحبس مالاً عن عظيم أجرٍ وحسن سماع.
ولما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال: إيتوني لم أكن شيئاً، ألا ليتني كنت كهذا الماء الجاري، أو كنباته الأرض، أو كراعية ثلة في طرف الحجاز من بني نصر بن معاوية، أو من بني سعد بن بكر.
وروى ابن أبي الدنيا بسنده أنه لما حضرته الوفاة أتى يبشر بماله الذي كان بمصر حين كان عاملاً عليها(15/156)
عامة "، فقال: هذا مالك، هذه ثلاثمائة مديٍ من ذهب. قال: مالي وله؟ والله لوددت أنه كان بعراً حائلاً بنجد
عبد العزيز بن معاوية بن عبد العزيز بن محمد بن أمية
ابن خالد بن عبد الرحمن بن سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد أبو خالد الأموي الأسيدي العتابي البصري روى عن خيثمة بن سليمان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواية: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لايزال العبد في الصلاة - وفي رواية: في صلاةٍ - مادام ينتظر الصلاة - وفي رواية: مادام ينتظرها - تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه - وفي رواية: وارحمه " وروى عن محمد بن مخلد الحضرمي بسنده عن أنسٍ، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قوله - عز وجل -: " خذوا زينتكم عند كل مسجد "، قال: صلوا في نعالكم ".
قال الدارقطني:
عبد العزيز بن معاوية أبو خالد القرشي. لا بأس به.
وقالوا: روى عن أبي عاصم ما لا يتابع عليه.
توفي سنة أربع وثمانين ومائتين(15/157)
عبد العزيز بن المهرجان
أبو الحسن النيسابوري روى عن محمد بن يزيد السلمي بسنده عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاتشد المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " وروى عن أحمد بن حفص بن عبد الله بسنده عن ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ سبعاً وعشرين درجة " " - وفي رواية بسبعٍ.
عبد العزيز بن الوليد بن سليمان بن أبي السائب
أبو عبد الله القرشي يقال له: عبيد حدث عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن أنس بن مالك حدثه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتترس مع أبي طلحة بترس واحدٍ، وكان أبو طلحة حسن الرمي، فكان إذا رمى يتشرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إلى مواقع نبله.
كان عبد العزيز بن الوليد بن أبي السائب يخضب بحمرة، وذكر أن أباه رأى مكحولاً.
قال هشام بن عمار: ماأدركنا أعبد منه.(15/158)
وقال مروان بن محمد: ما أدركت أحداً أفضل من ابن أبي السائب.
وقال أبو زرعة: وكان أورع أهل زمانه. وبنو أبي السائب أهل بيت من أهل دمشق أهل علم ٍ وفضلٍ وخير.
عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو الأصبغ القرشي الأموي أمه أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، أخت عمر. كان أبوه الوليد أراد خلع أخيه سليمان من ولاية العهد، وتولية عبد العزيز، فلم يتم له ذلك. وقيل: بل أراد أن يجعل إليه ولاية العهد بعد سليمان. وولاه الموسم. وولي إمرة دمشق في أيام أبيه.
وداره بدمشق كانت موضع فندق الخشب الكبير، قبلة دار البطيخ، وكان له عقب بالمرج بقريةٍ تسمى الجامع. وتزوج أمة الله بنت الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
قال مالك بن أنس: أراد الوليد بن عبد الملك أن يبايع لابنه عبد العزيز بن الوليد، فأراد عمر بن عبد العزيز على ذلك، فقال عمر: إن لسليمان في أعناقنا بيعة ". فبلغت الوليد، فأمر به، فطين عليه البيت، فقالت أم البنين ابنة عبد العزيز: لابلغه الله أمله فيه، ففتح الباب عن عمر.
ولما ولي عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك دمشق - ولم يكن في بني أمية ألب منه في حداثة سنه - قال أهل دمشق: هذا غلام شاب، ولاعلم له بالأمور، وسيسمع منا. فقام إليه رجل فقال: أصلح الله الأمير، عندي نصيحة، فقال له: ليت شعري ماهذه.(15/159)
النصيحة التي ابتدأتني بها من غير يد سبقت مني إليك!؟ قال: جار لي عاصٍ متخلف عن نفره. فقال له: والله مااتقيت ربك، ولاأكرمت أميرك، ولاحفظت جوارك! إن شئت نظرنا فيما تقول، فإن كنت صادقاً لم ينفعك ذلك عندنا، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت أقلناك. قال: أقلني، أصلح الله الأمير، قال: اذهب حيث لايصحبك الله، والله إني لأراك شر جندك رجلاً! ثم قال: ياأهل دمشق، أما أعظمتم ماجاء به الفاسق!؟ إن السعاية - أحسب - منه سجية، ولولا أنه لاينبغي للوالي أن يعاقب قبل أن يعاتب كان لي في ذلك رأي؛ فلا يأتني أحد منكم بسعايةٍ على أحدٍ بشيءٍ؛ فإن الصادق فيها فاسق، والكذوب فيها بهات.
وكان كلامه يشبه بكلام خاله عمر بن عبد العزيز.
وقد قال له عمر بن عبد العزيز.
يابن أختي، بلغني أنك سرت إلى دمشق تريد أن تدعو إلى نفسك، ولو فعلت ما نازعتك - وكان عبد العزيز قد سار إلى دمشق، فلحقه الخبر بدير الجلجل أن عمر بن عبد العزيز قد بويع له، فانصرف.
ثم دخل على عمر بن عبد العزيز، فقال له: إنه لم يبلغني أن الخليفة كان عقد لأحدٍ، ففرقت على الأموال أن تنهب، وما أحب أنه ولي هذا الأمر غيرك، وبايع عمر بن عبد العزيز. وكان عبد العزيز بن الوليد ممدحاً، ومن قول جرير فيه: من الطويل
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله(15/160)
عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي
والد سعيد بن عبد العزيز روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من صام أول يومٍ من رجب عدل بصيام سنة، ومن صام سبعة أيامٍ غلق عنه سبعة أبواب النار، ومن صام من رجب عشرة أيامٍ نادى مناد من السماء: أن سل تعطه ".
وروى عن حبيب بن مسلمة قال: ركب معاوية؛ فإني لأسير معه إذ طلع رجل، فرأيت معاوية أعظمه، ولم أر الرجل أكبر معاوية؛ فما سلم واحد منهما على صاحبه. فقال معاوية: أزائراً جئت أم طالب حاجة؟ قال: كل بم آت له، ولكنني جئتك مجاهداً، وأرجع زاهداً. فمضى معاوية عنه، فقلت: من هذا ياأمير المؤمنين؟ قال: هذا عقبة بن عامر الجهني، قلت: ماأدري ماأراد بقوله، أخيراً أم شراً؟ قال: دعه، فلعمري لئن قال خيراً لقد أراد شراً، قلت: سبحان الله! أتكلم بمثل هذا؟ ما ولدت قرشية قرشياً أذل منك! قال: يا حبيب، أحلم عنهم ويجتمعون، أم أجهل عليهم ويتفرقون؟ قلت: بل تحلم عنهم ويجتمعون، قال: امض، فما ولدت قرشية قرشياً يحمل مثل قلبي، قلت: أخاف أن يكون ذلاً، قال: كيف وقد صبرت لابن أبي طالب!؟.
عبد العزيز القارىء
الملقب ببشكست، المديني النحوي الشاعر وفد على هشام بن عبد الملك، فلما حضر الغداء دعاه هشام، وقال لفتيان بني أمية: تلاحنوا عليه؛ فجعل أحدهم يقول: ياأمير المؤمنين، رأيت أبي فلانٍ، ويقول آخر: مربي أبا فلان، ونحو هذا. فلما ضجر أدخل يده في صحفةٍ، فغمسها، ثم طلى لحيته، وقال لنفسه: ذوقي، هذا جزاؤك في مجالسة الأنذال!.(15/161)
وقدم بشكست مصر، وانقطع إلى رجاء بن الأشيم، ومدحه، ورثاه حين قتل. وكان بشكست نحوياً، أخذ عنه أهل المدينة النحو، وكان يذهب مذهب الشراة، ويكتم ذلك، فلما ظهر أبو حمزة الشاري بالمدينة خرج معه، فقتل فيمن قتل.
وكان وقعة أبي حمزة بأهل المدينة سنة ثلاثين ومائة.
عبد العزيز المطرز
أحد العباد. صاحب قاسم الجوعي. وكان يجلس في موضع من المقصورة في المسجد الجامع، فكان كثيراً مما يرى وهو يلاحظ الكتاب الذي هو على الحائط، فنظروا، فإذا الموضع الذي يحاذيه قد انتهت الكتابة فيه إلى قوله: " ألم يعلم بأن الله يرى ". فكان يجد في ذلك تقوية " لحاله في الوقت. فكانت المراقبة قد حضرته، وجمعته جمعاً لافضل فيه لشيء. وكان قد رقي إلى حال المشاهدة، فكان مشاهداً بغير عينيه.
عبد الغافر بن سلامة بن أحمد بن عبد الغاقر بن سلامة بن أزهر
أبو هاشم الحضرمي الحمصي.
قدم دمشق سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة روى عن يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المراء في القرآن كفر " وروى عن كثير بن عبيد بسنده عن بلال: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الموقين والخمار(15/162)
وقال الخطيب: عبد الغافر بن سلامة بن أحمد، أبو هاشم الحضرمي، من أهل حمص. كان جوالاً. حدث في عدة مواضع. وقدم بغداد وحدث بها. وبلغني أنه مات بالبصرة في سنة ثلاثين وثلاثمائة.
عبد الغفار بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي
روى عن أبيه بسنده عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سقط بعض الحديث من طريقه. والحديث بتمامه رواه الحافظ من طريق آخر: " ليكفرن أقوام بعد إيمانهم ". قال. فقال: " نعم، ولست منهم ".
قال العجلي: عبد الغفار بن إسماعيل بن أبي المهاجر: شامي ثقة وقال أبو حاتم: مابه بأس
عبد الغفار بن عبد الرحمن بن نجيح الثقفي
روى عن ابن وهب بسنده عن أبي حميد الساعدي أنه قال: استسلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمر لون، فلما جاء يتقاضاه قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس عندنا اليوم، فإن شئت تأخرت عنا حتى يأتينا شيء فنقضيك "، قال الرجل: واعذراه! فتنمر له عمر، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعه ياعمر، فإن لصاحب الحق مقالاً، انطلق إلى خولة بنت حكيم الأنصارية، فالتمس لنا عندها تمراً "، فانطلقوا،(15/163)
فقالت: والله ماعندي إلا تمر ذخرة، فأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذوه فأقضوه "، فلما قضوه أقبل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " استوفيت؟ " قال: نعم، قد أوفيت، وطيبت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن خيار عباد الله الموفون المطيبون "
عبد الغفار بن عبد الواحد بن محمد
ابن أحمد بن محمد بن نصر بن هشام بن رزمان
أبو النجيب الحافظ مولى جرير بن عبد الله البجلي الأرموي روى عن أبي نعيم الحافظ بسنده عن قطبة بن مالك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأهواء والأدواء ".
وروى عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الآردستاني بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حسن الشعر مال، وحسن الوجه مال، وحسن اللسان مال، والمال مال " وروى عن ناجية بن علي الفقيه بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسنادٍ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر، وإن يك باطلاً كان وزره عليه. " رحل أبو النجيب في طلب الحديث إلى أصبهان، وقدم بغداد، وخرج إلى مصر، ولقي عبد العزيز بن أحمد الكتاني في دمشق، وأدركه أجله بين دمشق والرحبة، وذلك في شوال من سنة ثلاث وثلاثين وأربعمئة منصرفاً من الحج.
وقيل إنه توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة، وهو وهم.(15/164)
عبد الغفار بن عبد الوهاب
ابن بشير بن عبد الله بن الحسن بن يزيد بن عبد الله الشيباني المعروف بابن عبادل روى عن محمد بن يوسف الفريابي بسنده عن عروة قال: كان على باب عائشة ستر فيه تصاوير، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عائشة، أخري هذا؛ فإني إذا رأيته ذكرت الدنيا "
عبد الغفار بن عفان
ويقال: عثمان البيروتي روى عن الوليد بن مزيد بسنده عن عقبة بن عامر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أراد أن يدخل الجنة، فنظر في أسفل خفيه - أو نعليه - تقول الملائكة: طبت وطابت لك الجنة، أدخل بسلام "
عبد الغني بن سعيد بن علي
ابن سعيد بن بشير بن مروان بن عبد العزيز بن مروان أبو محمد بن أبي بشر الأزدي الحافظ المصري أحد الأئمة في علم الحديث، وصاحب المؤلفات المعروفة.
روى عن أبي عمرو وعثمان بن محمد السمرقندي بسنده عن بشر بن حري قال: شهدت أبا سعيد الخدري وأتاه ابن عمر فقال له: يا أبا سعيد، ألم أخبرك أنك بايعت لأميرين قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد؟! قال: قد والله فعلت، لقد بايعت ابن الزبير، ثم أتاني أهل الشام، فساقوني بعتوهم إلى حبيش بن دلجة فبايعته. قال: فقال(15/165)
ابن عمر: أنا ما كنت أخاف، أنا ما كنت أخاف ثلاثا أنا أبايع لأميرهم قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد! قال: فقال أبو سعيد: يا أبا عبد الرحمن، أما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من استطاع منكم ألا ينام نوماً، ولا يصبح صبحاً إلا وعليه إمام فليفعل "؟ قال: بلى، ولكن لم أكن لأبايع لأميرين مكن قبل أن يجتمع الماس على أمير واحدٍ.
قال أبو بكر البرقاني: سألت الدارقطني بعد قدومه من مصر: هل رأيت في طريقك من يفهم شيئاً من العلم؟ فقال: مارأيت في طول طريقي أحداً إلا شاباً بمصر يقال له: عبد الغني، كأنه شعلة نار. وجعل يفخم أمره، ويرفع ذكره.
وقال الدارقطني: ما التقيت من مرةٍ مع شابكم هذا فانصرفت عنه إلا بفائدة ٍ وقال حين وجد أهل مصر يبكون وهم يودعونه: تبكون وعندكم عبد الغني بن سعيد، وفيه الخلف.
وقال البرقاني: ما رأيت بعد أبي الحسن الدارقطني أفهم بالحديث من عبد الغني الحافظ وقال الأمير: حافظ المصريين، وفريد وقته. له المصنفات المعروفة المتداولة.
كان عبد الغني بن سعيد مجلاً للدار قطني معظماً له، وروي عنه أنه قال: ابتدأت بعمل كتاب: " المؤتلف والمختلف "، وقدم علينا أبو الحسن الدارقطني، فأخذت عنه أشياء كثيرة منه، فلما فرغت من تصنيفه سألني أن أقرأه عليه ليسمعه مني، قلت له: عنك أخذت أكثره! فقال: لاتقل هكذا؛ فإنك أخذته عني متفرقاً، وقد أوردته فيه مجموعاً، وفيه أشياء كثيرة أخذتها من شيوخك.
ولد عبد الغني سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وتوفي بمصر سنة تسع وأربعمائة.(15/166)
عبد الغني بن عبد الله بن نعيم الأردني
شهد وفاة سليمان بن عبد الملك، قال: خرجت علينا جنازة سليمان بن عبد الملك، ورجاء بن حيوة آخذ بمقدم السرير ذكره أبو زرعة في نفرٍ أهل زهدٍ وفضل مع جماعة كلهم من أهل الرملة.
وقال ابن سميع: قيني وضبط عبد الغني بن سعيد والأمير في نسبه القيني: بالقاف والياء المعجمة باثنتين من تحتها والنون.
عبد القادر بن عبد الكريم بن الحسين بن إسماعيل
أبو البركات الخطيب
أصله من الأنبار، وخطب في دولة المصريين والعباسيين روى عن أبي الحسن محمد بن عوف بسنده عن السليك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين " وروى عن علي بن الخضر بن سليمان السلمي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن العبد ليبلغ بحسن خلقه " عظيم " درجات الآخرة، وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلقه درجة جهنم، وإنه لعابد " ولد أبو البركات الخطيب سنة تسع عشرة وأربعمائة بدمشق، وتوفي سنة ست وثمانين وأربعمائة. ثقة. لم يكن الحديث من شأنه.(15/167)
عبد القادر بن تمام بن أحمد
أبو محمد الرعي القيرواني روى بسنده عن علي بن المدين: ذكر لسفيان بن عيينة حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يضرب الناس آباط الإبل، فلا يجدون عالماً من عالم أهل المدينة "، فقال لي سفيان: هو مالك بن أنس.
وروى حكاية في مناظرة مالك مع أبي يوسف القاضي بين يدي الرشيد.
عبد القادر بن علي بن محمد بن أحمد بن يحيى
أبو الفضل الشريف الواسطي ذكر أنه قرأ القرآن بواسط بروايات. وكان أديباً شاعراً. واتصل بمحمد بن بوري صاحب بعلبك، وكان يعلم ولده آبق بم محمد الملقب بالمجير، ثم غضب عليه آبق، فنفاه، وبعث إليه من قتله سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. ومن شعره: من الطويل
غرام وهل بعد المشيب غرام ... وسقم وهل بعد الفناء سقام
تولى الشباب الجون واعتضت بالصبا ... مشيبا ونور العارضين ظلام
وقالوا وقار قلت لاواو في اسمه ... على أوجه تشنى به وتذام
وما شعرت الشيب إلا نوابل ... لها في سويداء الفؤاد سهام
سقى الله ريعان الشبيبة ريه ... فبي منذر وإني إليه أوام(15/168)
عبد القادر بن محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف
أبو القاسم البغدادي أصبهاني الأصل. كتب عنه الخطيب وقال: كان من أهل الأمانة والصدق والدين والفضل، حسن الصوت بالقرآن. مات ببيت المقدس لخمس خلون من ذي الحجة سنة ست وثلاثين وأربعمائة. وكان خرج إلى الشام بقصد الحج، فأدركه أجله هناك.
وروى عنه الخطيب بسنده عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من بيته قال: " بسم الله، اللهم إني أعوذ بك أن، أو أضل، أو أن أظلم، أو أظلم، أو أن أبغي، أو أن يبغى علي "
عبد القاهر بن عبد الله بن الحسين
أبو الفرج الشيباني الحلبي النحوي الشاعر المعروف بالوأواء أصله من بزاعا، ونشأ بحلب، وتأدب بها، وكانت بينه وبين أبي عبد الله الطليطلي النحوي نزيل شيرز مكاتبات. وتردد إلى دمشق غير مرة، وكان يقرىء بها النحو.
ومما أنشده له ابنه: من الطويل
هلال بدا نقصي لفرط تمامه ... وحتفي دنا من لحظه لاحسامه
إذا ما ادلهم الليل من لام صدغه ... أتى الصبح حثا من يروق ابتسامه
تكاد تقوم النائحات بشجوها ... علي إذا عاينت حسن قوامه(15/169)
فأضعف عن رد الكلام لسائل ... إذا صدعني مانعا لكلامه
سقاني وقال الخمر أودت بلبه ... وسكري من عينيه لامن مدامه
وطال عذابي إذ فتنت لشقوتي ... بمن ليس يرضاني غلام غلامه
ظلوم رشفت الظلم من فيه لاهجا ... به ولثمت البدر تحت لثامه
وله من قصيدة: من الطويل
نفاني عن الأوطان مالم أبح به ... فصرت كفعلٍ ظاهرٍ فيه إضمار
وعوضت من صحبي أناسا بهم غدا ... يبعد ذو فضلٍ ويعبد دينار
فعندهم ذو الفضل من فاق طمره ... ترى عنده حسن القول تنطق أطمار
وقال يرثي صبياً: من الكامل
أضرمت نيرانا بغير زناد ... فبدا تأججها على الأكباد
وأتى الطبيب فما شفى لك غلة ... ولطالما قد كنت تشفي الصادي
قد كان لي عين وكنت سوادها ... فاليوم لي عين بغير سواد
توفي أبو الفرج سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بحلب.
عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن سعد بن الحسن بن القاسم بن النضر
ابن القاسم بن محمد بن عبد الله بن بعد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو النجيب التيمي القرشي البكري الفقيه الواعظ. شيخ الحافظ ابن عساكر اشتغل بالزهد والمجاهدة مدة، حتى إنه كان يستقي الماء ببغداد، ويأكل من كبسه،(15/170)
ثم اشتغل بالتذكير، وحصل له فيه قبول. وينب له ببغداد للصوفية من أصحابه، وولي المدرسة النظامية ببغداد.
وتوفي سنة ثلاثين وستين خمسمائة ببغداد. وكان مولده سنة تسعين وأربعمائة.
روى عن أبي علي محمد بن سعيد بن نبهان بسنده عن ابن عباس: أن رجلاً كان واقفاً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوقصت به دابته - أو راحلته - وهو محرم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غسلوه، وكفنوه، ولا تخمروا وجهه أو رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً - أو قال: ملبداً - " وفي رواية: فوقصت به ناقته في أخاقيق جرذان.
قال الأصمعي: إنما هو لخاقيق، واحدها لخقوق، وهي شقوق الأرض.
عبد القاهر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن علي
أبو الحسين الأزدي المقرىء الشاهد الصائغ الجوهري روى عن أبي القاسم بن أبي العقب بسنده عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فصلى نحو القبلة.
توفي عبد القاهر سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وقيل: سنة عشر وأربعمائة(15/171)
عبد القدوس بن حبيب
أبو سعيد الكلاعي الوحاظي روى عن الحسن، عن سمرة بن جندي أنه قال: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أصحابه، فقال: " أوصيكم بتقوى الله - عز وجل - والقرآن؛ فإنه نور الظلمة، وهدى النهار، فاتلوه على ما كان من جهدٍ وفاقةٍ، فإن عرض لك بلاء " فاجعل مالك دون دمك، فإن جاوزك - وفي رواية: يجاوزك - البلاء فاجعل مالك ودمك دون دينك؛ فإن المسلوب من سلب دينه؛ والمحروب من حرب دينه؛ إنه لافاقة بعد الجنة، ولا غنى بعد النار. إن النار لايستغني فقيرها، ولايفك أسيرها " وروى عن عامر الشعبي، عن ابن عباس قال: " أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلوٍ من ماء زمزم، فشرب وهو قائم " وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر إخواني تناصحوا في العلم، ولايكتم بعضكم بعضاً، فإن خيانة الرجل في عليمه أشد من خيانته في ماله. " وعن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرض بيت شعرٍ بعد العشاء لم يقبل الله له صلاة " حتى يصبح " قال مسلم بن الحجاج: أبو سعيد عبد القدوس الشامي ذاهب الحديث وقال البخاري: في حديثه مناكير(15/172)
وقال النسائي: ليس بثقة ولامأمون. سكتوا عنه. متروك الحديث وقال الدولابي: متروك الحديث وقال يحيى بن معين: شامي ضعيف، مطروح الحديث. قال حجاج الأعور: رأيت عبد القدوس في زمن أبي جعفر على باب مدينة أبي جعفر، وهو مغلق، فجاء إليه رجل فقال: أصلحك الله الحديث الذي أحدثت به، أعده علي، فقال: " لاتتخذوا شيئاً فيه الروح عرضاً " فقال له الرجل: أي شيء يعني بهذا؟ قال: أهل الشام يسمون الروشن والكنيف إلى خارج: القسطرون قال الخطيب: صحف فيه عبد القدوس، وفسر تصحيفه؛ لأن الحديث: " لاتتخذوا شيئاً فيه الروح - بضم الراء - غرضاً - بالغين المعجمة " قال عبد الله بن المبارك: اشتريت بعيرين، فقدمت على عبد القدوس الشامي، قال: فقال: حدثنا مجاهد، عن ابن عمر. قلت: إن أصحابنا يروون هذا الحديث عن عبد الله بن عباس، قال: فقال: ابن عباس لم يرو عنه مجاهد شيئاً، وكان مجاهد مولى ابن عمر، فكان لا يروي إلا عن ابن عمر. فقلت: إن لله، وفي سبيل الله، على نفقتي وبعيري! وتبسم عبد الله وقال: لأن أقطع الطريق أحب إلي عن عبد القدوس الشافعي(15/173)
قال الدارقطني وابن عدي: منكر الحديث وأجمعوا على اتهامه وتضعيفه. مات بالعراق عند أبي جعفر
عبد القدوس بن الحجاج
أبو المغيرة الخولاني الحمصي روى عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة وهو محرم.
قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس، وإن كانت خالته، إنما تزوجها حلالاً.
وروى عن عبد الرحمن بن يزيد ين تميم بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ضحك الله - عز وجل - من رجلين قتل أحدهما صاحبه، ثم دخلا الجنة " قال الزهري: مشرك قتل مسلماً، ثم اسلم، ثم مات، فدخل الجنة " وروى عن صفوان بن عمرو بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء ياجبريل؟ قال: هؤلاء كانوا يأكلون لحوم الناس، وينتقصون من أعراضهم " قال النسائي: عبد القدوس بن الحجاج. حمصي، ليس به بأس(15/174)
وقال الدارقطني: ثقة وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: صدوق، كدنا أن ندركه قلت له: فاتك بطول مقامك بدمشق؛ قال: لا، كان قد توفي قبل ذلك. قلت: فما قولك فيه؟ قال: يكتب حديثه.
وثقة العجلي. وقال البخاري: مات سنة اثنتي عشرة ومائتين
عبد القدوس بن الريان بن إسماعيل البهراني القاضي
سمع محمد بن عائذ بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا راح أحكم إلى الجمعة فليغتسل "
عبد القدوس بن عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب الكلاعي
روى عن أبيه بسنده عن أنس قال: قلنا: يا رسول الله، لانأمر بالمعروف حتى نعمل به، ولاننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل تأمرون بالمعروف، ولاتعملون به كله، وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله. "
عبد الكريم بن الحسين بن إسماعيل
أبو الفضل الأنباري حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لله - عز وجل - تسعة وتسعون أسماً، مائة غير واحدٍ، من أحصاها دخل الجنة " توفي سنة خمسين وأربعمائة(15/175)
عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العباس
أبو محمد السلمي الحداد أخو سليمان وكيل المقربين.
قال الحافظ: قرأت عليه كثيراً من مسموعاته، وإجازاته. وكان ثقة مستوراً وروى من طريقه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: عطش الناس ونحن بالحديبية، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه ركوة يتوضأ منها، إذ جهش الناس نحوه، فقال: " ماشأنكم؟ " قالوا: مالنا ماء نتوضأ به، ولانشرب منه إلا مابين يديك. قال: فوضع يده على الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا. قلت: وكم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفاهم؛ كنا خمس عشرة مائة.
قال الحافظ: توفي أبو محمد ليلة الخميس، ودفن يوم الخميس الثاني من ذي القعدة سنة ست وعشرين وخمسمائة بباب الفراديس، وحضرت دفنه، والصلاة عليه.
عبد الكريم بن سليط بن عقبة
ويقال: ابن عطية الهفاني الحنفي المروزي وفد على هشام بن عبد الملك، وبعث معه بعهد نصر بن سيار على خراسان.
حدث عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة! فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "(15/176)
ما حاجة ابن أبي طالب "؟ قال: يا رسول الله، ذكرت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " مرحباً وأهلاً "، لم يزد عليهما. فخرج علي على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري خير، غير أنه قال لي: " مرحباً وأهلاً "، قالوا: يكفيك من رسول الله إحداهما، أعطاك الأهل، وأعطاك المرحب، فلما كان بعد ذلك، بعدما زوجه قال: " ياعلي، لابد للعرس من وليمة "، فقال سعد: عندك كبش وفي رواية: علي كبش. وجمع له رهط من الأنصار أصوعاً من ذرةٍ. فلما كان ليلة البناء قال: " لاتحدث شيئاً حتى تلقاني ". فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بماءٍ، فتوضأ، ثم أفرغه علي، فقال: " اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما " وروى محمد بن جرير الطبري أن وفاة أسد بن عبد الله لما انتهت إلى هشام بن عبد الملك استشار أصحابه في رجلٍ يصلح لخراسان، فأشاروا عليه بقومٍ كان فيهم نصر بن سيار الليثي، فاختاره، وبعث عهده مع عبد الكريم بن سليط بن عقبة الهفاني.
عبد الكريم بن عبد الله بن محمد بن عمد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان
أبو الفضائل التنوخي المعري
ولد سنة ثماني عشرة وخمسمائة بحماة، ونشأ بها، ورباه جده القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله، وأخوه أبو اليسر، لأن والده سافر إلى مصر وهو طفل. وكان زاهداً كريما " ورعاً كثير الصدقة، مواظباً على تلاوة القرآن.
ومن شعره وقد اجتاز بجسر شواش: من السريع
جسر ابن شواش الذي لم يزل ... فيه العيون النجل تسبيني
ونشر عطرناعم لم أزل ... أموت من توقٍ فيحييني
وكان قلبي في الهوى طائعي ... وعاصيا من كان يغويني(15/177)
وكتب إلى أخيه أبي اليسر:
وقفت على كتابك فاستراحت ... إليه النفس من حرق اشتياقي
وظلت كربة " في القلب تطفي ... دموعي من جفوني والمآقي
ومما كتب به إليه أيضاً:
أبا اليسر الميسر كل صعبٍ ... من النكبات والنوب الشداد
ومن تدنو المسرة حين يدنو ... إلي به وتبعد بالبعاد
فديتك من أخٍ بر شقيقٍ ... لنفس صديقه بالنفس فادي
أتتني منك أبيات حسان ... بأعجازٍ مناسبة الهوادي
بديعات المعاني رائعات ... تضمن حسن رأي واعتقاد
تخبر عن حنين واشتياقٍ ... وتشهد بالمحبة والوداد
فبحت بشكر ماأوليت منها ... إلي من العوارف والأيادي
وهاأنا قد كتبت إليك أشكو ... روائح من همومي أو غوادي
فأنعم بالجواب علي إني ... إليه، وماتسطر فيه صادي
وإن يك في المقال علي نقص ... فأنت حليف فضلٍ مستزاد
وإن أخطأت فيما قلت فيه ... فإن على تغمدك اعتمادي
قال الأخوه أبو اليسر: كان مرضه عشرة أيام بالسعال، ونفث الدم العبيط، ومات ميتة " سهلة وكان ذلك يوم الجمعة من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وخمسمائة.(15/178)
عبد الكريم بن عبد الرحمن بن بكران
أبو الفضل بن أبي القاسم الدربندي خال أبي القاسم بن السمرقندي حدث عن أبي بكر محمد بن الحرمي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ كل ليلة " إذا وقعت الواقعة " لم يصبه فقر أبداً، ومن قرأ كل ليلة: " لا أقسم بيوم القيامة " لقي الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر "
عبد الكريم بن علي بن أبي نصر
أبو سعيد القزويني روى عن أبي بكر محمد بن الحرمي بن الحسين بسنده عن عبي بن أبي طالب قال: " سبحان الله، ما أزهد كثيراً من الناس في الخير! عجبت لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجةٍ لا يرى نفسه للخير اهلاً، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنها مما يدل على سبل النجاح ". فقام رجل، فقال: سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: نعم، وماهو خير منه؛ لما أتانا سبايا طيء، وقفت جارية جماء حواء لسعاء، عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة، درماء الكعبين جدلة الساقين، لفاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين. فلما رأيتها أعجبت بها، وقلت: لأطلبن إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعلها من فيتئي. فلما تكلمت(15/179)
نسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها، فقالت: يامحمد، إن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بي أحياء العرب؛ فإني بنت سراة قومي؛ كان أبي يفك العاني، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجةٍ من حاجة قط؛ أنا ابنة حاتم طيء. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه صفة المؤمن حقاً، لو كان أبوك إسلامياً لترحمنا عليه، خلو عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله تعالى يحب مكارم الأخلاق ".
فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يارسول الله: " الله يحب مكارم الأخلاق؟ " فقال: " نعم ياأبا بردة، لايدخل أحد الجنة إلا بحسن خلقه "
عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد
ابن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله أبو سعد بن أبي بكر بن أبي المظفر التميمي المروزي السمعاني الفقيه الشافعي الحافظ الواعظ الخطيب مؤلف كتاب الأنساب قال الحافظ ابن عساكر:
ولد بمرو يوم الاثنين حادي وعشرين من شعبان سنة ست وخمسمائة، وقدم علينا دمشق. وكتب فأكثر، وحصل النسخ الكثيرة، اجتمعت به بنيسابور، وببغداد، وبدمشق، وسمع بقراءتي، وسمعت بقراءته، وكتب عني، وكتبت عنه. وكان متصوناً عفيفاً، حسن الأخلاق. ذيل تاريخ بغداد، وسمعه بها. وطوف، فاستفاد، وحدث فأفاد، وأحيا 1ذكر سلفه، وأبقى ثناء " صالحاً لخلفه. وآخر ماورد علي من أخباره كتاب كتبه بخطه، وأرسل به غلي، سماه " كتاب فرط الغرام إلى ساكني الشام " في ثمانية أجزاء، كتبه سنة ستين وخمسمائة، يدل على صحة ورده، ودومه على حسن عهده، ضمنه قطعة من(15/180)
الأحاديث المسانيد، وأودعه جملة " من الحكايات والأناشيد، فذكرني حسن صحبته، ودلني على صحة محبته.
وروى بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يارسول الله، متى الساعة؟ قال: " وماأعددت لها؟ " فلم يذكر كبيراً إلا أنه يحب الله ورسوله، قال: " فأنت مع من أحببت " توفي أبو سعد السمعاني بمرو في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمسمائة.
عبد الكريم بن محمد اللخمي
من أهل نوى روى عن عروة بن رويم عن أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية في هذين الحيين من لخمٍ وجذامٍ "
عبد الكريم بن مالك
أبو سعيد الجزري الحراني مولى بني امية، أصله من إصطخر، وسكن حران.
روى عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الذي يقع على امرأته وهي حائض، قال: " إن كان الدم عبيطاً فليتصدق بدينار، وإن كان صفرة " فليتصدق بنصف دينار "(15/181)
روى عن مجاهد بسنده عن كعب بن بجرة أنه كان مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواية: مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فآذاه القمل في رأسه، فقال له رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواسة: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احلق رأسك، وصم " - وفي رواية: فأمره رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحلق رأسه، وقال: صم - ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسانٍ، أو انسك شاة "، فأنى - في رواية: بشاةٍ، أي - ذلك فعلت أجزأ عنك " - وفي رواية " لكل مسكين مدين شعيراً " عبد الكريم بن مالك هو ابن عم خصيف لحاً. نزل حران، وهما موليان لنبي أمية وقيل: أصلهما من اليمامة، من الخضارمة، وأخذا سبيا.
قال يحيى بن معين ثبت، ثقة.
وقال ابن سعد: وكان ثقة كثير الحديث، مات سنة سبع وعشرين ومائة قال ابن عيينة: لم أر مثله. إن شئت قلت: عراقي. إنما يقول: سمعت، وسألت: وقال النسائي: ثقة.
وقال ابن عدي: وهو ثبت عند العارفين بالنقل.
وقال أبو أحمد الحالكم: ليس بالحافظ عندهم.
وقال الأمير: أما الخضرمي - بكسر الخاء وسكون الضاد المعجمة - أبو سعيد عبد الكريم بن مالك الجزري.(15/182)
قال أبو الوليد بن الفرضي الأندلسي: أصلهم من قرية من قرى اليمامة، يقال لها: خضرمة قال عبد الكريم الجزري: رأيت على أنسٍ جبة خز، وكساء خز، وأنا أطوف مع سعيد بن جبير بالبيت، فقال سعيد: لو أدركه السلف لأوجعوه.
وقال سفيان بن سعيد: لقد جاءنا عبد الكريم الجزري بأحاديث لو حدثنا بها هؤلاء الكوفيون مازالوا يفخرون علينا بها، منها: " الندم توبة ". مارأيت أعرابياً أثبت من عبد الكريم.
وقال لسفيان بن عيينة: أرأيت حديث عبد الكريم الجزري، وأيوب، وعمرو بن ديار؟ فهؤلاء، ومن أشبههم ليس لأحد فيهم متكلم وقال أحمد بن حنبل: الجزري ثقة ثبت، وهو أثبت من خصيف في الحديث قال يحيى: حديث عبد الكريم عن عطاء رديء قال ابن عدي: وهذا الذي ذكره ابن معين، عن عبد الكريم، عن عطاء، هو مارواه عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن عائشة: " كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلها ولايحدث وضوءاً، إنما أراد ابن معين هذا الحديث، لأنه ليس بمحفوظ. ولعبد الكريم أحاديث صالحة مستقيمة يرويها عن قومٍ ثقات، وإذا روى عنه الثقات فأحاديثه مستقمية.
قال إبراهيم بن يعقوب: قلت لعلي: عبد الكريم الجزري إلى من تضمه؟ قال: ذلك ثبت ثبت. قلت: هو مثل ابن أبي نجيح؟ قال: ابن أبي نجيح أعلم بمجاهد، وهو أعلم بالمشايخ، وهو ثبت ثقة.(15/183)
وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ثقة. وأضاف أبو زرعة: أخذ عنه الأكابر قالوا: مات عبد الكريم الجزري سنة سبع وعشرين ومائة
وقال الهيثم: مات زمن أبي العابس قال الحافظ: هذا وهم، فإن أبا العباس ولي سنة اثنتين وثلاثين، ولم يبق عبد الكريم إلى أيامه، والصحيح ماتقدم.
عبد الكريم بن مسلم بن عمرو بن حصين الباهلي
أخو قتيبة بن مسلم وفد على الوليد بن يزيد بن عبد الملك. قال: خرجنا إلى الشام إلى الوليد بن يزيد حين بايع لابنيه الحكم وعثمان، قال: فخرج وفود أهل البصرة ليهنئوه، وأهل الكوفة. قال: فكنا في موضع واحدٍ. قال: وخرج معنا شيخ باذ الهيئة، قبيح الفعل. قال: فكنا إذا نزلنا ذهب يشرب، فيمسي سكران، ويصبح مخموراً. فتمنينا فراقه، فلم نزل منه في غم، حتى وردنا الشام، قال: وهيأنا الكلام. قال: ثم غدونا على الوليد، قال: فتكلم الناس، فأحسنوا. قال: ودخل الشيخ على حالته تلك، فتكلم، فقال: أراك الله - ياأمير المؤمنين - في بنيك ماأرى أباك فيك، وأرى بنك فيك ماأراك في أبيك.
قال: فاستوى جالساً، فقال: أعد كلامك، فأعاده، ففضله علينا في الحباء والجزاء.(15/184)
عبد الكريم بن المؤمل بن الحسن بن علي
أبو الفضل السلمي الكفر طابي البزاز حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن أنسٍ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نضر الله عبداً سمع مقالتي هذه، ثم وعاها، وحملها. رب حامل فقهٍ غير فقيه، ورب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه. ثلاث لايغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر، والاعتصام بجماعة المسلمين: فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ".
ولد أبو الفضل سنة عشرٍ وأربعمائة. وتوفي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وهو آخر من حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بدمشق.
عبد المجيد بن إسماعيل بن محمد
أبو سعيد القيسي الهروي الحنفي ول بأوبة من عمل هراة، وتفقه بما وراء النهر على الزودي، والسيد الأشرف، والقاضي فخر وغيرهم.
وله مصنفات في الفروع والأصول، وله خطب ورسائل، وأشعار، وروايات.
توفي سنة سبع وثلاثين وخمسمائة(15/185)
عبد المجيد بن سهيل
ابن عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة أبو وهب - ويقال: أبو محمد - القرشي الزهري المدني وفد على عمر بن عبد العزيز. وأمه أم ولد.
روى عن سعيد بن المسيب بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل رجلاً على خيبر - سمي في رواية: سواد بن غزية - فجاءه بتمرٍ جنيب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكل تمر خيبر هكذا؟ " فقال: لاوالله، يارسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فلا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم اتبع بالدراهم جنيبا " قال عبد المجيد: قدمت خناصره في خلافة عمربن عبد العزيز، وإذا قوم في بيت، أهل خمرٍ وسفه ظاهر، فذكر ذلك لصاحب شرط عمر، فقال: إنهم يجتمعون على الخمر، إنما هو حانوت! فقال: قد ذكرت ذلك لعمر بن عبد العزيز، فقال: من وارت البيوت فاتركه.
قال ابن سعد: فولد عبد المجيد بن سهيل: سهيلاً، وسودة، وأمة العزيز، وأمهم أم عمرو بنت عبد العزيز بن عبد الرحمن بن ربيعة بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي.
قال يحيى بن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث،(15/186)
عبد المحسن بن صدقة بن عبد الله بن حديد
أبو المواهب المعري كان له اقتدار على النظم والنثر ومن نظمه ما كتب به إلى بقراط الطبيب:
يا حكيما أفكاره كالشموس ... جزت في الطب فضل جالينوس
ليت شعري بأي جرمٍ تفرد ... ت عن الأصدقاء بأكل الرؤوس
خف من الله أن تساءل عن هـ ... ذا وأن تبتلى ببغض العروس
فتراها إذا دخلت إلى البي ... ت بخلق صعبٍ ووجهٍ عبوس
ثم لا تنتهي عن السب والذم ... م وأن تشتكي إلى القسيس
قتل أبو المواهب باليمن يقال: سنة ثلاث وخمسمائة. ومولده سنة سبع - أو ثمان - وأربعين وأربعمائة.
عبد المحسن بن عمر بن يحيى بن سعيد
أبو القاسم الصفار روى عن أبي الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبادل الشيباني بسنده عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إن الله - عزو جل - يقول: ياعبادي، كلكم مذنب إلا من عاقيت، فاستغروني أغفر لكم، ومن علم منكم أني ذو قدرةٍ على المغفرة غفرت له بقدرتي، ولاأبالي، وكلكم ضال إلا من هديت، فاسألوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، فاسألوني(15/187)
أعطكم. ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبدٍ هو لي لم ينقص من ملكي جناح بعوضةٍ، ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أتقى قلبٍ عبدٍ هو لي مازاد في ملكي جناح بعوضةٍ، ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا، فسأل كل واحدٍ مابلغت أمنيته لم ينقص ملكي إلا كما لو أن أحدكم أتى شفة البحر، فغمس فيه إبرة "، ثم انتزعها؛ ذلك بأني جواد ماجد واحد، أفعل ماأشاء، عطائي كلام، وعذابي كلام، إذا أردت شيئاً إنما أقول له: كن، فيكون "
عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون
أبو محمد الصوري الشاعر مطبوع الشعر، سائر القول، محسن في أفانين النظم.
قدم دمشق مراراً، ومدح بها. وكان أبو الفتيان بن حيوس مغري بشعره، شديد التفضيل له، حتى إنه كان إذا سمع البيت الحسن السائر قال: ماأشبه هذا بشعر عبد المحسن، لعظم قدره في نفسه. وكان بعضهم يفضله على كثيرٍ ممن تقدمه.
وذكر عن أبي العلاء المعري أنه كان يعيبه بقصر النفس وكان ابن حيوس يقول: أغزل ماقيل حول قول عبد المحسن: من الرمل
بالذي ألهم تعذيبي ... ثناياك العذابا
ماالذي قالته عينا ... ك لقلبي فأجابا
ومن غزله: من المتقارب
أراضية أنت إن شفه ... هواك وساخطة إن سلا
وأنت بغيت له سلوة ... فسل الهوى أولا أولا
غداة صددت فعلمته ... وماكان ظنك أن يفعلا
فعودي بعد وقصدي صد ... فقد عزم الحب أن يعدلا(15/188)
ومن مواعظه: من الكامل
وتريك نفسك في معاندة الورى ... رشدا ولست إذا فعلت براشد
شغلتك عن أفعالها أفعالهم ... هلا اقتصرت على عدو واحد
وقال في رجلٍ بخيل: من المنسرح
إذا عزمتم على زيارته ... فودعوا الخبز حيثما كنتم
فليس يحتاج أن يقول لكم ... صوموا أضيفوا به وقد صمتم
توفي عبد المحسن سنة تسع عشرة وأربعمائة، وكان قد بلغ الثمانين، أونيف عليها.
يعبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد
أبو منصور بن أبي بكر البغدادي التاجر المعروف بالشيحي. ويعرف بابن شهد انكه روى بسنده عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " ولد عبد المحسن سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وتوفي سنة سبعٍ وثمانين وأربعمائة.
عبد الملك بن الأصبغ بن محمد بن مرزوق
أبو الوليد القرشي مولى عثمان بن عفان، الحراني. نزيل بعلبك(15/189)
حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أنس بن مالك قال: ما صليت خلف إمامٍ قط أخف صلاة " من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أتم.
روى عنه أبو زرعة النصري قال: وكان ثقة مات قبل البخاري بيسير.
عبد الملك بن أكيدر بن عبد الملك
صاحب دومة الجند ذكره أبو عبد الله بن منده في الصحابة قال: كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً، ولم يكن معه خاتم فختمه بظفره.
عبد الملك بن بزيع
أبو مروان من أهل دمشق، سكن تنيس من أعمال مصر، ومات بها. روى عن الحسن بن عبد العزيز الجروي وقال: وكان أفضل من رأيته.
قال عبد الملك بن بزيع: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: أمابعد، فإنك لن تزال تعني إلى رجلاً من المسلمين في الحر والبرد يسألني عن السنة، كأنك إنما تعظمني بذلك؛ وايم الله، لحسبك بالحسن! فإذا أتاك كتابي هذا فسل الحسن لي، ولك، وللمسلمين؛ فرحم الله الحسن، فإنه من الإسلام بمنزلةٍ ومكان.
لاتقرئنه كتابي هذا!.(15/190)
عبد الملك بن جنادة القرشي
مولاهم المصري الكاتب
وفد على عمر بن عبد العزيز. وكان كاتب حيان بن شريح، فبعثه إلى عمر بن عبد العزيز، وكتب معه يستفتيه أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم، فسأل عمر عراك بن مالك عن ذلك وهو يسمع، فقال: ما سمعت لهم بعهدٍ ولا عقدٍ، وإنما أخذوا عنوة " بمنزلة العبيد.
عبد الملك بن الحارث بن الحكم
ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي بعثه عبد الملك بن مروان في أربعة آلاف إلى المدينة فما دونها يلقون جموع ابن الزبير، ومن أشرف لهم من عماله. وكان سليمتان بن خالد بن أبي خالد الزرقي عابداً له فضل، فولاه ابن الزبير خيبر وفدك، فخرج، فنزل في عمله. فبعث عبد الملك بن الحارث أبا القمقام في خمسمائة إلى سليمان بن خالد، فقتله. وقتل من كان معه، فلما انتهى خبره إلى عبد الملك بن مروان غاظه، وكره قتله.
عبد الملك بن خالد بن عتاب
ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي كان في صحابة عمر بن عبد العزيز، وله يقول جرير:
يا أيها الرجل المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أني لدى الباب كالمقرون في قرن(15/191)
عبد الملك بن خيار
ويقال: ابن خباب بن نهار بن بسطام قرابة يحيى بن معين حدث بسنده عن أنس قال: كنت قاعداً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغشيه الوحي، فلما سري عنه قال لي: " ياأنس، تدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش؟ " قال: قلت: بأبي وأمي، وما جاءك به جبريل من عند صاحب العرش؟ قال: " إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي "، ثم لم يزدنا على هذا.
قال الأمير: خيار - بالخاء المعجمة
عبد الملك بن أبي ذر الغفاري
قدم الشام مرابطاً مع سلمان الفارسي، وكان مرابط سلمان ببيروت روى عن أبيه أبي ذر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واصل بين يومين وليلة، فأتاه جبريل، فقال: إن الله قد قبل وصالك، ولا يحل لأحدٍ بعدك، وذلك لأن الله قال: " ثم أتموا الصيام إلى الليل " فلا صيام بعد الليل، وأمرني بالوتر بعد الفجر.
وقال عبد الملك: أمرني أبي بصحبة سلمان الفارسي، فصحبته إلى الشام، فرابطنا بها، حتى إذا انقضى رباطنا، أقبلنا نريد الكوفة، فلما أتينا إلى النجف قال لي سلمان: أهي هي؟ قال: قلت: لا - وكانت أبيات الحيرة - قال: فسرنا حتى بدت لنا أبيات الكوفة، فقال لي:(15/192)
أهي هي؟ قال: قلت: نعم، واهاً لك أرض البلية، وأرض التقية، والذي نفس سلمان بيده إني لأعلم أن لك زماناً لايبقى تحت أديم السماء مؤمنٍ إلا وهو فيك، أو يحن إليك، والذي نفس سلمان بيده، كأني أنظر إلى البلاء يصب عليك صباً، ثم يكشفه عنك قاصم الجبارين. والذي نفس سلمان بيده ماأعلم أنه تحت أديم السماء أبيات يدفع الله عنها من البلاء والحزن إلا دون مايدفع عنك، إلا أبياتاً أحاطت ببيت الحرام، أو بقبر نبيه عليه السلام. والذي نفس سلمان بيده كأني أنظر إلى المهدي قد خرج منك في اثني عشر ألف عنانٍ، لاترفع له راية إلا أكبها الله لوجهها حتى يفتح مدينة القسطنطينة.
عبد الملك بن رفاعة بن خالد بن ثابت بن ظاعن
ابن العجلان بن عبد الله بن صبح بن والبة بن نصر بن صعصعة بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو بن القين بن فهم بن عمرو بن سعد بن قيس بن عيلان الفهمي المصري أمير مصر. وليها من قبل الوليد بن عبد الملك بعد قرة بن شريك، ثم أقره سليمان بن عبد الملك، وعزله عمل بن عبد العزيز حين ولي الخلافة، فكانت إمرته على مصر ثلاث سنين. ووفد بعد ذلك على هشام بن عبد الملك إلى الشام، فولاه مصر، فقدمها وهو عليل مستهل المحرم سنة تسع ومائة، فكان الوليد بن رفاعة أخوه يخلفه عليها، فتوفي للنصف من المحرم، وكانت ولايته عليها خمس عشرة ليلة.
وكان يقول في هدية الإمام: هو السحت الظاهر(15/193)
عبد الملك بن سفيان - وقيل: ابن يسار، وهو أصح - الثقفي حدث عن ابي أمية الشعباني، عن معاذ بن جنبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثون نبوة، وثلاثون خلافة وملك، وثلاثون تجبر، وثلاثون جبروت، ولاخير فيما وراء ذلك.
وفي رواية: " ثلاثون خلافة نبوة، وثلاثون نبوة وملك، وثلاثون ملك وتجبر، وماوراء ذلك فلا خير فيه " وفي رواية: " ثلاثون نبوة، وثلاثون ملك وجبر، وماوراء ذلك فلا خير فيه. "
قال أبو نصر الحافظ: يسار: أوله ياء معجمة باثنتين من تحتها وسين مهملة
عبد الملك بن صالح بن علي
ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو عبد الرحمن الهاشمي كانت أمه أمة لمروان بن محمد، فشراها أبوه صالح. ولي دمشق من قبل هارون الرشيد، ثم حبسه خشية وثوبه على الخلافة، ثم أطلقه الأمين، وولاه الشام والجزيرة سنة أربعٍ وتسعين، وولي المدينة، والصوائف في أيام الرشيد.
روى عن عمه سليمان بن علي، عن عكرمة قال: إنا لمع عبد الله بن عباس عشية عرفة إذ أقبل أدمان يحملون فتى ىدم من بني(15/194)
عذرة، قد بلي بدنه، وكانت له حلاوة وجمال، حتى وقفوه بين يديه، ثم قالوا: استشف لهذا يابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: وما به؟ قال: فترنم الفتى بصوت ضعيف خفي لا يبين، وهو يقول: من الطويل
بنا من جوى الأحزان والحب لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب
ولكنما أبقى حشاشة معولٍ ... على ما به عود هناك صليب
وما عجب موت المحبين في الهوى ... ولكن بقاء العاشقين عجيب
ثم شهق شهقة، فمات.
قال عكرمة: فمازال ابن عباس بقية يتعوذ بالله من الحب ونقل عن مالك بن أنس: آل محمد كل من آمن بمحمد وقال: " العاملين عليها "، فقلا: له عبيد الله بن عمرو: ليس لكم فيها شيء، لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الصدقة لا تحل لنا أهل البيت " وبعث الرشيد إلى يحيى بن خالد بن برمك: إن عبد الملك بن صالح أراد الخروج علي، ومنازعتي في الملك، وعلمت ذلك، فأعلمني ما عندك فيه، فإنك إن صدقتني أعدتك إلى حالك الأول - وكان يحيى في الحبس - فقال: والله يا أمير المؤمنين، ما اطلعت من عبد الملك على شيء من هذا، ولو اطلعت عليه لكنت صاحبه دونك؛ لأن ملكك كان ملكي، وسلطانك كان سلطاني، والخير والشر كان فيه علي.
وولي عبد الملك بن صالح الجزيرة مرتين، وأقام الصائفة. وأوصى أمير السرية ببلاد الروم، فقال: أنت تاجر الله لعباده، فكن كالمضارب الكيس، الذي إن وجد ربحاً تجر، وإلا احتفظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك أشد خوفاً من احتيال عدوك عليك.
وكان يرسل الجفان فيها الكعك والسويق والتمر إلى رحل ابن المبارك، بأرض(15/195)
الروم، فيقول عبد الله بن المبارك للشرط: انطلقوا، لا حاجة لنا فيها.
وقال لمؤدب بنيه: يا عبد الرحمن، لا تطرني في وجهي؛ فأنا أعلم بنفسي منك، ولا تعني على ما يقبح، ودع عنك: كيف أصبح الأمير، وكيف أمسى الأمير؟ واجعل مكان التقريظ لي صواب الاستماع مني، واعلم أن صواب الاستماع أحسن من صواب القول؛ فإذا حدثتك فلا يفوتنك منه شيء، وأرني فهمك في طرفك. إني اتخذتك مؤدباً بعد أن كنت معلماً، وجعلتك جليساً مقرباً بعد أن كنت مع الصبيان مباعداً، ومتى لم تعرف نقصان ماخرجت منه لم تعرف رجحان ما صرت إليه.
وعزى الرشيد في ابن له توفي وهنأه بآخر ولد، فقال: يا أمير المؤمنين، أجرك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه جزاء " للشاكرين، وثواباً للصابرين.
وحكى الأصمعي: كنت عند الرشيد، ودعا بعبد الملك بن صالح - وكان معتقلاً في حبسه - فأقبل يرفل في قيوده، فلما مثل بين يديه التفت الرشيد، وقد كان يحدث يحيى بن خالد بن برمك، وهو يتمثل ببيت عمرو بن معدي كرب الزبيدي:
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
ثم قال: يا عبد الملك، كأني والله أنظر إلى شؤبوبها قد همع، وإلى عارضها قد لمع، وكأني بالوعيد قد أورى ناراً، فأبرز عن براجم بلا معاصم، ورؤوس بلا غلاصم. فمهلاً بني هاشم؛ فبي والله سهل لكم الوعر، وصفا لكم الكدر، وألقت إليكم الأمور أثناء أزمتها، فبدار تدارككم كم حلول داهية خبوط باليد والرجل.(15/196)
فقال عبد الملك: اتق الله، يا أمير المؤمنين، فيما ولاك، واحفظه في رعاياك التي استرعاك، ولاتجعل الكفر بموضع الشكر، والعقاب بموضع الثواب؛ فقد، والله، سهلت لك الوعور، وجمعت على خوفك، ورجائك الصدور، وشدد أواخي ملكك بأوثق من ركن يلملم.
فأعاده إلى محبسه، ثم أقبل على جلسائه، فقال: والله لقد نظرت إلى موضع السيف من عنقه مراراً، فمنعني من قتله إبقائي على مثله.
وأجاب يحيى بن خالد حين قال له: بلغني أنك حقود: إن كان الحقد هو بقاء الخير والشر إنهما لباقيان في قلبي وقيل: إن الذي سعى به إلى الرشيد ابنه عبد الرحمن، ومؤدب بنيه قمامة، فقالا له: إنه يطلب الخلافة، ويطمع فيها.
وقال بعد أن أخرجه الأمين من حبس الرشيد: والله إن الملك لشيء ما تمنيته، ولا نويته، ولا قصدت إليه، ولا ابتغيته. ولو أردته لكان أسرع إلى من السيل إلى الحدود، ومن النار في يبس العرفج؛ وإني لمأخوذ بما لم أجن، ومسؤول عما لا أعرف؛ ولكنه حين رآني للملك قمنا "، وللخلافة خطرا؟، ورأى لي يداً تنالها إذا مدت، وتبلغها إذا بسطت، ونفساً تكمل بخصالها، وتستحقها بخلالها، وإن كنت لم أختر تلك الخصال، ولم أترشح لها في سر، ولا أشرت إليها في جهر، ورآها تحن إلى حنين الواله، وتميل نحوي ميل الهلوك، وحاذر أن ترغب إلى خير مرغوب، وتنزع إلى خير منزوع عاقبني عقاب من قد سهر في طلبها، ونصب في التماسها، وتقدر لها بجهده، وتهيأ لها بكل حيلته.(15/197)
فإن كان حبسني على أني أصلح لها، وتصلح لي، وأليق بها، وتليق بي فليس ذلك بذنب فأتوب منه، ولا جرم فأرجع عنه، ولا تطاولت لها فأخطأتني. فإن زعم أنه لا صرف لعقابه، ولا نجاة من إغضابه إلا بأن أخرج له من الحلم والعلم، وأتبرأ إليه من الحزم والعزم؛ فكما لا يستطيع المضياع أن يكون حافظاً ولا يملك العاجز أن يكون حازماً كذلك العاقل لا يكون جاهلاً، ولا يكون الذكي بليداً، ولو أردتها لأعجلته عن التفكير، وشغلته عن التدبير، ولما كان من الخطاب إلا اليسير، ومن بذل الجهد إلا القليل، غير أني والله أرى السلامة من تبعاتها غنماً، والخف من أوزارها حظاً.
مات عبد الملك بن صالح بن علي بالرقة سنة ست وتسعين ومائة.
عبد الملك بن صدقة بن عبد الله بن جندب
روى عن أبيه، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن الله تبارك وتعالى قال: " من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة "
عبد الملك بن عبد الكريم
أبو الأصبغ الطبراني روى عن فهد بن موسى بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أعلمك كلماتٍ تعمل بهن، وتعلمهن الناس؟ كن ورعاً تكن أعبد الناس، واقنع بما رزقك الله تكن أغنى الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وأحسن إلى من جاوزك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك، فإنه يميت القلب "(15/198)
عبد الملك بن عبد الوهاب
أبو عبد الرحيم المطلبي روى عن أبي الفتح الغزنوي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": " الصوم جنة "
عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي أمه أم ولد. كان رجلاً صالحاً يعين أباه على رد المظالم، ويحثه على ذلك. مات في حياة أبيه.
قال لأبيه في أصحابه: أنفذ فيهم أمر الله، وإن جاشت بي وبك القدور وقال: يا أبت أقم الحق ولو ساعة من نهارٍ وكتب إليه عمر بن عبد العزيز: أما بعد؛ فإني أحضك على الشكر الذي اصطنع عندك من نعمه، وآتاك من كرامته؛ فإن نعمته يمدها شكره، ويقطعها كفره، وأكثر ذكر الموت الذي لا تدري متى يغشاك، وذكر يوم القيامة، وهو له وشدته؛ فإن في ذلك عوناً حسناً على الزهادة فيما رهدت فيه، والرغبة فيما رغبت فيه. وكن مما أوتيت من الدنيا على حذرٍ؛ فإنه من أمن ذلك ولم يتوقه أوشكت الصرعة أن تدركه في العمار حتى يضيع بعض الذي لا ينبغي له إضاعته. وأكثر النظر في دنياك التي تذهب آخرتك ما لم تعاهدها، واقتصر على ما أمرت به، فإن فيه شغلاً عما نهيت عنه، وفي الحق سعة لأهله، على ما كان من شدته وثقله. واعلم أن ذلك إمام الأعمال الصالحة، وأن عملا: لم يكن الحق قائده وإمامه عمل لا يزكو به(15/199)